You are on page 1of 48

‫جامعة محمد ملين دباغين‪ ،‬سطيف ‪2‬‬

‫كلية الحقوق والعلوم السياسية‬


‫قسم الحقوق‬

‫محاضرات في املدخل إلى العلوم القانونية‬


‫السداس ي األول‪ :‬النظرية العامة للقانون‬

‫هذه املطبوعة تتضمن املحاضرات املوجهة لطلبة السنة أولى ليسانس حقوق‬
‫املجموعة‪ :‬ج‬
‫من إعداد‪ :‬الدكتورعادل ذوادي‬

‫السنة الجامعية‪:‬‬
‫‪2022/2021‬‬
‫تمهيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‪:‬‬
‫تستهدف دراسة النظرية العامة للقانون بيان ما يتعلق به من مفاهيم ومبادئ أساسية دون التطرق إلى‬
‫دقائقه وتفصيالته التي يتعذر اإلحاطة بها نظرا ألن كل فرع من فروع القانون له كيان خاص به يميزه عن غيره‬
‫من الفروع‪ .‬لكن هذه األخيرة ورغم تباينها إال أنها تتفق جميعها في أنها تقوم على مبادئ وأصول عامة تنطبق‬
‫عليها كلها‪ .‬ومن ثم فإن كل ما يتعلق بالقانون من حيث تعريفه وتحديد خصائصه وفروعه ومصادره ونطاق‬
‫تطبيقه يعتبر من قبيل املبادئ القانونية العامة التي تصدق على كافة الفروع‪ ،‬ويتكون من هذه املبادئ ما يسى‬
‫بالنظرية العامة للقانون‪ .‬وتعتبر دراسة هذه األخيرة مدخال الزما وحتميا قبل االنتقال لدراسة وفهم فروع‬
‫القانون املختلفة‪.‬‬
‫ولإلشارة فالعلوم القانونية يقصد بها تلك التي تتناول بالدراسة موضوعا واحدا هو القانون‪ .‬وهذا رغم‬
‫أن كل واحد منها يبحث فيه من زاوية معينة‪ .‬فهناك علم القانون باملعن الضيق وفيه يقتصر البحث على‬
‫القوانين الوضعية القائمة في دولة معينة بهدف التعرف على قواعدها القانونية وتحليلها ملعرفة مضمونها‪ ،‬أي‬
‫ما تقرره من حقوق وواجبات وما تقترن به من وسائل تكفل احترامها‪ .‬وهناك علم تاريخ القانون وهو يبحث في‬
‫تطور القاعدة القانونية كيف كانت وماذا أصبحت فيربط بين الحاضر باملاض ي ويمهد للمستقبل‪ .‬وهناك علم‬
‫القانون املقارن وهو يبحث في قوانين عدة دول محاوال الكشف عن أوجه التشابه واالختالف بينها‪ .‬كما أن‬
‫هناك علم االجتماع القانوني وهو يبحث في القوانين باعتبارها ظاهرة اجتماعية ومن ثم يبحث تأثرها بتطور‬
‫املجتمع وتأثيرها في البنيان االجتماعي واالقتصادي للدولة‪ .‬وبعبارة أخرى يبحث هذا العلم االرتباط بين األنظمة‬
‫القانونية والواقع االجتماعي‪ .‬وهناك أيضا علم فلسفة القانون وهو يبحث في القوانين لذاتها عن طريق تحديد‬
‫األساس الذي تقوم عليه واألهداف التي ترمي إليها بشكل مجرد‪ .‬وفيما يلي‪ ،‬سنتناول بالدراسة تباعا كل من‪:‬‬
‫املحور األول‪ :‬مفهوم القانون‪ :‬تعريف القانون‬
‫خصائص القاعدة القانونية‬
‫تمييز القواعد القانونية عن غيرها من قواعد السلوك‬
‫أنواع القاعدة القانونية‬
‫املحور الثاني‪ :‬تقسيمات القانون‬
‫املحور الثالث‪ :‬مصادر القانون الرسمية‪ :‬األصلية‬
‫االحتياطية‬
‫املحور الرابع‪ :‬تطبيق القانون‪ :‬من حيث األشخاص‬
‫من حيث املكان‬
‫من حيث الزمان‬
‫‪1‬‬
‫املحوراألول‪ :‬مفهوم القانون‪:‬‬
‫أوال‪ :‬تعريف القانون‬

‫‪ /1‬التعريف اللغوي‪ :‬تعني كلمة قانون في اللغة‪ :‬مقياس كل ش يء وطريقه‪ .‬ويرجع أصل كلمة ''قانون'' إلى‬
‫االقتباس من اللغة اليونانية‪ ،‬فهي كلمة معربة أخذت من الكلمة اليونانية '' ‪ ''Kanun‬أو من الكلمة الالتينية‬
‫'' ‪"Kanon‬والتي تعني ''العصا املستقيمة''‪ .‬ويعبرون بها مجازيا عن القاعدة )‪ (Règle la'' Regula‬أو القدوة أو‬
‫املبدأ أو النظام‪ ،‬وقد عبرت عنها اللغة الفرنسية بكلمة ‪ Droit‬وتقابلها في اإليطالية ‪ Diritto‬وفى األملانية‪... Recht‬‬
‫الخ‪ .‬ويستخلص من هذا أن كلمة ''قانون" تستعمل كمعيار لقياس انحراف األشخاص عن الطريق املستقيم‪،‬‬
‫أي عن الطريق الذي سطره لهم القانون لكي يتبعوه في معامالتهم‪.‬‬
‫‪ /2‬التعريف العلمي‪ :‬القانون يراد به القاعدة الثابتة املطردة‪ ،‬فإذا تكرر أمر معين على وتيرة واحدة؛ بحيث‬
‫يعتبر خاضعا لنظام ثابت قيل إنه يخضع لقانون معين‪ ،‬وفي هذا املعن يقال مثال قانون تعاقب الليل والنهار‬
‫في مجال علم الفلك‪ ،‬وقانون الجاذبية األرضية في مجال علم الطبيعة‪ ،‬وقانون العرض والطلب في مجال علم‬
‫االقتصاد‪.‬‬
‫‪ /3‬التعريف االصطالحي‪ :‬ملا كان املعن اللغوي ليس هو املقصود في مجال علم القانون‪ ،‬فقد اتجه الفقهاء‬
‫نحو إعطاء تعريف مستمد من خصائص القاعدة القانونية ذاتها‪.‬‬
‫أ) التعريف الواسع‪ :‬القانون هو مجموعة القواعد العامة واملجردة التي تنظم سلوك وعالقات األشخاص في‬
‫املجتمع على نحو ملزم‪ .‬سىي بالتعريف الواسع ألنه يركز في تعريف القانون على خصائص القاعدة القانونية‬
‫بغض النظر عن مصدرها وشكلها‪ .‬وتجدر اإلشارة إلى أنه إذا وجد مصطلح الوضعي إلى جانب القانون (أي‬
‫القول القانون الوضعي‪ ،)droit positif-‬فإنه يقصد من ذلك جميع القواعد القانونية السارية النفاذ حاليا في‬
‫دولة معينة‪ ،‬فلما نقول مثال القانون الوضعي الجزائري فنقصد بذلك القواعد السارية النفاذ حاليا في الجزائر‪.‬‬
‫ب) التعريف األقل اتساعا‪ :‬القانون هو مختلف القواعد العامة واملجردة املكتوبة التي تصدر عن السلطات‬
‫املختصة في الدولة لتنظيم سلوك وعالقات األشخاص في املجتمع على نحو ملزم‪ .‬وهذا التعريف ينطبق على‬
‫التشريع )‪ (La Loi‬بصفة عامة‪ ،‬حيث نقول التشريع الجزائري أو القانون الجزائري كالهما جائز‪.‬‬
‫ج) التعريف األقل ضيقا‪ :‬القانون هو مجموعة القواعد العامة واملجردة التي تنظم سلوك وعالقات األشخاص‬
‫في املجتمع على نحو ملزم في موضوع أو مسائل محددة‪ ،‬فنقول مثال القانون املدني (‪ ،)le droit civil‬القانون‬
‫الجنائي (‪ ،)le droit pénal‬القانون اإلداري (‪ ...)le droit administratif‬الخ‪.‬‬

‫‪0‬‬
‫د) التعريف الضيق‪ :‬القانون هو مجموعة القواعد العامة واملجردة املكتوبة التي تنظم سلوك وعالقات‬
‫األشخاص في املجتمع على نحو ملزم في موضوع أو مسائل محددة والصادرة عن السلطة التشريعية في الدولة‪.‬‬
‫وهو ما يطلق عليه بالتقنين (‪ ،)le code‬بحيث يوجد التقنين املدني (‪ ،)le code civil‬تقنين العقوبات ( ‪le code‬‬
‫‪ )pénal‬التقنين التجاري )‪ ... (le code du commerce‬الخ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬خصائص القاعدة القانونية‬
‫يمكن تعريف القاعدة القانونية – باعتبارها هي النواة ألي فرع من فروع القانون – بأنها خطاب عام‬
‫ومجرد موجه لألشخاص على سبيل اإللزام يتضمن إما أمرا أو نهيا بشأن مسألة (أو عدة مسائل) بهدف ضبط‬
‫وتوجيه سلوك املخاطبين بها بما يحقق النظام واالستقرار داخل املجتمع‪.‬‬
‫من خالل هذا التعريف‪ ،‬نستنتج بأن القاعدة القانونية تتميز بكونها‪:‬‬
‫‪ /1‬قاعدة سلوك اجتماعي‪:‬‬
‫وصف القواعد القانونية بأنها قواعد سلوك اجتماعي يراد به أنها قواعد تقويمية وليست قواعد‬
‫تقريرية؛ ذلك ألن الغرض من القانون هو ضبط السلوك االجتماعي‪ ،‬ولذا فهو ال يحدد ما هو كائن في املجتمع‪،‬‬
‫وإنما يحدد ما يجب أن يكون عليه املجتمع وسلوك افراده‪ ،‬وهذا على عكس القواعد املتعلقة بالظواهر‬
‫الطبيعية فإنها قواعد تقريرية ألنها تقرر أمرا واقعا وليس ما يجب عليه أن يكون‪ .‬وعلى هذا نجد بأن القاعدة‬
‫القانونية تتكون من عنصرين‪ ،‬هما‪ :‬عنصر الفرض (التكليف) وعنصر الحكم‪ .‬فقواعد القانون تتضمن خطابا‬
‫تتوجه به إلى األشخاص ليس على سبيل النصح واإلرشاد‪ ،‬وإنما على سبيل الجبر والتكليف‪ ،‬أي هي تحمل‬
‫املخاطبين على التقيد بمضامينها حت تنضبط سلوكاتهم وتصرفاتهم وفقا لها‪ .‬فتصبح هي املرجع الذي من‬
‫خالل أحكامه يحدد األشخاص ما يمكنهم القيام به أو عدم القيام به‪.‬‬
‫فالحكم في القاعدة القانونية هو األثر الذي يجب أن يحدث إذا وقع الفرض‪ .‬وقد يكون حكم القاعدة‬
‫القانونية مقصودا لذاته‪ ،‬سواء أكان يتضمن اقتضاء‪ ،‬أي يفيد وجوب القيام بعمل معين كالقاعدة التي توجب‬
‫على الزوج أن ينفق على زوجته‪ ،‬أو يفيد املنع والنهي عن القيام بعمل‪ ،‬وهذا هو شأن قواعد قانون العقوبات‬
‫التي تحرم ارتكاب الجرائم ‪.‬وقد يفيد اإلباحة والتخيير بين الفعل والترك‪ ،‬ويتم التعبير عن اإلباحة في الغالب‬
‫بعبارة يجوز كالقاعدة التي تنص عليها (املادة ‪ 550‬من القانون املدني الجزائري) مثال من أنه‪ (:‬يجوز للمقاول‬
‫أن يقتصر على التعهد بتقديم عمله فحسب على أن يقدم رب العمل املادة التي يستخدمها أو يستعين بها في‬
‫القيام بعمله‪ .‬كما يجوز أن يتعهد املقاول بتقديم العمل واملادة معا)‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫وقد ال يكون حكم القاعدة القانونية مقصودا لذاته‪ ،‬وإنما لتيسير التعبير عن قاعدة قانونية أخرى‬
‫وفهمها‪ .‬وهذا هو شأن كل قاعدة قانونية تقتصر على بيان املعن االصطالحي للفظ ّ‬
‫معين كالقواعد القانونية‬
‫التي تبين معن البيع وغيره من العقود املسماة‪ ،‬وكالتي تبين معن الرشد والتمييز مثال‪ .‬فاألحكام في مثل هذه‬
‫القواعد ليست مقصودة لذاتها‪ ،‬وإنما لتحديد معن هذه املصطلحات عندما ترد في قواعد قانونية أخرى‪.‬‬
‫ويترتب على هذه الخاصية أن القاعدة القانونية ال تهتم كأصل إال بالسلوك الخارجي لإلنسان دون النظر‬
‫إلى نواياه‪ .‬فالقانون ال شأن له بالنوايا املحضة أيا كانت‪ ،‬فالنية املحضة أو املجردة التي تبقى كامنة في نفس‬
‫صاحبها بدون تعبير مباشر أو غير مباشر عنها ال يعتد بها القانون وال يرتب عليها أي أثر‪ .‬وكون القانون ال يهتم‬
‫بالنوايا‪ ،‬ال يعني هذا أن القانون ال يعول على الدوافع النفسية عند األفراد‪ ،‬إذ هو يقدر أفعال الناس وفقا‬
‫إلرادتهم ونواياهم‪ .‬فال شك في أنه عند الحكم على أفعال الفرد تكون الناحية الداخلية لهذه األفعال ذات أهمية‬
‫خاصة‪ .‬أي أن القانون يعتد باإلرادة وبالنوايا التي أدت إلى هذه األفعال‪ .‬فالنتائج القانونية التي تترتب على فعل‬
‫ما تختلف بحسب ما إذا كان هذا الفعل قد وقع بحسن نية أو بسوء نية‪ .‬فمن الناحية الجنائية يختلف أثر‬
‫الجرم الذي اقترن بسبق اإلصرار عن الجرم الذي لم يسبقه إصرار‪ ،‬وفي التمييز بين الخطأ العمدي والخطأ‬
‫غير العمدي‪...‬‬
‫‪ /2‬قاعدة عامة ومجردة‪:‬‬
‫فهي أوال قاعدة عامة‪ :‬بمعن أنها تتناول األشـخاص املخاطبين بحكمها بصفاتهم ال بذواتهم‪ ،‬وتعالج‬
‫الوقائع وفقا لشروطها العامة ال وفقا لكل واحدة منها بالذات‪ .‬فالقاعدة القانونية التي تعاقب السارق بالحبس‬
‫تعتبر قاعدة عامة ألنها تطبق على كل من يرتكب السرقة ‪.‬فالعمومية ال يقصد بها أن القاعدة تطبق فعال على‬
‫جميع الناس‪ ،‬وإنما يقصد بها أنها قابلة للتطبيق على كل من تتوافر فيه شروطها‪ .‬وعلى ذلك فقواعد القانون‬
‫التجاري تعتبر قواعد عامة‪ ،‬ولو أنها ال تطبق إال على طائفة التجار‪ ،‬وذلك ألنها تطبق على كل من تتوافر فيه‬
‫صفة التاجر‪ .‬كذلك تتوافر صفة العمومية في القاعدة التي تحدد ما يجب أن يتوفر في رئيس الجمهورية من‬
‫شروط‪ ،‬فهي وإن كانت ال تنطبق إال على فرد واحد إال أنها ال تنطبق عليه محددا بذاته وإنما بصفات معينة‬
‫قد تتوفر في غيره ‪.‬وبناء عليه فإن املرسوم الرئاس ي الذي يصدر بتعيين شخص معين رئيسا للجامعة ال يضع‬
‫قاعدة عامة‪ ،‬وعلى ذلك ال يضع قاعدة قانونية‪.‬‬
‫وهي ثانيا مجردة‪ :‬ويظهر التجريد في القاعدة القانونية من حيث أن نشوءها ال يتعلق بشخص معين‬
‫بالذات أو بواقعة معينة‪ ،‬وتظل بالتالي القاعدة القانونية قائمة‪ ،‬مهما بلغ عدد تطبيقها على األشخاص‬
‫والوقائع‪ ،‬طاملا قد توافرت الشروط املحددة في القاعدة القانونية السارية النفاذ ‪ .‬ومن هنا فإن هناك ارتباطا‬

‫‪2‬‬
‫حتميا بين التجريد والعمومية‪ ،‬فتنشأ القاعدة مجردة وتكتسب نتيجة ذلك صفة العمومية عند تطبيقها على‬
‫األشخاص والوقائع ‪ .‬وعليه فالقاعدة القانونية باعتبارها خطابا عاما ومجردا ال تستنفد أثرها بتطبيقها على‬
‫شخص معين أو واقعة معينة‪ ،‬بل تطبق على الدوام وعلى عدد غير متناه من الحاالت طاملا توافرت الصفات‬
‫أو الشروط العامة التي تفترضها ‪ .‬وتطبيقا لذلك يعتبر ما نص عليه قانون الخدمة العسكرية قواعد قانونية‪،‬‬
‫ألنه يطبق على مجموعة من األشخاص معينين بأوصاف وشروط محددة‪ .‬بينما القرار الصادر بدعوة شـخص‬
‫معين للخدمة العسكرية ال يشكل قاعدة قانونية‪ ،‬ألنه يتوجه إلى شخص معين بالذات‪.‬‬
‫نستنتج مما تقدم أن أساس العمومية والتجريد في القاعدة القانونية هو‪:‬‬
‫‪1‬ـ مبدأ سيادة القانون ومبدأ املساواة أمام القانون‪.‬‬
‫‪2‬ـ صفة العمومية و التجريد تجد أساسها أيضا في تحقيق العدل‪ :‬فالعدل يتطلب املس ــاواة في معاملة‬
‫املخاطبين بأحكام القانون دون تفرقة بينهم‪ ،‬وصفة العمومية والتجريد التي تتصف بها القاعدة القانونية‬
‫تجعلها محققة للعدل دون العدالة‪ .‬فالعدل يقوم على أساس املساواة املجردة الجامدة بين املواطنين دون‬
‫االعتداد بالظروف الخاصة بكل منهم‪ .‬أما العدالة فتقوم على أساس تحقيق املساواة الفعلية والواقعية التي‬
‫تأخذ بالحسبان الظروف الخاصة بكل حالة على حدة ‪.‬‬
‫‪3‬ـ كما يالحظ أن صفة العمومية والتجريد ترتبط باعتبارات عملية مرجعها استحالة صدور قرارات خاصة‬
‫تنظم سلوك كل فرد على حدة في املجتمع ‪.‬‬
‫‪ /3‬قاعدة ملزمة‪:‬‬
‫ما دامت القاعدة القانونية هي قاعدة سلوك؛ فال يمكن لها أن تحقق غايتها إال إذا كان األشخاص‬
‫املخاطبون بأحكامها يشعرون بأنها واجبة االتباع واالحترام‪ .‬فمعن اإللزام في القاعدة القانونية‪ ،‬هو شعور‬
‫األشخاص املخاطبين بأن القاعدة واجبة االتباع‪ ،‬ولن يتحقق هذا الشعور إال إذا كانت الجماعة تمتلك من‬
‫الوسائل املادية ما يؤمن احترام القاعدة القانونية‪ ،‬وفي مقدمة هذه الوسائل أن تضع الجماعة جزاء منظما‬
‫يتم إيقاعه على من يخالف القاعدة القانونية ويخرقها‪.‬‬
‫والجزاء هو ردة الفعل املقررة في حالة مخالفة قاعدة قانونية وتوقعه سلطة مختصة‪ ،‬أو هو أثر يـتخذ‬
‫صورة أذى مادي منظم يترتب على مخالفة أحكام القاعدة القانونية يفرض من قبل السلطة العامة في الدولة‪،‬‬
‫وذلك لزجر املخالف وردع غيره‪ .‬ومن خصائص الجزاء‪:‬‬
‫‪ .1‬الطابع املادي املحسوس في الجسد (اإلعدام)‪ ،‬الحرية (السجن والحبس) واملال (الغرامة والتعويض)‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪ .2‬الجزاء يطبق حاال دون تأجيل عكس العقوبة اإللهية مثال والتي ينزلها هللا سبحانه وتعالى في الدنيا‬
‫واآلخرة (عاجل وآجل)‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ .3‬الجزاء يكون دائما منصوص عليه في القانون فال جـريـمـة وال عقوبة إال بنص (بالنسبة للـجزاء الجنائـي)‪.‬‬
‫‪ .4‬الجزاء توقعه سلطة مختصة‪.‬‬
‫وأما عن صور الجزاء‪ ،‬ففضال عن الجزاء الدولي املترتب عن مخالفة قواعد القانون الدولي والجزاء‬
‫الدستوري والسياس ي املترتب عن مخالفة قواعد القانون الدستوري‪ ،‬فإن أهم صور ه هي تلك التي تمس‬
‫مباشرة األفراد‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫أ‪ -‬الجزاء الجنائي‪ :‬وهي العقوبات املقررة قانونا في حالة ارتكاب جـريـمة (جناية‪ ،‬جنحة‪ ،‬مـخالفة)‪ .‬فبحسب‬
‫املادة ‪ 05‬من قانون العقوبات الجزائري‪ ،‬فإن‪ :‬العقوبات األصلية في مادة الجنايات هي‪:‬‬
‫‪ )1‬اإلعدام‪،‬‬
‫‪ )2‬السجن املؤبد‪،‬‬
‫‪ )3‬السجن املؤقت ملدة تتراوح بين خمس (‪ )5‬سنوات وعشرين (‪ )20‬سنة‪.‬‬
‫‪ -‬العقوبات األصلية في مادة الجنح هي‪:‬‬
‫‪ )1‬الحبس مدة تتجاوز شهرين إلى خمس سنوات ماعدا الحاالت التي يقرر فيها القانون حدودا أخرى‪،‬‬
‫‪ )2‬الغرامة التي تتجاوز ‪ 20.000‬دج‪.‬‬
‫‪ -‬العقوبات األصلية في مادة املخالفات هي‪:‬‬
‫‪ )1‬الحبس من يوم واحد على األقل إلى شهرين على األكثر‪،‬‬
‫‪ )2‬الغرامة من ‪ 2000‬دج إلى ‪ 20.000‬دج‪.‬‬
‫أما بحسب املادة ‪ 09‬ذات القانون فإن العقوبات التكميلية هي‪:‬‬
‫‪ – 1‬الحجر القانوني‪،‬‬
‫‪ – 2‬الحرمان من ممارسة الحقوق الوطنية واملدنية والعائلية‪،‬‬
‫‪ – 3‬تحديد اإلقامة‪،‬‬
‫‪ – 4‬املنع من اإلقامة‪،‬‬
‫‪ – 5‬املصادرة الجزئية لألموال‪،‬‬
‫‪ – 6‬املنع املؤقت من ممارسة مهنة أو نشاط‪،‬‬
‫‪ –7‬إغالق املؤسسة‪،‬‬
‫‪ – 8‬اإلقصاء من الصفقات العمومية‪،‬‬
‫‪ – 9‬الحظر من إصدار الشيكات و‪/‬أو استعمال بطاقات الدفع‪،‬‬
‫‪ – 10‬تعليق أو سحب رخصة السياقة أو إلغاؤها مع املنع من استصدار رخصة جديدة‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ – 11‬سحب جواز السفر‪،‬‬
‫‪ – 12‬نشر أو تعليق حكم أو قرار اإلدانة‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الجزاء املدني‪ :‬هو إما التنفيذ العيني أو بمقابل (التعويض) أو البطالن أو الفسخ أو الغرامة التهديدية‪.‬‬
‫ج‪ -‬الجزاء الداري (التأديبي)‪ :‬وهو الجزاء الذي يوقع على موظفي الدولة والعاملين بها من جانب السلطات‬
‫اإلدارية عند ارتكابهم مخالفات إدارية تخالف قواعد العمل الوظيفي‪ .‬ويختلف باختالف نوع املخالفة ودرجة‬
‫املوظف‪ .‬ومن أمثلة الجزاءات اإلدارية‪ :‬الحرمان من الترقية‪ ،‬الخصم من املرتب‪ ،‬العزل من الوظيفة‪ ،‬النقل‪...‬‬
‫ثالثا‪ :‬تمييزالقواعد القانونية عن غيرها من قواعد السلوك‬
‫القاعدة القانونية تھدف إلى ضبط سلوك الفرد داخل املجتمع‪ ،‬لكن القاعدة القانونیة ليست وحدھا‬
‫التي تعمل على تنظیم العالقات االجتماعية بل ھناك قواعد اجتماعية أخرى تحكم بدورها سلوك األفراد‪،‬‬
‫وھي قواعد املجامالت والعادات واألخالق والدین‪.‬‬
‫‪ /1‬القاعدة القانونية والعادات والتقاليد‪ :‬في كل جماعة توجد قواعد سلوك يتفق األشخاص‬
‫على اتباعها بحيث ّ‬
‫تعد من عادات املجتمع وتقاليده‪ ،‬كواجب تقديم العزاء عن املصائب‪ ،‬وواجب تقديم التهنئة‬
‫في املناسبات السعيدة‪ ،‬وكواجب إلقاء السالم والتحية‪ ،‬وما ينبغي أن يرتديه األشخاص في بعض املناسبات‪،‬‬
‫بحيث تصير هذه التقاليد أو العادات جزءا من التنظيم االجتماعي في هذا املجتمع أو ذاك‪ .‬وهذه العادات‬
‫والتقاليد قابلة للتغيير بصورة تلقائية‪ ،‬مثلما تكتسب‪ ،‬وتكتسب قوتها بصورة تلقائية بسبب اعتياد األشخاص‬
‫على اتباعها في سلوكهم‪ .‬فعندما يجد األشخاص أن من هذه العادات ما ينافي العقل السليم والفطرة السليمة‬
‫فإن الجماعة تبدأ تدريجيا بالعزوف عن اتباعها وتتبع غيرها‪.‬‬
‫الفرق بين هذه القواعد والقاعدة القانونية‪:‬‬
‫‪ +‬من حيث الجزاء فإن القاعدة القانونية يكون الجزاء فيها ماديا ملموسا‪ ،‬أي توقعه السلطة على املخالف‪،‬‬
‫أما بالنسبة للجزاء في مخالفة القواعد العادات والتقاليد واملجامالت فيقوم على استنكار الغير لذلك السلوك‬
‫املخالف لتلك القواعد‪.‬‬
‫‪ +‬أما من حيث الهدف فإن القاعدة القانونية تهدف إلى فرض النظام داخل املجتمع عكس قواعد املجامالت‬
‫فهي في األغلب هدفها نشر الود واملحبة بين الناس‪.‬‬
‫‪ /2‬القاعدة القانونية والقاعدة األخالقية‪ :‬قواعد األخالق هي املثل العليا ملا يجب أن يكون عليه سلوك‬
‫األشخاص‪ ،‬كواجب اإلحسان للضعفاء والوفاء بالعهد والصدق في األقوال وإغاثة امللهوف… إلخ‪ .‬فاألخالق هي‬
‫عبارة عن مجموعة من القواعد يساهم في تكوينها أفكار الناس عن الخير والشر بحيث تكون املثل العليا ملا‬

