You are on page 1of 202

‫مبارك وساط‬

‫أ َْخ ِف األجراس في األعشاش‬

‫(‪ 100‬قصيدة مختارة من ِشعر م‪ .‬وساط)‬

‫‪2021‬‬

‫منشورات ِحبر‬
‫أَخْ ِف األجراس في األعشاش‬

‫ﻣﺑﺎرك وﺳﺎط‬ ‫ﻣﺋﺔ ﻗﺻﯾدة ﻣﺧﺗﺎرة‬

‫‪ -‬طبعة رقمية ‪-‬‬

‫(جميع احلقوق حمفوظة)‬

‫منشورات ِحبر‬
‫‪2021‬‬
‫هذا الكتاب‪:‬‬

‫للش اعر المغ ربي مب ارك وس اط‪ .‬فهو يتض من‬ ‫عبارة عن أنطولوجيا َشخص يّة ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫درت له حتّى اآلن‪ ،‬مض افةً إليه ا‬
‫ْ‬ ‫مختارات شعريّة وافية من المجموعات التي َص‬
‫لم ينشرها بع ُد في مجموعة (ما مجموعه مئة قصيدة)‪.‬‬
‫قصائد من بين تلك التي ْ‬
‫‪--------‬‬

‫مجموعات مبارك وساط الشعرية‪ ،‬ح ّتى يومنا هذا (‪ 31‬غشت ‪ ،)2021‬هي التالية‪:‬‬

‫دار البيض‪33‬اء‪ 1990 ،‬ـ‬


‫د َرج المياه العميقة (طبعة أولى‪ ،‬دار توبق‪33‬ال‪ ،‬ال ‪ّ 3‬‬
‫‪ -‬على َ‬

‫الرباط‪ - 2001 ،‬طبعة ثالثة‪ ،‬رقمية‪ :‬منشورات ِح‪ 33‬بر‪،‬‬


‫طبعة ثانية‪ :‬منشورات عكاظ‪ّ ،‬‬
‫‪.)2020‬‬

‫‪ -‬محفوف ًا بأرخبيالت‪( ...‬طبع‪33‬ة أولى‪ :‬منش‪33‬ورات عك‪33‬اظ‪ّ ،‬‬


‫الرب‪33‬اط‪ - 2001 ،‬طبع‪33‬ة‬

‫ثانية‪ ،‬رقمية‪ :‬منشورات ِحبر‪.)2020 ،‬‬

‫الرباط‪ - 2001 ،‬طبعة ثانية‪ ،‬رقمية‪:‬‬


‫‪ -‬راية الهواء (طبعة أولى‪ :‬منشورات عكاظ‪ّ ،‬‬
‫منشورات ِحبر‪.)2020 ،‬‬

‫‪ -‬فراشة من هيدروجين (طبعة أولى‪ :‬دار النهضة العربية‪-‬بيروت‪ - 2008 ،‬طبعة‬

‫رقمية‪ :‬منشورات ِحبر‪.)2020 ،‬‬


‫ّ‬ ‫ثانية‪،‬‬

‫جل يبتسم للعصافير (طبع‪33‬ة أولى‪ :‬منش‪33‬ورات الجم‪33‬ل‪ - 2011 ،‬طبع‪33‬ة ثاني‪33‬ة‪،‬‬
‫‪َ -‬ر ُ‬

‫قمية‪ :‬منشورات ِحبر‪.)2020 ،‬‬


‫َر ّ‬

‫‪3‬‬
‫ِ‬
‫سافرت (طبعة أولى‪ :‬منشورات بيت ّ‬
‫الشعر بالمغرب‪ - 2017 ،‬طبعة‬ ‫ْ‬ ‫يون طالما‬
‫‪ُ -‬ع ٌ‬
‫رقمية‪ :‬منشورات ِحبر‪.)2020 ،‬‬
‫ّ‬ ‫ثانية‪،‬‬

‫وقد صدرت لمبارك وساط مجموعة شعرية بالفرنسية والعربية‪ ،‬تحت عنوان‪:‬‬

‫رق في غابة)‪ ،2010 ،‬منشورات المنار‪ ،‬باريس)‪.‬‬


‫(ب ٌ‬
‫‪َ Un éclair dans une forêt‬‬
‫‪---------------------------‬‬

‫كوين َم ْن ِس ّ‬
‫ي‪ ،‬لعبد‬ ‫ٍ‬ ‫مترجم‪ .‬ومن ترجماته‪ :‬شذرات من ِس ْف ِر َت‬
‫ِ‬ ‫أن مبارك وساط‬
‫كما ّ‬

‫اللعبي (منشورات الموجة‪ ،)2004 ،‬نادجا‪ ،‬ألن‪33‬دري بريت‪33‬ون (منش‪33‬ورات‬


‫ّ‬ ‫اللطيف‬

‫األبدي‪33‬ة تبحث‬
‫ّ‬ ‫التحول‪ ،‬لفرانتس كافكا (منشورات الجمل‪3 ،)2014 ،‬‬
‫ّ‬ ‫الجمل‪،)2012 ،‬‬
‫َ‬

‫عن ساعة يد‪ ،‬قصائد مختارة ألندري بريت‪33‬ون (منش‪33‬ورات الجم‪33‬ل‪ 3 ،)2014 ،‬دمي‬

‫دين ون‪3‬ثره (منش‪33‬ورات ح‪3‬بر‪،‬‬


‫الذي يرشو اليأس‪ ،‬مختارات من شعر محمد خ‪3‬ير ال‪ّ 3‬‬

‫رقمية‪ 3،)2020 ،‬س ُتـولَ د شمس ٍمن أهدابك‪ ،‬مختارات ِمن شعر جمال الدين‬
‫ّ‬ ‫طبعة‬

‫رقمية‪...)2020 ،‬‬
‫ّ‬ ‫بن شيخ (منشورات ِحبر‪ ،‬طبعة‬

‫‪-------------------‬‬

‫‪4‬‬
‫المختارات‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫‪-1-‬‬

‫قصائد من مجموعة‪:‬‬

‫علـى َد َرج الميــاه العمـيقـة‬

‫‪6‬‬
‫خلف نافذتي‪...‬‬

‫المرصعة بالبروق‬
‫َّ‬ ‫خلف نافذتي‬

‫تقصف أجنحة ُ الفجر‬


‫ُ‬
‫ٍ‬
‫جيمات وليدة‬‫نُ‬

‫نهكة‬
‫الم َ‬
‫الحقول ُ‬
‫في ُ‬
‫وأزهار‬
‫حيث تتناجى بُق َ ُع َد ٍم ْ‬
‫ُ‬

‫ار مسلوخ‬ ‫يرسم َ ّ‬


‫بح ٌ‬
‫ومجاذيف‬
‫َ‬ ‫أشرعةً‬
‫ِ‬
‫المتهدل‬
‫ّ‬ ‫على صفحة جلده‬
‫ِ‬
‫الزجاجيتين‬
‫عراف بعينيه ّ‬‫وي ُ َح ّدق َ ّ‬
‫إله ُمحن َ ّط‬
‫في غُضون ٍ‬

‫جندي باسماً‬
‫ٌّ‬ ‫بينما يتدل َ ّى‬

‫من المشنقة‬

‫أولئك أَ ْسالفي‬
‫‪7‬‬
‫علي‬ ‫يتعرفون‬
‫َّ‬ ‫وما عادوا‬
‫َّ‬
‫ت قامتي حقّاً‬‫لقد ق َُص َر ْ‬
‫الشاحبة‬
‫الصباحات ّ‬
‫بسبب ّ‬
‫التي تضغط على كاه ِلي‬

‫عند اليقظة‬

‫ِ‬
‫متوجساً من هذا‬
‫ّ‬ ‫لست‬
‫ُ‬

‫قلب المرآة ينبض‬


‫فما دام ُ‬
‫أمل كبير‬ ‫ثمة‬
‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫الشفاه من رمادها‬
‫في انبعاث ّ‬

‫إذ َ ّ َ‬
‫اك ستينَع القبل‬

‫وتستمتع عظام الموتى‬

‫بغناء الن َ ّمل‪...‬‬

‫ألشجان موج ٍة يتيمة‬


‫أتنصت ْ‬
‫َّ‬
‫بعد قليل أخرج للتّجوال‬

‫شكل شعلة‬ ‫لركبتي‬ ‫سيكون‬


‫ُ‬ ‫َّ‬
‫‪8‬‬
‫أنا ال يُرعبني ل ُ ُ‬
‫عاب الفوانيس‬
‫ِ‬
‫وال ُسعال الذّئاب‬

‫خلف الواجهات األنيقة‬

‫لكن أَخْ بِروني‬


‫ْ‬
‫ِ‬
‫الريح‬
‫بمعزوفة ّ‬
‫ُ‬ ‫المرضى‬
‫َ‬ ‫لماذا يتدث َ ّر‬

‫الصحراء‬
‫وأين هي ُس َ ّرة َ ّ‬

‫الصرخة‬
‫الحنجرة تنتظر لحظة نُضوج َ ّ‬
‫تتأوه على ِقمة المدخنة‬ ‫الجرادة‬
‫ّ‬ ‫َّ‬
‫هنالك مفاجآت كثيرة في جنبات المدينة‪:‬‬

‫لقد ُش ِرع في صلب النّادل أمام المقهى‬

‫ريش سنونو‬
‫ُ‬ ‫لقد تساقط‬

‫كتفي الحالمتين‬ ‫على‬


‫َّ‬

‫ِ‬
‫ممر ِضين ُعراة‬
‫أنا رأيت ّ‬
‫يُجلَدون داخل كهف‬

‫ٍ‬
‫تابوت من غبار‬ ‫وضع في‬
‫ومساءً ي ُ َ‬

‫‪9‬‬
‫وزوجين سعيدين حقّاً‬
‫ِ‬
‫ذرية من فلّين‬
‫لهما ّ‬

‫وها أنت يا ذكرياتي‬

‫تتزحلقين‬

‫ثلوج من َحرير‬
‫ٍ‬ ‫على‬

‫‪10‬‬
‫َرفيف أجنحة يُضرم حقوالً‬

‫أنص ْت للهسيس المنبعث من أعشاب عقلك‬ ‫ح َمى األخْ ِيلة في ث ُقوب الليل‪ِ ،‬‬ ‫حين تندلع‬
‫ُ ُ ّ‬
‫بالدوار‪ .‬تس مع هينم ةً في م رآة تعكس‬ ‫ُّ‬ ‫المرور إلى ضف َ ّ ٍة مأهول ٍة‬ ‫الذي ينتظر إشارة ُ‬
‫ِ‬
‫ظالالً؟ إن َ ّه المجنون يُقل ّد عظاءة روحه‪ .‬لسانُه فالة ٌ ي رقص فيه ا الحج ر‪ .‬ش رايينُه ُ‬
‫ِ‬
‫َّ‬
‫بالشتائم والهديل‪ .‬يُفك ّر أن َ ّه نبتة ق َ ُّراص‪ ،‬أن َ ّه غيمة‪...‬‬ ‫ت َ ْجأر‬

‫ك الل تين تتجاذب ان لُغ زاً قادم اً ِمن ُج ُزر‬


‫الس َهر أمام عيني َ‬
‫فراشات َ ّ‬
‫ُ‬ ‫عبر‬
‫حين ت َ ُ‬
‫فيف أجنح ٍة يُضرم حق والً‪،‬‬
‫رتع فيه ف ُلول الكلمات‪َ .‬ر ُ‬
‫تحس ْس َص ْدرك الذي ت َ ُ‬
‫َّ‬ ‫أَحالمك‪،‬‬

‫ٍ‬
‫شمس من ُصنع أسالفه‪...‬‬ ‫والمجنون ي َ َ ّ‬
‫تمدد تحت‬ ‫ُ‬ ‫المتاهة‪،‬‬
‫مكان ما من هذه َ‬
‫ٍ‬ ‫في‬

‫ائن‬
‫َ‬ ‫قطف فاكهةَ نوم ه ِم ْن َجن‬ ‫الم ِ‬
‫وحشة‪ ،‬ست َ ُ‬ ‫حين تُومض في قلبك موسيقى البراري ُ‬
‫ُمضاءَ ٍة بِالهذيان‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫عصـافير سكْرى‬
‫ُ‬

‫ثمة حانة ٌ أُنادم فيها أشكاالً هُالمي َ ّ ة‪ ،‬تَرقبن ا عي ٌ‬


‫ون لم وتَى‪ ،‬وهي ال ت زال تنبِض‪،‬‬
‫ّ‬
‫راح حكاي ات غامض ة‪،‬‬
‫َ‬ ‫الساعات ينكأُ ج‬
‫زفير َ ّ‬
‫ُ‬ ‫منسي َ ّةً في الكؤوس وعلى المناضد‪.‬‬

‫معنى للحياة داخل حنجرة س كّير‪ .‬الجن ود ال ذين‬ ‫ً‬ ‫بينما تبحث قطرةُ خمر وحيدة عن‬
‫ِ‬
‫تمثال يترن َ ّح‬
‫ٍ‬ ‫قلب‬ ‫إلى‬ ‫َهم‬ ‫ق‬ ‫بناد‬ ‫بون‬ ‫و‬ ‫السراديب وعلى أرصفة المقاهي يص‬
‫حاربوا في َ ّ‬
‫َُ ّ‬
‫نقر لسانَها ال وردي‪.‬‬
‫والطفلة ُ التي ت َ ْهجع منذ لحظات‪ ،‬تحلم بعصافير سكرى ت َ ُ‬
‫ّ‬ ‫ُمعربداً‪.‬‬
‫ّ‬
‫حه بين صناديق القمام ة‪ ،‬بحث اً‬
‫شحاذ ٌ باسماً‪ ،‬فيما تتسكّع رو ُ‬
‫على عتبة الباب‪ ،‬يقف َ ّ‬
‫خدرةُ الحواس‪ ،‬ذ َّرة َرمل ت َ ْبكي في‬
‫أنت غيمة ٌ ُم ّ‬
‫"أنت شجرة مأفونة‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫قنان فارغة‪.‬‬
‫عن ٍ‬
‫ّ‬
‫المحيط‪ ،"...‬يقول النّادل المقن َ ّع للكهل الذي يعمل ساعي بري د بين النّج وم‪.‬‬
‫أعماق ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫يغطس عمو َده الفقري في َد ْو َرق من نبيذ بابل‪ ،‬ويُفك ّر في عذاب‬
‫ُ‬ ‫لكن هذا األخير كان‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫البشرية الذي يتمرأى في شاشة صمته العنيد‪.‬‬
‫ٍ‬
‫كلمات‪ ،‬أنفاس ي ستس حبُها‬ ‫أُعي ُد تكوين المشهد‪ ،‬فأرى وجهي مثق ً‬
‫ال بكلمات ذابلة‪.‬‬

‫شارع يُطارد‬
‫ٍ‬ ‫خلفها إلى حيث ترتعش عظامُ البحر‪ ...‬لحظات وأمضي من شارع إلى‬

‫رار ُم َدث َ ّرة ِبغَسق الكحول‪.‬‬


‫خيوالً غريبة‪ ،‬وهي تهرع نحو بَ ٍ‬

‫‪12‬‬
‫مــُراودة‬

‫افتحي فمك قلي ً‬


‫ال‬

‫ِ‬
‫أنفاسك عيني‬ ‫َولْتُو ِق ْظ‬
‫ّ‬
‫من ُس ٍ‬
‫بات أمنحه لطائر‬

‫ها أنذا أفتح ذراعي اآلن‬


‫ّ‬

‫ض الماء الحي‬
‫نب َ‬
‫ْ‬ ‫ألمنح ِك‬
‫َ‬
‫ّ‬

‫ظل ُّ ِك يجوب ضفافاً بعيدة‬


‫ِ‬
‫وظل ّي الذي يتبعه‬

‫الصباح‬ ‫سقط ُم َ ّ ً‬
‫هشما على إفريز َ ّ‬

‫لكن نيراني دائماً تدعوك‬


‫َّ‬

‫الجمرة‪.‬‬
‫بتلمس َ‬ ‫ِ‬
‫عليك‬
‫ُّ‬

‫‪13‬‬
‫على رصيف مقهى‬

‫بينهم كان في حاجة إلى األلم‪.‬‬


‫ْ‬ ‫ال أح َد من‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫متقطع ة من ناحي ة الت ّالل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تهب أنف اس‬
‫ُّ‬ ‫تتردد في حناياهم‪ ،‬فيما‬‫ّ‬ ‫أهازيج غامضة‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫المط َ ّرز‬
‫عب الم رأة ذات الوج ه ُ‬ ‫عصافير شاردة تسقط بين الفين ة واألخ رى في ّ‬ ‫ُ‬
‫بالث ُّقوب‪ .‬والغيوم الوردي َ ّة الثالث‪ ،‬والتي هي قوارب ُم ْت َرعة ِبنُخاع الكواكب‪ ،‬يدفعها‬

‫الجندي الوافد ع بر مف اوز موحش ة‪ ،‬يُط ارد في‬ ‫شطآن آهل ٍة باألجنّة‪.‬‬ ‫نحو‬ ‫َ‬
‫ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫الن ّسيم َ‬
‫ِ‬
‫يحرك شفتيه‪ .‬أح دهم‬ ‫ً‬ ‫المرآة كلباً ْ‬
‫أجرب‪ .‬أحدهم يحاول أن يقول شيئا من دون أن ّ‬
‫صبي مجن َ ّح يتوق َ ّف قليال عند كل منضدة خلفها رجل‬
‫ٌّ‬ ‫يتحس ُس عظاماً تتفت َ ّت في جيبه‪.‬‬
‫َّ‬
‫ّ‬
‫الض باب الك ثيف‪ .‬واألعمى‪،‬‬ ‫جريح‪ .‬ثم يُفرد أص ابعه المخملي ّ ة قب ل أن يختفي في َ ّ‬
‫النّائي عن اآلخرين‪ ،‬يَغوص في مياه وحشته‪ ،‬أهدابُه مسبلة على صرخات وبروق‪...‬‬

‫ال أحد من بينهم كان في حاجة إلى األلم‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫تفاصيــل َ ّ‬
‫الدهشــة‬

‫األنوار شاحبة ٌ على سيقان الليلك‬


‫ُ‬
‫حطمة على بالط الشوارع‬
‫الخطى ُم َ ّ‬
‫األمواج ساكنة ٌ في جنبات الحدائق‬

‫ال شيء تغي َّر‬

‫هجرت هذه الن َ ّافذة‬


‫ِ‬ ‫بعد أن‬

‫يضحك العصفور‬
‫ُ‬ ‫حيث‬
‫ُ‬

‫نظرتُك‬
‫حيث َ‬
‫ُ‬ ‫هذه الغرفة‬

‫ورنين أساورك‬
‫ُ‬
‫بنفسج‬
‫َ‬ ‫شالُك‪ ،‬وآهاتُك التي من‬

‫الشراشف‬
‫ما تزالُ منثورةً على ّ‬
‫ِ‬
‫أنفاسك‬ ‫المكتظة ب‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫بالحبر‬ ‫وفوق المنضدة المبقّعة‬
‫َ‬
‫حيث يُقهقه بوقاحة‬

‫تمثال بوذا المترهّل‬

‫أبدو يائساً‬ ‫أن‬ ‫ِ‬


‫لألسف لم أستطع ْ‬
‫َ‬
‫جدول هرم‬
‫ٍ‬ ‫مثل ن َ ٍ‬
‫شيد ناضب مثل‬

‫‪15‬‬
‫تم ْت خارج حياتي‬
‫َّ‬
‫الدهشة‬
‫تفاصيل ّ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫ألن‬

‫تتلعثم في العراء‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ألن أنْفاسي‬

‫فيما الثّلج يتساقط من َسقف الغرفة‬

‫ويلعب في حضني كطفل‬

‫ال شيء تغيّر‬

‫الوزال تَسري في المروج البعيدة‬


‫ّ‬ ‫هينَمة‬
‫ْ‬

‫والسماء ُّ‬
‫تنث رذاذ الهذيان‬ ‫َّ‬
‫وأنت تتخل َ ّصين من دمك وتجرين‬

‫صنوبر المريضة‬
‫بين أشجار ال ّ‬
‫وعلى األرصفة التي تَغص‬
‫ّ‬
‫بعذاب الموسيقى‪.‬‬

‫قوس قزح يتزحل ُق على كَ ْشح هَضيم‬


‫كان ُ‬
‫يكرر أحالم المحيط‬ ‫َّ‬
‫والزبَ ُد ّ‬
‫ِ‬
‫أحالمك تتبعك‬ ‫كانت‬

‫وأنت تتل َذّذين بالهمس وبالكالم‬

‫وفي منتصف العبارة تختفين‬

‫تاركةً طيفَك في المرآة‬

‫الصغيرة على عتبة الباب‬


‫تاركةً همومك َ ّ‬

‫‪16‬‬
‫وجهك في بدايات النّهار‬
‫َ‬

‫وثوانيَك َ ّ‬
‫الزرقاء‬

‫الساعة الذهبي‪.‬‬
‫في قلب ّ‬
‫ال شيء تغي َّر‬

‫رعشت ُ ِك تنسرب في خروم َ ّ‬


‫الدنتيال‬

‫خوف ُك ينسدل على جبيني‬


‫ٍ‬
‫لورد عابر‬ ‫أبتكر سيرةً‬
‫ُ‬ ‫وأنا‬

‫أضع يدي على مفتاح العالقة‬


‫َ‬ ‫قبل أن‬
‫ّ‬
‫ورأسي خارج رواقة البهجة‬

‫لعاب الوسادة‬
‫ِ‬ ‫قبل أن أَغمس عيني في‬
‫ّ‬
‫المرصعة بنومك وعطرك‬
‫َّ‬
‫وأنصت لطحالب المستنقعات‬
‫َ‬
‫وهي تنمو بين ضلوعي‬

‫في هذه الغرفة الكئيبة كابتسامة القتيل‬

‫حيث الوقت دائماً‬

‫منتصف الليل‬
‫ُ‬

‫‪17‬‬
‫حرائق‬

‫ِ‬
‫نصت َ ّ‬
‫للضجة الخافت ة‬ ‫البسمات على شفاهنا الكئيبة‪ ،‬وحاولنا أن ن ُ َ‬ ‫لنرسم‬
‫َ‬ ‫كَ ْم َج َهدنا‬

‫في قعر الجرار‪ ،‬ألجنح ٍة ت َ ُ‬


‫نتفض في كوابيسنا‪ ،‬وكثيراً م ا جلس نا بين الخ رائب‪ ،‬في‬

‫تترص د خُطى َ ّ‬
‫الس اعات‪ ،‬وفي‬ ‫َّ‬ ‫الطائش ة‪ ،‬عيونُن ا‬
‫األماسي المنخورة بالحكاي ات ّ‬
‫أفواهنا تَنمو أغصان الليل المتقيّحة‪ .‬كَم ُش ِد ْهنا ونحن نسمع المي اهَ تُدم دم‪ ،‬ون َ رى‬

‫ُّ‬
‫والرع اةَ إ ْذ‬ ‫الراي ات‪،‬‬
‫والعانس التي تنسج َ ّ‬
‫َ‬ ‫أقماراً معتوهة تسقط في أُحبولة األلم‪،‬‬
‫ِ‬
‫الطفل ة‬ ‫كشموع في البرد‪ .‬كم ذَرفنا من دموعنا الخضراء‪ ،‬ونحن نسمع تلك ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ينطفئُون‬
‫ِ‬
‫أن تَكش ف عن أس نانها‬ ‫وم‬ ‫ج‬ ‫ُ‬ ‫الن‬ ‫من‬ ‫ل‬ ‫"جمي‬ ‫ليلة‪:‬‬ ‫كل‬ ‫ر‬ ‫كر‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫المشنوقة بحبال األفق ت ُ ّ‬
‫جميل‬
‫ٌ‬ ‫أكفان َصمتها‪.‬‬
‫ِ‬ ‫أن تَقْضي وقتها في‬ ‫جميل من الثّلوج ْ‬
‫ٌ‬ ‫ال َذّهبية ِل ُعيون المسهَّدين‪.‬‬
‫َ‬
‫من الفَلوات أن تُل ِقم أثداءها للمرضى الالمرئيين‪"....‬‬

‫الضوء ن َ ِخ ُز ِجل د‬
‫وننثرها على األرائك‪ .‬بإِ بَر َ ّ‬ ‫كل هذا‪ .‬نجلب الحشائش‬ ‫أحياناً‪ ،‬ننسى‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس قف‪ .‬ن ُ َوق ّ ع خُطان ا على‬ ‫الزوايا‪ .‬ن ُ َعل ّق الكراس ّي إلى َ ّ‬
‫ضع الكؤوس في ّ‬
‫الغسق‪ .‬ن َ ُ‬
‫ثم نَستكين‪ ،‬في انْتظار الحرائق الموعودة عند الفجر‪.‬‬ ‫ِ‬
‫نهر مجنون‪ّ َ .‬‬
‫شطحات ٍ‬

‫‪18‬‬
‫خيمة ُ الغبـار‬

‫بمساّل ِتها أفواهَ األنه ار‪ ،‬بينم ا الخري ف‬


‫بدأت القوارب الكاسرة تخيط ِ‬
‫ِ‬ ‫من جديد‪،‬‬

‫وخيم ة أستش ف ُّها في عي ني‬


‫وءات ِ‬
‫ٌ‬ ‫ينسج عالمات استفهام على وجوه العابرين! نب‬
‫ُ‬
‫وأخبار غامضة تبث ّها إذاع ة َ ّ‬
‫الزب د عن مص يري األك ثر غموض اً‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫يمام ٍة تُحتضر‪،‬‬

‫تتوغّل أنفاسي في فَجوة‬‫َ‬ ‫أساطير سامقة‪ ،‬بينما‬


‫َ‬ ‫أحياناً‪ ،‬أُقيم مع َسدنة العشب في ظل‬
‫ّ‬
‫ألغاز َس ْير‬
‫َ‬ ‫المقْ َعدين يَفكّون‬ ‫ٍ‬
‫كهف بعيد‪ ،‬أرى فيه العلماءَ ُ‬ ‫الجبل العميقة‪ ،‬أو أمضي إلى‬

‫لنستغرب‬ ‫السوداء‪،‬‬ ‫جالس صديقي الذي يشتغل بمنجم ُّ‬‫كنت‪ ،‬أيضاً‪ ،‬أ ُ‬
‫َ‬ ‫الدموع َ ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الحقول‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الدهاة كمن ُ وا ل ه ذات‬‫لكن القن ّاصين ُّ‬ ‫ال من ُطفولة الن ّيازك وبُكاء الحجر اليتيم‪ّ َ .‬‬ ‫قلي ً‬
‫ِ‬
‫ظمي يُدن دن في حان ة‪،‬‬ ‫كل َع ِ‬
‫كل هَ ْي ٍ‬ ‫صرت أتطل َ ّع إلى‬
‫ُ‬ ‫وم َذّ َ‬
‫اك‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫مسا ٍء في خَيمة الغبار‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الس نَاجب‬ ‫ٍ‬
‫بقيت دم اء ُ َ ّ‬
‫ْ‬ ‫نسيت مالمحه كل ّي ةً‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وكل مي ّت يُحمحم تحت نافذتي‪ ،‬إلى أن‬
‫ّ‬
‫ائل على هيئ ة سالس ل‪،‬‬
‫َ‬ ‫ل لي رس‬
‫المرارة‪ ،‬الذي ك ان يحم ُ‬
‫تَزورني‪ .‬وساعي بريد َ‬
‫ل فيها الغربان‪ ...‬وطلع حراثو األمواج ِ‬
‫الخص بة‪ ،‬من أك واخهم‬ ‫تسع ُ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫وبطاقات بريد‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫مقر إقامة‬
‫في عمق المحيط‪ ،‬ليقوموا بمسيرة احتجاج من ساحة األلم العظيم حتى ّ‬
‫حراس قوس‬
‫الجر المعذّبة‪ .‬جاء ّ‬
‫ّ‬ ‫الرعاة العميان أيضاً‪ .‬و ُ‬
‫حروف‬ ‫الع ْظم المتأللئ‪ .‬جاء ُّ‬
‫َ‬
‫ومضت الحش ود على ِض ف َ ّة الن ّ ار‪،‬‬
‫ِ‬ ‫خ بني حام‪...‬‬
‫وغاليين ُسو ٌد كأنها من ُشيو ُ‬
‫ُ‬ ‫قزح‪،‬‬

‫‪19‬‬
‫الزرقاء‪ ...‬في ذلك الوقت‪ ،‬كانت األزق ّ ة الخلفي َ ّ ة تتل وى‬
‫ّ‬ ‫ضاربةً في أرض الوحشة َ ّ‬
‫ِ‬
‫الطبول‪.‬‬ ‫والمطر‪ُ ،‬م َ ً‬
‫شعثا‪ ،‬يتقافز على إيقاع ق َْر ِع ُّ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫على أعناق الذّئاب‪،‬‬

‫‪20‬‬
‫أمـاكـن‬

‫شارع جانبي‬
‫ٍ‬ ‫في‬
‫ّ‬
‫وجه ٌ أليف‬

‫يتكاثر في انتظاري‬

‫في ضاحية قريبة‬

‫طقوس نَدمها‬
‫َ‬ ‫قبيلة ٌ تُقيم‬

‫في ميدان المعركة‬

‫سقط ضحايا كثيرون‬

‫تحت حوافر األصيل‬

‫في ذاكرتي‬

‫مدن تهمي عليها أمطار وأحزان‬


‫ٌ‬

‫في غابة ما‬

‫امرأة تقبل ذئباً كسيحاً‬

‫‪21‬‬
‫على رصيف مقهى‬

‫َمر ينزف‬
‫ق ٌ‬
‫في ُس َ ّرة ميت‬

‫على عتبة غابة‬

‫هياكل عظمي َّة تضحك للن ُّجوم‬


‫ُ‬

‫في كوخ مهجور‬


‫ِ‬
‫ً‬
‫أنام متست ّرا على صيحتي‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫ُشــرفــة‬

‫ِ‬
‫رصاصات الليل والنّهار‬
‫ُ‬ ‫حة‪،‬‬‫المتقي ّ‬
‫ضجيج النّهارات ُ‬
‫ُ‬ ‫رنين عضالت الليل المعدنيّة‪،‬‬
‫ُ‬
‫انطلقت‪ .‬وه ا هي‬
‫ُ‬ ‫الرماد‪ :‬ذاك ما تعرفه أيضا أفواهُنا‪ .‬من ه ذه الن ُّقط ة‬
‫الطائشة‪ّ َ ،‬‬
‫شحاذ‪ .‬أطل ق وإب ً‬
‫ال من‬ ‫ُ‬
‫تتدحرج اآلن نحو الن ّقطة المجاورة‪ ،‬حيث جلس رجل بهيئة ّ‬
‫أقداح َمكسورة‪ .‬بكى تحت‬
‫ٍ‬ ‫الدموع في‬ ‫َّ‬
‫الشتائم‪ ،‬قاصداً ال أح َد‪ ،‬ربَّما‪ .‬شرب نشيداً من ُّ‬

‫ُشرف ٍة تَأوي إليها امرأة ٌ كانت حبيبتي‪َ .‬رق َص على َ‬


‫الجمر‪ ،‬وعلى نغمات الن ّ اي‪ .‬وهي‬

‫أس‬
‫تح ّج إلى َمهبلها‪ ،‬وتمنحني عند اليقظة ك َ‬ ‫ُ‬
‫التنهّدات التي ُ‬ ‫من شرفتها‪ ،‬ترعى قافلة‬

‫تكرر‪" :‬كتيبة ُ ِجراح تُدندن في ساحات قلبي‪...".‬‬


‫نبيذ وعشب األعماق‪ ...‬إنها ّ‬
‫"على الشفا ِه أيض اً‪ ،‬تتفت َ ّح ُورود ال َ ّدم في الفج ر‪ ،"...‬ت َ ْه ذي ُجمجم ة في إح دى‬

‫أوامر للقناني الفارغ ة بالت َ ّس ك ُّع في المزاب ل‪ .‬حتّى‬


‫َ‬ ‫الحانات‪ ،‬فيما ت ُ ْصدر المومياء ُ‬
‫كل شيء هادئاً‪.‬‬ ‫إشعار آخر‪ ،‬يبقى‬
‫ُّ‬

‫‪23‬‬
‫أ َ ْص ِف ُق نوافذ النّوم‬

‫الصدفة‬
‫حدث ذلك بِمحض ُّ‬
‫َ‬

‫أمام ال ُجمجمة المرسومة على ِجلد الليل األبرص‬

‫الموت في حدقتيها حبكتَه البارعة‬


‫ُ‬ ‫ينسج‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫ألياف‪ ،‬من بقايا صباحات ذاوية‪،‬‬ ‫من‬

‫أمام قطر ِة الخمر المتشبثة بحافة الكأس‬

‫حيوان فقد ذاكرته في معركة غامضة‬


‫ٍ‬ ‫بيأس‬
‫ِ‬

‫الحلم واليقظة‪،‬‬
‫بين ُ‬

‫عيني اللتين ن َ ْ‬
‫مت فيهما‬ ‫أمام‬
‫َّ‬
‫أعشاب الكوارث األليفة‬
‫ُ‬
‫وأجنحة ٌ سوداء‬

‫ترف كل َ ّما بدأَ ِت المصابيح في الهديل‬


‫ّ‬
‫باسمي حين أَص ِفق نواف َذ الن َ ّوم‬

‫وأمشي على شفرة الواقع نحو اللهيب‬

‫كانت األقمار الواجفة‬

‫تتسل َ ّل من فتوق األساطير‬

‫‪24‬‬
‫ِ‬
‫ظالل المهاجرين‬
‫َ‬ ‫ودمُ األشجار يُدث ّر‬

‫كانت الث ُّلوج‪ ،‬في رئتي‪ ،‬سادرةً‬


‫ّ‬
‫في أني ِنها‬

‫تُفتّتها أحزانُها‬

‫الستائر‬ ‫َِ‬ ‫ِ‬


‫كالعادة التي أسدلت َ ّ‬
‫الصدفة‬ ‫ٍ‬
‫على مشهد أبدو فيه بمحض ُّ‬
‫ُم ْغرقاً َ‬
‫ضجري في جدول شتائم‬

‫أحفظها منذ الوالدة‬


‫ُ‬
‫ِ‬
‫تميمةً أُعل ّقها على صدر يمامة‬

‫أو امرأ ٍة في آخر الليل‪.‬‬

‫حدث هذا بمحضر امرأة آخر الليل‬


‫َ‬

‫التي تركت شيئاً من روحها‬

‫المثقَل بصرخة‬
‫في فمي ُ‬
‫تنطلق دائماً في اللحظة المناسبة‬
‫ِ‬
‫ْ‬
‫خلفَه‬‫حطم الجدار الذي تحتمي َ‬ ‫ِ‬
‫لت ُ ّ‬
‫الصفعات‬
‫الرايات من ّ‬
‫َّ‬

‫والر َ ّ‬
‫ضع من نُباح الساعات المريضة‪:‬‬ ‫ُّ‬
‫سقطت دموع الغراب‬
‫ْ‬ ‫الصدفة‬
‫بمحض ُّ‬

‫‪25‬‬
‫سقطت األغصان الحمقاء في َش َرك الريح‬

‫ارتجفت قامة الفجر من َ ّ‬


‫شدة الخوف‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫يؤدي إلى الخارج‬
‫باب الغرفة ّ‬
‫لم يعد ُ‬
‫صار ال ينفتح إال على الن َ ّعيب‬

‫طيور نادرة في َعباءة البحر‬


‫ٌ‬ ‫سقطت‬

‫سقطت خُطاي تحت وطأة الموسيقى‬


‫ْ‬
‫سقطت عيناي في شحوب‬

‫الياسمين‪...‬‬
‫ِ‬
‫ً‬
‫متأججا‪ ،‬ذلك الهيكل العظمي »‪،‬‬
‫ّ‬ ‫« كان‬

‫قالت الن ُّسور‬

‫تطايرت‬
‫ْ‬ ‫ومن ِجراحي‬

‫فراشات زرقاء‪...‬‬

‫إذ َ ّ َ‬
‫اك بدأ جنو ٌد من َزبد‬

‫يُطلقون الن َ ّار‬

‫على قوافل األي َ ّام‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫بدأت هذه الث ُّلوج تصدأ‪...‬‬
‫ْ‬

‫ِ‬
‫شكاوى عج زة ومتس ولين يتقاس مون خ بز المالحم‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫تتردد خلفها‬ ‫أقف تحت نافذ ٍة‬
‫ُ‬
‫ّ‬
‫مطر يقضم نهد ع ذراء ت ركض في مف ازة الع ذاب‪ ،‬خالل ه ذا‬ ‫ٍ‬ ‫أقف تحت‬‫القديمة‪ُ .‬‬
‫ِ‬
‫فساتين من عوسج‪ .‬طواحينُه تُفت ّت عظام المالئكة‪ .‬وأنا الذي‬
‫َ‬ ‫يرف ُل في‬
‫المساء الذي ْ‬
‫أقدام الم وتى‪ ،‬مغروس ةً في‬
‫َ‬ ‫استهللت هذا اإلعصار الجميل‪ ،‬ال أرى على شاشته إال‬
‫ُ‬

‫عيني اللتين‬ ‫بدأت هذه الثلوج أيضاً تصدأ أمام‬


‫ْ‬ ‫صناديق القمامة‪ ،‬تتشممها الذئاب‪...‬‬
‫َّ‬ ‫ّ‬
‫بطون أمه اتهم إال خالل‬ ‫كانتا يمامتين سجينتين‪ ،‬وجلدهُما أقزامٌ كانوا ال يغادرون‬
‫َ ّ‬
‫ل ص باح‪ .‬دم وعهم تَص هل في‬ ‫هم تتث اءب على وس اد ِتي ك‬ ‫أعياد المجوس‪ .‬نيران ُ ْ‬
‫َّ‬
‫وأترصد أبواباً تُه رول بأق دام‬
‫ّ‬ ‫مشعة من رماد األيّام‪،‬‬
‫ّ‬ ‫محجري‪ ،‬فيما أصنع حماقات‬
‫ّ‬
‫سأدلف إلى مدن الماضي‪ُ ،‬منقسماً في جسوم كثيرة‪ .‬قد يكون أحدها هذا‬
‫ُ‬ ‫آدمي َّة‪ ،‬منها‬

‫الطويل‪ .‬ومثلما يندلع ش ب ُق الن ار‬


‫الشحاذ الذي يغفو في محارة بحجم خرائب عمره ّ‬
‫ّ‬
‫ان‬
‫ٌ‬ ‫مكتظة بالمهالك‪ ،‬حيث ُعمي‬
‫ّ‬ ‫قش صيف جميل‪ ،‬سيأخذني الحنين إلى ساحات‬
‫في ّ‬
‫حملة بقلوب األرام ل‪ ،‬إلى‬ ‫مرافئ تَرسو فيها سفن م‬ ‫ي َ ْس َحلون وجوهَهم المنطفئة‪ ،‬إلى‬
‫ُ َّ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫عبر جسور س بعة‪ ،‬تتم ّدد على ك ل منه ا ام رأة ٌ تفتح لي‬ ‫سريري الذي أمضي إليه َ‬
‫ّ‬
‫ضـيع‪ ،‬نشيداً في فَم العاصفة‪.‬‬‫ُ‬ ‫ذراعين من غبار‪ ...‬وحين أصل إلى نقطة انطالقي‪ ،‬أَ‬

‫‪27‬‬
‫‪-2-‬‬

‫قصائد من مجموعة‪:‬‬

‫محفوفاً بأرخبيالت‪...‬‬

‫‪28‬‬
‫َرحــيـل‬

‫سالت على جبيني‬


‫ْ‬ ‫حين‬
‫َ‬
‫دماء ُ الغَسق‬

‫اعتر ْت ِني رعشة ُ اللحظة َ‬


‫الع ْمياء‬

‫يداي‬
‫َ‬ ‫انسحبت‬
‫ْ‬
‫ِم ْن ُطفولة ال َذّهب‬

‫وبدأ وجهي يُسافر بال كَلل‬


‫ِ‬
‫مهاب األلم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫نحو‬

‫‪29‬‬
‫همة‬ ‫م‬
‫ُ َّ‬
‫ِانْتخبت ِني الليالي‬

‫ألشتار عسل الكواكب‬


‫َ‬
‫ِ‬
‫المتدل ّية‬
‫ُ‬
‫فوق رؤوس‬

‫الغواني‬

‫لهذا "ال أذُوق النوم إال غرارا"‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫أَبَـدي َ ّـة‬

‫وكأن َ ّها األبدي َ ّة ُ‬

‫محمولةً بين مخالب نَسر‪:‬‬

‫كل هذا البياض‬


‫ُّ‬
‫دمى‬ ‫الم‬
‫ُ َّ‬

‫ِ‬
‫وكأن ّي االمتدا ُد الحي‬
‫ّ‬
‫لزوبع ٍة‬

‫غامضة الن َ ّوايا‬


‫ِ‬

‫أَأَتلف َ ّ ُع بِحرير َ ّ‬
‫الشمس‬

‫السمع لهذا الن َ ّدى الذي ي َ ُموء‬


‫خ َّ‬‫وأُصي ُ‬

‫في أحداق‬

‫ال ُخزامى‬

‫أَأَ ْح ُدو النسيم‬

‫إلى مسقط رأسه‬

‫خالل هذا الن َ ّهار األكثر خضرةً‬

‫‪31‬‬
‫من كارثة‬

‫أم أبقى في هذه الغرفة الن َ ّظيفة‬


‫ْ‬
‫إاّل من دماء األحد؟‬

‫‪32‬‬
‫ـسرة‬
‫َم َ ّ‬
‫جاءها مخموراً‬

‫ِليَسرد على عينيها‬

‫ن ُ َعاس اليمامة التي تَحيا‬

‫في ُصندوق من طل‬


‫ّ‬
‫ِ‬
‫يصدق‬
‫ّ‬ ‫جاءها ولم‬

‫الرمل‬
‫أشراك َ ّ‬
‫أنّه أفلت من ْ‬

‫وكمائن المصادفات‬
‫ِ‬

‫المجن َ ّحة‬ ‫وأن خيول َ ّ‬


‫الشوق ُ‬ ‫َّ‬
‫قرى عديدة‬
‫ً‬ ‫حملت على صهواتها‬
‫ْ‬ ‫التي‬

‫مجرات بعيدة‬
‫ّ‬ ‫إلى‬

‫هي التي أنقذ ْته‬

‫من فحيح المسافات‬

‫جاءها مخموراً‬

‫في عينيه‬

‫السهر والترحال‪...‬‬
‫هلوسات ّ‬
‫ومعها أقام تحت مظل َ ّة الهديل‬

‫‪33‬‬
‫محفوفاً بأرخبيالت‬

‫يحزن أبداً‬
‫ْ‬ ‫ولم‬

‫األغصان الجريحة‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫سماعه‬ ‫لدى‬

‫ُّ‬
‫تلتف على قلبه العاشق‬

‫هو الذي جاءها‬

‫َم ْخموراً‬

‫‪34‬‬
‫بـراءة‬

‫الرجل الذي قضى ليالي طويلة‬


‫َّ‬
‫ُم ِ‬
‫وغ ً‬
‫ال في ُشحوب الحديقة‬

‫نياشين ال ُخزامى‬
‫َ‬ ‫سر ْق‬
‫لم ي َ ِ‬

‫وليس من ج َدع أنف الهواء‬

‫لم طاردوه إذن؟‬

‫إنه يتخف َ ّى اآلن في مغارة‬

‫يَحرسها هتاف الن َ ّمل‬

‫ال يغادرها إال ُمكرهاً‬

‫إلى مفاوز‬

‫يُسدل عليها األموات‬

‫أكفاناً راعشة‬

‫لكن ال خوف عليه‬


‫ْ‬
‫حين يَجوع‬

‫يستطيع أن يجلس‬

‫‪35‬‬
‫إلى ِخوان النسيم‬

‫وإذا تعق َ ّبته العقبان‬

‫يُمكنه أن يمتزج َ ّ‬
‫بالزبد‬

‫ال خوف عليه‬

‫له ُ خيمة‬

‫الريح‬
‫يستريح فيها حواري ُّو ّ‬
‫حين يتعبون‬

‫‪36‬‬
‫حـاشيــة‬

‫الصيف تتم ْترس خلف ضحكة الجبل‬


‫أنفاس َ ّ‬
‫ُ‬
‫ح َمى من األلق‬ ‫الضوء يتناثر‪،‬‬
‫غب ّ‬‫َز ُ‬
‫ُ ّ‬
‫قريباً من الهاوية الزرقاء‬

‫ثمة بَ ٌ‬
‫حر في َس ْمت َملك‬
‫َّ‬
‫حوله حاشية ٌ من الغَرقى‬

‫وجنو ٌد يَخب ُّون على الث ُّلوج‬

‫ي َ ُخوضون حرباً صغيرة‬

‫فيلق من الن َ ّوايا‪:‬‬


‫ٍ‬ ‫ِض ّد‬

‫بِال مباالة‪ ،‬تَعبر الريح فوق المشهد‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫للشتاء أسماؤه‪...‬‬
‫ّ‬
‫الس ّرية‬
‫للشتاء أسماؤه ّ‬
‫ّ‬
‫في ردني معطفه‬

‫تتخف َ ّى العنادل‬

‫الهاربة ُ من دموع العدالة‬

‫وله أيضاً بيارق ُه المرصعة‬

‫ينمات قوس قزح يتيم‬


‫به َ‬‫َ‬
‫طل شمسه العابثة‬ ‫حين ت‬
‫ُ ُّ‬
‫ٍ‬
‫سماء‬ ‫َو ْس َط‬

‫تُقامر مع أسالفنا‬

‫َّ‬
‫وفضة الغيوم‬ ‫بعظام النّوارس‬

‫ويُلْقي ضوؤُها خطبته التي‬

‫عرق األبالسة‬
‫ُ‬ ‫يسيل منها‬

‫على آذان‬

‫نهر لنا‬
‫ٍ‬

‫نفض عن َ ّا نَقْع الكآبة‬


‫نَ ُ‬

‫السجينة‬
‫الصباحات ّ‬
‫نتناسى َ ّ‬

‫‪38‬‬
‫في قناني المروج‬

‫وتنتظر‪...‬‬

‫تنتظر أن تعودي إلى غرفنا‬


‫ِ‬
‫أنت يا مالئكةً‬

‫ِمن مياه‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫ِذ ْكر مـا جرى‬

‫مناقير َ ّ‬
‫الدقائق‬ ‫ُ‬ ‫كانت‬
‫ْ‬
‫تنقر ِردف امرأة بدينة‬
‫ُ‬
‫الصغير الْتَفت‬ ‫َ‬
‫كلبُها َ ّ‬
‫الطلْق‪:‬‬
‫وأثنى على الهواء َ ّ‬

‫رت!‬ ‫عين النهار َ ّ‬


‫كش ْ‬ ‫ُ‬

‫‪40‬‬
‫هــامـش لصهــيل فنـار‬
‫ٌ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المفاتيح‬ ‫ُرين‬ ‫ث‬ ‫وتن‬ ‫هيرة‪،‬‬ ‫الظ‬ ‫واليب‬ ‫د‬ ‫كين‬ ‫ـ‬ ‫ك‬ ‫ف‬‫ت‬ ‫وأنت‬ ‫يح‪،‬‬ ‫الر‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ّ‬ ‫هُنا‪ ،‬تَحت أهدابِك أي َ ّتها ّ‬
‫ِ‬
‫ل ثَخيناً إلى خياشيمنا‪،‬‬ ‫نس ُّ‬
‫َ َ‬ ‫ي‬ ‫ثم‬ ‫مت‪،‬‬ ‫الص‬
‫َ‬
‫ُ ُ ّ‬ ‫ج‬ ‫ينض‬ ‫حيث‬ ‫ت‪،‬‬ ‫على َص ْدر المي ّ‬
‫ِ‬
‫الصدأ العالقِ‬ ‫ِ‬
‫الطرقات‪َ ،‬ومن َّ‬ ‫تحت أهدابك‪ ،‬تخل َ ّصنا من خُطانا الفائضة عما تُحب ّذه ُّ‬
‫ُ‬

‫وتشملْنا بنجيع‬
‫َّ‬ ‫بسجاًّل ت أنفاسنا‪َ .‬وأَ ْدنا الن َ ّغمات التي استخرجنا من عويل العربات‪،‬‬

‫تركت هامشاً لصهيل فَن ٍ‬


‫ار‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫فإن أفواهنا‬ ‫نحض ْر د ْفن آخر نهار قتيل‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وإن لم‬
‫ْ‬ ‫الوقت‪.‬‬

‫أدعياءَ إزاءَ مشاعر العنكبوت‪ .‬نحص ُد س أم القمح‪،‬‬


‫طريق المراثي‪.‬لم نكن قط ْ‬
‫َ‬ ‫يُضيء ُ‬
‫قت‬ ‫بيحة التي َ ّ‬
‫مز ْ‬ ‫الص َ‬
‫الضغينة في قلب َ ّ‬
‫ِ‬
‫ِكوابيس الينبوع نغتسل‪ .‬وليس بيننا من أوقع َ ّ‬
‫وب‬

‫ُّ‬
‫تجتث‬ ‫الس نابك‬ ‫المقْ ِل ِع َ‬
‫ين عن مع اقرة وس واس الخي ول! وإذا َ ّ‬ ‫نحن ُ‬
‫ُ‬ ‫نسيج ُس ِ‬
‫هادنا‪،‬‬ ‫َ‬
‫الدقائق‪ .‬وأهدابُنا تق ذف شرا َر اللبالب‪ .‬ي َ ا م ا‬
‫صفير الحدائق‪ .‬واللقالق تَقضم لحم ّ‬
‫قد الغواية في أروقتنا‪ ،‬بين مرايانا وخطايانا‪.‬‬ ‫تأود ُّ‬
‫َّ‬
‫الس ُهول المتأنقة‪ .‬يا ما‬
‫صادقْنا ُّ‬
‫ِ‬
‫عواصف وليدة‪ ،‬نحن لم نيأس‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وحت َ ّى حين بدأت فراشات نزقة تُرب ّي في آذاننا‬

‫المعل َ ّقة من َشعر عانتها بأس الك ال مرئي َ ّ ة‪ .‬نتعل َ ّم منه ا‬


‫أرضنا الحيزبون‪ُ ،‬‬ ‫نرى إلى ِ‬

‫الصبر!‬
‫ّ‬

‫‪41‬‬
‫رقصــة‬

‫ِحماها‬‫أَ ْع َدتني هذه الورقة ب‬


‫َّ‬
‫ِ‬
‫الشفاء‬
‫سبيل إلى ّ‬
‫َ‬ ‫ال‬

‫من طقس هذه األسنان‬

‫أَ ْع َزلُ أنا‬

‫مر شهاب بنافذتي‬


‫حين َ ّ‬
‫يترك لي غير ف ٍ‬
‫ُتات من نصائحه‬ ‫ْ‬ ‫لم‬

‫وألم ٍة كانت ألسالفه‬

‫سأتدرع بها ِض ّد كماة الشتاء‬


‫ّ‬
‫وأ ُ ِ‬
‫وغل في العزف‬

‫على كمنجات‬

‫الغواية‪...‬‬

‫لكن ما ال َ ّذي سأفعله اآلن‬


‫ْ‬
‫وقد بدأ هيكلي العظمي‬
‫ّ‬
‫يرقص بجانبي‬

‫على إيقاع الق ُ َشعريرة؟‬

‫‪42‬‬
‫أ ُمسيــة‬

‫ُطول الوقت كان الموسيقي‬


‫ّ‬
‫ٍ‬
‫بحركات تُشبه‬ ‫يَعزف‬

‫تمارين المطر‬
‫َ‬
‫والبهلوان يترن َ ّح في األعلى‪...‬‬
‫ُ‬
‫لم يكن أح ٌد ليرفع عقيرته‬

‫لتوقظ األشجار‬
‫َ‬ ‫لم تكن ٌّ‬
‫كف‬

‫المسر ِنمة في المرايا‬


‫ُ‬
‫الطافية فوق لعابها‬
‫على ُجث َتنا َ ّ‬
‫تناثرت بِدافع َ ّ‬
‫الشفقة‬ ‫ْ‬

‫ُورود َ ّ‬
‫الشفق‬

‫الحضور َساهمين‬‫وبدا ُ‬
‫ِ‬
‫فهم‪ ،‬ال شك‪ ،‬يُفك ّرون‬

‫في عذاب المذن َ ّبات‪ ،‬التي‪،‬‬

‫بعناية‪ ،‬تحرسهم‪...‬‬

‫أنا‪ ،‬أيضا‪ ،‬فاجأتني‬

‫شحوب الباب‬
‫ِ‬ ‫لحظةَ‬

‫‪43‬‬
‫كل تلك الطيور التي‬
‫ُّ‬
‫بدأت تهزج‬
‫ْ‬
‫نعرجات مصائرنا!‬
‫َ‬ ‫في ُم‬

‫‪44‬‬
‫كي ال ننـسى‬
‫ْ‬
‫ي َ ْحدث‬

‫ابتعد األعمى‬
‫إذا ْ‬
‫مخفوراً بهسيس الظالم‬

‫أن تنبثق من بؤبؤيه‬

‫عصافير‬
‫ُ‬
‫بَ َ ّراقة‬

‫وأحياناً‬

‫الطل‬ ‫إ ْذ تَنْف ِتح عيون‬


‫َّ ّ‬
‫أزهار‬ ‫تتقمص‬
‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫شفاهَ‬
‫الغواني‬

‫ومرةً‬
‫َّ‬
‫رأينا عراَ ّفين‬

‫يس ُملون عيون النّهار‬


‫ْ‬
‫وبغامض الت َ ّعزيم‬

‫‪45‬‬
‫الر ِ‬
‫ماد‬ ‫صنعون من َ ّ‬
‫يَ ُ‬
‫ظالماً‬

‫ومرةً‬
‫ّ‬
‫فك َ ّرنا‬

‫في المصير األسود‬

‫الحمقاء‬
‫ْ‬ ‫للطحالب‬
‫َّ‬
‫ق كثيف‬
‫فَنما قل ٌ‬

‫أقزام‬
‫ٍ‬ ‫بأذقان‬

‫يستعبدون المستنقعات‬

‫وأجراس أرواحنا‬
‫َ‬

‫لكن‬
‫ْ‬
‫نقش هذا‬ ‫َّ‬
‫يتوجب ُ‬

‫آماق قوس قزح‬


‫ِ‬ ‫على‬

‫كي ال ننسى‬

‫أن َ ّه يحدث‬

‫إذا ابتعد األعمى‪...‬‬

‫‪46‬‬
‫اح‪...‬‬
‫كان صب ٌ‬

‫صباح يَجوب الشوارع‬


‫ٌ‬ ‫كان‬
‫ِ‬
‫ُمتمل ّياً غُرفاً تَرقص في الضباب‬
‫وكنت هائماً أيضاً على‬
‫ُ‬
‫هَمهمة الحصى‬
‫فقدت ُرشدها‬ ‫يازك‬
‫ُ‬ ‫والي ن َ‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫َ َّ‬
‫ت‬
‫والعشب المي ّ ُ‬
‫ُ‬ ‫ِإث َْر َصدم ٍة ما‬
‫ِ‬
‫سأمه عالياً إلى فمي‬
‫َ‬ ‫وجه‬
‫يُ ّ‬
‫ِ‬
‫والحكاية ُ التي تَد ُّ‬
‫ب على جبيني‬
‫لترتاح في ِظل‬
‫َ‬ ‫كن‬
‫لم ت َ ْ‬
‫ّ‬
‫لتخلع‬
‫َ‬ ‫ياح هب ّ ْت‬
‫ِر ٍ‬
‫عن األشجار شفاهَها‬
‫الصغير يمشي‬
‫الصباح ّ‬
‫وكان َ ّ‬
‫رازحاً تحت صراخ‬
‫أسنانَه وأنا جنبه‬
‫أتنصت للموسيقى الغريبة‬
‫ّ‬
‫التي تتول َ ّد‬
‫ِمن ق َلق العابرين‬

‫‪47‬‬
‫ال ِع ُ‬
‫شت كَما‬ ‫طوي ً‬

‫ال ِع ُ‬
‫شت كَما‬ ‫طوي ً‬

‫لَو كُنت نَهراً ال ُّ‬


‫يكف عن‬

‫الهدير‬

‫نهراً ال يُبالي‬

‫عاش أو انتحر‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫ْ‬
‫كنت أقر ُع أجراس الفوضى‬
‫ُ‬

‫الطرقات‬
‫في ّ‬
‫الدوار‬ ‫وأ َ ُ‬
‫جلس إلى موائد ّ‬
‫في مقا ٍه‬

‫ؤمها البُروق‪...‬‬ ‫ت‬


‫َ ُّ‬
‫ذات فجر‬
‫َ‬ ‫ث َ ُّم وجدتُني‪،‬‬

‫جاءَ ُمبرق َشاً بأنينه‬

‫كوابيس َو ْر َساء‬
‫َ‬ ‫أرعى ِسرب‬
‫ْ‬
‫السهاد‬
‫في ُسهوب ُّ‬
‫وكنت ِمن بين الفرسان‬
‫ُ‬

‫‪48‬‬
‫الذين نادموا ِظاللهم‬

‫قليل من الوسواس‪...‬‬
‫على ٍ‬
‫ِ‬
‫أمس مساءً‬
‫كانت ُسحب ُمشاكسة‬
‫ْ‬
‫تكسو رأسي‬

‫ِسعال األبالسة‬
‫ب ُ‬

‫وبعد أن تسل َ ّ ُ‬
‫لت ِخلسةً‬

‫الطقس‬
‫من بين أسنان َ ّ‬
‫مضيت أِل َتيه‬
‫ُ‬

‫في األزقّة الخلفيّة‬

‫للحياة‬

‫‪49‬‬
‫أقبـل الفجــر‬

‫أخيراً‪،‬‬

‫ـرح قانياً‬
‫سال الف َ َ‬ ‫حر َر أجنحتَه من أصفاد الخرافة‪ .‬وقتها‬ ‫ً‬
‫َ‬ ‫الفجر جريحا‪ ،‬وقد َ ّ‬
‫ُ‬ ‫أقبل‬

‫تتعر ُف علينا‪.‬‬
‫َّ‬ ‫من أنوفنا التي ما عادت‬

‫لسنا وحدنا الحيارى!‬

‫‪50‬‬
‫َشكوى‬
‫السماء ملتاثة‬
‫هذه ّ‬
‫تنفك تَلُوك‬
‫ّ‬ ‫إنها ما‬
‫ِثمار كآبتَها‬
‫قاذفةً بالنوى‬
‫جماجمنا المعدنيّة‬
‫ُ‬ ‫التي هي‬
‫في بُحيرات النّدم‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫أَلَق‬

‫كانت تحكي لنا‬


‫ْ‬ ‫الطفلة الغريبة التي‬
‫ّ‬
‫عن رفقتها لقمر وديع ألثغ‬

‫لتنام جنْب المدفأة‬ ‫ِ‬


‫مضت البارحة‬ ‫والتي‬
‫َ‬
‫عناكب مدربَّة‬
‫َ‬ ‫قائلةً َ ّ‬
‫إن‬

‫تنسج من نُخاع َ ّ‬
‫الزمن‬

‫خ ُُمرا إلناث الزواحف‬

‫زالت بع ُد لم تستيقظ‪...‬‬
‫ْ‬ ‫ما‬

‫ذلك أنّها ليست في مكانها‬

‫تتمدد على شاطئ بعيد‪...‬‬


‫ّ‬ ‫فهي‬

‫نمضي إليه لنرى‪:‬‬

‫بأمواج حوامل‬ ‫قوارب ُمحمل َ ّة‬ ‫ثمة‬


‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬

‫والطبيب المسؤول عن َ ّ‬
‫صحة الزبد‬ ‫َّ‬
‫إن رآنا‬
‫ما ْ‬
‫ِ‬
‫حت َ ّى سارع إلى التخف ّي‬
‫ِ‬
‫تحت كثافة ِظل ّه‪...‬‬

