Professional Documents
Culture Documents
وزارة التعليم
جامعة اإلمام حممد بن سعود
اإلسالمية
كلية الشريعة ابلرايض
قسم الفقه
إعداد الطالب:
عبدالرحمن بن سليمان بن صالح الغصن
إشراف:
د.عيسى بن سليمان العيسى
األستاذ المساعد في قسم الفقه بالكلية
العام الجامعي
1439 – 1438هـ
املقدمة
املقدمة
احلمد هلل رب العاملني ،وأشهد أن ال إله إال اهلل ،وحده ال شريك له ،وأشهد أن
حممداً عبده ورسوله ،صلى اهلل عليه وعلى آله وصحبه ،وسلم تسليماً كثرياً.
أما بعد:
فإن العلماء ما زال بعضهم يستدرك على بعض ،ويسدد بعضهم بعضا ،إذ ما من
عامل إال وله اجتهاد قد ال يوافق عليه ،وقد عين العلماء هبذا األمر حفظا جلناب العلم،
وأداء لواجب النصح لألمة.
وإن من العلماء الذين اعتنوا بذلك عثمان بن أمحد بن سعيد النجدي ¬،
وذلك يف حاشيته على املنتهى وشرحه على عمدة الطالب ،فقد نبه فيهما على كثري من
املواضع اليت هي حمل نظر وتعقب عنده ،وقد أظهر ¬ يف هذه التعقبات دقة يف النظر
والفقه ،األمر الذي جيعل دراستها وإبرازها من األمهية مبكان.
وملا كان من متطلبات احلصول على درجة املاجستري تقدمي رسالة علمية ختدم
التخصص ،فقد اخرتت البحث يف موضوع( :تعقبات عثمان النجدي على من سبقه
من احلنابلة) ،ومل أحصر هذا البحث يف عامل معني أو كتاب معني؛ وذلك ألن عثمان
¬ ينبه ويستدرك يف حاشيته على املنتهى ويف شرحه على عمدة الطالب على مواضع
من كتب احلنابلة ،وال يقتصر بالتنبيه على ما يف املنتهى أو العمدة.
وضابط هذه التعقبات :أنه مىت قال عثمان ¬ عن أمر( :فيه نظر) ،أو كان
اختيارا ،وإذا مل يكن هذا
ً ترجيحا أو
ً التعقب على العبارات ،أو األحكام إذا مل يتضمن
التعقب جوابا على تعقب آخر ،أو سبق أحد من العلماء عثما َن يف ذكر التعقب.
أهمية الموضوع:
تظهر أمهية املوضوع يف النقاط اآلتية:
-1-
املقدمة
( )1هو :حممد بن أمحد بن عبدالعزيز بن علي تقي الدين ابن شهاب الدين الفتوحي املصري ،الشهري بابن النجار ،ولد
مبصر ،وأخذ الفقه عن أبيه ،وتبحر يف العلوم حىت انتهت إليه رئاسة املذهب ،وكان يقال :إذا انتقل الفتوحي إىل
رمحة اهلل ،فسيموت بذلك فقه اإلمام أمحد من مصر ،ويل قضاء مصر ،وانفرد باإلفتاء والتدريس فيها ،ألف كتبا،
منها :منتهى اإلرادات ،وشرحه معونة أويل النهى ،وشرح الكوكب املنري ،وكتابه املنتهى هو معتمد املتأخرين يف حترير
املذهب ،وعليه الفتوى ،تويف ¬ سنة اثنتني وسبعني وتسعمائة .شذرات الذهب ( ،)571 /10والنعت األكمل
(ص ،)141 :والسحب الوابلة ( ،)854 /2واملدخل البن بدران (ص.)440 :
( )2هو :موسى بن أمحد بن موسى بن سامل بن عيسى بن سامل احلجاوي املقدسي ،مث الصاحلي ،شرف الدين ،أبو
النجا :من أكابر فقهاء احلنابلة ،وهو من أهل دمشق .كان مفيت احلنابلة وشيخ اإلسالم فيها .نسبته إىل (حجة)
من قرى نابلس ،له كتب ،منها (زاد املستقنع يف اختصار املقنع) ،و(حواشي التنقيح) ،و(شرح منظومة اآلداب
الشرعية) و(اإلقناع) ،وهذا اإلقناع من أجل كتب الفقه عند احلنابلة ،قال ابن العماد :مل يؤلف أحد مؤلفا مثله يف
حترير النقول وكثرة املسائل ،تويف سنة مثان وستني وتسعمائة .النعت األكمل (ص ،)124 :والسحب الوابلة (/3
،)1134واملدخل البن بدران (ص.)442 :
( )3هو :منصور بن يونس بن صالح الدين بن حسن بن أمحد بن علي بن إدريس البهويت شيخ احلنابلة يف عصره ،وكان
ممن انتهى إليه اإلفتاء والتدريس ،وكان إماما مهاما عالمة يف سائر العلوم ،ولد ¬ سنة ألف من اهلجرة ،أخذ العلم
عن مجلة من العلماء منهم اجلمال يوسف البهويت ،والشيخ عبدالرمحن البهويت ،وأخذ عنه العلم مجاعة ،منهم حممد
اخللويت ،وإبراهيم الصاحلي ،شرح اإلقناع واملنتهى وحشى عليهما ،وشرح املفردات والزاد ،وألف عمدة الطالب ،تويف
¬ سنة إحدى ومخسني وألف .النعت األكمل (ص ،)210 :والسحب الوابلة ( ،)1131 /3واملدخل البن
بدران (ص.)440 :
-2-
املقدمة
املنتهى حاشية نفيسة مفيدة جردها من هوامش نسخته تلميذه ابن عوض النابلسي،
فجاءت يف جملد ضخم ،وصنف هداية الراغب شرح عمدة الطالب ،حرره حتريرا نفيسا
فصار من أنفس كتب املذهب ...وكان خطه فائقا مضبوطا إىل الغاية ،بديع التقرير،
سديد األحباث والتحرير"(. )1
وقال عنه الشيخ عبداهلل البسام – ¬ –" :حىت مهر مهارة تامة يف الفقه ،وحقق
فيه ودقق ،وأطلق عليه لقب "احملقق" ،واشتهر يف مصر ونواحيها ،وقصد باألسئلة
واالستفتاء سنني عديدة"(. )2
أهداف الموضوع:
يهدف البحث يف هذا املوضوع إىل ما يأيت:
– 1مجع تعقبات عثمان النجدي ¬ الفقهية ،ودراستها.
– 2إبراز املستند الذي بىن عليه عثمان النجدي ¬ هذه التعقبات.
– 3موازنة هذه التعقبات مع األقوال املتعقب عليها.
الدراسات السابقة:
مل يتناول أحد من الباحثني هذا املوضوع بالدراسة.
منهج البحث:
أخذت يف إعداد البحث باملنهج اآليت:
أصور املسألة املراد حبثها تصويراً دقيقاً قبل بيان حكمها ،ليتضح املقصود منأوالًِّ :
دراستها.
ثانياً :يف دراسة املسائل أتبع ما يلي:
( )1ذكر النص الذي تعقبه عثمان ¬ مع شرحه وحتليله.
( )2ذكر نص عثمان ¬ يف التعقب مع شرحه وحتليله.
( )3ذكر مستند القول املتعقب عليه ومستند التعقب من أصول املذهب وقواعده
ومن األدلة الشرعية.
( )4حترير حمل اخلالف ،إذا كانت بعض صور املسألة حمل خالف ،وبعضها حمل
اتفاق.
( )5ذكر األقوال يف املسألة داخل املذهب احلنبلي ،وبيان من قال هبا من احلنابلة.
( )6االقتصار على اخلالف يف املذهب احلنبلي.
( )7توثيق األقوال من مصادرها ،ومن كتب أصحاهبا.
( )8الرتجيح ،مع بيان سببه وذكر مثرة اخلالف إن وجدت.
ثالثا :االعتماد على أمهات املصادر واملراجع األصيلة يف التحرير والتوثيق والتخريج
واجلمع.
رابعاً :الرتكيز على موضوع البحث وجتنب االستطراد.
خامساً :العناية بضرب األمثلة؛ وخاصة الواقعية.
سادساً :ترقيم اآليات ،وبيان سورها.
سابعاً :ختريج األحاديث وبيان ما ذكره أهل الشأن يف درجتها -إن مل تكن يف
الصحيحني أو أحدمها – فإن كانت كذلك فأكتفي ٍ
حينئذ بتخرجيها منهما.
ثامنا :ختريج اآلثار من مصادرها األصيلة ،واحلكم عليها ،وبيان ما نقله أهل
االختصاص فيها.
تاسعا :التعريف باملصطلحات ،وشرح الغريب الوارد يف صلب املوضوع.
-4-
املقدمة
-5-
املقدمة
املطلب الثاين :صحة الوضوء مباء حمرم إن كان املتوضئ جاهال أو ناسيا.
املطلب الثالث :ما يكون به املاء مستعمال.
املطلب الرابع :كراهية اسـ ـ ـ ـ ــتعمال املاء املختلك بغري مماز كدهن وقطع كافور ،أو
مبلح مائي مع احلاجة إليه.
املطلب اخلامس :طهورية ماء اإلبريق بعد إهراق بعضه على جناسة.
املطلب الســادس :ما يصــنع من أراد الغســل أو إزالة النجاســة عند اختالط طاهر
بطهور.
املطلب السابع :الصالة بثياب اشتبه فيها املباح باحملرم.
املطلب الثامن :لزوم غسل يدي قائم من نوم ليل إذا تذكر أثناء الطهارة األوىل.
املطلب التاسع :التسمية للوضوء بغري العربية.
املطلب العاشر :جتديد الوضوء ملا تسن له الطهارة.
املطلب احلادي عشر :صحة وضوء من أكره شخصا على صب املاء.
املطلب الثاين عش ـ ــر :املس ـ ــح على اخلف الذي لةبس بعد طهارة ةمس ـ ــح فيها على
اجلبرية.
املطلب الثالث عشر :إجياب الغسل على من قال يب جنية أجامعها كاملرأة.
املطلب الرابع عش ـ ــر :ص ـ ــحة طهارة من لزمه غس ـ ــل ووض ـ ــوء وإزالة جناس ـ ــة فتيمم
ونوى استباحة أمر يتوقف على الطهارة منها مجيعا.
املطلب اخلامس عش ـ ــر :قياس من عاد دم نفاس ـ ــها يف األربعني بعد انقطاعه على
املبتدأة اليت زاد دمها على اليوم والليلة قبل تكرره.
-6-
املقدمة
املطلب اخلامس :لزوم قراءة الفاحتة ملن ائتم مبحدث أو جنس جيهل ذلك.
املطلب السادس :من نسي مخس سجدات من أربع ركعات أو ثالث.
املطلب السابع :اكتفاء املسبوق جلرب سهوه بسجود اإلمام للسهو.
املطلب الثامن :حكم اجللوس بعد سجود التالوة.
املطلب التاسع :حكم من كرب لإلحرام يف فرض بعد شروعه باالحنناء للركوع.
املطلب العاش ـ ـ ـ ــر :ائتمام احلنبلي مبن ص ـ ـ ـ ــلى قبل اإلمام الراتب إذا كان يص ـ ـ ـ ــحح
ذلك.
املطلب احلادي عشـ ــر :إمامة من يبدل ضـ ــاد (املغضـ ــوب) و(الضـ ــالني) بظاء من
غري عجز.
املطلب الثاين عش ـ ــر :ص ـ ــالة اإلمام إذا أحرم أمامه أو خلفه أو عن يس ـ ــاره فذ مث
تقدم عليه.
املطلب الثالث عشر :صفة الريح اليت جيوز بسببها مجع الصالة.
املطلب الرابع عشر :حكم اجلمعة من مجاعة كلهم صم إال اخلطيب.
املطلب اخلامس عش ــر :من ركع مع اإلمام الركعة األوىل يف ص ــالة اجلمعة مث زحم
أو نام وحنوه ومل يزل عذره إال عند ركوع اإلمام يف الثانية.
-7-
املقدمة
املطلب الثاين :اعتبار كاف (كس ــفر) يف قول الفتوحي" :وعليه ال مع عذر معتاد
كسفر عن كل يوم ملسكني ما جيزئ يف كفارة" للتشبيه.
-8-
املقدمة
املطلب التاسع :قبض متعني احتا إىل حق توفية بغري رضا بائع.
املطلب العاشر :اشرتاط النية عند قضاء الدين.
املطلب احلادي عشر :إقراض الويل من مال موليه ملصلحة.
املطلب الثاين عشر :تشبيه الناظر واإلمام بسيد اجلاين.
املطلب الثالث عشر :ضمان املشرتي أرب الثمن.
-9-
املقدمة
- 10 -
املقدمة
املطلب الثاين :من علقت الوص ـ ـ ـ ـ ــية له حبض ـ ـ ـ ـ ــوره قبل املوت ،وقد أوص ـ ـ ـ ـ ــي لغريه،
فحضر بعده ،وقبل قبول من أوصي له أوال.
املطلب الثالث :علة صحة وصية املوصي إن قال لورثته" :أعطوا ثلثي أحدمها".
املطلب الرابع :ما ترثه من عتيق عتيقها من أعتقت وأخوها أبامها ،مث أعتق األب
عبدا ،مث مات األب واألخ ،مث مات العتيق.
المبح ثثث الرابع :التعقب ثثات في كت ثثاب اللع ثثان ،وكت ثثاب الع ثثدد ،وفي ثثه أربع ثثة
مطالب.
املطلب األول :إيهام عبارة الفتوحي يف قوله" :مث يزيد يف خامسـ ـ ـ ـ ـ ــة :وأن لعنة اهلل
عليه إن كان من الكاذبني" أنه يأيت يف اخلامسة بالشهادة.
املطلب الثاين :املدة اليت يلحق فيها نسب املولود من رجعية بطليقها.
- 11 -
املقدمة
املطلب الثالث :تض ـ ـ ــمني البينة ما تلف من املال إن ش ـ ـ ــهدت مبوت رجل مث بان
حيا.
املطلب الرابع :إدخال مس ـ ـ ـ ـ ــألة :نكاح الرجعية بعد انقطاع احليض ـ ـ ـ ـ ــة الثالثة وقبل
الغسل يف النكاح الفاسد.
مث إين أمحد اهلل عز وجل على ما أعان ويسـ ـ ــر من كتابة هذه الرسـ ـ ــالة ،فله احلمد
والشكر ،هو أهل الثناء واجملد ،ال أحصي ثناء عليه.
- 12 -
املقدمة
مث أثين بالشكر لوالدي الكرميني ،على ما بذاله من تربية ونصح وتوجيه وتشجيع،
فأسأل اهلل أن جيزيهما عين خري اجلزاء.
كما أتقدم بالشـ ــكر للمشـ ــرف العلمي هلذه الرسـ ــالة فضـ ــيلة الدكتور :عيسـ ــى بن
س ـ ـ ــليمان العيس ـ ـ ــى ،فقد كان نعم املوجه واحملفز ،فقد أفدت من توجيهاته وتس ـ ـ ــديداته،
وقد بذل من وقته وجهده ما يعجز اللســان عن شــكره ،فأســأل اهلل أن يكتب له األجر
اجلزيل ،وأن يبارك له يف علمه ووقته.
كما أشكر القائمني على جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية ،وأخص منهم
القائمني على كلية الش ـ ـ ـريعة ،وقسـ ـ ــم الفقه ،وأسـ ـ ــأل اهلل أن يبارك يف هذه اجلامعة ،وأن
جيعلها منارة خري وهدى.
كما ال أنس ـ ـ ــى أن أش ـ ـ ــكر زوجيت (أم بس ـ ـ ــام) على ص ـ ـ ــربها وتش ـ ـ ــجيعها وحتملها
النش ـ ـ ــغايل بالرس ـ ـ ــالة ،فقد كانت وما زالت توفر يل الوقت والراحة ملتابعة الكتابة وإجناز
الرسالة ،مع ما عندها من أعباء املنزل ومشاغل الدراسة.
واهلل أسـ ــأل أن جيعل هذا العمل خالصـ ــا لوجهه الكرمي ،وأن ينفع به كاتبه وقارئه،
وآخر دعوانا أن احلمد هلل رب العاملني ،وص ـ ـ ـ ـ ــلى اهلل وس ـ ـ ـ ـ ــلم على نبينا حممد وعلى آله
وصحبه أمجعني.
الباحث
عبدالرحمن بن سليمان بن صالح الغصن
alghusn@gmail.com
- 13 -
التمهيد
التمهيد
وفيه مطلبان:
• المطلب األول :التعري بعثمان النجدي.
• المطلب الثاني :معنى التعقبات ،وصيغها عند عثمان النجدي ،ومنهجه فيها.
- 14 -
المطلب األول :التعريف بعثمان النجدي(:)1
اسمه ونسبه:
هو عثمان بن أمحد بن س ـ ـ ـ ـ ــعيد بن عثمان بن قائد ،النجدي مولدا ،الدمش ـ ـ ـ ـ ــقي
رحلة ،القاهري مسكنا ومدفنا.
مولده:
حصل.
ولد يف العيينة من قرى جند ،فنشأ هبا ،وقرأ على علمائها حىت ّ
رحالته:
رحل إىل دمش ـ ـ ــق ،فأخذ عن علمائها ،ومهر يف الفقه واألص ـ ـ ــول والنحو وغريها،
وقرأ على مفيت احلنابلة بدمشــق ،الشــيخ حممد أيب املواهب ،فوقع بينهما نزاع يف مســألة:
إذا تس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاوى احلرير وغريه يف الظهور ،أو زاد احلرير ،إذا كان الثوب ةم َس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـدى باحلرير
وم ْل َح ًما بغريه ،وأخرجته الص ـ ـ ـ ــناعة فظهر الس ـ ـ ـ ــداء وخفيت اللُّ ْح َمة .فقال أبو املواهب: ة
باحلل ،وقال الش ـ ـ ـ ــيخ عثمان :باحلرمة ،وطال بينهما النزاع واملناظرة ،فاحتد الش ـ ـ ـ ــيخ أبو
املواهب على الشيخ عثمان ،فخر من الشام إىل مصر.
ويف القاهرة ،أخذ عن مجاعة من علمائها ،واختص بشـ ـ ـ ـ ـ ــيخ املذهب فيها العالمة
حممد بن أمحد اخللويت ،فأخذ عنه دقائق الفقه وعدة فنون ،وزاد انتفاعه به جدا.
مشايخه:
الشيخ حممد بن موسى البصريي النجدي. -1
الش ـ ـ ـ ـ ـ ــيخ العالمــة عبــد اهلل بن حممــد بن ذهالن ،وهو ابن عمتــه ،أكرب علمــاء -2
العيينة ،وقاضي الرياض.
( )1مجعت الرتمجة من :النعت األكمل (ص ،)253 :والسحب الوابلة ( ،)697 /2وعنوان اجملد ( ،)340 /2واملدخل
البن بدران (ص ،441 :و ،)444وعلماء جند (.)129 /5
- 15 -
الشيخ العالمة حممد أبو املواهب ،مفيت احلنابلة يف دمشق. -3
الش ـ ـ ـ ـ ـ ــيخ العالمة حممد بن أمحد اخللويت ،أخذ عنه دقائق الفقه يف القاهرة ،وقد -4
أجازه إجازة تفيد إعجاب الشيخ بتلميذه.
الشيخ الفقيه املؤرخ عبداحلي بن العماد احلنبلي ،صاحب الشذرات. -5
تالميذه:
انتفع به خلق كثري من النجديني والشاميني واملصريني ،منهم:
الشيخ أمحد بن عوض املرداوي النابلسي ،وهو الذي جرد حاشيته على املنتهى -1
من هوامش نسخة الشيخ عثمان.
الشيخ حممد ابن احلا مصطفى اجلييت. -2
الشيخ تا الدين اخللويت. -3
الشيخ حممد اجليلي ،وله منه إجازة. -4
مؤلفاته:
-1حاش ــية على منتهى اإلرادات ،قال عنها ابن محيد" :نفيس ــة مفيدة ،جردها من
هوامش نس ـ ــخته ،تلميذه ابن عوض النابلس ـ ــي ،فجاءت يف جملد ض ـ ــخم"(،)1
وقال ابن بدران" :وهي حاش ــية نافعة متيل إىل التحقيق والتدقيق"( ،)2وقال ابن
بسام" :حقق فيها ودقق ،وفصل فيها ،وقسم يف مواضع كثرية ،وحل فيها كثريا
من غوامض منت املنتهى ،فجاءت نفيسة جدا"(.)3
وفاته:
كانت وفاته مبصر ،يوم االثنني رابع عشر مجادى األوىل سنة 1097هـ ــ ،رمحه اهلل
تعاىل.
( )1ينظر :مقاييس اللغة ( ،)79 - 77 /4ولسان العرب (.)619 - 617 /1
( )2ينظر :بدائع الفوائد (.)57 /3
( )3ينظر :اإلنصاف ( ،)413 /8وتصحيح الفروع (.)50 /1
( )4ينظر :كشاف القناع ( ،)6 /2و(.)223 /5
( )5ينظر :حاشية اخللويت على منتهى اإلرادات ( ،)305 /2و( ،)304 /4و( ،)374 /4و(.)129 /5
( )6ينظر :حاشية املنتهى ( ،)52 /3و(.)440 /4
- 19 -
صيغ التعقبات عند عثمان النجدي ،ومنهجه فيها:
ميكن تقسيم طريقة عثمان ¬ يف تقرير تعقبه باعتبارين:
االعتبار األول :تقسث ث ثثيم التعقبات من حيث قوة التعقب بجزمه به ،وضث ث ثثعفه
بعدم الجزم ،وتنقسم بهذا االعتبار إلى ثالثة أقسام:
القسث ث ث ث ثثم األول :أن جيزم بــالتعقــب ،ويــذكر القول املختــار ،وهــذه أقوى املراتــب،
وغالبا ما يقول عثمان يف هذا القس ـ ــم عن القول املتعقب" :وفيه نظر" ،أو" :االف ما
ذكره فالن" ،أو" :وينبغي تقييده" ،وحنو ذلك من العبارات.
ومنه قوله" :قال منصـ ـ ـ ـ ـ ــور :تلخص :أن احلدث يرتفع عن أول جزء القى ،واملاء
يصــري مســتعمال بأول جزء انفصــل على الصــحيح ،كما أن املاء الوارد على حمل التطهري
يرفع احلدث مبجرد إص ـ ــابته وال يص ـ ــري مس ـ ــتعمال إال بانفص ـ ــاله .فإن قلت :الوارد مبحل
التطهري طهور يرفع احلــدث ،ويزيــل النجس مــا دام متص ـ ـ ـ ـ ـ ــال ،فهال كــان املغموس فيــه
كــذلــكت قلــت :إذا كــان واردا فهو طهور للمش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقــة ،االف املورود ،كمــا يف املالقي
للنجاسة ،انتهى.
وأقول :ال خيلو كالمــه من تنــافر ،حيــث جعلــه أوال كــالوارد ،وثــانيــا من املورود،
واألظهر :أن املاء الذي غةمس فيه بعض اجلنب بعد النية مورود تنسـ ــلب طهوريته مبجرد
املالق ــاة ألول جزء ،كم ــا يتنجس القلي ــل ب ــأول جزء يالقي ــه من النج ــاس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة إذا ك ــان
مورودا"(.)1
وقوله" :قوله( :وإن عني معلوم عيبه...إخل) فإن مل يعلم عيبه ،تعني أيضـ ـ ـ ـ ــا بدليل
البهويت"()2 ما بعده ،فهو مفهوم موافقة ،خالفا ملا يف شرح منصور
القسم الثاني :أن جيزم بالتعقب ،دون ذكر القول املختار ،وغالبا ما يقول عثمان
يف هذا القسم عن القول املتعقب" :وفيه نظر".
( )1حاشية املنتهى ( ،)16 – 15 /1وينظر :هداية الراغب ( ،)30 /1وهداية الراغب ( ،)35 /1وحاشية املنتهى (1
،)43 /وحاشية املنتهى ( ،)46 /1وهداية الراغب ( ،)81 /1وحاشية املنتهى (.)59 – 58 /1
( )2حاشية املنتهى (.)188 /2
- 20 -
ومنه قوله" :ولو قالت :يب جين جيامعين كالرجل فعليها الغس ـ ـ ـ ــل ،قاله يف اإلقناع.
قال الش ـ ـ ـ ـ ــيخ منص ـ ـ ـ ـ ــور البهويت :قلت :وعلى ما ذكره املص ـ ـ ـ ـ ــنف لو قال رجل :يب جنية
أجامعها كاملرأة فعليه الغسل .انتهى .وفيه نظر"(.)1
وقوله" :وإذا نوى اســتباحة أمر يتوقف على وضــوء ،وغســل ،وإزالة جناســة ،أجزأه
عن ذلك ،وإذا نوى حدثا وأطلق مل جيزئه عن شـ ـ ـ ــيء .كذا حبثه شـ ـ ـ ــيخنا حممد اخللويت،
وفيه نظر"(.)2
القسم الثالث :أن يذكر التعقب على وجه الرتدد ،وغالبا ما يقول عثمان يف هذا
القسم عن القول املتعقب" :وفيه تأمل" ،أو "فليحرر" ،وحنو ذلك من العبارات.
ومنه قوله" :فائدة :قوهلم :ال تصـ ـ ـ ـ ـ ــح الطهارة عن احلدث مبغصـ ـ ـ ـ ـ ــوب ،أو ما مثنه
املعني غصــب .قال يف املبدع :كالصــالة يف ثوب مغصــوب .قاله منصــور .قلت :فيؤخذ
منه :تقييده مبا إذا كان عاملا ذاكرا ،كما يأيت يف الصـ ـ ـ ـ ــالة ،وإال صـ ـ ـ ـ ــحت؛ ألنه غري آمث
إذن ،انتهى .وقد يفرق :بأن املنع هنا أقوى؛ لتلف العني ،االف الص ــالة ،فال يلزم من
اغتفار اجلهل والنسيان يف الصالة ،اغتفارمها يف الطهارة وإن اشرتكا يف عدم اإلمث"(.)3
وقوله(" :ال كلهم) علم منه :أهنم لو كانوا خرس ــا إال اخلطيب ،أو كانوا ص ــما إال
واحدا يسمع؛ صحت مجعتهم .قاله يف شرح اإلقناع ،وفيه تأمل"(.)4
( )1حاشية املنتهى ( ،)81 /1وينظر :حاشية املنتهى ( ،)9 /1و(.)49 /1
( )2حاشية املنتهى (.)105 /1
( )3حاشية املنتهى ( ،)13 /1وينظر :هداية الراغب ( ،)24 /1وحاشية املنتهى (.)134 /1
( )4حاشية املنتهى (.)353 /1
- 21 -
االعتبار الثاني :تقس ث ث ث ثثيمها من جهة ذكره موض ث ث ث ثثع التعقب ،وتنقس ث ث ث ثثم بهذا
االعتبار إلى قسمين:
القسم األول :أن يبني موضع التعقب.
فمن ذلـك قولـه" :فـائـدة :قـال يف اإلقنـاع :ولو تقوى على أداء عبـادة بـأكـل حمرم
ص ـ ـ ـ ــحت .قال يف ش ـ ـ ـ ــرحه :ألن النهي ال يعود إىل العبادة ،وال إىل ش ـ ـ ـ ــروطها ،فهو إىل
خار عنها ،وذلك ال يقتضي فسادها ،لكن لو حج بغصب عاملا ذاكرا مل يصح حجه
على املذهب .انتهى .وكأنه يشري إىل أن كالم اإلقناع ليس على إطالقه ،بل يستثىن من
العبادات احلج ،فإذا اســتعان عليه بأكل حمرم؛ مل يصــح حجه .كما قال يف املنتهى( :أو
حج بغص ـ ـ ــب عاملا ذكرا) وفيه نظر؛ فإن االس ـ ـ ــتعانة بأكل احلرام على الص ـ ـ ــالة او احلج
عائدة فيهما إىل خار ،فإذا صحت الصالة مع كوهنا آكد من احلج؛ فألن يصح احلج
أوىل .فــاألظهر :بقــاء كالم اإلقنــاع على عمومــه ،ومحــل كالم املنتهى على مــا إذا طــاف
طواف الفرض يف س ــرتة مغص ــوبة ،أو وقف ،أو س ــعى على دابة مغص ــوبة ،فإن ذلك ال
يصح ،كالصالة ،أما األكل؛ فهو خار فيهما .فتدبر"(.)1
القسث ث ثثم الثاني :أال يبني موض ـ ـ ــع التعقب ،وإمنا يذكر أن قول فالن هنا فيه نظر،
دون بيان قوله ،وموضع النظر.
فمن ذلك قوله" :قوله( :إال ضاد املغضوب...إخل) حمصل هذا الكالم :أن األمي
ال تصــح إمامته إال مبثله حيث كان ذلك عجزا ،إال من يبدل الضــاد يف املوضــعني بظاء
عجزا ،فإهنا تصـ ـ ـ ــح إمامته ،ولو بغري مثله ،خالفا للمغين وابن نصـ ـ ـ ــر اهلل ،س ـ ـ ـ ـواء عرف
الفرق ام ال ،كما يفهم من حاش ـ ـ ـ ـ ـ ــية املنتهى .ويف كالمه يف ش ـ ـ ـ ـ ـ ــرح اإلقناع نظر .واهلل
أعلم"(.)2
- 23 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
- 24 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
المطلب األول :اعتبار غسل الميت موجبا للطهارة ألنه في معنى
الحدث.
صورة المسألة:
القول املشهور يف مذهب احلنابلة أن غسل امليت من نواقض الوضوء( ،)1ويرتتب
على هذه املســألة مســألة أخرى ،وهي حمل البحث هنا ،وهي :هل غســل امليت حدث،
أو هو مبعىن احلدثت
القول المتعقب:
غس ــل امليت موجب للطهارة؛ ألنه يف معىن احلدث ،وليس هو حدثا بذاته ،وهذا
هو قول الفتوحي ،قــال ¬(" :ومــا يف معنــاه) أي معىن ارتفــاع احلــدث ،كــالغس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل
للميت؛ فإنه تعبدي ال عن حدث"( ،)2وقد قال هبذا القول صـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاحب الغاية(،)4()3
والبهويت(.)5
التعقب:
غس ـ ـ ـ ــل امليت موجب للطهارة؛ ألنه حدث ،وهذا هو تعقب عثمان ،قال ¬:
"مث قول من قال :أن احلاص ــل بغس ــل امليت يف معىن ارتفاع احلدث؛ ألنه تعبدي ال عن
( )1ينظر :اإلنصاف ( ،)215 /1و كشاف القناع ( ،)130 /1وشرح املنتهى (.)73 /1
( )2معونة أويل النهى (.)154 /1
( )3ينظر :غاية املنتهى (.)50 /1
( )4صاحب الغاية هو :مرعي بن يوسف بن أيب بكر الكرمي نسبة لطولكرم قرية بقرب نابلس مث املقدسي أحد أكابر
علماء هذا املذهب مبصر ،كان فقيها حمدثا ،ذا اطالع واسع ،وله معرفة تامة بالعلوم العقلية والنقلية ،وله مؤلفات
كثرية ،شارفت على املائة كتاب ،منها :دليل الطالب ،وغاية املنتهى ،تويف سنة ¬ ثالث وثالثني وألف .النعت
األكمل (ص ،)189 :والسحب الوابلة (.)1118 /3
( )5ينظر :شرح املنتهى ( ،)13 /1وكشاف القناع ( ،)24 /1والروض املربع حباشية ابن قاسم ( ،)57 /1وحاشية
منتهى اإلردات = إرشاد أويل النهى لدقائق املنتهى (.)12 /1
- 25 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
حدث ،فيه نظر ،فإن احلدث كما ص ـ ـ ـ ـ ــرحوا به :ما أوجب وض ـ ـ ـ ـ ــوءا أو غس ـ ـ ـ ـ ــال ،ال أن
احلدث ما عقل معناه ،فتنبه له ،واهلل أعلم"(.)1
الترجيح:
الذي يظهر واهلل أعلم ص ـ ـ ـ ـ ـ ــحة ما ذهب إليه عثمان ¬؛ وذلك للدليل الذي
ذكره ،وألن املتعقب عليهما ،قد علال مسألة إجياب الوضوء من غسل امليت ،بأن ذلك
مظنة مس العورة ،قال الفتوحي ¬" :وألن الغاسـ ـ ـ ـ ــل ال يسـ ـ ـ ـ ــلم من مس عورة امليت
غالبا ،فأقيم مقامه ،كالنوم مع احلدث"( ،)4وقال البهويت ¬" :وألن الغاسل ال يسلم
غالبا من مس عورة امليت .فأقيم مقامه ،كالنوم مع احلدث"( ،)5ومس العورة حدث،
فتنزيل غسل امليت منزلة مس العورة يصريه حدثا مثله.
وقد نقل املرداوي( ¬ )1عن كثري من األص ـ ـ ــحاب أن هذه املس ـ ـ ــألة مبنية على
القول بإجياب الوضــوء من مس الفر ،قال ¬" :قيد يف الرعاية مســألة نقض الوضــوء
بغسله :مبا إذا قلنا ينقض مس الفر ،وهو ظاهر تعليل كثري من األصحاب"(.)2
وألن كثريا من موجبات الوض ـ ـ ـ ــوء والغس ـ ـ ـ ــل ال يعقل معناها ،بل األص ـ ـ ـ ــل يف هذا
الباب هو التعبد ،وتلمس بعض العلماء للحكمة من إجياب الوضوء ألجل أمر معني ال
خير هذا األمر من كونه تعبدي ،واهلل أعلم.
وقد حبثت عن أول من أدخل لفظة( :وما يف معناه) أو ما يش ـ ـ ـ ـ ــبهها من األلفا
البعلي()3 يف تعريف الطهارة من علماء املذهب ،فوجدت – حسـ ــب ما ظهر يل – أنه
¬ ص ـ ــاحب املطلع ،حيث قال يف تعريف الطهارة" :وهي يف الش ـ ــرع :ارتفاع ما مينع
الص ـ ــالة ،وما أش ـ ــبهه من حدث أو جناس ـ ــة باملاء ،أو ارتفاع حكمه بالرتاب ،فدخل يف
ارتفاع ما مينع الصـ ـ ــالة :الوضـ ـ ــوء ،والغسـ ـ ــل ،وغسـ ـ ــل النجاسـ ـ ــة ،وفيما أشـ ـ ــبهه :جتديد
الوضوء ،واألغسال املستحبة ،والغسلة الثانية والثالثة ،ودخل يف ارتفاع حكمه بالرتاب:
التيمم ،ف ــإن ــه يرفع حكم م ــا مينع الص ـ ـ ـ ـ ـ ــالة ،وال يرفع احل ــدث على الص ـ ـ ـ ـ ـ ــحيح من
املذهب"( ،)4وقد أش ـ ـ ـ ــار الربهان ابن مفلح( )5إىل أن البعلي هو أول من أض ـ ـ ـ ــاف هذا
( )1حمرر املذهب ومنقحه اإلمام العالمة علي بن سليمان بن أمحد بن حممد املرداوي مث الدمشقي الصاحلي ،عالء الدين
أبو احلسن ،من تصانيفه" :اإلنصاف تصحيح املقنع" و "تصحيح الفروع" ،وكتاب "التنقيح ىف تصحيح املقنع"،
وكتاب "التحرير ىف األصول" و "شرحه" ،تويف سنة مخس ومثانني ومثامنائة .اجلوهر املنضد يف طبقات متأخري
أصحاب أمحد ( ،)100 /1والضوء الالمع ألهل القرن التاسع ( ،)225 /5والسحب الوابلة (.)739 /2
( )2اإلنصاف (.)216 /1
( )3حممد بن أيب الفتح بن أيب الفضل البعلي الفقيه احملدث النحوي مشس الدين أبو عبد اهلل ،عين باحلديث وتفقه على
الشيخ مشس الدين بن أيب عمر ،وقرأ العربية واللغة على ابن مالك والزمه ،تويف سنة تسع وسبعمائة .ذيل طبقات
احلنابلة ( ،)372 /4واملقصد االرشد (.)485 /2
( )4املطلع (ص.)15 :
( )5إبراهيم بن حممد بن عبد اهلل بن حممد بن مفلح بن حممد بن مفر بن عبد اهلل القاضي برهان الدين أبو إسحاق بن
الشيخ أكمل الدين أيب عبد اهلل بن الشرف أيب حممد ابن العالمة صاحب الفروع يف املذهب الشمس املقدسي.
ولد سنة 816ه أو قبلها بقليل ،أخذ العلم عن مجلة ،منهم احلافظ ابن حجر وابن نصر اهلل ،ويل القضاء ،وألف
- 27 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
القيد ،قال ¬" :زاد ابن أيب الفتح :وما يف معناه"( ،)1وتفس ـ ـ ـ ـ ـ ــري البعلي لقوله :وما
أشــبهه ،بأنه كتجديد الوضــوء واألغســال املســتحبة يبني أن املراد هبذا القيد هو اإلشــارة
إىل األمور اليت يس ــتحب هلا الوض ــوء وال جيب ،وأما الوض ــوء من غس ــل اجلنازة فهو أمر
واجب ال مستحب ،وهبذا يتبني رجحان ما ذهب إليه عثمان ¬ ،واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
اخلالف لفظي.
يف الفقه واألصول والرتاجم ،تويف ¬ سنة 884ه .الضوء الالمع ( ،)152 /1وشذرات الذهب (،)507 /9
والسحب الوابلة ( ،)60 /1ومنادمة األطالل (ص.)232 :
( )1املبدع ( )21 /1وينظر :اإلنصاف (.)20 /1
- 28 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
المطلب الثاني :صحة الوضوء بماء محرم إن كان المتوضئ جاهال
أو ناسيا.
صورة المسألة:
إذا توضأ املكلف مباء حمرم كاملغصوب أو ما مثنه املعني غصب ،فهل يشرتط كون
املكلف عاملا بذلك ذاكرا له حال تطهره حىت يقال :إنه ال تص ــح طهارته من هذا املاءت
أو نقول إن الطهارة ال تصح مطلقا حىت وإن كان جاهال أو ناسيات
القول المتعقب:
يش ـ ـ ـ ـ ـ ــرتط كون املكلف ع ــامل ــا ذاكرا حىت يق ــال :إن طه ــارت ــه من امل ــاء احملرم غري
صحيحة ،وهذا هو قول البهويت ،قال ¬(" :ال تصح الطهارة) ،أي :الوضوء والغسل
(به)؛ لتحرمي اس ـ ـ ـ ـ ـ ــتعماله( ،كماء مغص ـ ـ ـ ـ ـ ــوب ،أو) ماء (مثنه املعني حرام) يف البيع ،فال
يص ـ ــح الوض ـ ــوء بذلك ،وال الغس ـ ــل به؛ حلديث(( :من عمل عمال ليس عليه أمرنا فهو
رد))( .)1قال يف املبدع :ال تصح الطهارة مباء مغصوب ،كالصالة يف ثوب مغصوب(.)2
انتهى .قلــت :فيؤخــذ منــه تقييــده مبــا إذا كــان عــاملــا ذاكرا كمــا يــأيت يف الص ـ ـ ـ ـ ـ ــالة ،وإال
صحت؛ ألنه غري آمث إذن"(.)3
وهو ظاهر قول صاحب مطالب أويل النهى( ،)4واختاره الشطي(.)6()5
( )1رواه مسلم :كتاب األقضية ،باب نقض األحكام الباطلة ورد حمدثات األمور ،ح(.)1718
( )2املبدع (.)27 /1
( )3كشاف القناع (.)30 /1
( )4ينظر :مطالب أويل النهى (.)27 /1
( )5الشيخ حسن بن عمر بن معروف بن عبد اهلل بن مصطفى الشطي الدمشقي احلنبلي البغدادي األصل ،والدته يف
صفر سنة مخس ومائتني وألف ،الزم الشيخ مصطفى السيوطي شارح الغاية ،وأخذ عنه علوما شىت ،انتهت إليه
رئاسة املذهب بالشام ،تويف سنة ألف ومائتني وأربع وسبعني .السحب الوابلة ( ،)359 /1وحلية البشر يف تاريخ
القرن الثالث عشر (ص.)478 :
( )6ينظر :جتريد زوائد الغاية والشرح (.)28 /1
- 29 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
التعقب:
الوض ـ ـ ــوء مباء حمرم غري ص ـ ـ ــحيح ،ولو كان املتوض ـ ـ ــئ ناس ـ ـ ــيا أو جاهال ،وهذا هو
تعقب عثمان ،قال ¬" :وقد يفرق :بأن املنع هنا -أي يف الوضـ ـ ـ ـ ــوء والغسـ ـ ـ ـ ــل مباء
مغصوب -أقوى؛ لتلف العني ،االف الصالة ،فال يلزم من اغتفار اجلهل والنسيان يف
الصالة اغتفارمها يف الطهارة ،وإن اشرتكا يف عدم اإلمث"(.)1
وإىل هذا أشار صاحب الغاية ،وذلك يف قوله" :والطهور أنواع :ما حيرم استعماله،
وال يرفع حــدثــا -ويتجــه :ولو لنــاس -ويزيــل اخلبــث ،وهو مــا ليس مبــاحــا"( ،)2قــال يف
شــرحه(" :ويتجه :ولو) اســتعمل يف رفع حدث (لناس) حرمته فال يرتفع حدثه؛ إذ كون
املاء مباحا شرط يف رفع احلدث ،وهو ال يسقك بالنسيان"(.)3
الترجيح:
الذي يظهر رجحان قول منص ـ ـ ـ ـ ــور البهويت ¬ ،وذلك لتس ـ ـ ـ ـ ــوية غري واحد من
علماء املذهب بني هذه املسـ ــألة ،ومسـ ــألة الصـ ــالة يف ثوب مغصـ ــوب ،وقد نص ـ ـوا على
صحة صالة اجلاهل والناسي يف الثوب املغصوب( ،)2فتلحق أحكام هذه املسألة بتلك.
وقد أجاب الش ــطي ¬ على قول عثمان بقوله" :لكن ما قرره يف ش ــرح اإلقناع
أظهر؛ ألنــه جي ـاب عن الفرق بــأن إتالف العني مض ـ ـ ـ ـ ـ ــمون ،فكــأنــه مل يتلف ،فال فرق
فيساوي الصالة ،فتأمل"(.)3
وميكن أن جياب أيض ـ ــا على قول عثمان بقول اخللويت(" :¬ )4وكالوض ـ ــوء مباء
مغصوب ،فإن النهي عنه ألمر خار عنه ،وهو الغصب ،ينفك عنه باإلذن من صاحبه
أو امللك وحنوه"(. )5
ثمرة الخالف:
إذا توض ـأ املكلف مباء حمرم كاملغص ــوب أو ما مثنه املعني غص ــب ،وكان جاهال أو
ناس ـ ــيا أن هذا املاء حمرم ،فعلى القول األول تص ـ ــح طهارته هبذا املاء ،وعلى القول الثاين
الطهارة ال تصح مطلقا حىت وإن كان جاهال أو ناسيا.
- 32 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
المطلب الثالث :ما يكون به الماء مستعمال.
صورة المسألة:
املش ـ ـ ـ ـ ـ ــهور من مــذهــب احلنــابلــة أن املــاء الــذي انغمس فيــه بعض جنــب بنيــة رفع
احلدث ينتقل هبذا االنغماس من قس ـ ـ ــم الطهور إىل قس ـ ـ ــم الطاهر( ، )1وينبين على هذا
مس ـ ـ ــألة ،وهي هل يكون املاء مس ـ ـ ــتعمال ،وينتقل من كونه طهورا إىل كونه طاهرا مبجرد
املالقاة ،أم أنه ال حيكم عليه بذلك إال بعد انفصالهت
القول المتعقب:
املاء ال يكون مســتعمال إال بعد انفصــال العضــو الذي غمس فيه عنه ،وهذا قول
منصور البهويت ،قال ¬" :تلخص :أن احلدث يرتفع عن أول جزء القى ،واملاء يصري
مسـ ــتعمال بأول جزء انفصـ ــل على الصـ ــحيح ،كما أن املاء الوارد على حمل التطهري يرفع
احلدث مبجرد إصــابته وال يصــري مســتعمال إال بانفصــاله .فإن قلت :الوارد مبحل التطهري
طهور يرفع احلدث ،ويزيل النجس ما دام متصال ،فهال كان املغموس فيه كذلكت قلت:
إذا كان واردا فهو طهور للمشقة ،االف املورود ،كما يف املالقي للنجاسة"(.)2
وقد قال هبذا القول ابن قدامة( ،)4()3والشارح( ،)5وشيخ اإلسالم(،)6
( )1ينظر :اإلنصاف ( ،)35 /1واملنتهى ( ،)15 /1وكشاف القناع (.)32 /1
( )2حواشي اإلقناع للبهويت ( ،)96-95 /1وينظر :كشاف القناع (.)35 /1
( )3هو :عبد اهلل بن أمحد بن حممد ابن قدامة املقدسي مث الدمشقي الصاحلي الفقيه الزاهد شيخ اإلسالم وأحد األئمة،
كان إماما متفننا ،ألف يف الفقه واألصول والعقيدة والسلوك واحلديث ،فمن كتبه املغين والكايف واملقنع وروضة الناظر
وملعة االعتقاد والتوابني والرقة وخمتصر العلل للخالل وغريها ،تفقه عليه خلق كثري منهم ابن أخيه الشيخ مشس الدين
بن أيب عمر ومسع منه احلديث خالئق من األئمة واحلفا ،وكان ¬ حممود السرية ،ذا عبادة وتنسك ،تويف سنة
عشرين وستمائة .تاريخ اإلسالم ت بشار ( ،)601 /13وذيل طبقات احلنابلة ( ،)281 /3واملقصد االرشد (/2
.)15
( )4ينظر :املغين ( ،)18 /1والكايف (.)27 /1
( )5ينظر :الشرح الكبري (.)20 /1
( )6أمحد بن عبد احلليم بن عبد السالم بن عبد اهلل بن أيب القاسم بن اخلضر بن حممد ابن تيمية احلراين ،مث الدمشقي،
اإلمام الفقيه ،اجملتهد احملدث ،احلافظ املفسر ،األصويل الزاهد .تقي الدين أبو العباس ،شيخ اإلسالم وعلم األعالم،
- 33 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
التعقب:
تعقب عثمان ¬ البهويت هنا يف موضــعني ،املوضــع األول يف اختياره املنصــوص
عليه يف القول املتعقب ،وقرر عثمان أن املاء يكون مسـ ـ ـ ــتعمال وتنسـ ـ ـ ــلب طهوريته بأول
جزء القى حمل التطهري ،قال ¬" :وأقول :ال خيلو كالمه من تنافر( ،)6حيث جعله
أوال كــالوارد ،وثــانيــا من املورود ،واألظهر :أن املــاء الــذي غةمس فيــه بعض اجلنــب بعــد
النية مورود تنس ـ ـ ـ ـ ـ ــلب طهوريته مبجرد املالقاة ألول جزء ،كما يتنجس القليل بأول جزء
يالقيه من النجاسة إذا كان مورودا"(.)7
وشهرته تغين عن اإلطناب ،ولد سنة إحدى وستني وستمائة حبران ،أخذ الفقه واألصول عن والده ،وعن الشيخ
مشس الدين بن أيب عمر ،والشيخ زين الدين بن املنجا ،أخذ عنه العلم خلق كثري ،منهم ابن القيم وابن مفلح
صاحب الفروع ،تويف سنة مثان وعشرين وسبعمائة .ذيل طبقات احلنابلة ( ،)491 /4واملقصد االرشد (.)132 /1
( )1حممد بن عبد اهلل بن حممد الزركشي املصري ،كان إماما يف املذهب ،له تصانيف مفيدة ،أشهرها شرح اخلرقي مل
يسبق إىل مثله ،تويف سنة اثنتني وسبعني وسبعمائة .شذرات الذهب ( ،)384 /8والسحب الوابلة (،)966 /3
واملدخل البن بدران (ص.)419 :
( )2اإلنصاف (.)43 /1
( )3ينظر :اإلقناع (.)6 /1
( )4ينظر :منتهى اإلرادات (.)15 / 1
( )5ينظر :غاية املنتهى (.)53 / 1
( )6يقصد كالم منصور البهويت السابق ذكره.
( )7حاشية املنتهى (.)16 – 15 / 1
- 34 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
وقد قال هبذا القول القاضي أبو يعلى( ،)2()1وصاحب الرعاية( ،)3واحلاوي(.)4
قال يف اإلنصـ ــاف" :وقيل :يصـ ــري مسـ ــتعمال بأول جزء القاه ،قدمه يف الرعايتني،
واحلــاويني ،والتلخيص .وقــال :على املنص ـ ـ ـ ـ ـ ــوص ،وحكى األول احتمــاال .وأطلقهمــا يف
الفروع( ،)5وابن متيم( .)7(")6وهذا موضع التعقب األول لعثمان.
وأمثثا تعقبثثه الثثثاني ،فقــد تعقــب البهويت ¬ يف تقريره ،وبيــان ذلــك أن البهويت
¬ قد أشار إىل مسألتني:
األوىل :أن احلدث يرتفع عن أول جزء القى ،واس ـ ـ ـ ـ ــتدل هلذه املس ـ ـ ـ ـ ــألة عله املاء
الذي انغمس فيه بعض جنب بنية رفع احلدث من جنس املاء الوارد على حمل التطهري
ال املورود ،وإذا كان كذلك فاملاء الوارد على حمل التطهري يرفع احلدث مبجرد إص ـ ـ ـ ـ ـ ــابته،
فقال ¬" :كما أن املاء الوارد على حمل التطهري يرفع احلدث مبجرد إصابته"(.)8
والثانية :أن املاء يصري مستعمال بأول جزء انفصل ،واستدل هلذه املسألة بالقياس
على املاء الوارد على حمل التطهري ،فإنه ال يكون مستعمال إال بانفصاله.
( )1هو :حممد بن احلسني بن حممد بن خلف بن أمحد بن الفراء أبو يعلى ،حامل لواء املذهب ،وشيخه ،وناشره يف
زمانه ،وأول حنبلي ويل القضاء ،كان عامل زمانه وفريد عصره وأوانه ،وكان له يف األصول والفروع القدم العايل ،أخذ
الفقه عن أيب حامد ،وأخذ عنه العلم خلق كثري ،منهم أبو اخلطاب ،ألف عدة كتب ،منها :الروايتني والوجهني،
والتعليقة الكبرية ،والعدة ،وإبطال التأويالت ،وغريها ،تويف سنة مثان ومخسني وأربعمائة .طبقات احلنابلة (،)193 /2
وتاريخ اإلسالم ت بشار ( ،)101 /10واملقصد االرشد ( ،)395 /2واملدخل املفصل لبكر أبو زيد (.)463 /1
( )2ينظر :املبدع ( ،)32 /1وحواشي اإلقناع للبهويت (.)94 /1
( )3ينظر :الرعاية يف الفقه (.)126 /1
( )4ينظر :احلاوي (.)67 /1
( )5ينظر :الفروع (.)76 /1
( )6حممد بن متيم احلراين الفقيه ،أبو عبد اهلل ،صاحب " املختصر يف الفقه ،املشهور :وصل فيه إىل أثناء الزكاة .وهو
يدل على علم صاحبه ،وفقه نفسه ،وجودة فهمه ،تفقه على الشيخ جمد الدين ابن تيمية ،وعلى أيب الفر بن أيب
الفهم .أدركه أجله شابا ،ومل يتحقق من سنة موته ،وهو قريب من سنة مخس وسبعني وستمائة .ذيل طبقات احلنابلة
( )132 - 131 /4واملقصد االرشد ( ،)386 /2واملدخل إىل مذهب اإلمام أمحد البن بدران (ص.)417 :
( )7اإلنصاف (.)43 /1
( )8حواشي اإلقناع للبهويت ( ،)96-95 /1وينظر :كشاف القناع (.)35 /1
- 35 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
مث أورد إيرادا على املس ـ ـ ـ ــألة الثانية ،وهو :أن هذا القياس ينبين عليه مس ـ ـ ـ ــاواة املاء
الــذي انغمس فيــه بعض جنــب بنيــة رفع احلــدث بــاملــاء املرتدد على حمــل التطهري ،ويرد
على هذا أنه يلزم منه القول بأن املاء الذي انغمس فيه بعض جنب بنية رفع احلدث أنه
طهور قبل انفصـ ــال اجلنب عنه ،فيصـ ــح وضـ ــوء غريه منه قبل انفصـ ــاله ،مث أجاب ¬
عن هذا اإليراد بالفرق بني املاءين ،فاملاء املرتدد على حمل التطهري حيكم عليه بأنه طهور
قبل انفص ــاله للمش ــقة؛ ألنه من جنس املاء الوارد ال املورود ،وأما املاء الذي انغمس فيه
بعض جنــب بنيــة رفع احلــدث ،فهو من جنس املــاء املورود ال الوارد ،فال يكون طهورا؛
لعدم وجود املشقة ،وقياسا على املالقي للنجاسة ،وهذا وجه الفرق بينه وبني املاء املرتدد
على حمل التطهري ،وإذا كان كذلك فيس ــقك هذا اإليراد الذي أش ــار إليه منص ــور بقوله:
"فإن قلت :الوارد مبحل التطهري طهور يرفع احلدث ،ويزيل النجس ما دام متصال ،فهال
كان املغموس فيه كذلكت"(.)1
فيتبني مما سبق أن وجه تعقب عثمان ¬ الثاين هو أن البهويت جعل املاء الذي
انغمس فيه بعض اجلنب مرة من جنس املاء الوارد ،وذلك يف املسـ ـ ـ ـ ـ ــألة األوىل ،ومرة من
جنس املاء املورود ،وذلك يف املسألة الثانية.
الترجيح:
الذي يظهر واهلل أعلم أن القول الراجح يف التعقب األول هو قول منصــور ¬؛
وذلك التفاق صاحيب اإلقناع( )2واملنتهى( )3عليه.
وأما التعقب الثاين ،فما تعقب به عثمان ¬ تقرير البهويت وجيه ،ولكن تعقب
التقرير ال يعين أن القول ساقك ،واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
لو غمس جنب بعض جس ـ ـ ـ ـ ـ ــده يف ماء قليل ال يبلا القلتني بنية التطهر ،مث جاء
جنب آخر فغمس بعض جسده يف ذلك املاء قبل انفصال شيء من جسد اجلنب عن
املاء ،أو غمس قائم من نوم ليل يده يف ذلك املاء ،وجاء آخر قائم من نوم ليل فغمس
يده ،فعلى القول األول يتوجه إجزاء غسـ ــل تلك األعضـ ــاء اليت غمسـ ــوها ،وعلى القول
الثاين ال جيزئ إال عن األول.
وقد ذكر الربهان ابن مفلح ¬ مس ـ ـ ـ ـ ــألة مبنية على اخلالف يف هذه املس ـ ـ ـ ـ ــألة،
فقال" :ويتوجه على اخلالف ما لو اغرتف منه آخر ،وتوض ـ ـ ـ ـ ــأ به قبل االنفص ـ ـ ـ ـ ــال"(،)4
ولكن منصـ ـ ـ ــورا ¬ أجاب عن هذه املسـ ـ ـ ــألة بقوله" :قلت :وفيه نظر ظاهر؛ ألنه إذا
اغرتف منه ،فقد صدق عليه أنه انفصل"(.)5
القول المتعقب:
ظاهر كالم البهويت ¬ أنه يكره مطلقا استعمال املاء املتغري بغري مماز ،كدهن،
وقطع كـافور ،أو خـالطـه ملح مـائي ،وأن حـاجـة املكلف لـه ال تزيـل الكراهـة ،وهـذا هو
ظاهر قول الفتوحي أيضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ،قال ¬" :وكره منه ماء زمزم يف إزالة خبث ،وماء بئر
مبقربة ،وما اشــتد حره أو برده ،ومســخن بنجاســة إن مل حيتج إليه ،أو مبغصــوب ،ومتغري
مبا ال خيالطه من عود قماري أو قطع كافور أو دهن ،أو مبخالك أصله املاء"( ،)3فجعل
قيد – إن مل حيتج إليه – بني املكروهات ،مما يدل على التفريق بني ما قبله وما بعده.
التعقب:
ال يكره اس ـ ـ ـ ـ ـ ــتعمال املاء املتغري بغري مماز ،كدهن ،وقطع كافور ،أو خالطه ملح
مائي حال احلاجة ،وهذا هو تعقب عثمان ¬ ،حيث قال يف ش ـ ـ ـ ـ ـ ــرحه لقول البهويت
(أو مبلح مائي) "وهل كراهة ما ذكر إذا مل حيتج إليه كما تقدمت ولو أخر املص ـ ــنف قوله
(مل حيتج إليه) إىل هنا لكان أوىل"( ،)1كما تعقب الفتوحي ،فقال" :قوله( :إن مل حيتج
إليه) لو أتى به بعد كل قس ـ ـ ـ ــم املكروه لكان أوىل؛ ليش ـ ـ ـ ــمله القيد"( ،)2وهذا القول هو
املش ــهور ،بل قد ص ــرح به البهويت نفس ــه ،فقال" :فإن احتيج إليه :تعني وزالت الكراهة؛
ألن الواجــب ال يكون مكروهــا ،قلــت :وكــذا حكم كــل مكروه احتيج إليــه"( ،)3ونص
عليه ش ـ ـ ـ ــيخ اإلس ـ ـ ـ ــالم أيض ـ ـ ـ ــا ،فقال" :وإذا احتا إىل مكروه كاملس ـ ـ ـ ــخن بالنجاس ـ ـ ـ ــة،
وكــاملش ـ ـ ـ ـ ـ ــمس على قول :ارتفعــت الكراهــة ،ووجــب اس ـ ـ ـ ـ ـ ــتعمــالــه ،إذ الواجــب ال يكون
مكروها"(.)4
الترجيح:
الذي يظهر واهلل أعلم أن الفتوحي والبهويت رمحهما اهلل نص ــا على لفظ" :مل حيتج
إليه"( )6بعد ذكر املسـ ـ ـ ـ ـ ــخن بنجاسـ ـ ـ ـ ـ ــة؛ وذلك لقوة اخلالف فيه ،وألن غريهم من أئمة
املذهب ذكره يف هذا املوضــع ( ،)7وهذا ال يعين أن غري املســخن بنجاســة يكره اســتعماله
مع وجود حاجة إليه ،وعلى هذا فالذي يظهر أن تعقب عثمان ¬ يتجه على اللفظ
وترتيبه ،ال على احلكم والتقرير ،واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
الذي يظهر أن اخلالف لفظي.
وإن قلنا إن اخلالف معنوي فيمكن أن تبىن عليه مس ــألة ما لو مل جيد املكلف إال
ماء مس ـ ـ ـ ـ ـ ــخنا بنجس ،وماء تغري مبلح مائي ،فعلى القول األول :األوىل أن يتطهر باملاء
املسخن بنجس ،وعلى القول الثاين :ال فرق ،واهلل أعلم.
- 40 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
المطلب الخامس :طهورية ماء اإلبريق بعد إهراق بعضه على
نجاسة.
صورة المسألة:
إذا نزل من حنو راوية أو إبريق ماء على جناسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ،فهل ينجس بذلك ما يف حنو
الراوية واإلبريق من املاء.
القول المتعقب:
إذا نزل من حنو راوية أو إبريق ماء على جناس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة فإن املاء املتبقي يف حنو الراوية
واإلبريق يكون جنس ـ ــا ،وقد نس ـ ــب عثمان ¬ هذا القول إىل بعض حنابلة مص ـ ــر(،)1
دون أن يس ـ ـ ــمي القائل به ،ومل أجد أحدا من احلنابلة نص على هذا القول ،بل مل أجد
أحدا منهم ذكر هذه املسألة.
التعقب:
إذا نزل من حنو راوية أو إبريق ماء على جناس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة فإن املاء املتبقي يف حنو الراوية
واإلبريق ال يكون جنس ــا ،وهذا هو تعقب عثمان ،قال ¬" :وههنا مس ــألة يغلك فيها
بعض حنابلة مصــر ،وهي :ما إذا نزل من حنو راوية أو إبريق ماء على جناســة فينجســون
بذلك ما يف حنو الراوية واإلبريق من املاء.
وال وجه لتنجيسـ ـ ــه أصـ ـ ــال ،فإن األصـ ـ ــحاب قسـ ـ ــموا النجس إىل قسـ ـ ــمني :متغري
بالنجاسة ،ومالق هلا.
والتقس ـ ــيم يف موض ـ ــع البيان يفيد احلص ـ ــر ،وما يف حنو الراوية واإلبريق من املاء يف
الصورة املذكورة ليس واحدا من القسمني .وقد صرح مبعىن ذلك يف التلخيص وأشار إليه
يف الرعاية الكربى.
وقد رأيت اك شـيخ شـيخنا الشـيخ عبدالرمحن البهويت( )1شـيخ املصـنف أيضـا ما
معناه :أنه لو صب من اإلبريق على حمل االستنجاء مل ينجس ما يف اإلبريق .اهـ ـ ـ ــ .وهو
مما ال يشك فيه من له أدىن اشتغال بالفقه ،فتأمل ،واهلل أعلم"(.)2
وقد أشار إىل هذا القول شيخ اإلسالم ابن تيمية ¬ ،فقال" :وهو طهور يدفع
النجاسة عن نفسه وال يتنجس يف وروده عليها"(.)3
( )1هو عبدالرمحن بن يوسف بن علي ،زين الدين البهويت املصري ،عمر فعاب حنوا من مائة وثالثني عاما ،تتلمذ على
صاحب املنتهى ،وتتلمذ عليه الشيخ منصور البهويت ،له شرح على املنتهى ،تويف رمحه بعد سنة 1040ه .النعت
األكمل (ص ،)204 :والسحب الوابلة ( ،)528 /2واملدخل البن بدران (.)782 /2
( )2هداية الراغب (.)30 /1
( )3شرح العمدة البن تيمية -كتاب الطهارة (ص.)62 :
( )4هو حيىي بن حيىي األزجي الفقيه :صاحب كتاب " هناية املطلب ،يف علم املذهب " وهو كتاب كبري جدا ،وعبارته
جزلة ،حذا فيه حذو " هناية املطلب " ،إلمام احلرمني اجلويين الشافعي ،قال ابن رجب" :ويغلب على ظين أنه تويف
بعد الستمائة بقليل" .ذيل طبقات احلنابلة ( ،)248 /3واملقصد االرشد (.)114 /3
( )5صاحب املستوعب هو :حممد بن عبد اهلل بن احلسني بن حممد بن قاسم بن إدريس السامري ،ولد سنة مخس
وثالثني ومخسمائة بسامرا ،ومسع من ابن البطي ،وأيب حكيم النهرواين ،وعبد اللطيف بن أيب سعد ببغداد وتفقه على
أيب حكيم ،والزمه مدة ،ويل القضاء ،وبرع يف الفقه والفرائض ،وصنف فيها تصانيف مشهورة ،منها :املستوعب،
والفروق ،تويف سنة ست عشرة وستمائة .ذيل طبقات احلنابلة ( ،)248 /3واملقصد االرشد ( ،)423 /2واملدخل
إىل مذهب اإلمام أمحد البن بدران (ص.)429 :
( )6الفروع ( ،)87 /1وينظر :اإلنصاف (.)63 /1
- 42 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
الترجيح:
الذي يظهر واهلل أعلم رجحان قول عثمان ¬ ،إذ ال دليل يعضد القول األول،
فيبقى املاء على أص ـ ــله ،واألص ـ ــل يف املاء الطهارة ،كما قال النيب ‘(( :إن املاء طهور
ال ينجسه شيء))( ،)2وإخرا املاء من الطهورية اليت هي األصل إىل النجاسة حيتا إىل
دليل ،وإال فيبقى املاء على طهوريته.
ثمرة الخالف:
إذا ص ــب ماء طهور من إبريق وحنوه على جناس ــة ،مث تبقى بعد الص ــب ماء قليل،
فبناء على القول األول حيكم على املاء املتبقي بأنه جنس ،وبناء على القول الثاين حيكم
على املاء املتبقي بأنه طهور ،واهلل أعلم.
القول المتعقب:
يلزم مريد الغس ــل إن اش ــتبه عليه طاهر بطهور أن يأخذ من هذا غرفة وهذا غرفة،
حىت يتم الغسـ ــل ،ويلزم مريد إزالة النجاسـ ــة إن اشـ ــتبه عليه طاهر بطهور أن يغسـ ــل من
املاء األول غسـ ـ ــلة ومن اآلخر غسـ ـ ــلة حىت يتم الغسـ ـ ــالت السـ ـ ــبع ،وهذا قول منصـ ـ ــور
البهويت ،قال ¬(" :ويص ـ ـ ـ ـ ــح ذلك) أي الوض ـ ـ ـ ـ ــوء من ذا غرفة ومن ذا غرفة (ولو مع
طهور بيقني)؛ ألنه اس ـ ـ ـ ـ ـ ــتعمـل الطهور جازما بالنيـة ،االفه على القول بأنه يتوضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأ
وضوءين ،وكذا حكم الغسل وإزالة النجاسة"(.)2
التعقب:
من أراد الغس ـ ــل أو إزالة النجاس ـ ــة واش ـ ــتبه عليه طاهر بطهور ،فله أن يغتس ـ ــل أو
يزيل النجاس ـ ــة باملاء األول ،مث يغتس ـ ــل أو يزيل النجاس ـ ــة باملاء الثاين ،وله أن يأخذ من
هذا غرفة وهذا غرفة ،حىت يتم الغس ـ ـ ــل ،وأن يغس ـ ـ ــل من املاء األول غس ـ ـ ــلة ومن اآلخر
غســلة حىت يتم الغســالت الســبع ،وهذا هو تعقب عثمان ،قال ¬" :لكن لو غســل
النجاسـ ــة من أحد املاءين سـ ــبعا ،مث غسـ ــلها من اآلخر سـ ــبعا جاز ذلك؛ لعدم افتقارها
إىل نية .وكذا لو اغتســل كامال من أحد املاءين ،مث اغتســل كامال من اآلخر بنية واحدة
جاز؛ ألن بدن املغتس ـ ـ ـ ـ ــل كعض ـ ـ ـ ـ ــو واحد ،ففي إطالقه نظر"( ،)1وهذا قول ص ـ ـ ـ ـ ــاحب
الغاية( ،)2وهو ظاهر قول شيخ اإلسالم( ،)3واخللويت(.)4
الترجيح:
الذي يظهر واهلل أعلم أن الراجح يف مسألة الغسل – على القول بأن املاء الطاهر
ال يرفع حدثا وال يزيل خبثا – أنه يصــح أن يغتســل من اشــتبه عليه طاهر بطهور غســال
كامال من أحد املاءين ،مث يغتس ــل من اآلخر غس ــال كامال ،بش ــرط أن يكون ذلك بنية
واحدة؛ وذلك ألنه ال تش ــرتط املواالة يف الغس ــل ،وألن بدن املغتس ــل كالعض ــو الواحد،
فال يلزم فيه ترتيب( ،)2والقول بلزوم احتاد النية يف الغسلني؛ لئال يقع يف العلة اليت ذكرها
احلنابلة يف مس ــألة الوض ــوء ،وهي :الرتدد يف النية ،وعدم اجلزم بواحد من الوض ــوءين(،)3
فلو جعل كل واحد من الغسلني بنية مستقلة ،لورد عليه ما يرد على الوضوء.
وأما مس ـ ـ ـ ـ ـ ــألة تطهري النجاس ـ ـ ـ ـ ـ ــة ،فبناء على الراجح من املذهب ،وهو أن تطهري
النجاسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ال يفتقر إىل نية( ،)4فا لذي يظهر هو وجاهة ما ذهب إليه عثمان ¬،
وذلك ألن النية واملواالة غري معتربة يف تطهري النجاسة ،فال يرد عليها ما يرد على مسألة
الوضوء ،واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
من أراد الغس ــل واش ــتبه عليه طاهر بطهور ،فعلى القول األول يلزمه أن يأخذ من
هذا غرفة ومن هذا غرفة حىت يتم الغسل ،وعلى القول الثاين له أن يغرتف من هذا غرفة
ومن هذا غرفة ،وله أن يغتس ـ ــل من أحدمها غس ـ ــال كامال مث يغتس ـ ــل من اآلخر غس ـ ــال
كامال.
ومن أراد إزالة جناس ـ ـ ـ ـ ـ ــة واش ـ ـ ـ ـ ـ ــتبه عليه طاهر بطهور ،فعلى القول األول يلزمه أن
يغســل من املاء األول غســلة ومن اآلخر غســلة حىت يتم الغســالت الســبع ،وعلى القول
الثاين له أن يغســل من املاء األول غســلة ومن اآلخر غســلة حىت يتم الغســالت الســبع،
وله أن يغسل النجاسة من أحدمها سبعا مث يغسلها من اآلخر سبعا ،واهلل أعلم.
- 47 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
المطلب السابع :الصالة بثياب اشتبه فيها المباح بالمحرم.
صورة المسألة:
من أراد الصــالة ،واشــتبهت عليه ثياب مباحة مبحرمة- ،كالنجســة واحلرير -فهل
يلزمه سرت عورته والصالة يف كل ثوب بعدد احملرمة ،ويزيد صالة ،أم يصلي عريانا صالة
واحدةت
القول المتعقب:
من أراد الصـ ـ ـ ـ ــالة ،واشـ ـ ـ ـ ــتبهت عليه ثياب مباحة مبحرمة ،فإنه يلزمه سـ ـ ـ ـ ــرت عورته
قدامة()1 والص ـ ـ ــالة يف كل ثوب بعدد احملرمة ،ويزيد عليها ص ـ ـ ــالة واحدة ،وقد نص ابن
والشارح( )2على اإللزام بذلك ،وهو ظاهر قول أيب اخلطاب( ،)4()3واجملد( ،)6()5وشيخ
( )1ينظر :املغين ( ،)47 /1والكايف ( ،)39 /1وعمدة الفقه (ص.)13 :
( )2ينظر :الشرح الكبري (.)53 /1
( )3هو حمفو بن أمحد بن احلسن بن أمحد الكلوذاين ،أبو اخلطاب البغدادي الفقيه ،أحد أئمة املذهب وأعيانه :ولد
سنة اثنتني وثالثني وأربعمائة ،درس الفقه على القاضي أيب يعلى ،ولزمه حىت برع يف املذهب واخلالف ،ألف كتبا،
منها اهلداية واالنتصار ورؤوس املسائل والتمهيد يف األصول وغريها ،تويف ¬ سنة عشر ومخسمائة .طبقات احلنابلة
( ،)258 /2وذيل طبقات احلنابلة ( ،)270 /1واملقصد االرشد (.)20 /3
( )4ينظر :اهلداية على مذهب اإلمام أمحد (ص.)49 :
( )5هو عبد السالم بن عبد اهلل بن أيب القاسم اخلضر بن حممد بن علي بن تيمية احلراين الفقيه املقرئ املتفنن أبو الربكات
جمد الدين ،ولد سنة تسعني ومخسمائة تقريبا ،وكان من أئمة احلنابلة ،ومن أعالم عصره ،له مصنفات منها أحاديث
التفسري واألحكام الكربى واملنتقى واحملرر يف الفقه ومنتهى الغاية يف شرح اهلداية بيض بعضها واملسودة يف األصول،
تويف سنة اثنتني ومخسني وستمائة .ذيل طبقات احلنابلة ( ،)1 /4واملقصد االرشد ( ،)162 /2وشذرات الذهب
(.)443 /7
( )6ينظر :احملرر (.)44 /1
- 48 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
اإلســالم( ،)1وقدمه يف الفروع( ،)2ونســبه يف اإلنصــاف إىل املذهب( ،)3وهو ظاهر قول
صاحيب اإلقناع( ،)4واملنتهى( ،)5وظاهر قول عثمان يف هداية الراغب(.)6
التعقب:
من أراد الص ـ ـ ــالة ،واش ـ ـ ــتبهت عليه ثياب مباحة مبحرمة ،فيلزمه أن يص ـ ـ ــلي عريانا
صالة واحدة ،وال يصلي بواحد من الثياب املشتبهة عليه ،وهذا هو تعقب عثمان ،قال
¬" :فائدة :الظاهر أن املراد بقوهلم :فيمن اشــتبهت عليه ثياب مباحة مبحرمة يصــلي
يف كل ثوب بعدد احملرمة ..إخل :بيان الصـ ـ ــحة ،وسـ ـ ــقوط الفرض عنه بذلك لو فعله ،ال
أنه جيب عليه ذلك ،بل وال جيوز ،فيصــلي عريانا وال يعيد؛ ألنه اشــتبه املباح باحملظور يف
موضــع ال تبيحه الضــرورة ،فهو عادم للســرتة حكما ،وإال فما الفرق بينه وبني من اشــتبه
عليه طهور مباح مبحرم ،مع أن كال من الطهارة والس ــرتة ش ــرط الص ــالةت ال يقال :املاء
له بدل وهو الرتاب االف السرتة؛ ألنا نقول :لو فرضنا عدم الرتاب؛ جاز له أن يصلي
أيضــا على حســب حاله مع وجود هذا املاء املشــتبه ،بل جيب عليه؛ ألن وجوده كعدمه
حينئذ ،فقد تركه ال إىل بدل ،وهو ظاهر ،فتأمل"(.)7
وقد قال هبذا القول ابن قاسم( ¬ )8يف حاشيته(.)9
( )1ينظر :شرح العمدة البن تيمية -كتاب الطهارة (ص.)85 :
( )2ينظر :الفروع (.)100 /1
( )3ينظر :اإلنصاف (.)77 /1
( )4ينظر :اإلقناع (.)12 /1
( )5ينظر :منتهى اإلرادات (.)29 /1
( )6ينظر :هداية الراغب (.)35 /1
( )7حاشية املنتهى (.)30 /1
( )8هو الشيخ عبدالرمحن بن حممد بن قاسم العاصمي القحطاين ،ولد سنة 1319ه ،أخذ عن الشيخ عبداهلل بن
عبداللطيف ،والزم الشيخ عبداهلل العنقري ،وكان متفننا ،ألف يف شىت العلوم ،ومجع هو وابنه حممد فتاوى شيخ
اإلسالم ،تويف ¬ سنة 1392ه .علماء جند خالل مثانية قرون (.)202 /3
( )9حاشية الروض املربع (.)98 /1
- 49 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
الترجيح:
الذي يظهر واهلل أعلم رجحان القول األول ،وذلك لتعاقب علماء املذهب عليه،
وال يسـ ـ ـ ــلم لعثمان ¬ هذا التأويل لقوهلم ،بل الظاهر أهنم قالوا ذلك لبيان الواجب،
وقد نص غري واحد منهم على اإللزام بذلك( ،)4فهذا تأويل خمالف للمنصوص.
