Professional Documents
Culture Documents
حصانة وامتيازات عائلات الدبلوماسيين
حصانة وامتيازات عائلات الدبلوماسيين
توجهت الجماعة الدولية ،منذ منتصف القرن الماضي ،إلى تدوين القواعد العرفية
التي تنظم حصانات وامتيازات المبعوثون الدبلوماسيون ،وقد تكللت تلك الجهود بإبرام
العديد من االتفاقيات المتعلقة بهذا الشأن ،وكانت هذه الجهود ،تحت مظلة األمم المتحدة،
وكان من أهم تلك االتفاقيات ،اتفاقية فينا للعالقات الدبلوماسية لعام ،1961التي أحدثت
نقلة نوعية في رسم المالمح الرئيسة للحصانات واالمتيازات التي يتمتع بها المبعوث
الدبلوماسي وكذا أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي.
فما هي االمتيازات والحصانة التي يتمتع بها أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي؟
1
خطة البحث
مقدمة
المطلب الثاني :نطاق تمتع أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي بالحصانة القضائية
وشروطها
المطلب األول :أنواع الحصانة القضائية التي يتمتع بها أفراد أسرة المبعوث
الدبلوماسي
خاتمة
2
المبحث األول :الطبيعة القانونية! لحصانة أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي
المطلب األول :األساس القانوني لحصانة أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي
حاول فقهاء القانون الدولي العام البحث عن األساس القانوني لحصانة المبعوث
الدبلوماسي ،ولكن لم تجد بعض تلك النظريات المبرر الفلسفي لحصانة أفراد أسرة
المبعوث الدبلوماسي ،حيث اختلفوا في تبرير تلك الحصانة وتعددت اآلراء والنظريات،
لذلك ،سنحاول تسليط الضوء على تلك النظريات والتي من أهمها:
أوالً_ نظرية امتداد اإلقليم وتعد من أهم النظريات التي كانت سائدة في القرن السابع
عشر ،ويتلخص مضمون هذه النظرية ،في أن المبعوث الدبلوماسي في إقليم الدولة
المستقبلة يمتد ويستمر الوجود في إقليم دولته ،لذا فهو ال يخضع للوالية القضائية للدولة
المستقبلة .ومع أن هذه النظرية ال زالت لها حيز من التطبيق السيما في حاالت اللجوء
السياسي ،إال أنها لم تعد اليوم صالحة لتفسير الحصانة التي يتمتع بها الدبلوماسي بشكل
عام وأفراد أسرته بشكل خاص ،وذلك ألسباب عدة؛ من بينها :أنها تقوم على افتراض
وهمي ألساس الحصانة القضائية ،وقاصرة على تفسير الحاالت التي يخضع فيها المبعوث
الدبلوماسي الختصاص محاكم الدولة المستقبلة كما لو تملك عقارات فيها وما يتعلق بها
من دعاوى عينية ،إضافة إلى أنه اذا وقعت جريمة داخل مقر البعثة وجب اخضاعها
دائما لقوانين وقضاء الدولة صاحبة البعثة أياً كانت جنسية المتهم ،وهذه النتائج تتعارض
مع سيادة الدولة صاحبة اإلقليم ،وال يمكن أن تقبلها الدول ،والمعمول به خالف ذلك ،
بوصف أن مقر البعثة الدبلوماسية جزءاً ال يتجزأ من إقليم الدولة المعتمد لديها ،إضافة
إلى ذلك فإن منطق هذه النظرية يؤدي إلى أن الطفل الذي يولد في دار البعثة ُيعد أنه ولد
3
على أرض أجنبية ،كما يقتضي أن يتبع في دخول دار البعثة والخروج منها ما يتبع من
1
إجراءات في دخول إقليم الدولة والخروج منه ،وهي أمور غير مقبولة.
ومن ثم ،فإن هذه النظرية لم تعط مبرراً مقنعاً لتمتع المبعوث الدبلوماسي وأفراد أسرته
بالحصانة القضائية من والية الدولة المستقبلة ،األمر الذي أفقدها أهميتها وأضحت
مهجورة ،وكل ما لهذه النظرية في الوقت الراهن من بعد ،فال يتجاوز البعد التاريخي.
ثانيا_ نظرية! الصفة التمثيلية :نشأت هذه النظرية في القرن الثامن عشر بعد العيوب التي
اكتنفت نظرية االمتداد اإلقليمي ،وتتلخص هذه النظرية في أن الدولة ورئيسها يتمتعان
بالحصانة القضائية تجاه المحاكم األجنبية ،وطالما أن المبعوث الدبلوماسي يعد ممثال
لدولته ولرئيسها ،فإنه يستمد الحصانة القضائية منهما.
ويؤخذ على هذه النظرية أنها تؤدي إلى التضييق من نطاق الحصانة القضائية التي يتمتع
بها المبعوث الدبلوماسي ،ألن المبعوث الدبلوماسي يتمتع بحصانات قضائية تزيد عما
2
يتمتع به األصيل وهو رئيس الدولة.
ثالثا_ نظرية! مقتضيات الوظيفة :وتنطلق هذه النظرية من أن الحصانات الدبلوماسية
التي يتمتع بها المبعوث الدبلوماسي وأفراد أسرته ترتبط ارتباطاً وثيقاً مع مقتضيات
وظيفة المبعوث الدبلوماسي ،فأساس الحصانة هو ضرورة تقتضيها قيامه بمهام وظيفية
في جو خال من العراقيل ،ويعد جانب من الفقه هذه النظرية من أهم النظريات التي
فسرت الحصانة القضائية التي يتمتع بها المبعوث الدبلوماسي ،ويرى أن سبب انتشار هذه
النظرية يعود إلى أن الحصانات تعد عامالً أساسياً من عوامل تأكيد العالقات الدولية
ودعمها ،وإ ن المبعوث الدبلوماسي يجب أن يتمتع باالستقالل الضروري Tألداء وظائفه
الحكومية فوق األراضي األجنبية ،وعلى الرغم من االنتقادات التي وجهت إلى هذه
-شادية رحاب الحصانة القضائية الجزائية للمبعوث الدبلوماسي ،أطروحة دكتوراه جامعة الحاج لخضر_ باتنة ،كلية 1
4
النظرية ،إال أنهـا استطاعت أن تجد المبرر المقنع لحصانة أفراد أسرة المبعوث
الدبلوماسي؛ ألنه ال يستطيع القيام بواجباته ومهامـه الوظيفية بحرية وفي جو من
الطمأنينة ،إذا تعرضت أسرته إلجراءات الوالية القضائية للدولة المستقبلة وما قد يرافقها
من أعمال عنف.
