Professional Documents
Culture Documents
17162493 دراسة حول كتاب الولاية والنبوة في كلام ابن عربي د سعاد الحكيم
17162493 دراسة حول كتاب الولاية والنبوة في كلام ابن عربي د سعاد الحكيم
:ﻋﻠــﻲ ﺷﻮـﺩـﻛ ِ
ـﻴـﻔـﺘــﺶ ﺗـﺎـﻟـﻴـﻒ
ﺑﺴﻢ ﺍﷲ ﺍﻟﺮﲪﻦ
ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ
تقف ٔاقدا ُمنا على شواطئ بِحار الوالية؛ يطول بها مقا ُم التر ُّدد بين المجاهدة
والمسالمة؛ وال يلبث ٔان يحبسها عن الذهاب خوف الفناء والذهاب ،وما تسمع عن الغرق فيُ
ُل َجج التوحيد؛ فتسترخي متعبة على رمال السالمة ،ونرضى من العلم بما يلوح عن ُبعد.
ٍ وجها ُيطمئننا
مشتاق ،علَّنا نجد ً
يعرفنا ً
، وجها نحدق بجه ِد
ِّ طياف؛
تتالمح في أالفق البعيد ٔا ٌ
على مصير السالكين ،وعسانا نعبر – بفضل الله – مسافات أالهوال والقواطع ،على طريق
. النداء المستقيم الواصل
من عينيه ٕالينا
هذه الوجوه التي تتالمح في ٓافاق أالزمنة وأالمكنة ،والتي تُسا ِكننا ،وعيونُها ٌ
غياب
وحضور ،و َط ْرفُها ٔاحن ْته ٔاثقا ُل شهو ٍد تخ َّطى الوجود ،وعلى ٔابدانها تنطق ِخ َل ُع الوالية – نراها
بالعرفان متن ِّعمة ونحن جمي ًعا بها حيارى .من هو "الولي"؟ ما وظيفته في الكون؟ ولماذا بعد ٔان
َخ َت َم الله – ع َّز وج َّل – النبوة ٔا ْو َج َد أالولياء؟ ٔاال يكفي وجود النبي )ص( في حياة إال نسان
المسلم؟ فما ضرورة وجود الولي؟ ك ُّل هذه أالسئلة يطرحها وجود الولي في مجتمعنا وجمعنا
المسلم ،ونحن فيها حيارى .نمد ٔايدينا ٕالى المكتبة إال سالمية عامة ،والصوفية خاصة ،ونٔامل
ٔان نحظى بجواب ُي َط ْم ِئ ُن العقل الحائر والوجدان السائل – ولكن عب ًثا! ؤاسباب ذلك كثيرة.
. ويمكن تلخيص واقع الوالية بعوالم ثالثة ،نتوقف عندها فيما سئاتي
رضه غير أالرض ،واستمر يعيش حياته معنا كٔانه ،هو َص َم َت منه
ٕان الولي الذي تب َّدلت ٔا ُ
اللسان ،ف َك َت َم س َّر واليته عن آالخرين .فالوالية عنده ليست استعراضية؛ والولي ،على عكس
يقدم للمشاهد فنون الكرامة .ولكن للقُرب إال لهي وللعطاء الرباني عالماتٕ ،ا ْن
ِّ الساحر ،ال
ك َت َمها اللسان فضحها الوج ُه والبدن .فأالولياء سيماهم في وجوههم ،تشهد ٔايديهم ؤارجلهم
ٍ
شهادات يراها الرفيق والصاحب والعشير .باختصار ،الولي باط ُنه عبودية بما يكتمون من القُرب
. ومظهره قدرة تش ِّوش الناظرين
ُ
وعجز تام كامل،
وقد نتج عن سكوت الولي وامتناعه عن تٔاكيد واليته – التي هي هويته الروحية بين ٔاهل
الله – ٔان امتنعت معرف ُة الوالية من داخل ،ؤانها محض عبودية .ولكن ،حيث ٕان المراقب ْ
سكوت الولي عن واليته من السؤال ،تكاثرت أالسئلة عن الوالية
والصاحب والسالك لم يمنعه ُ
ُّه الناس من احترام لٔالولياء ،فلم يطرح ٔاحد من الناس ونظرا لما يكن
ومعناها وعن الولي وهويته؛ ً
على ٔاحد من أالولياء سؤاال ً ً
مباشرا .مثال ً لم يق ْل ٔاح ٌد لولي :هل ٔانت من ٔاولياء الله؟ واستمر
الناس على عقيدتهم في أالولياء" ،يولُّون" َمن تتالمح على ظاهره عالما ُت القُرب ،ويربطون
بين الوالية وبين هذه الوجوه من خارج من المظهر .ؤاخذت تتكون النظريات من ُن َت ِف ُج َم ٍل
التقطها السائل .ولكن أالهم منها هو كتابات الصوفيين ،الذين تك َّرسوا ٔاولياء في نظر
محيطهم ،عن مشاهداتهم وفتوحاتهم.
يضا تصادفنا مشكلة ٔاخرى :فبإال ضافة ٕالى ٔان الصوفي يحتاج دائ ًما ٕالى ترجمان
وهنا ٔا ً
نصه من لغة الوجدان ٕالى لغة الناس ،فمفهوم "الوالية" نفسه تع َّرض للذبذبة التي تع َّرض
ينقل َّ
لها مفهوم "الصوفي" :فكما ع َّرف ك ُّل صوفي التصوف بحسب علمه وتجربته ،كذلك يع ِّرف
. الولي والوالية بحسب موقعه ومرتبته
ك
ُّل مع ِّرف َّ
ذلك كلُّه جعل الوالية الصوفية مشروخة بين ثالثة عوالم :عالم ٔاهل الله – وهو عالم
أالولياء الذين يعيشون الوالية و ُيش ِفقون من ٔاحمالها؛ وعالم الباحثين والمؤلِّفين والكتبة
الحافظين الذين يتت َّبعون مظاهر الوالية في النصوص وأالشخاص ،ليرسموا منها نظرية يتوافق
فيها الفقه والتصوف والعقل إال نساني؛ وعالم العامة الذين علَّقوا عيونهم على وجوه الصالحين
. وتت َّبعوا ٔاقوالهم ؤافعالهم ،يرصدون ظهور عالمات الوالية عليهم
وعقل َّيتها ،ويتحول الك َّتاب ٕالى محاولة ٕاقناع بالوالية وبوجود ٔاولياء لله مق َّربين من دون الكون؛
ويحتفظ العامة بك ِّل الخرافات وأالوهام والحقائق التي تز ِّينها لهم عقول ُهم عن عالم ٍّ
غيبي
مغ َّيب ،عالم رجال خوارق تقطع مسافات ،تمشي في الهواء وعلى الماء ،تنفعل لها أالشياء
وتطيعها الحيوانات
.
وبين هذه العوالم الثالثة – عالم أالولياء الحقيقي ،وعالم الباحثين النظري ،وعالم العوام
الموهوم ،المزخرف بتقديس إال نسان – تقوم مسافات ال تُق َطع ،برازخ لم يالمسها كاتب ٔاو
ٕانسان .وقد جاء كتاب أالستاذ ميشيل شودكيِفتش خاتم أالولياء :النبوة والوالية في مذهب ابن
عربي )باريس (١٩٨٦ ،ليردم هذه المسافات بين واقع عبودية أالولياء ،وبين تنظير مظاهر
الباحثين ،وبين خيال العوام وخرافاتهم وتو ُّهماتهم .باختصار ،كتاب أالستاذ شودكي ِفتش يق ِّرب
ٔاجزاء صورة الوالية بعضها من بعض :يق ِّرب ظاهر الولي ]= قدرة ،علم ،الجانب إال لهي من
الصورة[ ،من باطنه ]= عبودية ،عجز ،الجانب إال نساني من الصورة[ ،حتى تتجلَّى حقيقتُه
على
مقدارها للباحثين
.
***
وقبل ٔان نستعرض كتاب أالستاذ شودكي ِفتش فصال ً فصال ً ،نقف على امتداد فصوله
العشرة ،لنلقي عليها نظرة واحدة شاملة جامعة – نظرة ترى المخ َّطط غير المكتوب الذي اتَّبعه
. المؤلِّف
لقد بدٔا في الفصل أالول بدراسة مفرد "ولي" و"والية" لغو ًّيا ،ليرىٔ ،اوال ًٔ ،انه اسم
مشترك بين مس َّميينٔ :احدهما سلبي ،بمعنى الوالء لله ،وثانيهما ٕايجابي ،بمعنى إال دارة
ثانيأ ،ان اسم "ولي" هو ٔا ً
يضا مشترك بين إال نسان وبين الله :فإال نسان ولي، وليرى ً
، وإال مارة؛
.والله ولي
ثم في الفصول الثاني والثالث والرابع والخامس ،ب َّين شودكي ِفتش ٔان الوالية معناها
ال ُق ْرب .ولكن هؤالء المق َّربينٔ ،اي أالولياء ،ليسوا على مظهر واحد ،وليست لهم شخصية
واحدة؛ بل ،على العكس ،نرى ٔان ك َّل ٍّ ولي يظهر بشخصية وعلم وعمل وحال تختلف عن
غيره من أالولياء .ويرجع سبب اختالف شخصيات أالولياء ٕالى اختالف شخصيات أالنبياء:
. أالنبياء َير ُِث عنه نمط العلم والعمل والحال
، فالولي هو في الحقيقة وارث لنبي من
ثم في الفصلين السادس والسابع يبِّين شودكيِفتش ٔان هؤالء المقَّربين أالولياء ،الذين
ورثوا شخصيتهم في الوالية عن نبي من أالنبياء ،ال يعيشون على هامش الكون ،بل ئاخذ ك ٌّل
ويعدد شودكيِفتش في هذين الفصلين منازل أالولياء ِّ منهم مكانه ومنزله ويباشر منه مهامه.
.وتو ُّزعهم على ٔاركان
أالرض ؤابراج السماء
وفي الفصلين الثامن والتاسع يب ِّين شودكي ِفتش ٔانه يتبع عن ختم النبوة ٔان تُخ َتم الوالية
يضأ ،النها ٕارث نبوي .ثم يرسم دوائر الوالية ؤاختامها :فالوالية المحمدية قد ُخ ِت َم ْت ٔا ً
بشخص لم تقطع النصوص في هويته؛ وبقي ٔان ُتخ َتم الوالية العامة بشخص عيسى )عليه
السالم( الذي يظهر في ٓاخر الزمان؛ ويليه ختم ثالث هو خاتم أالوالد ،يولد في الصين ،وبعده
. يرتفع إال يمان والعلم من قلوب الناس ،وتسرع الدنيا نحو الزوال
ثم في الفصل العاشر وأالخير ب َّين شودكي ِفتش للناس طريق الوالية المفتوح :والية
كبيرا
يحفُّها التعب والمخاطر ،بشهادة الواصلين والسالكين .ونقول ٕانه مهما كان التعب ً
فالوالية هي ٕانسانية إال نسان ،هي استمرار جنسه الراقي واستمرار الدنيا .لذلك نشعر من كتاب
شودكي ِفتش بٔان الوالية هي أالمانة التي على الجنس البشري ٔان يحملها ،طو ًعا ٔاو كر ًها ،ؤان
. الصوفية هم الذين تق َّدموا ليحملوا ٔامانة الدنيا واستمرارها
***
ؤاحب هنا ،قبل ٔان ٔابدٔا عرضي لكتاب أالستاذ شودكي ِفتشٔ ،ان ٔاقف عند بعض
المالحظات حول الكاتب والكتاب
.
ـﺏ
ﻣﻼﺣﻈﺎــﺕ ﺣﻮـﻝ ﺍـﻟـﻜﺎـﺗــﺐﻭـﺍـﻟـﻜﺘـﺎـ :
1.نبدٔا بٔان نلفت النظر ٕالى كمية النصوص الصوفية العربية المترجمة ٕالى الفرنسية –
وهي نصوص تصعب حتى على قارئ العربية؛ فال نملك ٕاال ٔان نعجب بغربي يدخل ٕالى روح
توض ح النص أالصلي ،المبهم ٔاحيانًا ،ويظل ٔامي ًنا على
ِّ اللغة العربية ،يترجم نصوصها ترجمة
وارتقت مدارك ُه مع معلِّم
َّفت ٔاعماقُه ْ
النصوص .وليس هذا بمستغرب من ٕانسان متص ِّوف ،تثق ْ
كبير هو الشيخ محيي الدين بن عربي
.