‫وهي‪ ،‬هنالك‪ ،‬مشدودةُ األصابع‬

‫على ورود الغيب الن َ ّ ِدي َ ّة‬

‫‪52‬‬
‫تلعق أجفانها‪...‬‬
‫وألسنة ُ الموت َ‬
‫ما يلتمع على جسدها‬

‫برقاً في ِحداد‬
‫ليس ْ‬
‫السوداء ُ ِلريح‬ ‫إن َ ّها ُّ‬
‫الدموع َ ّ‬
‫الط ْير‬
‫تأكل َ ّ‬
‫من ِ‬
‫رأسها‪...‬‬

‫‪53‬‬
‫َمصيــــر‬

‫تلك العذراء البهي َّة‬

‫موعها من حليب‬
‫َو ُد ُ‬
‫كف َ ّاها مفتوحتان‬

‫ِلضحك األعشاب‬
‫ِ‬
‫تلتقط ِم َزق األحالم‬
‫ُ‬ ‫صباح‬ ‫كل‬ ‫وفي‬
‫ّ‬
‫المتساقطة من أجفان الكواكب‬

‫َوتُخفيها في عيوننا‬

‫تكد‪ ،‬ونحن ال نزعجها‬


‫كل مساء ّ‬
‫َّ‬
‫أكاليل غاز‬
‫َ‬ ‫تضفر‬
‫ُ‬ ‫إن َ ّها‬

‫ِلل َ ّذين من بيننا‪ ،‬خلسةً‪،‬‬

‫سي ُ ْصلبون‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫المطر يفاجئني‬
‫ُ‬ ‫بَدأ َ‬

‫على محف َ ّة الهذيان‬

‫تتمدد شقيقة َ ّ‬
‫الزبد‬ ‫َّ‬
‫ُم ْذ ُص ِع ُ‬
‫قت ببروق جسدها‬

‫عشقت حدائقَها المعل َ ّقة‬


‫ُ‬ ‫ُمذ‬

‫بضفائرها‬

‫بدأ المطر يُفاجئني كل َ ّما غفوت‬

‫لذا فأحالمي َد ْوماً‬

‫بأقواس ق َُزح‪.‬‬
‫ِ‬ ‫حافلة ٌ‬

‫‪55‬‬
‫‪-3-‬‬

‫قصائد من مجموعة‬

‫الـــهواء‬
‫َ‬ ‫رايـــة‬

‫‪56‬‬
‫العين‬

‫ترعة ِ‬
‫بملْح اللّيل‬ ‫الم َ‬
‫الكأس ُ‬
‫ُ‬
‫تجر ْعناها‬
‫ّ‬
‫الحمى‬ ‫أَ ْس َر َع قلي ً‬
‫ال من‬
‫ُ ّ‬

‫ث َ ُّم َع ْين ُ ِك التي تذْرو‬

‫باروداً كثيفاً‬

‫كانت ِلعيَـْ ِني‬


‫ْ‬ ‫ألوان‬
‫ٍ‬ ‫على‬

‫أقمار‬
‫ٌ‬ ‫ثمة‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫فضاء بيتنا‬ ‫في‬

‫دما‬
‫وتضخ ً‬
‫ّ‬ ‫تنبض‬
‫ُ‬

‫في شرايين الهواء‬

‫كن قلوباً ـ تقولين ـ‬


‫«إنهن َ ّ‬
‫َّ‬ ‫‪-‬‬

‫ب‬
‫الح ّ‬
‫سنابل ُ‬‫ُ‬ ‫كانت‬
‫ْ‬ ‫ام‬
‫أي ّ َ‬

‫خ لهذيان َ ّ‬
‫الشمس‬ ‫تُصي ُ‬

‫‪57‬‬
‫الشجرة الجميلة‬
‫وكانت تلك ّ‬
‫تطوف ببراري نومنا‬

‫بحثاً عن يمامة‬

‫لت فجأة‬
‫قد ت َ َح ّو ْ‬
‫كانت ْ‬
‫ْ‬
‫إلى غمامة»‬

‫‪« -‬واآلن‪،‬‬
‫إ ْذ سنرحل‪ ،‬فَل ْ ِ‬
‫تعلمي‬

‫المها‬
‫عيون َ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫ّ‬

‫َّ‬
‫هن اللّواتي سي ُ ْسعفننا‬

‫الجسر‬
‫على ِ‬

‫الجسر الذي سنعب ُ ُره‬

‫أعلى قلي ً‬
‫ال‬

‫الحمى»‬ ‫من‬
‫َّ‬

‫‪« -‬ال ت َ ْن َس‬

‫ما ُدمنا سنرحل‬

‫السكاكين ال َذّهَب‬
‫أن تأخ َذ َ ّ‬

‫‪58‬‬
‫فثمة في طريقنا‬
‫ّ‬
‫جبل صامت‬
‫ٌ‬
‫أنفاس العصافير‬
‫َ‬ ‫كنز‬
‫يَ ُ‬

‫الم ْد ِلجين ُ‬
‫الع ّزل‬ ‫ويرمي ُ‬
‫ِب َأ ْعين‬

‫الجرائم»‬

‫‪« -‬اُنْ ُظري‬

‫إنها البَب َّغاوات‬

‫الم ْنبَجسة من خُطاك‬


‫ُ‬
‫تُؤلّف منظومةً من خ ََرز‬

‫عن صعوبات الكالم»‬

‫أسهل حقّاً‬
‫ُ‬ ‫الرق ُْص‬
‫ّ‬
‫قلب الموسيقَى‬
‫لكن َ‬
‫ّ‬
‫قل ب ِِملح الليل‬
‫ُم ْث ٌ‬

‫والعازف؟‬

‫‪59‬‬
‫جاء أطب َّاء ُ‬
‫مختصون في العين‬
‫ّ‬
‫والكعب والحنجرة‬

‫قي ّ ُدوه ُ شنقُوه ُ‬

‫بحبال‬
‫ٍ‬

‫َص ْو ِتيّة‬

‫يان‬
‫يان تتدل ّ ْ‬
‫قدماه تتدل ّ ِ‬

‫تنبسطان‬
‫ْ‬ ‫تنقبضان‬
‫ِ‬

‫ان‬
‫إنهما ت ُ َد ْو ِزن َ ْ‬
‫أوتار‬
‫َ‬
‫ريح‬

‫الصــبَا!‬
‫َّ‬

‫‪60‬‬
‫ـب‬
‫الح ّ‬
‫أمـام بــاب ُ‬

‫أرض وهّاجة‬
‫ٌ‬

‫الحجر‪ ،‬ت َ ُّ‬


‫رف عليها‬ ‫بِعذابات َ‬
‫أجنحة ٌ بيضاء‬

‫أصائل بيضاء‬
‫َ‬ ‫خالل‬

‫ولم‬
‫من هنالك ِج ْئت‪ْ ،‬‬
‫يَك ُْن في طريقي من ُمفاجآت‬

‫سوى َ ّ‬
‫أن بِضع ُشجيرات‬

‫كانت‪ ،‬أحياناً‪ ،‬من ف َْرط َ ّ‬


‫الد ْهشة‬ ‫ْ‬
‫تتحول إلى كمنجات‬
‫َّ‬
‫ن الحلزون‬
‫عي ُ‬
‫بينما ْ‬
‫تقتنص ببري ِقها‬

‫ألوان نُمور حا ِلمة‬


‫َ‬
‫أنفاسي كانت تتغلغل‬
‫ٍ‬
‫مساء ُم َعربد‬ ‫في رئَـتَـي‬

‫وفي أثالم أرض المرايا‬

‫من حيث جئت‪ ،‬مخفوراً‬

‫‪61‬‬
‫بجوارح سبق أن َسف َ ّت‬
‫َ‬
‫من َط ْمي العدم‪...‬‬
‫ِ‬
‫افتحي الباب‬ ‫واآلن‪،‬‬

‫قبل نضوب الن َ ّشيد‬

‫المتصاعد من أهدابي‬

‫افتحي بسرعة‬

‫فَ َدمُ اللّيل بدأ يتعف َ ّن‬

‫والجوارح التي ت َ ْخفرني‬

‫روح العالَم‬
‫ُ‬ ‫والتي هي‬

‫قد تمضي لتضيع‬

‫أدغال‬
‫ِ‬ ‫في‬

‫كوكب‬
‫ٍ‬

‫بعيد!‪..‬‬

‫‪62‬‬
‫ِ‬
‫بِلَـمسة من أك ُ ّ‬
‫ف النسيم‪...‬‬

‫تتقدمين‪ .‬والمسافة التي بيننا‪ ،‬بلمس ٍة‬ ‫ّ‬ ‫مرح الفهود‪ ،‬ولكنّك‬ ‫إلي ُم َم َ ّوهة ٌ بآثار َ‬ ‫ِ‬
‫طريقك‬
‫ّ‬
‫ـت‬‫ْ‬ ‫وإن أح ُده ُ ْم أنْ ِشـب َ‬
‫ْ‬ ‫تصير نهراً ميّتاً‪ .‬أما الغرقى فيـه فـأحياء‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫أكف النسيم‪،‬‬ ‫من ّ‬
‫في ُعنقه األظافر التي من فيروز‪ ،‬فسرعان ما يُلف َ ُظ إلى أقرب ضفّة‪ .‬والك راكي هي‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫قلت لك إن ّي أنا نفسي كنت نهراً ميت ا‪ً،‬‬
‫َن في أجمل نجمة‪ ...‬هل ُ‬
‫التي ستمضي به لي ُ ْدف َ‬
‫ووثبت بق وة‪ ،‬في هيئ تي اآلدمي َ ّ ة‬
‫ُ‬ ‫تطوف حولي‪ ،‬فغافلتُه ا‬
‫ُ‬ ‫وبدأت‬
‫ْ‬ ‫تماسيح‬
‫ُ‬ ‫ثم جاءت‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫وأنت‬ ‫وج ُد بانتظارك؟‬‫هاته‪ ،‬وحمل ْتني ساقاي بأقصى سرعة إلى هذه المدينة‪ ،‬حيث أ ُ َ‬
‫ِ‬
‫ام ب ابي‪ ،‬فيم ا‬
‫َ‬ ‫أم‬ ‫ين‬ ‫ستص ِل َ‬
‫ين ذات فج ر يق ذف من بين ش فتيه موس يقي ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أنت‪،‬‬
‫ِ‬
‫السيمفونيات التي تُقاسمني غرفتي‪ ،‬تشم ُر عن سيقانها وتقفز من النّوافذ‪ .‬وستتكلمين‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫أرض الث ُّلوج العمياء‪ ،‬ذات أصيل‬ ‫َ‬ ‫قطع ِت‬ ‫ِ‬
‫مررت بها‪ ،‬وتروين كيف ْ‬ ‫الدساكر التي‬
‫عن ّ‬
‫المنجم ون‪ ،‬وكي ف ُج ْس ِت‬
‫ّ‬ ‫ُّ‬
‫الدب األكبر في األحبولة التي نص بها ل ه‬ ‫سقط خالله‬
‫رتفعات‪ ،‬حيث كنت أبدو ِ‬
‫لك‪ ،‬أحياناً‪ ،‬في مدخل كهف‪ ،‬أو حت َ ّى على قم ة ش جرة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫الم‬
‫ّ‬ ‫ُ‬

‫مع أنّك تعلمين تماماً أنّي هاهنا‪ ،‬قرب ّ‬


‫الشعلة التي تُقارعني األنخ اب‪ ،‬وإ ْذ تُتعت ع‪،‬‬

‫متوجس اً‪ ،‬ح ائراً‪ ،‬وأحيان اً‪ ،‬أدخ ل‬


‫ّ‬ ‫ـري‪ .‬وأنا أبدو‬
‫ـع ِ‬
‫وش ْ‬
‫تُحاول أن تحرق أنفاسي َ‬

‫معها باستماتة اليائسين‪ ،‬في مفاوضات‬

‫ن ُ ْجريها بداخل إحدى الجماجم‪.‬‬


‫لكن ّ ِك ِ‬
‫أنت ِ‬
‫أنت‬

‫‪63‬‬
‫طريق ُ ِك إلي‬
‫ّ‬
‫ت ُ ْر ِع ِشينَـها‬

‫بِخطوة‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫أكثــر زرقــة‬

‫ال تتركي يدك على جبين الليل‬


‫بؤبؤي‬ ‫وأحالم ِك‪ ،‬دفّئيها في‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫غبه‪ ،‬هنا‪،‬‬ ‫فالبر ُد بدأ ينثر َز َ‬
‫ِ‬
‫والشفاه الراعشة‪...‬‬
‫ّ‬ ‫حول األغصان‬
‫أكثر‬
‫َ‬ ‫أهزوجة ٌ ما تتناهى إلينا‪،‬‬
‫زرقةً حت َ ّى من الالَ ّمرئي‬
‫ِ ّ‬
‫إن ثمة من يُغن ّي‬ ‫تقولين َ‬
‫ّ ّ‬
‫في هذي الغابة؟‬
‫ِ‬
‫متبر َجة ٌ‬
‫ّ‬ ‫تقولين إن الغابة‬
‫ِ‬
‫السبَاع؟‬
‫ّ‬ ‫ب ُذهان‬
‫ِ‬
‫وأقولُ لك إن َ ّه ّ‬
‫الشتاء‬
‫على أصابعك‬
‫ي ُ ْحصي ذنوب الخريف‪...‬‬
‫كوني‪ ،‬إذا شئت‪ ،‬أختاً‬
‫للسحابة الجريحة‬
‫ّ‬
‫التي تتبعنا‬
‫وتلون َشعرك بذكرياتها‬
‫ّ‬
‫أَبيحي‪ ،‬إذا شئت‪ ،‬لعظامك أن تصير‬
‫‪65‬‬
‫أكثر زرقةً‬
‫حت َ ّى من الالمرئي!‬
‫لكن‪ ،‬خَبّريني لماذا‬
‫‪-‬حين فكرنا سوي َ ّة‬
‫ونحن أمام مائدة اإلفطار‪-‬‬
‫ُ‬
‫في كل تلك القُبل المنسيّة‬
‫على العتبات‬
‫انهرق نخاع الكأس‬
‫في معصمك‬
‫خ‬
‫ثم عال ُصرا ٌ‬
‫في الحليب؟‬

‫‪66‬‬
‫صن َ ْت‬
‫األمطار ت َ َح َ ّ‬

‫ل َ ْم تَكوني‬

‫ائرات التي من شمع‬


‫ُ‬ ‫الط‬ ‫ِح َ‬
‫ين ّ‬
‫عيون موتاها‬
‫ِ‬ ‫ذابَ ْت في‬

‫حدث ذلك في الهجير‬


‫َ‬

‫بناره‬ ‫كُنْ ُ‬
‫ت أصطلي ِ‬
‫ِ‬
‫وكنت مقيمةً في شتائك‬

‫وم َط ٌر جميل‬
‫َ‬
‫يَهمي على‬

‫لمتيك‬
‫َح َ‬

‫غريبات‬
‫ٌ‬ ‫إناث‬
‫ٌ‬ ‫جاءت‬
‫ْ‬ ‫ثم‬
‫َّ‬
‫ماجنات ت َ ِقيّات‬
‫ٌ‬
‫أله ْينَني زمناً‬
‫َ‬

‫‪67‬‬
‫عن النوم في حديقة‬

‫ولما‪ ،‬أخيراً‬
‫ّ‬
‫في حديقة ِن ْم ُ‬
‫ت‬

‫أيق َ َظ ْتني غيومُ ي َ َد ْي ِك‬


‫ْ‬
‫ثانيةً‬

‫ت‬
‫أس ْف ُ‬
‫وما ت َ ّ‬
‫ت‬
‫فقد ت َ َع َ ّو ْد ُ‬
‫الحنين‬
‫ُ‬ ‫يتكاثف‬
‫َ‬ ‫أن‬

‫في أظافري‬

‫تغرقي‬
‫أن َ‬‫ْ‬

‫في ميا ِه ْ‬
‫أعماقي‬

‫أن تتحولي‬
‫ث ْ‬‫وكان ي َ ْح ُد ُ‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫ريحاً مراهقة‬
‫ِ‬
‫ألَو ُح لك بيدي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فَت ُ ْس ِق َ‬
‫طين أوراقاً‬

‫‪68‬‬
‫وتهبّين في أحداق‬

‫ق ِ‬
‫ُلت‪ :‬نَلْتَهي باآلالم‬

‫الوهم‬
‫جمع ضوء َ‬
‫نَ ُ‬
‫نتضامن‬
‫َ‬ ‫بأهدابنا‬

‫العصفور‬
‫مع دم ُ‬

‫الهجير‬ ‫كُ ُ‬
‫نت في َ‬
‫أذاب إناثاً غريبات‬
‫َ‬
‫ن ألفاظاً‬ ‫َس َ ّ‬
‫خ َ‬
‫فت ّ َر رعشات‬

‫لكن اللغات‬
‫ّ‬
‫هبطت من أعالي الجبال‬
‫ْ‬
‫ـت‬
‫تـحصـن َ ْ‬
‫َّ‬ ‫واألمطار‬
‫َ‬
‫في الخرائط‬

‫كانت ل َ ْف َظتُك‬
‫ْ‬ ‫ناعمةً‬

‫انسكبت في قواريري‬
‫ْ‬ ‫أعيا ُد ِك‬

‫‪69‬‬
‫والمقَل المغروسة في الثّلج‬
‫ُ‬
‫ت ت ُ ْز ِهر‬
‫بَ َدأَ ْ‬
‫في الثّلج‬

‫نكن‬
‫ولم ْ‬
‫بالسفر‬
‫ّ‬ ‫حين غذّينا‬

‫الطويل‬
‫السهر ّ‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫طلقات‬ ‫فاسنا‬
‫وجهنا أنْ َ‬
‫حين ّ‬
‫إلى قلبينا‬

‫و َدل َ ّ ْينا التماثيل‬

‫في اآلبار‬

‫أصب َ َح ْت‬ ‫قُلْنا لَو ِ‬


‫المرآة ْ‬
‫الخاصة‬
‫ّ‬ ‫ختَها‬
‫َص ْر َ‬

‫لَت َ َح َولْنا إلى لبالب‬


‫ّ‬
‫الس ّر‬
‫وأبقَينا جسدينا في ّ‬
‫ْ‬
‫وأنهكنا التّالل!‬

‫‪70‬‬
‫وإذا جاءنا البَحر‬

‫َط َم ْرناه في الكتب‬

‫هديره‬
‫ُ‬ ‫بح‬
‫حتّى ي ُ ْص َ‬
‫ٍ‬
‫أبعاد فلسفية‬ ‫ذا‬

‫السكينة‬
‫فتنسدل ّ‬
‫السواحل‬
‫على ّ‬
‫وتُقيم الموسيقى‬

‫في جنون األزهار‬

‫قبل أن أعرفَك‬

‫ض ذكرياتك‬
‫وم َ‬
‫فت ْ‬
‫َع َر ُ‬

‫كنت قد فقدت‬

‫ميولي االجتماعية‬

‫استبدلت بها أشواكا‬


‫ُ‬

‫ذات أحالم‬

‫أجراساً‬

‫تَعرف القلق والنّدم‬

‫َع َد ًما ِ‬
‫ناضجاً‬

‫‪71‬‬
‫أنيقاً‬

‫ي ُ َو ْش ِو ُش لي‪:‬‬

‫الس ّر كلّه‬
‫ستج ُد ّ‬
‫في انقصاف عمر سلحفاة‬

‫في انقطاع أوتار ن َ ْج َمة‬

‫وفي وسواس الثّواني‬

‫ستكتشف زمنك‬
‫ُ‬

‫ل أن تريني‬
‫ق َْب َ‬
‫سر ْت ِك لوعتي‬
‫ّ‬
‫َح ّدق ِْت في انعدامي‬

‫ظالم‬
‫ٍ‬ ‫قط ْف ِت بتالت‬

‫ـعـ ْثـ ِتـني في َ‬


‫ضاللة رقيقة‬ ‫ابـت َ َ‬
‫ْ‬
‫في أبد متثائب‬
‫ٍ‬
‫مشهد أخير‬ ‫في‬

‫في ضاحية‬

‫حيث كان َج َسدانا‬


‫ُ‬
‫األصداء ألواناً‬
‫ْ‬ ‫ي َ ْع ِك ِ‬
‫سان‬

‫‪72‬‬
‫ِ‬
‫أقدامنا‬ ‫فيما‪ ،‬أمام‬

‫ور كثيرة ٌ‬
‫كانت ُج ُس ٌ‬
‫ْ‬

‫تَتَب َ َ ّ‬
‫خر!‬

‫‪73‬‬
‫‪-4-‬‬

‫قصائد من مجموعة‬

‫فراشة ِمن هيدروجين‬

‫‪74‬‬
‫كوكب ُمعربد‪...‬‬
‫ٌ‬

‫عربد‬
‫كوكب ُم ْ‬
‫ٌ‬
‫فوق رأسي‬

‫ينزف مطراً‬
‫ُ‬

‫قاتماً‪ ،‬يمألُ ِجراري‬

‫بألم األعشاب بِقلق‬

‫الطير‬
‫ّ‬
‫تبقى يداي سعيدتين‬
‫ْ‬
‫لهما الن َ ّبيذ‬
‫يهمس ُ‬
‫َ‬ ‫بعد أن‬

‫بنشيد طفولته‬

‫‪75‬‬
‫لفائـف سحريـة (‪)1‬‬

‫نحن وحيدان في هذا المقهى‬

‫تصل آذاننا‪ ،‬عدا‬


‫ُ‬ ‫وال نأمةَ‬

‫هسيس ِعظام فجر‬


‫ِ‬

‫يَشيخ سعيداً‬

‫لفائف‬
‫َ‬ ‫خن‬
‫نُنصت‪ ،‬نُد ّ‬
‫يخف وزنُنا‬
‫ّ‬ ‫ِسحري َ ّة‪،‬‬

‫بد َد ْين في‬


‫نرتفع‪ُ ،‬م ّ‬
‫ُ‬
‫الهواء‪َ ،‬مطراً‬

‫ون ُ َدف ثَلج‪...‬‬

‫ض ن ْف ُسها‬
‫األر ُ‬
‫ْ‬
‫عادت تجتذبنا‬
‫ْ‬ ‫َت‪ ،‬فما‬
‫داخ ْ‬
‫ويبدو أنّها كف ّ ْت‬

‫الدوران!‬
‫عن ّ‬
‫تحسب أنّها كواكب‬
‫ُ‬ ‫غربان‬
‫ٌ‬
‫بدأت تدور حولها‬
‫ْ‬

‫‪76‬‬
‫لفائف سحرية (‪)2‬‬

‫ِ‬
‫بألسنة الذين ركضوا‬ ‫نُغنّي‬

‫جر ِد ما ُو ِلدوا‬
‫ب ُِم َ ّ‬
‫ثالث غيمات‬
‫ُ‬ ‫ِفيما‬

‫تُحتضر َح ْول رأسينا‬

‫األ ُ ّم ُ‬
‫هات في هذا المقهى‬

‫أسمائهن‬ ‫أقل من‬


‫ّ‬ ‫ُّ‬
‫خنّا ودخنا‬
‫د ّ‬
‫عظامنا‬
‫ُ‬ ‫فمضت‬
‫ْ‬
‫تؤازر أخانا المطر‬
‫َ‬ ‫ِل‬

‫الساقط لكنّنا‬
‫أخانا ّ‬
‫بجله‬
‫نُ ّ‬

‫ِمن ّ‬
‫الدخان ُص ْغنا أطفاالً‬

‫َدلفوا إلى بطن أم‬

‫وهناك تأللؤوا‬

‫‪77‬‬
‫لفائف سحريّة (‪)3‬‬

‫قلوب صغيرة ت ُ ِ‬
‫شقشق‬ ‫ٌ‬ ‫ِمن حولنا‬

‫وصنادي ُق يُقالُ فيها الحديد فيه‬

‫بأس شديد‬
‫ٌ‬
‫خن وجداولُ النّسيم‬
‫لكنّنا ند ّ‬
‫بحنُو تُالمس أكتافنا‬
‫ُ ّ‬
‫أن جسدينا قد يضيعان‬
‫نعلم ّ‬
‫ُ‬
‫في هذه العاصفة‬

‫من الت ّ ْصفيق‬

‫اآلبار محظورة ٌ في هذا المكان‬

‫إنّه المقهى الذي وأدوا‬

‫تحت آالم القمر‬


‫ْ‬
‫يَومها‪ ،‬تر ْكـنـا رأسينا في غابة‬

‫ِلتستعملها العنادل‬

‫المضروبة ُ األعناق‬

‫‪78‬‬
‫ـربّـعات‬
‫الم َ‬
‫ـرسـو ُ‬
‫َت ْ‬

‫رغ َم أني ُم ْخترع‬


‫ْ‬

‫بارومتر اآلالم‬

‫سئمت المكوث في هذه الجزيرة‬


‫ُ‬ ‫فقد‬

‫الساحل‬
‫انزاحت نحو ّ‬
‫ْ‬ ‫كلّما‬

‫أقول‪ :‬إنّه النّسيم الهائم‬

‫كل‬
‫الشفق‪ٌّ ،‬‬
‫نتأمل ّ‬ ‫كلّما بدأنا‬
‫ّ‬
‫في ق َعر كأسه‬

‫الم َربّعات‬
‫إال وترسو ق ُرب رؤوسنا ُ‬
‫العصافير‬
‫التي تأسر بين أضالعها َ‬

‫ويوم أُعيدت إلينا أنْ ُ‬


‫فاس الغابة‬

‫بدأت أرقامنا‬
‫ْ‬
‫ـعـنا!‬
‫تـتـب َ ُ‬
‫ثم سقط وجهي الحجري‬
‫ّ‬
‫على وجهي‬

‫ت الرحيل‬
‫مع ُ‬
‫أز ْ‬
‫وها إنّي ْ‬

‫‪79‬‬
‫بعيداً‪ ،‬بعيداً‬

‫حتّى مدينة المعارك‬

‫التي تنزلق على ُجدرانها‬

‫الكدمات‬

‫حتّى ِضفّة النّهر الذي ي ُ َدندن‬

‫ابتسم فيه غريق‬


‫َ‬ ‫كُلّما‬

‫‪80‬‬
‫الص ْحراء‬
‫حتّى ّ‬

‫الدموع‬
‫كل هذي ّ‬ ‫أُفكّر‪ِ :‬لم‬
‫َ ّ‬
‫التي تتشك َ ّل ِخ ْفيةً‬

‫أظافرنا‬
‫ِ‬ ‫تحت‬
‫ْ‬
‫األشجار‬
‫ْ‬ ‫تتوج ُس‬
‫ّ‬ ‫و ِل َم‬

‫من ُشعوب العصافير‬


‫ِ‬
‫السير‬
‫نستمر في ّ‬
‫ّ‬ ‫أن‬
‫يجب ْ‬
‫ُ‬ ‫أفك ّر‪:‬‬

‫الصحراء‬
‫حتّى ّ‬
‫التي تَنْبت فيها المسامير‬

‫أحياناً‪ ،‬يبدو لي‬

‫مبرر لوجودي‬ ‫َ‬


‫أن ّه ال ّ‬
‫سوى أني زاوية ٌ‬

‫في ُمثل َ ّ ِث رعشات‬

‫ق في غابة‬
‫ب َر ٌ‬
‫الصيف‬
‫شرر في عيون ّ‬
‫ٌ‬

‫‪81‬‬
‫في ربيع العمر‬

‫الدموع‬
‫لم نُوقظ ّ‬
‫رأفةً‪ْ ،‬‬
‫المتمددة جنب رأسينا‬
‫ّ‬
‫عم األرق‬ ‫َ‬
‫وكل ّما ّ‬
‫أعالي الجبال‬
‫َ‬
‫الم ْن َهكة‬
‫الجداول ُ‬
‫َ‬ ‫زو ْدنا‬
‫ّ‬
‫ومسكّنات‬
‫بنغمات ُ‬

‫كُن َ ّا بع ُد في ربيع ُ‬
‫العمر‬

‫إن ضربنا ِخياماً‬


‫فما ْ‬
‫ضع التائهين‬
‫الر ّ‬
‫لقبيلة ّ‬
‫دفعت بنا العصافير تواً‬
‫ْ‬ ‫حت َ ّى‬
‫ّ‬
‫السـت ّـين‬
‫إلى مشارف ّ‬
‫واح ٌد منها امتزج بهمسك‬

‫نعد‬
‫ثم طار بعيوننا فلم ْ‬
‫ّ‬
‫نُدرك منه‬

‫الرفيف‬
‫إال ّ‬

‫‪82‬‬
‫لكنّنا‪ ،‬بكل تأكيد‬
‫ّ‬
‫سنسترجع هاتيك العيون‬

‫حين تسقط مع الثّلوج‬

‫في صباح شتائي‬

‫خير‬
‫ٍ‬

‫من ألف شهر‬

‫‪83‬‬
‫حـيـرة‬

‫فخاً لطائر‬
‫أنصب ّ‬
‫ْ‬ ‫لم‬
‫ْ‬
‫ب َشجرة‬
‫ال جنْ َ‬ ‫ِن ُ‬
‫مت قلي ً‬

‫الطائر‬
‫لم ّ‬‫ح ُ‬
‫غرس ُ‬
‫وانْ َ‬
‫جذورها‬
‫ِ‬ ‫أسافل‬
‫ِ‬ ‫حتّى‬

‫أحالمي أنا ُم َشـتـتـة‬


‫ْ‬
‫في اآلبار‬

‫عين تجوس‬
‫ٌ‬ ‫وثمة‬
‫ّ‬
‫الصفر نفسه‬
‫دائرةَ ّ‬
‫الذي َر َس َم ْته ُ أنْفاسي‬

‫الو ْعر‬
‫أمضي في سبيلي َ‬
‫ـطت‬
‫وسـق َ ْ‬
‫ت َ‬‫وإذا ما تعث ّ ْر ُ‬
‫حك واقفاً حتّى الغيمة‬
‫الض ُ‬
‫ي َ ْبعـث ُني ّ‬
‫كانت أمي قد سل ّ َم ْتها‬ ‫التي‬
‫ْ ّ‬
‫إلى سماء األيتام‬