وميكن أن جياب عما ذكره عثمان ¬ بالفرق بني الصالة بالثياب النجسة وبني
اس ـ ــتعمال املاء النجس ،وذلك ألن املاء النجس يلص ـ ــق ببدنه فينجس به ،ومينع ص ـ ــحة
صـ ـ ــالته يف احلال واملآل االف الثياب ،وألن الثوب النجس تباح له الصـ ـ ــالة فيه إذا مل
جيد غريه ،واملاء النجس االفه( ،)1وألن املاء يتلف باالس ـ ـ ـ ـ ـ ــتعمال ،االف الثياب(،)2
وألن سـ ــرت العورة آكد من إزالة النجاسـ ــة؛ لتعلق حق اآلدمي به يف سـ ــرت عورته وصـ ــيانة
نفسـ ـ ــه ،ووجوبه يف الصـ ـ ــالة وغريها ،فكان تقدميه أوىل لكونه متفقا على اش ـ ـ ـرتاطه(،)3
قال شـ ــيخ اإلسـ ــالم ¬" :مصـ ــلحة السـ ــرت أهم من مصـ ــلحة اجتناب النجاسـ ــة؛ ألنه
جيب يف الصـ ـ ـ ــالة وغريها ،وثبت وجوبه بالكتاب ،والسـ ـ ـ ــنة ،واإلمجاع املتقدم ،ومسى اهلل
تركه فاحش ـ ــة االف اجتناب النجاس ـ ــة ،وألن هذا الثوب جيب لبس ـ ــه قبل الص ـ ــالة فلم
تص ـ ــح ص ـ ــالته بدونه ،كما لو مل جيد إال ثوب حرير أو ما يس ـ ــرت بعض عورته ،وألنه إذا
تعرى س ـ ــقك القيام والركوع والس ـ ــجود الكامالن وحص ـ ــل اإلخالل بالش ـ ــرط ،وإذا لبس
الثوب النجس مل حيص ــل إال اإلخالل بش ــرط خمتلف فيه بني الس ــلف ،فكان أوىل ،وأهنا
مل جتب اإلعادة على العريان؛ ألن اللباس فعل أمر به ،وقد عجز عنه ،فأش ـ ـ ـ ـ ـ ــبه ما لو
عجز عن االس ـ ـ ـ ـ ـ ــتقبال أو القراءة أو الركوع أو الس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجود ،وهو عذر غالب ،واجتناب
النجاسـ ــة هو من باب الرتك ،والعجز عن إزالتها عذر نادر ،فلهذا فرق من فرق بينهما،
أال ترى أن مفســدة التعري يف الوقت ال تنجرب باللباس بعد خرو الوقت؛ ألن مفســدته
ال ختتص بالصالة ،االف محل النجاسة فإن مفسدته ختتص الصالة"(.)4
ثمرة الخالف:
لو دخل وقت ص ـ ـ ـ ــالة على مكلف ،ومل جيد لس ـ ـ ـ ــرت عورته إال ثيابا بعض ـ ـ ـ ــها حمرم
وبعضــها مباح ،وقد اشــتبه فيها احملرم باملباح ،فعلى القول األول :جيب عليه ســرت عورته،
والص ـ ـ ــالة بعدد الثياب احملرمة ،ويزيد ص ـ ـ ــالة ،وعلى القول الثاين :جيب عليه أن يص ـ ـ ــلي
عريانا وال يسرت عورته بشيء من هذه الثياب املشتبهة.
( )1ينظر :املغين ( ،)47 /1والشرح الكبري ( ،)53 /1والفروع ( ،)100 /1واملبدع ( ،)45 /1وكشاف القناع (/1
،)49وشرح املنتهى (.)27 /1
( )2ذكر حمقق حاشية املنتهى أنه وجد هذا التعليق -وهو مسألة التفريق باإلتالف – على هامش أحد نسخها ،ينظر:
حاشية املنتهى (.)30 /1
( )3ينظر :املغين ( ،)426 /1والكايف ( ،)221 /1والشرح الكبري ( ،)465 /1واملبدع ( ،)325 /1وكشاف القناع
(.)270 /1
( )4شرح العمدة البن تيمية -كتاب الصالة (ص)333 - 332 :
- 51 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
المطلب الثامن :لزوم غسل يدي قائم من نوم ليل إذا تذكر أثناء
الطهارة األولى.
صورة المسألة:
املش ـ ـ ـ ـ ـ ــهور من مذهب احلنابلة وجوب غس ـ ـ ـ ـ ـ ــل يدي القائم من نوم ليل( ،)1ومن
املس ــائل املرتتبة على ذلك :أن من قام من نوم ليل ،مث ش ــرع يف وض ــوئه دون أن يغس ـ ـل
يديه ثالثا ،مث تذكر أثناء وضــوئه أنه مل يغســلهما ،فهل جيب عليه غســلهما ،أم يســقك
بالنسيانت
القول المتعقب:
يس ــقك غس ــل يدي القائم من نوم ليل بالنس ــيان ،ولو تذكره أثناء الطهارة األوىل،
وهذا قول منصور البهويت ،قال ¬" :قال يف املبدع :إذا نسي غسلهما سقك مطلقا؛
ألهنا طهارة مفردة وإن وجبت( .)2ومقتضاه أنه ال يستأنف ولو تذكر يف األثناء ،بل وال
يغسلهما بعد ،االف التسمية يف الوضوء ألهنا منه"( ،)3وقد نسب منصور هذا القول
( )1ينظر :املغين ( ،)73 /1والفروع ( ،)173 /1واملبدع ( ،)87 /1واإلنصاف ( ،)130 /1ومنتهى اإلرادات (/1
،)42واإلقناع (.)26 /1
( )2املبدع (.)87 /1
( )3كشاف القناع (.)92 /1
- 52 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
إىل صاحب املبدع ،وهو ظاهر قول صاحب الرعاية( ،)2()1واإلنصاف( ،)3واإلقناع(،)4
واملنتهى( ،)5والغاية(.)6
التعقب:
إن تذكر القائم من نوم ليل أنه مل يغسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل يديه أثناء أول طهارة بعد قيامه من
نومه ،فإنه جيب عليه غس ـ ـ ــل يديه ،وال يس ـ ـ ــقك وجوب غس ـ ـ ــلهما بالنس ـ ـ ــيان ،وهذا هو
تعقب عثمان ،قال ¬" :قوله :ولو تذكر يف األثناء...إخل( : )7أخذه من قول املبدع:
فإن نسي غسلهما سقك مطلقا( .)8وهو غري ما ادعاه ،بل جيوز أن يكون معناه :سواء
قلنا بوجوبه ،أو ال ،وس ـ ـواء قلنا :إنه شـ ــرط للصـ ــالة ،أو ال ،أو س ـ ـواء تذكره عند طهارة
أخرى ،أو ال ،أمــا إذا تــذكره يف أثنــاء الطهــارة األوىل – أعين اليت هي أول طهــارة بعــد
قيامه من نوم الليل – فاألظهر وجوب غس ـ ـ ـ ــلهما ،كالتس ـ ـ ـ ــمية؛ امع وجوب تقدميهما
على تلـك الطهـارة ،وإن كان أحدمها جزءا من الطهـارة ،واآلخر عبـادة مس ـ ـ ـ ـ ـ ــتقلـة ،بل
( )1مؤلفها هو :أمحد بن محدان بن شبيب بن محدان النمري احلراين ،الفقيه األصويل ،القاضي جنم الدين ،أبو عبد اهلل
بن أيب الثناء ،نزيل القاهرة ،وصاحب التصانيف :ولد سنة ثالث وستمائة حبران .جالس ابن عمه الشيخ جمد الدين،
وحبث معه كثريا ،وبرع يف الفقه ،وانتهت إليه معرفة املذهب ،ودقائقه وغوامضه .وصنف تصانيف كثرية ،منها "
الرعاية الصغرى " يف الفقه ،و " الرعاية الكربى " ،تويف سنة مخس وتسعني وستمائة .تاريخ اإلسالم ت بشار (/15
،)803وذيل طبقات احلنابلة (.)266 /4
( )2ينظر :الرعاية (.)197 /1
( )3ينظر :اإلنصاف ( ،)131 /1والتنقيح (ص.)49 :
( )4ينظر :اإلقناع (.)26 /1
( )5ينظر :منتهى اإلرادات (.)42 /1
( )6ينظر :غاية املنتهى (.)68 /1
( )7يعين قول منصور املتقدم.
( )8املبدع (.)87 /1
- 53 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
ينبغي على طريقة املنتهى وجوب االبتداء( ،)2(")1وقد نس ـ ـ ـ ــب عثمان ¬ هذا القول
إىل صاحب املبدع ،واملنتهى ،كما قال هبذا القول ابن عوض(.)4()3
( )1لعله يقصد بذلك قول صاحب املنتهى" :وجتب التسمية ،وتسقك سهوا كفي غسل ،لكن إن ذكرها يف بعضه
ابتدأ" .منتهى اإلرادات (.)46 /1
( )2حاشية املنتهى (.)44 - 43 / 1
( )3هو :أمحد بن عوض بن حممد املرداوي املقدسي ،الزم العالمة حممد اخللويت ،مث الزم بعده العالمة عثمان النجدي،
له حاشية على شرح العمدة لعثمان النجدي ،وله حاشية على دليل الطالب ،كان حيا سنة .1140املدخل إىل
مذهب اإلمام أمحد البن بدران (ص ،)442 :والسحب الوابلة ( ،)239 /1مقدمة حتقيق فتح وهاب املآرب (/1
.)14
( )4ينظر :فتح موىل املواهب (.)311 /1
( )5املبدع (.)87 /1
( )6ينظر :املبدع ( ،)87 /1واإلنصاف ( ،)131 /1ومعونة أويل النهى ( ،)240 /1وكشاف القناع (.)92 /1
( )7ينظر :حاشية املنتهى (.)44 / 1
- 54 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
الترجيح:
الذي يظهر واهلل أعلم أن الراجح هو القول األول؛ وذلك ألن قول عثمان ¬
فيه تأويل لظاهر كالم صـ ــاحب املبدع ،وال يظهر ص ــحة هذا التأويل ،وقياسـ ــه التس ــمية
على غس ـ ــل يدي القائم من نوم ليل هو قياس مع الفارق ،وقد أجاب أص ـ ــحاب القول
األول عن هــذا القيــاس ،مث إن تعليق احلكم بــالتقــدم وجعلــه هو العلــة ليس ظــاهرا ،واهلل
أعلم.
ثمرة الخالف:
من قام من نوم ليل ،مث شــرع يف وضــوئه دون أن يغســل يديه ثالثا ،مث تذكر أثناء
وضـوئه أنه مل يغسـلهما ،فعلى القول األول :ال جيب عليه الرجوع لغسـل يديه؛ لسـقوطه
بالنس ـ ــيان ،وعلى القول الثاين :جيب عليه الرجوع لغس ـ ــل يديه ،وال يس ـ ــقك بالنس ـ ــيان؛
وذلك لتذكره له أثناء أول طهارة بعد قيامه من نومه ،وعلى القول الذي نس ـ ـ ـ ـ ـ ــبه عثمان
للمنتهى :جيب عليه الرجوع لغسل يديه ،وإعادة وضوئه.
- 55 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
المطلب التاسع :التسمية للوضوء بغير العربية من قادر عليها.
صورة المسألة:
املشهور من مذهب احلنابلة وجوب التسمية قبل الوضوء( ،)1ومن املسائل املرتتبة
على ذلك :هل تصح التسمية بغري العربية من قادر عليها ،أم أن لفظ التسمية توقيفي،
فال تصح منه بغري العربيةت
القول المتعقب:
تصح التسمية بغري العربية ،ولو ممن حيسن العربية ،وهذا هو قول منصور البهويت،
قال ¬" :والظاهر :إجزاؤها بغري العربية ،ولو ممن حيس ـ ــنها ،كالذكاة؛ إذ ال فرق"(،)2
وهو ظاهر قول ص ــاحب اإلنص ــاف( ،)3ونص عليه ص ــاحب كش ــف املخدرات(،)5()4
ومطالب أويل النهى(.)7()6
( )1ينظر :اهلداية على مذهب اإلمام أمحد (ص ،)53 :والفروع ( ،)173 /1و املبدع ( ،)86 /1واإلنصاف (/1
،)128واإلقناع ( ،)25 /1وشرح املنتهى ( ،)49 /1ودليل الطالب لنيل املطالب (ص ،)10 :وأخصر املختصرات
(ص ،)93 :وبداية العابد وكفاية الزاهد يف الفقه على مذهب اإلمام أمحد بن حنبل (ص.)29 :
( )2كشاف القناع (.)91 /1
( )3ينظر :اإلنصاف (.)129 /1
( )4مؤلفه هو :عبدالرمحن بن عبد اهلل بن أمحد بن حممد بن أمحد بن حممد بن مصطفى احلليب األصل البعلي الدمشقي
ولد سنة 1110ه ،واشتغل بالعلم ،شرح أخصر املختصرات يف كتاب مساه "كشف املخدرات" ،قال عنه ابن
بدران" :كان فقيها متفننا أديبا شاعرا ،وشرحه هذا حمرر منقح كثري النفع للمبتدئني" ،وهو أخ ألمحد بن عبد اهلل
البعلي شارح كايف املبتدي ،تويف سنة انثتني وتسعني ومائة بعد األلف .السحب الوابلة ( ،)497 /2و املدخل إىل
مذهب اإلمام أمحد البن بدران (ص.)445 :
( )5ينظر :كشف املخدرات (.)791 /2
( )6مؤلفه هو :مصطفى بن سعد بن عبده السيوطي شهرة ،الرحيباين مولدا ،انتصب للتدريس واإلفتاء ،وكان إمام
احلنابلة يف عصره ،وتوىل مشيخة اجلامع األموي ،تويف سنة 1243ه .السحب الوابلة ( ،)1126 /3وخمتصر
طبقات احلنابلة (ص.)179 :
( )7ينظر :مطالب أويل النهى (.)99 /1
- 56 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
التعقب:
ال تصح التسمية من قادر بغري العربية ،وهذا هو تعقب عثمان ¬ ،حيث قال
بعد نقله كالم البهويت الســابق" :وفيه نظر ،بل األوىل إحلاقها بألفا الصــالة املتعبد هبا،
فال جتزئ من قادر بغري العربية"( ،)1وهو ظاهر قول الزركش ـ ــي( ،)2وص ـ ــاحب املبدع(،)3
واإلقناع( ،)4والغاية( ،)5ونيل املآرب(.)7()6
الترجيح:
الذي يظهر واهلل أعلم صحة التسمية بغري العربية قياسا على التسمية قبل الذكاة،
وهي أوىل من القياس على ألفا الص ـ ـ ـ ـ ــالة؛ وذلك ألن الوض ـ ـ ـ ـ ــوء عبادة مس ـ ـ ـ ـ ــتقلة عن
الصــالة ،فال تلحق هبا ،وألن ألفا الصــالة وردت صــيغها التوقيفية عن النيب ‘ ،وأما
التس ـ ـ ـ ـ ــمية فاحلديث الوارد فيها -وهو قوله ‘(( :ال وض ـ ـ ـ ـ ــوء ملن مل يذكر اس ـ ـ ـ ـ ــم اهلل
عليه))( - )1يدل على وجوب ذكر اسم اهلل ،ومل يقيد ذلك بلفظ معني ،واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
لو أن مكلفا أراد الوض ـ ـ ــوء ،فذكر اس ـ ـ ــم اهلل عز وجل بغري اللغة العربية ،مع قدرته
على ذلك ،فعلى القول األول يصـ ـ ـ ــح وضـ ـ ـ ــوؤه؛ إلتيانه بالواجب ،وعلى القول الثاين ال
يصح؛ ملخالفته الواجب عمدا ،واهلل أعلم.
( )1رواه أبو داود :كتاب الطهارة ،باب التسمية على الوضوء ،ح( ،)102قال الشيخ األلباين :صحيح مقطوع ورواه
الرتمذي :كتاب أبواب الطهارة عن رسول اهلل ‘ ،باب ما جاء يف التسمية عند الوضوء ،ح( ،)25قال الشيخ
األلباين :حسن .ورواه ابن ماجه :كتاب الطهارة وسننها ،باب ما جاء يف التسمية يف الوضوء ،ح(،)397
وح( ،)398وح( ،)399قال الشيخ األلباين :حسن .ورواه الدارمي :كتاب الطهارة ،باب التسمية يف الوضوء،
ح( ،)691ورواه اإلمام أمحد بن حنبل :مسند أيب هريرة رضى اهلل تعاىل عنه ،418/2 ،ح( ،)9408ويف مسند
أيب سعيد اخلدري رضى اهلل تعاىل عنه ،41/3 ،ح( ،)11388وح( ،)11389ويف حديث امرأة رضى اهلل تعاىل
عنها ،381/5 ،ح( ،)23284ويف حديث جدة رباح بن عبد الرمحن رضى اهلل تعاىل عنها،382/6 ،
ح( ،)27189وح( .)27190قال شعيب األرناؤوط يف تعليقه على هذا احلديث :إسناده ضعيف ...مث ذكر ما
يف الباب من أحاديث وعلل وختم ذلك بقوله " :قلنا :ومع ذلك كله فقد نقل احلافظ ابن حجر يف النتائج (نتائج
األفكار) عن ابن الصالح أنه قال :ثبت مبجموعها ما يثبت به احلديث احلسن واهلل أعلم .وقال يف التلخيص
احلبري :والظاهر أن جمموع األحاديث حيدث منها قوة تدل على أن له أصال ".
- 58 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
المطلب العاشر :تجديد الوضوء لما تسن له الطهارة.
صورة المسألة:
من أراد فعل أمر مما تسن له الطهارة وال جتب ،كالغضب ،واألذان ،ورفع الشك،
والنوم ،وقراءة القرآن ،والذكر ،وجلوسه باملسجد ،وحنوه( ،)1فهل يسن له الوضوء ،حىت
وإن كان على طهارة ،أم أنه ال يسن له الوضوء إال إن كان حمدثات
القول المتعقب:
من أراد فعل أمر مما تسـ ـ ــن له الطهارة فيسـ ـ ــن له الوضـ ـ ــوء ،متطهرا كان أو حمدثا،
وهذا قول منص ــور البهويت ¬ ،قال يف حواش ــي اإلقناع" :مقتض ــى إطالقهم أنه يس ــن
له الوض ـ ــوء لذلك ،متطهرا كان أو حمدثا .قال يف الش ـ ــرح ،معلال ص ـ ــحة الطهارة( :ألنه
يشرع له فعل هذا وهو غري حمدث ،وقد نوى ذلك ،فينبغي أن حيصل له)(.)3(")2
التعقب:
من أراد فعل أمر مما تش ــرع له الطهارة وال جتب فيس ــن له الوض ــوء إن كان حمدثا،
وأما إن كان على طهارة فال يسـ ـ ـ ـ ـ ــن له الوضـ ـ ـ ـ ـ ــوء ،وهذا هو تعقب عثمان ،قال ¬:
"مقتضــى إطالقهم :أنه يســن الوضــوء لذلك متطهرا كان أو حمدثا .قاله منصــور البهويت.
وفيه نظر ،واستدالله بكالم الشارح غري ظاهر ،واهلل أعلم"(.)4
( )1ينظر :اإلنصاف ( ،)145 /1واإلقناع ( ،)24 /1ومنتهى اإلرادات (.)49 /1
( )2الشرح الكبري ( ،)122 /1ومتام كالمه" :إذا نوى ما تشرع له الطهارة وال تشرتط ،كقراءة القرآن ،واألذان ،والنوم،
أو نوى التجديد ،مث بان أنه كان حمدثاً ،ففيه روايتان( ،إحدامها) :ال تصح طهارته؛ ألنه مل ينو رفع احلدث وال ما
يتضمنه ،أشبه ما لو نوى التربد( .والثانية) :تصح طهارته ،وهي أصح؛ ألنه نوى طهارة شرعية فينبغي أن حتصل له
للخرب ،وألنه يشرع له فعل هذا وهو غري حمدث وقد نوى ذلك فينبغي أن حيصل له" وينظر :الكايف (.)56 /1
( )3حواشي اإلقناع (.)195 – 194 /1
( )4حاشية املنتهى (.)49 / 1
- 59 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
( )1ينظر :اإلنصاف ( ،)145 /1واإلقناع ( ،)24 /1ومنتهى اإلرادات (.)49 /1
( )2الشرح الكبري ( ،)122 /1وينظر :الكايف (.)56 /1
( )3ينظر :املغين ( ،)105 /1والشرح الكبري ( ،)147 /1واإلنصاف ( ،)147 /1واإلقناع ( ،)25 /1ومنتهى اإلرادات
( ،)50 /1وكشف املخدرات (،)58 /1ومطالب أويل النهى ( ،)110 /1والشرح املمتع على زاد املستقنع (/1
.)199
- 60 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
الترجيح:
الذي يظهر واهلل أعلم أن الراجح التفريق بني نوعني مما تستحب له الطهارة:
فالنوع األول :ما يس ـ ـ ـ ـ ـ ــتحب أن يكون املكلف فيه طاهرا ،كقراءة القرآن ،والنوم،
واملكث يف املسجد ،فحال املكلف معه على ثالثة أحوال:
احلالة األوىل :أن يكون حمدثا ،فتسن له الطهارة.
احلالة الثانية :أن يكون متطهرا من طهور س ـ ـ ـ ـ ـ ــبق أن ص ـ ـ ـ ـ ـ ــلى فيه ،أو فعل فيه ما
يس ـ ــتحب له الطهارة ،فهذا يش ـ ــرع له التطهر لفعل ما تس ـ ــن له الطهارة ،ويس ـ ــتدل على
هذا مبا ذكره احلنابلة من أن جتديد الوض ـ ـ ـ ـ ــوء إمنا يس ـ ـ ـ ـ ــن ملن ص ـ ـ ـ ـ ــلى فيه( ،)1وميكن أن
يس ـ ــتأنس يف هذا بقول ص ـ ــاحب اإلنص ـ ــاف" :الص ـ ــحيح من املذهب :أنه يس ـ ــن جتديد
الوض ـ ــوء لكل ص ـ ــالة .وعنه ال يس ـ ــن .كما لو مل يص ـ ــل بينهما .قاله يف الفروع .ويتوجه
احتمال ،كما لو مل يفعل ما يستحب له الوضوء"(.)2
احلالة الثالثة :أن يكون متطهرا من طهور مل يص ــل فيه ،ومل يفعل فيه ما يس ــتحب
له الوض ـ ــوء ،فهذا ال يش ـ ــرع الوض ـ ــوء يف حقه ،ويس ـ ــتدل لذلك مبا اس ـ ــتدل له يف احلالة
الثانية.
النوع الثاين :ما يش ـ ـ ــرع فيه جتديد الوض ـ ـ ــوء حال وقوعه ،وذلك كالغض ـ ـ ــب ،ورفع
الشك ،فالذي يظهر أنه يشرع الوضوء هلذا النوع مطلقا ،سواء كان على طهارة أو كان
حمدثا ،واهلل أعلم.
وأما تعقب عثمان على منصور يف استدالله بكالم الشارح ،فالذي يظهر أن هذا
التعقب يف غري حمله ،بل اسـ ــتدالل منصـ ــور به ظاهر ،وكالم الشـ ــارح يؤيد ما ذهب إليه
( )1ينظر :املغين ( ،)105 /1والشرح الكبري ( ،)147 /1واإلنصاف ( ،)147 /1واإلقناع ( ،)25 /1ومنتهى اإلرادات
( ،)50 /1وكشف املخدرات (،)58 /1ومطالب أويل النهى ( ،)110 /1والشرح املمتع على زاد املستقنع (/1
.)199
( )2اإلنصاف (.)147 /1
- 61 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
حمدث"()1 منصـ ـ ــور ،وقوله وهو يف سـ ـ ــياق املسـ ـ ــألة" :ألنه يشـ ـ ــرع له فعل هذا وهو غري
ظاهر يف داللته على ما ذهب إليه منصور ¬.
ثمرة الخالف:
من أراد فعل أمر مما تسن له الطهارة وال جتب ،كالغضب ،واألذان ،ورفع الشك،
والنوم ،وقراءة القرآن ،والذكر ،واجللوس باملسجد ،وحنوه ،وكان على طهارة ،فعلى القول
األول يسن له الوضوء ،وعلى القول الثاين ال يسن له الوضوء ،واهلل أعلم.
القول المتعقب:
يصــح وضــوء من أكره من يصــب عليه املاء ،وهذا هو قول منصــور البهويت ¬،
قال الفتوحي ¬" :ومن وضـ ـ ـ ـ ــئ أو غسـ ـ ـ ـ ــل أو ميم بإذنه ،ونواه :صـ ـ ـ ـ ــح ،ال إن أكره
فاعل"( )1قال البهويت يف شـ ـ ـ ـ ـ ــرحه لكالم الفتوحي(" :إن أكره فاعل) أي موضـ ـ ـ ـ ـ ــئ أو
مغس ـ ـ ـ ــل أو ميمم لغريه ،أو صـ ـ ـ ــاب للماء ،وقواعد املذهب تقتض ـ ـ ـ ــي الص ـ ـ ـ ــحة إذا أكره
الص ـ ــاب ،ألن الص ـ ــب ليس بركن وال ش ـ ــرط ،فيش ـ ــبه االغرتاف بإناء حمرم"( ،)2وقال يف
الكشــاف(" :فإن أكره من يصــب عليه املاء) مل يصــح وضــوؤه ،قدمه يف الرعاية ،وقيل:
يص ـ ـ ـ ــح ،انتهى ،قلت :والثاين أظهر؛ ألن النهي يعود خلار ؛ ألن صـ ـ ـ ـ ــب املاء ليس من
شرط الطهارة"(.)3
وقد قال هبذا القول صاحب مطالب أويل النهى(.)4
التعقب:
ال يص ـ ـ ـ ــح وض ـ ـ ـ ــوء من أكره من يص ـ ـ ـ ــب عليه املاء ،وهذا هو تعقب عثمان ،قال
¬" :فإن أكره املتوض ــئ ش ــخص ــا يوض ــئه أو يغس ــله أو ييممه :مل يص ــح كما قال يف
املنتهى(( :)5ال إن أكره فاعل) ،وإن أكره من يصــب عليه املاء مل يصــح أيضــا ،كما يف
اإلقناع( .)1وقيل يصـ ــح .قال املصـ ــنف :وهو أظهر؛ ألن النهي يعود خلار ؛ ألن صـ ــب
املاء ليس من شرط الطهارة .انتهى.
وفيه نظر ،فإن هذه الص ـ ــورة كاليت قبلها يف غس ـ ــل جزء من اليد يف حمل غس ـ ــلها،
وليســت من قبيل الصــب اخلار عن شــرط الطهارة يف كل األعضــاء بل يف األكثر؛ فإن
املتوضئ يف هذه الصورة هو الذي يوصل املاء إىل وجهه ورأسه ورجليه وأكثر يديه؛ ألن
أول جزء يالقي املاء من يديه يصـ ِّـري غســله بفعل املكره – بفتح الراء – فلم يصــح ،واهلل
أعلم"( ،)2وقال أيضـ ـ ــا" :قوله( :ال إن أةكره فاعل) أي :موضـ ـ ــئ ،أو مغسـ ـ ــل ،أو ميمم
الغري ،أو صــاب للماء ،وقواعد املذهب تقتضــي الصــحة إذا أةكره الصــاب؛ ألن الصــب
ليس بركن وال ش ــرط ،فيش ــبه االغرتاف بإناء حمرم .منص ــور البهويت .وفيه نظر ،فراجع ما
كتبته يف هداية الراغب"(.)3
وه ــذا القول ق ــدم ــه صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاح ــب اإلنصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاف ،وذكر القول املتعق ــب على وج ــه
التمريض( ،)4ونص عليه يف اإلقناع( ،)5ويف معونة أويل النهى(.)6
قال ابن رجب( ¬ )1يف القواعد(" :القاعدة التاس ـ ـ ـ ـ ـ ــعة) :يف العبادات الواقعة
على وجه حمرم ،إن كان التحرمي عائدا إىل ذات العبادة على وجه خيتص هبا مل يصـ ـ ـ ـ ـ ــح،
وإن كان عائدا إىل شـ ـ ـ ــرطها فإن كان على وجه خيتص هبا فكذلك أيضـ ـ ـ ــا ،وإن كان ال
خيتص هبا ففي الص ــحة روايتان أش ــهرمها عدمها ،وإن عاد إىل ما ليس بش ــرط فيها ففي
الص ـحة وجهان واختار أبو بكر عدم الصــحة وخالفه األكثرون" مث قال" :وللرابع أمثلة:
(منها) الوضوء من اإلناء احملرم"(.)2
( )1هو :عبد الرمحن بن أمحد بن رجب بن احلسني بن حممد بن مسعود الشيخ العالمة احلافظ الزاهد شيخ احلنابلة زين
الدين أبو الفر بن الشيخ اإلمام املقرئ احملدث شهاب الدين البغدادي مث الدمشقي ،ولد سنة 706ه ،اشتغل
بالعلم ،وكان منجمعا عن الناس ،قليل اخللطة هبم ،وعين بسماع احلديث ،أخذ العلم عن مجاعة ،منهم ابن القيم
¬ ،وأخذ عنه العلم مجاعة ،منهم ابن اللحام ،له مصنفات مفيدة ،منها شرح الرتمذي ،وجامع العلوم واحلكم،
وفتح الباري يف شرح البخاري ،ولطائف املعارف ،وذيل طبقات احلنابلة ،والقواعد الفقهية وغريها ،تويف سنة مخس
وتسعني وسبعمائة .الدرر الكامنة يف أعيان املائة الثامنة ( ،)108 /3واملقصد االرشد ( ،)81 /2واجلوهر املنضد
يف طبقات متأخري أصحاب أمحد ( ،)46 /1شذرات الذهب ( ،)578 /8والسحب الوابلة ( ،)474 /2واملدخل
إىل مذهب اإلمام أمحد البن بدران (ص ،)457 :ومقدمة حتقيق قواعد ابن رجب (مقدمة.)77 /
( )2القواعد البن رجب (ص.)12 :
( )3ينظر :فتح موىل املواهب (.)309 /1
( )4هداية الراغب (.)81 /1
- 65 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
الترجيح:
الراجح هو القول الثــاين؛ وذلــك التفــاق ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاحيب اإلقنــاع( )1واملنتهى( )2عليــه،
وللفرق بني الوضـ ــوء من إناء حمرم وإكراه من يصـ ــب عليه املاء ،وذلك ألنه لو اسـ ــتعمل
آلة حمرمة يف توض ـ ـ ــئته ،لتوجه القول بص ـ ـ ــحة الوض ـ ـ ــوء ،وأما لو أكره غريه على توض ـ ـ ــئته
فاملذهب على عدم الصحة( ،)3واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
إن أكره املتوضــئ شــخصــا على صــب ماء الوضــوء عليه ،فعلى القول األول تصــح
طهارته ،وعلى القول الثاين ال تصح طهارته.
القول المتعقب:
ليس لصــاحب اجلبرية اليت ميســح عليها املســح على خفني لبســا بعد طهارة مســح
فيها على اجلبرية ،وهذ قول منص ــور البهويت ¬ ،وذلك أنه س ــئل عن س ـ ـؤال ص ــورته:
"ما قولكم – رضي اهلل عنكم ونفع بعلومكم املسلمني – يف رجل بإحدى رجليه جبرية
موض ـ ـ ـ ـ ـ ــوعــة على حــدث ،وبرجلــه األخرى جبرية موض ـ ـ ـ ـ ـ ــوعــة على طهر ،ومل تــأخــذ من
الص ـ ـ ـ ــحيح شـ ـ ـ ــيئا ،وهو البس للخف ،ما اجلواب يف املس ـ ـ ـ ــح عليهمات فأجاب ¢مبا
نصه:
احلمد هلل ،أما اجلبرية اليت وضـ ـ ــعها على طهارة كاملة باملاء؛ فله املسـ ـ ــح عليها إىل
حلها ،أو برء ما حتتها واحلال هذه .وأما اليت وض ـ ـ ـ ـ ـ ــعها على غري طهارة؛ فيلزمه نزعها،
فإن خاف ض ــررا؛ تيمم بدل غس ــل ما حتتها ،مراعيا شـ ـرائك التيمم وفرائض ــه ،وال إعادة
عليه ،وليس له املســح على اخلف؛ ألن شــرطه اللبس على طهارة كاملة باملاء ،وأحكامه
تغاير أحكام اجلبرية ،فال يبين عليها ،بل لو لبس خفا على خف بش ــرطه بعد أن مس ــح
على األول؛ مل ميسح على الثاين ،واهلل سبحانه أعلم"(.)1
وقد قال هبذا القول ابن حامد(.)3()2
التعقب:
من لبس خفا بعد طهارة مس ـ ـ ـ ــح فيها على اجلبرية فله املس ـ ـ ـ ــح على ذلك اخلف،
وهذا هو تعقب عثمان ،قال ¬" :أقول :قول الش ـ ــيخ منص ـ ــور البهويت ¬ يف هذا
اجلواب :وليس له املسـ ـ ــح على اخلف...إخل فيه نظر ،فإن املراد بكمال الطهارة :متامها؛
احرتازا عن حنو ما لو غس ـ ـ ــل رجله اليمىن ،مث أدخلها اخلف ،مث غس ـ ـ ــل رجله اليس ـ ـ ــرى،
وأدخلها اخلف ،فقد حصل لبس اليمىن قبل كمال الطهارة.
واحرتزوا باملاء – يف قوهلم :بشـرط كمال طهارة مباء – عن طهارة التيمم ،كما لو
كان عادما للماء ،فتيمم ولبس خفا؛ فإنه ال جيوز املس ـ ـ ـ ـ ــح عليه إذن .أما لو تطهر مباء
وتيمم جلرح يف هذه الطهارة ،أو مســح فيها على حائل؛ مل مينع من لبس اخلف يف هذه
الطهارة ،وهلذا قال يف املنتهى وغريه( :ولو مس ـ ـ ــح فيها على حائل ،أو تيمم جلرح) (،)1
أي :فيجوز لبس اخلف يف هذه الطهارة"(.)2
وق ـ ــد نص على ه ـ ــذا القول ابن ق ـ ــدام ـ ــة( ،)3والش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارح( ،)4وابن تيمي ـ ــة(،)5
والزركش ـ ــي( ،)6وقدمه يف الفروع( ،)7وص ـ ــححه يف اإلنص ـ ــاف( ،)8وهو قول املنتهى(،)9
واإلقناع( ،)10والغاية( ،)11كما نص على هذا القول أيضا منصور ¬(.)12
الترجيح:
الراجح يف هذه املس ـ ـ ـ ـ ـ ــألة واهلل أعلم هو قول عثمان ¬؛ وذلك إلطباق علماء
املــذهــب عليــه ،إال مــا نقــل عن ابن حــامــد ¬ ،ولقوة أدلــة القول الثــاين ،وألن القول
باشرتاط الطهارة باملاء مبين على أن اشرتاط الطهارة جلواز املسح على اخلفني فيه إشعار
باش ـ ـرتاط أص ـ ــلها( ،)1وهو الطهارة باملاء ،ولذلك منعوا من املس ـ ــح على خف لبس بعد
طهارة مس ــح فيها على خف؛ ألن املس ــح على اخلف ليس بأص ــل ،وأما اجلبرية فاملس ــح
عليها أصل ،فتدخل يف حديث ((دعهما فإين أدخلتهما طاهرتني))(.)2
وأما أدلة القول املتعقب ،فالدليل األول قد أجاب عنه عثمان ¬ يف تعقبه،
وأما الدليل الثاين والثالث ،فالتأصيل الذي ذكره أصحاب القول الثاين -وهو أن املسح
على اخلفني رخص ـ ـ ــة ،واملس ـ ـ ــح على اجلبرية عزمية – يس ـ ـ ــقك هذه األدلة فال تقاس هذه
املسألة على تلك ،واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
من كان يف إحدى رجليه أو يف كلتيهما جبرية ميس ــح عليها ،فتوض ــأ ومس ــح على
اجلبرية ،مث لبس بعد ذلك خفني ،فعلى القول األول ليس له املسـ ــح على هذين اخلفني،
وأما على القول الثاين فله املسح على اخلفني.
وبناء على القول األول فإنه ال يتصــور ممن عليه جبرية ميســح عليها أن يلبس خفا
وميسح عليه إال بعد زوال اجلبرية.
القول المتعقب:
جيب الغسـ ـ ــل على من قال يب جنية أجامعها كاملرأة ،وهذا قول منصـ ـ ــور البهويت،
قال ¬" :قلت :وعلى ما ذكره املص ـ ـ ـ ـ ـ ــنف :لو قال رجل :يب جنية أجامعها كاملرأة،
فعليه الغسل"(.)2
وقد قال هبذا القول صاحب مطالب أويل النهى(.)3
التعقب:
ال جيب الغس ـ ـ ـ ــل على من قال يب جنية أجامعها كاملرأة ،وهذا هو تعقب عثمان،
قال ¬" :ولو قالت :يب جين جيامعين كالرجل فعليها الغسـ ـ ـ ـ ـ ــل ،قاله يف اإلقناع .قال
الش ــيخ منص ــور البهويت :قلت :وعلى ما ذكره املص ــنف لو قال رجل :يب جنية أجامعها
كاملرأة فعليه الغسل .انتهى .وفيه نظر"(.)4
( )1ينظر :الفروع ( ،)258 /1واإلنصاف ( ،)236 /1واإلقناع ( ،)44 /1ومطالب أويل النهى (.)166 /1
( )2كشاف القناع (.)144 /1
( )3مطالب أويل النهى (.)167 /1
( )4حاشية املنتهى (.)81 / 1
( )5ينظر :كشاف القناع ( ،)144 /1ومطالب أويل النهى (.)167 /1
- 71 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
الترجيح:
الذي يظهر واهلل أعلم أن من قال يب جنية أجامعها كاملرأة ،فال خيلو من حالني:
احلال األوىل :أن يكون مس ــتجيبا ومريدا هلذا اجلماع ،فيلزمه الغس ــل؛ قياس ــا على
إجياب الغسل على من جامع هبيمة( ،)2وعلى من قالت يب جين جيامعين كالرجل.
احلال الثانية :أن يكون غري مطاوع وغري مريد ،فهذه املسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــألة مبنية على القول
بإمكان تصـ ـ ــور ذلك ،فإن قيل إنه ميكن أن حيصـ ـ ــل مجاع من غري مريد فيلزمه الغسـ ـ ــل،
وإن قيل إنه ال يتصور ذلك فال يلزمه الغسل ،واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
من قال يب جنية أجامعها كاملرأة فعلى القول األول يلزمه الغسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل ،وعلى القول
الثاين ال يلزمه.
( )1ينظر :املغين ( ،)60 /9والكايف ( ،)86 /4واحملرر ( ،)154 /2واملبدع ( ،)391 /7واإلنصاف (،)182 /10
واإلقناع (.)254 /4
( )2ينظر :املغين ( ،)150 /1وشرح العمدة البن تيمية -كتاب الطهارة (ص ،)360 :واملبدع ( ،)155 /1واإلنصاف
( ،)235 /1واإلقناع ( ،)44 /1ومنتهى اإلرادات (.)80 /1
- 72 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
المطلب الرابع عشر :صحة طهارة من لزمه غسل ووضوء وإزالة
نجاسة فتيمم ونوى استباحة أمر يتوقف على الطهارة منها جميعا.
تحرير موضع التعقب:
قال اخللويت ¬ يف باب التيمم" :قوله( :وترتيب ومواالة حلدث أص ـ ـ ـ ــغر) ،أي:
ولو مع حدث أكرب ،االف الغسـ ـ ـ ــل فيما يظهر ،وإذا نوى اسـ ـ ـ ــتباحة أمر يتوقف على
وضـ ـ ـ ــوء ،وغسـ ـ ـ ــل ،وإزالة جناسـ ـ ـ ــة ،أجزأه عن ذلك ،وإذا نوى حدثا وأطلق مل جيزئه عن
شـ ـ ـ ــيء"( ،)1وقال عثمان ¬" :قوله( :حلدث أصـ ـ ـ ــغر) ولو مع حدث أكرب ،االف
الغس ــل فيما يظهر ،وإذا نوى اس ــتباحة أمر يتوقف على وض ــوء ،وغس ــل ،وإزالة جناس ــة،
أجزأه عن ذلك ،وإذا نوى حدثا وأطلق مل جيزئه عن ش ـ ـ ـ ـ ـ ــيء .كذا حبثه ش ـ ـ ـ ـ ـ ــيخنا حممد
اخللويت ،وفيه نظر"(.)2
ويظهر مما س ـ ـ ــبق أن عثمان ¬ نقل كالم اخللويت يف ثالث مس ـ ـ ــائل ،مث تعقب
كالمه دون اإلش ـ ــارة إىل موض ـ ــع التعقب ،والذي يظهر أن موض ـ ــع التعقب هو املس ـ ــألة
الثانية ،وهي يف قول اخللويت" :وإذا نوى اس ــتباحة أمر يتوقف على وض ــوء وغس ــل وإزالة
جناس ــة أجزأه عن ذلك" وس ــبب القول أن هذه املس ــألة هي موض ــع التعقب يتلخص يف
اآليت:
كالم عثمــان يف هــدايــة الراغــب ،وذلــك أنــه قــال" :أو نوى األص ـ ـ ـ ـ ـ ــغر واألكرب -1
والنجــاس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة بتيمم واحــد (كفى) أي أجزأه ذلــك ،قلــت :والظــاهر هنــا اعتبــار
الرتتيب واملواالة"( ،)3وهذا فيه إش ـ ـ ـ ــارة إىل ما ذكره اخللويت يف املس ـ ـ ـ ــألة األوىل،
وقــال" :فــإن نوى حــدثــا وأطلق مل جيزئــه عن احلــدثني"( )4وهــذا يوافق مــا ذكره
اخللويت يف املسألة الثالثة.
تأص ــيل احلنابلة ملسـ ــألة نية التعيني ونص ــهم عليها( ،)1فلو كان مقصـ ــود عثمان -2
تعقب اخللويت يف املسـ ـ ــألة الثالثة ،وهي مسـ ـ ــألة إجزاء نية رفع احلدث مطلقا يف
التيمم ،لكان كالمه فيه تعقب على القول املش ــهور من املذهب ،ال على حبث
اخللويت.
تصــوير عثمان للمســألة الثانية يف هداية الراغب مبا خيالف كالم اخللويت ،وذلك -3
أنه قال" :وص ـ ــفة التعيني :أن ينوي اس ـ ــتباحة ص ـ ــالة الظهر مثال من اجلنابة إن
كان جنبا ،أو من احلدث إن كان حمدثا ،أومن النجاسـ ـ ـ ــة إن كان جنسـ ـ ـ ــا ،وما
أشبه ذلك"(.)2
ولذلك ستكون املسألة الثانية هي حمل البحث هنا.
صورة المسألة:
املش ـ ــهور من مذهب احلنابلة أن التيمم مبيح ال رافع( ،)3وعليه فلو أن ش ـ ــخص ـ ــا
أحدث حدثا أصغر وحدثا أكرب ،وكانت على جسده جناسة ،ومل جيد املاء ،فتيمم ونوى
اس ــتباحة أمر يتوقف على وض ــوء وغس ــل وإزالة جناس ــة كالص ــالة ،دون تعيني حدث أو
أحداث ،فهل نية االستباحة ملا يلزم له التيمم تكفي عن استصحاب ما أوجب التيمم،
أم أن ذلك ال يكفي ،ويلزم استحضار األمرين معات
( )1ينظر :املغين ( ،)197 /1والكايف ( ،)121 /1واملبدع ( ،)193 /1وشرح املنتهى (.)98 /1
( )2هداية الراغب (.)127 /1
( )3ينظر :قواعد ابن رجب ( ،)41 /1واإلنصاف ( ،)263 /1وشرح املنتهى ( ،)90 /1وكشاف القناع (،)161 /1
ومطالب أويل النهى (.)191 /1
- 74 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
القول المتعقب:
ال يلزم مريد التيمم أن يس ــتص ــحب رفع األس ــباب املوجبة للتيمم ،وإمنا تكفيه نية
اس ــتباحة ما يتوقف على رفع هذه األس ــباب ،وهذا قول اخللويت ،قال ¬" :وإذا نوى
استباحة أمر يتوقف على وضوء وغسل وإزالة جناسة أجزأه عن ذلك"(.)1
وهو قول صاحب الغاية( ،)2وتابعه عليه شارحها(.)4()3
التعقب:
يلزم مريد التيمم أن يس ـ ـ ـ ــتص ـ ـ ـ ــحب رفع األس ـ ـ ـ ــباب املوجبة للتيمم ،وال تكفيه نية
اسـتباحة ما يتوقف على رفع هذه األسـباب ،بل البد من اسـتحضـار األمرين معا ،وهذا
هو تعقب عثمان ،قال ¬" :وإذا نوى اسـ ـ ــتباحة أمر يتوقف على وضـ ـ ــوء ،وغسـ ـ ــل،
وإزالة جناس ـ ـ ـ ـ ـ ــة ،أجزأه عن ذلك ،وإذا نوى حدثا وأطلق مل جيزئه عن ش ـ ـ ـ ـ ـ ــيء .كذا حبثه
شيخنا حممد اخللويت ،وفيه نظر"(.)5
وهذا قول ابن قدامة( ،)1والشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارح( ،)2وصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاحب املمتع( ،)4()3والفروع(،)5
واملبدع( ،)6واإلقناع( ،)7وشرحه(.)8
الترجيح:
الذي يظهر واهلل أعلم أن القول الراجح بناء على تأص ـ ـ ـ ـ ـ ــيل املذهب يف أن التيمم
مبيح ال رافع ،وأن التيمم ض ــعيف البد معه من اس ــتحضـ ــار نية ما يسـ ــتباح له ،وأنه إن
نوى اس ـ ـ ـ ـ ـ ــتبــاحــة النفــل مل جيز لــه بــه أداء الفرض ،وإن نوى رفع احلــدث األكرب وإزالــة
النجاس ـ ـ ـ ــة فإن ذلك ال جيزئه عن احلدث األص ـ ـ ـ ــغر( ،)1األمر الذي يدل على ض ـ ـ ـ ــعف
التيمم ض ـ ـ ـ ــعفا يلزم معه تعيني احلدث أو النجاس ـ ـ ـ ــة اليت تيمم بس ـ ـ ـ ــببها ،وبناء على هذا
التأصيل فالراجح هو قول عثمان ،واهلل أعلم.
ومما يدل على ض ــعف القول املتعقب :أن أص ــحاب هذا القول ذكروا أنه إن نوى
بتيممه اسـ ـ ـ ـ ــتباحة الصـ ـ ـ ـ ــالة من أحد احلدثني دون اآلخر فإن هذا ال يكفيه( ،)2فكيف
يقال إنه إن مل ينو ش ـ ـ ـ ــيئا من األحداث ونوى اس ـ ـ ـ ــتباحة الص ـ ـ ـ ــالة فإن ذلك يكفيه عن
احلدثني وعن إزالة النجاسةت
كما أن اخللويت فس ــر قول الفتوحي" :وتعيني نية اس ــتباحة ما يتيمم له من حدث
أو جناســة" بقوله(" :أو جناســة)( ،أو) هنا ملنع اخللو ،فيجوز اجلمع"( ،)3فقوله هنا :ملنع
اخللو يدل على وجوب استحضار نية السبب املوجب للتيمم.
وهذان املأخذان يدالن على أن الراجح قول عثمان ،واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
لو أن شــخصــا أحدث حدثا أصــغر وحدثا أكرب ،وكانت على جســده جناســة ،ومل
جيد املاء ،فتيمم ونوى اســتباحة أمر يتوقف على وضــوء وغســل وإزالة جناســة كالصــالة،
دون تعيني حدث أو أحداث ،فعلى القول األول جيزئه هذا التيمم ،ويستبيح به الصالة،
وعلى القول الثاين ال جيزئه هذا التيمم ،وال يستبيح به الصالة.
( )1ينظر :الشرح الكبري ( ،)260 /1واملمتع يف شرح املقنع ( ،)209 /1والفروع ( ،)298 /1واملبدع (،)193 /1
واإلنصاف ( ،)263 /1وكشاف القناع ( ،)175 /1والروض املربع (ص.)48 :
( )2ينظر :غاية املنتهى ( ،)106 /1ومطالب أويل النهى (.)212 /1
( )3حاشية اخللويت على منتهى اإلرادات (.)160 /1
- 77 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
المطلب الخامس عشر :قياس من عاد دم نفاسها في األربعين بعد
انقطاعه على المبتدأة التي زاد دمها على اليوم والليلة قبل تكرره.
صورة المسألة:
املشــهور من مذهب احلنابلة أن الدم العائد يف األربعني دم مشــكوك فيه ،فتصــلي
فيه املرأة وتص ـ ـ ــوم مث تقض ـ ـ ــي ذلك بعد انقطاع دمها وال جيوز وطؤها فيه( ،)1وعليه فهل
يص ـ ـ ـ ـ ــح قياس من عاد دم نفاس ـ ـ ـ ـ ــها يف األربعني بعد انقطاعه على املبتدأة اليت زاد دمها
على اليوم والليلة قبل تكرره ،امع أهنما تؤديان الص ـ ــالة والص ـ ــوم ،وال جيوز وطؤمها ،أم
نقول بالفرق ،وذلك ألن املبتدأة ال تقض ـ ــي ما فعلته من الواجبات يف الزائد قبل تكرره،
االف من عاد دم نفاسها يف األربعني فإهنا تقضيهت
القول المتعقب:
يص ـ ـ ـ ــح قياس من عاد دم نفاس ـ ـ ـ ــها يف األربعني بعد انقطاعه على املبتدأة اليت زاد
دمها على اليوم والليلة قبل تكرره ،وهذا صـنيع منصـور البهويت ،قال ¬(" :وال توطأ)
يف هذا الدم ،كاملبتدأة يف الزائد على أقل احليض ق بل تكرره"( ،)2وقال أيضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا(" :وال
يأتيها يف الفر ) زمن هذا الدم ،كاملبتدأة يف الدم الزائد على اليوم والليلة قبل تكرره"(.)3
وهذا قول ص ـ ـ ـ ـ ـ ــاحب املمتع( ،)4ومعونة أويل النهى( ،)5وكش ـ ـ ـ ـ ـ ــف املخدرات(،)6
ومطالب أويل النهى( ، )7كما أش ـ ـ ــار ص ـ ـ ــاحب املغين إىل معىن قريب من هذا ،فقال يف
معرض حديثه عن املبتدأة" :وإن انقطع الدم ،واغتسلت ،حل وطؤها .وهل يكرهت على
( )1ينظر :الشرح الكبري على املقنع ت الرتكي ( ،)476 /2والفروع ( ،)395 /1واإلنصاف ( ،)385 /1ومعونة أويل
النهى ( ،)443/1وشرح املنتهى ( ،)123 /1ومطالب أويل النهى (.)270 /1
( )2شرح املنتهى (.)123 /1
( )3كشاف القناع (.)220 /1
( )4ينظر :املمتع يف شرح املقنع (.)255 /1
( )5ينظر :معونة أويل النهى (.)443/1
( )6ينظر :كشف املخدرات (.)97 /1
( )7ينظر :مطالب أويل النهى (.)271 /1
- 78 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
روايتني :إحدامها ،ال يكره؛ ألهنا رأت النقاء اخلالص ،أش ــبه غري املبتدأة .والثانية ،يكره؛
ألننا ال نأمن معاودة الدم ،فكره وطؤها ،كالنفسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء إذا انقطع دمها ألقل من أربعني
يوما"( ،)1وذكر الشارح أيضا هذ املعىن(.)2
التعقب:
ال يص ــح قياس من عاد دم نفاس ــها يف األربعني بعد انقطاعه على املبتدأة اليت زاد
دمهــا على اليوم والليلــة قبــل تكرره ،وهــذا هو تعقــب عثمــان ،قــال ¬" :قولــه( :وال
توطأ) أي :يف الدم العائد يف األربعني .والظاهر :وجوب الكفارة قياسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا على وجوب
قض ـ ــاء حنو الص ـ ــوم .وقول منص ـ ــور البهويت :إنه كالدم الزائد على اليوم والليلة يف املبتدأة
قبل تكرره ،غري ظاهر؛ إذ املبتدأة ال تقضــي ما فعلته من الواجبات يف الزائد قبل تكرره.
فليحرر"(.)3
الترجيح:
الذي يظهر واهلل أعلم أن أص ــحاب القول األول قص ــدوا تش ــبيه حال املبتدأة اليت
زاد دمها على اليوم والليلة قبل تكرره يف كوهنا تصـلي وتصـوم ،ومع هذا ال جيوز وطؤها،
مبن عاد دم نفاسها يف األربعني بعد انقطاعه ،يف كوهنا تصلي وتصوم ،ومع هذا ال جيوز
وطؤها ،فالص ــورتان متش ــاهبتان ،وال يظهر أهنم قص ــدوا تس ــوية مجيع أحكام املبتدأة اليت
زاد دمهـا على اليوم والليلـة قبـل تكرره بـأحكـام من عـاد دم نفـاس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـا يف األربعني بعـد
انقطاعه ،وذلك ألهنم إمنا ذكروا هذا التش ـ ـ ــبيه عند ذكر مس ـ ـ ــألة عدم جواز الوطء ،ولو
أرادوا تشـ ـ ــبيه املسـ ـ ــألتني يف مجيع األحكام لذكروا القياس يف رأس املسـ ـ ــألة وذكروا إحلاق
املســألة الثانية باملســألة األوىل يف مجيع أحكامها ،وعلى هذا فيكون تعقب عثمان ¬
غري وجيــه ،واخلالف الــذي ذكره خالف لفظي ،إذ إن أص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحــاب القول املتعقــب ال
ينازعونه عليه ،بل نص ـ ـوا على أن من عاد دم نفاسـ ــها يف األربعني أهنا تصـ ــوم ،وتقضـ ــي
الصوم( ،)1وهو ال ينازعهم على ما ذكروه من أن املبتدأة اليت زاد دمها على اليوم والليلة
قبل تكرره تصــلي وتصــوم وال توطأ ،ومن عاد دم نفاســها يف األربعني أهنا تصــلي وتصــوم
وال توطأ( ،)2واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
اخلالف لفظي.
( )1ينظر :معونة أويل النهى ( ،)443/1وشرح املنتهى ( ،)123 /1ومطالب أويل النهى (.)271 /1
( )2ينظر :هداية الراغب (.)156 /1
- 80 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
- 81 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
المطلب األول :أقسام الناس في حد العورة.
تحرير موضع التعقب:
قال اخللويت ¬" :اعلم أن حاصل األقسام أحد وتسعون؛ ألن اإلنسان إما أن
يكون ذكرا ،أو أنثى ،أو خنثى ،وكل منها إما أن يكون حرا ،أو رقيقا ،أو مبعضـ ـ ـ ـ ــا ،أو
مدبرا ،أو معلقا عتقه بص ـ ـ ـ ـ ـ ــفة ،أو مكاتبا ،فهذه مثانية عش ـ ـ ـ ـ ـ ــر ،وكل واحد من الثمانية
عشر ،إما أن يكون بالغا ،أو مراهقا ،أو بلا متام عشر ،أو ما بني سبع وعشر ،أو دون
س ــبع ،وهذه مخس ــة ،فإذا ض ـ ـربتها يف الثمانية عش ــر :بلغت تس ــعني ،فزد عليها احتمال
كون األنثى أم ولد ،تبلا إحدى وتس ــعني ،وبعض ــها خيالف بعض ــا من جهة ما يسـ ــمى
عورة ،فعورة الذكر البالا ،واملراهق ،ومن بلا متام عش ـ ـ ـ ـ ــر سـ ـ ـ ـ ـ ـواء كان حرا ،أو عبدا ،أو
مبعض ـ ــا ،أو مكاتبا ،أو مدبرا ،أو معلقا عتقه بص ـ ــفة ما بني س ـ ــرة وركبة ،وابن س ـ ــبع إىل
عشر من مجيع ذلك الفرجان ،ومن دون السبع منه ال حكم لعورته ،فهذه ثالثون.
واألنثى البالغة احلرة كلها عورة يف الص ـ ـ ـ ـ ـ ــالة إال وجهها وهذا واحد ،والبالغة غري
احلرة سـ ـ ـ ـ ـواء كانت أمة ،أو أم ولد ،أو مبعض ـ ـ ـ ــة ،أو مدبرة ،أو مكاتبة ،أو معلقا عتقها
بصفة كالرجل البالا ،وهذه ستة.
واألنثى غري البالغة إن كانت حرة فإن كانت مميزة ،أو مت هلا عش ـ ـ ـ ـ ـ ــر ،أو راهقت
فكالرجل أيضا ،وهذه ثالث ،وإن كانت دون التمييز فال حكم لعورهتا ،وهذا واحد.
وإن كانت غري حرة فإن كانت مميزة ،أو بلغت عشـ ـرا ،أو راهقت فكالرجل أيض ــا
سواء كانت أمة ،أو مبعضة ،أو مكاتبة ،أو مدبرة ،أو معلقا عتقها بصفة ،وهذه مخسة
عشر ،وإن كانت دون التمييز فال حكم لعورهتا باألنواع اخلمسة ،وهذه مخسة.
واخلنث ى إن كان حرا فإن كان بالغا فكاحلرة البالغة ،وإن كان غري بالا فإن كان
مميزا ،أو بلا عش ـ ـ ـ ـ ـرا أو راهق فكالرجل ،وإن كان دون السـ ـ ـ ـ ــبع فال حكم لعورته ،وهذه
مخس ــة ،وإن كان رقيقا فإن كان بالغا فكالرجل ،وكذا إن بلا عشـ ـرا ،أو راهق .وإن كان
ما بني س ـ ـ ـ ــبع عش ـ ـ ـ ــر فعورته الفرجان ،وإن كان دون ذلك فال حكم لعورته س ـ ـ ـ ـواء كان
اخلنثى الرقيق قنا ص ـ ـرفا ،أو مبعضـ ــا ،أو مكاتبا ،أو مدبرا ،أو معلقا عتقه بصـ ــفة ،وهذه
مخس ـ ـ ــة وعش ـ ـ ــرون ،فهذا حكم اإلحدى والتس ـ ـ ــعني ص ـ ـ ــورة ،فحافظ عليها فإين مل أرها
- 82 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
جمموع ــة لغريي ،ب ــل هو من مواه ــب الوه ــاب ،واالعتم ــاد في ــه على م ــا فهم من كالم
املصنف هنا ،ويف كتاب النكاح"(.)1
وقــال عثمــان النجــدي بعــد أن نقــل بعض كالم اخللويت" :وأقول :يف ذلــك نظر،
وحتريره أن يقال :عورة الذكر واخلنثى بأقس ـ ــامهما الس ـ ــتة ،أعين :كون كل واحد حرا ،أو
رقيقا ،أو مبعضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ،أو مكاتبا ،أو مدبرا ،أو معلقا عتقه بص ـ ـ ـ ـ ـ ــفة ،إن كانا بالغني ،أو
مراهقني ،أو مت هلما عشر :ما بني سرة وركبة ،ومن سبع إىل عشر :الفرجان.
وأما األنثى :فإن كانت حرة بالغة ،فكلها عورة إال وجهها ،وإن كانت حرة مميزة،
أو مت هلا عشر ،أو كانت مراهقة؛ فكرجل؛ أي :ما بني سرة وركبة.
وإن كانت غري حرة ،فإن مت هلا عش ـ ــر ،أو كانت مراهقة بأقسـ ـ ــامها اخلمس ـ ــة ،أو
بالغة بأقسامها الستة ،بزيادة أم ولد؛ فكرجل؛ أي :ما بني سرة وركبة.
وإن كانت غري احلرة مميزة بأقس ـ ـ ــامها اخلمس ـ ـ ــة ،وهي ماعدا أم الولد؛ أعين :كوهنا
رقيقة ،أو مبعض ـ ـ ــة ،أو مدبرة ،أو مكاتبة ،أو معلقا عتقها بص ـ ـ ــفة؛ فكذكر؛ أي :عورهتا
الفرجان ،كما يفهم من قوهلم :حرة مميزة كرجل؛ فإن األمة املميزة ليسـ ـ ـ ــت كذلك ،ومن
دون سـ ـ ـ ـ ــبع ال حكم لعورته يف مجيع األقسـ ـ ـ ـ ــام املتقدمة ،فهذا حكم األحد والتسـ ـ ـ ـ ــعني
ص ـ ـ ـ ــورة ،فاحفظها؛ فإهنا مهمة .ويف كالم ش ـ ـ ـ ــيخنا يف حكم العورة نظر ،يعلم بالوقوف
عليه .وهذا ما أمكن حتريره ،واهلل أعلم"(.)2
ويتبني مما س ـ ــبق أن عثمان ¬ تعقب اخللويت يف موض ـ ــعني ،أما املوض ـ ــع األول
فهو يف بداية كالمه ،وقد تعقبه يف تقسـ ـ ـ ـ ــيمه للناس يف حد العورة ،واملوضـ ـ ـ ـ ــع اآلخر يف
هنايته ،وقد أش ــار فيه إىل أن يف كالمه يف حكم العورة نظر ،وس ــأفرق بني املوض ــعني يف
الدراسة ،وذلك الختالف موضوع كل واحد منهما عن اآلخر ،واهلل املستعان.
صورة المسألة:
ذكر احلنابلة عدة أقسام للناس يف حد العورة ،فما هو عدد هذه األقسامت
القول المتعقب:
ينقسـم الناس يف حد العورة إىل واحد وتسـعني قسـما ،وهذا هو قول اخللويت ،قال
¬" :اعلم أن حاص ــل األقس ــام أحد وتس ــعون؛ ألن اإلنس ــان إما أن يكون ذكرا ،أو
أنثى ،أو خنثى ،وكل منها إما أن يكون حرا ،أو رقيقا ،أو مبعضـ ـ ـ ــا ،أو مدبرا ،أو معلقا
عتقه بصــفة ،أو مكاتبا ،فهذه مثانية عشــر ،وكل واحد من الثمانية عشــر ،إما أن يكون
بالغا ،أو مراهقا ،أو بلا متام عشر ،أو ما بني سبع وعشر ،أو دون سبع ،وهذه مخسة،
فإذا ض ـ ـ ـربتها يف الثمانية عش ـ ــر :بلغت تس ـ ــعني ،فزد عليها احتمال كون األنثى أم ولد،
تبلا إحدى وتسعني ،وبعضها خيالف بعضا من جهة ما يسمى عورة"(.)1
التعقب:
ينقسم الناس يف حد العورة إىل سبعة أقسام ،وهذا هو تعقب عثمان ،قال ¬:
"وأقول :يف ذلك نظر ،وحتريره أن يقال :عورة الذكر واخلنثى بأقســامهما الســتة – أعين:
كون كل واحد حرا ،أو رقيقا ،أو مبعضـ ــا ،أو مكاتبا ،أو مدبرا ،أو معلقا عتقه بصـ ــفه،
إن كانا بالغني ،أو مراهقني ،أو مت هلما عشر – ما بني سرة وركبة ،ومن سبع إىل عشر:
الفرجان .وأما األنثى :فإن كانت حرة بالغة ،فكلها عورة إال وجهها ،وإن كانت حرة
مميزة ،أو مت هلا عشـ ـ ـ ــر ،أو كانت مراهقة؛ فكرجل؛ أي :ما بني سـ ـ ـ ــرة وركبة .وإن كانت
غري حرة ،فإن مت هلا عش ـ ـ ــر ،أو كانت مراهقة بأقس ـ ـ ــامها اخلمس ـ ـ ــة ،أو بالغة بأقس ـ ـ ــامها
الستة ،بزيادة أم ولد؛ فكرجل؛ أي :ما بني سرة وركبة.
وإن كانت غري احلرة مميزة بأقس ـ ـ ــامها اخلمس ـ ـ ــة ،وهي ماعدا أم الولد؛ أعين :كوهنا
رقيقة ،أو مبعض ـ ـ ــة ،أو مدبرة ،أو مكاتبة ،أو معلقا عتقها بص ـ ـ ــفة ،فكذكر؛ أي :عورهتا
الفرجان ،كما يفهم من قوهلم :حرة مميزة كرجل؛ فإن األمة املميزة ليسـ ـ ـ ــت كذلك ،ومن
دون سـ ـ ـ ـ ــبع ال حكم لعورته يف مجيع األقسـ ـ ـ ـ ــام املتقدمة .فهذا حكم األحد والتسـ ـ ـ ـ ــعني
ص ـ ـ ـ ــورة ،فاحفظها؛ فإهنا مهمة .ويف كالم ش ـ ـ ـ ــيخنا يف حكم العورة نظر ،يعلم بالوقوف
عليه .وهذا ما أمكن حتريره ،واهلل أعلم"(.)1
الترجيح:
هذا تعقب يف الرتتيب والتقس ـ ــيم ،والرتتيب والتقس ـ ــيم أمر اجتهادي ،ال يقال فيه
أن هذه طريقة تصــح وهذه ال تصــح ،بل كل طريق أوصــل إىل املراد فهو صــحيح ،لكن
قد يقال إن بعض هذه الطرق أوىل وأفضل من البعض اآلخر ،وهذا احلكم أيضا نسيب،
فقد يناســب أحد طرق التقســيم والتفهيم شــخصــا وال يناســب آخر ،والعكس صــحيح،
وهلذا فال تثريب على من س ـ ــلك طريقا يف الش ـ ــرح والتفهيم يظن أهنا توص ـ ــل املراد وتبينه
للمتعلم ،وإن كــان غريه يرى غري طريقتــه أوىل وأفض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل ،فــاألمر اجتهــادي تقــديري ال
حيتمل تصحيح طريقة وختطئة أخرى ،واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
اخلالف لفظي.
صورة المسألة:
يتض ـ ـ ـ ـ ـ ــح مما س ـ ـ ـ ـ ـ ــبق من كالم اخللويت وعثمان أهنما اتفقا يف مجلة أحكام العورة،
واختلفا يف موضعني ،أما املوضع األول فهو عورة اخلنثى احلر البالا ،واخلنثى احلر املميز،
وأما املوضع الثاين فهو عورة غري احلرة املميزة بأقسامها اخلمسة ،فما هي عورة كل واحد
مما ذكر من القسمنيت
التعقب:
أحكام عورة اخلنثى تلحق بأحكام الرجل ،فعورة اخلنثى احلر البالا ما بني الس ـ ـ ـ ــرة
إىل الركبــة كــالرجــل ،وعورة اخلنثى احلر املميز الفرجــان ،وهــذا هو تعقــب عثمــان ،قــال
¬" :عورة الذكر واخلنثى بأقس ــامهما الس ــتة ،أعين :كون كل واحد حرا ،أو رقيقا ،أو
مبعض ــا ،أو مكاتبا ،أو مدبرا ،أو معلقا عتقه بص ــفة ،إن كانا بالغني ،أو مراهقني ،أو مت
هلما عشر ما بني سرة وركبة ،ومن سبع إىل عشر :الفرجان "(.)1
وقد قال هبذا القول ابن قدامة( ،)2وذكر ابن تيمية أنه أشـ ــهر الوجهني( ،)3وقدمه
يف الشرح( ،)4والرعاية( ،)5والفروع( ،)6وقال به احلاوي( ،)7واملنور( ،)9()8وذكر صاحبا
املبدع( ،)10واإلنصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاف( )11أنه املذهب ،كما نص على هذا القول يف املنتهى(،)12
واإلقناع( ،)13والغاية( ،)14وكشف املخدرات(.)15
الترجيح:
الراجح هو القول الثاين ،وذلك لكثرة القائلني به ،والس ــتقرار قول املتأخرين عليه،
ولقوة دليله.
ثمرة الخالف:
على القول األول تلحق أحكــام عورة اخلنثى بــأحكــام عورة األنثى ،وعلى القول
الثاين :تلحق أحكام عورة اخلنثى بأحكام عورة الذكر.
( )1ينظر :املغين ( ،)433 /1والشرح الكبري ( ،)459 /1واملبدع (.)321 /1
- 88 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
التعقب:
عورة غري احلرة املميزة الفرجان ،وهذا هو تعقب عثمان ،قال ¬" :وإن كانت
غري احلرة مميزة بأقس ــامها اخلمس ــة ،وهي ماعدا أم الولد؛ أعين :كوهنا رقيقة ،أو مبعض ــة،
أو مدبرة ،أو مكاتبة ،أو معلقا عتقها بصفة؛ فكذكر؛ أي :عورهتا الفرجان"(.)3
وهذا القول هو ظاهر قول اللبدي( ،)5()4واستظهره ابن قاسم(.)6
ميكن أن يس ـ ـ ـ ـ ـ ــتدل هلذا القول بأن احلنابلة أحلقوا عورة األمة بعورة الرجل( ،)1ومل
يستثنوا من ذلك حال كوهنا مميزة ،فيبقى كالمهم على عمومه.
الترجيح:
القوالن متقــاربــان ،ومل أجــد مرجحــا قويـا تطمئن لــه النفس ،ولكن ميكن أن يقــال
إن القول الثاين أرجح؛ وذلك ألن األمة دائما تكون مبنزلة أدىن من منزلة احلرة ،وهي يف
أحكام العورة إىل الرجل أقرب منها إىل املرأة احلرة ،فلو رجحنا القول األول لس ـ ـ ـ ـ ــاويناها
باحلرة ،فإحلاقها بأحكام الرجل أوىل من إحلاقها بأحكام احلرة ،واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
على القول األول يكون حكم عورة غري احلرة املميزة من السرة إىل الركبة ،كالرجل
البـ ـ ــالا وك ـ ــاحلرة غري املميزة ،وعلى القول الثـ ـ ــاين يكون حكم عورة غري احلرة املميزة
الفرجان ،كالذكر غري املميز.
( )1ينظر :الفروع ( ،)36 /2واإلنصاف ( ،)449 /1واإلقناع ( ،)87 /1ومنتهى اإلرادات ( ،)163 /1ومطالب
أويل النهى (.)329 /1
( )2ينظر :حاشية املنتهى (.)164 /1
- 90 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
المطلب الثاني :الصالة على سطح نهر.
صورة المسألة:
ذكر احلنابلة عدة مواض ـ ــع ال جتوز الص ـ ــالة فيها( ،)1فهل يدخل يف هذه املواض ـ ــع
سطح النهر أم الت وهل يصح إحلاق حكم الصالة على سطح النهر حبكم الصالة على
املاء أم الت
القول المتعقب:
ال تصــح الصــالة على ســطح النهر ،وذلك ألن الصــالة على املاء ال تصــح ،وهذا
سطحه ،وهذا قول ابن عقيل ¬(.)3()2
ومن احلنابلة من قال هبذا القول وزاد قيدا وهو أن يكون النهر جتري فيه الس ـ ـ ــفن،
وعلل النهي بأن اهلواء تابع للقرار ،والنهر الذي جتري فيه الس ـ ـ ـ ـ ـ ــفن يقاس على الطريق،
وقــد جــاء النهي عن الص ـ ـ ـ ـ ـ ــالة يف قــارعــة الطريق ،وقــد قــال هبــذا القول ابن حــامــد(،)4
والقاضي(.)5
ومن احلنابلة من نص على النهي عن الص ــالة على س ــطح النهر دون ذكر تعليل،
وهذه طريقة صاحب املنتهى( ،)6وعثمان يف هداية الراغب(.)7
( )1ينظر :اإلنصاف ( ،)492 /1ومنتهى اإلرادات ( ،)182 /1واإلقناع (،)97 /1
( )2هو :علي بن عقيل بن حممد بن عقيل بن أمحد البغدادي الظفري ،املقرىء الفقيه ،األصويل ،الواعظ املتكلم ،أبو
الوفاء ولد سنة إحدى وثالثني وأربعمائة ،له تصانيف :أعظمها «كتاب الفنون» بقيت منه أجزاء ،قال الذهيب يف
تارخيه« :كتاب الفنون مل يصنف يف الدنيا أكرب منه» وله كتاب الواضح يف األصول ،تويف سنة ثالث عشرة
ومخسمائة .تاريخ اإلسالم ت بشار ( ،)204 /11وذيل طبقات احلنابلة ( ،)316 /1واملقصد االرشد (.)248 /2
( )3ينظر :الفروع ( ،)108 /2واإلنصاف ( ،)492 /1وحاشية املنتهى (.)183 – 182 / 1
( )4ينظر :اهلداية (ص.)79 :
( )5ينظر :املغين ( ،)54 /2واإلقناع ( )97 /1ومعونة أويل النهى (.)51 /2
( )6ينظر :منتهى اإلرادات (.)182 /1
( )7ينظر :هداية الراغب (.)186 /1
- 91 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
التعقب:
تصح الصالة على سطح النهر ،وال يصح إحلاق حكم الصالة على سطح النهر
حبكم الص ـ ــالة على املاء؛ لعدم وجود العلة اليت اقتض ـ ــت حترمي الص ـ ــالة على املاء ،وهذا
هو تعقب عثمان ،قال ¬" :قوله( :وسـ ـ ــطح هنر) أي :ال تصـ ـ ــح الصـ ـ ــالة على هنر.
قال ابن عقيل ما معناه :ألن الص ـ ــالة على املاء ال تص ـ ــح ،فهذا على س ـ ــطحه .انتهى.
وفيه نظر؛ ألنا إمنا منعنا من الص ـ ــالة على املاء لعدم إمكان االس ـ ــتقرار عليه ،وس ـ ــطحه
ليس كذلك ،فاألوىل ما ذكر يف اإلقناع بقوله :واملختار الص ـ ـ ـ ـ ـ ــحة كالس ـ ـ ـ ـ ـ ــفينة ،قاله أبو
املعايل(.)2(")1
وقد قال هبذا القول أبو املعايل( ،)3وابن قدامة( ،)4وصاحب الغاية(.)5
( )1هو :أسعد -ويسمى حممد -بن املنجى بن بركات بن املؤمل التنوخي وجيه الدين أبو املعايل تفقه وبرع يف املذهب
وأخذ الفقه عن الشيخ عبد القادر اجليلي وتفقه بدمشق على شرف اإلسالم عبد الوهاب بن الشيخ أىب الفر وأخذ
صنّف كتاب " النّهاية يف شرح اهلداية " يف بضعةعنه الشيخ موفق الدين وروى عنه مجاعة منهم احلافظ املنذريَ ،
ك .ويف ذةريّته علماء وأكابر تويف سنة ست وستمائة .تاريخ ِ
عشر جمل ًدا ،وصنّف كتاب " اخلالصة " ،وغري ذَل َ
اإلسالم ت بشار ( ،)129 /13وذيل طبقات احلنابلة ( ،)98 /3واملقصد االرشد (.)279 /1
( )2حاشية املنتهى (.)183 – 182 / 1
( )3ينظر :الفروع ( ،)108 /2واملبدع ( ،)350 /1واإلنصاف ( ،)493 /1واإلقناع (.)97 /1
( )4ينظر :املغين (.)55 /2
( )5ينظر :غاية املنتهى (.)150 /1
( )6ينظر :الفروع ( ،)108 /2و املبدع ( ،)350 /1واإلنصاف ( ،)492 /1وحاشية املنتهى (.)183 – 182 / 1
- 92 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
عن الصالة يف قارعة الطريق ،وألن اهلواء تابع للقرار ،فمن صلى على سطح النهر الذي
جتري فيه السفن فكأمنا صلى يف قارعة الطريق(.)1
الترجيح:
ظهر مما س ـ ـ ـ ـ ـ ــبق أن للحنابلة يف هذه املس ـ ـ ـ ـ ـ ــألة ثالثة أقوال ،القول األول املنع من
الصــالة على ســطح النهر مطلقا ،والقول الثاين إباحة الصــالة على ســطح النهر مطلقا،
والقول الثالث املنع من الص ـ ـ ــالة على س ـ ـ ــطح النهر الذي جتري فيه الس ـ ـ ــفن ،وإباحة ما
سواه.