ومن مزايا هذه النظرية ،أنها في جوهرها تتجه نحو نوع من الحد من االمتيازات
والحصانات بالقدر الذي ال يتعارض مع مباشرة الوظيفة الدبلوماسية ،فمبدأ امتداد
الحصانات واالمتيازات للمبعوث الدبلوماسي ،إنما هو لضمان اإلنجاز الفعال لوظائفه في
الدولة المستقبلة ،ولتمكين البعثة الدبلوماسية من تأدية أهدافها في التعاون بين الدول ،وقد
أخذ بهذه النظرية معهد القانون الدولي في فيينا عام ،1924إذ جاء من بين مقرراته إن
أساس الحصانة الدبلوماسية يكمن في المصلحة الوظيفية ،كما نصت المادة ( )13من
اتفاقية حصانات وامتيازات منظمة المؤتمر اإلسالمي لعام ،1976على أنه" ال تمنح
الحصانات واالمتيازات لممثلي الدول األعضاء لمصلحتهم الخاصة ولكن ضمانا لتمتعهم
1
بكامل استقاللهم في إدارة أعمالهم لدى المنظمة".
رابعا _ األساس القانوني لحصانة أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي في اتفاقية فيينا
للعالقات الدبلوماسية! لعام :1961إلى جانب المعاهدات التقليدية المعقودة بصورة ثنائية
أو جماعية ،أسفر تطور المجتمع الدولي المعاصر عن ظهور نمط جديد من المعاهدات
الدولية ،تُسمى المعاهدات الشارعة ،التي تدون قواعد العرف الدولي أو تُنشئ قواعد جديدة
عبر عن مصالح عليا ذات أهمية جوهرية بالنسبة للمجتمع الدولي بأسره.
تُ ّ
وقد أقرت اتفاقية فيينا للعالقات الدبلوماسية لعام ، 1961امتيازات وحصانات المبعوث
الدبلوماسي ،وقد وقعت معظم الدول األعضاء في األمم المتحدة على هذه االتفاقية ،إضافة
إلى الدول األخرى التي إما انضمت إليها فيما بعد أو أقرت مضمونها ،بحيث أصبحت
-عاطف فهد المغاريز ،الحصانة الدبلوماسية بين النظرية والتطبيق ،الطبعة الثانية ،دار الثقافة للنشر والتوزيع، 1
5
وثيقة رسمية ومرجعاً تهتدي إليها وتعمل بها جميع الدول ،وبعد أن أكدت االتفاقية في
ديباجتها على "أن الغرض من هذه المزايا والحصانات ،ليس هو تمييز أفراد ،بل هو
تأمين أداء البعثات الدبلوماسية ألعمالها على أفضل وجه كممثلة لدولها ،جاءت لتنص
على تمتع أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي بالحصانة القضائية ،وذلك في المادة ( )37منها
حيث نصت على ما يأتي" :يتمتع أعضاء أسرة الممثل الدبلوماسي من أهل بيته بالمزايا
والحصانات المذكورة في المواد من 29إلى 36على شرط أال يكونوا من رعايا الدولة
المعتمد لديها .".ومن ثم ،فإن اتفاقية فيينا اعتمدت نظرية مقتضيات الوظيفة عندما قررت
أن الغرض من هذه المزايا والحصانات ،ليس هو تمييز أفراد ،بل هو تأمين أداء البعثات
الدبلوماسية ألعمالها على أفضل وجه كممثلة لدولها ،وهذا ما أكدته لجنة القانون الدولي
عندما أشارت في تعليقها المرفق بمشروع االتفاقية عام ،1958أنها تأثرت بنظرية
مقتضيات الوظيفة عند حل المشاكل التي لم تتمكن من حسمها ،بسبب غموض الحلول
المستفادة مما جرى عليه العمل الدولي ،مع عدم إهمال نظرية الصفة التمثيلية لرئيس
1
البعثة وللبعثة ذاتها.
كما يالحظ على االتفاقية ،ميلها نحو التوسع في الحصانات واالمتيازات ،وهذا ما دل عليه
نص المادة ( )37المشار إليها آنفا ،وال يمكن تبرير ذلك إال على أساس أن أفراد أسرة
المبعوث الدبلوماسي يمثلون _ شأنهم شأن المبعوث ذاته_ الدول ذات السيادة ،األمر الذي
يوجب على الدولة المستقبلة احترامهم والتعامل معهم وفق ما رسمته قواعد القانون الدولي
الدبلوماسي ،ومنها إضفاء الحصانة القضائية عليهم وفق الحدود المرسومة ،والشروط
المطلوبة ،ووفقا لقواعد القانون الدولي ،ونص المادة ( )31من االتفاقية _ التي سنأتي
على تفصيلها الحقاً بهدف تأمين الحماية وإ ضفاء االستقاللية المطلوبة للمبعوث الدبلوماسي
2
عند أداء مهامه.
-علي حسين الشامي الدبلوماسية ،الطبعة الخامسة ،دار الثقافة للنشر والتوزيع ،عمان ،2010 ،ص.53 2
6
المطلب الثاني :نطاق تمتع أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي بالحصانة القضائية
وشروطها
الفرع األول :نطاق تمتع أسرة المبعوث الدبلوماسي بالحصانة القضائية!
بذلت جهود دولية حثيثة ،على مدار القرن المنصرم ،في تصنيف فئات األشخاص
المشمولين بالحصانة القضائية ،بتأثير نظريات فقهاء القانون الدولي ،وما استقر عليه
التعامل الدبلوماسي ،فقد كان من بين هذه الجهود اتفاقية هافانا حول الموظفين
الدبلوماسيين المعقودة في عام ،1928بين الدول األمريكية ،إذ جاء النص على تمتع
أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي بالحصانة بشكل واضح ،فقد نصت المادة ( )14من
االتفاقية المذكورة على أن " :للموظفين الدبلوماسيين حصانتهم التي تشمل اشخاصهم
ومقرهم الخاص والرسمي وممتلكاتهم ،ويتمتع بهذه الحصانة ..... :أفراد عائالت
1
األعضاء الرسميين الذين يعيشون معهم تحت سقف واحد"....
