Professional Documents
Culture Documents
مدخل للعلوم القانونية المجموعة ج د -عادل ذوادي
مدخل للعلوم القانونية المجموعة ج د -عادل ذوادي
هذه املطبوعة تتضمن املحاضرات املوجهة لطلبة السنة أولى ليسانس حقوق
املجموعة :ج
من إعداد :الدكتورعادل ذوادي
السنة الجامعية:
2022/2021
تمهيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد:
تستهدف دراسة النظرية العامة للقانون بيان ما يتعلق به من مفاهيم ومبادئ أساسية دون التطرق إلى
دقائقه وتفصيالته التي يتعذر اإلحاطة بها نظرا ألن كل فرع من فروع القانون له كيان خاص به يميزه عن غيره
من الفروع .لكن هذه األخيرة ورغم تباينها إال أنها تتفق جميعها في أنها تقوم على مبادئ وأصول عامة تنطبق
عليها كلها .ومن ثم فإن كل ما يتعلق بالقانون من حيث تعريفه وتحديد خصائصه وفروعه ومصادره ونطاق
تطبيقه يعتبر من قبيل املبادئ القانونية العامة التي تصدق على كافة الفروع ،ويتكون من هذه املبادئ ما يسى
بالنظرية العامة للقانون .وتعتبر دراسة هذه األخيرة مدخال الزما وحتميا قبل االنتقال لدراسة وفهم فروع
القانون املختلفة.
ولإلشارة فالعلوم القانونية يقصد بها تلك التي تتناول بالدراسة موضوعا واحدا هو القانون .وهذا رغم
أن كل واحد منها يبحث فيه من زاوية معينة .فهناك علم القانون باملعن الضيق وفيه يقتصر البحث على
القوانين الوضعية القائمة في دولة معينة بهدف التعرف على قواعدها القانونية وتحليلها ملعرفة مضمونها ،أي
ما تقرره من حقوق وواجبات وما تقترن به من وسائل تكفل احترامها .وهناك علم تاريخ القانون وهو يبحث في
تطور القاعدة القانونية كيف كانت وماذا أصبحت فيربط بين الحاضر باملاض ي ويمهد للمستقبل .وهناك علم
القانون املقارن وهو يبحث في قوانين عدة دول محاوال الكشف عن أوجه التشابه واالختالف بينها .كما أن
هناك علم االجتماع القانوني وهو يبحث في القوانين باعتبارها ظاهرة اجتماعية ومن ثم يبحث تأثرها بتطور
املجتمع وتأثيرها في البنيان االجتماعي واالقتصادي للدولة .وبعبارة أخرى يبحث هذا العلم االرتباط بين األنظمة
القانونية والواقع االجتماعي .وهناك أيضا علم فلسفة القانون وهو يبحث في القوانين لذاتها عن طريق تحديد
األساس الذي تقوم عليه واألهداف التي ترمي إليها بشكل مجرد .وفيما يلي ،سنتناول بالدراسة تباعا كل من:
املحور األول :مفهوم القانون :تعريف القانون
خصائص القاعدة القانونية
تمييز القواعد القانونية عن غيرها من قواعد السلوك
أنواع القاعدة القانونية
املحور الثاني :تقسيمات القانون
املحور الثالث :مصادر القانون الرسمية :األصلية
االحتياطية
املحور الرابع :تطبيق القانون :من حيث األشخاص
من حيث املكان
من حيث الزمان
1
املحوراألول :مفهوم القانون:
أوال :تعريف القانون
/1التعريف اللغوي :تعني كلمة قانون في اللغة :مقياس كل ش يء وطريقه .ويرجع أصل كلمة ''قانون'' إلى
االقتباس من اللغة اليونانية ،فهي كلمة معربة أخذت من الكلمة اليونانية '' ''Kanunأو من الكلمة الالتينية
'' "Kanonوالتي تعني ''العصا املستقيمة'' .ويعبرون بها مجازيا عن القاعدة ) (Règle la'' Regulaأو القدوة أو
املبدأ أو النظام ،وقد عبرت عنها اللغة الفرنسية بكلمة Droitوتقابلها في اإليطالية Dirittoوفى األملانية... Recht
الخ .ويستخلص من هذا أن كلمة ''قانون" تستعمل كمعيار لقياس انحراف األشخاص عن الطريق املستقيم،
أي عن الطريق الذي سطره لهم القانون لكي يتبعوه في معامالتهم.
/2التعريف العلمي :القانون يراد به القاعدة الثابتة املطردة ،فإذا تكرر أمر معين على وتيرة واحدة؛ بحيث
يعتبر خاضعا لنظام ثابت قيل إنه يخضع لقانون معين ،وفي هذا املعن يقال مثال قانون تعاقب الليل والنهار
في مجال علم الفلك ،وقانون الجاذبية األرضية في مجال علم الطبيعة ،وقانون العرض والطلب في مجال علم
االقتصاد.
/3التعريف االصطالحي :ملا كان املعن اللغوي ليس هو املقصود في مجال علم القانون ،فقد اتجه الفقهاء
نحو إعطاء تعريف مستمد من خصائص القاعدة القانونية ذاتها.
أ) التعريف الواسع :القانون هو مجموعة القواعد العامة واملجردة التي تنظم سلوك وعالقات األشخاص في
املجتمع على نحو ملزم .سىي بالتعريف الواسع ألنه يركز في تعريف القانون على خصائص القاعدة القانونية
بغض النظر عن مصدرها وشكلها .وتجدر اإلشارة إلى أنه إذا وجد مصطلح الوضعي إلى جانب القانون (أي
القول القانون الوضعي ،)droit positif-فإنه يقصد من ذلك جميع القواعد القانونية السارية النفاذ حاليا في
دولة معينة ،فلما نقول مثال القانون الوضعي الجزائري فنقصد بذلك القواعد السارية النفاذ حاليا في الجزائر.
ب) التعريف األقل اتساعا :القانون هو مختلف القواعد العامة واملجردة املكتوبة التي تصدر عن السلطات
املختصة في الدولة لتنظيم سلوك وعالقات األشخاص في املجتمع على نحو ملزم .وهذا التعريف ينطبق على
التشريع ) (La Loiبصفة عامة ،حيث نقول التشريع الجزائري أو القانون الجزائري كالهما جائز.
ج) التعريف األقل ضيقا :القانون هو مجموعة القواعد العامة واملجردة التي تنظم سلوك وعالقات األشخاص
في املجتمع على نحو ملزم في موضوع أو مسائل محددة ،فنقول مثال القانون املدني ( ،)le droit civilالقانون
الجنائي ( ،)le droit pénalالقانون اإلداري ( ...)le droit administratifالخ.
0
د) التعريف الضيق :القانون هو مجموعة القواعد العامة واملجردة املكتوبة التي تنظم سلوك وعالقات
األشخاص في املجتمع على نحو ملزم في موضوع أو مسائل محددة والصادرة عن السلطة التشريعية في الدولة.
وهو ما يطلق عليه بالتقنين ( ،)le codeبحيث يوجد التقنين املدني ( ،)le code civilتقنين العقوبات ( le code
)pénalالتقنين التجاري ) ... (le code du commerceالخ.
ثانيا :خصائص القاعدة القانونية
يمكن تعريف القاعدة القانونية – باعتبارها هي النواة ألي فرع من فروع القانون – بأنها خطاب عام
ومجرد موجه لألشخاص على سبيل اإللزام يتضمن إما أمرا أو نهيا بشأن مسألة (أو عدة مسائل) بهدف ضبط
وتوجيه سلوك املخاطبين بها بما يحقق النظام واالستقرار داخل املجتمع.
من خالل هذا التعريف ،نستنتج بأن القاعدة القانونية تتميز بكونها:
/1قاعدة سلوك اجتماعي:
وصف القواعد القانونية بأنها قواعد سلوك اجتماعي يراد به أنها قواعد تقويمية وليست قواعد
تقريرية؛ ذلك ألن الغرض من القانون هو ضبط السلوك االجتماعي ،ولذا فهو ال يحدد ما هو كائن في املجتمع،
وإنما يحدد ما يجب أن يكون عليه املجتمع وسلوك افراده ،وهذا على عكس القواعد املتعلقة بالظواهر
الطبيعية فإنها قواعد تقريرية ألنها تقرر أمرا واقعا وليس ما يجب عليه أن يكون .وعلى هذا نجد بأن القاعدة
القانونية تتكون من عنصرين ،هما :عنصر الفرض (التكليف) وعنصر الحكم .فقواعد القانون تتضمن خطابا
تتوجه به إلى األشخاص ليس على سبيل النصح واإلرشاد ،وإنما على سبيل الجبر والتكليف ،أي هي تحمل
املخاطبين على التقيد بمضامينها حت تنضبط سلوكاتهم وتصرفاتهم وفقا لها .فتصبح هي املرجع الذي من
خالل أحكامه يحدد األشخاص ما يمكنهم القيام به أو عدم القيام به.
فالحكم في القاعدة القانونية هو األثر الذي يجب أن يحدث إذا وقع الفرض .وقد يكون حكم القاعدة
القانونية مقصودا لذاته ،سواء أكان يتضمن اقتضاء ،أي يفيد وجوب القيام بعمل معين كالقاعدة التي توجب
على الزوج أن ينفق على زوجته ،أو يفيد املنع والنهي عن القيام بعمل ،وهذا هو شأن قواعد قانون العقوبات
التي تحرم ارتكاب الجرائم .وقد يفيد اإلباحة والتخيير بين الفعل والترك ،ويتم التعبير عن اإلباحة في الغالب
بعبارة يجوز كالقاعدة التي تنص عليها (املادة 550من القانون املدني الجزائري) مثال من أنه (:يجوز للمقاول
أن يقتصر على التعهد بتقديم عمله فحسب على أن يقدم رب العمل املادة التي يستخدمها أو يستعين بها في
القيام بعمله .كما يجوز أن يتعهد املقاول بتقديم العمل واملادة معا).
1
وقد ال يكون حكم القاعدة القانونية مقصودا لذاته ،وإنما لتيسير التعبير عن قاعدة قانونية أخرى
وفهمها .وهذا هو شأن كل قاعدة قانونية تقتصر على بيان املعن االصطالحي للفظ ّ
معين كالقواعد القانونية
التي تبين معن البيع وغيره من العقود املسماة ،وكالتي تبين معن الرشد والتمييز مثال .فاألحكام في مثل هذه
القواعد ليست مقصودة لذاتها ،وإنما لتحديد معن هذه املصطلحات عندما ترد في قواعد قانونية أخرى.
ويترتب على هذه الخاصية أن القاعدة القانونية ال تهتم كأصل إال بالسلوك الخارجي لإلنسان دون النظر
إلى نواياه .فالقانون ال شأن له بالنوايا املحضة أيا كانت ،فالنية املحضة أو املجردة التي تبقى كامنة في نفس
صاحبها بدون تعبير مباشر أو غير مباشر عنها ال يعتد بها القانون وال يرتب عليها أي أثر .وكون القانون ال يهتم
بالنوايا ،ال يعني هذا أن القانون ال يعول على الدوافع النفسية عند األفراد ،إذ هو يقدر أفعال الناس وفقا
إلرادتهم ونواياهم .فال شك في أنه عند الحكم على أفعال الفرد تكون الناحية الداخلية لهذه األفعال ذات أهمية
خاصة .أي أن القانون يعتد باإلرادة وبالنوايا التي أدت إلى هذه األفعال .فالنتائج القانونية التي تترتب على فعل
ما تختلف بحسب ما إذا كان هذا الفعل قد وقع بحسن نية أو بسوء نية .فمن الناحية الجنائية يختلف أثر
الجرم الذي اقترن بسبق اإلصرار عن الجرم الذي لم يسبقه إصرار ،وفي التمييز بين الخطأ العمدي والخطأ
غير العمدي...
/2قاعدة عامة ومجردة:
فهي أوال قاعدة عامة :بمعن أنها تتناول األشـخاص املخاطبين بحكمها بصفاتهم ال بذواتهم ،وتعالج
الوقائع وفقا لشروطها العامة ال وفقا لكل واحدة منها بالذات .فالقاعدة القانونية التي تعاقب السارق بالحبس
تعتبر قاعدة عامة ألنها تطبق على كل من يرتكب السرقة .فالعمومية ال يقصد بها أن القاعدة تطبق فعال على
جميع الناس ،وإنما يقصد بها أنها قابلة للتطبيق على كل من تتوافر فيه شروطها .وعلى ذلك فقواعد القانون
التجاري تعتبر قواعد عامة ،ولو أنها ال تطبق إال على طائفة التجار ،وذلك ألنها تطبق على كل من تتوافر فيه
صفة التاجر .كذلك تتوافر صفة العمومية في القاعدة التي تحدد ما يجب أن يتوفر في رئيس الجمهورية من
شروط ،فهي وإن كانت ال تنطبق إال على فرد واحد إال أنها ال تنطبق عليه محددا بذاته وإنما بصفات معينة
قد تتوفر في غيره .وبناء عليه فإن املرسوم الرئاس ي الذي يصدر بتعيين شخص معين رئيسا للجامعة ال يضع
قاعدة عامة ،وعلى ذلك ال يضع قاعدة قانونية.
وهي ثانيا مجردة :ويظهر التجريد في القاعدة القانونية من حيث أن نشوءها ال يتعلق بشخص معين
بالذات أو بواقعة معينة ،وتظل بالتالي القاعدة القانونية قائمة ،مهما بلغ عدد تطبيقها على األشخاص
والوقائع ،طاملا قد توافرت الشروط املحددة في القاعدة القانونية السارية النفاذ .ومن هنا فإن هناك ارتباطا
2
حتميا بين التجريد والعمومية ،فتنشأ القاعدة مجردة وتكتسب نتيجة ذلك صفة العمومية عند تطبيقها على
األشخاص والوقائع .وعليه فالقاعدة القانونية باعتبارها خطابا عاما ومجردا ال تستنفد أثرها بتطبيقها على
شخص معين أو واقعة معينة ،بل تطبق على الدوام وعلى عدد غير متناه من الحاالت طاملا توافرت الصفات
أو الشروط العامة التي تفترضها .وتطبيقا لذلك يعتبر ما نص عليه قانون الخدمة العسكرية قواعد قانونية،
ألنه يطبق على مجموعة من األشخاص معينين بأوصاف وشروط محددة .بينما القرار الصادر بدعوة شـخص
معين للخدمة العسكرية ال يشكل قاعدة قانونية ،ألنه يتوجه إلى شخص معين بالذات.
نستنتج مما تقدم أن أساس العمومية والتجريد في القاعدة القانونية هو:
1ـ مبدأ سيادة القانون ومبدأ املساواة أمام القانون.
2ـ صفة العمومية و التجريد تجد أساسها أيضا في تحقيق العدل :فالعدل يتطلب املس ــاواة في معاملة
املخاطبين بأحكام القانون دون تفرقة بينهم ،وصفة العمومية والتجريد التي تتصف بها القاعدة القانونية
تجعلها محققة للعدل دون العدالة .فالعدل يقوم على أساس املساواة املجردة الجامدة بين املواطنين دون
االعتداد بالظروف الخاصة بكل منهم .أما العدالة فتقوم على أساس تحقيق املساواة الفعلية والواقعية التي
تأخذ بالحسبان الظروف الخاصة بكل حالة على حدة .
3ـ كما يالحظ أن صفة العمومية والتجريد ترتبط باعتبارات عملية مرجعها استحالة صدور قرارات خاصة
تنظم سلوك كل فرد على حدة في املجتمع .
/3قاعدة ملزمة:
ما دامت القاعدة القانونية هي قاعدة سلوك؛ فال يمكن لها أن تحقق غايتها إال إذا كان األشخاص
املخاطبون بأحكامها يشعرون بأنها واجبة االتباع واالحترام .فمعن اإللزام في القاعدة القانونية ،هو شعور
األشخاص املخاطبين بأن القاعدة واجبة االتباع ،ولن يتحقق هذا الشعور إال إذا كانت الجماعة تمتلك من
الوسائل املادية ما يؤمن احترام القاعدة القانونية ،وفي مقدمة هذه الوسائل أن تضع الجماعة جزاء منظما
يتم إيقاعه على من يخالف القاعدة القانونية ويخرقها.
والجزاء هو ردة الفعل املقررة في حالة مخالفة قاعدة قانونية وتوقعه سلطة مختصة ،أو هو أثر يـتخذ
صورة أذى مادي منظم يترتب على مخالفة أحكام القاعدة القانونية يفرض من قبل السلطة العامة في الدولة،
وذلك لزجر املخالف وردع غيره .ومن خصائص الجزاء:
.1الطابع املادي املحسوس في الجسد (اإلعدام) ،الحرية (السجن والحبس) واملال (الغرامة والتعويض).
3
.2الجزاء يطبق حاال دون تأجيل عكس العقوبة اإللهية مثال والتي ينزلها هللا سبحانه وتعالى في الدنيا
واآلخرة (عاجل وآجل).
ّ
.3الجزاء يكون دائما منصوص عليه في القانون فال جـريـمـة وال عقوبة إال بنص (بالنسبة للـجزاء الجنائـي).
.4الجزاء توقعه سلطة مختصة.
وأما عن صور الجزاء ،ففضال عن الجزاء الدولي املترتب عن مخالفة قواعد القانون الدولي والجزاء
الدستوري والسياس ي املترتب عن مخالفة قواعد القانون الدستوري ،فإن أهم صور ه هي تلك التي تمس
مباشرة األفراد ،وهي:
أ -الجزاء الجنائي :وهي العقوبات املقررة قانونا في حالة ارتكاب جـريـمة (جناية ،جنحة ،مـخالفة) .فبحسب
املادة 05من قانون العقوبات الجزائري ،فإن :العقوبات األصلية في مادة الجنايات هي:
)1اإلعدام،
)2السجن املؤبد،
)3السجن املؤقت ملدة تتراوح بين خمس ( )5سنوات وعشرين ( )20سنة.
-العقوبات األصلية في مادة الجنح هي:
)1الحبس مدة تتجاوز شهرين إلى خمس سنوات ماعدا الحاالت التي يقرر فيها القانون حدودا أخرى،
)2الغرامة التي تتجاوز 20.000دج.