‫‪5‬‬
‫يجب أن يكون عليه سلوك األفراد في املجتمع‪ .‬فهي من هذا وليدة املعتقدات والتقاليد والعادات املتأصلة في‬
‫النفوس‪ .‬ويجد الناس أنفسهم ملتزمين باتباعها وفقا لوازع أدبي يحكم تصرفاتهم ويسود عالقاتهم‬
‫االجتماعية‪ .‬فمنها القواعد التي تحض على التعاون على البر كاألمر بالعدل واإلحسان وإيتاء ذي القربي‪ ،‬ومنها‬
‫القواعد التي تنه عن التعاون على اإلثم والعدوان كالنهي عن الفحشاء واملنكر والبغي‪ .‬ومنها القواعد التي‬
‫تأمر بالوفاء بالعهد والصدق في القول‪ .‬ومنها القواعد التي توص ي بأن يحب اإلنسان لغيره ما يحب لنفسه‪ .‬ومنها‬
‫القواعد التي تدعو إلى النصيحة واإليثار على النفس‪ .‬إلى غير ذلك من القواعد التي تنزع باإلنسان نحو السمو‬
‫الخلقي والكمال‪.‬‬
‫ويقتض ي الحديث عن العالقة بين قواعد القانون وقواعد األخالق شرح أوجه التشابه واالختالف بين هذين‬
‫النوعين من قواعد السلوك االجتماعي على النحو اآلتي‪:‬‬
‫أوجه التشابه بين قواعد القانون وقواعد األخالق‪:‬‬
‫أ‪ .‬تعتبر كال من قواعد القانون وقواعد األخالق قواعد سلوك تحكم وتنظم سلوك األفراد في املجتمع وتحدد‬
‫واجبات كل فرد تجاه غيره من األفراد‪.‬‬
‫ب‪ .‬تعتبر كال من قواعد القانون وقواعد األخالق قواعد عامة ومجردة حيث أن كال النوعين من القواعد‬
‫تخاطب الكافة‪.‬‬
‫ج‪ .‬تقترن كل من قواعد القانون وقواعد األخالق بالجزاء الذي يوقع على املخالف بالرغم من اختالف ماهية‬
‫الجزاء في األولى عنه في الثانية‪.‬‬
‫د‪ .‬تشترك كال من قواعد القانون وقواعد األخالق في تحقيق هدف واحد وهو إقامة نظام اجتماعي سليم على‬
‫أساس من العدل واملساواة‪ ،‬حيث يهدفان إلى تنقية املجتمع من الشر ويدعوان إلى الخير وبالتالي تحقيق األمن‬
‫والسكينة في املجتمع‪.‬‬
‫مما سبق‪ ،‬يتضح وجود صلة وثيقة بين القانون واألخالق‪ ،‬لذلك نجد أن القانون يستند في كثير من‬
‫األحيان إلى أسس خلقية في تنظيم أمر معين كتجريم االعتداء على النفس أو العرض أو املال‪.‬‬
‫أوجه االختالف بين قواعد القانون وقواعد األخالق‪:‬‬
‫أ‪ .‬من حيث الجزاء‪ :‬سبق القول بأن كال من قواعد القانون وقواعد األخالق قواعد ملزمة تقترن بالجزاء الذي‬
‫يوقع على املخالف‪ ،‬إال أن الجزاء الذي تفرضه قواعد القانون يختلف عن ذلك الذي تفرضه قواعد األخالق‬
‫سواء من حيث الطبيعة أو من حيث السلطة التي توقع الجزاء‪ .‬فمن حيث الطبيعة الجزاء الذي يوقع على‬
‫املخالف لقواعد القانون هو جزاء مادي كالغرامة والحبس واإلعدام والتعويض وإبطال التصرف‬
‫القانوني‪...‬الخ‪ ،‬أما الجزاء على مخالفة قواعد األخالق فهو جزاء معنوي يتمثل في نفور املجتمع من املخالف‬
‫‪6‬‬
‫ونبذه واستهجانه واستنكاره للمخالفة‪ .‬أما من حيث السلطة التي توقع الجزاء على املخالف نجد أن السلطة‬
‫العامة هي الجهة املختصة بتوقيع الجزاء على الشخص املخالف لقواعد القانون وفقا لنوع املخالفة‪ ،‬بينما من‬
‫يخالف قواعد األخالق يتولى ضمير املخالف نفسه واملجتمع الذي يعيش فيه إيقاع الجزاء عن طريق نبذ‬
‫املخالف واستهجان فعلته وازدرائه‪ .‬إال أن اختالف الجزاء بين نوعي القواعد ال يعني انفراد كل منهما‪ ،‬حيث‬
‫من املمكن أن يجتمع الجزاءان معا في فعل واحد مخالف‪ ،‬فمثال من يرتكب جريمة السرقة يوقع عليه الجزاء‬
‫القانوني بالحبس كما يتعرض في نفس الوقت الزدراء الناس واستهجانهم لفعلته‪ ،‬فيجتمع الجزاءان في هذه‬
‫الحالة الجزاء املادي والجزاء األدبي‪.‬‬
‫ب‪ .‬من حيث الغاية‪ :‬إن غاية القانون غاية نفعية تتمثل في تحقيق استقرار املجتمع وأمنه والحفاظ على‬
‫النظام فيه بما يكفل تقدمه ورقيه وهو بذلك يراعي الواقع املعاش‪ ،‬أما غاية قواعد األخالق فهي غاية مثالية‬
‫تتمثل في السمو باإلنسان نحو الكمال‪ ،‬وهي بذلك تراعي ما يجب أن يكون‪ .‬وبناء على هذا االختالف في الغاية‬
‫نجد أن قواعد القانون تتخذ من الشخص العادي نموذجا أو معيارا يعول عليه‪ ،‬أما قواعد األخالق فتتخذ‬
‫من الشخص الكامل النموذج أو املعيار الذي بناء عليه يحدد ما يدخل في نطاق هذه القواعد‪.‬‬
‫ج‪ .‬من حيث التحديد والوضوح‪ :‬إن قواعد القانون تتسم بالوضوح والتحديد وسهولة التعرف عليها‬
‫وتطبيقها‪ .‬أما قواعد األخالق فعلى خالف ذلك حيث تتسم بالغموض وعدم الوضوح كونها عبارة عن أحاسيس‬
‫داخلية مستقرة في ضمائر األفراد مما يؤدي إلى صعوبة التعرف عليها بشكل واضح‪ ،‬فاألحاسيس الداخلية قد‬
‫تختلف من فرد إلى آخر‪ .‬ومن الجدير باإلشارة أن هناك بعض القواعد القانونية ال تتسم بالتحديد والوضوح‪،‬‬
‫هذه القواعد هي القواعد القانونية املستمدة من العرف وذلك لكونها عبارة عن أحاسيس مستقرة في ضمائر‬
‫األفراد ونفوسهم كما هو الحال بالنسبة لقواعد األخالق‪.‬‬
‫د‪ .‬من حيث تقرير الحقوق والواجبات‪ :‬تقرر قواعد القانون الحقوق والواجبات‪ ،‬فمثال القاعدة القانونية‬
‫التي تقرر للشخص حق امللكية على عقار تفرض في نفس الوقت على الغير واجبا عاما وهو احترام هذا الحق‬
‫وعد التعرض للمالك في انتفاعه بعقاره‪ .‬أما قواعد األخالق فتقرر واجبات فقط‪ ،‬فمثال القاعدة األخالقية‬
‫بضرورة مساعدة الغني للفقير تفرض واجبا على الغني تجاه الفقير إال أنها باملقابل ال تقرر حقا للفقير في‬
‫مطالبة الغني‪.‬‬
‫ه‪ .‬من حيث النطاق‪ :‬تلتقي القواعد القانونية مع قواعد األخالق في أغلب األحيان‪ .‬فمثال القواعد القانونية‬
‫التي تجرم االعتداء على النفس أو العرض أو املال والقواعد القانونية التي تقض ي بالوفاء بااللتزام لكون العقد‬
‫شريعة املتعاقدين والقواعد القانونية التي تمنع إلثراء على حساب الغير دون سبب‪ ،‬كل هذه القواعد القانونية‬
‫هي قواعد أخالقية‪ .‬وهناك من القواعد األخالقية ما لم يتعرض له القانون كالقواعد األخالقية التي تحث على‬
‫‪7‬‬
‫الفضائل والصدق ومساعدة الغير‪ .‬كما يوجد من القواعد القانونية ما ليس له عالقة باألخالق كونها قواعد‬
‫تهدف إلى تحقيق النفع االجتماعي في مجال ال يتعلق باألخالق‪ ،‬ومن هذه القواعد تلك املتعلقة بتنظيم املرور‬
‫والقواعد التي تنظم إجراءات التقاض ي والقواعد التي تتطلب الكتابة إلثبات التصرفات القانونية‪.‬‬
‫وأخيرا توجد قواعد قانونية تنافي األخالق‪ ،‬ومنها قواعد التقادم املكسب والتقادم املسقط حيث أن من يحوز‬
‫عقارا ملدة خمسة عشرة سنة بنية تملكه فإنه يصبح مالكا لهذا العقار إذا توافرت الشروط القانونية الالزمة‬
‫لذلك‪ ،‬كما يحق للمدين الذي لم يف بدينه أن يدفع في مواجهة الدائن بسقوط حقه بالتقادم املسقط إذا‬
‫مضت مدة خمسة عشرة سنة دون أن يطالب الدائن املدين بحقه‪ .‬إال أنه يجب أن نشير إلى أن هذه القواعد‬
‫التي تنافي األخالق في ظاهرها أنها تهدف في النهاية إلى تحقيق مصلحة عامة للمجتمع تعتبر أولى بالرعاية من‬
‫املصلحة الخاصة وذلك في سبيل استقرار املراكز القانونية‪.‬‬
‫وفي األخير‪ ،‬نخلص إلى أن دائرة األخالق أوسع من دائرة القانون‪ ،‬حيث أن كل قاعدة قانونية إما أن‬
‫تستند إلى أساس خلقي أو على األقل تتصل باألخالق من ناحية اعتدادها بتحقيق املصلحة العامة‪.‬‬
‫‪ /3‬القاعدة القانونية وقواعد الدين‪:‬‬
‫قواعد الدين عبارة عن مجموعة من األوامر والنواهي املنزلة من هللا سبحانه وتعالى إلى البشر عن‬
‫طريق الرسل لتنظيم نشاط األفراد في املجتمع وتشرد اإلنسان إلى ما فيه الخير والصالح في الدنيا واألخرة بما‬
‫يؤدي إلى تحقيق العدل واألمان‪ .‬وتختلف قواعد الدين عن القواعد القانونية من عدة أوجه‪:‬‬
‫‪ .1‬من حيث النطاق‪ :‬قواعد القانون أضيق نطاقا من قواعد الدين‪ ،‬حيث إن قواعد القانون تحكم وتنظم‬
‫واجبات الشخص نحو غيره‪ ،‬أما قواعد الدين فتحكم وتنظم واجبات الشخص نحو هللا وواجبات الشخص‬
‫نحو نفسه وواجبات الشخص نحو غيره‪ ،‬فمثال قواعد الشريعة اإلسالمية تتضمن ثالثة أنواع من القواعد‬
‫من حيث تنظيمها للسلوك وهي‪:‬‬
‫أ‪ .‬قواعد العبادات‪ :‬وهي التي تنظم عالقة اإلنسان باهلل سبحانه وتعالى وتفرض على الشخص واجبات نحو‬
‫هللا عز وجل كالصالة والصيام والزكاة والحج‪...‬الخ‪.‬‬
‫ب‪ .‬قواعد األخالق الشخصية‪ :‬وهي التي تنظم عالقة اإلنسان بنفسه وواجبه تجاها كالتحلي بالصدق واألمانة‬
‫والصبر والوفاء وعدم الكذب‪...‬الخ‪ ،‬لذلك نجد أن القواعد األخالقية يأمر بها الدين بحيث يعمل الدين على‬
‫إرساء قواعد األخالق‪ ،‬مما يعني أن القاعدة الخلقية تكون في نفس الوقت قاعدة دينية‪.‬‬
‫ج‪ .‬قواعد املعامالت املالية وغير املالية‪ :‬وهي التي تنظم عالقة الشخص بغيره في املجتمع‪ ،‬حيث تشتمل قواعد‬
‫الدين اإلسالمي على أحكام تنظم البيع والشراء واإليجار وامللكية وما يتعلق باإلجراءات الالزمة لرفع الدعوى‬
‫وطرق اإلثبات‪...‬الخ‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫‪ .2‬من حيث الجزاء‪ :‬إن الجزاء على مخالفة قواعد الدين هو جزاء أخروي يوقع على املخالف في اآلخرة‪ .‬فضال‬
‫عن الجزاء الدنيوي الذي يوقعه ولي األمر كما هو الحال في جرائم القصاص والحدود والتعزير‪ .‬أما الجزاء على‬
‫مخالفة قواعد القانون فهو فقط جزاء دنيوي مادي توقعه السلطة العامة بما تملكه من جبر األفراد على‬
‫االنصياع ألوامرها‪.‬‬
‫‪ .3‬من حيث املصدر‪ :‬إن قواعد الدين مصدرها سماوي من عند هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬فقد أنزلها على عباده‬
‫بواسطة الوحي إلى الرسل ملا فيه من خير وصالح لهم‪ ،‬أما قواعد القانون فهي قواعد وضعية من صنع البشر‪.‬‬
‫ومن الجدير باإلشارة أن هناك قواعد دينية ينص عليها القانون فتصبح في هذه الحالة قواعد قانونية‪ .‬فمثال‬
‫امليراث والوصية والوقف‪...‬الخ هي أمور تنظمها قواعد الدين (الشريعة اإلسالمية) إال أن املشرع وضع نصوصا‬
‫قانونية خاصة بهذه األمور؛ بحيث اتخذ من قواعد الدين مصدرا له فتصبح في هذه الحالة قواعد قانونية‪،‬‬
‫كما يالحظ أن األمور املتعلقة باألحوال الشخصية من زواج وطالق وغيرها اتخذ املشرع في تنظيمها من قواعد‬
‫الدين مصدرا لها‪ ،‬حيث وضع قانونا لألسرة ينظم ويحكم تلك املسائل ضمن قواعد قانونية‪ ،‬ومنه فإن قواعد‬
‫الدين التي تنظم هذه املسألة هي قواعد قانونية بمقتض إحالة املشرع لها‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬أن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواع القواعد القانونية‬
‫تصنف القاعدة القانونية ألنواع متعددة وفقا لوجهة النظر إليها‪:‬‬
‫‪ /1‬القاعدة القانونية املوضوعية والقاعدة القانونية الشكلية‪:‬‬
‫فيما يتعلق بالقاعدة القانونية املوضوعية‪ ،‬والتي تسى بقواعد األساس ُويطلق عليها أيضا الجوهر أو‬
‫املوضوع‪ ،‬فهي تلك القواعد التي تحدد حقوق وواجبات األفراد إزاء بعضهم البعض‪ ،‬واتجاه الدولة‪ ،‬وكذا‬
‫القواعد املتعلقة بحفظ الصالح العام مثل القانون املدني‪ ،‬والقانون التجاري‪ ،‬وقانون العمل‪ ...‬ويتواجد هذا‬
‫النوع من القواعد في أغلب فروع القانون سواء العام أو الخاص‪ .‬فمعظم القواعد الواردة مثال في القانون املدني‬
‫هي قواعد موضوعية تتكفل بتنظيم مصادر الحقوق وآثارها وكذلك الجزاءات املترتبة في حال تم مخالفتها‪.‬‬
‫والقواعد القانونية املوضوعية تشتمل على نوعين من األحكام‪:‬‬
‫‪ )1‬األحكام التي تترتب على التصرفات االرادية للشخص كالعقد والهبة والوصية‪.‬‬
‫‪ )2‬األحكام التي يقررها املشرع ابتداء دون الرجوع الي إرادة الشخص وتنحصر في الجزاءات التي يتضمنها‬
‫القانون‪.‬‬
‫أما القواعد القانونية الشكلية فيقصد بها مجموع القواعد التي يتعين على أي شخص إتباعها أمام‬
‫الجهاز القضائي للمطالبة بالحقوق‪ ،‬وكذا القواعد املحددة الختصاصات الجهات القضائية‪ ،‬وطرق‬
‫‪9‬‬
‫الطعن‪ ،‬وطرق التنفيذ‪ ،‬وهي ما يطلق عليها قانون اإلجراءات املدنية واإلدارية‪ .‬كما تتمثل هذه القواعد في‬
‫تلك املحددة للسلطات املكلفة بالبحث عن الجرائم‪ ،‬وإجراءات التحقيق‪ ،‬واإلجراءات املتبعة أمام الجهات‬
‫القضائية الجزائية وهي ما يطلق عليها قانون اإلجراءات الجزائية‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن بعض القوانين تجمع بين الصنفين من القواعد‪ ،‬يطلق عليها اسم القواعد‬
‫املختلطة كالقانون التجاري الذي إلى جانب قواعده املوضوعية املتمثلة في تحديد حقوق والتزامات التجار‪،‬‬
‫يتضمن قواعد شكلية تتمثل في إجراءات شهر اإلفالس والتسوية القضائية عند تعرض الشركة للتوقف‬
‫عن الدفع‪ .‬غير أن جمع القوانين بين الصنفين من القواعد ال يقلل من قيمة هذا التقسيم‪ ،‬بل يضل‬
‫تقسيم القواعد القانونية إلى موضوعية وشكلية قائما‪ ،‬مع اعتبار تلك القوانين ذات طبيعة موضوعية‬
‫رغم تضمنها لقواعد شكلية‪.‬‬
‫‪ /2‬القاعدة القانونية املكتوبة والقاعدة القانونية غيراملكتوبة‪:‬‬
‫يعتبر عنصر الكتابة هو املعيار األساس ي للتمييز بين النوعين‪ ،‬فالقاعدة القانونية قد تكون مكتوبة من‬
‫طرف السلطة املختصة بإصدار النص القانوني‪ .‬أما القاعدة القانونية غير املكتوبة‪ ،‬فهي ما استقرت في أذهان‬
‫الناس ومن ثم تواتر العمل بها والخضوع ألحكامها‪ ،‬دون أن ُتكتب في نص معين كالعرف ومبادئ القانون‬
‫الطبيعي وقواعد العدالة‪ .‬وتجدر اإلشارة إلى أن التمييز بين القواعد املكتوبة وغير املكتوبة يتم فقط وفقا‬
‫لظهورها في وثيقة تشريعية وليس في غيرها‪ ،‬فمجرد اإلشارة إلى قاعدة غير مكتوبة ضمن قرار قضائي و‪/‬أو‬
‫مؤلف فقهي ال يغير من طبيعتها في ش يء‪ ،‬إذا تبقى قاعدة غير مكتوبة‪.‬‬
‫‪ /3‬القواعد القانونية الدائمة والقواعد القانونية املؤقتة‪:‬‬
‫القواعد القانونية الدائمة هي تلك التي تصدر لتطبق بصفة دائمة ومستمرة وال تنتهي بمجرد تطبيقها‬
‫على حالة أو واقعة معينة‪ .‬أما القواعد القانونية املؤقتة فهي تصدر لتطبق في فترة محددة وتنتهي تلقائيا‬
‫بانقضاء مدتها أو الغرض منها‪ ،‬مثل حظر التجول في الظروف االستننائية‪.‬‬
‫‪ /4‬القواعد القانونية اآلمرة والقواعد القانونية املكملة‪:‬‬
‫القواعد اآلمرة هي القواعد التي ال يجوز لألفراد أن يتفقوا على ما يخالف حكمها‪ .‬وكل اتفاق بين األفراد‬
‫على مخالفة أحكامها يعتبر اتفاقا باطال ال يعتد به‪ .‬ألن هذا النوع من القواعد القانونية يتولى تنظيم مسائل‬
‫تتعلق بإقامة النظام العام في املجتمع‪ ،‬ولذلك فإنه ال يصح أن يترك مثل هذا التنظيم إلرادة الفرد‪ .‬ويالحظ‬
‫أنه يجري تسمية هذه القواعد بالقواعد اآلمرة وأحيانا بالقواعد الناهية على أساس أنها قواعد مفروضة وال‬

