You are on page 1of 22

‫مقدمة‪:‬‬

‫توجهت الجماعة الدولية‪ ،‬منذ منتصف القرن الماضي‪ ،‬إلى تدوين القواعد العرفية‬
‫التي تنظم حصانات وامتيازات المبعوثون الدبلوماسيون‪ ،‬وقد تكللت تلك الجهود بإبرام‬
‫العديد من االتفاقيات المتعلقة بهذا الشأن‪ ،‬وكانت هذه الجهود‪ ،‬تحت مظلة األمم المتحدة‪،‬‬
‫وكان من أهم تلك االتفاقيات‪ ،‬اتفاقية فينا للعالقات الدبلوماسية لعام ‪ ،1961‬التي أحدثت‬
‫نقلة نوعية في رسم المالمح الرئيسة للحصانات واالمتيازات التي يتمتع بها المبعوث‬
‫الدبلوماسي وكذا أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي‪.‬‬
‫فما هي االمتيازات والحصانة التي يتمتع بها أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي؟‬

‫‪1‬‬
‫خطة البحث‬

‫مقدمة‬

‫المبحث األول ‪ :‬الطبيعة القانونية لحصانة أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي‬

‫المطلب األول‪ :‬األساس القانوني لحصانة أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي‬

‫المطلب الثاني‪ :‬نطاق تمتع أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي بالحصانة القضائية‬

‫وشروطها‬

‫المبحث الثاني‪ :‬حدود الحصانة القضائية ألفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي‬

‫المطلب األول ‪ :‬أنواع الحصانة القضائية التي يتمتع بها أفراد أسرة المبعوث‬

‫الدبلوماسي‬

‫المطلب الثاني‪ :‬طرق مساءلة أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي‬

‫خاتمة‬

‫‪2‬‬
‫المبحث األول‪ :‬الطبيعة القانونية! لحصانة أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي‬
‫المطلب األول‪ :‬األساس القانوني لحصانة أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي‬
‫حاول فقهاء القانون الدولي العام البحث عن األساس القانوني لحصانة المبعوث‬
‫الدبلوماسي‪ ،‬ولكن لم تجد بعض تلك النظريات المبرر الفلسفي لحصانة أفراد أسرة‬
‫المبعوث الدبلوماسي‪ ،‬حيث اختلفوا في تبرير تلك الحصانة وتعددت اآلراء والنظريات‪،‬‬
‫لذلك‪ ،‬سنحاول تسليط الضوء على تلك النظريات والتي من أهمها‪:‬‬
‫أوالً_ نظرية امتداد اإلقليم وتعد من أهم النظريات التي كانت سائدة في القرن السابع‬
‫عشر‪ ،‬ويتلخص مضمون هذه النظرية‪ ،‬في أن المبعوث الدبلوماسي في إقليم الدولة‬
‫المستقبلة يمتد ويستمر الوجود في إقليم دولته‪ ،‬لذا فهو ال يخضع للوالية القضائية للدولة‬
‫المستقبلة‪ .‬ومع أن هذه النظرية ال زالت لها حيز من التطبيق السيما في حاالت اللجوء‬
‫السياسي‪ ،‬إال أنها لم تعد اليوم صالحة لتفسير الحصانة التي يتمتع بها الدبلوماسي بشكل‬
‫عام وأفراد أسرته بشكل خاص‪ ،‬وذلك ألسباب عدة؛ من بينها ‪ :‬أنها تقوم على افتراض‬
‫وهمي ألساس الحصانة القضائية‪ ،‬وقاصرة على تفسير الحاالت التي يخضع فيها المبعوث‬
‫الدبلوماسي الختصاص محاكم الدولة المستقبلة كما لو تملك عقارات فيها وما يتعلق بها‬
‫من دعاوى عينية ‪ ،‬إضافة إلى أنه اذا وقعت جريمة داخل مقر البعثة وجب اخضاعها‬
‫دائما لقوانين وقضاء الدولة صاحبة البعثة أياً كانت جنسية المتهم ‪ ،‬وهذه النتائج تتعارض‬
‫مع سيادة الدولة صاحبة اإلقليم‪ ،‬وال يمكن أن تقبلها الدول‪ ،‬والمعمول به خالف ذلك ‪،‬‬
‫بوصف أن مقر البعثة الدبلوماسية جزءاً ال يتجزأ من إقليم الدولة المعتمد لديها‪ ،‬إضافة‬
‫إلى ذلك فإن منطق هذه النظرية يؤدي إلى أن الطفل الذي يولد في دار البعثة ُيعد أنه ولد‬

‫‪3‬‬
‫على أرض أجنبية‪ ،‬كما يقتضي أن يتبع في دخول دار البعثة والخروج منها ما يتبع من‬
‫‪1‬‬
‫إجراءات في دخول إقليم الدولة والخروج منه‪ ،‬وهي أمور غير مقبولة‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬فإن هذه النظرية لم تعط مبرراً مقنعاً لتمتع المبعوث الدبلوماسي وأفراد أسرته‬
‫بالحصانة القضائية من والية الدولة المستقبلة‪ ،‬األمر الذي أفقدها أهميتها وأضحت‬
‫مهجورة‪ ،‬وكل ما لهذه النظرية في الوقت الراهن من بعد‪ ،‬فال يتجاوز البعد التاريخي‪.‬‬
‫ثانيا_ نظرية! الصفة التمثيلية‪ :‬نشأت هذه النظرية في القرن الثامن عشر بعد العيوب التي‬
‫اكتنفت نظرية االمتداد اإلقليمي‪ ،‬وتتلخص هذه النظرية في أن الدولة ورئيسها يتمتعان‬
‫بالحصانة القضائية تجاه المحاكم األجنبية‪ ،‬وطالما أن المبعوث الدبلوماسي يعد ممثال‬
‫لدولته ولرئيسها ‪ ،‬فإنه يستمد الحصانة القضائية منهما‪.‬‬
‫ويؤخذ على هذه النظرية أنها تؤدي إلى التضييق من نطاق الحصانة القضائية التي يتمتع‬
‫بها المبعوث الدبلوماسي‪ ،‬ألن المبعوث الدبلوماسي يتمتع بحصانات قضائية تزيد عما‬
‫‪2‬‬
‫يتمتع به األصيل وهو رئيس الدولة‪.‬‬
‫ثالثا_ نظرية! مقتضيات الوظيفة ‪ :‬وتنطلق هذه النظرية من أن الحصانات الدبلوماسية‬
‫التي يتمتع بها المبعوث الدبلوماسي وأفراد أسرته ترتبط ارتباطاً وثيقاً مع مقتضيات‬
‫وظيفة المبعوث الدبلوماسي‪ ،‬فأساس الحصانة هو ضرورة تقتضيها قيامه بمهام وظيفية‬
‫في جو خال من العراقيل‪ ،‬ويعد جانب من الفقه هذه النظرية من أهم النظريات التي‬
‫فسرت الحصانة القضائية التي يتمتع بها المبعوث الدبلوماسي‪ ،‬ويرى أن سبب انتشار هذه‬
‫النظرية يعود إلى أن الحصانات تعد عامالً أساسياً من عوامل تأكيد العالقات الدولية‬
‫ودعمها‪ ،‬وإ ن المبعوث الدبلوماسي يجب أن يتمتع باالستقالل الضروري‪ T‬ألداء وظائفه‬
‫الحكومية فوق األراضي األجنبية‪ ،‬وعلى الرغم من االنتقادات التي وجهت إلى هذه‬

‫‪ -‬شادية رحاب الحصانة القضائية الجزائية للمبعوث الدبلوماسي‪ ،‬أطروحة دكتوراه جامعة الحاج لخضر_ باتنة‪ ،‬كلية‬ ‫‪1‬‬