2.سيطر على طرح الوالية عند أالقدمين والمحدثين بعض المواضيع التي ٔاخذت تتكرر
في ك ِّل بحث عن الوالية .فك ُّل من ٔاراد ٔان يؤلِّف في الوالية يبدٔا بفصل عن الولي وقواه
ولي ،شر ًعا ثم عقال ً؛ ويرجع ٕالى القرٓان والحديث
الخارقة؛ ثم يث ِّني بالدفاع عن ٕامكانية وجود ٍّ
والصحابة ،ليب ِّين ٔان الوالية موجودة منذ البدايات ،ؤان الكرامات غير مستب َعدة ،شر ًعا وعقال ً.
باختصار ،ك ُّل الدراسات التي اهتمت بالوالية انحصرت تقري ًبا في الدفاع عنها ٔاو في
مهاجمتها ،وفي ك ِّل أالحوال ،ظلت تنظر ٕالى الوالية من خارج ،تعتبرها مظاهر تظهر في علم
ل ُدنِّي وفي كرامات وخوارق .لذلك فهذه هي المرة أالولى التي نجد فيها بح ًثا في الوالية يفارق
تقليدا ،ويدخل ٕالى عمق هذا المفهوم :يحلِّل معناه ،يب ِّين هوية الولي
ً هذا الطرح الذي ٔاضحى
ونسجل هنا ٕاكبارنا ٕال نسان خرج بطرح الوالية
ودوره في الكون ،ويرتِّب عالم الروح والفعل. ِّ
عن التقليد الذي سيطر عليه قرونًا طويلة .قد يقول أالستاذ شودكي ِفتش – ُ
تواض ًعا – ٕانه ليس هو
الذي خرج بطرح الوالية عن التقليد الم َّتبع ،بل ابن عربي هو الذي خرج عن التقليد .نعم ،قد
صحيحا؛ ولكن قرونًا سبعة تفصلنا عن ابن عربي ،ولم َير ٔاح ٌد الوالية عنده على هذا
ً
يكون هذا
الكمال ،ولم يف ِّ كر باحث ٔان يخرج بنظرته ٕالى ابن عربي عن التقليد الم َّتبع في طرح الوالية.
ُّقه في أالولياء ،وحاول ٔان يخلِّص 3.تتَّبع أالستاذ شودكيِفتش مفهوم الوالية عبر تحق
معنى الوالية من تجربة أالولياء الشخصية ،فرجع ٕالى النصوص أالصلية التي َّ سجلت
جديدا في نمطهٕ .اذ جرى التقليد
ً مشاهداتهم ؤاحوالهم وعلومهم – ك ُّل ذلك يجعل الكتاب
ٔان يتبع الباحث مفهوم الوالية عبر التنظير السابق؛ ولكن شودكي ِفتش هنا ترك التنظير وما ُك ِت َب
يؤلفها بنفسه ويستقيها من حياة أالولياء .فتجربة الولي الشخصية، ِّ عن الوالية ،ليتلَّمس نظرية
ٔابدإ ،اال ٔانها تضيف مالمح جديدة ٕالى صورة الولي – هذه الصورة التي ً تتكرر ال كانت وٕان
كانت تتحدد تقاطي ُعها مع نصوص
أالولياء.
ٕ4.ان كان الولي عند الكالباذي في التع ُّرف "محفو ًظا من النظر ٕالى نفسه ،ومن ٓافات
توسع الباحثون في دائرة هذا "الحفظ" ،وتف َّننوا في ٕاخراج الولي ليس من ٓافات
البشرية" ،فقد َّ
البشرية ،بل من البشرية نفسها! وكانت النتيجة ٔانه كلما انقطع الولي عن عالئقه الدنيوية وفارق
دائرة عواطفه البشرية تك َّرس ول ًّيا في نظر الباحثين والناس .والولي – في نظر السوى – هو
وحبيب قلبه في الفؤاد
وروحه سماويةٔ ،اباح جس َمه ِل َمن ٔاراد مجالسته، ُ
ٕانسان بدنُه ٔارضي ُ
ٔانيسه؛ ٕانسان يعيش دون عواطف ٕانسانية ودون مشاعر بشريةٔ ،الن عواطفه ومشاعره كلَّها
مست َلبة بال ِّ الحب إال نساني ،فوق مشاعر أالب َّوة والحنان .ولعلنا هنا –
حب إال لهي؛ ٕانسان فوق ِّ
ؤالول مرة – نقف متعاطفين مع صورة الولي كما ترسمها النصوص التي اختارها شودكي ِفتش،
وو َّظفها ٔاحسن توظيف :فالولي هو ٕانسانٔ ،اوال ً وا ً ٓخرإ ،انسان يشعر ،يحب؛ وهو في ٔاعلى
درجات القرب يتق َّطع قلبه على طفله المحموم .وشودكي ِفتش هو ٔاول من ٔالقى الضوء على
ٕانسانية الولي؛ ٕاذ ك ُّل من سبقه من الدارسين اهتم بخوارق الولي وبمظاهر أاللوهية المتجلِّية
فيه ،وجعله مفار ًقا لعالم البشرية ،وكٔان ك َّل شعور بشري هو نقص وعالئق وسقوط يجرح عل َّوه
ومقامه .ونحن هنا نتابع شودكي ِفتش في نظرته ٕالى ٕانسانية الولي :فالفرق كبير بين ٔان يرقى
إال نسان بمشاعره وعواطفه من ٓافات البشرية ٕالى ٓافاق إال نسانية ،وبين ٔان يفارقها بالكلِّية.
فالولي ،كما يؤكد شودكي ِفتش بحق في ٓاخر كتابه ،هو القريب من الله ،القريب من الناس.
ٕان الولي هو القريب من الله ،القريب من الناس .وهذا القرب من الناس هو امتداد
لقرب أالنبياء من الناس ،على عل ِّو مكانتهم عند الله .فأالنبياء – وهم الساللة المختارة من
الجنس البشري – عاشت مع الناس ،وظلت قريبة منهم ،تحِّقق الوصل بين أالرض والسماء.
وليس للنبي وللولي ،من بعد ٔان يعتزل قومهٔ ،ان يفارق الجمع ،لما له من دور ووظيفة .فموسى
)ع( ،حين خلَّف قومه وراءه ،وترك فيهم ٔاخاه هارون ،و َع ِجل ٕالى ر ِّبه ليرضىٔ ،اض َّل السامر ُّي
قريبا ،والولي يتابع هذا الدورٔ ،النه الوريث والنائب ،يحمل ٔاعباء
قو َمه .فالنبي يكون من الناس ً
قريبا منهم ،ليحِّقق اتصال أالرض بالسماء ،واتصال التابعين
شريعة النبي ،ويعيش مع الناس ً
بالمتبوع .ويب ِّين شودكي ِفتش ٔان الولي يؤكِّد النبوة ،ويتابع دوره في البنية الدينية للمجتمع
.المؤمن
5.نحن في زمن يتع َّرض فيه وج ُه إال سالم للكثير من التحريف والتشويه .لقد ٔامسك
ٔاعداء إال سالم بمرٓاة مق َّعرة أالعماق والجوانب ،تعكس الوجه على ٔابشع صورة .وتتوالى ال ُّتهم:
ٕارهابي ِصدامي ،تط ُّرف ،تعصبٕ ،الخ .شودكي ِفتش هنا ِّ يصحح الرؤية،
، إال سالم دموي،
مؤكدا ٔان الدين إال سالمي هو
ً ويكشف عن انفتاح الدين إال سالمي على أالديان أالخرى،
الشريعة الكاملة والنهائية التي ٔافسحت فيها مكانًا لك ِّل الشرائع السابقة ،ؤان النبي )ص( هو
النموذج إال نساني الكامل ،صاحب الرسالة العامةُٔ ،ا ِ رس َل رحم ًة للعالمين ،وجمع في شخصه
ك َّل ما يطلبه ٕانسا ٌن
من نبي
.
خيرا ،نقولٕ ،ان كتاب خاتم أالولياء يع ِّرف العالم الغربي على وجه من إال سالم تغ ِّيبه
ٔا ً
وسائ ُل إال عالم وأالغراض ،وٕان الروح تح ِّقق ً
لقاء كون ًّيا فوق مصالح المادة وتنا ُزع السياسة.
ومن المفيد جدًّا ٔان ي َّطلع ق َّر ُاء العربية على نتاج الغرب في إال سالميات ،وخاصة على
الدراسات الموثوقة والموضوعية ،التي تشهد ك َّل يوم ٔاكثر على كمال إال سالم ومقدرته على
تلبيته التحديات
الحياتية
.
***
ﻋﺮﺽ
ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ
قسم أالستاذ شودكي ِفتش كتابه ٕالى مقدمة وعشرة فصول؛ نتناول ك َّل قسم بما يتناسب
َّ
:من التفصيل
ﺍﳌﻘﺪﻣﺔ )ﺹ (-٢٧
١٣
بدٔا شودكي ِفتش مقدمته مع مطالع ابن عربي على العالم الغربي .وكانت البداية مع
فلوغل .وبعدها ترجم له نيكلسون ديوانكتابه اصطالحات الصوفية ،بترجمة غوستاف ِ
ترجمان أالشواق .وتوالت بعد ذلك ٔاعمال نيبرغ وٓاسين باالثيوس .ثم جاءت سنوات ما بعد
الحرب حاملة المزيد من النشر والترجمة والدراسة .وبرزت ٔاسماء ٔامثال هنري كوربان
وتوشهيكو ٕايزوتسو .ويشير شودكي ِفتش ٕالى التضا ُرب الذي برز حول شخصية ابن عربي في
ِ
. العالم الغربي ،وذلك كما ورد في كتابات ماسينيون وكليمان ُهوار وكا َّرا ُد ْه فو
ولكن ابن عربي ،الذي جمع في شخصه الوالية ٕالى العبقرية ،وجمع في مؤلَّفاته العلوم
المتنوعة ٕالى ضروب ٔاشكالها ،يفوق في نتاجه وشخصه ما ُك ِت َب عنه .وقد ظلت الدراسات
كلُّها جزئية وغير قادرة على إال حاطة به؛ فلم يحصره كاتب ،ولم يعرف حقيق َة وجهه باحث.
ثم ينتقل شودكي ِفتش ٕالى الكالم على حياة ابن عربي ،وعلى ٔاهميته الشخصية
كصوفي ،وعلى ٔاهمية صوف َّيته كذلك ؤاثرها على أالعمال التي وضعها ،وخاصة الفتوحات.
َّم على موقف العالم إال سالمي من الوالية وأالولياء ،ومن مظاهر تقديس العوام لهم، ثم تكل
ليخلص ٕالى ٔان التصوف والوالية ال يفترقان :فالتصوف يوجد ويتغذى ويستمر في حياة الناس
من مفهوم الوالية ومن وجود أالولياء؛ بل وظيفة التصوف تكمن في ٔانه يساعد على ظهور
أالولياء ،ؤانه السماء التي يرتفع فيها نجُم هداية أالولياء .والصوفي يشعر بٔان عليه ٔان يعطي
صورة الولي ،ويعكس جميع كماالت ال ُّتقى للناس .ومن جهة ثانية ،فٕان بنية المجتمع
سالمي ٔاو بأالحرى التج ُّمع الديني ،تقوم على "خاصة" ،هم أالولياء العلماء الحقيقيون،
، إال
قطب الولي
. وعلى "عامة" ،هم شعب يستقطبهم ُ
وعلى الرغم من ٔان ابن عربي كان مسبو ًقا بك َّتاب وصوفية تناولوا موضوع الوالية ،فهو
ٔاول من ق َّدم فيها نظرية شاملة ،وتت َّبع صورها الموروثة من شخصيات ٔانبياء أالديان كافة :ولي
موسوي ،ولي عيسوي ،ولي ٕابراهيميٕ ،الخ
.
وحيث ٕان العمل في ابن عربي شامل وصعب ،يرى شودكي ِفتش ٔانه من أالفضل ٔان
يرتكز على نصوصه خطوة خطوة ،وبطريقة مخلصة ،حتى يصل ٕالى توضيح رؤيته
.
ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻷﻭﻝ" :ﺍﺳﻢ ﻣﺸﱰﻙ" )ﺹ (٢٩-٣٩
يبدٔا أالستاذ شودكي ِفتش الفصل أالول بٕايراد بعض رؤى منامية البن عربي ،يرى فيها
أالنبياء )ع( بمفردهم ٔاو هم ؤاتباعهم .ومن هذه الرؤى تظهر مكانة ابن عربي الروحية؛ ويظهر
له كذلك ٔان ابن عربي يرى ،منذ البدايةٔ ،ان أالولياء ال ينفصلون عن أالنبياء مطلقًا ،ؤان الوالية
َقدم" نبي ،يتبعه في العلم والعمل ٔابدا عن النبوة ،بل تتبعها دائ ًما .فالولي هو "على َ ال تستقل ً
والحال .وهذه الرؤى يؤ ِّيدها كال ُم تلميذه صدر الدين القونوي ،الذي كان يقول ٕانه في طاقة
ٔاستاذه ٔان يجتمع بروح من يشاء من أالولياء السابقين الراحلين :وهذا كتاب التجلِّيات البن
. عربي شاه ٌد على مثل هذه
اللقاءات
ينتج من ك ِّل ما تق َّدم ٔان رؤية ابن عربي ليست نظرية تقوم على عدم التناقض الفكري،
يضا مستقاة من النصوص إال سالمية ،كٔاية نظرية دينية ٔاخرى ،بل هي تدوين لواقع وليست ٔا ً
. معيش ،يجد مصدره في تجربة شخصية وذوق وعيان
هذه "الفتوحات الربانية" التي ٔالهمت ابن عربي مباشر ٌة وغير مباشرة :إال مالء إال لهي،
و َتوالي شهادات الغيب على صفحة كتبه ،ثم صعوبة التقاط مذهبه بك ِّل تد ُّرجاته وشموله –
ذلك كلُّه ِّ
يفسر جزئ ًّيا الهجوم العنيف الذي تع َّرض له ابن عربي ونظريته في الوالية؛ والباقي
ٔ.اكمله الظ ُّن السيئ والفهم
المغلوط
يخصص شودكي ِفتش هذا الفصل لبحث معنى "ولي" ،كما َو َر َد ْت في معاجم اللغة: ِّ
يرجع ٕالى الجذر ،ويرى ٔان "ولي" تُط َلق على معنيين :الولي هو الصديق والقريب والتابع
والمحب ،والمواالة ضد المعاداة؛ والولي ٔا ً
يضا هو المد ِّبر والنصير من إال دارة وإال مارة والحكم
والخالفة .فبالمعنى أالول ،الوالية هي الوالء لله؛ وبالمعنى الثاني ،الولي هو الذي يتولَّى ٔامو ًرا،
وئاخذ على عاتقه شريعة .مثال ً ،الولي المحمدي ال يعطي شريعة ،ولكن ئاخذ على عاتقه
الشريعة المحمدية ،وهكذا دواليك.
ثم يب ِّين شودكي ِفتش ٔان أالصل العربي "ولي " ال يمكن ترجمته بكلمة مناسبة في
الديانات أالخرى ،وبالتالي ،في اللغات أالخرىٔ ،الن شكل القداسة في ك ِّل ديانة يباين شك َلها
في الفكر إال سالمي – واللغة تدوين للفكر ليس ٕاال .فالقديس ، le Saintمثال ً ،من أالصل العربي
. َس ،يع ِّبر عن فكرة "الطهارة" ،وال يعطى معنى الوالية ،وهكذا
قد َ
ومن حيث الوزن ،تُقرٔا "والية" بفتح الواو وبكسرها .الوالية بالكسر ،على وزن ِفعالة،
مكسور ِ
، ِوالية ،بمعنى عمل الولي ٔاي ٕامارته )وكل ما كان من جنس الصناعة فهو
كخياطة
بالفتح َوالية ،وهي حال الولي ،والؤه لله .ولكن ً
، ِوقصارة( ،وعلى وزن َفعالة
كثيرا من
الكتابات الصوفية تتردد بين َوالية بالفتح و ِوالية بالكسر؛ واللغة المحكية تجنح ٕالى الكسر،
ِواليةٔ .اما الكاتب فيتابع ابن عربي في تفضيل َوالية )بالفتح( ،النسجامها مع اللغة القرٓانية.
وهكذا يتق َّرر لديه ٔان الوالية هي اسم مشترك بين مس َّميين :بين َمن له حال الوالية ،وبين من له
وظيفة الوالية
.
والولي كذلك هو اسم مشترك بين الله وبين إال نسان :فـ"الولي" هو ٔاحد أالسماء
يضا اسم ُيط َلق على إال نسان" :الله ولي المؤمنين" )ٓال عمران " ،(٦٨الله ولي
إال لهية؛ وهو
ٔا ً
خوف عليهم
ُيخرجهم من الظلمات ٕالى النور" )البقرة ٔ" ،(٢٥٧اال ٕان ٔاولياء الله ال
الذين ٓامنوا ِ ٌ
وال هم يحزنون" )يونس .(٦٢ويحصر اللغويون المسلمون ٔامر هذا االشتراك بوجهين" :اسم
. مفعول" ،يتبع مفهوم النسب والوالء ،و"اسم فاعل" يتبع مفهوم الخالفة وإال مارة
هذا وين ِّبه شودكي ِفتش ٕالى ٔان ك َّل مفردات الولي والوالية ومعانيهما تنبع من القرٓان
وترجع ٕاليه ،ؤانها تجد بيانها في ٔاحاديث مشهورة ،لعل ٔاهمها" :من ٓاذى لي ول ًّيا فقد ٓاذن ُته
لي عبدي بشيء ٔافضل من ٔاداء ما افترضت عليه .وما يزال عبدي يتقرب ُ
بالحرب .وما تقرب
ٕا َّ
ٕا َّ لي بالنوافل حتى ٔاحبه .فٕاذا ٔاحبب ُته كنت سمعه الذي يسمع به ،وبصره الذي يبصره به ،ويده
التي يبطش بها" و "ُر َّ ب ٔاشعث ٔاغبر ذي طمرين ،لو ٔاقسم على الله ٔالب َّره".
ولعل من المفيد هنا ٔان ٔاع ِّقب على هذا االشتقاق االسمي بٔافضل ما سمعت في هذا
الموضوع؛ وهو ،على ٕايجازه الصوفي ،يرضي اللغويين .سٔالت مرة سيدي الفضل بن العباس،
ٔامير أالسرة الدندراوية" :من هو الولي؟" فقال" :اس ٌم ُيط َلق على من توالَّه الله ،وعلى من والَّه
الله
".
نصفين ،ك ُّل نصف ق َّيد معنى الوالية بمفهوم وحصره فيه :فبعض الدارسين إال سالميين – ومن
بينهم ٔائمة – حصروا معنى الوالية في المس َّمى أالولٔ :اي ٔان الولي هو المؤمن عامة ،وك ُّل
مؤمن ولي ،ولم يرتضوا معنى "التولية" – وٕان لم يحاربوا ٔاو يناهضوا الكرامات وخرق العادة
والعلوم إال لهامية؛ والبعض الثاني ،وٕان قبل معنى الوالية في المس َّمى أالولٕ ،اال ٔانه اعتبر ٔان
التخصيص المراد بالوالية والمشار ٕاليه في
صفة إال يمان التي تع ُّم ك َّل المؤمنين ال ينطبق عليها ُ
أالحاديث المشهورة من نحو "من ٓاذى لي ول ًّيا "...و" َّ رب ٔاشعث ٔاغبر ."...وهكذا يستعرض
شودكي ِفتش تاريخ فكرة الوالية ،وقبل ُة ٔانظاره هذا االنقسام .ؤانا ٔاس ِّميها مجا ًزا :الوالية السلفية
يبدٔا بابن تيمية ،الذي يرى ٔان أالولياء هم المق َّربون فقطٔ ،اي ينظر ٕالى الوالية بالمعنى
أالول :فالولي عنده هو الذي تق َّدم في الصالح ،حتى ٔاصبح من ٔاوائل الصالحين .والقرٓان
يس ِّميهم بـ"السابقين" ،الذين هم ٔاعلى من ٔاهل اليمين ؤاهل الشمال .والجرجاني في
التعريفات يع ِّرف الوالية بٔانها "القرب من الله" ،ويم ِّيز بين َوالية )بالفتح( و ِوالية )بالكسر(،
ؤانهما يقابالن حال الولي ووظيفة الولئ .اما ابن عجيبة )القرن الثامن عشر الميالدي( ،فيجعل
الوالية تقابِل "أالنس بالله"ً .
وكثيرا ما كان ابن عربي يؤ ِّكد على قضية النصرة في الوالية ،ويرى
ٔان الولي وأالولياء هم الذين توالَّهم الله بنصرتهم ،توالَّهم في محاربتهم ٔاعداءهم أالربعة:
. النفس ،والهوى ،والدنيا،
والشيطان
ولكن بعد هذه اللمحة السريعة مع ابن تيمية والجرجاني وابن عجيبة وابن عربي ،يقف
شودكي ِفتش ليقول ٕان هذه النصوص كلَّها متٔاخرة .فماذا كانت البداية في بدايات إال سالم؟
كما حدث مع مفرد "صوفي"ٕ ،اذ سبق وجود الصوفي وجود اسمه ،كذلك في الوالية سبق
وجو ُد الولي وجو َد اسم الوالية .وبحسب الهجويري ،يرجع وجود الولي والوالية في اللغة
كتبه حاملة اسمها :علم
الصوفية ٕالى الحكيم الترمذي )القرن التاسع الميالدي( الذي توالت ُ
أالولياء ،ختم أالولياء ،سيرة أالولياء .فالترمذي ُي َع ُّد ٔاول صوفي ب َّين معالم الوالية وطرح
احتل ْتها مؤلَّفاته في كتابات ابن عربي في
َّ مشاكلها ومسائلها .وهذا يفسر المكانة التي
الوالية ً
، الموضوع نفسه .ثم يتناول شودكي ِفتش كتاب ختم
مشيرا ٕالى ٔان الترمذي في هذا
النص كتب تجربته الروحية ،على الرغم من تس ُّتره وراء حجب اللغة الموضوعية واللهجة
ِّ
الالشخصية .
يف ِّرق الترمذي بين طريقين للوالية :طريق الصدق والجهد والعبادة ،وطريق الم َّنة
وال َو ْهب والعبودية؛ وهذان الطريقان ،على ُ تداخلهما ،يشيران ٕالى مرتبتين من مراتب الحياة
الروحيةٔ ،اي مرتبتين من مراتب الوالية :مرتبة "ولي ح ِّق الله" ومرتبة "ولي الله حقًّا" .الوالية
أالولى ِّ يحصلها السالك بسيره في الطريق أالول ،وهو ممارسة الصدق؛ فالصدق ٔاول خطوة
في الوالية ،وهو يفرض أالداء الكامل لك ِّل الفروض الداخلية والخارجية المترتبة عن العهود
إال لهية ،صدق العهود مع الله ،وباختصار ،صدق العبادة .والوالية الثانية ينالها المؤمن بال َو ْهب
. والم َّنة إال لهية؛ وتتصف بصدق
العبودية
ٕان عبارة "ح ِّق الله" على المخلوقات تو ِهم بح ِّق المخلوقات على الخالق .لذلك فٕان
"ولي ح ِّق الله" هو الذي تظهر والي ُته في خدمته للحقوق إال لهية ،وهئ :اداء الفروض ،حفظ
الجوارح ،الصبر على الشهوات ،التوكل في الرزق .يعطي لئاخذ :يعطي صدق العبادة ،فيم ُّن
الله عليه ويعطيه طريقًا ٔاعلى في الوالية ،ويرقى ٕالى ٔان يكون "ولي الله حقًّا"؛ يجاهد المؤمن
خل َصه الله – ع َّز
َّ نفسه في عبادة الله ،فتتوالى عليه ٔانوار العطاءات الربانية .فٕان لم يقف عندها
وج َّل – لعبوديته ،وحَّرره من كِّل شيءٔ،ا ورقَّاه في درجات الوالية ،ؤانزله مح َّل قُربه .وهذا
الولي ،وٕان كان ال يطلب المعاوضة بالخدمةٕ ،اال ٔان عبوديته المطلقة هي مساحة ٔاعماقه التي
تحررت من ك ِّل شيء وامتٔالت بالحضور إال لهي .لذلك نجد ٔان ٔاه َّم صفات الوالية الصادقة
عند الترمذي هي تن ُّزل السكينة على الولئ ،اي الحضور إال لهي .فالولي الفارغ من كِّل شيء،
الممتلئ بالحضور إال لهي ،ينعكس هذا الحضور من باطنه ٕالى ظاهره ،ويصبح ٔاحد المظاهر
ولياء بها ،وهي ال ُمشار ٕاليها في الحديث الشريف بٔان أالولياء هم الذين
الخارجية التي ُي ْعرف اال ٔ ُ
). تذكِّرنا رؤيتهم بالله )راجع :السيوطي ،الفتح الكبير١: ٢١٤ ،
وينتقل شودكي ِفتش ٕالى السؤال الذي ُي َ طرح في ك ِّل نظرية روحية في إال سالم :ما هي
العالقة بين الولي وبين النبي ٔاو الرسول؟ هذا الموضوع بالذات – وقد ٔاشار ٕاليه الترمذي في
رسالة بدء الشٔان – هو الذي ٔاثار عليه ثورة الفقهاء .يرى الترمذي ٔان نب َّوة أالنبياء ورسالة الرسل
لهما نهاية وح ٌّد في هذه الدنيا؛ وتتوافق نهايتهما مع نهاية العالم ورجوع مخلوقاته ٕالى خالقها
في يوم الفصل العظيم .وعلى العكس من ذلك ،تستمر صفة الوالية ٔابدية .وهذا ما يفسر ٔان
"الولي" هو ٔاحد أالسماء إال لهية .وهذا الكالم ال يعني ٔان الولي "ٔافضل" من النبي ٔاو الرسول؛
ولكن صفة الوالية في شخص الرسول ٔاو النبي نفسه تستمر ٔابدية ،على حين ٔان فعل رسالته ٔاو
. نب َّوته
ينتهيان بانتهاء العالم
وبعد ٔان َع َر َ ض شودكي ِفتش للوالية عند الحكيم الترمذي ،يتساءل عن معنى "ختم
أالولياء" الذي َع ْن َو َن به الترمذي كتابه .هنا – يقول شودكي ِفتش – كان علينا ٔان ننتظر ابن عربي
حتى نعرف ماهية الختم وهو َّيته ونفهمهما .ذلك ٔان إال شارات التي تالمحت عند الترمذي،
ٔامثال قوله ٕان ختم أالولياء هو "حجة الله على أالولياء" ٔاو ٔانه "سيد أالولياء" و"حكيم
الحكماء" ،ال توضح شي ًئا .ويبقى ٔان الحكيم الترمذي ٔا ْو َر َد مجموعة ٔاسئلة كانت تحد ًيا
للم َّدعين ،تحد ًيا لمن يتكلَّم كأالولياء وليس منهم .هذه أالسئلة المائة والسبعة والخمسون
ظلت تنتظر دون جواب زمن ابن عربي الذي واجه التحدي ؤاجاب في الفتوحات عن أالسئلة
جميعها )ف .(٢: ٤٠-١٣٨ؤاهم هذه أالسئلة :كم عدد منازل أالولياء؟ ٔاين منازل ٔاهل
ال ُقربة؟ من الذي يستحق خاتم أالولياء كما يستحق محمد )ص( خاتم النبوة؟ ما سبب الخاتم
وما معناه؟ ٔاين مقام أالنبياء من أالولياء؟ ما سكينة أالولياء؟ ٕالخ
.