‫‪10‬‬
‫خيار لألشخاص في إتباعها أو عدم إتباعها بل عليهم العمل بمقتضاها والخضوع ألحكامها‪ .‬غير أن لفظ اآلمرة‬
‫هو الشائع في الفقه‪ ،‬غير أنه ت جدر مالحظة أن إطالق هذا اللفظ على مثل هذه القواعد ال يعني أنها تتضمن‬
‫أمرا في جميع الحاالت‪ ،‬فقد تتضمن نهـيا عن إتيان فعل معين كنصوص قانون العقوبات التي تنه عن ارتكاب‬
‫الجرائم املختلفة‪ .‬واملقصود من لفظ اآلمرة هو مجرد اإلشارة على عدم جواز خروج األفراد على ما تقض ي به‬
‫القواعد عن طريق االتفاقات الخاصة‪.‬‬
‫ومن أمثلة القواعد اآلمرة تلك التي تتعلق بشكل الدولة أو نظام الحكم فيها والعالقات بين السلطات‬
‫العامة‪ ،‬قواعد قانون العقوبات التي تنظم الجرائم والعقوبات املقررة لها‪ ،‬القواعد املتعلقة بالخدمة الوطنية‬
‫واملشاركة في األعباء العامة عن طريق الضرائب والرسوم‪ ،‬القاعدة التي تنص على منع التعامل في تركة اإلنسان‬
‫على قيد الحياة‪...‬إلخ‪.‬‬
‫وأما القواعد املكملة فهي تلك القواعد التي يجوز لألفراد االتفاق على مخالفتها ألنها ال تتصل باملصلحة‬
‫العامة للجماعة بل تتعلق باملصالح الخاصة لألفراد لذلك آثر املشرع أن يترك لهم حرية تدبير مصالحهم ولو‬
‫على نحو مخالف ملا تقض ي به القاعدة املكملة التي وضعها املشرع ملواجهة هذه الحالة‪ ،‬إذ كثيرا ما ال ينتبه‬
‫األفراد إلى تنظيم بعض املسائل التفصيلية في اتفاقاتهم الخاصة‪ .‬فقد اعتبرت هذه القاعدة مكملة إلرادة الفرد‬
‫ألنها ال تطبق إال حيث ال يوجد اتفاق بين ذوي الشأن على تنظيم عالقاتهم أو حيث وجد االتفاق وكان ناقصا‪.‬‬
‫ومن أمثلة القواعد املكملة أن يتفق البائع واملشتري على املبيع والثمن دون أن يحددا معيار دفع الثمن‬
‫وتسليم املبيع وال املكان الذي يجب أن يتم فيه ذلك فهنا تسري عليها نصوص التقنين املدني التي تجعل وفاء‬
‫الثمن وتسليم املبيع مستحقين فور العقد وتقض ي بأن يكون وفاء الثمن في مكان تسليم املبيع (املادتان ‪-387‬‬
‫‪ 388‬من التقنين املدني) القواعد التي تنظم عالقة املؤجر واملستأجر أو القيام بالترميمات الضرورية في هذا‬
‫املكان ما لم يقض ي االتفاق بينهما بغير ذلك‪...‬إلخ‪.‬‬
‫وعن جدوى القواعد القانونية املكملة‪ ،‬فال بد من اإلشارة‪ :‬أوال‪ :‬رغبة املشرع في جعل األفراد يستغنون‬
‫عن البحث في املسائل التفصيلية التي تنظم عالقاتهم‪ ،‬دفعته إلى إيجاد القواعد الكفيلة بحكم تلك العالقات‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬كثيرا ما قد يكون األفراد ليس لهم خبرة ببعض املسائل أو كثيرا ما ال ينتبهون إلى تنظيم بعض املسائل‬
‫التفصيلية أو أنه ال وقت لديهم للبحث عن مثل هذه التفصيالت‪.‬‬
‫معايير التفرقة بين القواعد اآلمرة واملكملة‪ :‬لقد توصل الفقه إلى معيارين يمكن بالتعويل على أحدهما أو‬
‫عليهما معا التوصل إلى طبيعة القاعدة القانونية هما‪ :‬املعيار اللفظي‪ ،‬واملعيار املعنوي‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫‪ )1‬املعيار اللفظي‪ :‬يمتاز هذا املعيار بسهولة إعماله‪ ،‬إذ إنه يعتمد في التعرف على نوع القاعدة القانونية على‬
‫عبارات النص وألفاظه‪ .‬فقد يصاغ نص القاعدة بألفاظ وعبارات يفهم منها بوضوح ما إذا كانت القاعدة آمرة‬
‫أو مكملة‪ .‬وقد احتوى القانون الجزائري على قواعد كثيرة تضمنت نصوصا صريحة في بطالن االتفاق على ما‬
‫يخالفها أو فرض عقوبة على مخالفها أو في جواز مثل هذا االتفاق‪ ،‬ففي الحالة األولى تكون القواعد آمرة‪ ،‬وفي‬
‫الثانية تكون مكملة‪.‬‬
‫القواعد اآلمرة تستعمل عبارات مثل‪ :‬يجب‪ ،‬ال يجوز‪ ،‬يلتزم‪ ،‬يقع باطال كل ما يخالف‪ ،‬باطل ولو برضاه‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫القواعد املكملة تستعمل عبارات مثل‪ :‬يمكن‪ ،‬يجوز‪ ،‬ما لم يرد اتفاق مخالف‪ ،‬ما لم يوجد اتفاق أو نص قانوني‬
‫يقض ي بغير ذلك‪.‬‬
‫‪ )2‬املعيار املعنوي‪ :‬درج الفقه على القول بأن القواعد القانونية تكون آمرة إذا تعلق موضوعها بالنظام العام‬
‫أو باآلداب العامة‪ ،‬وتكون مكملة إذا تعلقت باملصالح الخاصة لألفراد‪.‬‬
‫ويقصد بالنظام العام مجموع املصالح األساسية التي يقوم عليها كيان املجتمع سواء كانت مصالح سياسية‬
‫أو اجتماعية أو اقتصادية‪ .‬حيث تقوم فكرة النظام العام على أساس املصلحة العامة والتي يقصد بها كل ما‬
‫يحقق للمجتمع األمن واالستقرار والنمو‪ .‬ما يبرر في الواقع وجوب احترام األفراد لكل ما يتعلق بالنظام العام‬
‫حت ولو ضحوا بمصالهم الخاصة‪ ،‬وكل اتفاق خاص بينهم يخالف النظام العام يقع باطال وال أثر له‪.‬‬
‫ويقصد باآلداب العامة مجموعة األسس واملبادئ األخالقية السائدة في املجتمع في زمن معين‪.‬‬
‫وفكرة النظام العام واآلداب العامة فكرة مرنة ونسبية ومتطورة‪ ،‬فهي تختلف من مجتمع آلخر ومن‬
‫عصر آلخر وفقا ل ألفكار السائدة في املجتمع‪ ،‬فما يعتبر مخالفا للنظام العام واآلداب العامة في مجتمع معين‬
‫قد ال يعتبر كذلك في مجتمع آخر‪ ،‬وما يعتبر اليوم مخالفا للنظام العام واآلداب العامة قد ال يعتبر كذلك في‬
‫املستقبل‪ ،‬فمثال تعدد الزوجات يعتبر أمرا مباحا في كثير من الدول العربية وال يخالف النظام العام واآلداب‬
‫العامة‪ ،‬بينما يعتبر جريمة في الدول األوروبية لكونه يخالف النظام العام واآلداب العامة‪ ،‬ونظام الرق كان أمرا‬
‫مباحا إال أنه أصبح اليوم مخالفا للنظام واآلداب العامة وغير جائز‪ ،‬والتأمين على الحياة كان يعتبر مخالفا‬
‫لآلداب العامة إال أنه أصبح اليوم أمرا مشروعا‪ ،‬وهكذا يتضح أن فكرة النظام العام واآلداب العامة تختلف‬
‫من مكان آلخر ومن زمان آلخر تبعا لألفكار املعتنقة في املجتمع‪ ،‬كما أن لالعتبارات الدينية تأثيرها الواضح في‬
‫هذا املجال‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫املحورالثاني‪ :‬تقسيمات القانون‬
‫بالنظر إلى أطراف العالقة التي يحكمها‪ ،‬ينقسم القانون إلى قانون عام وقانون خاص‪ .‬فالقانون العام‬
‫هو مجموعة القواعد التي تنظم العالقات التي تكون الدولة طرفا فيها باعتبارها سلطة ذات سيادة‪ ،‬أما القانون‬
‫الخاص فهو مجموعة القواعد التي تنظم العالقات بين األفراد أو بينهم وبين الدولة باعتبارها شخصا عاديا ال‬
‫باعتبارها سلطة ذات سيادة‪.‬‬
‫ھذا التصنیف أصبح كالسیكیا‪ ،‬ویرده البعض إلى عھد الرومان‪ ،‬في حين یرجعه آخرون إلى الصراع بين‬
‫املذھبين اللیبرالي واالشتراكي‪ .‬وإذا ما رجعنا إلى الوقائع واألحداث التي دفعت إلى تقسیم القانون إلى عام وخاص‬
‫نجد بأن ھناك‪:‬‬
‫‪ ‬الحدث األول‪ :‬املتمثل في وجود سلطة سیاسیة وإداریة داخل املجتمع‪ ،‬حیث أن تثبیت السلطة داخل‬
‫إطار الدولة والتي كان نطاق تدخلھا محددا بوضوح ساھم في تكریس التمیيز بين القانون العام‬
‫والقانون الخاص‪.‬‬
‫‪ ‬الحدث الثاني‪ :‬ھو تنظيم القضاء الفرنس ي على أساس ازدواجیة القضاء‪ ،‬أي وجود قضاء إداري یفصل‬
‫في املنازعات اإلدارية ویقاض ي اإلدارة معتمدا في ذلك على قواعد القانون اإلداري‪ ،‬ثم وجود قضاء عادي‬
‫یفصل بين الخواص‪.‬‬
‫‪ ‬الحدث الثالث‪ :‬تدریس العلوم القانونیة في الجامعات‪ ،‬حیث درجت الجامعات على تقسیم املقاييس‬
‫بناء على القانون املدني أو القانون اإلداري أو التجاري‪ ،‬ثم سرعان ما أصبح لكل من القانون العام‬
‫والخاص فقھاؤه املتخصصون‪ .‬وھكذا یمكن القول أن ھذا التقسیم موروث عن القانون الفرنس ي‪.‬‬
‫أوال‪ :‬معاييرالتمييزبين القانون العام والقانون الخاص‬
‫رغم أن التفرقة بينهما مستقرة ومسلم بها إلى حد ما‪ ،‬إال أن تحديد معيار هذه التفرقة يثير جدال كبيرا‪،‬‬
‫وقد ازدادت صعوبة التفرقة مع تطور وظيفة الدولة‪.‬‬
‫‪ /1‬معيار األشخاص أطراف العالقة القانونية‪ :‬يتم تقسيم القانون إلى قانون عام وقانون خاص وفقا لهذا‬
‫املعيار بحسب األشخاص الذين يكونون أطرافا في العالقة القانونية‪ ،‬فكلما كانت الدولة أو أحد فروعها‬
‫كالحكومة والوالية والبلدية ومختلف اإلدارات طرفا في العالقة كنـا أمام القانون العام‪ .‬بينما نكون أمام القانون‬
‫الخاص في حالة ما إذا كان أطراف العالقة أشخاصا عاديين‪ .‬ولكن ما ُيعاب على هذا املعيار أنه أغفل طبيعة‬
‫الدولة أو أحد فروعها حين تكون طرفا في العالقة القانونية فهي ال تتدخل دائما بصفتها صاحبة السيادة‪.‬‬
‫‪ /2‬معيار طبيعة القواعد القانونية‪ :‬حسب هذا املعيار فإن قواعد القانون العام كلها قواعد آمرة يحظر‬
‫ُ(يمنع) االتفاق على مخالفتها‪ ،‬أما القانون الخاص فإن قواعده القانونية مكملة يمكن االتفاق على مخالفتها‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫ُ‬
‫وقد أنتقد هذا املعيار على أساس أنه إذا كانت فعال كل قواعد القانون العام قواعد آمرة‪ ،‬فإن قواعد القانون‬
‫الخاص ليست كلها قواعد مكملة بل هي تتضمن كذلك قواعد آمرة‪.‬‬
‫‪ /3‬معيارطبيعة املصلحة املراد تحقيقها‪ :‬يرى أنصار هذا املعيار بأن القانون العام يهدف إلى تحقيق املصلحة‬
‫العامة بينما يهدف القانون الخاص إلى تحقيق املصلحة الخاصة‪ .‬واالنتقاد املوجه لهذا املعيار أنه في الحقيقة‬
‫ال يوجد فاصل بين املصلحة العامة واملصلحة والخاصة‪ ،‬حيث أن كل القواعد القانونية تهدف إلى تحقيق‬
‫املصلحة العامة بما فيها قواعد القانون الخاص التي هي أساس تحقيق املصلحة الخاصة لألفراد‪ .‬فال يمكن‬
‫لقاعدة قانونية أن تسعى الى تحقيق مصلحة خاصة إذا كانت تتعارض مع املصلحة العامة للجماعة‪.‬‬
‫‪ /4‬معيار صفة األشخاص أطراف العالقة القانونية‪ :‬بعد االنتقادات التي وجهت للمعيار األول (معيار‬
‫األشخاص أطراف العالقة) قام الفقهاء بتصحيحه وتكملته‪ .‬فمعيار صفة األشخاص أطراف العالقة‬
‫القانونية ال تكتفي بالنظر إلى األشخاص بل تتعداه إلى النظر إلى صفة هؤالء‪ .‬فكلما كـنا أمام عالقة أحد‬
‫أطرافها الدولة أو أحد فروعها بصفتها صاحبة السيادة (أي باستعمال امتيازات السلطة العامة) فنكون أمام‬
‫القانون العام‪.‬أما إذا كنـا أمام عالقة أطرافها أشخاص عادية أو الدولة أو أحد فروعها لكن دون صفة السيادة‬
‫فنكون أمام القانون الخاص‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أهمية التمييزبين القانون العام والقانون الخاص‬
‫‪ )1‬تتمتع السلطات العامة في الدولة بامتيازات خاصة بهدف تحقيق املصلحة العامة‪ ،‬وهذه االمتيازات ال يتمتع‬
‫بها األشخاص العاديون ألنهم يسعون لتحقيق مصالحهم الخاصة‪ .‬ومن أمثلة هذه االمتيازات‪ :‬نظام الخدمة‬
‫الوطنية‪ ،‬الجباية (الضرائب)‪ ،‬نزع امللكية الخاصة من أجل املنفعة العامة‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫‪ )2‬العقود التي تبرمها الدولة أو أحد فروعها باعتبارها صاحبة السيادة تسى عقودا إدارية وتكون فيها‬
‫السلطات العامة املبرمة لها في مركز أعلى من األشخاص العاديين‪ ،‬فلها حق تعديل وإلغاء وفسخ العقد‪ .‬بينما‬
‫في القانون الخاص فإن األطراف املبرمة للعقد تكون في مراتب متساوية‪.‬‬
‫‪ )3‬يتمتع املال العام بقواعد تحميه‪ ،‬كعدم جواز التصرف فيه‪ ،‬وال الحجز عليه‪ ،‬وال اكتسابه بالتقادم‪ ،‬عكس‬
‫املال الخاص‪.‬‬
‫‪ )4‬يعود االختصاص القضائي للنظر في املنازعات التي تكون فيها الدولة أو أحد فروعها طرفا فيها إلى القضاء‬
‫اإلداري‪ .‬أما القضاء العادي فيختص بالنظر في املنازعات التي تكون بين األشخاص العاديين بشكل عام‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫ثالثا‪ :‬فروع القانون العام وفروع القانون الخاص‬
‫‪ /1‬فروع القانون العام‪ :‬ينقسم القانون العام إلى قانون عام خارجي يسى بالقانون الدولي العام‪ ،‬وإلى قانون‬
‫عام داخلي يتفرع بدوره إلى عدة قوانين‪.‬‬
‫‪ 1.1‬القانون الدولي العام‪ :‬هو مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم العالقات بين أشخاص القانون‬
‫الدولي في وقت السلم والحرب‪.‬‬
‫‪ 2.1‬القانون الدستوري‪ :‬يضم مجموعة القواعد القانونية التي تنظم شكل الدولة ونظام الحكم وسلطات‬
‫الدولة والحقوق والحريات العامة‪...‬‬
‫‪ 3.1‬القانون الداري‪ :‬هو مجموعة القواعد القانونية املتميزة وغير املألوفة في القانون الخاص‪ ،‬تحكم اإلدارة‬
‫العامة من حيث تنظيمها‪ ،‬نشاطها ومنازعاتها‪.‬‬
‫‪ 4.1‬القانون الجنائي‪ :‬هو مجموعة القواعد التي تحدد الجرائم والعقوبات املقررة لها واإلجراءات الواجب‬
‫إتباعها من يوم وقوع الجريمة إلى إصدار الحكم النهائي وتنفيذه‪ ،‬لذلك ينقسم القانون الجنائي إلى قانون‬
‫العقوبات وقانون اإلجراءات الجزائية‪.‬‬
‫‪ 5.1‬القانون املالي‪ :‬هو مجموعة من القواعد التي تنظم مالية الدولة من حيث تحديد اإلرادات والنفقات‬
‫وإعداد امليزانية ورقابة تنفيذها‪...‬‬
‫‪ /2‬فروع القانون الخاص‪:‬‬
‫‪ 1.2‬القانون املدني‪ :‬هو مجموعة القواعد التي تنظم العالقات الخاصة بين أفراد املجتمع السيما املالية‬
‫(األحوال العينية) منها‪ ،‬ويتناول كل ما لم يتناوله بالتنظيم فرع آخر من فروع القانون الخاص‪ ،‬ولذلك يسى‬
‫بالشريعة العامة‪ ،‬أي كل ما ال يوجد فيه نص خاص فالبد من الرجوع إلى قواعد القانون املدني‪.‬‬
‫‪ 2.2‬قانون األسرة‪ :‬إذا كان القانون املدني ينظم األحوال العينية‪ ،‬فإن األحوال الشخصية ينظمها في الجزائر‬
‫منذ سنة ‪ 1984‬قانون مستقل‪ ،‬هو قانون األسرة‪ ،‬والذي يهتم بتنظيم شؤون األسرة من خطبة وزواج وميراث‬
‫ونفقة ونسب‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫‪ 3.2‬القانون التجاري‪ :‬هو مجموعة من القواعد القانونية التي تحكم العالقات التجارية‪ ،‬وذلك من حيث‬
‫القائمين بها وهم التجار‪ ،‬ومن حيث ما تنصب عليه وهي األعمال التجارية‪.‬‬
‫‪ 4.2‬قانون العمل‪ :‬هو مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم أساسا العالقة بين العمال وأصحاب العمل‪.‬‬
‫‪ 5.2‬القانون البحري‪ :‬هو عبارة عن مجموعة من القواعد القانونية املنظمة للعالقات التجارية الناشئة عن‬
‫املالحة البحرية (السفن‪ ،‬تجهيز السفن‪ ،‬الشحن‪ ،‬التأمين‪ )...‬ويستمد معظم قواعده من االتفاقيات الدولية‪.‬‬
‫‪ 6.2‬القانون الجوي‪ :‬يتناول كل املسائل املتعلقة باملالحة الجوية الواردة على الطائرة‪ ،‬وهو بدوره أيضا يستمد‬
‫معظم قواعده من االتفاقيات الدولية‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫‪ 7.2‬القانون الدولي الخاص‪ :‬هو مجموعة القواعد القانونية التي تبين القانون الواجب التطبيق على‬
‫العالقات ذات العنصر األجنبي‪ ،‬ومدى اختصاص املحاكم الوطنية في الفصل في تلك املنازعات‪.‬‬
‫‪ 8.2‬قانون االجراءات املدنية والدارية‪ :‬هو مجموعة القواعد القانونية التي تحدد التنظيم القضائي في‬
‫الدولة‪ ،‬وتبين للجهات القضائية اختصاصها‪ ،‬وإجراءات رفع الدعاوى ومراحل سير الخصومة وعوارضها‪،‬‬
‫وتحديد وسائل اإلثبات‪ ،‬وصوال إلى تبيان أنواع األحكام القضائية وطرق الطعن فيها‪ ،‬وانتهاء بطرق تنفيذها‪.‬‬
‫املحورالثالث‪ :‬مصادرالقانون الرسمية‪:‬‬
‫تتكون القاعدة القانونية من خالل مصدرها‪ ،‬ويتنوع هذا املصدر إلى ثالثة أنواع‪ :‬املصدر املادي‪،‬‬
‫واملصدر الرسىي واملصدر التفسيري‪ .‬ويقصد باملصدر املادي‪ :‬األصل الذي يستمد منه القانون مضمونه‬
‫ومواده‪ ،‬ويتمثل بمجموعة العوامل التي تساهم في تكوين القاعدة القانونية سواء كانت هذه العوامل طبيعية‬
‫أو سياسية أو تاريخية أو اقتصادية أو اجتماعية أو متعلقة بالبيئة أو الدين أو التقاليد‪ ...‬أما املصدرالرسمي‬
‫أو الشكلي‪ :‬فيقصد به الوسائل التي تخرج من خاللها القاعدة القانونية إلى الناس وتكسبها درجة إلزاميتها‪ .‬أما‬
‫املصدرالتفسيري‪ :‬فيقصد به املرجع الذي يساعد القاض ي في إزالة ما في القاعدة القانونية من غموض وإبهام‪،‬‬
‫وتتمثل املصادر التفسيرية في الفقه والقضاء‪.‬‬
‫أوال‪ :‬املصادرالرسمية‬
‫تنص املادة األولي من القانون املدني الجزائري‪ (:‬يسري القانون على جميع املسائل التي تتناولها نصوصه‬
‫في لفظها أو في فحواها‪ .‬وإذا لم يوجد نص تشريعي‪ ،‬حكم القاض ي بمقتض مبادئ الشريعة اإلسالمية‪ ،‬فإذا‬
‫لم يوجد فبمقتض العرف‪ .‬فإذا لم يوجد فبمقتض مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة)‪.‬‬
‫من خالل هذا النص‪ ،‬يتضح بأن املصادر الرسمية للقانون تتمثل في‪ :‬التشريع‪ ،‬مبادئ الشريعة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬العرف‪ ،‬ومبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة‪ .‬ولكن هذه املصادر ورغم أنها كلها رسمية إال أن‬
‫تطبيقها يجب أن يتم وفقا للرتيب الذي جاءت به املادة أعاله‪ ،‬وهو ما يجعلنا نقسمها إلى مصادر رسمية أصلية‬
‫والتي تتمثل حصرا في التشريع‪ ،‬وإلى مصادر رسمية احتياطية‪ ،‬وهي على الترتيب‪ :‬مبادئ الشريعة اإلسالمية‪،‬‬
‫العرف‪ ،‬ومبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة‪.‬‬
‫‪ /1‬املصادرالرسمية األصلية‪ :‬الـت ـ ـش ـ ــري ـ ـ ـ ـ ـ ــع‬
‫‪ )1‬تعريف التشريع‪ :‬يستعمل مصطلح التشريع في مفهومه الواسع تارة للداللة إما على مصدر القواعد‬
‫القانونية املكتوبة‪ ،‬وتارة أخرى للداللة على القواعد املستمدة من هذا املصدر‪ .‬أما في معناه الخاص فيدل‬
‫التشريع على مجموعة القواعد القانونية التي تضعها السلطة التشريعية في الدولة في حدود االختصاص‬
‫املخول لها دستوريا وباالعتماد على االجراءات القانونية‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫‪ )2‬خصائص التشريع‪ :‬يتميز التشريع بمجموعة من الخصائص هي‪:‬‬
‫‪ -‬يتضمن قواعد قانونية مكتوبة ويعتبر عنصر الكـتابة في غاية األهمية كونه يكفل للقاعدة القانونية‪:‬‬
‫الوضوح وقطع الشك كونها مكتوبة يسهل العودة إليها‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫الكتابة تسمح لنا بتحديد سريان القاعدة القانونية من حيث الزمان‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫الكتابة تضمن االستقرار والعدالة في املجتمع‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ -‬يصدر ويطبق في كل أنحاء الدولة‪ ،‬مما يؤدي إلى توحيد القواعد القانونية السارية داخل الدولة الواحدة‪.‬‬
‫‪ -‬يتميز بسرعة سنه بما يتفق مع ما تتطلبه الحياة الحديثة‪ ،‬وذلك على خالف العرف الذي يحتاج لوقت طويل‬
‫كي ينشأ‪.‬‬
‫‪ )3‬عيوب التشريع‪:‬‬
‫‪ -‬تتولى السلطة التشريعية عملية وضع التشريع‪ ،‬وهي قد تتجاهل ظروف املجتمع ومشكالته عندما تقوم بهذه‬
‫العملية مما يجعل التشريع غير نابع من واقع املجتمع‪.‬‬
‫‪ -‬يتسم التشريع بالجمود لكونه يصدر في شكل مكتوب‪ ،‬لذلك فهو ال يساير التغيرات التي يمكن أن تحدث‬
‫باملجتمع‪.‬‬
‫‪ -‬يتسم التشريع بالقصور فهو ال يلبي دائما كل حاجات املجتمع نظرا لكثرتها وتشعبها‪ ،‬ويقوم العرف بإكمال‬
‫هذا النقص‪.‬‬
‫‪ -‬سهولة تعديل التشريع قد تفقده هيبته وتذهب بثقة األشخاص املخاطبين به (مشكلة األمن القانوني)‪.‬‬
‫‪ )4‬أنواع التشريع‪:‬‬
‫ينقسم التشريع إلى ثالثة أنواع‪ ،‬وهي‪ :‬التشريع األساس ي (الدستور) والتشريع العادي والتشريع الفرعي‪.‬‬
‫‪ )1.4‬التشريع األساس ي‪:‬‬
‫يسى الدستور بالتشريع األساس ي للدولة‪ ،‬وهو يبين شكل الدولة ونظام الحكم فيها ويحدد الحقوق‬
‫والحريات األساسية لألفراد‪ ،‬كما ينظم السلطات الثالثة في الدولة والعالقات املتبادلة بينها‪.‬‬
‫أ‪ .‬طرق وضع الدساتير‪ :‬هناك طريقتان لوضع الدساتير أوالهما غير ديمقراطية وثانيهما ديمقراطية‪.‬‬
‫* الطرق غير الديمقراطية لوضع الدساتير‪ :‬تنقسم الطرق غير الديمقراطية لوضع الدساتير إلى أسلوبين‬
‫كالهما غير ديمقراطي‪ ،‬أي ال وجود ملشاركة الشعب فيهما‪.‬‬
‫‪ .1‬أسلوب املنحة‪ :‬يتنازل امللك أو الحاكم عن بعض سلطاته لصالح الرعايا‪ ،‬دون أي تدخل من الشعب‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫‪ .2‬أسلوب العقد‪ :‬يتفق امللك أو الحاكم مع بعض ممثلي الشعب الذين يختارهم بنفسه (من الحاشية‬
‫والنبالء واالقطاعيين) على التنازل عن بعض سلطاته‪ ،‬دون مشاركة الشعب ال في اختيار املمثلين وال‬
‫في التفاوض على السلطات‪.‬‬
‫* الطرق الديمقراطية لوضع الدساتير‪:‬‬
‫‪ .1‬إعداد مشروع الدستور من طرف هيئة غير منتخبة (معينة) وعرض املشروع على االستفتاء الشعبي‪.‬‬
‫‪ .2‬إعداد مشروع الدستور من طرف هيئة منتخبة من طرف الشعب دون عرض املشروع على االستفتاء‪.‬‬
‫‪ .3‬إعداد مشروع الدستور من طرف هيئة منتخبة ثم عرض املشروع على االستفتاء الشعبي‪ .‬في هذه الحالة‬
‫يشارك الشعب في اختيار املمثلين ثم في االستفتاء على املشروع فهذا األسلوب أكثر ديمقراطية من باقي‬
‫األساليب‪.‬‬
‫ب‪ .‬طرق تعديل الدساتير‪ :‬تنقسم الدساتير بحسب طريقة تعديلها إلى نوعين‪:‬‬
‫‪ .1‬دساتيرمرنة‪ :‬الدستور املرن هو الدستور الذي يتم تعديل أحكامه بنفس االجراءات التي يعدل بموجبها‬
‫التشريع العادي‪ ،‬أي سهل التعديل‪.‬‬
‫‪ .2‬دساتير جامدة‪ :‬الدستور الجامد هو الدستور الذي يحتاج لتعديله إلى اجراءات خاصة مختلفة عن‬
‫إجراءات تعديل التشريع العادي (مثل الدستور الجزائري)‪.‬‬
‫‪ )2.4‬التشريع العضوي والتشريع العادي‪:‬‬
‫التشريع العضوي والتشريع العادي هما مجموعة القواعد القانونية التي تضعها السلطة املختصة‬
‫بالتشريع في الدولة‪ ،‬وهي البرملان‪ ،‬في حدود اختصاصها املبين في الدستور‪ ،‬حيث بينت املادة ‪ 139‬من‬
‫الدستور مجاالت القوانين العادية (‪ 30‬مجاال) في حين تكفلت املادة ‪ 140‬منه بتحديد املجاالت األساسية‬
‫للتشريع العضوي‪.‬‬
‫* الفرق بين القانون العضوي والقانون العادي‪ :‬يختلف التشريع العضوي عن التشريع العادي فيما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬التشريع العضوي أعلى مرتبة (أسى ) من التشريع العادي ألنه يعتبر تكملة للقواعد الدستورية ومفسرا‬
‫لها‪.‬‬
‫‪ .2‬التشريع العادي أوسع نطاقا من التشريع العضوي‪ ،‬أي أن مجاالت التشريع العادي أكثر من مجاالت‬
‫القوانين العضوية‪.‬‬
‫‪ .3‬التشريع العضوي يمر بنفس مراحل وضع التشريع العادي غير أنه يتميز عنه إجرائيا ب ـ ـ ـ ‪:‬‬
‫‪ ‬املصادقة عليه يجب أن تتم باألغلبية املطلقة للنواب وألعضاء مجلس األمة‪.‬‬
‫‪ ‬خضوعه وجوبا لرقابة املطابقة القبلية مع الدستور من طرف املحكمة الدستورية‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫أ‪ .‬السلطة املختصة بوضع التشريع العضوي والعادي‪:‬‬
‫األصل هو أن السلطة املختصة بوضع القوانين العضوية والعادية هي السلطة التشريعية املتمثلة في‬
‫البرملان بغرفتيه (املجلس الشعبي الوطني ومجلس األمة)‪ ،‬ولكن استنناء قد تحل السلطة التنفيذية (رئيس‬
‫الجمهورية) محل السلطة التشريعية في وضع القوانين العادية والعضوية‪ ،‬وهذا في الحاالت التالية‪:‬‬
‫‪ )1‬حالة الضرورة‪ :‬يمكن لرئيس الجمهورية أن يشرع بأوامر في مسائل عاجلة‪ ،‬ولكن بشرط‪:‬‬
‫‪ .1‬وجود فعال حالة مستعجلة‪.‬‬
‫‪ .2‬أخذ رأي مجلس الدولة‪.‬‬
‫‪ .3‬غياب السلطة التشريعية (شغور البرملان أو خالل العطلة) حسب املادة ‪ 142‬من الدستور‪.‬‬
‫‪ .4‬تتخذ في مجلس الوزراء‪.‬‬
‫‪ .5‬فحص الدستورية وجوبا من طرف املحكمة الدستورية (املادة ‪ 2/ 142‬من الدستور)‪.‬‬
‫‪ .6‬عرض رئيس الجمهورية تشريع الضرورة على غرفتي البرملان للموافقة عليه في أول دورة له‪.‬‬
‫‪ )2‬حالة التفويض‪ :‬أن يقوم البرملان بتفويض رئيس الجمهورية في وضع بعض القوانين الحساسة‪ .‬والفرق بين‬
‫التفويض وحالة الضرورة هو أن التفويض يتم والبرملان قائم والتفويض يقدره البرملان عكس حالة الضرورة‬
‫التي تكون في حالة غياب البرملان وأن الضرورة يقدرها رئيس الجمهورية‪ .‬ولإلشارة فإن الدستور الجزائري ال‬
‫يسمح بالتفويض التشريعي‪ ،‬وهذا ألن غياب النص على ذلك يستدعي االلتزام بقاعدة ال تفويض إال بنص‪ .‬في‬
‫حين دستور ‪ 1963‬كانت املادة ‪ 58‬منه تنص على أنه‪ :‬يجوز لرئيس الجمهورية أن يطلب من املجلس الوطني‬
‫(البرملان آنذاك) التفويض له ملدة محدودة حق اتخاذ تدابير ذات صبغة تشريعية عن طريق أوامر تشريعية‬
‫تتخذ في نطاق مجلس الوزراء أو تعرض على مصادقة املجلس في أجل ثالثة أشهر‪.‬‬
‫‪ )3‬الحالة االستثنائية‪ :‬فحسب الفقرة ‪ 05‬من املادة ‪ 142‬من الدستور يمكن أن يشرع رئيس الجمهورية بأوامر‬
‫في الحالة االستننائية الواردة في املادة ‪ 98‬من الدستور (وجود خطر داهم يهدد الدولة)‪.‬‬
‫‪ )4‬حالة عدم املصادقة على قانون املالية‪ :‬إذا لم يصادق البرملان على قانون املالية في مدة ‪ 75‬يوما من تاريخ‬
‫ايداعه يتولى رئيس الجمهورية إصدار مشروع الحكومة بأمر (املادة ‪ 146‬من الدستور)‪.‬‬
‫ب‪ .‬مراحل وإجراءات سن التشريع العضوي والعادي‪:‬‬
‫املرحلة األولى‪ :‬مرحلة املبادرة‬
‫يمكن للوزير األول (أو رئيس الحكومة) أو للنواب أو أعضاء مجلس األمة املبادرة بالقوانين‪ .‬فإذا بادر الوزير‬
‫األول أو رئيس الحكومة باالقتراح ُسىي بمشروع قانون‪ ،‬أما إذا كانت املبادرة من طرف البرملان فيسى باقتراح‬
‫قانون‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫املرحلة الثانية‪ :‬مرحلة اليداع‬
‫تعرض مشاريع القوانين على مجلس الوزراء‪ ،‬بعد أخذ رأي مجلس الدولة‪ ،‬ثم يودعها الوزير األول أو رئيس‬
‫الحكومة‪ ،‬حسب الحالة‪ ،‬لدى مكتب املجلس الشعبي الوطني أو مكتب مجلس األمة‪ .‬بحيث تودع مشاريع‬
‫القوانين املتعلقة بالتنظيم املحلي وتهيئة اإلقليم والتقسيم اإلقليىي لدى مكتب مجلس األمة‪ .‬وباستنناء ذلك‬
‫تودع كل مشاريع القوانين األخرى لدى مكتب املجلس الشعبي الوطني‪.‬‬
‫املرحلة الثالثة مرحلة الفحص‬
‫بعد املبادرة تأتي مرحلة فحص محتوى املشروع أمام اللجنة الدائمة املختصة في املجلس الشعبي الوطني وفي‬
‫مجلس األمة‪ ،‬لتقدم هذه اللجنة تقريرها عن النص املعروض عليها‪.‬‬
‫املرحلة الرابعة‪ :‬مرحلة املناقشة والتصويت‬
‫يقوم البرملان بمناقشة مشروع القانون أو اقتراح القانون وذلك بغرفتيه املجلس الشعبي الوطني ثم مجلس‬
‫األمة على التوالي (م ‪ 145‬من الدستور) غير أنه إذا تعلق املشروع أو االقتراح بأحد املجاالت املنصوص عليها في‬
‫املادة ‪ 144‬وهي التنظيم املحلي‪ ،‬تهيئة اإلقليم‪ ،‬التقسيم االقليىي فإن املناقشة تتم في مجلس األمة ثم املجلس‬
‫الشعبي الوطني‪ .‬وفي كل الحاالت‪ ،‬يصادق مجلس األمة على النص الذي صوت عليه املجلس الشعبي الوطني‬
‫بأغلبية أعضائه الحاضرين بالنسبة ملشاريع القوانين العادية‪ ،‬أو باألغلبية املطلقة بالنسبة ملشاريع القوانين‬
‫العضوية‪.‬‬
‫مالحظة‪:‬‬
‫‪ )1‬في حالة حدوث خالف بين املجلس الشعبي الوطني ومجلس األمة‪ ،‬يطلب الوزير األول أو رئيس الحكومة‪،‬‬
‫حسب الحالة‪ ،‬اجتماع لجنة متساوية األعضاء تتكون من أعضاء من كلتا الغرفتين‪ ،‬في أجل أقصاه خمسة‬
‫عشر يوما‪ ،‬القتراح نص يتعلق باألحكام محل الخالف‪ ،‬وتنهي اللجنة نقاشاتها في أجل أقصاه خمسة عشر‬
‫يوما‪ .‬تعرض الحكومة هذا ّ‬
‫النص على الغرفتين للمصادقة عليه‪ ،‬وال يمكن إدخال أي تعديل عليه إال بموافقة‬
‫الحكومة‪ .‬وفي حالة استمرار الخالف بين الغرفتين‪ ،‬يمكن الحكومة أن تطلب من املجلس الشعبي الوطني‬
‫الفصل ن ـهــائ ـيــا‪ .‬وفي هــذه الحالــة‪ ،‬يأخــذ املجــلس الشعــبي الــوطــني بــالــنص الــذي أعــدتــه اللجنة املتساوية‬
‫األعضاء أو‪ ،‬إذا تعذر ذلك‪ ،‬بالنص األخير الذي صوت عليه‪ .‬وإذا لم تخطر الحكومة املجلس الشعبي الوطني‬
‫للقيام بذلك‪ ،‬فإنه يجب سحب النص‪.‬‬
‫‪ )2‬في حالة وجود اعتراض رئاس ي‪ :‬حيث في حالة إقرار القانون في البرملان‪ ،‬يمكن لرئيس الجمهورية أن يطلب‬
‫إجراء مداولة ثانية ثم التصويت مرة أخرى خالل ‪ 30‬يوما املوالية لتاريخ املصادقة عليه‪ ،‬وفي هذه الحالة ال‬