ولعل الراجح هو قص ـ ـ ـ ــر النهي على املواض ـ ـ ـ ــع اليت ورد هبا النص ،ومل يرد هني عن
وطهورا))()3 الصــالة على ســطح النهر ،كما أن قوله ‘ ((جعلت يل األرض مســجدا
عام ،فال خيص ــص إال بدليل يقوى على التخص ــيص ،وقد نقل ابن هانئ( )4يف مس ــائله
أنـه مسع اإلمـام أمحـد يقول" :ال بـأس بـالص ـ ـ ـ ـ ـ ــالة يف املس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـد فوق النهر ،مـا مل يكن
( )1ينظر :اهلداية على مذهب اإلمام أمحد (ص ،)79 :واملغين ( ،)54 /2واإلقناع ( )97 /1ومعونة أويل النهى (/2
.)51
( )2ينظر :غاية املنتهى ( ،)150 /1وحاشية املنتهى (.)183 – 182 / 1
( )3رواه البخاري :كتاب التيمم ،ح( ،)328ويف أبواب املساجد ،باب قول النيب ‘ جعلت يل األرض مسجدا
وطهورا ،ح(.)427
( )4هو :إسحاق بن إبراهيم بن هانئ النيسابوري أبو يعقوب ،ولد سنة مثان عشرة ومائتني وخدم اإلمام أمحد هو ابن
تسع سنني ،وكان له اختصاص باإلمام أمحد ،وعنده أقام أمحد بن حنبل يف مدة اختفائه ،وكان ذا دين وورع ،ونقل
عن أمحد مسائل كثرية ،مات ببغداد سنة مخس وسبعني ومائتني .تاريخ بغداد ( ،)404 /7وطبقات احلنابلة (/1
،)108واملقصد االرشد (.)241 /1
- 93 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
قذرا"( ،)1وقال ابن قدامة ¬ يف معرض حديثه عن املواطن اليت هني عن الص ـ ـ ـ ـ ـ ــالة ً
فيها" :والص ــحيح إن ش ــاء اهلل قص ــر النهي على ما تناوله ،وأنه ال يعدى إىل غريه؛ ألن
احلكم إن كان تعبـديا فالقيـاس فيـه ممتنع ،وإن علـل فإمنا تعلـل بكونه للنجـاس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ،وال
يتخيل هذا يف سطحها"( ،)2وهذا يبني وجاهة التعقب ،واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
لو أن شــخصــا أدركته الصــالة وهو على ســطح هنر ،فعلى قول ابن عقيل ال جتوز
له الص ــالة يف ذلك املوض ــع مطلقا ،وعلى قول القاض ــي إن كانت الس ــفن جتري يف هذا
النهر فال جتوز له الص ـ ــالة ،وإن مل تكن جتري به الس ـ ــفن فله ذلك ،وعلى القول الثالث
تصح صالته يف ذلك املوضع مطلقا.
( )1مسائل ابن هانئ م ( ،)69 /1( )336وينظر :اجلامع لعلوم اإلمام أمحد (.)605 /6
( )2املغين (.)54 /2
- 94 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
المطلب الثالث :اشتراط الضرورة لصحة صالة الجمعة في البقعة
المغصوبة.
صورة المسألة:
املشــهور من مذهب احلنابلة أنه ال تصــح الصــالة يف موضــع مغصــوب( ،)1وعليه
لو ص ــلى إمام اجلمعة يف موض ــع غص ــب ،فهل تص ــح الص ــالة معه يف موض ــع الغص ــب
مطلقا بال ض ـ ــرورة ،أم يش ـ ــرتط الض ـ ــرورة لذلك ،كأن ال يوجد يف البلد من يقيم اجلمعة
غريهت
القول المتعقب:
تص ــح ص ــالة اجلمعة يف الغص ــب ولو بال ض ــرورة ،وهذا قول منص ــور ،قال ¬:
"وتصــح اجلمعة وما عطف عليها( )2يف غصــب ،وظاهره ولو بال ضــرورة ،بدليل الســباق
والس ـ ـ ـ ـ ـ ــياق( ،)3وهو ظاهر كالم ابن ةمنَجا ،حيث قال يف ش ـ ـ ـ ـ ـ ــرحه( :)4نص أمحد على
صــحة اجلمعة يف املوضــع املغصــوب؛ ألنه إذا صــلى اإلمام اجلمعة يف موضــع مغصــوب،
وامتنع الناس من الص ـ ـ ـ ـ ـ ــالة معه فيه فاتَتهم اجلمعة ،ولذلك ص ـ ـ ـ ـ ـ ــحت خلف اخلوار ،
واملبتدعة ،ويف الطريق؛ لدعاء احلاجة إليها ،وكذا األعياد واجلنازة"( ،)5وقال منص ـ ـ ـ ـ ـ ــور
أيضــا(" :كلها ضــرورة) أي :ألجل الضــرورة ،والذي يف املنتهى( )6واإلنصــاف( ،)7ونقله
( )1ينظر :املغين ( ،)56 -55 /2واملبدع ( ،)348 /1واإلقناع ( ،)97 /1ومطالب أويل النهى (.)369 /1
( )2يعين قول الفتوحي" :ومجعة وعيد وجنازة وحنوها بطريق لضرورة ،وغصب" .منتهى اإلرادات (.)183 /1
( )3نص عبارة املنتهى" :وال تصح تعبدا صالة يف مقربة- ،وال يضر قربان ،وال ما دفن بداره -ومحام ،وما يتبعه يف بيع،
وحش ،وأعطان إبل -وهي :ما تقيم فيها وتأوي إليها -وجمزرة ،ومزبلة ،وقارعة طريق ،وأسطحتها ،وسطح هنر،
سوى صالة جنازة يف مقربة ،ومجعة وعيد وجنازة وحنوها بطريق لضرورة ،وغصب ،وعلى راحلة بطريق .وتصح يف
الكل لعذر" (.)184 - 181 /1
( )4ينظر :املمتع يف شرح املقنع ت ابن دهيش ط .)321 /1( 3
( )5إرشاد أويل النهى (.)185 /1
( )6ينظر :منتهى اإلرادات (.)183 /1
( )7ينظر :اإلنصاف ( .)494 /1تنبيه :تكلم صاحب اإلنصاف عن مسألة الصالة يف الطريق ،ونسب األقوال فيها،
مث تكلم عن مسألة الصالة يف الغصب ،والذي يظهر أن منصورا خلك بينهما ،قال يف اإلنصاف (:)494 /1
- 95 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
الكبري()3 عن املوفق يف املغين( )1والش ـ ـ ـ ـ ـ ــارح( )2واجملد يف ش ـ ـ ـ ـ ـ ــرحه ،وص ـ ـ ـ ـ ـ ــاحب احلاوي
والفروع( )4وغريهم صـ ـ ـ ــحة ذلك يف الغصـ ـ ـ ــب ويف الطريق إذا اضـ ـ ـ ــطروا إليه وأما احلمام
واحلش وحنوه فيبعد إحلاقه بذلك ،قال يف الشــرح( :)5قال أمحد يصــلي اجلمعة يف موضــع
الغص ـ ــب ،يعين إذا كان اجلامع أو بعض ـ ــه مغص ـ ــوبا ،ص ـ ــحت الص ـ ــالة فيه؛ ألن اجلمعة
ختتص ببقعة ،فإذا ص ـ ــالها اإلمام يف املوض ـ ــع املغص ـ ــوب ،فامتنع الناس من الص ـ ــالة فيه
فــاتتهم اجلمعــة ،وكــذلــك من امتنع فــاتتــه ،ولــذلــك ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحــت خلف اخلوار واملبتــدعــة،
وصحت يف الطريق؛ لدعاء احلاجة إليه ،وكذلك األعياد واجلنازة"(.)6
التعقب:
ال تصـ ـ ــح صـ ـ ــالة اجلمعة يف الغصـ ـ ــب إال لضـ ـ ــرورة ،وهذا هو تعقب عثمان ،قال
¬" :قوله( :ومجعة ،وعيد ،وجنازة ،وحنوها بطريق لض ـ ـ ـ ـ ــرورة ،وغص ـ ـ ـ ـ ــب) ظاهره :أن
اجلمعة وما بعدها تصح يف الغصب ،ولو بال ضرورة ،وهو غري ظاهر ،فإن ما استدل به
بعض ـ ـ ــهم على ص ـ ـ ــحة ذلك يف الغص ـ ـ ــب مطلقا عن الش ـ ـ ــرح الكبري إمنا يدل على حال
الض ــرورة؛ لقوله ما معناه :إذا ص ــلى اإلمام اجلمعة يف غص ــب فامتنع الناس عن الص ــالة
خلفه ،فاتتهم اجلمعة .فقوله :فاتتهم اجلمعة إشــارة إىل أهنا حال ضــرورة ،أما لو كان يف
" الثالثة :يستثىن من كالم املصنف وغريه ،ممن أطلق صالة اجلمعة وحنوها يف الطريق وحافتيها .فإهنا تصح للضرورة،
نص عليه ،كذا تصح على الراحلة يف الطريق ،وقطع به املصنف يف املغين ،والشارح ،واجملد يف شرحه ،وصاحب
احلاوي الكبري ،والفروع ،وغريهم :تصح صالة اجلمعة واجلنائز واألعياد وحنوها حبيث يضطرون إىل الصالة يف
الطرقات .وقال يف الرعاية الكربى :تصح صالة اجلمعة .وقيل :صالة العيد واجلنائز والكسوفني .وقيل :واالستسقاء
يف كل طريق .وقال يف الصغرى :تصح صالة اجلمعة وقيل :العيد واجلنازة يف طريق ،وموضع غصب .وقال ابن منجا
يف شرحه :نص أمحد على صحة اجلمعة يف املوضع املغصوب".
( )1ينظر :املغين (.)56 /2
( )2ينظر :الشرح الكبري (.)480 /1
( )3ينظر :احلاوي (.)253 /1
( )4ينظر :الفروع (.)21 /3
( )5الشرح الكبري (.)480 /1
( )6كشاف القناع (.)296 /1
- 96 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
البلد عدة جوامع ،فيها واحد غصب حبيث إذا ترك الصالة يف اجلامع الغصب صلى يف
غريه من بقية اجلوامع ،فينبغي عدم الصـحة هنا ،وهلذا صـرح يف اإلقناع( )1بأهنا ال تصح
اجلمعة وحنوها يف الغصب إال للضرورة"(.)2
الترجيح:
الــذي يظهر واهلل أعلم رجحــان مــا ذهــب إليــه عثمــان ¬ ،وذلــك بنــاء على
قاعدة املذهب يف أن الصــالة ال تصــح يف موضــع الغصــب( ،)5فاألصــل أن هذا احلكم
عام يف كل الص ـ ـ ـ ــور ،وخص منه ص ـ ـ ـ ــالة اجلمعة لعلة ،وهي أن ص ـ ـ ـ ــالة اجلمعة ال ميكن
أداؤها على انفراد ،فاملنع من الصـ ــالة يف موضـ ــع الغصـ ــب يفضـ ــي إىل تضـ ــييعها ،وهذه
العلة تنتفي إذا كان يف البلد مسـجد آخر ليس يف موضـع غصـب ،وإىل هذه العلة أشـار
ابن قدامة ¬ ،وذلك يف قوله" :وتصـ ـ ـ ـ ــلى خلف كل بر وفاجر ،حلديث جابر ،وألهنا
من ش ـ ـ ـ ــعائر اإلس ـ ـ ـ ــالم الظاهرة ،وختتص بإمام واحد ،فرتكها خلف الفاجر يفض ـ ـ ـ ــي إىل
اإلخالل هبا ،فلم جيز ذلك كاجلهاد ،وهلذا أبيح فعلها يف الطرق ،ومواض ـ ـ ـ ــع الغص ـ ـ ـ ــب،
صيانة هلا عن الفوات"( ،)1كما أشار إليها ابن تيمية ¬ بقوله" :مث إن أمكنه االقتداء
باإلمام يف غري املكان املغصـ ــوب مل جيز الدخول إليه ،وإال جاز للضـ ــرورة ،وال يتنفل فيه
لعدم الضرورة"( ،)2كما ميكن أن تستشف هذه العلة مما رواه الكوسج( )3يف مسائله أنه
قال لإلمام أمحد" :قال رجل من أهل خراس ـ ــان لس ـ ــفيان :إن مس ـ ــجد مرو أخذ غص ـ ــباً
وهدم ما حوله دوراً وأدخل يف املســجد وســأله عن الصــالة فيه ،وقال :ليس لنا مجعة إال
فيهت فقال :فصل اجلمعة وال تطوع فيه .قال أمحد :ما أحسن ما قال"( ،)4واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
لو ص ـ ـ ــلى إمام مجعة يف موض ـ ـ ــع غص ـ ـ ــب ،وكان يف البلد جوامع أخر ليس ـ ـ ــت يف
غصب ،فعلى القول األول تصح الصالة مع من صلى يف موضع الغصب ،وعلى القول
الثاين ال تصح ،واهلل أعلم.
القول المتعقب:
ســرتة اإلمام ســرتة حقيقية للمأموم ،وإىل هذا أشــار منصــور البهويت ¬ ،وذلك
يف قوله" :ولو كان مرور الكلب املذكور ال يقطع الص ـ ـ ـ ـ ـ ــالة عند اإلمام ،ويقطعها عند
املأموم ،ومر بني اإلمام وسرتته؛ فالظاهر :بطالن صالة املأموم؛ ألنه مر بينه وبني سرتته
كلب أس ـ ــود هبيم .وإن مل ير اإلمام ذلك مبطال ،كما لو انكش ـ ــف عاتقا املأموم ،وهذا
واضح"(.)2
التعقب:
ســرتة اإلمام ســرتة حكمية للمأموم ،وهذا هو تعقب عثمان ،قال ¬(" :وســرتة
اإلمام ملن خلفه) أي :للمأموم ،وقيد اخللف جرى على الغالب .ومعىن كوهنا س ـ ـ ــرتة ملن
خلفه :أنه ال يطلب يف حقهم اختاذ ســرتة ،وليســت ســرتة اإلمام ســرته حقيقية للمأموم؛
بدليل أنه ال تبطل صـ ــالة املأموم مبرور كلب أسـ ــود هبيم بينه وبني إمامه ،مع أنه صـ ــدق
عليه يف هذه الصــورة أنه مر بينه وبني ســرتته قطعا لو كانت حقيقة .وهلذا قال ابن نصــر
– بعد أن نظر يف عدم البطالن املذكور – ما نص ـ ــه :وقد يقال :إن كون س ـ ــرتة اهلل()3
( )1ينظر :خمتصر اخلرقي (ص ،)30 :واملغين ( ،)174 /2واحملرر ( ،)76 /1واإلقناع ( ،)132 /1ومنتهى اإلرادات
(.)232 /1
( )2حواشي اإلقناع للبهويت (.)590/2
( )3هو :أمحد بن نصر اهلل بن أمحد بن حممد بن عمر الشيخ اإلمام العالمة شيخ املذهب ومفىت الديار املصرية قاضي
القضاة حمب الدين البغدادي األصل مث املصري ،أخذ العلم عن سرا الدين البلقيين وزين الدين العراقي وابن امللقن
- 99 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
اإلمام س ـ ـ ــرته ملن خلفه يقتض ـ ـ ــي أنه ال يؤثر يف ص ـ ـ ــالة من خلفه إال ما يؤثر يف ص ـ ـ ــالة
اإلمام؛ وهذا مل يؤثر يف صالة اإلمام ،فلم يؤثر يف صالة املأموم .انتهى.
ومنه تعلم :أنه لو مر كلب بني اإلمام وسـ ـ ــرتته ،وكان ال يرى بطالن الصـ ـ ــالة به،
واملأموم يرى البطالن؛ فإن ص ــالة املأموم ص ــحيحة ،كما لو ترك اإلمام س ــرت عاتقيه ،أو
مسح مجيع رأسه نظرا إىل اعتقاد اإلمام ،وأن املرور املذكور مل يؤثر يف صالة اإلمام ،فلم
يؤثر يف صالة املأموم ،خالفا ملا حبثه منصور البهويت"(.)1
وقال أيضـ ــا بعد نقله قول منصـ ــور السـ ــابق" :وأقول :ليس واضـ ــحا كما زعم ،بل
الظاهر الواضــح :عدم البطالن؛ ألن معىن كون ســرتة اإلمام ســرتة ملن خلفه ،أنه ال يؤثر
يف ص ـ ـ ـ ــالة املأموم إال ما أثر يف ص ـ ـ ـ ــالة اإلمام – كما قدمناه عن ابن نص ـ ـ ـ ــر اهلل ،ونقله
الشــيخ منصــور نفســه – ال أن( )2ســرتة اإلمام ســرتة للمأموم حقيقة من كل وجه ،وهذا
املرور مل يؤثر يف ص ــالة اإلمام نظرا إىل اعتقاده ،وما ال يؤثر يف ص ــالة اإلمام يف اعتقاده
ال يؤثر يف صــالة املأموم ،وإن خالف اعتقاده ،كما هو مقرر فيما إذا أخل اإلمام بركن،
أو شرط عند املأموم وحده ،واهلل أعلم"(.)3
وأخذ عن الشيخ زين الدين ابن رجب وكان متضلعا بالعلوم الشرعية من تفسري وحديث وفقه وكان له يد طوىل يف
األصول ،له حواب على احملرر والفروع ،قال الربهان ابن مفلح :وهو من أجل مشاخينا .تويف سنة أربع وأربعني
ومثامنائة .املقصد االرشد ( ،)202 /1واجلوهر املنضد ( ،)6 /1والسحب الوابلة (.)260 /1
( )1حاشية املنتهى (.)234 – 233 / 1
( )2تنبيه :وقع يف النسخة املطبوعة تصحيف يف هذه العبارة ،فجاءت بعبارة "ألن" ،وهذه العبارة – أعين املذكورة يف
النسخة املطبوعة – ختالف مقصد عثمان ¬ وتعليله ،وللتأكد من صحة العبارة رجعت إىل خمطوطني ،األول
حمفو يف دار اإلفتاء السعودية برقم ،86/324والعبارة فيه موجودة يف الصفحة رقم ،67والثاين حمفو يف جامعة
امللك سعود برقم ،2106والعبارة فيه موجودة يف اللوح رقم /22ب ،وقد جاءت العبارة يف كال املخطوطني بلفظ
"ال أن".
( )3حاشية املنتهى (.)235 / 1
- 100 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
وهذا القول قد يفهم من قول الشــارح" :وإن مر بني يدي اإلمام ما يقطع صــالته
قطع ص ـ ـ ــالهتم"( ،)1كما أنه يفهم من كالم ابن نص ـ ـ ــر اهلل الذي نقله عثمان ،وقد نص
صاحب مطالب أويل النهى على هذا القول(.)2
والقيــاس على قوهلم" قراءة اإلمــام قراءة ملن خلفــه" ،حيــث أرادوا أهنــا تقوم مقــام
قراءة املأموم ،فال تطلب من املأموم على س ـ ـ ـ ـ ــبيل الوجوب ،وليس ـ ـ ـ ـ ــت قراءة اإلمام قراءة
للمأموم حقيقة ،وإال كرهت قراءة املأموم؛ لكراهة تكرار الفاحتة (.)1
الترجيح:
الذي يظهر أن الراجح هو ما ذهب إليه عثمان ¬؛ وذلك لقوة ما استدل به،
كما أن لفظ احلديث الوارد يف رد املار بني يدي املصـ ـ ــلي ،وهو قوله ‘(( :إذا صـ ـ ــلى
أحدكم إىل ش ـ ـ ـ ـ ـ ــيء يس ـ ـ ـ ـ ـ ــرته من الناس فأراد أحد أن جيتاز بني يديه ،فليدفعه ،فإن أىب
فليقاتله فإمنا هو ش ـ ـ ـ ـ ـ ــيطان))( ،)2يقوي ما ذهب إليه عثمان؛ وذلك ألنه وإن قيل إن
سـ ـ ــرتة اإلمام سـ ـ ــرتة حقيقية للمأموم ،وأن من مر بني اإلمام وسـ ـ ــرتته فقد مر بني املأموم
وس ـ ـ ـ ـ ـ ــرتته حقيقة ،فال ميكن حبال أن يقال إن من مر بني يدي اإلمام فقد مر بني يدي
املأموم حقيقة ،ومما يقوي قول عثمان ¬ أن الفقهاء يذكرون يف أحكام الس ـ ـ ـ ـ ـ ــرتة أن
املصلي يرد من أراد أن مير بينه وبني سرتته( ،)3وهذا الرد غري متصور من املأموم إن أراد
أحد أن مير بني يدي إمامه ،واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
لو مر كلب أسـ ـ ــود هبيم بني اإلمام وسـ ـ ــرتته ،وكان اإلمام ال يرى بطالن الصـ ـ ــالة
مبروره ،واملأموم يرى البطالن؛ فعلى القول األول تبطل ص ــالة املأموم ،وعلى القول الثاين
ال تبطل صالة املأموم بذلك.
القول المتعقب:
ال تلزم املأموم الذي مل تص ـ ـ ــح ص ـ ـ ــالة إمامه قراءة الفاحتة ،بل تكفيه قراءة إمامه،
وهذا قول منصـ ـ ـ ـ ــور البهويت ،قال ¬(" :قراءة الفاحتة يف كل ركعة على اإلمام واملنفرد
وكذا على املأموم) حلديث ((ال صـ ـ ـ ـ ـ ــالة ملن مل يقرأ بفاحتة الكتاب))(( )2لكن يتحملها
اإلمام عنه) أي عن املأموم للخرب ،قال ابن قندس( :)3الذي يظهر أن قراءة اإلمام إمنا
تقوم عن قراءة املأموم :إذا كانت ص ـ ـ ـ ـ ــالة اإلمام ص ـ ـ ـ ـ ــحيحة ،احرتازا عن اإلمام إذا كان
حمدثا أو جنس ــا ومل يعلم ذلك ،وقلنا :بص ــحة ص ــالة املأموم ،فإنه ال بد من قراءة املأموم
لعدم صحة صالة اإلمام ،فتكون قراءته غري معتربة بالنسبة إىل ركن الصالة ،فال تسقك
عن املأموم ،وهذا ظاهر ،لكن مل أجد من أعيان مش ـ ـ ـ ـ ـ ــايخ املذهب من اس ـ ـ ـ ـ ـ ــتثناه ،نعم
( )1ينظر :مسائل اإلمام أمحد وإسحاق بن راهويه ( ،)527 /2والكايف ( ،)246 /1واملغين ( ،)406 /1والعدة شرح
العمدة (ص ،)78 :والشرح الكبري ( ،)11 /2وشرح العمدة البن تيمية -صفة الصالة (ص ،)142 :واملبدع (/2
،)59واإلنصاف ( ،)228 /2واإلقناع (.)133 /1
( )2رواه البخاري :كتاب صفة الصالة ،باب وجوب القراءة لإلمام واملأموم يف الصلوات كلها يف احلضر والسفر وما جيهر
فيها وما خيافت ،ح( ،) 723ورواه مسلم :كتاب الصالة ،باب وجوب قراءة الفاحتة يف كل ركعة وإنه إذا مل حيسن
الفاحتة وال أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غريها ،ح( ،)394ويف باب من ترك القراءة يف صالته بفاحتة الكتاب
ح(.)822
( )3هو :أبو بكر بن إبراهيم بن قندس الشيخ اإلمام العامل العالمة ذو الفنون تقى الدين البعلى ،ولد سنة 809ه تقريبا،
ألف حواشي الفروع وحواشي احملرر ،تتلمذ عليه املرداوي شيخ املذهب ،تويف سنة إحدى وستني ومثامنائة .املقصد
االرشد ( ،)154 /3والسحب الوابلة ( ،)295 /1واملدخل إىل مذهب اإلمام أمحد البن بدران (ص.)421 :
- 103 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
وجدته يف بعض كالم املتأخرين( .)1انتهى .وظاهر كالم األش ـ ـ ـ ـ ـ ــياخ واألخبار :خالفه؛
للمشقة"(.)2
وقد قال هبذا القول ابن القيم ¬(.)4()3
التعقب:
يلزم املأموم الذي مل تص ـ ـ ـ ــح ص ـ ـ ـ ــالة إمامه قراءة الفاحتة ،وال يتحملها اإلمام عنه،
وهذا هو تعقب عثمان ،قال ¬" :قوله( :وقراءة غري مأموم الفاحتة) أي :حيث كان
مأموما حقيقة؛ بأن صـ ـ ـ ــحت صـ ـ ـ ــالة اإلمام ،االف ما لو ائتم مبحدث أو جنس جيهل
ذلك ،فإنه البد من قراءة املأموم هنا ،كما اس ـ ـ ـ ـ ـ ــتظهره ابن قندس( ،)5ونقله عن بعض
املتأخرين ،ولعله مراد من أطلق .وحبث منص ــور البهويت معلال باملش ــقة ممنوع؛ لندرة هذه
الصورة"(.)6
وقد قال هبذا القول ابن قندس(.¬ )7
الترجيح:
الذي يظهر واهلل أعلم رجحان القول األول؛ وذلك ألن ما ذكره أص ـ ــحاب القول
الثاين مل يرد به نص من كالم املتقدمني -كما ص ـ ـ ــرح بذلك ابن قندس( ،-)4فاألص ـ ـ ــل
إبقاء كالمهم على إطالقه ،وألن التعليالت اليت يذكرها احلنابلة يف هذا الباب تدل على
أن قوهلم عام غري خمصوص ،قال ابن قدامة ¬ يف معرض استدالله على عدم وجوب
( )1ينظر :بدائع الفوائد ( ،)94 /3وكشاف القناع ( ،)386 /1وحواشي اإلقناع للبهويت (.)595 - 594 /1
( )2بدائع الفوائد (.)94 /3
( )3ينظر :حاشية ابن قندس على الفروع ( ،)190/2وحاشية املنتهى (.)236 / 1
( )4ينظر :حاشية ابن قندس على الفروع (.)190/2
- 105 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
القراءة على املأموم" :ولنا :قول اهلل تعاىل{ :وإذا قرئ القرآن فاس ـ ـ ـ ـ ـ ــتمعوا له وأنص ـ ـ ـ ـ ـ ــتوا
لعلكم ترمحون} [سورة األعراف .]204 :وقال أمحد :فالناس على أن هذا يف الصالة.
قال سـ ـ ــعيد بن املسـ ـ ــيب ،واحلسـ ـ ــن ،وإبراهيم ،وحممد بن كعب ،والزهري :إهنا نزلت يف
شأن الصالة.
قال أمحد ،ما مسعنا أحدا من أهل اإلس ـ ـ ــالم يقول :إن اإلمام إذا جهر بالقراءة ال
جتزئ صالة من خلفه إذا مل يقرأ .وقال :هذا النيب ‘ وأصحابه والتابعون ،وهذا مالك
يف أهل احلجاز وهذا الثوري ،يف أهل العراق ،وهذا األوزاعي ،يف أهل الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــام ،وهذا
الليث ،يف أهل مص ـ ـ ـ ـ ـ ــر ،ما قالوا لرجل ص ـ ـ ـ ـ ـ ــلى خلف اإلمام ،وقرأ إمامه ،ومل يقرأ هو:
صالته باطلة.
وألهنا قراءة ال جتب على املسبوق ،فال جتب على غريه ،كقراءة السورة ،حيققه أهنا
لو وجبت على غري املسبوق لوجبت على املسبوق ،كسائر أركان الصالة"(.)1
وألن أصــحاب القول الثاين مل يطردوا قوهلم يف بقية املســائل اليت ذكر احلنابلة أن
اإلمام يتحملها عن املأموم(.)2
ثمرة الخالف:
لو صلى رجل يف مجاعة ،ومل يقرأ بفاحتة الكتاب معتقدا عدم وجوهبا على املأموم،
فلما انصـ ـ ـ ــرف اإلمام من صـ ـ ـ ــالته تذكر أنه صـ ـ ـ ــلى على غري طهارة ،فعلى القول األول
تصـ ـ ـ ــح صـ ـ ـ ــالة املأموم؛ ألن قراءة اإلمام قراءة له ،وعلى القول الثاين ال تصـ ـ ـ ــح صـ ـ ـ ــالة
املأموم؛ ألنه مل يأت بركن من أركان الص ـ ـ ـ ـ ـ ــالة ،وهو قراءة الفاحتة ،وال يقال بأن اإلمام
يتحمل عنه؛ لعدم صحة صالة اإلمام.
القول المتعقب:
هذه املس ـ ـ ــألة فيمن جهل الركعة اليت أمت س ـ ـ ــجودها وكان قد ص ـ ـ ــلى أربع ركعات،
وهذا قول منصور ،قال ¬(" :و) إن نسي (مخسا) من السجدات (من أربع) ركعات
(أو) نسي مخس سجدات من (ثالث) ركعات من أربع وجهلها( ،أتى بسجدتني) فتتم
له ركعة يف الص ـ ـ ـ ـ ـ ــورتني( ،مث) يأيت (بثالث ركعات) إن كان الرتك من أربع ركعات (أو)
يأيت (بركعتني) إن كان الرتك من ثالث ركعات"(.)2
وقد قال هبذا القول صاحب مطالب أويل النهى(.)3
التعقب:
هذه املسـ ـ ـ ـ ـ ــألة فيمن صـ ـ ـ ـ ـ ــلى ثالث ركعات ،وهذا هو تعقب عثمان ،قال ¬:
"قوله( :ومخس ـ ـ ـ ـ ـ ــا من أربع أو ثالث ...إخل) يعين :أنه إذا كان يف رباعية كالظهر مثال،
فذكر بعد فراغه من األربع الركعات أنه ترك مخس سـ ـ ــجدات من أربع ركعات؛ فإنه يأيت
بس ــجدتني ،فتص ــح له ركعة؛ مث يأيت بثالث ركعات .وإذا كان يف ثالثية كاملغرب ،فذكر
بعد فراغه من الثالث أنه ترك مخس س ــجدات من ثالث ركعات؛ فإنه يأيت بس ــجدتني،
فتصح له ركعة ،مث يأيت بركعتني ،ويتم صالته"(.)1
وقال أيض ـ ــا" :ووقع يف نس ـ ــخ ش ـ ــرح الش ـ ــيخ منص ـ ــور – ¬ تعاىل – اليت وقفنا
عليها ،بعد قول املنت( :ومخس ـ ــا من أربع أو ثالث) ما نص ـ ــه :من أربع وجهلها .انتهى.
وهذه الزيادة ليست يف شرح املصنف( ،)2والصواب إسقاطها؛ وذلك ألنه إذا ترك مخس
س ـ ـ ـ ـ ــجدات من ثالث ركعات من أربع ،وجهلها؛ أي :الثالث ركعات من الرباعية؛ فقد
ص ـ ــح له ركعة جزما؛ لتيقنه كون املرتوك من ثالث ركعات ال غري ،وحيث ص ـ ــح له ركعة
من األربع فيحتمل أن تكون الص ـ ـ ـ ـ ـ ــحيحة مما قبل األخرية ،فتجرب األخرية ،وتص ـ ـ ـ ـ ـ ــح له
ركعتان ،وحيتمل أن تكون الص ـ ـ ـ ـ ـ ــحيحة هي األخرية – وهو األحوط – فيلزمه أن يأيت
بثالث ركعات من غري أن جترب األخرية بشـ ـ ـ ـ ــيء لصـ ـ ـ ـ ــحتها .هذا قياس ما تقدم يف قول
املنت( :وثالثا أو أربعا من ثالث أتى بثالث) ،االف ما يقتض ــيه كالم الشـ ــيخ منص ــور
– ¬ تعاىل – فاحفظه؛ فإنه مهم"(.)3
وقد قال هبذا القول منصور يف حاشيته( ،)4واخللويت( ،)5كما أشار إليه ابن قدامة
¬ وذلك يف قوله" :وإن ذكر وهو يف التش ــهد أنه ترك س ــجدة من الرابعة ،س ــجد يف
احلال ،مث تشـ ــهد وسـ ــجد للسـ ــهو ،فإن مل يعلم من أي الركعات تركها ،جعلها من ركعة
قبلها ،ليلزمه ركعة"( ،)6وقد أشار إىل هذا املعىن صاحب املبدع أيضا(.)7
الترجيح:
الذي يظهر واهلل أعلم أن الص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـواب هو ما ذهب إليه عثمان ¬ ،وذلك ملا
استدل به ،وألن املسألة السابقة هلذه املسألة هي ذات املسألة اليت صورها منصور ،غري
أن تلك املسألة إن ترك ثالث سجدات أو أربعا من ثالث ركعات ،وهذه إن ترك مخس
س ـ ـ ــجدات من ثالث ركعات ،وهذا الفرق يف عدد الس ـ ـ ــجدات غري مؤثر يف احلكم ،إذ
حيتمل يف مجيع الصـ ـ ـ ــور أال تكون ركعة من الركعات تامة ،فتصـ ـ ـ ــبح كل الركعات باطلة،
ومحل كالم املؤلف على تأســيس مســألة أخرى أوىل من محله على تأكيد مســألة ســابقة،
بل محله على املســألة اليت ذكرها منصــور ¬ يقتضــي تناقض املؤلف وعدم اطراده ،إذ
كيف يقال فيمن نسـ ـ ــي ثالث سـ ـ ــجدات أو أربعا من ثالث ركعات من صـ ـ ــالة رباعية
وجهل الركعة اليت أمت س ـ ــجودها أنه يأيت بثالث ركعات( ،)2وإن نس ـ ــي مخس س ـ ــجدات
فإنه يكتفي بسجدتني وركعتنيت
( )1ينظر :منتهى اإلرادات ( ،)251 /1وحاشية املنتهى (.)253 – 252 / 1
( )2قال الفتوحي ¬" :وثالثا أو أربعا من ثالث أتى بثالث" منتهى اإلرادات ( ،)251 /1قال منصور ¬ يف
شرحها( " :و) إن نسي (ثالثا ،أو أربعا) من السجدات (من ثالث) ركعات من الرباعية وجهلها (أتى بثالث)
ركعات وجوبا ،الحتمال أن يكون من غري األخرية فتلغو بشروعه يف قراءة الرابعة وتصري أواله فيبين عليها" شرح
املنتهى (.)228 /1
- 109 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
وقاعدة املذهب يف هذه املس ـ ـ ـ ـ ـ ــائل هي األخذ باألحوط كما ذكره غري واحد(،)1
وليس مثة احتياط فيما ذكره منصور ،إذ حيتمل على ما صوره أن تكون الركعة التامة هي
الركعة األخرية ،فإن ســجد ســجدتني مث صــلى ركعتني فإنه يكون صــلى ثالث ركعات ال
أربعا ،واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
من نس ـ ـ ـ ـ ــي مخس س ـ ـ ـ ـ ــجدات من ثالث ركعات من رباعية ،وجهل الركعة اليت أمت
سجودها ،وكان قد صلى أربع ركعات ،فعلى القول األول يلزمه أن يسجد سجدتني يف
الركعة األخرية ،مث يصلي ركعتني ،وعلى القول الثاين يلزمه أن يسجد سجدتني مث يصلي
ثالث ركعات.
القول المتعقب:
تكفي امل سبوق سجدتا اإلمام ،وال يلزمه إعادة السجود بعد قضاء ما فاته ،وهذا
قول منصــور ،قال ¬(" :وال يعيد) املســبوق (الســجود إذا ســجد مع إمامه)؛ ألنه قد
س ـ ـ ـ ــجد واجنربت ص ـ ـ ـ ــالته ،وظاهره :ولو كان عليه س ـ ـ ـ ــهو فيما أدركه مع اإلمام (وإن مل
يس ــجد) املس ــبوق (معه) أي مع إمامه لس ــهوه لعذر (س ــجد) املس ــبوق (آخر الص ــالة)
وجها واحدا قاله يف املبدع(.)2(")1
التعقب:
ال تكفي املس ــبوق س ــجدتا اإلمام ،ويلزمه أن يس ــجد للس ــهو بعد قض ــاء ما فاته،
وهذا هو تعقب عثمان ،قال ¬" :قوله( :أو لسـ ـ ـ ـ ـ ــهوه معه) يعين :أن املسـ ـ ـ ـ ـ ــبوق إذا
ســهي عليه مع اإلمام؛ مل يتحمله عنه اإلمام ،فيلزمه ســجود الســهو بعد قضــاء ما فاته.
وظاهره :سـ ـواء س ــجد مع اإلمام لس ــهو اإلمام ،أو ال ،فإن س ــجود س ــهو املس ــبوق حمله
بعد سالم اإلمام ال قبله ،كما عرفت.
ورمبا يفهم هذا من قول اإلقناع :وال يعيد الس ـ ـ ــجود إذا س ـ ـ ــجد مع إمامه لس ـ ـ ــهو
إمامه()3؛ فإن ص ــورة هذه املس ــألة :أن يكون اإلمام ةسـ ـهي عليه ومل يس ــه املس ــبوق ،فإذا
سجد اإلمام لسهوه؛ تابعه املسبوق ،فسجد معه ،ومل يلزم املسبوق إعادة سجود لذلك
الس ــهو الذي ص ــدر من اإلمام .فقوله :لس ــهو إمامه ،مفهومه :أن يعيده لس ــهو نفس ــه،
سواء كان سهوه مع اإلمام ،أو فيما انفرد به ،خالفا ملا حبثه منصور البهويت"(.)1
وقد قال هبذا القول اللبدي( ،)2كما أشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار إىل هذا القول العنقري( ،)4()3وابن
قاس ـ ـ ـ ـ ـ ــم( )5يف حواش ـ ـ ـ ـ ـ ــيهما على الروض املربع ،ونقل كل واحد منهما كالم عثمان ومل
يستدرك أو يعرتض عليه.
الترجيح:
ما ذكره الش ــيخ عثمان رمحه اهلل وجيه؛ إذ الس ــجود الذي أداه املس ــبوق مع إمامه
مل يلزمه لسهوه ،وإمنا لسهو إمامه ،وسجوده لسهوه حمله عند سالمه ،وليس هو متعلقا
بسالم اإلمام.
كما ميكن أن يســتدل لذلك بأنه لو مل يســه اإلمام ،أو لو أن املســبوق ســها بعد
انفراده عن إمامه ،فإن الس ـ ــجود يلزمه عند س ـ ــالمه ،وهذا يدل على أن الس ـ ــجود الذي
لزم املسبوق لسهوه حمله عند سالمه.
وميكن القول :إنه ليس على املأموم س ـ ـ ـ ـ ــجود يف س ـ ـ ـ ـ ــهوه الذي س ـ ـ ـ ـ ــهاه مع إمامه
مطلقا ،سواء كان مسبوقا أو غري مسبوق؛ لتحمل إمامه عنه ،وهذا هو ظاهر ما ذهب
إليه أبو اخلطاب( ،)1وابن قدامة( ،)2واجملد( ،)3والش ـ ـ ـ ـ ــارح( ،)4وابن مفلح( )5يف النكت
على احملرر( ،)6والزركشي(.)7
وقد نص اإلمام أمحد ¬ على هذا القول فيما نقله عنه أبوداود( )8يف مســائله،
قال ¬" :قلت ألمحد :س ـ ـ ـ ــبقت ببعض الص ـ ـ ـ ــالة فس ـ ـ ـ ــهوت فيما أدركت مع اإلمام،
( )1قال" :وإذا سها خلف اإلمام ،مل يسجد" .اهلداية على مذهب اإلمام أمحد (ص.)92 :
( )2قال ¬" :مسألة :قال( :وليس على املأموم سجود سهو ،إال أن يسهو إمامه ،فيسجد معه) ومجلته أن املأموم إذا
سها دون إمامه ،فال سجود عليه ،يف قول عامة أهل العلم" ،مث قال" :وإذا سها املأموم فيما تفرد فيه بالقضاء،
سجد ،رواية واحدة؛ ألنه قد صار منفردا ،فلم يتحمل عنه اإلمام" ،وقال أيضا يف باب صالة اخلوف" :وتكون
الطائفة األوىل يف حكم االئتمام قبل مفارقته إن سها حلقهم حكم سهوه ،وسجدوا له ،وإن سهوا مل يلحقهم حكم
سهوهم؛ ألهنم مأمومون ،فإذا فارقوه صاروا منفردين ال يلحقهم سهوه ،وإن سهوا سجدوا؛ ألهنم منفردون" .الكايف
( ،)316 /1واملغين ( ،)33 /2و(.)301 /2
( )3قال ¬" :وال يسجد املؤمت لسهوه" احملرر (.)84 /1
( )4ينظر :الشرح الكبري ( ،)695 - 694 /1و(.)132 /2
( )5هو :حممد بن مفلح بن حممد بن مفر املقدسي مث الصاحلي الراميين مشس الدين أبو عبد اهلل شيخ احلنابلة يف وقته،
ويل القضاء ،وعين بالفقه واحلديث ،أخذ العلم عن مجال الدين املرداوي ،وكان يرتدد على املزي والذهيب ،قال ابن
القيم لقاضي القضاة موفق الدين احلجاوي :ما حتت قبة الفلك أعلم مبذهب اإلمام أمحد من ابن مفلح ،وحضر
عند الشيخ تقي الدين ونقل عنه كثريا وكان يقول له ما أنت ابن مفلح أنت مفلح وكان أخرب الناس مبسائله واختياراته
حىت إن ابن القيم كان يراجعه يف ذلك ،له مؤلفات منها الفروع ،والنكت على احملرر ،واآلداب الشرعية ،وله كتاب
يف أصول الفقه ،تويف ¬ سنة ثالث وستني وسبعمائة .املقصد االرشد ( ،)517 /2واجلوهر املنضد (،)112 /1
والسحب الوابلة (.)1089 /3
( )6قال ¬" :قوله وال يسجد املؤمت لسهوه كذا ذكر األصحاب وظاهره مطلقا" النكت والفوائد السنية على مشكل
احملرر (.)84 /1
( )7قال ¬ " :قال :وليس على املأموم سجود سهو إال أن يسهو إمامه فيسجد معه .ب :هذا إمجاع حكاه إسحاق
بن راهويه" شرح الزركشي على خمتصر اخلرقي (.)23 /2
( )8هو :سليمان بن األشعت بن إسحاق بن بشر بن شداد األزدي أبو داود السجستاين اإلمام يف زمانه ،صاحب
السنن كان ممن رحل وطوف ومجع وصنف وكتب عن العراقيني والشاميني واخلراسانيني والبصريني ،قال إبراهيم احلريب
ألني احلديث أليب داود كما ألني احلديد لداود .مات سنة مخس وسبعني ومائتني .طبقات احلنابلة (،)159 /1
واملقصد االرشد (.)406 /1
- 114 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
أس ــجد س ــجديت الس ــهوت قال :ال؛ ليس مع اإلمام س ــهو .قلت ألمحد :فس ــهوت فيما
أقضيت قال :اسجد سجديت السهو"(.)1
ومما يســتدل به هلذا القول ما رواه الدارقطين عن ابن عمر مرفوعا ((ليس على من
خلف اإلمام سهو ،فإن سها إمامه فعليه وعلى من خلفه))( ،)2وما روي عن النيب ‘
أنه قال(( :األئمة ض ـ ــمناء))( ،)3وقد فس ـ ــره ابن املنجا بقوله" :معناه واهلل أعلم ض ـ ــمناء
السهو"( ،)4واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
إذا سـ ــها مسـ ــبوق وحده دون إمامه فيما أدركه مع اإلمام ،وكان اإلمام قد سـ ــهي
عليه فس ــجد للس ــهو ،فعلى القول األول :جيزئ املس ــبوق س ــجوده مع إمامه عن س ــهوه
وســهو إمامه ،وعلى القول الثاين :جيزئ املســبوق ســجوده مع إمامه عن ســهو إمامه وال
جيزئه عن ســهوه ،فيلزمه ســجود آخر عند ســالمه ،وعلى القول الثالث :ال يلزم املســبوق
سجود سهو فيما سهاه مع إمامه.
( )1مسائل اإلمام أمحد رواية أيب داود (ص ،)80 :وينظر :اجلامع لعلوم اإلمام أمحد (.)195 /6
( )2رواه الدارقطين يف سننه ( ،)212 /2باب :ليس على املقتدي سهو وعليه سهو اإلمام ح( ،)1413قال ابن كثري
¬" :هذا حديث ال يَثبت إسناده" مسند الفاروق (.)261 /1
( )3رواه أبو داود :كتاب الصالة ،باب ما جيب على املؤذن من تعاهد الوقت ،ح( ،)517ورواه الرتمذي :كتاب أبواب
الصالة عن رسول اهلل ‘ ،باب ما جاء أن اإلمام ضامن واملؤذن مؤمتن ،ح( )207ورواه ابن ماجه :كتاب إقامة
الصالة والسنة فيها ،باب ما جيب على اإلمام ،ح( ،)981ورواه اإلمام أمحد بن حنبل :مسند أيب هريرة رضى اهلل
تعاىل عنه ،232/2 ،ح( ،)7169ويف 284/2ح( ،)7805ويف 377/2ح( ،)8896ويف 382/2
ح( .،)8958ويف 419/2ح( ،)9418ويف 424/2ح( ،)9472ويف 461/2ح( ،)9943ويف 472/2
ح( ،)10100ويف 513/2ح( ،)10676ورواه الشافعي يف مسنده ( ،)58 /1ح ( ،)174قال ابن األثري يف
الشايف )449 /1( :هذا حديث صحيح ،ورواه ابن خزمية يف صحيحه ( ،)15 /3باب ذكر دعاء النيب ‘ لألئمة
بالرشاد ،ح( ،)1528وح( ،)1531قال األعظمي :إسناده صحيح ،ورواه ابن حبان يف صحيحه،)560 /4( ،
ذكر إثبات الغفران للمؤذن بأذانه ح( )1672وقال الشيخ األلباين عن هذا احلديث :صحيح ،وقال شعيب
األرناؤوط :إسناده صحيح على شرط الشيخني.
( )4املمتع يف شرح املقنع (.)418 /1
- 115 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
المطلب الثامن :حكم الجلوس بعد سجود التالوة.
صورة المسألة:
ذكر احلنابلة يف ص ــفة س ــجود التالوة :أن من مر على آية فيها س ــجدة فإنه يكرب
إذا س ـ ــجد ،وإذا رفع ،وجيلس ويس ـ ــلم( ،)1فما حكم اجللوس الذي يكون بعد الرفع من
السجود هل هو مندوب أم واجبت
القول المتعقب:
اجللوس الذي يكون بعد الرفع من سجود التالوة واجب ،وهذا قول منصور ،قال
¬ "(ولعل جلوس ــه ندب) وهلذا مل يذكروا جلوس ــه يف الص ــالة لذلك قاله يف الفروع،
وتبعه على معناه يف املبدع ،قلت :والظاهر وجوبه كما مر يف عدد األركان"(.)2
التعقب:
اجللوس الــذي يكون بعــد الرفع من س ـ ـ ـ ـ ـ ــجود التالوة منــدوب ،وهــذا هو تعقــب
عثمان ،قال ¬" :قوله( :وجيلس) قال يف الفروع :ولعل جلوسه ندب .تبعه يف املبدع
واإلقناع .ويف كالم منصور البهويت نظر"(.)3
وقد قال هبذا القول صاحب الفروع( ،)4واملبدع( ،)5واإلقناع(.)6
( )1ينظر :املقنع (ص ،)59 :والفروع ( ،)310 /2واإلقناع ( ،)156 /1ومنتهى اإلرادات (.)277 /1
( )2كشاف القناع (.)448 /1
( )3حاشية املنتهى (.)277 / 1
( )4ينظر :الفروع (.)310 /2
( )5ينظر :املبدع (.)38 /2
( )6ينظر :اإلقناع (.)156 /1
- 116 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
الترجيح:
الذي يظهر أن قول منص ـ ـ ـ ـ ـ ــور متجه؛ وذلك ألن املش ـ ـ ـ ـ ـ ــهور من املذهب وجوب
الس ــالم بعد س ــجود التالوة ،والس ــالم ال يتص ــور إال حال اجللوس ،ويؤيد ذلك ما ذكره
بعض احلنابلة من أن اجللوس الذي بعد سجود التالوة إمنا شرع ألنه يعقبه السالم(.)5
وأمــا مــا ذكره أص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحــاب القول الثــاين من أن اجللوس لو كــان واجبــا لوجــب يف
الص ـ ـ ـ ـ ـ ــالة ويف غريها ،فهذا مردود بوجوب الس ـ ـ ـ ـ ـ ــالم بعد الس ـ ـ ـ ـ ـ ــجود الذي يكون خار
الص ـ ـ ـ ــالة( )1دون الس ـ ـ ـ ــجود الذي يكون داخلها ،فلو كان تعليل أص ـ ـ ـ ــحاب هذا القول
وجيها النطرد قوهلم يف السالم ،واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
من س ــجد س ــجود تالوة خار الص ــالة ،مث أراد القيام من الس ــجود ،فعلى القول
األول :جيب عليه أن جيلس بعد رفعه من الســجود ،وعلى القول الثاين :يندب له ذلك،
وال جيب.
( )1ينظر :الشرح الكبري ( ،)789 /1واملبدع ( ،)38 /2واإلنصاف ( ،)198 /2واإلقناع ( ،)156 /1ومنتهى
اإلرادات ( ،)278 /1وهداية الراغب (.)238 /1
- 118 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
المطلب التاسع :حكم المأموم إذا كبر لإلحرام في فرض بعد شروعه
باالنحناء للركوع.
صورة المسألة:
إذا أتى امل ــأموم بتكبرية اإلحرام يف فرض ح ــال احنن ــائ ــه للركوع ،مع ق ــدرت ــه على
اإلتيان هبا قائما ،فما حكم صالتهت
القول المتعقب:
من أتى بتكبرية اإلحرام أو زء منها يف فرض حال احننائه فإن ص ـ ـ ـ ـ ـ ــالته تنقلب
نفال ،وهذا قول منص ـ ـ ـ ـ ـ ــور ،قال ¬ "وإن كرب واإلمام يف الركوع ،مث مل يركع حىت رفع
إمامه مل يدركه ولو أدرك ركوع املأمومني ،وإن أمت التكبرية يف احننائه انقلبت نفال"(.)1
وقد قال هبذا القول القاضـ ــي( ،)2وصـ ــاحب الرعاية( ،)3والفروع( ،)4والتنقيح(،)5
واإلقنــاع( ،)6واملنتهى( ،)7والغــايــة( ،)8ونيــل املــآرب( ،)9ومطــالــب أويل النهى( ،)10كمــا
قال هبذا القول الشيخ عثمان يف هداية الراغب(.)11
التعقب:
من أتى بتكبرية اإلحرام أو زء منها يف فرض حال احننائه عمدا مل تنعقد صــالته
فرض ـ ــا وال نفال ،وس ـ ــهوا أو جهال؛ ص ـ ــحت نفال ،ويتمها منفردا ،وال يعتد ببقية الركعة،
بل هو كالزيادة س ـ ـ ــهوا ،فيس ـ ـ ــجد للس ـ ـ ــهو ،وهذا هو تعقب عثمان ،قال ¬" :والبد
أيض ـ ـ ـ ـ ــا أن يأيت بتكبرية اإلحرام قبل اخلرو عن حد القيام ،وإال ص ـ ـ ـ ـ ــارت نفال ،كما يف
ش ـ ـ ـ ـ ـ ــرح اإلقناع ،وهو مش ـ ـ ـ ـ ـ ــكل؛ ألنه إن قلنا :يتابع اإلمام مع احلكم بنفليتها يف حقه؛
فالنفل ال ينعقد ممن مل يصل بعد اإلقامة ،وإن قلنا :ال يتابع اإلمام بل هو منفرد؛ فالبد
من القراءة .واألظهر :أنه إن فعل ذلك عمدا؛ مل تنعقد فرض ـ ـ ـ ـ ـ ــا وال نفال ،وس ـ ـ ـ ـ ـ ــهوا أو
جهال؛ ص ـ ـ ـ ـ ــحت نفال ،ومل يعتد ببقية الركعة ،بل هو كالزيادة س ـ ـ ـ ـ ــهوا ،فيأيت هبا منفردا،
ويسجد للسهو"(.)1
الترجيح:
الذي يظهر واهلل أعلم أن املس ــألة فيها تفص ــيل ،وذلك أن من كرب تكبرية اإلحرام
حال احننائه ال خيلو من ثالث حاالت:
أ -أن يكون عامدا.
ب -أن يكون جاهال أو ناس ـ ـ ـ ـ ــيا ،مث يعلم يف أثناء ص ـ ـ ـ ـ ــالته أنه أتى بتكبرية اإلحرام
حال احننائه.
-أن يكون جاهال أو ناس ـ ـ ـ ـ ـ ــيا ،وال يعلم أنه أتى بتكبرية اإلحرام حال احننائه إال
بعد انصراف اإلمام.
فأما العامد فال تصــح صــالته؛ لتفريطه بركن من أركاهنا عمدا ،وقد أشــار إىل هذا
ابن اللحام( )1يف قواعده( ،)2واملرداوي( ،)3واحلجاوي( ،)4وأما اجلاهل والناســي إن علم
حال انعقاد صــالة اجلماعة فالذي يظهر أنه جيب عليه اســتئناف صــالته؛ وذلك ألنه ال
تصـ ـ ــح إقامة نافلة ممن وجبت عليه الفريضـ ـ ــة بعد إقامة الفريضـ ـ ــة ،وال تنعقد منه النافلة،
كما نص على ذلك غري واحد من أئمة املذهب( ،)5وأما اجلاهل والناس ـ ـ ـ ـ ـ ــي الذي مل
يعلم إال بعد انص ـ ـراف اإلمام فالذي يظهر أن صـ ــالته تصـ ــح نافلة؛ للقاعدة اليت ذكرها
( )1هو :علي بن حممد بن عباس العالمة األصويل عالء الدين الشهري بابن اللحام شيخ احلنابلة يف وقته اشتغل على
الشيخ زين الدين ابن رجب ،درس وناظر واجتمع عليه الطلبة وانتفعوا به ،وصنف يف الفقه واألصول ،فمن مصنّفاته
القواعد األصولية ،واألخبار العلمية يف اختيارات الشيخ تقي ال ّدين بن تيميّة ،وجتريد العناية يف حترير أحكام النهاية،
ناب يف احلكم عن قاضي القضاة عالء الدين ابن املنجي ،تويف سنة ثالث ومثامنائة .املقصد االرشد (،)237 /2
والضوء الالمع ( ،)320 /5واجلوهر املنضد ( ،)81 /1وشذرات الذهب (.)52 /9
( )2ينظر :القواعد والفوائد األصولية البن اللحام (ص.)353 :
( )3ينظر :اإلنصاف (.)26 /2
( )4ينظر :اإلقناع (.)107 /1
( )5ينظر :الفروع ( ،)23 /2واإلنصاف ( ،)220 /2وشرح املنتهى ( ،)262 /1وكشاف القناع ( ،)459 /1ومطالب
أويل النهى (.)618 /1
- 121 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
أصحاب القول األول( ،)1ولقاعدة (إذا بطل اخلصوص مل يبطل العموم)" ،وبيان ختريج
هذه املس ـ ـ ــألة على القاعدة :أن نية الفرض تش ـ ـ ــتمل على نية الص ـ ـ ــالة من حيث اجلملة
وخص ـ ــوص الفرض ،فإذا بطل خص ـ ــوص الفرض بقي أص ـ ــل نية الص ـ ــالة ،كما لو أحرم
فظن أن الوقت قد دخل فبان مل يدخل"(.)2
وحيتمل أن من كرب لإلحرام جاهال أو ناس ــيا ،س ـ ـواء علم يف أثناء ص ــالته أنه أتى
بتكبرية اإلحرام حال احننائه أو مل يعلم ،أهنا تبطل ركعته ،وتص ـ ـ ـ ــح منه ص ـ ـ ـ ــالة الفرض،
وجيب عليه الس ـ ــجود للس ـ ــهو ،فيعامل معاملة من ترك ركنا من أركان الص ـ ــالة ناس ـ ــيا أو
جاهال ،وذلك أن فعله يف حقيقته هو ترك لركن القيام ،فتبطل الركعة اليت دخل فيها مع
اإلمام ،وتصـ ـ ـ ـ ـ ــح ما س ـ ـ ـ ـ ـ ـواها من الركعات( ،)3وقد يتقوى هذا التوجيه بأن القاعدة اليت
بنيت عليها هذه املسـ ـ ـ ـ ــألة هي يف حال امتناع وقوع الصـ ـ ـ ـ ــالة فرضـ ـ ـ ـ ــا( ،)4وأما يف حال
إمكانية صحة الصالة فرضا فتصحيحها كذلك أوىل من نقلها إىل النفل ،واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
إذا أتى امل ــأموم بتكبرية اإلحرام يف فرض ح ــال احنن ــائ ــه للركوع ،مع ق ــدرت ــه على
اإلتيان هبا قائما ،فعلى القول األول :تنقلب صالته نفال.
( )1ينظر :املغين ( ،)335 /1والشرح الكبري ( ،)509 - 508 /1والشرح الكبري ( ،)180 /2واإلنصاف (،)27 /2
ومعونة أويل النهى ( ،)98 /2وشرح املنتهى ( ،)184 /1وكشاف القناع ( ،)318 /1وكشاف القناع (،)330 /1
ومطالب أويل النهى (.)418 /1
( )2القواعد والفوائد األصولية البن اللحام ،القاعدة رقم ( 63ص.)354 :
( )3ينظر :الكايف ( ،)279 /1والفروع ( ،)320 /2واإلنصاف ( ،)139 /2واإلقناع ( ،)140 /1وشرح املنتهى (/1
.)226
( )4ينظر :املغين ( ،)335 /1والشرح الكبري ( ،)509 - 508 /1واإلنصاف ( ،)27 /2ومعونة أويل النهى (/2
،)98وشرح املنتهى ( ،)184 /1وكشاف القناع ( ،)318 /1وكشاف القناع ( ،)330 /1ومطالب أويل النهى
(.)418 /1
- 122 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
وعلى القول الثاين :إن فعل ذلك عمدا؛ مل تنعقد صــالته فرضــا وال نفال ،وســهوا
أو جهال؛ صــحت صــالته نفال ،ومل يعتد ببقية الركعة اليت دخل فيها مع اإلمام ،بل هو
كالزيادة سهوا ،ويتم صالته منفردا ،ويسجد للسهو.
وعلى القول الذي مت ترجيحه :إن فعل ذلك عمدا؛ مل تنعقد صـ ـ ـ ــالته فرضـ ـ ـ ــا وال
نفال ،وســهوا أو جهال؛ تبطل صــالته حال علمه أثناء انعقاد اجلماعة ،ويلزمه اســتئنافها
مع اإلمام ،وأما إن مل يعلم إال بعد انقضاء صالة اجلماعة صحت صالته نفال.
القول المتعقب:
تصــح صــالة احلنبلي خلف شــافعي صــلى قبل اإلمام الراتب بغري إذنه ،وهذا قول
منص ـ ـ ـ ـ ــور ،قال ¬ "(وإن كان) املرتوك ركنا أو ش ـ ـ ـ ـ ــرطا أو واجبا (عند املأموم وحده)
كــاحلنبلي اقتــدى مبن مس ذكره ،أو ترك س ـ ـ ـ ـ ـ ــرت أحــد العــاتقني أو الطمــأنينــة يف الركوع
وحنوه ،أو تكبرية االنتقال وحنوه ،متأوال أو مقلدا من ال يرى ذلك مفس ـ ـ ـ ــدا (فال) إعادة
على اإلمام ،وال على املأموم؛ ألن اإلمام تصح صالته لنفسه فجازت خلفه ،كما لو مل
يرتك شيئا ،ومثله لو صلى شافعي قبل اإلمام الراتب فتصح صالة احلنبلي خلفه"(.)4
( )1ينظر :الشرح الكبري ( ،)5 /2والفروع ( ،)425 /2واإلنصاف ( ،)216 /2ومنتهى اإلرادات ( ،)283 /1واإلقناع
( ،)159 /1ونيل املارب ( ،)171 /1والروض الندي (ص ،)98 :وكشف املخدرات ( ،)163 /1وبداية العابد
(ص ،)40 :ومطالب أويل النهى (.)613 /1
( )2ينظر :الفروع ( ،)425 /2ومنتهى اإلرادات ( ،)283 /1ونيل املارب ( ،)171 /1وكشف املخدرات (،)163 /1
وبداية العابد (ص ،)40 :ومطالب أويل النهى (.)613 /1
( )3ينظر :املهذب للشريازي ( ،)178 /1وفتح العزيز بشرح الوجيز ( ،)338 /4واجملموع شرح املهذب (،)207 /4
وحتفة احملتا ( ،)253 /2ومغين احملتا ( ،)489 /1وهناية احملتا (.)141 /2
( )4كشاف القناع (.)478 /1
- 124 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
وقد قال هبذا القول الصـ ـ ـواحلي( ،)1وابن العماد( )2يف ش ـ ــرحه على الغاية(،)3كما
نقل هذا القول صاحب نيل املآرب عن منصور ومل يعرتض عليه( ،)4وقال به اللبدي يف
حاشيته على نيل املآرب(.)5
التعقب:
ال تص ــح ص ــالة احلنبلي خلف ش ــافعي ص ــلى قبل اإلمام الراتب ،وهذا هو تعقب
عثمان ،قال ¬" :وقد قال ص ــاحب املنتهى يف ش ــرحه عند قوله( :وإن ترك إمام ركنا
أو شرطا) ما نصه :من شروط الصالة( ...)6انتهى .ومنه يعلم أيضا :ما ذكرناه من أن
ش ـ ــروط اإلمامة البد من كماهلا يف اإلمام .وإذا ص ـ ــلى ش ـ ــافعي مثال قبل اإلمام الراتب؛
فالظاهر :أنه ال جيوز للحنبلي االقتداء به؛ ألن ذلك من ش ــروط اإلمامة ،ال من ش ــروط
الصالة ،كما تقدم يف الفاسق ،خالفا ملا ذكره منصور البهويت"(.)7
وهذا القول هو ظاهر قول صاحب الغاية( ،)8وشارحها(.)9
( )1نقله عنه ابن عوض يف حاشيته على الدليل املسماة فتح وهاب املآرب ( ،)368 /1والصواحلي هو :إبراهيم بن أيب
بكر بن إمساعيل الذنايب العويف الصاحلي ،أخذ الفقه عن منصور البهويت ،له شرح على منتهى اإلرادات ،تويف ¬
سنة أربع وتسعني وألف .النعت األكمل (ص ،)252 :والسحب الوابلة (.)17 /1
( )2هو :العالمة الفقيه األديب أبو الفالح عبد احلي بن أمحد ابن العماد ،ولد سنة اثنتني وثالثني وألف ،أخذ العلم
عن مجلة منهم :الشيخ حممد البلباين صاحب أخصر املختصرات ،اشتغل بالتدريس وتتلمذ عليه مجلة من الطالب
منهم الشيخ عثمان النجدي ،له شرح على غاية املنتهى ،وله شذرات الذهب يف أخبار من ذهب ،تويف ¬ سنة
تسع ومثانني وألف .النعت األكمل (ص ،)240 :والسحب الوابلة ( ،)460 /2واملدخل البن بدران (ص.)443 :
( )3نقله عنه الشطي يف حاشيته على مطالب أويل النهى ( ،)662 /1واللبدي يف حاشيته على نيل املآرب (.)84 /1
( )4ينظر :نيل املارب بشرح دليل الطالب (.)178 /1
( )5ينظر :حاشية اللبدي على نيل املآرب (.)85 /1
( )6ينظر :معونة أويل النهى ( ،)375 /2ومل أجد يف الكتاب املطبوع بتحقيق ابن دهيش ما ذكره الشيخ عثمان ،ومل
أجده أيضا يف خمطوطة اجلامع الكبري يف عنيزة ،وموضع النص من املخطوط يف اللوح رقم /198 :أ.
( )7حاشية املنتهى (.)303 / 1
( )8ينظر :غاية املنتهى (.)221 – 220 /1
( )9ينظر :مطالب أويل النهى (.)662 - 661 /1
- 125 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
الترجيح:
الذي يظهر أن الراجح هو ما ذهب إليه عثمان ¬؛ وذلك ألن علة املنع من
الص ـ ـ ـ ـ ـ ــالة قبل اإلمام الراتب هي :أن يف ذلك افتياتا عليه ،وتفويتا حلقه ،وفيه إحداث
للنزاع وتنفري عن اإلمام( ،)3فالص ـ ـ ـ ــالة مع من ص ـ ـ ـ ــلى قبله فيه نفس العلة ،إذ هو تكثري
لسواد من افتات على اإلمام الراتب ،وليس هو كأركان الصالة وشروطها اليت ال مفسدة
يف املخالفة فيها ،فاألول علة النهي عنه تقع حال االئتمام مبن فعله معتقدا حله ،والثاين
ليس فيه مفسدة ظاهرة ،وإمنا هو ترجيح فقهي مبين على اجتهاد ،فتصح الصالة خلف
من فعلــه معتقــدا حلــه ،فــإن قيــل :األول أيض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا هو ترجيح فقهي مبين على اجتهــاد،
فاجلواب :أن الفرق هو وقوع املفس ـ ـ ــدة اليت ألجلها حرمت الص ـ ـ ــالة قبل اإلمام الراتب،
سواء كان اإلمام يرى صحة صالته أو ال يرى ذلك.
( )1ينظر :كشاف القناع ( ،)478 /1وفتح وهاب املآرب (.)368 /1
( )2ينظر :حاشية املنتهى ( ،)303 / 1وغاية املنتهى ( ،)221 – 220 /1ومطالب أويل النهى (.)662 - 661 /1
( )3ينظر :املمتع يف شرح املقنع ( ،)454 /1واملبدع ( ،)52 /2وكشاف القناع ( ،)457 /1وفتح وهاب املآرب (/1
،)349ومطالب أويل النهى ( ،)613 /1وشرح كتاب آداب املشي إىل الصالة (ص ،)118 :وحاشية الروض
املربع ( ،)268 /2والشرح املمتع على زاد املستقنع (.)153 /4
- 126 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
ثمرة الخالف:
لو جاء ش ـ ـ ـ ــافعي إىل املس ـ ـ ـ ــجد فص ـ ـ ـ ــلى قبل اإلمام الراتب بغري إذنه ،فعلى القول
األول تصح صالة احلنبلي خلفه ،وعلى القول الثاين ال تصح صالة احلنبلي خلفه.
القول المتعقب:
تصــح إمامة من يبدل ضــاد (املغضــوب) و(الضــالني) بظاء مطلقا ،سـواء كان هذا
اإلبدال عن عجز أو عن غري عجز ،وهذا قول منص ـ ـ ـ ـ ـ ــور ،قال ¬(" :وإن قدر على
إص ـ ـ ـ ـ ـ ــالح ذلك) أي ما تقدم من إدغام حرف يف آخر ال يدغم فيه ،أو إبدال حرف
حبرف غري ضــاد املغضــوب والضــالني بظاء ،أو إصــالح اللحن احمليل للمعىن (مل تصــح)
صالته ما مل يصلحه؛ ألنه أخرجه عن كونه قرآنا"(.)2
التعقب:
ال تصح إمامة من يبدل ضاد (املغضوب) و(الضالني) بظاء إن كان هذا اإلبدال
عن غري عجز ،وهذا هو تعقب عثمان ،قال ¬" :قوله( :إال ض ــاد املغض ــوب...إخل)
حمص ـ ــل هذا الكالم :أن األمي ال تص ـ ــح إمامته إال مبثله حيث كان ذلك عجزا ،إال من
يبدل الض ـ ـ ـ ـ ـ ــاد يف املوض ـ ـ ـ ـ ـ ــعني بظاء عجزا ،فإهنا تص ـ ـ ـ ـ ـ ــح إمامته ،ولو بغري مثله ،خالفا
( )1ينظر :الفروع ( ،)289 /2والتنقيح املشبع (ص ،)109 :واإلقناع ( ،)169 /1ومنتهى اإلرادات (،)305 /1
وغاية املنتهى ( ،)221/1ونيل املآرب ( ،)179 /1وكشف املخدرات ( ،)171 /1والروض الندي (ص،)103 :
ومطالب أويل النهى ( ،)673 /1وحاشية اللبدي على نيل املآرب (.)85 /1
( )2كشاف القناع (.)482 /1
- 128 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
للمغين( )1وابن نص ــر اهلل ،س ـ ـواء عرف الفرق أم ال ،كما يفهم من حاش ــية املنتهى .ويف
كالمه يف شرح اإلقناع نظر .واهلل أعلم"(.)2
وهذا القول هو ظاهر قول اإلقناع( ،)3ونص عليه منص ـ ـ ـ ـ ـ ــور يف حاش ـ ـ ـ ـ ـ ــيته على
املنتهى( ،)4ونص عليه اللبدي(.)5
الترجيح:
لعل الراجح هو ما ذهب إليه عثمان ¬ ،وذلك ألن املساحمة يف اإلبدال لعجز
ال يعين املساحمة فيها عمدا ،إذ القول باملساحمة فيها عمدا يقتضي التسوية بني احلرفني،
أو يقتضــي أن التفريق بينهما وإظهار كل منهما من خمرجه أمر مســتحب ال واجب ،وال
قائل هبذا من احلنابلة ،بل قد وقع اخلالف يف حكم الص ـ ـ ـ ـ ـ ــالة خلف من يبدل ض ـ ـ ـ ـ ـ ــاد
(املغضوب) و(الضالني) بظاء عجزا يف املذهب( ،)1مث استقر قول املتأخرين على صحة
الصـ ـ ـ ــالة خلفه( ،)2فوقوع اخلالف يف أصـ ـ ـ ــل املسـ ـ ـ ــألة فيه داللة على أن املسـ ـ ـ ــاحمة فيها
حمدودة حبد ،ال أهنا تصل إىل التسوية بني احلرفني ،واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
لو أن رجال أم الناس يف ص ـ ــالة جهرية ،فأبدل ض ـ ــاد (املغض ـ ــوب) أو (الض ـ ــالني)
بظاء عمدا مع قدرته على إظهارمها على صفتهما الصحيحة ،فعلى القول األول :تصح
صالته وصالة من خلفه ،وعلى القول الثاين :تبطل صالته وصالة من خلفه.
القول المتعقب:
تص ـ ـ ــح ص ـ ـ ــالة اإلمام إن بطلت ص ـ ـ ــالة املأموم لعدم وقوفه معه موقفا ص ـ ـ ــحيحا،
وذلك بأن حيرم وهو متقدم عليه ،أو أن يكون فذا ويصلي عن يساره أو خلفه مث يتقدم
عليه ،وينبغي نسبة هذا القول للمنتهى؛ ألنه نص على بطالن صالة املأموم دون تعرضه
لصالة اإلمام ،وهذا قول منصور البهويت ،قال ¬ "(وإن كان املأموم واحدا وقف عن
ميينه ،فإن بان عدم ص ــحة مص ــافته :مل تصـ ــح)؛ ألنه فذ .قال يف الفروع( )2واملبدع(:)3
واملراد ملن مل حيض ـ ـ ــر معه أحد ،فيجيء الوجه :تص ـ ـ ــح منفردا ،أو كص ـ ـ ــالهتم قدامه ،يف
صحة صالته وجهان .انتهيا.
قلت :ظاهر املنتهى ص ـ ـ ـ ـ ــحة ص ـ ـ ـ ـ ــالة اإلمام يف الثانية ،قال :فإن تقدمه مأموم مل
تصح له( .)4قال يف الفروع( :)5ونقل أبو طالب يف رجل أم رجال قام عن يساره :يعيد،
( )1ينظر :اهلداية على مذهب اإلمام أمحد (ص ،)100 :والكايف ( ،)300 /1واحملرر ( ،)110 /1والفروع (،)37 /3
واإلنصاف ( ،)280 /2واإلقناع ( ،)170 /1ومنتهى اإلرادات ( ،)308 /1مطالب أويل النهى (.)682 /1
( )2الفروع (.)38 /3
( )3املبدع (.)91 /2
( )4منتهى اإلرادات (.)308 /1
( )5الفروع (.)38 /3
- 131 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
وإمنا ص ـ ــلى اإلمام وحده .فظاهره :تص ـ ــح منفردا دون املأموم ،وإمنا يس ـ ــتقيم على إلغائه
اإلمامة .ذكره صاحب احملرر"(.)1
وقد قال هبذا القول املرداوي يف اإلنصــاف( ،)2والفتوحي يف شــرحه( ،)3وصــاحب
مطالب أويل النهى(.)4
التعقب:
ال تص ــح ص ــالة اإلمام إن بطلت ص ــالة املأموم لعدم وقوفه معه موقفا ص ــحيحا،
وذلك بأن حيرم وهو متقدم عليه ،أو أن يكون فذا ويصلي عن يساره أو خلفه مث يتقدم
عليه ،وأما نص املنتهى على بطالن ص ـ ــالة املأموم دون تعرض ـ ــه لص ـ ــالة اإلمام فال يدل
على صــحة صــالة اإلمام ،وســبب عدم ذكره حلكم صــالة اإلمام؛ ألن فيها تفصــيال(،)5
وهذا هو تعقب عثمان ،قال ¬" :وأما ص ــالة اإلمام ففيها تفص ــيل ،فلذلك س ــكت
عنه ،واقتصـ ــر على عدم صـ ــحة صـ ــالة املأموم؛ ألن بطالهنا ال تفصـ ــيل فيه .فأما اإلمام
فال خيلو :إما أن يكون معه غري املأموم املتقدم كما لو كان عن ميني اإلمام واحد فأكثر،
أو كان خلفه اثنان فأكثر ،فص ـ ـ ـ ـ ـ ــالة اإلمام مع من مل يتقدم عليه ص ـ ـ ـ ـ ـ ــحيحة .وإما أال
يكون معه غري املتقدم؛ ففي ذلك ثالث صور:
إحــداهــا :أن يكون املتقــدم مل تنعقــد ص ـ ـ ـ ـ ـ ــالتــه ،لكونــه أحرم متقــدمــا .ففي هــذه
الصورة تبطل صالة اإلمام ،كما تقرر فيمن أحرم ظانا حضور مأموم ،ومل حيضر.