-العقوبات األصلية في مادة املخالفات هي:
)1الحبس من يوم واحد على األقل إلى شهرين على األكثر،
)2الغرامة من 2000دج إلى 20.000دج.
أما بحسب املادة 09ذات القانون فإن العقوبات التكميلية هي:
– 1الحجر القانوني،
– 2الحرمان من ممارسة الحقوق الوطنية واملدنية والعائلية،
– 3تحديد اإلقامة،
– 4املنع من اإلقامة،
– 5املصادرة الجزئية لألموال،
– 6املنع املؤقت من ممارسة مهنة أو نشاط،
–7إغالق املؤسسة،
– 8اإلقصاء من الصفقات العمومية،
– 9الحظر من إصدار الشيكات و/أو استعمال بطاقات الدفع،
– 10تعليق أو سحب رخصة السياقة أو إلغاؤها مع املنع من استصدار رخصة جديدة،
4
– 11سحب جواز السفر،
– 12نشر أو تعليق حكم أو قرار اإلدانة.
ب -الجزاء املدني :هو إما التنفيذ العيني أو بمقابل (التعويض) أو البطالن أو الفسخ أو الغرامة التهديدية.
ج -الجزاء الداري (التأديبي) :وهو الجزاء الذي يوقع على موظفي الدولة والعاملين بها من جانب السلطات
اإلدارية عند ارتكابهم مخالفات إدارية تخالف قواعد العمل الوظيفي .ويختلف باختالف نوع املخالفة ودرجة
املوظف .ومن أمثلة الجزاءات اإلدارية :الحرمان من الترقية ،الخصم من املرتب ،العزل من الوظيفة ،النقل...
ثالثا :تمييزالقواعد القانونية عن غيرها من قواعد السلوك
القاعدة القانونية تھدف إلى ضبط سلوك الفرد داخل املجتمع ،لكن القاعدة القانونیة ليست وحدھا
التي تعمل على تنظیم العالقات االجتماعية بل ھناك قواعد اجتماعية أخرى تحكم بدورها سلوك األفراد،
وھي قواعد املجامالت والعادات واألخالق والدین.
/1القاعدة القانونية والعادات والتقاليد :في كل جماعة توجد قواعد سلوك يتفق األشخاص
على اتباعها بحيث ّ
تعد من عادات املجتمع وتقاليده ،كواجب تقديم العزاء عن املصائب ،وواجب تقديم التهنئة
في املناسبات السعيدة ،وكواجب إلقاء السالم والتحية ،وما ينبغي أن يرتديه األشخاص في بعض املناسبات،
بحيث تصير هذه التقاليد أو العادات جزءا من التنظيم االجتماعي في هذا املجتمع أو ذاك .وهذه العادات
والتقاليد قابلة للتغيير بصورة تلقائية ،مثلما تكتسب ،وتكتسب قوتها بصورة تلقائية بسبب اعتياد األشخاص
على اتباعها في سلوكهم .فعندما يجد األشخاص أن من هذه العادات ما ينافي العقل السليم والفطرة السليمة
فإن الجماعة تبدأ تدريجيا بالعزوف عن اتباعها وتتبع غيرها.
الفرق بين هذه القواعد والقاعدة القانونية:
+من حيث الجزاء فإن القاعدة القانونية يكون الجزاء فيها ماديا ملموسا ،أي توقعه السلطة على املخالف،
أما بالنسبة للجزاء في مخالفة القواعد العادات والتقاليد واملجامالت فيقوم على استنكار الغير لذلك السلوك
املخالف لتلك القواعد.
+أما من حيث الهدف فإن القاعدة القانونية تهدف إلى فرض النظام داخل املجتمع عكس قواعد املجامالت
فهي في األغلب هدفها نشر الود واملحبة بين الناس.
/2القاعدة القانونية والقاعدة األخالقية :قواعد األخالق هي املثل العليا ملا يجب أن يكون عليه سلوك
األشخاص ،كواجب اإلحسان للضعفاء والوفاء بالعهد والصدق في األقوال وإغاثة امللهوف… إلخ .فاألخالق هي
عبارة عن مجموعة من القواعد يساهم في تكوينها أفكار الناس عن الخير والشر بحيث تكون املثل العليا ملا
5
يجب أن يكون عليه سلوك األفراد في املجتمع .فهي من هذا وليدة املعتقدات والتقاليد والعادات املتأصلة في
النفوس .ويجد الناس أنفسهم ملتزمين باتباعها وفقا لوازع أدبي يحكم تصرفاتهم ويسود عالقاتهم
االجتماعية .فمنها القواعد التي تحض على التعاون على البر كاألمر بالعدل واإلحسان وإيتاء ذي القربي ،ومنها
القواعد التي تنه عن التعاون على اإلثم والعدوان كالنهي عن الفحشاء واملنكر والبغي .ومنها القواعد التي
تأمر بالوفاء بالعهد والصدق في القول .ومنها القواعد التي توص ي بأن يحب اإلنسان لغيره ما يحب لنفسه .ومنها
القواعد التي تدعو إلى النصيحة واإليثار على النفس .إلى غير ذلك من القواعد التي تنزع باإلنسان نحو السمو
الخلقي والكمال.
ويقتض ي الحديث عن العالقة بين قواعد القانون وقواعد األخالق شرح أوجه التشابه واالختالف بين هذين
النوعين من قواعد السلوك االجتماعي على النحو اآلتي:
أوجه التشابه بين قواعد القانون وقواعد األخالق:
أ .تعتبر كال من قواعد القانون وقواعد األخالق قواعد سلوك تحكم وتنظم سلوك األفراد في املجتمع وتحدد
واجبات كل فرد تجاه غيره من األفراد.
ب .تعتبر كال من قواعد القانون وقواعد األخالق قواعد عامة ومجردة حيث أن كال النوعين من القواعد
تخاطب الكافة.
ج .تقترن كل من قواعد القانون وقواعد األخالق بالجزاء الذي يوقع على املخالف بالرغم من اختالف ماهية
الجزاء في األولى عنه في الثانية.
د .تشترك كال من قواعد القانون وقواعد األخالق في تحقيق هدف واحد وهو إقامة نظام اجتماعي سليم على
أساس من العدل واملساواة ،حيث يهدفان إلى تنقية املجتمع من الشر ويدعوان إلى الخير وبالتالي تحقيق األمن
والسكينة في املجتمع.
مما سبق ،يتضح وجود صلة وثيقة بين القانون واألخالق ،لذلك نجد أن القانون يستند في كثير من
األحيان إلى أسس خلقية في تنظيم أمر معين كتجريم االعتداء على النفس أو العرض أو املال.
أوجه االختالف بين قواعد القانون وقواعد األخالق:
أ .من حيث الجزاء :سبق القول بأن كال من قواعد القانون وقواعد األخالق قواعد ملزمة تقترن بالجزاء الذي
يوقع على املخالف ،إال أن الجزاء الذي تفرضه قواعد القانون يختلف عن ذلك الذي تفرضه قواعد األخالق
سواء من حيث الطبيعة أو من حيث السلطة التي توقع الجزاء .فمن حيث الطبيعة الجزاء الذي يوقع على
املخالف لقواعد القانون هو جزاء مادي كالغرامة والحبس واإلعدام والتعويض وإبطال التصرف
القانوني...الخ ،أما الجزاء على مخالفة قواعد األخالق فهو جزاء معنوي يتمثل في نفور املجتمع من املخالف
6
ونبذه واستهجانه واستنكاره للمخالفة .أما من حيث السلطة التي توقع الجزاء على املخالف نجد أن السلطة
العامة هي الجهة املختصة بتوقيع الجزاء على الشخص املخالف لقواعد القانون وفقا لنوع املخالفة ،بينما من
يخالف قواعد األخالق يتولى ضمير املخالف نفسه واملجتمع الذي يعيش فيه إيقاع الجزاء عن طريق نبذ
املخالف واستهجان فعلته وازدرائه .إال أن اختالف الجزاء بين نوعي القواعد ال يعني انفراد كل منهما ،حيث
من املمكن أن يجتمع الجزاءان معا في فعل واحد مخالف ،فمثال من يرتكب جريمة السرقة يوقع عليه الجزاء
القانوني بالحبس كما يتعرض في نفس الوقت الزدراء الناس واستهجانهم لفعلته ،فيجتمع الجزاءان في هذه
الحالة الجزاء املادي والجزاء األدبي.
ب .من حيث الغاية :إن غاية القانون غاية نفعية تتمثل في تحقيق استقرار املجتمع وأمنه والحفاظ على
النظام فيه بما يكفل تقدمه ورقيه وهو بذلك يراعي الواقع املعاش ،أما غاية قواعد األخالق فهي غاية مثالية
تتمثل في السمو باإلنسان نحو الكمال ،وهي بذلك تراعي ما يجب أن يكون .وبناء على هذا االختالف في الغاية
نجد أن قواعد القانون تتخذ من الشخص العادي نموذجا أو معيارا يعول عليه ،أما قواعد األخالق فتتخذ
من الشخص الكامل النموذج أو املعيار الذي بناء عليه يحدد ما يدخل في نطاق هذه القواعد.
ج .من حيث التحديد والوضوح :إن قواعد القانون تتسم بالوضوح والتحديد وسهولة التعرف عليها
وتطبيقها .أما قواعد األخالق فعلى خالف ذلك حيث تتسم بالغموض وعدم الوضوح كونها عبارة عن أحاسيس
داخلية مستقرة في ضمائر األفراد مما يؤدي إلى صعوبة التعرف عليها بشكل واضح ،فاألحاسيس الداخلية قد
تختلف من فرد إلى آخر .ومن الجدير باإلشارة أن هناك بعض القواعد القانونية ال تتسم بالتحديد والوضوح،
هذه القواعد هي القواعد القانونية املستمدة من العرف وذلك لكونها عبارة عن أحاسيس مستقرة في ضمائر
األفراد ونفوسهم كما هو الحال بالنسبة لقواعد األخالق.
د .من حيث تقرير الحقوق والواجبات :تقرر قواعد القانون الحقوق والواجبات ،فمثال القاعدة القانونية
التي تقرر للشخص حق امللكية على عقار تفرض في نفس الوقت على الغير واجبا عاما وهو احترام هذا الحق
وعد التعرض للمالك في انتفاعه بعقاره .أما قواعد األخالق فتقرر واجبات فقط ،فمثال القاعدة األخالقية
بضرورة مساعدة الغني للفقير تفرض واجبا على الغني تجاه الفقير إال أنها باملقابل ال تقرر حقا للفقير في
مطالبة الغني.
ه .من حيث النطاق :تلتقي القواعد القانونية مع قواعد األخالق في أغلب األحيان .فمثال القواعد القانونية
التي تجرم االعتداء على النفس أو العرض أو املال والقواعد القانونية التي تقض ي بالوفاء بااللتزام لكون العقد
شريعة املتعاقدين والقواعد القانونية التي تمنع إلثراء على حساب الغير دون سبب ،كل هذه القواعد القانونية
هي قواعد أخالقية .وهناك من القواعد األخالقية ما لم يتعرض له القانون كالقواعد األخالقية التي تحث على
7
الفضائل والصدق ومساعدة الغير .كما يوجد من القواعد القانونية ما ليس له عالقة باألخالق كونها قواعد
تهدف إلى تحقيق النفع االجتماعي في مجال ال يتعلق باألخالق ،ومن هذه القواعد تلك املتعلقة بتنظيم املرور
والقواعد التي تنظم إجراءات التقاض ي والقواعد التي تتطلب الكتابة إلثبات التصرفات القانونية.
وأخيرا توجد قواعد قانونية تنافي األخالق ،ومنها قواعد التقادم املكسب والتقادم املسقط حيث أن من يحوز
عقارا ملدة خمسة عشرة سنة بنية تملكه فإنه يصبح مالكا لهذا العقار إذا توافرت الشروط القانونية الالزمة
لذلك ،كما يحق للمدين الذي لم يف بدينه أن يدفع في مواجهة الدائن بسقوط حقه بالتقادم املسقط إذا
مضت مدة خمسة عشرة سنة دون أن يطالب الدائن املدين بحقه .إال أنه يجب أن نشير إلى أن هذه القواعد
التي تنافي األخالق في ظاهرها أنها تهدف في النهاية إلى تحقيق مصلحة عامة للمجتمع تعتبر أولى بالرعاية من
املصلحة الخاصة وذلك في سبيل استقرار املراكز القانونية.
وفي األخير ،نخلص إلى أن دائرة األخالق أوسع من دائرة القانون ،حيث أن كل قاعدة قانونية إما أن
تستند إلى أساس خلقي أو على األقل تتصل باألخالق من ناحية اعتدادها بتحقيق املصلحة العامة.
/3القاعدة القانونية وقواعد الدين:
قواعد الدين عبارة عن مجموعة من األوامر والنواهي املنزلة من هللا سبحانه وتعالى إلى البشر عن
طريق الرسل لتنظيم نشاط األفراد في املجتمع وتشرد اإلنسان إلى ما فيه الخير والصالح في الدنيا واألخرة بما
يؤدي إلى تحقيق العدل واألمان .وتختلف قواعد الدين عن القواعد القانونية من عدة أوجه:
.1من حيث النطاق :قواعد القانون أضيق نطاقا من قواعد الدين ،حيث إن قواعد القانون تحكم وتنظم
واجبات الشخص نحو غيره ،أما قواعد الدين فتحكم وتنظم واجبات الشخص نحو هللا وواجبات الشخص
نحو نفسه وواجبات الشخص نحو غيره ،فمثال قواعد الشريعة اإلسالمية تتضمن ثالثة أنواع من القواعد
من حيث تنظيمها للسلوك وهي:
أ .قواعد العبادات :وهي التي تنظم عالقة اإلنسان باهلل سبحانه وتعالى وتفرض على الشخص واجبات نحو
هللا عز وجل كالصالة والصيام والزكاة والحج...الخ.
ب .قواعد األخالق الشخصية :وهي التي تنظم عالقة اإلنسان بنفسه وواجبه تجاها كالتحلي بالصدق واألمانة
والصبر والوفاء وعدم الكذب...الخ ،لذلك نجد أن القواعد األخالقية يأمر بها الدين بحيث يعمل الدين على
إرساء قواعد األخالق ،مما يعني أن القاعدة الخلقية تكون في نفس الوقت قاعدة دينية.
ج .قواعد املعامالت املالية وغير املالية :وهي التي تنظم عالقة الشخص بغيره في املجتمع ،حيث تشتمل قواعد
الدين اإلسالمي على أحكام تنظم البيع والشراء واإليجار وامللكية وما يتعلق باإلجراءات الالزمة لرفع الدعوى
وطرق اإلثبات...الخ.
8
.2من حيث الجزاء :إن الجزاء على مخالفة قواعد الدين هو جزاء أخروي يوقع على املخالف في اآلخرة .فضال
عن الجزاء الدنيوي الذي يوقعه ولي األمر كما هو الحال في جرائم القصاص والحدود والتعزير .أما الجزاء على
مخالفة قواعد القانون فهو فقط جزاء دنيوي مادي توقعه السلطة العامة بما تملكه من جبر األفراد على
االنصياع ألوامرها.
.3من حيث املصدر :إن قواعد الدين مصدرها سماوي من عند هللا سبحانه وتعالى ،فقد أنزلها على عباده
بواسطة الوحي إلى الرسل ملا فيه من خير وصالح لهم ،أما قواعد القانون فهي قواعد وضعية من صنع البشر.
ومن الجدير باإلشارة أن هناك قواعد دينية ينص عليها القانون فتصبح في هذه الحالة قواعد قانونية .فمثال
امليراث والوصية والوقف...الخ هي أمور تنظمها قواعد الدين (الشريعة اإلسالمية) إال أن املشرع وضع نصوصا
قانونية خاصة بهذه األمور؛ بحيث اتخذ من قواعد الدين مصدرا له فتصبح في هذه الحالة قواعد قانونية،
كما يالحظ أن األمور املتعلقة باألحوال الشخصية من زواج وطالق وغيرها اتخذ املشرع في تنظيمها من قواعد
الدين مصدرا لها ،حيث وضع قانونا لألسرة ينظم ويحكم تلك املسائل ضمن قواعد قانونية ،ومنه فإن قواعد
الدين التي تنظم هذه املسألة هي قواعد قانونية بمقتض إحالة املشرع لها.
رابعا :أن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواع القواعد القانونية
تصنف القاعدة القانونية ألنواع متعددة وفقا لوجهة النظر إليها:
/1القاعدة القانونية املوضوعية والقاعدة القانونية الشكلية:
فيما يتعلق بالقاعدة القانونية املوضوعية ،والتي تسى بقواعد األساس ُويطلق عليها أيضا الجوهر أو
املوضوع ،فهي تلك القواعد التي تحدد حقوق وواجبات األفراد إزاء بعضهم البعض ،واتجاه الدولة ،وكذا
القواعد املتعلقة بحفظ الصالح العام مثل القانون املدني ،والقانون التجاري ،وقانون العمل ...ويتواجد هذا
النوع من القواعد في أغلب فروع القانون سواء العام أو الخاص .فمعظم القواعد الواردة مثال في القانون املدني
هي قواعد موضوعية تتكفل بتنظيم مصادر الحقوق وآثارها وكذلك الجزاءات املترتبة في حال تم مخالفتها.
والقواعد القانونية املوضوعية تشتمل على نوعين من األحكام:
)1األحكام التي تترتب على التصرفات االرادية للشخص كالعقد والهبة والوصية.
)2األحكام التي يقررها املشرع ابتداء دون الرجوع الي إرادة الشخص وتنحصر في الجزاءات التي يتضمنها
القانون.
أما القواعد القانونية الشكلية فيقصد بها مجموع القواعد التي يتعين على أي شخص إتباعها أمام
الجهاز القضائي للمطالبة بالحقوق ،وكذا القواعد املحددة الختصاصات الجهات القضائية ،وطرق
9
الطعن ،وطرق التنفيذ ،وهي ما يطلق عليها قانون اإلجراءات املدنية واإلدارية .كما تتمثل هذه القواعد في
تلك املحددة للسلطات املكلفة بالبحث عن الجرائم ،وإجراءات التحقيق ،واإلجراءات املتبعة أمام الجهات
القضائية الجزائية وهي ما يطلق عليها قانون اإلجراءات الجزائية.