كما كانت هذه المسألة حاضرة في اجتماعات لجنة القانون الدولي ،عند وضع مشروعها
الخاص بالحصانات واالمتيازات الدبلوماسية لمؤتمر فينا ،وقد تبين للجنة أن الحلول
المالئمة التي يتعين عليها إيجادها لهذه المسألة ،إما أن تبدأ بوضع حد أدنى ضروري من
الحصانات لهؤالء وأن يترك تقرير ما يزيد على هذا الحد التفاقيات خاصة تعقد بين الدول
الراغبة في ذلك ،أو أن تحاول وضع قواعد موحدة صالحة للتطبيق العام على أساس ما
يبدو ضروريا.
وقد رأت غالبية اللجنة اختيار الطريقة الثانية (وضع قواعد (موحدة وانتهت إلى وضع
قواعد ضمنتها المادة ( )37من اتفاقية فينا لعام ،1961وقد جاء فيها تمتع أفراد أسرة
المبعوث الدبلوماسي من أهل بيته بالحصانات واالمتيازات المذكورة في المواد من ()29
إلى ( )36بشرط أن ال يكونوا من رعايا الدولة المعتمدة لديها البعثة ،ولم يدرج في النص
تحديد لهؤالء األفراد وال درجة قرابتهم ،ويبدو أن اللجنة تركت تفاصيل تلك الجزئيات
- -عاطف فهد المغاريز ،الحصانة الدبلوماسية بين النظرية والتطبيق ،ص.117 1
7
للعمل الدبلوماسي بين الدول ،ألن االتفاقية ال تستطيع ،ومها كان الواضعيها من سعة
األفق أن تضع معيارا لألسرة على نحو محيط ودقيق ،يستوعب جميع الحاالت القائمة
1
والمستقبلية ،لرؤية ومفهوم األسرة ،بالنسبة للدول كافة.
إذ يختلف مفهوم األسرة من بلد إلى بلد آخر ،إال أنه يمكن تفسير عبارة ( forming part
) of his household shallالواردة في نص المادة ( )37بأنها تعني زوجة الدبلوماسي
وأوالده القاصرين ،وهذا ما ال خالف بشأنه ،ولكن الخالف يثور حول مسألة أوالده
البالغين ،أو فيما إذا كان المبعوث أعزبا ،أو أرمال ،أو مطلقا ،أو لم يكن قد اصطحب
زوجته معه ،فهل يحق له اصطحاب أمه ،أو أخته ،أو أخيه؟
في الواقع ،يرى البعض أن ما جرى عليه العمل الدبلوماسي هو أن المبعوث الدبلوماسي
يحق له اصطحاب هؤالء ،إذا كانوا يعيشون معه تحت سقف واحد ،وكذلك تعد بناته غير
المتزوجات ،وأبناؤه الذين هم في سن البلوغ ،وأمه األرملة ،المسؤول عنهم شرعاً أو
قانوناً ،من أفراد العائلة الذين يحق للمبعوث الدبلوماسي أن يصحبهم معه .أما غير ذلك
2
من الحاالت ،فيتوقف على رأي الدولة المعتمد لديها المبعوث الدبلوماسي.
وعلى ما يبدو ،أن لجنة القانون الدولي لم ترغب في أن تحدد مؤدى عبارة أفراد األسرة)
أو أن تقرر حداً أقصى لسن أوالد المبعوث الدبلوماسي الذين يستفيدون من الحصانات،
لكنها أضافت تفسيرا لذلك في تعليق اللجنة المرفق مع نص االتفاقية ،إذ جاء فيه... ":مما
ال شك فيه أن الزوجة واألوالد الذين لم يبلغوا سن الرشد يعتبرون على األقل من أفراد
األسرة الذين تشملهم الحصانات ،كما وأنه قد توجد حاالت يمكن فيها إدخال أقارب آخرين
في االعتبار إذا كانوا يعيشون بين األسرة ،كحالة قريبة ما للسفير تقوم بإدارة منزله وحالة
قريب يعيش معه من زمن بعيد ،فمثل هؤالء األقارب يصبحون وال شك بحكم معيشتهم
بين أسرة المبعوث من أفرادها أياً كانت درجة قرابتهم له.....
8
ولما تقدم ،فإنه يمكن الجزم بأن شمول أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي ،أصبح من
القواعد القانونية الثابتة والتي ال لبس فيها ،وتمتد هذه الحصانة حتى بعد وفاة المبعوث
الدبلوماسي وذلك لفترة معقولة إلى حين مغادرتهم اإلقليم ،وهذا الحال بات من القواعد
اآلمرة ،وذلك بعدما نص عليه في اتفاقية دولية ،تعد وال شك ،من االتفاقيات الدولية
الشارعة ،على الرغم من الشروط التي وضعتها لهؤالء كي تضفي عليهم الحصانة .ولكن
ما هي هذه الشروط؟
الفرع الثاني :شروط تمتع أسرة المبعوث الدبلوماسي بالحصانة القضائية
نصت المادة ( )37على تمتع أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي ،ولكن حددت شرطان على
ما يبدو في هذا النص ،حتى يتمتع هؤالء األفراد بالحصانات واالمتيازات الدبلوماسية،
ومنها بطبيعة الحال الحصانة القضائية:
الشرط األول :يجب أن يكون هؤالء األفراد من أهل بيت المبعوث الدبلوماسي
ويالحظ في عبارة )forming part of his household shallقد جاءت عامة ،وال
يقصد بها الزوج أو الزوجة أو األوالد فحسب ،وإ نما جميع من هم في رعاية المبعوث
الدبلوماسي ،ويكونوا جزءاً من أهل بيته ،وهذا ما أوضحته لجنة القانون الدولي في
تفسيرها لهذه الفقرة والتي سبق اإلشارة إليه في هذا البحث ،بحيث تُرك األمر الختصاص
1
الدول الداخلي.
