You are on page 1of 22

‫ﺧﺎﰎ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎء ‪ :‬ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﻭﺍﻟﻮﻻﻳﺔ ﰲ ﻣﺬﻫﺐ ﺍﺑﻦ ﻋﺮﺑﻲ‬

‫‪ :‬ﻋﻠــﻲ ﺷﻮـﺩـﻛ ِ‬
‫ـﻴـﻔـﺘــﺶ‬ ‫ﺗـﺎـﻟـﻴـﻒ‬

‫ﺗﺮﲨﺔ‪ :‬ﺍﲪﺪ ﺍﻟﻄﻴﺐ‬

‫ﺩﺭﺍﺳﺔ‪ :‬ﺩ‪ .‬ﺳﻌﺎﺩ ﺍﳊﻜﻴﻢ‬

‫ﺑﺴﻢ ﺍﷲ ﺍﻟﺮﲪﻦ‬
‫ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ‬
‫تقف ٔاقدا ُمنا على شواطئ بِحار الوالية؛ يطول بها مقا ُم التر ُّدد بين المجاهدة‬
‫والمسالمة؛ وال يلبث ٔان يحبسها عن الذهاب‬ ‫خوف الفناء والذهاب‪ ،‬وما تسمع عن الغرق فيُ‬
‫ُل َجج التوحيد؛ فتسترخي متعبة على رمال السالمة‪ ،‬ونرضى من العلم بما يلوح عن ُبعد‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫وجها ُيطمئننا‬
‫مشتاق‪ ،‬علَّنا نجد ً‬
‫يعرفنا ً‬
‫‪،‬‬ ‫وجها‬ ‫نحدق بجه ِد‬
‫ِّ‬ ‫طياف؛‬
‫تتالمح في أالفق البعيد ٔا ٌ‬
‫على مصير السالكين‪ ،‬وعسانا نعبر – بفضل الله – مسافات أالهوال والقواطع‪ ،‬على طريق‬
‫‪.‬‬ ‫النداء المستقيم الواصل‬
‫من عينيه ٕالينا‬

‫هذه الوجوه التي تتالمح في ٓافاق أالزمنة وأالمكنة‪ ،‬والتي تُسا ِكننا‪ ،‬وعيونُها ٌ‬
‫غياب‬
‫وحضور‪ ،‬و َط ْرفُها ٔاحن ْته ٔاثقا ُل شهو ٍد تخ َّطى الوجود‪ ،‬وعلى ٔابدانها تنطق ِخ َل ُع الوالية – نراها‬
‫بالعرفان متن ِّعمة ونحن جمي ًعا بها حيارى‪ .‬من هو "الولي"؟ ما وظيفته في الكون؟ ولماذا بعد ٔان‬
‫َخ َت َم الله – ع َّز وج َّل – النبوة ٔا ْو َج َد أالولياء؟ ٔاال يكفي وجود النبي )ص( في حياة إال نسان‬
‫المسلم؟ فما ضرورة وجود الولي؟ ك ُّل هذه أالسئلة يطرحها وجود الولي في مجتمعنا وجمعنا‬
‫المسلم‪ ،‬ونحن فيها حيارى‪ .‬نمد ٔايدينا ٕالى المكتبة إال سالمية عامة‪ ،‬والصوفية خاصة‪ ،‬ونٔامل‬
‫ٔان نحظى بجواب ُي َط ْم ِئ ُن العقل الحائر والوجدان السائل – ولكن عب ًثا! ؤاسباب ذلك كثيرة‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫ويمكن تلخيص واقع الوالية بعوالم ثالثة‪ ،‬نتوقف عندها فيما سئاتي‬

‫رضه غير أالرض‪ ،‬واستمر يعيش حياته معنا كٔانه ‪،‬هو َص َم َت منه‬
‫ٕان الولي الذي تب َّدلت ٔا ُ‬
‫اللسان‪ ،‬ف َك َت َم س َّر واليته عن آالخرين‪ .‬فالوالية عنده ليست استعراضية؛ والولي‪ ،‬على عكس‬
‫يقدم للمشاهد فنون الكرامة‪ .‬ولكن للقُرب إال لهي وللعطاء الرباني عالمات‪ٕ ،‬ا ْن‬
‫ِّ‬ ‫الساحر‪ ،‬ال‬
‫ك َت َمها اللسان فضحها الوج ُه والبدن‪ .‬فأالولياء سيماهم في وجوههم‪ ،‬تشهد ٔايديهم ؤارجلهم‬
‫ٍ‬
‫شهادات يراها الرفيق والصاحب والعشير‪ .‬باختصار‪ ،‬الولي باط ُنه عبودية بما يكتمون من القُرب‬
‫‪.‬‬ ‫ومظهره قدرة تش ِّوش الناظرين‬
‫ُ‬
‫وعجز تام كامل‪،‬‬