‫الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬الجزائر‪ ،2006 ،‬ص ‪.59‬‬


‫‪ -‬سهیل حسين الفتالوي الحصانة الدبلوماسية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار وائل للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،2010 ،‬ص‪.73‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪4‬‬
‫النظرية‪ ،‬إال أنهـا استطاعت أن تجد المبرر المقنع لحصانة أفراد أسرة المبعوث‬
‫الدبلوماسي؛ ألنه ال يستطيع القيام بواجباته ومهامـه الوظيفية بحرية وفي جو من‬
‫الطمأنينة‪ ،‬إذا تعرضت أسرته إلجراءات الوالية القضائية للدولة المستقبلة وما قد يرافقها‬
‫من أعمال عنف‪.‬‬
‫ومن مزايا هذه النظرية‪ ،‬أنها في جوهرها تتجه نحو نوع من الحد من االمتيازات‬
‫والحصانات بالقدر الذي ال يتعارض مع مباشرة الوظيفة الدبلوماسية ‪ ،‬فمبدأ امتداد‬
‫الحصانات واالمتيازات للمبعوث الدبلوماسي‪ ،‬إنما هو لضمان اإلنجاز الفعال لوظائفه في‬
‫الدولة المستقبلة ‪ ،‬ولتمكين البعثة الدبلوماسية من تأدية أهدافها في التعاون بين الدول‪ ،‬وقد‬
‫أخذ بهذه النظرية معهد القانون الدولي في فيينا عام ‪ ،1924‬إذ جاء من بين مقرراته إن‬
‫أساس الحصانة الدبلوماسية يكمن في المصلحة الوظيفية‪ ،‬كما نصت المادة (‪ )13‬من‬
‫اتفاقية حصانات وامتيازات منظمة المؤتمر اإلسالمي لعام ‪ ،1976‬على أنه" ال تمنح‬
‫الحصانات واالمتيازات لممثلي الدول األعضاء لمصلحتهم الخاصة ولكن ضمانا لتمتعهم‬
‫‪1‬‬
‫بكامل استقاللهم في إدارة أعمالهم لدى المنظمة"‪.‬‬
‫رابعا _ األساس القانوني لحصانة أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي في اتفاقية فيينا‬
‫للعالقات الدبلوماسية! لعام ‪ :1961‬إلى جانب المعاهدات التقليدية المعقودة بصورة ثنائية‬
‫أو جماعية‪ ،‬أسفر تطور المجتمع الدولي المعاصر عن ظهور نمط جديد من المعاهدات‬
‫الدولية‪ ،‬تُسمى المعاهدات الشارعة‪ ،‬التي تدون قواعد العرف الدولي أو تُنشئ قواعد جديدة‬
‫عبر عن مصالح عليا ذات أهمية جوهرية بالنسبة للمجتمع الدولي بأسره‪.‬‬
‫تُ ّ‬
‫وقد أقرت اتفاقية فيينا للعالقات الدبلوماسية لعام ‪ ، 1961‬امتيازات وحصانات المبعوث‬
‫الدبلوماسي‪ ،‬وقد وقعت معظم الدول األعضاء في األمم المتحدة على هذه االتفاقية‪ ،‬إضافة‬
‫إلى الدول األخرى التي إما انضمت إليها فيما بعد أو أقرت مضمونها‪ ،‬بحيث أصبحت‬

‫‪ -‬عاطف فهد المغاريز‪ ،‬الحصانة الدبلوماسية بين النظرية والتطبيق‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫عمان‪ ،2010 ،‬ص‪.125‬‬

‫‪5‬‬
‫وثيقة رسمية ومرجعاً تهتدي إليها وتعمل بها جميع الدول‪ ،‬وبعد أن أكدت االتفاقية في‬
‫ديباجتها على "أن الغرض من هذه المزايا والحصانات‪ ،‬ليس هو تمييز أفراد‪ ،‬بل هو‬
‫تأمين أداء البعثات الدبلوماسية ألعمالها على أفضل وجه كممثلة لدولها‪ ،‬جاءت لتنص‬
‫على تمتع أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي بالحصانة القضائية‪ ،‬وذلك في المادة (‪ )37‬منها‬
‫حيث نصت على ما يأتي‪" :‬يتمتع أعضاء أسرة الممثل الدبلوماسي من أهل بيته بالمزايا‬
‫والحصانات المذكورة في المواد من ‪ 29‬إلى ‪ 36‬على شرط أال يكونوا من رعايا الدولة‬
‫المعتمد لديها‪ .".‬ومن ثم‪ ،‬فإن اتفاقية فيينا اعتمدت نظرية مقتضيات الوظيفة عندما قررت‬
‫أن الغرض من هذه المزايا والحصانات‪ ،‬ليس هو تمييز أفراد ‪ ،‬بل هو تأمين أداء البعثات‬
‫الدبلوماسية ألعمالها على أفضل وجه كممثلة لدولها‪ ،‬وهذا ما أكدته لجنة القانون الدولي‬
‫عندما أشارت في تعليقها المرفق بمشروع االتفاقية عام ‪ ،1958‬أنها تأثرت بنظرية‬
‫مقتضيات الوظيفة عند حل المشاكل التي لم تتمكن من حسمها‪ ،‬بسبب غموض الحلول‬
‫المستفادة مما جرى عليه العمل الدولي‪ ،‬مع عدم إهمال نظرية الصفة التمثيلية لرئيس‬
‫‪1‬‬
‫البعثة وللبعثة ذاتها‪.‬‬
‫كما يالحظ على االتفاقية‪ ،‬ميلها نحو التوسع في الحصانات واالمتيازات‪ ،‬وهذا ما دل عليه‬
‫نص المادة (‪ )37‬المشار إليها آنفا‪ ،‬وال يمكن تبرير ذلك إال على أساس أن أفراد أسرة‬
‫المبعوث الدبلوماسي يمثلون _ شأنهم شأن المبعوث ذاته_ الدول ذات السيادة‪ ،‬األمر الذي‬
‫يوجب على الدولة المستقبلة احترامهم والتعامل معهم وفق ما رسمته قواعد القانون الدولي‬
‫الدبلوماسي‪ ،‬ومنها إضفاء الحصانة القضائية عليهم وفق الحدود المرسومة‪ ،‬والشروط‬
‫المطلوبة‪ ،‬ووفقا لقواعد القانون الدولي‪ ،‬ونص المادة (‪ )31‬من االتفاقية _ التي سنأتي‬
‫على تفصيلها الحقاً بهدف تأمين الحماية وإ ضفاء االستقاللية المطلوبة للمبعوث الدبلوماسي‬
‫‪2‬‬
‫عند أداء مهامه‪.‬‬