وكان من نتيجة طرح الترمذي للوالية وختمها وللعالقة بين النبوة والرسالة والوالية
بشخص الرسول ٔاو النبي ٔان تناول ك ُّل الباحثين بعده مفهوم الوالية بالحذر الشديد .وها هو
الباقالني )القرن العاشر الميالدي( الذي ،وٕان كان َّ خصص كتا ًبا للبحث في الفرق بين
معجزات أالنبياء وكرامات أالولياءٕ ،اال ٔانه اكتفى بٔان يقف من الوالية عند حدود التٔاكيد على
. ٕامكانية الكرامات والخوارق في مقابل المعتزلة ،وع َّرف أالولياء بٔانهم الصالحون فقط
ٔابو طالب المكي )ت ٣٩٠هـ( ،في فصل من كتابه قوت القلوب ،يتكلَّم على ٔاهل
المقامات من المق َّربين ،ويفِّرق بين ثالثة ٔانواع من أالولياءٔ" :اهل العلم بالله"ٔ" ،اهل الحب"،
يخصص فصال ً ٔابو نصر الس َّراج )ت ٣٧٧هـ( ،في كتابه اللُّمع ،وعلى الرغم من ٔانه ِّ
يحِّذر فيه القارئ مَّمن يضع أالولياء في مرتبة ٔاعلى من أالنبياء ،وفصال ً ٓاخر لكرامات
أالولياء،
عرضا ٔاكثر عمقًا لمفهوم الوالية.
ٕاال ٔاننا نحاول عب ًثا ٔان
نستشف ً
يفرد فصال ً للكرامات ،ويدافع عن
رف ُ ِالكالباذي )ت ٣٨٥هـ( ،في كتابه التع ُّ ،
ٕامكانيتها وشرع َّيتها ،ويرى ٔان ظهور الكرامة هو تٔاييد للنب َّوة .وعلى السؤال الذي ُطر َِح على
الترمذي من ٔاحد تالمذته :هل يعرف الولي ٔانه ولي؟ يجيب بإال يجاب .وهو يف ِّرق بين نوعين
من الوالية :الوالية في معناها العام ،وتشمل ك َّل المؤمنين؛ وفي معناها الخاص الذي تٔاخذه في
االصطالح الصوفي ،هي عطاء مخصوص ،من ُٔا ْع ِط َيه كان محفو ًظا من النظر ٕالى نفسه ومن
ٓ.افات البشرية
ويتابع شودكي ِفتش ،مع ك َّتاب متٔاخرين نو ًعا ما عن الذين ذكرهم ُّ :السل َمي )ت ٤١٢
هـ( ،في مقدمة كتابه طبقات الصوفية ،يرى ٔان أالولياء هم ٔاتباع أالنبياء ،يخلفونهم في
الس َلمي ،عند بحثه لشخصياته ،يتابع هذه اللمحة ،بل العكس؛ فٕاننا ُس َن ِنهم .ولكننا ال نجد ُّ
نكاد ال نجد هذه الشخصيات تخرج عن أالسئلة التقليدية :الكرامة ،هل يعرف الولي ٔانه ولي،
. ٕالخ
الس َلمي ،ئاخذ شودكي ِفتش كتاب حلية أالولياء ٔالبي نعيم أالصبهاني )ت
وبعد طبقات ُ
٤٣٠هـ( ،ويرى ٔانه يتركنا على جوعنا ،وعطشى ال نرتوي ،على الرغم من عنوانه ؤاجزائه التي
تبلغ العشرة ،وتضم ٔاكثر من ستمائة وتسع وثمانين ترجمة .ولكننا نستطيع ،من خالل ٕاشاراته،
قليال ً قليال ًٔ ،ان نرسم صورة للولي ،ؤان نقارب نمطية أالولياء .ولكن جوهر الوالية ينفلت من
ك ِّل تعريف؛ وحصيلة ما يبقى لدينا بعد قراءة الحلية ينتظم تحت مقوالت :أالولياء يذكِّرون
فقراء ُز َّهاد ،قوم خالط القرٓان لحومهم ودماءهم،
، بالله ،أالولياء محفوظون من الفتنة ،أالولياء
بحسب قول ذي النون المصري .ثم ٕان الوالية ليست استعراضية ،بل العكس؛ فٕان الولي
.
يتحاشى الظهور
وبعد الحلية ئاخذ شودكي ِفتش رسالة القشيري )ت ٤٦٥هـ( ،حيث تستغرق الوالية
فصال ً كامال ً" :باب الوالية" .ولكن نجد ٔاننا نقف ٔامام نفس السدود ،نفس الحذر .ويشير
القشيري ٕالى ٔان اسم "ولي" له معنيانٔ :احدهما سلبي ،فعيل بمعنى مفعول ،وهو من يتولَّى الله
– سبحانه – ٔا َمره )قال الله تعالى" :وهو يتولَّى الصالحين"( ،فال َي ِك ْله ٕالى نفسه لحظة ،بل
يتولَّى الح ُّق – سبحانه – رعاي َته؛ والمعنى الثاني ٕايجابي ،فعيل مبالغة من الفاعل ،وهو الذي
يتولَّى عبادة الله تعالى وطاعته؛ فعبادته تجري على التوالي من غير ٔان يتخلَّلها عصيان .وكال
الوصفين واجب حتى يكون الولي ول ًّيا .ومن شرط الوالية ٔان يكون الولي محفو ًظا ،كما ٔانه من
شرط النبي ٔان يكون معصو ًما .ويتابع القشيري مع الحوار الصوفي حول معرفة الولي بٔانه ولي.
السل َمي" :نهايات أالولياء
ويع ِّقب القشيري على معنى الوالية بٔاقوالٔ ،اهمها ما ينقله عن ُّ
بدايات أالنبياء" ،وقول ٔابي على الجوزجاني" :الولي هو الفاني في حاله" .ويخلص القشيري
ٕالى القول بٔان الولي هو "ابن وقته" ،ليس له مستقبل فيخاف شيًئا؛ وكما ال خوف له فال رجاء
ُيفرد القشيري با ًبا ًّ
لهٔ ،الن الرجاء انتظار؛ وكذلك ال حزن له .ثم ِ
خاصا للكالم على كرامات
جديدا ُيذك َر.
ً يقدم
ِّ أالولياء ،دون ٔان
ٔاما ٕاذا اتجهنا ٕالى تفسير القشيري للقرٓان لطائف إال شارات ،فنرى ٔان القشيري يفرق
بين "معصوم" و"محفوظ" :عصمة النبي تكمن في ٔانه ال يجد في نفسه الرغبة في معصية؛ ٔاما
الولي فٕانه ليس في ملجٔا من إال غراء ،ويمكن ٔان يضعف ٔاحيانًا ٔامام الغواية ،ولكن الم َّنة إال لهية
تحفظه من إال صرار
على الخطٔا
.
جديدا
ً يقدم
وبعد القشيري ،يرى شودكي ِفتش ٔان عبد الله أالنصاري )ت ٤٨١هـ( لم ِّ
في كتبه المعروفة لدينا؛ وأالمر كذلك بالنسبة للغزالي )ت ٥٠٥هـ( الذي انتقد في إال حياء من
ينكر كرامات أالولياء .وهكذا يظل معنى الوالية مستو ًرا خلف صورها ومظاهرها وعالماتها.
وهذا ما سنجده ٔا ً يضا عند نجم الدين ك ُبرى )ت ٦١٧هـ( في كتابه فوائح الجمال :من
عالمات الولي ٔان يكون محفو ًظا ،مقبول الدعوة من الله – ع َّز وج َّل ،ؤان يعرف اسم الله
أالعظم ؤاسماء الج ِّن والمالئكةٕ ،الخ .والوالية عند ك ُبرى هي الدرجة الثالثة وأالخيرة من
الحياة الروحية؛ ٕاذ تتوالى عنده الثالثيات المرتبة تدريج ًّيا:
العبودة العبودية
العبادة
عين اليقين
)
(مكتسب
ويرى شودكي ِفتش ٔانه ،و ٕان كان ك ُبرى ال يعطينا المنطق العقلي لك ِّل المقوالت التي
الوالية ٕاال ٔاننا تق َّدمنا معه قليال ً في معرفة الوالية .وكان يمكن ٔان تكون المعرفة
، يطرحها في
ٔاكبر لو ٔاراد ٔان يفصح؛ ٕاذ ٕان المشاهدات التي يرويها في كتبه تكشف عن علمه الوافي بهذا
. الموضوع
و ُينهي شودكي ِفتش هذا الفصل بالكالم على نظرية الوالية عند معلِّم روحي كبير ،هو
روزبهان بقلي ،المتوفى في العام ٦٠٦هـٔ ،اي بعد وصول ابن عربي ٕالى المشرق .وروزبهان،
السائرين ُيف ِر ُد فصال ً عن
، في كتابه مشرب أالرواح ،المستوحى من كتاب أالنصاري منازل
الوالية ،يرى فيه ٔان ٔاول الطريق ٕارادة ،وهي مصحوبة بالمجاهدات ،ووسط الطريق محبة ،وهي
مصحوبة بالكرامات ،وٓاخر الطريق معرفة ،وهي مصحوبة بالمشاهدات .وعندما يكون المرء
متم ِّك ًنا من هذه الدرجات الثالث ،ال يجري عليه تلوين ،ويسبح في بحار التوحيد ؤاسرار
التفريد .عندها يكون ول ًّيا ،نائب أالنبياء ،صاد ًقا بين الطاهرين .ويورد شودكي ِفتش من كتاب
روزبهان كشف أالسرار بعض المقاطع التي تروي تجربة الوالية عنده ،مقاطع يخاطب فيها
الح ُّق روزبهان ،نصوص تروي توليته واختياره للوالية وللمحبة .ويروي روزبهان ٔانه كان ذات
مرة يجلس ليال ً قرب ابنه ٔاحمد الذي يشكو ح َّمى ،وقلبه يكاد يذوب قلقًا؛ ثم فجٔاة شهد
الجمال إال لهي ،فقال له" :ر ِّبي ،لم ال تكلِّمني كما كلَّمت موسى؟" فٔاجابهٔ" :اال يكفيك ٔان
َمن يحبك فقد ٔاحبني ،ؤان َمن يراك يراني؟"
الفصل َر َد َم شودكي ِفتش المسافة بين بداية الكالم على الوالية مع
، وهكذا ،في هذا
الترمذي وبين نهايته ،وختمه مع ابن عربي .قرون ثالثة في أالبحاث الموضوعية والمشاهدات
الذاتية؛ وكلُّها يدور حول الوالية .وقد تناولها شودكي ِفتش بالدراسة والتحليل ،محاوال ً الوصول
ٕالى تعريف للوالية ،لحدودها وبنيتها ،قبل ابن عربي ،ولكن دون جدوى .لذلك يرى ٔان مفهوم
الوالية كان عليه ٔان ينتظر ابن عربي حتى يتح َّدد.