وتجدر اإلشارة إلى أن بعض القوانين تجمع بين الصنفين من القواعد ،يطلق عليها اسم القواعد
املختلطة كالقانون التجاري الذي إلى جانب قواعده املوضوعية املتمثلة في تحديد حقوق والتزامات التجار،
يتضمن قواعد شكلية تتمثل في إجراءات شهر اإلفالس والتسوية القضائية عند تعرض الشركة للتوقف
عن الدفع .غير أن جمع القوانين بين الصنفين من القواعد ال يقلل من قيمة هذا التقسيم ،بل يضل
تقسيم القواعد القانونية إلى موضوعية وشكلية قائما ،مع اعتبار تلك القوانين ذات طبيعة موضوعية
رغم تضمنها لقواعد شكلية.
/2القاعدة القانونية املكتوبة والقاعدة القانونية غيراملكتوبة:
يعتبر عنصر الكتابة هو املعيار األساس ي للتمييز بين النوعين ،فالقاعدة القانونية قد تكون مكتوبة من
طرف السلطة املختصة بإصدار النص القانوني .أما القاعدة القانونية غير املكتوبة ،فهي ما استقرت في أذهان
الناس ومن ثم تواتر العمل بها والخضوع ألحكامها ،دون أن ُتكتب في نص معين كالعرف ومبادئ القانون
الطبيعي وقواعد العدالة .وتجدر اإلشارة إلى أن التمييز بين القواعد املكتوبة وغير املكتوبة يتم فقط وفقا
لظهورها في وثيقة تشريعية وليس في غيرها ،فمجرد اإلشارة إلى قاعدة غير مكتوبة ضمن قرار قضائي و/أو
مؤلف فقهي ال يغير من طبيعتها في ش يء ،إذا تبقى قاعدة غير مكتوبة.
/3القواعد القانونية الدائمة والقواعد القانونية املؤقتة:
القواعد القانونية الدائمة هي تلك التي تصدر لتطبق بصفة دائمة ومستمرة وال تنتهي بمجرد تطبيقها
على حالة أو واقعة معينة .أما القواعد القانونية املؤقتة فهي تصدر لتطبق في فترة محددة وتنتهي تلقائيا
بانقضاء مدتها أو الغرض منها ،مثل حظر التجول في الظروف االستننائية.
/4القواعد القانونية اآلمرة والقواعد القانونية املكملة:
القواعد اآلمرة هي القواعد التي ال يجوز لألفراد أن يتفقوا على ما يخالف حكمها .وكل اتفاق بين األفراد
على مخالفة أحكامها يعتبر اتفاقا باطال ال يعتد به .ألن هذا النوع من القواعد القانونية يتولى تنظيم مسائل
تتعلق بإقامة النظام العام في املجتمع ،ولذلك فإنه ال يصح أن يترك مثل هذا التنظيم إلرادة الفرد .ويالحظ
أنه يجري تسمية هذه القواعد بالقواعد اآلمرة وأحيانا بالقواعد الناهية على أساس أنها قواعد مفروضة وال
10
خيار لألشخاص في إتباعها أو عدم إتباعها بل عليهم العمل بمقتضاها والخضوع ألحكامها .غير أن لفظ اآلمرة
هو الشائع في الفقه ،غير أنه ت جدر مالحظة أن إطالق هذا اللفظ على مثل هذه القواعد ال يعني أنها تتضمن
أمرا في جميع الحاالت ،فقد تتضمن نهـيا عن إتيان فعل معين كنصوص قانون العقوبات التي تنه عن ارتكاب
الجرائم املختلفة .واملقصود من لفظ اآلمرة هو مجرد اإلشارة على عدم جواز خروج األفراد على ما تقض ي به
القواعد عن طريق االتفاقات الخاصة.
ومن أمثلة القواعد اآلمرة تلك التي تتعلق بشكل الدولة أو نظام الحكم فيها والعالقات بين السلطات
العامة ،قواعد قانون العقوبات التي تنظم الجرائم والعقوبات املقررة لها ،القواعد املتعلقة بالخدمة الوطنية
واملشاركة في األعباء العامة عن طريق الضرائب والرسوم ،القاعدة التي تنص على منع التعامل في تركة اإلنسان
على قيد الحياة...إلخ.
وأما القواعد املكملة فهي تلك القواعد التي يجوز لألفراد االتفاق على مخالفتها ألنها ال تتصل باملصلحة
العامة للجماعة بل تتعلق باملصالح الخاصة لألفراد لذلك آثر املشرع أن يترك لهم حرية تدبير مصالحهم ولو
على نحو مخالف ملا تقض ي به القاعدة املكملة التي وضعها املشرع ملواجهة هذه الحالة ،إذ كثيرا ما ال ينتبه
األفراد إلى تنظيم بعض املسائل التفصيلية في اتفاقاتهم الخاصة .فقد اعتبرت هذه القاعدة مكملة إلرادة الفرد
ألنها ال تطبق إال حيث ال يوجد اتفاق بين ذوي الشأن على تنظيم عالقاتهم أو حيث وجد االتفاق وكان ناقصا.
ومن أمثلة القواعد املكملة أن يتفق البائع واملشتري على املبيع والثمن دون أن يحددا معيار دفع الثمن
وتسليم املبيع وال املكان الذي يجب أن يتم فيه ذلك فهنا تسري عليها نصوص التقنين املدني التي تجعل وفاء
الثمن وتسليم املبيع مستحقين فور العقد وتقض ي بأن يكون وفاء الثمن في مكان تسليم املبيع (املادتان -387
388من التقنين املدني) القواعد التي تنظم عالقة املؤجر واملستأجر أو القيام بالترميمات الضرورية في هذا
املكان ما لم يقض ي االتفاق بينهما بغير ذلك...إلخ.
وعن جدوى القواعد القانونية املكملة ،فال بد من اإلشارة :أوال :رغبة املشرع في جعل األفراد يستغنون
عن البحث في املسائل التفصيلية التي تنظم عالقاتهم ،دفعته إلى إيجاد القواعد الكفيلة بحكم تلك العالقات.
ثانيا :كثيرا ما قد يكون األفراد ليس لهم خبرة ببعض املسائل أو كثيرا ما ال ينتبهون إلى تنظيم بعض املسائل
التفصيلية أو أنه ال وقت لديهم للبحث عن مثل هذه التفصيالت.
معايير التفرقة بين القواعد اآلمرة واملكملة :لقد توصل الفقه إلى معيارين يمكن بالتعويل على أحدهما أو
عليهما معا التوصل إلى طبيعة القاعدة القانونية هما :املعيار اللفظي ،واملعيار املعنوي.
11
)1املعيار اللفظي :يمتاز هذا املعيار بسهولة إعماله ،إذ إنه يعتمد في التعرف على نوع القاعدة القانونية على
عبارات النص وألفاظه .فقد يصاغ نص القاعدة بألفاظ وعبارات يفهم منها بوضوح ما إذا كانت القاعدة آمرة
أو مكملة .وقد احتوى القانون الجزائري على قواعد كثيرة تضمنت نصوصا صريحة في بطالن االتفاق على ما
يخالفها أو فرض عقوبة على مخالفها أو في جواز مثل هذا االتفاق ،ففي الحالة األولى تكون القواعد آمرة ،وفي
الثانية تكون مكملة.
القواعد اآلمرة تستعمل عبارات مثل :يجب ،ال يجوز ،يلتزم ،يقع باطال كل ما يخالف ،باطل ولو برضاه ...إلخ.
القواعد املكملة تستعمل عبارات مثل :يمكن ،يجوز ،ما لم يرد اتفاق مخالف ،ما لم يوجد اتفاق أو نص قانوني
يقض ي بغير ذلك.
)2املعيار املعنوي :درج الفقه على القول بأن القواعد القانونية تكون آمرة إذا تعلق موضوعها بالنظام العام
أو باآلداب العامة ،وتكون مكملة إذا تعلقت باملصالح الخاصة لألفراد.
ويقصد بالنظام العام مجموع املصالح األساسية التي يقوم عليها كيان املجتمع سواء كانت مصالح سياسية
أو اجتماعية أو اقتصادية .حيث تقوم فكرة النظام العام على أساس املصلحة العامة والتي يقصد بها كل ما
يحقق للمجتمع األمن واالستقرار والنمو .ما يبرر في الواقع وجوب احترام األفراد لكل ما يتعلق بالنظام العام
حت ولو ضحوا بمصالهم الخاصة ،وكل اتفاق خاص بينهم يخالف النظام العام يقع باطال وال أثر له.
ويقصد باآلداب العامة مجموعة األسس واملبادئ األخالقية السائدة في املجتمع في زمن معين.
وفكرة النظام العام واآلداب العامة فكرة مرنة ونسبية ومتطورة ،فهي تختلف من مجتمع آلخر ومن
عصر آلخر وفقا ل ألفكار السائدة في املجتمع ،فما يعتبر مخالفا للنظام العام واآلداب العامة في مجتمع معين
قد ال يعتبر كذلك في مجتمع آخر ،وما يعتبر اليوم مخالفا للنظام العام واآلداب العامة قد ال يعتبر كذلك في
املستقبل ،فمثال تعدد الزوجات يعتبر أمرا مباحا في كثير من الدول العربية وال يخالف النظام العام واآلداب
العامة ،بينما يعتبر جريمة في الدول األوروبية لكونه يخالف النظام العام واآلداب العامة ،ونظام الرق كان أمرا
مباحا إال أنه أصبح اليوم مخالفا للنظام واآلداب العامة وغير جائز ،والتأمين على الحياة كان يعتبر مخالفا
لآلداب العامة إال أنه أصبح اليوم أمرا مشروعا ،وهكذا يتضح أن فكرة النظام العام واآلداب العامة تختلف
من مكان آلخر ومن زمان آلخر تبعا لألفكار املعتنقة في املجتمع ،كما أن لالعتبارات الدينية تأثيرها الواضح في
هذا املجال.
12
املحورالثاني :تقسيمات القانون
بالنظر إلى أطراف العالقة التي يحكمها ،ينقسم القانون إلى قانون عام وقانون خاص .فالقانون العام
هو مجموعة القواعد التي تنظم العالقات التي تكون الدولة طرفا فيها باعتبارها سلطة ذات سيادة ،أما القانون
الخاص فهو مجموعة القواعد التي تنظم العالقات بين األفراد أو بينهم وبين الدولة باعتبارها شخصا عاديا ال
باعتبارها سلطة ذات سيادة.
ھذا التصنیف أصبح كالسیكیا ،ویرده البعض إلى عھد الرومان ،في حين یرجعه آخرون إلى الصراع بين
املذھبين اللیبرالي واالشتراكي .وإذا ما رجعنا إلى الوقائع واألحداث التي دفعت إلى تقسیم القانون إلى عام وخاص
نجد بأن ھناك:
الحدث األول :املتمثل في وجود سلطة سیاسیة وإداریة داخل املجتمع ،حیث أن تثبیت السلطة داخل
إطار الدولة والتي كان نطاق تدخلھا محددا بوضوح ساھم في تكریس التمیيز بين القانون العام
والقانون الخاص.
الحدث الثاني :ھو تنظيم القضاء الفرنس ي على أساس ازدواجیة القضاء ،أي وجود قضاء إداري یفصل
في املنازعات اإلدارية ویقاض ي اإلدارة معتمدا في ذلك على قواعد القانون اإلداري ،ثم وجود قضاء عادي
یفصل بين الخواص.
الحدث الثالث :تدریس العلوم القانونیة في الجامعات ،حیث درجت الجامعات على تقسیم املقاييس
بناء على القانون املدني أو القانون اإلداري أو التجاري ،ثم سرعان ما أصبح لكل من القانون العام
والخاص فقھاؤه املتخصصون .وھكذا یمكن القول أن ھذا التقسیم موروث عن القانون الفرنس ي.
أوال :معاييرالتمييزبين القانون العام والقانون الخاص
رغم أن التفرقة بينهما مستقرة ومسلم بها إلى حد ما ،إال أن تحديد معيار هذه التفرقة يثير جدال كبيرا،
وقد ازدادت صعوبة التفرقة مع تطور وظيفة الدولة.
/1معيار األشخاص أطراف العالقة القانونية :يتم تقسيم القانون إلى قانون عام وقانون خاص وفقا لهذا
املعيار بحسب األشخاص الذين يكونون أطرافا في العالقة القانونية ،فكلما كانت الدولة أو أحد فروعها
كالحكومة والوالية والبلدية ومختلف اإلدارات طرفا في العالقة كنـا أمام القانون العام .بينما نكون أمام القانون
الخاص في حالة ما إذا كان أطراف العالقة أشخاصا عاديين .ولكن ما ُيعاب على هذا املعيار أنه أغفل طبيعة
الدولة أو أحد فروعها حين تكون طرفا في العالقة القانونية فهي ال تتدخل دائما بصفتها صاحبة السيادة.
/2معيار طبيعة القواعد القانونية :حسب هذا املعيار فإن قواعد القانون العام كلها قواعد آمرة يحظر
ُ(يمنع) االتفاق على مخالفتها ،أما القانون الخاص فإن قواعده القانونية مكملة يمكن االتفاق على مخالفتها.
13
ُ
وقد أنتقد هذا املعيار على أساس أنه إذا كانت فعال كل قواعد القانون العام قواعد آمرة ،فإن قواعد القانون
الخاص ليست كلها قواعد مكملة بل هي تتضمن كذلك قواعد آمرة.
/3معيارطبيعة املصلحة املراد تحقيقها :يرى أنصار هذا املعيار بأن القانون العام يهدف إلى تحقيق املصلحة
العامة بينما يهدف القانون الخاص إلى تحقيق املصلحة الخاصة .واالنتقاد املوجه لهذا املعيار أنه في الحقيقة
ال يوجد فاصل بين املصلحة العامة واملصلحة والخاصة ،حيث أن كل القواعد القانونية تهدف إلى تحقيق
املصلحة العامة بما فيها قواعد القانون الخاص التي هي أساس تحقيق املصلحة الخاصة لألفراد .فال يمكن
لقاعدة قانونية أن تسعى الى تحقيق مصلحة خاصة إذا كانت تتعارض مع املصلحة العامة للجماعة.
/4معيار صفة األشخاص أطراف العالقة القانونية :بعد االنتقادات التي وجهت للمعيار األول (معيار
األشخاص أطراف العالقة) قام الفقهاء بتصحيحه وتكملته .فمعيار صفة األشخاص أطراف العالقة
القانونية ال تكتفي بالنظر إلى األشخاص بل تتعداه إلى النظر إلى صفة هؤالء .فكلما كـنا أمام عالقة أحد
أطرافها الدولة أو أحد فروعها بصفتها صاحبة السيادة (أي باستعمال امتيازات السلطة العامة) فنكون أمام
القانون العام.أما إذا كنـا أمام عالقة أطرافها أشخاص عادية أو الدولة أو أحد فروعها لكن دون صفة السيادة
فنكون أمام القانون الخاص.
ثانيا :أهمية التمييزبين القانون العام والقانون الخاص
)1تتمتع السلطات العامة في الدولة بامتيازات خاصة بهدف تحقيق املصلحة العامة ،وهذه االمتيازات ال يتمتع
بها األشخاص العاديون ألنهم يسعون لتحقيق مصالحهم الخاصة .ومن أمثلة هذه االمتيازات :نظام الخدمة
الوطنية ،الجباية (الضرائب) ،نزع امللكية الخاصة من أجل املنفعة العامة ...إلخ.
)2العقود التي تبرمها الدولة أو أحد فروعها باعتبارها صاحبة السيادة تسى عقودا إدارية وتكون فيها
السلطات العامة املبرمة لها في مركز أعلى من األشخاص العاديين ،فلها حق تعديل وإلغاء وفسخ العقد .بينما
في القانون الخاص فإن األطراف املبرمة للعقد تكون في مراتب متساوية.
)3يتمتع املال العام بقواعد تحميه ،كعدم جواز التصرف فيه ،وال الحجز عليه ،وال اكتسابه بالتقادم ،عكس
املال الخاص.
)4يعود االختصاص القضائي للنظر في املنازعات التي تكون فيها الدولة أو أحد فروعها طرفا فيها إلى القضاء
اإلداري .أما القضاء العادي فيختص بالنظر في املنازعات التي تكون بين األشخاص العاديين بشكل عام.
14
ثالثا :فروع القانون العام وفروع القانون الخاص
/1فروع القانون العام :ينقسم القانون العام إلى قانون عام خارجي يسى بالقانون الدولي العام ،وإلى قانون
عام داخلي يتفرع بدوره إلى عدة قوانين.
1.1القانون الدولي العام :هو مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم العالقات بين أشخاص القانون
الدولي في وقت السلم والحرب.
2.1القانون الدستوري :يضم مجموعة القواعد القانونية التي تنظم شكل الدولة ونظام الحكم وسلطات
الدولة والحقوق والحريات العامة...
3.1القانون الداري :هو مجموعة القواعد القانونية املتميزة وغير املألوفة في القانون الخاص ،تحكم اإلدارة
العامة من حيث تنظيمها ،نشاطها ومنازعاتها.
4.1القانون الجنائي :هو مجموعة القواعد التي تحدد الجرائم والعقوبات املقررة لها واإلجراءات الواجب
إتباعها من يوم وقوع الجريمة إلى إصدار الحكم النهائي وتنفيذه ،لذلك ينقسم القانون الجنائي إلى قانون
العقوبات وقانون اإلجراءات الجزائية.
5.1القانون املالي :هو مجموعة من القواعد التي تنظم مالية الدولة من حيث تحديد اإلرادات والنفقات
وإعداد امليزانية ورقابة تنفيذها...
/2فروع القانون الخاص:
1.2القانون املدني :هو مجموعة القواعد التي تنظم العالقات الخاصة بين أفراد املجتمع السيما املالية
(األحوال العينية) منها ،ويتناول كل ما لم يتناوله بالتنظيم فرع آخر من فروع القانون الخاص ،ولذلك يسى
بالشريعة العامة ،أي كل ما ال يوجد فيه نص خاص فالبد من الرجوع إلى قواعد القانون املدني.