ومن ثم ،فإن أهل بيت المبعوث الدبلوماسي ،هم األشخاص الذين يعيشون معه بشكل
فعلي ،وفي نفس المسكن ،بغض النظر عن درجة القرابة التي تربطهم به ،وعلى ذلك،
فإنه إذا كان أقارب المبعوث الدبلوماسي ال يعيشون معه في نفس المسكن فال تمتد لهم،
من الناحية القانونية ،أي حصانة قضائية ،حتى وإ ن كان مسؤول عن رعايتهم من الناحية
الشرعية أو القانونية.
9
وقد أصدرت بعض الدول ضوابط لضمان تنفيذ هذا الشرط وسعياً منها لتحديد أهل بيت
المبعوث الدبلوماسي ،فتباينت تلك الضوابط Tبين التضييق Tمن نطاق أسرة المبعوث
الدبلوماسي ،وبين ترك األمر للتعامل بالمثل ،ومنها من لم يضف لهذا الشرط ضوابط
1
أخرى ،وهكذا اختلفت الدول في معاملتهم من دولة إلى أخرى.
فعلى سبيل المثال ،أصدرت الواليات المتحدة األمريكية أكثر من مذكرة رسمية إلى
البعثات الدائمة المعتمدة لدى األمم المتحدة في نيويورك ،أوضحت فيها المقصود بأفراد
أسرة المبعوث الدبلوماسي ،واشترطت حتى يكتسب أحدهم هذه الصفة أال يكون عضواً في
أسرة أخرى ،وأن يسكن بصفة منتظمة في السكن الرئيسي للمبعوث الدبلوماسي ،كما يجب
أن تعترف به الدولة المرسلة بوصفه واحداً من أفراد األسرة الذين يشكلون جزءاً من
األسرة الرئيسة ،لذلك تطلب الواليات المتحدة من الدول المرسلة أن تقدم الوثائق المناسبة
التي تعترف بالعالقة مع المبعوث الدبلوماسي ،وبعد توافر هذه المتطلبات وقبولها من
وزارة الخارجية األمريكية فإن هؤالء األفراد يكونون مؤهلين للحصول على تأشيرة ()A
أو ( ،)Gوفي حالة إنهاء هذه الصفة ،وفقاً ألحكام القانون الدولي ،كأن لم ُيعد الفرد يقيم
مع المبعوث الدبلوماسي ،فإن جميع الحصانات واالمتيازات ،التي ُمنحت له سابقاً في
الواليات المتحدة األمريكية ،تنتهي صالحيتها .كما إن اتفاقية فينا للعالقات الدبلوماسية
لعام ، 1961لم تغفل عن وضع ضابط يستبعد أي تفسير موسع لمفهوم (his
householdفقد نصت المادة العاشرة منها على أن " _1تبلغ وزارة خارجية الدولة
المعتمد لديها أو أي وزارة أخرى اتفق عليها باآلتي .....:ب -بالوصول وبالرحيل
النهائي لشخص يتبع أسرة عضو البعثة ،كذلك عن حالة الشخص الذي أصبح أو لم يمس
عضواً في أسرة عضو البعثة. "....
10
ومن ثم ،فإن االتفاقية سمحت للدول بممارسة اختصاصها في الرقابة ووضع الضوابط في
2
تحديد أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي المعتمد لديها.
الشرط الثاني :يجب أال يكون أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي من رعايا الدولة
المستقبلة ،وإ نما من رعايا الدولة المرسلة ،أو من رعايا دولة ثالثة.
ال بد من القول ،أن المواطنة هي التي تظهر المواطن على اعتباره مشاركاً فعاالً في
المجتمع السياسي ،مما يربطها عضوياً بالجنسية ،وقد ال تتطابق الصفتان دائماً ،وقد أقر
القانون الدولي بذلك بحيث لم يعارض التفريق بين المواطنين واألجانب في التشريعات
الوطنية ،ولم يعتبره تمييزاً غير مبرر ،إال أن التوسع في التمييز بين حائزي الجنسية
وغيرهم من المواطنين في الدول المتقدمة بالذات ،دفع منظري القانون الدولي إلى
االهتمام بموضوع منح الدولة لجنسيتها ،حيث تحدد الحقوق السياسية للمواطنين وإ مكانية
مشاركتهم في الشؤون العامة وترتبط بالتالي بالتنظيم الديمقراطي للدولة .والقاعدة العامة،
أن يحمل الموظفون الدبلوماسيون جنسية الدولة المعتمدة ،وال يجوز تعيين موظفين
دبلوماسيين ممن يحملون جنسية الدولة المعتمد لديها إال بموافقتها ،ويجوز لها سحب هذه
الموافقة على ذلك في أي وقت ،ولها أن تستعمل الحق نفسه فيما يتعلق بمواطني دولة
ثالثة ليسوا من مواطني الدولة المعتمدة .وبالعودة لنص المادة ( )37من االتفاقية فيما
يتعلق بالشرط الثاني المتعلق بأفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي ،فنجد أن نص المادة جاء
صريحاً بعدم تمتع أفراد أسرة المبعوث بالحصانة القضائية فيما إذا كانوا من رعايا الدولة
المستقبلة .وإ نما يجب لشمولهم أن يكونوا من رعايا الدولة المرسلة أو من رعايا دولة
ثالثة .ولكن السؤال الذي يثار هنا هو :ما مدى تأثير كون أفراد األسرة من رعايا الدولة
المستقبلة على أداء المبعوث الدبلوماسي لمهامه الوظيفية في ضوء الفلسفة التي من أجلها
منحت أسرة المبعوث الحصانة القضائية؟ مما ال شك فيه ،أن هذا يؤثر حتماً على مهمة
المبعوث الدبلوماسي ،وكان يفترض باتفاقية فيينا أن تعالج هذه المسألة كما عالجتها
11
بالنسبة للمبعوثين الدبلوماسيين في حالة كونهم من رعايا الدولة المعتمد لديها المبعوث ،إذ
اضفت عليهم الحصانة بالقدر الذي يمكنهم من أداء مهامهم كما ورد ذلك في نص المادة (
،)38حيث ورد فيها ،أن األشخاص الذين يشغلون وظائف دبلوماسية من رعايا الدولة
المعتمد لديها البعثة ،يتمتعون بالحصانة واالعفاء القضائي بالنسبة فقط لألعمال الرسمية
التي يقومون بها خالل تأدية وظائفهم ،كما يتمتعون بغير ذلك من االمتيازات التي تقرها
لهم الدولة المعتمد لديها .ولكن االتفاقية لم تشر ،ال من بعيد وال من قريب على شمول
أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي بالحصانة القضائية فيما لو كانوا من رعايا الدولة المعتمد
لديها ،ومن ثم ،فال يتمتعون بأي حصانة قضائية مالم تسمح لهم الدولة المستقبلة بالتمتع
1
بالحصانات التي تحددها هي طبقاً لسلطتها التقديرية.