يضا ٔان
المخصص لداود )عليهم السالم( .ويلحظ ٔا ً
لسليمان الذي ،بدوره ،يسبق الفصل َّ
تردا فيشخصيتين من هذه الشخصيات السبع والعشرين – وهما شيث وخالد بن سنان – لم ِ
القرٓان؛ على حين ٔان نبيين مذكورين في القرٓان – هما ذو الكفل ؤاليسع – غائبان عن كتاب
يضا ٔان لقمان ،الذي يعطي اسمه ٔالحد فصول الفصوص ،هو في الواقع – ابن عربي .ويلحظ ٔا ً
.قرٓان ًّيا – حكيم
ٔاكثر منه نبي
ويفيدنا كتاب فصوص الحكم ٔا ً يضا في استخالص بنية الوالية الصوفية ومعرفة تنوع
فص من الفصوص .ففي شخصيات أالولياء ،وذلك من خالل أالنماط الروحية التي ُيب ِر ُزها ك ُّل ٍّ
ك ٍّل ٍّ فص من الفصوص نجد نم ًطا روح ًّيا يتح َّدد بالتقاء وجه من وجوه الحكمة إال لهية مع
ُّ
القابل إال نساني الذي يحويها ويفرض عليها ،بالتالي ،شروطه إال نسانية .ك ل نمط روحي هو
التقاء المطلق إال لهئ ،اي الحكمة إال لهية ،بالمق َّيد إال نسانئ ،اي بالكلمة.
ثم ينتقل شودكي ِفتش ٕالى بيان الظروف التي دفعت ابن عربي ٕالى نشر فصوص الحكم.
بنبي ٕاال ٔانه "وارث" يكتب ٕامالء ٕاله ًّيا.
، فابن عربي ،مع ٔانه ليس برسول وال
بالوالية ،يقول
:
اعلم ٔان الوالية هي الفلك المحيط العام؛ ولهذا لم تنقطعٔ .اما نبوة التشريع والرسالة
فمنقطعة .وفي محمد )ص( قد انقطعت؛ فال نبي بعده :يعني مشتر ًعا ٔاو مش ِّر ًعا له ،وال
رسول ،وهو المش ِّرع .وهذا الحديث َق َص َم ظهور ٔاولياء الله ٔالنه يتض َّمن انقطاع ذوق العبودية
الكاملة التامة
.
وهكذا ،بعد انقطاع النبوة ،امتنعت العبودية الكاملة التامة على أالولياء ،وبقي لهم ٔان
يقتسموا ٕارث العلوم وأالفعال وأالحوال .وهكذا فٕان العلماء المشار ٕاليهم في الحديث:
"العلماء ورثة أالنبياء" ينطبق بأالصالة على أالولياء :فأالولياء هم
ورثة أالنبياء
.
ثم يقارب ابن عربي موضو ًعا طرحه الترمذي قبله ،ويتلخَّ ص بٔان والية النبي ٔاو الرسول
ٔاعلى من نب َّوته ٔاو رسالته .يقول ابن
عربي:
ينتج مما تق َّدم عدة نتائج ،يرى شودكي ِفتش ٔانه من الصعب التوفيق بينها ظاهر ًّيا،
ويتركها دون تعليق .فمن جهة ،تظهر الوالية شامل ًة للنب َّوة وللرسالة ،وهي ٔاعلى في الشخص
الذي يجمع هذه الصفات الثالث؛ ومن جهة ثانية ،نرى أالولياء تابعين لٔالنبياء ،وارثين لهم،
وبالتالي ،فالنبوة ٔاعلى من الوالية .وٕان لم نستطع ٔان نو ِّفق بين النتائج المتقدمةٕ ،اال ٔانه تق َّرر
آالن ٔان الوالية هي إال رث النبوئ ،او ٔان الولي هو الوارث لنبي ،مع مالحظة ٔانه ال ينال ٔاحد
كمال إال رث ،وٕاال ٔالصبح نب ًّيا .فالنبوة والوالية تشتركان في ثالثة ٔاشياء :العلم ،والفعل
بالهمة ،ورؤية عالم الخيال بالحس؛ وتختلفان في الخطاب إال لهي .ولعله من ٔاهم نصوص ابن
عربي في هذا المجال هو عشرة فصول متتابعة من الفتوحات ) ،(١٥٢-١٦٢حيث يرسم دوائر
الوالية والنبوة والرسالة ،ويب ِّين العالقة فيما بينها ،و ُينهي هذا المبحث بفصل عن "مقام ال ُقربة"
الذي يمثل كمال الوالية ؤاعلى مراتبها.
"ُربة"؛ ويتحدد شكلها بفعل وهكذا تتحدد طبيعة الوالية عند ابن عربي على ٔانها ق
ولي ٍ
وارث لنبي فٕانه ال يرثه الوراثة الموجود بين الولي الوارث والنبي الموروث .ولكن ك َّل ٍّ
مباشرة ،وٕانما من حيث الحقيقة المحمدية .لذلك ك ُّل ولي هو ولي محمدي في شكل من
أالشكال .وهذا ما دفع شودكي ِفتش ٕالى التوقف عند "الحقيقة المحمدية" ومكانتها الوجودية
.
في الفصل التالي
الفتوحات ٕان
كل أالنبياء الذين تقدموا في الزمان على محمد )ص( هم ن َّوابه في عالم الخلق ،وهو ال
كنت نب ًّيا؟" فقال" :كنت نبًّيا وٓادم بين الماء
روحا مجر ًدا ونو ًرا مس َّوى .قيل له" :متى َ
يزال ً
والطينٕ ".الى ٔان وصل زما ُن ظهور جسده المط َّهر )ص( ،فلم يب َق حك ٌ م لنائب من نوابه.
يقول شودكي ِفتش ٕان َّ يحدد طبيعة الحقيقة
ِّ نص ابن عربي هذا ،مع كثير غيره،
المحمدية ودورها .وعلى الرغم من ٔان الحديث الوارد في ِّ
النص قد تع َّرض لكثير من الهجوم
المحدثين انقسموا فيه بين مؤ ِّيدين ومعارضين .وابن عربي نفسه ِّ وات ِه َم بالبدعةٕ ،اال ٔان جمهور
ُّ
– وهو دارس للحديث – يقول في عدة مناسبات ٔان "الكشف" وحده فقط هو القادر على
. القطع
بصحة الحديث
ثم يب ِّين شودكي ِفتش ٔان عبارة "الحقيقة المحمدية" تجد جذورها القرٓانية في عبارة النور
منيرا" ) .(٣٣: ٤٦و ٕان فكرة "النور
سراجا ًالمحمدي ،المستوحاة من قوله تعالىً " :
المحمدي" لها ٔاصول في كتب السيرة ،نجدها فيما ُيروى عن النور الذي كان بين عيني والده
عبد الله ،ورٔاتْه سيد ٌة عشية زواجه بٓامنة ،وفارقه عندما رٔاتْه ثانية صبيحة اليوم التاليٕ .انه نور
النب َّوة المنتقل في أالصالب
وأالرحام.
ويشير شودكي ِفتش ٕالى الصوفيين الذين ٔاكدوا ٔاسبقية النور المحمدي في الظهور على
كافة المخلوقات ،كجعفر الصادق وسهل التستري والحكيم الترمذي والحالج ،وٕالى ارتباط
الحقيقة المحمدية بعبارة مفهوم إال نسان الكامل ،الذي هو هدف ك ِّل حياة روحية وغاية ك ِّل
تعريف للوالية .وينتج عن ك ِّل ما يورده شودكي ِفتش ٔان والية الولي ليست ٕاال انتسابه ٕالى والية
. النبي
وهذه الوراثة عن محمد )ص( يمكن ٔان تكون مباشرة ٔاو غير مباشرة ،كما رٔاينا .والورثة
المحمديون بالطريق المباشر تظهر عليهم صفات تمِّيزهم عن غيرهم من أالولياءٔ ،اي عن ٌ
أالولياء الذين ال ينتسبون للوراثة من النبي ٕاال بواسطة غيره من أالنبياء .فالوارث غير المحمدي
الناس والي َته بما يظهر على ظاهره من عالماتها ،كالكرامات والخوارق .وعلى العكس،
يرى ُ
فٕان الوارث المحمدي يجهله الناس ،وال يعرفه ٕاال النخبةٔ ،الن خوارق الطبيعة ال تظهر على
ظاهره ،و ٕانما تتن َّزل في قلبه على هيئة علوم ؤاحوال روحية .وهذا التمييز بين ورثة النبي بالطريق
غير المباشر وورثته بالطريق المباشر تفيدنا في تحديد صور أالولياء ومالمح شخصياتهم.
من يرث وجه موسى من الحقيقة المحمدية ،ويطلق عليه اسم "موسوي" ،وهذا "ٕابراهيمي"،
.وذاك "هودي"
،وغيرهم
وابن عربي نفسه يروي ٔان ٔاستاذه ٔابا العباس العريبي ٔاصبح عيسو ًّيا في ٓاخر حياته ،ؤانه
هو نفسه – ابن عربي – على العكس ،كان عيسو ًّيا في بداياته ،ثم ٔاضحى موسو ًّيا ،ثم ٔامسى
ل أالنبياء ،وفي ٓاخر مقام من محمد )ص( بنفسه. هود ًّيا ،ثم ورث على التوالي من ك ِّ
وهكذا يتكون من مزايا ك ِّل نبي ومعجزاته ُ
نمط شخصيته ،تظهر صورتُها على الولي
الوارث .فالولي العيسوي ،مثال ً ،تٔاتي كراماتُه على صورة معجزات عيسى )ع( ،فتراه يمشي
على الماء ،ويشفي المريض ،و ُيبرئ أالعمى .ويشير شودكي ِفتش ٕالى شخصيات معروفة في
الوسط الصوفي ،ويؤكد ٔانها كانت عيسوية الوالية ،كالحالج وعين القضاة الحمداني ،مريد
ٔاحمد الغزالي ،وعبد الله ٔاحرار والشيخ العلوي ،كما يشير ٕالى ٔان ٔاحمد البدوي موسوي .هذا
وفي استطاعة العارفٕ ،ان تم َّرس في ٔاحوال الولئ ،ان يكتشف الطابع النبوي الذي يطبع
ظاهره .وال تتعدد أالنماط الروحية للوالية الموروثة عن النبوة ٕالى ما النهاية ،بل يحصر ابن
عربي صورها الرئيسة في كتاب فصوص الحكم بفصوله السبعة والعشرين.
وهكذا اخ ُتتمت النبوة ،واكتملت التشريعات ،ولم يبَق ٕاال الوراثة عن أالنبياء .يقطع
السالك طريق الجهد ،عسى يولِّيه الله – ع َّز وج َّل – ويورثه عل ًما نبو ًّيا ،فيرث عن نبي ٔاو عن
ٔ.اكثر من نبي
يحتله ،ومنه يباشر وظيفته وواليته .ويبدٔا شودكي ِفتش بتل ُّمس منازل أالولياء في النصوص
السابقة البن عربي ،ويجد حدي ًثا شريفًا عند السيوطي ،عن ٔابي هريرة ،يشير ٕالى سبعة يحفظ
الله بهم سكان أالرض .وفي أالدب الصوفي كذلك تتالمح ٕاشارات ٕالى "ديوان أالولياء"،
الس ْتر؛ فالولي هنا هو مستور ،ال تظهر
ٕاشارات ال تزال تنمو ٕالى يومنا هذا ،وتغلب عليها صفة َّ
.مكان
ُته للناس
ويروي خادم الشيخ عبد القادر الجيالني قصة طويلة ،يخرج فيها الشيخ عبد القادر من
المدرسة في بغداد ٕالى نهاوند ،ويصل دون مسافة تُذك َر ،ليحضر وفاة ٔاحمد أالبدال السبعة.