الثـانيـة :أن يكون املتقـدم كـان أحرم عن ميني اإلمـام مث تقـدم .ففي هـذه ال تبطـل
صالة اإلمام ،كما تقرر أيضا يف قوهلم :ال إن دخل مث انصرف.
الثالثة :أن يكون املتقدم كان أحرم خلفه أو عن يس ـ ــاره ،مث تقدم .فالظاهر :عدم
صــحة صــالة اإلمام أيضــا؛ ألن هذا املتقدم مل حيرم يف موقف يصــح اقتداؤه باإلمام فيه،
فكأنه مل يدخل معه ،كما يقتض ـ ـ ـ ـ ـ ــيه كالم اإلقناع وغريه( ،)1خالفا ملا فهمه منص ـ ـ ـ ـ ـ ــور
البهويت .وهلــذا ذكر يف اإلقنــاع :لو أم أمي قــارئــا وأميــا وقفــا خلفــه ،أو القــارئ عن ميينــه
واألمي عن يساره ،مل تصح صالهتم .انتهى"(.)2
وقد قال هبذا القول املرداوي يف تصحيح الفروع(.)3
الترجيح:
لعل الراجح أن يقال إن اإلمام ال خيلو من أحوال ثالثة:
( )1قال يف اإلقناع" :فإن وقفوا قدامه ولو بإحرام مل تصح صالهتم" ،وقال "فإن بان عدم صحة مصافته مل تصح" اإلقناع
(.)170 /1
( )2حاشية املنتهى (.)309 / 1
( )3تصحيح الفروع ( ،)38 /3قال ¬" :يعين إذا صلوا قدام اإلمام ،وقلنا ال تصح صالهتم ،فهل تصح صالة اإلمام
أم الت أطلق اخلالف ،وأطلقه ابن متيم ،وصاحب "احلاويني" :أحدمها :تصح صالته ،قدمه يف الرعايتني .والوجه
الثاين :ال تصح .قلت :وهو الصواب ،وهو ظاهر كالم كثري من األصحاب".
( )4ينظر :النكت والفوائد السنية على مشكل احملرر ( ،)113 /1واإلنصاف ( ،)280 /2ومعونة أويل النهى (/2
،)389 – 388ومطالب أويل النهى (.)682 /1
( )5ينظر :حاشية املنتهى (.)309 / 1
- 133 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
احلالة األوىل :أن يعلم ببطالن ص ـ ـ ـ ـ ــالة املأموم ،ويس ـ ـ ـ ـ ــتمر بنية اإلمامة ،ففي هذه
احلالة تبطل صالته.
احلالة الثانية :أن يعلم ببطالن ص ـ ـ ــالة املأموم ،فيلغي نية اإلمامة ،ففي هذه احلالة
تصح صالته منفردا.
احلالة الثالثة :أال يعلم ببطالن ص ـ ـ ـ ـ ـ ــالة املأموم ،ففي هذه احلال يقال فيه ما قيل
فيمن نوى اإلمامة ظانا حض ـ ـ ــور مأموم ،فتص ـ ـ ــح إمامته وص ـ ـ ــالته إن جاء مأموم ودخل
معه ،وتبطل صالته إن صلى ركعة دون أن يدخل معه مأموم.
وقد أش ـ ــار إىل هذا التفص ـ ــيل ابن مفلح يف نكته على احملرر ،قال ¬" :واألوىل
أن يقال إن نوى اإلمامة مبن يص ـ ـ ـ ــلي قدامه مع علمه :مل تنعقد ص ـ ـ ـ ــالته ،كما لو نوت
املرأة اإلمامة بالرجال؛ ألنه يشـ ـ ـ ـ ـ ــرتط أن ينوي اإلمامة مبن يصـ ـ ـ ـ ـ ــح اقتداؤه به ،وإن نوى
اإلمامة ظنا واعتقادا أهنم يصـ ـ ــلون خلفه فصـ ـ ــلوا قدامه :انعقدت صـ ـ ــالته؛ عمال بظاهر
احلال ،كما لو نوى اإلمامة من عادته حضور مجاعة عنده"(.)1
لذا فلعل ما ذهب إليه منص ـ ـ ـ ـ ــور أوىل مما ذهب إليه عثمان ،ويؤيد ذلك تفس ـ ـ ـ ـ ــري
املؤلف ملراده مبا نص عليه منصور ¬(.)2
ثمرة الخالف:
لو أن إماما أم مأموما بطلت صالته لعدم وقوفه مع اإلمام موقفا صحيحا ،وذلك
بأن حيرم وهو متقدم على إمامه ،أو أن يكون فذا ويص ــلي عن يس ــار اإلمام أو خلفه مث
يتقدم عليه ،فعلى القول األول :تصـ ـ ــح صـ ـ ــالة اإلمام وإن بطلت صـ ـ ــالة املأموم ،وعلى
القول الثاين :تبطل ص ـ ـ ـ ــالة اإلمام ببطالن ص ـ ـ ـ ــالة املأموم ،وعلى القول املرجح :تص ـ ـ ـ ــح
ص ــالة اإلمام إن ألغى نية اإلمامة أو جهل بطالن صـ ــالة املأموم مث جاء من يأمت به قبل
أن يركع.
القول المتعقب:
جيوز اجلمع بسـ ـ ــبب ريح شـ ـ ــديدة باردة ،وجيوز اجلمع بسـ ـ ــبب ريح شـ ـ ــديدة بليلة
مظلمة وإن مل تكن باردة ،وهذا قول منصــور البهويت ،قال ¬ "(وريح شــديدة باردة)
ظــاهره :وإن مل تكن الليلــة مظلمــة ،ويعلم ممــا تقــدم كــذلــك لو كــانــت ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــديــدة بليلــة
مظلمة ،وإن مل تكن باردة"(.)2
التعقب:
جيوز اجلمع بسبب ريح شديدة باردة ،وجيوز اجلمع بسبب ريح باردة بليلة مظلمة
وإن مل تكن شـ ـ ـ ــديدة ،وهذا هو تعقب عثمان ،قال ¬" :قوله (وريح ..إخل) ظاهره:
وإن مل تكن الليلة مظلمة .ويعلم مما تقدم كذلك لو كانت باردة بليلة مظلمة ،وإن مل
تكن شديدة .ويف كالم منصور البهويت هنا نظر"(.)3
( )1ينظر :جمموع الفتاوى ( ،)29 /24والفروع ( ،)107 /3واإلنصاف ( ،)338 /2واإلقناع ( ،)184 /1ومنتهى
اإلرادات (.)335 / 1
( )2شرح املنتهى (.)299 /1
( )3حاشية املنتهى (.)335 / 1
- 135 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
( )1ينظر :جمموع الفتاوى ( ،)29 /24والفروع ( ،)107 /3واإلنصاف ( ،)338 /2واإلقناع ( ،)184 /1ومنتهى
اإلرادات ( ،)335 / 1وغاية املنتهى (.)234 /1
( )2ينظر :مطالب أويل النهى (.)734 /1
( )3ينظر :حاشية الروض املربع (.)402 /2
( )4ينظر :أخصر املختصرات (ص ،)126 :ومؤلف أخصر املختصرات هو :حممد بن بدرالدين بن بلبان البلباين البعلي
األصل مث الدمشقي الصاحلي كان يقرئ الفقه لطالب املذاهب األربعة ،ألف كايف املبتدي وأخصر املختصرات
وخمتصر اإلفادات ،تويف سنة ثالث ومثانني وألف .النعت األكمل (ص ،)231 :والسحب الوابلة (،)902 /2
واملدخل البن بدران (ص.)444 :
( )5ينظر :الروض الندي شرح كايف املبتدي (ص.)111 :
( )6ينظر :حاشية اللبدي على نيل املآرب (.)92 /1
- 136 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
الترجيح:
أما قول منص ـ ـ ــور ¬" :ويعلم مما تقدم كذلك لو كانت ش ـ ـ ــديدة بليلة مظلمة،
وإن مل تكن باردة"( )3فالذي يظهر أنه غري وجيه؛ وذلك أن ما تقدم يف األعذار املوجبة
لرتك اجلماعة إمنا ذكر فيها الريح الباردة( ،)4فاستدالله هنا حمل نظر.
وأما اجلمع حال وجود ريح باردة يف ليلة مظلمة فالذي يظهر جواز اجلمع حينئذ؛
لقوة الدليل الذي ذكره أصحاب هذا القول.
وأما اجلمع حال وجود ريح ش ـ ـ ـ ـ ـ ــديدة غري باردة يف ليلة مظلمة ،فالذي يظهر أن
هذه املس ـ ــألة متعلقة باملش ـ ــقة ،فإن وجدت مش ـ ــقة قريبة من مش ـ ــقة األعذار املنص ـ ــوص
عليها جاز اجلمع ،وإن مل توجد املشــقة فال مجع ،وقد أشــار القاضــي أبو يعلى إىل معىن
قريــب من هــذا ،قــال ¬" :قــال أص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحــابنــا :هو عــذر – أي الوحــل -يبيح اجلمع
مبجرده ،ويلحق به املش ـ ـ ــقة كاملطر"( ،)5وقال" :فإذا جاز ترك اجلماعة ألجل الربد ،كان
فيه تنبيها على الوحل؛ ألنه ليس مش ـ ـ ـ ـ ــقة الربد بأعظم من الوحل"( ،)6وقال ص ـ ـ ـ ـ ــاحب
الفروع ¬" :كالمهم ال خيالف ما إذا ظهر أن مش ـ ــقة بعض س ـ ــببني فأكثر من ذلك
كمشـ ـ ـ ــقة سـ ـ ـ ــبب منها ،أنه جيوز اجلمع لعدم الفرق"( ،)7ونقل ابن مشـ ـ ـ ــيش عن اإلمام
( )1ينظر :اإلقناع ( ،)175 /1ومنتهى اإلرادات ( ،)320 /1ومطالب أويل النهى (.)704 /1
( )2ينظر :اإلقناع ( ،)183 /1ومنتهى اإلرادات ( ،)335 /1وغاية املنتهى ( ،)234 /1وحاشية املنتهى (،)335 / 1
وحاشية اللبدي على نيل املآرب (.)92 /1
( )3شرح املنتهى (.)299 /1
( )4ينظر :اإلقناع ( ،)175 /1ومنتهى اإلرادات ( ،)320 /1ومطالب أويل النهى (.)704 /1
( )5نقله عنه يف املبدع (.)127 /2
( )6نقله عنه يف الفروع (.)106 /3
( )7الفروع (.)107 /3
- 137 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
أمحد ¬ أنه قال" :جيمع يف حضــر لضــرورة ،مثل :مرض ،أو شــغل"( ،)1فقول اإلمام
¬ "مثل" يدل على أن مناط احلكم هو الضـ ـ ـ ـ ـ ــرورة ،فيدخل يف جواز اجلمع كل أمر
وص ـ ــل حد الض ـ ــرورة ،وقال الش ـ ــيخ ابن عثيمني ¬" :فأس ـ ــباب اجلمع هي :الس ـ ــفر،
واملرض ،واملطر ،والوحل ،والريح الشـ ــديدة الباردة ،ولكن ال تنحصـ ــر يف هذه األسـ ــباب
اخلمسة ،بل هذه اخلمسة اليت ذكرها املؤلف كالتمثيل لقاعدة عامة وهي :املشقة ،وهلذا
جيوز اجلمع للمستحاضة بني الظهرين ،وبني العشاءين ملشقة الوضوء عليها لكل صالة،
وجيوز اجلمع أيض ـ ـ ـ ـاً ل ِإلنسـ ـ ـ ــان إذا كان يف سـ ـ ـ ــفر وكان املاء بعيداً عنه ،ويشـ ـ ـ ــق عليه أن
يذهب إىل املاء ليتوض ــأ لكل ص ــالة ،حىت وإن قلنا بعدم جواز اجلمع يف الس ــفر للنازل،
وذلك ملشقة الوضوء عليه لكل صالة"(.)2
ثمرة الخالف:
لو جاءت ريح شديدة غري باردة ،يف ليلة مظلمة ،فعلى القول األول :جيوز اجلمع
بس ـ ــبب هذه الريح ،وعلى القول الثاين :ال جيوز اجلمع بس ـ ــبب هذه الريح ،وعلى القول
املرجح :جيوز اجلمع إن كان مثة مش ـ ـ ـ ـ ـ ــقة تبلا مبلا األعذار اليت جيوز معها اجلمع ،وإال
فال.
القول المتعقب:
يش ـ ـ ـ ـرتط أن يكون من ليس به صـ ـ ـ ــمم واحدا من املأمومني سـ ـ ـ ــوى اخلطيب ،فال
تصح اجلمعة من مجاعة كلهم صم سوى اخلطيب ،وتصح من صم إن كان فيهم واحد
يســمع حىت وإن كان اخلطيب به صــمم ،وهذا قول منصــور البهويت ،قال ¬" :و(ال)
تص ـ ــح (إن كان الكل كذلك) أي :خرس ـ ــا أو ص ـ ــما ،أما إذا كانوا خرس ـ ــا مع اخلطيب،
فلفوات اخلطبة صــورة ومعىن فيصــلون ظهرا ،وإن كانوا كلهم صــما فلفوات املقصــود من
مساع اخلطبة .وعلم من ذلك :أهنم لو كانوا خرسا إال اخلطيب ،أو كانوا صما إال واحدا
يسمع صحت مجعتهم"(.)2
وهذا قول صاحب املبدع( ،)3وذكر الشطي أنه أحد قويل اإلقناع(.)4
( )1ينظر :اإلنصاف ( ،)390 /2واإلقناع ( ،)192 /1ومنتهى اإلرادات (.)353 – 352 /1
( )2كشاف القناع ( ،)29 /2وينظر :وحواشي اإلقناع للبهويت ( ،)762 /2وشرح املنتهى (.)313 /1
( )3ينظر :املبدع (.)161 /2
( )4ينظر :جتريد الزوائد الغاية والشرح ( ،)766 – 765 /1قال احلجاوي ¬" :الثالث :حضور أربعني فأكثر من
أهل القرية باإلمام ولو كان بعضهم خرسا أو صما ال إن كان الكل كذلك" ،وقال" :وإن قرب األصم وبعد من
يسمع مل تصح" اإلقناع (.)192 /1
- 139 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
التعقب:
ال يشرتط أن يكون من ليس به صمم واحد من املأمومني سوى اخلطيب ،فتصح
اجلمعة من مجاعة كلهم ص ـ ـ ـ ـ ـ ــم س ـ ـ ـ ـ ـ ــوى اخلطيب ،وهذا هو تعقب عثمان ،قال ¬:
"قوله( :ال كلهم) أي :ال إن كان األربعون كلهم خرسا أو صما؛ فال تصح اجلمعة .أما
لو كان اخلطيب مسيعا عربيا ،والباقون كلهم طرشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أو عجما ال يفهمون قوله؛ فإهنا
تص ـ ـ ـ ـ ــح ،كما جزم به يف اإلقناع( ،")1وقال أيض ـ ـ ـ ـ ــا(" :ال كلهم) علم منه :أهنم لو كانوا
خرسـ ــا إال اخلطيب ،أو كانوا صـ ــما إال واحدا يسـ ــمع؛ صـ ــحت مجعتهم .قاله يف شـ ــرح
اإلقناع ،وفيه تأمل"(.)2
وقد نس ـ ــب ص ـ ــاحب الفروع هذا القول للمجد( ،)3وذكر الش ـ ــطي أنه أحد قويل
اإلقناع( ،)4كما نص على هذا القول صاحب غاية املنتهى(.)5
الترجيح:
لعل األوجه يف تفسـ ـ ـ ـ ـ ــري قول اإلقناع "ال إن كان الكل كذلك" ،وقول املنتهى "ال
كلهم" أن يقال :هذا يش ـ ــمل اخلطيب واحلاضـ ـ ـرين ،فوجود الوص ـ ــف يف اخلطيب وحده
كاف لتحقق هذا الشــرط ،وهبذا فســره مرعي ¬ فقال" :الثالث :حضــوره ،ولو كانوا
كلهم عجما ،أو خرس ــا أو ص ــما س ــوى اإلمام"( ،)1وفس ــره بذلك أيض ــا البهويت نفس ــه
¬ فقال " :قوله( :وإن كانوا كلهم طرشــا) أي :صــحت ،حيث كان اخلطيب مسيعا،
ولعله ال ينايف قوله قبل( :ال إن كان الكل كذلك) أي :خرس ــا ،أو ص ــما؛ خلرو اإلمام
منهم"( ،)2فبني أن وجود هذه الص ـ ـ ـ ـ ــفة يف اخلطيب وحده كافية لتحقق هذا الش ـ ـ ـ ـ ــرط،
وقال أيض ــا " :قوله( :ال كلهم) أي :ال إن كانوا كلهم حىت اخلطيب خرس ــاء أو ص ــماء
فال تصح مجعتهم"(.)3
ثمرة الخالف:
لو اجتمع أربعون رجال أو أكثر يف قرية لص ــالة اجلمعة ،وكانوا كلهم ص ــما س ــوى
واحد منهم ،فعلى القول األول :يلزم أن يكون اخلطيب واحدا من الص ـ ـ ـ ــم ،وال تص ـ ـ ـ ــح
اجلمعة إن خطب هبم الرجل الذي ليس به صمم ،وعلى القول الثاين :يصح أن خيطب
اجلمعة واحد ممن به صمم ،ويصح أن خيطب هبم الرجل الذي ليس به صمم.
القول المتعقب:
من ركع مع اإلمام ركوع الركعة األوىل يف اجلمعة مث ختلف ملرض أو نوم أو نسـ ــيان
أو زحــام وحنوه ،ومل يزل عــذره حىت رفع اإلمــام من الركعــة الثــانيــة ،فلم يتــابع اإلمــام بعــد
زوال عذره جهال منه ،بل سجد سجديت الركعة األوىل ،مث أدرك اإلمام يف التشهد ،فإنه
ال تعترب لــه هــذه الركعــة ،وعليــه فال يكون مــدركــا للجمعــة ،وهــذا القول يفهم من كالم
الشيخ منصور البهويت ،قال ¬" :ومن هذا يعلم أنه يكفي يف إدراك اجلمعة إدراك ما
تدرك به الركعة ،إذا أتى بباقي الركعة قبل أن يس ـ ـ ـ ــلم اإلمام ،فال تعترب ركعة بس ـ ـ ـ ــجدتيها
معه"(.)1
وقد ذكر هذا القول ابن قدامة رواية( ،)2وذكره أبو اخلطاب( ،)3وص ـ ــاحب املبدع
وجها(.)4
التعقب:
من ركع مع اإلمام ركوع الركعة األوىل مث ختلف ملرض أو نوم أو نسـ ـ ـ ـ ـ ــيان أو زحام
وحنوه ،ومل يزل عذره حىت رفع اإلمام من الركعة الثانية ،فلم يتابع اإلمام بعد زوال عذره
جهال منه ،بل س ـ ـ ــجد س ـ ـ ــجديت الركعة األوىل ،مث أدرك اإلمام يف التش ـ ـ ــهد ،فإنه يكون
مدركا للجمعة ،وهذا هو تعقب عثمان ،قال ¬" :قوله( :ومن يف وقتها أحرم ،وأدرك
مع اإلمام منها ركعة) قال املصــنف يف شــرحه :بســجدتيها .انتهى؛ أي :ال بد من إدراك
املسبوق ركعة بسجدتيها حقيقة؛ بأن يركع ويسجد مع اإلمام ،أو حكما؛ كمن ركع مع
اإلمــام يف األوىل ،مث زحم أو نــام وحنوه ،ومل ةيزل عــذره إال عنــد ركوع اإلمــام يف الثــانيــة،
فالواجب عليه يف هذه الص ـ ـ ـ ـ ـ ــورة متابعة اإلمام ،وتص ـ ـ ـ ـ ـ ــري الثانية أواله ،فلو ترك املتابعة
جهال ،وسـ ـ ـ ــجد وحده؛ متت أواله ،وأدرك اجلمعة؛ ألن هذا السـ ـ ـ ــجود املعتد به للعذر،
مبنزلة ما لو أتى به مع اإلمام .أما لو كان عاملا بوجوب املتابعة ،فس ـ ــجد وحده؛ فإهنا ال
تصـ ـ ــح مجعته ،مع كونه أدرك مع اإلمام الركوع ،كما صـ ـ ــرح بذلك املصـ ـ ــنف وصـ ـ ــاحب
اإلقناع ،ففي قول منصور البهويت :فال تعترب ركعة بسجدتيها معه ،نظر واضح"(.)1
وهذا القول هو ظاهر قول ص ــاحب اإلرش ــاد( ،)2واملس ــتوعب( ،)3ونص عليه أبو
اخلطاب( ،)4وابن قدامة( ،)5واجملد( ،)6وصاحب املمتع( ،)7والفروع( ،)8واإلنصاف(،)9
قال(( :من أدرك من ص ـ ــالة اجلمعة ركعة فقد أدرك)) رواه النس ـ ــائي أيض ـ ــا( ،)2()1ومن
أدرك الركوع مع اإلمام مث زحم عن الس ـ ـ ـ ــجود وفاته متابعة اإلمام لعذر ،مث تدارك ذلك،
فيصــدق عليه أنه أدرك ركعة مع اإلمام؛ ألنه أتى بالركوع مع اإلمام ،وأتى بســجود معتد
به ،وإذا اعتد له بذلك فقد أدرك مع اإلمام ركعة ،واجلمعة تدرك بركعة(.)3
الترجيح:
حتصل له ركعة تامة ،ومن أدرك ركعة مع لعل الراجح هو القول الثاين؛ وذلك ألنه ّ
اإلمام فقد أدرك اجلمعة ،كما جاء يف األحاديث املذكورة يف أدلة القول الثاين ،ولتعاقب
أئمة املذهب على هذا القول.
وأما ما حصل له من اضطراب وترك متابعة فيعفى عنه للعذر واجلهل.
والذي يظهر أن نســبة القول املتعقب ملنصــور ¬ فيه ما فيه؛ وذلك ألن كالمه
يف ش ــرح املنتهى وش ــرح اإلقناع خيالف مدلول العبارة اليت تعقبها عثمان ¬ ،فقد قال
¬ يف شرح املنتهى(" :إال أن خياف) بسجود باألرض بعد زوال الزحام (فوت) الركعة
(الثانية) مع اإلمام ،فإن خافه (ف) إنه (يتابعه) أي اإلمام (فيها) أي يف الركعة الثانية،
كاملسبوق (وتصري) ثانية اإلمام (أواله) أي املأموم يبين عليها (ويتمها مجعة)؛ ألنه أدرك
مع اإلمام منها ركعة ،وتقدم :لو زال عذره وقد رفع إمامه من ركوع الثانية تابع .وتتم له
ركعة ملفقة يدرك هبا اجلمعة"(.)4
وقال يف الكش ــاف(" :وكذا لو ختلف) بالس ــجود (ملرض أو نوم أو نس ــيان وحنوه)
من األعذار( ،فإن غلب على ظنه فوات) الركعة (الثانية) لو سجد لنفسه مث حلق اإلمام
( )1رواه النسائي :كتاب اجلمعة ،باب من أدرك ركعة من صالة اجلمعة ،ح( ،)1425قال الشيخ األلباين :شاذ بذكر
اجلمعة واحملفو الصالة.
( )2ينظر :شرح الزركشي على خمتصر اخلرقي (.)185 /2
( )3ينظر :املمتع يف شرح املقنع (.)544 /1
( )4شرح املنتهى (.)314 /1
- 145 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
(تابع إمامه يف ثانيته وصــارت أواله ،وأمتها مجعة)؛ لقوله ‘(( :وإذا ركع فاركعوا))(،)1
وألنه مأموم خاف فوات الثانية فلزمه املتابعة كاملس ـ ـ ـ ـ ـ ــبوق( ،فإن مل يتابعه عاملا بتحرمي
ذلك بطلت ص ـ ـ ـ ـ ـ ــالته)؛ لرتكه متابعة إمامه عمدا ،ومتابعته واجبة؛ لقوله ‘(( :فال
ختتلفوا عليه))( ،)2وترك الواجب عمدا يبطلها وفاقا( .وإن جهله) أي حترمي عدم متابعة
إمامه (وســجد) لنفســه( ،مث أدرك اإلمام يف التشــهد ،أتى بركعة أخرى بعد ســالمه) أي
إمامه( ،وصحت مجعته)؛ ألنه أدرك مع اإلمام منها ما تدرك به اجلمعة"(.)3
ويتبني مما سبق أن كالم الشيخ منصور موافق لكالم الشيخ عثمان.
وقد قمت مبراجعة ما وقع حتت يدي من طبعات وخمطوطات الكش ـ ـ ـ ـ ــاف للتأكد
من عبارة الشيخ منصور ¬ ،فوقفت على مثان طبعات ،وثالث خمطوطات ،فوجدت
منها سبع طبعات نص العبارة فيها" :فال تعترب ركعة بسجدهتا معه" ،وهي:
.1طبعة مطبعة أنصار السنة احملمدية 1366ه (.)26 /2
.2طبعة مكتبة النصر احلديثة بتعليق هالل مصيلحي (.)31 /2
.3طبعة مطبعة احلكومة مبكة املكرمة 1394ه (.)33 /2
.4طبعة عامل الكتب 1403ه (.)31 /2
.5طبعة دار الكتب العلمية بتحقيق حممد حسن الشافعي (.)32 /2
.6طبعة عامل الكتب بتحقيق حممد الضناوي 1417ه (.)510 /1
.7طبعة دار عامل الكتب بتحقيق إبراهيم أمحد عبداحلميد 1423ه (.)638 /2
( )1رواه البخاري :أبواب الصالة يف الثياب ،باب الصالة يف السطوح واملنرب واخلشب ،ح( ،)371ويف كتاب صفة
الصالة ،باب إجياب التكبري وافتتاح الصالة ،ح( ،)699وح( ،)700وح( ،)701ويف باب يهوي بالتكبري حني
يسجد ح( ،)772ويف أبواب تقصري الصالة ،باب صالة القاعد ،ح( ،)1063ورواه مسلم :كتاب الصالة ،باب
ائتمام املأموم باإلمام ،ح( ،)414ويف باب النهي عن مبادرة اإلمام بالتكبري وغريه ح( ،)415وح( ،)417ويف باب
اإلمام يصلي من قعود ح( ،)601وح(.)603
( )2رواه البخاري :كتاب اجلماعة واإلمامة ،باب إقامة الصف من متام الصالة ،ح( ،)689ورواه مسلم :كتاب الصالة،
باب ائتمام املأموم باإلمام ،ح( ،)414ويف باب ما يفعل من رفع رأسه قبل اإلمام ح( ،)209ويف باب يف من
يصلي خلف اإلمام واإلمام جالس ح(.)1256
( )3كشاف القناع (.)30 /2
- 146 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
ووجدت نســخة مطبوعة وخمطوطني نص العبارة فيها" :فال تعترب ركعة بســجدتيها
معه" ،وهي:
.1طبعة وزارة العدل السعودية (.)343 /3
.2خمطوط يف دار اإلفتاء (ل /225 :أ) ،نس ــخ س ــنة 1118ه ورقم تس ــجيله لدى
اإلفتاء ( ،)86 /690وقد كتب يف هامش ـ ـ ـ ـ ـ ــه جانب العبارة املذكورة ما نص ـ ـ ـ ـ ـ ــه:
"مطلب :قف ،لو أدرك ركعة من مجعة ،لكن سـ ــلم إمامه قبل أن يدركه اسـ ــتأنف
ظهرا".
.3خمطوط يف جامع عنيزة (ل /146 :ب) ،نسـ ـ ـ ـ ـ ــخ سـ ـ ـ ـ ـ ــنة 1162ه وقد كتب يف
هامشه جانب العبارة املذكورة ما نصه" :حىت سلم اإلمامت".
ووجدت خمطوطا نص العبارة فيه" :فال تعرب ركعة بس ـ ـ ـ ــجدتيها بعده" (ل/353 :
أ) اجلزء األول ،وهذا املخطوط حمفو يف دار الكتب املصـ ـ ـرية ،نس ـ ــخ س ـ ــنة 1086ه،
ورقم حفظه .7270
ويتبني مما ســبق االضــطراب يف نقل هذا اللفظ عن الشــيخ منصــور ¬ ،ولتوجيه
هذه العبارة ميكن القول بأهنا حتمل على واحد من احتماالت ثالث:
األول :أن العبارة الصحيحة هي املثبتة يف أغلب طبعات الكشاف ،ونصها" :فال
تعترب ركعة بسـ ــجدهتا معه" ،وال إشـ ــكال يف هذه العبارة ،وال يتوجه عليها التعقب الذي
ذكره الشيخ عثمان.
الث ــاين :أن العب ــارة الص ـ ـ ـ ـ ـ ــحيح ــة هي الواردة يف املخطوط ال ــذي يف دار الكت ــب
املص ـ ـرية ،ونص ـ ــها" :فال تعترب ركعة بس ـ ــجدتيها بعده" ،وال إش ـ ــكال يف هذه العبارة ،وال
يتوجه عليها التعقب الذي ذكره الشيخ عثمان.
الثــالــث :أن العبــارة الص ـ ـ ـ ـ ـ ــحيحــة هي الواردة يف طبعــة وزارة العــدل ،وخمطوط دار
اإلفتـاء ،وجـامع عنيزة ،واليت نقلهـا الش ـ ـ ـ ـ ـ ــيخ عثمـان ¬ ،ونص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـا" :فال تعترب ركعـة
بسجدتيها معه" ،ولعل مراد الشيخ منصور من هذه العبارة واحد من وجهني:
الوجه األول :أن قص ــد الش ــيخ منص ــور ¬ من هذه العبارة التنبيه على أنه يلزم
املسبوق الذي أدرك مع اإلمام ركوع الركعة األوىل مث ختلف ملرض أو نوم أو نسيان وحنوه
- 147 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
ومل يزل عذره حىت رفع اإلمام من الركعة الثانية ،فلم يتابع اإلمام بعد زوال عذره جهال
منه ،بل سجد سجديت الركعة األوىل :أن يدرك اإلمام يف التشهد ،ويتم ركعته قبل سالم
اإلمام ،وميكن االس ـ ـ ــتدالل هلذا االحتمال مبا ورد قبل العبارة اليت نقلها الش ـ ـ ــيخ عثمان،
فإن الش ـ ـ ـ ـ ــيخ منص ـ ـ ـ ـ ــور قال قبلها" :ومن هذا يعلم أنه يكفي يف إدراك اجلمعة إدراك ما
تدرك به الركعة ،إذا أتى بباقي الركعة قبل أن يسلم اإلمام"( ،)1كما يشهد لذلك ما ورد
يف حاشــية نســخة دار اإلفتاء ،وحاشــية نســخة جامع عنيزة ،فقد جاء يف هامش نســخة
دار اإلفتاء ما نصـ ـ ــه" :مطلب :قف ،لو أدرك ركعة من مجعة ،لكن سـ ـ ــلم إمامه قبل أن
يدركه اسـ ـ ــتأنف ظهرا"( ،)2وجاء يف هامش نسـ ـ ــخة جامع عنيزة ما نصـ ـ ــه" :حىت سـ ـ ــلم
اإلمامت"(.)3
الوجه الثاين :أن قص ــد الش ــيخ منص ــور ¬ من هذه العبارة هو :أنه ال يلزم من
اعتبار الركعة أن يكون املأموم قد تابع اإلمام بس ـ ــجديت الركعة حقيقة ،بل تص ـ ــح وتعترب
حىت ولو مل يتـابعـه يف ذلـك وإمنـا أتى بـه على وجـه التـدارك جهال منـه ،وذلـك إن أدرك
مع اإلمام ركوع الركعة األوىل مث ختلف ملرض أو نوم أو نس ـ ـ ــيان وحنوه ومل يزل عذره حىت
رفع اإلمام من الركعة الثانية ،فلم يتابع اإلمام بعد زوال عذره جهال منه ،بل س ـ ـ ـ ـ ـ ــجد
س ـ ـ ـ ــجديت الركعة األوىل مث أدرك اإلمام يف التش ـ ـ ـ ــهد ،فإنه تعترب له هذه الركعة ،وتص ـ ـ ـ ــح
مجعته(.)4
وســبب تأويل عبارة الشــيخ منصــور هو اخلرو من اختالف كالمه ،خصــوصــا أن
كالمه قريب بعض ـ ـ ـ ــه من بعض ،فيبعد االختالف والتض ـ ـ ـ ــارب مع هذا القرب ،كما أن
هذا التأويل ميكن االس ــتدالل له بقوله يف ش ــرح املنتهى(" :فإن مل يتابعه) املأموم املزحوم
يف الثانية مع خوف فوهتا (عاملا بتحرميه ،بطلت) صالته؛ لرتكه واجب املتابعة بال عذر،
(وإن جهله) أي :حترمي عدم متابعته( ،فس ـ ـ ــجد) س ـ ـ ــجديت الركعة األوىل( ،مث أدركه) أي
اإلمام يف التشهد( ،أتى بركعة) ثانية (بعد سالمه) أي اإلمام؛ ألنه أتى بسجود معتد به
للعذر (وص ـ ـ ــحت مجعته) قال يف ش ـ ـ ــرحه :ألنه أدرك مع اإلمام منها ما تدرك به اجلمعة
وهو ركعة ،وهذا املذهب انتهى( .)1أي ألنه مل يفارقه إال بعد ركعة ،وسجوده لنفسه يف
حكم ما أتى به مع إمامه؛ لبقائه على نية االئتمام ،كما يعلم مما سبق يف اخلوف"(.)2
كما ميكن االستدالل له بقوله يف حواشي اإلقناع" :قوله( :وإن أدرك مسبوق مع
اإلمام منها ركعة) أي :بسـ ـ ــجدتيها ،وتظهر فائدته فيما إذا زحم عن السـ ـ ــجود .قاله يف
املبدع( .)3لكن جزم املص ـ ـ ــنف( )4وص ـ ـ ــاحب املنتهى( )5وغريمها فيما يأيت فيما إذا زحم
وحنوه بعد أن أحرم مع اإلمام حىت فاتته األوىل وركوع الثانية وسـ ــجد جهال لنفسـ ــه ،أهنا
تصح له ركعة ،ويتمها مجعة ،مع أنه مل يدرك مع اإلمام منها ركعة بسجدتيها"(.)6
ثمرة الخالف:
من ركع مع اإلمــام ركوع الركعــة األوىل مث ختلف ملرض ،أو نوم ،أو نس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيــان ،أو
زحام ،وحنوه ،ومل يزل عذره حىت رفع اإلمام من الركعة الثانية ،فلم يتابع اإلمام بعد زوال
عذره جهال منه ،بل س ـ ـ ــجد س ـ ـ ــجديت الركعة األوىل ،مث أدرك اإلمام يف التش ـ ـ ــهد ،فعلى
القول األول :ال تص ـ ـ ـ ـ ـ ــح له هذه الركعة ،وال يكون مدركا للجمعة ،وعلى القول الثاين:
تصح له هذه الركعة ،ويكون مدركا للجمعة.
القول المتعقب:
األصــل أنه جتب الزكاة يف كل دين ،ويســتثىن من ذلك مســائل ،منها :دين الســلم
فال جتــب فيــه الزكــاة ،إال إن كــان أمثــانــا أو لتجــارة ،وهــذا قول الفتوحي ،قــال ¬ يف
معرض ما جتب فيه الزكاة" :أو دينا ،غري هبيمة األنعام ،أو دية واجبة ،أو دين ســلم ،ما
مل يكن أمثانا أو لتجارة"(.)1
وقد نص على دين السـ ـ ـ ـ ـ ــلم صـ ـ ـ ـ ـ ــاحب الفروع( ،)2واملبدع( ،)3واإلنصـ ـ ـ ـ ـ ــاف(،)4
واإلقناع( ،)5والغاية(.)6
التعقب:
ال فرق بني دين الس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم وغريه من الديون يف وجوب الزكاة فيه إن كان أمثانا ،أو
لتجارة ،ويف عدم الوجوب إن مل يكن كذلك ،وال يظهر وجاهة إفراد ذكر دين الس ـ ـ ـ ـ ــلم
مع احتاده يف احلكم مع غريه من الديون ،وهذا هو تعقب عثمان ،قال ¬(" :أو دين
سـ ـ ـ ــلم مامل يكن...إخل) الظاهر :أنه ال فرق يف الدين بني دين السـ ـ ـ ــلم وغريه يف وجوب
الزكــاة فيــه ،إن كــان أمثــانــا ،أو لتجــارة ،ويف عــدم الوجوب إن مل يكن كــذلــك .وإن كــان
دين الس ــلم خيالف غريه يف غري ما ذكر ،فما وجه إفراد دين الس ــلم وختصـ ــيص ــه بالقيدت
فليحرر"(.)1
الترجيح:
ذكر الفتوحي ¬ أن األموال اليت جتب فيها الزكاة هي :سـ ـ ـ ــائمة هبيمة األنعام،
واخلار من األرض ،واألمثان ،وعروض التجارة(.)4
فدين السلم الذي يتصور أن جتب فيه الزكاة ال خير من هذه األنواع ،وقد استثىن
الفتوحي ¬ هبيمة األنعام إن كانت دينا من وجوب الزكاة ،واس ـ ــتثىن من دين الس ـ ــلم
األمثان وعروض التجارة ،فبقي مما يتص ـ ـ ــور وجوب الزكاة فيه ،مع كونه يص ـ ـ ــح أن يكون
دين س ـ ـ ـ ـ ـ ــلم :اخلــار من األرض ،ومن املعلوم أن وقــت وجوب إخرا زكــاة اخلــار من
األرض هو وقت اشــتداد احلب ،وبدو صــالح الثمر( ،)1ومن املعلوم أيضــا أنه ال يصــح
بيع الثمرة قبل بدو صالحها ،وال بيع الزرع قبل اشتداد حبه(.)2
فيتبني مما س ـ ـ ـ ــبق :أن الزكاة يف احلبوب والثمار إمنا جتب يف األص ـ ـ ـ ــل على بائعها؛
وذلك لعدم تصـ ــور انتقال ملكها منه إال بعد وجوب زكاهتا ،ومىت وجبت فإهنا تثبت يف
ذمته ال ذمة املشرتي ،قال الفتوحي يف شرحه على املنتهى(" :فلو باع) مالك (احلب أو
الثمرة) أو وهبهمــا (أو تلفــا) أي :احلــب والثمرة (بتعــديــه) أي :املــالــك (بعــد) أي :بعــد
اشـ ـ ــتداد احلب وبدو الصـ ـ ــالح يف الثمرة (مل تسـ ـ ــقك) الزكاة ( ...ويصـ ـ ــح) فيما إذا باع
احلب أو الثمرة (اش ـ ـ ـرتاط اإلخرا ) أي :إخرا الزكاة الواجبة يف املبيع (على مشـ ـ ــرت) يف
األصح؛ للعلم هبا ،فكأنه استثىن قدرها ،ووكله يف إخراجها .حىت لو مل خيرجها املشرتي
وتعذر الرجوع عليه ألزم هبا البائع"(.)3
ويظهر مما س ـ ــبق وجاهة تعقب الش ـ ــيخ عثمان ¬ ،إذ ال فرق بني دين الس ـ ــلم
وغريه من الديون ،إال أن يقال إن املؤلف ذكره للتنبيه على وجوب الزكاة فيه حال كونه
أمثــانــا أو لتجــارة ،ولو كــان احلــال مــا ذكر فــالظــاهر أن األوىل اإلتيــان بــالعبــارة بص ـ ـ ـ ـ ـ ــيغــة
اإلجياب واإلثبات ال النفي ،كص ـ ـ ــنيع ص ـ ـ ــاحب الفروع ،واملبدع ،واإلنص ـ ـ ــاف ،واإلقناع،
واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
اخلالف لفظي.
( )1ينظر :عمدة الفقه (ص ،)37 :واإلقناع ( ،)261 /1وزاد املستقنع (ص ،)75 :ومنتهى اإلرادات (،)473 /1
وعمدة الطالب (ص ،)100 :وشرح املنتهى (.)417 /1
( )2ينظر :اإلقناع ( ،)129 /2ومنتهى اإلرادات ( ،)376 /2ودليل الطالب (ص.)136 :
( )3معونة أويل النهى (.)220 /3
- 153 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
المطلب الثاني :الترتيب بين النذر المعين واألضحية المعينة فيما
يؤخذ من تركة الميت.
صورة المسألة:
ذكر الفتوحي ¬ يف كتاب الزكاة مس ــألة :من مات وعليه زكاة ،وذكر أنه جيب
إخراجها من تركته ،وذكر أهنا إن تزامحت مع دين بال رهن فيتحاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان ،وأما إن كان
على امليت دين برهن ،فيقدم على الزكاة وعلى الدين الذي بال رهن ،بعد أن خير من
الرتكة النذر مبعني مث األضحية املعينة ،ويفهم من عطف الفتوحي األضحية بـ ـ ــ"مث" تقدمي
النذر مبعني عليها ،فهل يقدم النذر املعني على األضحية املعينة يف الوفاء من الرتكةت
القول المتعقب:
يقدم النذر مبعني على األضـ ـ ـ ــحية املعينة يف الوفاء من الرتكة ،وهذا قول الفتوحي،
قال ¬" :ومن مات وعليه زكاة أخذت من تركته ،ومع دين بال رهن وض ـ ـ ـ ـ ـ ــيق مال
يتحاصان ،وبه يقدم بعد نذر مبعني مث أضحية معينة"(.)1
وقد قال هبذا القول صاحب التنقيح( ،)2والغاية( ،)3والروض الندي(،)5()4
( )1منتهى اإلرادات ( ،)448 /1وينظر :معونة أويل النهى (.)176 /3
( )2التنقيح املشبع (ص ،)139 :وعبارته" :إال إذا كان به رهن فيقدم ،وتقدم أضحية معينة عليه ،ويقدم نذر مبعني
عليهما".
( )3ينظر :غاية املنتهى (.)295 /1
( )4مؤلفه هو :الفقيه األصويل الفرضي أمحد بن عبد اهلل بن أمحد احلليب األصل البعلي الدمشقي مفيت احلنابلة يف دمشق،
ولد سنة 1108ه شرح كايف املبتدي وله شرح عمدة كل فارض يف الفرائض وله الذخر احلرير شرح خمتصر التحرير
يف األصول وله غري ذلك من التعليقات يف احلساب والفرائض والفقه .تويف سنة تسع ومثانني ومائة بعد األلف.
النعت األكمل (ص ،)308 :والسحب الوابلة ( ،)173 /1واملدخل البن بدران (ص.)444 :
( )5الروض الندي (ص ،)145 :وعبارته(" :وتقدم أضحية معينة عليه) أي على دين برهن (كـ) تقدمي (نذر مبعني)
على الزكاة واألضحية املعني والدين( ،وكذا لو أفلس حي) وله أضحية معينة ،وعليه نذر معني ،ودين برهن ،فيقدم
النذر املعني ،مث األضحية".
- 154 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
واللبدي(.)1
التعقب:
يس ـ ــتوي النذر مبعني واألض ـ ــحية املعينة يف وجوب الوفاء من الرتكة ،وال يص ـ ــح أن
يقال :إن النذر مبعني يقدم على األض ـ ـ ــحية املعينة ،وهذا هو تعقب عثمان ،قال ¬:
"وال يظهر يل عطف املصنف (األضحية) ب ـ (مث) مع أنه ال ترتيب بني النذر واألضحية،
فتدبر .واهلل أعلم"(.)2
وهذا القول هو ظاهر قول صاحب اإلقناع( ،)3والروض( ،)4وكايف املبتدي(.)5
( )1حاشية اللبدي على نيل املآرب ( ،)117 /1وعبارته" :قوله" :أخذت من تركته" :اعلم أنه يبدأ من تركة امليت ّأوالً
مبؤنة جتهيزه ،مث النذر املعني ،مث األضحية املعنية ،مث الدين بالرهن ،مث الزكاة ،واحلج ،والكفارة ،والنذر املطلق ،والديون
قسم الباقي على الورثة".
حاصة بينها ،مث تنفذ الوصايا ،مث ية َ
املرسلة ،على املة ّ
( )2حاشية املنتهى (.)448 / 1
( )3اإلقناع ( ،)248 /1وعبارته" :فإن كان معها دين آدمي وضاق ماله اقتسموا باحلصص ،إال إذا كان به رهن فيقدم،
وتقدم أضحية معينة عليه ،ويقدم نذر مبعني على الزكاة وعلى الدين".
( )4الروض املربع (ص ،)199 :وعبارته" :فإن وجبت وعليه دين برهن وضاق املال قدم وإال حتاصا ويقدم نذر معني
وأضحية معينة" ،وقال أيضا :يف شرح املنتهى ((" :)399 /1وكذا لو أفلس حي) وله أضحية معينة أو نذر معني
فيخر مث دين برهن مث يتحاص بقية ديونه من زكاته وغريها".
( )5ينظر :الروض الندي شرح كايف املبتدي (ص ،)145 :وعبارته" :وإن كان معها دين آدمي وضاق ماله حتاصوا ،إال
إذا كان به رهن فيقدم ،وتقدم أضحية معينة عليه كنذر مبعني".
( )6ينظر :حاشية املنتهى (.)448 / 1
- 155 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
الترجيح:
لعل األوىل ما ذهب إليه الش ــيخ عثمان ¬؛ وذلك ألنه ال يتص ــور تقدمي واحد
من النذر املعني واألضحية املعينة على اآلخر ،ألنه ال ميكن تزاحم هذين احلقني يف عني
واحدة.
فإن قيل :قد يكون املقصـ ـ ـ ـ ــود ما لو ثبت بدهلما يف الذمة ،كما لو أتلفهما الناذر
أو املض ـ ـ ــحي( ،)1فيقال :الظاهر أن النذر مبعني واألض ـ ـ ــحية املعينة إمنا قدما على غريمها
لتعيينهما ،فاحلق تعلق بأعياهنما ،فلم يص ـ ـ ــح ص ـ ـ ــرفهما إىل غري ذلك احلق املتعلق هبما،
فإن تلفا ،وثبت بدهلما يف الذمة ،عادا مثل غريمها من الديون الواجبة هلل عز وجل الثابتة
يف الذمة ،وصار ال متيز هلما عن غريمها ،واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
اخلالف لفظي.
القول المتعقب:
مراد الفتوحي ¬ يف قوله" :وهي عليهم صــلة أفضــل" ،أن هذه الصــدقة أفضــل
يف حق ذوي الرحم؛ ألهنا مجعت بني كوهنا ص ـ ــدقة وص ـ ــلة ،وهذا يعين أن اخلرب حمذوف
تقديره :ص ـ ـ ـ ــدقة ،و(ص ـ ـ ـ ــلة) عطف عليه ،وفيه حذف املعطوف عليه مع حرف العطف
وإبقاء املعطوف( ،)2وهذا قول منص ـ ـ ـ ـ ــور البهويت ،قال ¬(" :وهي) أي :الص ـ ـ ـ ـ ــدقة،
(عليهم) أي :ذوي رمحه ،صـ ــدقة ،و(صـ ــلة) للخري( ،أفضـ ــل) لقوله تعاىل{ :وبالوالدين
إحسانا وبذي القرىب} [سورة النساء.)3("]36 :
وقد قال هبذا القول الفتوحي يف شرحه( ،)4وصاحب مطالب أويل النهى(.)5
التعقب:
مراد الفتوحي ¬ يف قوله" :وهي عليهم صلة أفضل" ،أن األفضل إعطاء ذوي
الرحم بنية الصـ ـ ـ ــلة ال بنية الصـ ـ ـ ــدقة ،وهذا هو تعقب عثمان ،قال ¬" :قوله( :وهي
عليهم...إخل) هي :مبتدأ عائد على الص ـ ــدقة ،و(عليهم) حال منه ،على رأي س ـ ــيبويه،
و(صلة) خرب .ويف حل منصور البهويت نظر"(.)1
الترجيح:
الفتوحي ¬ فسر كالمه مبا ذهب إليه منصور ¬ ،فلم يبق ترجيح ونظر بعد
تفس ـ ـ ـ ــري ص ـ ـ ـ ــاحب الكالم للمراد من كالمه ،على أنه لوال هذا التفس ـ ـ ـ ــري ،وتعاقب أئمة
املــذهــب رمحهم اهلل على ذكر املعىن الــذي ذهــب إليــه منص ـ ـ ـ ـ ـ ــور ¬( ،)2لكــان لقول
عثمان ¬ حظ من النظر ،واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
من كان عنده مال فاض ــل عن حاجته ،فعلى القول األول :يس ــتحب له دفعه إىل
احملتا من ذوي رمحه ،بنية الصـ ــدقة والصـ ــلة ،وعلى القول الثاين :يسـ ــتحب له دفعه إىل
احملتا من ذوي رمحه ،بنية الصلة ،واهلل أعلم.
القول المتعقب:
إذا رئي اهلالل هنار التاسـع والعشـرين فال يقال بأنه للماضـية ،وال ينسـب للحنابلة
قول بأنه للماض ــية ،ملا يلزم عليه من كون الش ــهر مثانية وعشـ ـرين ،واخلالف عند احلنابلة
إمنا ينص ــرف على اهلالل الذي يرى يوم الثالثني ،وقد نس ــب عثمان هذا القول ملنص ــور
البهويت ،أخــذا من قولــه(" :وإن رأى اهلالل هنــارا فهو لليلــة املقبلــة ،قبــل الزوال) كــانــت
رؤيته (أو بعده ،أول الش ــهر أو آخره ،فال جيب به ص ــوم) إن كان يف أول الش ــهر( ،وال
يباح به فطر) إن كان يف آخره؛ ملا روى أبو وائل( )3قال(( :جاءنا كتاب عمر :¢إن
( )1ينظر :املسائل الفقهية من كتاب الروايتني والوجهني ( ،)254 /1واحملرر ( ،)227 /1والشرح الكبري (،)6 /3
وشرح العمدة البن تيمية -كتاب الصيام ( ،)161 /1والفروع ( ،)413 /4واإلنصاف (.)272 /3
( )2ينظر :الفروع ( ،)413 /4واإلنصاف ( ،)272 /3واإلقناع ( ،)303 /1ومنتهى اإلرادات (.)6 /2
( )3هو :شقيق بن سلمة أبو وائل األسدي الكويف أدرك النيب ‘ ومل يره ومل يسمع منه شيئا مسع عمر ،وعثمان ،وعلي،
وعبد اهلل بن مسعود ،وغريهم من الصحابة ،كان رأسا يف العلم والعمل ،مات يف زمن احلجا ،بعد اجلماجم ،سنة
اثنتني ومثانني .التاريخ الكبري للبخاري ( ،)245 /4ورجال صحيح البخاري ( ،)352 /1واالستيعاب (،)710 /2
وسري أعالم النبالء (.)165 /4
- 160 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
األهلة بعض ـ ــها أكرب من بعض ،فإذا رأيتم اهلالل هنارا فال تفطروا حىت متس ـ ـوا أو يش ـ ــهد
رجالن مس ـ ـ ـ ـ ـ ــلمان أهنما رأياه باألمس عش ـ ـ ـ ـ ـ ــية))( )1رواه الدارقطين ،ورؤيته هنارا ممكنة
لعارض يعرض يف اجلو ويقل به ضــوء الشــمس أو يكون قوي النظر" .تنبيه" :قال شــيخ
اإلسـ ــالم زكريا( )2يف شـ ــرح البهجة :واملراد مبا ذكر -أي :من أنه للمسـ ــتقبلة -دفع ما
قيل إن رؤيته تكون لليلة املاض ـ ـ ـ ـ ــية( .)3انتهى .أي :فال أثر لرؤية اهلالل هنارا ،وإمنا يعتد
بالرؤية بعد الغروب ،قلت :ولعله مراد أصـ ـ ـ ــحابنا؛ لظاهر اخلرب السـ ـ ـ ــابق ،وملا يأيت فيمن
علق طالق امرأتــه لرؤيــة اهلالل ،حيــث قــالوا :فرئي وقــد غربــت( ،)4فعلم منــه أن الرؤيــة
قبل الغروب ال تأثري هلا"(.)5
التعقب:
ميكن إجراء اخلالف يف حكم اهلالل إذا رئي هنار التاس ـ ــع والعشـ ـ ـرين ،وذلك بناء
على تعدد أقوال علماء املذهب يف حكم اهلالل إذا رئي هنارا ،وهذا هو تعقب عثمان،
قال ¬" :قوله( :ولو قبل الزوال) يعين :أنه إذا رئي اهلالل هنار الثالثني ،قبل الزوال
( )1رواه سعيد بن منصور يف سننه ( ،)271 /2باب اإلشارة إىل املشركني والوفاء بالعهد ،ح( ،)2599والدارقطين يف
سننه ( )121 /3باب الشهادة على رؤية اهلالل ح( )2196وقال" :هذا أصح من حديث ابن أيب ليلى .وقد تابع
األعمش ،عن منصور" ،ورواه أبو بكر الشافعي يف كتابه الفوائد الشهري بالغيالنيات ( ،)220 /1باب رؤية اهلالل
لشهر رمضان ح( ،)197ورواه البيهقي يف السنن الكربى ( ،)358 /4باب اهلالل يرى بالنهار ح( ،)7982قال
ابن كثري يف مسند الفاروق (" :)270 /1هذه آثار جيدة وان كان ابراهيم مل يدرك عمر" ،وقال صاحب املنهل
العذب املورود (" :)34 /10أخرجه الدارقطين بسند رجاله ثقات".
( )2هو :زكريا بن حممد بن أمحد بن زكريا الزين األنصاري السنبكي القاهري األزهري الشافعي القاضي ،شيخ اإلسالم،
ولد سنة ست وعشرين ومثامنائة ،أخذ العلم عن مجاعة ،منهم القايايت والعلم البلقيين ،والشرف السبكي ،واحلافظ
ابن حجر ،وغريهم ،الزم التدريس واإلفتاء والتصنيف وانتفع به خالئق ال حيصون ،منهم ابن حجر اهليثمي ،كان
متفننا ألف يف التفسري والقراءات ،والتجويد ،واحلديث ،والفقه وأصوله ،واملنطق ،وغريها ،تويف ¬ سنة مخس
وعشرين وتسعمائة ،وقيل أنه تويف بعدها بسنة .الضوء الالمع ( ،)234 /3وشذرات الذهب (.)186 /10
( )3الغرر البهية يف شرح البهجة الوردية (.)208 /2
( )4ينظر :اإلقناع ( ،)45 /4ومنتهى اإلرادات (.)320 - 319 /4
( )5كشاف القناع (.)303 /2
- 161 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
أو بعده ،فهو للمس ـ ــتقبلة ،ال أنه للماض ـ ــية ،فال ميس ـ ــك إن كان يف ثالثي ش ـ ــعبان ،وال
يفطر إن كان يف ثالثي رمضــان ،وأما إذا رئي هنار التاســع والعشـرين ،فلم يقل أحد بأنه
للماضية ،ملا يلزم عليه من كون الشهر مثانية وعشرين .كذا قرره بعض الشافعية .وترجى
الشيخ منصور البهويت كونه مراد أصحابنا ،واستدل له مبا يأيت يف الطالق ،فيما إذا قال
لزوجته :إن رأيت اهلالل ،فأنت طالق .أهنا ال تطلق ،إال إذا رأته بعد الغروب .فتدبر.
وأقول :ميكن جريان اخلالف يف الص ـ ـ ــورة املذكورة ،وإنه يلزم قض ـ ـ ــاء يوم ،عند من جعله
للماضية .وأما الطالق فمبناه على العرف يف اجلملة .فتدبر"(.)1
الترجيح:
ال يظهر وجاهة تعقب عثمان ¬ ملنصور ،بل وال يفهم من كالمه أنه "إذا رئي
اهلالل هنار التاسع والعشرين ،فال يقال بأنه للماضية ،ملا يلزم عليه من كون الشهر مثانية
وعشـ ـرين" ،ولعل مراد الش ــيخ منص ــور ¬ من نقل كالم الش ــيخ زكريا :التنبيه على أنه
ولو قيل بأن اهلالل لليلة املستقبلة ،فإن رؤيته هنارا ال تثبت هبا الرؤية ،بل يلزم رؤيته بعد
الغروب ،وهــذا مــا يفهم من قولــه" :فال أثر لرؤيــة اهلالل هنــارا ،وإمنــا يعتــد بــالرؤيــة بعــد
الغروب"(.)1
وقد أشار العبادي( )2يف حاشيته على التحفة إىل أن مقصود الشيخ زكريا بكالمه
هو املعىن الذي أشــار إليه الشــيخ منصــور ،فقال ¬(" :قوله :أهنا للماضــية) أي :وال
يثبت ص ــوم الغد أو فطره من غري رؤية يف املس ــتقبلة كما هو ظاهر ،إذ ليس املراد بكونه
للمستقبلة أنه مبنزلة رؤيته فيها ،بل ما ذكره الشارح ،وال بد من رؤيته بالفعل فيها"(.)3
كما أشــار إىل ذات املعىن اخللويت يف حاشــيته على املنتهى فقال" :وهذا مما يقوي
كالم شــيخ اإلســالم زكريا الشــافعي -الســابق يف الصــوم -من أن املراد من قوهلم :اهلالل
هنارا للمقبلة ،أنه دفع ملا قيل أنه يكون للماض ـ ـ ــية؛ ال أنه للمس ـ ـ ــتقبلة حقيقة ،فال
املرئي ً
هنارا كونه للماضية وال للمستقبلة"(.)4
يثبت برؤيته ً
ولعل س ــبب تفس ــري الش ــيخ عثمان لكالم الش ــيخ منص ــور بأن مراده أنه "إذا رئي
اهلالل هنار التاسع والعشرين ،فال يقال بأنه للماضية ،ملا يلزم عليه من كون الشهر مثانية
وعش ـ ـ ـ ـرين" هو :ما نقله اخللويت من كالم الش ـ ـ ــيخ زكريا ،فإنه قد نقل نص كالمه ،ونقل
كالما مل يورده الشيخ منصور ،ولعل الشيخ عثمان أخذ نسبة القول للشيخ منصور من
كالم الش ــيخ زكريا الذي يلي العبارة اليت نقلها الشـ ــيخ منصـ ــور ،ونص نقل اخللويت هو:
"قوله( :للمقبلة) عبارة ش ـ ــيخ اإلس ـ ــالم زكريا األنص ـ ــاري الش ـ ــافعي عند قول منت البهجة
(واملراد بالنهار للمستقبلة)" :واملراد مبا ذكر دفع ما قيل إن رؤيته يوم الثالثني يكون لليلة
املاضية ،وأما رؤيته يوم التاسع والعشرين فلم يقل أحد إهنا للماضية ،لئال يلزم أن يكون
الشهر مثانية وعشرين"(.)1
هنارا ،فلو ةرؤي فيه يوم الثالثني ،ولو
وعبارته يف املنهج وش ـ ـ ـ ـ ـ ــرحه" :وال أثر لرؤيته ً
قبل الزوال مل يفطر ،إن كان يف ثالثني رمضــان ،وال ميســك إن كان يف ثالثني شــعبان".
. .إخل ما ذكر(.)2
قال ش ـ ـ ــيخنا" :ولعل هذا مراد أص ـ ـ ــحابنا ،بدليل ما ذكروه يف باب تعليق الطالق
بالش ـ ـ ـ ـ ـ ــروط فيمن قال لزوجته :إن رأيت اهلالل فأنت طالق ،حيث قالوا :إن رأته وقد
غربت الشمس طلقت ،فإن تقييد الرؤية بكوهنا بعد الغروب يدل على أنه ال أثر لرؤيتها
هنارا" فتدبر "(.)3
له ً
ثمرة الخالف:
إذا رئي اهلالل هنار التاس ـ ــع والعش ـ ـ ـرين قبل الزوال ،فعلى القول األول :ال خالف
يف املذهب على أن هذا اهلالل ليس لليلة السابقة ،وعلى القول الثاين :حيتمل أن يكون
هذا اهلالل لليلة الس ـ ـ ـ ـ ـ ــابقة ،وذلك إذا أخذنا بالقول الذي يرى بأن اهلالل إن رئي قبل
الزوال فهو لليلة السابقة.
القول المتعقب:
الكاف يف قول الفتوحي ¬" :كس ـ ـ ـ ــفر" هي للتش ـ ـ ـ ــبيه والتنظري ،فال يدخل ما
بعدها فيما قبلها ،فال يكون الســفر من األعذار املعتادة اليت تســقك الكفارة عن العاجز
عن الصوم ،وهذا قول تا الدين البهويت ،فيما نقله عنه الشيخ عثمان عند شرحه لقول
الفتوحي" :ومن عجز عنه لكرب ،أو مرض ال يرجى برؤه أفطر ،وعليه ال مع عذر معتاد
كس ــفر عن كل يوم ملس ــكني ما جيزئ يف كفارة" قال ¬(" :كس ــفر) تنظري ال متثيل،
بل هو تشبيه"(.)1
التعقب:
الكاف يف قول الفتوحي ¬" :كس ـ ـ ـ ـ ـ ــفر" هي للتمثيل ،فيدخل ما بعدها فيما
قبلها ،فيكون الس ـ ــفر من األعذار املعتادة اليت تس ـ ــقك الكفارة عن العاجز عن الص ـ ــوم،
وهذا هو تعقب عثمان ،قال ¬" :قوله( :أفطر) أي :جاز له ذلك .قوله( :كس ـ ــفر)
يعين :أنه إذا سافر الكبري العاجز عن الصوم ،أو م ِرض ،فال فدية عليه؛ ألنه أفطر بعذر
معتاد ،وال قضاء لعجزه عنه.
ومن تقريرنا علمت أن الكاف يف قوله( :كس ــفر) للتمثيل ال للتنظري .واطه على
قوله( :كسفر) تنظري ال متثيل ،بل هو تشبيه .تا الدين البهويت .وفيه نظر"(.)2
وقد قال هبذا القول ص ــاحب الفروع( ،)1واملبدع( ،)2واإلنص ــاف( ،)3واإلقناع(،)4
ومعونة أويل النهى( ،)5والروض( ،)6وكشف املخدرات(.)7
الترجيح:
ال شك أن الراجح هو ما ذهب إليه عثمان ¬؛ وذلك ألن السفر من األعذار
اليت نصت عليها آية الصيام ،وذلك يف قوله تعاىل { :ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ
ﭼ ﭽ ﭾﭿﮀ } [سورة البقرة ،]184:كما أن تفسري املؤلف( )8يوافق ما ذهب إليه
عثمان ¬ ،واملؤلف هو أعلم الناس مبراده.
ثمرة الخالف:
لو س ــافر من عجز عن الص ــوم لكرب ،أو مرض ال يرجى برؤه ،فعلى القول األول:
تلزمه الكفارة ،وعلى القول الثاين :تسقك عنه الكفارة.
القول المتعقب:
ال يصـ ـ ــح احلج الذي تقوي على أدائه بأكل حمرم ،وقد نسـ ـ ــب عثمان ¬ هذا
القول ملنصــور البهويت ،أخذا من قوله(" :ولو تقوى على أداء عبادة) من صــالة أو صــوم
وحنوه (بأكل حمرم صحت) عبادته؛ ألن النهي ال يعود إىل العبادة وال إىل شروطها ،فهو
إىل خار عنها وذلك ال يقتض ــي فس ــادها ،لكن لو حج بغص ــب عاملا ذاكرا ،مل يص ــح
حجه على املذهب"(.)2
التعقب:
يص ـ ـ ـ ـ ـ ــح احلج الـذي تقوى على أدائـه بـأكـل حمرم ،وهـذا هو تعقــب عثمــان ،قـال
¬" :فائدة :قال يف اإلقناع :ولو تقوى على أداء عبادة بأكل حمرم صـ ـ ــحت .قال يف
شرحه :ألن النهي ال يعود إىل العبادة ،وال إىل شروطها ،فهو إىل خار عنها ،وذلك ال
يقتضي فسادها ،لكن لو حج بغصب عاملا ذاكرا مل يصح حجه على املذهب .انتهى.
وكأنه يش ــري إىل أن كالم اإلقناع ليس على إطالقه ،بل يس ــتثىن من العبادات احلج ،فإذا
اس ـ ــتعان عليه بأكل حمرم؛ مل يص ـ ــح حجه .كما قال يف املنتهى( :أو حج بغص ـ ــب عاملا
ذكرا) وفيه نظر؛ فإن االس ـ ـ ـ ـ ـ ــتعانة بأكل احلرام على الص ـ ـ ـ ـ ـ ــالة أو احلج عائدة فيهما إىل
خار ،فإذا صــحت الصــالة مع كوهنا آكد من احلج؛ فألن يصــح احلج أوىل .فاألظهر:
بقاء كالم اإلقناع على عمومه ،ومحل كالم املنتهى على ما إذا طاف طواف الفرض يف
( )1ينظر :الفروع ( ،)48 /2واإلنصاف ( ،)460 /1اإلقناع ( ،)98 /1وغاية املنتهى (.)150 /1
( )2كشاف القناع (.)297 /1
- 169 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
ســرتة مغصــوبة ،أو وقف ،أو ســعى على دابة مغصــوبة ،فإن ذلك ال يصــح ،كالصــالة،
أما األكل؛ فهو خار فيهما .فتدبر"(.)1
وهذا القول هو ظاهر قول ص ـ ـ ـ ـ ـ ــاحب الفروع( ،)2واإلنص ـ ـ ـ ـ ـ ــاف( ،)3واإلقناع(،)4
والغاية(.)5
الترجيح:
القول الــذي ذكره عثمــان رمحــه اهلل هو املــذهــب ،والــذي يظهر أن نس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبــة القول
األول ملنص ــور ¬ حمل نظر ،إذ كالمه ال يدل على ما ذكره الش ــيخ عثمان ،وغاية ما
ذكره الشــيخ منصــور ¬ أنه نبه على مســألة احلج بغصــب ،فال يفهم من قوله" :لكن
لو حج بغص ــب عاملا ذاكرا ،مل يص ــح حجه على املذهب"( )1أنه يريد بذلك االس ــتعانة
على احلج بأكل حمرم ،ومما يؤيد ذلك أنه نقل عبارة املنتهى بنصـ ـ ـ ـ ـ ــها( ،)2وعبارة املنتهى
حممولة على احلج مبال أو حيوان مغص ـ ــوب( ،)3ومما يؤيد ذلك أيض ـ ــا نس ـ ــبته هذا القول
إىل امل ـ ــذه ـ ــب ،وال ـ ــذي ذكره علم ـ ــاء امل ـ ــذه ـ ــب رمحهم اهلل هو احلج مب ـ ــال أو حيوان
مغصـ ـ ــوب( ،)4ومل يتكلموا عن االسـ ـ ــتعانة على احلج بأكل حمرم ،ولذا فال يظهر وجاهة
تعقب عثمان ¬ ،واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
من تقوى على أداء احلج بأكل حمرم فال يص ـ ـ ـ ـ ـ ــح حجه على القول األول ،وعلى
القول الثاين يصح.
القول المتعقب:
يص ـ ـ ــح ذكر فدية الوطء يف العمرة يف قس ـ ـ ــم الفدية اليت على الرتتيب ،وعلى هذا
يدل ص ـ ــنيع الفتوحي ،قال ¬" :الض ـ ــرب الثاين :مرتبا ،وهو ثالثة أنواع"( ،)3مث قال:
"الثالث :فدية الوطء ،وجيب به يف حج قبل التحلل األول بدنة ،فإن مل جيدها ص ـ ـ ـ ـ ـ ــام
عشرة أيام ثالثة فيه وسبعة إذا رجع ،ويف عمرة شاة"(.)4
وممن ذكر فدية الوطء يف العمرة يف قس ـ ـ ـ ـ ـ ــم الفدية اليت على الرتتيب ،ابن قدامة
¬ يف املقنع( ،)5وصاحب اإلقناع( ،)6والغاية(.)7
التعقب:
ال يس ـ ـ ـ ــتقيم ذكر فدية الوطء يف العمرة يف قس ـ ـ ـ ــم الفدية اليت على الرتتيب ،وكان
األحس ــن إس ــقاط ذكرها هنا ،أو التصـ ـريح بأهنا كفدية األذى ،وهذا هو تعقب عثمان،
قال ¬" :لكن ذكر املص ـ ــنف لفدية العمرة يف قس ـ ــم الرتتيب يوهم خالف ذلك ،إال
أن يقــال :املقص ـ ـ ـ ـ ـ ــود إمنــا هو فــديــة احلج قبــل التحلــل؛ ألنــه املرتتــب ،وغريه ذكر بطريق
التبعيــة ،تتميمــا ملــا جيــب يف العمرة ال لكون واجبهــا مرتبــا ،وهلــذا مل يتعرض ملــا إذا عــدم
الش ـ ـ ـ ـ ـ ــاة ،كما مل يتعرض ملا إذا عدم البدنة ،مع أن واجب العمرة قد قدمه يف حمظورات
اإلحرام ،فكان األحسن إسقاطه هنا ،أو التصريح بأنه كفدية األذى"(.)1
الترجيح:
ما ذكره الش ـ ــيخ عثمان ¬ متجه ،وذلك ملا نصـ ـ ـوا عليه من أن فدية الوطء يف
العمرة تلحق بفدية األذى ،وهي على التخيري( ،)2فذكر الفتوحي هلا يف قس ـ ـ ـ ـ ـ ــم الفدية
اليت على الرتتيب قد يش ــكل ،وتص ــديره للقس ــم بقوله "فدية الوطء" يزيد االلتباس ،ولو
قال "فدية الوطء يف احلج" مثال ،مث ذكر بعده فدية العمرة إحلاقا فقد يكون أبعد عن
اإليهام ،واهلل أعلم.
وميكن أن يعتذر للفتوحي ¬ بأنه نقل هذه العبارة من املقنع ،وذكر املقنع هلا
يف قس ـ ـ ـ ـ ـ ــم الفدية اليت على الرتتيب إمنا جاء تتميما واس ـ ـ ـ ـ ـ ــتطرادا ،قال يف املقنع" :النوع
الثالث :فدية الوطء جتب به بدنة ،فِإن مل جيدها صام عشرة أيام ،ثالثة يف احلج وسبعة
إِذا رجع ،كدم املتعة؛ لقضاء الصحابة ٪به.
وقال القاض ــي :إِن مل جيد البدنة أخر بقرة ،فِإن مل جيد فس ــبعاً من الغنم ،فِإن مل
جيد أخر بقيمتها طعاماً ،فِإن مل جيد صام عن كل مد يوماً ،وظاهر كالم اخلرقي( )3أنه
خمري يف هذه اخلمسة فبأيها كفر أجزأه.
وجيب بالوطء يف الفر بدنة إِن كان يف احلج وشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاة إِن كان يف العمرة .وجيب
على املرأة مثل ذلك إِن كانت مطاوعة ،وإِن كانت مكرهة فال فدية عليها ،وقيل يلزمها
كفارة يتحملها الزو عنها"(.)1
ثمرة الخالف:
اخلالف لفظي.
القول المتعقب:
يص ــح األخذ بقول قاتل الص ــيد عمدا يف تقدير جزاء ص ــيده إن تاب ،وهذا قول
منص ـ ــور البهويت ،قال ¬ عند ش ـ ــرحه لقول الفتوحي" :النوع الثاين :ما مل تقض فيه،
ويرجع فيه إىل قول عدلني خبريين .وجيوز كون القاتل أحدمها أو مها .ابن عقيل :خطأ
أو حلــاجــة أو جــاهال حترميــه .املنقح( :)3وهو قوي ولعلــه مرادهم ألن قتــل العمــد ينــايف
العدالة"( )4قال(":ألن قتل العمد ينايف العدالة) إن مل يتب ،وهي شرط احلكم"(.)5
( )1ينظر :الكايف ( ،)501 /1والشرح الكبري ( ،)352 /3وشرح العمدة البن تيمية -كتاب احلج (،)286 /2
والفروع ( ،)495 /5واملبدع ( ،)177 /3واإلنصاف ( ،)540 /3والتنقيح املشبع (ص ،)186 :واإلقناع (/1
،)374ومنتهى اإلرادات (.)129 /2
( )2ينظر :الشرح الكبري ( ،)353 /3وشرح العمدة البن تيمية -كتاب احلج ( ،)288 /2والفروع ( ،)495 /5واملبدع
( ،)177 /3والتنقيح املشبع (ص ،)186 :واإلنصاف ( ،)540 /3واإلقناع ( ،)374 /1ومنتهى اإلرادات (/2
.)129
( )3التنقيح املشبع (ص.)186 :
( )4منتهى اإلرادات (.)129 /2
( )5شرح املنتهى (.)562 /1
- 175 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
وهذا القول هو ظاهر قول ابن قدامة( ،)1ونص عليه ابن تيمية( ،)2وصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاحب
الغاية( ،)3وهو ظاهر قول صاحب كايف املبتدي(.)4
التعقب:
ال يص ـ ــح األخذ بقول قاتل الص ـ ــيد عمدا يف تقدير جزاء ص ـ ــيده حىت وإن تاب،
وهــذا هو تعقــب عثمــان ،قــال ¬(" :ينــايف العــدالــة) أي :إن مل يتــب ،وهي ش ـ ـ ـ ـ ـ ــرط
احلكم .شرح .ويف التقييد شيء؛ ألنه متهم وإن تاب .فتأمل"(.)5
الترجيح:
لعل الراجح هو ما ذهب إليه الشـ ـ ـ ـ ـ ــيخ منصـ ـ ـ ـ ـ ــور ¬؛ وذلك ألن علة املنع من
األخذ بقول قاتل الصـ ـ ــيد عمدا يف تقدير جزاء صـ ـ ــيده إمنا هو ألجل فسـ ـ ــقه ،وقد نص
على ذلك ابن عقيل والش ـ ـ ـ ــارح وغريهم( ،)1فلما زال الفس ـ ـ ـ ــق بالتوبة زال أثره وهو عدم
األخذ بقوله.
وأما ما ذكره الش ــيخ عثمان ¬ من وجود التهمة ،فالتهمة موجودة فيمن ص ــاد
خطأ مثلما هي موجودة فيمن صاد عمدا ،ولو قلنا باملنع للتهمة للزم إغالق هذا الباب
كله ،واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
إذا قتل احملرم صـ ـ ـ ـ ـ ــيدا عمدا ،مث تاب ،وكان خبريا يف تقدير جزاء الصـ ـ ـ ـ ـ ــيد ،فعلى
القول األول :يص ـ ــح األخذ بقوله يف تقدير جزاء ص ـ ــيده ،وعلى القول الثاين :ال يص ـ ــح
األخذ بقوله يف ذلك.
