Professional Documents
Culture Documents
تعاون
تعاون
2
أيضا الحث على شكر الناس على إحسانهم .وشكر الناس على
". إحسانهم يكون بالثناء عليهم وبالكلمة الطيبة وبالدعاء لهم
3
ويقول القرطبي في تفسير هذه اآليةَ ﴿ :و َت َع َاو ُنوا َع َلى ْال ِبرِّ َوال َّت ْق َوى﴾
[المائدة :]2 :هو أمر لجميع الخلق بالتعاون على البرِّ والتقوى؛ أي:
وتح ُّاثوا على أمر هللا -تعالى -واع َملوا به، لِ ُي ِعنْ بعضُكم بعضًاَ ،
وانتهوا عما نهى هللا عنه ،وامتنعوا منه ،وهذا موافق لِما روي عن
النبي -صلى هللا عليه وسلم -أنه قال(( :الدا ُّل على الخير
كفاعله)) ،وقد قيل :الدال على الشرِّ كصانعه ،والتعاون على البر
فواجب على العالِم أن يعين الناس بعلمه ٌ والتقوى يكون بوجوه؛
فيعلِّمهم ،ويعينهم الغني بماله ،والشجاع بشجاعته في سبيل هللا ،وأن
يكون المسلمون متظا ِه ِرين كاليد الواحدة؛ ((المؤمنون تتكافأ
دماؤهم ،ويسعى بذم ِتهم أدناهم ،وهم يد على من سواهم)) ،ويجب
ك النصرة له ،ور ُّده عما هو اإلعراضُ عن المتعدي ،وتر ُ
.عليه؛( الجامع ألحكام القرآن)47-6/46 ،
ويتحدث ابنُ القيم عن هذه اآلية الكريمة فيقول :اشتملت هذه اآلي ُة على
جميع مصالح العباد في معاشهم ومعادهم فيما بينهم بعضهم
ك عن هاتين بعضًا ،وفيما بينهم وبين ربهم؛ فإن ك َّل عبد ال ينف ُّ
الحالتين ،وهذين الواجبين ،واجب بينه وبين هللا ،وواجب بينه وبين
يكون
َ الخلق؛ من المعاشرة والمعاونة والصحبة ،فالواجب عليه فيها أن َ
اجتماعُه بهم وصحبته لهم تعاو ًنا على مرضاة هللا وطاعته التي هي
غاية سعادة العبد وفالحه ،وال سعادة له إال بها ،وهي البر والتقوى
اللذان هما ِجما ُع ال ِّدين كله؛ (زاد المهاجر ،)7-1/6 ،وقد بين -رحمه
هللا -ما للتعاون على البرِّ والتقوى من الضرورة واألهمية في المجتمع
اإلنساني فقال" :والمقصود من اجتماع الناس وتعاشرهم هو التعاون
على البرِّ والتقوى ،فيعين كل واحد صاح َبه على ذلك علمًا وعمالً ،فإن
4
العبد وحده ال يستق ُّل بعلم ذلك ،وال بالقدرة عليه ،فاقتضت حكم ُة الرب
النوع اإلنساني قائمًا بعضُه ببعضه ،معي ًنا بعضه
َ -سبحانه -أنْ ج َعل
.لبعضه"؛ (زاد المهاجر)1/13 :
يقول الرسول -صلى هللا عليه وسلم َ (( :-مثل المؤمنين في توا ِّدهم
عضو تداعى له سائ ُر ٌ وتراحمهم وتعاطفهم َمثل الجسد إذا اشتكى منه
.الجسد بال َّسهر والحمى))؛ (صحيح مسلم ،رقم)2586 :
فالتعاون على الخير من الفطرة التي فطر هللاُ عليها الناس ،كما يقول
ابن خلدون في مق ِّدم ِته" :اإلنسان قد شاركته جمي ُع الحيوانات في
حيوان َّي ِته من الحس ،والحركة ،والغذاء ،والكنِّ ،وغير ذلك ،وإنما تميَّز
عنها بالفكر الذي يهتدي به لتحصيل معاشه ،والتعاون عليه بأبناء