‫الو ْعر‬
‫أمضي في طريقي َ‬
‫ْ‬
‫كانت قدماي المارقتان‬
‫ْ‬ ‫إن‬
‫ال أقل ُق ْ‬
‫تنبُشان المثل َ ّثات تنفُشان َ‬
‫ريشها‬

‫‪84‬‬
‫وال آبه ُ حتّى بصورتي التي‬
‫ِ‬
‫ـب المرآة‬
‫بدأت تُـثـقـّ ُ‬
‫ْ‬
‫أن أفعله‬
‫فما الذي ي ُ ْمكن ْ‬
‫بكل تلك الحبال التي ستتدلّى‬
‫ّ‬
‫من هاتيك الثـقوب‬

‫ت يوماً‬
‫رأي ُ‬
‫‪-‬أنا الذي ْ‬
‫جدوالً‬

‫يتسلّل‬

‫من فتق في ستارة‪-‬‬

‫يتحصن‬
‫ّ‬ ‫وقلت‪ :‬جاء ِل‬

‫وماذا ي ُ ْمكن أن يرى طائر‬

‫حلم‬
‫في ُ‬
‫الشجرة‬
‫تستطيعه ّ‬
‫ُ‬ ‫ما الذي‬

‫تأجيل المطر‬
‫ُ‬ ‫تم‬
‫أن ّ‬
‫بعد ْ‬
‫وأين طريقي‪ ،‬اآلن‬

‫الضوء يتخفّى‬
‫وقد بدأ ّ‬
‫في الذّهب؟‬

‫‪85‬‬
‫ِذ ْكـرى‬

‫كان علي أن أكون حاضراً‬


‫ّ‬
‫أثناءَ االستقبال‬

‫أن أحتمل كل تلك القسوة‬


‫ْ‬
‫ّ‬
‫لم أق ُْل يوما لجدول‪:‬‬
‫أنا الذي ْ‬

‫اُ ُ‬
‫صم ْت‬

‫أشتري النّوم‬
‫ت ْ‬‫أنا الذي ك ْن ُ‬
‫ٍ‬
‫بنقود مسكوكة من أعصاب الجبين‬

‫الحلم سوى‬
‫وال أرى في ُ‬
‫شجر ٍة ِمن ماء‬

‫الع ْصفور‬
‫يغرق ُ‬
‫ُ‬ ‫فيها‬

‫الريح‬
‫طفئ جمرةُ ّ‬
‫وتنْ ُ‬
‫قم لتكون حاضراً لالستقبال‬

‫قال أبي‬

‫أن أَ َحد أسالفنا‬


‫ذلك ّ‬
‫أبحر‬
‫قد ْ‬
‫ْ‬
‫من ميناء الموتى‬

‫‪86‬‬
‫بِحنين‬

‫أستدرج كوابيس‬
‫ُ‬ ‫أحياناً‪،‬‬

‫إلى غرفة نومي‬

‫ـل‬
‫صمتي َجـب َ ٌ‬
‫مكسو بالجليد‬
‫ّ‬
‫أن أُمسك‬
‫علي إال ْ‬ ‫فـما‬
‫ّ‬
‫عن الكالم‬

‫ألتزل َ ّج وأنْـتَـشي‬

‫أمتع من هذا‬
‫ُ‬ ‫لكن‬
‫ْ‬
‫بعض الكوابيس‬
‫ُ‬

‫تندثر فيها ُسالالت‬


‫ُ‬ ‫التي‬

‫وتتبخر ُج ُزر مغناج‬


‫ّ‬
‫الصحراء ُ البحر‬
‫وتتذكّر ّ‬
‫ِبحنين‬

‫‪87‬‬
‫رســالـة إلى نفسي‬

‫أنا على ضفّة نهر‪.‬‬

‫السماء ُملبّدة‬
‫ّ‬
‫بِزعيق صفّارات اإلنذار‬

‫في أحد الكواكب‪.‬‬

‫أسمع أيضاً قرعاً في عظامي‬


‫ْ‬
‫فكأنّها طبول دقيقة‪.‬‬

‫السمكة‬
‫في وسط النّهر‪ ،‬تَظهر ّ‬
‫آكلة ُ الغرقى‪.‬‬

‫تتعرى‪.‬‬
‫ّ‬ ‫المقابلة‪ ،‬امرأة ٌ‬
‫الضفة ُ‬
‫على ّ‬
‫وها هي تَسبح على ظهرها‪ ،‬تتلذّذ‬

‫ِمن ُركبتيها‪.‬‬

‫تُقْبل نحوي ثم تعكس وجهتها‪.‬‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مترددة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مترددة‪ ،‬إنها‬
‫ّ‬ ‫إنها‬

‫مياه ُ النّهر غاضبة ٌ من هذا‪.‬‬

‫ٍ‬
‫فرات‬ ‫اع ُد َش‬
‫ص َ‬‫غضبُها ي َ َ ّ‬
‫تُصيب الكثير من صغار الطير‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫أبقى على هاته ِ‬
‫الضفّة‬ ‫هل ْ‬
‫التّعيسة؟‬

‫يَمرق أمام عيني طائر‬


‫ّ‬
‫إنّه يشحب ويشحب‬

‫خائف من َ ّ‬
‫الشفرات‬ ‫ٌ‬ ‫ربّما هو‬

‫ربما هو يتذكّر الشجرة‬

‫احتضنت‬
‫ْ‬ ‫التي‬

‫حبّه األول‪.‬‬
‫ُ‬
‫ّ‬
‫أأبقى هنا‬

‫ُمنصتاً للق َ ْرع المتصاعد‬

‫ِم ْن عظامي؟‬

‫‪89‬‬
‫اكـتـئـاب‬

‫وطن العين‬
‫ُ‬
‫حجر أو منطاد‬
‫َم ِ‬

‫الصعود‬
‫بالمنطاد يمكنك ّ‬
‫في الفضاء‬

‫وصهيل األرض‬
‫ُ‬
‫ينداح من كتفيك غناؤها من‬
‫ُ‬
‫عينيك‬

‫العيون قد تكون مستطيلة‬


‫ُ‬
‫وأحيانا على شكل ُمنمنمات‬
‫ْ‬

‫قد ت َ ْغ ِمز ُ‬
‫العشب تُقَبّل النّدى‬

‫فلها شفاه‬
‫ِ‬
‫حانات المدينة‬ ‫تجوب‬
‫ُ‬ ‫وربّما‬
‫ُ‬
‫أثْناء نوم أصحابها‬

‫آه! في تلك األيام‬

‫في تلك األيّام الخوالي‬

‫الشكيمة‬
‫قوي ّ‬ ‫كُنا َشعباً‬
‫ّ‬
‫الع ُدو‬ ‫عيونُنا تقْ ِذ ُف‬
‫َ ّ‬

‫‪90‬‬
‫جيل‬ ‫ِ‬
‫ِش ُه ٍب بحجارة من س ّ‬
‫ب ُ‬

‫من أجل ذلك‪ ،‬كان يَكْفي‬

‫أن ننقعها لليلة كاملة‬


‫ْ‬
‫في ي ُ ٍ‬
‫ود قوي‬
‫ّ‬
‫صارنا‬
‫أب ُ‬‫كانت ْ‬
‫ْ‬ ‫ثاقبةً‬

‫هدير الموج‬
‫ُ‬ ‫فيها ي ُ ْس َم ُع‬

‫مالحم عظيمة‬
‫ُ‬ ‫وت ْنعكس‬

‫لكنّنا كنّا أيضاً نتع َذّب‬

‫حين نت َذكر ّ‬
‫أن عيونَنا‬

‫كانت‪ ،‬يوماً بعد يوم‪ ،‬تزداد‬

‫ت َ َصل ُّباً‬

‫وها نحن‪ ،‬واحداً فواحداً‬

‫قعر‬
‫كل في ْ‬
‫ننزوي‪ ،‬كئيبين‪ٌّ ،‬‬

‫موجة‬

‫عيون غرقى‬
‫َ‬ ‫ألن لنا‬
‫ّ‬
‫ألن حياتـنـا‬
‫ّ‬
‫الدموع!‬
‫خالية من ّ‬

‫‪91‬‬
‫كُـ ْن ُ‬
‫ـت مـن أبـطال هومـيروس‬

‫أن يبقى النّسيم على أناقته‬


‫أري ُد ْ‬
‫تحضر الفرس في الموعد‬
‫ُ‬ ‫أن‬

‫وأن تمضي بي‬


‫َ‬
‫الوجهة التي تختار‬
‫في ِ‬

‫أري ُد نهراً ي ُ َو ّ‬
‫شح صدري‬

‫الحلم‬
‫رأيت في ُ‬
‫ُ‬ ‫فالبارحة‪،‬‬

‫نازلت آخيل‬
‫ُ‬ ‫أني‬

‫في اإللياذة‬

‫في الواقع‪ ،‬ال أ ُ ِص ّر على شيء‬

‫ِمن هذا‬

‫فأنا اآلن هادئ‬

‫وعيناي وحدهما العنيفتان‬

‫‪92‬‬
‫البِـئـر‬
‫حلم!)‬
‫(كما في ُ‬

‫خار ونصالُ النّغم تتصاعد من البئر التي يُنكران ُوجو َده ا في غُرف ة الف ُن دق‬
‫كان ب ُ ٌ‬
‫هاته وأنا أؤكّـده‪ ...‬عـبـثـاً ي َ ْسعـيـان‪ -‬ج اري ِولْي ام األرمنــي والخادمة ‪ -‬إلى‬
‫إقـنـاعي !‬

‫تلتقط ُص َوراً إال لطائر يَقضي الليل في َش ْع ِرها تُق ّدمُ‬


‫ُ‬ ‫تعد‬
‫الخادمة بِكاميراها التي لم ْ‬
‫كأص لع‪،‬‬ ‫رغ َم َش ْع ِر ِه الكثيف فهو ي َ ْمشـي ْ‬
‫الر ْدهة‪ ...‬و ْ‬
‫فيتمشى في ّ‬
‫ّ‬ ‫لي كأساً‪ ،‬أما ِوليام‬
‫ويجمع أرمينيات من األعشاش‬ ‫ُ‬ ‫الدغل‬‫وهذا من غريب التّصنّع! كما أنّه َسي َ ْمضي إلى ّ‬
‫ليعيش فيها حين ال نكون نراه‪...‬‬
‫نـع ُش موعاً من‬
‫ُ‬ ‫كعب َصغير‪ ،‬فيما ت َ ْص‬ ‫زل بَ ْيته إلى ُم ّ‬
‫عن َر ُجل اخْ تُ َ‬
‫ت ُ َحدثني الخادمة ْ‬
‫وم َرمماً‪.‬‬ ‫الضوء مكسوراً‬ ‫دموع‪ ،‬ومن النّافذة‪ ،‬ي َ ْدخُل ّ‬
‫ُ ّ‬
‫الملح‪ ،‬وهو يتكلّم!‬ ‫قات ِ‬
‫ثم ها وليام‪ ،‬تتوالى على َو ْجهه َط َر ُ‬ ‫ّ‬
‫عبثاً يُحاوالن َزعزعة يقيني! ‪...‬‬
‫أبـقـى‬
‫يُحاوالن تشكيكي‪ ،‬لكنّني ْ‬
‫وا ِثقاً ك ُخ ْطوة تحت المطر‪...‬‬
‫ـض علي بالبقاء‬
‫فليـُقْ َ‬
‫ّ‬
‫في غ ُْربَتي هاته‬
‫طن‬
‫مع رائحة النّمل التي ت َ ّ‬
‫حول المصباح‬
‫أسير هاء الهواء‬
‫َ‬ ‫وألب َق‬
‫ْ‬
‫‪93‬‬
‫توج ُد بئر‬
‫كانت ال َ‬
‫ْ‬ ‫إن‬
‫ْ‬
‫في هذه الغ ُ ْرفة‬

‫‪94‬‬
‫يـوتـوبـيــا‬

‫القلب بوحشتك‬
‫ُ‬ ‫أخيراً‪ ،‬أيّها‬

‫القليلة الغامضة‬

‫تنزلُ من نجمتك األليفة‬

‫واضعاً يَدك في يدي‬

‫غطى حدائق‬
‫يا قلبي الذي َ ّ‬
‫بالنبضات‬

‫الضوء‬
‫أنت‪ ،‬يا هذا ّ‬
‫وها َ‬
‫ب متحمسا‬
‫ته ّ‬
‫ُ‬
‫ّ‬
‫الطيور‬
‫ائتمنتك ّ‬
‫َ‬ ‫فقد‬

‫على وميض دمائها‬

‫الشجعان‬ ‫اَّل‬
‫والم حون ّ‬
‫التحقوا بنا‬

‫بعد أن أجبروا قراصنةً ُعتاة‬

‫على التخفـي في أرحام‬

‫بنادقهم‬

‫أنا‪ ،‬أيضا‪ُ ،‬متهـيّـئ‬

‫‪95‬‬
‫كنت من مشاهير الكماة‬
‫فـقد ُ‬

‫تشهد به طحالب الهواء‬


‫وذاك ما ْ‬

‫التي اخترقـتـها سهامي‬

‫ُمجتمعين‪ ،‬سنُفلح بكل تأكيد‬

‫سينير طريقنا‬
‫ُ‬ ‫الضوء‬
‫ّ‬
‫والمالحون َسيمخرون بنا عباب البحر‬

‫وقوسي وكنانتي‬

‫على كتفي!‬

‫الرتيبة‬
‫حر ُر األمواج من حياتها ّ‬
‫سن ُ ّ‬
‫ونجعلها تمشي على أقدام‬

‫سنمنح هذه األشجار التّعيسة‬


‫ُ‬
‫ِ‬
‫ذكريات طفولة‬

‫ومرايا تبدو فيها‬

‫غيداً مرحات‬

‫قيم لهذي الشموس التائهة‬


‫ون ُ ُ‬
‫الفقيرة‬

‫السوسنات‬ ‫ً‬
‫أعشاشا بين ّ‬
‫ْ‬
‫وبقصائد مضيئة‬

‫‪96‬‬
‫الحروب القديمة‬
‫سنفتدى َسبايا ُ‬
‫والغيمةَ التي ما زالوا يأسرون‬

‫في بنطال قديم‬

‫لماياكوفسكي‬

‫الصبايا‬ ‫ْ‬
‫ومن تشأ من ّ‬
‫تحولن إلى أسماك‬
‫َ‬ ‫اللواتي‬

‫ن ُ ِع ْدها َ‬
‫سيرتها األولى!‬

‫يقيناً أننا‪ ،‬مجتمعين‪،‬‬

‫سننجح!‬

‫‪97‬‬
‫وقـــــائــــع‬

‫الحـقـتـني‬
‫الصباح‪َ ،‬‬
‫هذا ّ‬
‫السنجاب‬
‫على امتداد شارع ّ‬
‫حيث‪َ ،‬دوماً‬
‫ُ‬ ‫‪-‬‬

‫أقوم بنزهتي‪-‬‬

‫ذات أنفاس َح َ ّرى‬


‫ُ‬ ‫شجرة‬

‫قوائم وبريق عين‬


‫َ‬ ‫ذات‬
‫ُ‬
‫ـت‬
‫وحين ابت َ َس ْم ُ‬

‫نقلبت شجرة عادية‬


‫ْ‬ ‫ِا‬

‫جذور وعصافير!‬
‫ٌ‬ ‫لها‬

‫يا أنا يا أنا‬

‫ها هي خلفك اآلن‬

‫فإذا غنّيتُما معا‬

‫سي ُ ْغمى على الغيوم!‬

‫الظهيرة‪ ،‬ك ُ ْن ُ‬
‫ت أمشي‬ ‫وأثناء ّ‬
‫الشاطئ‬
‫على ّ‬

‫‪98‬‬
‫وكانت‪ ،‬أيضا‪ ،‬تتبعني!‬
‫ْ‬
‫تثير زوبعة رمل صغيرة!‬
‫كانت ُ‬
‫فقلت‪ :‬يا أنا يا أنا‬

‫إبطها‬
‫دغدغت ْ‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫ْ‬
‫فستهذي بأسمائك‬

‫لم‬
‫أن شيئا من ذلك ْ‬
‫إال ّ‬
‫ت‬
‫فابت َ َس ْم ُ‬
‫يتحقق ْ‬
‫ْ‬
‫ت غابةً بأكم ِلها‬
‫تذكر ُ‬
‫ْ‬ ‫لكنّي‬

‫واح ٍد من ْ‬
‫أحالم طفولتي‬ ‫كانت‪ ،‬في َ‬
‫ْ‬

‫قد اجتُـث َ ّ ْ‬
‫ـت!‬

‫حل‬ ‫وفي لحظة التذكر األليم تلك‪،‬‬


‫َّ‬
‫بدأت‬
‫ْ‬ ‫األمل فجأة‪ ،‬إذ‬
‫ُ‬
‫الضائعة‬
‫غابتي ّ‬
‫تتنامى‪ ،‬من جديد‬

‫أمام عيني‬
‫ّ‬
‫معافاةً‪ ،‬رهيفةً‪ ،‬منسابةً‬

‫على شكل ُشعيرات سوداء‬

‫في عانة غادة‬

‫‪99‬‬
‫وقفت فجأة‪ ،‬وحيدةً‪َ ،‬مشيقةً‬
‫ْ‬
‫ق ُبالتي‪ ،‬واقت َ َربَ ْت‪ ،‬جريئة‪...‬‬

‫السلطعون الذي‬
‫ثم كان ّ‬
‫ّ‬
‫الصخر‬
‫ينحت في ّ‬
‫ُ‬

‫وكان األشيب الذي‬

‫ك رطل الكهرباء بدرهمين‬


‫يبيع َ‬
‫ُ‬
‫وكانت مياه البحر‬

‫والفلكيّات البرمائيّات‬

‫اللواتي قد يخرجن في أية لحظة‬

‫من تلك المياه‬

‫ويمضين للتسكع في الحقول‬

‫عاشقات األعشاش!‬
‫ُ‬ ‫آه! الفلكيات‬

‫الشمس تُلوح جسدي‬


‫ُ‬ ‫وكانت‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫لكن ال شيءَ من هذا كل ّه‬
‫ْ‬
‫يُمكنُه ُ أن ي َ ْع ِدل عندي‬

‫خطوةً‬

‫في شارع‬

‫السنجاب!‬
‫ّ‬

‫‪100‬‬
‫حـكـايـة‬

‫جل مفتول العضالت‬


‫َر ٌ‬

‫أن يُال ِك َم َ ّ‬
‫الزبَد‬ ‫يستطيع ْ‬
‫ُ‬
‫مع هذا‪ِ ،‬ج ّد رقيق‬

‫رأى ي َ َدي الفجر تُقطعان‬

‫فأجهش بالبكاء‬
‫َ‬

‫ومن ُدموعه‬

‫جددا‬ ‫تكو ِ‬
‫نت اليدان ُم ّ‬ ‫ّ‬
‫مرة‪ ،‬نزل َ ّ‬
‫الدرج‬ ‫أكثر من عشرين ّ‬
‫َ‬
‫نحو غ ُْرفة األحد‬

‫مرة‪ ،‬يطرق الباب ُم َطوالً‬


‫في كل َ ّ‬
‫ّ‬
‫وال من ُمجيب‬

‫بَدأ شك ُّه يَهصره‬

‫أن األحد قد اختفى‬ ‫ً‬


‫وأخيرا‪ ،‬أدرك ّ‬
‫ِ‬
‫المتبق ّية‬
‫أن األيام ُ‬
‫ّ‬
‫في ِحداد‬

‫باب غُرف ٍة فارغة‬


‫يطرق َ‬
‫ُ‬ ‫وأنّه‬

‫‪101‬‬
‫الدم‬
‫إال من رائحة ّ‬
‫وبقايا كوابيس‬

‫‪102‬‬
‫وقفت إلى جانب البئر‬
‫ُ‬

‫ِ‬
‫السحليّـة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أنت لست اآلن في الغرفة‪ -‬ألنك تبحثين في الحديق ة‪ ،‬عن ّي أو عن ّ‬
‫غارت في رائحة العسل‪ -‬فيما‪ ،‬من النافذة‪ ،‬ت دلف اآله ة‪ ،‬قادم ة من فم‬
‫ْ‬ ‫التي‬

‫حدِب ظهورَ المناضد وتُحيل أغنيتي إلى غبار‪.‬‬


‫بعيــد‪ ،‬فت ُ ّ‬
‫ل بيوتاً عديدة إلــى‬
‫حو َ‬ ‫السحرة‪ْ ،‬‬
‫صه ُد عيونهم‬ ‫أنا اآلن على الشاطئ‪ :‬أمامي َ ّ‬
‫ّ‬
‫فتنشب حروب ويتساقط نخــاع شوكي كثير‬
‫ُ‬ ‫كررون‪،‬‬
‫دخان‪ .‬العالـم رهيب‪ ،‬ي ُ ّ‬
‫كل هائم‪...‬‬ ‫وتشتد آالم‬ ‫في صحون الباذنجان المقلي‬
‫ُ َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اب‬
‫مرة هل تُزعجني قرقعة ُ عظامك أثناء النوم‪ .‬حدث ذلك ليل ةَ ش َ‬ ‫ِ‬
‫سألتـني ّ‬
‫األلم يتساقط ُم ِ‬
‫وهماً أنه َمطر‪ .‬ومضينا معاً إلى الحديقة‪ ،‬فوقفن ا‬ ‫ُ‬ ‫القمر‪ .‬وكان‬

‫إلى جانب البئر التي تَحلم ببلد بعيد‪.‬‬

‫أذهب غ داً‬
‫َ‬ ‫مرر يدي على س نام منض دة‪ ،‬وأُدرك أني لن‬‫ُ‬
‫وها أنا‪ ،‬من جديد‪ ،‬أ ّ‬
‫جدي‪ ،‬وأنك ستصفينني بالكسول‪ ،‬العبثي‪ ،‬بالتائه األبدي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ِلرؤية عظام‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ترض سبيلـك‪ ،‬تتم ّدد‬‫ُ‬ ‫أحيانــاً‪ ،‬تكون ماضياً فـي طريقك‪ ،‬فإذا بنحل ة تع‬

‫أمامك في عرض الشارع‪ ،‬فتبقـى واقفاً فوق ضحكتك‪ ،‬ويحيّيك صديق يُون اني‬

‫لم تـلُـ ْذ‬ ‫يَبذر قمح اإللياذة في أثالم كفـــه اليس رى‪ ،‬فتق ف مش دوهاً‪ْ ،‬‬
‫إن ْ‬
‫بال ِفرار‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫والت ّفاحة في يدي‪...‬‬

‫كيف ي ُمكنني أن أشعل السيجارة‪،‬‬


‫ِ‬
‫خدي‪.‬‬ ‫ِ‬
‫رأيت في الحلم أنك تُحرقين ّ‬ ‫ـت في ُردنيك‪ُ ،‬مـذ‬
‫القداحات ت َ َخف ّ ْ‬
‫ّ‬ ‫وكل‬
‫ّ‬
‫ومر أمامن ا ص ديقي المجن ون‪،‬‬
‫باألمس‪ ،‬كنّا في الطريق إلى عيادة الطبيب‪ّ ،‬‬
‫عرت أنّي‬
‫ُ‬ ‫الس اطور‪ ،‬وش‬
‫الس اطور‪ ،‬النّحل ة تحت ّ‬
‫يكرر‪ :‬النّحل ة تحت ّ‬
‫وكان ّ‬
‫الحقن التــي‬ ‫سأبكي أو أضحك‪ ،‬لكنه اختفــى سريعاً‪ ،‬وكان دمٌ ينس ُ‬
‫اب من ُ‬
‫يتحول من فاتر إلى شديــد‬ ‫والطقس بداخل آذان الكالب‬ ‫خب جنب أقدامنا‪،‬‬
‫تَ ّ‬
‫َّ‬ ‫ّ‬
‫البرودة‪ ،‬وفي األعلى‪ ،‬عين الرعد تتّسع وتت ّ ِسع‪.‬‬
‫ِ‬
‫خدي؟‬
‫لماذا تريدين إحراق ّ‬
‫مسحت أعصابي بإسفنجة كما يفعلون أحياناً بأعصاب الس يارات ثم وج دنا‬
‫ُ‬

‫بع‬
‫لكن لم يكن قد بقي منه إال س ُ‬
‫وأردنا أن نتأ ّمل البحر‪ْ .‬‬
‫ْ‬ ‫نفسينا على الشاطئ‪،‬‬

‫موجات عجاف‪ ،‬يَحملن في مقاعدهن الخلفية س بع نس اء ض احكات‪ .‬إلى أين‬

‫كف كل امرأة شمعدان‪ .‬وفي ال ُجحور القريبة‪َ ،‬سقط مط ر على‬


‫يتّجهن بهن؟ في ّ‬
‫رش الصرخات‪.‬‬
‫ـسـط وي َ ْف ُ‬
‫الفـئـران‪ .‬وكان هنالك من يَطوي الب ُ ُ‬
‫تعبــث بشعري‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ويدك‬ ‫والتفاحة في يدي تكاد تختنق‪.‬‬

‫الطبيب قال ال تركبا‪ ،‬بع ُد‪ ،‬سيارة جريحة‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫لتقيت بالحصان‬
‫ُ‬ ‫ا‬

‫إن ماءه ا‬ ‫ٍ‬ ‫أمضي شاحباً‪ ،‬ال أتوقف إال جنب الفتاة التي ّ‬
‫تمد يدها فوق بحيرة تق ولُ ّ‬
‫الطحالب ذات األحذية الحديد‪.‬‬
‫ِ‬ ‫استمر ِت السمكة الحمراء في ّ‬
‫عض‬ ‫ّ‬ ‫سينضب إن‬

‫ب ألني امتصصت لسانك وأنت نائم‪.‬‬ ‫ِ‬


‫شاح ٌ‬ ‫إنك‬
‫َ‬ ‫تقول‪:‬‬

‫دول‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫يوم بل غ أش ّده ق رب ج‬
‫وأنا لم أركب اليوم حصاني ألنه كان قد نسي حدوة َ‬
‫ِ‬
‫الضفاف!‬
‫وأصبح يهاب ّ‬
‫التقيت بالحصان في آخر تانغو بباريس‪ ،‬وبالفت اة حين كن ّ ا نلبس جواربن ا أم ام‬
‫ُ‬

‫روت لي كي ف‬
‫ْ‬ ‫إحدى الكاتدرائيات‪ ،‬وسرعان ما وجدنا نفسينا ن َ ْصـ ِف ُ‬
‫ـر في طنج ة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫الشتاء أغنامــه‪ .‬وقالت إن ّها بدورها ربّت‬ ‫ّ‬ ‫فيها‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫كانت ترسم دوائر خضراء ِلـيـر‬
‫ُ َ َّ‬
‫فراشة من هيدروجين في َش ْعرها‪.‬‬

‫ديل حش داً من‬


‫ٍ‬ ‫فاخترقت ُشعلة ُ قن‬
‫ْ‬ ‫ركلت تمثاالً‪،‬‬
‫ُ‬ ‫أخبرتُها بأني‪ ،‬في الطفولة‪ ،‬كنت قد‬

‫لت قارورة من ظل يمامة‪ ،‬أُس ارع إلى َمل ْ ِئه ا بم اء‬


‫وكنت‪ ،‬كلما تشك ّ ْ‬
‫ُ‬ ‫الكالب نحوي‪.‬‬
‫ّ‬
‫بارد!‬

‫الشاحب‪ ،‬أنت نَهري‪.‬‬


‫أنت نهري ّ‬
‫قالت‪َ :‬‬

‫‪105‬‬
‫الصـبـاح‪...‬‬ ‫ُ‬ ‫إن كُـنْ ُ‬
‫ـت مـنْـذ ّ‬ ‫ْ‬

‫حس ب‬
‫لعوم أو في أنابيب القص ب‪َ ،‬‬
‫ساب في ب ُ ٍ‬
‫ُ‬ ‫أترك قلقاً ينْ‬
‫ُ‬ ‫ت من يُجامل‪.‬‬
‫لس ُ‬
‫ْ‬
‫كنت من ذ‬
‫وإن ُ‬
‫ْ‬ ‫مزاج زهرة اآلس على كت ف النّديم ة لين ا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وكيف هو‬
‫َ‬ ‫الطقس‬

‫ام المآسي‪،‬‬
‫تتحم ُس أي ّ َ‬ ‫الصباح في هذه الحانة‪ ،‬جنب هذه النّافذة‪ ،‬بعظامي التي‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫فذلك للتعبير عن تضامني‪.‬‬

‫وكنت حسبته يعلم‪...‬‬


‫ُ‬ ‫الجالس قبالتي‪،‬‬
‫ُ‬ ‫البدين‬
‫ُ‬ ‫مع َمن؟ يُسائلني بعينه المخمورة‬

‫جارها‬
‫َ‬ ‫أش‬
‫جعلت منهم الغاب ة القريب ة ْ‬
‫ْ‬ ‫مع من! م ع أولئ ك األق زام ال ذين‬

‫القَصيرة!‬

‫هر‪،‬‬
‫أظ ُ‬
‫ث ْ‬
‫حي ُ‬
‫كرر‪ْ ،‬‬ ‫ِح ِ‬
‫صات ِل َصفير أظافري المأخوذة ب ُ‬‫األَ ْولى اآلن اإلنْ‬
‫المت َ ّ‬
‫لمها ُ‬ ‫ُ‬
‫ممرض ة‪ -‬يتّض ُح أنّه ا‬
‫تقترب منّي امرأة في لب اس ّ‬
‫ُ‬ ‫بدايةً‪ ،‬في شاطئ‪ .‬بعدها‪،‬‬

‫ليست سوى لينا‪ -‬حاملةً في يدها حقن ةً تق ولُ إنّه ا ممل وءة بفودك ا روس يّة‬
‫ْ‬
‫وجه ُ إبرتها نحو ذراعي!‬
‫ثم ت ُ ّ‬
‫خالصة! ّ‬
‫فجأةً‪ ،‬أتنبّه ِلما َحولي‪.‬‬