المبحث الثاني :حدود الحصانة القضائية ألفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي
المطلب األول :أنواع الحصانة القضائية التي يتمتع بها أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي
لكي يتمكن المبعوث الدبلوماسي من القيام بمهامه على أكمل وجه ،البد من أن يكون
بمنأى عن مؤثرات السلطان الداخلي للدولة المعتمد لديها ،ومن ثم ،فمن الضروري أن
يتمتع ،إلى جانب حرمة شخصه ومسكنه ،بحصانة قضائية تعفيه من الخضوع لقضاء
الدولة المعتمد لديها ،لكي يستطيع أن يؤدي عمله بأمان وجو خال من المؤثرات ،وال
يمكن تحقيق ذلك ما لم تكن الحصانة تامة غير منقوصة ،وذلك الكمال ال يتحقق إال
حصن من
بالحصانة القضائية ألفراد أسرته .فأسرة المبعوث الدبلوماسي يجب أن تُ َ
الخضوع للقضاء المدني والجنائي في الدولة المعتمد لديها ،فال يجوز مقاضاة أفرادها أو
رفع دعوى مدنية أو جنائية عليهم أمام محاكم تلك الدولة ،كما ال يجوز القبض عليهم،
واتخاذ اإلجراءات التنفيذية بحقهم .ولكن ماهي حدود وابعاد تلك الحصانة ،وهل يمكن
ألفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي التنازل عنها؟
- -عاطف فهد المغاريز ،الحصانة الدبلوماسية بين النظرية والتطبيق ،ص.120 1
12
لإلجابة عن هذا التساؤل وغيره من التساؤالت ،البد لنا من أن نتطرق إلى أنواع تلك
الحصانة وتسليط الضوء عليها.
الفرع األول :الحصانة من االختصاص المدني واإلداري
إن التطبيق المنطقي لنص المادة ( )37من اتفاقية فينا للعالقات الدبلوماسية لعام ،1961
وما نصت عليـه المادة ( )31من االتفاقية ،يؤدي إلى تمتع أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي
باإلعفاء من الخضوع للقضاء المدني واإلداري للدولة المعتمد لديها المبعوث ،باستثناء
الحاالت اآلتية:
أ -إذا تعلق األمر بدعوى عينية متصلة بعقار خاص موجود في إقليم الدولة المعتمد لديها،
مالم يكن المبعوث حائزاً للعقار لحساب حكومته وألغراض البعثة.
ت -إذا تعلق األمر بدعوى متصلة بتركة ،يكون للمبعوث فيها مركزاً ،بوصفه منفذاً
للوصية ،أو مديراً للتركة ،أو وارثاً ،أو موصى له ،وذلك بصفته الشخصية وليس باسم
الدولة المعتمدة.
إذا تعلق األمر أيضاً بدعوى متصلة بمهنة حرة زاولها المبعوث أو بنشاط تجاري قام به
في الدولة المعتمد لديها ،خارج نطاق مهامه السياسية ،أياً كانت هذه المهنة أو هذا
1
النشاط.
ولكن السؤال المطروح هنا هو :إذا كان أفراد أسرة المبعوث يتمتعون بالحصانة من
القضاء المدني واإلداري ،فهل تمتد تلك الحصانة إلى اإلجراءات التنفيذية أم ال؟
في الواقع ،لم تمنح االتفاقية في المادة المشار إليها اتخاذ اإلجراءات التنفيذية ضد المبعوث
الدبلوماسي وأفراد أسرته ،فيما عدا الحاالت التي ذكرناها آنفاً ،وبشرط أن يكون التنفيذ
ممكناً إجراؤه دون المساس بحرمة ذات المبعوث أو أسرته أو مسكنهم.
-عدنان البكري ،العالقات الدبلوماسية والقنصلية ،الطبعة األولى ،المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر ،بيروت، 1
،1986ص.94
13
ومن ثم ،فإن أسرة المبعوث الدبلوماسي ،طبقاً التفاقية فينا ،تتمتع بالحصانة المدنية
واإلدارية بشكل مطلق ماعدا الحاالت التي تم ذكرها والتي وردت على سبيل الحصر،
ذلك ألن النص جاء مطلقاً والمطلق يجري على إطالقه ما لم يرد نص يقيده.
الفرع الثاني :الحصانة من االختصاص الجنائي
إن أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي ،وفقاً للمادة ( )31والمادة ( )37من اتفاقية فينا ،
يتمتعون بالحصانة القضائية فيما يتعلق بالقضاء الجنائي للدولة المعتمد لديها ،مهما تكن
طبيعة الجريمة المرتكبة سواء أكانت مخالفة أو جنحة أو جناية ،وكل ما يمكن للدولة
المستقبلة أن تفعله ،في مثل هذه الحاالت ،هو إخطار دولته ،أو طلب سحبه أو طرده ،وفقاً
لنوع الجريمة المرتكبة.