2.2قانون األسرة :إذا كان القانون املدني ينظم األحوال العينية ،فإن األحوال الشخصية ينظمها في الجزائر
منذ سنة 1984قانون مستقل ،هو قانون األسرة ،والذي يهتم بتنظيم شؤون األسرة من خطبة وزواج وميراث
ونفقة ونسب ...الخ.
3.2القانون التجاري :هو مجموعة من القواعد القانونية التي تحكم العالقات التجارية ،وذلك من حيث
القائمين بها وهم التجار ،ومن حيث ما تنصب عليه وهي األعمال التجارية.
4.2قانون العمل :هو مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم أساسا العالقة بين العمال وأصحاب العمل.
5.2القانون البحري :هو عبارة عن مجموعة من القواعد القانونية املنظمة للعالقات التجارية الناشئة عن
املالحة البحرية (السفن ،تجهيز السفن ،الشحن ،التأمين )...ويستمد معظم قواعده من االتفاقيات الدولية.
6.2القانون الجوي :يتناول كل املسائل املتعلقة باملالحة الجوية الواردة على الطائرة ،وهو بدوره أيضا يستمد
معظم قواعده من االتفاقيات الدولية.
15
7.2القانون الدولي الخاص :هو مجموعة القواعد القانونية التي تبين القانون الواجب التطبيق على
العالقات ذات العنصر األجنبي ،ومدى اختصاص املحاكم الوطنية في الفصل في تلك املنازعات.
8.2قانون االجراءات املدنية والدارية :هو مجموعة القواعد القانونية التي تحدد التنظيم القضائي في
الدولة ،وتبين للجهات القضائية اختصاصها ،وإجراءات رفع الدعاوى ومراحل سير الخصومة وعوارضها،
وتحديد وسائل اإلثبات ،وصوال إلى تبيان أنواع األحكام القضائية وطرق الطعن فيها ،وانتهاء بطرق تنفيذها.
املحورالثالث :مصادرالقانون الرسمية:
تتكون القاعدة القانونية من خالل مصدرها ،ويتنوع هذا املصدر إلى ثالثة أنواع :املصدر املادي،
واملصدر الرسىي واملصدر التفسيري .ويقصد باملصدر املادي :األصل الذي يستمد منه القانون مضمونه
ومواده ،ويتمثل بمجموعة العوامل التي تساهم في تكوين القاعدة القانونية سواء كانت هذه العوامل طبيعية
أو سياسية أو تاريخية أو اقتصادية أو اجتماعية أو متعلقة بالبيئة أو الدين أو التقاليد ...أما املصدرالرسمي
أو الشكلي :فيقصد به الوسائل التي تخرج من خاللها القاعدة القانونية إلى الناس وتكسبها درجة إلزاميتها .أما
املصدرالتفسيري :فيقصد به املرجع الذي يساعد القاض ي في إزالة ما في القاعدة القانونية من غموض وإبهام،
وتتمثل املصادر التفسيرية في الفقه والقضاء.
أوال :املصادرالرسمية
تنص املادة األولي من القانون املدني الجزائري (:يسري القانون على جميع املسائل التي تتناولها نصوصه
في لفظها أو في فحواها .وإذا لم يوجد نص تشريعي ،حكم القاض ي بمقتض مبادئ الشريعة اإلسالمية ،فإذا
لم يوجد فبمقتض العرف .فإذا لم يوجد فبمقتض مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة).
من خالل هذا النص ،يتضح بأن املصادر الرسمية للقانون تتمثل في :التشريع ،مبادئ الشريعة
اإلسالمية ،العرف ،ومبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة .ولكن هذه املصادر ورغم أنها كلها رسمية إال أن
تطبيقها يجب أن يتم وفقا للرتيب الذي جاءت به املادة أعاله ،وهو ما يجعلنا نقسمها إلى مصادر رسمية أصلية
والتي تتمثل حصرا في التشريع ،وإلى مصادر رسمية احتياطية ،وهي على الترتيب :مبادئ الشريعة اإلسالمية،
العرف ،ومبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة.
/1املصادرالرسمية األصلية :الـت ـ ـش ـ ــري ـ ـ ـ ـ ـ ــع
)1تعريف التشريع :يستعمل مصطلح التشريع في مفهومه الواسع تارة للداللة إما على مصدر القواعد
القانونية املكتوبة ،وتارة أخرى للداللة على القواعد املستمدة من هذا املصدر .أما في معناه الخاص فيدل
التشريع على مجموعة القواعد القانونية التي تضعها السلطة التشريعية في الدولة في حدود االختصاص
املخول لها دستوريا وباالعتماد على االجراءات القانونية.
16
)2خصائص التشريع :يتميز التشريع بمجموعة من الخصائص هي:
-يتضمن قواعد قانونية مكتوبة ويعتبر عنصر الكـتابة في غاية األهمية كونه يكفل للقاعدة القانونية:
الوضوح وقطع الشك كونها مكتوبة يسهل العودة إليها.
الكتابة تسمح لنا بتحديد سريان القاعدة القانونية من حيث الزمان.
-يصدر ويطبق في كل أنحاء الدولة ،مما يؤدي إلى توحيد القواعد القانونية السارية داخل الدولة الواحدة.
-يتميز بسرعة سنه بما يتفق مع ما تتطلبه الحياة الحديثة ،وذلك على خالف العرف الذي يحتاج لوقت طويل
كي ينشأ.
)3عيوب التشريع:
-تتولى السلطة التشريعية عملية وضع التشريع ،وهي قد تتجاهل ظروف املجتمع ومشكالته عندما تقوم بهذه
العملية مما يجعل التشريع غير نابع من واقع املجتمع.
-يتسم التشريع بالجمود لكونه يصدر في شكل مكتوب ،لذلك فهو ال يساير التغيرات التي يمكن أن تحدث
باملجتمع.
-يتسم التشريع بالقصور فهو ال يلبي دائما كل حاجات املجتمع نظرا لكثرتها وتشعبها ،ويقوم العرف بإكمال
هذا النقص.
-سهولة تعديل التشريع قد تفقده هيبته وتذهب بثقة األشخاص املخاطبين به (مشكلة األمن القانوني).
)4أنواع التشريع:
ينقسم التشريع إلى ثالثة أنواع ،وهي :التشريع األساس ي (الدستور) والتشريع العادي والتشريع الفرعي.
)1.4التشريع األساس ي:
يسى الدستور بالتشريع األساس ي للدولة ،وهو يبين شكل الدولة ونظام الحكم فيها ويحدد الحقوق
والحريات األساسية لألفراد ،كما ينظم السلطات الثالثة في الدولة والعالقات املتبادلة بينها.
أ .طرق وضع الدساتير :هناك طريقتان لوضع الدساتير أوالهما غير ديمقراطية وثانيهما ديمقراطية.
* الطرق غير الديمقراطية لوضع الدساتير :تنقسم الطرق غير الديمقراطية لوضع الدساتير إلى أسلوبين
كالهما غير ديمقراطي ،أي ال وجود ملشاركة الشعب فيهما.
.1أسلوب املنحة :يتنازل امللك أو الحاكم عن بعض سلطاته لصالح الرعايا ،دون أي تدخل من الشعب.
17
.2أسلوب العقد :يتفق امللك أو الحاكم مع بعض ممثلي الشعب الذين يختارهم بنفسه (من الحاشية
والنبالء واالقطاعيين) على التنازل عن بعض سلطاته ،دون مشاركة الشعب ال في اختيار املمثلين وال
في التفاوض على السلطات.
* الطرق الديمقراطية لوضع الدساتير:
.1إعداد مشروع الدستور من طرف هيئة غير منتخبة (معينة) وعرض املشروع على االستفتاء الشعبي.
.2إعداد مشروع الدستور من طرف هيئة منتخبة من طرف الشعب دون عرض املشروع على االستفتاء.
.3إعداد مشروع الدستور من طرف هيئة منتخبة ثم عرض املشروع على االستفتاء الشعبي .في هذه الحالة
يشارك الشعب في اختيار املمثلين ثم في االستفتاء على املشروع فهذا األسلوب أكثر ديمقراطية من باقي
األساليب.
ب .طرق تعديل الدساتير :تنقسم الدساتير بحسب طريقة تعديلها إلى نوعين:
.1دساتيرمرنة :الدستور املرن هو الدستور الذي يتم تعديل أحكامه بنفس االجراءات التي يعدل بموجبها
التشريع العادي ،أي سهل التعديل.
.2دساتير جامدة :الدستور الجامد هو الدستور الذي يحتاج لتعديله إلى اجراءات خاصة مختلفة عن
إجراءات تعديل التشريع العادي (مثل الدستور الجزائري).
)2.4التشريع العضوي والتشريع العادي:
التشريع العضوي والتشريع العادي هما مجموعة القواعد القانونية التي تضعها السلطة املختصة
بالتشريع في الدولة ،وهي البرملان ،في حدود اختصاصها املبين في الدستور ،حيث بينت املادة 139من
الدستور مجاالت القوانين العادية ( 30مجاال) في حين تكفلت املادة 140منه بتحديد املجاالت األساسية
للتشريع العضوي.
* الفرق بين القانون العضوي والقانون العادي :يختلف التشريع العضوي عن التشريع العادي فيما يلي:
.1التشريع العضوي أعلى مرتبة (أسى ) من التشريع العادي ألنه يعتبر تكملة للقواعد الدستورية ومفسرا
لها.
.2التشريع العادي أوسع نطاقا من التشريع العضوي ،أي أن مجاالت التشريع العادي أكثر من مجاالت
القوانين العضوية.
.3التشريع العضوي يمر بنفس مراحل وضع التشريع العادي غير أنه يتميز عنه إجرائيا ب ـ ـ ـ :
املصادقة عليه يجب أن تتم باألغلبية املطلقة للنواب وألعضاء مجلس األمة.
خضوعه وجوبا لرقابة املطابقة القبلية مع الدستور من طرف املحكمة الدستورية.
18
أ .السلطة املختصة بوضع التشريع العضوي والعادي:
األصل هو أن السلطة املختصة بوضع القوانين العضوية والعادية هي السلطة التشريعية املتمثلة في
البرملان بغرفتيه (املجلس الشعبي الوطني ومجلس األمة) ،ولكن استنناء قد تحل السلطة التنفيذية (رئيس
الجمهورية) محل السلطة التشريعية في وضع القوانين العادية والعضوية ،وهذا في الحاالت التالية:
)1حالة الضرورة :يمكن لرئيس الجمهورية أن يشرع بأوامر في مسائل عاجلة ،ولكن بشرط:
.1وجود فعال حالة مستعجلة.
.2أخذ رأي مجلس الدولة.
.3غياب السلطة التشريعية (شغور البرملان أو خالل العطلة) حسب املادة 142من الدستور.
.4تتخذ في مجلس الوزراء.
.5فحص الدستورية وجوبا من طرف املحكمة الدستورية (املادة 2/ 142من الدستور).
.6عرض رئيس الجمهورية تشريع الضرورة على غرفتي البرملان للموافقة عليه في أول دورة له.
)2حالة التفويض :أن يقوم البرملان بتفويض رئيس الجمهورية في وضع بعض القوانين الحساسة .والفرق بين
التفويض وحالة الضرورة هو أن التفويض يتم والبرملان قائم والتفويض يقدره البرملان عكس حالة الضرورة
التي تكون في حالة غياب البرملان وأن الضرورة يقدرها رئيس الجمهورية .ولإلشارة فإن الدستور الجزائري ال
يسمح بالتفويض التشريعي ،وهذا ألن غياب النص على ذلك يستدعي االلتزام بقاعدة ال تفويض إال بنص .في
حين دستور 1963كانت املادة 58منه تنص على أنه :يجوز لرئيس الجمهورية أن يطلب من املجلس الوطني
(البرملان آنذاك) التفويض له ملدة محدودة حق اتخاذ تدابير ذات صبغة تشريعية عن طريق أوامر تشريعية
تتخذ في نطاق مجلس الوزراء أو تعرض على مصادقة املجلس في أجل ثالثة أشهر.
)3الحالة االستثنائية :فحسب الفقرة 05من املادة 142من الدستور يمكن أن يشرع رئيس الجمهورية بأوامر
في الحالة االستننائية الواردة في املادة 98من الدستور (وجود خطر داهم يهدد الدولة).
)4حالة عدم املصادقة على قانون املالية :إذا لم يصادق البرملان على قانون املالية في مدة 75يوما من تاريخ
ايداعه يتولى رئيس الجمهورية إصدار مشروع الحكومة بأمر (املادة 146من الدستور).
ب .مراحل وإجراءات سن التشريع العضوي والعادي:
املرحلة األولى :مرحلة املبادرة
يمكن للوزير األول (أو رئيس الحكومة) أو للنواب أو أعضاء مجلس األمة املبادرة بالقوانين .فإذا بادر الوزير
األول أو رئيس الحكومة باالقتراح ُسىي بمشروع قانون ،أما إذا كانت املبادرة من طرف البرملان فيسى باقتراح
قانون.
19
املرحلة الثانية :مرحلة اليداع
تعرض مشاريع القوانين على مجلس الوزراء ،بعد أخذ رأي مجلس الدولة ،ثم يودعها الوزير األول أو رئيس
الحكومة ،حسب الحالة ،لدى مكتب املجلس الشعبي الوطني أو مكتب مجلس األمة .بحيث تودع مشاريع
القوانين املتعلقة بالتنظيم املحلي وتهيئة اإلقليم والتقسيم اإلقليىي لدى مكتب مجلس األمة .وباستنناء ذلك
تودع كل مشاريع القوانين األخرى لدى مكتب املجلس الشعبي الوطني.
املرحلة الثالثة مرحلة الفحص
بعد املبادرة تأتي مرحلة فحص محتوى املشروع أمام اللجنة الدائمة املختصة في املجلس الشعبي الوطني وفي
مجلس األمة ،لتقدم هذه اللجنة تقريرها عن النص املعروض عليها.
املرحلة الرابعة :مرحلة املناقشة والتصويت
يقوم البرملان بمناقشة مشروع القانون أو اقتراح القانون وذلك بغرفتيه املجلس الشعبي الوطني ثم مجلس
األمة على التوالي (م 145من الدستور) غير أنه إذا تعلق املشروع أو االقتراح بأحد املجاالت املنصوص عليها في
املادة 144وهي التنظيم املحلي ،تهيئة اإلقليم ،التقسيم االقليىي فإن املناقشة تتم في مجلس األمة ثم املجلس
الشعبي الوطني .وفي كل الحاالت ،يصادق مجلس األمة على النص الذي صوت عليه املجلس الشعبي الوطني
بأغلبية أعضائه الحاضرين بالنسبة ملشاريع القوانين العادية ،أو باألغلبية املطلقة بالنسبة ملشاريع القوانين
العضوية.
مالحظة:
)1في حالة حدوث خالف بين املجلس الشعبي الوطني ومجلس األمة ،يطلب الوزير األول أو رئيس الحكومة،
حسب الحالة ،اجتماع لجنة متساوية األعضاء تتكون من أعضاء من كلتا الغرفتين ،في أجل أقصاه خمسة
عشر يوما ،القتراح نص يتعلق باألحكام محل الخالف ،وتنهي اللجنة نقاشاتها في أجل أقصاه خمسة عشر
يوما .تعرض الحكومة هذا ّ
النص على الغرفتين للمصادقة عليه ،وال يمكن إدخال أي تعديل عليه إال بموافقة
الحكومة .وفي حالة استمرار الخالف بين الغرفتين ،يمكن الحكومة أن تطلب من املجلس الشعبي الوطني
الفصل ن ـهــائ ـيــا .وفي هــذه الحالــة ،يأخــذ املجــلس الشعــبي الــوطــني بــالــنص الــذي أعــدتــه اللجنة املتساوية
األعضاء أو ،إذا تعذر ذلك ،بالنص األخير الذي صوت عليه .وإذا لم تخطر الحكومة املجلس الشعبي الوطني
للقيام بذلك ،فإنه يجب سحب النص.
)2في حالة وجود اعتراض رئاس ي :حيث في حالة إقرار القانون في البرملان ،يمكن لرئيس الجمهورية أن يطلب
إجراء مداولة ثانية ثم التصويت مرة أخرى خالل 30يوما املوالية لتاريخ املصادقة عليه ،وفي هذه الحالة ال
20
تتم املصادقة على القانون إال بأغلبية ثلثي 3/2أعضاء املجلس الشعبي الوطني وأعضاء مجلس األمة (م 149
من الدستور).
املرحلة الخامسة :مرحلة نفاذ التشريع
ال يصبح القانون املوافق عليه في البرملان ساري النفاذ إال بعد إصداره ونشره في الجريدة الرسمية.
.1إصدار التشريع :يصدر رئيس الجمهورية القانون في أجل 30يوما ابتداء مـن تاريخ تسلمه إياه (م 148
من الدستور) .ولإلشارة ال يوجد أي جزاء أو إجراء بديل (سلطة حلول) في حالة عدم قيام رئيس
الجمهورية باإلصدار بعد فوات هذا األجل .وهذا على عكس دستور 1963الذي كانت املادة 53منه
تنص على أنه :إذا لم يصدر رئيس الجمهورية القوانين في اآلجال املنصوص عليها فإن رئيس املجلس
الوطني يتول إصدارها.
.2نشر التشريع :ينشر القانون في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية حسب املادة 4من التقنين املدني
التي تنص على أنه :تطبق القوانين في تراب الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية ابتداء من يوم
نشرها في الجريدة الرسمية .تكون نافذة املفعول بالجزائر العاصمة بعد مض ي يوم كامل من تاريخ
نشرها وفي النواحي األخرى في نطاق كل دائرة بعد مض ي يوم كامل من تاريخ وصول الجريدة الرسمية إلى
مقر الدائرة ويشهد على ذلك تاريخ ختم الدائرة املوضوع على الجريدة.
)3.4التشريع الفرعي:
يقصد به التشريع الذي تسنه السلطة التنفيذية بمقتض االختصاص املحدد لها في الدستور بصفتها
هذه ،ال بصفتها حالة محل السلطة التشريعية مؤقتا (كما هو الحال في تشريع التفويض الذي كان منصوصا
عليه في الدستور الجزائري لسنة ،1963أي التشريع الذي تصدره السلطة التنفيذية بناء على تفويض مسبق
يمنحه إياها البرملان .أما التشريع عن طريق األوامر الذي رأينا في املحاضرة بأن رئيس الجمهورية يختص
بإصداره فيعرف بتشريع الضرورة) بمعن أن اختصاصها بسن التشريع الفرعي اختصاص أصلي يثبت لها
ابتداء ،حت في وجود السلطة التشريعية .ويطلق على هذا التشريع في الجزائر اسم التنظيم (واسم الالئحة في
دول املشرق العربي) Le règlementتمييزا له عن التشريع العادي.