جنسه ،واالجتماع المهيِئ لذلك التعاون ،وقبول ما جاءت به األنبياء
عن هللا -تعالى -والعمل به ،واتباع صالح أخراه"؛ (مقدمة ابن
.خلدون)1/429 :
ف مضاعفة من النتائج وهذا التعاون والتعاضد والتضامن يأتي بأضعا ٍ
الحسنة والثمار الطيبة في كل عمل من األعمال المفيدة ،وإلى هذا
أشار ابن خلدون فقال :قد ع ُِرف وث َبت أن الواحد من البشر غي ُر
مستقل لتحصيل حاجاته في معاشه ،وأنهم متعاونون جميعًا في
عُمرانهم على ذلك ،والحاجة التي تحصل بتعاون طائفة منهم ت ُس ُّد
فالقوت من الحنطة مثالً ال يستقل ُ ضرور َة األكثر من عددهم أضعا ًفا؛
الواحد بتحصيل حصته منه ،وإذا انتدب لتحصيله الستة أو العشرة من
ح َّدا ٍد ونجار لآلالت ،وقائم على البقر ،وإثارة األرض ،وحصاد
5
وتوزعوا على تلك األعمال أو اجتمعوا، َّ السنبل ،وسائر ُمَؤ ن الفلح،
وحصل بعملهم ذلك مقدار من القوت ،فإنه حينئذ قوت ألضعافهم
مرات؛ فاألعمال بعد االجتماع زائدة على حاجات العاملين
.وضروراتهم؛ (المصدر السابق)1/360 :
التعاون بين المسلمين، ِ وقد أ َّكد الرسو ُل -صلى هللا عليه وسلم -على
وج َعل ذلك من شعارهم ،ودليالً على إيمانهم؛ فعن أبي سعيد الخدري -
رضي هللا عنه -قال :بينما نحن في سفر مع النبي -صلى هللا عليه
بصره يمي ًنا
َ وسلم -إذ جاء رجل على راحلة له ،فجعل يصرف
وشماالً ،فقال رسو ُل هللا -صلى هللا عليه وسلم َ (( :-من كان معه
ظهر له ،ومن كان له فضل من زا ٍد َ فض ُل َظ ٍ
هر فل َيع ُْد به على َمن ال
فل َيع ُْد به على َمن ال زاد له)) ،فذ َكر من أصناف المال ما ذ َكر حتى
حق ألح ٍد منا في فضل؛ (صحيح مسلم ،رقم)1728 : .رأينا أنه ال َّ
لقد ُع ِني اإلسال ُم بالتعاضد والتناصر والتكافل والتعاون فيما بين
جعل الصال َة التي هي عماد الدين عمالً المسلمين أيَّما عناية ،حتى َ
يعرف به المسل ُم ما يعيشه أخوه المسلم من بالء ومحنة وضيق وشدة ِ
وجعلَ بعد حضوره في المسجد ،وشهو ِده الصال َة مع الجماعة،
شرطا لقبول ً اإلحسان إلى المساكين وابن السبيل واألرملة والمصابين
األعمال الصالحة ،واستحقاق األجر والثواب عليها بجلب الرحمة
والمغفرة إثرها ؛يقول النبي -صلّى هللا عليه وسلّم :-الراحمون
يرحمهم الرحمن ارحموا من في األرض يرحمكم من في السماء(سنن
أبي داود ،رقم ،)4941:سنن الترمذي ،رقم )1924:وهذه الرحمة
تختلف باختالف األشخاص ،و تتع ّدد بتع ّدد األفراد فالمريض مثال إذا
6
ُزرته وعُدته وأعنته على مداواته فقد رحمته.وهكذا الفقير الجائع إذا
أطعمته وقضيت له حاجته فقد رحمته ،واألسير بغير حق إذا شفعت له
ك أسره فقد رحمته .واليتيم إذا مسحت شفاعة حسنة وسعيت في ف ّ
رأسه ،وأدخلت السرور على قلبه ،وآنست وحشته فقد رحمته .وهل ّم