‫وأ ُ ُ‬
‫شيح بوجهي نحو النّافذة‪ ،‬فما الذي أراه في األعالي؟‬

‫طيور غريبة تحل ّ ق ف وق الغاب ة القريب ة‪ ،‬ال تي جعلت من أولئ ك األق زام‬
‫ٌ‬
‫المساكين أشجارها القصيرة!‬

‫‪106‬‬
‫‪-5-‬‬

‫قصائد من مجموعة‬
‫جل ِ‬
‫يبتسم للعصافير‬ ‫َر ُ‬

‫‪107‬‬
‫ُمنذ دهر‬

‫منذ دهر وصن َ ّارتي في الماء‬

‫السأم‪.‬‬ ‫َ‬
‫ول ْم أصطد سوى ّ‬
‫قزح ينزل‬
‫غ ْي َر قوس ٍ‬
‫ال أرى َ‬

‫وبإبر ذهبي َّة‬


‫ٍ‬

‫ي ُ َط ّر ُز حواشي األمواج‬

‫يئز كَنحلة‬
‫وال أسمع سوى أنفي الذي ّ‬
‫ت ِزقّي‪.‬‬
‫أفرغ ُ‬
‫ْ‬ ‫كلما‬

‫ثم خ ََرج نديمي المساء من البحر‬


‫ّ‬
‫وأَقْبل نحوي‬

‫حام ً‬
‫ال َط َي أجفانه‬
‫ّ‬
‫َس َمكاً كثيراً وفي كفّيه‬

‫حار طفولتي!‬
‫َم ُ‬

‫‪108‬‬
‫ِم ْروحة‬

‫ِا ْب َ‬
‫ـق في بيتك فال جديد في الخارج‬

‫أت ُ َراك تري ُد أن تَخرج لترى المجنون‬

‫‪-‬مرآ ٍة‬‫يتأمل في غيم ٍة ِ‬


‫َّ‬
‫األثير لديه‬
‫ِ‬ ‫ِن ْص َف َو ْج ِ‬
‫هه‬

‫أو لترمي بحجر‬


‫َ‬
‫الخذروف ال َخ ِرف‬
‫َ‬

‫الدوران‬ ‫الذي ال ُّ‬


‫يكف عن ّ‬
‫تحت أعمدة المصابيح‬

‫أم أنّك تريد أن تلتقط صورة أخيرة‬


‫ْ‬
‫ِ‬
‫لم ْروح ِتك المسكينة‬

‫عظامها‬
‫ُ‬ ‫كت‬
‫التي تفك ّ ْ‬
‫لفظتَها بال رأفة‬
‫بعد أن ْ‬
‫ْ‬
‫أي ُّها القاسي‬

‫ار قبور القناني‬


‫يا حف ّ َ‬
‫طيف أوفيليا‬
‫ُ‬ ‫ث إلي‬‫تحد َ‬
‫هكذا ّ‬
‫ّ‬
‫وأنا أمضي نحو الباب ِ‬
‫وم ْن بعيد‬

‫‪109‬‬
‫حمائم‬
‫َ‬ ‫هديل‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫يصلُني‬

‫ِمن نَبيذ‬

‫‪110‬‬
‫مقادير مجهولة‬

‫مغاو َر بالشاطئ‬
‫ِ‬ ‫جاءت من‬
‫ْ‬ ‫َم َع الفجر‬

‫ِح َس ٌ‬
‫ان ُمشاكسات‬

‫وبأنغام النّايات‬

‫أشجار‬
‫ِ‬ ‫ن في تهييج‬
‫شرع َ‬
‫ْ‬
‫ارع الكبير‬ ‫َّ‬
‫الش ِ‬
‫الصباح ت َ َو ّز َع في جنبات المدينة‬
‫في َ ّ‬
‫أطفال ٌ من مرجان‬

‫عميان‬
‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫بارات يؤمها‬ ‫ليحرسوا‬
‫ّ‬
‫وخيولُهم‬

‫بعد الظهيرة كان من بيننا من أَغفى‬

‫مايلز‬
‫ارة ْ‬
‫كانت َس َ‬
‫ْ‬ ‫في سينما ِميا ِل ْ‬
‫يس فيما‬

‫الشتائم‬
‫في َد ْو ِر ابنة راي َ ْن تتلقّى ّ‬
‫مذعورةً‬

‫باح‬
‫أش ُ‬‫ب ُ َع ْي َد الغروب ظهرت ْ‬

‫‪111‬‬
‫دراجاتنا القديمة‬
‫ّ‬
‫اعترضت ُسبلنا‬
‫ْ‬ ‫وبدافع الحنين‬

‫وج ُز المدينة‬
‫في الليل ربّما ت ُ َ‬
‫هل حقّاً ستُصبح‬

‫في حجم قبضة اليد‬

‫بعد أن عشنا فيها طوي ً‬


‫ال‬

‫كمقادير مجهولة‬
‫َ‬
‫الريح‬
‫في ُمعادالت ّ‬
‫والليالي‬

‫‪112‬‬
‫سينما‬

‫ارات‬
‫ُ‬ ‫يس‪ ،‬ما إن ُس ِم ْ‬
‫عت ص ف ّ‬ ‫الظهيرة‪ ،‬ونحن في طريقنا إلى سينما ِميَا ِل ْ‬
‫خالل تلك ّ‬
‫يارات إس عاف تن اغي جرحاه ا‪ ،‬حتّى‬
‫ُ‬ ‫دأت س‬
‫ْ‬ ‫وطلقات رصاص‪ ،‬ما إن ب‬
‫ُ‬ ‫اإلنذار‬

‫أن‬ ‫َ‬
‫أوشكت أ ْي ُزومي‪ ،‬اليابانيّة العج وز‪ ،‬ال تي ك انت تمشي أمامن ا‪ ،‬ال تي كنّا نعلم ّ‬
‫تخضر وسط األعش اب ‪-‬‬
‫ّ‬ ‫تعرف كيف‬
‫ُ‬ ‫قدما داهية‬
‫أن لها ً‬
‫مسالت رفيعة‪ ،‬و ّ‬
‫ٌ‬ ‫عظامها‬
‫َ‬
‫انت‬ ‫الس يّارات ك‬
‫الص فّارات وزعيق ّ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫أوشكت أن تتهاوى ك ْربا‪ ،‬رغم أن أص وات ّ‬
‫ْ‬
‫تتناهى إلينا من فيلم على وشك االنتهاء في سينما مياليس‪.‬‬

‫ما زال أمامنا وقت قبل أن يبدأ الفيلم الذي سنشاهد‪.‬‬

‫حراس‬
‫قبالة السينما‪ ،‬بار مياليس‪ ،‬في مدخله ّ‬
‫الداخلين‬
‫يتطلعون إلى ّ‬
‫بعيون من كحول‪.‬‬

‫أصطحب ُ ِك لنشرب كأسا‬

‫مرة؟‬
‫أول ّ‬ ‫فت إليهن‬‫تعر ُ‬
‫‪ 10‬خطاطيف يحلّقن فوق رأسينا‪ .‬تسألين كيف ّ‬
‫ّ ّ‬
‫ِ‬
‫وجه إلينا نظ رات‬ ‫تعارفنا‪ ،‬ذات صبيحة بعيدة بين شجرتي كافور‪ ،‬كانت َ ّ‬
‫الش ْمس ت ُ ّ‬
‫فلة‪-‬الساحرة‪ ،‬بِق ُ ْربي‪ ،‬تُخرج من ُس َ ّر ِتها كريّات زجاجية وترمي بها إلي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والط‬
‫ّ‬ ‫حتدةً‪،‬‬
‫ُم ّ‬
‫بالس ّر‪ ،‬رغم‬
‫ّ‬ ‫كنت أس بح في ه‪،‬‬
‫أحدث ُك‪ ،‬أيضا‪ ،‬عن ذلك الجزء من البَحر الذي ُ‬
‫ّ‬ ‫فه ْل‬
‫َ‬
‫أنّهم كانوا قد اتّخذوه متحفاً لعظام الغَواصين القدامى؟‪..‬‬
‫ّ‬
‫‪113‬‬
‫ِ‬
‫كأسك حتى ال يفوتنا الفيلم‪.‬‬ ‫واآلن‪ ،‬أَنْ ِهي‬

‫المرة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫امنا أيزومي ُم َج ّدداً‪ .‬لكنّها في هذه‬
‫حين ينتهي العرض ونغادر القاعة‪ ،‬نرى ق ُّد َ‬
‫ركتهن في قريتها البعي دة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫للحظات أخوا ِتها الالئي ت‬
‫ٍ‬ ‫تمشي مرحة‪ ،‬خفيفة‪ ،‬متناسية‬

‫تكسرة‪:‬‬
‫الم ّ‬
‫بدأت تغنّي‪ ،‬بفرنسيتها ُ‬
‫ْ‬ ‫هنالك قرب طوكيو‪ .‬بل ها هي قد‬

‫« إذا كنت موسيقياً أيّها الهيكل‬

‫العظمي‬
‫ّ‬
‫فأ ِق ْم عندي‬

‫أَ ِق ْم عندي إلى ْ‬


‫أن‬

‫أن‬
‫إلى ْ‬
‫تكتسي باللحم‬

‫ت موسيقياً أيّها الهيكل‬


‫إذا ك ْن َ‬
‫العظمي‬

‫فال تبق في المقهى‬

‫في هذا البرد‪» ...‬‬


‫وها ِ‬
‫أنت ترددين معها‪:‬‬

‫«إذا كنت موسيقياً أيها الهيكل العظمي‬


‫ّ‬
‫أيّها الهيكل العظمي‪»...‬‬
‫ّ‬

‫‪114‬‬
‫جدي ومأثور أقواله‬
‫نصائح ّ‬
‫ِ‬ ‫من‬

‫لهم إذا‬
‫تأبه ْ‬
‫ْ‬ ‫‪ -‬ال‬

‫عظامك تحت المراقبة‬


‫َ‬ ‫وضعوا‬

‫أَخْ ِف األجراس في األعشاش‬

‫ص أحالمك في األقداح‬‫ُر َ ّ‬
‫ُد َس الكهرباء في األحجار‬
‫ّ‬
‫ضدك‬
‫فلن يعثروا ّ‬
‫على دليل‬

‫‪ -‬ال ت َخرج في منتصف ليالي الجليد‬

‫ِإ ِذ المقاهي وحدها تجوس الشوارع‬

‫والعسس ُمغلَقو األبواب‬

‫وال تَب ِْع حذاءك القديم‬

‫ا ُ ْتر ْكه حتّى تعود من سفرك‬

‫واسك ُْن فيه‬

‫‪115‬‬
‫الراقصات‬
‫رأيت الجرا َد يغزو رئات َ ّ‬
‫َ‬ ‫‪ -‬إذا‬

‫الدواء‬
‫وعز ّ‬
‫ّ‬ ‫َو ُز ِكمت الغ ُ َر ُف‬

‫رأيت مجنوناً ي َ ّ‬
‫لف صرختَه حول ساعده‬ ‫َ‬ ‫إذا‬

‫وأُنثى من طحالب يضاجعها غريق‬

‫حرب جديدة‬
‫ٌ‬ ‫فاعلم أنّها‬
‫ْ‬
‫تتهيأ في ال َخفاء‬

‫‪ -‬ال تُسافر أبداً‬

‫أضرب ربابنة ُ البرق‬


‫َ‬ ‫إذا‬

‫األرض دورانها‬ ‫وسر ِ‬


‫عت‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫لت ُ َدوخ النّمل‬
‫ّ‬
‫الريح‬
‫خ ّ‬ ‫وتم استنسا ُ‬
‫ّ‬
‫فهذه كل ُّها من عالئم النّحس‬

‫‪ -‬ال تَبِع القناني الفارغة‬

‫الشخير‬
‫ينبعث منها ّ‬
‫ُ‬ ‫إذا كان‬

‫بع نصيحةَ أبي حيّان‬


‫وات ّ ْ‬
‫ُرب ِ‬
‫رأسك حجر‬ ‫فال تنم إال وق َ‬

‫‪116‬‬
‫أو َح َجران‬

‫اقتربت منك نملة‬


‫ْ‬ ‫‪ -‬إذا‬

‫ورأيت في عينيها ُصفرة‬


‫َ‬
‫وسمعت صرير مفاصلها‬
‫َ‬
‫فاعلم أنّها ال محالة هالكة‬
‫ْ‬
‫رأيت الدموع‬
‫َ‬ ‫وإذا‬

‫التي تتهادى على األعشاب‬

‫سارعت إلى دخول‬


‫ْ‬ ‫قد‬

‫غيرانها‬

‫ست من خطاك‬
‫توج ْ‬
‫ّ‬ ‫فاعلم أنها‬

‫اك ومشية العسكر‬


‫إي ّ َ‬

‫قط أنفاسك االحتياطية‬


‫‪ -‬ال تترك ّ‬
‫غ ْيرك‬
‫في ُمتناول َ‬

‫ق‬
‫السجائر في َش ّ‬
‫اندست ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬إذا‬

‫حائط‬

‫‪117‬‬
‫ش َّ‬
‫ق عليها‬ ‫ال ت َ ُ‬

‫ال تجعلْها تخرج من مخبئها‬

‫مرغمةً‬
‫ِا ِ‬
‫مض لتتجول بعض الوقت‬
‫ّ‬
‫جدول لُعاب‬
‫ِ‬ ‫مررت جنب‬
‫َ‬ ‫وإذا‬

‫فحاذر أن تطأه بقدمك‬

‫للشفاه‬
‫سجن ّ‬
‫ٍ‬ ‫اعلم أنه تسل َ ّل من‬
‫ْ‬
‫المهندس الذي‬
‫واسأل عن بيت ُ‬
‫ْ‬
‫اكتشف آبار نفط‬

‫في جمجمته‬

‫إنّه َع ُمك‬
‫ّ‬
‫الذي أنجب ْته ُ لي امرأة‬

‫السحيق‬
‫من الماضي َ ّ‬
‫فت إليها وهي بع ُد‬
‫تعر ُ‬
‫ّ‬
‫الشمال‬
‫محملة ٌ بموج ّ‬
‫ّ‬
‫في سنة زحفت فيها الكهوف‬

‫على المدن‬

‫وصارت‪ ،‬رحمها اهلل‪ ،‬في آخر‬


‫ْ‬

‫‪118‬‬
‫أيّامها‬

‫خ‪ ،‬شيئا فشيئا‪ ،‬في الثّلج‬


‫ت َ ُسو ُ‬

‫المتهاطل من ذاكرتها‬

‫اختفت‬
‫ْ‬ ‫إلى أن‬

‫كلية‬

‫كنت في سفر‬
‫‪ -‬إذا َ‬
‫نفسك على مشارف‬
‫َ‬ ‫ووجدت‬
‫َ‬
‫غابة‬

‫وأظهرت لك نبتة ق ُّراص‬


‫ْ‬
‫لسانها‬

‫الطريق‬ ‫َ‬ ‫ة‬ ‫قاطع‬ ‫فاعلم أن المثل َ ّ ِ‬


‫ثات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تكمن للعابرين خلف األشجار‬
‫ُ‬
‫تأه ّ ْب‬

‫قوسك‬
‫رج َ‬‫أَخْ ْ‬
‫األصلب من ِسهامك‬
‫َ‬ ‫اخت َ ِر‬

‫صت النّاس من ذلك الخطر‬


‫وإذا خل ّ َ‬
‫ربحت بطاقة سفر إلى جزيرة‬
‫َ‬

‫‪119‬‬
‫جميلة َو َشبِقة‬

‫تجدها في استقبالك‬

‫عاريةً‬

‫‪120‬‬
‫ربّما يكون لي حصان‬

‫السادسة عشرة‬
‫أحببت وأنا في ّ‬
‫ُ‬ ‫الفتاة التي‬

‫في البداية‪ ،‬لم تُبادلني عواطفي‬

‫ثم نسيتُها‬
‫حزنت ّ‬
‫ُ‬

‫كل أحد أمام بيت أبيها‬ ‫أترصـ ُدها‬


‫َّ‬ ‫أعد‬
‫لم ْ‬
‫َّ‬
‫تصنع الكعك‬
‫ُ‬ ‫حيث‬
‫ُ‬

‫ت َ ْد ُرس حياة الجراد‬

‫الح ْمداوي َ ّة‬ ‫َّ‬


‫الحاجة َ‬ ‫وتُنْصت إلى أغاني‬

‫ثم‬
‫يحل األحد‪ ،‬فأمضي إلى البار ّ‬
‫ُّ‬
‫إلى ملعب كرة القدم لتشجيع الفريق الذي أُناصره‬

‫إنّه دينامو الب َ ْرنُوصي‬

‫ثم رأساً إلى غرفة مريم‬


‫أو إلى البار ّ‬
‫المقابل‬ ‫َّ‬
‫بالدين وفي ُ‬ ‫تبيع لي الهوى‬
‫التي ُ‬
‫الضوء قبل أن أستلقي في سريرها‬
‫طفئ ّ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫أ ُ‬
‫وأتخيّل أنّها الفتاة التي أحببت‬

‫السادسة عشرة‬
‫وأنا في ّ‬
‫أضاج ُع‬
‫ِ‬ ‫وأصبحت‬
‫ُ‬ ‫ت لُعبة الت َ ّخيل تلك‬
‫سئم ُ‬ ‫بعد ٍ‬
‫وقت ْ‬

‫‪121‬‬
‫مريم باعتبارها مريم فحسب‬
‫ِ‬
‫حب وا ِلدها العسكري وأمها‬
‫قصة ّ‬
‫التي تروي لي ّ‬
‫ّ‬
‫قضت طفولتها في اليونان‬
‫ْ‬ ‫التي‬
‫ِ‬
‫سيف أبيها‬ ‫ثم في ِغمد‬
‫ّ‬
‫لكن القصص‪ ،‬كما ال يخفى عليكم‪ ،‬ال تنتهي‬
‫ّ‬
‫كل يوم أحد‬
‫َّ‬
‫السادسة عشرة‬
‫أحببت وأنا في ّ‬
‫ُ‬ ‫تخرج الفتاة التي‬

‫تمضي لتُحيّي البحر‪ ،‬ث َ ُّم لشراء‬


‫َ‬
‫متخصصة في وصفات الكعك الجديدة‬
‫ّ‬ ‫مجلّة‬

‫َّ‬
‫تتمشى على قارعة الطريق تتلقّى‬

‫التّهنئة من رجل يجوب البالد بحثاً‬

‫عن امرأة أضاعها في مرفأ‬

‫يقول الرجل إنه يهنّئها بمناسبة حصولها على البكالوريا‬

‫لكنّي لم أجتز بع ُد االمتحانات‪ ،‬تقول هي‬

‫الرجل البدين‬
‫فيخجل ّ‬
‫بالسوق‬
‫ّ‬ ‫واق‬
‫وينصرف ويقوم بجولة في ِر ٍ‬
‫ِ‬
‫فيه الن َ ّ ُ‬
‫ايات بحثاً‬ ‫األسبوعي تبا ُع ِ‬
‫ّ‬
‫عن ناي مسحور‬

‫‪122‬‬
‫يُمكنه أن يعزف لك تلقائيّاً سيمفونيةً‬

‫أو موسيقا أوبرا‬

‫لمنْ ِدل ْ ُز ْ‬
‫ون‬ ‫لموتسارت لهايدن ِ‬

‫أن يُغنّي لك أغنية‬


‫َ‬
‫الح ْمداوي َ ّة‬ ‫َّ‬
‫للحاجة َ‬
‫أما هي فتنصرف لتذر َع أرجاء‬

‫جناح من السوق األسبوعي نفسه‬


‫ٍ‬
‫ومساعديهم‬
‫ُ‬ ‫القديمة‬ ‫الوجوه‬ ‫ِ‬
‫ة‬ ‫اع‬ ‫بب‬
‫ّ َ َ‬ ‫خاص‬

‫من الكيميائين العميان‬

‫بحثاً عن وجه شهرزاد ووجه حسناء‬

‫من تمبوكتو‬

‫ووجه غريتا غاربو‬

‫أعرف أنّها‬
‫ُ‬ ‫في البداية‪ ،‬لم أكن‬

‫كنت وقتها‬ ‫ُّ‬


‫تستعد للتنكّر‪ُ ،‬‬

‫في الملعب أَ ْص ِف ُر بأقصى جهدي‬

‫ِض َ ّد َ‬
‫الحكم الذي أَعلن عن ركلة جزاء‬

‫ضد دينامو البرنوصي‬


‫ّ‬
‫اعتقدت أنّي‬ ‫ب ليلة‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫الصباح‪ ،‬غ َ ّ‬
‫لكنّي هذا َ ّ‬

‫‪123‬‬
‫قضيتُها مع واحد ٍة من أجمل فتيات تمبوكتو‬
‫ْ‬

‫اكتشفت َ ّ‬
‫أن ضجيعتي‬ ‫ُ‬

‫لم تكن سوى مارية‪ ،‬الفتاة التي أحببت وأنا‬

‫السادسة عشرة‬
‫في ّ‬
‫استعملت قناعاً ْ‬
‫إذن‬ ‫ْ‬ ‫لقد‬

‫بعد سنة من اآلن سنتخاصم‬

‫الد ّراجات النّاريّة على‬


‫بعد سنة من اآلن ستكث ُر ّ‬
‫تؤدي إلى ب ِْركَة َعوا‬
‫الطريق التي ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫بعد سنة من اآلن ستتلوى هضبة ٌ من َمغص شديد‬
‫ّ‬
‫لتحمل آالم الوالدة‬ ‫والمداخن ستتطو ُع‬
‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫عن الفتيات الحوامل‬

‫بعد سنة بعد اثنتين بعد ثالث‬

‫سأكون في غابة بعيدة‬

‫أصبحت فهداً أو ببغاء‬


‫ُ‬ ‫لن أكون قد‬

‫سنجاباً أو زرافة أو عظاية‬

‫لكن ستُقيم معي امرأة في كوخ في غابة‬


‫ْ‬
‫أو في كوخ على َشفا حوض تعيش فيه تماسيح‬

‫تستطيع حتّى أن‬


‫ُ‬ ‫صغيرة مسالمة‬

‫‪124‬‬
‫صافحك بأطراف أذنابِها‬
‫َ‬ ‫تُ‬

‫هنالك قرب تمبوكتو‬

‫قس حاراً ِج ّداً‬


‫الط ُ‬
‫ّ‬ ‫سيكون ّ‬
‫عظامه‬
‫ُ‬ ‫حصان‬
‫ٌ‬ ‫وربّما سيكون لي‬

‫من شرار‬

‫جداً رو ُ‬
‫حه‬ ‫حصان هادئ ّ‬
‫من مسحوق الذّهب‬

‫دراجة‬
‫ربّما تكون لي ّ‬
‫السراب‬
‫تستطيع بصرير عجالتها أن تَصنع ّ‬
‫الذي يجتذب عابرين كثيرين‬

‫هكذا سيُمكنني أن أستقبل في كوخي‬

‫ٍ‬
‫شهيرات‬ ‫ٍ‬
‫صات‬ ‫را ِق‬

‫مثل الجوكندة‬

‫وأبطاالً في القفز ُ‬
‫العلوي‬

‫حمورابي‬ ‫مثل‬
‫ُّ‬
‫بعد سنة بعد اثنتين بعد ثالث‬

‫أنفاس باردة تنطلق اآلن من عينَي‬


‫ٌ‬ ‫فثمة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وتُصبح ضبابة كبيرة تج ُدها في المساء‬

‫‪125‬‬
‫قد حاصرت القطارات واألرامل‬

‫لذا أسارع بِالوقوف وربّما بعد دقيقة‬

‫بعد دقيقتين بعد ثالث‬

‫سأغادر هذه الغُرفة‬

‫في طريقي إلى بار مارسيل سيردان‪ ،‬ألتقي‬


‫أستطيع تذكّر ِ‬
‫اسمها‪ ،‬لكنّها‬ ‫ُ‬ ‫زميلتي في العمل‪ ،‬ال‬

‫تدعوني لمعرض لوحاتها‬

‫الذي تقيمه في ُعرض البحر‪ ،‬بحثاً‬

‫عن التّميّز‬

‫أستطيع أن أسبح حتّى هناك‪ ،‬أقول لها‬


‫ُ‬ ‫ال‬

‫ك‬
‫أصبت َش ْع َر َ‬
‫ُ‬ ‫لقد‬
‫فتُجيب‪ْ :‬‬
‫برصاصاتي‬

‫أعز أصدقائي‬
‫وفي شارع اإلربيانة‪ ،‬أجد ّ‬
‫في انتظاري نمضي لنشرب معاً‪ ،‬إنّه ذو ُسلطة‬

‫في البحر إنّه‬

‫ينشغل اآلن بتوجيه ِسهام البارانويا إلى‬

‫السيّارات‬
‫أيائل ُمتَخفّية خلف عجالت ّ‬
‫فيما أفكّر في ُمستقبلي‬

‫‪126‬‬
‫ث لي‬
‫وما سأفعل وما سيح ُد ُ‬

‫بعد سنة بعد سنتين‬

‫بعد ثالث‬

‫‪127‬‬
‫السناجب‬
‫ُقرب َ ّ‬
‫العشيقة غائبة منذ أيام‬

‫الغرفة نائمة منذ ساعات‬

‫وأنت أمام الباب‬


‫َ‬ ‫ُمطوقةً بسياج من لُعاب جدرانها‬
‫ّ‬
‫وال ت َ ْدخُل‬

‫وقفت أمام باب المسرح طوي ً‬


‫ال‬ ‫َ‬ ‫وكُنْ َ‬
‫ت‬

‫ولم تدخل ثم جاءك الخبر‬


‫ِ‬
‫َّ‬
‫بأن الممث ّل القصير الذي كنت تنوي‬

‫ي معه حواراً لصحيفتك‬


‫أن ت ُ ْج ِر َ‬
‫ْ‬
‫مت أوفيليا‬ ‫اختفى ِم ْن علَى الخشبة بعد أن ّ‬
‫تهش ْ‬

‫وتناثرت ِق َ‬
‫طع زجاج‬ ‫ْ‬
‫إن ِلل ْ ُممثل القصير أنفاً من الهمهمات‬
‫قالوا َ ّ‬
‫قالوا إذا أ ُ ْغ ِم َي ثانية على َ ّ‬
‫الشفَق‬

‫سيَظهر من جديد‬

‫الموتى ساكنو القناني‬

‫ويهطل المطر‬

‫وتبرز تجاعيد الحلزون الهرم‬

‫‪128‬‬
‫ليس الزماً أن تكون هاملت لتشفق على أوفيليا‬

‫تركل الباب بعنف‬


‫َ‬ ‫وال داعي ألن‬

‫وقظ الغرفة‬
‫من أجل أن ت ُ َ‬

‫أصوات ارتطام ُّ‬


‫الروبوطات‬ ‫ُ‬ ‫وإن جاء ْتك من َ ّ‬
‫الداخل‬

‫فمعلوم أنها تنبثق‬

‫من رواية الخيال العلمي‬

‫المفتوحة على المنضدة‬

‫المهيبة‬
‫الحبر َ‬
‫ِ‬ ‫ق ُرب قطرة‬

‫ترن‬
‫ّ‬ ‫وأجراس النّحو التي‬
‫ِ‬

‫على رأس كل ساعة‬


‫ّ‬
‫تكتب إلى الغائـبـة‬
‫َ‬ ‫تنس أن‬
‫ال َ‬
‫ياه! إنك تتطلّع إلى األشجار‬

‫السهر طويل على األغصان‬


‫كم ّ‬‫ياه! ِ‬
‫وفي مدفن األلوان النّافقة‬

‫السلوفان‬
‫ياه! في األعالي غيومٌ من ّ‬
‫تُخشخش في الريح الباردة‬

‫ال داعي ألن تركل الباب‬

‫يحدث أن تنام الغرف‬

‫‪129‬‬
‫أن يتناثر أحدهم شظايا‬

‫تفر امرأة من تعاسة رجل‬


‫أن َ ّ‬
‫تستمر األرض في تلميع شعرها‬
‫ّ‬ ‫ومع ذلك‬
‫ِ‬
‫المتشرد التي تتقمصك‬
‫ّ‬ ‫ِا ْم ِض بروح‬

‫واق ِْض الليل في واحد من جراح الغابة‬

‫السناجب الهاربة‬
‫قرب َ ّ‬
‫من ال ِغـيـت ُّوات‬

‫‪130‬‬
‫رسالة‬

‫حوالي فضاء ٌ مدهش‬


‫َّ‬ ‫قضيت ليلتي الماضية في كَ ِ‬
‫نف الغابة‬ ‫ُ‬ ‫لست تعيساً‬
‫ُ‬ ‫ال تقلقي فأنا‬

‫السناجـب وقبل لحظة أمكنني أخيراً ّ‬


‫الدخول إلى الغرفة أتطل ّ ُع‬ ‫أنفاس َ ّ‬
‫ُ‬ ‫تتماوج فيه‬

‫يتقدم على قدميه القديمتين يتصفّح ُم َس َودة الي وم‬


‫ّ‬ ‫الفجر كما عرفناه‬
‫َ‬ ‫من النّافذة فأرى‬
‫ّ‬
‫الظهيرة هذا أمر‬ ‫َ‬
‫المتوق ّعة في ّ‬
‫كمية األمطار ُ‬‫ّ‬
‫القادم يُدخل بعض التّعديالت ربّما على‬

‫هددون القطرة التي أفاضت النّهر‬ ‫مستعجل فقبل أيام ُش ِ‬


‫وهد النّوتيـة وهم ي ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ال تقلقي فالكلمات التي تحيا في رئتي آمنة كُل ّية وال ّدموع النّائمة على كتف الج دار‬
‫ّ‬
‫الدموع ِمذ َْو ُد ّ‬
‫الدراجة أيضاً مملوء وخالي الذي كان س ي ُ ْع َدم‬ ‫قبالتي تفوح منها رائحة ّ‬