‫‪20‬‬
‫تتم املصادقة على القانون إال بأغلبية ثلثي ‪ 3/2‬أعضاء املجلس الشعبي الوطني وأعضاء مجلس األمة (م ‪149‬‬
‫من الدستور)‪.‬‬
‫املرحلة الخامسة‪ :‬مرحلة نفاذ التشريع‬
‫ال يصبح القانون املوافق عليه في البرملان ساري النفاذ إال بعد إصداره ونشره في الجريدة الرسمية‪.‬‬
‫‪ .1‬إصدار التشريع‪ :‬يصدر رئيس الجمهورية القانون في أجل ‪ 30‬يوما ابتداء مـن تاريخ تسلمه إياه (م ‪148‬‬
‫من الدستور)‪ .‬ولإلشارة ال يوجد أي جزاء أو إجراء بديل (سلطة حلول) في حالة عدم قيام رئيس‬
‫الجمهورية باإلصدار بعد فوات هذا األجل‪ .‬وهذا على عكس دستور ‪ 1963‬الذي كانت املادة ‪ 53‬منه‬
‫تنص على أنه‪ :‬إذا لم يصدر رئيس الجمهورية القوانين في اآلجال املنصوص عليها فإن رئيس املجلس‬
‫الوطني يتول إصدارها‪.‬‬
‫‪ .2‬نشر التشريع‪ :‬ينشر القانون في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية حسب املادة ‪ 4‬من التقنين املدني‬
‫التي تنص على أنه‪ :‬تطبق القوانين في تراب الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية ابتداء من يوم‬
‫نشرها في الجريدة الرسمية‪ .‬تكون نافذة املفعول بالجزائر العاصمة بعد مض ي يوم كامل من تاريخ‬
‫نشرها وفي النواحي األخرى في نطاق كل دائرة بعد مض ي يوم كامل من تاريخ وصول الجريدة الرسمية إلى‬
‫مقر الدائرة ويشهد على ذلك تاريخ ختم الدائرة املوضوع على الجريدة‪.‬‬
‫‪ )3.4‬التشريع الفرعي‪:‬‬
‫يقصد به التشريع الذي تسنه السلطة التنفيذية بمقتض االختصاص املحدد لها في الدستور بصفتها‬
‫هذه‪ ،‬ال بصفتها حالة محل السلطة التشريعية مؤقتا (كما هو الحال في تشريع التفويض الذي كان منصوصا‬
‫عليه في الدستور الجزائري لسنة ‪ ،1963‬أي التشريع الذي تصدره السلطة التنفيذية بناء على تفويض مسبق‬
‫يمنحه إياها البرملان‪ .‬أما التشريع عن طريق األوامر الذي رأينا في املحاضرة بأن رئيس الجمهورية يختص‬
‫بإصداره فيعرف بتشريع الضرورة) بمعن أن اختصاصها بسن التشريع الفرعي اختصاص أصلي يثبت لها‬
‫ابتداء‪ ،‬حت في وجود السلطة التشريعية‪ .‬ويطلق على هذا التشريع في الجزائر اسم التنظيم (واسم الالئحة في‬
‫دول املشرق العربي) ‪ Le règlement‬تمييزا له عن التشريع العادي‪.‬‬
‫ويختص بوضع التشريع الفرعي في الجزائر كل من رئيس الجمهورية والوزير األول (أو رئيس الحكومة)‬
‫اللذان يتمتعان بسلطة تنظيمية عامة‪ ،‬بينما الوزراء تثبت لهم سلطة تنظيمية محصورة في اختصاص كل‬
‫منهم‪ ،‬يضاف إلى هؤالء سلطات إدارية أخرى مثل الوالة‪ ،‬رؤساء البلديات‪ ،‬رؤساء املصالح التي خولت لها سلطة‬
‫تنظيمية محدودة‪ .‬وعلى العموم التنظيمات (اللوائح) تنقسم بحسب املعيار املعتمد في التقسيم إلى‪:‬‬

‫‪21‬‬
‫‪ /1‬تنظيمات تنفيذية وتنظيمات مستقلة‪ :‬فبحسب عالقتها بالقانون تنقسم إلى تنظيمات تنفيذية‪ ،‬وهي التي‬
‫تأتي تابعة للقانون‪ ،‬ويجب أن يقتصر دورها على تحديد القواعد التفصيلية الالزمة لتطبيق القانون وتنفيذه‪،‬‬
‫وهي تتمثل في كل من‪ :‬املراسيم التنفيذية التنظيمية التي تصدر عن الوزير األول‪ ،‬والقرارات اإلدارية التنظيمية‬
‫الصادرة عن الوزراء ومختلف اإلدارات املحلية واملؤسسات العمومية ذات الطابع اإلداري‪ .‬أما التنظيمات‬
‫املستقلة (أو القائمة بذاتها)‪ ،‬فهي تلك التي تعتبر موازية للقانون‪ ،‬وال تتصل به‪ ،‬ألن الدستور فصل بين مجاالت‬
‫إصدارها ومجاالت إصدار القانون‪ ،‬فهذه التنظيمات هي وحدها من تنظم املسائل التي تدخل في اختصاصها‪،‬‬
‫ولذلك فهي ال تعتبر تابعة للقانون وال منفذة له بل هي مستقلة عنه بحكم أن مجالها ليس هو مجال القانون‪.‬‬
‫وعلى العموم فإن التنظيمات املستقلة هي التي يختص رئيس الجمهورية بإصدارها في شكل مراسيم رئاسية‬
‫تنظيمية خارج املجال التشريعي الخاص بالبرملان‪.‬‬
‫‪ /2‬تنظيمات املر افق العمومية (اللوائح التنظيمية) وتنظيمات الضبط الداري (اللوائح البوليسية)‪:‬‬
‫فأما تنظيمات املرافق العمومية فهي تتضمن تنظيم وسير املرافق العمومية وجميع الهيئات والهياكل اإلدارية‬
‫في الدولة‪ ،‬أما تنظيمات الضبط اإلداري فهي التي تهدف حصرا إلى الحفاظ على النظام العام بمكوناته الثالث‬
‫(أي األمن العام‪ ،‬الصحة العمومية‪ ،‬والسكينة العمومية) والتي يختص بإصدارها فقط هيئات محددة بنص‬
‫الدستور و‪/‬أو القانون‪ ،‬وتنقسم إلى تنظيمات الضبط اإلداري في الظروف العادية وتنظيمات الضبط اإلداري‬
‫في الظروف غير العادية (االستننائية)‪.‬‬
‫تنظيم العالقة بين مختلف أنواع التشريع‪:‬‬
‫‪ /1‬مبدأ تدرج القوانين‪ :‬كما سبق وأن بينا‪ ،‬فإن التشريعات ليست لها نفس القوة اإللزامية‪ ،‬بحيث توجد‬
‫تشريعات لها قوة إلزامية أكبر من غيرها داخل النظام القانوني للدولة‪ ،‬األمر الذي استدعى اعتبارها أعلى‬
‫وأسى من غيرها درجة‪ ،‬ومن هنا جاءت فكرة تدرج القوانين (التشريعات) على شكل هرم‪ .‬وذلك على النحو‬
‫اآلتي‪:‬‬
‫الدستور‬