ويختص بوضع التشريع الفرعي في الجزائر كل من رئيس الجمهورية والوزير األول (أو رئيس الحكومة)
اللذان يتمتعان بسلطة تنظيمية عامة ،بينما الوزراء تثبت لهم سلطة تنظيمية محصورة في اختصاص كل
منهم ،يضاف إلى هؤالء سلطات إدارية أخرى مثل الوالة ،رؤساء البلديات ،رؤساء املصالح التي خولت لها سلطة
تنظيمية محدودة .وعلى العموم التنظيمات (اللوائح) تنقسم بحسب املعيار املعتمد في التقسيم إلى:
21
/1تنظيمات تنفيذية وتنظيمات مستقلة :فبحسب عالقتها بالقانون تنقسم إلى تنظيمات تنفيذية ،وهي التي
تأتي تابعة للقانون ،ويجب أن يقتصر دورها على تحديد القواعد التفصيلية الالزمة لتطبيق القانون وتنفيذه،
وهي تتمثل في كل من :املراسيم التنفيذية التنظيمية التي تصدر عن الوزير األول ،والقرارات اإلدارية التنظيمية
الصادرة عن الوزراء ومختلف اإلدارات املحلية واملؤسسات العمومية ذات الطابع اإلداري .أما التنظيمات
املستقلة (أو القائمة بذاتها) ،فهي تلك التي تعتبر موازية للقانون ،وال تتصل به ،ألن الدستور فصل بين مجاالت
إصدارها ومجاالت إصدار القانون ،فهذه التنظيمات هي وحدها من تنظم املسائل التي تدخل في اختصاصها،
ولذلك فهي ال تعتبر تابعة للقانون وال منفذة له بل هي مستقلة عنه بحكم أن مجالها ليس هو مجال القانون.
وعلى العموم فإن التنظيمات املستقلة هي التي يختص رئيس الجمهورية بإصدارها في شكل مراسيم رئاسية
تنظيمية خارج املجال التشريعي الخاص بالبرملان.
/2تنظيمات املر افق العمومية (اللوائح التنظيمية) وتنظيمات الضبط الداري (اللوائح البوليسية):
فأما تنظيمات املرافق العمومية فهي تتضمن تنظيم وسير املرافق العمومية وجميع الهيئات والهياكل اإلدارية
في الدولة ،أما تنظيمات الضبط اإلداري فهي التي تهدف حصرا إلى الحفاظ على النظام العام بمكوناته الثالث
(أي األمن العام ،الصحة العمومية ،والسكينة العمومية) والتي يختص بإصدارها فقط هيئات محددة بنص
الدستور و/أو القانون ،وتنقسم إلى تنظيمات الضبط اإلداري في الظروف العادية وتنظيمات الضبط اإلداري
في الظروف غير العادية (االستننائية).
تنظيم العالقة بين مختلف أنواع التشريع:
/1مبدأ تدرج القوانين :كما سبق وأن بينا ،فإن التشريعات ليست لها نفس القوة اإللزامية ،بحيث توجد
تشريعات لها قوة إلزامية أكبر من غيرها داخل النظام القانوني للدولة ،األمر الذي استدعى اعتبارها أعلى
وأسى من غيرها درجة ،ومن هنا جاءت فكرة تدرج القوانين (التشريعات) على شكل هرم .وذلك على النحو
اآلتي:
الدستور
المعاهدات الدولية
القوانين االستفتائية
القوانين العضوية
العادية القوانين
ررالرر
األوامر التشريعية
المراسيم الرئاسية التنظيمية
المراسيم التنفيذية التنظيمية
24
3ـ أن يكون مستقرا :بمعن أن يتواتر الناس على العمل به بصورة منتظمة غير متقطعة .وبالتالي فهذا االنتظام
واالستمرار هو الذي يضفي على العرف صفة االستقرار .وتقدير قيام هذا الشرط هو أيضا متروك لقاض ي
املوضوع وال رقابة للمحكمة العليا عليه في ذلك.
4ـ أال يكون مخالفا النظام العام أو اآلداب العامة :الواقع أن هذا الشرط نظري ،إذ ال يتصور عمليا أن
يستقر العرف وتتوفر له أركانه في حين أنه مخالف للنظام العام واآلداب العامة ،ولكن يمكن مع ذلك أن
نتصور حدوث تطور في فكرة النظام العام ،وهي كما عرفنا متغيرة من حيث الزمان واملكان ،بحيث يصبح
العرف الذي كان فيما مض متفقا مع النظام العام خارجا عنه ،ويترتب على ذلك عدم االعتداد به ،كعادة
األخذ بالثأر .ولإلشارة فهذا الشرط األخير ،وهو عدم مخالفة العرف للنظام العام واآلداب العامة ،يعتبر من
املسائل القانونية التي يخضع فيها تقدير قاض ي املوضوع لرقابة املحكمة العليا.
/2الركن املعنوي :ال يكفي اضطراد العمل وتواتره على قاعدة معينة ألن تصبح هذه القاعدة عرفا ،بل ال بد
من توافر الركن املعنوي ،أي شعور األشخاص الذين يتبعون هذه القاعدة بأنها قاعدة واجبة االحترام تماما
كما تحترم القاعدة التشريعية .أو بتعبير أخر شعور األشخاص بأن هذه القاعدة ملزمة لهم .فالركن املعنوي
هو الذي يحول االعتياد املادي إلى قاعدة قانونية .وال يمكن أن تنشأ قاعدة قانونية مصدرها العرف مهما
استقر العمل بها إال إذا توافر الشعور بأنها قاعدة قانونية ملزمة يجب احترامها وتوقيع الجزاء على من يخالفها .
وعلى ذلك فتقديم الهدايا مثال في بعض املناسبات كالزواج وأعياد امليالد يمثل عادة قديمة ومستقرة وعامة،
ومع ذلك لم تنشأ قاعدة قانونية ملزمة مصدرها العرف ،ألن الثابت أن الناس يتبعونها ملجرد املجاملة دون أن
يستقر في األذهان الشعور بوجوب احترامها.
التمييزبين العرف والعادة
العادة l’usageهي عرف لم يكتمل ،أو عرف في مرحلة التكوين ،لعدم شعور األفراد بأنها ملزمة لهم.
ويشترك العرف والعادة في الركن املادي ،لكن العادة تتوقف عند هذا الحد ،أما العرف فيتميز عنها بوجود
الركن املعنوي .إذن؛ فالعادة هي مجرد اعتياد الناس واتباعهم سلوك معين دون االعتقاد بإلزاميته.
ويمكن القول بوجود نوعين من العادات :عادات خاصة باملجامالت ،أو ما نطلق عليه بالعادات
االجتماعية ،كتقديم التهنئة في املناسبات السارة ،والتعزية في املناسبات غير السارة مثال ،وكذلك تبادل الهدايا
في األعياد واملواسم املختلفة .ويتميز هذا النوع من العادات بأنه ليس له قوة ملزمة من الناحية القانونية.
وهناك عادات خاصة باملعامالت ،وهي التي تنشأ من اطراد سلوك األفراد على نحو معين في مسألة تتعلق
بمعامالتهم وليس بعالقاتهم االجتماعية.
واألصل في عادات املعامالت أنها غير ملزمة ،إال إذا اتفقت األطراف عليها صراحة أو ضمنا ،أو أحال إليها املشرع
ُ َ
صراحة /فتسى عندئذ بالعادة امل َحك َمة.
25
نتائج التفرقة بين العرف والعادة:
1ـ على املحكمة أن تطبق العرف من تلقاء نفسها ولو لم يتمسك به أحد الخصوم ،أما العادة فال تطبقها
املحكمة إال إذا تمسك بها ذو الشأن.
2ـ إثبات وجود العرف يوكل به القاض ي وال يقع على عاتق الخصوم ،كما هو الحال بالنسبة للعادة .وجرى
التعامل على إثبات العادات ،وخاصة التجارية منها ،بشهادات مكتوبة صادرة عن منظمات مهنية كغرف
التجارة أو من قنصليات الدول في الخارج.
3ـ يطبق العرف إذا ما توافرت شروطه ،على الناس كافة علموا به أم لم يعلموا ،تطبيقا لقاعدة عدم جواز
االعتذار بالجهل بالقانون ،أما العادة فيلزم لتطبيقها ليس فقط علم األفراد بها ،وإنما انصراف إرادتهم إلى
األخذ بها.
مزايا العرف
.1ينشأ العرف بطريقة تدريجية بين الناس ،فهو ال يوضع من قبل سلطة تفرض إرادتها ،بل تتكون قواعده
عبر الزمن بصورة تلقائية باعتبارها منبثقة عن املجتمع ذاته.
.2يمتاز العرف أيضا بالتلقائية ومرونة قواعده ،فطاملا أن القواعد العرفية ال تأتي في قوالب مكتوبة ،فهي
قواعد يطورها التعامل الحي في نطاق الجماعة ،مما يجعلها أكثر مسايرة لطبيعة التعامل بين األفراد ،فتتطور
القواعد العرفية بتطور أحوال الجماعة وتتغير بتغيرها.
.3يلعب العرف دورا مهما في سد الثغرات التي تتضمنها أحكام التشريع ،إذ من املعروف أن التنظيم الكلي
ملختلف الروابط داخل الجماعة أمر يستعص ي على التشريع مهما بلغ من الدقة واإلحاطة ،فيبرز هنا دور
العرف في تنظيم مسائل لم يتعرض لها التشريع ،فيسد بذلك نواحي النقص في القانون املكتوب ،أي في
التشريع.
عيوب العرف
على الرغم مما للعرف من مزايا ،فإن له العديد من العيوب ،منها:
.1العرف بطيء في تطوره :وهو إذا اسـتقر صعب التخلص منه إال بعد مض ي مدة من الزمن ،وذلك رغم تغير
الظروف التي أدت إلى نشوئه ،وفي خالل هذه املدة يصبح العرف غير متفق مع حاجات الجماعة.
.2كثيرا ما يختلف العرف في نطاق الدولة الواحدة باختالف أجزائها املختلفة :مما يؤدي إلى اختالف القواعد
التي تحكم نوعا واحدا من الرابط االجتماعية داخل الدولة ،وهذا يمهد السبيل الختالف القواعد القانونية في
جميع أجزاء الدولة.
3ـ صعوبة معرفة مضمونه :تثير مسألة عدم صياغة القواعد العرفية في نصوص مكتوبة العديد من
الصعوبات ،سواء تعلق األمر ببيان ماهيتها ،أو تعلق األمر بمعرفة مت يبدأ سريانها أو مت ينتهي العمل بها.
وهذا يؤدي في كثير من األحيان إلى قيام منازعات في شأنه.
26
رابعا :مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة
اعتبر املشرع الجزائري مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة املصدر الرسىي األخير الذي يجب أن
يلجأ إليه القاض ي بعد استنفاده لكل املصادر الرسمية األخرى .فالفرض ها هنا هو أن القاض ي يواجه نزاعا ال
يحكمه نص تشريعي ،وال يمكن استنباط حكمه من مبادئ الشريعة اإلسالمية ،وال ينظمه عرف مستقر عليه،
وفي هذه الحالة يلجأ القاض ي وفقا للمادة األولى من القانون املدني إلى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة
لحسم النزاع ،وإال اعتبر منكر للعدالة ،وتعرض للعقوبة الجزائية املقررة لجريمة النكول عن القضاء.
وإحالة القانون املدني الجزائري إلى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة يقصد بها ،في الواقع،
تمكين القاض ي من الفصل في النزاع عن طريق االجتهاد برأيه على ضوء مبادئ القانون الطبيعي وقواعد
العدالة .
ويقصد بالقانون الطبيعي مجموعة املبادئ املثالية التي ال تتغير في الزمان أو املكان والتي يتوصل إليها
اإلنسان بتفكيره وعقله وتأمله ،وعن طريقها يهتدي املشرع إلى السبيل املوصل بالتشريع إلى درجة الكمال .أما
قواعد العدالة فهي شعور كامن في النفس يكشف عنه العقل السليم ،ويوحي به الضمير املستنير ،ويهدف إلى
إعطاء كل ذي حق حقه.
ولعلنا نالحظ أن مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة يحوطها اإلبهام والغموض ،إذ ليس هناك
ً ً
مضمونا محددا يرجع إليه القاض ي عند حسمه للنزاع املطروح كما هو الحال بالنسبة للتشريع أو العرف أو
مبادئ الشريعة اإلسالمية ،فاألمر ال يعدو أن يكون مبادئ عامة يستخلصها القاض ي ليطبقها في ضوء ظروف
ومالبسات كل نزاع على حدى.
وعلى الرغم من أن فكرة مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة يكتنفها الغموض من حيث مضمون
هذه املبادئ والقواعد ،إال أننا نالحظ بأنه على القاض ي عند استخالصه لها يجب أن يراعي أمرين ضروريين،
وهما:
.1يجب عليه ،عند اجتهاده برأيه ،أال يستند إلى أفكاره ومعتقداته الخاصة ،وإنما إلى أفكار ومعتقدات الجماعة
التي ينتىي إليها ،فمن واجبه أن يستبعد أفكاره ومبادئه التي تصطدم مع أفكار املجتمع الذي يعيش فيه.
.2يتعين عليه أال يتستر تحت فكرة مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة للخروج على املبادئ األساسية
التي يقرها القانون الوضعي ،إذ أن مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة مصدر احتياطي ال يمكن اللجوء
إليه إال في حالة عدم وجود نص في املصادر األخرى للقانون.
27
املصادرالتفسيرية للقانون
ال تعد املصادر التفسيرية للقانون مصادر باملعن الدقيق ،وإنما تعتبر شرحا للقانون ،والقاض ي من
حيث املبدأ ال يعد ملزما في النظام القانوني الجزائري باألخذ بها ،وهي تشمل كال من الفقه والقضاء.
أوال :الف ـق ـ ـ ــه
قد يراد بالفقه أحد معنيين:
األول :مجموع اآلراء القانونية الصادرة عن املشتغلين بعلم القانون ،وتتضمن شرحا وتعليقا على القواعد
القانونية ،وإظهار ما بها من عيوب.
والثاني :األشخاص الذين يقومون بشرح القانون في شكل أبحاث ومؤلفات.
ويؤثر الفقه على التشريع من خالل شرحه للنصوص القانونية ،حيث يبين الفقيه عيوب القاعدة
القانونية ،فيتدخل املشرع مستنيرا بآراء الفقهاء ،وبناء عليه يقوم بالتعديل أو اإلضافة أو اإللغاء ،كما يؤثر
الفقه على القضاء ،فالقاض ي ال يمكنه تطبيق القواعد القانونية إال بعد فهمها ،وال يمكن فهمها إال باالطالع
على الشروحات الفقهية املتعلقة بمختلف القواعد القانونية.
القـض ـ ــاء (االجتهاد القضائي)
يطلق لفظ القضاء ويراد به أحد املعاني التالية:
.1السلطة التي تفصل في املنازعات ،أي الهيئات والجهات القضائية ،فيقال مثال القضاء العادي والقضاء
اإلداري.
.2مجموعة األحكام التي تصدرها الجهات القضائية في جميع املسائل الداخلة في اختصاصها ،فيقال مثال
القضاء املدني ،أو التجاري ،أو الجنائي.
.3استقرار محاكم الدولة في مجموعها على اتجاه معين فيما تقض ي به في مسألة من املسائل ،ومثال ذلك
أن يوجد نص يحتمل تفسيرين ،واستقرت املحاكم على األخذ بتفسير منهما ،فيقال أن القضاء قد
استقر على هذا التفسير.
وفي الواقع ،يختلف مركز القضاء بالنسبة العتباره مصدرا للقانون بين نظامين ،هما النظام األنجلو
سكسوني والنظام الالتيني ،فالنظام األنجلو سكسوني وتتزعمه انجلترا يعتبر القضاء أو السوابق القضائية
مصدرا ملزما يقيد القاض ي ،أما النظام الالتيني وتتزعمه فرنسا ،فإنه يقصر وظيفة القاض ي على تطبيق
القانون ،وال يلزم القاض ي بالسوابق القضائية.
وتنتىي الجزائر إلى النظام الالتيني ،حيث أن القاض ي غير ملزم باألخذ بالسوابق القضائية ،وإذا التزم بها فإنه
التزام أدبي(معنوي).
28
ويؤثر القضاء على املشرع ،فمن خالل تطبيق القاض ي للقواعد القانونية يظهر ما يعتريها من نقص،
وما يشوبها من عيوب ،وهذا من شأنه أن يجعل املشرع يتدخل لوضع قواعد قانونية جديدة ،أو إلغاء قواعد
قانونية موجودة ،كما يؤثر القضاء على الفقه ،فيمكن الفقيه من معرفة مدى مالئمة النصوص القانونية
للتطبيق ،ومنهج القضاء في تطبيقها ،وهذا من شأنه أن يمكن الفقيه من الشرح والتعليق بشكل أفضل فيما
لو تناول النصوص بالشرح بمعزل عن كيفية تطبيق القضاء لها.
نط ـ ـ ـ ـ ـ ــاق تطبـ ـ ـي ـ ـ ـ ــق القانون
إذا كانت القاعدة القانونية ال يمكن أن تحقق األهداف التي من أجلها تم سنها ووضعها إال بضمان
تطبيقها على أرض الواقع تطبيقا صحيحا ،فإن ذلك يستدعي والبد معرفة ما هو نطاق تطبيقها؟ أي معرفة:
.1من هم األشخاص املخاطبون بها ،وهل فيهم من يمكن استنناؤه من الخضوع لها (ويعرف ذلك بنطاق تطبيق
القانون من حيث األشخاص).
.2ما هو الحيز الجغرافي واملكاني الذي يمكن للقاعدة القانونية أن تسري فيه ،وهل كل األشخاص واملسائل
التي تتم داخل هذا الحيز تخضع دوما لذات القواعد القانونية (ويعرف ذلك بنطاق تطبيق القانون من حيث
املكان).