( )1ينظر :الشرح الكبري ( ،)353 /3وشرح العمدة البن تيمية -كتاب احلج ( ،)288 /2والفروع ( ،)495 /5واملبدع
( ،)177 /3والتنقيح املشبع (ص ،)186 :واإلنصاف ( ،)540 /3واإلقناع ( ،)374 /1ومنتهى اإلرادات (/2
.)129
- 177 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
المطلب الرابع :إعادة الطواف والسعي من المتمتع الذي علم أحد
طوافيه بال طهارة.
صورة المسألة:
قــال الفتوحي ¬" :وإن فرغ متمتع ،مث علم أحــد طوافيــه بال طهــارة ،وجهلــه،
لزمه األشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ،وهو جعله للعمرة ،فال حيل حبلق ،وعليه به دم ،ويص ـ ـ ـ ـ ـ ــري قارنا ،وجيزئه
الطواف للحج عن النسكني ،ويعيد السعي"(.)1
فقوله ¬" :وجيزئه الطواف للحج عن النســكني ،ويعيد الســعي" ،هل املراد منه
اإللزام بإعادة الطواف والسعي ،أم إعادة السعي فقكت
القول المتعقب:
يلزم املتمتع الذي علم أحد طوافيه بال طهارة إعادة الس ـ ـ ــعي دون إعادة الطواف،
وه ــذا قول الفتوحي ،ق ــال ¬ "وإن فرغ متمتع ،مث علم أح ــد طوافي ــه بال طه ــارة،
وجهله ،لزمه األش ـ ـ ـ ـ ـ ــد ،وهو جعله للعمرة ،فال حيل حبلق ،وعليه به دم ،ويص ـ ـ ـ ـ ـ ــري قارنا،
وجيزئه الطواف للحج عن النسكني ،ويعيد السعي"(.)2
وقد قال هبذا القول ابن قدامة( ،)1والش ـ ـ ـ ـ ـ ــارح( ،)2وص ـ ـ ـ ـ ـ ــاحب اإلنص ـ ـ ـ ـ ـ ــاف(،)3
واإلقناع( ،)4والغاية( ،)5ومصباح السالك( ،)6ومفيد األنام(.)7
التعقب:
ال يصــح إلزام املتمتع الذي علم أحد طوافيه بال طهارة بإعادة الســعي دون إعادة
الطواف ،بل األوىل أن يلزم بإعادة طوافه وس ـ ـ ـ ـ ـ ــعيه ،وتكون عبارة املنت" :ويعيد الطواف
والســعي ،وجيزئان عن النســكني" ،أو أن يقال إن ســعيه صــحيح وال تلزمه إعادته ،وهذا
هو تعق ــب عثم ــان ،ق ــال ¬" :إذا فرغ املتمتع من أفع ــال عمرت ــه وحج ــه ،فق ــد أتى
بطوافني وس ـ ـ ـ ـ ـ ــعيني ،فإذا تذكر أن أحد طوافيه بال طهارة وجهله ،فلم يعلم أهو طواف
العمرة أم طواف احلجت فــإنــا نلزمــه بــالعمــل بــاألحوط ،وهو األش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد عليــه ،ليخر من
العهدة بيقني .فباعتبار أنه إذا قدر الفاس ـ ــد هو طواف العمرة :فس ـ ــد س ـ ــعيها ،ولزمه دم
حللقها ،وص ـ ـ ـ ـ ـ ــار قارنا إلحرامه باحلج قبل طواف عمرته ،نلزمه التزام ذلك .وباعتبار أنه
إذا قدر الفاســد هو طواف احلج :يفســد ســعيه فقك ،نلزمه التزام ذلك أيضــا .فيتلخص
من ذلك :أنه يعيد طواف احلج وس ـ ـ ــعيه ،وجيزئانه عن النس ـ ـ ــكني ،ويلزمه دمان أحدمها:
حللقه ،واآلخر :لقرانه أو لتمتعه .فقد عاملناه باألحوط ،وهو األشد عليه باالعتبارين.
وعبارة املصـ ــنف كاإلقناع ظاهرة يف أن األشـ ــد هو :اعتبار كون الطواف الفاسـ ــد،
طواف العمرة ال غري ،وأنه جيزئه طواف احلج عن النس ـ ـ ـ ـ ـ ــكني ،وإذا كان كذلك ،فينبغي
أن جيزئه السـعي أيضـا عن النسـكني ،لوقوعه بعد طواف احلج املقدرة صـحته ،فال يظهر
حينئذ وجه قوله( :ويعيد الس ـ ـ ـ ــعي) ،وحيتمل أن مراده بقوله( :وجيزئه الطواف للحج عن
النسكني) أي :الطواف الذي يأيت به بعد التذكر.
قوله( :ويعيد الس ــعي) أي :س ــعي احلج ،جلواز كونه بعد طواف فاس ــد ،لكن كان
حق العبارة أن يقول :ويعيد الطواف والس ـ ـ ــعي ،وجيزئان عن النس ـ ـ ــكني .فتأمل ذلك وال
تستعجل"(.)1
وقد قال بلزوم إعادة الطواف والس ـ ـ ـ ــعي البهويت( ،)2وذكر ص ـ ـ ـ ــاحب الغاية اجتاها
بندب إعادة الطواف( ،)3ومال شارحها إىل لزوم اإلعادة(.)4
والقول بعدم لزوم إعادة الطواف والس ـ ـ ــعي ذكره اخللويت يف حاش ـ ـ ــيته على اإلقناع
حبثا ،مث قال" :وقد يقال بإعادته احتياطا"(.)5
الترجيح:
الذي يظهر أن القول بإعادة الطواف والســعي أخذا باالحتياط هو األوىل؛ وذلك
ألنه مل يتيقن كون هذا الطواف قد حص ـ ـ ـ ـ ـ ــل بطهارة ،وألنه ميكنه تدارك الس ـ ـ ـ ـ ـ ــهو وأداء
فرضـ ــه بيقني ،فوجب ذلك ،وقياسـ ــا على من اشـ ــتبه عليه ثياب حمرمة بثياب مباحة ،أو
اش ـ ـ ـ ـ ـ ــتبهت عليه بقع جنس ـ ـ ـ ـ ـ ــة ببقع طاهرة وأراد الص ـ ـ ـ ـ ـ ــالة( ،)3ومن أدى أربع أو ثالث
سجدات من ثالث ركعات( ،)4وكما لو نسي صالة من يوم ال يعلم عينها(.)5
وألهنم اتفقوا على أنه يعامل باألش ــد ،واألش ــد أن يقض ــي طواف العمرة وطواف
احلج ،فلما تعذر قضاء طواف العمرة لفوات وقته ،بقي قضاء طواف احلج.
والقول بإعادة السـعي وحده دون الطواف اسـتشـكله الشـيخ عثمان ¬ ،وذلك
أن طواف احلج قد قدر كونه ص ـ ـ ـ ـ ـ ــحيحا ،فتعليل اإللزام بإعادة الس ـ ـ ـ ـ ـ ــعي ألنه وقع بعد
طواف غري معتد به غري ظاهر.
وقد يقال يف اجلواب على هذا اإلشكال :أن السعي الذي يلزم إعادته هو السعي
الذي وقع بعد طواف العمرة ،ال السعي الذي وقع بعد طواف احلج ،وذلك ألن السعي
الذي وقع بعد طواف العمرة قد ختلف فيه شرط من شروط السعي ،وهو أن يكون بعد
طواف معتد به ،وأما الس ـ ـ ـ ـ ـ ــعي الذي وقع بعد طواف احلج ،فإن املتمتع حني أدى هذا
السعي كان ينوي به احلج فقك دون العمرة ،ولذا مل يقع عن العمرة ،وإمنا وقع عن احلج
فقك ،والس ـ ـ ـ ـ ـ ــعي حىت يكون جمزئا عن احلج والعمرة يلزم أن ينوي فيه أداء واجب احلج
والعمرة ،وقد أشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار ابن رجب ¬ إىل هذا فقال(" :القاعدة الثامنة عش ـ ـ ـ ـ ـ ــر) :إذا
اجتمعت عبادتان من جنس يف وقت واحد ليس ـ ــت إحدامها مفعولة على جهة القض ـ ــاء
وال على طريق التبعية لألخرى يف الوقت تداخلت أفعاهلما ،واكتفى فيهما بفعل واحد،
وهو على ضربني:
(أحدمها) :أن حيصــل له بالفعل الواحد العبادتان مجيعا فيشــرتط أن ينويهما مجيعا
على املش ـ ـ ـ ـ ـ ــهور ،ومن أمثلة ذلك ( ....ومنها) القارن إذا نوى احلج والعمرة كفاه هلما
طواف واحد وســعي واحد على املذهب الصــحيح"( ،)1وأشــار أيضــا صــاحب الغاية إىل
هذا املعىن ،فقال يف شروط السعي" :ونية معينة"(.)2
ويش ـ ـ ـ ـ ـ ــكل على هذا اجلواب :أنه يلزم منه أن ينوي يف طواف احلج أن يكون عن
العمرة واحلج ،وأش ــار أيض ــا يف املقنع إىل هذا املعىن ،فقال" :مث يفيض إِىل مكة ويطوف
للزيارة ،ويـة َعيِّنه بالنية ،وهو الطواف الواجب الذي به متام احلج"( ،)3وقال ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاحب
الغاية يف شروط الطواف" :ونية معينة"(.)4
تنبيه :قول صاحب املنتهى وغريه" :وعليه به دم"( )1ال يقصد به خصوص الدم،
بل يقص ــد أن عليه فدية األذى ،قال الش ــيخ ابن عثيمني ¬" :مث اعلم أن العلماء يف
حمظورات اإلحرام إذا قــالوا :دم يف مثــل هــذا ،فال يعنون أن الــدم متعني ،بــل هو أحــد
أمور ثالثة:
األول :الدم.
الثاين :إطعام ستة مساكني ،لكل مسكني نصف صاع.
الثالث :ص ـ ـ ـ ـ ــيام ثالثة أيام ،إال اجلماع يف احلج قبل التحلل األول ،فإن فيه بدنة،
وإال جزاء الصيد فإن فيه مثله"(.)2
ثمرة الخالف:
املتمتع الذي علم أحد طوايف العمرة واحلج بال طهارة ،يلزمه مع فدية األذى على
القول األول :إع ــادة الس ـ ـ ـ ـ ـ ــعي دون إع ــادة الطواف ،وعلى القول الث ــاين :يلزم ــه إع ــادة
الطواف والس ـ ـ ـ ــعي ،وعلى االحتمال الثالث الذي ذكره الش ـ ـ ـ ــيخ عثمان :ال يلزمه إعادة
الطواف وال إعادة السعي.
القول المتعقب:
عبــارة الفتوحي تــدل على أن من عني هــديــا مل يعلم عيبــه مل يتعني ،وهــذا قول
منصـ ـ ـ ــور البهويت ،قال ¬"(وإن عني) يف هدي أو أضـ ـ ـ ــحية (معلوم عيبه تعني) كعتق
معيب عن كفارته .وظاهره :ولو عني ما مل يعلم عيبه ،مل يتعني"(.)2
التعقب:
عبــارة الفتوحي ال تــدل على أن من عني هــديــا مل يعلم عيبــه مل يتعني ،بــل تــدل
على أنه يتعني ،س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـواء علم العيب أم مل يعلمه ،وهذا هو تعقب عثمان ،قال ¬:
"قوله( :وإن عني معلوم عيبه...إخل) فإن مل يعلم عيبه ،تعني أيض ـ ــا بدليل ما بعده ،فهو
مفهوم موافقة ،خالفا ملا يف شرح منصور البهويت"(.)3
الترجيح:
الــذي يظهر أن الراجح هو مــا ذهــب إليــه عثمــان ¬ ،ويــدل على ذلــك متــام
عبــارة الفتوحي ¬ ،فــإنــه قــال" :وإن عني معلوم عيبــه تعني ،وكــذا عمــا يف ذمتــه ،وال
جيزئه .وميلك رد ما علم عيبه بعد تعيينه ،وإن أخذ األرب فكفاضـ ــل من قيمة"( ،)2قال
يف ش ـ ـ ــرحه(" :وميلك) من عني معيبا جيهل عيبه (رد ما علم عيبه بعد تعيينه) فيخري بني
رده أو أخذ أرشه( .وإن أخذ األرب فـ) حكمه (كفاضل من قيمة) يف األصح"(.)3
فقوله" :وإن أخذ األرب فكفاض ـ ـ ـ ــل من قيمة" هو دليل على أثر نية التعيني ،فلو
مل ميكن لنية التعيني أثر ملا لزمه يف أرشه كفاضل من قيمة.
والبهويت ¬ أشـار إىل أنه لو اسـرتجع الثمن فال ميلك التصـرف فيه ،وهذا أيضـا
يدل على أثر نية التعيني ،قال ¬(" :وميلك) من اش ـ ـ ـ ـ ـ ــرتى معيبا جيهله وعينه (رد ما
علم عيبه بعد تعينه) ،كما ميلك أخذ أرش ـ ــه( ،وإن أخذ األرب فهو كفاض ـ ــل من قيمة)
على ما يأيت تفصيله .قلت :وكذا لو اسرتجع الثمن"(.)4
وقال يف حكم الفاض ــل من الثمن(" :وإن فض ــل عن شـ ـراء املثل ش ــيء) من قيمة
وجبت لرخص ،بأن كان املتلف شــاة مثال تســاوي عشــرة ورخصــت الغنم حبيث يســاوي
مثلها مخسة( ،اشرتى به) أي :الفاضل عن شراء املثل (شاة ،أو) اشرتى به (سبع بدنة
أو بقرة) إن أمكن ،وإن ش ـ ــاء اش ـ ــرتى بالعش ـ ــرة كلها ش ـ ــاة( ،فإن مل يبلا) الفاض ـ ــل مثن
شيء من ذلك (تصدق به) أي :الفاضل( ،أو) تصدق (بلحم يةشرتى به كـ ـ) ـ ـما يفعل
( )1ينظر :حاشية املنتهى ( ،)188 / 2ولعل عثمان يقصد قول الفتوحي" :وميلك رد ما علم عيبه بعد تعيينه ،وإن أخذ
األرب فكفاضل من قيمة".
( )2منتهى اإلرادات ()188 /2
( )3معونة أويل النهى (.)285 /4
( )4شرح املنتهى (.)606 /1
- 185 -
الفصل األول :التعقبات يف العبادات.
ذلك ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ (أرب جناية عليه) أي :املعني من هدي أو أض ـ ـ ـ ـ ـ ــحية .بأن فقأ عينها أو
حنوها"(.)1
ثمرة الخالف:
لو عني رجل هديا معيبا ،ومل يعلم هذا العيب إال بعد التعيني ،فعلى القول األول
ال يتعني هذا اهلدي ،وعلى القول الثاين يتعني.
القول المتعقب:
ال يص ـ ــح بيع املاء املتنجس ،وهذا قول منص ـ ــور البهويت ،قال ¬" :تنبيه :ظهر
مما ســبق أن جناســة املاء حكمية ،وصــوبه يف اإلنصــاف( ،)1وذكره الشــيخ تقي الدين يف
الفروع()3 ش ــرح العمدة( )2ألنه يطهر غريه ،فنفسـ ــه أوىل وأنه كالثوب النجس ،ونقل يف
عن بعض ـ ـ ــهم :أنه يص ـ ـ ــح بيعه ،قلت :وهو بعيد إذ جناس ـ ـ ــة اخلمر حكمية ،وال يص ـ ـ ــح
بيعه"(.)4
وهذا القول هو ظاهر قول صاحب الفروع(.)5
التعقب:
جيوز بيع املــاء املتنجس ،وهــذا هو تعقــب عثمــان ،قــال ¬" :وأقول :قــد يفرق
بينــه وبني اخلمر؛ بــأن املــاء ميكن تطهريه بفعــل اآلدمي ،فهو كــالثوب النجس ،االف
اخلمر ،فإهنا ال تطهر إال باالنقالب بنفسها"(.)6
وهــذا القول هو ظــاهر قول اجملــد( ،)1وابن تيميــة( ،)2وصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاحــب احلــاوي(،)3
واإلنص ـ ـ ـ ـ ــاف( ،)4واإلقناع( ،)5وقد نقل ص ـ ـ ـ ـ ــاحب الفروع عن بعض احلنابلة القول هبذا
القول ،فقال" :وذكر بعض أصحابنا يف كتب اخلالف :أن جناسته جماورة سريعة اإلزالة،
ال عينية ،فلهذا جيوز بيعه"(.)6
الترجيح:
ما ذكره الشـ ــيخ منصـ ــور ¬ هو األصـ ــل يف بيع النجسـ ــات( ،)2إال أن احلنابلة
رمحهم اهلل اس ــتثنوا من النجس ــات ما ميكن تطهريه ،فقد نص ـ ـوا على جواز بيعه وش ـ ـرائه،
قـال يف احلـاوي" :كـل جنس ميكن تطهريه ،كـالثوب املغموس يف البول وحنوه :جيوز بيعـه
قوال واحدا ،إال جلود امليتة قبل دباغها"( ،)3وقال يف اإلنصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاف" :وقيل :جيوز بيعها
(أي :األدهان النجس ـ ـ ـ ــة) إن قلنا تطهر بغس ـ ـ ـ ــلها ،وإال فال .قاله يف الرعاية .قلت :هذا
املــذهــب .وال حــاجــة إىل حكــايتــه قوال .وهلــذا قــال يف احملرر ،واحلــاويني ،وغريهم على
القول بــأهنــا تطهر جيوز بيعهــا"( ،)4وقــال يف اإلقنــاع" :ويص ـ ـ ـ ـ ـ ــح بيع جنس ميكن تطهريه
كثوب وحنوه"( ،)5قال البهويت يف شرحه" :كإناء؛ ألنه ينتفع به بعد تطهريه"(.)6
( )1ينظر :شرح العمدة البن تيمية -كتاب الطهارة (ص ،)64 :وجمموع الفتاوى ( ،)512 /21والفروع (،)86 /1
واإلنصاف ( ،)63 /1وحاشية املنتهى ( ،)20 / 1ومطالب أويل النهى ( ،)43 /1وحاشية الروض املربع (/1
.)88
( )2ينظر :اهلداية (ص ،)228 :والكايف ( ،)6 /2و احملرر ( ،)284 /1والفروع ( ،)128 /6واملبدع (،)14 /4
واإلنصاف ( ،)280 /4واإلقناع ( ،)61 /2منتهى اإلرادات (.)256 /2
( )3احلاوي (.)724 /2
( )4اإلنصاف ( ،)281 /4وينظر :مطالب أويل النهى (.)43 /1
( )5اإلقناع (.)61 /2
( )6كشاف القناع (.)156 /3
- 191 -
الفصل الثاين :التعقبات يف املعامالت املالية.
فهذه النصـ ـ ــوص املنقولة أفادت النهي عن بيع النجسـ ـ ــات اليت ال ميكن تطهريها،
وجواز بيع ما ميكن تطهريه ،وال ش ــك أن املاء ميكن تطهريه ،وقد ذكر احلنابلة يف كتاب
الطهارة ما حيصل به تطهري املاء(.)1
وإمكان تطهريه فيه رد على من قال إن جناس ـ ـ ـ ـ ـ ــته عينية( ،)2إذ لو كانت عينية ملا
أمكن تطهريه.
وعليه فالظاهر أن الراجح ما ذكره الشيخ عثمان ¬ ،واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
لو أراد رجل بيع ماء متنجس ،فعلى القول األول ،ال يص ـ ـ ـ ـ ـ ــح بيعه ،وعلى القول
الثاين يصح بيعه.
( )1ينظر :اهلداية (ص ،)47 :والكايف ( ،)35 /1واملغين ( ،)27 /1واحملرر ( ،)2 /1والفروع ( ،)87 /1واملبدع (/1
،)39واإلنصاف ( ،)64 /1واإلقناع ( ،)9 /1ومنتهى اإلرادات (.)19 /1
( )2ينظر :الفروع (.)86 /1
- 192 -
الفصل الثاين :التعقبات يف املعامالت املالية.
المطلب الثاني :اشتراط تعيين ابتداء وانتهاء االستثناء في بيع
أرض أو ثوب واستثناء جزء منهما.
صورة المسألة:
من أراد بيع أرض سـ ـ ـ ـ ــوى جريب( )1منها ،أو ثوب سـ ـ ـ ـ ــوى ذراع منه ،فهل يلزمه
تعيني ابتداء وانتهاء املستثىن ،أم يكفي تعيني أحدمها دون اآلخرت
القول المتعقب:
يصـ ــح اسـ ــتثناء اجلريب من األرض والذراع من الثوب ،بشـ ــرط أن يكون املسـ ــتثىن
معني االبتداء واالنتهاء ،فال يكفي تعيني أحدمها دون اآلخر ،وهذا قول الفتوحي ،قال
¬" :وال جريـب من أرض ،أو ذراع من ثوب مبهمـا ،إال إن علمـا ذرعهمـا ،ويكون
مشاعا .ويصح معينا بابتداء وانتهاء معا"( ،)2قال يف شرحه(" :ويصح) استثناء اجلريب
من األرض والذراع من الثوب إذا كان املس ـ ــتثىن (معينا بابتداء وانتهاء معا)؛ لكون الثنية
هنا معلومة"(.)3
( )1اجلريب من األرض :مقدار معلوم الذراع واملساحة ،وهو عشرة أقفزة ،كل قفيز منها عشرة أعشراء ،فالعشري جزء من
مائة جزء من اجلريب .لسان العرب (.)260 /1
( )2منتهى اإلرادات (.)269 /2
( )3معونة أويل النهى (.)30 /5
- 193 -
الفصل الثاين :التعقبات يف املعامالت املالية.
وهذا القول هو املش ـ ـ ـ ـ ـ ــهور من مذهب احلنابلة ،وهو مروي عن اإلمام أمحد(،)1
وقال به القاض ـ ـ ــي( ،)2وابن قدامة( ،)3والش ـ ـ ــارح( ،)4وص ـ ـ ــاحب الفروع( ،)5واملبدع(،)6
واإلنصاف( ،)7واإلقناع( ،)8والغاية( ،)9وشرح املنتهى( ،)10وكشف املخدرات(.)11
التعقب:
يص ـ ـ ـ ـ ــح اس ـ ـ ـ ـ ــتثناء اجلريب من األرض والذراع من الثوب ،وال يش ـ ـ ـ ـ ــرتط أن يكون
املس ـ ـ ــتثىن معني االبتداء واالنتهاء ،بل يكفي تعيني أحدمها دون اآلخر ،وهذا هو تعقب
عثمان ،قال ¬" :قوله( :معا) فإن عني أحدمها مل يصح ،وفيه نظر"(.)12
وهذا القول روي عن اإلمام أمحد( ،)13وقال به الش ـ ـ ـ ـ ـ ــيخ ابن عثيمني( ،)14وهو
ظاهر قول شيخ اإلسالم(.)15
( )1ينظر :التعليقة الكبرية ( ،)394 /3والفروع ( ،)153 /6واملبدع ( ،)31 /4واإلنصاف (.)306 /4
( )2ينظر :التعليقة الكبرية (.)395 /3
( )3ينظر :الكايف ( ،)11 /2واملغين (.)99 /4
( )4ينظر :الشرح الكبري (.)31 /4
( )5ينظر :الفروع (.)153 /6
( )6ينظر :املبدع (.)31 /4
( )7ينظر :اإلنصاف (.)306 /4
( )8ينظر :اإلقناع (.)69 /2
( )9ينظر :مطالب أويل النهى (.)36 /3
( )10ينظر :شرح املنتهى ( ،)16 /2وكشاف القناع (.)171 /3
( )11ينظر :كشف املخدرات (.)366 /1
( )12حاشية املنتهى (.)269 /2
( )13مسائل اإلمام أمحد وإسحاق بن راهويه (.)2868 /6
( )14تعليقات ابن عثيمني على الكايف البن قدامة ( ،162 /4برتقيم الشاملة آليا).
( )15ينظر :االختيارات ضمن الفتاوى الكربى البن تيمية ( ،)387 /5والقواعد النورانية (ص.)169 :
- 194 -
الفصل الثاين :التعقبات يف املعامالت املالية.
الترجيح:
ض ـبك املســتثىن املراد بيعه ،أو املســتثىن من املبيع ،ضــبطا لعل الراجح أن يقال :إن ة
نـافيـا للجهـالـة ،وحـامسـا الحتمـال ورود النزاع ،فـالبيع ص ـ ـ ـ ـ ـ ــحيح ،فلو قـدر املبيع بتقـدير
منضبك ،وعني مبدؤه ،وجهته ،ومل يعني منتهاه ،فالذي يظهر صحة البيع ،النتفاء العلل
اليت من أجلهــا منع من بيع اجملهول ،وألن اجلهــالــة هنــا تؤول إىل العلم ،فــالثنيــا يف هــذه
احلال معلومة ،فيتحقق ش ـ ـ ـ ـ ـ ــرط معرفة املبيع ،وال يرد عليه النهي الوارد عن الثنيا إال أن
تعلم ،كما ال يرد عليه احتمال أن الذرع خيتلف ،أو أن املوضع الذي ينتهي إليه ال يعلم
( )1ينظر :معونة أويل النهى ( ،)30 /5وشرح املنتهى (.)16 /2
( )2رواه الرتمذي :كتاب البيوع عن رسول اهلل ‘ ،باب ما جاء يف النهي عن الثنيا ،ح( ،)1290قال الشيخ األلباين:
صحيح .ورواه النسائي :كتاب املزارعة ،باب ذكر األحاديث املختلفة يف النهي عن كراء األرض بالثلث والربع
واختالف ألفا الناقلني للخرب ،ح( ،)3880قال الشيخ األلباين :صحيح .ويف كتاب البيوع ،باب النهي عن بيع
الثنيا حىت تعلم ،ح( ،)4633قال الشيخ األلباين :صحيح ،ورواه ابن حبان يف صحيحه ،يف كتاب البيوع ،باب
البيع املنهي عنه ،ح( ،)4971ورواه أبو عوانة يف مستخرجه ،يف كتاب البيوع ،باب حظر بيع املعاومة ،ح(..)5536
( )3املغين ( ،)99 /4وينظر :الكايف ( ،)11 /2والشرح الكبري (.)31 /4
( )4ينظر :الشرح املمتع على زاد املستقنع ( ،)28 /10وتعليقات ابن عثيمني على الكايف البن قدامة ( ،162 /4برتقيم
الشاملة آليا).
- 195 -
الفصل الثاين :التعقبات يف املعامالت املالية.
حال العقد؛ وذلك النض ـ ـ ـ ـ ــباط املقدار ،فكأنه ةحدد مبدؤه ومنتهاه ،قال الفتوحي ¬
يف معرض حديثه عن بيوع األمانة" :وال تضر اجلهالة حينئذ لزواهلا باحلساب"(.)1
وقد ذكر القاض ـ ــي ض ـ ــابك ما ينفي وقوع اجلهالة فقال" :دليلنا :أن مثن كل ثوب
معلوم ،وإمنا بقي أن يعلم مجلة الثمن ،وميكننا أن نص ـ ـ ــل إىل معرفة ذلك على ص ـ ـ ــفة ال
تفتقر إىل املتعــاقـدين وال إىل واحـد منهمــا ،بـأن تعــد الثيــاب أو الكيــل ،فيجــب أن جيوز
كما لو قال( :بعتك برأس مايل وربح درهم يف كل عش ــرة) ص ــح البيع؛ ألنا نتوص ــل إىل
معرفــة مبلغــه على ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفــة ال تفتقر إىل املتعــاقــدين وال إىل واحــد منهمــا ،وهو أن تعــد
الدراهم ،كذلك هاهنا"(.)2
وعليه فمىت توصــل إىل قدر املبيع على صــفة ال تفتقر إىل املتعاقدين وال إىل واحد
منهما ،فهذا يدل على انتفاء اجلهالة ،وصحة البيع.
وقــد نص أمحــد ¬ على هــذا القول ،فيمــا نقلــه عنــه الكوس ـ ـ ـ ـ ـ ــج ،قــال ¬:
"قلت :قال الثوري يف رجل قال لرجل :بعين نصف دارك مما يلي داريت
قال :هذا بيع مردود؛ ألنه ال يدري أين ينتهي بيعه ،ولو قال :أبيعك نصف هذه
الدار ،أو ربع هذه الدار جاز.
قال أمحد :كالمها جائز.
قال إسحاق :كما قال أمحد"(.)3
ثمرة الخالف:
من أراد بيع أرض سوى جريب منها ،أو ثوب سوى ذراع منه ،فعلى القول األول
يلزم ــه تعني ابت ــداء وانته ــاء املس ـ ـ ـ ـ ـ ــتثىن ،وعلى القول الث ــاين يكفي تعيني االبت ــداء دون
االنتهاء.
القول المتعقب:
قول الفتوحي ¬" :وإن تراض ــيا على أخذه بال عذر جاز" يدخل فيه الرتاض ــي
على أخذ املشــرتي عوض املنفعة اليت شــرطها س ـواء كان ذلك لعذر أو لغري عذر ،وهذا
قول منصور البهويت ،قال ¬(" :وإن تراضيا على أخذه) أي :العوض ،ولو (بال عذر
جاز)؛ جلواز أخذ العوض عنها مع عدم االشـ ـرتاط فكذا معه ،وكالعني املؤجرة واملوص ــى
مبنافعها"(.)2
وقد قال هبذا القول اخللويت( ،)1وصـ ـ ــاحب كشـ ـ ــف املخدرات( ،)2كما نص على
ذلك صاحب مطالب أويل النهى(.)3
التعقب:
قول الفتوحي ¬" :وإن تراض ــيا على أخذه بال عذر جاز" خاص فيما إذا كان
الرتاضي على أخذ املشرتي عوض املنفعة اليت شرطها لغري عذر ،وال يدخل فيه الرتاضي
إن كان لعذر ،وهذا هو تعقب عثمان ،قال ¬" :قوله( :وإن تراضـ ـ ـ ــيا) أي :فيما إذا
ش ـ ـ ــرط بائع نفع مبيع ،أو مش ـ ـ ــرت نفع بائع يف مبيع مع عدم العذر ،جاز ذلك .وأما مع
العذر ،فقد قدمه املص ـ ـ ــنف ،فال حاجة إىل ما قدره الش ـ ـ ــارح بقوله :ولو (بال عذر)؛ ملا
فيه من التكرار"(.)4
( )1حاشية اخللويت على منتهى اإلرادات ( ،)598 /2قال ¬":قوله( :بال عذر)؛ أي :ولو بال عذر ،نبه عليه
الشارح".
( )2كشف املخدرات ( ،)376 /1قال ¬(" :و) كشرط (مشرت نفع بائع) يف مبيع (كـ) ـشرط (محل حطب أو
تكسريه) أو خياطة ثوب أو تفصيله أو حصاد زرع أو جزر رطبة وحنوه فيصح ذلك إن كان معلوما ،ولزم البائع فيه
ما شرط عليه ،فلمشرت عوض ذلك النفع ،وإن تراضيا على أخذ العوض ولو بال عذر جاز".
( )3مطالب أويل النهى ( ،)72 /3قال ¬(" :وإن تراضيا على أخذه) ؛ أي :العوض ،ولو (بال عذر؛ جاز)؛ جلواز
أخذ العوض عنها مع عدم االشرتاط ،فكذا معه ،وكالعني املؤجرة واملوصى مبنافعها".
( )4حاشية املنتهى (.)289 /2
( )5ينظر :املغين ( ،)75 /4والشرح الكبري ( ،)51 /4والفروع ( ،)188 /6واملبدع ( ،)53 /4واإلنصاف (،)345 /4
واإلقناع ( ،)80 /2ونيل املارب بشرح دليل الطالب (.)340 /1
- 198 -
الفصل الثاين :التعقبات يف املعامالت املالية.
الترجيح:
الــذي يظهر وجــاهــة تعقــب عثمــان ¬؛ وذلــك ألن الفتوحي ¬ ذكر أوال
املســائل اليت يتخلف فيها الشــرط لعذر ،فقال" :فإن مات أو تلف أو اســتحق ،فلمشــرت
عوض ذلك"( ،)2ومل يش ـ ــرتط فيها الرتاض ـ ــي ،فهذه األعذار ميكن القول بأنه ال يتص ـ ــور
معها ختيري املشـ ــرتي بني املنفعة وعوضـ ــها ،وذلك لتعذر أداء املنفعة املشـ ــرتطة ،فال يعترب
الرتاضي حينئذ ،واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
اخلالف لفظي.
القول المتعقب:
هذه العبارة مســتقيمة ،وعلى هذا يدل صــنيع منصــور ،قال ¬" :ويصــح شــرط
عتق ،وبعتك على أن تنقدين الثمن إىل كذا ،وإال فال بيع بيننا ،فإن مل يفعل انفس ـ ـ ـ ـ ــخ،
قول ملرهتن إن جئتك حبقك يف وقت كذا وإال فالرهن لك وحنوه"(.)2
ال مل
التعقب:
هذه العبارة ليس ــت مس ــتقيمة ،والص ــحيح أن يقال :وال قول راهن :إن جئتك ..
إىل آخره ،أو :وال قول مرهتن :إن جئتين حبقي يف وقت كذا ،وإال فالرهن يل ،وهذا هو
تعقب عثمان ،قال ¬" :ويف كالم املصـ ــنف نظر ،وص ـ ـوابه أن يقول :وال قول راهن:
إن جئتك ..إىل آخره ،أو :وال قول مرهتن :إن جئتين حبقي يف وقت كذا ،وإال فالرهن
يل ،واهلل أعلم"(.)3
الترجيح:
الذي يظهر أن النسخة اليت كانت بيد الشيخ عثمان ¬ قد كتبت فيها العبارة
هبذه الص ــورة" :ويص ــح ش ــرط عتق ،وبعتك على أن تنقدين الثمن إىل كذا ،وإال فال بيع
بيننا ،فإن مل يفعل انفس ـ ـ ـ ـ ـ ــخ ،ال قول مرهتن إن جئتك حبقك يف وقت كذا وإال فالرهن
لك وحنوه" وعليه فيكون تعقب عثمان على العبارة هبذه الصـ ـ ــورة صـ ـ ــحيح ومتجه؛ ألن
الراهن هو من يبذل احلق ال املرهتن ،ومما يدل على أن نس ـ ـ ـ ـ ـ ــخة عثمان ¬ كانت
العبارة فيها هبذه الصـ ـ ـ ـ ــورة :ما جاء يف هامش النسـ ـ ـ ـ ــخة احملققة من عمدة الطالب واليت
قول
بتحقيق د.مطلق اجلاس ـ ـ ــر ،فقد جاء يف هامش ـ ـ ــها عند قول الش ـ ـ ــيخ منص ـ ـ ــور" :ال مل
ملرهتن" ما نص ـ ـ ــه" :يف (األص ـ ـ ــل) و( ) :مرهتن" ،واملثبت من (أ) و (ب)( ،)1وقد ذكر
احملقق يف مقدمته أن النس ـ ــخة اليت رمز هلا باألص ـ ــل هي أنفس النس ـ ــخ وأض ـ ــبطها ،وأهنا
منسوخة من نسخة املصنف ،ومقابلة عليها ،كما ذكر أن النسخة اليت رمز هلا بـ( ) قد
فةرغ من نسخها سنة 1093ه( .)2قلت :ال يبعد أن يكون ناسخها هو ال شيخ عثمان
¬( ،)3ومما يدل أيض ـ ـ ـ ــا على أن نس ـ ـ ـ ــخة عثمان ¬ كانت العبارة فيها" :ال قول
مرهتن" صنيع نساخ هداية الراغب ،فإهنم وضعوا عبارة املنت" :ال قول مرهتن"(.)4
والظاهر أن قول الشــيخ منصــور ¬ موافق ملا ذكره الشــيخ عثمان ،والتصــحيف
وقع من النسـاخ ،أو وقع من الشـيخ منصـور سـهوا ،ومما يدل على ذلك صـنيعه يف شـرح
اإلقناع وش ـ ـ ــرح املنتهى ،فإنه ذكر ذات املعىن الذي ذكره الش ـ ـ ــيخ عثمان ،قال ¬ يف
الكشـ ـ ـ ـ ــاف(" :أو يقول) الراهن (للمرهتن :إن جئتك حبقك يف حمله) بكسـ ـ ـ ـ ــر احلاء أي
أجله (وإال فالرهن لك مبيعا مبالك) من الدين (فال يص ـ ـ ـ ــح البيع)"( ،)5وقال يف ش ـ ـ ـ ــرح
املنتهى" :و(ال) يصــح بيع إن رهنه شــيئا أو اتفقا على أنه إن (جاء ملرهتن حبقه يف حمله)
أي حلول أجله (وإال فالرهن له) أي املرهتن"(.)6
ثمرة الخالف:
الذي يظهر أنه ليس مثة خالف ،وإمنا هو سـ ــبق قلم من الشـ ــيخ منصـ ــور ،أو من
نساخ العمدة.
القول المتعقب:
قول الفتوحي" :وهو :نقص مبيع" عــام ،فيش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمــل مــا لو نقص املبيع يف عينــه
وقيمته ،وما لو نقص املبيع يف عينه ومل تنقص قيمته ،وهذا قول منص ـ ـ ـ ـ ـ ــور البهويت ،قال
¬(" :اخلامس :خيار العيب وما مبعناه) أي العيب ويأيت (وهو) أي العيب وما مبعناه
(نقص مبيع) وإن مل تنقص به قيمته ،بل زادت كخصاء"(.)2
وهذا القول هو ظاهر قول املبدع( ،)3ونص عليه يف اإلقناع( ،)4والغاية( ،)5وقال
به اللبدي( ،)6وابن قاسم(.)7
التعقب:
قول الفتوحي" :وهو :نقص مبيع" ليس بعـام ،بـل املراد منـه مـا لو نقص املبيع يف
عينه وقيمته ،فال يدخل فيه ما لو نقص املبيع يف عينه ومل تنقص قيمته ،وهذا هو تعقب
عثمان ،قال ¬" :قوله( :مبيع) أي :عينه ،وإن مل تنقص قيمته بل زادت ،كخص ــاء.
"شرحه" ،وهذا خيالف ما تقدم يف شروط البيع"(.)1
وقد قال هبذا القول الش ــارح( ،)2وص ــاحب الفروع( ،)3واإلنص ــاف( ،)4والزاد(،)5
ومنار السبيل(.)6
وهذا خيالف ما ذكره الشــيخ منصــور من أن له اخليار ولو زادت قيمته؛ وذلك ألن زيادة
القيمة إمنا حتصلت لوجود صفة هي أعلى من الصفة اليت وقع العقد عليها(.)1
كما أن الش ــيخ منص ــور ذكر يف باب الش ــروط يف البيع ،فيما لو ختلف املش ــروط
الذي شــرطه املشــرتي ملصــلحته أنه يعامل معاملة خيار العيب ،فقال(" :وإال فله الفســخ
أو أرب فقد الصفة) املشروطة إن مل ينفسخ كأرب عيب ظهر عليه"(.)2
الترجيح:
كالم الفتوحي ¬ منه ما يؤيد قول منص ـ ــور ،ومنه ما يؤيد قول عثمان ،أما ما
يؤيد قول منص ـ ـ ـ ـ ـ ــور ،فإن تعريفه العيب بقوله" :وهو :نقص مبيع ،أو قيمته عادة"(،)3
يدل على التفريق بني نقص املبيع ونقص القيمة؛ وذلك ألنه عطف نقص القيمة على
نقص املبيع ،وهذا يدل على املغايرة بينهما .ومما يؤيد قول منص ـ ـ ـ ـ ـ ــور قول الفتوحي يف
شرحه(" :ال معرفة غناء) ،فإنه ليس بعيب؛ ألنه ليس بنقص ال يف عني وال قيمة"(.)4
وأما ما يؤيد قول عثمان ¬ ،فإن الفتوحي قال يف ش ـ ـ ــرحه لقوله" :وهو :نقص
مبيع ،أو قيمته عادة"( ،)5قال" :ألن املبيع إمنا ص ـ ــار حمال للعقد باعتبار الص ـ ــفة املالية.
فما أوجب نقصــا فيها كان عيبا أو مبعناه .وملا مل يرد عن الشــارع نص على كل فرد من
ذلك رجع فيه إىل عادة أهل هذا الشأن ،وهم التجار ،فما عدوه يف عرفهم منقصا أنيك
احلكم به ،وما ال فال"(.)6
ويتبني مما س ـ ـ ـ ـ ـ ــبق أن اخلالف بني القولني يف مفهوم العيب ،وما الذي يعد عيبا
فيثبت للمش ـ ـ ـ ــرتي به اخليار ،وما الذي ال يعد عيبا ،والذي يظهر من كالم احلنابلة أهنم
يفرقون بني ثالثة أنواع من أوص ـ ــاف املبيع اليت ختالف الوص ـ ــف املطلق األص ـ ــلي( ،)1أو
الوصف املشروط ،وتفصيل هذه األنواع كاآليت:
النوع األول :الوص ـ ـ ـ ـ ـ ــف الذي يتفق أهل العرف أنه عيب ،وهذا العيب هو الذي
يذكر الفقهاء أمثلته يف باب اخليار ،وهو عيب ينقص القيمة.
النوع الثاين :الوصف الذي يتفق أهل العرف أنه وصف حممود يرغب يف السلعة،
وهذا الوصف يزيد يف مثن السلعة غالبا.
النوع الثالث :الوص ـ ــف الذي خيتلف فيه أهل العرف ،وختتلف فيه رغبات الناس،
وهذا الوصف قد يزيد يف مثن السلعة ،وقد ينقصه ،وقد ال يزيد وال ينقص.
فأما النوع األول :فال خالف بني القولني أنه عيب يثبت فيه اخليار.
وأما النوع الثاين :فيحمل عليه كالمهم يف باب الشــروط يف البيع ،وعليه فاألصــل
أنه ليس بعيب ،وال يثبت فيه خيار.
وأما النوع الثالث :فهو حمل النزاع ،والذي يظهر أن األوىل التفصيل يف هذا النوع،
فيقال :إن كان هذا الوص ـ ـ ـ ـ ـ ــف ينقص قيمة املبيع فإنه يثبت فيه اخليار ،وال خالف يف
ذلك ،وأما إن كان هذا الوصـ ــف ال ينقص قيمة املبيع ،فينظر حينئذ ملقصـ ــود املش ــرتي،
فإن كان الوصــف مقصــودا للمشــرتي ،وله غرض صــحيح منه ،فله الفســخ ،وإما إن كان
ليس له غرض ص ــحيح منه ،وإمنا له دافع آخر للفس ــخ ،ومتس ــكه بالوص ــف هو متس ــك
شكلي ال حقيقي ،فليس له الفسخ.
وعليه فإن كل وص ـ ــف اختلف الفقهاء هل يثبت به الفس ـ ــخ أم ال فإنه يدخل يف
النوع الثالث؛ وذلك لعدم االتفاق على كونه مذموما أو حممودا.
وتأســيســا على ما تقدم ،فإن كل مبيع حصــل فيه وصــف خيالف الوصــف املطلق
األصـ ـ ـ ــلي أو الوصـ ـ ـ ــف املشـ ـ ـ ــروط ،وكان هذا الوصـ ـ ـ ــف ينقص القيمة ،أو يفوت غرض
املشرتي ،فإن هذا الوصف يعد عيبا يف حق املشرتي حيق له الفسخ بسببه.
( )1ما ال خيالف الوصف املطلق ال يعد عيبا ،ومما يؤيد ذلك قول الفتوحي ¬ يف شرحه(" :وال ثيوبة)؛ ألن الغالب
على اجلواري الثيوبة ،واإلطالق ال يقتضي خالفها( ،و) ال (عدم حيض) نصا؛ ألن اإلطالق ال يقتضي احليض وال
عدمه ،فلم يكن فواته عيبا" معونة أويل النهى (.)96 – 95 /5
- 206 -
الفصل الثاين :التعقبات يف املعامالت املالية.
وهذا التفص ــيل يفهم من كالمهم ،وقد أش ــار ص ــاحب الغاية وش ــارحها إىل معىن
قريب من هذا ،جاء يف مطالب أويل النهى(" :ويتجه :وملن فاته غرض ــه املباح الفس ــخ)؛
ألنه مل يســلم له ما اشــرتطه ،وهو متجه"( ،)1قال الشــطي" :ومل أر من صــرح باالجتاه يف
اجلميع ،بل يف بعض الصـ ـ ــور ،والظاهر أن بقية الصـ ـ ــور متجهة؛ ألنه ال فرق"( ،)2وقال
يف اهلداية" :فإن ش ـ ـ ـ ـ ـ ــرطها ثيبا فبانت بكرا فعلى وجهني أص ـ ـ ـ ـ ـ ــحهما ال خيار له؛ ألهنا
زيادة ،واآلخر له الرد حنو أن يكون شرط الثيوبة لعجزه عن البكر فقد فات قصده ،فإن
شـ ــرطها مسـ ــلمة فبانت كافرة فله الرد ،فإن شـ ــرطها كافرة فبانت مسـ ــلمة فعلى وجهني،
أحدمها :ال ميلك الرد .والثاين :ميلك"( ،)3وهذا يبني التفصيل الذي ذكر ،واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
من اشرتى سلعة فوجد فيها نقصا ،وكان هذا النقص يزيد يف قيمة السلعة ،فعلى
القول األول يثبت له خيار العيب ،وعلى القول الثاين ال يثبت له خيار العيب.
القول المتعقب:
حيك الزائد من الثمن ،دون قس ـ ـ ــطه من الوض ـ ـ ــيعة ،وهذا القول نس ـ ـ ــبه عثمان إىل
الفتوحي والبهويت ،قال الفتوحي ¬(" :واملذهب) املنصوص( :أنه) أي :أن رأس املال
(مىت بان أقل) مما أخرب به البائع يف التولية أو الش ـ ــركة أو املراحبة أو املواض ـ ــعة( ،أو) بان
(مؤجال) ومل يبينه (حك الزائد) يف األربعة( .وحيك) أيض ـ ــا (قس ـ ــطه يف مراحبة ،وينقص ـ ــه)
أي الزائد (يف مواضعة)"(.)1
وقال البهويت ¬ يف ش ـ ـ ـ ـ ـ ــرح املنتهى(" :واملذهب أنه) أي رأس املال (مىت بان
أقل) مما أخرب به بائع يف هذه الصــورة (أو) بان (مؤجال) ومل يبينه (حك الزائد) عن رأس
املال يف األربعة؛ ألنه باعه برأس ماله فقك أو مع ما قدره من ربح أو وض ـ ـ ــيعة ،فإذا بان
رأس مال دون ما أخرب به كان مبيعا به على ذلك الوجه ،وال خيار؛ ألنه باإلس ــقاط قد
زيد خريا كما لو اش ـ ـرتاه معيبا فبان س ــليما ،وكما لو وكل من يش ــرتيه مبائة فاش ـ ـرتاه بأقل
(وحيك) أيض ـ ـ ــا (قس ـ ـ ــطه) أي الزائد (يف مراحبة)؛ ألنه تابع له (وينقصـ ـ ـ ــه) أي الزائد (يف
مواضعة) تبعا له"(.)2
وقال يف الكشاف(" :و) املذهب أنه (من أخرب بثمن ،فعقد به) تولية ،أو شركة،
أو مراحبة ،أو وضـ ـ ـ ــيعة( ،مث ظهر الثمن أقل) مما أخرب به( ،فللمشـ ـ ـ ــرتي حك الزيادة) يف
التولية والش ـ ـ ــركة ،وال خيار ،وللمش ـ ـ ــرتي أيض ـ ـ ــا حك الزيادة (يف املراحبة ،و) حك حظها
(أي :قس ـ ـ ــطها) من الربح( .وال خيار) ،وينقص ـ ـ ــه (أي :الزائد) يف املواض ـ ـ ــعة؛ ألنه باعه
برأس مــالــه ومــا قــدره من الربح أو الوض ـ ـ ـ ـ ـ ــيعــة ،فــإذا بــان رأس مــالــه قــدرا ،كــان مبيعــا بــه
وبالزيادة أو النقص حبسب ما اتفقا عليه"(.)1
وقد قال هبذا القول ابن قاسم(.)2
التعقب:
حيك الزائد من الثمن وقسـ ــطه من الوضـ ــيعة ،وهذا هو تعقب عثمان ،قال ¬:
"(و) يس ــقك أيض ــا (قس ــطه) أي :الزائد (من ربح) من مراحبة ،وينقص قس ــطه أيض ــا يف
مواضــعة كأن يقول له :هي مبئة ،فتبني امســني ،ويكون قد وضــع له عشـرين ،فإنه حيك
الزيادة ،وحيك من الوض ـ ـ ـ ـ ــيعة عش ـ ـ ـ ـ ــرة قس ـ ـ ـ ـ ــك الزيادة منها ،فتبقى عليه بأربعني ،كذا يف
"حواشي" ابن نصر اهلل .ويف شرحي "اإلقناع" و"املنتهى" هنا نظر ،فتنبه له"( ،)3وقال:
"ولو باعها بأربعني ،ووض ـ ــيعة دينار من كل عش ـ ــرة ،فلو كان ص ـ ــادقا لكان الثمن س ـ ــتة
وثالثني ،فإذا تبني أن الثمن ثالثون ،فإهنا تس ــقك العش ــرة الزائدة مع بقاء الوض ــيعة على
ما هي عليه ،فســقك من الســتة والثالثني عشــرة ،ويبقى الثمن ســتة وعشـرين دينارا .هذا
مقتض ـ ــى ما يف "الش ـ ــرحني"( )4و"ش ـ ــرح اإلقناع" حيث فس ـ ــروا الض ـ ــمري املنص ـ ــوب يف:
(وينقص ـ ـ ـ ـ ـ ــه يف مواض ـ ـ ـ ـ ـ ــعة) بقوهلم :أي :الزائد ،لكن هذا داخل حتت عموم قوهلم أوال:
ك الزائد) ،كما عرفت مما تقدم ،واألقرب أن يكون الضــمري املنصــوب عائدا للقســك (ح ّ
ة
من قوله( :وحيك قس ــطه يف مراحبة) ،ويكون املعىن على هذا :أنه حيك من الوض ــيعة قدر
الزائد ،ففي املثال :الزائد عشرة دنانري ،يقابلها من الوضيعة دينار ،فيسقك من الوضيعة،
وال يبقى منها إال ثالثة ،وهي قدر ما خيص رأس املال الذي هو الثالثون ،فيكون الثمن
يف هذه الصورة سبعة وعشرين دينارا .هذا ما ظهر يل فليحرر ،واهلل أعلم"(.)5
وقد قال هبذا القول ابن نصـ ــر اهلل( ،)1وصـ ــاحب كشـ ــف املخدرات( ،)2ومطالب
أويل النهى( ،)3وهو ظ ـ ــاهر قول ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاح ـ ــب الفروع( ،)4والتنقيح( ،)5واإلقن ـ ــاع(،)6
واملنتهى(.)7
( )1ينظر :هداية الراغب ( ،)488 /2ومطالب أويل النهى (.)128 /3
( )2ينظر :كشف املخدرات (.)387 /1
( )3ينظر :مطالب أويل النهى (.)128 /3
( )4ينظر :الفروع (.)259 /6
( )5ينظر :التنقيح املشبع (ص ،)224 :واإلنصاف (.)439 /4
( )6ينظر :اإلقناع (.)104 /2
( )7ينظر :منتهى اإلرادات (.)323 /2
( )8ينظر :حاشية املنتهى (.)323 /2
( )9ينظر :كشاف القناع (.)231 /3
- 210 -
الفصل الثاين :التعقبات يف املعامالت املالية.
الترجيح:
الذي يظهر أن القول الثاين هو األرجح؛ وذلك لتعاقب أئمة املذهب عليه ،وألن
هذا القول هو مقتضى العدالة ،والضرر ال يزال بالضرر( ،)1وألن مسألة العقوبة هي أمر
راجع لإلمام ،فتقديرها يكون حبكم حاكم.
ولعل نس ـ ـ ــبة القول األول للفتوحي ومنص ـ ـ ــور ليس ـ ـ ــت دقيقة ،أما الفتوحي فظاهر
كالمه يف الش ـ ـ ـ ـ ـ ــرح أنه يقول بالقول الثاين ،ودليل ذلك أن كالمه يف املنتهى ميكن محله
على القول الثاين كما ص ـ ـ ــرح بذلك عثمان ¬( ،)2وأما منص ـ ـ ــور ¬ فالذي يظهر
من كالمه أنه يقول بالقول الثاين أيضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ،ويدل على ذلك قوله :يف ش ـ ـ ـ ـ ـ ــرح املنتهى:
"(وحيك) أيضـ ـ ــا (قسـ ـ ــطه) أي الزائد (يف مراحبة)؛ ألنه تابع له (وينقصـ ـ ــه) أي الزائد (يف
مواضـعة) تبعا له"( )3فقوله" :تبعا له" يدل على أنه يقصـد القسـك الزائد ،ال رأس املال،
وهو ذات التعبري الذي عرب به عن نقص قسك الزائد من الربح.
وقال يف الكشاف" :وللمشرتي أيضا حك الزيادة (يف املراحبة و) حك حظها (أي
قس ــطها) من الربح( .وال خيار) وينقص ــه (أي الزائد) يف املواض ــعة؛ ألنه باعه برأس ماله
وما قدره من الربح أو الوض ـ ـ ـ ـ ـ ــيعة ،فإذا بان رأس ماله قدرا ،كان مبيعا به وبالزيادة أو
النقص حبس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب مــا اتفقــا عليــه"( ،)4فقولــه" :فــإذا بــان رأس مــالــه قــدرا ،كــان مبيعــا بــه
وبالزيادة أو النقص حبس ـ ـ ـ ـ ـ ــب ما اتفقا عليه" ،يدل على أنه أراد ذات املعىن الذي ذكره
عثمان واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
لو باع رجل سـ ـ ــلعة بيع مواضـ ـ ــعة ،مث بان أنه مل خيرب بالثمن على حقيقته ،بل زاد
فيه ،فعلى القول األول :يكتفى حبك الزائد من الثمن دون حك قس ـ ـ ـ ــطه من الوضـ ـ ـ ــيعة،
وعلى القول الثاين :حيك الزائد وقسطه من الوضيعة.
القول المتعقب:
إذا وقع البيع على مكيل ،أو موزون ،أو معدود ،أو مذروع ،فتعيب قبل قبض ـ ـ ـ ـ ـ ــه
بال فعل آدمي ،فيخري املشرتي بني الفسخ واإلمساك مع أخذ األرب ،وهذا قول منصور
البهويت ،قال ¬(" :وخيري مش ـ ــرت) إذا تلف بعض ـ ــه وبقي بعض ـ ــه (يف الباقي بني أخذه
بقس ـ ـ ـ ـ ـ ــطه من الثمن ،وبني رده) وأخذ الثمن كله لتفريق الص ـ ـ ـ ـ ـ ــفقة ،وكذا لو تعيب عند
البائع كما تقدم يف خيار العيب ،ومقتض ـ ــى ما س ـ ــبق هناك له األرب ،وقطع يف الش ـ ــرح
واملنتهى وغريمها هنا ال أرب له"( ،)1وقال" :وقد تقدم لك يف خيار العيب أنه خيري بني
الرد واإلمس ــاك مع األرب ،ووجهه واض ــح ،فاألوىل عود (وال أرب) للمش ــبه دون املش ــبه
به ،أي :وإن بقي شيء خري املشرتي بني أخذه بقسطه من الثمن واألرب له"(. )2
وقد قال هبذا القول صاحب الغاية(.)3
التعقب:
إذا وقع البيع على مكيل ،أو موزون ،أو معدود ،أو مذروع ،فتعيب قبل قبض ـ ـ ـ ـ ـ ــه
بال فعل آدمي ،فيخري املشرتي بني الفسخ واإلمساك بال أرب ،وهذا هو تعقب عثمان،
قال ¬" :وكذا لو تعيب قبل قبض ــه خري بني الفس ــخ واإلمس ــاك بال أرب حيث علم
بالعيب قبل قبض ـ ــه ،فال ينايف ما س ـ ــبق ،ويف كالم املص ـ ــنف يف ش ـ ــرح اإلقناع وغريه هنا
نظر"( ،)1وقال أيض ـ ـ ـ ــا" :قوله( :وال أرب) قال منص ـ ـ ـ ــور البهويت :قد تقدم لك يف خيار
العيب :أنه خيري بني الرد واإلمس ــاك مع األرب .ووجهه واض ــح ،فاألوىل عود (وال أرب)
للمش ـ ــبه دون املش ـ ــبه به .انتهى املقص ـ ــود .أقول :ما ذكره املص ـ ــنف هنا ،وجرى عليه يف
ش ـ ــرحه من أن املش ـ ــرتي حيث أخذ املكيل وحنوه معيبا ،فكأنه اش ـ ـرتاه راض ـ ــيا بعيبه ،فال
أرب له ،غري ص ـ ـ ـريح يف املخالفة ،ملا تقدم يف العيب؛ إلمكان محل ما تقدم على ما إذا
أقبض ـ ـ ـ ـ ـ ــه غري عامل بالعيب؛ ألنه إذا علم به بعد ،فله األرب ،االف ما هنا ،فإنه عامل
بالعيب قبل قبضه ،وهو ظاهر ،فكأنه عامل به حال العقد ،فال أرب له .فتأمل"(.)2
وقد قال هبذا القول ابن قدامة( ،)3والشـ ـ ـ ـ ـ ــارح( ،)4ونقله الزركشـ ـ ـ ـ ـ ــي( ،)5وذكر يف
اإلنصاف أنه هو املتعني( ،)6كما قال به صاحب املنتهى(.)7
ومعدود ومذروع ومثر على ش ـ ـ ـ ـ ـ ــجر وحنوه ،خري بني :رد -وعليه مؤنة رده -وأخذ الثمن
كامال -حىت لو وهبه مثنه أو أبرأه منه -وبني :إمساك مع أرب ،ولو مل يتعذر الرد"(.)1
الترجيح:
لعــل األرجح هو مــا ذهــب إليــه عثمــان؛ وذلــك لتعــاقــب أئمــة املــذهــب عليــه ،وملـا
علل به ،ولعدم وجاهة ما اسـ ــتدل به منصـ ــور؛ فإن اسـ ــتدالله بكالم املنتهى غري ظاهر،
فقد بني صاحب املنتهى ما قصده من قوله ،فقال(" :وخيري مشرت يف) مبيع (معيب قبل
عقد) فيما يدخل يف ض ـ ـ ــمان مش ـ ـ ــرت مبجرد عقد ،كالعبد والثوب( .أو) قبل (قبض ما)
أي :مبيع (يضـ ـ ـ ـ ـ ــمنه بائع قبله) أي :قبل القبض ،وذلك (كثمر على شـ ـ ـ ـ ـ ــجر ،وحنوه)،
كاملوص ـ ـ ــوف املعني ،وما تقدمت رؤيته العقد بزمن ال يتغري فيه( .وما أبيع بكيل أو وزن
أو عد أو ذرع) على ما يأيت؛ ألن تعيب املبيع كتلف جزء منه ،فإذا تعيب يف زمن كان
ضـ ــمانه فيه على املشـ ــرتي كان عليه .فال ميلك املشـ ــرتي خيارا فيه إال إذا تعيب يف زمن
يكون ضـ ـ ــمانه لو تلف فيه على بائع( .إذا جهله) أي :جهل املشـ ـ ــرتي العيب (مث بان)
له؛ ألنه إن كان عاملا به فال خيار له بال خالف؛ ألنه دخل على بصـ ـ ــرية .أشـ ـ ــبه ما لو
ص ـ ــرح بالرض ـ ــى به"( ،)3فكالم املنتهى هنا س ـ ــيق للتنبيه على أن العيب املعترب يف اخليار
هو الذي يكون وقوعه زمن ض ـ ـ ـ ـ ــمان البائع للس ـ ـ ـ ـ ــلعة ،وليس يف كالمه ما يدل على أن
املشرتي إذا علم العيب بعد العقد وقبل القبض يف مكيل أو موزون أو معدود أو مذروع
فإن له اإلمس ـ ـ ـ ـ ـ ــاك وأخذ األرب ،بل ميكن أن يس ـ ـ ـ ـ ـ ــتنبك من عبارة اإلقناع واملنتهى اليت
اس ـ ــتدل هبا منص ـ ــور ما يدل على أهنما نبها على أن كالمهما منص ـ ــب على ما إذا كان
العلم بالعيب بعد القبض ،وذلك ألهنما نصـا على أن املشـرتي إذا أراد الفسـخ فإن عليه
مؤونة رد املبيع( ،)1ورد املبيع ال يتص ـ ـ ـ ـ ــور إال بعد قبض ـ ـ ـ ـ ــه ،وهذا يدل على أن كالمهما
منصب على من علم بالعيب بعد القبض ،واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
إذا وقع البيع على مكيل ،أو موزون ،أو معدود ،أو مذروع ،فتعيب قبل قبض ـ ـ ـ ـ ـ ــه
بال فعل آدمي ،فعلى القول األول :خيري املشرتي بني الفسخ واإلمساك مع أخذ األرب،
وعلى القول الثاين :خيري املشرتي بني الفسخ واإلمساك بال أرب.
القول المتعقب:
إذا دفع املش ـ ـ ـ ـ ـ ــرتي -في ما بيع بكيل أو وزن أو عد أو ذرع -وعاءه إىل البائع،
وقال كله ،فإن املبيع يكون مقبوضا بذلك ،وقد نسب عثمان هذا القول إىل الفخر ابن
تيمية( ،)3صاحب التلخيص ،فقال ¬" :قوله( :ووعاؤه) بأن دفعه مشرت لبائع وقال:
كله ،فإنه يصري مقبوضا .قاله يف التلخيص ،وفيه نظر"(.)4
( )1ينظر :الفروع ( ،)278 /6واملبدع ( ،)115 /4واإلنصاف ( ،)461 /4واإلقناع ( ،)109 /2ومنتهى اإلرادات
( ،)333 /2ومطالب أويل النهى (.)142 /3
( )2ينظر :الفروع ( ،)284 /6واملبدع ( ،)119 /4واإلنصاف ( ،)469 /4واإلقناع ( ،)112 /2ومنتهى اإلرادات
( ،)341 /2ومطالب أويل النهى (.)149 /3
( )3هو :حممد بن اخلضر بن حممد بن اخلضر بن علي ابن تيمية احلراين الفقيه املفسر اخلطيب الواعظ فخر الدين أبو
عبد اهلل شيخ حران وخطيبها ،الزم أبا الفر ابن اجلوزي ومسع عليه كثريا وقرأ عليه ،له مصنفات منها التفسري الكبري
ويف الفقه الرتغيب والتلخيص والبلغة وهو أصغرها وله شرح اهلداية أليب اخلطاب مل يتمه وكان بينه وبني الشيخ موفق
الدين مراسالت ومكاتبات وأخذ عنه العلم مجاعة منهم ولده عبد الغين خطيب حران وابن عمه الشيخ جمد الدين،
تويف سنة اثنني وعشرين وستمائة .ذيل طبقات احلنابلة ( ،)321 /3واملقصد االرشد (.)406 /2
( )4حاشية املنتهى (.)341 /2
- 216 -
الفصل الثاين :التعقبات يف املعامالت املالية.
وقد قال هبذا القول القاض ـ ــي( ،)1وص ـ ــاحب املبدع( ،)2والتنقيح( ،)3واإلقناع(،)4
واملنتهى( ،)5والغاية( ،)6وأخصر املختصرات( ،)7وكايف املبتدي( ،)8واللبدي(.)9
التعقب:
إذا دفع املش ـ ـ ـ ـ ـ ــرتي -في ما بيع بكيل أو وزن أو عد أو ذرع -وعاءه إىل البائع،
وقال :كله ،فإن املبيع ال يكون مقبوضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا بذلك ،وهذا هو تعقب عثمان ،قال ¬:
"قوله( :ووعاؤه) بأن دفعه مش ـ ـ ـ ـ ـ ــرت لبائع وقال :كله ،فإنه يص ـ ـ ـ ـ ـ ــري مقبوضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا .قاله يف
التلخيص ،وفيه نظر"(.)10
وق ــد ق ــال هب ــذا القول الفخر ابن تيمي ــة يف التلخيص ،نقل ــه عن ــه يف املب ــدع(،)11
والكش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاف( ،)12وذكر هــذا القول يف الفروع( ،)13واإلنص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاف( ،)14ومعونــة أويل
النهى( )15على وجه التمريض ،ومل ينسبوه ألحد.
( )1نسبه إليه يف املستوعب ( ،)617 /1والفروع ( ،)284 /6واإلنصاف (.)470 /4
( )2ينظر :املبدع (.)119 /4
( )3التنقيح املشبع (ص.)227 :
( )4ينظر :اإلقناع (.)112 /2
( )5ينظر :منتهى اإلرادات (.)341 /2
( )6ينظر :مطالب أويل النهى (.)150 /3
( )7ينظر :أخصر املختصرات (ص.)169 :
( )8ينظر :الروض الندي شرح كايف املبتدي (ص.)220 :
( )9ينظر :حاشية اللبدي على نيل املآرب (.)181 /1
( )10حاشية املنتهى (.)341 /2
( )11ينظر :املبدع (.)119 /4
( )12ينظر :كشاف القناع (.)246 /3
( )13ينظر :الفروع (.)285 /6
( )14ينظر :اإلنصاف (.)470 /4
( )15ينظر :معونة أويل النهى (.)129 /5
- 217 -
الفصل الثاين :التعقبات يف املعامالت املالية.
الترجيح:
لعل القول األول هو الراجح؛ وذلك لتعاقب أئمة املذهب عليه ،وللدليل الذي
ذكروه.
والظاهر أن نس ـ ــبة القول األول لص ـ ــاحب التلخيص ،ونس ـ ــبة القول الثاين لعثمان
ليست دقيقة ،بدليل ما نقله املبدع( )2والكشاف( )3عن التلخيص ،ولعله وقع تصحيف
من نس ـ ـ ــاخ حاش ـ ـ ــية الش ـ ـ ــيخ عثمان ،فكتبوا العبارة" :قاله يف التلخيص ،وفيه نظر"(،)4
وص ـ ـ ـواهبا" :قال يف التلخيص :وفيه نظر" ،هكذا نقلها املبدع والكش ـ ـ ــاف ،ولذا فعثمان
¬ يف هذه املسألة مل يتعقب ،وإمنا نقل تعقب صاحب التلخيص ،واهلل أعلم.
( )1ينظر :حاشية ابن قندس على الفروع ( ،)285 /6واملبدع ( ،)119 /4واإلنصاف ( ،)470 /4ومعونة أويل النهى
( ،)129 /5وشرح املنتهى ( ،)61 /2والروض الندي شرح كايف املبتدي (ص ،)220 :وكشف املخدرات (/1
،)391ومطالب أويل النهى (.)150 /3
( )2ينظر :املبدع (.)119 /4
( )3ينظر :كشاف القناع (.)246 /3
( )4حاشية املنتهى ( ،)341 /2وقد راجعت خمطوط حاشية املنتهى احملفو يف جامعة امللك سعود برقم ،2106
فوجدت العبارة فيه مماثلة لعبارة للمطبوع ،وموضع العبارة فيه يف اللوح رقم /78أ ،كما راجعت املخطوط احملفو
يف دار اإلفتاء برقم ،86 /324فوجدت العبارة فيه مماثلة لعبارة للمطبوع ،وموضع العبارة فيه يف الصفحة رقم
.247
- 218 -
الفصل الثاين :التعقبات يف املعامالت املالية.
ثمرة الخالف:
إذا دفع املش ـ ـ ـ ـ ـ ــرتي -في ما بيع بكيل أو وزن أو عد أو ذرع -وعاءه إىل البائع،
وقال كله ،فعلى القول األول :يكون املبيع مقبوضــا بذلك ،فيصــح تصــرف املشــرتي فيه،
وينتقل ض ـ ـ ـ ـ ــمانه إليه ،وعلى القول الثاين :ال يكون املبيع مقبوض ـ ـ ـ ـ ــا بذلك ،فال يص ـ ـ ـ ـ ــح
تصرف املشرتي فيه ،ويبقى ضمانه على البائع.
القول المتعقب:
قول الفتوحي ¬" :ويصـ ـ ــح قبض متعني بغري رضـ ـ ــى بائع"( ،)3يشـ ـ ــمل املتعني
الذي احتا إىل حق توفية ،والذي مل حيتج إىل ذلك ،وهذا قول منص ـ ـ ـ ـ ــور البهويت ،قال
¬(" :ويص ـ ـ ـ ـ ـ ــح قبض) مبيع (متعني) وظــاهره :ولو احتــا حلق توفيــة (بغري رض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا
بائع)"(.)4
التعقب:
قول الفتوحي ¬" :ويصــح قبض متعني بغري رضــى بائع"( ،)5ال يشــمل املتعني
الذي احتا إىل حق توفية ،بل هو مقص ـ ـ ــور على املتعني الذي ال حيتا إىل حق توفية،
وهذا هو تعقـب عثمـان ،قال ¬" :قوله( :ويص ـ ـ ـ ـ ـ ــح قبض متعني ...إخل) يعين :ال
حيتا إىل حق توفية؛ لئال خيالف ما سـ ـ ـ ــيأيت يف قوله( :ال غصـ ـ ـ ــبه) ويدل على هذا قول
املصنف يف شرح ما سيأيت :أي :ال غصب مشرت مبيعا ال يدخل يف ضمانه إال بقبضه،
أي :بأن حيتا إىل حق توفية .وعلى هذا فال يناســب قول منصــور البهويت هنا :وظاهره
ولو احتا إىل حق توفية .مع أنه احتا آخرا إىل عدم اعتبار هذه الصورة"(.)1
(وإتالف مشرت ومتهب بإذن واهب قبض ،ال غصبه)( ،)1ويدل على هذا قول الفتوحي
يف شرح قوله( :ال غصبه) "أي :ال إذا غصب املشرتي املبيع الذي ال يدخل يف ضمانه
إال بقبضه"( ،)2أي :بأن حيتا إىل حق توفية(.)3
الترجيح:
الذي يظهر واهلل أعلم أن قول الفتوحي ¬" :ويصـ ـ ــح قبض متعني بغري رضـ ـ ــى
بائع"( )4له احتماالن:
االحتمال األول :أن الفتوحي قصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد بقوله" :متعني" أي :ما ال حيتا إىل حق
توفية ،وقد اسـ ـ ـ ـ ــتعمل بعض احلنابلة هذا االصـ ـ ـ ـ ــطالح هبذا املعىن ،قال يف املغين" :وألن
املبيع املعني ال يتعلق به حق توفية ،فكان من مال املش ـ ـ ـ ــرتي ،كغري املكيل واملوزون"(،)5
وقال يف الكايف" :وعنه :أن املنع خيتص ما ليس مبتعني ،كقفيز من ص ـ ـ ـ ـ ـ ــربة ،ورطل زيت
من دن .وما بيع ص ـ ــربة ،أو جزافاً جاز بيعه قبل قبض ـ ــه ،وهو قول القاض ـ ــي وأص ـ ــحابه؛
ألنه يتعلق به حق توفية االف غريه"( ،)6وقال يف الفروع" :ومؤنة املتعني على املش ــرتي
إذا قلنا كمقبوض وأطلق الشيخ وغريه ،قال :ألنه مل يتعلق به حق توفية ،نص عليه"(،)7
وقال يف املبدع" :ومؤنة املتعني على املش ـ ـ ــرتي إن قلنا كمقبوض ،وأطلقه يف " املغين " و
" الش ـ ـ ـ ـ ـ ــرح "؛ ألنه ال يتعلق به حق توفية ،نص عليه"( ،)8وقال أيض ـ ـ ـ ـ ـ ــا" :وألن التعيني
كالقبض"(.)9
فلو محلن ــا كالم الفتوحي على ه ــذا االحتم ــال لقلن ــا :إن التعق ــب متج ــه ،وكالم
الشيخ منصور بعيد ،وال حيتمله اللفظ.
االحتمال الثاين :أن الفتوحي قص ـ ـ ـ ـ ــد بقوله" :متعني" املقابل لغري املتعني ،س ـ ـ ـ ـ ـواء
احتا حلق توفية ،أم مل حيتج إليه ،وقد اس ـ ـ ـ ـ ــتعمل بعض احلنابلة هذا االص ـ ـ ـ ـ ــطالح هبذا
املعىن ،قال يف املس ـ ـ ــتوعب" :وإذا مت البيع بغري خيار ،أو ايار وانقض ـ ـ ــت مدته من غري
فس ــخ نظرنا ،فإن كان املبيع غري متميز ،وهو كل ما حيتا يف قبض ــه إىل كيل أو وزن أو
عد أو ذرع ،فال ختتلف الرواية أنه ال جيوز للمشرتي التصرف فيه قبل قبضه ،ال ببيع وال
شـ ـ ـ ــركة وال تولية وال حوالة وال رهن وال هبة وال غري ذلك ،س ـ ـ ـ ـواء كان متعينا كقفيز من
صربة ،ودرهم من نقرة ،ورطل من زبرة بعينها ،أو غري متعني"(.)1
فلو محلنا كالم الفتوحي على هذا االحتمال لقلنا :إن كالم الش ـ ـ ـ ـ ـ ــيخ منص ـ ـ ـ ـ ـ ــور
حمتمل ،ولكن كالم الشيخ عثمان أوجه؛ وذلك لعدة مرجحات ،وهي كما يلي:
أوال :أن احلنابلة ذكروا من شـ ـ ـ ــروط القبض حضـ ـ ـ ــور مسـ ـ ـ ــتحق أو نائبه ،فشـ ـ ـ ــرط
احلضور هذا يدل على أن املتقرر عندهم أن البائع هو من يتوىل اإلقباض فيما حيتا إىل
حق توفية ،كما يدل على ذلك ص ـ ـ ـ ـ ـ ـراحة نصـ ـ ـ ـ ـ ــهم على جواز اسـ ـ ـ ـ ـ ــتنابة من عليه احلق
للمستحق يف استيفاء حقه ،قال يف اإلنصاف" :ولو قال له :اكتل من هذه الصربة قدر
حقك ،ففعل :صــح .وقيل :ال"( ،)2وقال يف تصــحيح الفروع" :فالصــحيح من املذهب
صـ ـ ـ ــحة اسـ ـ ـ ــتنابة من عليه احلق للمسـ ـ ـ ــتحق يف القبض"( ،)3وقال يف اإلقناع" :ويصـ ـ ـ ــح
استنابة من عليه احلق للمستحق يف القبض"( ،)4فهذه العبارات دالة على أن األصل أن
البائع هو من يتوىل اإلقباض فيما حيتا إىل حق توفية ،والقول بأن للمس ـ ـ ـ ـ ـ ــتحق القبض
بغري رضا البائع فيما حيتا إىل حق توفية فيه تفويت حلق البائع.