‫المعاهدات الدولية‬

‫القوانين االستفتائية‬
‫القوانين العضوية‬
‫العادية‬ ‫القوانين‬
‫ررالرر‬
‫األوامر التشريعية‬
‫المراسيم الرئاسية التنظيمية‬
‫المراسيم التنفيذية التنظيمية‬

‫القرارات الوزارية المشتركة‬

‫القرارات الوزارية الفردية‬


‫القرارات اإلدارية التنظيمية‬
‫‪22‬‬
‫ويترتب على مبدأ تدرج القوانين أن القانون األدنى ال يمكن أن يخالف و‪/‬أو يعارض القانون األسى منه‪،‬‬
‫وفي حالة حصول ذلك فإن القانون األدنى يعتبر غير دستوري إذا خالف الدستور‪ ،‬ويعتبر غير مشروع إذا‬
‫خالف باقي القواعد األخرى األسى منه‪ ،‬وذلك ألن مبدأ املشروعية في معناه الواسع يعني احترام السلطات‬
‫الحاكمة واملحكومين للقواعد القانونية السارية النفاذ في الدولة‪ .‬وأما القانون األسى فإنه يجوز له أن يخالف‬
‫القانون األدنى منه مرتبة‪ ،‬وبقدر املخالفة فإن ذلك يعتبر إلغاء للقانون األدنى‪ ،‬بحيث إذا خالفه كليا فإنه‬
‫يعتبر إلغاء كليا‪ ،‬وإذا عارضه جزئيا فإن ذلك يعد إلغاء جزئيا‪.‬‬
‫‪ /2‬مبدأ الخاص يقيد العام‪ :‬البد من التنبيه أوال أن هذا املبدأ يطبق فقط في حالة توفر شرطين‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫‪ -‬أن يكون التعارض بين قانونين من نفس الدرجة‪ ،‬وذلك ألنه في حال خالف القانون األدنى القانون األسى‬
‫فإن ذلك يطعن في مشروعية (أو دستورية) القانون األدنى‪ ،‬أما في حالة العكس أي القانون األسى يخالف‬
‫القانون األدنى فإن ذلك يعتبر إلغاء لهذا األخير (أي القانون األدنى)‪.‬‬
‫‪ -‬أن يكون التعارض بين قانونين أحدهما عام واآلخر خاصا‪ ،‬وذلك ألن التعارض بين قانونين كالهما عام أو‬
‫كالهما خاص يؤدي إلى ضرورة إلى إلغاء القانون القديم فيهما‪.‬‬
‫‪ /2‬املصادرالرسمية االحتياطية‬
‫فكما جاء في نص املادة األولى من القانون املدني الجزائري‪ ،‬فإن القاض ي إن لم يجد في نصوص التشريع‬
‫ما يقض ي به‪ ،‬فإنه عليه أن ينتقل إلى املصادر الرسمية األخرى الذي ذكرتها في مضمونها وفقا للترتيب الذي‬
‫جاءت به‪ ،‬وهذه املصادر هي تباعا‪ :‬مبادئ الشريعة اإلسالمية‪ ،‬العرف‪ ،‬ومبادئ القانون الطبيعي وقواعد‬
‫العدالة‪.‬‬
‫أوال‪ :‬مبادئ الشريعة السالمية‬
‫فمبادئ الشريعة اإلسالمية تعتبر املصدر الرسىي االحتياطي األول وفقا للقانون املدني الجزائري؛‬
‫بحيث إذا لم يجد القاض ي نصا في املصدر الرسىي األصلي وهو التشريع يجب أن يبحث عن حل للنزاع في‬
‫مبادئ الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫واملقصود بمبادئ الشريعة اإلسالمية‪ ،‬كما عرفها الفقيه السنهورى‪ ،‬هي املبادئ الكلية للشريعة التي ال‬
‫يوجد بشأنها خالف بين الفقهاء‪ .‬أي هي القواعد العامة التي شكلت بالنسبة للفقهاء على اختالف مذاهبهم‬
‫وتوجهاتهم املنطلق الشرعي واألساس الفقهي للحكم والقضاء فيما يعرض عليهم من نوازل ونزاعات‪ ،‬وبهذا‬
‫املعن فإن مبادئ الشريعة اإلسالمية وفقا للقانون املدني الجزائري تختلف عن مبادئ الشريعة اإلسالمية‬
‫وفقا للدستور املصري وغيره من الدساتير ذلك ألنها نصت على أن هذه املبادئ هي أساس التشريع واملصدر‬
‫املادي له‪.‬‬
‫‪23‬‬
‫ومن أمثلة هذه املبادئ‪ ،‬نذكر‪ :‬العبرة في العقود باملقاصد واملعاني ال باأللفاظ واملباني‪ ،‬األصل في الذمة‬
‫البراءة‪ ،‬الضرورات تبيح املحظورات‪ ،‬الضرر ُيزال‪ ،‬العادة محكمة‪ ،‬املعروف عند التجار كاملشروط بينهم‪،‬‬
‫التعيين بالعرف كالتعيين بالنص‪ ،‬اليقين ال يزول بالشك‪ ،‬من استعجل الش يء قبل أوانه عوقب بحرمانه‪،‬‬
‫إذا تعذر األصل يصار إلى البدل‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الع ـ ـ ـ ـ ـ ــرف‬
‫يأتي العرف بعد مبادئ الشريعة اإلسالمية؛ بحيث إذا عجز القاض ي عن إيجاد حل للنزاع املعروض‬
‫عليه من مبادئ الشريعة اإلسالمية‪ ،‬فإنه يجب عليه أن الرجوع إلى العرف للبحث عن حل لهذا النزاع‪.‬‬
‫ويعرف العرف على أنه اعتياد الناس على اتباع ذات السلوك في مسألة معينة من مسائل حياتهم‬
‫االجتماعية‪ ،‬مع اعتقادهم بإلزامية هذا السلوك‪ ،‬وأن مخالفته تستوجب الجزاء املادي‪.‬‬
‫ومن هذا التعريف‪ ،‬نستخلص بأن العرف يجب أن يتكون من ركنين‪ ،‬وهما‪ :‬الركن املادي والركن املعنوي‪.‬‬
‫بحيث ال يمكن أبدا للعرف أن يوجد بدونهما أو بدون أحدهما‪.‬‬
‫‪ /1‬الركن املادي (االعتياد أوالعادة)‪ :‬ويقصد به اعتياد األفراد على اتباع نوع معين من السلوك بشكل مستمر‬
‫ومضطرد‪ ،‬دون أن يكون هذا السلوك مخالفا للنظام العام أو اآلداب العامة‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فإنه لتكون العرف البد من توافر مجموعة من الشروط‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ أن يكون عاما‪ :‬طاملا أن العرف ينش ئ قواعد قانونية شأنه في ذلك شأن التشريع‪ ،‬فال بد من أن تتوافر صفة‬
‫العمومية والتجريد في قواعده‪ ،‬بمعن أن يكون العرف منتشرا على نطاق واسع في الوسـط االجتماعي أو املنهي‪.‬‬
‫وليس ضروريا أن يكون العرف شامال جميع أفراد املجتمع‪ ،‬بل يكفي أن ينتشر في فئة محدودة أو منطقة‬
‫معينة‪ ،‬باعتبار أنه ممكن أن تنشأ أعراف مهنية أو محلية‪ ،‬وهذا هو الشأن بالنسبة لألعراف التي تنشأ بين‬
‫فئة التجار‪.‬‬
‫بل قد ينشأ العرف من تعود شخص واحد غير معين بذاته على إتباع سنة معينة في مسألة محددة‪ ،‬كما لو‬
‫اعتاد رئيس الدولة على إصدار قرارات من نوع خاص في مسألة محددة‪ ،‬إذ قد يترتب على هذا أن تتكون قاعدة‬
‫عرفية تخول رئيس الدولة إصدار مثل تلك القرارات‪ .‬وتقدير ما إذا كان العرف عاما أو غير عام مسألة‬
‫موضوعية متروكة لتقدير قاض ي املوضوع‪ ،‬وليس للمحكمة العليا رقابة عليه بشأنها‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ أن يكون قديما‪ :‬بمعن أن يتواتر العمل به مدة طويلة من الزمن تكفي لتأكيد ثباته واستقراره في نفوس‬
‫الناس‪ .‬والواقع أنه ال يمكن أن تحدد بصورة مسـبقة املدة الالزمة لتكوين العرف برقم محدد وثابت‪ ،‬ولذلك‬
‫يبقى األمر متروكا لتقدير قاض ي املوضوع ليقدر ـ حسب الظروف ـ فيما إذا كانت املدة التي استمر عليها السلوك‬
‫كافية العتباره قاعدة قانونية عرفية‪ ،‬وال رقابة عليه في هذا الشأن من املحكمة العليا‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫‪ 3‬ـ أن يكون مستقرا‪ :‬بمعن أن يتواتر الناس على العمل به بصورة منتظمة غير متقطعة‪ .‬وبالتالي فهذا االنتظام‬
‫واالستمرار هو الذي يضفي على العرف صفة االستقرار‪ .‬وتقدير قيام هذا الشرط هو أيضا متروك لقاض ي‬
‫املوضوع وال رقابة للمحكمة العليا عليه في ذلك‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ أال يكون مخالفا النظام العام أو اآلداب العامة‪ :‬الواقع أن هذا الشرط نظري‪ ،‬إذ ال يتصور عمليا أن‬
‫يستقر العرف وتتوفر له أركانه في حين أنه مخالف للنظام العام واآلداب العامة‪ ،‬ولكن يمكن مع ذلك أن‬
‫نتصور حدوث تطور في فكرة النظام العام‪ ،‬وهي كما عرفنا متغيرة من حيث الزمان واملكان‪ ،‬بحيث يصبح‬
‫العرف الذي كان فيما مض متفقا مع النظام العام خارجا عنه‪ ،‬ويترتب على ذلك عدم االعتداد به‪ ،‬كعادة‬
‫األخذ بالثأر‪ .‬ولإلشارة فهذا الشرط األخير‪ ،‬وهو عدم مخالفة العرف للنظام العام واآلداب العامة‪ ،‬يعتبر من‬
‫املسائل القانونية التي يخضع فيها تقدير قاض ي املوضوع لرقابة املحكمة العليا‪.‬‬
‫‪ /2‬الركن املعنوي‪ :‬ال يكفي اضطراد العمل وتواتره على قاعدة معينة ألن تصبح هذه القاعدة عرفا‪ ،‬بل ال بد‬
‫من توافر الركن املعنوي‪ ،‬أي شعور األشخاص الذين يتبعون هذه القاعدة بأنها قاعدة واجبة االحترام تماما‬
‫كما تحترم القاعدة التشريعية ‪.‬أو بتعبير أخر شعور األشخاص بأن هذه القاعدة ملزمة لهم‪ .‬فالركن املعنوي‬
‫هو الذي يحول االعتياد املادي إلى قاعدة قانونية‪ .‬وال يمكن أن تنشأ قاعدة قانونية مصدرها العرف مهما‬
‫استقر العمل بها إال إذا توافر الشعور بأنها قاعدة قانونية ملزمة يجب احترامها وتوقيع الجزاء على من يخالفها ‪.‬‬
‫وعلى ذلك فتقديم الهدايا مثال في بعض املناسبات كالزواج وأعياد امليالد يمثل عادة قديمة ومستقرة وعامة‪،‬‬
‫ومع ذلك لم تنشأ قاعدة قانونية ملزمة مصدرها العرف‪ ،‬ألن الثابت أن الناس يتبعونها ملجرد املجاملة دون أن‬
‫يستقر في األذهان الشعور بوجوب احترامها‪.‬‬
‫التمييزبين العرف والعادة‬
‫العادة ‪ l’usage‬هي عرف لم يكتمل‪ ،‬أو عرف في مرحلة التكوين‪ ،‬لعدم شعور األفراد بأنها ملزمة لهم‪.‬‬
‫ويشترك العرف والعادة في الركن املادي‪ ،‬لكن العادة تتوقف عند هذا الحد‪ ،‬أما العرف فيتميز عنها بوجود‬
‫الركن املعنوي‪ .‬إذن؛ فالعادة هي مجرد اعتياد الناس واتباعهم سلوك معين دون االعتقاد بإلزاميته‪.‬‬
‫ويمكن القول بوجود نوعين من العادات‪ :‬عادات خاصة باملجامالت‪ ،‬أو ما نطلق عليه بالعادات‬
‫االجتماعية‪ ،‬كتقديم التهنئة في املناسبات السارة‪ ،‬والتعزية في املناسبات غير السارة مثال‪ ،‬وكذلك تبادل الهدايا‬
‫في األعياد واملواسم املختلفة‪ .‬ويتميز هذا النوع من العادات بأنه ليس له قوة ملزمة من الناحية القانونية‪.‬‬
‫وهناك عادات خاصة باملعامالت‪ ،‬وهي التي تنشأ من اطراد سلوك األفراد على نحو معين في مسألة تتعلق‬
‫بمعامالتهم وليس بعالقاتهم االجتماعية‪.‬‬
‫واألصل في عادات املعامالت أنها غير ملزمة‪ ،‬إال إذا اتفقت األطراف عليها صراحة أو ضمنا‪ ،‬أو أحال إليها املشرع‬
‫ُ َ‬
‫صراحة‪ /‬فتسى عندئذ بالعادة امل َحك َمة‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫نتائج التفرقة بين العرف والعادة‪:‬‬
‫‪1‬ـ على املحكمة أن تطبق العرف من تلقاء نفسها ولو لم يتمسك به أحد الخصوم‪ ،‬أما العادة فال تطبقها‬
‫املحكمة إال إذا تمسك بها ذو الشأن‪.‬‬
‫‪2‬ـ إثبات وجود العرف يوكل به القاض ي وال يقع على عاتق الخصوم‪ ،‬كما هو الحال بالنسبة للعادة‪ .‬وجرى‬
‫التعامل على إثبات العادات‪ ،‬وخاصة التجارية منها‪ ،‬بشهادات مكتوبة صادرة عن منظمات مهنية كغرف‬
‫التجارة أو من قنصليات الدول في الخارج‪.‬‬
‫‪3‬ـ يطبق العرف إذا ما توافرت شروطه‪ ،‬على الناس كافة علموا به أم لم يعلموا‪ ،‬تطبيقا لقاعدة عدم جواز‬
‫االعتذار بالجهل بالقانون‪ ،‬أما العادة فيلزم لتطبيقها ليس فقط علم األفراد بها‪ ،‬وإنما انصراف إرادتهم إلى‬
‫األخذ بها‪.‬‬
‫مزايا العرف‬
‫‪ .1‬ينشأ العرف بطريقة تدريجية بين الناس‪ ،‬فهو ال يوضع من قبل سلطة تفرض إرادتها‪ ،‬بل تتكون قواعده‬
‫عبر الزمن بصورة تلقائية باعتبارها منبثقة عن املجتمع ذاته‪.‬‬
‫‪ .2‬يمتاز العرف أيضا بالتلقائية ومرونة قواعده‪ ،‬فطاملا أن القواعد العرفية ال تأتي في قوالب مكتوبة‪ ،‬فهي‬
‫قواعد يطورها التعامل الحي في نطاق الجماعة‪ ،‬مما يجعلها أكثر مسايرة لطبيعة التعامل بين األفراد‪ ،‬فتتطور‬
‫القواعد العرفية بتطور أحوال الجماعة وتتغير بتغيرها‪.‬‬
‫‪ .3‬يلعب العرف دورا مهما في سد الثغرات التي تتضمنها أحكام التشريع‪ ،‬إذ من املعروف أن التنظيم الكلي‬
‫ملختلف الروابط داخل الجماعة أمر يستعص ي على التشريع مهما بلغ من الدقة واإلحاطة‪ ،‬فيبرز هنا دور‬
‫العرف في تنظيم مسائل لم يتعرض لها التشريع‪ ،‬فيسد بذلك نواحي النقص في القانون املكتوب‪ ،‬أي في‬
‫التشريع‪.‬‬
‫عيوب العرف‬
‫على الرغم مما للعرف من مزايا‪ ،‬فإن له العديد من العيوب‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ .1‬العرف بطيء في تطوره‪ :‬وهو إذا اسـتقر صعب التخلص منه إال بعد مض ي مدة من الزمن‪ ،‬وذلك رغم تغير‬
‫الظروف التي أدت إلى نشوئه‪ ،‬وفي خالل هذه املدة يصبح العرف غير متفق مع حاجات الجماعة‪.‬‬
‫‪ .2‬كثيرا ما يختلف العرف في نطاق الدولة الواحدة باختالف أجزائها املختلفة‪ :‬مما يؤدي إلى اختالف القواعد‬
‫التي تحكم نوعا واحدا من الرابط االجتماعية داخل الدولة‪ ،‬وهذا يمهد السبيل الختالف القواعد القانونية في‬
‫جميع أجزاء الدولة‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ صعوبة معرفة مضمونه‪ :‬تثير مسألة عدم صياغة القواعد العرفية في نصوص مكتوبة العديد من‬
‫الصعوبات‪ ،‬سواء تعلق األمر ببيان ماهيتها‪ ،‬أو تعلق األمر بمعرفة مت يبدأ سريانها أو مت ينتهي العمل بها‪.‬‬
‫وهذا يؤدي في كثير من األحيان إلى قيام منازعات في شأنه‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫رابعا‪ :‬مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة‬
‫اعتبر املشرع الجزائري مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة املصدر الرسىي األخير الذي يجب أن‬
‫يلجأ إليه القاض ي بعد استنفاده لكل املصادر الرسمية األخرى‪ .‬فالفرض ها هنا هو أن القاض ي يواجه نزاعا ال‬
‫يحكمه نص تشريعي‪ ،‬وال يمكن استنباط حكمه من مبادئ الشريعة اإلسالمية‪ ،‬وال ينظمه عرف مستقر عليه‪،‬‬
‫وفي هذه الحالة يلجأ القاض ي وفقا للمادة األولى من القانون املدني إلى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة‬
‫لحسم النزاع‪ ،‬وإال اعتبر منكر للعدالة‪ ،‬وتعرض للعقوبة الجزائية املقررة لجريمة النكول عن القضاء‪.‬‬
‫وإحالة القانون املدني الجزائري إلى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة يقصد بها‪ ،‬في الواقع‪،‬‬
‫تمكين القاض ي من الفصل في النزاع عن طريق االجتهاد برأيه على ضوء مبادئ القانون الطبيعي وقواعد‬
‫العدالة ‪.‬‬
‫ويقصد بالقانون الطبيعي مجموعة املبادئ املثالية التي ال تتغير في الزمان أو املكان والتي يتوصل إليها‬
‫اإلنسان بتفكيره وعقله وتأمله‪ ،‬وعن طريقها يهتدي املشرع إلى السبيل املوصل بالتشريع إلى درجة الكمال‪ .‬أما‬
‫قواعد العدالة فهي شعور كامن في النفس يكشف عنه العقل السليم‪ ،‬ويوحي به الضمير املستنير‪ ،‬ويهدف إلى‬
‫إعطاء كل ذي حق حقه‪.‬‬
‫ولعلنا نالحظ أن مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة يحوطها اإلبهام والغموض‪ ،‬إذ ليس هناك‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مضمونا محددا يرجع إليه القاض ي عند حسمه للنزاع املطروح كما هو الحال بالنسبة للتشريع أو العرف أو‬
‫مبادئ الشريعة اإلسالمية‪ ،‬فاألمر ال يعدو أن يكون مبادئ عامة يستخلصها القاض ي ليطبقها في ضوء ظروف‬
‫ومالبسات كل نزاع على حدى‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أن فكرة مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة يكتنفها الغموض من حيث مضمون‬
‫هذه املبادئ والقواعد‪ ،‬إال أننا نالحظ بأنه على القاض ي عند استخالصه لها يجب أن يراعي أمرين ضروريين‪،‬‬
‫وهما‪:‬‬
‫‪ .1‬يجب عليه‪ ،‬عند اجتهاده برأيه‪ ،‬أال يستند إلى أفكاره ومعتقداته الخاصة‪ ،‬وإنما إلى أفكار ومعتقدات الجماعة‬
‫التي ينتىي إليها‪ ،‬فمن واجبه أن يستبعد أفكاره ومبادئه التي تصطدم مع أفكار املجتمع الذي يعيش فيه‪.‬‬
‫‪ .2‬يتعين عليه أال يتستر تحت فكرة مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة للخروج على املبادئ األساسية‬
‫التي يقرها القانون الوضعي‪ ،‬إذ أن مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة مصدر احتياطي ال يمكن اللجوء‬
‫إليه إال في حالة عدم وجود نص في املصادر األخرى للقانون‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫املصادرالتفسيرية للقانون‬