وهكذا يتابع شودكي ِفتش ٕاشارات ،تظهر وتختفي سري ًعا ،عن ٔاولياء مستورين لهم مهام كونية
.عالية ،ويشغلون منازلهم الجغرافية ،ك ُّل ولي يحتل منزلة بحسب رتبته
وكما في تحديد مفهوم الوالية وطبيعتها ،كان علينا ٔان ننتظر في التاريخ الصوفي ظهور
ابن عربي ،كذلك هنا ،لتحديد منازل أالولياء ،ومواقعهم في أالرض .وبعد ابن عربي يصبح
لك ِّل إال شارات السابقة في التاريخ الصوفي معنى ،وتٔاخذ موقعها من نظرية الوالية ككل .وابن
عربي ال يفصل هذه المنازل نظر ًّيا ،ململ ًما النصوص الشرعية ٔاو المرو َّيات الشعبية ،ولكنه
يصف هذه المنازل ويصف نازليها وصف الرائي لها ،العارف بها ،المشاهد ٔالهلها .ففي العام
٥٩٣هـ ،مثال ً ،التقى "قطب الوقت" في فاس .وإال شارة ٕالى هذا اللقاء تكثر في كتبه ،مما
يؤ ِّيد ٔان كالم ابن عربي في الوالية ليس نظرية ،بل يقين عياني ،يرتكز على رؤية مباشرة وتجربة
.حميمة
وفيما يتعلق بموضوع مراكز أالولياء الذين يمثلون قوى "الكون الفاعل" ،لعل َّ
النص
أالكمل هو ما نجده في بداية الجزء الثاني من الفتوحات؛ وهذا النص هو ما سيتخذه
شودكيِفتش دليله في طريق تحديد عالم أالولياء .يبدٔا ابن عربي الفصل بتحديد ٔافضلية مقام
الرسول على النوع إال نساني عامة .ثم يمثل الدين بالبيت القائم بقيام ٔاركانه أالربعة؛ ؤاركان
البيت أالربعة هي" :الرسالة" و"النبوة" و"الوالية" و"إال يمان" .والرسالة هي الركن الجامع؛
وتحوي أالركان الثالثة أالخرى .لذلك ال يخلو العالِم من رسول حي بجسمه يكون قطب
.العالم
إال نساني
يقول ابن عربي بٔانه بعد وفاة محمد )ص( ٔابقى الله – عَّز وجَّل – من الرسل ٔاحياء
بٔاجسادهم في هذه الدار الدنيا ثالثة وهمٕ :ادريس والياس وعيسى )عليهم السالم(ٕ .ادريس
)ع( بقي ح ًّيا بجسده ،ؤاسكنه الله السماء الرابعة؛ والسموات السبع ه َّن من الدار الدنيا ،تبقى
ببقائها وتفنى صورتُها بفنائهأ ،الن الدار أالخرى ُتب َّدل فيها السموات وأالرضٔ .اما الياس
وعيسى )عليهما السالم( فقد بقيا في أالرض .وهذه الشخصيات الثالث ُم ْج َمع على
رسالتهمٔ .اما الخضر )ع( – وهو الرابع – فهو "من المخت َلف فيه" ،كما يقول ابن عربي،
عند غيرنا ال عندنا .فهؤالء الرسل أالربعة باقون بٔاجسامهم في الدار الدنيا .فكلُّهم
أالوتاد ،واثنان منهم إال مامان ،وواحد منهم القطب ،الذي هو موضع نظر الح ِّق من العالمٕ .اذن
واحد من هؤالء أالربعة ،الذين هم ٕادريس وعيسى والياس والخضر ،هو القطب ،وهو ٔاحد
ٔاركان بيت الدين ،وهو ركن الحجر أالسود؛ واثنان منهم هما إال مامان ،ؤاربعتهم هم أالوتاد.
فبالواحد يحفظ الله إال يمان ،وبالثاني يحفظ الله الوالية ،وبالثالث يحفظ الله النبوة ،وبالرابع
يحفظ الله الرسالة ،وبالمجموع يحفظ الله الدين الحنيف .ولك ِّل واحد من هؤالء أالربعة من
. هذه أالمة في ك ِّل زمان شخص ولي على قلبه مع وجوده ،هو نائبه
ويع ِّقب شودكي ِفتش بقوله ٕان كانت هذه الشخصيات أالربع التي ذكرها ابن عربي –
اثنتان منهأ ،اي ٕادريس وعيسى ،في السموات ،واثنتان ،هما الياس والخضر ،في أالرض –
تعيش مستورة عن ٔاعين العامةٕ ،اال ٔانه – للمرة أالولى – ُيشار ٕالى الوظائف العليا لهذه
الشخصيات .وهكذا ُيع ِلمنا ابن عربي بوجود أالنبياء أالحياء بٔاجسامهم في الدنيا ،ؤانه بهم
يحفظ الله ٔاركان بيت الدين الحنيف .ثم ٔاعلمنا كذلك بوجود نَّواب من أالولياء لهؤالء
أالنبياء .ذلك كلُّه يؤكد عالقة النبوة بالوالية ،ؤان دائرة الوالية ليست مستقلة ،ولكنها تابعة
ٕالى ٓاخر الزمان لسلطة أالنبياء أالحياء بعد موت محمد )ص).
ثم يتابع شودكي ِفتش ابن عربي في تصويره لجغرافية العالم الروحي ،ويتت َّبع توزيع أالدوار
بين هؤالء أالنبياء أالربعة :فٕادريس )ع( هو القطب ،وإال مامان هما عيسى والياس )عليهما
السالم( ،والوتد الرابع هو الخضر )ع( .القطب عليه يدور الوجود ،ويجمع في شخصه ك َّل
أالحوال ،وك َّل المقامات ،وهو "وجه بال قفا" ،ال يغيب عن نظره شيء ،ال تُطوى له أالرض،
وبناء على ٔامر ٕالهي فقط ،القوى
وال يمشي في الهواء ٔاو على الماء ،وال يستخدم ٕاال ناد ً،را ً
الخارقة .وإال مامانٔ ،احدهما ٔاعلى من الثاني ،وهمإ :امام الشمال الذي يلقَّب بـ"عبد الرب"،
وهو يسهر على "صالح العالم"؛ وٕامام اليمين يلقَّب بـ"عبد الملك" ،وهو يسهر على "عالم
أالرواح".
وهؤالء أالوتاد أالربعة – القطب وإال مامان ورابعهم الوتد – هم كالجبال لٔالرض :فكما
سكن أالرض ،فال تميد ،كذلك هؤالء أالربعة يحفظ الله بهم الجهات أالربع: الجبل ُي ِ
. الشرق ،الغرب ،الجنوب ،الشمال
و ُينهي شودكي ِفتش هذا الفصل بلفتة ابن عربي التحذيرية .فك ُّل ما يذكره هنا من
مقامات الرجال تحت اسم "الرجال" قد يكون منهم النساء .ويقول في مكان ٓاخر" :ال توجد
صفة روحية يمتلكها الرجل وليس للمرٔاة فيها مشرب ".ويقول" :النساء لها نصيب في ك ِّل
الدرجات التي ينالها الرجل ،حتى في القطبية
".
مرتبة من مراتب الرجال الروحانيين ،من بينها ثالثون محفوظة برجال يتق َّيدون في ك ِّل زمان
يفصل ك َّل ما ٔا ْو َر َد ابن عربي ،لذلك اختار
بعدد مخصوص .وحيث ٕان الكاتب ال يمكن ٔان ِّ
من هذه المراتب وهؤالء الرجال أالهم والذين يساهمون في توضيح ك ِّلية صورة الوالية.
وبعد الكالم على أالوتاد أالربعة التي َس َب َق تفصيل ُها في الفصل السابق ،يتابع
شودكي ِفتش ابن عربي في الكالم على أالبدال ،وهم سبعة ،ال يزيدون وال ينقصون ،يحفظ الله
تعالى بهم أالقاليم السبعة )= أالقاليم المناخية السبعة(؛ وك ُّل بدل "على قدم" نبي :أالول على
قدم ٕابراهيم ،والثاني على قدم موسى ،والثالث على قدم هارون ،والرابع على قدم ٕادريس،
والخامس على قدم يوسف ،والسادس على قدم عيسى ،والسابع على قدم ٓادم ،على الك ِّل
السالم .وتتٔاكد هنا ،مرة جديدة ،عالقة التبعية التي بين أالولياء وأالنبياء .هناك ،ك ُّل ولي من
أالوتاد أالربعة ينوب عن النبي ِّ الحي بجسمه؛ وهنا ،ك ُّل بدل من أالبدال السبعة على قدم نبي
. من أالنبياء السبعة ،سكان السموات السبع
ثم ئاتي بعد أالبدال ،النقباء ،وهم اثنا عشر ً
نقيبا في ك ِّل زمان ،ال يزيدون وال ينقصون،
على عدد بروج الفلك ،ك ُّل نقيب بخاصية ك ِّل برج .وبعد النقباء ئاتي النجباء ،وهم ثمانية؛ ثم
شخصا في ك ِّل زمان .ثم
الحواريون ،وهو واحد في ك ِّل زمان؛ ثم الرجبيون ،وهم ٔاربعون ً
يتكلَّم على أالفراد ،المساوين للقطب في المرتبة والخارجين عن نظره؛ ثم على المالمية؛ حتى
يصل ٕالى ٔاعلى درجات الوالية ،وهي مقام القُربة عند ابن عربي .وهنا يؤكد شودكي ِفتش على
معنى الوالية الصوفية ،ؤانها تعني وتُرا ِدف القرب .فالوالية هي القرب .وهذا التعريف للوالية،
الذي استقاه من كتابات ابن عربي واستوحاه من ٔاعلى مقامات الوالية ،يتردد ٔاكثر من مرة في
هذا الكتاب
.
ٕان عبارة "ختم الوالية" لمَتِرْد في قرٓان ٔاو حديث؛ ولكن لما كان العلماء هم أالولياء
عند ابن عربي ،وهم ورثة أالنبياء ،ولما كانت النبوة ُخ ِت َم ْت بشخص سيدنا محمد )ص( ،ينشٔا
عن ذلك ٔان تُخ َتم الوالية بشخص الختم .والترمذي )القرن الثالث الهجري( هو ٔاول من وصل
ٕالى هذه النتيجة؛ ولكن نصوصه تشير وال توضح ،يطرح السؤال وال يجيب .والسؤال رقم ١٣
في ٔاسئلة الترمذي ،يقول :و َمن الذي يستحق خاتم أالولياء كما يستحق محمد )ص( خاتم
: النبوة؟ يقول ابن عربي
في الجواب
الختم ختمان :ختم يختم الله به الوالية ،وختم يختم الله به الوالية المحمدية .فٔاما
ختم الوالية على إال طالق فهو عيسى عليه السالم؛ فهو الولي بالنبوة المطلقة في زمان هذه
أالمة .وقد حيل بينه وبين نبوة التشريع والرسالة ،فينزل في ٓاخر الزمان وارث ًا خات ًما ،ال ولي بعده
بنبوة مطلقة
]. [...
ٔاما ختم الوالية المحمدية فهي لرجل من العرب ،موجود في زمان ابن عربي .ويتابع
الشيخ أالكبر:
وكما ختم الله – ع َّز وج َّل – بمحمد )ص( نبوة الشرائع ،كذلك ختم الله بالختم
المحمدي الوالية التي تحصل من الوارث المحمدي ،ال التي تحصل من سائر أالنبياء ،وذلك
ٔالنه من أالولياء َمن يرث ٕابراهيم ٔاو عيسى ٔاو موسى؛ فهؤالء يوجدون بعد هذا الختم
المحمدي ،ولكن ال يوجد بعده ولي على قلب ٔاو على قدم محمد )ص).
وهكذا تتضح الرؤية :فختم الوالية المحمدية هو شخص لم يتح َّدد بشكل قاطع عند
ابن عربي – وهو الذي ال يوجد بعده ولي على قلب محمد )ص(؛ وختم الوالية العامة ،الذي
.هو عيسى ،والذي ال يوجد بعده ولي مطلقًا
َفب ُط َن ْ
ت ،بالتالي ،ختميته للوالية.
ثم ينتقل شودكي ِفتش للكالم على ختم ثالث يشارك ختمي الوالية المحمدية والوالية
العامة في عنوان هذا الفصل" :أالختام الثالثة" .والخاتم ٔاو "الختم" الثالث لم يذكره ابن عربي
ٕ:اال مرة واحدة ،وهو "ختم أالوالد" .يقول ابن عربي
على قدم شيث يكون ٓاخر مولود من هذا النوع إال نساني ،وهو حامل ٔاسراره ،وليس
بعده ولد في هذا النوع .فهو خاتم أالوالد .وتولد معه ٔاخت له فتخرج قبله ،ويخرج بعدها،
يكون رٔاسه عند رجليها .ويكون مولده بالصين ،ولغته لغة ٔاهل بلده .ويسري العقم في الرجال
والنساء ،ويكثر النكاح من غير والدة .هذا الخاتم يدعو الناس ٕالى الله فال ُيجاب .فٕاذا َق َب َضه
الله تعالى و َق َب َ ض مؤمني زمانه ،بقي من بقي مثل البهائم؛ وال ُي ِحلُّون حالال ً ،وال يح ِّرمون
حرا ًما ،يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل والشرع .وعلى هؤالء الناس تقوم
الساعة.