ثانيا :أن من املصــاحل املراعاة يف الش ـريعة :قطع اخلصــومات واملنازعات ،وما يذكره
العلماء يف باب قبض املبيع وما حيصـ ــل به القبض دال على هذا األصـ ــل ،وال شـ ــك أن
متكني املشـ ـ ـ ــرتي من اسـ ـ ـ ــتيفاء حقه الذي حيتا إىل حق توفية دون إذن البائع يفتح بابا
للخصومات واملنازعات.
ثالثا :أن منصـ ـ ــورا ¬ قال يف شـ ـ ــرحه لقول الفتوحي" :وإتالف مشـ ـ ــرت ومتهب
بإذن واهب قبض ،ال غصبه"( )1قال(" :وإتالف مشرت) ملبيع ولو غري عمد قبض( ،و)
إتالف (متهب) لعني موهوبة (بإذن واهب قبض)؛ ألنه ماله وقد أتلفه( ،ال غص ـ ـ ـ ـ ـ ــبه)
أي :املشــرتي مبيعا ال يدخل يف ضــمانه إال بقبضــه ،وال غصــب موهوب له عينا وهبت
له ،فليس قبض ـ ــا ،فال يص ـ ــح تص ـ ــرفه فيهما .ذكره يف ش ـ ــرحه( .)2ويأيت يف اهلبة :يص ـ ــح
تصرفه فيها قبل قبضها( .)3فيحمل ما هنا على املكيل وحنوه ،وما هناك على غريه"(،)4
فقوله ¬" :ويأيت يف اهلبة :يصح تصرفه فيها قبل قبضها .فيحمل ما هنا على املكيل
وحنوه ،وما هناك على غريه" هو نظري قول عثمان" :قوله( :ويصح قبض متعني ...إخل)
يعين :ال حيتا إىل حق توفية؛ لئال خيالف ما سيأيت يف قوله( :ال غصبه)"(.)5
ولذا فالراجح القول الثاين ،واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
من اش ـ ــرتى متعينا حيتا إىل حق توفية ،فعلى القول األول :يص ـ ــح له قبض ـ ـه بغري
رضى البائع ،وعلى القول الثاين :ال يصح له قبضه بغري رضى البائع.
القول المتعقب:
البــد أن ينوي املــدين التربع ليقــال إنــه متربع ،فــإن مل ينو ذلــك ،وغفــل عن نيــة
الوفاء فيص ــري قد أدى دينه ،وهذا قول منص ــور البهويت ،قال ¬(" :ومىت نوى مديون
بأداء دينه) إىل غرميه (وفاء دينه برئ) منه( ،وإال) ينو قض ـ ـ ـ ـ ـ ــاءه (فمتربع) ،هكذا ذكروه
هنا .ويف كتب األص ـ ـ ـ ـ ـ ــول :من الواجب ما ال يفتقر إىل نية ،كأداء الدين ،ورد الوديعة،
وحنومهــا .وميكن محــل مــا هنــا على مــا إذا نوى التربع ال على مــا إذا غفــل؛ مجعــا بني
الكالمني"(.)3
وقد قال هبذا القول اخللويت( ،)4وصاحب مطالب أويل النهى(.)5
التعقب:
البد أن ينوي املدين الوفاء ،فإن غفل عن نية الوفاء صار متربعا ،وهذا هو تعقب
عثمان ،قال ¬" :قوله( :وإال ...إخل) أي :إن مل ينو الدافع الوفاء ،فمتربع ،وفهم
منه :أنه البد من نية وفاء الدين ،وأما قوهلم يف األص ـ ـ ـ ـ ـ ــول :ومن الواجب ما ال يثاب
عليه ،كنفقة واجبة ،ورد وديعة وغص ـ ـ ـ ـ ـ ــب ،وحنوه ،إذا فةعل مع غفلة عن نية التقرب ،ال
عن نية الوفاء والرد مثال؛ ألن الثواب على األوىل .أعين :نية التقرب ،دون الثانية؛ إذ قد
توجد مع إكراه مثال .يدل على ذلك قوله يف "خمتص ـ ــر األص ـ ــول"( )1بعدما تقدم :لعدم
النيــة املرتتــب عليهــا الثواب .انتهى .وهي نيــة التقرب إىل امللــك الوهـاب ،فال تنــايف بني
الكالمني ،خالفا ملا توهم منصور البهويت"(.)2
وهذا القول هو ظاهر قول صـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاحب الفروع( ،)3واملبدع( ،)4واإلنصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاف(،)5
واإلقناع( ،)6واملنتهى( ،)7والغاية(.)8
كما أن هذا القول نص عليه الشيخ منصور يف شرح املنتهى ،قال ¬(" :ومىت
نوى مديون وفاء) عما عليه (بدفع ،برئ) منه( ،وإال) ينو وفاء (فتربع)؛ حلديث ((وإمنا
لكل امرئ ما نوى))( )9وما ذكروه يف األص ـ ــول :أن رد األمانة وقض ـ ــاء الدين واجب ال
يقف على النية ،أي :نية التقرب"(.)10
( )1ينظر :خمتصر التحرير (ص ،)68 :وشرح الكوكب املنري (.)349 /1
( )2حاشية املنتهى (.)396 /2
( )3ينظر :الفروع (.)339 /6
( )4ينظر :املبدع (.)258 /4
( )5ينظر :اإلنصاف (.)119 /5
( )6ينظر :اإلقناع (.)146 - 145 /2
( )7ينظر :منتهى اإلرادات (.)394 /2
( )8غاية املنتهى (.)588 /1
( )9رواه البخاري :كتاب بدء الوحي ،باب كيف كان بدء الوحي إىل رسول اهلل ‘ ،ح( ،)1ورواه يف مواضع أخرى
من الصحيح ،ورواه مسلم :كتاب اإلمارة ،باب قوله ‘ إمنا األعمال بالنية وأنه يدخل فيه الغزو وغريه من األعمال،
ح(.)1907
( )10شرح املنتهى (.)99 /2
- 226 -
الفصل الثاين :التعقبات يف املعامالت املالية.
الترجيح:
لعل الراجح مذهبا هو القول الثاين؛ لتعاقب أئمة املذهب عليه ،وللدليل الذي
ذكروه ،وألن االس ــتش ــكال الذي محل أص ــحاب القول األول على قوهلم هذا قد أجاب
عنه أصحاب القول الثاين.
ولعله عند التحقيق وتدقيق النظر يف هذه املسألة يتبني أن اخلالف أقرب إىل كونه
خالفا لفظيا؛ وذلك ألنه يبعد تص ـ ـ ـ ــور أن يبذل رجل ماال لرجل آخر دون غرض ودون
اســتصــحاب أي ســبب هلذا البذل ،بل املتصــور أن يكون ســبب هذا البذل معاوضــة ،أو
تربع ،أو أداء واجب ،وحنو ذلك ،وأما أن يكون دون نية ودون قصــد فهذا بعيد .وعليه
فاألصــل أن جيعل هذا املال فيما نواه باذله ،وال يقال إن باذل املال مل ينو غرضــا ببذله،
فهذا االحتمال غري وارد ،واهلل أعلم.
( )1ينظر :كشاف القناع ( ،)310 /3وحواشي اإلقناع ( ،)1380 /3وحاشية اخللويت على منتهى اإلرادات (،)60 /3
ومطالب أويل النهى (..)236 /3
( )2سبق خترجيه.
( )3ينظر :شرح الكوكب املنري ( ،)349 /1وشرح املنتهى ( ،)99 /2وحاشية املنتهى (.)396 /2
- 227 -
الفصل الثاين :التعقبات يف املعامالت املالية.
ثمرة الخالف:
إذا بــذل مــدين لــدائنــه مــاال ،ومل ينو مبــالــه هــذا أداء دينــه ،ومل ينو بــه تربعــا ،فعلى
القول األول :يعــد هـذا املـال وفـاء لـدينــه ،وعلى القول الثــاين :يعــد هـذا املـال تربعـا ،وال
يعد وفاء لدينه.
القول المتعقب:
ال يص ـ ــح إقراض ويل من مال موليه ،وهذا قول منص ـ ــور البهويت ،قال ¬ "(و)
شـ ـ ــرط (كون مقرض يصـ ـ ــح تربعه) فال يقرض حنو ويل يتيم من ماله وال مكاتب وناظر
وقف منه ،كما ال حيايب"(.)2
وقد قال هبذا القول صاحب مطالب أويل النهى( ،)3وابن قاسم(.)4
التعقب:
يصـ ـ ـ ـ ـ ــح إقراض الويل من مال موليه إن كان يف ذلك مصـ ـ ـ ـ ـ ــلحة ،وهذا هو تعقب
عثمان ،قال ¬" :ويصــح من ويل ملصــلحة كما صــرح به يف املنتهى وغريه يف احلجر،
وكالم املصنف هنا يف شرح املنتهى غري حمرر"(.)5
وقد قال هبذا القول ابن قدامة( ،)1واجملد( ،)2والش ـ ـ ــارح( )3وص ـ ـ ــاحب الفروع(،)4
واملبدع( ،)5واإلنصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاف( ،)6واإلقناع( ،)7واملنتهى( ،)8والغاية( ،)9كما قال هبذا القول
منصور البهويت(.)10
الترجيح:
الــذي يظهر أن الراجح هو القول الثــاين ،لتعــاقــب أئمــة املــذهــب عليــه ،وللــدليــل
الذي ذكروه ،فتص ـ ـ ــرفات الويل منوطة باملص ـ ـ ــلحة ،وحيث ثبت وجود مص ـ ـ ــلحة يف هذا
اإلقراض جاز للويل فعله.
ويف هذا الزمن قد يقال إن عدم إقراض الويل مال موليه ألحد املص ــارف ،ووض ــعه
يف بيته مثال ،يعد تفريطا وتركا للمصلحة ،قد يضمن املال بسببه إن تلف أو سرق ،واهلل
أعلم.
ثمرة الخالف:
إذا أراد ويل إقراض مال موليه ملص ـ ــلحة معتربة ،فعلى القول األول :ليس له ذلك،
وعلى القول الثاين :له ذلك.
( )1ينظر :احملرر ( ،)347 /1والفروع ( ،)14 /7واملبدع ( ،)311 /4وغاية املنتهى (.)656 /1
( )2ينظر :املنح الشافيات (.)468 /2
- 231 -
الفصل الثاين :التعقبات يف املعامالت املالية.
المطلب الثاني عشر :تشبيه الناظر واإلمام بسيد الجاني.
صورة المسألة:
إذا اقرتض اإلمام للقيك على بيت املال ،أو الناظر على الوقف ،فهل تعلق الدين
يف ذمتهمــا وهبــذه اجلهــات كتعلق أرب اجلنــايــة برقبــة العبــد اجلــاين ،أم أنــه كتعلق الــدين
بذمة الوكيل إذا اشرتى ملوكله بثمن يف ذمتهت
القول المتعقب:
يتعلق الدين بذمة املقرتض على بيت املال ،وبذمة الناظر املقرتض على الوقف،
وهبذه اجلهات كتعلق أرب اجلناية برقبة العبد اجلاين ،وهذا قول منص ـ ـ ـ ـ ـ ــور البهويت ،قال
¬(" :ومن شأنه) أي :القرض (أن يصادف ذمة) قال ابن عقيل :الدين ال يثبت إال
يف الــذمم ومىت أطلقــت األعواض تعلقــت هبــا .ولو عينــت الــديون من أعيــان األموال مل
يصــح (فال يصــح قرض جهة كمســجد وحنوه) كمدرســة ورباط (وقال يف الفروع( ،)1يف
باب الوقف :وللناظر االس ــتدانة عليه بال إذن حاكم ملص ــلحة ،كشـ ـرائه له) أي :للوقف
(نس ـ ـ ـ ـ ـ ــيئة أو بنقد مل يعينه) .ويف باب اللقيك( :)2جيوز االقرتاض على بيت املال لنفقة
اللقيك .وكذا قال يف املوجز :يص ـ ــح قرض حيوان وثوب لبيت املال ،وآلحاد املس ـ ــلمني.
نقله يف الفروع(.)3
قلت :والظاهر أن الدين يف هذه املسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائل يتعلق بذمة املقرتض وهبذه اجلهات
كتعلق أرب اجلنــايــة برقبــة العبــد اجلــاين ،فال يلزم املقرتض الوفــاء من مــالــه ،بــل من ريع
الوقف ،وما حيدث لبيت املال"(.)4
التعقب:
يتعلق الدين بذمة املقرتض على بيت املال ،وبذمة الناظر املقرتض على الوقف،
وهبـذه اجلهـات كتعلق الـدين بـذمـة الوكيـل إذا اش ـ ـ ـ ـ ـ ــرتى ملوكلـه بثمن يف ذمتـه ،وهـذا هو
تعقب عثمان ،قال ¬" :ويظهر يل أن األوىل تشـبيه الناظر واإلمام بالوكيل ،ال بسـيد
اجلاين؛ ألن س ـ ـ ـ ــيد اجلاين قد يس ـ ـ ـ ــقك عنه الدين مبوت اجلاين مثال ،فال ينبغي أن يقاس
عليه الناظر واإلمام ،بل هو فيما اقرتض ـ ـ ـ ـ ــاه ملا ذكر كالوكيل إذا اش ـ ـ ـ ـ ــرتى ملوكله بثمن يف
ذمته ،وقد ص ـ ـ ـ ــرحوا بض ـ ـ ـ ــمان الوكيل يف احلالة املذكورة ،فكذا ينبغي يف ض ـ ـ ـ ــمان الناظر
واإلمام .فتدبر"(.)1
الترجيح:
ما ذكره الش ـ ـ ـ ـ ـ ــيخ عثمان من أن األوىل تش ـ ـ ـ ـ ـ ــبيه تعلق الدين يف ذمة الويل والناظر
بتعلق الدين بذمة الوكيل إذا اشـ ـ ـ ــرتى ملوكله بثمن يف ذمته مشـ ـ ـ ــكل؛ وذلك ألن احلنابلة
ذكروا أن الوكيل إذا اشرتى بثمن يف ذمته ثبت يف ذمة املوكل أصال ،ويف ذمة الوكيل تبعا
كالض ـ ـ ـ ــامن ،وللبائع مطالبة من ش ـ ـ ـ ــاء منهما( ،)1فالقول بأن الناظر واإلمام كالوكيل يف
هذه املس ــألة يلزم منه أنه حيق للدائن مطالبة اإلمام أو ناظر الوقف بالوفاء من ماهلما إن
كان بيت املال أو الوقف ليس فيه ما يكفي لسداد الدين ،كما يلزم عليه صحة مطالبة
اإلمام أو الناظر بعد عزهلما ،وأهنما ملزمان بالسداد ولو مل حيصل منهما تعد أو تفريك.
وأما ما ذكره من أنه يلزم على التشــبيه الذي ذكره الشــيخ منصــور :أن يكون تلف
الوقف أو بيت املال س ـ ـ ـ ــببا مس ـ ـ ـ ــقطا للدين ،كما أن موت العبد اجلاين يس ـ ـ ـ ــقك األرب
املتعلق برقبته( ،)2فهو صحيح ،وليس فيه ما مينع صحة هذا التشبيه؛ إذ لو تلف الوقف
أو تعطل بيت املال فال يلزم اإلمام أو الناظر يف ذمتهما ش ـ ـ ــيء إن كان تص ـ ـ ــرفهما ليس
فيه تعد وال تفريك.
ولذا فالظاهر أن التعقب غري متجه ،بل ما ذكره الش ـ ـ ــيخ منص ـ ـ ــور هو املتجه ،إال
أن يةدخل الناظر أو اإلمام ذمته يف الدين ،فيقال :إنه مىت أدخل ذمته فيكون كالوكيل
إذا اشرتى بثمن يف ذمته.
وعليه فيقال إنه يفرق بني ثالثة أحوال من تصرفات الويل والناظر:
احلـال األوىل :أن يـأخـذ النـاظر أو اإلمـام دينـا على الوقف أو بيـت املـال ،متوخيا
يف ذلك املص ــلحة ،دون تعد منه أو تفريك ،فالظاهر أنه يف هذه احلالة ال يلحق ذمتهما
ش ــيء؛ ألن ما ترتب على املأذون غري مض ــمون ،والوكيل والناظر إمنا فعال ما هو مأذون
هلما( ،)3فيكونان يف هذه احلالة مثل النائب املأذون له يف التصرف إن تصرف فيما أذن
لــه بــه من غري تعــد وال تفريك ،ويكون تعلق الــدين يف ذمتهمــا ويف هــذه اجلهــات كتعلق
أرب اجلناية برقبة العبد اجلاين.
( )1ينظر :الكايف ( ،)142 /2والشرح الكبري ( ،)238 /5والفروع ( ،)52 /7واملبدع ( ،)343 /4واإلنصاف (/5
،)375وشرح املنتهى ( ،)194 /2ومطالب أويل النهى (.)463 /3
( )2ينظر :قواعد ابن رجب القاعدة الثامنة والثالثون بعد املئة ( ،)51 - 50 /3واإلنصاف ( ،)79 /10وحاشية
املنتهى ( ،)398 /2وهداية الراغب (.)514 /2
( )3ينظر :األحكام السلطانية أليب يعلى (ص ،)253 :والفروع ( ،)357 /7واإلنصاف ( ،)72 /7واإلقناع (/2
.)147
- 234 -
الفصل الثاين :التعقبات يف املعامالت املالية.
احلال الثانية :أن يأخذ الناظر أو اإلمام دينا على الوقف أو بيت املال ،متوخيا يف
ذلك املص ـ ـ ـ ـ ــلحة ،دون تعد منه أو تفريك ،ولكنه جيعل هذا الدين يف ذمته ،فالظاهر أنه
يف هذه احلالة يثبت الدين يف ذمته تبعا ويثبت يف ذمة بيت املال أو الوقف أصـ ــال ،كما
يثبت الدين يف ذمة املضمون أصال ويف ذمة الضامن تبعا ،وكما يثبت يف ذمة الوكيل إذا
اشــرتى ملوكله بثمن يف ذمته ،وســبب تضــمني اإلمام والناظر يف هذه احلال هو إدخاهلما
ذمتهما يف القرض ،فكأن ذمتهما صـ ــارت ضـ ــامنة للقرض ،فيكونان يف هذه احلالة مثل
الضامن والوكيل الذي اشرتى بذمته.
احلال الثالثة :أن يأخذ الناظر أو اإلمام دينا على الوقف أو بيت املال ،دون توخ
للمصـ ـ ـ ــلحة ،أو حيصـ ـ ـ ــل منهم يف ذلك تعد أو تفريك ،فالظاهر أنه يف هذه احلالة يثبت
الدين يف ذمتهما أص ـ ـ ـ ـ ــال ،ويثبت يف ذمة بيت املال أو الوقف تبعا ،كالوكيل إذا تعدى،
فوكالته ال تنفس ــخ ،بل تزول أمانته ويص ــري ض ــامنا ،وكالناظر إذا أجر العني املوقوفة بأقل
من قيمتها( ،)1واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
إذا اقرتض اإلمــام للقيك على بيــت املــال ،أو النــاظر على الوقف ،دون تعــد أو
تفريك ،ومل يدخال ذمته ما يف الدين ،مث تلف الوقف أو تعطـل بيـت املال ،فعلى القول
األول :ال يلزم اإلمام أو الناظر يف ذمتهما ش ـ ـ ـ ـ ـ ــيء ،وعلى القول الثاين :للدائن مطالبة
اإلمام أو الناظر بأداء الدين.
( )1ينظر :جمموع الفتاوى ( ،)201 /31وقواعد ابن رجب ،القاعدة اخلامسة واألربعون ( ،)327 /1واإلنصاف (/7
،)73وكشاف القناع ( ،)269 /4وشرح املنتهى ( ،)416 /2والروض الندي شرح كايف املبتدي (ص،)299 :
وكشف املخدرات ( ،)517 /2ومطالب أويل النهى (.)340 /4
- 235 -
الفصل الثاين :التعقبات يف املعامالت املالية.
المطلب الثالث عشر :ضمان المشتري أرش الثمن.
صورة المسألة:
إذا ضــمن ضــامن مثن املبيع عن املشــرتي للبائع ،فهل يدخل يف الضــمان :ضــمان
أرب عيب الثمن ،أم ال يدخلت
القول المتعقب:
إذا ضـ ــمن ضـ ــامن مثن املبيع عن املشـ ــرتي للبائع ،فال يدخل يف الضـ ــمان ضـ ــمان
أرب عيب الثمن مطلقا ،ويفهم هذا القول من ص ـ ـ ـ ـ ــنيع الفتوحي ،قال ¬ يف معرض
ذكره ما يصح ضمانه" :وعهدة مبيع عن بائع ملشرت ،بأن يضمن عنه الثمن إن استحق
املبيع أو رد بعيب ،أو أرشه .وعن مشرت لبائع ،بأن يضمن الثمن الواجب قبل تسليمه،
أو إن ظهر به عيب ،أو استحق"(.)1
وهذا القول هو ظاهر قول ابن قدامة( ،)2والش ــارح( ،)3وص ــاحب اإلنص ــاف(،)4
واإلقناع( ،)5والغاية( ،)6والروض(.)7
التعقب:
إذا ضــمن ضــامن مثن املبيع عن املشــرتي للبائع ،فيدخل يف الضــمان ضــمان أرب
عيـب الثمن ،وهذا هو تعقـب عثمـان ،قال ¬" :قوله( :أو إن ظهر به عيـب) كان
ينبغي أن يقول :أو أرشــه .كما فعل يف جانب املبيع؛ إذ الثمن يف ذلك كاملثمن ،وميكن
أنه اكتفى بفهمه باملقايسة ،وفيه شيء"(.)1
وقد قال هبذا القول ابن عوض يف حاشيته على الدليل(.)2
الترجيح:
هذه املسـ ـ ــألة تنبين على مسـ ـ ــألة حكم إمسـ ـ ــاك الثمن واملطالبة بأرشـ ـ ــه إن بان به
عيب ،وهذه املسـ ـ ــألة ذكر احلنابلة فيها مجلة من التفصـ ـ ــيالت ،وذكروا مجلة من الصـ ـ ــور
اليت ال يثبت للبائع األرب مع اإلمساك ،وصورا يثبت له فيها األرب مع اإلمساك ،فمن
ذلك أهنم قالوا :إن كان الثمن نقدا معينا ،وكان به عيب من جنس ـ ـ ـ ــه ،فللبائع الرد دون
البدل ،فإن أمس ـ ــك فله األرب ،إال يف الص ـ ــرف من جنس واحد ،وإن قلنا إن الثمن ال
يتعني بالعقد ،فيثبت للبائع البدل دون األرب؛ ألن الواجب يف الذمة دون املعني(.)5
وعليه فإن عدم ذكر الفتوحي وغريه من فقهاء احلنابلة رمحهم اهلل لألرب هنا قد
يكون س ـ ـ ـ ــببه أن أرب الثمن املعيب ال يثبت يف كل معاوض ـ ـ ـ ــة ،ولذا فالظاهر أن تعقب
عثمان هنا غري متجه ،واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
إذا ض ـ ـ ـ ــمن ض ـ ـ ـ ــامن مثن املبيع عن املش ـ ـ ـ ــرتي للبائع ،فعلى القول األول ال يدخل
ض ـ ــمان أرب عيب الثمن يف كل ض ـ ــمان ،وعلى القول الثاين يدخل ض ـ ــمان أرب عيب
الثمن يف كل ضمان.
القول المتعقب:
يف هذه الص ـ ــورة ترد اليمني على مدعي اإلعس ـ ــار ،فيحلف أنه ال مال له ،أو أنه
معس ـ ـ ـ ـ ـ ــر ،وهذا قول الفتوحي ،قال ¬" :وحترم مطـالبـة ذي عس ـ ـ ـ ـ ـ ــرة مبا عجز عنـه،
ومالزمتــه ،واحلجر عليــه ،فــإن ادعــاهــا ودينــه عن عوض كثمن وقرض ،أو عرف لــه مــال
سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابق والغالب بقاؤه ،أو عن غري عوض وأقر أنه مليء :حبس ،إال أن يقيم بينة به،
ويعترب فيها أن خترب باطن حاله ،وال حيلف معها ،أو يدعي تلفا وحنوه ،ويقيم بينة به،
وحيلف معها -ويكفي يف احلالتني أن تشــهد بالتلف أو اإلعســار ،-وتســمع قبل حبس
كبعده ،أو يسأل سؤال مدع ويصدقه :فال.
وإن أنكر وأقام بينة بقدرته ،أو حلف حبس ـ ـ ـ ـ ـ ــب جوابه :حبس ،وإال حلف مدين
وخلي"(.)1
قال يف شـ ـ ـ ـ ــرحه(" :وإن أنكر) املدعي عس ـ ـ ـ ـ ـرته (وأقام بينة بقدرته) ليسـ ـ ـ ـ ــقك عنه
اليمني( ،أو حلف حبس ــب جوابه) كس ــائر الدعاوي( :حبس) املدعى عليه( .وإال) أي:
وإن مل يكن دينه عن عوض ،ومل يعرف له مال سابق ،ومل يقر أنه مليء ،ومل حيلف مدع
طلب ميينه أنه ال يعلم عسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرته( :حلف مدين) أنه ال مال له( ،وخلي) س ـ ـ ـ ـ ـ ــبيله؛ ألن
األصل عدم املال"(. )1
وقد قال هبذا القول البهويت يف شــرحه للمنتهى( ،)2واخللويت( ،)3وصــاحب كشــف
املخدرات( ،)4ومطالب أويل النهى(.)5
التعقب:
يف هذه الصورة ال ترد اليمني على مدعي اإلعسار ،بل حيكم بنكول الغرمي ،وهذا
هو تعقب عثمان ،قال ¬" :قوله( :وإال حلف مدين وخلي) أي :وإن مل يكن دينه
عن عوض مايل كأرب جناية ،ومل يعرف له مال س ـ ـ ـ ــابق ،ومل يقر أنه مليء ،ومل يقم بينة
بإعسـ ـ ــاره ،ومل يصـ ـ ــدقه غرميه يف دعوى اإلعسـ ـ ــار ،وال أقام غرميه بينة بقدرته ،وال حلف
الغرمي حبس ــب جوابه ،فإنه حيلف مدين أنه ال مال له ،أو أنه معس ــر وخيلى سـ ــبيله ،فإن
فقد ش ـ ـ ـ ــيء من القيود الس ـ ـ ـ ــبعة ،فإنه ال حيلف إال يف ص ـ ـ ـ ــورتني ،إحدامها :أن يقيم بينة
بالتلف فإنه حيلف معها ،واألخرى :أن يس ـ ـ ـ ـ ــأل سـ ـ ـ ـ ـ ـؤال خص ـ ـ ـ ـ ــمه ،فيكذبه ،وال حيلف
اخلصـ ــم ،فإن املدين حيلف أيضـ ــا ،والصـ ــورتان مذكورتان يف املنت ،ويف الثانية منهما نوع
خمالفة؛ ألنا ال نقول برد اليمني ،واهلل أعلم ،فليحرر"(.)6
الترجيح:
الذي يظهر أن املسـ ـ ـ ــألة اليت ذكرها صـ ـ ـ ــاحب املنتهى هنا ال يوافق عليها ،كما ال
يوافق عليها عثمان أيض ــا ،إذ إن مقتض ــى قوهلم أنه إن مل يكن دين املعس ــر عن عوض،
ومل يعرف له مال سابق ،ومل يقر أنه مليء ،أن اليمني تتوجه يف هذه الصورة على الغرمي،
وهذا خمالف ملا نص عليه أكثر احلنابلة ،إذ إهنم نص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوا على أن اليمني يف هذه احلالة
تتوجه على مدعي اإلعسـ ـ ـ ــار ال على الغرمي( ،)3قال ابن القيم ¬" :هذا احلكم عليه
مجهور األئمة فيما إذا كان عليه دين عن غري عوض مايل ،كاإلتالف والض ـ ـ ـ ـ ــمان واملهر
وحنوه فإن القول قوله مع ميينه ،وال حيل حبسـ ـ ـ ــه مبجرد قول الغرمي :إنه مليء ،وإنه غيب
ماله .قالوا :وكيف يقبل قول غرميه عليه ،وال أصـ ـ ــل هناك يسـ ـ ــتصـ ـ ــحبه وال عوض ،هذا
الذي ذكره أصحاب الشافعي ومالك وأمحد"(.)4
والظاهر أن كالم الفتوحي ومن تبعه فيه تسوية بني الصورة اليت يكون فيها جانب
الغرمي أقوى ،وهي ما إذا كان الدين عن عوض مايل ،أو عرف ملدعي اإلعسار مال ،أو
أقر أنه مليء ،والصــورة اليت يكون جانب مدعي اإلعســار فيها أقوى ،وهي ما لو اختل
قيد من القيود اليت تقوي جانب الغرمي ،ولذا وقع اإلشـ ــكال .وقول الفتوحي يف شـ ــرحه:
"ومل حيلف مدع طلب ميينه أنه ال يعلم عسرته" يدل على اإلشكال املذكور.
والظاهر أن املشهور من املذهب تقسيم مدعي اإلعسار إىل قسمني:
( )1ينظر :اهلداية (ص ،)571 :والكايف ( ،)266 /4واملغين ( ،)211 /10واحملرر ( ،)208 /2واملبدع (.)187 /8
( )2حاشية املنتهى (.)476 /2
( )3ينظر :املغين ( ،)340 /4والكايف ( ،)96 /2وعمدة احلازم (ص ،)305 :واحملرر ( ،)346 /1والشرح الكبري (/4
،)461والطرق احلكمية (ص ،)56 :والفروع ( ،)457 /6واملبدع ( ،)285 /4واإلقناع ( ،)209 /2وحاشية
الروض املربع (.)165 /5
( )4الطرق احلكمية (ص.)56 :
- 242 -
الفصل الثاين :التعقبات يف املعامالت املالية.
القس ـ ـ ــم األول :من كان دينه عن عوض مايل ،أو كان له مال س ـ ـ ــابق ،أو أقر أنه
مليء ،فدعواه اإلعس ــار فيها ض ــعف ،وجانب الغرمي أقوى من جانب مدعي اإلعس ــار،
ولذا قالوا فيه :إن مل يقم بينة على التلف أو اإلعسار ومل يصدق الغرمي دعوى اإلعسار،
بل أنكرها ،فتطلب البينة من الغرمي فإن أقامها ،وإال حلف أنه ال يعلم عسـرته ،فيحبس
املدعى عليه .فتتوجه اليمني يف هذه الص ـ ــور على املدعي لقوة جانبه بض ـ ــعف اإلعس ـ ــار
لوجود مال سابق.
والقســم الثاين :إن مل يكن مدعي اإلعســار كذلك ،بأن كان دينه عن غري عوض
مايل ،وال يعرف له مال سـ ـ ــابق ،ومل يقر أنه مليء ،ومل يقر له الغرمي أنه معسـ ـ ــر ،ومل يقم
الغرمي بينة على مالءته ،فتتوجه اليمني يف هذه الصورة على مدعي اإلعسار؛ وذلك ألن
جانبه أقوى؛ ألن األصل عدم املال.
قال الزركش ـ ـ ـ ـ ـ ــي ¬" :من وجب عليه دين ،فإن كان مؤجال مل يطالب به ومل
يالزم بــه ،وإن كــان حــاال فطولــب بــه ولــه مــال ظــاهر أمر بوفــائــه ،وإن مل يكن لــه مــال
ظاهر فذكر أنه معس ـ ــر ،فإن ص ـ ــدقه الغرمي أو مل يص ـ ــدقه وقامت بينة -كما س ـ ــيأيت -
بذلك مل يتعرض له لقوله تعاىلَ { :وإِ ْن َكا َن ذةو عة ْسَرٍة فَـنَ ِظَرةمل إِ َىل َمْي َسَرٍة} [ سورة البقرة:
، ]280وإن مل يصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدقه ومل تقم بينة بذلك ،فإن علم له مال ،أو كان دينه ثبت عن
مـال -كـالبيع والقرض -والغـالـب بقـاؤه ،أو من غري مـال كـالض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـان وحنوه وأقر أنه
مليء ،فالقول قول غرميه مع ميينه أنه ال يعلم عس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرته بدينه ،ويف الرعاية أنه حيلف أنه
موسـ ـ ــر بدينه ،وال يعلم إعسـ ـ ــاره به ،فإن نكل عن اليمني حلف املفلس وخلي سـ ـ ــبيله،
وإن حلف حبس املــدين ليظهر حــالــه إىل أن يقيم بينــة ... ،وإن مل يعلم لــه مــال ،ومل
يكن دينــه عن مــال ،كعوض النكــاح وغريه ،ومل يقر بــاملالءة بــه ،أو عن مــال والغــالــب
ذهــابــه ،فــالقول قولــه مع ميينــه ،لرتجحــة جــانبــه ،إذ األص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل عــدم املــال ،ومن مث يرجح
جانب غرميه فيما إذا ثبت له مال إذ األصل بقاؤه"(.)1
وقال يف اإلقناع" :وإن أكذ به وكان دينه عن عوض كالبيع والقرض ،أو عرف له
مال سـ ـ ـ ـ ـ ــابق والغالب بقاء ذلك ،أو عن غري عوض كأرب جناية وقيمة متلف ومهر أو
ض ـ ـ ـ ـ ـ ــمان أو كفالة أو عوض خلع ،وأقر أنه مليء :حبس ،إال أن يدعي تلفا وحنوه ،أو
يس ـأل س ـؤاله ويصــدقه ،فال .فإن أنكر وأقام بينة بقدرته أو حلف أنه ال يعلم عس ـرته أو
أنه موسـ ـ ـ ــر أو ذو مال وحنوه :حبس ،فإن مل حيلف حلف املدين وخلي سـ ـ ـ ــبيله ،إال أن
يقيم بينة تش ـ ـ ـ ـ ـ ــهد له ،وإن كان احلق عليه ثبت يف غري مقابلة مال أخذه كأرب جناية
وقيمة متلف ومهر أو ضـ ـ ــمان وكفالة أو عوض خلع ومل يعرف له مال ومل يقر أنه مليء
حلف أنه ال مال له وخلي"(.)1
ومما يدل على ما ذكر تعليل الفتوحي ،فإنه قال عند ذكره القس ـ ـ ـ ـ ـ ــم األول" :ألن
األصل بقاء املال"( ،)2وقال عند ذكره القسم الثاين" :ألن األصل عدم املال"(.)3
ولعل الفتوحي ومن تابعه يقولون هبذا القول ،وإمنا وقع منهم التقييد بقوهلم" :ومل
حيلف مدع طلب ميينه أنه ال يعلم عسرته" سهوا منهم ،واهلل أعلم.
وأما مسث ثثألة رد اليمين إذا ادعى رجل على رجل دينا اس ـ ــتحق عن عوض مايل،
كقيمة مبيع ،أو عن غري عوض ،وعلم ملدعي اإلعس ـ ـ ــار مال األص ـ ـ ــل بقاؤه ،أو أقر أنه
مليء ،فصدقه املدعى عليه ،ولكنه دفع بإعساره ،وليس له بينة على ذلك ،فلم يصدقه
املدعي يف دعوى إعسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاره ،وليس للمدعي بينة على مالءة املدعى عليه ،وعرضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت
اليمني على املدعي فلم حيلف أنه ال يعلم عس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرته ،أو أنه قادر على الوفاء ،فهل ترد
اليمن يف هذه الص ــورة على مدعي اإلعس ــار ،فيحلف أنه ال مال له ،أو أنه معس ــر ،أو
أن اليمني ال ترد ،وحيكم بإخالء سبيل مدعي اإلعسار مبجرد نكول الغرميت
للحنابلة يف هذه املسألة قوالن:
القول األول :إذا نك ــل الغرمي ف ــإن ــه حيكم بنكول ــه ،وال ترد اليمني على م ــدعي
اإلعسار.
وقد قال هبذا القول ص ـ ـ ــاحب الفروع ،ونس ـ ـ ــبه إىل ابن عقيل( ،)1وهو ظاهر قول
ابن قدامة( ،)2والشارح(.)3
القول الثاين :إذا نكل الغرمي فإن اليمني ترد على مدعي اإلعسار.
وقد قال هبذا القول الزركشـ ــي( ،)4وصـ ــاحب اإلنصـ ــاف( ،)5واإلقناع( ،)6كما أن
هذا القول ميكن أن يفهم من املنتهى( ،)7والغاية(.)8
وأصحاب القولني مل يذكروا دليال ،وميكن أن يستدل للقول األول بأن فيه متسكا
بقاعدة املذهب ،وهي أنه إذا نكل من توجهت عليه اليمن ،فيحكم بالنكول ،وال ترد
اليمني على الطالب(.)9
وأما القول الثاين ،فيمكن أن يس ـ ـ ـ ـ ـ ــتدل له بأن هذه الص ـ ـ ـ ـ ـ ــورة قد تداخلت فيها
دعويـان يف دعوى واحـدة ،فـالـدعوى األوىل هي مطـالبـة الغرمي للغـارم بـاألداء ،والـدعوى
األخرى :دفع الغارم باإلعس ـ ـ ـ ــار ،وطلبه سـ ـ ـ ـ ـؤال الغرمي عن ذلك ،فنكول الغرمي عن أداء
اليمني يثبت احلق يف الدعوى اليت يكون فيها الغارم مدعيا ،واليت هي دعوى اإلعسـ ــار،
وال يكون مثبتا يف الدعوى اليت الغارم فيها مدعا عليه ،واليت هي أصـ ــل املطالبة ،ف ةقصـ ــر
تأثري النكول على الدعوى الثانية دون الدعوى األوىل ،وتوجهت اليمني على الغارم يف
الدعوى األوىل؛ ألن األص ـ ـ ــل أن اليمني تش ـ ـ ــرع يف جانب املدعى عليه ،ولتقوي جانب
الغارم يف الدعوى األوىل بنكول الغرمي يف الدعوى الثانية.
وقد نص ص ـ ـ ــاحب الفروع( ،)1والفتوحي يف ش ـ ـ ــرحه( ،)2وص ـ ـ ــاحب مطالب أويل
النهى( )3على أن طلب الغارم سؤال الغرمي عن حاله أهنا دعوى مستقلة ،واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
إذا ادعى رجــل على رجــل دينــا اس ـ ـ ـ ـ ـ ــتحق عن غري عوض مــايل ،كــأرب جنــايــة،
فص ـ ـ ــدقه املدعى عليه ،ولكنه دفع بإعس ـ ـ ــاره ،وليس له بينة على ذلك ،وال يعلم له مال
األصــل بقاؤه ،ومل يقر أنه مليء ،فلم يصــدقه املدعي يف دعوى إعســاره ،وليس للمدعي
بينــة على مالءة املــدعى عليــه ،وعرض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت اليمني على املــدعي فلم حيلف أنــه ال يعلم
عس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرتــه ،أو أنــه قــادر على الوفــاء ،فعلى القول األول :ترد اليمني على املــدعى عليــه،
فيحلف أنه ال مال له ،أو أنه معســر ،وعلى القول الثاين :يكتفى بنكول املدعي ،وعلى
القول املرجح :ال تتوجه اليمني على املدعي ابتداء ،وإمنا تتوجه على املدعى عليه.
القول المتعقب:
يص ــح للوكيل فس ــخ البيع زمن اخليار إن جاء مزايد ،وال يلزم أال يكون املزايد بعد
بيع السلعة عاملا بالبيع األول ،وهذا هو ظاهر قول الفتوحي ،قال ¬" :وإن زيد على
مثن مثل قبل بيع ،مل جيز به ،ويف مدة خيار ،مل يلزم فسخ"(.)2
وهذا القول هو ظاهر قول ابن قدامة( ،)3والش ـ ـ ـ ـ ـ ــارح( ،)4وص ـ ـ ـ ـ ـ ــاحب املبدع(،)5
واإلنصاف( ،)6واإلقناع( ،)7وهو قول صاحب الغاية( ،)8والشطي(.)9
التعقب:
يص ـ ـ ــح للوكيل فس ـ ـ ــخ البيع زمن اخليار إن جاء مزايد ،ولكن يلزم أال يكون املزايد
بعد بيع الس ــلعة عاملا بالبيع األول ،فإن كان عاملا بالبيع األول فال يص ــح الفس ــخ ،وهذا
هو تعق ــب عثم ــان ،ق ــال ¬" :قول ــه( :مل يلزم) ينبغي تقيي ــده مب ــا إذا زاد غري ع ــامل
باألول"(.)1
الترجيح:
الذي يظهر أن ســبب تعقب عثمان هو أن قول الفتوحي" :مل يلزم" قد يفهم منه
اجلواز ،إذ عدم اللزوم ال يعين النهي ،فكأن تقدير العبارة اليت يريدها عثمان" :ويف مدة
خيار ،مل يلزم فس ـ ــخ مىت زاد غري عامل بالبيع ،فإن كان عاملا حرم الفس ـ ــخ" ،والظاهر أن
التعقب متجه؛ ملا ذكر يف دليل القول الثاين ،وقد نبه البهويت على ذلك يف باب احلجر،
عند ذكر فســخ أمني احلاكم البيع إن جاء مزايد زمن اخليار ،قال يف الكشــاف" :وتقدم
يف البيع :حيرم البيع على بيع املس ـ ــلم والش ـ ـ ـراء على ش ـ ـ ـرائه ،فهذه الصـ ـ ــورة إما مس ـ ــتثناة
للحاجة ،أو حممولة على ما إذا زاد غري عامل بعقد البيع"(.)1
تنبيه :ذكر يف املغين( )2والشرح( )3احتماال بإلزام الوكيل بالفسخ إن زيد على مثن
املثل زمن اخليار ،وقال يف الفروع" :فيه وجه"( ،)4قال املرداوي يف التص ـ ـ ــحيح" :والنفس
متيل إليه"(.)5
ثمرة الخالف:
إذا وكل رجل آخر يف بيع س ـ ـ ـ ـ ـ ــلعة ،فباعها بثمن مثلها ،مث جاء من يطلبها بأكثر
من مثن املثل يف مدة اخليار ،فإن الوكيل ال يلزمه الفسـ ــخ ،وبيع السـ ــلعة ملن زاد على مثن
مثلها ،ولكن على القول األول :يص ـ ـ ـ ــح للوكيل الفس ـ ـ ـ ــخ مطلقا ،وعلى القول الثاين :ال
يصح للوكيل الفسخ ،إال إن كان املزايد غري عامل بالبيع األول.
( )1كشاف القناع ( ،)433 /3وينظر :جتريد زوائد الغاية والشرح (.)468 /3
( )2املغين (.)99 /5
( )3ينظر :الشرح الكبري (.)227 /5
( )4الفروع ( ،)59 /7تنبيه :قال املرداوي يف التصحيح (" :)67 /7قوله" :ولزوم فسخه لزيادة يف اجمللس وجهان" مع
قوله قبل ذلك بيسري "وال يلزمه الفسخ لزيادة مدة خيار .وفيه وجه" فقدم عدم اللزوم ،ولعله أراد هبذه خيار الشرط،
وبتلك خيار اجمللس ،لكن ظاهر تعليله يف املغين وغريه مشول اخليارين ،وهو الصواب ،ومل نر من فرق بينهما".
( )5تصحيح الفروع ( ،)65 /7وينظر :اإلنصاف (.)382 /5
- 249 -
الفصل الثاين :التعقبات يف املعامالت املالية.
المطلب الثالث :بيع الوكيل للسلعة بثمن المثل مع حضور من يزيد
عليه.
صورة المسألة:
إذا أراد وكيل بيع س ـ ـ ـ ـ ـ ــلعة وكل يف بيعها ،فجاءه من يريد أخذها بثمن مثلها ،مث
جاءه من يريد أخذها بأكثر من مثن مثلها ،فباعها الوكيل على من يريدها بثمن املثل،
فهل يضمن الوكيل الزيادة اليت كان يريد بذهلا املشرتي اآلخر ،أم ال يضمنت
القول المتعقب:
إذا باع الوكيل الس ــلعة بثمن املثل مع حض ــور من يريدها بأكثر من مثن املثل ،فإن
بيعه يص ـ ــح ،وال يض ـ ــمن الزيادة اليت اس ـ ــتعد ببذهلا املش ـ ــرتي اآلخر ،وهذا قول منص ـ ــور
البهويت ،قال ¬(" :ولو حض ــر من يزيد) يف املبيع (على مثن مثل ،مل جيز) للوكيل وال
للمضـ ـ ـ ـ ـ ــارب (بيعه به) أي :بثمن املثل؛ ألن عليه االحتياط ،وطلب احلظ للموكل ،فإن
خالف وباع ،فمقتض ـ ـ ــى ما س ـ ـ ــبق :يص ـ ـ ــح البيع ،وظاهر كالمهم :وال ض ـ ـ ــمان ،ومل أره
مصرحا به"(.)1
التعقب:
إذا باع الوكيل الســلعة بثمن املثل مع حضــور من يريدها بأكثر من مثن املثل ،فإنه
يض ـ ــمن الزيادة اليت اس ـ ــتعد ببذهلا املش ـ ــرتي اآلخر ،وهذا هو تعقب عثمان ،قال ¬:
"وقد يقال :بل هو مفرط يف احلالة املذكورة ،فيض ـ ــمن لتحقق تفريطه ،أخذا مما س ـ ــيأيت،
وكالمهم هنا ال ينافيه ،فليحرر"(.)2
وقد ذكر ص ــاحب الغاية هذا القول اجتاها( ،)1ووافقه عليه ش ــارحها( ،)2والش ــيخ
الشطي( ،)3وذكره اخللويت يف حاشيته على اإلقناع احتماال( ،)4وهو قول ابن قاسم(.)5
الترجيح:
الــذي يظهر أن الراجح هو القول الثــاين؛ وذلــك لوجــاهــة مــا عللوا بــه ،وألن من
ذكر هذه املس ـ ـ ـ ـ ـ ــألة من احلنابلة ،ذكر إلزام الوكيل بالبيع على من زاد على مثن املثل(،)8
وال معىن لإللزام إن قلنا إن البيع صحيح ،وال يضمن الوكيل شيئا ،واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
إذا أراد وكيل بيع س ـ ـ ـ ـ ـ ــلعة وكل يف بيعها ،فجاءه من يريد أخذها بثمن مثلها ،مث
جاءه من يريد أخذها بأكثر من مثن مثلها ،فباعها الوكيل على من يريدها بثمن املثل،
فعلى القول األول :يصـ ــح البيع ،وال يضـ ــمن الوكيل الزيادة اليت كان يريد بذهلا املشـ ــرتي
اآلخر ،وعلى القول الثاين :يص ـ ـ ـ ـ ـ ــح البيع ،ويض ـ ـ ـ ـ ـ ــمن الوكيل الزيادة اليت كان يريد بذهلا
املشرتي اآلخر.
القول المتعقب:
هذا اإلذن مطلق إن كان س ـ ـ ــيحقق مص ـ ـ ــلحة عائدة للشـ ـ ـ ـريكني ،وهذا هو ظاهر
الرواية عن اإلمام أمحد ،فقد نقل عنه حنبل" :يتربع ببعض الثمن ملصلحة".
وقد نقل هذه الرواية صـ ــاحب الفروع( ،)3واملبدع( ،)4ونقلها الفتوحي والبهويت يف
شرحيهما على املنتهى( ،)5ومل يقيد واحد منهم هذه الرواية بقيد.
التعقب:
هذا اإلذن ينبغي تقييده مبا إذا مل يكن الش ـ ـريك عاملا حبال املشـ ــرتي وقت العقد،
أما لو علم أنه ذو ش ـ ــوكة ال ميكن االس ـ ــتيفاء منه فعقد معه ،فينبغي ض ـ ــمانه ،وهذا هو
تعق ــب عثم ــان ،ق ــال ¬" :قول ــه( :وال أن يه ــب) ونق ــل حنب ــل :يتربع ببعض الثمن
ملصلحة .قاله املصنف يف شرحه .أي :كما إذا مل يتمكن من أخذ الثمن إال باإلبراء من
( )1ينظر :اهلداية (ص ،)283 :واملستوعب ( ،)821 /1واملقنع (ص ،)196 :والشرح الكبري ( ،)121 /5واملبدع
( ،)361 /4واإلقناع ( ،)255 /2ومنتهى اإلرادات ( ،)12 /3وغاية املنتهى (.)688 /1
( )2ينظر :الفروع ( ،)90 /7واملبدع ( ،)361 /4ومعونة أويل النهى ( ،)17 /6وشرح املنتهى ( ،)211 /2وكشاف
القناع ( ،)500 /3واجلامع لعلوم اإلمام أمحد (.)436 /9
( )3ينظر :الفروع (.)90 /7
( )4ينظر :املبدع (.)361 /4
( )5ينظر :معونة أويل النهى ( ،)17 /6وشرح املنتهى ( ،)211 /2وكشاف القناع (.)500 /3
- 254 -
الفصل الثاين :التعقبات يف املعامالت املالية.
بعض ـ ــه ،وينبغي تقييده مبا إذا مل يكن الش ـ ـ ـريك عاملا حبال املش ـ ــرتي وقت العقد ،أما لو
علم أنه ذو شوكة ال ميكن االستيفاء منه فعقد معه ،فينبغي ضمانه ،كما لو علم فلسه،
على قياس ما تقدم يف الوكيل"(.)1
الترجيح:
الذي يظهر أن تقييد التربع باملص ـ ـ ـ ـ ـ ــلحة كاف ،وال يلزم تقييده مبا ذكره الش ـ ـ ـ ـ ـ ــيخ
عثمــان؛ وذلــك ألنــه من املص ـ ـ ـ ـ ـ ــلحــة أال يبيع على من يعلم أنــه ال يويف الثمن ،أو أنــه
مفلس ،فإن حتقق أنه علم ذلك ،فالظاهر أنه خالف املص ـ ـ ـ ـ ــلحة ،فيض ـ ـ ـ ـ ــمن على القول
األول والث ــاين ،ف ــال ــذي يظهر أن القولني متفقـ ـان ،فيكون تعق ــب عثم ــان ¬ ليس
متجها ،وقد يقال إن ذكر عثمان ¬ هلذا القيد فيه زيادة تأكيد عليه ،وفيه ش ـ ـ ـ ـ ــيء،
واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
اخلالف لفظي.
القول المتعقب:
ال جيوز للعامل يف املس ـ ـ ــاقاة واملزارعة أن يعامل غريه على األرض أو الش ـ ـ ــجر بغري
إذن ربه مطلقا ،حىت وإن كان ذلك بعد ظهور الثمرة والزرع ،وهذا قول احلجاوي ،قال
¬ "وإذا س ــاقى رجال أو زارعه ،فعامل العامل غريه على األرض أو الش ــجر بغري أذن
ربه :مل جيز"(.)1
وقد قال هبذا القول ابن قدامة( ،)2والشارح( ،)3وصاحب اإلنصاف(.)4
التعقب:
جيوز للعامل يف املســاقاة واملزارعة أن يعامل غريه على األرض أو الشــجر بغري إذن
ربه إذا فعل ذلك بعد ش ــروعه يف العمل ،وظهور الثمرة والزرع ،وهذا هو تعقب عثمان،
قال ¬" :وإن باع عامل أو وارثه نصـ ـ ـ ـ ـ ــيبه ملن يقوم مقامه ،جاز ،لكن إن كان املبيع
مثرا ،مل يصــح إال بعد بدو الصــالح ،أو ملالك األصــل ،وإن كان املبيع نصــيب املناصــب
من الشجر ،صح مطلقا ،وصح شرط عمل على مشرت كمكاتب بيع ،فإن مل يعلم ،فله
اخليار بني فســخ وأخذ أرب .ذكر معناه يف اإلقناع( .)5وقال يف حمل آخر" :وإذا ســاقى
رجال أو زارعه ،فعامل العامل غريه على األرض أو الش ـ ـ ـ ـ ـ ــجر بغري إذن ربه ،مل جيز"(.)1
قال يف شرحه" :كاملضارب ال يضارب يف املال"( . )2انتهى .ومل يتعقبه بشيء ،وأقول:
ينبغي محـل هـذا األخري على مـا إذا فعـل ذلـك قبـل ش ـ ـ ـ ـ ـ ــروعـه يف العمـل ،وظهور الثمرة
والزرع؛ لئال يناقض ما تقدم من صــحة إقامة غريه مقامه .فتدبر .مث رأيته يف اإلقناع ذكر
أنه لو أراد الزارع ترك العمل وبيع عمل يديه وما أنفق قبل ظهور الزرع ،مل جيز( ،)3وهو
يؤيد ما قلنا .فتدبر"(.)4
الترجيح:
الذي يظهر أن عثمان ¬ ســاوى بني مســألة بيع العامل نصــيبه من الثمرة بعد
بدوي صــالحها ،وإقامة غريه مقامه هبذا البيع ،ومســألة معاملة العامل غريه على األرض
أو الشـ ـ ـ ـ ــجر بغري إذن ربه بعد ظهور الثمرة ،وأما صـ ـ ـ ـ ــاحب اإلقناع فصـ ـ ـ ـ ــنيعه يدل على
التفريق بني املسألتني.
فأما مســألة بيع النصــيب ،فقد أشــار إىل صــحته ،ونبه شــارح اإلقناع إىل أن البيع
إن كان للثمر فيكون بعد بدو الصـ ــالح أو ملالك األصـ ــل ،وإن كان لنصـ ــيب املناص ــب
من الشجر صح مطلقا( .)1وأما مسألة معاملة العامل غريه على األرض أو الشجر بغري
إذن ربه فذكر أن ذلك ال يصح مطلقا.
ولعل وجه ذلك :أن البيع بعد بدو ص ـ ـ ـ ـ ـ ــالح الثمرة جاز؛ ألن للعامل فيه حقا،
وذلك ألهنم نصوا على أن العامل ميلك حصته من الثمرة بعد الظهور( ،)2فكأن العامل
باع نصيبه ،واشرتط إكمال العمل( ،)3أو أنه باع نصيبه ،وجعل إكمال العمل جزءا من
الثمن.
وأما معاملة العامل غريه ،فال خيلو من ثالثة أحوال:
احلالة األوىل :أن يكون قبل ظهور الثمرة ،فهذه ال ينازع فيها الشـ ـ ــيخ عثمان ،بل
نص على املنع منها؛ ألن العامل تصـ ـ ــرف يف مال ال ميلكه؛ إذ أن حقه وملكه ال يثبت
إال بعد ظهور الثمرة ،وهنا مل تظهر الثمرة.
احلالة الثانية :أن يكون بعد بدو ص ـ ـ ـ ـ ـ ــالح الثمرة ،وهذه قد نص الش ـ ـ ـ ـ ـ ــارح على
االتفاق على منعها ،قال ¬" :املســاقاة على الثمرة بعد بدو صــالحها ،فإنه ال يصــح
بغري خالف علمناه؛ لكون العمل ال يزيد يف الثمرة"(.)4
احلالة الثالثة :أن يكون بعد ظهور الثمرة ،وقبل بدو الصالح ،وهذا موضع النزاع،
ولعل قول اإلقناع هنا أقوى؛ ألن احلنابلة ذكروا يف تعريف املسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاقاة واملزارعة :أن فيها
دفع لألرض والشــجر( ،)5والدفع إمنا يكون ممن ميلك هذا األرض والشــجر ،وأما العامل
فإنه ال ميلك إال جزءا مشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعا من الثمرة ،فمعاملته لغريه إما أن يكون ببذله لألرض
والش ــجر ،وإذنه لغريه يف التص ــرف فيه ،فهذا تص ــرف يف مال ال ميلكه ،ومل يؤذن له فيه،
فال يقر عليه ،وإما أن يكون ببذله للجزء املشـاع من الثمر الذي ميلكه ،فهذا ال يصـدق
عليه أنه مس ـ ــاقاة أو مزارعة؛ لعدم دخوله يف التعريف ،كما أنه خار من لفظ ص ـ ــاحب
اإلقنـاع ،فـإنـه قـال" :وإذا س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاقى رجال أو زارعـه ،فعـامـل العـامـل غريه على األرض أو
الش ـ ـ ـ ـ ـ ــجر بغري أذن ربــه :مل جيز"( ،)1ولــذا فــالــذي يظهر أن التعقــب ليس متجهــا ،واهلل
أعلم.
ثمرة الخالف:
إذا أراد العامل يف املس ـ ـ ــاقاة واملزارعة أن يعامل غريه على األرض أو الش ـ ـ ــجر بغري
إذن ربه بعد ظهور الثمرة والزرع ،فعلى القول األول ال جيوز له ذلك ،وعلى القول الثاين
جيوز له ذلك.
القول المتعقب:
إذا اس ــتعار رجل أرض ــا للزرع ،فتأخر الزرع عن مدة ينقص فيها ،أو تأخر بس ــبب
املســتعري تأخرا غري متعارف ،فإن هذا التأخر ال يؤثر يف املنع من رجوع املعري يف عاريته،
فال حيق للمعري نزع األرض من املســتعري ،وهذا قول الفتوحي ،قال ¬" :وصــح رجوع
معري ولو قبل ٍ
أمد عيّنه ،ال يف حال يس ـ ــتض ـ ــر به مس ـ ــتعري ،فمن أعار س ـ ــفينة حلمل ،أو
أرضا لدفن ميت أو زرع ،مل يرجع حىت ترسى ،أو يبلى ،أو حيصد"(.)2
( )1ينظر :املستوعب ( ،)50 /2واملقنع (ص ،)214 :واملبدع ( ،)4 /5واإلنصاف ( ،)104 /6واإلقناع (،)332 /2
ومنتهى اإلرادات ( ،)145 /3وغاية املنتهى (.)752 /1
( )2منتهى اإلرادات (.)146 - 145 /3
- 262 -
الفصل الثاين :التعقبات يف املعامالت املالية.
وهذا القول هو ظاهر قول ابن قدامة( ،)1والش ـ ـ ـ ـ ـ ــارح( ،)2وص ـ ـ ـ ـ ـ ــاحب املبدع(،)3
واإلنص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاف( ،)4واإلقنــاع( ،)5والغــايــة( ،)6والروض( ،)7والش ـ ـ ـ ـ ـ ــيخ عثمــان يف هــدايــة
الراغب(. )8
التعقب:
إذا اس ــتعار رجل أرض ــا للزرع ،فتأخر الزرع عن مدة ينقص فيها ،أو تأخر بس ــبب
املس ـ ـ ـ ـ ـ ــتعري تأخرا غري متعارف ،فإن هذا التأخر يؤثر يف املنع من رجوع املعري يف عاريته،
فيخري معري بني تركـه بـأجرتــه ،أو أخـذه بقيمتــه ،مــا مل خيرت مس ـ ـ ـ ـ ـ ــتعري قلعــه وتفريغهــا يف
احلال ،وهذا هو تعقب عثمان ،قال ¬ " :قوله( :أو أرضـ ـ ـ ـ ــا لدفن ميت أو زرع ...
إخل) ينبغي تقييده مبا إذا مل يؤخر الزرع عن مدة ينقص يف مثلها ،أو يتأخر بس ــببه تأخرا
غري متعارف ،فيخري معري بني تركه بأجرته ،أو أخذه بقيمته ،ما مل خيرت مس ـ ـ ـ ـ ـ ــتعري قلعه
وتفريغها يف احلال ،على قياس ما تقدم يف اإلجارة"(.)9
وهذا القول هو ظاهر قول ص ـ ـ ـ ــاحب الفروع( ،)1كما أنه قد يقال بأنه ظاهر قول
من منع من أخذ األجرة بعد الرجوع يف عارية الزرع ،كاجملد( ،)2وصاحب الوجيز(.)3
الترجيح:
الذي يظهر أن تعقب عثمان ¬ غري وجيه؛ وذلك ألن صــاحب املنتهى وغريه
نص على أن من أعار أرض ـ ــه للزرع فإن له الرجوع يف عاريته مىت ش ـ ــاء( ،)1ورجوعه هذا
ال يس ــتحق به س ــوى األجرة( ،)2كما أنه نص غري واحد من احلنابلة على املنع من أخذ
املعري الزرع بقيمته ،وقلع املس ـ ـ ـ ـ ـ ــتعري الزرع وتفريا األرض يف احلال( ،)3قال الفتوحي يف
ش ـ ـ ـ ــرحه(" :إال يف الزرع) أي :إال إذا أعاره أرضـ ـ ـ ــا ليزرعها ،وزرع مث رجع املعري قبل أوان
حص ـ ـ ــاده ،وهو ال حيص ـ ـ ــد قص ـ ـ ــيال ،فإن له أجرة مثل األرض املعارة من حني رجوع إىل
حني احلصــاد؛ لوجوب تبقيته يف أرض املعري إىل أوان حصــاده قهرا عليه؛ لكونه مل يرض
بذلك .بدليل رجوعه .وألنه ال ميلك أن يأخذ الزرع بقيمته؛ ألن له أمدا ينتهي إليه،
وهو قص ـ ــري بالنس ـ ــبة إىل الغرس ،فال داعي إليه .وال أن يقلعه ويض ـ ــمن نقص ـ ــه؛ ألنه ال
ميكن نقله إىل أرض أخرى ،االف الغراس وآالت البناء .وألن املسـ ـ ـ ــتعري إذا اختار قلع
زرعه رمبا يفوت على املالك االنتفاع بأرضـ ـ ـ ــه يف ذلك العام فيحصـ ـ ـ ــل له بذلك ضـ ـ ـ ــرر،
فتعني أن يبقى بأجرة مثله إىل حصاده مجعا بني احلقني"(.)4
ولعــل الفرق بني مــا جــاء يف بــاب اإلجــارة ومــا ذكر هنــا :أن اإلجــارة مبنيــة على
املعاوض ـ ـ ـ ـ ـ ــة ،وتذكر فيها املدة ،وأما العارية فمبناها على اإلرفاق واملعاونة ،وقد ال تذكر
فيها املدة ،لذا قيل باالختالف بني احلالني ،قال يف اإلنص ــاف" :وعنه :ال ميلك الرجوع
قبل انتفاعه هبا ،مع اإلطالق .قال القاضي :قياس املذهب يقتضيه"(.)5
( )1ينظر :املستوعب ( ،)50 /2واملقنع (ص ،)214 :واملبدع ( ،)4 /5واإلنصاف ( ،)104 /6واإلقناع (،)332 /2
ومنتهى اإلرادات ( ،)145 /3وغاية املنتهى (.)752 /1
( )2ينظر :املغين ( ،)172 /5والشرح الكبري ( ،)361 /5واملبدع ( ،)7 /5واإلنصاف ( ،)109 /6ومعونة أويل النهى
( ،)254 /6وغاية املنتهى ( ،)752 /1وشرح املنتهى ( ،)291 /2وكشاف القناع (.)68 /4
( )3ينظر :املغين ( ،)171 /5ومعونة أويل النهى ( ،)254 /6وشرح املنتهى ( ،)291 /2وكشاف القناع (.)68 /4
( )4معونة أويل النهى (.)254 /6
( )5اإلنصاف ( ،)104 /6وينظر :كشاف القناع (.)67 /4
- 265 -
الفصل الثاين :التعقبات يف املعامالت املالية.
وقد يقال بأن القيود اليت ذكرها الشــيخ عثمان ¬ قد يتوجه القول هبا عند من
يقول بعدم وجوب دفع األجرة للمعري بعد رجوعه يف عارية الزرع ،وما إذا كانت العارية
حمددة بوقت ،واهلل أعلم(.)1
ثمرة الخالف:
إذا اس ــتعار رجل أرض ــا للزرع ،فتأخر الزرع عن مدة ينقص فيها ،أو تأخر بسـ ـبب
املس ـ ـ ـ ــتعري تأخرا غري متعارف ،فعلى القول األول :ال يؤثر هذا التأخر يف املنع من رجوع
املعري يف عاريته ،فال حيق للمعري نزع األرض من املس ـ ــتعري ،وعلى القول الثاين :يؤثر هذا
الت ــأخر يف املنع من رجوع املعري يف ع ــاريت ــه ،فيخري معري بني ترك ــه ب ــأجرت ــه ،أو أخ ــذه
بقيمته ،ما مل خيرت مستعري قلعه وتفريغها يف احلال.
( )1ينظر :احملرر ( ،)360 /1والوجيز (ص ،)239 :واملنور يف راجح احملرر (ص ،)284 :وقواعد ابن رجب (/2
،)146واإلنصاف (.)109 /6
- 266 -
الفصل الثاين :التعقبات يف املعامالت املالية.
المطلب الثاني :الرجوع في إعارة األرض التي بني عليها مسجد أو
نحوه.
صورة المسألة:
إذا أعار رجل أرضــا لبناء ،فبين فيها مســجد ،فهل يصــح للمعري الرجوع يف عاريته
تلك ،أم الت
القول المتعقب:
إذا أعار رجل أرض ــا لبناء ،فبين فيها مس ــجد ،فإن للمعري الرجوع يف عاريته تلك،
وهذا هو ظاهر قول الفتوحي ،إذ إنه مل يفرق بني املسجد وغريه ،قال ¬" :ومن أعري
أرضا لغرس أو بناء ،وشرط قلعه بوقت أو رجوع ،لزم عنده ،ال تسويتها بال شرط .وإال
فلمعري أخذه بقيمته ،أو قلعه ويضمن نقصه"(.)1
وقد نص كثري من احلنابلة على هذا احلكم ،ومل يفرقوا بني مس ـ ـ ـ ـ ـ ــجد وغريه ،وممن
نص على ذلك :أبو اخلطاب( ،)2وابن قدامة( ،)3واجملد( ،)4والش ـ ـ ـ ـ ــارح( ،)5وص ـ ـ ـ ـ ــاحب
التعقب:
إذا أعار رجل أرض ـ ـ ـ ـ ـ ــا لبناء ،فبين فيها مس ـ ـ ـ ـ ـ ــجد ،فليس للمعري الرجوع يف عاريته
تلــك ،وهــذا هو تعقــب عثمــان ،قــال ¬" :قولــه( :فلمعري ..إخل) أي :إذا مل خيرت
مسـ ـ ــتعري قلعه ،وتفريغها يف احلال ،كما يفهم من قول املصـ ـ ــنف( :ومىت اختاره مسـ ـ ــتعري
س ـ ـ ـواها) ،وينبغي تقييده أيضـ ـ ــا مبا إذا مل يكن البناء مسـ ـ ــجدا أو حنوه ،فال يهدم ،وتلزم
األجرة إىل زواله ،كما تقدم نظريه يف اإلجارة"(.)12
الترجيح:
قول عثمان ¬ قوي ومتوجه ،وعدم نص احلنابلة على هذه املسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــألة يف هذا
املوض ـ ـ ـ ـ ـ ــع ال يعين أهنم ال يقولون هبا ،بل الظاهر أن قوهلم كقول عثمان؛ ألهنم أرجعوا
كثريا من أحكام العارية إىل أحكام اإلجارة( ،)2وألن ذكرهم عدم اس ـ ــتحقاق ص ـ ــاحب
األرض -الذي أجرها فبين فيها مس ـ ـ ـ ـ ـ ــجد -ألخذ البناء بقيمته أو قلعه ،إما أن يكون
لعلة متعلقة بعقد اإلجارة ،وإما أن يكون لعلة متعلقة بذات املسـ ـ ـ ـ ـ ــجد ،والظاهر الثاين،
وعليــه فال خيتلف احلكم يف العــاريــة عن اإلجــارة ،بــل قــد يقــال إن هــذا احلكم هو يف
العارية أوىل منه يف اإلجارة؛ ألن العارية عقد إرفاق ومعونة ،واإلجارة عقد معاوضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة،
والتوس ــعة على املس ــتعري أكرب من التوس ــعة على املس ــتأجر ،وللعارية ص ــور مش ــاهبة هلذه،
كامليت الذي دفن يف أرض ،والســقف املســتعار لوضــع خشــب عليه ،واألرض املســتعارة
للزرع ،فإنه نصوا على عدم جواز الرجوع يف العارية يف ذلك إىل أن يبلى امليت ،ويسقك
السـ ــقف ،وحيصـ ــد الزرع( ،)3ونص ـ ـوا يف اإلجارة على خالف ذلك يف مسـ ــألة الزرع(،)4
فالتوس ــعة على املس ــتعري يف باب العارية تقتض ــي إحلاق أحكام املس ــجد هبذه األحكام،
واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
إذا أعار رجل أرض ـ ـ ــا لبناء ،فبين يف األرض مس ـ ـ ــجد ،فعلى القول األول :يص ـ ـ ــح
للمعري الرجوع يف عاريته ،وعلى القول الثاين :ال يصح للمعري الرجوع يف عاريته.
القول المتعقب:
العبارة املذكورة ص ـ ـ ـ ــحيحة ،وهي مدلول كالم ص ـ ـ ـ ــاحب املنتهى ،وعلى هذا يدل
صـ ــنيع الشـ ــيخ منصـ ــور البهويت ،قال ¬(" :وال أجرة) على مسـ ــتعري ملعري (منذ رجع)
إىل زوال ض ـ ــرر مس ـ ــتعري حيث كان الرجوع يض ـ ــر به إذن ،وال إذا أعار لغرس أو بناء مث
رجع إىل متلكه بقيمته أو قلعه مع ضمان نقصه"(.)2
التعقب:
العبــارة املــذكورة فيهــا نوع إيهــام ،واألوىل حــذف قولــه" :إىل متلكــه ..إخل" فتكون
العبارة الص ـ ـ ـ ـ ـ ــحيحة" :ال أجرة للمعري إذا أعار لغرس أو بناء مث رجع" ،وهذا هو تعقب
عثمان ،قال ¬ بعد نقله عبارة البهويت السابقة" :ولو حذف قوله :إىل متلكه ..إخل،
لكان أوىل؛ ألنه قد يوهم أن عليه األجرة إذا مل يتملكه بقيمته ،أو بقلعه مع ض ـ ـ ـ ـ ـ ــمان
نقصــه ،مع أن ص ـريح كالمه أن ال أجرة له مطلقا ،لقوله بعد :وألنه إذا أىب أخذ الغراس
أو البناء بقيمته أو قلعه وض ــمان نقص ــه ،فإبقاؤه يف األرض من جهته ،فال أجرة له كما
قبل الرجوع( .)1انتهى .وهو مقتضـ ـ ـ ــى قول املنت أيضـ ـ ـ ــا( :وإن أبياه ترك حباله)( ،)2واهلل
أعلم"(.)3
وقد ذكر ص ـ ــاحبا اإلنص ـ ــاف( ،)4واإلقناع( ،)5عبارة قريبة من اليت ذكرها الش ـ ــيخ
عثمان.
الترجيح:
قول عثمان ¬ متجه؛ وذلك ألن القس ـ ـ ـ ــمة اليت ذكرها الش ـ ـ ـ ــيخ منص ـ ـ ـ ــور غري
حاص ــرة ،وقد ذكر هذه القس ــمة الفتوحي يف ش ــرحه ،والش ــيخ منص ــور يف حاش ــيته على
املنتهى ،والرحيباين يف ش ـ ـ ـ ـ ــرح الغاية ،إال أهنم زادوا قيدا جعلوا فيه القس ـ ـ ـ ـ ــمة حاص ـ ـ ـ ـ ــرة،
وعبارهتم كاآليت" :إىل حني متلكه بقيمته ،أو قلعه مع ض ـ ـ ــمان نقص ـ ـ ــه ،أو بقائه إذا أىب
املعري ذلك إىل أن يتفقا"( ،)6فالقيد األخري أسقطه الشيخ منصور يف شرح املنتهى ،ولو
ذكره لزال اإلشـ ـ ـ ــكال ،وقد يكون هذا اإلسـ ـ ـ ــقاط سـ ـ ـ ــبق قلم منه ¬ ،أو من نسـ ـ ـ ــاخ
املنتهى ،واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
الذي يظهر أن اخلالف لفظي ،وأن الشيخ منصور ¬ ال يقصد بإسقاطه القيد
املذكور اسـ ـ ـ ـ ـ ــتثناء حالة من أحوال رجوع معري الغرس والبناء من عدم اسـ ـ ـ ـ ـ ــتحقاق املعري
لألجرة ،بل األمر كما ذكر الش ـ ــيخ عثمان بأن كالم الش ـ ــيخ منص ـ ــور صـ ـ ـريح يف تعميم
احلكم يف كل الصور.
وقد يبىن اخلالف يف هذه املس ــألة ،فيقال :إذا أعار رجل أرض ــا لغرس أو بناء ،ومل
يش ـ ـ ـ ـ ـ ــرتط القلع ،مث رجع يف عاريته ،فلم يرد املس ـ ـ ـ ـ ـ ــتعري قلع الغراس والبناء ،ومل يرد املعري
ض ـ ــمان نقص القلع ،وال أخذ الغرس والبناء بثمنه ،فبقي العقار معلقا ،مث أراد املعري بيع
األرض مبا فيها ،فعلى القول األول :يلزم املسـ ــتعري أجرة األرض من حني رجوع املعري يف
عاريته ،إىل بيعها ،وعلى القول الثاين :ال يلزم املستعري شيئا من أجرة.
القول المتعقب:
إذا نقص املغصـ ــوب نقصـ ــا غري مسـ ــتقر ،فاختار مالك املغصـ ــوب أخذ بدل ماله
من الغاصــب ،مث اســتقر النقص ،فإن مالك املغصــوب ال يلزمه رد املثل الذي أخذه ،بل
ميلك هذا املثل ،ويكون بدل ماله ،وهذا ظاهر قول منصـ ــور البهويت ،قال ¬(" :وإن
نقص املغصـ ــوب) قبل رده (نقصـ ــا غري مس ــتقر) بأن يكون س ــاريا غري واقف( ،كحنطة
ابتلت وعفنت) ،وطلبها مالكها قبل بلوغها إىل حالة يعلم فيها قدر أرب نقص ـ ـ ـ ـ ـ ــها،
(خري) مالكها (بني :أخذ مثلها) من مال غاص ـ ـ ـ ــب( ،وبني تركها) بيد غاص ـ ـ ـ ــب (حىت
يس ــتقر فس ــادها فيأخذها و) يأخذ (أرب نقص ــها)؛ ألنه ال جيب له املثل ابتداء؛ لوجود
عني ماله ،وال أرب العيب؛ ألنه ال ميكن معرفته وال ض ـ ـ ـ ـ ـ ــبطه إذن ،وحيث كان كذلك
صــارت اخلرية إىل املالك؛ ألنه إذا رضــي بالتأخري ســقك حقه من التعجيل ،فيأخذ العني
عند اســتقرار فســادها؛ ألهنا ملكه ،ويأخذ من الغاصــب أرب نقصــها؛ ألنه حصــل حتت
يده العادية ،أش ـ ـ ـ ـ ـ ــبه تلف جزء من املغص ـ ـ ـ ـ ـ ــوب .وقوله( :فإن اس ـ ـ ـ ـ ـ ــتقر) النقص قبل رد
( )1ينظر :اهلداية (ص ،)314 :واملستوعب ( ،)63 /2والوجيز (ص ،)242 :واملبدع ( ،)29 /5واإلنصاف (/6
،)158واملبدع ( ،)29 /5ومنتهى اإلرادات ( ،)178 /3وغاية املنتهى (.)767 /1
- 275 -
الفصل الثاين :التعقبات يف املعامالت املالية.