‫‪ -‬شادية رحاب الحصانة القضائية الجزائية للمبعوث الدبلوماسي‪ ،‬ص‪.59‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬علي حسين الشامي الدبلوماسية‪ ،‬الطبعة الخامسة‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،2010 ،‬ص‪.53‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪6‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬نطاق تمتع أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي بالحصانة القضائية‬
‫وشروطها‬
‫الفرع األول‪ :‬نطاق تمتع أسرة المبعوث الدبلوماسي بالحصانة القضائية!‬
‫بذلت جهود دولية حثيثة‪ ،‬على مدار القرن المنصرم‪ ،‬في تصنيف فئات األشخاص‬
‫المشمولين بالحصانة القضائية‪ ،‬بتأثير نظريات فقهاء القانون الدولي‪ ،‬وما استقر عليه‬
‫التعامل الدبلوماسي‪ ،‬فقد كان من بين هذه الجهود اتفاقية هافانا حول الموظفين‬
‫الدبلوماسيين المعقودة في عام ‪ ،1928‬بين الدول األمريكية‪ ،‬إذ جاء النص على تمتع‬
‫أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي بالحصانة بشكل واضح‪ ،‬فقد نصت المادة (‪ )14‬من‬
‫االتفاقية المذكورة على أن ‪" :‬للموظفين الدبلوماسيين حصانتهم التي تشمل اشخاصهم‬
‫ومقرهم الخاص والرسمي وممتلكاتهم‪ ،‬ويتمتع بهذه الحصانة ‪ ..... :‬أفراد عائالت‬
‫‪1‬‬
‫األعضاء الرسميين الذين يعيشون معهم تحت سقف واحد‪"....‬‬
‫كما كانت هذه المسألة حاضرة في اجتماعات لجنة القانون الدولي‪ ،‬عند وضع مشروعها‬
‫الخاص بالحصانات واالمتيازات الدبلوماسية لمؤتمر فينا ‪ ،‬وقد تبين للجنة أن الحلول‬
‫المالئمة التي يتعين عليها إيجادها لهذه المسألة‪ ،‬إما أن تبدأ بوضع حد أدنى ضروري من‬
‫الحصانات لهؤالء وأن يترك تقرير ما يزيد على هذا الحد التفاقيات خاصة تعقد بين الدول‬
‫الراغبة في ذلك‪ ،‬أو أن تحاول وضع قواعد موحدة صالحة للتطبيق العام على أساس ما‬
‫يبدو ضروريا‪.‬‬
‫وقد رأت غالبية اللجنة اختيار الطريقة الثانية (وضع قواعد (موحدة وانتهت إلى وضع‬
‫قواعد ضمنتها المادة (‪ )37‬من اتفاقية فينا لعام ‪ ،1961‬وقد جاء فيها تمتع أفراد أسرة‬
‫المبعوث الدبلوماسي من أهل بيته بالحصانات واالمتيازات المذكورة في المواد من (‪)29‬‬
‫إلى (‪ )36‬بشرط أن ال يكونوا من رعايا الدولة المعتمدة لديها البعثة‪ ،‬ولم يدرج في النص‬
‫تحديد لهؤالء األفراد وال درجة قرابتهم‪ ،‬ويبدو أن اللجنة تركت تفاصيل تلك الجزئيات‬

‫‪ - -‬عاطف فهد المغاريز‪ ،‬الحصانة الدبلوماسية بين النظرية والتطبيق‪ ،‬ص‪.117‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪7‬‬
‫للعمل الدبلوماسي بين الدول‪ ،‬ألن االتفاقية ال تستطيع‪ ،‬ومها كان الواضعيها من سعة‬
‫األفق أن تضع معيارا لألسرة على نحو محيط ودقيق‪ ،‬يستوعب جميع الحاالت القائمة‬
‫‪1‬‬
‫والمستقبلية‪ ،‬لرؤية ومفهوم األسرة‪ ،‬بالنسبة للدول كافة‪.‬‬
‫إذ يختلف مفهوم األسرة من بلد إلى بلد آخر‪ ،‬إال أنه يمكن تفسير عبارة ( ‪forming part‬‬
‫‪ ) of his household shall‬الواردة في نص المادة (‪ )37‬بأنها تعني زوجة الدبلوماسي‬
‫وأوالده القاصرين ‪ ،‬وهذا ما ال خالف بشأنه‪ ،‬ولكن الخالف يثور حول مسألة أوالده‬
‫البالغين‪ ،‬أو فيما إذا كان المبعوث أعزبا‪ ،‬أو أرمال ‪ ،‬أو مطلقا‪ ،‬أو لم يكن قد اصطحب‬
‫زوجته معه‪ ،‬فهل يحق له اصطحاب أمه‪ ،‬أو أخته‪ ،‬أو أخيه؟‬
‫في الواقع‪ ،‬يرى البعض أن ما جرى عليه العمل الدبلوماسي هو أن المبعوث الدبلوماسي‬
‫يحق له اصطحاب هؤالء‪ ،‬إذا كانوا يعيشون معه تحت سقف واحد‪ ،‬وكذلك تعد بناته غير‬
‫المتزوجات‪ ،‬وأبناؤه الذين هم في سن البلوغ‪ ،‬وأمه األرملة‪ ،‬المسؤول عنهم شرعاً أو‬
‫قانوناً‪ ،‬من أفراد العائلة الذين يحق للمبعوث الدبلوماسي أن يصحبهم معه‪ .‬أما غير ذلك‬
‫‪2‬‬
‫من الحاالت‪ ،‬فيتوقف على رأي الدولة المعتمد لديها المبعوث الدبلوماسي‪.‬‬
‫وعلى ما يبدو‪ ،‬أن لجنة القانون الدولي لم ترغب في أن تحدد مؤدى عبارة أفراد األسرة)‬
‫أو أن تقرر حداً أقصى لسن أوالد المبعوث الدبلوماسي الذين يستفيدون من الحصانات‪،‬‬
‫لكنها أضافت تفسيرا لذلك في تعليق اللجنة المرفق مع نص االتفاقية‪ ،‬إذ جاء فيه‪... ":‬مما‬
‫ال شك فيه أن الزوجة واألوالد الذين لم يبلغوا سن الرشد يعتبرون على األقل من أفراد‬
‫األسرة الذين تشملهم الحصانات‪ ،‬كما وأنه قد توجد حاالت يمكن فيها إدخال أقارب آخرين‬
‫في االعتبار إذا كانوا يعيشون بين األسرة‪ ،‬كحالة قريبة ما للسفير تقوم بإدارة منزله وحالة‬
‫قريب يعيش معه من زمن بعيد‪ ،‬فمثل هؤالء األقارب يصبحون وال شك بحكم معيشتهم‬
‫بين أسرة المبعوث من أفرادها أياً كانت درجة قرابتهم له‪.....‬‬

‫‪ -‬سهیل حسين الفتالوي الحصانة الدبلوماسية‪ ،‬ص‪.77‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬شادية رحاب الحصانة القضائية الجزائية للمبعوث الدبلوماسي‪ ،‬ص‪.61‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪8‬‬
‫ولما تقدم‪ ،‬فإنه يمكن الجزم بأن شمول أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي‪ ،‬أصبح من‬
‫القواعد القانونية الثابتة والتي ال لبس فيها‪ ،‬وتمتد هذه الحصانة حتى بعد وفاة المبعوث‬
‫الدبلوماسي وذلك لفترة معقولة إلى حين مغادرتهم اإلقليم‪ ،‬وهذا الحال بات من القواعد‬
‫اآلمرة‪ ،‬وذلك بعدما نص عليه في اتفاقية دولية‪ ،‬تعد وال شك‪ ،‬من االتفاقيات الدولية‬
‫الشارعة‪ ،‬على الرغم من الشروط التي وضعتها لهؤالء كي تضفي عليهم الحصانة‪ .‬ولكن‬
‫ما هي هذه الشروط؟‬
‫الفرع الثاني‪ :‬شروط تمتع أسرة المبعوث الدبلوماسي بالحصانة القضائية‬
‫نصت المادة (‪ )37‬على تمتع أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي‪ ،‬ولكن حددت شرطان على‬
‫ما يبدو في هذا النص‪ ،‬حتى يتمتع هؤالء األفراد بالحصانات واالمتيازات الدبلوماسية‪،‬‬
‫ومنها بطبيعة الحال الحصانة القضائية‪:‬‬
‫الشرط األول‪ :‬يجب أن يكون هؤالء األفراد من أهل بيت المبعوث الدبلوماسي‬
‫ويالحظ في عبارة ‪ )forming part of his household shall‬قد جاءت عامة‪ ،‬وال‬
‫يقصد بها الزوج أو الزوجة أو األوالد فحسب‪ ،‬وإ نما جميع من هم في رعاية المبعوث‬
‫الدبلوماسي‪ ،‬ويكونوا جزءاً من أهل بيته‪ ،‬وهذا ما أوضحته لجنة القانون الدولي في‬
‫تفسيرها لهذه الفقرة والتي سبق اإلشارة إليه في هذا البحث‪ ،‬بحيث تُرك األمر الختصاص‬
‫‪1‬‬
‫الدول الداخلي‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬فإن أهل بيت المبعوث الدبلوماسي‪ ،‬هم األشخاص الذين يعيشون معه بشكل‬
‫فعلي‪ ،‬وفي نفس المسكن‪ ،‬بغض النظر عن درجة القرابة التي تربطهم به‪ ،‬وعلى ذلك‪،‬‬
‫فإنه إذا كان أقارب المبعوث الدبلوماسي ال يعيشون معه في نفس المسكن فال تمتد لهم‪،‬‬
‫من الناحية القانونية‪ ،‬أي حصانة قضائية‪ ،‬حتى وإ ن كان مسؤول عن رعايتهم من الناحية‬
‫الشرعية أو القانونية‪.‬‬