ويعلق شودكي ِفتش بٔان عبارة "على قدم شيث"" التي تم ِّيز خلق "خاتم أالوالد" تشير،
يضا ولي "شيثي" ،ولن بما نفهمه من لغة ابن عربيٕ ،الى ٔان خاتم أالوالد هو من أالولياء ،وهو ٔا ً
ُيخ َلق بعده ٔا ُّي رجل ،وبالتالي ٔا ُّي ولي ،فيختم ٕاذن ،هو ٔا ً يضا ،الوالية .ويتساءل شودكي ِفتش:
كيف نستطيع هاهنا ٔان نو ِّفق بينه وبين عيسى الذي يختم الوالية العامة؟ وتظل القضية معلَّقة،
يرجع ٕاليها عند بحثه لختم الوالية المحمدية الذي ُيف ِر ُد له الفصل التالي .ولكن شودكي ِفتش ال
يعطينا جوا ًبا عن هوية خاتم أالوالد ،كما لم تعطنا ٔا َّي جواب ك ُّل النصوص القديمة والشروح
التي تناولت فصوص الحكم بالبحث والدراسة ،وك ُّل أالسماء الكبيرةٔ ،امثال القونوي ،بالي
. ٔافندي ،القاشاني ،النابلسي ،القيص
ري
ؤارى هنا ،استنا ًدا ٕالى هذا َّ النص الوحيد الذي نمتلكه عن "خاتم أالوالد" والذي
تضاربت حوله الشروح ،فرٔاى بعضهم ٔانه هو خاتم الوالية العامة ،الذي قيل عنه ٕانه عيسى،
ورٔاى بعضهم آالخر ٔانه مجرد ولد يولد في ٓاخر الزمان ،ورٔاى بعضهم الثالث ٔان العبارة بجملتها
رمزية ،ؤان خاتم أالوالد هو القلب ؤاخته هي النفس ،وهكذا – ٔارى ٔانه ،على الرغم من ٔان ابن
يوض ح ماهية هذا الختم ويب ِّينهأ ،اسوة بأالختام الثالثة – ختم النبوة ،وختم الوالية
ِّ عربي لم
العامة ،وختم الوالية المحمدية – ٕاال ٔانه يمكنني ،استنا ًدا ٕالى النصوصٔ ،ان ٔارى بوضوح في
.عالم ابن عربي َمن
هو هذا الختم
ٔابدٔا بمقدمة ٔاولى وهئ :ان ابن عربي يرى )الفتوحات ٔ (٢: ٥٠ان لك ِّل شيء من الدنيا
خت ًما ،وذلك ٔالنه لما كان للدنيا بدء ونهاية ،وهو ختمها ،فقد قضى الله – سبحانه – ٔان يكون
جميع ما فيها ،بحسب نفسها ،له بدء وختام .وكان من جملة ما فيها تنزيل الشرائع؛ فختم
الله هذا التنزيل بشرع محمد )ص( ،وكان من جملة ما فيها الوالية العامة ،وهكذا .ثم في
مقدمة ثانية ،يرى ابن عربي ٔان بيت النوع إال نساني هو الدين ،ؤان ٔاركان بيت الدين ٔاربعة،
وهي :الرسالة والنبوة والوالية وإال يمان .وقد كشف ابن عربي عن ٔاوتاد ٔاربعة ،هم ٔاركان
الدين ،وهم أالنبياء أالحياء بٔاجسامهم بعد انتقال نبينا محمد )ص( ،وهمٕ :ادريس وعيسى
والياس والخضر )وقد سبق الكالم على هذا الموضوع عند عرض الفصل السابع من هذا
). الكتاب
من هاتين المقدمتينٔ ،استطيع ٔان ٔاخلص ٕالى نتائج واضحة توصلنا لتحديد هوية "ختم
": أالوالد
النتيجة أالولى :حيث ٕان لك ِّل شيء في الدنيا خت ًما ،ؤان "إال يمان" من جملة ما
. فيها ،لذلك ُيخ َت َتم إال يمان بختم ،تما ًما كالنبوة والوالية
النتيجة الثانيةٔ :اركان بيت الدين أالربعة ،وهي :الرسالة والنبوة والوالية وإال يمان،
وٕان كانت تُح َفظ في الدنيا بٔاركانها أالربعة وهم أالوتاد أالربعةٕ ،اال ٔان ذلك لم يمنع ابن عربي
من ٔان يرى خت ًما لك ِّل ركن .فالنبي – عليه الصالة والسالم – هو خاتم الركنين أالولينٔ ،اي
خاتم الرسالة والنبوة .والركن الثالثٔ ،اي الوالية ،له ختمان :تُخ َتم الوالية العامة بعيسى )عليه
السالم( ،وتُخ َتم الوالية المحمدية بشخص لم تقطع فيه النصوص ،ويكون ٓاخر الورثة
المحمديين الكاملين
.
ونالحظ ٔان الركن الرابع لبيت الدين – وهو إال يمان – قد ظ َّل دون ختم .فٔاين "خاتم
إال يمان" الذي ٔاشار ٕاليه ابن عربي؟ وٕاذا دقَّقنا النظر في صفات "خاتم أالوالد" الذي ٔاشار ٕاليه
ابن عربي ،نرى ٔانه ينطبق تما ًما ليكون رابع أالختام ،وتكتمل به فكرة الختميةٔ ،الن كمال
أالوالد ِّ
التكوين في ك ِّل شيء يقوم على التربيع عند ابن عربي .فخاتم ،
بنص ابن عربي ،يدعو
ٕالى إال يمان ،وما من ُمه َت ٍد وال مؤمن بعده .فارتباط اسمه باسم إال يمان ،ثم كلمة "خاتم" ٔامام
اسمه – كل ذلك يدعو ٔالن ٔامال ٔ به مكان "ختم إال يمان" الذي ظ َّل ً
شاغرا في بنية ابن عربي
فيفسرها كو ُن شيث ابن ٓادم هو ٔاول
شيث" ِّ
، وفي رؤيته للوالية ؤاختامهأ .اما عبارة "على قدم
ٔاوالد الجنس البشري الموجود عن التزاوج؛ وبخاتم أالوالد ُيخ َتم الجنس البشري الموجود عن
التزاوجٔ ،النه بعد هذا الخاتم يسري العقم في الرجال والنساء ،ويكثر النكاح من غير والدة.
ولي من أالولياء؟ فٕان كان ول ًّيا ،فكيف يبقى ٔان نسٔال ٔانفسنا :هل خاتم أالوالد هو ٌّ
يولد ولي وقد ُخ ِت َمت الوالية بعيسى ،وعيسى )ع( يظهر قبله في الزمان؟ ومن ث َّم فقد َط َر َح هذا
مشكل ًة عند ِّ مفسري الفصوص ،وحاول الجميع ٔان يجد عالقة ونسبة بين عيسى )ع( وبين
خاتم أالوالد .ؤارى هنا ٔان الح َّل ئاتينا من القرٓان الكريم ،ومن الفصل أالول الذي طرح فيه
شودكي ِفتش ٔان الوالية "اسم مشترك" ،فنقول ٕان الولي اسم مشترك ُيط َلق على النخبة الروحية
التي ط َّهرها الله – ع َّز وج َّل – ؤانزلها في منازل قربه ،وح َّملها أالمانات .فخاتم أالوالد هو خاتم
إال يمان :فال مؤمن بعده؛ وهو ولي ،ولكن بالمعنى العام للواليةٔ ،اي إال يمان.
بشخص في فاس ،هو ختم الوالية المحمدية؛ ؤاحيانًا ٔاخرى يقول عن نفسه ٕانه هو ختم الوالية
تهادت ٕاليه في رؤية منامية ،ويؤكِّد ،بعد وصوله ٕالى المشرقٔ ،انه
مبش رات
ِّ المحمدية ،ويورد ْ
. هو ختم
الوالية المحمدية
ثم يستعرض أالستاذ شودكي ِفتش مؤلَّفات الصوفية ،وخاصة مؤلَّفات مؤ ِّيدي ابن عربي
وتالمذته ،فيرى ٔان الشعراني في الطبقات يشير ،عند ترجمته للصوفي الكبير محمد وفا )ت
٨٠١هـ(ٔ ،ان ابنه علي وفا يقول عن والده ٕانه ختم أالولياء .وهذا ما حدث في معظم ال ُط ُرق
تظِهر رجاالتها الكبار على ٔانهم "ختم أالولياء" .فك ُّل ٍ الصوفيةٕ :اذ كانت ُ
جمع تج َّمع حول
المتٔاخ رين رٔاى فيه مالمح الختم المحمدي .وتالمذة ابن عربيِّ ولي كبير من ٔاولياء الصوفية
ٍّ
كذلك يؤكدون ٔانه هو نفسه خاتم الوالية المحمدية .ويكثر الجدال حول شخص الختم.
ويخرج أالستاذ شودكي ِفتش من هذا المٔازق بااللتفات ٕالى مفهوم "النيابة" عند ابن عربي،
و ُيثبِت ٔان شخص خاتم الوالية المحمدية هو ابن عربي ،بما يحويه من وظائف الختم ،ؤان ك َّل
عت لول ِّيها مقام الختم فهي ٕانما ترى فيه "نائب" الختم المحمدي ،ترى على صفحة
طائفة ا َّد ْ
". واليته "القمرية" انعكاس صفات والية الختم "الشمسية
ﱠ
ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮ ،ﻭـﻫﻮ ﺍــﻷﺧﲑ" :ﺍﻟﺴﻠﻢ ﺍﳌﺰﺩﻭﺝ" )ﺹ (١٨١-٢٢١
يلخ ص شودكي ِفتش في مطلع هذا الفصل ،وفي فقرة واحدة ،خالصة نظرة ابن عربي ِّ
ٕالى الوالية ،ويرى ٔانها انتظمت على مفاهيم ثالثة :الوراثة ،النيابة ،ال ُق ْربة .فالوراثة ٔالحد
أالنماط النبوية في معرفة الله – ع َّز وج َّل – ِّ تفسر ٔاشكال الوالية وسبب وجودها على ٔانماط
وتفسر
متنوعة؛ والنيابة ،التي هي نيابة الولي في وظيفة ،ترجع في الواقع ٕالى الحقيقة المحمدية ِّ
مهمات الوالية ووظائفها؛ و ٔا ً
خيرا ال ُق ْربة ،وهي حقيقة الوالية ومعناها .وهذه ال ُق ْربة ،التي سبق
.الكالم عليها عند كالمنا على الدرجة العليا للوالية ،سوف تظهر لنا هنا في كامل تف ُّتحها
ونالحظ نحن هنا ٔان أالستاذ شودكي ِفتش ،بعد ٔان شرح في الفصول التسعة المتقدمة
من كتابه معنى الوالية لغو ًّيا ،ثم ب َّين طبيعتها ؤاشكالها ووظيفتها ،ثم بحث في منازل أالولياء
وتوُّزعهم على ٔابعاد أالرض والسماء ،يصل هنا ٕالى نهاية المطاف ،ليرسم للقارئ طريق الوالية:
ًَّسا ٕاال ٔان هذا الوادي
ٕان الوالية ،التي انتشٔات صو ُرها من فقرات فصوله ،وٕان كانت واد ًيا مقد ،
ليس محظو ًرا على السالكين؛ فالطريق مفتوح ل َمن ٔاراد ٔان يحمل زا َده ويرحل :يرحل عن
الكون ٕالى الله؛ وبعد ٔان يقطع مسافات في ٔارض الوجدان ،يعرف ٔان الولي هو القريب من
الله ،القريب من إال نسان .وهذا ما سينتهي ٕاليه شودكي ِفتش في تت ُّبعه لنصوص الشيخ أالكبر.
كيف نصبح ٔاولياء؟ الوالية ،قبل كِّل شيء ،هي تجربة فردية ومجهود شخصي؛ وهي
ٔابدا ،وال يسلك
دائ ًما غير مسبوقة بمثال .وهذا ما يؤكد عليه ابن عربي دائ ًما :فال تتكرر تجربة ً
ٔابدا طريق ٍ ٌ
ُرقسالك ً سالك ٓاخر ،وال يمر سالكان بطريق واحد .غير ٔان هذه الفردية في ال ُط
الموصلة ٕالى القُرب والوالية ال تمنع من وجود ٔانماط طرائقية ،يجمع ك َّل نمط منها مقاماتُه
ومخاطره .وهذا ما يب ِّرر وجود الشيخ المرشد المر ِّبئ ،اي "المعلِّم الروحي" الخبير بٔانماط
طرائق المجاهدات .ومن ناحية ثانية ،يظهر المعراج النبوي على ٔانه القدوة والمثال لك ِّل طريق؛
وك ُّل عروج وتر ٍّق يطمح ٕالى تق ُّرب ووالية يرقى في هذه المعارج .وهذا ما سيتَّضح ،كما يقول
شودكي ِفتش ،عند بحث مقامات القُرب عند ابن عربي.