املغصــوب (أخذها) أي :احلنطة مالكها( ،و) أخذ (األرب) ،ملا ســبق :ينبغي محله على
ما إذا استقر قبل الطلب؛ لئال يتكرر مع الذي قبله"(.)1
وهـذا القول هو ظـاهر قول أيب اخلطـاب( ،)2وابن قـدامـة يف املقنع( ،)3والفخر يف
البلغة( ،)4وصـ ـ ـ ـ ــاحب املسـ ـ ـ ـ ــتوعب( ،)5واملمتع( ،)6والوجيز( ،)7وتصـ ـ ـ ـ ــحيح الفروع(،)8
واملنتهى( ،)9والغاية(.)10
التعقب:
إذا نقص املغصـ ــوب نقصـ ــا غري مسـ ــتقر ،فاختار مالك املغصـ ــوب أخذ بدل ماله
من الغاصــب ،مث اســتقر النقص ،فيلزم مالك املغصــوب رد البدل الذي أخذه وأخذ عني
ماله وأرب نقص ــه ،وهذا هو تعقب عثمان ،قال ¬" :قوله( :خري بني مثلها) أي :مث
إذا اسـ ـ ــتقر نقصـ ـ ــها يأخذها وأرب نقصـ ـ ــها ،ويرد املالك ما أخذ؛ ألن ملكه مل يزل عن
ماله بأخذ العوض ،كما إذا أخذ القيمة لتعذر رد املغصـ ـ ـ ـ ــوب مث قدر على املغصـ ـ ـ ـ ــوب.
وعبارة اإلقناع :فإن اسـ ـ ـ ـ ـ ــتقر أخذها واألرب .انتهى .وال حاجة حينئذ إىل ما محله عليه
الشارح"(.)11
الترجيح:
الذي يظهر أن قول منصـ ــور ¬ أوجه من قول عثمان؛ وذلك ألن قول عثمان
¬ كأنه يفض ــي إىل أن أخذ البدل ليس له غرض ص ــحيح ،وال مص ــلحة على مالك
املغص ـ ـ ـ ـ ـ ــوب؛ ألنه س ـ ـ ـ ـ ـ ــريد هذا املال الذي أخذه ولن ينتفع به ،ومما يدل على ذلك أن
احلنابلة يذكرون احلنطة عند التمثيل هلذه املس ـ ـ ـ ــألة ،وعليه فمن أخذ حنطة فكيف ينتفع
هبا إن كان سـ ـ ـ ـ ــريدها ويأخذ عني مالهت ،وأما قول صـ ـ ـ ـ ــاحب اإلقناع فإنه حمتمل ،وليس
صرحيا يف املسألة ،واهلل أعلم.
( )1ينظر :املمتع يف شرح املقنع ( ،)33 /3واملبدع ( ،)29 /5ومعونة أويل النهى ( ،)304 /6وشرح املنتهى (/2
.)306
( )2اإلقناع (.)345 /2
( )3ينظر :املغين ( ،)188 /5وحاشية املنتهى (.)178 /3
- 277 -
الفصل الثاين :التعقبات يف املعامالت املالية.
ثمرة الخالف:
إذا اختار مالك املغص ــوب أخذ بدل ماله من الغاص ــب ،مث اس ــتقر النقص ،فعلى
القول األول :ميلك مالك املغص ـ ـ ـ ـ ـ ــوب املثل الذي أخذه ،وال يلزمه رده وأخذ عني ماله
وأرب نقصه ،وعلى القول الثاين :ال ميلك مالك املغصوب املثل الذي أخذه ،ويلزمه رده
وأخذ عني ماله وأرب نقصه.
القول المتعقب:
قول احلنابلة املذكور عام ش ـ ــامل يف كل الص ـ ــور ،وقد نس ـ ــب الش ـ ــيخ عثمان هذا
القول ملنصور البهويت ،أخذا من قوله ¬" :ولو طالب املالك الغاصب بالثمن كله إذا
كــان أزيــد من القيمــة فقيــاس املــذهــب أن لــه ذلــك ،كمــا نص عليــه أمحــد يف املتجر يف
الوديعة من غري إذن :أن الربح للمالك"(.)2
التعقب:
قول احلنابلة املذكور ليس عاما ،بل يقال به إذا مل ميكن رد العني ،كأن جهل من
دفعت له أو تلفت ،أما إذا كانت باقية حباهلا ،وأمكن ردها ،فالواجب ردها ،وما يتبعها
من زيــادة نفع وأرب وأجرة نقص ،وهــذا هو تعقــب عثمــان ،قــال ¬ بعــد نقلــه كالم
منصـور" :وهذا واضـح إذا مل ميكن رد العني ،كأن جهل من دفعت له أو تلفت ،أما إذا
كانت باقية حباهلا ،وأمكن ردها ،فصـ ـ ـريح كالمهم يف مواض ـ ــع وجوب ردها ،وما يتبعها
من زيادة نفع وأرب وأجرة نقص ،بل هو معىن قول املص ـ ـ ــنف :لو تلفت ض ـ ـ ــمن املالك
من تلفت بيده قيمتها للمعتاض مبا دفع ،وهو ص ـ ـ ـريح قول املصـ ـ ــنف( :ويسـ ـ ــرتد مشـ ـ ــرت
( )1ينظر :قواعد ابن رجب ( ،)340 /2ومعونة أويل النهى ( ،)320 /6وشرح املنتهى ( ،)312 /2وكشاف القناع
(.)101 /4
( )2شرح املنتهى ( ،)312 /2وينظر :كشاف القناع (.)101 /4
- 279 -
الفصل الثاين :التعقبات يف املعامالت املالية.
ومســتأجر مل يقرا بامللك له ما دفعاه من املســمى)( )1إذ مل يقيد بكون املســمى أقل من
القيمة أو أكثر ،واهلل أعلم"(.)2
الترجيح:
الذي يظهر أن كالم منصـ ــور ¬ إمنا ينص ــرف على احلال اليت ال ميكن فيها رد
العني املغصـ ـ ـ ــوبة؛ ألنه ال يصـ ـ ـ ــار إىل البدل مع وجود األصـ ـ ـ ــل ،وليس يف كالم الشـ ـ ـ ــيخ
منصــور ¬ ما يدل على أنه حيق للمالك مطالبة الغاصــب بالثمن أو القيمة مع وجود
العني املغصوبة.
كما يظهر أن كالم عثمان ¬ ليس بدقيق؛ وذلك ألنه ميكن تصور املسألة مع
وجود العني املغص ـ ـ ــوبة ،وذلك يف حال ض ـ ـ ــمان املنفعة ،إذا أجرت العني بأزيد من أجرة
املثل ،فعلى ما ذكره الشيخ منصور حيق للمالك الرجوع باألجرة املسماة.
وقد ذكر الش ـ ـ ــيخ حممد الس ـ ـ ــفاريين( ¬ )3أن املراد هبذه املس ـ ـ ــألة" :إذا اعرتف
املشرتي للغاصب بامللك ،وأقر له بذلك ،وقلنا :ال يسوغ للمشرتي واحلالة هذه الرجوع
على الغاص ـ ـ ــب بش ـ ـ ــيء مما دفعه له وال غريه مما ض ـ ـ ـ ّـمنه إياه املالك .وكان الذي قبض ـ ـ ــه
الغاص ـ ـ ــب أزيد من قيمة التالف ،فهل يس ـ ـ ــلم للغاص ـ ـ ــب ،أم للمالك مطالبة الغاص ـ ـ ــب
بهت"(.)4
ثمرة الخالف:
إذا باع الغاصــب العني املغصــوبة بأزيد من قيمة مثلها ،وأمكن رد العني املغصــوبة،
فعلى القول الذي نسـبه الشـيخ عثمان للشـيخ منصـور البهويت :للمالك مطالبة الغاصـب
بقيمة املثل ،وله املطالبة بالثمن املسـ ـ ـ ـ ـ ــمى ،وعلى القول الثاين :ليس للمالك إال املطالبة
بعني ماله.
القول المتعقب:
املس ـ ـ ـ ـ ــألتان اللتان فيهما ذكر لألحوال اليت ال يربأ الغاص ـ ـ ـ ـ ــب فيها إن كان التلف
حتــت اليــد املــالــك ،واليت يربأ فيهــا ،ليس فيهــا تكرار ،فــاألوىل عــدم حــذفهــا ،وعلى هــذا
يدل صنيع الفتوحي ،قال ¬" :وإن أطعمه لغري مالكه ،وعلم بغصبه ،استقر ضمانه
عليه ،وإال فعلى غاصب ،ولو مل يقل :إنه طعامه.
وملالكه ،أو قنه ،أو دابته ،أو أخذه بقرض ،أو ش ـ ـ ـ ـ ـ ـراء ،أو هبة ،أو ص ـ ـ ـ ـ ـ ــدقة ،أو
أباحه له ،أو اســرتهنه ،أو اســتودعه ،أو اســتأجره ،أو اســتؤجر على قصــارته ،أو خياطته
وحنومها ،ومل يعلم :مل يربأ غاصب.
وإن أعريه :برئ"(.)2
التعقب:
املس ــألتان اللتان ذكر الفتوحي ¬ فيهما األحوال اليت ال يربأ الغاص ــب فيها إن
كان التلف حتت يد املالك ،واليت يربأ فيها ،هي مذكورة يف كالمه سـ ـ ـ ــلفا ،فكان األوىل
حذفها وعدم تكرارها ،وهذا هو تعقب عثمان ،قال ¬" :لو حذف هاتني املســألتني
لكان أوىل؛ لعلمهما من قوله (وإن كان املنتقل ...إخل)"(.)1
الترجيح:
م ــا ذكره عثم ــان ¬ متج ــه؛ ألن الفروع اليت ذكره ــا الفتوحي إمن ــا هي أفراد
للقاعدة اليت ساقها قبل ذلك ،والتمثيل ليس حمله املتون املختصرة.
وقـ ــد يقـ ــال :إن ذكر الفتوحي ¬ هلـ ــذه الفروع ميكن أن يوجـ ــه بواحـ ــد من
توجيهني:
التوجيه األول :أن القاعدة اليت ذكرها من زياداته على املقنع والتنقيح ،وأما فروع
القاعدة فنقلها من التنقيح(.)3
التوجيه الثاين :أنه ذكر الفروع زيادة يف اإليضاح.
ثمرة الخالف:
اخلالف لفظي.
القول المتعقب:
إذا مل يستطع الغاصب رد املغصوب ملالكه لتلفه ،فإن احلق ال يتعلق بالبدل ،فال
ينتقل البدل إىل الذمة ،وال يص ـ ـ ـ ـ ـ ــح للمالك اإلبراء منه ،وهذا هو ظاهر قول الفخر ابن
تيمية ،ص ــاحب التلخيص ،نقله عنه الش ــيخ منص ــور ،قال ¬(" :ال) ميلك (غاص ــب
مغصـ ـ ــوبا بدفعها) أي :القيمة؛ ألنه ال يصـ ـ ــح متلكها بالبيع لعدم القدرة على تسـ ـ ــليمه.
وكما لو كان أم ولد ،فال ميلك كس ـ ـ ـ ــبه وال يعتق عليه ولو كان قريبه .قال يف التلخيص:
وال جيرب املالك على أخذها .وال يص ـ ـ ـ ــح اإلبراء منها .وال يتعلق احلق بالبدل ،فال ينتقل
إىل الذمة ،وإمنا يثبت جواز األخذ دفعا للضرر ،فتوقف على خريته"(.)1
التعقب:
إذا مل يستطع الغاصب رد املغصوب ملالكه لتلفه ،فإن احلق يتعلق بالبدل ،فينتقل
البدل إىل الذمة ،ويص ـ ـ ـ ـ ـ ــح للمالك اإلبراء منه ،وهذا هو تعقب عثمان ،قال ¬ بعد
نقله قول صاحب التلخيص" :والظاهر :أن حمل هذا إذا كانت عني الغصب باقية حني
دفع البدل ،وإال فيجب البدل يف الذمة ،ويصح اإلبراء وغريه"(.)2
وقد قال هبذا القول صاحب املبدع( ،)3والبهويت يف حواشي اإلقناع(.)4
( )1شرح املنتهى ( ،)319 /2وينظر :اإلنصاف ( ،)200 /6ومعونة أويل النهى ( ،)338 /6والكشاف (.)109 /4
( )2حاشية املنتهى (.)199 /3
( )3ينظر :املبدع (.)44 /5
( )4ينظر :حواشي اإلقناع (.)145 /4
- 284 -
الفصل الثاين :التعقبات يف املعامالت املالية.
الترجيح:
الظاهر أن ما ذكره الشيخ عثمان هو مقصودهم وإن مل يصرحوا به؛ وذلك ألهنم
إمنا يذكرون أن احلق ال يتعلق بالبدل ،وأنه ال ينتقل إىل الذمة ،وأنه ال يص ـ ـ ـ ـ ـ ــح للمالك
اإلبراء منه عند ذكر إباق العبد وحنوه( ،)1وال يذكروهنا يف باقي املض ـ ـ ـ ـ ـ ــمونات بالتلف،
ويعللون ض ـ ـ ـ ـ ـ ــمان ذلك – أي العبد اآلبق وحنوه – باحليلولة( ،)2فدل ذلك على أهنم
يقصـ ـ ــدون الصـ ـ ــورة اليت يكون فيها العبد غري مقدور على تسـ ـ ــليمه ال لتلفه ،بل إلباقه،
كما يدل عليه نص ـ ـ ــهم على وجوب رد املغص ـ ـ ــوب مىت وجده ،وأن الغاص ـ ـ ــب ال ميلك
املغص ـ ـ ــوب ببذل قيمته ،ونص ـ ـ ــهم أيض ـ ـ ــا على وجوب القيمة عند تلف األمة املغص ـ ـ ــوبة
بالوطء( ،)3وهذا يدل على أن ما ذكره ص ـ ـ ــاحب التلخيص يقص ـ ـ ــد به حال عدم تلف
العبد ،وأما حال التلف فيقال إن الضـ ـ ـ ـ ــمان الزم يف الذمة؛ ألنه يكون مقابل اإلتالف،
ال مقابل اإلباق أو الشرود ،واملتلف يتثبت الضمان يف ذمته غاصبا كان أو غريه ،وعليه
فالظاهر أن ما ذكره الشيخ عثمان متجه ،واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
إذا غص ـ ــب غاص ـ ــب عبدا ،فأبق هذا العبد ،فأبرأ مالك املغص ـ ــوب الغاص ـ ــب من
قيمة عبده ،فعلى القول األول :ال يربأ الغاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب هبذا اإلبراء ،وعلى القول الثاين :يربأ
الغاصب هبذا اإلبراء.
( )1ينظر :اهلداية (ص ،)313 :والكايف ( ،)225 /2واملغين ( ،)205 /5واحملرر ( ،)361 /1والشرح الكبري (/5
،)436والفروع ( ،)242 /7وشرح الزركشي على خمتصر اخلرقي ( ،)180 /4واملبدع ( ،)44 /5واإلنصاف (/6
،)199وكشاف القناع ( ،)109 /4وشرح املنتهى ( ،)319 /2ومطالب أويل النهى (.)57 /4
( )2ينظر :الكايف ( ،)225 /2والفروع ( ،)242 /7واملبدع ( ،)44 /5ومعونة أويل النهى ( ،)338 /6وكشاف القناع
( ،)109 /4وشرح املنتهى ( ،)319 /2ومطالب أويل النهى (.)57 /4
( )3ينظر :املغين ( ،)200 /5واملبدع ( ،)35 /5واإلنصاف ( ،)170 /6واإلقناع (.)348 /2
- 285 -
الفصل الثاين :التعقبات يف املعامالت املالية.
المسألة الخامسة :تفسير (من) في قول الفتوحي" :وما صحت
إجارته من مغصوب ومقبوض بعقد فاسد فعلى قابض وغاصب
أجرة مثله مدة بقائه بيده" بأنها تبعيضية ال بيانية.
صورة المسألة:
قال الفتوحي ¬" :وما ص ـ ــحت إجارته من مغص ـ ــوب ومقبوض بعقد فاس ـ ــد،
فعلى غاص ـ ـ ـ ـ ــب وقابض أجر مثله مدة مقامه بيده"( ،)1فهل (من) يف العبارة الس ـ ـ ـ ـ ــابقة
تبعيضــية ،فيكون احلكم واقعا على بعض حاالت الغصــب والقبض بعقد فاســد ،أم أهنا
بيانية ،فيدخل يف احلكم مجيع حاالت الغصب والقبض بعقد فاسدت
القول المتعقب:
(من) يف العب ــارة امل ــذكورة تبعيض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ــة ،فيكون احلكم واقع ــا على بعض ح ــاالت
الغص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب والقبض بعقــد فـاس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ،وهـذا قول حممــد اخللويت ،قـال ¬" :قولـه( :من
مغصوب) (من) تبعيضية ال بيانية"(.)2
التعقب:
(من) يف العبارة املذكورة بيانية ،فيدخل يف احلكم مجيع حاالت الغصـ ــب والقبض
بعقد فاسـ ـ ـ ــد ،وهذا هو تعقب عثمان ،قال ¬" :ال خيفى عدم ظهور التبعيض؛ ألن
ضابطه صحة حلول بعض يف حملها ،فلو قيل :وما صحت إجارته بعض مغصوب. . .
إخل ملا كان له معىن ،إذ املتبادر إذن أن يكون بدال من (ما) ،فالصـواب أهنا للبيان ملا يف
(ما) من اإلهبام ،فتدبر"(.)3
الترجيح:
الظاهر أن قول عثمان ¬ أوجه؛ للدليل الذي ذكره ،وألن إخرا الصـ ـ ـ ــور اليت
ال جتب فيها األجرة قد حص ـ ـ ـ ـ ـ ــل بقول املؤلف" :وما ص ـ ـ ـ ـ ـ ــحت إجارته"( ،)3فال حاجة
للتبعيض ،بل كل ما ص ـ ـ ـ ـ ــحت إجارته وجبت فيه األجرة حال الغص ـ ـ ـ ـ ــب والقبض بعقد
فاسد ،واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
اخلالف لفظي ،وقد يقال إن قول اخللويت قد ةحيتج به على وجود صور ال تستحق
هبا األجرة حال تلف املنفعة املتقومة حتت يد الغاص ـ ـ ـ ــب أو القابض بعقد فاس ـ ـ ـ ــد ،وأما
قول عثمان فإنه حيسم النزاع يف إجياد صور ال تةستحق فيها األجرة.
( )1ينظر :مغين اللبيب عن كتب األعاريب (ص ،)420 :والقواعد والفوائد األصولية البن اللحام (ص.)207 :
( )2ينظر :حاشية املنتهى (.)200 /3
( )3منتهى اإلرادات (.)200 /3
- 287 -
الفصل الثاين :التعقبات يف املعامالت املالية.
المسألة السادسة :حكم قبول الصدقة من مال مغصوب.
صورة المسألة:
يذكر احلنابلة أن من وقع يف يده مال مغص ـ ـ ــوب فإن له التص ـ ـ ــدق به إن مل ميكنه
رده ،وعليه فهل يلزم املتص ــدق أن ينوي هذه الص ــدقة عن أص ــحاب املال ،أم ال يلزمه،
وإن قلنا إنه يلزمه ذلك ،فهل جيوز للفقراء قبوهلا منه مع علمهم بالغصـ ـ ـ ـ ــب ،وأنه مل ينو
الصدقة عن مالكهات
القول المتعقب:
ال يلزم املتصـ ـ ـ ــدق أن ينوي الصـ ـ ـ ــدقة عن أصـ ـ ـ ــحاب املال ،ويصـ ـ ـ ــح للفقراء قبول
الصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدقة منه مطلقا ،وهذا ظاهر قول ابن رجب ،قال ¬(" :القاعدة السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابعة
والتس ـ ـ ـ ـ ـ ــعون) :من بيده مال أو يف ذمته دين يعرف مالكه ،ولكنه غائب يرجى قدومه،
تافها ،فله الصدقة به عنه، فليس له التصرف فيه بدون إذن احلاكم ،إال أن يكون يسريا ً
نص عليه يف مواض ــع ،وإن كان قد أيس من قدومه بأن مض ــت مدة جيوز فيها أن تزو
امرأته ويقسم ماله وليس له وارث ،فهل جيوز التصرف يف ماله بدون إذن احلاكمت
قد يتخر على وجهني ،أص ـ ـ ــلهما الروايتان يف امرأة املفقود :هل تتزو بدون إذن
احلاكم أم الت واملنصوص يف رواية صاحل جواز التصدق به ،ومل يعترب حاكما"(.)1
مث قال(" :ومنها) :الودائع اليت جهل ةمال ةكها؛ جيوز التصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدق هبا بدون حاكم،
نص عليه ،وكذلك إن فقد ومل يطلع على خربه وليس له ورثة؛ تص ـ ـ ـ ـ ــدق به ،نص عليه،
حاكما ،قال القاض ـ ـ ـ ـ ـ ــي يف "اجملرد" :فيحتمل أن حيمل على إطالقه؛ ألنه منً ومل يعترب
فعل املعروف ،وحيتمل أن حيمل عند تعذر إذن احلاكم؛ ألن هذا املال مص ـ ــرفه إىل بيت
املال ،وتفرقة مال بيت املال موكول إىل اجتهاد اإلمام .انتهى.
والص ـ ــحيح اإلطالق ،وبيت املال ليس بوارث على املذهب املش ـ ــهور ،وإمنا حيفظ
فيه املال الضــائع ،فإذا أيس من وجود صــاحبه؛ فال معىن للحفظ ،ومقصــود الصــرف يف
مصــلحة املالك حتصــل بالصــدقة به عنه ،وهو أوىل من الصــرف إىل بيت املال؛ ألنه رمبا
صرف عند فساد بيت املال إىل غري مصرفه.
ضـ ـا؛ فالفقراء مس ــتحقون من مال بيت املال ،فإذا وص ــل إليهم هذا املال على وأي ً
غري يد االمام؛ فقد حص ـ ـ ـ ــل املقص ـ ـ ـ ــود ،وهلذا قلنا على أحد الوجهني :إذا فرق األجنيب
الوصــية ،وكانت لغري معني كالفقراء؛ فإهنا تقع املوقع ،وال يضــمن كما لو كانت الوصــية
ملعني.
وعلى هذا األصل يتخر جواز أخذ الفقري الصدقة من يد من ماله حرام؛ كقطاع
الطريق ،وأفىت القاضي وازه"(.)1
وقد قال هبذا القول القاض ـ ـ ـ ـ ـ ــي ،فيما نقله عنه ابن رجب ،كما أن هذا القول قد
يفهم من إطالق ص ـ ـ ــاحب احملرر( )2واإلنص ـ ـ ــاف( )3والغاية( )4القول بعدم ض ـ ـ ــمان من
متلك املغصوب بال عوض -كاملتصدق عليه ،-وعدم تقييدهم ذلك باجلهل(.)5
التعقب:
يلزم املتص ـ ــدق أن ينوي الص ـ ــدقة عن أص ـ ــحاب املال ،فإن مل ينوها عنهم ،وأخذ
الصــدقة فقري يعلم الغصــب ،ويعلم أن املتصــدق مل ينو الصــدقة عن أصــحاب املال ،فإن
يد املتصــدق عليه يف هذه احلال من األيدي العشــرة املرتتبة على يد الغاصــب ،وهذا هو
تعقب عثمان ،قال ¬ بعد نقله قول ابن رجب" :وعلى هذا األص ـ ـ ـ ـ ـ ــل يتخر جواز
وازه"()6 أخذ الفقري الص ـ ـ ـ ـ ــدقة من يد من ماله حرام؛ كقطاع الطريق ،وأفىت القاض ـ ـ ـ ـ ــي
قال" :أقول :إمنا يظهر هذا التخريج أن لو قص ــد املتص ــدق جعل الثواب لرب املتص ــدق
به ،كما يف مس ـ ـ ــألتنا ،فيجوز قبول الصـ ـ ـ ــدقة إذن ،وإال فيد املتصـ ـ ـ ــدق عليه من األيدي
العشرة املرتتبة على يد الغاصب ،كما تقدم"(.)1
وهذا القول هو ظاهر قول كثري من احلنابلة ،إذ إهنم نصوا على أن من ةوهب ماال
مغصــوبا ،وكان عاملا بأنه مغصــوب ،فإنه يضــمنه ،نص على ذلك أبو اخلطاب( ،)2وابن
قدامة( ،)3والش ـ ـ ـ ـ ــارح( ،)4وص ـ ـ ـ ـ ــاحب الوجيز( ،)5والفروع( ،)6والقواعد األص ـ ـ ـ ـ ـ ـولية(،)7
واملبدع( ،)8واإلنصــاف( ،)9واإلقناع( ،)10كما أن هذا القول قد يفهم ممن نص على أن
للغاصـ ــب الصـ ــدقة باملغصـ ــوب عن مالكه ،فتقييدهم الصـ ــدقة بأهنا عن املالك ميكن أن
يفهم منــه مــا ذكره الش ـ ـ ـ ـ ـ ــيخ عثمــان ،وممن نص على ذلــك ابن قــدامــة( ،)11وش ـ ـ ـ ـ ـ ــيخ
( )1ينظر :جمموع الفتاوى ( ،)263 /29وخمتصر الفتاوى املصرية (ص.)334 - 333 :
( )2ينظر :الوجيز (ص.)245 – 244 :
( )3ينظر :املبدع (.)48 /5
( )4ينظر :اإلنصاف (.)212 /6
( )5ينظر :اإلقناع (.)353 /2
( )6ينظر :منتهى اإلرادات (.)203 /3
( )7ينظر :غاية املنتهى (.)776 /1
( )8ينظر :أخصر املختصرات (ص.)192 :
( )9ينظر :قواعد ابن رجب (.)382 /2
( )10منتهى اإلرادات (.)191 - 190 /3
- 291 -
الفصل الثاين :التعقبات يف املعامالت املالية.
الترجيح:
الذي يظهر أن ما ذكره الش ـ ـ ـ ــيخ عثمان ص ـ ـ ـ ــحيح يف اجلملة ،للدليل الذي ذكره،
ولنص احلنابلة على ض ـ ـ ـ ـ ــمان املتهب املال الذي أخذه إذا كان يعلم أنه مغص ـ ـ ـ ـ ــوب(،)1
وألن قبول الص ـ ــدقة يف تلك احلال فيه نوع إقرار للغاص ـ ــب مبلكه للعني املغصـ ـ ــوبة ،وفيه
تواطؤ وإعانة له على غصبه.
وقد أش ــار ابن رجب ¬ إىل ذات املعىن الذي ذكره الش ــيخ عثمان ،قال ¬
يف القواعد" :لو تصدق الغاصب باملال؛ فإنه ال تقع الصدقة له وال يثاب عليه"(.)2
وقال يف جامع العلوم واحلكم" :واعلم أن الصدقة باملال احلرام تقع على وجهني:
أحدمها :أن يتصدق به اخلائن أو الغاصب وحنومها ،عن نفسه ،فهذا هو املراد من
هذه األحاديث أنه ال يتقبل منه :مبعىن أنه ال يؤجر عليه ،بل يأمث بتصـ ـ ـ ــرفه يف مال غريه
بغري إذنه"( ،)3مث قال" :الوجه الثاين من تص ـ ـ ـ ــرفات الغاص ـ ـ ـ ــب يف املال املغص ـ ـ ـ ــوب :أن
يتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدق به عن صـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاحبه إذا عجز عن رده إليه أو إىل ورثته ،فهذا جائز عند أكثر
العلماء ،منهم مالك ،وأبو حنيفة ،وأمحد وغريهم"(.)4
وعليه فالظاهر أن األوىل محل خترجيه الذي ذكره على الوجه الثاين ،ال على الوجه
األول.
ولعل عدم تقييد ابن رجب التخريج الذي ذكره مبا ذكره الش ـ ــيخ عثمان راجع إىل
واحد من سببني:
الس ــبب األول :ندرة وقوع املس ــألة اليت أش ــار إليها الش ــيخ عثمان ،إذ إن األص ــل
فيمن أةعطي صــدقة أنه ال يســأل عن مصــدرها ،وهل هي مغصــوبة أم ال ،بله أن يســأل
( )1ينظر :اهلداية (ص ،)316 :واملغين ( ،)204 /5والكايف ( ،)227 /2والشرح الكبري ( ،)419 /5والوجيز (ص:
،)243والفروع ( ،)246 /7والقواعد والفوائد األصولية البن اللحام (ص ،)388 :واملبدع ( ،)35 /5واإلنصاف
( ،)170 /6واإلقناع (.)348 /2
( )2قواعد ابن رجب (.)449 /3
( )3جامع العلوم واحلكم (.)265 - 264 /1
( )4جامع العلوم واحلكم (.)267 /1
- 292 -
الفصل الثاين :التعقبات يف املعامالت املالية.
الغاصـ ـ ـ ــب عمن ينوي الصـ ـ ـ ــدقة عنه ،ولذا مل ينبه الفتوحي والبهويت يف شـ ـ ـ ــرحيهما على
املنتهى( )1على مسـ ـ ــألة ما لو علم متملك املغصـ ـ ــوب بال عوض أنه مغصـ ـ ــوب ،مع أنه
منصــوص عليه يف املنت( ،)2كما أن صــاحيب اإلنصــاف( )3والغاية( )4مل يذكرا قيد اجلهل
عند ذكرهم ملن متلك املغصوب بال عوض ،بل نصوا فيه على ضمان الغاصب مطلقا.
الس ـ ـ ـ ــبب الثاين :أن ابن رجب ¬ قال" :ويتخر على هذا األص ـ ـ ـ ــل"( ،)5فقد
يكون قصد ب ـ ـ ـ ـ ـ ــ"األصل" تصدق من حتت يده مال حرام هبذا املال عن صاحبه ،ال عن
نفسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ،وعليه فال حاجة حينئذ للتقييد ،ومما يؤيد أنه قصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ذلك ،قوله قبل ذكره
التخريج" :ومقصود الصرف يف مصلحة املالك حتصل بالصدقة به عنه"(.)6
وعليه فيقال :ال ميكن يف اجلملة القول بأن تعقب عثمان على ابن رجب متجه،
ولكن يقال :لو قيد ابن رجب عبارته مبا ذكره الشيخ عثمان لكان أوىل ،واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
إذا عةرض ــت على فقري ص ــدقة ممن يعلم أن ماله مغص ــوب ،ويعلم أنه تص ــدق عن
نفس ـ ـ ــه ،ال عن ص ـ ـ ــاحب املال ،فعلى القول األول :جيوز له أخذ هذه الص ـ ـ ــدقة ،وعلى
القول الثاين :ال جيوز له أخذ هذه الصدقة.
( )1ينظر :معونة أويل النهى ( ،)320 /6و شرح املنتهى (.)312 /2
( )2ينظر :منتهى اإلرادات (.)191 - 190 /3
( )3ينظر :اإلنصاف (.)183 /6
( )4ينظر :غاية املنتهى (.)770 /1
( )5قواعد ابن رجب (.)382 /2
( )6قواعد ابن رجب (.)381 /2
- 293 -
الفصل الثاين :التعقبات يف املعامالت املالية.
المسألة السابعة :وجوب رد ثوب غيره الذي أطارته الريح إلى داره.
صورة المسألة:
املودع) فهي بعده أمانة ،حكمها يف
قال احلجاوي ¬" :فإن عزل نفســه (أيَ :
يــده حكم الثوب الــذي أطــارتــه الريح إىل داره :جيــب رده ،فــإن تلف قبــل التمكن من
رده :فهدر"( ،)1فهل قوله هذا يعين أن من أطارت الريح ثوبا إىل داره أنه يض ـ ـ ـ ـ ــمن هذا
الثوب إن تلف بعد التمكن من رده ،أم أنه ال يضمن إال إن كتم وجود الثوب عندهت
القول المتعقب:
من أطارت الريح ثوبا إىل داره فإنه يض ـ ــمن هذا الثوب إن تلف بعد التمكن من
رده ،وهذا قول منصور البهويت ،قال ¬" :و(هي) أي :الوديعة (بعده) أي :بعد عزله
نفسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه (أمانة حكمها) ما دامت (يف يده حكم الثوب الذي أطارته الريح إىل داره)؛
ألنه مل يتعد بوضـ ــع يده عليها ،وإذن رهبا له يف حفظها بطل بعزله نفسـ ــه( ،جيب) عليه
(رده) إىل ربــه فورا مع التمكن؛ لعــدم إذن ربــه يف بقــائــه بيــده( ،فــإن تلف) املــال املودع
عند الوديع بعد عزله نفسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ،أو الثوب الذي أطارته الريح إىل داره (قبل التمكن من
رده ،فهدر) ال ضـ ـ ــمان فيه ،وفهم منه أنه إن تلف بعد متكنه من رده أنه يضـ ـ ــمنه؛ ألنه
متعد بإمساكه فوق ما يتمكن فيه من الرد"(.)2
وقد قال هبذا القول ص ـ ــاحب املمتع( ،)3واإلنص ـ ــاف( ،)4واخللويت( ،)5وص ـ ــاحب
نيل املآرب(.)6
التعقب:
من أطارت الريح ثوبا إىل داره ،فإنه ال يضـ ـ ـ ـ ــمن هذا الثوب إن تلف بعد التمكن
من رده ،إال إن كتم وجود هذا الثوب عنده ،فلم خيرب به ربه ،وهذا هو تعقب عثمان،
قال ¬" :وقد ســبق لصــاحب اإلقناع يف الغصــب أنه إذا أطارت الريح ثوب غريه إىل
داره ،أو حصل يف داره حيوان ،أو طائر غري ممتنع ،فإن الواجب حفظه ،وإعالم صاحبه
إن عرفه( .)1ومقتضاه عدم وجوب الرد"(.)2
وقد قال هبذا القول ابن قدامة( ،)3والشارح( ،)4وصاحب القواعد( ،)5واملبدع(،)6
والغاية(.)7
( )1قال يف اإلقناع (" :)357 /2وإن ألقت الريح إىل داره ثوب غريه لزمه حفظه؛ ألنه أمانة ،فإن مل يعرف صاحبه فهو
لقطة ،وإن عرفه لزمه إعالمه ،فإن مل يفعل ضمنه".
( )2حاشية املنتهى ( ،)251 /3وينظر.)264 /3( :
( )3ينظر :الكايف ( ،)230 /2واملغين (.)446 /6
( )4ينظر :الشرح الكبري (.)323 /7
( )5ينظر :قواعد ابن رجب (.)289 /1
( )6ينظر :املبدع (.)55 /5
( )7ينظر :غاية املنتهى (.)777 /1
( )8اإلقناع ( ،)378 /2وينظر :كشاف القناع (.)168 /4
- 295 -
الفصل الثاين :التعقبات يف املعامالت املالية.
الترجيح:
الذي يظهر أن الراجح هو ما ذهب إليه الش ـ ـ ـ ـ ـ ــيخ عثمان ¬؛ وذلك مجعا بني
نص ـ ــوص ـ ــهم ،وللتعليل الذي ذكره ،ولتص ـ ـريح ص ـ ــاحيب القواعد واإلنص ـ ــاف على أن من
اختار وجوب الرد ،فإنه يقص ـ ــد بذلك أن له الرد أو اإلعالم( ،)5ولتفس ـ ــري البهويت كالم
احلجاوي بذلك( ،)6واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
من أطارت الريح ثوبا إىل داره ،ومتكن من رده إىل صــاحبه ،فلم يرده ،وإمنا أعلمه
بوجوده عنــده ،مث تلف هــذا الثوب ،فعلى القول األول :يض ـ ـ ـ ـ ـ ــمن الثوب ،وعلى القول
الثاين :ال يضمن.
القول المتعقب:
املودع الوديع من إخرا الوديعة ،فغش ــي مكان الوديعة ش ــيء الغالب منه إذا هنى ِ
اهلالك ،فله إخراجها ونقلها مطلقا ،وال يض ـ ــمنها إن تلفت حينئذ ،وهذا قول الفتوحي،
قال ¬" :وإن هناه عن إخراجها ،فأخرجها لغش ـ ـ ـ ـ ــيان ش ـ ـ ـ ـ ــيء الغالب منه اهلالك ،مل
يضمن"(.)1
وقد قال هبذا القول اخلرقي( ،)2وأبو اخلطاب( ،)3والسـ ـ ـ ــامري( ،)4وابن قدامة(،)5
واجملد( ،)6والشارح( ،)7وابن املنجا( ،)8والزركشي( ،)9وصاحب الوجيز(،)10
التعقب:
املودع الوديع من إخرا الوديعة ،فغش ــي مكان الوديعة ش ــيء الغالب منه إذا هنى ِ
اهلالك ،فإنه يلزم الوديع دفعها لرهبا ،فإن مل يس ـ ـ ـ ـ ـ ــتطع فله نقلها إذن ،وهذا هو تعقب
عثمان ،قال ¬ تعليقا على عبارة الفتوحي املذكورة يف القول املتعقب" :لعله مقيد مبا
إذا مل ميكنه ردها إىل صــاحبها ،وإال ضــمن ،كما يعلم من قوله اآليت( :ومن أراد ســفرا،
أو خاف عليها عنده)( ،)7واهلل أعلم"(.)8
الترجيح:
الذي يظهر أن اسـتدراك عثمان ¬ غري وجيه؛ إذ الظاهر أن عبارة الفتوحي يف
املوض ـ ـ ـ ـ ـ ــع األول تنص ـ ـ ـ ـ ـ ــرف إىل :مـا لو خـاف على الوديعــة ،ولكنــه مل يكن عـاجزا عن
حفظها ،فله يف هذه احلال نقلها إىل موضع آخر ،والعبارة الثانية مفروضة فيما لو عجز
عن احلفظ ،وقد أشـ ـ ـ ــار البهويت ¬ يف عمدة الطالب هلذا املعىن ،فقال" :وإن حدث
خوف عام ردها على رهبا"( ،)3واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
املودع الوديع من إخرا الوديعة ،فغش ــي مكان الوديعة ش ــيء الغالب منهإذا هنى ِ
اهلالك ،فعلى القول األول :جيوز للوديع إخراجهــا ونقلهــا مطلقــا ،وعلى القول الثــاين:
يلزم الوديع دفعها لرهبا ،فإن مل يفعل مع القدرة ضمن ،فإن مل يستطع فله نقلها إذن.
القول المتعقب:
الفس ــق لوحده ليس س ــببا كافيا لعزل الناظر األجنيب الذي واله احلاكم أو الناظر،
وقد نسب عثمان هذا القول إىل حممد اخللويت ،قال ¬" :قوله( :عزل) الظاهر أنه ال
ينعزل مبجرد الفسق .شيخنا حممد اخللويت"(.)2
التعقب:
الفس ـ ـ ـ ـ ــق لوحده س ـ ـ ـ ـ ــبب كاف لعزل الناظر األجنيب الذي واله احلاكم أو الناظر،
وهذا هو تعقب عثمان ،قال ¬ بعد نقله قول اخللويت " :أقول :بل املفهوم من شــرح
املصنف :أنه ينعزل مبجرد الفسق"(.)3
وقد قال هبذا القول ص ـ ــاحب املبدع( ،)1واإلنص ـ ــاف( ،)2واإلقناع( ،)3والغاية(،)4
وشرح املنتهى( ،)5وكشف املخدرات(.)6
الترجيح:
ما ذكره الشــيخ عثمان ¬ متجه ،وهو مدلول قول صــاحب املنتهى كما صــرح
بذلك يف شرحه ،وقد تعاقب علماء املذهب على هذا القول.
وأما القول الذي نس ــبه عثمان إىل اخللويت فلم يص ــرح به اخللويت يف حاش ــيته على
املنتهى( ،)1وال يف حاشيته على اإلقناع( ،)2وقد يكون مما مسعه عثمان من اخللويت ،واهلل
أعلم.
ثمرة الخالف:
إذا عني احلــاكم أو النــاظر نــاظرا على الوقف ،ففس ـ ـ ـ ـ ـ ــق هــذا النــاظر ،فعلى القول
األول :ال يعزل من النظارة جملرد الفس ـ ـ ـ ـ ـ ــق ،وعلى القول الثاين :يعزل من النظارة ألجل
ذلك.
القول المتعقب:
إذا وصـ ـ ــى رجل بأمته لزوجها احلر ،فأحبلها هذا الزو بعد موت املوصـ ـ ــي ،وقبل
قبول الوص ـ ــية ،مث ولدت بعد قبول الوص ـ ــية ،فولدها رقيق ،احلق فيه للورثة ،لذا فإن قول
الفتوحي ¬" :وإن وصــى له بزوجته فأحبلها وولدت قبله مل تصــر أم ولد"( ،)2احلكم
فيه معلق باإلحبال ال بالوالدة ،وهذا قول منص ـ ــور البهويت ،وحممد اخللويت ،قال الش ـ ــيخ
منص ـ ـ ــور ¬(" :وإن وص ـ ـ ــى له) أي احلر (بزوجته) األمة( ،فأحبلها وولدت قبله) أي
القبول .وهو متعلق بأحبلها فقك( ،مل تصـ ـ ــر أم ولد) لزوجها املوصـ ـ ــى (له) هبا؛ ألهنا مل
تكن ملكه حني أحبلها( ،وولده) الذي محلت به قبل قبوهلا (رقيق) إن مل يكن اشـ ـ ــرتط
حرية أوالده"(.)3
وقال الش ـ ـ ـ ـ ـ ــيخ اخللويت ¬ معلقا على قول الفتوحي" :وإن وص ـ ـ ـ ـ ـ ــى له بزوجته
فأحبلها ،وولدت قبله مل تص ـ ـ ـ ــر أم ولد"( ،)4قال" :قوله( :وولدت) هذا ليس بقيد ،إمنا
القيد اإلحبال ،وعلى هذا فينبغي أن يكون "قبله" قيدا يف "إحباهلا" ال يف "ولدت" كما
أشار إليه الشيخ يف شرحه"(.)1
وهذا القول هو ظاهر قول ابن املنجا(.)2
التعقب:
إذا وصـ ـ ــى رجل بأمته لزوجها احلر ،فأحبلها هذا الزو بعد موت املوصـ ـ ــي ،وقبل
قبول الوصـ ـ ــية ،مث ولدت بعد قبول الوصـ ـ ــية ،فالولد ألبيه ،لذا فإن قول الفتوحي ¬:
"وإن وص ـ ـ ـ ـ ـ ــى له بزوجته فأحبلها وولدت قبله مل تص ـ ـ ـ ـ ـ ــر أم ولد"( ،)3احلكم فيه معلق
بــالوالدة ال اإلحبــال ،وهــذا هو تعقــب عثمــان ،قــال ¬" :إذا محلــت بــه بعــد موت
املوصـ ـ ــي قبل القبول ،فإما أن تلده قبل القبول أيضـ ـ ــا ،فيكون للورثة؛ ألنه مناء منفصـ ـ ــل
قبل القبول ،وإما أن تلده بعد القبول ،فيكون للموصى له؛ ألنه مناء متصل قبل الوضع،
فيعتق عليه ،كما يعتق يف كل موض ـ ـ ــع قلنا :إن الولد للموص ـ ـ ـ ـى له ،وإىل هذا أش ـ ـ ــار يف
اإلقناع بقوله :وإن محلت بعد موت املوص ـ ـ ـ ـ ـ ــي ووض ـ ـ ـ ـ ـ ــعته قبل القبول ،فللورثة ،وبعده
ألبيه( .)4انتهى .فقوله :وإن محلت بعد موت املوص ــي ووض ــعته قبل القبول فللورثة .هو
معىن قول املصـ ـ ـ ـ ـنف( :وإن وص ـ ـ ـ ــى له بزوجته ...إخل) فتدبر ذلك ،ففي كالم الش ـ ـ ـ ــيخ
منصور – ¬ – هنا نظر ظاهر تبعه عليه الشيخ اخللويت ¬ تعاىل"(.)5
وهذا القول هو ظاهر قول ابن قدامة(،)1وصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاحب اإلنصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاف( ،)2وهو قول
صـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاحب اإلقناع( ،)3واملنتهى( ،)4ومطالب أويل النهى( ،)5كما نص على هذا القول
البهويت يف كشاف القناع(.)6
الترجيح:
لعل الراجح هو ما ذهب إليه عثمان ¬؛ للتعليل الذي ذكره ،والتفاقه مع ما
ذكره صاحبا اإلقناع( )1واملنتهى( ،)2واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
إذا وصـ ـ ــى رجل بأمته لزوجها احلر ،فأحبلها هذا الزو بعد موت املوصـ ـ ــي ،وقبل
قبول الوص ـ ـ ـ ــية ،مث ولدت بعد قبول الوص ـ ـ ـ ــية ،فعلى القول األول :ولدها رقيق ،احلق فيه
للورثة ،وقول الفتوحي ¬" :وإن وص ـ ـ ـ ــى له بزوجته فأحبلها وولدت قبله مل تص ـ ـ ـ ــر أم
ولد"( ،)3احلكم فيه معلق باإلحبال ال بالوالدة ،وعلى القول الثاين :الولد ألبيه ،وقول
الفتوحي ¬" :وإن وصــى له بزوجته فأحبلها وولدت قبله مل تصــر أم ولد"( ،)4احلكم
فيه معلق بالوالدة ال اإلحبال.
القول المتعقب:
إن وص ـ ـ ـ ـ ـ ــى رجل لزيد ،مث قال :إن قدم عمرو فله ما وص ـ ـ ـ ـ ـ ــيت لزيد ،فاملعترب يف
اسـ ـ ـ ــتحقاق زيد للموصـ ـ ـ ــى به ،وانقطاع حق عمرو منه هو :موت املوصـ ـ ـ ــي ،وقبول زيد
الوص ـ ــية ،فلو حض ـ ــر عمرو بعد املوت وقبل القبول ،فهو املس ـ ــتحق للوص ـ ــية ،وهذا قول
منصور البهويت ،قال ¬ يف شرحه لقول احلجاوي" :وإن وصى لزيد ،مث قال :إن قدم
عمرو فهو له ،فقدم يف حياة املوصـ ـ ـ ـ ـ ــي فهو له ،عاد إىل الغيبة أو مل يعد ،وإن قدم بعد
موته فلزيد"( ،)1قال(" :وإن قدم) عمرو (بعد موته) أي :املوص ـ ـ ــي (فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ) املوص ـ ـ ــى به
(لزيد)؛ لثبوته له باملوت والقبول؛ ألنه مل يوجد إذ ذاك ما مينعه ،فلم يؤثر وجود الشـ ــرط
بعد ذلك ،كما لو علق إنسان عتقا أو طالقا على شرط فلم يوجد إال بعد موته"(.)2
وقد قال هبذا القول اخللويت( ،)3وذكره أبو اخلطاب( ،)4وابن قدامة( )5احتماال،
وذكره صاحب الفروع على وجه التمريض(.)6
التعقب:
إن وص ـ ـ ـ ـ ـ ــى رجل لزيد ،مث قال :إن قدم عمرو فله ما وص ـ ـ ـ ـ ـ ــيت لزيد ،فاملعترب يف
اسـ ـ ــتحقاق زيد للموصـ ـ ــى به ،وانقطاع حق عمرو منه هو :موت املوصـ ـ ــي ،فلو حضـ ـ ــر
عمرو بعد املوت وقبل القبول ،فليس له حق يف الوص ـ ـ ـ ــية ،وهذا هو تعقب عثمان ،قال
¬ يف تعليقه على قول الفتوحي" :وإن وصــى لزيد ،مث قال :إن قدم عمرو فله ،فقدم
بعد موت موص فلزيد"( ،)1قال" :قوله( :لزيد ...إخل) عبارة املص ـ ـ ـ ـ ـ ــنف يف ش ـ ـ ـ ـ ـ ــرحه:
فاملوص ـ ـ ـ ــى به لزيد دون عمرو؛ ألن املوص ـ ـ ـ ــي ملا مات قبل قدوم عمرو ،انقطع حقه من
املوص ـ ــى به ،وانتقل إىل زيد؛ ألنه مل يوجد إذ ذاك ما مينعه ،فلم يؤثر وجود الش ـ ــرط بعد
ذلك ،كما لو علق إنس ـ ـ ــان طالقا أو عتقا على ش ـ ـ ــيء ،فلم يوجد إال بعد موته ،وقيل:
بل يكون لعمرو ،وعلم ما تقدم :أن عمرا لو قدم يف حياة املوص ـ ـ ـ ـ ـ ــي كان له .قال يف
اإلنصاف :بال نزاع( .)2انتهى.
وفهم منه :أن املنت على ظاهره ،كـاإلقناع ،أي :من جهة أنه ال فرق بني أن يقدم
عمرو بعد موت املوص ــي قبل قبول زيد ،أو بعده ،وأما قول املص ــنف يف ش ــرحه :وانتقل
إىل زيد ،أي :مبوت املوص ـ ـ ـ ـ ـ ــي ،فال يعين به :وجود القبول ،بل يعين به :أن زيدا مبوت
املوصي صار متمكنا من القبول؛ النقطاع حق امليت مبوته ،ولذلك مل يقيد بالقبول ،بل
ش ــبه املس ــألة بطالق أو عتق علق على ش ــيء ،فلم يوجد إال بعد املوت ،فعلم :أن حق
عمرو قد انقطع مبجرد موت املوص ـ ــي قبل قدومه من غري توقف على ش ـ ــيء آخر .ففي
تقييد منصور البهويت يف شرح اإلقناع بالقبول ،نظر .فتدبر"(.)3
وقد قال هبذا القول أبو يعلى( ،)1وابن املنجا( ،)2وصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاحب الوجيز( ،)3وقدمه
ابن قدامة( ،)4وص ـ ـ ـ ــاحب الفروع( ،)5وذكر يف اإلنص ـ ـ ـ ــاف أنه املذهب( ،)6كما قال به
ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاحــب اإلقنــاع( ،)7واملنتهى( ،)8والغــايــة( ،)9كمــا نص على هــذا القول منص ـ ـ ـ ـ ـ ــور
البهويت(.)10
الترجيح:
الظاهر أن الراجح هو ما ذهب إليه الشــيخ عثمان؛ وذلك إعماال للفظ املوصــي،
وألن متكني زيد من قبول الوصـ ــية يدل على ثبوت االسـ ــتحقاق له ،وانقطاع اسـ ــتحقاق
عمرو يف العني املوصى هبا.
والظاهر أن املذهب قد استقر على القول الذي ذكره الشيخ عثمان ،واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
إن وص ـ ــى رجل لزيد ،مث قال :إن قدم عمرو فله ما وص ـ ــيت لزيد ،فحض ـ ــر عمرو
بعد املوت وقبل قبول زيد للوص ـ ـ ــية ،فعلى القول األول :عمرو هو املس ـ ـ ــتحق للوص ـ ـ ــية،
وعلى القول الثاين :املستحق زيد.
القول المتعقب:
علة صحة الوصية فيما لو قال :أعطوا ثلثي أحدمها؛ ألن القصد من الوصية الرب،
وهذا قول حممد اخللويت ،قال ¬" :انظر الفرق بني ما هنا وما س ــيأيت يف النكاح فيما
إذا قال لهِّ :زو ،أو اقبل من أحد وكيلي ،من أنه ال يصح تزوجيه وال قبوله من أحدمها،
فليحرر ،وقد يفرق :بأنه قيل هناك بعدم الصحة لالحتياط يف الفرو ،وصح هنا؛ ألن
القصد الرب"(.)4
التعقب:
علة صحة الوصية فيما لو قال :أعطوا ثلثي أحدمها؛ أنه أضاف متليك املوصى له
إىل الورثـة ،وهم يعينون عنـد التمليـك بـاختيـارهم ،وهـذا هو تعقـب عثمـان ،قـال ¬:
"إمنا ص ـ ــحت الوص ـ ــية هنا؛ ألنه أض ـ ــاف متليك املوص ـ ــى له إىل الورثة ،وهم يعينون عند
التمليك باختيارهم ،االف ما إذا نس ــب التمليك إىل نفس ــه -كما تقدم-؛ أعين :حنو
قوله :أوصيت بكذا ألحد هذين ،فال يصح ،ويف كالم حممد اخللويت هنا أيضا نظر"(.)1
وقد قال هبذا القول ابن قدامة( ،)2وشـ ـ ـ ــارحا املنتهى( ،)3وصـ ـ ـ ــاحب مطالب أويل
النهى(.)4
الترجيح:
تعقب عثمان ¬ وجيه ،إذ ليست العلة يف هذه املسألة :أن الوصية من أبواب
الرب ،بل العلة :أن املوصي مل يبهم الوصية ،وإمنا فوض الورثة يف اختيار واحد من اثنني،
ومتليكه الوصية ،فصار الورثة مبنزلة املوصى إليه ،واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
اخلالف لفظي.
القول المتعقب:
ي صح أن يقال" :والباقي بينها وبني معتق أمها" ،وعلى هذا يدل صنيع الفتوحي،
قال ¬" :ولو اشـ ـ ــرتى أخ وأخته أبامها ،فملك قنا ،فأعتقه ،مث مات ،مث العتيق ،ورثه
االبن بالنسب ،دون أخته بالوالء.
ولو مات االبن ،مث العتيق ،ورثت منه بقدر عتقها من األب ،والباقي بينها وبني
معتق أمها ،إن كانت عتيقة"(.)2
وقد ذكر العبارة هبذه الص ـ ــورة ص ـ ــاحب التنقيح( ،)3واإلقناع( ،)4والغاية( ،)5وابن
قاسم يف حاشيته على الروض(.)6
التعقب:
األوىل أن يقــال" :والبــاقي بينهــا وبني معتق أمهمــا" ،أو "أمــه" ،وهــذا هو تعقــب
عثمــان ،قــال ¬" :ولو قــال :بني معتق أمهمــا ،أو أمــه ،أي :االبن لكــان أوىل؛ ألن
كون أم البنت عتيقة ليس قيدا ،وال سببا يف ذلك"(.)1
وقد قال هبذا القول صاحب مطالب أويل النهى(.)2
الترجيح:
لعل الراجح هو ما ذكره الش ـ ـ ـ ـ ــيخ عثمان؛ وذلك ألن البنت يف هذه املس ـ ـ ـ ـ ــألة قد
أخذت نصــيبها الذي ســببه الوالء من جهة أبيها ،مث أخذت نصــيبها الذي ســببه الوالء
من جهة أخيها؛ وذلك أهنا جرت نص ـ ـ ـ ـ ـ ــف والئه بعتقها نص ـ ـ ـ ـ ـ ــف أبيهما ،فالباقي بعد
أخذها نصـ ــيبها متعلق بأخيها الذي شـ ــاركها يف العتق ،وليس متعلقا هبا ،فريجع نصـ ــيبه
إىل من له نصف والئه الباقي ،وهو معتق أمه ،لذا فاألوىل أن يقال" :والباقي بينها وبني
معتق أمهما" ،أو "أمه".
وميكن التمــاس توجيــه لقول الفتوحي ومن وافقــه ،وذلــك بــأن يقــال :الظــاهر أهنم
افرتضـ ـوا أن األخ واألخت أش ــقاء ،فقوله :أمها ،أو أمهما ،أو أمه ،نتيجته واحدة ،واهلل
أعلم.
ثمرة الخالف:
اخلالف لفظي.
ولو قيل إنه خالف معنوي ،فيمكن تفريع مس ـ ـ ـ ـ ــألة عليه ،وذلك ما لو كان االبن
والبنت إخوة ألب ،فيقال:
لو تزو عبد بعتيقتني ،فأجنبت األوىل ابنا ،والثانية بنتا ،فاش ـ ـ ـ ـ ـ ــرتى االبن والبنت
أبامها ،فعتق عليهما ،مث أعتق األب عبدا ،مث مات األب واالبن ،مث مات العتيق ،فعلى
القول األول :يكون ربع ترك ــة العتيق ملوىل أم البن ــت ،وعلى القول الث ــاين (ب ــاعتب ــار أن
العبارة :معتق أمه) يكون ربع تركة العتيق ملوىل أم االبن.
والظــاهر أن احلنــابلــة ال يقولون بــالقول األول ،وإمنــا يقولون بــالقول الثــاين ،ويبني
ذلك تقريرهم للمسألة ،واهلل أعلم.
القول المتعقب:
إذا قال قن لغري ســيده :اشــرتين من ســيدي هبذا املال وأعتقين ،فاش ـرتاه مبعني غري
ما يف يد العبد ،مل يص ـ ــح الش ـ ـ ـراء والعتق ،وهذا القول يومهه كالم منصـ ـ ــور البهويت ،قال
¬(" :و) إن قال قن آلخر( :اشـ ــرتين من سـ ــيدي هبذا املال وأعتقين ،فاش ـ ـرتاه بعينه)
أي :املال الذي أعطاه له العبد وأعتقه( ،مل يص ـ ــحا) أي :الشـ ـ ـراء والعتق؛ لشـ ـ ـرائه بعني
مال غريه بال إذنه ،فلم يص ـ ــح الشـ ـ ـراء ،ومل ينفذ العتق؛ ألنه أعتق مملوك غريه بغري إذنه،
وما أخذه الســيد فماله (وإال) يشــرته بعني املال ،بأن اشـرتاه بثمن يف ذمته وأعتقه :صــح
الشراء ،و(عتق ،ولزم مشرتيه) الثمن (املسمى) يف البيع"(.)1
وقد ذكر العبارة هبذه الصورة صاحب مطالب أويل النهى(.)2
التعقب:
إذا قال قن لغري ســيده :اشــرتين من ســيدي هبذا املال وأعتقين ،فاش ـرتاه مبعني غري
ما يف يد العبد ،صــح الش ـراء والعتق ،وهذا هو تعقب عثمان ،قال ¬" :قوله( :وإال)
أي :وإن مل يشـ ـ ــرت بعني ما يف يد العبد صـ ـ ــح ...إخل .س ـ ـ ـواء اش ـ ـ ـرتاه بثمن يف ذمته ،أو
مبعني غري ما يف يد العبد ،فما يومهه ما يف شرح منصور البهويت ليس مرادا"(.)3
الترجيح:
ما ذكره الشـ ـ ــيخ عثمان ¬ متجه ،إذ قول البهويت ¬(" :وإال) يشـ ـ ــرته بعني
املال ،بأن اشرتاه بثمن يف ذمته وأعتقه صح الشراء"( ،)1يوهم أن الشراء والعتق ال ينفذ
إال إن كان الشـ ـ ـ ـراء بثمن يف الذمة ،وهو غري مراد ،بل املراد إبطال الشـ ـ ـ ـراء الذي يكون
بعني الثمن الذي بذله العبد ،وتص ـ ـ ـ ـ ـ ــحيح غريه من الص ـ ـ ـ ـ ـ ــور ،وقد نص غري واحد من
احلنابلة على هذا املعىن ،قال يف املبدع" :إذا قال اشرتين من سيدي هبذا املال ،وأعتقين،
ففعل ،عتق ،ولزم مشـ ـ ـ ـ ـ ــرتيه املسـ ـ ـ ـ ـ ــمى ،وكذا إن اش ـ ـ ـ ـ ـ ـرتاه بعينه إن مل تتعني النقود ،وإال
بطال"( ،)2وذكر مثله ص ـ ــاحب اإلنص ـ ــاف( ،)3وقال اخللويت " :قوله( :وإال عتق)؛ أي:
وإن مل يكن الشراء وقع بعينه بأن وقع بغريه أو وقع الشراء يف الذمة مث نقده"(.)4
ثمرة الخالف:
اخلالف لفظي.
ولو قيل إنه خالف معنوي ،فيمكن تفريع مسألة عليه ،وذلك بأن يقال:
إذا قال قن لغري ســيده :اشــرتين من ســيدي هبذا املال وأعتقين ،فاش ـرتاه مبعني غري
ما يف يد العبد ،فعلى القول األول :ال يصح الشراء وال العتق ،وعلى القول الثاين :يصح
الشراء والعتق.
القول المتعقب:
إذا أبرئ املكاتب ،وكان بيده مال حني إبرائه ،فإن هذا املال ملك له ،وهذا قول
منص ـ ـ ـ ـ ـ ــور البهويت ،قال ¬(" :وما فض ـ ـ ـ ـ ـ ــل بيده) أي :املكاتب بعد أداء ما عليه من
كتابته أو إبرائه منه (فله) أي :املكاتب؛ ألنه كان له قبل عتقه فبقي على ما كان"(.)1
وقد قال هبذا القول ابن قدامة( ،)2والشارح(.)3
التعقب:
إذا أبرئ املكاتب ،وكان بيده مال حني إبرائه ،فإن هذا املال ملك لس ـ ــيده ،وهذا
هو تعقب عثمان ،قال ¬" :قوله( :وما فضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل بيده) أي :بعد األداء جلميع مال
الكتابة ،فللمكاتب ،كما ص ـ ــرح بذلك يف اإلقناع وش ـ ــرحه ،االف ما إذا أبرأه ،فإن ما
يف يده يكون للس ـ ــيد ،وهذا مقتض ـ ــى ما قدمه املص ـ ــنف يف قوله( :ومال معتق بغري أداء
عند عتق لسيد)( ،)4فقول الشارح هنا :أو إبرائه منه ،فيه نظر"(.)5
الترجيح:
الظاهر أن الراجح هو ما ذكره الش ـ ـ ـ ـ ـ ــيخ منص ـ ـ ـ ـ ـ ــور؛ وذلك ألن املال الذي يف يد
املكاتب ملك له( ،)4بدليل صــحة تصــرفه فيه( ،)5وإبراء الســيد للمكاتب من باقي مال
الكتابة ال يغري هذا احلكم ،وال جيعل للسـ ـ ـ ـ ــيد حقا يف هذا املال ،فال يصـ ـ ـ ـ ــح أن يقال:
انتقل هذا املال من ملك املكاتب إىل ملك س ـ ـ ـ ـ ـ ــيده؛ ألن س ـ ـ ـ ـ ـ ــيده أبرأه من باقي مال
الكتابة.
وأما عموم عبارة الفتوحي اليت اس ــتدل هبا الش ــيخ عثمان ،فالظاهر أهنا خمص ــوص ــة
باملكاتب ،س ـواء كان املكاتب عتق باألداء أو باإلبراء ،ودليل ذلك ما ذكره الفتوحي يف
شرحه ،قال ¬(" :ومال معتَق بغري أداء) ليخر املكاتب ،واملعتق على مال"(.)6
كما أنه ميكن أن جياب على اسـ ــتدالل الشـ ــيخ عثمان بعبارة الفتوحي بأن يقال:
إن املكاتب وإن أبرئ ،فال خير من كونه أدى ما عليه؛ ألن اإلبراء كاألداء( ،)1فهو قد
لزمه مال الكتابة ،مث سقك عنه بعد لزومه ،فصار مبنزلة من أدى املال ،ال مبنزلة من عتق
بغري أداء ،واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
إذا أبرئ املكاتب ،وكان بيده مال حني إبرائه ،فعلى القول األول :هذا املال ملك
للمكاتب ،وعلى القول الثاين :هذا املال ملك للسيد.
( )1ينظر :املغين ( ،)430 /10والشرح الكبري ( ،)355 /12ومطالب أويل النهى (.)734 /4
- 323 -
الفصل الثالث :التعقبات يف فقه األسرة والعقوبات واألطعمة.
المطلب الثالث :استحقاق المكاتب إن حبسه سيده أرفق األمرين به
من إنظاره مثل مدة الحبس ،أو أجرة مثله.
صورة المسألة:
قال الفتوحي ¬" :وعلى س ـ ــيده (أي املكاتب) نايته عليه ،أرش ـ ــها ،وحببس ـ ــه
مدة ،أرفق األمرين به ،من إنظاره مثلها ،أو أجرة مثله"( ،)1فقوله ¬" :من إنظاره"
هل هو بيان لألمرين ،أم هو بيان لألرفقت
القول المتعقب:
قوله" :من إنظاره" بيان لألمرين ،وقد نس ــب عثمان هذا القول إىل بعض احملققني
دون أن يس ـ ـ ـ ـ ـ ــميه ،قال ¬" :قوله( :من إنظاره) بيان لألرفق ،فإنه أحدمها ،ال بيان
لألمرين ،فإهنما جمموع اإلنظار ،وأجرة املثل ،كما تومهه بعض احملققني"(.)2
وهذه العبارة من الش ــيخ عثمان مل يظهر يل املراد منها على وجه الدقة ،وقد يقال
إن العبارة حتتمل ثالثة احتماالت:
االحتمال األول :أن ص ـ ـ ــاحب القول املتعقب يفس ـ ـ ــر عبارة املؤلف باإللزام بأجرة
املثل ،واإلنظار مثل مدة احلبس.
االحتمال الثاين :أنه يقطع أن العبارة تدل على أن اإلنظار هو األرفق.
االحتمــال الثــالــث :أنــه يقول :إن الواجــب أرفق األمرين ،أمــا األمر األول فهو:
أجرة املثل ،واإلنظار مثل مدة احلبس .وأما األمر الثاين :فلم ينص عليه املنت.
أما االحتمال األول ،فلم أجد من ذكره من احلنابلة ،إال أن عبارة صــاحب املبدع
حتتمله ،قال ¬(" :وإن حبسـ ــه مدة) وظاهر كالم املؤلف :أو منعه مدة (فعليه) أي:
على الس ـ ـ ـ ــيد (أرفق األمرين به ،من إنظاره مثل تلك املدة)؛ ألن ذلك نظري ما فاته مثل
(أو أجرة مثله)؛ ألنه فوت منافعه ،فلزمه عوض ـ ــها كالعبد ،وقيل :يلزمه أرفقهما مبكاتبه؛
ألنه وجد سببها ،فكان له أنفعهما"(.)1
وأما االحتمال الثاين ،فهو رواية يف املذهب( ،)2رجحها ابن قدامة يف املغين(،)3
والشارح(.)4
وأما االحتمال الثالث ،فلم أجد من ذكره من احلنابلة.
التعقب:
قولــه" :من إنظــاره" بيــان لألرفق ،وهــذا تعقــب عثمــان ،قــال ¬" :قولــه( :من
إنظاره) بيان لألرفق ،فإنه أحدمها ،ال بيان لألمرين ،فإهنما جمموع اإلنظار ،وأجرة املثل،
كما تومهه بعض احملققني"(.)5
وقد قال هبذا القول الفتوحي( )6والبهويت( )7يف شرحيهما على املنتهى.
الترجيح:
لعل األوىل أن حتمل العبارة على ما فس ــرها به كاتبها ،وهو الفتوحي ¬ ،وعليه
فــالقول الثــاين هو الراجح ،على أن القول األول مل يتبني يل وجهــه ،وال املراد منــه ،واهلل
أعلم.
القول المتعقب:
املراد بقول الفتوحي ¬" :مث ربع الزمن املسـ ـ ـ ـ ــتقبل للرابعة" أي :ربع اليوم الذي
يلي حق العقد للرابعة ،فتكون الرابعة قد أخذت ربع قس ـ ـ ـ ــم الثالثة ،وهذا قول منص ـ ـ ـ ــور
البهويت ،قال ¬ " :قوله( :مث ربع الزمن املس ـ ـ ـ ـ ــتقبل . . .إخل) ،يعين :ربع اليوم الذي
يلي حق العقد للرابعة؛ ألهنا واحدة من أربع اشـرتكن فيه ،وبقيته للثالثة؛ ألن ضـرتيها قد
يوف هلا استوفتا حقهما ،ال يقال :قد استوفتا ليلة ليلة وهذه قد استوفت دون ليلة فلم ّ
حقهــا؛ ألنــا نقول :كــانتــا من ثالث فلهمــا ليلتــان ،وهــذه من أربع فلهــا ثالثــة أربــاع ليلــة
كما وفاها.
قوله( :مث ليلة للمظلومة) هذا املذهب ،وقدمه يف الفروع ،قاله يف اإلنصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاف.
وكان قياس اليت قبلها أن يكون هلا ثلثا الليلة ،وللجديدة بقيتها ،ومل يظهر يل الفرق"(.)2
وقد نقل اخللويت هذا القول عن منصور(.)3
التعقب:
املراد بقول الفتوحي ¬" :مث ربع الزمن املس ـ ـ ـ ـ ـ ــتقبـ ــل للرابعـ ــة" أي :ربع الزمن
املشتمل على حق الثالثة والرابعة ،وذلك خمتلف حبسب ما قسم لألوليني ،فيقسم للثالثة
مثل ما قس ــم لألوليني ،مث يقس ــم للرابعة ثلث ما قس ــم للثالثة ،وهو ربع جمموع ما قس ــم
هلا وللثالثة ،وهذا هو تعقب عثمان ،قال ¬" :قوله( :مث ربع الزمن املسـ ــتقبل ...إخل)
قال منصــور البهويت يف حاشــيته :يعين :ربع اليوم الذي يلي حق الرابعة .انتهى املقصــود.
ويف تفس ـ ـ ــريه الزمن املس ـ ـ ــتقبل بذلك نظر ،إذ هو خالف املنقول ،كما يف حواش ـ ـ ــي ابن
قندس على الفروع( ،)1وكما هو مقتضــى كالم املصــنف يف شــرحه( ،)2فإن املنقول على
ما ذكرناه لك :أن املراد بالزمن املسـ ـ ــتقبل هنا :الزمن املشـ ـ ــتمل على حق الثالثة والرابعة،
وذلك خمتلف حبس ـ ـ ــب ما قس ـ ـ ــم لألوليني ،فإنك جتعل للثالثة مثل ما إلحدامها ،مث تزيد
على حق الثالثة ثلثه بطريق ما فوق الكس ـ ـ ـ ـ ـ ــر ،فإن زمن الثالثة الذي عرفته من قس ـ ـ ـ ـ ـ ــمه
لألوليني ،نســبته إىل الزمن املســتقبل املذكور هنا :بقية زمن ذهب ربعه ،فتزيد ثلثه ليصــري
معه ربعا ،وهذا أيضا قياس ما ذكره املصنف( ،)3وصاحب اإلقناع( ،)4وابن نصر اهلل يف
املس ـ ــألة اليت بعد هذه ،وقال يف اإلنص ـ ــاف عن ذلك يف الثالثة :إنه املذهب( .)5وحيث
علمت تسـ ـ ـ ـ ــاوي املسـ ـ ـ ـ ــألتني ،فال يطلب الفرق بينهما ،كما صـ ـ ـ ـ ــنع احملشـ ـ ـ ـ ــي()6؛ لعدم
اختالفهما على ما قررنا ،فسـ ـ ـ ـ ــقك ما ذكره احملشـ ـ ـ ـ ــي من اإلشـ ـ ـ ـ ــكال واجلواب يف األوىل
املبنيني على تفس ــريه املذكور .فراجع املس ــطور ،واهلل ويل األمور ،نس ــأله أن يوفقنا التباع
املأثور ،واهلل أعلم"(.)7
( )1ينظر :حواشي ابن قندس على الفروع (.)409 – 408 /8
( )2ينظر :معونة أويل النهى (.)299 /9
( )3ينظر :منتهى اإلرادات (.)192 /4
( )4ينظر :اإلقناع (.)247 /3
( )5ينظر :اإلنصاف (.)373 /8
( )6يقصد حاشية منصور على املنتهى ،ينظر :إرشاد أويل النهى (.)1134 /2
( )7حاشية املنتهى (.)191 – 190 /4
- 328 -
الفصل الثالث :التعقبات يف فقه األسرة والعقوبات واألطعمة.
وقــد قــال هبــذا القول ابن قــدامــة( ،)1وابن قنــدس( ،)2وصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاحــب اإلقنــاع(،)3
واملنتهى( ،)4والغاية( ،)5والبهويت يف شرح املنتهى( ،)6والكشاف(.)7
وهو ظاهر قول صاحب احملرر( ،)8والفروع( ،)9واملبدع( ،)10واإلنصاف(.)11
والتفاق هذه املســألة مع املســألة اليت تليها ،وهي اليت ذكرها الفتوحي بقوله" :ولو
بات ليلة عند إحدى امرأتيه ،مث نكح ،وفاها حق عقده ،مث ليلة للمظلومة ،مث نص ـ ـ ـ ـ ــف
ليلة للثالثة ،مث يبتدئ"(.)1
وألن حق الثالثة ثبت قبل جتدد حق الرابعة ،وحقها مس ـ ـ ـ ـ ـ ــاو حلق األوىل والثانية،
وقد استوفتا حقهما ،فوجب أن تستويف كما استوفتا(.)2
الترجيح:
ما ذكره الشـ ــيخ عثمان ¬ متجه؛ وذلك لتعاقب أئمة املذهب عليه ،ولتفسـ ــري
الفتوحي ¬ قوله مبا ذكره الش ــيخ عثمان ،وألن البهويت نفس ــه اختار يف ش ــرح املنتهى
القول الذي ذكره الشيخ عثمان ،وشرح املنتهى ألفه بعد احلاشية( ،)3واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
من قس ــم لثنتني من ثالث ،مث جتدد حق رابعة برجوعها يف هبة أو عن نش ــوز ،أو
بنكاح ،فوفاها حق عقده ،فعلى القول األول :يكون للثالثة ثالثة أرباع ما قسـ ـ ــم لألوىل
والثانية ،وللرابعة الربع الباقي ،وعلى القول الثاين :يكون للثالثة مثل ما قس ـ ـ ـ ـ ـ ــم لألوىل
والثانية ،ويكون للرابعة مثل ثلث ما قسم هلن.
ومثاله :لو قســم لألوليني اثنيت عشــرة ليلة لكل واحدة منهما ،فعلى القول األول:
يقسم للثالثة تسع ليال وللرابعة ثالث ليال ،فيكون اجملموع اثنيت عشرة ليلة ،وهو مساو
ملا قسمه لكل واحدة من األوىل والثانية ،وتكون الرابعة قد أخذت ربع عدد الليايل.
وعلى القول الثاين :يقس ـ ـ ـ ـ ـ ــم للثالثة اثنيت عش ـ ـ ـ ـ ـ ــرة ليلة ،وللرابعة أربع ليال ،فيكون
اجملموع ست عشرة ليلة ،وتكون الثالثة قد قسم هلا مثل ما قسم لألوىل والثانية ،وتكون
الرابعة قد أخذت ربع جمموع الزمن املقسوم هلا وللثالثة.