وفي هذا الصدد يمكن أن يثار التساؤل اآلتي :إذا كان ألفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي
الحصانة من القضاء المدني والجنائي ،فهل تمتد الحصانة إلى درجة أنه يمتنع على
القضاء أن يطلب المبعوث أو أفراد أسرته للمثول أمامه ليس بصفة متهم أو بصفة مدعي
1
أو مدعى عليه ،ولكن بصفة شاهد فقط؟
في الحقيقة ،أجابت االتفاقية عن هذا التساؤل ،وذلك بأن المبعوث الدبلوماسي ال ُيلزم بأن
يؤدي الشهادة .وعلى ذلك ،وبداللة المادة ( )37من االتفاقية ،فإن أفراد أسرة المبعوث
الدبلوماسي ال ُيجبرون على أداء الشهادة أمام أي جهة تحقيقية أو أي محكمة ،مهما كان
نوعها أو اختصاصها ،أسوة برب األسرة وهو المبعوث الدبلوماسي .ولكن ،هل يجوز
ألفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي أن يتنازلون عن الحصانة القضائية لمحاكم الدولة
المعتمد لديها المبعوث الدبلوماسي ،وهل يجوز للدولة المعتمدة التنازل عن تلك الحصانة؟
إن من القواعد الثابتة أنه للدولة المعتمدة أن تتنازل عن الحصانة القضائية المقررة
للمبعوثين الدبلوماسيين ،ولألشخاص المستفيدين من هذه الحصانة وفق المادة (، )37
والذين من بينهم أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي ،وهذا ما أكدته اتفاقية فينا للعالقات
-شادية رحاب الحصانة القضائية الجزائية للمبعوث الدبلوماسي ،ص .63 1
14
الدبلوماسية ،ولكن يجب أن يكون هذا التنازل صريحاً ال ضمنياً في جميع األحوال أما إذا
قام أحد أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي دعوى ما ،فال ُيقبل منه بعد ذلك الدفع بالحصانة
القضائية بالنسبة لكل طلب فرعي متصل بالطلب األصلي.
ثم إن التنازل عن الحصانة بالنسبة إلى أي دعوى مدنية أو إدارية ،ال ُيفترض فيه أن
يعني التنازل عن الحصانة بالنسبة إلى تنفيذ الحكم ،بل ال بد فيما يتعلق بهذه اإلجراءات
من تنازل مستقل ..ويرى البعض أن التنازل عن الحصانة من قبل أفراد أسرة المبعوث
1
الدبلوماسي إما أن يكون صريح وإ ما أن يكون ضمني.
وأخيرا البد من القول ،أن على أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي احترام قوانين وأنظمة
الدولة المعتمد لديها المبعوث وعدم التدخل في شؤونها الداخلية ،وذلك دون االخالل
بالحصانة القضائية التي يتمتعون بها .ألن التمتع بالحصانة ال يعني بأي حال من األحوال
إباحة انتهاك القوانين واألنظمة السارية في الدولة المعتمد لديها المبعوث ،مما قد يعرض
2
المبعوث الدبلوماسي للطرد كشخص غير مرغوب فيه.
وفي جميع األحوال ،فإن تمتع أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي بالحصانة القضائية في
الدولة المعتمد لديها المبعوث ،ال يعفيهم من قضاء الدولة المعتمدة ،أي دولة المبعوث،
فالطرف المتضرر يستطيع رفع دعوى ضد أحدهم أمام محاكم محاكم الدولة المعتمدة ،وقد
تقرر الجهات المختصة ذات العالقة رفع الحصانة عنه ،لتمكين الطرف المتضرر من رفع
دعوى أمام المحاكم المختصة في الدولة المعتمد لديها المبعوث الدبلوماسي .ولكن كيف
للمتضرر Tأن ُي ساءل أفراد هذه األسرة؟ أو بعبارة أخرى ،ما هي طرق مساءلة أفراد أسرة
المبعوث الدبلوماسي؟
المطلب الثاني :طرق مساءلة أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي
-عاطف فهد المغاريز ،الحصانة الدبلوماسية بين النظرية والتطبيق ،ص.131 1
15
إن تمتع أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي بالحصانة القضائية في الدولة المعتمد لديها
المبعوث ،ال يعني ثبوت حقهم في خرق قوانين وأنظمة تلك الدولة ،ومن ثم فإن التساؤل
الذي يثار هنا هو :إذا كانت أسرة المبعوث تتمتع بالحصانة القضائية ،فهل يوجد سبيل
لمساءلتهم عما يصدر منهم من أفعال تُعد خرقاً للقواعد القانونية المرعية في الدولة هي
المستقبلة؟ وإ ذا كان هناك ثمة سبيل لذلك ،فما هي الوسائل التي عن طريقها يمكن أن
يسلكها المتضرر لمساءلتهم؟ قبل اإلجابة عن هذا التساؤل ،البد من القول إن الطرق
الدبلوماسية تتصدر دائماً في هذا المضمار موقعها وجدواها ،من ناحية أن العالقة عالقة
دبلوماسية بين دولتين أوال وآخرا ،وأن سلوك الطرق الدبلوماسية ال مناص منه ،إذا كانت
المسألة يمكن حلها بتلك الطرق ،التي يمكن بواسطتها تحقيق احترام المبعوث الدبلوماسي
وإ عادة الحق إلى أهله ،وذلك عن طريق تدخل وزارة الخارجية لكال الدولتين .ولكن إذا لم
تستطع الطرق الدبلوماسية من تحقيق األهداف المرجوة ،التي من أجلها ُمنحت الحصانة،
فال سبيل من سلوك الوسائل األخرى التي يمكن عن طريقها مساءلة أفراد أسرة المبعوث
الدبلوماسي ،سواء عن طريق قضاء الدولة المعتمد لديها المبعوث ،أو عن طريق قضاء
الدولة المعتمدة.
الفرع األول :مساءلة أفراد أسرة المبعوث عن طريق قضاء الدولة المعتمد لديها
يفرض القانون الدولي التزاماً قانونياً على الدولة المعتمد لديها المبعوث الدبلوماسي ،بأن
تحترم شخصه ،وتطبق قواعد الحصانة القضائية عليه وعلى المستفيدين معه ،ومنهم
أفراد أسرته ،وبخالف ذلك فإنه يعد انتهاكاً لقاعدة من قواعد القانون الدولي ،ومن ثم
ترتب المسؤولية الدولية عليها نتيجة االخالل بقواعد الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية.