‫‪ -‬علي حسين الشامي الدبلوماسية‪ ،‬ص‪.58‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪9‬‬
‫وقد أصدرت بعض الدول ضوابط لضمان تنفيذ هذا الشرط وسعياً منها لتحديد أهل بيت‬
‫المبعوث الدبلوماسي‪ ،‬فتباينت تلك الضوابط‪ T‬بين التضييق‪ T‬من نطاق أسرة المبعوث‬
‫الدبلوماسي‪ ،‬وبين ترك األمر للتعامل بالمثل‪ ،‬ومنها من لم يضف لهذا الشرط ضوابط‬
‫‪1‬‬
‫أخرى‪ ،‬وهكذا اختلفت الدول في معاملتهم من دولة إلى أخرى‪.‬‬
‫فعلى سبيل المثال‪ ،‬أصدرت الواليات المتحدة األمريكية أكثر من مذكرة رسمية إلى‬
‫البعثات الدائمة المعتمدة لدى األمم المتحدة في نيويورك ‪ ،‬أوضحت فيها المقصود بأفراد‬
‫أسرة المبعوث الدبلوماسي‪ ،‬واشترطت حتى يكتسب أحدهم هذه الصفة أال يكون عضواً في‬
‫أسرة أخرى‪ ،‬وأن يسكن بصفة منتظمة في السكن الرئيسي للمبعوث الدبلوماسي‪ ،‬كما يجب‬
‫أن تعترف به الدولة المرسلة بوصفه واحداً من أفراد األسرة الذين يشكلون جزءاً من‬
‫األسرة الرئيسة‪ ،‬لذلك تطلب الواليات المتحدة من الدول المرسلة أن تقدم الوثائق المناسبة‬
‫التي تعترف بالعالقة مع المبعوث الدبلوماسي‪ ،‬وبعد توافر هذه المتطلبات وقبولها من‬
‫وزارة الخارجية األمريكية فإن هؤالء األفراد يكونون مؤهلين للحصول على تأشيرة (‪)A‬‬
‫أو (‪ ،)G‬وفي حالة إنهاء هذه الصفة‪ ،‬وفقاً ألحكام القانون الدولي‪ ،‬كأن لم ُيعد الفرد يقيم‬
‫مع المبعوث الدبلوماسي‪ ،‬فإن جميع الحصانات واالمتيازات‪ ،‬التي ُمنحت له سابقاً في‬
‫الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬تنتهي صالحيتها‪ .‬كما إن اتفاقية فينا للعالقات الدبلوماسية‬
‫لعام ‪ ، 1961‬لم تغفل عن وضع ضابط يستبعد أي تفسير موسع لمفهوم (‪his‬‬
‫‪ household‬فقد نصت المادة العاشرة منها على أن "‪ _1‬تبلغ وزارة خارجية الدولة‬
‫المعتمد لديها أو أي وزارة أخرى اتفق عليها باآلتي‪ .....:‬ب‪ -‬بالوصول وبالرحيل‬
‫النهائي لشخص يتبع أسرة عضو البعثة‪ ،‬كذلك عن حالة الشخص الذي أصبح أو لم يمس‬
‫عضواً في أسرة عضو البعثة‪. "....‬‬

‫‪ -‬سهیل حسين الفتالوي الحصانة الدبلوماسية‪ ،‬ص‪.79‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪10‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬فإن االتفاقية سمحت للدول بممارسة اختصاصها في الرقابة ووضع الضوابط في‬
‫‪2‬‬
‫تحديد أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي المعتمد لديها‪.‬‬
‫الشرط الثاني‪ :‬يجب أال يكون أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي من رعايا الدولة‬
‫المستقبلة‪ ،‬وإ نما من رعايا الدولة المرسلة‪ ،‬أو من رعايا دولة ثالثة‪.‬‬
‫ال بد من القول‪ ،‬أن المواطنة هي التي تظهر المواطن على اعتباره مشاركاً فعاالً في‬
‫المجتمع السياسي‪ ،‬مما يربطها عضوياً بالجنسية‪ ،‬وقد ال تتطابق الصفتان دائماً ‪ ،‬وقد أقر‬
‫القانون الدولي بذلك بحيث لم يعارض التفريق بين المواطنين واألجانب في التشريعات‬
‫الوطنية‪ ،‬ولم يعتبره تمييزاً غير مبرر‪ ،‬إال أن التوسع في التمييز بين حائزي الجنسية‬
‫وغيرهم من المواطنين في الدول المتقدمة بالذات‪ ،‬دفع منظري القانون الدولي إلى‬
‫االهتمام بموضوع منح الدولة لجنسيتها‪ ،‬حيث تحدد الحقوق السياسية للمواطنين وإ مكانية‬
‫مشاركتهم في الشؤون العامة وترتبط بالتالي بالتنظيم الديمقراطي للدولة‪ .‬والقاعدة العامة‪،‬‬
‫أن يحمل الموظفون الدبلوماسيون جنسية الدولة المعتمدة‪ ،‬وال يجوز تعيين موظفين‬
‫دبلوماسيين ممن يحملون جنسية الدولة المعتمد لديها إال بموافقتها‪ ،‬ويجوز لها سحب هذه‬
‫الموافقة على ذلك في أي وقت‪ ،‬ولها أن تستعمل الحق نفسه فيما يتعلق بمواطني دولة‬
‫ثالثة ليسوا من مواطني الدولة المعتمدة‪ .‬وبالعودة لنص المادة (‪ )37‬من االتفاقية فيما‬
‫يتعلق بالشرط الثاني المتعلق بأفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي‪ ،‬فنجد أن نص المادة جاء‬
‫صريحاً بعدم تمتع أفراد أسرة المبعوث بالحصانة القضائية فيما إذا كانوا من رعايا الدولة‬
‫المستقبلة‪ .‬وإ نما يجب لشمولهم أن يكونوا من رعايا الدولة المرسلة أو من رعايا دولة‬
‫ثالثة‪ .‬ولكن السؤال الذي يثار هنا هو ‪ :‬ما مدى تأثير كون أفراد األسرة من رعايا الدولة‬
‫المستقبلة على أداء المبعوث الدبلوماسي لمهامه الوظيفية في ضوء الفلسفة التي من أجلها‬
‫منحت أسرة المبعوث الحصانة القضائية؟ مما ال شك فيه‪ ،‬أن هذا يؤثر حتماً على مهمة‬
‫المبعوث الدبلوماسي‪ ،‬وكان يفترض باتفاقية فيينا أن تعالج هذه المسألة كما عالجتها‬