.3ما هو الحيز الزمني الذي تسري فيه القاعدة القانونية ،بحيث يحدد لنا مت يبدأ ومت ينتهي سريان مفعولها
(ويعرف ذلك بنطاق تطبيق القانون من حيث الزمان).
أوال :نطاق تطبيق القانون من حيث األشخاص
إذا وجدت القاعدة القانونية أيا كان مصدرها فإنها تسري على كافة األشخاص الذين ينطبق عليهم
حكمها ،وال يجوز لهم االدعاء بجهل بالقاعدة القانونية حت يستبعدوا تطبيق حكمها عليهم.
مبدأ عدم جوازاالعتذاربالجهل بالقانون
طبقا ملبدأ عدم جواز االعتذار بالجهل بالقانون فإن القاعدة القانونية تسري في مواجهة جميع املخاطبين
ً
بأحكامها ،سواء علموا بها أم ال ،أيا كان مصدر القانون سواء التشريع أو الشريعة أو العرف ..الخ.
والحكمة من هذا املبدأ هي تحقيق املساواة بين األشخاص أمام القانون ،فإذا سمح لبعض األشخاص
االدعاء بجهل القاعدة القانونية بقصد استبعاد تطبيقها ،فإن ذلك يعني أن القانون سوف يطبق على بعض
األشخاص دون البعض اآلخر ،وهذا يخل بمبدأ املساواة بين األشخاص أمام القانون.
وعلى هذا األساس ،فإن الدستور الجزائري ينص في مادته 78بأنه ال يعذر أحد بجهل القانون ،وأنه يجب
على كل شخص أن يحترم الدستور ،وأن يمتثل لقوانين الجمهورية.
29
االستثناء الوارد على املبدأ
يوجد حالة وحيدة يجوز فيها لألشخاص االدعاء بالجهل بالقواعد التشريعية ،وهي حالة عدم وصول
الجريدة الرسمية إليهم بسبب قوة قاهرة كالحرب أو احتالل بعض املناطق من إقليم الدولة ،ففي هذه الحاالت
يستحيل وصول الجريدة الرسمية إلى بعض املناطق ،مما يعني عدم تمكن األشخاص املقيمين في
هذا املوقع من االطالع على الجريدة الرسمية والعلم بالقواعد التشريعية.
والحكمة من هذا االستنناء ،أن النشر في الجريدة الرسمية هو الوسيلة الوحيدة للعلم بالتشريع ،فإذا
وجد مانع من وصول الجريدة لبعض املناطق ،فهنا يعذر األشخاص املقيمين في تلك املناطق ،فيجوز لهم
استبعاد تطبيق القواعد التشريعية عليهم باالعتذار بجهلها.
ثانيا :نطاق تطبيق القانون من حيث املك ـ ـ ـ ــان
ال تثار مسألة تطبيق القانون من حيث املكان لو افترضنا أن كل مجتمع يعيش منعزال عن اآلخر ،ففي هذا
الفرض يطبق القانون على كل األشخاص املوجودين داخل حدود إقليم الدولة ألنهم مواطنين ،وال يمتد ليطبق
خارج حدود إقليم الدولة طاملا ال يوجد مواطنون مقيمون خارج الدولة.
ولكن هذا الفرض مستبعد خاصة في وقتنا الحالي؛ حيث ال يخلو مجتمع من العنصر األجنبي ،فالتطور في
وسائل النقل واملواصالت أدى إلى انتقال األشخاص من دولة ألخرى بغرض التعليم أو العالج أو السياحة..
الخ ،وبطبيعة الحال فإن هؤالء األشخاص يدخلون في عالقات مع أفراد الدولة املوجودين على إقليمها ،وهذا
األمر يثير مشكلة تحديد نطاق تطبيق القانون من حيث املكان في كل دولة؟
بمعن :هل يطبق قانون الدولة على كل األشخاص املوجودين على إقليمها سواء كانوا مواطنين أم أجانب،
أم يطبق على املواطنين فقط سواء كانوا موجودين فيها أو في خارجها ،وال يمتد إلى األجانب املوجودين داخل
إقليمها ألنه يطبق عليهم قانون دولتهم؟
وفي الواقع إن اإلجابة على هذا التساؤل تقتض ي معرفة ما إذا كانت الدولة تأخذ بمبدأ إقليمية القوانين ،أم
بمبدأ شخصية القوانين ،وفيما يلي نتناول هذين املبدأين بإيجاز.
أوال :مبدأ إقليمية القوانين
طبقا ملبدأ إقليمية القوانين فإن قانون الدولة يطبق على كل املوجودين في إقليمها سواء كانوا مواطنين أم
أجانب ،وال يمتد إلى خارج حدود الدولة ،وبالتالي ال يطبق على املواطنين إن كانوا موجودين في الخارج.
30
ويستند هذا املبدأ إلى فكرة سيادة الدولة على إقليمها ،فمن مظاهر السيادة أن تطبق الدولة قانونها على
كل من يوجد في إقليمها وعلى كل ما يحدث فيه ،كما أن امتداد قانون الدولة خارج إقليمها ،ولو لحكم رعاياها،
فيه اعتداء على سيادة غيرها من الدول.
ثانيا :مبدأ شخصية القوانين
طبقا ملبدأ شخصية القوانين فإن قانون الدولة يطبق على رعاياها فقط ،سواء وجدوا في إقليمها ،أم وجدوا
في الخارج ،كما أنه ال يطبق على األجانب حت ولو كانوا موجودين داخل حدود إقليم الدولة.
والواقع أن معظم تشريعات الدول ال تأخذ بمبدأ واحد ،وإنما تأخذ باملبدأين معا؛ فتجعل مبدأ اإلقليمية
هو األصل ،ومبدأ الشخصية هو االستنناء ،وقد أدى ذلك إلى إثارة مشكلة تنازع القانون الوطني واألجنبي،
فسيادة الدولة تقتض ي تطبيق قانونها الوطني دائما ،ولكن في املقابل مصلحتها (أي الدولة) قد تقتض ي تطبيق
القانون األجنبي في بعض الحاالت بقصد تشجيع األجانب على املجيء إليها ،ومن هنا نشأت مشكلة تنازع القوانين
من حيث املكان ،فقد توجد مسألة واحدة يتنازع على حلها كل من القانون الوطني واألجنبي ،وهذا ما يحدث
عندما يوجد عنصر أجنبي ،لذلك وجد – كما رأينا في فروع القانون الخاص -القانون الدولي الخاص .والذي
يتولى حل هذا التنازع عن طريق تحديد القانون الواجب التطبيق على املسألة.
موقف املشرع الجزائري
أخذ املشرع الجزائري بمبدأ إقليمية القانون كأصل عام ،حيث أكد على ذلك في القانون املدني بنص كل من
املادتين 04و 05منه على التوالي أنه تطبق القوانين في تراب (إقليم) الجمهورية الجزائرية الديمقراطية
الشعبية ،وأن كل سكان القطر الجزائري يخضعون لقوانين الشرطة واألمن .وأما عن تطبيق القانون الجزائي
الجزائري ،فإن املادة 03من قانون العقوبات قد كرست هذا املبدأ بنصها على أنه يطبق قانون العقوبات على
كافة الجرائم التي ترتكب في أراض ي الجمهورية.
هذا وإن كان املشرع قد أخذ كما رأينا بمبدأ إقليمية القوانين كأصل ،إال أنه قد أخذ كذلك بمبدأ
شخصية القانون في حاالت استننائية ،منها:
)1أن يطبق قانون العقوبات الجزائري على كل من يحمل الجنسية الجزائرية ،ولو ارتكب جريمة خارج إقليمها،
وذلك في حالة عودته إلى الجزائر .وعلة ذلك حت ال تكون الجزائر موطنا للخارجين عن القانون الذي يسيئون
إلى الجزائر بارتكابهم جرائم في الخارج.
31
شروط تطبيق مبدأ الشخصية في القانون الجزائري بالنسبة للجنايات:
فقد نصت عليها املادة 582من قانون اإلجراءات الجزائية ،هي:
.1أن توصف الجريمة بأنها جناية وفقا للقانون الجزائري بغض النظر عن وصفها في قانون الدولة التي وقعت
فيها.
.2أن يكون مرتكبها جزائري الجنسية (املادة 584ق إج).
.3أن ترتكب الجناية خارج إقليم الدولة.
.4أن يعود الجاني إلى الجزائر (إذ ال تجوز محاكمته غيابيا).
.5أال يكون قد حكم على الجاني نهائيا بالخارج ،وأنه قض العقوبة أو سقطت عنه بالتقادم أو بالعفو عنها
(لعدم جواز محاكمة الشخص عن ذات الجريمة مرتين).
شروط تطبيق مبدأ الشخصية في القانون الجزائري بالنسبة للجنح:
فاملادة 583من قانون اإلجراءات الجزائية تشترط وجوب:
.1أن تكون الجريمة موصوفة بأنها جنحة في القانون الجزائري والقانون األجنبي في نفس الوقت .2 .بالنسبة
للجنح التي ترتكب ضد األشخاص فال يجوز تحريك الدعوى العمومية إال بناء على شكوى يقدمها املجني عليه
أو السلطات املختصة للدولة التي وقعت فيها الجنحة إلى النيابة العامة على مستوى الجزائر العاصمة.
.3أن يكون مرتكبها جزائري الجنسية (املادة 584ق إج).
.4أن ترتكب الجنحة خارج إقليم الدولة.
.5أن يعود مرتكبها إلى الجزائر (إذ ال تجوز محاكمته غيابيا).
.6أال يكون قد حكم على مرتكبها نهائيا بالخارج ،وأنه قض العقوبة أو سقطت عنه بالتقادم أو بالعفو عنها
(لعدم جواز محاكمة الشخص عن ذات الجريمة مرتين).
)2الجرائم التي قد يرتكبها رؤساء الدول األجنبية وأعضاء السلك الدبلوماس ي في الجزائر ،وهذا حسب القانون
الدولي العام الذي منح لهم حماية وحصانة (دبلوماسية) قضائية .هذه األخيرة تجعلهم ال يخضعون للقانون
الوطني بل لقانون دولتهم.
)3مجال الحقوق السياسية والواجبات العامة :حيث أن من املتعارف عليه أن األجانب املقيمين في إقليم
الدولة ال تطبق عليهم القوانين املتعلقة بالحقوق السياسية والواجبات العامة ،كحق الترشح مثال ،باإلضافة
إلى بعض الواجبات العامة التي ال تقع على عاتق األجانب حت ولو كانوا مقيمين في التراب الوطني ،ومثال ذلك
واجب أداء الخدمة الوطنية ،أو واجب الدفاع عن الوطن ،فمثل هذه الواجبات والحقوق يختص بها فقط
املواطنين الجزائريين حيث ما وجدوا.
)4نظم املشرع الجزائري قواعد اإلسناد في املواد من 9إلى 24من القانون املدني الجزائري ،وهي قواعد تخص
العالقات ذات العنصر األجنبي ،أي التي أحد طرفي العالقة فيها أجنبي .وملعرفة القانون الواجب التطبيق نعود
32
إلى هذه النصوص ،حيث في بعض الحاالت يمكن للقاض ي الجزائري أن يطبق القانون األجنبي استنادا إلى معيار
جنسية الشخص.
)5األحوال الشخصية للجزائريين ولو كانوا مقيمين في الخارج تخضع للقانون الجزائري ،ما لم يوجد نص صريح
على خالف ذلك كما هو الحال مثال بالنسبة للمادة 13من القانون املدني.
مالحظة :يمكن تطبيق قانون العقوبات الجزائري على جرائم بعينها ارتكبت في الخارج ،ال على أساس مبدأ
الشخصية ألن مرتكبيها ال يحملون الجنسية الجزائرية (أي أجانب)؛ وإنما على اعتبار أنها تمس باملصالح
األساسية للدولة الجزائرية .وهو ما يعرف بمبدأ عينية النص الجزائي ،والذي لتطبيقه البد من توافر الشروط
التي حددتها املادة 588من قانون اإلجراءات الجزائية ،وهي:
.1أن يرتكب األجنبي جناية أو جنحة تمس بمصلحة أساسية للدولة الجزائرية؛
.2أال يتمتع بالجنسية الجزائرية؛
.3أن تقع هذه الجناية أو الجنحة خارج إقليم الجزائر؛
.4أن يتم القبض عليه في الجزائر ،أو أن تحصل عليه الجزائر عن طريق تسليمه من طرف الدولة التي وقعت
فيها الجريمة؛
.5أال يكون قد حكم عليه نهائيا وقض العقوبة أو سقطت عنه بالتقادم.
ثالثا :نطاق تطبيق القانون من حيث الزم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان
األصل أن قوانين أي بلد تعد ترجمة لواقعه االجتماعي واالقتصادي والسياس ي ،وأي تغيير يطرأ على
هذا الواقع يجب أن يقابله تبدل في النظام القانوني يتالءم واألوضاع والظروف الجديدة .ولذلك فاستمرار
حركة التغيير في مجتمع ما يؤدي إلى استمرار في تغيير قوانين هذا املجتمع .والحقيقة أن تغيير هذه القوانين
يقوم ويتحقق من خالل عملية إلغاء للقوانين القديمة وإصدار قوانين جديدة.
أوال :إلغاء الق ــان ـ ــون
املقصود بإلغاء قانون أو نص قانوني يعني تجريده من قوته اإللزامية بالنسبة إلى حوادث املستقبل أو
وقائعه .ودراسة اإللغاء تقتض ي أن يعالج من حيث الجهة التي تملك حق إلغاء القانون ومن حيث صوره
وأنواعه.
1ـ تحديد الجهة /السلطة املختصة باللغاء :الجهة التي تختص بوضع التشريع هي الجهة ذاتها التي تختص
بإلغائه ،فالجهة التي تملك وضع التشريع وإضفاء اإللزام والنفاذ على نص قانوني هي الجهة التي تملك حق
إلغائه؛ فالقاعدة هي أنه ال يجوز إلغاء القانون إال من قبل الجهة التي تختص بوضعه أو من قبل جهة أعلى
منها في املرتبة ،وهو ما يعرف بقاعدة توازي األشكال.
33
أما فيما يتعلق بإلغاء القاعدة العرفية فيمكن أن يتم بقاعدة عرفية أخرى تعالج املوضوع ذاته ولكنها أكثر منها
استقرارا وقوة وجدة ،ويمكن أن يتم إلغاء العرف بقانون أو بنص قانوني وال يجوز العكس ،إذ ال يمكن إلغاء
القانون بالعرف ألن القانون هو األصل وله األولوية في التطبيق.
.2طرق اللغاء و أنواعه :تنص املادة الثانية من القانون املدني الجزائري على ما يلي« :ال يسري القانون إال
على ما يقع في املستقبل وال يكون له أثر رجعي.
وال يجوزإلغاء القانون إال بقانون الحق ينص صراحة هذا اللغاء.
وقد يكون اللغاء ضمنيا إذا تضمن القانون الجديد نصا يتعارض مع نص القانون القديم أو نظم من
جديد موضوعا سبق أن قررقواعده ذلك القانون القديم».
فوفقا لنص هذه املادة ،فإن اإللغاء يتم كما يلي:
أ ـ اللغاء الصريح :يحصل بأن يتضمن القانون الجديد نصا صريحا يقض ي بإلغاء القانون القديم ،أو إلغاء
نص من نصوصه أو مادة من مواده .ويتحقق اإللغاء الصريح كذلك في حالة ما إذا كان القانون مؤقتا ،فإن
كان كذلك فإنه يكون من حيث وجوده مرتبطا بالزمن أو بمدة نفاذه ،فهو كذلك ينتهي أو يلغى باملدة التي
حددها له املشرع أو بزوال الحالة التي جاء القانون من أجلها أو التي ارتبط بها.
ب ـ اللغاء الضمني :يتحقق هذا اإللغاء بأن يتعارض كليا قانون قديم أو نص قديم مع قانون جديد أو مع
نص جديد ،والتعارض بين تشريعين يعني عدم إمكان الجمع بينهما أو عدم جوازه.
ويحصل التعارض كذلك في حال صدور نص جديد يحتوي على حكم جزئي يتعارض مع الحكم الجزئي
للنص القديم املماثل والذي يعالج املوضوع ذاته الذي جاء النص الجديد بشأنه .والتعارض الذي يؤدي إلى
اإللغاء ال يحصل إال في حالة اختالف الحكم العام في قاعدة قديمة عن الحكم العام في قاعدة جديدة
للموضوع نفسه الذي جاءت القاعدتان من أجل حكمه وتنظيمه.
أما إذا جاء نص جديد بحكم خاص يتعارض مع الحكم الخاص الوارد في النص القديم العام؛ فإن
الجديد الخاص ال يلغي النص القديم العام وإنما بقيده؛ ألن الخاص ال يلغي العام بل يكتفي بتقييده.
وإذا تعارض حكم عام في القانون الجديد مع حكم خاص في القانون القديم؛ فهذا التعارض ال يكون
من قبيل التعارض امللغي ،ومثل هذه الحالة ال يعد شكال أو نوعا من أنواع اإللغاء بل يبقى حكم القاعدة
القديمة ساريا على سبيل االستنناء من حكم النص العام الجديد.
وعلى العموم فإن اإللغاء الضمني للقانون القديم يتحقق بصدور قانون جديد يعيد تنظيم موضوع
القانون القديم تنظيما مختلفا ،ما يفهم منه ضمنا تخلي املشرع عن القواعد القديمة.
34
ثانيا :مبادئ سريان القانون من حيث الزمان
فكما رأينا أعاله ،فإن املادة الثانية من القانون املدني الجزائري تنص على أنه ال يسري القانون إال على
ما يقع في املستقبل وال يكون له أثر رجعي .أي أن سريان القانون يحكمه في األصل مبدأين ،وهما :مبدأ األثر
الفوري واملباشر للقانون الجديد ،ومبدأ عدم رجعية القانون الجديد.
إال أنه وباستقراء املواد ،7 ،6و 8من القانون املدني الجزائري يمكن استخالص مبدأ ثالث ،أال وهو
مبدأ األثر املستمر للقانون القديم.