وعليه ،فإن المبعوث وأفراد أسرته عندما يرتكبون فعالً يعد خرقاً لقوانين وأنظمة الدولة
المستقبلة ،فال يخضعون لالختصاص القضائي لتلك الدولة ،إال في حالة التنازل عن
الحصانة ممن يملك صالحية ذلك اإلجراء .ألن المبعوث مع أفراد أسرته ،ال يخضعون
16
من حيث المبدأ ،لسلطة قضاء الدولة المعتمد لديها المبعوث ،سواء أكان ذلك في إطار
القضاء المدني أو الجنائي ،ولكن إقرارا لمبدأ العدل واإلنصاف وتجنباً للصعوبات التي
تتطلبها وسيلة اللجوء إلى محاكم الدولة المعتمدة ،اتجه الفقه واالجتهاد القضائي إلى إقرار
1
مبدأ التنازل عن الحصانة القضائية ،كإمكانية فقط وليس كواجب يفرض على الدولة.
ولكن هذا التنازل ،يجب أن يقترن بالموافقة الصريحة من الدولة المعتمدة ،سواء أكان في
المسائل الجنائية أم المسائل المدنية ،وهذا ما اتجهت به الممارسة الدولية منذ بداية القرن
المنصرم ،حيث يجب أن تقرن هذه الموافقة بإذن يصدر بصورة مباشرة من الدولة
المعتمدة أو من رئيس البعثة بصفته ممثالً لها ،وحينذاك يمكن مقاضاة أفراد أسرة
المبعوث الدبلوماسي أمام محاكم الدولة المستقبلة ،فيما لو صدر التنازل من الدولة الموفدة
أو من رئيس بعثتها الدبلوماسية بوصفه ممثالً لدولته .وعلى هذا األساس ،اتجهت اتفاقية
فينا للعالقات الدبلوماسية لعام ،1961إلى تقرير مبدأ التنازل عن الحصانة القضائية،
كإمكانية مرتبطة بإرادة الدولة المعتمدة ،وليس كواجب يفرض عليها ،وهذا ما نصت عليه
االتفاقية في المادة ( )32في فقرتها األولى والثانية ،عندما اجازت للدولة المعتمدة أن
تتنازل عن الحصانة القضائية التي يتمتع بها مبعوثها الدبلوماسي ،واألشخاص المتمتعون
بها بموجب المادة ( )37والذي من بينهم أفراد أسرة المبعوث ،وقررت أن يكون التنازل
صريحاً في جميع األحوال .وعلى ذلك ،فإن االتفاقية أكدت على التنازل الصريح وليس
الضمني ،سواء أكان ذلك في الدعاوى المدنية أو الجنائية ،وفي جميع األحوال والظروف
سواء أكان أفراد األسرة مدعون أو مدعى عليهم ،كما إن الفقرة الثالثة من المادة ()32
نصت على أنه "ال يحق للمبعوث الدبلوماسي أو الشخص المتمتع بالحصانة القضائية
بموجب المادة ( )37إن أقام أية دعوى االحتجاج بالحصانة القضائية بالنسبة إلى أي طلب
عارض يتصل بالدعوى .وهذا يعني أن التنازل عن الحصانة القضائية يبقى سارياً في
جميع مراحل الدعوى وبالنسبة لكل ما يتعلق بها من دفوع أو طعون تقدم من الخصم،
17
وذلك حتى يتم الفصل في الدعوى ويكتسب القرار الدرجة القطعية .ويرى جانب من
الفقه ،أنه في حالة التنازل عن الحصانة القضائية يبقى الشخص يخضع لإلجراءات التي
يخضع لها المواطنون األجانب ،أي يخضع لقواعد االختصاص القضائي التي تطبق على
األجانب ،فإذا وجدت المحكمة المدنية أن الدعوى ال تخضع الختصاصها القضائي ،إنما
تخضع الختصاص محاكم دولة أخرى ،فعليها أن تمتنع عن النظر في الدعوى هذه ،ألن
التنازل عن الحصانة القضائية ال يمنح محاكم الدولة المستقبلة اختصاصاً أوسع مما هو
1
محدد لها في قوانينها الوطنية.
الفرع الثاني :مساءلة أفراد أسرة المبعوث عن طريق قضاء الدولة المعتمدة
اتجه الفقه والممارسة الدولية ،والتشريع الدولي ،إلى األخذ بإمكانية رفع الدعوى على
المبعوث الدبلوماسي ،أمام محاكم الدولة المعتمدة ،ومقاضاته عن االعمال المخالفة للقوانين
واألنظمة المحلية ،على اعتبار أنه في الوقت الذي ال يتمتع فيه بأية حصانة في بلده فإنه
2
يمكن تنفيذ أي حكم يتخذ بحقه.
وقد نصت اتفاقية فينا للعالقات الدبلوماسية لعام ،1961وفي الفقرة الرابعة من المادة (
)31على أن تمتع المبعوث الدبلوماسي بالحصانة القضائية في الدولة المعتمد لديها ال
يعفيه من قضاء الدولة المعتمدة .ومن ثم ،فإن محاكم دولة أفراد أسرة المبعوث
الدبلوماسي تختص بالنظر في القضايا المدنية والجنائية التي تنشأ على إقليم الدولة
المستقبلة ،وليس للمبعوث وال ألفراد أسرته حق الدفع بعدم االختصاص المكاني أو الدولي
أمام المحكمة التي تنظر القضية ،ويستطيع ذوو العالقة . .كما يرى البعض _ إقامة
الدعوى مباشرة أمام محاكم دولته ،دون انتظار رد الدعوى المرفوعة أمام محاكم الدولة
المستقبلة ،أو اللجوء إلى الوسائل الدبلوماسية ،ودون أخذ موافقة حكومته أو رئيس البعثة
الدبلوماسية.
-عاطف فهد المغاريز ،الحصانة الدبلوماسية بين النظرية والتطبيق ،ص.135 1
18
والبد من القول ،أن هذه الوسيلة التي اعتمدتها اتفاقية فينا ال تخلو من المعوقات
والصعوبات ،والتي من بينها التكاليف الباهظة التي يتكبدها المتضرر ،وأيضاً صعوبات
تتعلق بتعيين القانون الصالح لتحديد محل إقامة المبعوث الدبلوماسي ،حيث من الممكن أن
يالحظ تشريع الدولة المعتمدة كقانون صالح المنزل األخير الذي يقيم فيه أفراد أسرة
المبعوث الدبلوماسي ،كما يمكن أن ال يالحظ هذا التشريع وجود قانون صالح عندما يقيم
1
المبعوث بصفته الدبلوماسية في الخارج.