‫‪ - -‬شادية رحاب الحصانة القضائية الجزائية للمبعوث الدبلوماسي‪ ،‬ص‪.71‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪11‬‬
‫بالنسبة للمبعوثين الدبلوماسيين في حالة كونهم من رعايا الدولة المعتمد لديها المبعوث‪ ،‬إذ‬
‫اضفت عليهم الحصانة بالقدر الذي يمكنهم من أداء مهامهم كما ورد ذلك في نص المادة (‬
‫‪ ،)38‬حيث ورد فيها‪ ،‬أن األشخاص الذين يشغلون وظائف دبلوماسية من رعايا الدولة‬
‫المعتمد لديها البعثة‪ ،‬يتمتعون بالحصانة واالعفاء القضائي بالنسبة فقط لألعمال الرسمية‬
‫التي يقومون بها خالل تأدية وظائفهم‪ ،‬كما يتمتعون بغير ذلك من االمتيازات التي تقرها‬
‫لهم الدولة المعتمد لديها‪ .‬ولكن االتفاقية لم تشر ‪ ،‬ال من بعيد وال من قريب على شمول‬
‫أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي بالحصانة القضائية فيما لو كانوا من رعايا الدولة المعتمد‬
‫لديها‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬فال يتمتعون بأي حصانة قضائية مالم تسمح لهم الدولة المستقبلة بالتمتع‬
‫‪1‬‬
‫بالحصانات التي تحددها هي طبقاً لسلطتها التقديرية‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬حدود الحصانة القضائية ألفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي‬
‫المطلب األول‪ :‬أنواع الحصانة القضائية التي يتمتع بها أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي‬
‫لكي يتمكن المبعوث الدبلوماسي من القيام بمهامه على أكمل وجه‪ ،‬البد من أن يكون‬
‫بمنأى عن مؤثرات السلطان الداخلي للدولة المعتمد لديها‪ ،‬ومن ثم ‪ ،‬فمن الضروري أن‬
‫يتمتع‪ ،‬إلى جانب حرمة شخصه ومسكنه‪ ،‬بحصانة قضائية تعفيه من الخضوع لقضاء‬
‫الدولة المعتمد لديها ‪ ،‬لكي يستطيع أن يؤدي عمله بأمان وجو خال من المؤثرات‪ ،‬وال‬
‫يمكن تحقيق ذلك ما لم تكن الحصانة تامة غير منقوصة‪ ،‬وذلك الكمال ال يتحقق إال‬
‫حصن من‬
‫بالحصانة القضائية ألفراد أسرته‪ .‬فأسرة المبعوث الدبلوماسي يجب أن تُ َ‬
‫الخضوع للقضاء المدني والجنائي في الدولة المعتمد لديها‪ ،‬فال يجوز مقاضاة أفرادها أو‬
‫رفع دعوى مدنية أو جنائية عليهم أمام محاكم تلك الدولة‪ ،‬كما ال يجوز القبض عليهم‪،‬‬
‫واتخاذ اإلجراءات التنفيذية بحقهم‪ .‬ولكن ماهي حدود وابعاد تلك الحصانة‪ ،‬وهل يمكن‬
‫ألفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي التنازل عنها؟‬

‫‪ - -‬عاطف فهد المغاريز‪ ،‬الحصانة الدبلوماسية بين النظرية والتطبيق‪ ،‬ص‪.120‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪12‬‬
‫لإلجابة عن هذا التساؤل وغيره من التساؤالت‪ ،‬البد لنا من أن نتطرق إلى أنواع تلك‬
‫الحصانة وتسليط الضوء عليها‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الحصانة من االختصاص المدني واإلداري‬
‫إن التطبيق المنطقي لنص المادة (‪ )37‬من اتفاقية فينا للعالقات الدبلوماسية لعام ‪،1961‬‬
‫وما نصت عليـه المادة (‪ )31‬من االتفاقية‪ ،‬يؤدي إلى تمتع أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي‬
‫باإلعفاء من الخضوع للقضاء المدني واإلداري للدولة المعتمد لديها المبعوث ‪ ،‬باستثناء‬
‫الحاالت اآلتية‪:‬‬
‫أ‪ -‬إذا تعلق األمر بدعوى عينية متصلة بعقار خاص موجود في إقليم الدولة المعتمد لديها‪،‬‬
‫مالم يكن المبعوث حائزاً للعقار لحساب حكومته وألغراض البعثة‪.‬‬

‫ت‪ -‬إذا تعلق األمر بدعوى متصلة بتركة‪ ،‬يكون للمبعوث فيها مركزاً ‪ ،‬بوصفه منفذاً‬
‫للوصية‪ ،‬أو مديراً للتركة‪ ،‬أو وارثاً‪ ،‬أو موصى له‪ ،‬وذلك بصفته الشخصية وليس باسم‬
‫الدولة المعتمدة‪.‬‬
‫إذا تعلق األمر أيضاً بدعوى متصلة بمهنة حرة زاولها المبعوث أو بنشاط تجاري قام به‬
‫في الدولة المعتمد لديها‪ ،‬خارج نطاق مهامه السياسية‪ ،‬أياً كانت هذه المهنة أو هذا‬
‫‪1‬‬
‫النشاط‪.‬‬
‫ولكن السؤال المطروح هنا هو ‪ :‬إذا كان أفراد أسرة المبعوث يتمتعون بالحصانة من‬
‫القضاء المدني واإلداري‪ ،‬فهل تمتد تلك الحصانة إلى اإلجراءات التنفيذية أم ال؟‬
‫في الواقع‪ ،‬لم تمنح االتفاقية في المادة المشار إليها اتخاذ اإلجراءات التنفيذية ضد المبعوث‬
‫الدبلوماسي وأفراد أسرته‪ ،‬فيما عدا الحاالت التي ذكرناها آنفاً‪ ،‬وبشرط أن يكون التنفيذ‬
‫ممكناً إجراؤه دون المساس بحرمة ذات المبعوث أو أسرته أو مسكنهم‪.‬‬

‫‪ -‬عدنان البكري‪ ،‬العالقات الدبلوماسية والقنصلية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،1986‬ص‪.94‬‬

‫‪13‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬فإن أسرة المبعوث الدبلوماسي‪ ،‬طبقاً التفاقية فينا ‪ ،‬تتمتع بالحصانة المدنية‬
‫واإلدارية بشكل مطلق ماعدا الحاالت التي تم ذكرها والتي وردت على سبيل الحصر‪،‬‬
‫ذلك ألن النص جاء مطلقاً والمطلق يجري على إطالقه ما لم يرد نص يقيده‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬الحصانة من االختصاص الجنائي‬
‫إن أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي‪ ،‬وفقاً للمادة (‪ )31‬والمادة (‪ )37‬من اتفاقية فينا ‪،‬‬
‫يتمتعون بالحصانة القضائية فيما يتعلق بالقضاء الجنائي للدولة المعتمد لديها‪ ،‬مهما تكن‬
‫طبيعة الجريمة المرتكبة سواء أكانت مخالفة أو جنحة أو جناية‪ ،‬وكل ما يمكن للدولة‬