جرا .لقد أولى اإلسال ُم عناية فائقة ورعاية زائدة لليتامى والمساكين
وأبناء السبيل ،وجعلهم في ِعداد من يُن َفق عليهم ،ويُح َسن إليهم ،من
الوالدين واألقربين والجيران؛ يقول هللا -عز وجل َ ﴿ :-واعْ ُب ُدوا هَّللا َ
ْن ِإحْ َسا ًنا َو ِب ِذي ْالقُرْ َبى َو ْال َي َتا َمى َواَل ُت ْش ِر ُكوا ِب ِه َش ْيًئ ا َو ِب ْال َوالِدَ ي ِ
ْن
ب َواب ِ ب ِب ْال َج ْن ِ ب َوالصَّا ِح ِ ار ْال ُج ُن ِ ار ِذي ْالقُرْ َبى َو ْال َج ِ ين َو ْال َج ِ َو ْال َم َسا ِك ِ
ان م ُْخ َتااًل َف ُخورً ا﴾ ت َأ ْي َما ُن ُك ْم ِإنَّ هَّللا َ اَل ُيحِبُّ َمنْ َك َ يل َو َما َم َل َك ْ الس َِّب ِ
[.النساء]36 :
لقد أوضحت اآلي ُة الكريمة ما للتعاون والتناصر والتعاضد والتراحم
من قيمة كبيرة ومكانة عظيمة في اإلسالم أيما إيضاح ،وفصلت َمن
أحق باإلحسان إليه والبرّ به ،وسمَّت َمن أبى ذلك مختاالً فخورً ا هو ّ
شرع اإلسال ُم الزكاة فريضة محكمة، ممَّن يُبغضهم هللا وال يُحبّهم؛ لذا َ
فوارق
ِ محو
ِ وأمرً ا معلومًا من الدين بالضرورة؛ فاإلسالم يهدف إلى
ونوازع االستعالء واالستكبار ،ودوافع الش ّح والبخل والطمع ِ
لق غريزة التعاون والتناصر فيما بين والحرص ،ويرمي إلى َخ ِ
ات لِ ْلفُ َق َرا ِء المسلمين ،ويقول الرب -عز وجل ِ ﴿ :-إ َّن َما الصَّدَ َق ُ
ينار ِم َب َو ْال َغ ِ ين َع َل ْي َها َو ْال ُمَؤ لَّ َف ِة قُلُو ُب ُه ْم َو ِفي الرِّ َقا ِين َو ْال َعا ِملِ َ َو ْال َم َسا ِك ِ
ض ًة ِم َن هَّللا ِ َوهَّللا ُ َعلِي ٌم َح ِكي ٌم[ ﴾ التوبة: يل َف ِري َ ْن الس َِّب ِ يل هَّللا ِ َواب ِ َو ِفي َس ِب ِ
.]60ويقول –عزوجلَ ﴿ :-ما َأ َفا َء هَّللا ُ َع َلى َرسُولِ ِه ِمنْ َأهْ ِل ْالقُ َرى َفلِلَّ ِه
يل َكيْ اَل َي ُك َ
ون ْن الس َِّب ِ ُول َولِ ِذي ْالقُرْ َبى َو ْال َي َتا َمى َو ْال َم َسا ِك ِ
ين َواب ِ َولِلرَّ س ِ
7
ُدو َل ًة َبي َْن اَأْل ْغ ِن َيا ِء ِم ْن ُك ْم َو َما آ َتا ُك ُم الرَّ سُو ُل َف ُخ ُذوهُ َو َما َن َها ُك ْم َع ْن ُه َفا ْن َتهُوا
ب[ ﴾ الحشر]7: َوا َّتقُوا هَّللا َ ِإنَّ هَّللا َ َش ِدي ُد ْال ِع َقا ِ
لخ ْل ِق صفة التقوى في قلوبهم؛ وهكذا الصوم شرعه اإلسالم ألتباعه َ
ين ِمنْ َق ْبلِ ُك ْم ب َع َلى الَّ ِذ َ ص َيا ُم َك َما ُك ِت َ ب َع َل ْي ُك ُم ال ِّ ين آ َم ُنوا ُك ِت َ ﴿َ يا َأ ُّي َها الَّ ِذ َ
ون[ ﴾ البقرة]183 : َ .ل َعلَّ ُك ْم َت َّتقُ َ
معاني كثيرة ،ومطالب واسعة؛ فبالصوم" َ ون" تحمل في طيّها َل َعلَّ ُك ْم َت َّتقُ َ
الحرص ،والش َّح ،والطمع ،والحقد ،والضغن ،والحسد، َ ي ّتقي المسل ُم
وحب المال ،وجميع األخالق الرديئة ،والعادات الدنيئة؛ من االستبداد،