القول المتعقب:
إذا علق الرجل طالق زوجاته على عدم الوطء ،ومل يقيد الوطء بزمن حمدد ،فإن
هذا التعليق مطلق ،فيقيد بالعمر ،وهذا قول منصور البهويت ،قال ¬(" :وإن أطلق)،
بأن قال :أيتكن مل أطأ فض ـرائرها طوالق ،ومل يقيد بزمن( ،تقيد بالعمر)؛ لقرينة الرتاخي،
وهي :استحالة وطئهن معا ،كما لو قال :أيتكن مل أطأ أبدا"(.)1
وقد قال هبذا القول ابن قدامة( ،)2والش ـ ـ ـ ـ ـ ــارح( ،)3واخللويت( ،)4وقرره ص ـ ـ ـ ـ ـ ــاحب
الغاية( ،)5وشارحها( ،)6وهو ظاهر قول صاحيب الفروع( ،)7واملبدع(.)8
التعقب:
إذا علق الرجل طالق زوجاته على عدم الوطء ،ومل يقيد الوطء بزمن حمدد ،فيقال
إن ه ــذا التعليق غري مطلق ،ب ــل مىت م ــا مض ـ ـ ـ ـ ـ ــى زمن ميكن في ــه الوطء ومل يط ــأ ،وقع
الطالق ،وهذا هو تعقب عثمان ،قال ¬" :قوله( :وإن أطلق ...إخل) قال املصـ ــنف
يف ش ـ ـ ـ ـ ـ ــرحه :بأن قال :أيتكن مل أطأ اليوم وال بعده ،أو :أيتكن مل أطأ أبدا ،فض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـراهتا
طوالق( .)1انتهى .فمعىن اإلطالق هنــا :أال يقيــد عــدم الوطء بزمن معني ،بــل يــأيت مبــا
يعم مجيع املس ـ ـ ــتقبل ،وهذا ظاهر ال إش ـ ـ ــكال عليه؛ ألن ذلك قرينة على إرادة الرتاخي،
فال يرد أن "أيا" مع "مل" للفور؛ ملا ذكرنا ،وصــور منصــور البهويت يف شــرحه اإلطالق مبا
إذا مل يذكر الوقت؛ بأن قال :أيتكن مل أطأ ،فض ـ ـ ـ ـ ـ ـراهتا طوالق ،وجعل القرينة على إرادة
الرتاخي اس ـ ـ ــتحالة وطئهن معا ،وفيه نظر ،إذ الفورية يف كل ش ـ ـ ــيء حبسـ ـ ـ ــبه ،كما قالوا:
جيب قضــاء الفوائت فورا ،أي :واحدة عقب واحدة بال فصــل ميكنه الصــالة فيه ،فكذا
هنـا ،وكمــا نص عليــه النحــاة يف إفــادة الفــاء التعقيــب ،يف حنو :جــاء زيــد فعمرو ،وتزو
زيد فولد له ولد ،فإن الفاء فيهما للتعقيب ،لكنه خمتلف ،ففي جاء زيد فعمرو ،معناه:
أنه مل حتصـ ـ ـ ــل مهلة بني اجمليئني ،بل جاء عمرو على عقب زيد ،ويف تزو زيد فولد له،
معناه مل ميض بعد العقد إال مدة الدخول واحلمل ،فتعني املصري إىل ما ذكره املصنف يف
ش ــرحه كيف وص ــاحب البيت أدرى بالذي فيهت ،وحينئذ فتحمل عبارة اإلقناع على ما
فسره املصنف؛ ألن العبارة واحدة ،وأصلها لصاحب الرعاية(.)2
والظاهر :أنه إذا مل يتعرض للزمن أصال ،بأن قال :أيتكن مل أطأ ،فضراهتا طوالق.
ومضى زمن ميكن فيه وطء إحداهن ،وقع بثالث منهن ،طلقة طلقة ،ومبضي زمن ميكن
فيــه وطء الثــانيــة ،يقع كــذلــك ،وكــذا الثــالثــة والرابعــة ،فيطلقن ثالثــا ثالثــا؛ ألن هــذا زمن
الفورية ،وقد فات ،بل هذا مقتضى ما تقدم .فتدبر ،وال تعجل ،واهلل أعلم"(.)3
وقد قال هبذا القول صاحب املنتهى( ،)4وذكره صاحب الغاية اجتاها(.)5
الترجيح:
الظاهر أن عبارة ص ــاحب املنتهى تدل على ما ذكره الش ــيخ منص ــور ،إذ اإلطالق
يقتض ــي عدم التقييد ،وقد فس ــره عثمان بذلك يف كثري من املواض ــع ،قال ¬" :قوله:
(وإن أطلق) بأن قال :اش ـ ـ ـ ـ ـ ــرت كذا بكذا ومل يقل بعني وال يف ذمة"( ،)6وقال" :وقوله:
أطلق ،أي :بــأن مل يقــل :على لبس أو عــاريـة"( ،)7وقــال(" :وأطلق) أي :بــأن قــال لــه:
تزو ،وحنوه ،ومل يقيد بواحدة وال أكثر"( ،)1فهذه النص ـ ــوص وغريها تدل على أن املراد
باإلطالق عدم التقييد أصال ،ال اإلتيان مبا يعم مجيع ما يدخل حتت املطلق.
على أن قول عثمان ¬ قوي وله حظ من النظر ،ولكن ما ذكره منصــور ¬
هو املشهور من املذهب ،وقد نص عليه ابن قدامة وغريه ،واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
إذا علق الرج ــل طالق زوج ــات ــه على ع ــدم الوطء ،ومل يقي ــد الوطء بزمن حم ــدد،
وذلك بأن قال" :أيتكن مل أطأ فضراهتا طوالق" ،فعلى القول األول :هذا التعليق مطلق،
فيقيد بالعمر ،فإن مات ومل يطأ واحدة منهن طلقن قبل موته ،وعلى القول الثاين :هذا
التعليق غري مطلق ،بل مىت ما مضى زمن ميكن فيه الوطء ومل يطأ ،وقع الطالق.
القول المتعقب:
لو علق رجل طالق غري مدخول هبا بوطئها فوطأها ،فوقع الطالق رجعيا ،فيقال:
إن النزع الذي حيص ـ ـ ـ ـ ــل بعد اعتبار هذه الطلقة هو مجاع حتص ـ ـ ـ ـ ــل به الرجعة ،وهذا قول
منص ـ ـ ـ ـ ـ ــور البهويت ،قــال ¬" :وإن علق طالق غري مــدخول هبــا بوطئهــا فوطـأهــا وقع
رجعيا .قلت :وحصلت رجعتها بنزعه؛ إذ النزع مجاع"(.)3
وقد قال هبذا القول اخللويت(.)4
التعقب:
لو علق رجــل طالق غري مــدخول هبــا بوطئهــا فوطـأهــا ،فوقع الطالق رجعيــا ،فال
يقال :إن النزع الذي حيصل بعد اعتبار هذه الطلقة هو مجاع حتصل به الرجعة ،بل هذا
( )1ينظر :الكايف ( ،)439 /1واملغين ( ،)139 /3والشرح الكبري ( ،)63 /3والفروع ( ،)46 - 45 /5واملبدع (/8
،)113واإلقناع ( ،)64 /1ومنتهى اإلرادات (.)26 /2
( )2ينظر :اإلقناع ( ،)82 /4وشرح املنتهى (.)162 /3
( )3شرح املنتهى (.)162 /3
( )4ينظر :حاشية اخللويت على منتهى اإلرادات (.)274 /5
- 335 -
الفصل الثالث :التعقبات يف فقه األسرة والعقوبات واألطعمة.
النزع ال حتص ـ ـ ــل به الرجعة ،وهذا هو تعقب عثمان ،قال ¬ بعد نقله قول منص ـ ـ ــور:
"وفيه نظر من وجهني:
أحدمها :أهنم مل جيعلوا النزع مجاعا يف مجيع الصـ ــور؛ بدليل أنه يف صـ ــورة الثالث:
إذا نزع يف احلال ال مهر عليه وال حد ،ولو كان مجاعا للزمه املهر؛ ألنه مجاع أجنبية.
والثاين :أن الرجعة إمنا حتصل مبا يدل على الرغبة ،والنزع يدل على الرهبة"(.)1
وهذا القول هو ظاهر قول صاحب اإلقناع(.)2
الترجيح:
الظاهر أن األوىل إحلاق هذه املس ـ ـ ـ ـ ــألة مبس ـ ـ ـ ـ ــألة :من علق الطالق بالثالث بوطء
زوجته ،فإن احلنابلة قد نصـ ـ ـوا يف تلك املس ـ ــألة على األحوال اليت جيب فيها املهر ،واليت
ال جيب ،قال الش ـ ـ ـ ـ ــيخ منص ـ ـ ـ ـ ــور يف ش ـ ـ ـ ـ ــرح املنتهى(" :ويؤمر بطالق من علق) الطالق
(الثالث بوطئهــا ،وحيرم) وطؤهـا؛ لوقوع الثالث بـإدخـال ذكره ،فيكون نزعـه يف أجنبيـة،
والنزع مجاع( ،ومىت أوجل) حشفة يف زوجة علق طالقها الثالث بوطئها (ومتم) وطأه( ،أو
لبث) وهو موجل( ،حلقه نس ـ ـ ـ ـ ـ ــبه) ،أي :ما ولدته من هذا الوطء( ،ولزمه املهر ،وال حد)
عليهما؛ للشبهة ،وإن نزع يف احلال فال حد ،وال مهر؛ ألنه تارك"(.)1
فيقال يف مس ـ ــألتنا :إن متم وطأه ،أو لبث وهو موجل ،اعترب نزعه مجاعا حتص ـ ــل به
الرجعة ،وإن نزع يف احلال ،فال يعد مجاعا ،وال حتصل به الرجعة ،واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
لو علق رجل طالق غري مدخول هبا بوطئها ،فوطئها ،فوقع الطالق رجعيا ،فعلى
القول األول :النزع الذي حيصـ ـ ـ ــل بعد اعتبار هذه الطلقة هو مجاع وحتصـ ـ ـ ــل به الرجعة،
وعلى القول الثاين :النزع الذي حيصـ ــل بعد اعتبار هذه الطلقة ال يعد مجاعا فال حتصـ ــل
بــه الرجعــة ،وعلى القول املرجح :إن متم وطــأه ،أو لبــث وهو موجل ،اعترب نزعــه مجــاعــا
حتصل به الرجعة ،وإن نزع يف احلال ،فال يعد مجاعا ،وال حتصل به الرجعة.
( )1شرح املنتهى ( ،)161 /3وينظر :اإلقناع ( ،)81 /4ومعونة أويل النهى ( ،)35 /10ومطالب أويل النهى (/5
.)504
- 337 -
الفصل الثالث :التعقبات يف فقه األسرة والعقوبات واألطعمة.
القول المتعقب:
هذه العبارة مســتقيمة ،وعلى هذا يدل صــنيع الفتوحي ،قال ¬" :وصــفته :أن
يقول زو أربعا :أشــهد باهلل إين ملن الصــادقني فيما رميتها به من الزنا ،ويشــري إليها ،وال
حاجة ألن تس ــمى أو تنس ــب إال مع غيبتها ،مث يزيد يف خامس ــة :وأن لعنة اهلل عليه إن
كان من الكاذبني .مث زوجة أربعا :أش ـ ـ ــهد باهلل إنه ملن الكاذبني فيما رماين به من الزنا،
مث تزيد يف خامسة :وأن غضب اهلل عليها إن كان من الصادقني(.)2
وقد تابع الفتوحي يف عبارته ص ـ ـ ـ ـ ــاحب الغاية( ،)3والش ـ ـ ـ ـ ــيخ منص ـ ـ ـ ـ ــور يف الروض
املربع( ،)4وعمدة الطالب( ،)5وصـ ـ ــاحب الروض الندي( ،)6كما أشـ ـ ــار إىل هذه العبارة
ابن قاسم( ،)7وابن عثيمني(.)8
التعقب:
هـذه العبـارة توهم أنـه يـأيت يف اخلـامس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة بـالش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـادة ،ويقول بعـدهـا :وأن لعنـة
اهلل...إخل ،وهو غري ظ ــاهر ،وه ــذا هو تعق ــب عثم ــان ،ق ــال ¬" :املتب ــادر من لفظ
الزيادة أنه يأيت يف اخلامسـ ـ ـ ـ ـ ــة بالشـ ـ ـ ـ ـ ــهادة ،ويقول بعدها :وأن لعنة اهلل...إخل ،وهذا غري
ظاهر؛ ألهنا تكون حينئذ مخس ش ـ ـ ـ ـ ـ ــهادات ،مع أن اآلية الكرمية مص ـ ـ ـ ـ ـ ــرحة بأهنا أربع
شهادات ،ولذلك عرب غريه كاحملرر بقوله :مث يقول يف خامسة...إخل ،وهي أوىل"(.)1
وقد قال هبذا القول ابن عوض( ،)2واللبدي(.)3
كما عرب غري واحد من احلنابلة بالقول دون ذكر لفظ الزيادة ،منهم :اإلمام أمحد
¬( ،)4واخلرقي( ،)5وأبو اخلطاب( ،)6وابن قدامة( ،)7واجملد( ،)8وصاحب الرعاية(،)9
والوجيز( ،)10والفروع( ،)11واإلقناع(.)12
الترجيح:
الظاهر أن ما ذكره عثمان ¬ متجه؛ وذلك ألن التعبري الذي ذكره هو املوافق
ملــا جــاء يف اآليــة الكرميــة ،ولتعــاقــب أئمــة املــذهــب على التعبري الــذي ذكره ،وحلص ـ ـ ـ ـ ـ ــول
اإليهام بعبارة ص ـ ــاحب املنتهى ،والبعد عن اإليهام هو األوىل ،وقد جياب عن ص ـ ــاحب
املنتهى بأنه أراد بقوله" :مث يزيد" أي :على األربع شهادات املذكورة يف اآلية الكرمية(،)1
واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
اخلالف لفظي.
وميكن أن يقال :إن القول األول يفيد أن املالعن يذكر يف اخلامسة لفظ الشهادة،
مث يقول :وأن لعنة اهلل عليه إن كان من الكاذبني( ،)2وأما على القول الثاين :فال يذكر
لفظ الشهادة يف اخلامسة ،بل يقول ابتداء" :وأن لعنة اهلل عليه إن كان من الكاذبني.
القول المتعقب:
هذه العبارة بينة وخمتص ـ ـ ـ ـ ــرة ،وعلى هذا يدل صـ ـ ـ ـ ـ ــنيع الفتوحي ،قال ¬" :وإن
ولدت رجعية بعد أربع ســنني منذ طالقها ،وقبل انقضــاء عدهتا ،أو ألقل من أربع ســنني
منذ انقضت ،حلق نسبه"(.)2
وقد عرب بالتعبري الذي ذكره الفتوحي ص ـ ــاحب الغاية( ،)3وكش ـ ــف املخدرات(،)4
والروض الندي( ،)5واللبدي(.)6
وعبــارة املقنع( ، )7والتنقيح( ، )8واإلقنــاع( ،)9فيهــا ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبــه بــالعبــارة اليت ذكرهــا
الفتوحي.
التعقب:
هنــاك عبــارة أخرى هي أوىل من العبــارة اليت ذكرهــا الفتوحي ،وهــذا هو تعقــب
عثمان ،قال ¬" :ولو قال يف العبارة :وإن ولدت رجعية ألقل من أربع س ـ ـ ـ ـ ـ ــنني منذ
انقضاء عدهتا ولو بعدها منذ طالقها حلق نسبه ،حلصل املقصود باختصار"(.)1
الترجيح:
قد تكون عبارة الش ـ ـ ــيخ عثمان أكثر وض ـ ـ ــوحا واختص ـ ـ ــارا ،إال أن عبارة الفتوحي
¬ فيها متس ـ ــك بالتعبري الذي ذكره ص ـ ــاحبا املقنع والتنقيح ،وذكره لعبارهتما أوىل من
ذكر غريها؛ ألن املنتهى هو مجع بني املقنع والتنقيح ،واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
اخلالف لفظي.
القول المتعقب:
املطالب بالضـ ــمان هو املباشـ ــر لإلتالف ،فإن تعذر طولبت البينة املتسـ ــببة ،وهذا
ظاهر قول منص ــور البهويت ،قال ¬(" :ومن ظهر موته الس ــتفاض ــة أو بينة) ش ــهدت
مبوته كذبا( ،مث قدم ،فكمفقود) إذا عاد ،فرتد إليه إن مل يطأ الثاين ،وخيري إن كان وطئ
على ما تقدم( ،وتض ـ ــمن البينة) اليت ش ـ ــهدت بوفاته (ما تلف من ماله)؛ لتلفه بس ـ ــبب
ش ـ ـ ـ ـ ــهادهتا .قلت :إن تعذر تض ـ ـ ـ ـ ــمني املباش ـ ـ ـ ـ ــر وإال فالض ـ ـ ـ ـ ــمان عليه؛ ألنه مقدم على
املتسبب"(.)1
التعقب:
له تضـ ـ ــمني املباشـ ـ ــر لإلتالف ،وله تضـ ـ ــمني البينة املتسـ ـ ــببة ،وقرار الضـ ـ ــمان على
املباش ـ ـ ـ ـ ـ ــر ،وهذا هو تعقب عثمان ،قال ¬" :الذي يظهر أنه ال حاجة للقيد الذي
ذكره ،بل له تض ـ ـ ــمني كل من املتس ـ ـ ــبب واملباش ـ ـ ــر ،كما ص ـ ـ ــرح به يف اإلقناع( ،)2وقرار
الضمان على املباشر ،كما صرحوا به يف مواضع"(.)3
وق ــد نص على التخيري يف املغين( ،)1والش ـ ـ ـ ـ ـ ــرح( ،)2واملعون ــة( ،)3ومط ــال ــب أويل
النهى( ،)4كما نص عليه الشيخ منصور يف حاشيته على املنتهى(.)5
ونص يف الفروع( ،)6واملبدع( ،)7والتنقيح( ،)8واإلقناع( ،)9والغاية( ،)10ومنص ـ ـ ـ ــور
يف الكشاف( )11على أن البينة تضمن ما تلف من املال.
الترجيح:
لعل الراجح هو ما ذكره الش ــيخ عثمان ¬؛ وذلك لتعاقب أئمة املذهب عليه،
وألن التعليل الذي ذكره الشــيخ منصــور ليس فيه ما يربئ املتســبب ويقطع املطالبة عنه،
وقد ذكر ابن رجب يف قواعده احلال اليت ال يض ـ ـ ــمن فيها املتس ـ ـ ــبب ش ـ ـ ــيئا ،واحلال اليت
يضـ ـ ـ ــمن فيها ،قال ¬" :إذا اسـ ـ ـ ــتند إتالف أموال اآلدميني ونفوسـ ـ ـ ــهم إىل مباشـ ـ ـ ــرة
وســبب ،تعلق الضــمان باملباشــرة دون الســبب ،إال أن تكون املباشــرة مبنية على الســبب
وناشــئة عنه"( ،)1وال شــك أن هذه املســألة داخلة يف القســم الثاين؛ ألن مباشــرة إتالف
املال ناشئ ومبين على البينة اليت شهدت بالوفاة.
وقد يقال إن منصــورا ¬ قصــد التنبيه على أن قول صــاحب املنتهى" :وتضــمن
البينة ما تلف من ماله"( ،)2ليس القصــد منه تربئة املباشــر ،وإمنا القصــد ضــم ذمة البينة
املتسببة إىل ذمة من باشر اإلتالف يف ضمان املال ،واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
إذا شهدت بينة مبوت رجل ،فقدم بعد قسم ماله وتلفه ،فعلى القول األول :ليس
له إال مطالبة املباشـ ـ ــر إلتالف املال ،وهم الورثة ،وعلى القول الثاين :له مطالبة املباشـ ـ ــر
لإلتالف ،وله مطالبة البينة اليت شهدت مبوته.
( )1ينظر :قواعد ابن رجب ،القاعدة رقم .)597 /2( 127
( )2منتهى اإلرادات (.)402 /4
- 346 -
الفصل الثالث :التعقبات يف فقه األسرة والعقوبات واألطعمة.
المطلب الرابع :إدخال مسألة :نكاح الرجعية بعد انقطاع الحيضة
الثالثة وقبل الغسل ،في النكاح الفاسد.
صورة المسألة:
ذكر البهويت ¬ يف أمثلة النكاح الفاسـ ـ ـ ــد املختلف يف صـ ـ ـ ــحته :نكاح الرجعية
بعد انقطاع احليضة الثالثة ،وقبل الغسل ،فهل هذا التمثيل صحيح أم الت
القول المتعقب:
هذا التمثيل ص ــحيح ،وعلى هذا يدل ص ــنيع منص ــور البهويت ،قال ¬" :قوله:
(أو نكاح فاســد) حيتمل أن املراد بالفاســد هنا :الباطل ،وحيتمل أن املراد به :ما اختلف
يف صحته ،وميثل بالواقع يف عدة الزنا ،أو بعد انقطاع احليضة الثالثة قبل الغسل"(.)1
وقد ذكر هذا املثال أيضا :اخللويت( ،)2وصاحب مطالب أويل النهى(.)3
التعقب:
هذا التمثيل فيه نظر ،وهذا هو تعقب عثمان ،قال ¬ بعد نقله قول البهويت:
"ويف قوله :أو بعد انقطاع احليضـ ـ ـ ـ ــة...إخل نظر؛ إذ العدة تنقضـ ـ ـ ـ ــي بانقطاع الثالثة ،وإن
كانت الرجعية ال حتل لغري مطلقها حىت تغتسل أو تتيمم .فتأمل"(.)4
الترجيح:
الظاهر أن التعقب غري وجيه؛ وذلك ألن البهويت ¬ مل يش ـ ـ ـ ـ ـ ــر يف كالمه إىل
حصول انقضاء العدة من عدمه.
وألن عثمان ¬ نص يف تعقبه على أن الزوجة ال حتل قبل الغسل لغري مطلقها،
وهذا األمر الذي بس ـ ـ ـ ـ ـ ــببه ذكر البهويت هذا املثال ،فإن عدم حلها لغري زوجها قول يف
املس ــألة ،والقول اآلخر :أهنا حتل لغري زوجها( ،)1وعليه فتكون هذه املس ــألة داخلة حتت
قول البهويت" :ما اختلف يف صحته"( ،)2واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
اخلالف لفظي.
( )1ينظر :اهلداية (ص ،)463 :واملغين ( ،)521 /7والشرح الكبري ( ،)478 /8واحملرر ( ،)104 /2وزاد املعاد (/5
،)534والفروع ( ،)241 /9وشرح الزركشي ( ،)542 /5وتصحيح الفروع ( ،)242 /9واإلنصاف (.)158 /9
( )2إرشاد أويل النهى (.)1218 /2
- 348 -
الفصل الثالث :التعقبات يف فقه األسرة والعقوبات واألطعمة.
القول المتعقب:
عبارة" :أو يسلمها" مناسبة ملا قبلها ،وعلى هذا يدل صنيع منصور البهويت ،قال
¬" :ويتعلق أرب جناية قن برقبته إن مل يأذنه س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ يده ،فيفديه ،أو يبيعه فيها ،أو
يسلمها لوليها"(.)2
التعقب:
عبارة" :أو يسـ ـ ــلمها" ليسـ ـ ــت مناسـ ـ ــبة ملا قبلها ،واألوىل أن يقال" :أو يسـ ـ ــلمه"،
وهذا هو تعقب عثمان ،قال ¬(" :أو يبيعه فيها أو يسـ ــلمها) أي :الرقبة كذا اطه،
واألنسب بالضمائر السابقة أن يقال :أو يسلمه أي اجلاين (لوليها) أي اجلناية"(.)3
وقد جعل مجلة من احلنابلة الض ـ ـ ــمري يف التس ـ ـ ــليم يف هذا املقام راجعا إىل اجلاين،
ومنهم :اإلمام أمحد ¬( ،)4واخلرقي( ،)5وص ـ ـ ـ ــاحب اإلرش ـ ـ ـ ــاد( ،)6واملس ـ ـ ـ ــتوعب(،)7
الترجيح:
لعل األوىل ما ذهب إليه الشـ ـ ــيخ عثمان ¬؛ وذلك لتعاقب أئمة املذهب على
هذا التعبري ،وليناسب ما قبله من الضمائر ،وذلك أن التخيري بني الفداء والبيع والتسليم
واقع على عني واحدة ،فالض ـ ـ ــمائر الثالثة تعود إىل ش ـ ـ ــيء واحد ،فالتعبري فيها بض ـ ـ ــمري
واحد هو األوىل ،واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
اخلالف لفظي.
القول المتعقب:
تقبل توبة املرتد والكافر إذا أتى بالشـ ـ ـ ـ ــهادتني ،ولو كانتا غري متواليتني ،وهذا قول
منصـ ـ ـ ـ ــور البهويت ،قال ¬" :قوله( :إتيانه بالشـ ـ ـ ـ ــهادتني) ظاهره :سـ ـ ـ ـ ــواء كانا مرتبتني
متواليتني أو ال"(.)2
عوض()5 وقد قال هبذا القول ص ـ ـ ـ ـ ــاحب الغاية( ،)3وش ـ ـ ـ ـ ــارحها( ،)4ونس ـ ـ ـ ـ ــبه ابن
واللبدي( )6إىل عثمان الفتوحي ،حفيد صاحب املنتهى(.)7
( )1ينظر :املبدع ( ،)488 /7واإلنصاف ( ،)336 /10واإلقناع ( ،)303 /4ومنتهى اإلرادات ( ،)171 /5وغاية
املنتهى (.)503 /2
( )2إرشاد أويل النهى (.)1350 /2
( )3ينظر :غاية املنتهى (.)503 /2
( )4ينظر :مطالب أويل النهى (.)295 /6
( )5ينظر :فتح وهاب املآرب (.)456 /3
( )6ينظر :حاشية اللبدي على نيل املآرب (.)413 /2
( )7هو :عثمان بن أمحد بن حممد الفتوحي الشهري بابن النجار .وجده حممد هو صاحب املنتهى .كان احلفيد أحد
أجالء احلنابلة ،وكان قاضيا ماهرا يف الفقه والعلوم العقلية والنقلية .له حاشية على منتهى جده ،تويف سنة 1064
هـ .النعت األكمل (ص ،)216 :والسحب الوابلة (.)700 /2
- 352 -
الفصل الثالث :التعقبات يف فقه األسرة والعقوبات واألطعمة.
التعقب:
يشـ ـ ــرتط أن تكون الشـ ـ ــهادتان متواليتان ،وهذا هو تعقب عثمان ،قال ¬ بعد
نقله قول منص ـ ـ ـ ــور" :مقتض ـ ـ ـ ــى قوله اآليت( :وال يغين قوله :حممد رس ـ ـ ـ ــول اهلل عن كلمة
التوحيد ،ولو من مقر به)( )1أنه البد من التوايل .فليحرر"(.)2
الترجيح:
لعل الراجح هو ما ذهب إليه الشيخ منصور ¬؛ وذلك ملا يلي:
أوال :أن األصل عدم اشرتاط املواالة ،ومن اشرتط ذلك فهو املطالب بالدليل.
ثانيا :أن احلنابلة نصوا على أنه لو قال" :أنا مسلم" فهو كاف يف توبته( ،)5وهذا
يدل على أن العربة بالتلفظ باإلقرار مبا يدل على الدخول يف اإلسالم ،ومن نطق بكلمة
التوحيد ،مث أمســك زمنا ،مث نطق بشــهادة أن حممدا رســول اهلل ،فقد أقر بإســالمه ،فهو
مبنزلة من قال :أنا مسلم ،بل قد يقال إنه أوىل منه.
ثالثا :أن الشهادتني مجلتان خمتلفان ،ال خيتل معىن واحدة منهما إذا استقلت عن
األخرى ،فـ ــاإلتيـ ــان هبمـ ــا مفرتقتني غري متواليتني يؤدي ذات املعىن فيمـ ــا لو أيت هبمـ ــا
متواليتني.
رابعا :أن الرتاخي ال يبطل اإلقرار والش ـ ـ ـ ـ ــهادة ،فالنطق بكلمة التوحيد واإلقرار هبا
ال يبطل مبضي الزمن ،فمىت نطق املرتد بالشهادة الثانية استصحبت الشهادة األوىل ،إذ
أن حكمها باق ،فيحكم بإسالمه.
وأما ما ذكره الشـ ــيخ عثمان من أن مقتضـ ــى قوهلم" :ال يغين قوله :حممد رسـ ــول
اهلل عن كلمة التوحيد ،ولو من مقر به" أنه البد من التوايل فهو غري مس ــلم؛ وذلك ألن
العب ــارة امل ــذكورة ليس فيه ــا م ــا ي ــدل على وجوب املواالة ،وإمن ــا هي دال ــة على وجوب
اإلتيان بلفظ الش ـ ـ ـ ــهادتني ،وأن قول :حممد رس ـ ـ ـ ــول اهلل ال يغين عن كلمة التوحيد ،واهلل
أعلم.
ثمرة الخالف:
لو أن مرتدا أو كافرا أتى بالش ـ ـ ـ ـ ـ ــهادتني غري متواليتني ،فعلى القول األول :حيكم
بإسالمه ،وعلى القول الثاين :ال حيكم بإسالمه.
وعليه فلو أتى بكلمة التوحيد ،مث أمس ــك زمنا ،مث أتى بش ــهادة أن حممدا رسـ ــول
اهلل ،مث مات ،فعلى القول :حيكم بإس ـ ـ ــالمه ،فيعامل معاملة املس ـ ـ ــلمني ،ويص ـ ـ ــلى عليه،
وعلى القول الثاين :ال حيكم بإسالمه ،وهو يف حكم الكفار.
القول المتعقب:
العبــارة مس ـ ـ ـ ـ ـ ــتقيمــة ،وال يرد عليهــا االحتمــال املــذكور ،وعلى هــذا يــدل ص ـ ـ ـ ـ ـ ــنيع
الفتوحي ،قال ¬" :وتوبة مرتد وكل كافر إتيانه بالشـهادتني ،مع إقرار جاحد لفرض،
أو حتليــل ،أو لتحرمي ،أو نيب ،أو كتــاب ،أو رس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالــة حممــد ‘ إىل غري العرب ،مبــا
جحده ،أو قوله أنا مسلم"(.)2
وقد ذكر غري واحد من احلنابلة هذه املس ـ ـ ـ ـ ـ ــألة ،وعرب عنها بتعبري مش ـ ـ ـ ـ ـ ــابه لتعبري
الفتوحي ،منهم :صاحب الفروع( ،)1واإلقناع( ،)2والغاية( ،)3والروض(.)4
التعقب:
األوىل تــأخري قولــه" :مع إقرار جــاحــد لفرض "...؛ لئال يتوهم أنــه ال يش ـ ـ ـ ـ ـ ــرتط
للجاحد إن قال" :أنا مسلم" أن يقر مبا جحد به ،وهذا هو تعقب عثمان ،قال ¬:
"قوله( :أو قوله :أنا مس ـ ـ ـ ـ ــلم) أي :مع إقرار جاحد لفرض ...إخل ،ولو أخره؛ ليش ـ ـ ـ ـ ــمل
الصورتني ،لكان أوىل"(.)5
( )1ينظر :الفروع ( ،)197 /10وعبارته" :وتوبة كل كافر إتيانه بالشهادتني مع إقراره مبا جحده من نيب أو غريه ،أو
قوله :أنا مسلم".
( )2ينظر :اإلقناع ( ،)304 - 303 /4وعبارته" :وتوبة املرتد وكل كافر ،موحدا كان كاليهودي أو غري موحد كالنصراين
واجملوسي وعبدة األوثان ،إسالمه :أن يشهد أن ال إله إال اهلل ،وأن حممدا رسول اهلل ... ،لكن إن كانت ردته بإنكار
فرض ،أو إحالل حمرم ،أو جحد نيب ،أو كتاب ،أو شيء منه ،أو إىل دين من يعتقد أن حممدا ‘ بعث إىل العرب
خاصة ،فال يصح إسالمه حىت يقر مبا جحده ويشهد أن حممدا بعث إىل العاملني أو يقول :أنا برئ من كل دين
خيالف اإلسالم مع اإلتيان بالشهادتني ....وقوله :أنا مسلم أو أسلمت أو أنا مؤمن أو أنا برئ من كل دين خيالف
دين اإلسالم توبة".
( )3ينظر :غاية املنتهى ( ،)503 /2وعبارته" :وتوبة مرتد وكل كافر إتيانه بالشهادتني .ويتجه :أو صالة ركعة ،وأنه ال
ترتيب وال مواالة فيهما .مع إقرار جاحد لفرض ،أو حتليل ،أو لتحرمي ،أو نيب ،أو كتاب ،أو رسالة نبينا إىل غري
العرب ،مبا جحده ،وإال مل يصح إسالمه ،أو قوله :أنا مسلم".
( )4ينظر :الروض املربع (ص ،)684 - 683 :وعبارته(" :وتوبة املرتد) إسالمه (و) توبة (كل كافر إسالمه بأن يشهد)
املرتد أو الكافر األصلي (أن ال إله إال اهلل وأن حممدا رسول اهلل) ( ...ومن كان كفره حد فرض وحنوه) كتحليل
حرام ،أو حترمي حالل ،أو جحد نيب ،أو كتاب ،أو رسالة حممد ‘ إىل غري العرب( ،فتوبته مع) إتيانه بـ (الشهادتني
إقراره باجملحود به) من ذلك ،ألنه كذب اهلل سبحانه مبا اعتقده من اجلحد ،فال بد يف إسالمه من اإلقرار مبا جحده.
(أو قوله :أنا) مسلم أو (بريء من كل دين خيالف دين اإلسالم) ،ولو قال كافر :أسلمت ،أو أنا مسلم ،أو أنا
مؤمن ،صار مسلما وإن مل يلفظ بالشهادتني".
( )5حاشية املنتهى (.)171 /5
- 356 -
الفصل الثالث :التعقبات يف فقه األسرة والعقوبات واألطعمة.
وقد أش ـ ـ ــار إىل هذا املعىن ابن قدامة( ،)1والش ـ ـ ــارح( ،)2واخللويت( ،)3واللبدي(،)4
وابن قاسم(.)5
الترجيح:
لعل ما ذكره الشيخ عثمان ¬ هو األوىل؛ وذلك ألهنم نصوا على أن العلة من
حكمهم على من قال" :أنا مسلم" بدخول اإلسالم؛ أنه إذا أخرب عن نفسه مبا تضمن
الش ــهادتني كان خمربا هبما( ،)6فهم قد أنزلوا قوله" :أنا مس ــلم" منزلة الش ــهادتني ،وعليه
فال يكون املقيس أعلى درجة من األصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل ،فال يقال إنه جيب أن يقر مبا جحد حني
النطق بالشهادتني ،وال جيب عليه ذلك فيما لو قال" :أنا مسلم".
وعليه فلو أن الفتوحي ¬ أخر قوله" :مع إقرار جاحد "...لكان أوىل؛ ليشمل
الصورتني ،ولئال يتوهم بعدم اشرتاط اإلقرار على من قال" :أنا مسلم" ،واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
اخلالف لفظي.
القول المتعقب:
جيوز أكل من يقول بوجوب التس ــمية من ذبيحة من ال يقول بوجوهبا إن مل يس ــم
على ذبيحته ،وهذا ظاهر قول حممد اخللويت قال ¬" :قوله( :إن حرمت) ،بأن كان
الرتك عمــدا ملن يقول بوجوهبــا ،كــاحلنبلي ،دون الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــافعي الــذي يرى عــدم وجوهبــا.
فتدبر"(.)3
التعقب:
ال جيوز أكل من يقول بوجوب التس ـ ـ ـ ـ ـ ــمية من ذبيحة من ال يقول بوجوهبا إن مل
يس ـ ـ ـ ـ ــم على ذبيحته ،وهذا هو تعقب عثمان ،قال ¬ بعد نقله قول اخللويت" :ويعلم
من كالمه اآليت يف غري موض ـ ـ ـ ـ ـ ــع :أن العربة يف احلل وعدمه باآلكل املتناول ،ال الذابح،
فذبيحة الشافعي اليت ترك التسمية عليها عمدا ،ال حتل للحنبلي .فليتأمل"(.)4
( )1ينظر :الغرر البهية ( ،)155 /5وحتفة احملتا ( ،)325 /9واإلقناع يف حل ألفا أيب شجاع ( ،)591 /2وهناية
احملتا (.)119 /8
( )2ينظر :الكايف ( ،)549 /1والفروع ( ،)399 /10واملبدع ( ،)30 /8واإلنصاف ( ،)399 /10ومنتهى اإلرادات
( ،)189 /5وكشاف القناع ( ،)208 /6ومطالب أويل النهى (.)333 /6
( )3حاشية اخللويت على منتهى اإلرادات (.)394 /6
( )4حاشية املنتهى (.)189 /5
- 358 -
الفصل الثالث :التعقبات يف فقه األسرة والعقوبات واألطعمة.
الكايف()3 وقد قال هبذا القول ص ـ ـ ـ ـ ــاحب الغاية( ،)1وش ـ ـ ـ ـ ــارحها( ،)2وأومأ إليه يف
واملبدع(.)4
الترجيح:
لعل الراجح هو ما ذهب إليه الش ـ ـ ـ ـ ـ ــيخ عثمان ¬؛ وذلك لقاعدة املذهب يف
هذا الباب اليت استدل هبا.
ولعل نس ـ ـ ــبة القول املتعقب للخلويت فيها نظر ،ولعل مراد اخللويت ¬ يف تعليقه
على قول صاحب املنتهى" :ويضمن أجري تركها ،إن حرمت"( )1بقوله" :بأن كان الرتك
عمدا ملن يقول بوجوهبا ،كاحلنبلي ،دون الش ـ ـ ــافعي الذي يرى عدم وجوهبا"( ،)2أنه أراد
أن األجري الذي توىل الذبح عن احلنبلي أنه يض ـ ـ ـ ــمن برتك التس ـ ـ ـ ــمية عمدا ،االف من
توىل الذبح عن الشـ ــافعي ،فال يضـ ــمن؛ ألن الذبيحة يف تلك احلال مل حترم .ومل يقصـ ــد
اخللويت أن احلنبلي جيوز له األكل من ذبيحة من ال يقول بوجوب التس ـ ــمية إن مل يس ـ ــم
على ذبيحته .ومما يؤيد ذلك ذكر غري واحد من احلنابلة هذه املسـ ـ ــألة يف هذا املوضـ ـ ــع،
ومنهم :صـاحب الفروع( ،)3واملبدع( ،)4واإلنصـاف( ،)5واملعونة( ،)6ومنصـور البهويت يف
الكشاف( ،)7وشرح املنتهى( ،)8واهلل أعلم.
ثمرة الخالف:
إذا ذبح من ال يرى وجوب التسمية – كالشافعي -ذبيحة ومل يسم عليها ،فعلى
القول األول :جيوز ملن يقول بوجوهبا – كاحلنبلي – أن يأكل منها ،وعلى القول الثاين:
ال جيوز له ذلك.
اخلامتة
وتشمل:
النتائج. أ-
ب -التوصيات.
أمحد اهلل سبحانه وتعاىل أن يسر يل إمتام هذا البحث ،وأسأله سبحانه أن جيعله
عمال خالصا لوجهه الكرمي ،وقد ظهر يل يف هناية هذا البحث عدة نتائج وتوصيات،
أمجلها يف اآليت:
النتائج:
.1أن ضابك التعقبات :إن قيل عن أمر :فيه نظر ،أو كان التعقب على العبارات واألحكام،
إذا مل يتضمن ترجيحا أو اختيارا ،وإذا مل يكن هذا التعقب جوابا على تعقب آخر.
.2عظم مكانة عثمان النجدي ¬ يف املذهب احلنبلي ،فهو من حمققي املذهب ،ومل يكن
ممن يعتمد على النقل ،بل كان ينظّر ويرجح ويناقش.
.3أن حاشية عثمان ¬ على املنتهى مليئة بالفوائد والتنبيهات املهمة والنفيسة.
.4أن من صفات الفقيه دقة النظر ودقة العبارة.
.5أن الفقيه احلاذق وإن كان متأخرا زمنا فإنه قد يأيت بفوائد وضوابك مل يذكرها من قبله.
.6أدب عثمان ¬ مع من تعقبهم.
.7أن مجلة من التعقبات اليت مل يوافق عليها عثمان ¬ يرجع سبب ذلك إىل االعتماد
على النصوص املنقولة دون الرجوع إىل املصدر األصلي ،األمر الذي يبني ضرورة رجوع
الباحث إىل املصادر األصلية وعدم االعتماد على ما نقله الغري.
.8قرر البهويت أنه يصح الوضوء مباء حمرم مىت كان املتوضئ جاهال أو ناسيا ،وقرر عثمان أن
الوضوء باملاء احملرم ال يصح ولو من اجلاهل والناسي ،ورجحت قول منصور يف هذه املسألة.
.9قرر البهويت رمحه اهلل أن املاء القليل الذي انغمس فيه بعض جنب بنية رفع احلدث أنه
يكون مستعمال بأول جزء ينفصل من املاء ،وقرر عثمان بأنه يكون مستعمال بأول جزء
القى املاء ،ورجحت قول منصور.
.10قال البهويت رمحه اهلل" :وكره منه شديد حر أو برد ،ومسخن بنجس مل حيتج إليه ،أو
بغري مماز ،كدهن ،وقطع كافور ،أو مبلح مائي" وتعقبه عثمان يف هذه العبارة بأن األوىل
تأخري قوله" :مل حيتج إليه" ليشمل نفي الكراهة عن مجيع الصور ،ورجحت قول عثمان
يف هذه املسألة.
.11نقل عثمان رمحه اهلل عن بعض حنابلة مصر أهنم يقولون بنجاسة املاء املتبقي يف اإلبريق
بعد صب بعضه على جناسة ،وقرر خطأ هذا القول ،ورجحت ما ذكره عثمان.
.12قرر البهويت أن من اشتبه عليه طاهر بطهور ،وأراد الغسل ،أنه يأخذ من هذا غرفة ومن
هذا غرفة ،وإن أراد إزالة جناسة فيغسل من األول غسلة ومن اآلخر غسلة ،وقرر عثمان
أن له االغتسال أو إزالة النجاسة باملاء األول مث االغتسال أو إزالة النجاسة باملاء الثاين،
وله األخذ من هذا غرفة ومن هذا غرفة ،وقد رجحت قول عثمان.
.13قرر غري واحد من احلنابلة أن من اشتبهت عليه ثياب مباحة مبحرمة أنه يلزمه سرت
عورته والصالة يف كل ثوب بعدد احملرمة ،ويزيد عليها صالة واحدة ،وقرر عثمان أنه يلزمه
أن يصلي عريانا صالة واحدة ،وقد رجحت القول األول.
.14قرر البهويت أن غسل يدي القائم من نوم ليل يسقك بالنسيان ،ولو تذكره أثناء الطهارة
األوىل ،وقرر عثمان أنه جيب عليه غسلها إن تذكر أثناء الطهارة األوىل ،وقد رجحت قول
منصور.
.15قرر البهويت صحة التسمية للوضوء بغري العربية ،ولو ممن حيسن العربية ،وقرر عثمان أن
التسمية للوضوء ال تصح من قادر بغري العربية ،ورجحت قول البهويت.
.16قرر البهويت أنه تسن الطهارة ملن أراد فعل أمر يسن له الوضوء ،ولو كان على طهارة،
وقرر عثمان أنه إمنا تسن له الطهارة إن كان حمدثا ،ورجحت التفصيل يف املسألة.
قرر البهويت صحة وضوء من أكره شخصا على صب املاء ،وقرر عثمان عدم الصحة، .17
ورجحت قول عثمان.
.18قرر البهويت عدم صحة املسح على خف لبس بعد طهارة مسح فيها على اجلبرية ،وقرر
عثمان صحة ذلك ،ورجحت قول عثمان.
.19قرر البهويت أنه جيب الغسل على من قال :يب جنية أجامعها كاملرأة ،وقرر عثمان عدم
وجوب الغسل ،ورجحت التفصيل يف املسألة.
.20قرر اخللويت صحة تيمم من عليه حدث أكرب وحدث أصغر وعلى جسده جناسة إن
نوى استباحة ما يتوقف على رفع هذه األسباب ،وقرر عثمان عدم صحة التيمم ،وأن
يلزمه نية رفع احلدثني وإزالة النجاسة ،ورجحت قول عثمان.
.21قاس البهويت رمحه اهلل من عاد دم نفاسها يف األربعني بعد انقطاعه على املبتدأة اليت
زاد دمها على اليوم والليلة قبل تكرره ،وتعقبه عثمان رمحه اهلل يف هذا القياس ،ورجحت
قول البهويت.
.22قسم اخللويت الناس يف حد العورة إىل واحد وتسعني قسما ،وقسمهم عثمان إىل سبعة
أقسام ،ورجحت أن كال التقسيمني سائا.
.23قرر اخللويت أن أحكام عورة اخلنثى تلحق بأحكام عورة األنثى ،وقرر عثمان أهنا تلحق
بأحكام عورة الرجل ،ورجحت قول عثمان.
.24قرر اخللويت أن عورة غري احلرة املميزة كالرجل البالا ،وقرر عثمان أن عورهتا الفرجان،
ورجحت قول عثمان.
.25قرر ابن عقيل عدم صحة الصالة على سطح النهر ،وقرر ابن حامد والقاضي عدم
صحتها إن كان النهر جتري فيه السفن ،وقرر عثمان صحة الصالة على سطح النهر،
ورجحت قول عثمان.
.26قرر البهويت صحة صالة اجلمعة يف الغصب ولو بال ضرورة ،وقرر عثمان عدم صحتها
إال حال الضرورة ،ورجحت قول عثمان.
.27قرر البهويت أنه إن مر كلب بني يدي إمام ال يرى أنه يقطع الصالة ،وكان املأموم يرى
أنه يقطع الصالة ،فإن صالة املأموم تنقطع بذلك املرور ،فكأن سرتة اإلمام سرتة حقيقية
للمأموم ،وقرر عثمان عدم قطع الصالة بذلك ،وأنه ال يؤثر يف صالة املأموم إال ما أثر يف
صالة اإلمام ،ورجحت قول عثمان.
.28قرر البهويت أنه ال تلزم املأموم الذي مل تصح صالة إمامه قراءة الفاحتة ،وقرر عثمان
أهنا تلزمه ،ورجحت قول البهويت.
.29قرر البهويت أن من نسي مخس سجدات من ثالث ركعات من رباعية ،وجهل الركعة
اليت أمت سجودها ،أنه يسجد سجدتني مث يصلي ركعتني ،وقرر عثمان أنه يسجد سجدتني،
مث يصلي ثالث ركعات ،ورجحت قول عثمان.
.30قرر البهويت أن املسبوق إذا سها وحده فيما أدركه مع اإلمام ،وكان اإلمام قد سهي
عليه ،فسجد اإلمام ،أن تلك السجدتني تكفي املسبوق عن سهوه وسهو إمامه ،وال يلزمه
سجود عند سالمه ،وقرر عثمان أن تلك السجدتني ال تكفيه ،ويلزمه أن يسجد عند
سالمه ،ورجحت عدم لزوم السجود مطلقا ،سواء سجد اإلمام أم ال.
.31قرر البهويت أن اجللوس الذي يكون بعد الرفع من سجود التالوة خار الصالة أنه
واجب ،وقرر عثمان أنه مندوب ،ورجحت قول البهويت.
.32قرر البهويت أن من أيت بتكبرية اإلحرام أو زء منها يف فرض حال احننائه ،فإن صالته
تنقلب نفال ،وقرر عثمان أنه إن فعل ذلك عامدا مل تنعقد صالته ،وإن فعله سهوا أو
جهال صحت صالته نفال ويتمها منفردا وال يعتد بالركعة اليت صالها مع اإلمام ،ويسجد
للسهو ،ورجحت قول عثمان ،إال يف حالة علمه أنه وقع منه ذلك أثناء الصالة ،فرجحت
وجوب استئناف الصالة.
.33قرر البهويت صحة صالة احلنبلي خلف شافعي صلى قبل اإلمام الراتب بغري إذنه ،وقرر
عثمان عدم صحتها ،ورجحت قول عثمان.
.34قرر البهويت صحة صالة من يبدل ضاد (املغضوب) و(الضالني) بظاء من غري عجز،
وقرر عثمان عدم صحة صالته ،ورجحت قول عثمان.
.35قرر البهويت صحة صالة اإلمام إن بطلت صالة املأموم الفذ لعدم وقوفه معه موقفا
صحيحا ،وذلك بأن حيرم أمامه أو خلفه أو عن يساره ،وقرر عثمان عدم الصحة ،ورجحت
التفصيل يف املسألة.
.36قرر البهويت أنه جيوز اجلمع بسبب الريح الشديدة يف الليلة املظلمة ،وإن مل تكن باردة،
وقرر عثمان عدم جواز اجلمع بسببها ،وقرر كذلك أنه جيوز اجلمع بسبب الريح الباردة يف
الليلة املظلمة ،وإن مل تكن شديدة ،ورجحت التفصيل.
.37قرر البهويت أنه ال تصح اجلمعة من مجاعة كلهم صم سوى اخلطيب ،وقرر عثمان
صحتها إن كان اخلطيب مسيعا ،ورجحت قول عثمان.
.38قرر البهويت أن من ركع مع اإلمام الركوع األول يف اجلمعة ،مث ختلف لعذر ،ومل يزل
عذره حىت رفع اإلمام من الركعة الثانية ،فلم يتابع اإلمام بعد زوال عذره جهال منه ،بل
سجد سجديت الركعة األوىل ،مث أدرك اإلمام يف التشهد ،فإنه ال تعترب له هذه الركعة ،وقرر
عثمان أن الركعة تعترب له ،ويكون مدركا للجمعة ،ورجحت قول عثمان.
.39قرر الفتوحي أنه جتب الزكاة يف كل دين ،واستثىن من ذلك دين السلم إال إن كان أمثانا
أو لتجارة ،وقرر عثمان أنه ال فرق بني دين السلم وغريه من الديون يف وجوب الزكاة فيه
إن كان أمثانا أو لتجارة ،ويف عدم الوجوب إن مل يكن كذلك ،ورجحت قول عثمان.
.40قرر الفتوحي أن النذر مبعني يقدم على األضحية املعينة يف الوفاء من الرتكة ،وقرر
عثمان أهنما يف درجة واحدة ،ورجحت قول عثمان.
.41قرر البهويت أن األفضل إعطاء األقارب عطية بنية الصدقة والصلة ،وقرر عثمان أن
األفضل إعطاؤهم بنية الصلة ال الصدقة ،ورجحت قول البهويت.
.42نسب عثمان إىل البهويت القول بأن اهلالل إن رئي هنار التاسع والعشرين فال يقال إنه
للماضية ،وال ينسب للحنابلة قول بأنه للماضية ،وقرر عثمان إمكان إجراء اخلالف يف
ذلك ،بناء على تعدد أقوال علماء املذهب يف اهلالل الذي يرى هنارا ،ورجحت عدم صحة
نسبة القول للبهويت.
.43قرر تا الدين البهويت أن الكاف يف قول الفتوحي (وعليه ال مع عذر معتاد كسفر)
أهنا للتشبيه والتنظري ،وقرر عثمان أهنا للتمثيل ،ورجحت قول عثمان.
.44نسب عثمان إىل البهويت القول بعدم صحة احلج الذي تةقوي على أدائه بأكل حمرم،
وقرر عثمان صحة احلج ،ورجحت عدم صحة نسبة القول للبهويت.
.45ذكر الفتوحي فدية الوطء يف العمرة يف قسم الفدية اليت على الرتتيب ،وقرر عثمان
عدم وجاهة ذكرها يف هذا املوضع ،ورجحت قول عثمان.
.46قرر البهويت صحة األخذ بقول قاتل الصيد عمدا يف تقدير جزاء صيده إن تاب ،وقرر
عثمان عدم صحة األخذ بقوله وإن تاب ،ورجحت قول البهويت.
.47قرر الفتوحي أنه يلزم املتمتع الذي علم أحد طوافيه بال طهارة إعادة السعي دون إعادة
الطواف ،وقرر عثمان أن األوىل اإللزام بإعادة الطواف والسعي ،أو أن يقال ال يلزمه إعادة
الطواف وال السعي ،ورجحت اإللزام بإعادة الطواف والسعي.
.48قرر البهويت أن من عني هديا به عيب مل يعلمه ،فإنه ال يتعني هبذا التعيني ،وقرر عثمان
أنه يتعني ،ورجحت قول عثمان.
.49قرر البهويت عدم صحة بيع املاء املتنجس ،وقرر عثمان صحة ذلك ،ورجحت قول
عثمان.
.50قرر الفتوحي صحة بيع األرض واستثناء جريب منها ،أو ثوب واستثناء ذراع منه،
بشرط أن يكون املستثىن معني االبتداء واالنتهاء ،وقرر عثمان صحة تعيني االبتداء وحده،
ورجحت قول عثمان.
.51قرر البهويت دخول الرتاضي على أخذ املشرتي عوض املنفعة اليت شرطها سواء كان
ذلك لعذر أو لغري عذر يف قول الفتوحي" :وإن تراضيا على أخذه بال عذر جاز" ،وقرر
عثمان أن العبارة خمصوصة يف الرتاضي بال عذر ،ورجحت قول عثمان.
.52نقل عثمان عن البهويت قوله يف العمدة أنه ال يصح قول مرهتن لراهن إن جئتك حبقك
يف كذا وإال فالرهن لك ،وقرر عثمان أن األوىل أن تكون العبارة :ال قول راهن :إن جئتك،
أو :وال قول مرهتن :إن جئتين ،ورجحت أن التصحيح على النسخة اليت نقل منها الشيخ
عثمان وجيه ،وأما النسخة املطبوعة فليس فيها هذا اخلطأ.
.53قرر البهويت أن العيب يشمل ما لو نقصت عني املبيع ومل تنقص قيمته ،وقرر عثمان
عدم مشول العيب لذلك ،ورجحت التفصيل.
.54نسب عثمان إىل الفتوحي والبهويت القول بأنه إن بان الثمن أقل مما أخرب به البائع يف
املواضعة ،أنه حيك الزائد من الثمن دون قسطه من الوضيعة ،وقرر عثمان وضع الزائد
وقسطه ،ورجحت قول عثمان ،وأن نسبة القول األول للفتوحي والبهويت ليست دقيقة.
.55قرر البهويت أن البيع إذا وقع على ما حيتا إىل حق توفية ،فتعيب قبل قبضه بال فعل
آدمي ،فيخري املشرتي بني الفسخ واإلمساك مع أخذ األرب ،وقرر عثمان أنه خيري بني
الفسخ واإلمسىاك بال أرب ،ورجحت قول عثمان.
.56نسب عثمان إىل الفخر ابن تيمية القول بأن الوعاء كاليد يف قبض ما حيتا إىل حق
توفية ،وتعقبه يف ذلك ،ورجحت القول األول ،كما رجحت عدم صحة نسبة القول للفخر
ابن تيمية ،وأنه يقول بالقول الثاين ،وظهر يل أن هذا املوضع ليس من تعقبات عثمان،
وإمنا هو تعقب لصاحب التلخيص.
.57قرر البهويت صحة قبض املتعني الذي احتا إىل حق توفية بغري رضا البائع ،وقرر عثمان
عدم صحة ذلك ،ورجحت قول عثمان.
.58قرر البهويت أنه إذا بذل املدين ماال لدائنه ،ومل ينو به أداء دينه ،ومل ينو به تربعا ،أن
هذا املال يعد وفاء لدينه ،وقرر عثمان أنه يعد تربعا ما مل ينو األداء ،ورجحت قول عثمان
مذهبا ،وذكرت بعد هذه املسألة واقعا.
.59قرر البهويت عدم صحة إقراض الويل من مال موليه ،وقرر عثمان صحة ذلك إن كان
فيه مصلحة ملال املويل ،ورجحت قول عثمان.
.60قرر البهويت أن الدين يتعلق بذمة املقرتض على بيت املال ،بذمة الناظر املقرتض على
الوقف وهبذه اجلهات كتعلق أرب اجلناية برقبة العبد اجلاين ،وقرر عثمان أنه يتعلق بذمتهم
وهبذه اجلهات كتعلق الدين بذمة الوكيل الذي اشرتى ملوكله بثمن يف ذمته ،ورجحت قول
البهويت.
.61ظاهر صنيع الفتوحي يدل على أن الضامن إذا ضمن مثن املبيع ،فال يدخل يف الضمان
ضمان أرب عيب الثمن ،وتعقبه عثمان يف ذلك ،ورجحت أن التعقب غري متجه.
.62قرر الفتوحي أنه إذا ادعى رجل على رجل دينا استحق عن غري عوض مايل ،فصدقه
املدعى عليه ،ودفع بإعساره ،وليس له بينة على ذلك ،وال يعلم له مال األصل بقاؤه ،ومل
يقر أنه مليء ،فلم يصدقه املدعي يف دعوى إعساره ،وليس للمدعي بينة على مالءة
املدعى عليه ،وعرضت اليمني على املدعي فلم حيلف أنه ال يعلم عسرته ،أو أنه قادر على
الوفاء ،ففي هذه احلال ترد اليمني على املدعى عليه ،وقرر عثمان أهنا ال ترد ،ورجحت أن
اليمني تتوجه على املدعى عليه ابتداء.
.63ظاهر قول الفتوحي أنه يصح للوكيل فسخ البيع زمن اخليار إن جاء مزايد ،وال يلزم أن
يكون املزايد بعد بيع السلعة غري عامل بالبيع األول ،وقرر عثمان أن الفسخ إمنا يصح إن
كان املزايد غري عامل بالبيع األول ،ورجحت قول عثمان.
.64قرر البهويت أن الوكيل إذا باع السلعة بثمن املثل مع حضور من يزيد ،أن البيع صحيح،
وال يضمن الزيادة اليت استعد ببذهلا املشرتي اآلخر ،وقرر عثمان أنه يضمن الزيادة،
ورجحت قول عثمان.
.65ظاهر قول اإلمام أمحد رمحه اهلل أنه يصح التربع من مال الشركة مطلقا ،إن كان التربع
فيه مصلحة ،وقرر عثمان أن هذا القول ينبغي تقييده مبا إذا مل يكن الشريك عاملا أنه
سيدخل معاملة حيتا بعدها إىل التربع من مال الشركة ،ورجحت عدم وجاهة هذا التقييد.
.66قرر احلجاوي أنه ال جيوز للعامل يف املساقاة واملزارعة أن يعامل غريه على األرض أو
الشجر بغري إذن ربه مطلقا ،وقرر عثمان جواز ذلك إن كان بعد شروعه يف العمل ،وظهور
الثمرة والزرع ،ورجحت قول احلجاوي.
.67قرر الفتوحي أنه إذا استعار رجل أرضا للزرع فال حيق للمعري الرجوع يف العارية ونزع
األرض من املستعري مطلقا ،وقرر عثمان أنه إن تأخر الزرع عن مدة ينقص فيها ،أو تأخر
بسبب املستعري تأخرا غري متعارف ،فإن هذا التأخر يؤثر يف املنع من رجوع املعري يف عاريته،
فيخري املعري بني تركه بأجرته ،أو أخذه بقيمته ،ما مل خيرت مستعري قلعه وتفريغها يف احلال،
ورجحت قول الفتوحي.
.68قرر الفتوحي جواز رجوع املعري يف عارية األرض ،ومل يفرق بني ما إذا بين يف األرض
مسجد ،أو كان البناء غري ذلك ،وقرر عثمان أنه ليس له الرجوع يف عارية األرض إن بين
فيها مسجد ،ورجحت صحة ما ذكره عثمان ،وأن عدم نص الفتوحي وغريه على هذه
املسألة ال يعين أهنم ال يقولون هبا.
.69ذكر البهويت أنه ال أجرة للمعري إذا أعار لغرس أو بناء مث رجع ،إىل متلكه بقيمته أو
قلعه مع ضمان نقصه ،وقرر عثمان أن األوىل عدم قول :إىل متلكه بقيمته أو قلعه مع
ضمان نقصه ،ورجحت قول عثمان.
ظاهر قول البهويت أنه إذا نقص املغصوب نقصا غري مستقر ،فاختار مالك املغصوب .70
أخذ بدل ماله من الغاصب ،مث استقر النقص ،فإن مالك املغصوب ال يلزمه رد املثل الذي
أخذه ،بل ميلك هذا املثل ،ويكون بدل ماله ،وقرر عثمان أنه إن أخذ بدل ماله مث استقر
نقص ماله ،فإنه يلزمه رد البدل وأخذ عني ماله وأرب نقصه ،ورجحت قول البهويت.
.71نسب عثمان إىل البهويت القول بأن للمالك مطالبة الغاصب بالثمن كله إن كان أزيد
من القيمة ،وهذا عام يف كل الصور ولو أمكن رد العني ،وقرر عثمان تقييد هذا القول مبا
إذا مل ميكن رد العني املغصوبة ،ورجحت عدم صحة نسبة القول األول للبهويت.
.72ذكر الفتوحي القاعدة يف ضمان مالك العني إن تلفت حتت يده ،مث ذكر أفراد تلك
القاعدة ،وتعقبه عثمان بأن هذا فيه تكرار ،والتكرار والتمثيل ليس حمله املتون ،ورجحت
قول عثمان.
.73ذكر الفخر ابن تيمية أن مالك العني املغصوبة ال جيرب على أخذ بدهلا ،وال يصح اإلبراء
من البدل ،وال يتعلق احلق به ،فال ينتقل إىل الذمة ،وقرر عثمان أن حمل هذا إذا كانت
عني الغصب باقية حني دفع البدل ،ورجحت أن ما ذكره عثمان هو مقصود صاحب
التلخيص.
.74قرر اخللويت أن (من) يف قول الفتوحي" :وما صحت إجارته من مغصوب ومقبوض
بعقد فاسد ،فعلى قابض وغاصب أجرة مثله مدة بقائه بيده" أهنا تبعيضية ،فيكون احلكم
واقعا على بعض حاالت الغصب والقبض بعقد فاسد ،وقرر عثمان أهنا بيانية ،فيدخل يف
احلكم مجيع حاالت الغصب والقبض بعقد فاسد ،ورجحت قول عثمان.
.75ظاهر قول ابن رجب أنه ال يلزم املتصدق باملال املغصوب أن ينوي الصدقة عن
أصحاب املال ،ويصح للفقراء قبول الصدقة منه مطلقا ،وقرر عثمان أنه يلزم أن تكون نية
املتصدق الصدقة عن أصحاب املال ،ويضمن الفقري إن أخذها وهو يعلم أنه مل ينوها
عنهم ،ورجحت قول عثمان ،وأن قول ابن رجب حممول على ما ذكره الشيخ عثمان.
.76قرر البهويت أن من أطارت الريح ثوبا إىل داره فإنه يضمنه إن تلف بعد التمكن من
الرد ،وقرر عثمان أنه ال يضمنه إال إن كتم وجوده عنده فلم خيرب به ربه ،ورجحت قول
عثمان.
.77قرر الفتوحي أنه إن هنى ِ
املودع الوديع من إخرا الوديعة ،فغشي مكان الوديعة شيء
الغالب منه اهلالك ،فإن له إخراجها ونقلها ،وال يضمنها حينئذ ،وقرر عثمان أنه يلزمه دفع
الوديعة لرهبا ،فإن مل يستطع فله نقلها ،ورجحت قول الفتوحي.
.78قرر اخللويت أن الفسق لوحده ليس سببا كافيا يف عزل الناظر األجنيب الذي واله احلاكم
أو الناظر ،وقرر عثمان أنه سبب كاف لذلك ،ورجحت قول عثمان.
.79قرر البهويت واخللويت أن إذا وصى رجل بأمته لزوجها احلر ،فأحبلها الزو بعد موت
املوصي ،وقبل قبول الوصية ،مث ولدت بعد القبول ،أن هذا املولود رقيق احلق فيه للورثة،
وقرر عثمان أن الولد ألبيه ،وهو حر ،ورجحت قول عثمان.
.80قرر البهويت أنه إن وصى رجل لزيد ،مث قال :إن قدم عمرو فله ما وصيت لزيد فاملعترب
يف استحقاق زيد للموصى به ،وانقطاع حق عمرو منه هو :موت املوصي ،وقبول زيد
للوصية ،وقرر عثمان أن املعترب موت املوصي دون القبول ،ورجحت قول عثمان.
.81قرر اخللويت أن العلة من صحة قول املوصي (أعطوا ثلثي أحدمها) :أن القصد من
الوصية الرب ،وقرر عثمان أن العلة :أنه أضاف متليك املوصى له إىل الورثة ،ورجحت قول
عثمان.
.82قرر الفتوحي أنه لو اشرتى أخ وأخته أبامها ،فعتق عليهما ،مث أعتق األب عبدا ،مث
مات األب واألخ ،مث مات العتيق ،فإن البنت ترث من العتيق بقدر عتقها من األب،
والباقي بينها وبني معتق أمها ،وقرر عثمان أن األوىل قول :والباقي بينها وبني معتق أمهما،
أو أمه ،ورجحت قول عثمان.
.83ظاهر قول البهويت أنه إن قال قن لغري سيده :اشرتين من سيدي هبذا املال وأعتقين،
فاشرتاه مبعني غري ما يف يد العبد ،مل يصح الشراء والعتق ،وقرر عثمان أنه يصح الشراء
والعتق ،ورجحت قول عثمان.
.84قرر البهويت أن املكاتب إذا أبرئ ،وكان بيده مال ،فإن هذا املال يكون ملكا له ،وقرر
عثمان أنه يكون ملكا لسيده ،ورجحت قول البهويت.
.85ذكر عثمان أن بعض احملققني جعل قول الفتوحي" :من إنظاره" يف قوله" :وحببسه مدة
أرفق األمرين به من إنظاره مثلها أو أجرة مثله" أنه راجع إىل األمرين ،وقرر عثمان أنه راجع
إىل األرفق ،ورجحت قول عثمان.
.86قرر البهويت أن املراد بقول الفتوحي" :مث ربع الزمن املستقبل للرابعة" أي :ربع اليوم
الذي يلي حق العقد للرابعة ،فتكون الرابعة قد أخذت ربع قسم الثالثة ،وقرر عثمان أن
املراد من :ربع الزمن املشتمل على حق الثالثة والرابعة ،وهو خمتلف حبسب ما قسم لألوليني،
فيقسم للثالثة مثل ما قسم لألوىل والثانيةـ ،مث يقسم للرابعة ثلث ما قسم للثالثة ،ورجحت
قول عثمان.
.87قرر البهويت إنه إن علق رجل طالق زوجاته على عدم الوطء ،ومل يقيد الوطء بزمن
حمدد ،فيقيد التعليق بالعمر ،وقرر عثمان أنه مىت ما مضى زمن ميكن فيه الوطء ومل يطأ
وقع الطالق ،ورجحت قول البهويت.
.88قرر البهويت أنه لو علق رجل طالق غري مدخول هبا بوطئها ،فوطأها ،فوقع الطالق
رجعيا ،فإن النزع احلاصل بعد اعتبار هذه الطلقة هو مجاع حتصل به الرجعة ،وقرر عثمان
أن النزع هنا ال يعد مجاعا حتصل به الرجعة ،ورجحت التفصيل.
.89قرر الفتوحي أن صفة املالعنة :أن يقول زو أربعا :أشهد باهلل إين ملن الصادقني فيما
رميتها به من الزنا ،مث يزيد يف اخلامسة :وأن لعنة اهلل عليه إن كان من الكاذبني ،وتعقبه
عثمان بأن قوله :مث يزيد ،يوهم أنه يأيت يف اخلامسة بالشهادة ،ويقول بعدها :وأن لعنة
اهلل ...وهو خمالف لآلية الكرمية ،ورجحت قول عثمان.
.90قرر الفتوحي أنه إن ولدت رجعية بعد أربع سنني منذ طالقها ،وقبل انقضاء عدهتا،
أو ألقل من أربع سنني منذ انقضت ،حلق نسبه ،وقرر عثمان أن األوىل قول :وإن ولدت
رجعية ألقل من أربع سنني منذ انقضاء عدهتا ولو بعدها منذ طالقها ،حلق نسبه ،ورجحت
أن األوىل اإلبقاء على عبارة الفتوحي.
.91ظاهر قول البهويت أنه إن شهدت بينة مبوت ،فظهر بعد قسم ماله ،أن املطالب
بالضمان هو املباشر لإلتالف ،ال البينة املتسببة به ،وقرر عثمان أن له تضمني املباشر،
وله تضمني البينة املتسببة ،وقرار الضمان على املباشر ،ورجحت قول عثمان.
.92قرر البهويت أن من أمثلة النكاح الفاسد :نكاح الرجعية بعد انقطاع احليضة الثالثة وقبل
الغسل ،وقرر عثمان أن هذا التمثيل فيه نظر ،ورجحت قول البهويت.
.93قرر البهويت أن أرب اجلناية يتعلق برقبة القن إن مل يأذن سيده ،فيفديه ،أو يبيعه فيها،
أو يسلمها لوليها ،وقرر عثمان أن األوىل قول :أو يسلمه ،ورجحت قول عثمان.
.94قرر البهويت قبول توبة املرتد إن أتى بالشهادتني غري متواليتني ،وقرر عثمان لزوم التوايل
فيهما ،ورجحت قول البهويت.
.95قال الفتوحي" :وتوبة مرتد وكل كافر :إتيانه بالشهادتني ،مع إقرار جاحد لفرض ،أو
حتليل ،أو لتحرمي ،أو نيب ،أو كتاب ،أو رسالة حممد ‘ إىل غري العرب مبا جحده ،أو
قوله أنا مسلم" ،وتعقبه عثمان بأن األوىل أن يكون قوله" :مع إقرار جاحد "..بعد قوله:
أو قوله :أنا مسلم"؛ لئال يتوهم أنه ال يشرتط إقرار اجلاحد إن قال :أنا مسلم ،ورجحت
قول عثمان.
.96نسب عثمان إىل اخللويت القول واز أكل من يقول بوجوب التسمية من ذبيحة من
ال يقول بوجوهبا إن مل يسم على ذبيحته ،وقرر عثمان عدم جواز األكل منها ،ورجحت
قول عثمان ،وأن نسبة القول املتعقب للخلويت ال تصح ،إذ أن كالمه ال يدل على ذلك.
ب -الرتجيحات:
عددها الترجيحات
48 املسائل اليت رجحت 1
فيها قول عثمان
22 املسائل اليت رجحت 2
فيها القول املتعقب
9 املسائل اليت مجعت 3
فيها بني القولني
9 املسائل اليت رجحت 4
فيها قوال ثالثا
-نوع اخلالف:
التوصيات:
.1زيادة االهتمام بفقه املذاهب األربعة ،وحماولة استخرا عللهم ،واالستدالل ألقواهلم.
.2استخرا حتريرات عثمان النجدي اليت مل يسبق إليها ،ودراستها.
واهلل أسأل أن جيعل هذا العمل خالصا لوجهه الكرمي ،وأن يتجاوز عن التقصري،
وآخر دعوانا أن احلمد هلل رب العاملني ،وصلى اهلل وسلم على نبينا حممد وعلى آله
وصحبه أمجعني.
( )1ينظر :حاشية املنتهى ( ،)28 /2و( ،)181 /3و( )295 /3و( ،)65 /4و( ،)108 /4و(.)427 /4
- 378 -
الفهارس
الفهارس
وتشمل:
• فهرس اآليات.
• فهرس األحاديث.
• فهرس اآلثار.
• فهرس األعالم.
• فهرس المصادر والمراجع.
• فهرس المحتويات.
-1فهرس اآليات
رقم الصفحة رقم اآلية طرف اآلية م
-2سورة البقرة
- 169 - 184 {ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ } 1
- 247 - 280 { َوإِ ْن َكا َن ذةو ةع ْسَرةٍ فَـنَ ِظَرةمل إِ َىل َمْي َسَرةٍ} 2
-7سورة األعراف
- 107 - 204 { 1وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترمحون}
-2فهرس األحاديث
الصفحة طرف احلديث
- 103 - ((إذا صلى أحدكم إىل شيء يسرته من الناس فأراد أحد أن جيتاز بني يديه،
فليدفعه))..
- 43 - ((إن املاء طهور ال ينجسه شيء))
- 197 - ((أن النيب ‘ هنى عن الثنيا إال أن تعلم))
- 116 - ((األئمة ضمناء))
- 93 - ((جعلت يل األرض مسجدا وطهورا))
- 70 - ((دعهما فإين أدخلتهما طاهرتني))
- 147 - ((فال ختتلفوا عليه))
- 104 - ((ال صالة ملن مل يقرأ بفاحتة الكتاب))
- 58 - ((ال وضوء ملن مل يذكر اسم اهلل عليه))
- 116 - ((ليس على من خلف اإلمام سهو ،فإن سها إمامه فعليه وعلى من خلفه))
- 146 - ((من أدرك ركعة من اجلمعة أو غريها فقد متت صالته))
- 146 - ((من أدرك من الصالة ركعة فقد أدرك الصالة))
- 146 - ((من أدرك من صالة اجلمعة ركعة فقد أدرك))
- 29 - ((من عمل عمال ليس عليه أمرنا فهو رد))
- 147 - ((وإذا ركع فاركعوا))
- ،- 230 - ((وإمنا لكل امرئ ما نوى))
- 231
-3فهرس اآلثار
الصفحة الراوي طرف األثر م
- 162 - أبو وائل ((جاءان كتاب عمر -رضي هللا عنه -إن األهلة بعضها أكرب من بعض فإذا رأيتم 1
اهلالل هنارا فال تفطروا حىت متسوا أو يشهد رجالن مسلمان أهنما رأايه ابألمس
عشية))
-6فهرس املوضوعات
الصفحة الموضوع
المقدمة - 1 - .......................................................................
أمهية املوضوع- 1 - ............................................ ................................ :
أسباب اختيار املوضوع- 3 - .................................... ................................ :
أهداف املوضوع- 3 - .......................................... ................................ :
الدراسات السابقة- 3 - ........................................ ................................ :
منهج البحث- 4 - ............................................ ................................ :
تقسيمات البحث - 5 - ....................................... ................................ :
التمهيد - 14 - ......................................................................
املطلب األول :التعريف بعثمان النجدي- 15 - ................... ................................ :
املطلب الثاين :معىن التعقبات ،وصيغها عند عثمان النجدي ،ومنهجه فيها- 19 - .................... :
الفصل الثالث :التعقبات في فقه األسرة والعقوبات واألوعمة- 302 - ...................... .
املبحث األول :التعقبات يف كتاب الوصايا وكتاب الفرائض- 303 - ................................. .
املطلب األول :حكم ولد األمة املوصــى هبا لزوجها احلر الذي محلت به بعد موت املوصــي وقبل قبول الوصــية،
ووضعته بعد القبول- 304 - ........................................... ................................ .
املطلب الثاين :من علقت الوصية له حبضوره قبل املوت ،وقد أوصي لغريه ،فحضر بعده ،وقبل قبول من أوصي
له أوال- 308 - ....................... ................................ ................................ .
املطلب الثالث :علة صحة وصية املوصي إن قال لورثته" :أعطوا ثلثي أحدمها"- 312 - ................ .