‫المستقبلة أن تفعله‪ ،‬في مثل هذه الحاالت‪ ،‬هو إخطار دولته‪ ،‬أو طلب سحبه أو طرده‪ ،‬وفقاً‬
‫لنوع الجريمة المرتكبة‪.‬‬
‫وفي هذا الصدد يمكن أن يثار التساؤل اآلتي ‪ :‬إذا كان ألفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي‬
‫الحصانة من القضاء المدني والجنائي‪ ،‬فهل تمتد الحصانة إلى درجة أنه يمتنع على‬
‫القضاء أن يطلب المبعوث أو أفراد أسرته للمثول أمامه ليس بصفة متهم أو بصفة مدعي‬
‫‪1‬‬
‫أو مدعى عليه ‪ ،‬ولكن بصفة شاهد فقط؟‬
‫في الحقيقة‪ ،‬أجابت االتفاقية عن هذا التساؤل‪ ،‬وذلك بأن المبعوث الدبلوماسي ال ُيلزم بأن‬
‫يؤدي الشهادة‪ .‬وعلى ذلك‪ ،‬وبداللة المادة (‪ )37‬من االتفاقية‪ ،‬فإن أفراد أسرة المبعوث‬
‫الدبلوماسي ال ُيجبرون على أداء الشهادة أمام أي جهة تحقيقية أو أي محكمة ‪ ،‬مهما كان‬
‫نوعها أو اختصاصها‪ ،‬أسوة برب األسرة وهو المبعوث الدبلوماسي‪ .‬ولكن‪ ،‬هل يجوز‬
‫ألفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي أن يتنازلون عن الحصانة القضائية لمحاكم الدولة‬
‫المعتمد لديها المبعوث الدبلوماسي‪ ،‬وهل يجوز للدولة المعتمدة التنازل عن تلك الحصانة؟‬
‫إن من القواعد الثابتة أنه للدولة المعتمدة أن تتنازل عن الحصانة القضائية المقررة‬
‫للمبعوثين الدبلوماسيين‪ ،‬ولألشخاص المستفيدين من هذه الحصانة وفق المادة (‪، )37‬‬
‫والذين من بينهم أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي‪ ،‬وهذا ما أكدته اتفاقية فينا للعالقات‬

‫‪ -‬شادية رحاب الحصانة القضائية الجزائية للمبعوث الدبلوماسي‪ ،‬ص ‪.63‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪14‬‬
‫الدبلوماسية‪ ،‬ولكن يجب أن يكون هذا التنازل صريحاً ال ضمنياً في جميع األحوال أما إذا‬
‫قام أحد أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي دعوى ما ‪ ،‬فال ُيقبل منه بعد ذلك الدفع بالحصانة‬
‫القضائية بالنسبة لكل طلب فرعي متصل بالطلب األصلي‪.‬‬
‫ثم إن التنازل عن الحصانة بالنسبة إلى أي دعوى مدنية أو إدارية‪ ،‬ال ُيفترض فيه أن‬
‫يعني التنازل عن الحصانة بالنسبة إلى تنفيذ الحكم‪ ،‬بل ال بد فيما يتعلق بهذه اإلجراءات‬
‫من تنازل مستقل ‪ ..‬ويرى البعض أن التنازل عن الحصانة من قبل أفراد أسرة المبعوث‬
‫‪1‬‬
‫الدبلوماسي إما أن يكون صريح وإ ما أن يكون ضمني‪.‬‬
‫وأخيرا البد من القول‪ ،‬أن على أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي احترام قوانين وأنظمة‬
‫الدولة المعتمد لديها المبعوث وعدم التدخل في شؤونها الداخلية‪ ،‬وذلك دون االخالل‬
‫بالحصانة القضائية التي يتمتعون بها‪ .‬ألن التمتع بالحصانة ال يعني بأي حال من األحوال‬
‫إباحة انتهاك القوانين واألنظمة السارية في الدولة المعتمد لديها المبعوث‪ ،‬مما قد يعرض‬
‫‪2‬‬
‫المبعوث الدبلوماسي للطرد كشخص غير مرغوب فيه‪.‬‬
‫وفي جميع األحوال‪ ،‬فإن تمتع أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي بالحصانة القضائية في‬
‫الدولة المعتمد لديها المبعوث‪ ،‬ال يعفيهم من قضاء الدولة المعتمدة‪ ،‬أي دولة المبعوث‪،‬‬
‫فالطرف المتضرر يستطيع رفع دعوى ضد أحدهم أمام محاكم محاكم الدولة المعتمدة‪ ،‬وقد‬
‫تقرر الجهات المختصة ذات العالقة رفع الحصانة عنه‪ ،‬لتمكين الطرف المتضرر من رفع‬
‫دعوى أمام المحاكم المختصة في الدولة المعتمد لديها المبعوث الدبلوماسي‪ .‬ولكن كيف‬
‫للمتضرر‪ T‬أن ُي ساءل أفراد هذه األسرة؟ أو بعبارة أخرى‪ ،‬ما هي طرق مساءلة أفراد أسرة‬
‫المبعوث الدبلوماسي؟‬
‫المطلب الثاني‪ :‬طرق مساءلة أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي‬