‫ال تعد املصادر التفسيرية للقانون مصادر باملعن الدقيق‪ ،‬وإنما تعتبر شرحا للقانون‪ ،‬والقاض ي من‬
‫حيث املبدأ ال يعد ملزما في النظام القانوني الجزائري باألخذ بها‪ ،‬وهي تشمل كال من الفقه والقضاء‪.‬‬
‫أوال‪ :‬الف ـق ـ ـ ــه‬
‫قد يراد بالفقه أحد معنيين‪:‬‬
‫األول‪ :‬مجموع اآلراء القانونية الصادرة عن املشتغلين بعلم القانون‪ ،‬وتتضمن شرحا وتعليقا على القواعد‬
‫القانونية‪ ،‬وإظهار ما بها من عيوب‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬األشخاص الذين يقومون بشرح القانون في شكل أبحاث ومؤلفات‪.‬‬
‫ويؤثر الفقه على التشريع من خالل شرحه للنصوص القانونية‪ ،‬حيث يبين الفقيه عيوب القاعدة‬
‫القانونية‪ ،‬فيتدخل املشرع مستنيرا بآراء الفقهاء‪ ،‬وبناء عليه يقوم بالتعديل أو اإلضافة أو اإللغاء‪ ،‬كما يؤثر‬
‫الفقه على القضاء‪ ،‬فالقاض ي ال يمكنه تطبيق القواعد القانونية إال بعد فهمها‪ ،‬وال يمكن فهمها إال باالطالع‬
‫على الشروحات الفقهية املتعلقة بمختلف القواعد القانونية‪.‬‬
‫القـض ـ ــاء (االجتهاد القضائي)‬
‫يطلق لفظ القضاء ويراد به أحد املعاني التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬السلطة التي تفصل في املنازعات‪ ،‬أي الهيئات والجهات القضائية‪ ،‬فيقال مثال القضاء العادي والقضاء‬
‫اإلداري‪.‬‬
‫‪ .2‬مجموعة األحكام التي تصدرها الجهات القضائية في جميع املسائل الداخلة في اختصاصها‪ ،‬فيقال مثال‬
‫القضاء املدني‪ ،‬أو التجاري‪ ،‬أو الجنائي‪.‬‬
‫‪ .3‬استقرار محاكم الدولة في مجموعها على اتجاه معين فيما تقض ي به في مسألة من املسائل‪ ،‬ومثال ذلك‬
‫أن يوجد نص يحتمل تفسيرين‪ ،‬واستقرت املحاكم على األخذ بتفسير منهما‪ ،‬فيقال أن القضاء قد‬
‫استقر على هذا التفسير‪.‬‬
‫وفي الواقع‪ ،‬يختلف مركز القضاء بالنسبة العتباره مصدرا للقانون بين نظامين‪ ،‬هما النظام األنجلو‬
‫سكسوني والنظام الالتيني‪ ،‬فالنظام األنجلو سكسوني وتتزعمه انجلترا يعتبر القضاء أو السوابق القضائية‬
‫مصدرا ملزما يقيد القاض ي‪ ،‬أما النظام الالتيني وتتزعمه فرنسا‪ ،‬فإنه يقصر وظيفة القاض ي على تطبيق‬
‫القانون‪ ،‬وال يلزم القاض ي بالسوابق القضائية‪.‬‬
‫وتنتىي الجزائر إلى النظام الالتيني‪ ،‬حيث أن القاض ي غير ملزم باألخذ بالسوابق القضائية‪ ،‬وإذا التزم بها فإنه‬
‫التزام أدبي(معنوي)‪.‬‬
‫‪28‬‬
‫ويؤثر القضاء على املشرع‪ ،‬فمن خالل تطبيق القاض ي للقواعد القانونية يظهر ما يعتريها من نقص‪،‬‬
‫وما يشوبها من عيوب‪ ،‬وهذا من شأنه أن يجعل املشرع يتدخل لوضع قواعد قانونية جديدة‪ ،‬أو إلغاء قواعد‬
‫قانونية موجودة‪ ،‬كما يؤثر القضاء على الفقه‪ ،‬فيمكن الفقيه من معرفة مدى مالئمة النصوص القانونية‬
‫للتطبيق‪ ،‬ومنهج القضاء في تطبيقها‪ ،‬وهذا من شأنه أن يمكن الفقيه من الشرح والتعليق بشكل أفضل فيما‬
‫لو تناول النصوص بالشرح بمعزل عن كيفية تطبيق القضاء لها‪.‬‬
‫نط ـ ـ ـ ـ ـ ــاق تطبـ ـ ـي ـ ـ ـ ــق القانون‬
‫إذا كانت القاعدة القانونية ال يمكن أن تحقق األهداف التي من أجلها تم سنها ووضعها إال بضمان‬
‫تطبيقها على أرض الواقع تطبيقا صحيحا‪ ،‬فإن ذلك يستدعي والبد معرفة ما هو نطاق تطبيقها؟ أي معرفة‪:‬‬
‫‪ .1‬من هم األشخاص املخاطبون بها‪ ،‬وهل فيهم من يمكن استنناؤه من الخضوع لها (ويعرف ذلك بنطاق تطبيق‬
‫القانون من حيث األشخاص)‪.‬‬
‫‪ .2‬ما هو الحيز الجغرافي واملكاني الذي يمكن للقاعدة القانونية أن تسري فيه‪ ،‬وهل كل األشخاص واملسائل‬
‫التي تتم داخل هذا الحيز تخضع دوما لذات القواعد القانونية (ويعرف ذلك بنطاق تطبيق القانون من حيث‬
‫املكان)‪.‬‬
‫‪ .3‬ما هو الحيز الزمني الذي تسري فيه القاعدة القانونية‪ ،‬بحيث يحدد لنا مت يبدأ ومت ينتهي سريان مفعولها‬
‫(ويعرف ذلك بنطاق تطبيق القانون من حيث الزمان)‪.‬‬
‫أوال‪ :‬نطاق تطبيق القانون من حيث األشخاص‬
‫إذا وجدت القاعدة القانونية أيا كان مصدرها فإنها تسري على كافة األشخاص الذين ينطبق عليهم‬
‫حكمها‪ ،‬وال يجوز لهم االدعاء بجهل بالقاعدة القانونية حت يستبعدوا تطبيق حكمها عليهم‪.‬‬
‫مبدأ عدم جوازاالعتذاربالجهل بالقانون‬
‫طبقا ملبدأ عدم جواز االعتذار بالجهل بالقانون فإن القاعدة القانونية تسري في مواجهة جميع املخاطبين‬
‫ً‬
‫بأحكامها‪ ،‬سواء علموا بها أم ال‪ ،‬أيا كان مصدر القانون سواء التشريع أو الشريعة أو العرف‪ ..‬الخ‪.‬‬
‫والحكمة من هذا املبدأ هي تحقيق املساواة بين األشخاص أمام القانون‪ ،‬فإذا سمح لبعض األشخاص‬
‫االدعاء بجهل القاعدة القانونية بقصد استبعاد تطبيقها‪ ،‬فإن ذلك يعني أن القانون سوف يطبق على بعض‬
‫األشخاص دون البعض اآلخر‪ ،‬وهذا يخل بمبدأ املساواة بين األشخاص أمام القانون‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس‪ ،‬فإن الدستور الجزائري ينص في مادته ‪ 78‬بأنه ال يعذر أحد بجهل القانون‪ ،‬وأنه يجب‬
‫على كل شخص أن يحترم الدستور‪ ،‬وأن يمتثل لقوانين الجمهورية‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫االستثناء الوارد على املبدأ‬
‫يوجد حالة وحيدة يجوز فيها لألشخاص االدعاء بالجهل بالقواعد التشريعية‪ ،‬وهي حالة عدم وصول‬
‫الجريدة الرسمية إليهم بسبب قوة قاهرة كالحرب أو احتالل بعض املناطق من إقليم الدولة‪ ،‬ففي هذه الحاالت‬
‫يستحيل وصول الجريدة الرسمية إلى بعض املناطق‪ ،‬مما يعني عدم تمكن األشخاص املقيمين في‬
‫هذا املوقع من االطالع على الجريدة الرسمية والعلم بالقواعد التشريعية‪.‬‬

‫والحكمة من هذا االستنناء‪ ،‬أن النشر في الجريدة الرسمية هو الوسيلة الوحيدة للعلم بالتشريع‪ ،‬فإذا‬
‫وجد مانع من وصول الجريدة لبعض املناطق‪ ،‬فهنا يعذر األشخاص املقيمين في تلك املناطق‪ ،‬فيجوز لهم‬
‫استبعاد تطبيق القواعد التشريعية عليهم باالعتذار بجهلها‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬نطاق تطبيق القانون من حيث املك ـ ـ ـ ــان‬

‫ال تثار مسألة تطبيق القانون من حيث املكان لو افترضنا أن كل مجتمع يعيش منعزال عن اآلخر‪ ،‬ففي هذا‬
‫الفرض يطبق القانون على كل األشخاص املوجودين داخل حدود إقليم الدولة ألنهم مواطنين‪ ،‬وال يمتد ليطبق‬
‫خارج حدود إقليم الدولة طاملا ال يوجد مواطنون مقيمون خارج الدولة‪.‬‬
‫ولكن هذا الفرض مستبعد خاصة في وقتنا الحالي؛ حيث ال يخلو مجتمع من العنصر األجنبي‪ ،‬فالتطور في‬
‫وسائل النقل واملواصالت أدى إلى انتقال األشخاص من دولة ألخرى بغرض التعليم أو العالج أو السياحة‪..‬‬
‫الخ‪ ،‬وبطبيعة الحال فإن هؤالء األشخاص يدخلون في عالقات مع أفراد الدولة املوجودين على إقليمها‪ ،‬وهذا‬
‫األمر يثير مشكلة تحديد نطاق تطبيق القانون من حيث املكان في كل دولة؟‬
‫بمعن ‪ :‬هل يطبق قانون الدولة على كل األشخاص املوجودين على إقليمها سواء كانوا مواطنين أم أجانب‪،‬‬
‫أم يطبق على املواطنين فقط سواء كانوا موجودين فيها أو في خارجها‪ ،‬وال يمتد إلى األجانب املوجودين داخل‬
‫إقليمها ألنه يطبق عليهم قانون دولتهم؟‬
‫وفي الواقع إن اإلجابة على هذا التساؤل تقتض ي معرفة ما إذا كانت الدولة تأخذ بمبدأ إقليمية القوانين‪ ،‬أم‬
‫بمبدأ شخصية القوانين‪ ،‬وفيما يلي نتناول هذين املبدأين بإيجاز‪.‬‬
‫أوال‪ :‬مبدأ إقليمية القوانين‬
‫طبقا ملبدأ إقليمية القوانين فإن قانون الدولة يطبق على كل املوجودين في إقليمها سواء كانوا مواطنين أم‬
‫أجانب‪ ،‬وال يمتد إلى خارج حدود الدولة‪ ،‬وبالتالي ال يطبق على املواطنين إن كانوا موجودين في الخارج‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫ويستند هذا املبدأ إلى فكرة سيادة الدولة على إقليمها‪ ،‬فمن مظاهر السيادة أن تطبق الدولة قانونها على‬
‫كل من يوجد في إقليمها وعلى كل ما يحدث فيه‪ ،‬كما أن امتداد قانون الدولة خارج إقليمها‪ ،‬ولو لحكم رعاياها‪،‬‬
‫فيه اعتداء على سيادة غيرها من الدول‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬مبدأ شخصية القوانين‬
‫طبقا ملبدأ شخصية القوانين فإن قانون الدولة يطبق على رعاياها فقط‪ ،‬سواء وجدوا في إقليمها‪ ،‬أم وجدوا‬
‫في الخارج‪ ،‬كما أنه ال يطبق على األجانب حت ولو كانوا موجودين داخل حدود إقليم الدولة‪.‬‬
‫والواقع أن معظم تشريعات الدول ال تأخذ بمبدأ واحد‪ ،‬وإنما تأخذ باملبدأين معا؛ فتجعل مبدأ اإلقليمية‬
‫هو األصل‪ ،‬ومبدأ الشخصية هو االستنناء‪ ،‬وقد أدى ذلك إلى إثارة مشكلة تنازع القانون الوطني واألجنبي‪،‬‬
‫فسيادة الدولة تقتض ي تطبيق قانونها الوطني دائما‪ ،‬ولكن في املقابل مصلحتها (أي الدولة) قد تقتض ي تطبيق‬
‫القانون األجنبي في بعض الحاالت بقصد تشجيع األجانب على املجيء إليها‪ ،‬ومن هنا نشأت مشكلة تنازع القوانين‬
‫من حيث املكان‪ ،‬فقد توجد مسألة واحدة يتنازع على حلها كل من القانون الوطني واألجنبي‪ ،‬وهذا ما يحدث‬
‫عندما يوجد عنصر أجنبي‪ ،‬لذلك وجد – كما رأينا في فروع القانون الخاص ‪ -‬القانون الدولي الخاص‪ .‬والذي‬
‫يتولى حل هذا التنازع عن طريق تحديد القانون الواجب التطبيق على املسألة‪.‬‬
‫موقف املشرع الجزائري‬
‫أخذ املشرع الجزائري بمبدأ إقليمية القانون كأصل عام‪ ،‬حيث أكد على ذلك في القانون املدني بنص كل من‬
‫املادتين ‪ 04‬و‪ 05‬منه على التوالي أنه تطبق القوانين في تراب (إقليم) الجمهورية الجزائرية الديمقراطية‬
‫الشعبية‪ ،‬وأن كل سكان القطر الجزائري يخضعون لقوانين الشرطة واألمن‪ .‬وأما عن تطبيق القانون الجزائي‬
‫الجزائري‪ ،‬فإن املادة ‪ 03‬من قانون العقوبات قد كرست هذا املبدأ بنصها على أنه يطبق قانون العقوبات على‬
‫كافة الجرائم التي ترتكب في أراض ي الجمهورية‪.‬‬
‫هذا وإن كان املشرع قد أخذ كما رأينا بمبدأ إقليمية القوانين كأصل‪ ،‬إال أنه قد أخذ كذلك بمبدأ‬
‫شخصية القانون في حاالت استننائية‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ )1‬أن يطبق قانون العقوبات الجزائري على كل من يحمل الجنسية الجزائرية‪ ،‬ولو ارتكب جريمة خارج إقليمها‪،‬‬
‫وذلك في حالة عودته إلى الجزائر‪ .‬وعلة ذلك حت ال تكون الجزائر موطنا للخارجين عن القانون الذي يسيئون‬
‫إلى الجزائر بارتكابهم جرائم في الخارج‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫شروط تطبيق مبدأ الشخصية في القانون الجزائري بالنسبة للجنايات‪:‬‬
‫فقد نصت عليها املادة ‪ 582‬من قانون اإلجراءات الجزائية‪ ،‬هي‪:‬‬
‫‪ .1‬أن توصف الجريمة بأنها جناية وفقا للقانون الجزائري بغض النظر عن وصفها في قانون الدولة التي وقعت‬
‫فيها‪.‬‬
‫‪ .2‬أن يكون مرتكبها جزائري الجنسية (املادة ‪ 584‬ق إج)‪.‬‬
‫‪ .3‬أن ترتكب الجناية خارج إقليم الدولة‪.‬‬
‫‪ .4‬أن يعود الجاني إلى الجزائر (إذ ال تجوز محاكمته غيابيا)‪.‬‬
‫‪ .5‬أال يكون قد حكم على الجاني نهائيا بالخارج‪ ،‬وأنه قض العقوبة أو سقطت عنه بالتقادم أو بالعفو عنها‬
‫(لعدم جواز محاكمة الشخص عن ذات الجريمة مرتين)‪.‬‬
‫شروط تطبيق مبدأ الشخصية في القانون الجزائري بالنسبة للجنح‪:‬‬
‫فاملادة ‪ 583‬من قانون اإلجراءات الجزائية تشترط وجوب‪:‬‬
‫‪ .1‬أن تكون الجريمة موصوفة بأنها جنحة في القانون الجزائري والقانون األجنبي في نفس الوقت‪ .2 .‬بالنسبة‬
‫للجنح التي ترتكب ضد األشخاص فال يجوز تحريك الدعوى العمومية إال بناء على شكوى يقدمها املجني عليه‬
‫أو السلطات املختصة للدولة التي وقعت فيها الجنحة إلى النيابة العامة على مستوى الجزائر العاصمة‪.‬‬
‫‪ .3‬أن يكون مرتكبها جزائري الجنسية (املادة ‪ 584‬ق إج)‪.‬‬
‫‪ .4‬أن ترتكب الجنحة خارج إقليم الدولة‪.‬‬
‫‪ .5‬أن يعود مرتكبها إلى الجزائر (إذ ال تجوز محاكمته غيابيا)‪.‬‬
‫‪ .6‬أال يكون قد حكم على مرتكبها نهائيا بالخارج‪ ،‬وأنه قض العقوبة أو سقطت عنه بالتقادم أو بالعفو عنها‬
‫(لعدم جواز محاكمة الشخص عن ذات الجريمة مرتين)‪.‬‬
‫‪ )2‬الجرائم التي قد يرتكبها رؤساء الدول األجنبية وأعضاء السلك الدبلوماس ي في الجزائر‪ ،‬وهذا حسب القانون‬
‫الدولي العام الذي منح لهم حماية وحصانة (دبلوماسية) قضائية‪ .‬هذه األخيرة تجعلهم ال يخضعون للقانون‬
‫الوطني بل لقانون دولتهم‪.‬‬
‫‪ )3‬مجال الحقوق السياسية والواجبات العامة‪ :‬حيث أن من املتعارف عليه أن األجانب املقيمين في إقليم‬
‫الدولة ال تطبق عليهم القوانين املتعلقة بالحقوق السياسية والواجبات العامة‪ ،‬كحق الترشح مثال‪ ،‬باإلضافة‬
‫إلى بعض الواجبات العامة التي ال تقع على عاتق األجانب حت ولو كانوا مقيمين في التراب الوطني‪ ،‬ومثال ذلك‬
‫واجب أداء الخدمة الوطنية‪ ،‬أو واجب الدفاع عن الوطن‪ ،‬فمثل هذه الواجبات والحقوق يختص بها فقط‬
‫املواطنين الجزائريين حيث ما وجدوا‪.‬‬
‫‪ )4‬نظم املشرع الجزائري قواعد اإلسناد في املواد من ‪ 9‬إلى ‪ 24‬من القانون املدني الجزائري‪ ،‬وهي قواعد تخص‬
‫العالقات ذات العنصر األجنبي‪ ،‬أي التي أحد طرفي العالقة فيها أجنبي‪ .‬وملعرفة القانون الواجب التطبيق نعود‬
‫‪32‬‬
‫إلى هذه النصوص‪ ،‬حيث في بعض الحاالت يمكن للقاض ي الجزائري أن يطبق القانون األجنبي استنادا إلى معيار‬
‫جنسية الشخص‪.‬‬
‫‪ )5‬األحوال الشخصية للجزائريين ولو كانوا مقيمين في الخارج تخضع للقانون الجزائري‪ ،‬ما لم يوجد نص صريح‬
‫على خالف ذلك كما هو الحال مثال بالنسبة للمادة ‪ 13‬من القانون املدني‪.‬‬
‫مالحظة‪ :‬يمكن تطبيق قانون العقوبات الجزائري على جرائم بعينها ارتكبت في الخارج‪ ،‬ال على أساس مبدأ‬
‫الشخصية ألن مرتكبيها ال يحملون الجنسية الجزائرية (أي أجانب)؛ وإنما على اعتبار أنها تمس باملصالح‬
‫األساسية للدولة الجزائرية‪ .‬وهو ما يعرف بمبدأ عينية النص الجزائي‪ ،‬والذي لتطبيقه البد من توافر الشروط‬
‫التي حددتها املادة ‪ 588‬من قانون اإلجراءات الجزائية‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ .1‬أن يرتكب األجنبي جناية أو جنحة تمس بمصلحة أساسية للدولة الجزائرية؛‬
‫‪ .2‬أال يتمتع بالجنسية الجزائرية؛‬
‫‪ .3‬أن تقع هذه الجناية أو الجنحة خارج إقليم الجزائر؛‬
‫‪ .4‬أن يتم القبض عليه في الجزائر‪ ،‬أو أن تحصل عليه الجزائر عن طريق تسليمه من طرف الدولة التي وقعت‬
‫فيها الجريمة؛‬
‫‪ .5‬أال يكون قد حكم عليه نهائيا وقض العقوبة أو سقطت عنه بالتقادم‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬نطاق تطبيق القانون من حيث الزم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان‬
‫األصل أن قوانين أي بلد تعد ترجمة لواقعه االجتماعي واالقتصادي والسياس ي‪ ،‬وأي تغيير يطرأ على‬
‫هذا الواقع يجب أن يقابله تبدل في النظام القانوني يتالءم واألوضاع والظروف الجديدة‪ .‬ولذلك فاستمرار‬
‫حركة التغيير في مجتمع ما يؤدي إلى استمرار في تغيير قوانين هذا املجتمع‪ .‬والحقيقة أن تغيير هذه القوانين‬
‫يقوم ويتحقق من خالل عملية إلغاء للقوانين القديمة وإصدار قوانين جديدة‪.‬‬
‫أوال‪ :‬إلغاء الق ــان ـ ــون‬
‫املقصود بإلغاء قانون أو نص قانوني يعني تجريده من قوته اإللزامية بالنسبة إلى حوادث املستقبل أو‬
‫وقائعه‪ .‬ودراسة اإللغاء تقتض ي أن يعالج من حيث الجهة التي تملك حق إلغاء القانون ومن حيث صوره‬
‫وأنواعه‪.‬‬
‫‪1‬ـ تحديد الجهة‪ /‬السلطة املختصة باللغاء‪ :‬الجهة التي تختص بوضع التشريع هي الجهة ذاتها التي تختص‬
‫بإلغائه‪ ،‬فالجهة التي تملك وضع التشريع وإضفاء اإللزام والنفاذ على نص قانوني هي الجهة التي تملك حق‬
‫إلغائه؛ فالقاعدة هي أنه ال يجوز إلغاء القانون إال من قبل الجهة التي تختص بوضعه أو من قبل جهة أعلى‬
‫منها في املرتبة‪ ،‬وهو ما يعرف بقاعدة توازي األشكال‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫أما فيما يتعلق بإلغاء القاعدة العرفية فيمكن أن يتم بقاعدة عرفية أخرى تعالج املوضوع ذاته ولكنها أكثر منها‬
‫استقرارا وقوة وجدة‪ ،‬ويمكن أن يتم إلغاء العرف بقانون أو بنص قانوني وال يجوز العكس‪ ،‬إذ ال يمكن إلغاء‬
‫القانون بالعرف ألن القانون هو األصل وله األولوية في التطبيق‪.‬‬
‫‪ .2‬طرق اللغاء و أنواعه‪ :‬تنص املادة الثانية من القانون املدني الجزائري على ما يلي‪« :‬ال يسري القانون إال‬
‫على ما يقع في املستقبل وال يكون له أثر رجعي‪.‬‬
‫وال يجوزإلغاء القانون إال بقانون الحق ينص صراحة هذا اللغاء‪.‬‬
‫وقد يكون اللغاء ضمنيا إذا تضمن القانون الجديد نصا يتعارض مع نص القانون القديم أو نظم من‬
‫جديد موضوعا سبق أن قررقواعده ذلك القانون القديم»‪.‬‬
‫فوفقا لنص هذه املادة‪ ،‬فإن اإللغاء يتم كما يلي‪:‬‬
‫أ ـ اللغاء الصريح‪ :‬يحصل بأن يتضمن القانون الجديد نصا صريحا يقض ي بإلغاء القانون القديم‪ ،‬أو إلغاء‬
‫نص من نصوصه أو مادة من مواده‪ .‬ويتحقق اإللغاء الصريح كذلك في حالة ما إذا كان القانون مؤقتا‪ ،‬فإن‬
‫كان كذلك فإنه يكون من حيث وجوده مرتبطا بالزمن أو بمدة نفاذه‪ ،‬فهو كذلك ينتهي أو يلغى باملدة التي‬
‫حددها له املشرع أو بزوال الحالة التي جاء القانون من أجلها أو التي ارتبط بها‪.‬‬
‫ب ـ اللغاء الضمني‪ :‬يتحقق هذا اإللغاء بأن يتعارض كليا قانون قديم أو نص قديم مع قانون جديد أو مع‬
‫نص جديد‪ ،‬والتعارض بين تشريعين يعني عدم إمكان الجمع بينهما أو عدم جوازه‪.‬‬
‫ويحصل التعارض كذلك في حال صدور نص جديد يحتوي على حكم جزئي يتعارض مع الحكم الجزئي‬
‫للنص القديم املماثل والذي يعالج املوضوع ذاته الذي جاء النص الجديد بشأنه‪ .‬والتعارض الذي يؤدي إلى‬
‫اإللغاء ال يحصل إال في حالة اختالف الحكم العام في قاعدة قديمة عن الحكم العام في قاعدة جديدة‬
‫للموضوع نفسه الذي جاءت القاعدتان من أجل حكمه وتنظيمه‪.‬‬
‫أما إذا جاء نص جديد بحكم خاص يتعارض مع الحكم الخاص الوارد في النص القديم العام؛ فإن‬
‫الجديد الخاص ال يلغي النص القديم العام وإنما بقيده؛ ألن الخاص ال يلغي العام بل يكتفي بتقييده‪.‬‬
‫وإذا تعارض حكم عام في القانون الجديد مع حكم خاص في القانون القديم؛ فهذا التعارض ال يكون‬
‫من قبيل التعارض امللغي‪ ،‬ومثل هذه الحالة ال يعد شكال أو نوعا من أنواع اإللغاء بل يبقى حكم القاعدة‬
‫القديمة ساريا على سبيل االستنناء من حكم النص العام الجديد‪.‬‬
‫وعلى العموم فإن اإللغاء الضمني للقانون القديم يتحقق بصدور قانون جديد يعيد تنظيم موضوع‬
‫القانون القديم تنظيما مختلفا‪ ،‬ما يفهم منه ضمنا تخلي املشرع عن القواعد القديمة‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫ثانيا‪ :‬مبادئ سريان القانون من حيث الزمان‬
‫فكما رأينا أعاله‪ ،‬فإن املادة الثانية من القانون املدني الجزائري تنص على أنه ال يسري القانون إال على‬
‫ما يقع في املستقبل وال يكون له أثر رجعي‪ .‬أي أن سريان القانون يحكمه في األصل مبدأين‪ ،‬وهما‪ :‬مبدأ األثر‬
‫الفوري واملباشر للقانون الجديد‪ ،‬ومبدأ عدم رجعية القانون الجديد‪.‬‬
‫إال أنه وباستقراء املواد ‪ ،7 ،6‬و‪ 8‬من القانون املدني الجزائري يمكن استخالص مبدأ ثالث‪ ،‬أال وهو‬
‫مبدأ األثر املستمر للقانون القديم‪.‬‬
‫‪ )1‬مبدأ األثرالفوري واملباشرللقانون الجديد‪:‬‬
‫ويقصد باألثر الفوري أو املباشر أن القانون الجديد ال يسري فقط على الوقائع واملراكز القانونية التي‬
‫تنشأ أو تقع بعد تاريخ نفاذه؛ وإنما يسري أيضا على ما يقع في ظله من عناصر املراكز القانونية التي بدأت في‬
‫التكوين أو االنقضاء أو إنتاج اآلثار قبل العمل به‪ ،‬أي في ظل القانون القديم‪ ،‬واستمرت بعد إلغاء هذا األخير‬
‫وحلوله (أي القانون الجديد) محله‪.‬‬
‫وإذا كان األصل بحسب املادة ‪ 4‬من القانون املدني الجزائري هو أن القوانين تطبق في تراب (إقليم)‬
‫الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية ابتداء من يوم نشرها في الجريدة الرسمية‪ ،‬وأنها تكون نافذة املفعول بالجزائر‬
‫العاصمة بعد مض ي يوم كامل من تاريخ نشرها وفي النواحي األخرى في نطاق كل دائرة بعد مض ي يوم كامل من‬
‫تاريخ وصول الجريدة الرسمية إلى مقر الدائرة‪ ،‬ويشهد على ذلك تاريخ ختم الدائرة املوضوع على الجريدة‪ ،‬إال‬
‫أن املشرع قد ينص صراحة على خالف ذلك‪ ،‬كما هو الحال مثال بالنسبة لقانون اإلجراءات املدنية واإلدارية‪،‬‬
‫إذ نصت املادة ‪1062‬منه على أنه يسري مفــعول هــذا القانون‪ ،‬بعد سنة (‪ )1‬من تاريخ نشره في الجريدة‬
‫الرسمية‪.‬‬
‫وعليه فأهم استنناء ملبدأ األثر الفوري واملباشر هو وجود نص صريح على مخالفة النفاذ‬
‫الفوري للقاعدة القانونية الجديدة؛ إذ يجوز للمشرع أن ينص في تشريع خاص على نفاذ القانون في وقت الحق‬
‫نظرا لوجود ظروف معينة تعيق تطبيقه مباشرة‪ .‬وهذا النص يجعل من القانون الصادر مجمدا إلى حين‪ ..‬وهو‬
‫داللة على تطبيقه مستقبال وليس فوريا‪.‬‬
‫‪ )2‬مبدأ عدم رجعية القانون الجديد‪:‬‬
‫فالقاعدة العامة هي أن القانون الجديد يسري فقط على التصرفات والوقائع التي تقع بعد صدوره إلى‬
‫غاية إلغائه‪ ،‬أما الوقائع واألحداث التي وقعت قبل صدوره فال يطبق عليها‪ ،‬كما ال يطبق كذلك على ما يحدث‬
‫من وقائع وأحداث بعد إلغائه‪ .‬ومن هنا يتضح بأن القانون الجديد إدا كان يسري من وقت نفاذه مباشرة‬
‫فاألصل أال يمتد إلى ما قبل هذا الوقت حت ال يطبق على املاض ي‪ ،‬أي حت ال يكون له أثر رجعي‪ ،‬وهذا ما‬
‫يصطلح عليه بمبدأ عدم رجعية القوانين‪ .‬وهو املبدأ الذي قد أكدته املادة الثانية من القانون املدني الجزائري‬
‫بقولها‪ ...( :‬وال يكون له أثر رجعي‪.)...‬‬
‫‪35‬‬
‫وتكمن الحكمة من إقرار مبدأ عدم رجعية القانون الجديد في مراعاة عدة اعتبارات‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ .1‬اعتبارات قائمة على أساس العدالة‪ :‬فتطبيق القانون الجديد على ما صدر من تصرفات وأفعال قبل نفاذه‬
‫يعتبر نوعا من الظلم‪ ،‬وعدم العدل‪.‬‬
‫‪ .2‬اعتبارات قائمة على أساس املنطق‪ :‬فالقانون يعتبر تكليفا ألفراد املجتمع‪ ،‬سواء كان القانون يحكم أداء‬
‫عمل معين‪ ،‬أو االمتناع عنه‪ ،‬واملنطق يقتض ي بأنه من غير املعقول أن يأمر القانون بأداء أعمال في املاض ي قبل‬
‫نفاذه‪ .‬كما أنه يستحيل العمل مقدما بالقوانين التي سيصدرها املشرع‪.‬‬
‫‪ .3‬اعتبارات قائمة على أساس عملي‪ :‬فتطبيق القانون بأثر رجعي يؤدي إلى انعدام ثقة األفراد بالقانون‬
‫(انعدام األمن القانوني)‪ ،‬وهذا ما يجعل القانون أداة هدامة‪ ،‬ال وسيلة لتنظيم حياة األفراد‪ ،‬وبناء املجتمع‪،‬‬
‫كما أن تطبيق القانون بأثر رجعي يؤدي إلى إيجاد حالة من االضطراب في املجتمع بصورة تمس استقرار‬
‫املعامالت فيه‪.‬‬
‫وأما فيما يخص االستنناءات التي تلحق مبدأ عدم رجعية القانون الجديد‪ ،‬فإنه يمكن إيجازها كما يلي‪:‬‬
‫أ‪ /‬النص الصريح على الرجعية‪ :‬فمبدأ رجعية القانون الجديد يقيد القاض ي وال يقيد املشرع؛ بمعن أن‬
‫للمشرع الحق في أن يجعل القانون الجديد ساريا على املاض ي‪ ،‬ولكن يجب عليه حينئذ أن ينص صراحة على‬
‫رجعية هذا القانون‪ ،‬أي أنه ال يكتفي في ذلك إلى االستناد إلى إرادته الضمنية‪ ،‬فإن خلى القانون الجديد من‬
‫نص صريح على رجعيته فال يملك القاض ي تطبيقه على املاض ي واملساس بما تم اكتسابه من حقوق‪ .‬ومن أمثلة‬
‫ذلك ما نص عليه املشرع الجزائري في القانون املدني بموجب املادة ‪ 1003‬منه على أنه يسري القانون املدني‬
‫ابتداء من ‪ 05‬جويلية ‪( 1975‬لرمزية هذا التاريخ بالنسبة للشعب الجزائري‪ ،‬إذ يمثل تاريخ استرداد السيادة‬
‫الوطنية) وهذا على الرغم من أنه قد صدر في الجريدة الرسمية بتاريخ ‪ 30‬سبتمبر ‪.1975‬‬
‫ب‪ /‬القانون الجزائي األصلح للمتهم‪ :‬حيث تنص املادة ‪ 02‬من قانون العقوبات على أنه‪ (:‬ال يسري قانون‬
‫العقوبات على املاض ي إال ما كان منه أقل شدة) وعليه إذا صدر قانون عقوبات جديد أصلح للمتهم‪ ،‬فإنه‬
‫يسري بأثر رجعي ولو لم ينص على ذلك‪.‬‬
‫ويكون قانون العقوبات الجديد أصلح للمتهم في حالتين هما‪:‬‬
‫‪ )01‬إذا نص على إباحة الفعل الذي كان مجرما‪ .‬وفي هذه الحالة يستفيد املتهم من القانون الجديد‪ ،‬حت لو‬
‫صدر ضده حكم نهائي يوقف تنفيذه‪.‬‬
‫‪ )02‬إذا نص على تخفيف العقوبة‪ .‬ويشترط في هذه الحالة أال يكون قد صدر حكم نهائي على املتهم‪.‬‬
‫ج‪ /‬القوانين املتعلقة بالنظام العام واآلداب العامة‪ :‬فهذه القوانين ال تخضع ملبدأ عدم رجعية القوانين‪ ،‬حيث‬
‫ال يجوز لألشخاص التمسك بحقوق اكتسبوها بعدما أصبحت مخالفة للنظام العام‪ ،‬حت ولو لم تنص هذه‬
‫القوانين على سريانها على املاض ي؛ ألن قواعد النظام العام واآلداب قواعد آمرة ال تجوز مخالفتها أو الوقوف‬