واالستئثار ،واالستغالل ،واالحتكار؛ لذا ورد في الحديث عن النبيِّ -
صلى هللا عليه وسلم -أنه قال(( :الصوم جنة من النار كجنة أحدكم من
القتال))؛(سنن النسائي ،رقمُ )2231:ج َّنة من النار وما يقرِّ بُ إليها من
ث صاحبها الشحناء والبغضاء تور ُ األقوال واألفعال واألعمال التي ِ
ت بها شم ُل األمة اإلسالمية ،ويتفرَّ ق جمعُها ،ويتزلزل التي يتش َّت ُ
.بنيانها
وقد ذ َكر العلما ُء أن الحكمة في فرض الصيام هو أن يذوق الغنيُّ طعم
المعو َز الفقير ِ .الجوع ،فال ينسى أخاه
دي ،نرى أن التكافل االجتماعي وصف َة وفي الحج لما شرع هللا فيه ال َه َ
التناصر والتعاضد تمتاز بها هذه الفريض ُة الربانية؛ ﴿َ و ْالب ُْد َن َج َع ْل َنا َها
ص َوافَّ َفِإ َذا َل ُك ْم ِمنْ َش َعاِئ ِر هَّللا ِ َل ُك ْم ِفي َها َخ ْي ٌر َف ْاذ ُكرُوا اسْ َم هَّللا ِ َع َل ْي َها َ
ك َس َّخرْ َنا َها َل ُك ْم ت ُج ُنو ُب َها َف ُكلُوا ِم ْن َها َوَأ ْط ِعمُوا ْال َقا ِن َع َو ْالمُعْ َترَّ َك َذلِ َ َو َج َب ْ
ُون[ ﴾ الحج]36 : َ .ل َعلَّ ُك ْم َت ْش ُكر َ
8
لقد رغب هللا -عز وجل -عباده في القيام بهذا العمل العظيم في
ْس ْال ِبرَّ َأنْ ُت َولُّوا مواضع من القرآن الكريم؛ يقول -عز وجل َ ﴿ :-لي َ َ
ب َو َلكِنَّ ْال ِبرَّ َمنْ آ َم َن ِباهَّلل ِ َو ْال َي ْو ِم اآْل ِخ ِر وُ جُو َه ُك ْم ِق َب َل ْال َم ْش ِر ِق َو ْال َم ْغ ِر ِ
ِّين َوآ َتى ْال َما َل َع َلى ُح ِّب ِه َذ ِوي ْالقُرْ َبى َو ْال َي َتا َمى ب َوال َّن ِبي َ َو ْال َماَل ِئ َك ِة َو ْال ِك َتا ِ
صاَل َة َوآ َتى ب َوَأ َقا َم ال َّ ين َو ِفي الرِّ َقا ِ يل َوالسَّاِئلِ َ ين َواب َْن الس َِّب ِ َو ْال َم َسا ِك َ
ين ِفي ْال َبْأ َسا ِء َوالضَّرَّ ا ِء ون ِب َع ْه ِد ِه ْم ِإ َذا َعا َه ُدوا َوالص ِ
َّاب ِر َ الز َكا َة َو ْالمُوفُ َ َّ
ون[ ﴾ البقرة،]177 : ك ُه ُم ْال ُم َّتقُ َ صدَ قُوا َوُأو َلِئ َ ين َ ك الَّ ِذ َس ُأو َلِئ َ ين ْال َبْأ
َو ِح َ
ِ
ون قُ ْل َما َأ ْن َف ْق ُت ْم ِمنْ َخي ٍْر ك َما َذا ُي ْن ِفقُ َ ويقول -عز وجل َ ﴿ :-يسْ َألُو َن َ
يل َو َما َت ْف َعلُوا ِمنْ ْن الس َِّب ِ ين َواب ِ ين َو ْال َي َتا َمى َو ْال َم َسا ِك ِ ْن َواَأْل ْق َر ِب َ َفلِ ْل َوالِ َدي ِ
َ .خي ٍْر َفِإنَّ هَّللا َ ِب ِه َعلِي ٌم[ ﴾ البقرة]215 :
ففي الصحيحين عن النبي -صلّى هللا عليه وسلّم -قال :على ك ّل مسلم
صدقة .فقالوا:يا نبي هللا ،فمن لم يجد؟ :قال :يعمل بيديه فينفع نفسه
ويتص ّد ق .قالوا :فإن لم يجد ؟ قال :يعين ذا الحاجة الملهوف قالوا:فإن
لم يجد ؟ قال :فليعمل بالمعروف ،وليمسك عن الشر ،فإنها له صدقة.