‫‪ -‬عاطف فهد المغاريز‪ ،‬الحصانة الدبلوماسية بين النظرية والتطبيق‪ ،‬ص‪.131‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬سهیل حسين الفتالوي الحصانة الدبلوماسية‪ ،‬ص‪.84‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪15‬‬
‫إن تمتع أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي بالحصانة القضائية في الدولة المعتمد لديها‬
‫المبعوث‪ ،‬ال يعني ثبوت حقهم في خرق قوانين وأنظمة تلك الدولة‪ ،‬ومن ثم فإن التساؤل‬
‫الذي يثار هنا هو‪ :‬إذا كانت أسرة المبعوث تتمتع بالحصانة القضائية‪ ،‬فهل يوجد سبيل‬
‫لمساءلتهم عما يصدر منهم من أفعال تُعد خرقاً للقواعد القانونية المرعية في الدولة هي‬
‫المستقبلة؟ وإ ذا كان هناك ثمة سبيل لذلك‪ ،‬فما هي الوسائل التي عن طريقها يمكن أن‬
‫يسلكها المتضرر لمساءلتهم؟ قبل اإلجابة عن هذا التساؤل‪ ،‬البد من القول إن الطرق‬
‫الدبلوماسية تتصدر دائماً في هذا المضمار موقعها وجدواها‪ ،‬من ناحية أن العالقة عالقة‬
‫دبلوماسية بين دولتين أوال وآخرا‪ ،‬وأن سلوك الطرق الدبلوماسية ال مناص منه‪ ،‬إذا كانت‬
‫المسألة يمكن حلها بتلك الطرق‪ ،‬التي يمكن بواسطتها تحقيق احترام المبعوث الدبلوماسي‬
‫وإ عادة الحق إلى أهله‪ ،‬وذلك عن طريق تدخل وزارة الخارجية لكال الدولتين‪ .‬ولكن إذا لم‬
‫تستطع الطرق الدبلوماسية من تحقيق األهداف المرجوة‪ ،‬التي من أجلها ُمنحت الحصانة‪،‬‬
‫فال سبيل من سلوك الوسائل األخرى التي يمكن عن طريقها مساءلة أفراد أسرة المبعوث‬
‫الدبلوماسي‪ ،‬سواء عن طريق قضاء الدولة المعتمد لديها المبعوث‪ ،‬أو عن طريق قضاء‬
‫الدولة المعتمدة‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬مساءلة أفراد أسرة المبعوث عن طريق قضاء الدولة المعتمد لديها‬
‫يفرض القانون الدولي التزاماً قانونياً على الدولة المعتمد لديها المبعوث الدبلوماسي‪ ،‬بأن‬
‫تحترم شخصه‪ ،‬وتطبق قواعد الحصانة القضائية عليه وعلى المستفيدين معه ‪ ،‬ومنهم‬
‫أفراد أسرته‪ ،‬وبخالف ذلك فإنه يعد انتهاكاً لقاعدة من قواعد القانون الدولي‪ ،‬ومن ثم‬
‫ترتب المسؤولية الدولية عليها نتيجة االخالل بقواعد الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فإن المبعوث وأفراد أسرته عندما يرتكبون فعالً يعد خرقاً لقوانين وأنظمة الدولة‬
‫المستقبلة‪ ،‬فال يخضعون لالختصاص القضائي لتلك الدولة‪ ،‬إال في حالة التنازل عن‬
‫الحصانة ممن يملك صالحية ذلك اإلجراء‪ .‬ألن المبعوث مع أفراد أسرته‪ ،‬ال يخضعون‬
‫‪16‬‬
‫من حيث المبدأ ‪ ،‬لسلطة قضاء الدولة المعتمد لديها المبعوث‪ ،‬سواء أكان ذلك في إطار‬
‫القضاء المدني أو الجنائي‪ ،‬ولكن إقرارا لمبدأ العدل واإلنصاف وتجنباً للصعوبات التي‬
‫تتطلبها وسيلة اللجوء إلى محاكم الدولة المعتمدة‪ ،‬اتجه الفقه واالجتهاد القضائي إلى إقرار‬
‫‪1‬‬
‫مبدأ التنازل عن الحصانة القضائية‪ ،‬كإمكانية فقط وليس كواجب يفرض على الدولة‪.‬‬
‫ولكن هذا التنازل ‪ ،‬يجب أن يقترن بالموافقة الصريحة من الدولة المعتمدة‪ ،‬سواء أكان في‬
‫المسائل الجنائية أم المسائل المدنية‪ ،‬وهذا ما اتجهت به الممارسة الدولية منذ بداية القرن‬
‫المنصرم‪ ،‬حيث يجب أن تقرن هذه الموافقة بإذن يصدر بصورة مباشرة من الدولة‬
‫المعتمدة أو من رئيس البعثة بصفته ممثالً لها‪ ،‬وحينذاك يمكن مقاضاة أفراد أسرة‬
‫المبعوث الدبلوماسي أمام محاكم الدولة المستقبلة‪ ،‬فيما لو صدر التنازل من الدولة الموفدة‬
‫أو من رئيس بعثتها الدبلوماسية بوصفه ممثالً لدولته‪ .‬وعلى هذا األساس‪ ،‬اتجهت اتفاقية‬
‫فينا للعالقات الدبلوماسية لعام ‪ ،1961‬إلى تقرير مبدأ التنازل عن الحصانة القضائية‪،‬‬
‫كإمكانية مرتبطة بإرادة الدولة المعتمدة‪ ،‬وليس كواجب يفرض عليها‪ ،‬وهذا ما نصت عليه‬
‫االتفاقية في المادة (‪ )32‬في فقرتها األولى والثانية‪ ،‬عندما اجازت للدولة المعتمدة أن‬
‫تتنازل عن الحصانة القضائية التي يتمتع بها مبعوثها الدبلوماسي‪ ،‬واألشخاص المتمتعون‬
‫بها بموجب المادة (‪ )37‬والذي من بينهم أفراد أسرة المبعوث‪ ،‬وقررت أن يكون التنازل‬
‫صريحاً في جميع األحوال‪ .‬وعلى ذلك‪ ،‬فإن االتفاقية أكدت على التنازل الصريح وليس‬
‫الضمني‪ ،‬سواء أكان ذلك في الدعاوى المدنية أو الجنائية‪ ،‬وفي جميع األحوال والظروف‬
‫سواء أكان أفراد األسرة مدعون أو مدعى عليهم‪ ،‬كما إن الفقرة الثالثة من المادة (‪)32‬‬
‫نصت على أنه "ال يحق للمبعوث الدبلوماسي أو الشخص المتمتع بالحصانة القضائية‬
‫بموجب المادة (‪ )37‬إن أقام أية دعوى االحتجاج بالحصانة القضائية بالنسبة إلى أي طلب‬
‫عارض يتصل بالدعوى‪ .‬وهذا يعني أن التنازل عن الحصانة القضائية يبقى سارياً في‬
‫جميع مراحل الدعوى وبالنسبة لكل ما يتعلق بها من دفوع أو طعون تقدم من الخصم‪،‬‬

‫‪ -‬علي حسين الشامي الدبلوماسية‪ ،‬ص‪.62‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪17‬‬
‫وذلك حتى يتم الفصل في الدعوى ويكتسب القرار الدرجة القطعية‪ .‬ويرى جانب من‬
‫الفقه‪ ،‬أنه في حالة التنازل عن الحصانة القضائية يبقى الشخص يخضع لإلجراءات التي‬
‫يخضع لها المواطنون األجانب‪ ،‬أي يخضع لقواعد االختصاص القضائي التي تطبق على‬
‫األجانب‪ ،‬فإذا وجدت المحكمة المدنية أن الدعوى ال تخضع الختصاصها القضائي‪ ،‬إنما‬
‫تخضع الختصاص محاكم دولة أخرى‪ ،‬فعليها أن تمتنع عن النظر في الدعوى هذه‪ ،‬ألن‬
‫التنازل عن الحصانة القضائية ال يمنح محاكم الدولة المستقبلة اختصاصاً أوسع مما هو‬
‫‪1‬‬
‫محدد لها في قوانينها الوطنية‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬مساءلة أفراد أسرة المبعوث عن طريق قضاء الدولة المعتمدة‬
‫اتجه الفقه والممارسة الدولية‪ ،‬والتشريع الدولي‪ ،‬إلى األخذ بإمكانية رفع الدعوى على‬
‫المبعوث الدبلوماسي‪ ،‬أمام محاكم الدولة المعتمدة‪ ،‬ومقاضاته عن االعمال المخالفة للقوانين‬
‫واألنظمة المحلية‪ ،‬على اعتبار أنه في الوقت الذي ال يتمتع فيه بأية حصانة في بلده فإنه‬
‫‪2‬‬
‫يمكن تنفيذ أي حكم يتخذ بحقه‪.‬‬
‫وقد نصت اتفاقية فينا للعالقات الدبلوماسية لعام ‪ ،1961‬وفي الفقرة الرابعة من المادة (‬
‫‪ )31‬على أن تمتع المبعوث الدبلوماسي بالحصانة القضائية في الدولة المعتمد لديها ال‬
‫يعفيه من قضاء الدولة المعتمدة‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فإن محاكم دولة أفراد أسرة المبعوث‬
‫الدبلوماسي تختص بالنظر في القضايا المدنية والجنائية التي تنشأ على إقليم الدولة‬
‫المستقبلة‪ ،‬وليس للمبعوث وال ألفراد أسرته حق الدفع بعدم االختصاص المكاني أو الدولي‬
‫أمام المحكمة التي تنظر القضية‪ ،‬ويستطيع ذوو العالقة ‪ . .‬كما يرى البعض _ إقامة‬
‫الدعوى مباشرة أمام محاكم دولته‪ ،‬دون انتظار رد الدعوى المرفوعة أمام محاكم الدولة‬
‫المستقبلة‪ ،‬أو اللجوء إلى الوسائل الدبلوماسية‪ ،‬ودون أخذ موافقة حكومته أو رئيس البعثة‬
‫الدبلوماسية‪.‬‬