‫فوا عنه في آخر لحظة وكان منزعجاً من عطل ط َ‬


‫ال‬ ‫ِ‬
‫لكثرة حروف العلّة في اسمه َع ْ‬
‫عت في كتفيه دفوف العافية‬
‫أن ق ُِر ْ‬
‫نت بعد ْ‬
‫تحس ْ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫لكـن حاله‬ ‫أنفَه‬
‫ِ‬
‫الطول لم تسقُط وال ريشة بين فكّي الجمرة المترب ّصة‬
‫الصباح متساوية ُ ّ‬
‫ساعات هذا ّ‬
‫ُ‬
‫الطير‬ ‫ِ‬
‫ببُغاث ّ‬
‫الرج ل‪-‬‬
‫ابلت ّ‬
‫ُ‬ ‫مضيت نحو مكتب البريد في ط ريقي ق‬
‫ُ‬ ‫كل هذا وأنا أفتقدك باألمس‬
‫ّ‬
‫ورأيت الباعة المتج ولين‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫بعض هم‬
‫ُ‬ ‫المسمار س ّرني كث يراً أنّه لم يَص د ْأ كما ّ‬
‫ادعى‬
‫ٍ‬
‫بنظرات رهيبة‬ ‫السحب‬ ‫ِ‬
‫مصطفّين في طابور طويل يَحدجون ّ‬
‫يوزعون التّلغرامات بالتّساوي على فق راء المدينة واح ٌد‬
‫السعاة ّ‬
‫وصلت كان ّ‬
‫ُ‬ ‫حين‬

‫‪131‬‬
‫ل ش يء س يمفونية تاس عة وأراد أن‬ ‫الم جميل وك‬ ‫منهم هَ َم َس في أذ ِني ِا ْبت َ ِس ْم الع‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫الطيب‬ ‫يعطيَني تلغراماً‬
‫يدي كانتا متشابكتين خلف ظهري فيا لساعي البريد ّ‬
‫ّ‬
‫لكن‬
‫ّ‬
‫كل ه ذا وأنا أفتق دك ودميتك اللع وب لم ت َ ُعد تحش ُر خ َْط َمها في ُس ّرتها كما أنّي‬
‫ّ‬
‫أعتني كثيرا باأللوان الخمسة التي هي أطفال اللوحة المعلّقة في غرفتنا وحتّى أثناء‬

‫النّوم أحتفظ تحت القناع بابتسامتي‬

‫المعتمر ِة طاقيةً من َحبَب‬ ‫ِ‬


‫الغرفة ُ‬ ‫ِ‬
‫أنتظرك في هذه‬ ‫ال تقلقي‬

‫‪132‬‬
‫َج ّد‬

‫أقدامهم التي َ ّ‬
‫مشطت َشعر الحقول جاؤوا‬ ‫ْ‬ ‫على‬

‫نبشوا دموعاً‬
‫من كابوس القبيلة كانوا قد ُ‬

‫السبعة‬
‫ليستعملوها في أيام الحداد َ ّ‬
‫كانوا من عشيرة يشترك أبناؤها َدوماً‬

‫في نفس األحالم‬

‫في الليلة الفائتة رأوا في المنام أن َ ّهم حالزين‬

‫لم يستغربوا الرؤيا‬

‫أن الفصل لم يكن‬


‫رغم ّ‬

‫شتاءً‬

‫من مستودع لألموات ت ُ ْحفظ فيه جثث إلى أن‬

‫يحضر األهل لدفنها‪َ ،‬س َرقوا‬


‫َ‬
‫ُجث َ ّة صديقهم‬

‫غطسوها ثالثاً في ب ُ َح ْي َرة‬

‫نقلوها في عربة من شارع إلى آخر‬

‫‪133‬‬
‫الطابق الرابع للملهاة‬
‫وفي ّ‬
‫الصديق على أريكة في البلكون‬
‫أجلسوا ّ‬
‫الم ْسبَح الذي يبدو‪ ،‬من عل‪،‬‬
‫وجهه شطر َ‬
‫َ‬ ‫ُم َولّين‬

‫كأنّه غير واقعي‬


‫ِ‬
‫ن المعالم‬
‫وفي اآلن نفسه‪ ،‬بي ّ َ‬

‫الصديق ُم َو َ ّ‬
‫جهتان إلى أسفل‬ ‫عينا ّ‬
‫كأن َ ّما هو‪ ،‬أيضاً‪ ،‬يتملّى بخضرة الماء‬

‫غضة‬
‫بمرأى أجساد ّ‬
‫دورهن‬ ‫ـن ُص‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫إلناث يـ َْحـق ُ ّ‬
‫ِقليل من َوهَج األصيل‬
‫ب ٍ‬

‫الصديق‬
‫الثّالثة شربُوا في صحة ّ‬

‫لم يـ ْثـ ِنـهم عن ذلك ُ‬


‫علم ُهم أنّه ميت‬

‫بل إنّهم وضعوا أمامه كأساً‬

‫مرت على موته‬


‫وهو ال يدري كم ساعة َ ّ‬

‫لكنه يُدرك َ ّ‬
‫أن ُمجالسيه‬

‫نثروا على وجهه أحالماً بيضاء‬

‫‪134‬‬
‫ليلي‬ ‫كانوا قد اشتروها – للمناسبة‪ -‬من ُسوق‬
‫ْ ّ‬

‫يذكر أنهم ألبسوه ثياباً‬

‫القميص جميل حقّاً‬


‫ُ‬
‫لقد نَسج ْته بأسنانها عاقر‬

‫كانت قد تبنّت ك ُ َ‬
‫وساةً ونحلتين‬
‫ِ‬
‫قبل أن تتيه في الحقول‪ُ ،‬ملوحة للفراغ‬
‫ّ‬
‫بجدائل تعود إلى أيام‬

‫طفولتها‬

‫مرة دخل فيها بيتَه‬ ‫ِ‬


‫يَذكر آخ َر ّ‬

‫وكَ ْيف فوجئ إذ الحظ ّ‬


‫أن األبواب‬

‫أصبحت من عجين‬
‫ْ‬
‫وكيف أقلع ‪-‬أمام عينيه‪-‬‬

‫الموق ُد بجمراته المشتعلة‬


‫َ‬
‫ودوم طوي ً‬
‫ال في المطبخ الذي‬
‫ّ‬
‫كان‪ ،‬هو‪ ،‬قد زيّن جدرانه‬

‫ببالطات اقتلعها‬

‫‪135‬‬
‫من قبور‬

‫ليزورها‬
‫َ‬ ‫ما كان أح ٌد‪ ،‬بع ُد‪،‬‬

‫المسبح‬
‫يستشف جنب َ‬
‫ّ‬ ‫لكنّه‪ ،‬اآلن‪ ،‬ال‬

‫إال أشكاالً هالمية‬

‫ُود ِحسان‬
‫يتحدثون عن خ ٍ‬
‫َّ‬ ‫فيما جلساؤه‬

‫ظهورهن النّسيم‬
‫ّ‬ ‫يدغدغ‬
‫ِ‬
‫قطرات ماء خضراء‬ ‫عن‬

‫نهد‬
‫تلتمع على أرومة ْ‬

‫فكيف لميّت أن يبصر حتّى‬

‫كانت ثمة عين‬ ‫وإن‬


‫ْ ّ‬
‫طرز‬
‫الم ّ‬
‫شي جيب قميصه ُ‬
‫ت ُ َو ّ‬
‫حديث عهد بالموت‬
‫َ‬ ‫حتى وإن كان‬

‫العين نَجالء‬
‫ُ‬ ‫وكانت‬

‫حتى وإن كان في آخر جلساته‬

‫على َسطح األرض‬

‫وإن‪ ،‬بين عينيه‪ ،‬كان ي َ ْعب ُ ُر تابوت‬


‫ْ‬ ‫حتى‬

‫‪136‬‬
‫ينوء بحمولته من األجراس‬

‫ِ‬
‫كيف لمي ّت أال يتّخذ بين جلسائه‬

‫جبل َمنفي في جزيرة‬


‫هيئةَ ٍ‬

‫ستجيئه عصافير‬

‫أغصان في جرح‬
‫ٍ‬ ‫من‬

‫وبمعاول كانت‪ ،‬لسنين‪،‬‬


‫َ‬
‫ذات سطوة في المستنقعات‬
‫َ‬
‫تكسر أحجاره ِ‬
‫وعظامه‬ ‫ُ‬

‫في البرد أغفى األصدقاء‬

‫ويَدا الميّت موضوعتان‬

‫على قوس ق ُزح‬

‫انداح‪ ،‬بأنا ٍة‪ ،‬من كأسه‬

‫لميت‬
‫لكن‪ ،‬كيف ْ‬
‫يضجر بين األحياء‬
‫َ‬ ‫أاّل‬

‫أش ّدها في نوم جلسائه‬


‫والقرقعة ُ على َ‬

‫‪137‬‬
‫ظهرت َح َدبَته‬
‫ْ‬ ‫والمساء ُ قد‬

‫وارب‬
‫وثمة أطفال أطلّوا من باب ُم َ‬
‫ّ‬
‫فروا خائفين‬
‫ثم ّ‬

‫كانوا قد استيقظوا ثم ناموا‬

‫ثم استيقظوا‪ ،‬وأخيراً قرروا أن َ ّ ُهم‬

‫استمتعوا برفقته‬

‫لن يتسنّى ألحد أن يفعل‬


‫كما ْ‬
‫وأنه آن األوان ليتخلّصوا منه‬

‫تحت جنح الظالم‬

‫أيدفنونه‪ ،‬إذاً‪ ،‬في حديقة‪،‬‬

‫أيرمونه في البحر؟‬

‫ال‪ ،‬بل ي ُ َم ّددونه أمام باب‬

‫مستودع األموات‬

‫جار‬
‫شك‪ٍ ،‬‬
‫ّ‬ ‫فالبحث عنه‪ ،‬ال‬

‫أكبرهم‬
‫ُ‬ ‫هذا ما اقترح‬

‫الذي كان قد هيأ له شاهدة قبر‬

‫‪138‬‬
‫سيتركها تحت ِ‬
‫رأسه‬

‫مر أح ٌد بقبره‪ ،‬سيقرأ على تلك الشاهدة‪:‬‬


‫إن ّ‬
‫‪ -‬هُنا ينام نومته األبديّة‬

‫ار الذي قضى ليلته الثّانية كَ َميّت‬


‫البح ُ‬
‫ّ‬
‫ساهراً‪ ،‬يتملّى بأشكال سبّاحات مشيقات‬

‫الطابق الرابع للملهاة‬


‫من َ ّ‬
‫الذي كان‪ ،‬أيضا‪ ،‬شاعراً‬

‫وكتب أبياته األخيرة‬


‫َ‬
‫بقيت‪ ،‬بإخالص‪،‬‬
‫ْ‬ ‫في مدح إبرة‬

‫ابيضت‬
‫ّ‬ ‫ترفو ثيابه إلى أن‬

‫عيناها‬

‫ِحار‬
‫الذي غطس في أعماق ب َ‬
‫َظ َهر في أحالم سفن‬

‫مدن‬
‫شارك في تشييد ٍ‬
‫َ‬
‫من َمرجان واشتغل‬

‫بمهن أخرى‬
‫ٍ‬

‫الذي‪ ،‬في طفولته‪،‬‬

‫‪139‬‬
‫أراغن‬
‫َ‬ ‫أنق َذ‬

‫ارتمت‬
‫ْ‬ ‫كانت‪ ،‬من فرط كآب ِتها‪ ،‬قد‬

‫في اآلبار‬

‫قط‬
‫حض ْر ُّ‬
‫الذي لم ي َ ُ‬
‫ُرى بعيدة‬
‫اب ق ً‬ ‫إعدام شمعة‪َ ،‬‬
‫وج َ‬ ‫َ‬
‫حصان من‬
‫ٍ‬ ‫على َصهوة‬

‫اللوبياء‪ ،‬ثم مات‬

‫الر ْبو‬ ‫ً‬


‫غريقا‪ ،‬بعد أن صارع ّ‬
‫آخر‬
‫ِ‬ ‫َزمناً‪ ،‬وفي‬

‫أيّامه‪ ،‬طال قذالُه‪ ،‬لعكوفه‬

‫زمناً على ُصنْع سروج‬

‫وأصبحت له غُـن َ ّـة ُ‬


‫ْ‬ ‫من ثلوج‪،‬‬

‫ينفث الكلمات‬
‫ُ‬ ‫من‬

‫الزجاجي‪ ،‬وشفتان تشتغالن‬


‫عبر أنفه ّ‬
‫بالكهرباء‬

‫‪140‬‬
‫‪-6-‬‬

‫قصائد من مجموعة‬

‫سافرت‬
‫ْ‬ ‫يون طالَما‬
‫ُع ٌ‬

‫‪141‬‬
‫بَ ْحر أسود‬

‫بحر أَ ْسو َد ي ُ ْبعدني‬


‫باب ٍ‬
‫ب النّوم ي َ ْم ُخر بي ُع َ‬
‫قار ُ‬
‫ِ‬

‫عن غُرفتي في هذه الليلة َ ّ‬


‫الش ْتوية‬ ‫ْ‬
‫الموج العاتي يتقاذف ُه‬
‫ُ‬
‫البرق‪ ،‬أيضاً‪ ،‬ت َ ْه ِوي‬
‫ِ‬ ‫سيوف‬
‫ُ‬

‫في األعا ِلي‪ ،‬بال ْ‬


‫رحمة‬

‫وخَوفي يتركّز في حاجبي!‬


‫ّ‬
‫الطيُور‬
‫أنصاف ُّ‬
‫ُ‬ ‫لكن‪ ،‬فوق رأسي‪،‬‬
‫ْ‬
‫بقيت حي َ ّةً ب ُِم ْعجزة‬
‫ْ‬ ‫التي‬

‫ضعاً في ُمهود‬
‫ضع ُر ّ‬
‫تَ ُ‬
‫وص َرخا ِت ِه ْم في صناديق الب َ ْرد‬
‫َ‬
‫َوت َ ِع ُدني بحيا ٍة َجديدة‬

‫َحال َ َما أستيقظ‬

‫ِمن هذا ُ‬
‫الحلم العنيف!‬

‫‪142‬‬
‫نزل ِق ْرميداً من العربة‬
‫نُ ِ‬

‫نزل ِق ْرميداً من العربة فيما‬


‫نُ ِ‬

‫الرمل القريبة‬ ‫على ك ُ َ ِ‬


‫ومة َ ّ‬
‫نصائح باألزيز‬
‫َ‬ ‫نَحلة ٌ َع ُطوف ت ُ ْز ِجي لنا‬
‫ِ‬
‫إن نُطب ّقْها تَتقو عضالتُنا بالتّأكيد‬ ‫ْ‬
‫َّ‬
‫مأوى للعجوز‬
‫ً‬ ‫أن نبني‬
‫فنحن نري ُد ْ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫الشتاء الماضي‬
‫ت بنا مترنّحةً في ّ‬ ‫ال َ ّ ِتي َّ‬
‫مر ْ‬
‫الع َدس‬
‫واختفت في َحقْل َ‬
‫ْ‬
‫ت‬
‫‪...‬ر ْ‬ ‫ت بنا آ ِه ْ‬
‫مر ْر ْر َ‬ ‫مر ْ‬
‫ّ‬
‫ت‬
‫رر‪...‬ر ْ‬
‫َ‬ ‫مر ْر‬
‫مرت بنا ْ‬
‫ّ‬
‫الشتاء الماضي‬ ‫غنّينا ِ‬
‫لك يا من ترن ّ ْح ِت في ّ‬ ‫هكذا َ‬

‫الظ ْه ِر‪ ،‬يا أَ ْد َر ُد‬


‫وأنت أيّها الماضي‪ ،‬يا ُمق َ َ ّو َس َ ّ‬
‫َ‬
‫ك‬ ‫لقد أَ ْت ْ‬
‫رعنا جيوب ُ َ‬ ‫ْ‬
‫نان حليب‬‫وأس َ‬ ‫ُص َوراً ْ‬
‫ِ‬
‫رأسها‬ ‫كان‬ ‫ة‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫وأنت يا ُم َد ّ‬
‫واس ُمها‬
‫خاصةً ْ‬
‫َّ‬ ‫يُؤ ِل ُمها في األصباح‬

‫‪143‬‬
‫كان يبدأ بالجيم‬

‫تيسر من هَ ْأهآت‬ ‫ِ‬


‫ت َ َر ْكنا لك ما ّ‬
‫ون َ َمشاً كثيراً‬

‫كل نمشة لها مفعولُ حبّة أسبرين‬


‫ُّ‬
‫ِكرامٌ نحن وأطفال وسعداء‬

‫الح َ ّريقة‬
‫ولم نعد مغروسين بين نباتات ُ‬
‫ٍ‬
‫واحد من أوائل‬ ‫ِ‬
‫عليه في‬ ‫كما كُن َ ّا‬

‫أحالمي‬
‫ِ‬
‫نمدحك يا ُمترنّحة وكم ِ‬
‫ود ْدنا‬

‫لو دغدغنا إبطك األيمن‬

‫ذات ليلة‬
‫َ‬ ‫فقد َع َر ْفنا أن َ ّ ِك ّ‬
‫جدتُنا بعد أن سمعناك‬
‫ِ‬
‫بالشباك‬
‫ّ‬ ‫ضعاً كيف يصطادون ُشهباً‬ ‫تُعلّمين ُر ّ‬
‫ذات سهرة كنت تُربّتين‬
‫َ‬ ‫وقيل إن ّ ِك‬

‫الراقصة‬
‫على حدبة ّ‬
‫اله ْرمونيكات‬
‫خ في َ‬
‫فيما كنّا نَنف ُ‬

‫خ ون َ ْنفخ‬
‫نَنف ُ‬

‫نَنفخ فيها لتبقَى ُم َ ّ‬


‫عززةً وال ت َ ْصدأ‬

‫السجون‬ ‫ْ‬
‫فَيُلقَى بها في غياهب ّ‬

‫‪144‬‬
‫ت‬
‫‪...‬ر ْ‬
‫مر ْر ْر َ‬
‫ت بنا آه ْ‬
‫مر ْ‬
‫ننفخ ونُغَنّي‪ّ :‬‬
‫ت‬
‫‪...‬ر ْ‬
‫مر ْر ْر َ‬
‫ت بنا ْ‬
‫مر ْ‬
‫ّ‬
‫أن ننتهي من البناء َو َو ْقتَها‬
‫وهكذا إلى ْ‬
‫سنُقيم َح ْف ً‬
‫ال‬

‫يَحضره الباعة المتجولون والمساكين‬


‫ّ‬
‫وراقصة حدباء‬

‫ِصداعها‬
‫والم َد ّرسة ب ُ‬
‫ُ‬ ‫السبيل‬
‫وابن ّ‬
‫ُ‬
‫النّصفي‬
‫ّ‬
‫وكذلك الوجو ُد والعدم‬

‫قلوبهن‬
‫ّ‬ ‫فتحن‬
‫َ‬ ‫والتّلميذات اللطيفات اللواتي‬

‫الصغيرة الحزينة‬ ‫ِ‬


‫لسي َّارات ّ‬
‫ل َّ‬
‫التي ُو ِل ْ‬
‫دت‬

‫بِال عجالت‬

‫‪145‬‬
‫أنا اآلن‬

‫جدي‬
‫أنا اآلن في قرية ّ‬
‫أقتعد كرسيّاً صغيراً تحت حائط الجامع القديم الذي‬

‫يتدلّى حواليه صبّار كثير‬

‫وثمة كالب تقضي قيلولتها في ظل كومة ِتبن‬


‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تتحادث جماعة المقامرين تحت شجرة‬
‫ُ‬ ‫فيما‬

‫خلف الجامع‬
‫ٍ‬
‫بأصوات خافتة ومتوتّرة‬

‫السالم بائع الك َيف‬


‫عن عبد ّ‬
‫الصباح‬ ‫وكيف اعتقله َ ّ‬
‫الدرك في ّ‬
‫وكيف كانت الومضات تنثالُ من َشيب ِ‬
‫رأسه‬

‫قويّةً‬
‫ِ‬
‫متأججةً‬
‫ّ‬ ‫وتتناثر في الجو‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫خوف شديد‬ ‫أت ُ َرى كان ذلك من‬

‫أم من ِحقْ ٍد عنيف‬


‫ْ‬
‫قامرت ذات صباح‬
‫ُ‬ ‫فكنت أيضاً ْ‬
‫قد‬ ‫ُ‬ ‫أما أنا‬
‫ّ‬

‫‪146‬‬
‫بحصان صغير‬
‫ٍ‬

‫جاز تتنامى‬
‫كانت أنغامُ ٍ‬
‫ْ‬ ‫اعتَها‬
‫وس َ‬
‫َ‬
‫في أذني اليمنى‬

‫حدادون‬
‫وفي الي ُ ْسرى كان ي ُ ْس َم ُع ّ‬
‫وهم ينهالون بمطارقهم على‬

‫وخسرت حصاني‬
‫ُ‬ ‫َح َد ٍ‬
‫وات‬

‫الصغير‬
‫ّ‬
‫وها أنا تحت حائط هذا الجامع القديم‬

‫أتابع قراءة رواية‬

‫عجيب أَ ْم ُرهَا‬
‫ٍ‬ ‫رواي ٍة رهيب ٍة‬

‫ياه!‬

‫ما أكثر قتالها!‬

‫‪147‬‬
‫ق ُْبيل الغروب‬

‫الحقُول‬
‫ضت ُ‬‫ُبيل الغ ُ ُروب‪ ،‬نَف َ َ‬
‫ق َ‬
‫المواشي‪ ،‬فلم ت َ َذ ْر‬
‫هورها ق ُطعان َ‬
‫َعن ُظ ِ‬

‫لها من أثر‬

‫هكذا‪ ،‬لم ي َ ْب َق في جنباتها الذّهبي ّ ِة األعشاب‬

‫بعض الث ُّغاء الخفيف‬


‫سوى ِ‬

‫ُّ‬
‫الرعاةُ عادوا َح َزانَى‬

‫األنظار‪ ،‬ف َدلَفُوا إلى َ ّ‬


‫الزرائب‬ ‫َ‬ ‫وأرادوا االخْ ِتفاءَ عن‬

‫الراعي األحمق بَ ِقي واقفاً وسط القرية‬ ‫َو ْح َده ُ َ ّ‬


‫َ‬
‫ِ‬
‫للريح‬‫ُمتهل ّالً‪ ،‬يَعزف ّ‬
‫ِ‬
‫ج يا ً‬
‫ُمت َ َر ّ‬
‫ِ‬
‫الدبَبة‬ ‫ِ‬
‫شبيهات ّ‬ ‫تجلب بنا ِتها‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫ِ‬
‫َّ‬
‫منهن األطفال المتحل ّقون من حوله‬ ‫يرتعب‬
‫َ‬ ‫حت َ ّى‬

‫فيضحك‬
‫َ‬

‫هم‬ ‫ِ‬
‫وصياح ْ‬ ‫من قفزا ِت ْ‬
‫هم‬
‫ِ‬
‫بنداء‬ ‫ِ‬
‫وم ْن َر ْف ِع ِه ْم لعقائرهم‬

‫أمها ِتهم‬
‫ّ‬
‫‪148‬‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫بدلتها‬
‫ن ْ‬‫المعل ّمة ت ُ َزي ّ ُ‬
‫ُ‬

‫ِ‬ ‫َ‬
‫بدلتها ب َِطائر‬
‫ن ْ‬‫المعل ّمة ت ُ َزي ّ ُ‬
‫ُ‬
‫إن المعادالت‬
‫الدرس تقول ّ‬
‫في حجرة ّ‬
‫اختفت فجأةً من رأسها حين كانت تَسبح‬
‫ْ‬
‫في البحر‬

‫قالت‪ :‬ربّما أكل ْتها األسماك‬


‫ْ‬ ‫تلميذة ٌ‬

‫فقلنا جميعا‪ :‬ربّما‪ُ ،‬ربّما‬


‫ِ‬
‫الريح‬
‫طويل َح َمل ْته ُ إليها ّ‬
‫ٍ‬ ‫ب ُِم ْش ٍط‬

‫ت َ ْف ُر ُق المعلّمة َش ْع َرها من الوسط‬

‫مما يَجب‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫لكن من يصفّق منّا أكثر‬

‫مرات‬
‫سبع َ ّ‬
‫بالطواف َ‬
‫ّ‬ ‫سي ُ ْحك َُم عليه‬

‫حول المجنون الن َ ّائم‬

‫محطة البنزين‬
‫َّ‬ ‫ب‬
‫ق ُْر َ‬

‫‪149‬‬
‫غريب أ َ ُ‬
‫مر هذا الحقل‪...‬‬ ‫ٌ‬

‫غريب أمر هذا الحقل‬


‫ٌ‬
‫الدوام‬
‫إنّه متجهّ ٌم على ّ‬
‫وهذا النّاي‬

‫ليس سوى بلعوم مديد‬


‫الذي َ‬
‫وهذي البئر التي حفرناها‬

‫المراهقة‬
‫أيام ُ‬
‫َ‬
‫ووزع ْتها‬ ‫وها قد َول َ ْ‬
‫دت ق ُمصانا ّ‬
‫الدالء الهائمين‬
‫على حاملي ّ‬
‫غريب أمر هذي المداخن‬
‫ٌ‬
‫السطوح‬
‫المهجورة على ّ‬
‫حين ننظر إليها بعيوننا التي طالما‬

‫سافرت‬
‫ْ‬
‫رفقة لقالق‬

‫الطفولة‬
‫ّ‬

‫‪150‬‬
‫ق َ َدمٌ َم ْن ِسي َّة‬

‫كتاب نادر‪" :‬كيف تُصبح بَرمائي اً في خمس ة أي ام"‪ .‬أبي أحرق ه ألن ّ ه‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫كان عندي‬

‫السالحف وأشباهها‪.‬‬
‫يحب ّ‬
‫ّ‬ ‫حسبما قال‪ ،‬لم يكن‬

‫إث َْرها‪ ،‬غادرت البيت ُم ْغضباً‪ ،‬وتخفّيت شهوراً في تنهيدة امرأة‪.‬‬

‫ثرت على أق دم ُطحلب في‬


‫ُ‬ ‫لعبت ب ه زمن اً وع‬
‫ُ‬ ‫نفخت في َصبيحة فصيرتُها بالوناً‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ثم‬
‫ّ‬
‫جدا ومنسي ّ ٍة في حقل‪ ،‬فتركتُها تَركل ذلك الب الون وت ُ ِ‬
‫نج ز‬ ‫قدم قديمة ّ‬
‫التّاريخ تحت ٍ‬
‫المراوغات‪.‬‬

‫قلت في نفسي لعلّها قدمُ أبينا آدم التي كان ركل بها تفّاحةَ الجنة لي ُ َص يرها بالون اً‬
‫ُ‬
‫ّ‬
‫جل اإلصابات في‬
‫تستحق أن تكون قدم العب كرة قدم ُمحترف يُهاجم وي ُ َس ّ‬
‫ّ‬ ‫وهي حقّاً‬

‫الجنّة‪.‬‬

‫ذات ال بين م ع العائل ة‪ .‬أَ ْدهَ َش ِني‪،‬‬


‫َ‬ ‫لحت‬
‫ُ‬ ‫ثم ُعدت إلى البيت‪ .‬وفي اليوم نفسه أص‬
‫ّ‬
‫كنت في وسط المدين ة‬
‫الموالي‪ُ ،‬‬ ‫أن ال ِق ّط لم ي َ ْب َق منه ُ‬
‫غير شبحه‪ .‬وفي الفجر ُ‬ ‫ف ََح ْسب‪ّ ،‬‬
‫ار‬
‫خص َص ْتها الحكوم ة النتح ِ‬ ‫مع الذين يقذفون أحجاراً‬
‫الساحة التي ّ‬
‫صوب حارس ّ‬
‫َ‬
‫المجانين‪.‬‬

‫الريح‪ ،‬هنالك خلف جبال الهماليا‪.‬‬ ‫ح ِف ْ‬


‫ظت في أرشيف ّ‬ ‫هذه المغامرات‪ِ ،‬ل ِعلْمكم‪ُ ،‬‬

‫‪151‬‬
‫حانة ٌ‬
‫حانة ٌ ت ُ ِطل على بركة صغيرة‪ ،‬ق ُْربَ َها‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫الطفل‬
‫شجرة ٌ تُحسن حمايةَ ّ‬
‫ل راكضاً من جهة البحر‬ ‫الذي ِ‬
‫يص ُ‬
‫يُطارده خُف َ ّا أبيه الغاضب‬

‫ل من نافذتها على الليل‬ ‫يحدث أن أ ُ ِط‬ ‫حانة ٌ‪،‬‬


‫َّ‬ ‫ُ‬

‫الشاطئ‬
‫وهو يَمضي نحو ّ‬
‫بحار‬ ‫ً‬
‫ُم َر ّددا أغنية ّ‬
‫والظالم يهبط‬ ‫ل من نافذتها‬ ‫يحدث أن أ ُ ِط‬ ‫حانة ٌ‪،‬‬
‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬

‫فأرى العصفور الذي كان يلعب‬

‫جذب تلّةً من ذيلها‬


‫الذي كان ي َ ُ‬
‫ستائر الحقل‬
‫َ‬ ‫ي ُ ْس ِدلُ‬
‫ويأمر األعشاب بالنّوم‬

‫إنِّها حانة القرصان‪ ،‬البعيدة‬

‫عن صخب المدينة‬

‫حيث‪ ،‬ها ِنئاً‬

‫خ النّبيذ‬
‫يشي ُ‬

‫في مسامي!‬
‫ّ‬

‫‪152‬‬
‫ِخرفان الليل‬

‫ب الضوضاء القادمة من وسط المدين ة‪ .‬من ناف ذة بي تي‪،‬‬ ‫يتشر ُ‬


‫ّ‬ ‫جو سبتمبر الجميل‬
‫ّ‬
‫حت‬ ‫ْل قوقع ٍة كبيرة‪ .‬والهض بة القريب ة‪ ،‬كَ َأنّه ا أض‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫إن لها َشك َ‬
‫تبدو لي سفينة ٌ ت ُ ْبحر‪ّ .‬‬
‫الش عر‬
‫ل َّ‬‫خص طوي ُ‬
‫الش ُ‬
‫العالي ّ‬
‫سطحها َ‬
‫َ‬ ‫تحجب عنّي البحر‪ .‬لقد اقتع َد‬
‫ُ‬ ‫شفّافة‪ ،‬فهي ال‬