إضافة إلى أنه يتعذر على القاضي النظر في الدعوى أو اصدار الحكم بشأنها إذا كان
قانون دولة المبعوث لم يتعرض للحالة التي نشب النزاع فيها وخاصة بالنسبة للقضايا
الجنائية ،إذ ال جريمة وال عقوبة إال بنص .كما أن هناك صعوبات عملية تنشأ من مبدأ
خضوع المبعوث الدبلوماسي الختصاص محاكم دولته ،خاصة إذا كانت دولته هي التي
طلبت منه القيام باألعمال والتصرفات المخالفة ألحكام قوانين الدولة المعتمد لديها
المبعوث ،أو أن أحكام قوانين الدولة المستقبلة وقيام المسؤولية المدنية أو الجنائية قد ال
تعتبر مخالفة وفق أحكام قوانين دولته ،مما يجعل من مهمة المتضرر تبدو صعبة إن لم
تكن مستحيلة.
أمام هذه الصعوبات ،وأمام رفض الدول القتراحات لجنة القانون الدولي المقدمة في عام
،1957بخصوص مشروع االتفاقية ،والمتضمن تعيين القانون الصالح الذي يحدد
المحكمة ذات الصالحية للفصل في القضايا المتعلقة بالمستفيدين من الحصانة ،أقر مؤتمر
فينا لعام ،1961الفقرة الرابعة من المادة ( )31من االتفاقية بنصها الحالي دون تعيين
المحكمة الصالحة ،أو بعبارة أخرى أصرت الدول على عدم األخذ باقتراح تعديل
تشريعاتها بما يتالءم مع مبدأ تعيين المحكمة الصالحة للبت بجميع المخالفات المرتكبة من
قبل المبعوث وأفراد أسرته في الدولة المعتمد لديها المبعوث ،وكانت حجة الدول الرافضة
19
تقوم على أن تعيين القانون الصالح وتعيين المحكمة ذات الصالحية تعود إلى القانون
2
الداخلي ومن ثم ال يمكن الطلب إلى الدول تعديل تشريعاتها حول هذه النقطة.
خاتمة:
تعد الدبلوماسية اليوم ،من أهم األدوات لدى الدولة ،في تعزيز نفوذها بين الجماعة
الدولية ،وهي بمثابة القوى المحركة لها ومصدر نشاطها ،ومن ثم ،فإن للدبلوماسيين
دور في تفعيلها والتحكم ببوصلتها نحو االتجاه الصحيح ،ولكن هذا األمر منوط بتمكينهم
من أداء مهامهم الدبلوماسية بجو من الطمأنينة ،وال يتصور ذلك ،مالم يتحصنون من
سلطان الدولة المعتمدون لديها ،وال يكتمل ذلك األمر ،إال بشمول أفراد أسرة المبعوث
الدبلوماسي بالحصانات واالمتيازات المقررة له ،ومن أهم تلك الحصانات الحصانة
القضائية.
20
لذلك ،أقر القانون الدولي ،شمول أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي بالحصانة
القضائية ،من سلطان قضاء الدولة المعتمد لديها المبعوث ،وهذا ما أكدته اتفاقية فينا
للعالقات الدبلوماسية لعام ،1961في العديد من نصوصها ،وما سار عليه العمل الدولي،
والبد من القول أن لتلك الحصانة شروطها ،في وجوب أن يكونوا أفراد األسرة من أهل
بيت المبعوث الدبلوماسي ،وأال يكونوا من رعايا الدولة المستقبلة ،وإ نما من رعايا الدولة
المرسلة ،أو من رعايا دولة ثالثة.
وعلى ذلك ،سيكون لهم الحصانة من سلطان محاكم الدولة المعتمد لديها المبعوث
الدبلوماسي ،سواء في نطاق االختصاص المدني واإلداري أو في نطاق االختصاص
الجنائي ،ولكن في المقابل يجب على أفراد أسرة المبعوث أن يحترموا قواعد وأنظمة
وتقاليد المجتمع والدولة المعتمد لديها المبعوث ،وإ ال تعرضوا لجزاء مادي ،يكون في
صورة طرد المبعوث بوصفه شخصاً غير مرغوب فيه ،أو في صورة إنزال العقوبات
المقررة قانوناً في دولتهم.
وبذلك ،فإن الحقيقة على خالف الخطأ الشائع المتمثل في أن المبعوث وأفراد أسرته
ال يعاقبون على خرقهم للقانون لتمتعهم بالحصانة القضائية ،ذلك ألن الحصانة ترتبط
باإلعفاء من االختصاص القضائي وليس اإلعفاء من العقوبات ،بل إن لدولة المبعوث
صالحية التنازل عن الحصانة التي يتمتع بها أفراد األسرة ،وبذلك تستطيع الدولة المعتمد
لديها المبعوث ،من تقديم المخالف لقضائها ومساءلته عن تلك المخالفات وإ نزال العقوبات
وفقاً لقوانينها.
قائمة المراجع:
سهیل حسين الفتالوي الحصانة الدبلوماسية ،الطبعة األولى ،دار وائل للنشر
والتوزيع ،عمان.2010 ،
شادية رحاب الحصانة القضائية الجزائية للمبعوث الدبلوماسي ،أطروحة دكتوراه
جامعة الحاج لخضر_ باتنة ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،الجزائر.2006 ،
21
عاطف فهد المغاريز ،الحصانة الدبلوماسية بين النظرية والتطبيق ،الطبعة الثانية،
دار الثقافة للنشر والتوزيع ،عمان.2010 ،
عدنان البكري ،العالقات الدبلوماسية والقنصلية ،الطبعة األولى ،المؤسسة الجامعية
للدراسات والنشر ،بيروت.1986 ،
علي حسين الشامي الدبلوماسية ،الطبعة الخامسة ،دار الثقافة للنشر والتوزيع،
عمان.2010 ،
22