‫‪36‬‬
‫في سبيل سريانها استنادا على حق مكتسب‪ ،‬ولذلك تعتبر القوانين املتعلقة بالنظام العام واآلداب العامة‬
‫قوانين رجعية خروجا عن مبدأ عدم رجعية القوانين‪.‬‬
‫د‪ /‬القوانين التفسيرية‪ :‬وهي القوانين التي تصدر لتفسر قانونا سابقا ورد غامضا دون أن تضيف له أحكاما‬
‫جديدة‪ ،‬ومن الطبيعي أن يمتد حكمها إلى الوقائع التي حدثت في ظل القانون القديم الذي صدرت تفسيره‪ ،‬ألن‬
‫هذه القوانين تعتبر قوانين جديدة من حيث الشكل فقط‪ ،‬لكونها لم تصدر إال إلزالة الغموض الذي اكتنف‬
‫القانون السابق‪ ،‬ووضع حد للخالف حول حقيقة املقصود به‪ ،‬مما يعني أنها جزء ال يتجزأ من القانون القديم؛‬
‫األمر الذي يلزم الجهات القضائية بتطبيقها على القضايا املعروضة أمامها والتي لم يفصل فيها بعد بحكم‬
‫نهائي‪.‬‬
‫‪ )3‬مبدأ األثراملستمرللقانون القديم‬
‫يشكل مبدأ األثر املستمر للقانون القديم استنناء يرد على مبدأ األثر الفوري واملباشر للقانون الجديد‪،‬‬
‫وهو يتعلق باملراكز العقدية الجارية‪ ،‬أي التي تكونت في ظل القانون القديم وال تزال عند نفاذ القانون الجديد‪،‬‬
‫وذلك ألن الروابط التعاقدية يترك أمر تنظيمها إلدارة األشخاص أخذا بقاعدة العقد شريعة املتعاقدين ومبدأ‬
‫سلطان اإلرادة‪ ،‬فال مجال للتمسك باألثر املباشر والفوري للقانون الجديد بشأنها؛ وإنما يسمح هنا بتمديد‬
‫تطبيق القانون القديم ليحكم آثارها حت تنقض ي‪.‬‬
‫وهذا املبدأ على الرغم من أنه يسري باألساس على املراكز العقدية الجارية‪ ،‬وذلك حماية ملبدأ األمن‬
‫القانوني واستقرار املعامالت التعاقدية ذات األثر الطويل واملستمر‪ ،‬إال أنه يمكن أن يطبق كذلك في مجال‬
‫اإلجراءات إذا ما وجد نص صريح على ذلك‪ ،‬كما هو الحال مثال بالنسبة للمادة ‪ 02‬من قانون اإلجراءات املدنية‬
‫واإلدارية التي نصت على أنه‪ (:‬تطبق أحكام هذا القانون فور سريانه‪ ،‬باستثناء ما يتعلق منها باآلجال التي‬
‫بدأ سريانها في ظل القانون القديم)‬
‫فاآلجال التي انطلقت في ظل القانون القديم ولم تنته بعد رغم صدور وبداية سريان نفاذ قانون‬
‫اإلجراءات املدنية واإلدارية تبقى خاضعة ألحكام قانون اإلجراءات املدنية القديم‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬الحلول التشريعية لبعض حاالت تنازع القوانين من حيث الزمان في القانون املدني الجزائري‬
‫فكما سبق بيانه‪ ،‬ال توضع القاعدة القانونية لكي تطبق أحكامها بصورة مؤبدة؛ وإنما قد تتغير هذه‬
‫األحكام بتغيير الظروف االقتصادية واالجتماعية‪ .‬وينتج عن هذا التغيير إلغاء القاعدة القانونية النافذة أو‬
‫تعديلها‪ ،‬وهنا تظهر مشكلة التنازع بين القانونين القديم والجديد‪.‬‬
‫وبالرجوع إلى القانون املدني الجزائري نجد بأن املشرع الجزائري قد تكفل بمعالجة هذا التنازع الزمني‬
‫بصدد حاالت معينة‪ ،‬وهي تلك الواردة تحديدا باملواد‪ ،07 ،06 :‬و‪.08‬‬

‫‪37‬‬
‫‪ /1‬حالة األهلية‪ :‬فقد نصت املادة ‪ 06‬من القانون املدني الجزائري على أنه‪ (:‬تسري القوانين املتعلقة باألهلية‬
‫على جميع األشخاص الذين تتوفر فيهم الشروط املنصوص عليها‪ .‬وإذ صار شخص توفرت فيه األهلية‬
‫بحسب النص القديم ناقص األهلية طبقا للنص الجديد‪ ،‬فال يؤثرذلك على تصرفاته)‪.‬‬
‫فهذه املادة عالجت مسألتين‪ ،‬تتعلق األولى بأهلية الشخص‪ ،‬أما الثانية فتتعلق بتصرفاته‪:‬‬
‫أ‪-‬بالنسبة ألهلية الشخص‪ :‬إذ يطبق على األهلية مبدأ األثر املباشر‪ ،‬فإذا صدر قانون جديد يرفع سن الرشد‬
‫من ‪ 18‬سنة إلى ‪ 19‬سنة‪ ،‬فإن كل شخص لم يبلغ ‪ 19‬سنة يصبح ناقص األهلية وفقا للنص الجديد‪.‬‬
‫ب‪-‬بالنسبة لتصرفات الشخص‪ :‬أما فيما يخص التصرفات التي أبرمها هذا الشخص فتخضع للقانون‬
‫القديم (مبدأ عدم رجعية القانون الجديد) الذي كان خالله راشدا‪ ،‬لكن ال يمكن له إبرام تصرفات جديدة‬
‫ألنه أصبح ناقص األهلية (مبدأ الفوري واملباشر للقانون الجديد)‪.‬‬
‫‪ /2‬حالة التقادم‪ :‬فقد نصت املادة ‪ 07‬من القانون املدني الجزائري في الفقرتين الثانية والثالثة على أنه‪(:‬إذا‬
‫قررت األحكام الجديدة مدة تقادم أقصر مما قرره النص القديم‪ ،‬تسري املدة الجديدة من وقت العمل‬
‫باألحكام الجديدة‪ ،‬ولو كانت املدة القديمة قد بدأت قبل ذلك‪ .‬أما إذا كان الباقي من املدة التي نصت عليها‬
‫األحكام القديمة أقصرمن املدة التي تقررها األحكام الجديدة فإن التقادم يتم بانقضاء هذا الباقي)‪.‬‬
‫فمن خالل هذه املادة عالج املشرع الجزائري حالة التنازع بين القانون الجديد والقانون القديم من‬
‫حيث مدة التقادم‪ ،‬وذلك وفقا لفرضيتين‪:‬‬
‫أ‪-‬مدة تقادم الجديدة أقصر من مدة النص القديم‪ :‬في هذه الحالة نطبق القانون الجديد من يوم صدوره‬
‫(أي نعمل مبدأ األثر الفوري واملباشر) دون احتساب ما انقض من املدة املقررة في القانون القديم‪.‬‬
‫ب‪-‬الباقي من املدة املقررة في القانون القديم أقصر من املدة املقررة في القانون الجديد‪ :‬في هذه الحالة‬
‫ينقض ي التقادم بانقضاء املدة املتبقية من القانون القديم الذي يستمر سريانه‪.‬‬
‫‪ /3‬حالة األدلة املعدة مقدما‪:‬‬
‫فقد نصت املادة ‪ 08‬من القانون املدني الجزائري على أنه‪( :‬تخضع البينات املعدة مقدما للنصوص‬
‫املعمول بها في الوقت الذي أعدت فيه البنية أو في الوقت الذي كان ينبغي فيه إعدادها)‪.‬‬
‫أي لقد أخد املشرع الجزائري بمبدأ عدم رجعية القوانين فيما يخص أدلة اإلثبات‪ ،‬وهذا ألنه أخضعها‬
‫ألحكام التشريع الذي أعدت (أو كان ينبغي إعدادها) في ظله‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫تفــسي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرالق ـ ـ ـ ــان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون‬
‫التفسير هو تحديد معن القاعدة القانونية املكتوبة‪ ،‬وتوضيح ما غمض من ألفاظها‪ ،‬وهذا الستنباط‬
‫الحكم الذي تنص عليه‪ ،‬ويمكن بالتالي تطبيقها تطبيقا صحيحا‪.‬‬
‫يتضح من التعريف (الضيق) أن التفسير يقتصر على القواعد القانونية املكتوبة دون غيرها‪ ،‬ويرجع‬
‫ذلك إلى أن القواعد التشريعية عادة ما ترد في مواد مختصرة وموجزة‪ ،‬مما يؤدي في بعض الحاالت إلى صعوبة‬
‫الوقوف على حكمها‪ ،‬على خالف القواعد العرفية التي هي غير مدونة في ألفاظ محددة‪ ،‬ولذلك إذا ما أريد‬
‫تطبيقها فيجب التحري عن وجودها‪ ،‬وهذا التحري يؤدي في الوقت ذاته إلى التعرف على حقيقة الحكم الذي‬
‫تتضمنه فال يبقى بعد ذلك داع لتفسيرها‪.‬‬
‫أوال‪ :‬أن ـ ـ ـ ـ ـ ــواع التفسي ـ ـ ــر‬
‫يتنوع التفسير بحسب الجهة التي تقوم به إلى‪:‬‬
‫‪ )1‬التفسير التشريعي‪ :‬وهو التفسير الذي تصدر بمقتضاه السلطة التشريعية املختصة التي سنت التشريع‬
‫األصلي تشريعا آخر لتفسيره‪ ،‬ويسى بالتشريع التفسيري‪ ،‬أو القانون التفسيري‪ .‬ويعد التشريع التفسيري‬
‫الصادر عن السلطة التشريعية املختصة بمنزلة التشريع األصلي الذي يراد تفسيره وجزءا منه‪ ،‬والتشريع‬
‫التفسيري يطبق ليس فقط منذ تاريخ صدوره؛ وإنما منذ تاريخ صدور التشريع األصلي‪.‬‬
‫‪ )2‬التفسير القضائي‪ :‬وهو أدنى مرتبة من التفسير التشريعي؛ ألنه يتعلق فقط بالقضية املعروضة‪ ،‬ولكنه‬
‫أكثر أنواع التفسير شيوعا‪ .‬ويصدر هذا التفسير عن القضاة في معرض تطبيقهم للتشريع‪ ،‬ويكون من شأنه‬
‫توضيح التشريع وسد نواقصه‪ .‬ويغلب عليه الطابع العملي‪ .‬والتفسير القضائي غير ملزم للقاض ي الذي قام به‬
‫في الدعاوى األخرى‪ ،‬ومن باب أولى فإنه غير ملزم لغيره من القضاة‪ ،‬أي ال يشكل ما يعرف بالسابقة القضائية‬
‫في األنظمة األنجلو سكسونية‪ ،‬ما عدا ما يتعلق بالتفسيرات التي تقدمها املحكمة العليا ومجلس الدولة في إطار‬
‫الغرف املجتمعة فإنها تعتبر ملزمة ما لم يتم التراجع عنها بموجب اجتهاد جديد‪.‬‬
‫‪ )3‬التفسير الفقهي‪ :‬وهو عبارة عن مجموعة آراء الفقهاء وشراح القانون‪ ،‬والتي تتضمن شرحا للنصوص‬
‫القانونية والتعليق عليها ونقدها‪ .‬وهذا التفسير على الرغم من أنه يغلب عليه عادة الطابع النظري‪ ،‬إال أنه قد يسترشد به القاض ي‪،‬‬
‫أي أنه غير ملزم باألخذ به كما هو الحال بالنسبة للتفسير التشريعي‪.‬‬
‫‪ )4‬التفسير الداري‪ :‬ويكون على شكل توجيهات ومناشير ومذكرات وتعليمات تصدرها اإلدارات العمومية‬
‫املختصة إلى موظفيها؛ لتفسر لهم فيها أحكام التشريعات التي يكلفون بتطبيقها‪ ،‬وهو ال يلزم إال هؤالء املوظفين‬
‫وحدهم؛ وذلك ألنهم ملزمون بالتقيد بتعليمات رؤسائهم وأوامرهم‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫ثانيا‪ :‬أسباب تفسيرالقـ ــان ـ ـ ـ ــون‬
‫أهم األسباب التي تدفع إلى تفسير القانون هي وجود‪ :‬خطأ مادي‪ ،‬والغموض أو اإلبهام‪ ،‬والنقص أو‬
‫السكوت‪ ،‬والتناقض أو التعارض‪.‬‬
‫وكل هذه األسباب مردها وجود خلل أو عيوب أو قصور في النصوص التشريعية‪.‬‬
‫‪ )1‬الخطأ املادي‪ :‬ويكون ذلك عندما يتضمن النص التشريعي خطأ فادحا في ألفاظه بحيث ال يستقيم معن‬
‫النص إال بتصحيحها‪ .‬ومثال ذلك فقد نصت املادة ‪ 439‬من القانون املدني على أنه‪ (:‬تنتهي الشركة بموت أحد‬
‫الشركاء أو الحجزعليه أو بإعساره أو بإفالسه) فهذا النص قد وقع فيه خطأ مادي‪ ،‬وهو استعماله ملصطلح‬
‫الحجز عليه رغم أن املصطلح املقصود هو الحجر عليه‪.‬‬
‫‪ )2‬الغموض أو البهام‪ :‬يكون النص غامضا أو مبهما إذا كان يحتمل التفسير أو التأويل على وجه يستنتج منه‬
‫أكثر من معن واحد‪ .‬ومهمة القاض ي في هذه الحالة هي اختيار أكثر املعاني صحة‪ ،‬وأكثرها قربا إلى الحق‪ .‬ومثال‬
‫ذلك ما نصت عليه املادة ‪ 127‬من قانون األسرة من أنه‪(:‬يستحق الرث بموت املورث حقيقة أو باعتباره ميتا‬
‫بحكم القاض ي) فمصطلح يستحق قد يفهم انتقال ملكية التركة إلى الورثة بمجرد الوفاة‪ ،‬وقد يفهم منه أن‬
‫من شروط استحقاق الورثة لإلرث أن يتحقق موت املورث‪ ،‬ومن خالل استطالع بعض قرارات املحكمة العليا‬
‫نجد بأنها تأخذ باملعن األول‪.‬‬
‫‪ )3‬النقص أو السكوت‪ :‬يكون النص ناقصا إذا جاءت عبارته خالية من بعض األلفاظ التي ال يستقيم إال بها‪،‬‬
‫أو إذا أغفل التعرض لبعض الحاالت التي كان يفترض به التعرض لها‪ .‬فمثال كانت املادة ‪ 124‬من القانون املدني‬
‫تنص قبل تعديلها سنة ‪ 2005‬على أنه‪ (:‬كل عمل أيا كان يرتكبه املرء ويسبب ضررا للغير يلزم من كان سببا‬
‫في حدوثه بالتعويض) فهذا النص ينقصه مصطلح خطأ رغم أنه ال يمكن تطبيقه بشكل صحيح إال بوجوده‬
‫وأخذه بعين االعتبار‪ ،‬ولذا فقد وقع تعديل هذه املادة في سنة ‪2005‬؛ حيث أصبحت تنص على أنه‪ (:‬كل فعل‬
‫أيا كان يرتكبه الشخص بخطئه‪ ،‬ويسبب ضررا للغيريلزم من كان سببا في حدوثه بالتعويض)‪.‬‬
‫‪ )4‬التناقض أو التعارض‪ :‬يوجد التناقض بين نصين إذا كان الحكم الذي يدل عليه أحدهما يخالف الحكم‬
‫الذي يستنتج من النص اآلخر‪ .‬ومهمة القاض ي هنا التوفيق بين النصين لتحديد أي الحكمين أولى بالتطبيق‪.‬‬
‫فمثال الفقرة األولى من املادة ‪ 42‬من القانون املدني تنص على أنه‪(:‬ال يكون أهال ملباشرة حقوقه املدنية من‬
‫كان فاقد التمييزلصغرفي السن أو عته أو جنون)‪ ،‬بينما تنص املادة ‪ 43‬على أن‪ (:‬كل من بلغ سن التمييززلم‬
‫يبلغ سن الرشد وكل من بلغ سن الرشد وكان سفيها أو معتوها‪ ،‬يكون ناقص األهلية وفقا ملا يقرره‬
‫القانون)‪.‬‬
‫فاملشرع الجزائري اعتبر املعتوه تارة عديم األهلية‪ ،‬وبالتالي فكل تصرفاته باطلة طبقا لنص املادة ‪،42‬‬
‫بينما اعتبره تارة أخرى ناقص األهلية وفقا لنص املادة ‪ 43‬ما يجعل تصرفاته قابلة لإلبطال وليست باطلة‪ .‬وألن‬