)1مبدأ األثرالفوري واملباشرللقانون الجديد:
ويقصد باألثر الفوري أو املباشر أن القانون الجديد ال يسري فقط على الوقائع واملراكز القانونية التي
تنشأ أو تقع بعد تاريخ نفاذه؛ وإنما يسري أيضا على ما يقع في ظله من عناصر املراكز القانونية التي بدأت في
التكوين أو االنقضاء أو إنتاج اآلثار قبل العمل به ،أي في ظل القانون القديم ،واستمرت بعد إلغاء هذا األخير
وحلوله (أي القانون الجديد) محله.
وإذا كان األصل بحسب املادة 4من القانون املدني الجزائري هو أن القوانين تطبق في تراب (إقليم)
الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية ابتداء من يوم نشرها في الجريدة الرسمية ،وأنها تكون نافذة املفعول بالجزائر
العاصمة بعد مض ي يوم كامل من تاريخ نشرها وفي النواحي األخرى في نطاق كل دائرة بعد مض ي يوم كامل من
تاريخ وصول الجريدة الرسمية إلى مقر الدائرة ،ويشهد على ذلك تاريخ ختم الدائرة املوضوع على الجريدة ،إال
أن املشرع قد ينص صراحة على خالف ذلك ،كما هو الحال مثال بالنسبة لقانون اإلجراءات املدنية واإلدارية،
إذ نصت املادة 1062منه على أنه يسري مفــعول هــذا القانون ،بعد سنة ( )1من تاريخ نشره في الجريدة
الرسمية.
وعليه فأهم استنناء ملبدأ األثر الفوري واملباشر هو وجود نص صريح على مخالفة النفاذ
الفوري للقاعدة القانونية الجديدة؛ إذ يجوز للمشرع أن ينص في تشريع خاص على نفاذ القانون في وقت الحق
نظرا لوجود ظروف معينة تعيق تطبيقه مباشرة .وهذا النص يجعل من القانون الصادر مجمدا إلى حين ..وهو
داللة على تطبيقه مستقبال وليس فوريا.
)2مبدأ عدم رجعية القانون الجديد:
فالقاعدة العامة هي أن القانون الجديد يسري فقط على التصرفات والوقائع التي تقع بعد صدوره إلى
غاية إلغائه ،أما الوقائع واألحداث التي وقعت قبل صدوره فال يطبق عليها ،كما ال يطبق كذلك على ما يحدث
من وقائع وأحداث بعد إلغائه .ومن هنا يتضح بأن القانون الجديد إدا كان يسري من وقت نفاذه مباشرة
فاألصل أال يمتد إلى ما قبل هذا الوقت حت ال يطبق على املاض ي ،أي حت ال يكون له أثر رجعي ،وهذا ما
يصطلح عليه بمبدأ عدم رجعية القوانين .وهو املبدأ الذي قد أكدته املادة الثانية من القانون املدني الجزائري
بقولها ...( :وال يكون له أثر رجعي.)...
35
وتكمن الحكمة من إقرار مبدأ عدم رجعية القانون الجديد في مراعاة عدة اعتبارات ،منها:
.1اعتبارات قائمة على أساس العدالة :فتطبيق القانون الجديد على ما صدر من تصرفات وأفعال قبل نفاذه
يعتبر نوعا من الظلم ،وعدم العدل.
.2اعتبارات قائمة على أساس املنطق :فالقانون يعتبر تكليفا ألفراد املجتمع ،سواء كان القانون يحكم أداء
عمل معين ،أو االمتناع عنه ،واملنطق يقتض ي بأنه من غير املعقول أن يأمر القانون بأداء أعمال في املاض ي قبل
نفاذه .كما أنه يستحيل العمل مقدما بالقوانين التي سيصدرها املشرع.
.3اعتبارات قائمة على أساس عملي :فتطبيق القانون بأثر رجعي يؤدي إلى انعدام ثقة األفراد بالقانون
(انعدام األمن القانوني) ،وهذا ما يجعل القانون أداة هدامة ،ال وسيلة لتنظيم حياة األفراد ،وبناء املجتمع،
كما أن تطبيق القانون بأثر رجعي يؤدي إلى إيجاد حالة من االضطراب في املجتمع بصورة تمس استقرار
املعامالت فيه.
وأما فيما يخص االستنناءات التي تلحق مبدأ عدم رجعية القانون الجديد ،فإنه يمكن إيجازها كما يلي:
أ /النص الصريح على الرجعية :فمبدأ رجعية القانون الجديد يقيد القاض ي وال يقيد املشرع؛ بمعن أن
للمشرع الحق في أن يجعل القانون الجديد ساريا على املاض ي ،ولكن يجب عليه حينئذ أن ينص صراحة على
رجعية هذا القانون ،أي أنه ال يكتفي في ذلك إلى االستناد إلى إرادته الضمنية ،فإن خلى القانون الجديد من
نص صريح على رجعيته فال يملك القاض ي تطبيقه على املاض ي واملساس بما تم اكتسابه من حقوق .ومن أمثلة
ذلك ما نص عليه املشرع الجزائري في القانون املدني بموجب املادة 1003منه على أنه يسري القانون املدني
ابتداء من 05جويلية ( 1975لرمزية هذا التاريخ بالنسبة للشعب الجزائري ،إذ يمثل تاريخ استرداد السيادة
الوطنية) وهذا على الرغم من أنه قد صدر في الجريدة الرسمية بتاريخ 30سبتمبر .1975
ب /القانون الجزائي األصلح للمتهم :حيث تنص املادة 02من قانون العقوبات على أنه (:ال يسري قانون
العقوبات على املاض ي إال ما كان منه أقل شدة) وعليه إذا صدر قانون عقوبات جديد أصلح للمتهم ،فإنه
يسري بأثر رجعي ولو لم ينص على ذلك.
ويكون قانون العقوبات الجديد أصلح للمتهم في حالتين هما:
)01إذا نص على إباحة الفعل الذي كان مجرما .وفي هذه الحالة يستفيد املتهم من القانون الجديد ،حت لو
صدر ضده حكم نهائي يوقف تنفيذه.
)02إذا نص على تخفيف العقوبة .ويشترط في هذه الحالة أال يكون قد صدر حكم نهائي على املتهم.
ج /القوانين املتعلقة بالنظام العام واآلداب العامة :فهذه القوانين ال تخضع ملبدأ عدم رجعية القوانين ،حيث
ال يجوز لألشخاص التمسك بحقوق اكتسبوها بعدما أصبحت مخالفة للنظام العام ،حت ولو لم تنص هذه
القوانين على سريانها على املاض ي؛ ألن قواعد النظام العام واآلداب قواعد آمرة ال تجوز مخالفتها أو الوقوف
36
في سبيل سريانها استنادا على حق مكتسب ،ولذلك تعتبر القوانين املتعلقة بالنظام العام واآلداب العامة
قوانين رجعية خروجا عن مبدأ عدم رجعية القوانين.
د /القوانين التفسيرية :وهي القوانين التي تصدر لتفسر قانونا سابقا ورد غامضا دون أن تضيف له أحكاما
جديدة ،ومن الطبيعي أن يمتد حكمها إلى الوقائع التي حدثت في ظل القانون القديم الذي صدرت تفسيره ،ألن
هذه القوانين تعتبر قوانين جديدة من حيث الشكل فقط ،لكونها لم تصدر إال إلزالة الغموض الذي اكتنف
القانون السابق ،ووضع حد للخالف حول حقيقة املقصود به ،مما يعني أنها جزء ال يتجزأ من القانون القديم؛
األمر الذي يلزم الجهات القضائية بتطبيقها على القضايا املعروضة أمامها والتي لم يفصل فيها بعد بحكم
نهائي.
)3مبدأ األثراملستمرللقانون القديم
يشكل مبدأ األثر املستمر للقانون القديم استنناء يرد على مبدأ األثر الفوري واملباشر للقانون الجديد،
وهو يتعلق باملراكز العقدية الجارية ،أي التي تكونت في ظل القانون القديم وال تزال عند نفاذ القانون الجديد،
وذلك ألن الروابط التعاقدية يترك أمر تنظيمها إلدارة األشخاص أخذا بقاعدة العقد شريعة املتعاقدين ومبدأ
سلطان اإلرادة ،فال مجال للتمسك باألثر املباشر والفوري للقانون الجديد بشأنها؛ وإنما يسمح هنا بتمديد
تطبيق القانون القديم ليحكم آثارها حت تنقض ي.
وهذا املبدأ على الرغم من أنه يسري باألساس على املراكز العقدية الجارية ،وذلك حماية ملبدأ األمن
القانوني واستقرار املعامالت التعاقدية ذات األثر الطويل واملستمر ،إال أنه يمكن أن يطبق كذلك في مجال
اإلجراءات إذا ما وجد نص صريح على ذلك ،كما هو الحال مثال بالنسبة للمادة 02من قانون اإلجراءات املدنية
واإلدارية التي نصت على أنه (:تطبق أحكام هذا القانون فور سريانه ،باستثناء ما يتعلق منها باآلجال التي
بدأ سريانها في ظل القانون القديم)
فاآلجال التي انطلقت في ظل القانون القديم ولم تنته بعد رغم صدور وبداية سريان نفاذ قانون
اإلجراءات املدنية واإلدارية تبقى خاضعة ألحكام قانون اإلجراءات املدنية القديم.
ثالثا :الحلول التشريعية لبعض حاالت تنازع القوانين من حيث الزمان في القانون املدني الجزائري
فكما سبق بيانه ،ال توضع القاعدة القانونية لكي تطبق أحكامها بصورة مؤبدة؛ وإنما قد تتغير هذه
األحكام بتغيير الظروف االقتصادية واالجتماعية .وينتج عن هذا التغيير إلغاء القاعدة القانونية النافذة أو
تعديلها ،وهنا تظهر مشكلة التنازع بين القانونين القديم والجديد.
وبالرجوع إلى القانون املدني الجزائري نجد بأن املشرع الجزائري قد تكفل بمعالجة هذا التنازع الزمني
بصدد حاالت معينة ،وهي تلك الواردة تحديدا باملواد ،07 ،06 :و.08
37
/1حالة األهلية :فقد نصت املادة 06من القانون املدني الجزائري على أنه (:تسري القوانين املتعلقة باألهلية
على جميع األشخاص الذين تتوفر فيهم الشروط املنصوص عليها .وإذ صار شخص توفرت فيه األهلية
بحسب النص القديم ناقص األهلية طبقا للنص الجديد ،فال يؤثرذلك على تصرفاته).
فهذه املادة عالجت مسألتين ،تتعلق األولى بأهلية الشخص ،أما الثانية فتتعلق بتصرفاته:
أ-بالنسبة ألهلية الشخص :إذ يطبق على األهلية مبدأ األثر املباشر ،فإذا صدر قانون جديد يرفع سن الرشد
من 18سنة إلى 19سنة ،فإن كل شخص لم يبلغ 19سنة يصبح ناقص األهلية وفقا للنص الجديد.
ب-بالنسبة لتصرفات الشخص :أما فيما يخص التصرفات التي أبرمها هذا الشخص فتخضع للقانون
القديم (مبدأ عدم رجعية القانون الجديد) الذي كان خالله راشدا ،لكن ال يمكن له إبرام تصرفات جديدة
ألنه أصبح ناقص األهلية (مبدأ الفوري واملباشر للقانون الجديد).
/2حالة التقادم :فقد نصت املادة 07من القانون املدني الجزائري في الفقرتين الثانية والثالثة على أنه(:إذا
قررت األحكام الجديدة مدة تقادم أقصر مما قرره النص القديم ،تسري املدة الجديدة من وقت العمل
باألحكام الجديدة ،ولو كانت املدة القديمة قد بدأت قبل ذلك .أما إذا كان الباقي من املدة التي نصت عليها
األحكام القديمة أقصرمن املدة التي تقررها األحكام الجديدة فإن التقادم يتم بانقضاء هذا الباقي).
فمن خالل هذه املادة عالج املشرع الجزائري حالة التنازع بين القانون الجديد والقانون القديم من
حيث مدة التقادم ،وذلك وفقا لفرضيتين:
أ-مدة تقادم الجديدة أقصر من مدة النص القديم :في هذه الحالة نطبق القانون الجديد من يوم صدوره
(أي نعمل مبدأ األثر الفوري واملباشر) دون احتساب ما انقض من املدة املقررة في القانون القديم.
ب-الباقي من املدة املقررة في القانون القديم أقصر من املدة املقررة في القانون الجديد :في هذه الحالة
ينقض ي التقادم بانقضاء املدة املتبقية من القانون القديم الذي يستمر سريانه.
/3حالة األدلة املعدة مقدما:
فقد نصت املادة 08من القانون املدني الجزائري على أنه( :تخضع البينات املعدة مقدما للنصوص
املعمول بها في الوقت الذي أعدت فيه البنية أو في الوقت الذي كان ينبغي فيه إعدادها).
أي لقد أخد املشرع الجزائري بمبدأ عدم رجعية القوانين فيما يخص أدلة اإلثبات ،وهذا ألنه أخضعها
ألحكام التشريع الذي أعدت (أو كان ينبغي إعدادها) في ظله.
38
تفــسي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرالق ـ ـ ـ ــان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون
التفسير هو تحديد معن القاعدة القانونية املكتوبة ،وتوضيح ما غمض من ألفاظها ،وهذا الستنباط
الحكم الذي تنص عليه ،ويمكن بالتالي تطبيقها تطبيقا صحيحا.
يتضح من التعريف (الضيق) أن التفسير يقتصر على القواعد القانونية املكتوبة دون غيرها ،ويرجع
ذلك إلى أن القواعد التشريعية عادة ما ترد في مواد مختصرة وموجزة ،مما يؤدي في بعض الحاالت إلى صعوبة
الوقوف على حكمها ،على خالف القواعد العرفية التي هي غير مدونة في ألفاظ محددة ،ولذلك إذا ما أريد
تطبيقها فيجب التحري عن وجودها ،وهذا التحري يؤدي في الوقت ذاته إلى التعرف على حقيقة الحكم الذي
تتضمنه فال يبقى بعد ذلك داع لتفسيرها.
أوال :أن ـ ـ ـ ـ ـ ــواع التفسي ـ ـ ــر
يتنوع التفسير بحسب الجهة التي تقوم به إلى:
)1التفسير التشريعي :وهو التفسير الذي تصدر بمقتضاه السلطة التشريعية املختصة التي سنت التشريع
األصلي تشريعا آخر لتفسيره ،ويسى بالتشريع التفسيري ،أو القانون التفسيري .ويعد التشريع التفسيري
الصادر عن السلطة التشريعية املختصة بمنزلة التشريع األصلي الذي يراد تفسيره وجزءا منه ،والتشريع
التفسيري يطبق ليس فقط منذ تاريخ صدوره؛ وإنما منذ تاريخ صدور التشريع األصلي.
)2التفسير القضائي :وهو أدنى مرتبة من التفسير التشريعي؛ ألنه يتعلق فقط بالقضية املعروضة ،ولكنه
أكثر أنواع التفسير شيوعا .ويصدر هذا التفسير عن القضاة في معرض تطبيقهم للتشريع ،ويكون من شأنه
توضيح التشريع وسد نواقصه .ويغلب عليه الطابع العملي .والتفسير القضائي غير ملزم للقاض ي الذي قام به
في الدعاوى األخرى ،ومن باب أولى فإنه غير ملزم لغيره من القضاة ،أي ال يشكل ما يعرف بالسابقة القضائية
في األنظمة األنجلو سكسونية ،ما عدا ما يتعلق بالتفسيرات التي تقدمها املحكمة العليا ومجلس الدولة في إطار
الغرف املجتمعة فإنها تعتبر ملزمة ما لم يتم التراجع عنها بموجب اجتهاد جديد.
)3التفسير الفقهي :وهو عبارة عن مجموعة آراء الفقهاء وشراح القانون ،والتي تتضمن شرحا للنصوص
القانونية والتعليق عليها ونقدها .وهذا التفسير على الرغم من أنه يغلب عليه عادة الطابع النظري ،إال أنه قد يسترشد به القاض ي،
أي أنه غير ملزم باألخذ به كما هو الحال بالنسبة للتفسير التشريعي.
)4التفسير الداري :ويكون على شكل توجيهات ومناشير ومذكرات وتعليمات تصدرها اإلدارات العمومية
املختصة إلى موظفيها؛ لتفسر لهم فيها أحكام التشريعات التي يكلفون بتطبيقها ،وهو ال يلزم إال هؤالء املوظفين
وحدهم؛ وذلك ألنهم ملزمون بالتقيد بتعليمات رؤسائهم وأوامرهم.
39
ثانيا :أسباب تفسيرالقـ ــان ـ ـ ـ ــون
أهم األسباب التي تدفع إلى تفسير القانون هي وجود :خطأ مادي ،والغموض أو اإلبهام ،والنقص أو
السكوت ،والتناقض أو التعارض.
وكل هذه األسباب مردها وجود خلل أو عيوب أو قصور في النصوص التشريعية.
)1الخطأ املادي :ويكون ذلك عندما يتضمن النص التشريعي خطأ فادحا في ألفاظه بحيث ال يستقيم معن
النص إال بتصحيحها .ومثال ذلك فقد نصت املادة 439من القانون املدني على أنه (:تنتهي الشركة بموت أحد
الشركاء أو الحجزعليه أو بإعساره أو بإفالسه) فهذا النص قد وقع فيه خطأ مادي ،وهو استعماله ملصطلح
الحجز عليه رغم أن املصطلح املقصود هو الحجر عليه.
)2الغموض أو البهام :يكون النص غامضا أو مبهما إذا كان يحتمل التفسير أو التأويل على وجه يستنتج منه
أكثر من معن واحد .ومهمة القاض ي في هذه الحالة هي اختيار أكثر املعاني صحة ،وأكثرها قربا إلى الحق .ومثال
ذلك ما نصت عليه املادة 127من قانون األسرة من أنه(:يستحق الرث بموت املورث حقيقة أو باعتباره ميتا
بحكم القاض ي) فمصطلح يستحق قد يفهم انتقال ملكية التركة إلى الورثة بمجرد الوفاة ،وقد يفهم منه أن
من شروط استحقاق الورثة لإلرث أن يتحقق موت املورث ،ومن خالل استطالع بعض قرارات املحكمة العليا
نجد بأنها تأخذ باملعن األول.