(.صحيح البخاري ،رقم ،1445:صحيح مسلم ،رقم)1008:
وكان من س َّنة المصطفى -صلى هللا عليه وسلم -أنه كان يهتم بإطعام
سرا وجهارً ا؛ أخرج اإلمامان الناس واإلنفاق عليهم؛ ليالً ونهارً اًّ ،
البخاري ومسلم -رحمهما هللا -عن أبي ذر -رضي هللا عنه -قال:
كنت أمشي مع النبيِّ -صلى هللا عليه وسلم -في َحرَّ ٍة بالمدينة،
قلت :لبيك يا رسول هللا ،قال(( :ما فاستق َب َلنا ُأ ُح ٌد ،فقال(( :يا أبا ذرٍّ ))ُ ،
ثالثة وعندي منه ٌ يسرُّ ني أن عندي مث َل ُأح ٍد هذا ذهبًا تمضي عليَّ
9
رص ُده ل َدين ،إال أن أقو َل به في عباد هللا هكذا وهكذا، دينار ،إال شيء ُأ ِ
عن يمينه وعن شماله ،ومن خلفه)) ثم سار فقال(( :إن األكثرين هم
األقلُّون يوم القيامة ،إال من قال بالمال هكذا وهكذا وهكذا ،عن يمينه،
وعن شماله ،ومن خلفه ،وقليل ما هم))؛ (صحيح البخاري ،رقم:
،6444.صحيح مسلم ،رقم)991 :
وكان -صلى هللا عليه وسلم -يزداد جو ُده وكرمه وسخاؤه في شهر
رمضان ،وكان كالريح المرسلة ،وقد ب َّشر -صلى هللا عليه وسلم -
أ َّم َته بأن إطعام الطعام مما يُد ِخل المسل َم الج َّن َة بسالم؛ أخرج الترمذي -
يوسف عبدهللا بن سالم -رضي هللا عنه -أنه َ رحمه هللا -عن أبي
سمعت رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -يقول(( :يا أيها الناس، ُ قال:
شوا السالم ،وأطعموا الطعا َم ،وصلُّوا والناس نيام ،تدخلون الج َّن َة أف ُ
بسالم))؛ (سنن الترمذي ،رقم .)2485 :وقد مدح هللا-عزوجل-
األنصار لقيامهم بالتعاون مع المهاجرين والتناصر لهم.فقال –
ُّون َمنْ َه َ
اج َر ان ِمنْ َق ْبلِ ِه ْم ُي ِحب َ ار َواِإْلي َم َ ين َت َب َّوءُوا ال َّد َعزوجلَ ﴿ :-والَّ ِذ َ
اج ًة ِممَّا ُأو ُتوا َويُْؤ ِثر َ
ُون َع َلى َأ ْنفُ ِس ِه ْم ور ِه ْم َح َص ُد ِ
ون ِفي ُ ِإ َلي ِْه ْم َواَل َي ِج ُد َ
ُون﴾ ش َّح َن ْف ِس ِه َفُأو َلِئ َ
ك ُه ُم ْال ُم ْفلِح َ ُوق ُص ٌة َو َمنْ ي َ صا َ َو َل ْو َك َ
ان ِب ِه ْم َخ َ
[الحشر ]9:وأثنى الرسو ُل -صلى هللا عليه وسلم -على األشعريِّين
خيرً ا لما كانوا يقومون بعمل التكافل والتعاضد فيما بينهم؛ فعن أبي
موسى -رضي هللا عنه -قال :قال النبيّ -صلى هللا عليه وسلم (( :-إن
األشعريِّين إذا أرملوا في الغزو ،أو ق َّل طعا ُم عيالهم بالمدينة ،ج َمعوا
ما كان عندهم في ثوب واحد ،ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية؛
فهم مني وأنا منهم)) (صحيح البخاري ،رقم ،2486:صحيح مسلم،