ئاخذ شودكي ِفتش كتاب ابن عربي رسالة أالنوار ويحاول ،استنا ًدا ٕاليه وٕالى كتاب
يخط طريقًا للوالية .ويؤكِّدَّ إال سرا ٕالى المقام أالسرى وٕالى فصل من الفتوحاتٔ ،ان
شودكي ِفتش على ضرورة ٔان يصل الولي ٕالى تمام الوالية :فهو يرى – استنا ًدا ٕالى النصوص – ٔان
الولي الكامل هو الذي سلك ٕالى ِّ رب العزة ،ووصل ٕالى حضرته تعالى ،ورجع به من عنده ٕالى
خلقه من غير مفارقته .بكالم ٓاخر :الولي الكامل هو الواصل ٕالى الحق ،الراجع ٕالى الخلق.
يبدٔا شودكي ِفتش ببيان الطريق للسالك ،منذ بداياته ،كما َّ
فصله ابن عربي في رسالة
: أالنوار ،حي
ث يقول لسائله
فٔاول ما ٔاب ِّينه لك كيفية السلوك ٕالى الله ،ثم كيفية الوصول والوقوف بين يديه والجلوس
في بساط مشاهدته ،وما يقوله لك ،وكيفية الرجوع من عنده ٕالى حضرة ٔافعاله به وٕاليه،
.واالستهالك فيه ،وهو مقام دون
الرجوع
ثم يقول
:
الكريم ٔان الطرق شتى ،والطريق الموصل ٕالى الح ِّق هو مفرد ،ؤافراد، واعلمٔ ،ايها أالخ
هم الذين يسلكون طريق الحق .ومع ٔان طريق الح ِّق واحد فٕان وجوهه تختلف بحسب
وضعفها ٔاو استقامة الهمة
، اختالف سالكيه من اعتدال المزاج ٔاو انحرافه ،ومن قوة الروحانية
وميلها .فمن السالكين من تجتمع له هذه أالوصاف ،ومنهم من يكون له بعضها؛ فقد يكون
. مطلب الروحانية شريفًا ،ولكن ال يساعده المزاج – وهكذا في ك ِّل ما بقي
ؤاول ما يبدٔا به ابن عربي هو تعريف السالك بٔا َّمهات ال َمواطنٔ ،اي يعِّرفه من ٔاين جاء،
ؤاين هو ،وٕالى ٔاين يذهب ،حتى يعرف السالك ما يقتضيه ك ُّل موطن ،فيستعد لمعاملة الموطن
: الذي هو فيه بما يتناسب ويليق .ويقول ابن عربي للسالك من ِّب ًها
ينبغي لك ٔان تعرف ما يريده الح ُّق منك في ذلك الموطن ،ف ُتبا ِدر ٕاليه من غير تثبيط وال
كلفة .وال َمواطن ترجع ٕالى ستة :أالول هو موطن "ٔالست بربكم"؛ والموطن الثاني هو الدنيا
التي نحن آالن فيها؛ والثالث هو عالم البرزخ الذي نصير ٕاليه بعد الموت اال ٔصغرٔ ،اي الموت
السلوكي ،والموت أالكبرٔ ،اي موت البدن وانتقاله؛ والموطن الرابع هو ٔارض الحشر؛ والموطن
الخامس هو الجنة والنار؛ والسادس هو موطن الكثيب خارج الجنة ،وهو ت ٌّل من مسك ٔابيض
. تكون الخالئق عليه عند رؤية الح ِّق سبحانه
وتعالى
وبيان ابن عربي لهذه ال َمواطن الستة التي ينزلها ك ُّل كائن تسهم – على ما يقول
– في تنبيه السالك ٕالى مخاطر الطريق الصوفي .فك ُّل عاقل ،كما يقول ابن عربي، شودكي ِفتش
يعلم ٔان السفر مبني على المشقة والمحن والباليا وأالخطار وأالهوال ،ؤانه من المحال عليه ٔان
يضا ٔان ال يستعجل المشاهدة والفتح ،بل يعمل
ٔاو يلتذ ،ؤان عليه ٔا ً ٔان يتن َّعم المسافر ٔاو يستريح
العلمٔ ،الن الوقت في هذه الدنيا يجب ٔان َّ على تحصيل
يخصص لتحصيل العلوم الروحية،
. يتجلَّى الله – ع َّز وج َّل – فيه لك ِّل ٕانسان في صورة عقيدته استعدا ًدا ليوم البعث ،حيث
وبعد ٔان يشرح ابن عربي للسالك ال َمواطن ،وين ِّبهه على المخاطر وعدم طلب
المشاهدة ،ويدعوه لاللتفات ٕالى العلم ،يعطيه بعض القواعد التطبيقية التي تساعده في طريقه
ال ب َّد لك من العزلة عن الناس وٕايثار الخلوة على الصحبة .فٕانه على َق ْدر ُبعدك من
ظاهرا وباط ًنا .ؤاول ما يجب عليك ُ
الخلق يكون قربك من الح ِّ،ق ً طلب العلم الذي تقيم به
طلبه خاصة ،ال تزيد على ذلك شي ًئا –
طهارتك وصالتك وصيامك وتقواك ،وما يفرض عليك ُ
وهذا هو ٔاول باب الطريق والسلوك .وئاتي بعده العمل به ،ثم الورع ،ثم الزهد ،ثم التوكل.
وفي ٔاول حال من ٔاحوال التوكل يصبح يحصل لك ٔاربع كرامات ،هي الدليل على حصولك
ٔاول درجة في التوكل ،وهي :طي أالرض ،والمشي على الماء ،واختراق الهواء ،وأالكل من
.الكون .ثم ،بعد ذلك ،تتوالى عليك المقامات وأالحوال والكرامات والتن ُّزالت ٕالى الموت
ويرافق ابن عربي السالك معه على طريق الحضرة :فٕان حقَّق شروط الخلوة ،وتحفَّظ
من الخياالت الفاسدة ،واشتغل بذكر الله ،وراعى اعتدال المزاج ،وف َّرق بين الواردات
الروحانية الملكية والواردات الروحانية النارية الشيطانية ،وحفظ عقيدته في الله عند دخوله
الخلوة بٔان الله "ليس كمثله شيء" ،ولم يطلب في الخلوة من الله سواه ،ولم يعلق َو َل ُه اله َّمة
بغيره – ٕاذا حقق السالك ذلك كلَّه فٕان الله – ع َّز وج َّل – يبتليه بٔاشياء يفتنه فيها؛ فعليه ٔان ال
يقف مع شيء .ومن أالشياء التي يعرضها الله على السالك ابتالء ٔان يكشف له عن العالم
الحسي الغائب عنه ،فال تحجبه الجدران والظلمات ع َّما يفعله الخلق في بيوتهم؛ ثم ينتقل من
ِّ
الكشف الحسي ٕالى الكشف الخيالي ،وتتن َّزل عليه المعاني العقلية بالصورِّ الحسية؛ ثم ِّ
كش ف له ٔاسرار أالحجار المعدنية ،فيعرف س َّر ك ِّل حجر وخاص َّيته في المضا ِّر والمنافع؛ تُ َ
ُيكش ف له عن النباتات ،وتناديه ك ُّل عشبة بما تحمله من خواص المضا ِّر والمنافع؛ و ُير َفع له و َ
عن الحيوانات ،فتسلِّم عليه وتع ِّرفه بما تحمله من الخواص .وهكذا ك ُّل عا َلم يع ِّرف السالك
.
بحمده وتسبيحه
ثم ُي ِ
داخل شودكي ِفتش بين رسالة أالنوار وبين الفتوحات المكية ،ليخرج منهما برؤية
الحسي –
مكتملة للطريق الصوفي :فالسالك ،حين يقطع هذه الممالك أالربعة من العالم ِّ
مملكة المعادن والنبات والحيوان وإال نسان ،المتمثِّل بالسالك نفسه – يوازي المرحلة أالولى
من المعراج – هذه المرحلة التي توصل ٕالى السماء أالولى .وهكذا ك ُّل مرحلة من مراحل
رسالة أالنوار يمكن مقارن ُتها ومقابل ُتها بمراحل السموات السبع التي يرقاها السالك في المعراج
الوارد في الفتوحات المكية .فالعارج في الفتوحات ال يصل ٕالى السماء أالولى ٕاال بعد ٔان
ُيكش ف لهيتحلَّل ويترك مركبات تكوينه :يترك ماءه وترابه وناره وهواءه .كذلك هنأ ،اول ما َ
عن عوالم المعادن والنبات والحيوان؛ فٕان لم يجت ْزها ،ووقف مع ٔا ِّي عا َلم منها ،فٕانه ُيق َطع عليه
الطريق .فاجتياز العوالم ومفاتنها في رسالة أالنوار يقابل تحلُّل السالك من مركبات تكوينه في
الفتوحات .ويتابع شودكي ِفتش المداخلة بين الفتوحات وبين رسالة أالنوار ،كشفًا بكشف،
وسماء بسماء ،حتى ينتهي ٕالى نهاية العروج إال نساني .وهنا إال نسان ،في نهاية معراجه ،ال
يبقى منه ٕاال الس ُّر إال لهي الذي ال يتحلَّل وال ينقسم – هذا الس ُّر المنفوخ منذ بداية الخليقة في
طينة ٓادم
.
وٕاذا كان الوصول ٕالى الله هو نقطة النهاية في سلَّم العروج ،فهو ليس نهاية الطريق ،بل
الوصول الكامل يتجسد في سلَّم مزدوج :عندما يصل الولي ٕالى القمة ،عليه ٔان يرجع درجة َّ
درجة؛ ولكن هنا ال يرجع على نفس الدرجات التي صعد عليها .فالسالك ٔاو الولي يصعد وهو
. يرى بعين نفسه ،ويرجع وهو يرى
بعين ر ِّبه
وكما تحلَّل السالك من ٔاثوابه كافة قبل عروجه ،فترك ماءه وترابه وناره وهواءه ،حتى
واحدا" ،يتركَّب"
ً واحدا
ً بقي س ًّرا ٕاله ًّيا صر ًفا غير ممزوج ،نراه ،عند رجوعه ،يلبس ٔاثوابه،
حتى يعود ٕالى العالم المركَّب .ولكن التحليل والتركيب هما سلَّم مزدوج ،يصعد فيه السالك
بدرجات وينزل بدرجات مقابلة ،كٔانها هي وليست هي .ويعود السالك ،يرجع الولي ،من
الوصول كٔانه هو.
فالوالية ،على ح ِّد ما يع ِّرف بها شودكي ِفتش مرا ًرا في هذا الكتاب ،هي ُق ْرب ،ولكنه
قرب مزدوج :قرب من الله ،وقرب من الناس .فٕاذا كان "إال نسان الكامل" شجرة ٔاصلها ثابت
في أالرض وفرعها في السماء ،والحقيقة المحمدية " ً
برزخا" بين الح ِّق والخلق ،فالولي وريث
يجمع أالعلى وأالسفل .و ُينهي شودكي ِفتش كتابه بٔان الوالية ،و ٕان حملها الولي معه ٕالى ما بعد
الدنيا ٕاال ٔانه لها نهاية وختم في هذه الدنيا .فمع مجيء الختم أالولٔ ،اصبحت ٔاشكالها العليا ،
والكاملة ممنوعة ٕالى أالبد؛ ومع مجيء الختم الثاني ُٔاق ِف َل نهائ ًّيا مقام القُر َبة ،وهو ٔاعلى مقامات
القرب؛ وعندما يقبض الله َ روح الختم الثالث ،الذي هو ٓاخر مولود من الجنس البشري ،وتصير
الناس كالبهائم ،و ُيمحى القرٓان والعلم من القلوب ،يصبح عالمنا فار ًغا من ك ِّل ما يربط أالرض
بالسماء ،عال ًما بار ًدا يغرق في الموت :نهاية أالولياء ليست ٕاال اسم ٓاخر لنهاية العالم
.
وقبل ٔان نطوي صفحات الواليةٔ ،اقول ٕان الوالية مسؤولية :يرث الولي هموم الناس،
واقع ٔامة ومجتمع وبيئة؛ يقتلع وجدانه من ٔاماكن القرب ويص ِّبرها في ٔارض الوقت ،ليكون
َّ
فتعل ْ ٕالينا،
قت بذ َّراتها ٔا ُ
رواحنا المس َّواة.١
١
هذه المقالة موجودة على الموقع
"العلم والدين في إال سالم"
?http://science-islam.net/article.php3
id_article=633&lang=ar