‫يعصرها وبعدها‬
‫ثم ُ‬ ‫ٍ‬
‫نفسه‪ ،‬وهاهو يقوم‪ ،‬كالمعتاد‪ ،‬بحركات توحي بأنّه يَقطف غيمات ّ‬
‫ُ‬
‫ذات ليلة‪ ،‬قبل سنة‪ ،‬فوق صخرة‬
‫َ‬ ‫يُطلقُها لتعود إلى الفضاء مثلما حمائم‪ .‬حين التقيتُه‬

‫تشرف على البحر‪ ،‬قال لي إنّه يُسمي نفسه سيزيف الجديد‪ .‬كانت األم واج لحظتَه ا‬
‫ّ‬
‫كل من ّ ا‬
‫ثم تهرب من جديد‪ .‬وكان ٌّ‬
‫ثم تعود‪ّ ،‬‬
‫تنفك تهرب‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫خرفاناً ُملْتهبة المزاج‪ ،‬ما‬

‫البح َر على انْ ِتش ائه‪...‬‬


‫ب وي ُ ْش ِه َد ْ‬ ‫ِ‬
‫وكأسه‪ ،‬لي َ ْش َر َ‬ ‫قد جاء إلى ذلك المكان‪ ،‬بقنّينة نبيذه‬

‫نفس الثّانوي ّ ة‪ ،‬خالل ن ْف ِس‬


‫درسنا في ِ‬
‫الشباب‪ْ ،‬‬
‫وتحاد ْثنَا‪ ،‬فاكتش ْفنا أنّنا‪ ،‬في بدايات ّ‬
‫الس ِ‬
‫نوات‪ ،‬وفي وقت ما‪ ،‬أحببنا نفس الفتاة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫يتشربُه جو‬ ‫ِ‬
‫والخرفان المائيّة ال تَني تركُض وتركُض‪ ...‬ث ُغاؤها‬ ‫المصادفات‪،‬‬
‫ل تلك ُ‬ ‫كُ‬
‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫سبتمبر الجميل‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫غرفة ضيّقة‬

‫الرصيف‬
‫َوق ُْع حذائي على ّ‬
‫عبر نافذ ِة غرفتي‬
‫ينفذ إلى أذن َ َ ّي‪َ ،‬‬
‫إنّه ُ الحذاء الهارب من الخدمة‬

‫سيره في الخارج‬
‫يُتابع َ‬
‫وقدماي تستغربان‬

‫هذا العقوق‬

‫وثمة أغنية ٌ تصعد نحوي األدراج‬


‫ّ‬
‫الشارع نفسه‪ ،‬ذي البرد‬
‫قادمةً من ّ‬
‫الجريح‬

‫إنّها للمغني األعمى‪ ،‬الذي‬

‫يبيت في العراء‪ ،‬وعيناه‬


‫ُ‬

‫هما َصنْجاه‬
‫ِ‬
‫فراض بالبقاء في هذه الغرفة َ ّ‬
‫الضي ّقة‬ ‫ٍ‬ ‫أما أنا‬

‫ضجرت حقّاً‬
‫ُ‬ ‫لكن‪ ،‬متى‬

‫أركض فيها‬
‫ُ‬

‫فتتحول إلى بلد كبير‬


‫ّ‬
‫‪154‬‬
‫فيه قتلى يصنعون البارود‬

‫وكنوز مخفيّة‬
‫ٌ‬ ‫وكتب كثيرة‪،‬‬
‫ٌ‬
‫في رئات العصافير‬

‫الح ْزن‬
‫بل ٌد كبير ودائري‪ ،‬حيث ُ‬
‫يُزال بالمماحي‬

‫وحيث‪ ،‬كثيرا ما يكون اهلل‬

‫هو النّسيم‬

‫‪155‬‬
‫اع َي اللت َ ْي ِن َطال َ َما‪...‬‬
‫َ‬ ‫ب ِِذ َر‬
‫ّ‬

‫اللتي ِن طالَما َح َملَتَا ِني‬


‫ْ‬ ‫ب ِِذراعي ‪-‬‬
‫ّ‬
‫باب بي ِتنا‬
‫حتّى ِ‬

‫ب من إحصاء الكهوف‬
‫كنت أ ْت َع ُ‬
‫حين ُ‬

‫هذ ِه من ِه َوايات شبابي –‬


‫إذ إن ِ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫فتى ِش ّرير‬ ‫ريق في ْ ٍ‬
‫وجه ً‬ ‫الط َ‬‫أسد ّ‬
‫ّ‬
‫ِل راكضاً ويَنْ ِوي‬
‫كان يُقْب ُ‬
‫َ‬
‫ُزامى‬
‫أغصان ُش َج ْيرة خ َ‬
‫َ‬ ‫أن يَك ِْس َر‬

‫تشترك في ِمل ْ ِكي َ ّ ِتها‬


‫ُ‬
‫َس ْب ُع جرادات‬
‫ِ‬
‫فينكص على عقب َ ْيه ويَختفي‬
‫ُ‬ ‫أ ُ ْف ِل ُح في َص ّده‬
‫ِ‬

‫تتنامى إلى أُذُنَي‬


‫َ‬ ‫وأسمع هَ ْم َه َم ٍ‬
‫ات‬ ‫ُ‬
‫ّ‬
‫متسارعةً‬

‫وت ِن ّم عن قلق أكيد‪:‬‬

‫ٍ‬ ‫َ‬
‫عابسات‬ ‫إن ّ ُه َ ّ‬
‫ن الجرادات السبع‪،‬‬

‫‪156‬‬
‫ِ‬
‫بالتّأكيد‪ ،‬ي ُ َحل ّل ْ َ‬
‫ن واقعة الهجوم تلك‬

‫من كاف ّ ِة‬

‫أَ ْو ُج ِه َها‬

‫‪157‬‬
‫كنت ِللت َّ ِّو ْ‬
‫قد َو َصلْت‬ ‫ُ‬

‫ت للت ّ ّو ق َْد َو َصل ْ ُ‬


‫ت إلى تلك المدينة‬ ‫كُنْ ُ‬

‫التي لم أَ ُز ْرها منذ صيف قديم‬

‫شاط ِئها‬
‫ِ‬ ‫احون على‬
‫َ‬ ‫جر‬
‫وكان َّ‬
‫غريق ِجيءَ بِه من ُع ْمق الي َ ّم‬
‫ٍ‬ ‫ي ُ ْخ ِرجون من ُجم ِ‬
‫جمة‬ ‫ْ‬
‫طحالب وقواقع‬
‫َ‬
‫جرد ما يُعيدونَها إلى البحر‬
‫وب ُِم َّ‬
‫إغالق ُجمجمته‬
‫َ‬ ‫ي َ ِق ُف ذلك الغريق ويُكْمل‬

‫بيديه‬

‫ور بإشارة‬
‫ض َ‬‫الح ُ‬
‫وي ُ َحيِّي ُ‬
‫ضون بغريق جديد وي ُ َم ّددونه‬
‫َ‬ ‫مر‬
‫بَ ْع َدها يأتي ُم ّ‬
‫على سرير الجراحة‬

‫يكون سابقُه ُ قد َر ِك َ‬
‫ب‬ ‫ُ‬ ‫فيما‬

‫ضى نحو بيته‬


‫وم َ‬
‫دراجته النَّاريَّة َ‬
‫َّ‬

‫ولكن بِال ل َ ْح ٍم يَك ُْسو ِع َ‬


‫ظامه‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫َحياً‬
‫ّ‬
‫ولكن ب ُِروح َم ِرحة‪...‬‬
‫ْ‬ ‫لح ٍم‬
‫بال ْ‬
‫سيحتفلون بعودته هذا المساء‬
‫َ‬ ‫أصدقاؤه‬

‫‪158‬‬
‫وسيالحظون أن لَه ُ في الر ِ‬
‫قص‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫هَ ّزةَ ٍ‬
‫كتف‬

‫ضاهَى‬
‫ال ت ُ َ‬

‫‪159‬‬
‫ِ‬
‫وأنت ِبلباس البحر‬

‫طالب وفي الثّامنة عشرة‬


‫ٌ‬ ‫صباح‪ ،‬وأنا بع ُد‬
‫ٍ‬ ‫ذات‬

‫كنت في مقهى على الشاطئ‬


‫ُ‬

‫وكان ثمة سبّاحون يدخلون إلى المياه متقافزين‬


‫ّ‬
‫بالرعشة‬ ‫ِ‬
‫شك‪ّ ،‬‬‫ّ‬ ‫ين‪ ،‬وال‬
‫شاع ِر َ‬
‫وكنت أقرأ أخباراً في صحيفة‬
‫ُ‬

‫ت بانتباهي تَنُّورة ٌ قادمة‬


‫سرعان ما استأث ََر ْ‬
‫َ‬ ‫لكن‬
‫ْ‬
‫فارغةً من صاحبتها‬

‫تهتز إ ْذ‬
‫ّ‬ ‫ُم ْرت َ ِفعةً عن األرض وأطراف ُها‬

‫يعبث بها النّسيم‬


‫ُ‬
‫كانت حركات التّنورة أثناء ق ُ ُد ِ‬
‫ومها متهاديّةً‬ ‫َ‬
‫ِمن خلف تل ّ ٍة صغيرة على ّ‬
‫الشاطئ‬

‫أليفةً لعيني‬
‫ّ‬
‫نهضت‬
‫ُ‬ ‫مشدوهاً‬

‫‪160‬‬
‫ومضيت باتّجاه التّلة‪:‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫كانت االبتسامة ُ العريضة‬ ‫خلفَها‪،‬‬

‫بلباس‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وجهك وأنت‬ ‫على‬

‫البحر‪َ ،‬سلْوى‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫نظرات‬ ‫لَم نكن‪ ،‬قبل تلك اللحظة‪ ،‬قد تبادلْنا سوى‬

‫في ردهة الكلّية‬


‫ٍ‬
‫وأخريات بباب صيدليّة‬
‫ِ‬
‫وقلت‪ :‬تنّورتي‬

‫أرسلتُها لتأتي بك أيُّها الخجول‬

‫وها هي اآلن عائدة ٌ‬

‫نحوي!‬

‫‪161‬‬
‫بسبب أوراق ميّتة‬

‫كان ثمة خ ْف ُق أَجنحة‬


‫ّ‬
‫تتمدد فيها فتاة‬
‫ّ‬ ‫يتناهى إلي من حديقة‬
‫ّ‬
‫على مصطبة‬

‫الفتاة كانت رفيقةً لي في قسم ما‬

‫باالبتدائي‬
‫ّ‬
‫وفي تلك األيّام البعيدة‪ ،‬كانت قد أ ُ ِصيبت‬

‫بالنّحول بسبب أوراق ميّتة‬

‫سقطت من شجرة‬

‫على ركبتيها‬

‫ث ُّم التقيتُها بعد ذلك بزمن‬

‫محطة ِقطار‬
‫ّ‬ ‫في‬

‫خن كثيرا‬
‫وكانت تد ّ‬
‫ْ‬
‫يومها إنّها في طور التّحول‬
‫قالت َ‬
‫ّ‬
‫إلى سيجارة ضخمة‬
‫‪162‬‬
‫سيجارة ذات فم وعينين‬

‫ذات أذنين ونهدين‬

‫وهي اآلن على المصطبة‬

‫تبدو مديدةً وملفوفةً بالبياض كأنّها فع ً‬


‫ال‬

‫سيجارة ضخمة‬

‫فيما يتصاعد من ذاكرتها‬

‫دخان أبيض ورمادي‬


‫ّ‬
‫ومع هذا‪ ،‬فال داعي ألن نقلق‬

‫إنّها ال تزال من لحم ودم‬

‫على شفتيها ابتسامة‬

‫وتنظر إلى عصفور فوق سلك كهربائي‬


‫ّ‬
‫بَعيد‬

‫‪163‬‬
‫حلَفاء‬
‫ُ‬

‫حرب شعواء‬
‫ٌ‬ ‫لقد أُع ِل ْ‬
‫نت علينا‬ ‫ْ‬
‫الطرف القوي فيها!‬ ‫ولسنا ّ‬
‫ّ‬
‫وفي شوارع مدينتنا ُر ِئي َ ْت تلميذات صغيرات‬
‫هن‬
‫يتظاهرن بالمرح وصرخات ُ ّ‬
‫رموشهن‬
‫ّ‬ ‫تحت‬
‫عو َدنا‬ ‫والمغنّي الذي كان قد‬
‫َّ‬
‫على َم َرحه و َدنْدناته‬
‫انكمش في زاوية بزقاق مهجور‬
‫وسات ِع ِ‬
‫ظامه‬ ‫ِ‬ ‫حيث بدأ يتتبّع هَل ْ‬
‫ُ‬
‫كما لو كانت مشاهد‬
‫في شريط سينمائي!‪..‬‬
‫ّ‬
‫يكون قد جاء لنجدتنا‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫جميل ْ‬
‫ٌ‬ ‫لكن‬
‫ْ‬
‫هذا الفيلق من العميان‬
‫الدخان‬
‫خنون وينفثون ّ‬
‫الذين يد ّ‬
‫من عيونهم‬
‫وهذه البِركة التي يُقال إنّها‬
‫ٍ‬
‫جليد َمهيب‬ ‫جبل‬
‫سليلة ُ ِ‬
‫كل هذي األجراس‬ ‫وصلت‬ ‫جميل أن تكون قد‬
‫ُّ‬ ‫ْ‬
‫‪164‬‬
‫السمكة التي هي كُبرى‬
‫وهذي ّ‬
‫وزيرات البحر‬
‫هذه العجوز التي تظهر عادةً في نهاية كل خريف‬
‫ّ‬
‫لتكنس‬
‫َ‬
‫الغابات‬
‫الشجعان‬
‫وهؤالء األطفال ّ‬
‫الذين أنقذوا عصافير في بِيد‬
‫فلكم نحن محظوظون‬
‫بحلفاء‬
‫من هذا القبيل!‬

‫‪165‬‬
‫أسالف‬

‫ار كثير‬
‫في هذا البيت‪ ،‬في زمن قديم‪ ،‬تطاي َ َر َش َر ٌ‬
‫رأسه‬
‫طم ُ‬‫جد‪ ،‬بعد أن َر َ‬
‫من َج َسد ّ‬
‫بسقف ق ُبّعته‬

‫أجداد أكثر ِق َدماً‬


‫ٍ‬ ‫ان هذا البيت‪ ،‬من‬
‫سك ّ ُ‬
‫ِ‬
‫شديدي التّديّن‬ ‫كانُوا‬

‫َّ‬
‫المقد َس الذي‬ ‫ركان‬
‫َ‬ ‫واتّخذوا ِإلَهاً الب ُ‬
‫أصبح في مكانه اآلن‬

‫ن كبير‬
‫ف ُْر ٌ‬
‫البي ِت ِ‬
‫نفسه‬ ‫أنا‪ ،‬خالل هذه الليلة‪ ،‬في هَذا ْ‬
‫ِ‬
‫الساللة‬ ‫ُّ‬
‫أستمر في كتابة تاريخ ُّ‬
‫باس ِمها من كل‬
‫ناطقون ْ‬
‫َ‬ ‫فَي َ ْد ِل ُف إلى غرفتي‬
‫ّ‬
‫العصور‬
‫ُ‬

‫فتميل تحت ِثق َ ْ‬


‫لهم‬ ‫ُ‬ ‫يتجمعون في جانب من الغرفة‪،‬‬
‫ّ‬
‫يركضون إلى الجانب اآلخر‪ ،‬فيشعرون‬

‫أنّه ي َ ِمي ُد بهم‬


‫ِ‬
‫لهم‬ ‫خ‬‫ر‬ ‫ُ‬
‫ْ‬ ‫وهكذا‪ ،‬أنا أ َؤ ّ‬
‫مرجحونني!‬
‫َوه ُ ْم ي ُ ِ‬

‫‪166‬‬
‫عين‬
‫َ‬

‫جدتي‪ :‬بُيُوتُها تدور حول‬


‫ق َْرية ُ ّ‬
‫اع ُد على َ ّ‬
‫الد َوام من البئر‬ ‫ص َ‬‫صرخة‪ ،‬ت َ َ ّ‬
‫يحدث‬
‫ْ‬ ‫ال َ ّتي في َو َس ِطها‪ .‬لم‬
‫ت تلك القرية‪ ،‬لكنّي‬
‫رأي ُ‬
‫أن ْ‬
‫الجدة‬
‫ّ‬ ‫كنت متشوقاً لزيارتها‪ ،‬بعد أن َحك َْت لي‬
‫ُ‬
‫ّ‬
‫أن‬
‫عن طفولتها في أرجائها‪ ،‬وكيف ّ‬
‫الطواقي التي‬
‫يجعل ّ‬
‫ُ‬ ‫دوران بيوتها كان‬
‫يعتمرها أهلها‬
‫ِ‬
‫تضيء لهم ُسبلَهم في الليالي الحالكة‪ ،‬ويُمك ّ ُ‬
‫ن‬
‫دجاجا ِتها‬
‫من أن تُقوقئ بالعديد‬
‫من اللغات األجنبيّة‪.‬‬
‫ت طوي ً‬
‫ال‬ ‫كنت قد فك ّ ْر ُ‬
‫وفي ليلة بعيدة‪ُ ،‬‬
‫فرأيت‬
‫ُ‬ ‫في تلك العجائب‪ ،‬ث ُّم أَطلل ْ ُ‬
‫ت من نافذة‪،‬‬
‫دمعة جميلة‬
‫في عين أليفة‪.‬‬

‫الجدة‪ .‬لقد أ ُ ْغ ِم َ‬
‫ضت‬ ‫ّ‬ ‫عين‬
‫ُ‬ ‫كانت‬
‫ْ‬ ‫تلك‬
‫لكن‪ ،‬أكي ٌد أنّها اآلن‬
‫منذ سنوات‪ْ .‬‬
‫وس في غابات‬
‫ت َ ُج ُ‬
‫‪167‬‬
‫ُرى عجيبات‬
‫وفي ق ً‬
‫وتتتب َّع ُمغامرات‬
‫يات في حكايات‬
‫تقوم بها ِجن ّ ٌ‬

‫‪168‬‬
‫ال ي ُ ِخيف ُ ِني ِإاَّل شيء ِ‬
‫واحد‬ ‫ْ ٌ‬

‫ُز ْرقَة ُ هذا الن َ ّ ْجم ‪ -‬وقد كان‬

‫صديق طفولتي‬
‫َ‬
‫ولطالَما حرص على إضاءَة طريقي‬

‫السينما ‪-‬‬ ‫أثْناءَ عودتي لي ً‬


‫ال من ّ‬
‫ِهي بالت ّ ِ‬
‫أكيد َم َر ِضي َّة‬
‫َ‬
‫ت حالتُه كثيراً‬ ‫لقد َساءَ ْ‬
‫هذا ما أك َ ّده لي‬

‫طبيب ُم ْختَص في الجهاز التنف ُّ ِسي‬


‫ٌ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وعا ِل ُم فَلَك‬

‫وما هَ َم َس ْت لي بِه امرأة ٌ في ب ُ ْستان‬

‫الس ّرية أن َ ّها‬ ‫ن الحقا ُّ‬


‫للشرطة ّ‬ ‫تبي ّ َ‬
‫امة شخصياً‬
‫اليم َ‬
‫إما زرقاء ُ َ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أو من ُسالل ِتها‪...‬‬
‫ِ ِ‬
‫الس ّرية!‬ ‫ُّ‬
‫الش ْرطة ّ‬
‫يحدث أن ي َ ْح ِد َج ِني أفرا ٌد منها‬
‫ُ‬

‫‪169‬‬
‫فَ َأ ْح ِد ُج ُه ْم‬

‫بهم‬
‫أنا ال آبه ْ‬
‫اللح َظ ِة‪ ،‬ال ي ُ ِخيف ُ ِني ِإاَّل شيء ِ‬
‫واحد‪:‬‬ ‫وفي هذه ْ‬
‫ْ ٌ‬
‫الطفُولة‬ ‫َ‬
‫ي الن ّ ْجم صديقي منذ ُّ‬ ‫أن ي َ ْه ِو َ‬
‫ْ‬
‫األرض الحزينة‬
‫ِ‬ ‫القوى على هذه‬
‫َ‬ ‫واهن‬
‫َ‬
‫فيما أبقى أنا واقفاً هنا‬

‫ل ِم ْن أجله‬
‫أن أ ْف َع َ‬
‫قادر على ْ‬
‫ٍ‬ ‫غ ْير‬
‫َ‬
‫شيئاً‬

‫‪170‬‬
‫حميميّة‬

‫عن خ َّد َش َج َر ِتي اليا ِفعة‬


‫التي تحرس باب حديقتي‬
‫غبار النّجوم‬
‫َ‬ ‫أَنْف ُ ُ‬
‫ض‬
‫ٍ‬
‫بعزف خفيف‬ ‫أزهار تَت َ َسلّى‬
‫ٌ‬ ‫فيما‬
‫على آل ٍة ما‪ ،‬أَ ْح ُدس ُو ُجو َدهَا‬
‫وال أراها‬
‫ِ‬
‫وأنت تستحسنين عزفها‬
‫حل الليل‬ ‫أن‬
‫ساعات منذ ْ‬ ‫ت علينا‬
‫مر ْ‬
‫لقد ّ‬
‫َّ‬ ‫ٌ‬
‫الشف ُق الذي‬
‫وفجـأة ‪ :‬هذا ّ‬
‫داح من قنّينتنا األخيرة الواقفة‬
‫يَنْ ُ‬
‫على الط ِ‬
‫اولة‪ ،‬فارغةً منذ ساعات!‬ ‫ّ‬
‫ينداح منها وينتشر‬
‫ُ‬ ‫ق‬
‫َشف َ ٌ‬
‫الساهر ِة َج ْنبِي‬
‫ويلف قامةَ ّ‬
‫ّ‬
‫المضمخة بضحكتها‬
‫ّ‬
‫في هذه الليلة الن ّ ِ‬
‫اشفة‬
‫عرق‬
‫ِ‬ ‫إالمن‬
‫ن َ ْحرها!‬

‫‪171‬‬
‫ِ‬
‫الدهان‬ ‫يا ُمق َ َ ّ‬
‫شر َة ّ‬
‫ت ُ ْز ِع ُجني ق َ َّصة ُ َش ْعرك يا نجمة‬
‫إن لها رائحةَ نعجة ُمبل َ ّلة‬
‫ّ‬
‫قمر هذه الليلة‬
‫ُك يا َ‬
‫ال أحب ّ َ‬
‫فأنت ال تتفوه إال‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫بكلمات نابية‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحظ أن الذين يحش ُمون بِش ّدة‬
‫ّ‬ ‫ح ْس ِن‬ ‫ِ‬
‫وم ْن ُ‬
‫ه ُ ْم ِإ َما ُص ّم‬
‫ّ‬
‫أو يَغ ُ ّطون في ن َ ْو ِم ِه ْم‬
‫ِ‬
‫الدهان‬ ‫أنت يا ُمق َ َ ّ‬
‫شرةَ ّ‬ ‫أما ِ‬
‫ّ‬
‫ّ‬ ‫المصابة بِالهذيان ُ‬
‫الرعاشي‬ ‫الجدران ُ‬ ‫ِ‬ ‫ذات‬
‫َ‬ ‫يا‬
‫ّ‬
‫يا عجوزاً ُم َعلّقة‬
‫ت ُ ْث ِل ُج ِمن أَخْ َم ِص ق َ َد َم ْي َها‬
‫يا غ ُْرفَ ِتي‬
‫ارد‬
‫فَ َج ْوف ُك بَ ْح ٌر بَ ِ‬
‫ِ‬
‫ونظرات‬ ‫ماؤه من ُدخان سجائري‬

‫ُّ‬
‫تعجبي‬
‫استطعت أن أ ُ َ‬
‫غافل‬ ‫ُ‬ ‫وأنا‪ ،‬متى‬
‫بَ ْر َدك‪ ،‬سأه ُج ُرك وأمضي‬
‫حمائم صديقَة‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫ابتسامات‬ ‫منزلقاً على‬
‫حتّى هونولولو‬
‫‪172‬‬
‫ففي هونولووووولو‬
‫الجميالت‬
‫احات َ‬
‫ُ‬ ‫القد‬
‫ّ‬
‫للرقص للوافد الجديد‬ ‫ِ‬
‫تُبَادر ّ‬
‫ِ‬
‫صامدةً‬ ‫والمدافئ الكهربائيّة تعيش‬
‫وتموت واقفةً‬
‫شعرت بالغربة في هونولوووووولو‬
‫َ‬ ‫وإذا‬
‫يمكنُك‪ ،‬بحرك ٍة من رأسك‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫بدفء‬ ‫فتشعر‬ ‫نفسك‪،‬‬ ‫ي‬ ‫أن تحي‬
‫َ‬ ‫ْ ُ َّ‬
‫ٍ‬
‫إنساني عظيم!‬
‫ّ‬
‫يحدث في هونولووووولو‬
‫ُ‬ ‫حقّاً‪ ،‬قد‬
‫ِ‬
‫ناقص‬ ‫أَ ْن أب َ‬
‫ِيت ليلةً ما في فندق‬
‫التّدفئة‬
‫اعت َ ْين‬
‫اللم َ‬
‫َّ‬
‫ريرة بعينيها‬ ‫علي الق ُ َش ْع َ‬ ‫ل‬‫فت ُ ِط َ‬
‫ّ ّ‬
‫نسيت‬
‫ُ‬ ‫من النّافذة التي أَكُون ْ‬
‫قد‬
‫ِ‬
‫إغالقها جيداً‬
‫ّ‬
‫ن بي‬ ‫عان ما ستل ْ َحقْ َ‬ ‫لكن َس ْر َ‬‫ْ‬
‫يا حليفاتي الحمائم‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ذوات‬ ‫َّ‬
‫مناقيركن‬ ‫وبضربات من‬
‫البأس والبسمات‬
‫تُك َبّدن عصابات البرد اللعين‬
‫أفدح ال َخسائر!‬
‫َ‬
‫‪173‬‬
‫المهرج‬
‫ّ‬ ‫يَغمسون رأس‬

‫تم األمر كما فك َ ّ ْر ِت فيه‬


‫نعم‪ّ ،‬‬
‫ذهبت إلى المصبنة‬
‫ُ‬ ‫فقد‬
‫وجلبت ثيابنا‬
‫ُ‬
‫المهرج‬ ‫وفي طريق العودة‪ ،‬رأيتهم ِ‬
‫يغمسون رأس‬
‫ّ‬
‫الضحك التي كانوا‬
‫في رغوة ّ‬
‫ً‬ ‫كبيرا‬ ‫قد ملؤوا منها جردالً‬
‫وها أنا هنا‪ ،‬أ ُ ْه ِد ِ‬
‫يك ‪ -‬فيما ِ‬
‫أنت تهيّئين‬
‫الغداء‪-‬‬
‫ومبرهَنةَ أقليدس‬
‫وقوس آخيل ُ‬
‫َ‬ ‫البَارثينون‬
‫وجبل البارناس ومخطوطةً إلسخيلوس‬
‫َ‬
‫آثار خُطى‬
‫ُ‬ ‫تكون ِ‬
‫لك‬ ‫َ‬ ‫حتّى‬
‫تراب حدائقِ‬
‫ِ‬ ‫على‬
‫اليونان القديمة‬
‫وأظفارها‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬أنا‪ ،‬حديقتي ق َ َد ِمي‬
‫أزهارها‪-‬‬
‫ُ‬
‫وبعد هذا سأُردف ُِك َ‬
‫خلْفي على‬
‫المطهَّمة‬
‫دراجتنا ُ‬
‫ّ‬
‫ونمضي نحو بيتنا القديم الذي كنّا‬
‫ثم تركناه‬ ‫ً‬
‫قد سكنّاه ُ زمنا ّ‬
‫‪174‬‬
‫ت تحت سقفه‪،‬‬ ‫وكنت‪ ،‬كلّما ِ‬
‫سك ْر ُ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫بوميض‬ ‫تُشعشع عظامي من تحت الجلد واللحم‪،‬‬
‫منتظم أصفر وأخضر وأحمر‬
‫ِ‬
‫ض ِحك ُنا كثيراً إ ْذ ي ُ َذك ّ ُرنا‬
‫وذاك كان ي ُ ْ‬
‫بلعبة البلياردو الكهربائي!‬
‫ّ‬
‫جدداً إلى ذلك البيت‬
‫ندخل ُم ّ‬
‫َ‬ ‫اآلن‪ ،‬بعد أن‬
‫ت كما‬
‫غ ُ‬
‫قد يُبا َ‬
‫فهو ْ‬
‫لكن كُو ِني‬
‫تقولين‪ْ ،‬‬
‫متيقّنةً ِم ْن أنّنا سنشعر في غُرفه بنفس‬
‫ـمـة النّمال التي‬
‫ـيـن َ َ‬
‫ِـه ْ‬
‫اإلعجاب ب َ‬
‫خلْف أحد جدرانه‬
‫َ‬
‫كانت دائماً تتشكّى من األرق!‬
‫ْ‬
‫اجتَنَا‬
‫در َ‬
‫بحنو حتّى ّ‬ ‫بل إنّه سيحتضن‬
‫ّ‬
‫َ‬ ‫وي ُ ِ‬
‫عاملُها ككائن ٍة حل ّ ْت فيها ُر ُ‬
‫وح‬
‫إله ٍة قديمة‬
‫كائن ٍة ِج ْس ُمها من معدن‬
‫و ِل ِمقْ َو ِدهَا‬
‫يق!‬
‫بَ ِر ْ‬