رقم )2500:وروي عن عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما قال قال
10
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إن هلل أقواما اختصهم بالنعم لمنافع
العباد يقرّ هم فيها ما بذلوها فإذا منعوها نزعها منهم فحوّ لها إلى
.غيرهم(.صحيح الترغيب والترهيب ،رقم)2617:
وكان أصحابُ رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -بعده يُع َن ْو َن بهذا
الجانب المه ّم ِمن ال ِّدين أيما عناية؛ ففي فتوح البلدان للبالذري أن عمر
فرض له مائة ،وفرض له رز ًقا -رضي هللا عنه -كان إذا ُأتي باللقيط َ
بقدر ما يصلحه ،ثم ينقُله من س َنة إلى سنة ،وكان يأخذه وليُّه كل شهر ِ
يوصي بهم خيرً ا ،ويجعل رضاعتهم ونفقتهم من بيت المال ،وبعدما
رأى من المرأة التي أرادت إجبار رضيعها على الفطام كي يفرض له
من بيت المال ،قال لنفسه :يا ويل عمر! كم احتمل ِمن ِوزر وهو ال
يعلم ،ثم أ َمر مناديه لينادي في الناس بأالّ يعجلوا بفطام أوالدهم ،فقد
وللمنفوس مائة درهم.ِ فرض أمي ُر المؤمنين لكل مولو ٍد في اإلسالم َ
(.فتوح البلدان ،البالذري)1/441 ،
ومما أورد الطبريُّ في كتابه في حوادث سنة ثمانين الهجرية أن الولي َد
بن عبدالملك ح َبس المجذومين عن أن يخرجوا على الناس ،وأجرى
كثر عنده أرقاء ال ُخمس عليهم أرزا ًقا ،وكان عمر بن عبدالعزيز إذا ُ
ُقع َدين ،بين كل َز ِمنين خصَّص غالمًا يخدمُهما ،ولكل فرَّ قه بين كل م َ
.أعمى غالمًا يقوده
فلينظر المسلمون إلى الواقع الذي يعيشه إخوانهم المسلمون في مشارق
األرض ومغاربها من هموم وغموم وباليا ومحن ،ويستعرضوا أنفسهم
ودعم مما آتاهم ٍ ويتساءلوا فيما بينهم :ماذا يق ِّدمون لهم من عون ونصر
11
هللاُ من أموالهم ومواهبهم وقواتهم؛ عن عبد هللا بن عمر رضي هللا
عنهما أن رجال جاء إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقال يا رسول
.هللا أي الناس أحب إلى هللا ؟ فقال :أحبّ الناس إلى هللا أنفعهم للناس
وأحبّ األعمال إلى هللا عز وجل سرور ُتدخله على مسلم تكشف عنه
كربة أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا وألن أمشي مع أخ في
حاجة أحبّ إلي من أن أعتكف في هذا المسجد يعني مسجد المدينة
شهرا ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه مأل هللا قلبه يوم
القيامة رضى ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يقضيها له ثبّت هللا
.قدميه يوم تزول األقدام( .صحيح الترغيب والترهيب ،رقم)2623:
13