‫‪ -‬عاطف فهد المغاريز‪ ،‬الحصانة الدبلوماسية بين النظرية والتطبيق‪ ،‬ص‪.135‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬سهیل حسين الفتالوي الحصانة الدبلوماسية‪ ،‬ص‪.85‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪18‬‬
‫والبد من القول‪ ،‬أن هذه الوسيلة التي اعتمدتها اتفاقية فينا ال تخلو من المعوقات‬
‫والصعوبات‪ ،‬والتي من بينها التكاليف الباهظة التي يتكبدها المتضرر‪ ،‬وأيضاً صعوبات‬
‫تتعلق بتعيين القانون الصالح لتحديد محل إقامة المبعوث الدبلوماسي‪ ،‬حيث من الممكن أن‬
‫يالحظ تشريع الدولة المعتمدة كقانون صالح المنزل األخير الذي يقيم فيه أفراد أسرة‬
‫المبعوث الدبلوماسي ‪ ،‬كما يمكن أن ال يالحظ هذا التشريع وجود قانون صالح عندما يقيم‬
‫‪1‬‬
‫المبعوث بصفته الدبلوماسية في الخارج‪.‬‬
‫إضافة إلى أنه يتعذر على القاضي النظر في الدعوى أو اصدار الحكم بشأنها إذا كان‬
‫قانون دولة المبعوث لم يتعرض للحالة التي نشب النزاع فيها وخاصة بالنسبة للقضايا‬
‫الجنائية‪ ،‬إذ ال جريمة وال عقوبة إال بنص‪ .‬كما أن هناك صعوبات عملية تنشأ من مبدأ‬
‫خضوع المبعوث الدبلوماسي الختصاص محاكم دولته‪ ،‬خاصة إذا كانت دولته هي التي‬
‫طلبت منه القيام باألعمال والتصرفات المخالفة ألحكام قوانين الدولة المعتمد لديها‬
‫المبعوث ‪ ،‬أو أن أحكام قوانين الدولة المستقبلة وقيام المسؤولية المدنية أو الجنائية قد ال‬
‫تعتبر مخالفة وفق أحكام قوانين دولته‪ ،‬مما يجعل من مهمة المتضرر تبدو صعبة إن لم‬
‫تكن مستحيلة‪.‬‬
‫أمام هذه الصعوبات‪ ،‬وأمام رفض الدول القتراحات لجنة القانون الدولي المقدمة في عام‬
‫‪ ،1957‬بخصوص مشروع االتفاقية‪ ،‬والمتضمن تعيين القانون الصالح الذي يحدد‬
‫المحكمة ذات الصالحية للفصل في القضايا المتعلقة بالمستفيدين من الحصانة‪ ،‬أقر مؤتمر‬
‫فينا لعام ‪ ،1961‬الفقرة الرابعة من المادة (‪ )31‬من االتفاقية بنصها الحالي دون تعيين‬
‫المحكمة الصالحة‪ ،‬أو بعبارة أخرى أصرت الدول على عدم األخذ باقتراح تعديل‬
‫تشريعاتها بما يتالءم مع مبدأ تعيين المحكمة الصالحة للبت بجميع المخالفات المرتكبة من‬
‫قبل المبعوث وأفراد أسرته في الدولة المعتمد لديها المبعوث‪ ،‬وكانت حجة الدول الرافضة‬

‫‪ -‬عدنان البكري‪ ،‬العالقات الدبلوماسية والقنصلية‪ ،‬ص‪.98‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪19‬‬
‫تقوم على أن تعيين القانون الصالح وتعيين المحكمة ذات الصالحية تعود إلى القانون‬
‫‪2‬‬
‫الداخلي ومن ثم ال يمكن الطلب إلى الدول تعديل تشريعاتها حول هذه النقطة‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬
‫تعد الدبلوماسية اليوم‪ ،‬من أهم األدوات لدى الدولة‪ ،‬في تعزيز نفوذها بين الجماعة‬
‫الدولية‪ ،‬وهي بمثابة القوى المحركة لها ومصدر نشاطها ‪ ،‬ومن ثم ‪ ،‬فإن للدبلوماسيين‬
‫دور في تفعيلها والتحكم ببوصلتها نحو االتجاه الصحيح‪ ،‬ولكن هذا األمر منوط بتمكينهم‬
‫من أداء مهامهم الدبلوماسية بجو من الطمأنينة‪ ،‬وال يتصور ذلك‪ ،‬مالم يتحصنون من‬
‫سلطان الدولة المعتمدون لديها ‪ ،‬وال يكتمل ذلك األمر‪ ،‬إال بشمول أفراد أسرة المبعوث‬
‫الدبلوماسي بالحصانات واالمتيازات المقررة له‪ ،‬ومن أهم تلك الحصانات الحصانة‬
‫القضائية‪.‬‬

‫‪ -‬علي حسين الشامي الدبلوماسية‪ ،‬ص ‪.67‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪20‬‬
‫لذلك‪ ،‬أقر القانون الدولي‪ ،‬شمول أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي بالحصانة‬
‫القضائية‪ ،‬من سلطان قضاء الدولة المعتمد لديها المبعوث‪ ،‬وهذا ما أكدته اتفاقية فينا‬
‫للعالقات الدبلوماسية لعام ‪ ،1961‬في العديد من نصوصها‪ ،‬وما سار عليه العمل الدولي‪،‬‬
‫والبد من القول أن لتلك الحصانة شروطها‪ ،‬في وجوب أن يكونوا أفراد األسرة من أهل‬
‫بيت المبعوث الدبلوماسي‪ ،‬وأال يكونوا من رعايا الدولة المستقبلة‪ ،‬وإ نما من رعايا الدولة‬
‫المرسلة‪ ،‬أو من رعايا دولة ثالثة‪.‬‬
‫وعلى ذلك‪ ،‬سيكون لهم الحصانة من سلطان محاكم الدولة المعتمد لديها المبعوث‬
‫الدبلوماسي‪ ،‬سواء في نطاق االختصاص المدني واإلداري أو في نطاق االختصاص‬
‫الجنائي‪ ،‬ولكن في المقابل يجب على أفراد أسرة المبعوث أن يحترموا قواعد وأنظمة‬
‫وتقاليد المجتمع والدولة المعتمد لديها المبعوث‪ ،‬وإ ال تعرضوا لجزاء مادي‪ ،‬يكون في‬
‫صورة طرد المبعوث بوصفه شخصاً غير مرغوب فيه‪ ،‬أو في صورة إنزال العقوبات‬
‫المقررة قانوناً في دولتهم‪.‬‬
‫وبذلك‪ ،‬فإن الحقيقة على خالف الخطأ الشائع المتمثل في أن المبعوث وأفراد أسرته‬
‫ال يعاقبون على خرقهم للقانون لتمتعهم بالحصانة القضائية‪ ،‬ذلك ألن الحصانة ترتبط‬
‫باإلعفاء من االختصاص القضائي وليس اإلعفاء من العقوبات‪ ،‬بل إن لدولة المبعوث‬
‫صالحية التنازل عن الحصانة التي يتمتع بها أفراد األسرة‪ ،‬وبذلك تستطيع الدولة المعتمد‬
‫لديها المبعوث‪ ،‬من تقديم المخالف لقضائها ومساءلته عن تلك المخالفات وإ نزال العقوبات‬
‫وفقاً لقوانينها‪.‬‬

‫قائمة المراجع‪:‬‬
‫سهیل حسين الفتالوي الحصانة الدبلوماسية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار وائل للنشر‬ ‫‪‬‬
‫والتوزيع‪ ،‬عمان‪.2010 ،‬‬
‫شادية رحاب الحصانة القضائية الجزائية للمبعوث الدبلوماسي‪ ،‬أطروحة دكتوراه‬ ‫‪‬‬
‫جامعة الحاج لخضر_ باتنة‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬الجزائر‪.2006 ،‬‬

‫‪21‬‬
‫عاطف فهد المغاريز‪ ،‬الحصانة الدبلوماسية بين النظرية والتطبيق‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪.2010 ،‬‬
‫عدنان البكري‪ ،‬العالقات الدبلوماسية والقنصلية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬المؤسسة الجامعية‬ ‫‪‬‬
‫للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت‪.1986 ،‬‬
‫علي حسين الشامي الدبلوماسية‪ ،‬الطبعة الخامسة‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫عمان‪.2010 ،‬‬

‫‪22‬‬

You might also like