)3النقص أو السكوت :يكون النص ناقصا إذا جاءت عبارته خالية من بعض األلفاظ التي ال يستقيم إال بها،
أو إذا أغفل التعرض لبعض الحاالت التي كان يفترض به التعرض لها .فمثال كانت املادة 124من القانون املدني
تنص قبل تعديلها سنة 2005على أنه (:كل عمل أيا كان يرتكبه املرء ويسبب ضررا للغير يلزم من كان سببا
في حدوثه بالتعويض) فهذا النص ينقصه مصطلح خطأ رغم أنه ال يمكن تطبيقه بشكل صحيح إال بوجوده
وأخذه بعين االعتبار ،ولذا فقد وقع تعديل هذه املادة في سنة 2005؛ حيث أصبحت تنص على أنه (:كل فعل
أيا كان يرتكبه الشخص بخطئه ،ويسبب ضررا للغيريلزم من كان سببا في حدوثه بالتعويض).
)4التناقض أو التعارض :يوجد التناقض بين نصين إذا كان الحكم الذي يدل عليه أحدهما يخالف الحكم
الذي يستنتج من النص اآلخر .ومهمة القاض ي هنا التوفيق بين النصين لتحديد أي الحكمين أولى بالتطبيق.
فمثال الفقرة األولى من املادة 42من القانون املدني تنص على أنه(:ال يكون أهال ملباشرة حقوقه املدنية من
كان فاقد التمييزلصغرفي السن أو عته أو جنون) ،بينما تنص املادة 43على أن (:كل من بلغ سن التمييززلم
يبلغ سن الرشد وكل من بلغ سن الرشد وكان سفيها أو معتوها ،يكون ناقص األهلية وفقا ملا يقرره
القانون).
فاملشرع الجزائري اعتبر املعتوه تارة عديم األهلية ،وبالتالي فكل تصرفاته باطلة طبقا لنص املادة ،42
بينما اعتبره تارة أخرى ناقص األهلية وفقا لنص املادة 43ما يجعل تصرفاته قابلة لإلبطال وليست باطلة .وألن
40
العته يصيب إدراك الشخص فإنه يقترب من الجنون ،ولذا فالرأي الراجح هو أنه عوارض األهلية التي تعدمها،
ومنه فحكم تصرفات املعتوه هو البطالن املطلق.
ثالثا :طــرق التفسي ـ ـ ــرووسائلـ ــه
طرق التفسير على نوعين ،وهي :طرق داخلية وطرق خارجية.
/1طرق التفسير الداخلية :وتعتمد هذه الطرق على آليات مستمدة من النص ذاته ،ومن أهم طرق التفسير
الداخلية ما يأتي:
)1االستنتاج بطريق القياس :القياس هو إلحاق أمر لم يرد بشأنه نص بأمر آخر ورد بشأنه النص؛ وذلك
الشتراكهما في علة الحكم .وللقياس أربعة أركان ،هي :األصل وهو املقيس عليه ،والفرع وهو املقيس ،وحكم
األصل ،والعلة .ومن األمثلة على ذلك :قوله صلى هللا عليه وسلم( :القاتل ال يرث) ،فقد قاس الفقهاء على ذلك
قتل املوص له للموص ي ،فحرموه من الوصية التحاد السبب والعلة ،ومنه جاءت القاعدة الفقهية من
استعجل الش يء قبل أوانه عوقب بحرمانه.
)2االستنتاج من باب أولى :ويكون ذلك بتطبيق حكم ورد بشأن حالة معينة على حالة أخرى لم ينص عليها في
التشريع ،ال ألن علة الحكم الوارد بشأن الحالة األولى أو سببه متوافران في الحالة الثانية فحسب؛ ولكن ألنهما
أكثر توافرا في الحالة الثانية منها في الحالة األولى .ومثال على ذلك اآلية الكريمة التي تأمر اإلنسان بحسن
َ َ َ ُ ّ َ
معاملة أبويه بقولها} :فال ت ُقل ل ُه َما أ ٍّف َوال ت ْن َه ْر ُه َما{ (االسراء )32؛ فدل ذلك على أنه من باب أولى أال يضربهما.
وأيضا كما لو منع شخص من البيع ،فيمكن االستنتاج من باب أولى أنه ممنوع من التبرع.
)3االستنتاج بمفهوم املخالفة :ويكون بتطبيق عكس الحكم الوارد بشأن حالة معينة على حالة أخرى لم
ينص عليها في التشريع؛ ألن هذه الحالة الثانية تختلف كل االختالف عن الحالة األولى بحيث تعد معاكسة لها.
ومثال ذلك نص املادة ( )369من القانون املدني الذي يقض ي بأنه( :إذا هلك املبيع قبل تسليمه ...سقط
البيع ،واسترد املشتري الثمن )...يستنتج بمفهوم املخالفة أنه إذا هلك املبيع بعد التسليم ،أو بعد إعذار
املشتري بتسلمه ،فإنه ال ينفسخ البيع ،وال يكون للمشتري الحق في استرداد الثمن.
/2طرق التفسير الخارجية :وهي مجموعة األدوات والوسائل التي تتم االستعانة بها لتفسير النص التشريعي
وبيانه معناه .ومن أهم هذه الطرق ما يأتي:
)1حكمة التشريع وغايته :ال يضع املشرع النصوص بصورة عبنية؛ وإنما لتحقيق غايات معينة ،ومنه مت
اتضحت غاية املشرع من وراء سن نص معين سهلت عملية تفسيره وتوضيح ما غمض منه.
)2النص الفرنس ي :فالجريدة الرسمية في الجزائر تصدر باللغتين العربية والفرنسية ،وإذا كان األصل دستوريا
هو أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة ،وأنها هي واجبة االتباع ،إال أنه ونظرا للعديد من األسباب فإن
41
النصوص التشريعية غالبا ما كانت توضع أوال باللغة الفرنسية ثم يتم ترجمتها إلى العربية ،وأثناء هذا النقل
من اللغتين عادة ما كانت أخطاء مادية ولغوية فادحة في محتوى النصوص العربية ،مما أدى إلى تشوه معناها،
وخلق بشأنها غموضا كبيرا ،ما استدعى الرجوع في كل مرة إلى النص الفرنس ي باعتباره النص األصلي ،وهذا
للتأكد من صحة املصطلح املقصود وتقديمه في العمل.
)3األعمال التحضيرية :وهي األعمال التي سبقت صدور التشريع عن السلطة التشريعية أو رافقته .ومنها مثال
املذكرة اإليضاحية التي ترفق عادة بالتشريع لبيان األسباب التي أدت إلى التشريع ،والدراسات التي تقوم بها
اللجان املختصة ومناقشات أعضاء البرملان.
)4املقابلة بين النصوص (تقريب النصوص) :أي محاولة فهم النص املعيب ضمن السياق الذي ورد فيه،
بحيث يتم تجنب تفسيره بمعزل ليس عن باقي أجزاء التشريع الذي تضمنه فحسب ،بل وكذلك تجنب تفسيره
منفردا وبعيدا عن باقي النصوص التشريعية ذات الصلة .إذ باملقارنة بينها يمكن تحديد الحكم الصحيح الذي
ينبغي التقيد والعمل به.
فمثال تنص املادة 408من القانون املدني على أنه (:إذا باع املريض مرض املوت لوارث فإن البيع ال
يكون ناجزا إال إذا أقره باقي الورثة .وإذا تم البيع للغير في نفس الظروف فإنه يعتبر غير مصادق عليه ومن
أجل ذلك يكون قابال لإلبطال).
أما املادة 776من ذات القانون ،فإنها تنص (:كل تصرف قانوني يصدر عن شخص في حال مرض
املوت ،بقصد التبرع ،يعتبر تبرعا مضافا إلى ما بعد املوت ،وتسري عليه أحكام الوصية أيا كانت التسمية
التي تعطى لهذا التصرف).
وبالعودة إلى النصوص الخاصة بالوصية في قانون األسرة ،نجد بأن املادة 185تنمص على أنه (:تكون
الوصية في حدود ثلث التركة وما زاد على الثلث توقف على إجازة الورثة).
وبمقابلة هذه النصوص ومقارنتها ببعضها يمكن القول أن املشرع الجزائري أخطأ في املادة 408من
القانون املدني باعتباره البيع للغير في مرض املوت غير مصادق عليه كليا ،في حين أن الوصية (إذا كانت لغير
وارث) ورغم كونها تبرعا تعتبر نافذة في حق الورثة إذا كانت في حدود ثلث التركة ،فكيف إذن بالبيع وهو تصرف
بعوض ال يكون نافذا في حقهم مطلقا ،وعليه فاألدق هو أن البيع للغير في مرض املوت يعتبر نافذا في حق الورثة
إذا تعلق بثلث التركة ،وأما ما زاد عن ذلك فيتوقف على إجازة الورثة له.
)5املصادر أو السوابق التاريخية :وهي املصادر التي أخذ املشرع قواعد التشريع عنها .فالقانون الجزائري
وألسباب تاريخية يأتي متأثرا بالقانون الفرنس ي ،ولذا فهذا األخير يعتبر املصدر التاريخي له ،وكان الرجوع إليه
في عدة حاالت مفيدا في معرفة التفسير الصحيح لبعض النصوص القانونية الجزائرية املعيبة.
42
رابعا :مــدارس التفسي ـ ـ ـ ـ ــر
اختلفت مدارس التفسير بحسب نظرتها ملصادر القانون وأساسه ،وقد ظهرت في هذا الصدد ثالث
مدارس ،هي:
)01املدرسة التقليدية أو مدرسة الشرح على املتون:
تقوم هذه املدرسة على ضرورة التقيد بنصوص التشريع بصورة كاملة وعدم الخروج عنها مطلقا،
ولذلك سميت كذلك بمدرسة التزام النص .وقد ظهرت هذه املدرسة في فرنسا في مطلع القرن التاسع عشر،
وقد كان الباعث على ظهورها صدور عدد من التشريعات الفرنسية بشكل عام ،وصدور القانون املدني
الفرنس ي املعروف بقانون نابليون بشكل خاص ،والذي كان يعتبر بين معاصريه بمثابة كتاب مقدس.
وأهم املبادئ التي نادت بها هذه املدرسة هي:
( )1يتقيد القاض ي بأن يستمد جميع أحكامه من التشريع.
( )2عندما يلجأ القاض ي إلى تفسير التشريع فيجب عليه أال يتوقف عند ألفاظه ،وإنما عليه أن يتقص عن
نية املشرع الحقيقية في الزمن الذي أصدره فيه ،وإذا لم يتمكن من معرفة نيته؛ فعلى القاض ي أن يفترض هذه
النية افتراضا.
واالنتقاد الذي يوجه إلى هذه املدرسة هو أنها تؤدي إلى الجمود؛ ألن تفسير النصوص وفقا لنية املشرع
وقت وضعها ال تجعل هذه النصوص مالئمة للتطور الذي يطرأ على املجتمع بصورة مستمرة .كما أنه يعاب
عليها إنكارها وجود مصادر أخرى للقانون عدى التشريع.
)02املدرسة التاريخية (االجتماعية):
ظهرت هذه املدرسة في أملانيا على يد الفقيه سافيني ،وهي تقوم على فكرة أساسية مؤداها أن القاعدة
القانونية هي نتاج مستمر ومتواصل للجماعة ،فكل قاعدة قانونية ليست سوى تعبير مؤقت عن حاجات
الوسط االجتماعي الذي نشأت فيه ،وفي ضوء الظروف التي اقتضت وجودها.
ويترتب على هذا أن القاعدة القانونية إذا وضعت فإنها تنفصل عن إرادة املشرع ،وبالتالي ال تبقى على
اتصال بهذه اإلرادة ،كما تذهب إليه مدرسة الشرح على املتون ،بل يصبح لها كيانها الخاص املتصل بظروف
الحياة االجتماعية ،فقد تستمر القاعدة القانونية على معناها األصلي فترة طويلة من الزمن ،وقد تحمل معان
جديدة تختلف عن املعن األصلي بحكم تغير ظروف الحياة االجتماعية ،وضرورة تكيف القاعدة القانونية مع
هذا التطور.
فوفقا لهذه املدرسة ،فإن النصوص القانونية ال تفسـر وفقا إلرادة املشرع الحقيقية أو املفترضة يوم
وضعها ،بل على املفسر أن يبحث عن اإلرادة االحتمالية للمشرع ،أي تلك التي كان يتجه إليها لو أنه دعي إلى
التشريع في الظروف نفسها التي يطبق فيها النص.
43
ويالحظ بأن هذا الرأي إذا كان قد ساد في أملانيا ،فإنه لم يجد في فرنسا إال أنصارا قليلين لعل أبرزهم
الفقيه الفرنس ي سالي حيث كان يقول " :من القانون املدني إلى ما وراء القانون املدني".
والنقد األساس ي الذي يوجه إلى هذه املدرسة هو أنها قضت بصورة كاملة على كل مزايا القانون املكتوب،
وال سيما عندما اعتبرت أن النصوص القانونية تعد بمجرد صدورها نصوصا منفصلة عن إرادة املشرع ،وال
تتبع إال تطور ظروف املجتمع وحاجاته.
كما أن هذه النظرة ستؤدي إلى الخروج بالتفسير عن وظيفته ،وتفتح املجال أمام تعسف القضاء ،إذ
يستطيع القاض ي تحت ستار التفسير اللجوء إلى تعديل أو إلغاء العديد من النصوص القانونية ،وبالتالي
سيقض ي على ما يجب أن يتوافر للقانون من صفات الثبات واالستقرار ،وسيخلق جوا من االضطراب في
املعامالت القانونية بين األفراد ،باإلضافة إلى اإلخالل بمبدأ الفصل بين السلطات.
كما أن ربط عملية التفسير بحاجات الجماعة في وقت معين ،يؤدي إلى اختالف التفسيرات للنص
الواحد ،األمر الذي يؤدي إلى التناقض والتباين في األحكام للحاالت املتماثلة.
)03املدرسة العلمية (البحث العلمي الحر):
مؤسس هذه املدرسة هو الفقيه الفرنس ي جيني ،ويرى أنه يجب على القاض ي اتباع املشرع في األحوال
التي تظهر فيها إرادته واضحة جلية .ومؤدى ذلك أنه على القاض ي أن يتمسك أوال بالنصوص وأن يفسرها وفقا
إلرادة املشرع الحقيقية وقت وضعها.
فإذا لم يؤدي تفسير القاض ي للنص على هذا األساس إلى تطبيق القاعدة القانونية على النزاع املعروض،
فإن على القاض ي املفسر لكي يصل إلى الحل املناسب أن يبحث عنه في مصادر القانون األخرى ،وهنا يختلف
جيني مع املدرسة التقليدية التي ترى ضرورة البحث عن اإلرادة املفترضة للمشرع.
أما في األحوال األخرى عندما ال يجد القاض ي قاعدة قانونية يمكن تطبيقها على النزاع املعروض أمامه
في أي مصدر من مصادر القانون املختلفة ،فإنه على القاض ي املفسر أن يبتع ما أسماه جيني " :بالبحث العلمي
الحر " ،ويقصد به رجوع القاض ي إلى جوهر التشريع بحقائقه املتعددة الطبيعية أو الواقعية والحقائق
التاريخية والعقلية واملثالية في كل مسألة جديدة ،وبالتالي يمكن الوصول إلى تحقيق العدالة باالرتكاز إلى أسس
ووسائل علمية ال وسائل افتراضية.
ويعود للفقيه جيني الفضل األكبر في تحطيم القيود الشكلية البحتة التي رسمتها املدرسة التقليدية،
وال سيما من منطلق أن القانون ال يمكن أن يكون منطقيا بحتا ،ألن حياة الجماعة ليسـت بســيطة ومنطقية،
بل على العكـس هي مركبة مليئة باملتناقضات.
ونظرا ألن هذه املدرسة تقيد القاض ي بضرورة االلتزام بروح التشريع القائم وبضرورات التنظيم
االقتصادي واالجتماعي ،وبفكرة العدالة ،ومقتضيات العقل واملنطق ،فإن فقهها هو الفقه السائد حاليا ملا
يتميز به من أساس سليم.
44
ولكن ما تؤاخذ عليه هذه املدرسة ،هو أنه ليس من الضروري الوقوف في التفسير ،عند اإلرادة
الحقيقية للمشرع وقوفا جامدا؛ بل يجب أن يكون التفسير وسيلة إلى مد حكم النص إلى أية مسألة جديدة
لم يرد بشأنها نص ،وال توجد قاعدة تحكمها في املصادر األخرى ،وذلك ولو لم يقصد املشرع فعال أن يطبق
عليها الحكم ،وهذا ما دام إخضاعها له يتفق مع النص وروحه.
موقف املشرع الجزائري من مدارس التفسير
تنص املادة األولى من القانون املدني على أن (:يسري القانون على جميع املسائل التي تتناولها نصوصه
في لفظها أوفي فحواها .وإذا لم يوجد نص تشريعي حكم القاض ي بمقتض ى مبادئ الشريعة السالمية ،فإذا
لم يوجد فبمقتض ى العرف فإذا لم يوجد فبمقتض ى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة).
فاملشرع الجزائري وإن بدا في املادة أعاله متأثرا بمدرسة الشرح على املتون ،خاصة في الفقرة األولى ،إال
أن ذلك اقتصر فقط على اإلرادة الظاهرة للمشرع والتي يستلهمها القاض ي سواء من ألفاظ النص أو معناه،
وهو ما عبر عنه املشرع بفحوى النص؛ فليس للقاض ي أن يبحث في اإلرادة املفترضة ،كما ذهبت إلى ذلك مدرسة
الشرح على املتون ،بل يتقيد بالنص لفظا وروحا .ويبدو تأثر املشرع أيضا بمدرسة البحث العلىي الحر ،وهذا
ما يتضح من الفقرتين الثانية والثالثة من املادة املذكورة؛ حيث سلم املشرع بظاهرة قصور التشريع عن معالجة
كل الوقائع ووضع مصادر أخرى احتياطية يلجأ إليها القاض ي في حالة عدم وجود نص في التشريع معترفا له في
الفقرة األخيرة باالجتهاد وفق ما تقتضيه مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة.
45