‫‪40‬‬
‫العته يصيب إدراك الشخص فإنه يقترب من الجنون‪ ،‬ولذا فالرأي الراجح هو أنه عوارض األهلية التي تعدمها‪،‬‬
‫ومنه فحكم تصرفات املعتوه هو البطالن املطلق‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬طــرق التفسي ـ ـ ــرووسائلـ ــه‬
‫طرق التفسير على نوعين‪ ،‬وهي‪ :‬طرق داخلية وطرق خارجية‪.‬‬
‫‪ /1‬طرق التفسير الداخلية‪ :‬وتعتمد هذه الطرق على آليات مستمدة من النص ذاته‪ ،‬ومن أهم طرق التفسير‬
‫الداخلية ما يأتي‪:‬‬
‫‪ )1‬االستنتاج بطريق القياس‪ :‬القياس هو إلحاق أمر لم يرد بشأنه نص بأمر آخر ورد بشأنه النص؛ وذلك‬
‫الشتراكهما في علة الحكم‪ .‬وللقياس أربعة أركان‪ ،‬هي‪ :‬األصل وهو املقيس عليه‪ ،‬والفرع وهو املقيس‪ ،‬وحكم‬
‫األصل‪ ،‬والعلة‪ .‬ومن األمثلة على ذلك‪ :‬قوله صلى هللا عليه وسلم‪( :‬القاتل ال يرث)‪ ،‬فقد قاس الفقهاء على ذلك‬
‫قتل املوص له للموص ي‪ ،‬فحرموه من الوصية التحاد السبب والعلة‪ ،‬ومنه جاءت القاعدة الفقهية من‬
‫استعجل الش يء قبل أوانه عوقب بحرمانه‪.‬‬
‫‪ )2‬االستنتاج من باب أولى‪ :‬ويكون ذلك بتطبيق حكم ورد بشأن حالة معينة على حالة أخرى لم ينص عليها في‬
‫التشريع‪ ،‬ال ألن علة الحكم الوارد بشأن الحالة األولى أو سببه متوافران في الحالة الثانية فحسب؛ ولكن ألنهما‬
‫أكثر توافرا في الحالة الثانية منها في الحالة األولى‪ .‬ومثال على ذلك اآلية الكريمة التي تأمر اإلنسان بحسن‬
‫َ َ َ ُ ّ َ‬
‫معاملة أبويه بقولها‪} :‬فال ت ُقل ل ُه َما أ ٍّف َوال ت ْن َه ْر ُه َما{ (االسراء ‪)32‬؛ فدل ذلك على أنه من باب أولى أال يضربهما‪.‬‬
‫وأيضا كما لو منع شخص من البيع‪ ،‬فيمكن االستنتاج من باب أولى أنه ممنوع من التبرع‪.‬‬
‫‪ )3‬االستنتاج بمفهوم املخالفة‪ :‬ويكون بتطبيق عكس الحكم الوارد بشأن حالة معينة على حالة أخرى لم‬
‫ينص عليها في التشريع؛ ألن هذه الحالة الثانية تختلف كل االختالف عن الحالة األولى بحيث تعد معاكسة لها‪.‬‬
‫ومثال ذلك نص املادة (‪ )369‬من القانون املدني الذي يقض ي بأنه‪( :‬إذا هلك املبيع قبل تسليمه‪ ...‬سقط‬
‫البيع‪ ،‬واسترد املشتري الثمن‪ )...‬يستنتج بمفهوم املخالفة أنه إذا هلك املبيع بعد التسليم‪ ،‬أو بعد إعذار‬
‫املشتري بتسلمه‪ ،‬فإنه ال ينفسخ البيع‪ ،‬وال يكون للمشتري الحق في استرداد الثمن‪.‬‬
‫‪ /2‬طرق التفسير الخارجية‪ :‬وهي مجموعة األدوات والوسائل التي تتم االستعانة بها لتفسير النص التشريعي‬
‫وبيانه معناه‪ .‬ومن أهم هذه الطرق ما يأتي‪:‬‬
‫‪ )1‬حكمة التشريع وغايته‪ :‬ال يضع املشرع النصوص بصورة عبنية؛ وإنما لتحقيق غايات معينة‪ ،‬ومنه مت‬
‫اتضحت غاية املشرع من وراء سن نص معين سهلت عملية تفسيره وتوضيح ما غمض منه‪.‬‬
‫‪ )2‬النص الفرنس ي‪ :‬فالجريدة الرسمية في الجزائر تصدر باللغتين العربية والفرنسية‪ ،‬وإذا كان األصل دستوريا‬
‫هو أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة‪ ،‬وأنها هي واجبة االتباع‪ ،‬إال أنه ونظرا للعديد من األسباب فإن‬
‫‪41‬‬
‫النصوص التشريعية غالبا ما كانت توضع أوال باللغة الفرنسية ثم يتم ترجمتها إلى العربية‪ ،‬وأثناء هذا النقل‬
‫من اللغتين عادة ما كانت أخطاء مادية ولغوية فادحة في محتوى النصوص العربية‪ ،‬مما أدى إلى تشوه معناها‪،‬‬
‫وخلق بشأنها غموضا كبيرا‪ ،‬ما استدعى الرجوع في كل مرة إلى النص الفرنس ي باعتباره النص األصلي‪ ،‬وهذا‬
‫للتأكد من صحة املصطلح املقصود وتقديمه في العمل‪.‬‬
‫‪ )3‬األعمال التحضيرية‪ :‬وهي األعمال التي سبقت صدور التشريع عن السلطة التشريعية أو رافقته‪ .‬ومنها مثال‬
‫املذكرة اإليضاحية التي ترفق عادة بالتشريع لبيان األسباب التي أدت إلى التشريع‪ ،‬والدراسات التي تقوم بها‬
‫اللجان املختصة ومناقشات أعضاء البرملان‪.‬‬
‫‪ )4‬املقابلة بين النصوص (تقريب النصوص)‪ :‬أي محاولة فهم النص املعيب ضمن السياق الذي ورد فيه‪،‬‬
‫بحيث يتم تجنب تفسيره بمعزل ليس عن باقي أجزاء التشريع الذي تضمنه فحسب‪ ،‬بل وكذلك تجنب تفسيره‬
‫منفردا وبعيدا عن باقي النصوص التشريعية ذات الصلة‪ .‬إذ باملقارنة بينها يمكن تحديد الحكم الصحيح الذي‬
‫ينبغي التقيد والعمل به‪.‬‬
‫فمثال تنص املادة ‪ 408‬من القانون املدني على أنه‪ (:‬إذا باع املريض مرض املوت لوارث فإن البيع ال‬
‫يكون ناجزا إال إذا أقره باقي الورثة‪ .‬وإذا تم البيع للغير في نفس الظروف فإنه يعتبر غير مصادق عليه ومن‬
‫أجل ذلك يكون قابال لإلبطال)‪.‬‬
‫أما املادة ‪ 776‬من ذات القانون‪ ،‬فإنها تنص‪ (:‬كل تصرف قانوني يصدر عن شخص في حال مرض‬
‫املوت‪ ،‬بقصد التبرع‪ ،‬يعتبر تبرعا مضافا إلى ما بعد املوت‪ ،‬وتسري عليه أحكام الوصية أيا كانت التسمية‬
‫التي تعطى لهذا التصرف)‪.‬‬
‫وبالعودة إلى النصوص الخاصة بالوصية في قانون األسرة‪ ،‬نجد بأن املادة ‪ 185‬تنمص على أنه‪ (:‬تكون‬
‫الوصية في حدود ثلث التركة وما زاد على الثلث توقف على إجازة الورثة)‪.‬‬
‫وبمقابلة هذه النصوص ومقارنتها ببعضها يمكن القول أن املشرع الجزائري أخطأ في املادة ‪ 408‬من‬
‫القانون املدني باعتباره البيع للغير في مرض املوت غير مصادق عليه كليا‪ ،‬في حين أن الوصية (إذا كانت لغير‬
‫وارث) ورغم كونها تبرعا تعتبر نافذة في حق الورثة إذا كانت في حدود ثلث التركة‪ ،‬فكيف إذن بالبيع وهو تصرف‬
‫بعوض ال يكون نافذا في حقهم مطلقا‪ ،‬وعليه فاألدق هو أن البيع للغير في مرض املوت يعتبر نافذا في حق الورثة‬
‫إذا تعلق بثلث التركة‪ ،‬وأما ما زاد عن ذلك فيتوقف على إجازة الورثة له‪.‬‬
‫‪ )5‬املصادر أو السوابق التاريخية‪ :‬وهي املصادر التي أخذ املشرع قواعد التشريع عنها‪ .‬فالقانون الجزائري‬
‫وألسباب تاريخية يأتي متأثرا بالقانون الفرنس ي‪ ،‬ولذا فهذا األخير يعتبر املصدر التاريخي له‪ ،‬وكان الرجوع إليه‬
‫في عدة حاالت مفيدا في معرفة التفسير الصحيح لبعض النصوص القانونية الجزائرية املعيبة‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫رابعا‪ :‬مــدارس التفسي ـ ـ ـ ـ ــر‬
‫اختلفت مدارس التفسير بحسب نظرتها ملصادر القانون وأساسه‪ ،‬وقد ظهرت في هذا الصدد ثالث‬
‫مدارس‪ ،‬هي‪:‬‬
‫‪ )01‬املدرسة التقليدية أو مدرسة الشرح على املتون‪:‬‬
‫تقوم هذه املدرسة على ضرورة التقيد بنصوص التشريع بصورة كاملة وعدم الخروج عنها مطلقا‪،‬‬
‫ولذلك سميت كذلك بمدرسة التزام النص‪ .‬وقد ظهرت هذه املدرسة في فرنسا في مطلع القرن التاسع عشر‪،‬‬
‫وقد كان الباعث على ظهورها صدور عدد من التشريعات الفرنسية بشكل عام‪ ،‬وصدور القانون املدني‬
‫الفرنس ي املعروف بقانون نابليون بشكل خاص‪ ،‬والذي كان يعتبر بين معاصريه بمثابة كتاب مقدس‪.‬‬
‫وأهم املبادئ التي نادت بها هذه املدرسة هي‪:‬‬
‫(‪ )1‬يتقيد القاض ي بأن يستمد جميع أحكامه من التشريع‪.‬‬
‫(‪ )2‬عندما يلجأ القاض ي إلى تفسير التشريع فيجب عليه أال يتوقف عند ألفاظه‪ ،‬وإنما عليه أن يتقص عن‬
‫نية املشرع الحقيقية في الزمن الذي أصدره فيه‪ ،‬وإذا لم يتمكن من معرفة نيته؛ فعلى القاض ي أن يفترض هذه‬
‫النية افتراضا‪.‬‬
‫واالنتقاد الذي يوجه إلى هذه املدرسة هو أنها تؤدي إلى الجمود؛ ألن تفسير النصوص وفقا لنية املشرع‬
‫وقت وضعها ال تجعل هذه النصوص مالئمة للتطور الذي يطرأ على املجتمع بصورة مستمرة‪ .‬كما أنه يعاب‬
‫عليها إنكارها وجود مصادر أخرى للقانون عدى التشريع‪.‬‬
‫‪ )02‬املدرسة التاريخية (االجتماعية)‪:‬‬
‫ظهرت هذه املدرسة في أملانيا على يد الفقيه سافيني‪ ،‬وهي تقوم على فكرة أساسية مؤداها أن القاعدة‬
‫القانونية هي نتاج مستمر ومتواصل للجماعة‪ ،‬فكل قاعدة قانونية ليست سوى تعبير مؤقت عن حاجات‬
‫الوسط االجتماعي الذي نشأت فيه‪ ،‬وفي ضوء الظروف التي اقتضت وجودها‪.‬‬
‫ويترتب على هذا أن القاعدة القانونية إذا وضعت فإنها تنفصل عن إرادة املشرع‪ ،‬وبالتالي ال تبقى على‬
‫اتصال بهذه اإلرادة‪ ،‬كما تذهب إليه مدرسة الشرح على املتون‪ ،‬بل يصبح لها كيانها الخاص املتصل بظروف‬
‫الحياة االجتماعية‪ ،‬فقد تستمر القاعدة القانونية على معناها األصلي فترة طويلة من الزمن‪ ،‬وقد تحمل معان‬
‫جديدة تختلف عن املعن األصلي بحكم تغير ظروف الحياة االجتماعية‪ ،‬وضرورة تكيف القاعدة القانونية مع‬
‫هذا التطور‪.‬‬
‫فوفقا لهذه املدرسة‪ ،‬فإن النصوص القانونية ال تفسـر وفقا إلرادة املشرع الحقيقية أو املفترضة يوم‬
‫وضعها‪ ،‬بل على املفسر أن يبحث عن اإلرادة االحتمالية للمشرع‪ ،‬أي تلك التي كان يتجه إليها لو أنه دعي إلى‬
‫التشريع في الظروف نفسها التي يطبق فيها النص‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫ويالحظ بأن هذا الرأي إذا كان قد ساد في أملانيا‪ ،‬فإنه لم يجد في فرنسا إال أنصارا قليلين لعل أبرزهم‬
‫الفقيه الفرنس ي سالي حيث كان يقول‪ " :‬من القانون املدني إلى ما وراء القانون املدني"‪.‬‬
‫والنقد األساس ي الذي يوجه إلى هذه املدرسة هو أنها قضت بصورة كاملة على كل مزايا القانون املكتوب‪،‬‬
‫وال سيما عندما اعتبرت أن النصوص القانونية تعد بمجرد صدورها نصوصا منفصلة عن إرادة املشرع‪ ،‬وال‬
‫تتبع إال تطور ظروف املجتمع وحاجاته‪.‬‬
‫كما أن هذه النظرة ستؤدي إلى الخروج بالتفسير عن وظيفته‪ ،‬وتفتح املجال أمام تعسف القضاء‪ ،‬إذ‬
‫يستطيع القاض ي تحت ستار التفسير اللجوء إلى تعديل أو إلغاء العديد من النصوص القانونية‪ ،‬وبالتالي‬
‫سيقض ي على ما يجب أن يتوافر للقانون من صفات الثبات واالستقرار‪ ،‬وسيخلق جوا من االضطراب في‬
‫املعامالت القانونية بين األفراد‪ ،‬باإلضافة إلى اإلخالل بمبدأ الفصل بين السلطات‪.‬‬
‫كما أن ربط عملية التفسير بحاجات الجماعة في وقت معين‪ ،‬يؤدي إلى اختالف التفسيرات للنص‬
‫الواحد‪ ،‬األمر الذي يؤدي إلى التناقض والتباين في األحكام للحاالت املتماثلة‪.‬‬
‫‪ )03‬املدرسة العلمية (البحث العلمي الحر)‪:‬‬
‫مؤسس هذه املدرسة هو الفقيه الفرنس ي جيني‪ ،‬ويرى أنه يجب على القاض ي اتباع املشرع في األحوال‬
‫التي تظهر فيها إرادته واضحة جلية‪ .‬ومؤدى ذلك أنه على القاض ي أن يتمسك أوال بالنصوص وأن يفسرها وفقا‬
‫إلرادة املشرع الحقيقية وقت وضعها‪.‬‬
‫فإذا لم يؤدي تفسير القاض ي للنص على هذا األساس إلى تطبيق القاعدة القانونية على النزاع املعروض‪،‬‬
‫فإن على القاض ي املفسر لكي يصل إلى الحل املناسب أن يبحث عنه في مصادر القانون األخرى‪ ،‬وهنا يختلف‬
‫جيني مع املدرسة التقليدية التي ترى ضرورة البحث عن اإلرادة املفترضة للمشرع‪.‬‬
‫أما في األحوال األخرى عندما ال يجد القاض ي قاعدة قانونية يمكن تطبيقها على النزاع املعروض أمامه‬
‫في أي مصدر من مصادر القانون املختلفة‪ ،‬فإنه على القاض ي املفسر أن يبتع ما أسماه جيني‪ " :‬بالبحث العلمي‬
‫الحر "‪ ،‬ويقصد به رجوع القاض ي إلى جوهر التشريع بحقائقه املتعددة الطبيعية أو الواقعية والحقائق‬
‫التاريخية والعقلية واملثالية في كل مسألة جديدة‪ ،‬وبالتالي يمكن الوصول إلى تحقيق العدالة باالرتكاز إلى أسس‬
‫ووسائل علمية ال وسائل افتراضية‪.‬‬
‫ويعود للفقيه جيني الفضل األكبر في تحطيم القيود الشكلية البحتة التي رسمتها املدرسة التقليدية‪،‬‬
‫وال سيما من منطلق أن القانون ال يمكن أن يكون منطقيا بحتا‪ ،‬ألن حياة الجماعة ليسـت بســيطة ومنطقية‪،‬‬
‫بل على العكـس هي مركبة مليئة باملتناقضات‪.‬‬
‫ونظرا ألن هذه املدرسة تقيد القاض ي بضرورة االلتزام بروح التشريع القائم وبضرورات التنظيم‬
‫االقتصادي واالجتماعي‪ ،‬وبفكرة العدالة‪ ،‬ومقتضيات العقل واملنطق‪ ،‬فإن فقهها هو الفقه السائد حاليا ملا‬
‫يتميز به من أساس سليم‪.‬‬
‫‪44‬‬
‫ولكن ما تؤاخذ عليه هذه املدرسة‪ ،‬هو أنه ليس من الضروري الوقوف في التفسير‪ ،‬عند اإلرادة‬
‫الحقيقية للمشرع وقوفا جامدا؛ بل يجب أن يكون التفسير وسيلة إلى مد حكم النص إلى أية مسألة جديدة‬
‫لم يرد بشأنها نص‪ ،‬وال توجد قاعدة تحكمها في املصادر األخرى‪ ،‬وذلك ولو لم يقصد املشرع فعال أن يطبق‬
‫عليها الحكم‪ ،‬وهذا ما دام إخضاعها له يتفق مع النص وروحه‪.‬‬
‫موقف املشرع الجزائري من مدارس التفسير‬
‫تنص املادة األولى من القانون املدني على أن‪ (:‬يسري القانون على جميع املسائل التي تتناولها نصوصه‬
‫في لفظها أوفي فحواها‪ .‬وإذا لم يوجد نص تشريعي حكم القاض ي بمقتض ى مبادئ الشريعة السالمية‪ ،‬فإذا‬
‫لم يوجد فبمقتض ى العرف فإذا لم يوجد فبمقتض ى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة)‪.‬‬
‫فاملشرع الجزائري وإن بدا في املادة أعاله متأثرا بمدرسة الشرح على املتون‪ ،‬خاصة في الفقرة األولى‪ ،‬إال‬
‫أن ذلك اقتصر فقط على اإلرادة الظاهرة للمشرع والتي يستلهمها القاض ي سواء من ألفاظ النص أو معناه‪،‬‬
‫وهو ما عبر عنه املشرع بفحوى النص؛ فليس للقاض ي أن يبحث في اإلرادة املفترضة‪ ،‬كما ذهبت إلى ذلك مدرسة‬
‫الشرح على املتون‪ ،‬بل يتقيد بالنص لفظا وروحا‪ .‬ويبدو تأثر املشرع أيضا بمدرسة البحث العلىي الحر‪ ،‬وهذا‬
‫ما يتضح من الفقرتين الثانية والثالثة من املادة املذكورة؛ حيث سلم املشرع بظاهرة قصور التشريع عن معالجة‬
‫كل الوقائع ووضع مصادر أخرى احتياطية يلجأ إليها القاض ي في حالة عدم وجود نص في التشريع معترفا له في‬
‫الفقرة األخيرة باالجتهاد وفق ما تقتضيه مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة‪.‬‬

‫‪45‬‬

You might also like