‫‪175‬‬
‫شمس صغيرة‬
‫ٌ‬

‫الصبَاح‬ ‫ِ‬ ‫َ‬


‫يَت َ َطل ّ ُع إلى َش ْمس هذا َ ّ‬
‫إن َ ّها صغيرة ٌ ما تزال‪ ،‬يقول في نفسه‬

‫تكون قد اعت ُ ِم َد ْ‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫شك‪ ،‬أن‬
‫ّ‬ ‫من الخطأ‪ ،‬وال‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السن المبك ّرة‬
‫في هذه ّ‬
‫شمساً ِف ْع ِليّة‪.‬‬
‫جرحة ال َخ َ ّد ْين‬ ‫َ‬
‫إن ّه يراها اآلن ُم َ ّ‬
‫ُم َعف َ ّرة الجبِين‬
‫او ِتك‬ ‫ي َ ْسألُ‪ :‬هل ُع ْد ِت ُم ّ‬
‫جدداً إلى َشق َ َ‬
‫احنَات‬ ‫خد ِ‬
‫اك في ُم َش َ‬ ‫وت َ َج َ ّر َح ّ‬
‫وت َ َد ْح َر ْج ِت على أ ْت ِربَة؟‬
‫ويسمع َها تقول‪:‬‬
‫ُ‬
‫غربان معدنيّة‬
‫ٌ‬ ‫بل طار َد ْت ِني‬
‫ال‪ْ ،‬‬
‫ماسو ِنيّون ْ‬
‫لهم وجوه ٌ‬ ‫أس ِري ُ‬ ‫وحاول ْ‬
‫َ‬
‫ِم ْن َحجر‬
‫ح ْمر‬ ‫ٍ‬
‫هنود ُ‬ ‫ولجأت إلى‬
‫ُ‬
‫ي َ ْص َخبُون في َحانَات‪...‬‬
‫المقْ َهى‬
‫يتابع طريقَه إلى َ‬
‫يشرب فيه‪ ،‬في العادة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ال َ ّ ِذي‬
‫الصباحيّة‬
‫ق َْهوتَه ّ‬
‫‪176‬‬
‫كالم‬
‫َ‬ ‫سمع‬
‫َ‬ ‫هو فرح‪ ،‬فقد‬
‫ِ‬
‫‪-‬الط ْفلة‪،‬‬ ‫َّ ِ‬
‫الش ْمس ّ‬
‫وبعد لحظات‪ ،‬ومن ألقِ عينيه‬
‫صور أطفال من سنّها‬
‫سيرسم لها َ‬
‫لتالعبهم‬
‫أوان‬
‫ُ‬ ‫يحين‬
‫َ‬ ‫حتّى‬
‫غروبها!‬

‫‪177‬‬
‫أتهيّأ لإلبحار‬
‫تحت صفير غيمة‬
‫َ‬ ‫مشيت‬
‫ُ‬
‫كانت تتلهّى‬
‫ْ‬
‫بتتبّع شريط ذكرياتي‬
‫كانت عشيقتي‬
‫ْ‬ ‫والقرويّة التي‬
‫بيدر ما‬
‫ٍ‬ ‫ذات يوم في‬
‫َ‬
‫ظهرت بدورها خلف نافذة بعيدة‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫باسمةً ومحاطةً بالعصافير‬
‫ِ‬
‫باسمةً وتنقُر‬
‫الرصينة‬
‫على طبلة أذن الريح ّ‬
‫يا عشيقتي يا عشيقتي‬
‫كوني لي خيمةً‬
‫على جبل الكهرباء‬
‫رفعت عقيرتي وأنا‪ ،‬في غ ِ‬
‫ُرفة‬ ‫ُ‬ ‫بهذا‬
‫نَومي‪ ،‬أتهيّأ لإلبحار‬
‫كأس غريبة‬
‫ٍ‬ ‫في‬

‫‪178‬‬
‫كوميديا سوداء‬

‫هل تعتق ُد َحقّاً يا صديقي ِم ُ‬


‫يرو‬

‫سبق أن ك ُ َ‬
‫نت‬ ‫َ‬ ‫ك‬
‫أن ّ َ‬
‫ِ‬
‫بطةً بَ ّرية في حيَا ٍة َسا ِبقَة؟‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫ذاكرتك بَ ْل حتّى‬
‫َ‬ ‫ب في‬ ‫هل ِف ْعال تُنَق ّ ُ‬
‫ِ‬
‫في مسامك ِلت َ ِج َد جواباً‬
‫ّ‬
‫عن تساؤُلك هذا؟‬
‫ْ‬
‫ث َ ُّم باهلل َعليك‬

‫ِم ْن أين جاء ْتك هذه الفكرةُ أَ ْصالً؟‬

‫أصبحت تَرى‬
‫َ‬ ‫كونك‪ ،‬حسبَما تقول‪،‬‬
‫َ‬ ‫ِم ْن‬

‫ب َِركاً كثيرة في أحالمك‬

‫البط فينتابُك ح ِن ٌ‬
‫ين غريب‬ ‫صوت ّ‬‫َ‬ ‫وتسمع‬
‫ُ‬
‫أي ريش ٍة طائرة‬ ‫ثير انتباهك‬
‫وت ُ ُ‬
‫َ َ ُّ‬
‫كانت واهية؟‬
‫ْ‬ ‫مهما‬

‫ثير القلق‬
‫الطريقة‪ ،‬ت ُ ُ‬
‫لكنّك‪ ،‬بهذه ّ‬
‫في نفسي يا صديقي‬

‫دائم ُّ‬
‫الشرود‬ ‫َ‬ ‫وتجعل ُ ِني‬

‫‪179‬‬
‫وم عن جفوني‬‫وت َ ْمن َ ُع الن ّ َ‬
‫ِ‬
‫غ ْفوة‪،‬‬
‫كل َ‬ ‫أصبحت‪ ،‬عند‬
‫ُ‬ ‫ألن ّي‬
‫ِّ‬
‫الحلم‬
‫بنادق في ُ‬
‫َ‬ ‫أرى‬

‫ودخَاناً يتصاع ُد أمامي‬

‫وكلّما بدا لي موق ٌد‬

‫واستثار اهتمامي‬
‫َ‬ ‫إاّل‬

‫لمحت َج ْمرةً‬
‫ُ‬ ‫وكلّما‬

‫أخشاب ت َ ْشت َ ِعل‬


‫ٍ‬ ‫أو كومةَ‬

‫رت عليها عيناي‪...‬‬


‫تسم ْ‬
‫ّ‬
‫كنت في حياة آنفة‬
‫فهل يا تُرى ُ‬
‫ْ‬
‫ق َنّاصاً‬

‫وأنت بَ َ ّطة‬
‫َ‬ ‫ك‬
‫أن قنصت ُ َ‬
‫وحدث ْ‬
‫َ‬

‫ت منك؟‪..‬‬
‫أن َط َه ْو ُ‬
‫ث ْ‬‫َو َح َد َ‬

‫ك تَجعل ُ ِني أتعذّب‬


‫آه! إن ّ َ‬

‫آه! إنّي س َأ ْب ِكي‪...‬‬

‫‪180‬‬
‫السير في المرآة‬ ‫ُ‬
‫يَغذّ ّ‬

‫احب القادم بسرعة‪.‬‬


‫الش ِ‬
‫حامل المظلّة ّ‬ ‫ِ‬ ‫يا لَتوتّر‬
‫ِ‬
‫ومحت ِق ِن الوجنتين‪،‬‬
‫طويل ُ‬
‫ٍ‬ ‫رجل‬
‫ٍ‬ ‫ُّ‬
‫يحث الخطى في ات ّجا ِه‬ ‫إنّه‬

‫واقف أمام مرآ ٍة‪ِ ،‬شبه نائم‪ ،‬ويُد ّ‬


‫خن‪.‬‬ ‫ٍ‬

‫حامل المظلّة يزي ُد من ُسرعته ويتذك َ ّر المرأة‬


‫ُ‬
‫كانت عشيقةَ محت ِق ِن الوجنتين‪:‬‬
‫ْ‬ ‫التي‬

‫إن َ ّها َم َ‬
‫اشا الجميلة التي غرقت في ذلك البلد البعيد‬

‫شك في قعر نهر الفولغا‪.‬‬


‫ّ‬ ‫وهي اآلن قابعة وال‬

‫الطويل المحتقن الوجنتين‬


‫الرجل ّ‬
‫ويدندن ّ‬
‫الروسيّة‪.‬‬
‫بقصيدة كان قد كتبها عن موت عشيقته ّ‬
‫إنّه واقف أمام مرآة الحمام‪ ،‬في بيته بكازبالنكا‬
‫ّ‬
‫خن ويَحلق ذقنه‪ ،‬ويرنو‬
‫يُد ّ‬
‫السير نحوه في المرآة‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫إلى حامل المظل ّة الذي يغذّ ّ‬
‫والذي لم يكن إال هو نفسه‪ ،‬قادماً‬

‫نحو ِ‬
‫نفسه‬
‫ِ ٍ‬ ‫ٍ‬
‫روسي قديم!‬ ‫شتاء‬ ‫من‬
‫ّ‬

‫‪181‬‬
‫بالضبط‬
‫ّ‬ ‫في هذه اللحظة‬

‫مت‬
‫حسبت أنّي ّ‬
‫ُ‬ ‫بالضبط‪،‬‬
‫ّ‬ ‫في هذه اللحظة‬

‫لكن روحي‪ ،‬التي‪ ،‬منذ دقائق‪،‬‬


‫ّ‬
‫غادرت‪ ،‬حقّاً‪ ،‬جسدي‬
‫ْ‬
‫صعدت إلى ِقمة نخلة‬
‫ْ‬ ‫بالسماء‪ ،‬بل إنّها‬
‫ّ‬ ‫تلتحق‬
‫ْ‬ ‫ل َ ْم‬
‫ّ‬
‫أراها من نافذتي!‬

‫الروح القلقة‪،‬‬
‫انْ ِزلي‪ ،‬أيّتها ّ‬
‫انزلي فوراً‬
‫ِ‬
‫حيث ِ‬
‫كنت‬ ‫ُ‬ ‫َو ُعودي إلى‬

‫ثم أَ َ‬
‫ض ْفت‪:‬‬ ‫ثت إليها‪ّ ،‬‬
‫تحد ُ‬
‫هكذا ّ‬
‫هيّا انْ ِزلي‪،‬‬

‫كفاك عبثاً!‬

‫‪182‬‬
‫أعزف على هَ ْرمونيكا خياليّة‬
‫ُ‬

‫ِ‬
‫غُيُومٌ داكنة ت َ ْسري في األعالي ُمت َ َجهّمةً‬

‫وض ِجرة‬
‫كأنّما هي بِدورها ُمتعبة ٌ َ‬
‫ثم‬
‫أسير في هذا االتّجاه ّ‬
‫ُ‬ ‫هذا ما قلته لنفسي وأنا‬

‫في ذاك‬

‫أضحك وأعزف على‬


‫ُ‬ ‫إنّي حائر‪ ،‬وهذا يَجعلني‬

‫هَ ْرمونيكا خياليّة‬

‫كانت هنالك سهرة ٌ على شاطئ المدينة الهادئ‬


‫ْ‬ ‫حقّاً‬

‫ذاك كان البارحة‬


‫َ‬ ‫َّ‬
‫لكن‬

‫وحقّاً كان هنالك تمثال‬

‫ت فالَ ّحين وأبقاراً في قرية‬


‫يَنْ َح ُ‬

‫لكن َ ّها قرية ٌ تنأى دائما في األصباح‬

‫عمن يتّجه صوبها‬


‫ّ‬
‫وكثير من المدفونين فيها ماتوا‬
‫ٌ‬
‫جراءَ سقوطهم عن ُسطوح‬
‫ّ‬
‫الساخنة‬ ‫لذا فأنا أُحر ُ ِ‬
‫ك كتفي ّ‬ ‫ّ‬
‫اكتسبت ُشهرةً‬
‫ْ‬ ‫الزهرة التي‬
‫ب ّ‬ ‫السير َص ْو َ‬
‫أغذّ ّ‬

‫‪183‬‬
‫ترافق ِع ْط ُرها َوق َلَقي‬ ‫لدي بعد أن‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫في ُط ُر ٍق وفي العديد‬

‫محطات القطارات‬
‫َّ‬ ‫من‬

‫الزهرة‬ ‫سأجلس قلي ً‬


‫ال قربك أيتها ّ‬
‫قرب قلبه‬
‫َ‬ ‫مثلما يجلس إنسان‬

‫قضيتُها وأنا طفل‬


‫ْ‬ ‫وأستعيد أصباحاً ُ‬
‫كنت‬

‫على شاطئ المدينة هذا الذي أرى اآلن جانباً منه‬

‫هنالك خلف األشجار‬

‫آه! في تلك األيّام كانت الكلمة العليا‬

‫الشاطئ‬
‫في هذا ّ‬
‫لجرادة‬

‫السنة الماضية‬
‫انقلبت في ّ‬
‫ْ‬ ‫وقد‬

‫حوريّةَ بَ ْحر!‬

‫وفي انتظار الوصول إلى زهرتي‪ ،‬هذه نصيحة ٌ منّي‬

‫العابر بقربي‬
‫ُ‬ ‫إليك أي ُّها‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫إليك أي َ ّتُها العابرةُ جنبي‬

‫المتوحشة‬
‫ّ‬ ‫ال يَد ِلف َ ْن أَح ٌد منكما إلى هذي الحديقة‬

‫التي هي اآلن ق ُبالتي‬

‫‪184‬‬
‫لتمع َدمٌ‬
‫إن شاء أال يُك َْس َر له ضلع أو ي َ َ‬
‫على جبينه‬

‫ففي جنبا ِتها ِع ْشنا زمناً شقاوةَ طفولتنا‬

‫نتحارب بسيوف من ُصنعنا‬


‫ِ‬
‫وفي فترات الهدنة ن َ ْص ِفر ُمقَل ّدين موسيقى‬

‫ثم نبدأ‬ ‫بعض أفالم الويسترن ّ‬


‫ٍ‬
‫في تصويب أحجار إلى أي منّا‬
‫ّ‬
‫ويتقم َص‬ ‫عتلي شجرةً‬ ‫يقبل أن ي‬ ‫كان‬
‫َّ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬
‫شخصي َ ّةَ غُراب‬

‫أحجارنا ما تزال‬
‫َ‬ ‫لكن‬ ‫كبرنا اآلن طبعاً‬
‫ّ‬
‫على ن َ َزقها‬

‫المنغّم الذي كنّا نَصدح به‬


‫الصفير ُ‬ ‫كل ذاك َ ّ‬ ‫أما‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫فال أعرف في أي من أصقاع األرض‬
‫ّ‬
‫تلتقطه ُ اآلن آذان‬

‫وال في أي البالد يُطفئ شموعاً‬


‫ّ‬
‫كالب سائبة‬
‫ٌ‬ ‫أو ِ‬
‫تحسبُه‬

‫ج ها ً ْ‬
‫إليها‬ ‫ُم َو َ ّ‬

‫‪185‬‬
‫له ذاكرة ٌ َحيّة‬

‫كان ي َ ْمضي عبر شارع العظام‬

‫ابتسامات األشباح‬
‫مطر من ْ‬
‫ٍ‬ ‫تحت‬

‫الس ّرية‬ ‫ً‬


‫يُخفي جيّدا صرختَه ّ‬
‫ال يحب الحياة كثيراً‬
‫ّ‬
‫لكنّه ال يكرهها‬

‫ُّ‬
‫الحر‬ ‫اشتد فيه‬
‫ّ‬ ‫لقد ُو ِلد ذات يوم‬

‫على المجانين‬

‫وهو يعيش اآلن قرب برك ٍة‬

‫يسمعها‪ ،‬أحياناً‪ ،‬تحكي القصص‬


‫ٍ‬
‫لجرادات من َح ْو ِلها‬

‫مرة سيجارةً في‬


‫له ذاكرة حيّة‪ :‬رأى ّ‬
‫فم عابر بقربه‬

‫نفسها التي‬
‫السيجارة ُ‬
‫فتذكّر أنّها ّ‬
‫سبق أن رآها في حلم‬

‫جدته‪ ،‬قبل وفاتها‬


‫أن ّ‬ ‫ً‬
‫يتذكّر أيضا ّ‬
‫أوصته ُ خيراً بعلبة النّشوق‬

‫‪186‬‬
‫التي تعاني من ال َخرف‬

‫وبالرياح الفقيرة‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫جاجات الثّالث‬ ‫والد‬
‫ّ‬
‫النّاسكات‬

‫‪187‬‬
‫الساهرين‬
‫وأصبحت سيِّ َد ّ‬
‫ُ‬

‫كنت صيّا َد سمك‬


‫ُ‬

‫وكنت غنيّاً أو فَلْنَق ُ ْل‬


‫ُ‬

‫ينقص ِني َشيء‬


‫ُ‬ ‫يكن‬
‫إنّه لم ْ‬
‫ْ‬
‫عشقت‬
‫ُ‬ ‫ساءت أحوالي‪ ،‬بعد أن‬
‫ْ‬ ‫ث َ ُّم‬

‫حيا َة الليل‬

‫ِح ُروبها‬ ‫بغوانيها ب ِ‬


‫ِنبيذها ب ُ‬
‫ت‬
‫وأصب َ ْح ُ‬

‫الساهرين‬
‫سي ّ َد ّ‬
‫ِ‬
‫منتصفات‬ ‫بدأت أ ُ َرى في‬
‫ُ‬ ‫حين‬
‫َ‬ ‫وحسبُوني ُج ِن ُ‬
‫نت‬ ‫ِ‬

‫الليالي‬

‫ومعي ِشبَاكي التي ِص ْر ُ‬


‫ت أُلْقيها‬

‫إلى أعلى‪ ،‬ل َ َعلّي أصطا ُد‬

‫جوم‬ ‫ِ‬
‫ابتسامات ن ُ ٍ‬
‫غيوم الليل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫همهمات‬ ‫أو‬
‫ْ‬
‫أو حتّى حصاناً ُم َجنّحاً لطيفاً‬
‫ْ‬
‫‪188‬‬
‫ي َ ْحملني على ظهره‬

‫ٍ‬
‫رحالت عجيبة‬ ‫وي َ ْمضي بي في‬

‫أَقص وقائعها‪ ،‬في يوم ما‪ ،‬على أحفادي‬


‫ّ‬
‫القادمين!‬

‫‪189‬‬
‫‪-7-‬‬

‫قصائد مختارة‬

‫لم ي ُ ْن َشر بع ُد في مجموعة‬


‫مما ْ‬
‫ّ‬

‫‪190‬‬
‫على ِقمة جبل‬
‫ّ‬

‫صعدت إلى قمة جبل‬


‫ُ‬
‫ّ‬
‫ووجدتُني أمام كوخ صغير ُمتداع‬

‫مسكن البرد‬
‫َ‬ ‫ذاك كان‬

‫وهو يأوي إليه متى يشاء‬

‫عد له من القرون‬
‫منذ ما ال ّ‬
‫مرة قادمة‬
‫في ّ‬
‫سأرسم لوحة وأعلّقها على بابه‬
‫ُ‬
‫يستحق منّي‬
‫ّ‬ ‫البر ُد على ِعاّل ته‬

‫هديّة صغيرة‬

‫وها أنا اآلن في هذا العلو‬


‫ّ‬
‫متوجس من شيء‬
‫ّ‬ ‫غير‬

‫أسراب عصافير‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫رغم ّ‬
‫بدأت تُبرق‬
‫ْ‬
‫وجل َد هذه الساعة‬
‫ِ‬

‫دب فيه التّنمل‬


‫ّ‬
‫الشحوب طوق األشجار‬
‫أن ّ‬‫رغم ّ‬
‫ّ‬
‫ونماالً حمراء كثيرة‬
‫‪191‬‬
‫امتقع لونُها‬

‫شعرت بوحشة حقيقيّة‬


‫ُ‬ ‫وحين‬

‫مر هيكل عظمي وحيّاني‬


‫ّ‬
‫ّ‬
‫صورته جيداً‬
‫َ‬ ‫أتذكّر‬

‫ام كان مكسواً باللحم‬


‫أي ّ َ‬
‫ّ‬
‫فقد لعبنا معاً في نفس فريق‬

‫كُرة القدم‬

‫ضع وقتَك هنا‬


‫قال لي ال ت ُ ْ‬
‫ليس هنالك ف ُرجة من أي نوع‬
‫ّ‬
‫وركل الفراغ بقوة‬
‫قالها َ‬
‫ّ‬
‫وبالفعل فقد كان في األيّام الخوالي‬

‫هدافاً شهيراً‬
‫ّ‬
‫يركل بقوة بالقدمين‬
‫ّ‬
‫كما يُحسن ضرب الكرة برأسه الذي‬

‫كان يختزن أيضاً عدداً‬

‫من أغاني بوب مارلي‬

‫‪192‬‬
‫ق َْبل اإلفطار‬

‫شفرةُ الحالقة تحلم قرب لحيتي‬


‫ٍ‬
‫بقطرات من دمي‬

‫نملة ٌ تسقط من مكان مجهول‬

‫على سطح رغوة معجون الحالقة‬

‫هي في ورطة عظيمة لكنّها تحلم‬

‫أن لها ساعدين قويّين وأنّها‬


‫ّ‬
‫تجذّف وهي على متن قارب‬

‫تود لو تَنوح‬
‫وإذ أشعر أنّها ّ‬
‫أُسارع إلى إنقاذها‬

‫لكنّي حين أزمع البدء في الحالقة‬

‫أسمع زمجرات غضب‪:‬‬

‫إنّهن البيضات الثّالث‪ ،‬منفعالت‪،‬‬

‫تركتهن‪ ،‬دون أن أنتبه‬


‫ّ‬ ‫فقد‬

‫معرضة‬
‫في زاوية ّ‬
‫لتيار الهواء‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫ي ُ َسمد الحقل…‬
‫ّ‬

‫السنة أن‬
‫آثر في هذه ّ‬
‫َ‬
‫ي ُ َسمد حقلَه بالكالم‬
‫ّ‬
‫وألن له لساناً أصبح ال ّ‬
‫يكف عن الثّرثرة‬ ‫ّ‬
‫‪ -‬منذ أن فتن ْته امرأة في السوق األسبوعي ‪-‬‬
‫ّ‬
‫شك‬
‫ّ‬ ‫فالحقل سي ُ ِ‬
‫خصب وال‬

‫والغلّة ستكون عظيمة‬

‫حقّاَ‪ ،‬هو لم يكن قد رأى‬

‫من تلك المرأة سوى صفّي أسنانها‬

‫وبينهما‬

‫قطعة بطيخ مديدة‬

‫لكن سوف ي ُ ِ‬
‫فعم الفرح قلبَه بعد الحصاد‬ ‫ْ‬
‫وسيكون هنالك عتّالون كُثر‬

‫وص ْف ُق أبواب‬
‫َ‬
‫وسوف ترتفع عقائر بالغناء‬

‫وتتنحنح قناديل‬

‫وتتساقط ثلوج‬

‫‪194‬‬
‫على رؤوس نسوة حزينات‬

‫كن قد أغدقن حبّهن األمومي‬


‫ّ‬
‫ّ‬
‫على قطع سكّر‬

‫كانت لها حياة‬


‫ْ‬
‫تحترس‬
‫ْ‬ ‫لم‬
‫لكنّها ْ‬
‫وذابت في كؤوس‬
‫ْ‬

‫‪195‬‬
‫كيف لي…‬

‫قصة األميرة ذات الهمة وولدها عبد الوهاب في ليلتي هات ه ال تي‬
‫كيف لي أن أنهي ّ‬
‫ّ‬
‫يُضيئها فحسب بُؤبؤا عصفور؟‬

‫لن أبحث عن جواب ما دامت هذه ال ّريح البطيئ ة لم تنت ه من مس ح الع رق عن‬
‫ٍ‬
‫حصاني المطاطي المركون قرب النّافذة‪ .‬حقّاً‪ ،‬كانت لي ريشات هندي أحمر ح ول‬
‫ّ‬
‫جدي‪ .‬ح دث ه ذا من ذ وقت‪ .‬وكلّم ا‬
‫صباح في حقل ّ‬
‫ٍ‬ ‫ذات‬
‫َ‬ ‫سقطت منّي‬
‫ْ‬ ‫رأسي‪ ،‬لكنّها‬

‫جدي‬
‫أذني‪ّ .‬‬ ‫الصفير في‬
‫رت في العودة إلى ذلك الحقل ألجلب منه ريشاتي‪ ،‬يتعالى ّ‬ ‫فك ّ ُ‬
‫ّ‬
‫صفيره من بعي د‬
‫َ‬ ‫بشدة صفيره‪ .‬بط ً‬
‫ال في ذلك الميدان كان‪ .‬تسمع ناقتُه‬ ‫ّ‬ ‫كان معروفاً‬

‫ِل نحوه مسرعة راضية‪.‬‬


‫فتُقْب ُ‬

‫السير في اتّجاه ذلك الحق ل‬


‫كنت أغذّ ّ‬
‫المرات‪ ،‬ما إن ُ‬
‫ّ‬ ‫والعجيب أنّي‪ ،‬في العديد من‬

‫بجنب كهف فيبدو لي‬


‫ِ‬ ‫أمر‬
‫ثم ّ‬‫فأود لو أواسيها ّ‬
‫ّ‬ ‫أعرج على أشجار أحسبها حزينةً‬
‫حتّى ّ‬
‫وكنت بالفعل أرى فيه صافرات من أق دم العص ور وأخ رى من‬ ‫للصافرات‪،‬‬ ‫ً‬
‫ُ‬ ‫متحفا ّ‬
‫أزمنة قريبة أو حتى من عصرنا!‬

‫فرأيت ما حس بته قب ّ ةً‬


‫ُ‬ ‫سقطت فيه ريشاتي‬
‫ْ‬ ‫ومرة‪ ،‬كنت أمضي في اتّجا ِه الحقل الذي‬
‫ّ‬
‫فدلفت تَحـت‬
‫ُ‬ ‫الملونة إلى مستوى أدنى من مستوى رأسي‪،‬‬ ‫من حرير نازلةً أطراف ُها‬
‫ُ ّ‬

‫‪196‬‬
‫يتبدى بداخلها‬
‫تلك القبة لكنّي بعد لحظات اكتشفت أنّها في الحقيقة تنّورة أسطوانية ّ‬
‫تسران ناظري‪ ..‬أتلبث قلي ً‬
‫ال ألستريح بين‬ ‫ّ‬ ‫ردفان مكوران جميلان وفخذان صقيلتان‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الساقين‪( .‬يجب اإلقرار بأنّي كنت طفلا صغير حجم الجسد وقتها)‪ .‬وإذ ت دفّئُني‬
‫تينك ّ‬
‫سخونة المكان بما يكفي‪ ،‬أخرج من تحت التنورة وأتطل ّ ع إلى ف وق‪ ،‬ف أرى وجه اً‬

‫أنثويّاً جمي ً‬
‫ال يبتسم لي‪.‬‬

‫لكن جاءتني أحالمٌ من أعشاش‬ ‫ومرة كنتُ سائراً صوب حقل ّ‬


‫جدي ألستعيد ريشاتي ْ‬ ‫ّ‬
‫التقيت أبي وأنا في طريقي إلى ذل ك الحق ل‬
‫ُ‬ ‫ومرة‬
‫كتفي‪ّ .‬‬ ‫الطبطبة على‬
‫وشرعت في ّ‬
‫ْ‬
‫ّ‬
‫فقال لي‪ :‬تُضيع وقتك في البحث عن ريشات‪ .‬لو أنّك في غرفتك تُراجع دروسك‪ ،‬أو‬

‫على األقل تلعب مع أقرانك تحت األشجار‪ .‬هك ذا ع دت إلى ال بيت وفتحت قص ة‬

‫كنت متوقّف اً عن دها!‬


‫الهمة وولدها عبد الوهاب على الص فحة ال تي ُ‬ ‫األميرة ذات‬
‫ّ‬

‫‪197‬‬
‫في عربة‬

‫أُسافر في عرب ٍة عجالتُها بيضاء‬

‫الشاطئ‪ ،‬وجارتي إذ تغفو‬


‫طريق ّ‬
‫َ‬ ‫تسلك بنا‬

‫تبدأ التّجاعيد في التّكاثر على وجهها‪.‬‬

‫حجمها في تناقص‪.‬‬
‫ُ‬
‫أهي حالة شيخوخة مباغتة؟‬

‫تتصاعد موسيقى قرب النّافذة التي‬

‫ِ‬
‫أطل منها على البحر‪.‬‬
‫ّ‬
‫ْترلَاّل ْترلَاّل ْترلَاّل ْترلَاّل ْترلَاّل ْترلَاّل‬

‫كنت معجباً ِباَل لُو تيخادا‬


‫كم ُ‬‫موسيقى فالمنكو‪ :‬آه! ْ‬
‫لكنّي نسيتُها زمناً ولم أتذك ّ ْرها‬

‫إاّل في هذه اللحظة‪.‬‬

‫اسمها علياء وهي طبيبة أطفال‪.‬‬


‫ُ‬ ‫جارتي‬

‫ذلك أنّنا تعارفنا قلي ً‬


‫ال‬

‫قبل أن تنام‪.‬‬

‫تحب األغاني الخفيفة‬


‫ّ‬ ‫قالت إنها‬
‫ْ‬
‫الصيف‬ ‫وأن َ ّ‬
‫ترش ظلّها في ّ‬
‫‪198‬‬
‫بماء بارد‬

‫وأن تُطل على المطر‬


‫ّ‬
‫من نافذة في قطار‪.‬‬

‫‪199‬‬
‫فـهـرس‬

‫‪ -‬هذا الكتاب ‪3 --------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪ -‬قصائد مختارة من "على َدرج المياه العميقة" ‪6 ----------------------------------‬‬

‫‪ -‬قصائد مختارة من "محفوفاً بأرخبيالت‪28 ------------------------------------ "...‬‬

‫‪ -‬قصائد مختارة من "راية الهواء" ‪56 ----------------------------------------------‬‬

‫‪ -‬قصائد مختارة من "فراشة من هيدروجين" ‪74 -----------------------------------‬‬

‫‪ -‬قصائد مختارة من "رجل يبتسم للعصافير" ‪107 -----------------------------------‬‬

‫سافرت" ‪141 -----------------------------------‬‬


‫ْ‬ ‫‪ -‬قصائد مختارة من "عيون طالما‬

‫‪ -‬قصائد ِم ّما لم ي ُ َ‬
‫نشر بعد في مجموعة ‪190 ------------------------------------------‬‬

‫‪200‬‬

You might also like