‫وقد نتج عن سكوت الولي وامتناعه عن تٔاكيد واليته – التي هي هويته الروحية بين ٔاهل‬
‫الله – ٔان‬ ‫امتنعت معرف ُة الوالية من داخل‪ ،‬ؤانها محض عبودية‪ .‬ولكن‪ ،‬حيث ٕان المراقب ْ‬
‫سكوت الولي عن واليته من السؤال‪ ،‬تكاثرت أالسئلة عن الوالية‬
‫والصاحب والسالك لم يمنعه‬ ‫ُ‬
‫ُّه الناس من احترام لٔالولياء‪ ،‬فلم يطرح ٔاحد من الناس‬ ‫ونظرا لما يكن‬
‫ومعناها وعن الولي وهويته؛ ً‬
‫على ٔاحد من أالولياء سؤاال ً ً‬
‫مباشرا‪ .‬مثال ً لم يق ْل ٔاح ٌد لولي‪ :‬هل ٔانت من ٔاولياء الله؟ واستمر‬
‫الناس على عقيدتهم في أالولياء‪" ،‬يولُّون" َمن تتالمح على ظاهره عالما ُت القُرب‪ ،‬ويربطون‬
‫بين الوالية وبين هذه الوجوه من خارج من المظهر‪ .‬ؤاخذت تتكون النظريات من ُن َت ِف ُج َم ٍل‬
‫التقطها السائل‪ .‬ولكن أالهم منها هو كتابات الصوفيين‪ ،‬الذين تك َّرسوا ٔاولياء في نظر‬
‫محيطهم‪ ،‬عن مشاهداتهم وفتوحاتهم‪.‬‬

‫يضا تصادفنا مشكلة ٔاخرى‪ :‬فبإال ضافة ٕالى ٔان الصوفي يحتاج دائ ًما ٕالى ترجمان‬
‫وهنا ٔا ً‬
‫نصه من لغة الوجدان ٕالى لغة الناس‪ ،‬فمفهوم "الوالية" نفسه تع َّرض للذبذبة التي تع َّرض‬

‫ينقل َّ‬
‫لها مفهوم "الصوفي"‪ :‬فكما ع َّرف ك ُّل صوفي التصوف بحسب علمه وتجربته‪ ،‬كذلك يع ِّرف‬
‫‪.‬‬ ‫الولي والوالية بحسب موقعه ومرتبته‬
‫ك‬
‫ُّل مع ِّرف َّ‬
‫ذلك كلُّه جعل الوالية الصوفية مشروخة بين ثالثة عوالم‪ :‬عالم ٔاهل الله – وهو عالم‬
‫أالولياء الذين يعيشون الوالية و ُيش ِفقون من ٔاحمالها؛ وعالم الباحثين والمؤلِّفين والكتبة‬
‫الحافظين الذين يتت َّبعون مظاهر الوالية في النصوص وأالشخاص‪ ،‬ليرسموا منها نظرية يتوافق‬
‫فيها الفقه والتصوف والعقل إال نساني؛ وعالم العامة الذين علَّقوا عيونهم على وجوه الصالحين‬
‫‪.‬‬ ‫وتت َّبعوا ٔاقوالهم ؤافعالهم‪ ،‬يرصدون ظهور عالمات الوالية عليهم‬

‫الولي وبين َمن والَّه – سبحانه‪ :‬يحتفظ أالولياء بس ِّر الوالية‪،‬‬


‫وتظل الوالية س ًّرا بين ِّ‬
‫يعيشون عبوديتهم الخالصة‪ ،‬يض ُّنون بهذه المعرفة على غير ٔاهلها؛ ويحتفظ الباحثون‬
‫بمظاهرها‪ ،‬يلملمون النصوص التي تُثبِت شرعية الخوارق والكرامات والعلوم الل ُدنِّية إال لهامية‬

‫وعقل َّيتها‪ ،‬ويتحول الك َّتاب ٕالى محاولة ٕاقناع بالوالية وبوجود ٔاولياء لله مق َّربين من دون الكون؛‬
‫ويحتفظ العامة بك ِّل الخرافات وأالوهام والحقائق التي تز ِّينها لهم عقول ُهم عن عالم ٍّ‬
‫غيبي‬
‫مغ َّيب‪ ،‬عالم رجال خوارق تقطع مسافات‪ ،‬تمشي في الهواء وعلى الماء‪ ،‬تنفعل لها أالشياء‬

‫وتطيعها الحيوانات‬
‫‪.‬‬

‫وبين هذه العوالم الثالثة – عالم أالولياء الحقيقي‪ ،‬وعالم الباحثين النظري‪ ،‬وعالم العوام‬
‫الموهوم‪ ،‬المزخرف بتقديس إال نسان – تقوم مسافات ال تُق َطع‪ ،‬برازخ لم يالمسها كاتب ٔاو‬
‫ٕانسان‪ .‬وقد جاء كتاب أالستاذ ميشيل شودكيِفتش خاتم أالولياء‪ :‬النبوة والوالية في مذهب ابن‬
‫عربي )باريس‪ (١٩٨٦ ،‬ليردم هذه المسافات بين واقع عبودية أالولياء‪ ،‬وبين تنظير مظاهر‬
‫الباحثين‪ ،‬وبين خيال العوام وخرافاتهم وتو ُّهماتهم‪ .‬باختصار‪ ،‬كتاب أالستاذ شودكي ِفتش يق ِّرب‬
‫ٔاجزاء صورة الوالية بعضها من بعض‪ :‬يق ِّرب ظاهر الولي ]= قدرة‪ ،‬علم‪ ،‬الجانب إال لهي من‬
‫الصورة[‪ ،‬من باطنه ]= عبودية‪ ،‬عجز‪ ،‬الجانب إال نساني من الصورة[‪ ،‬حتى تتجلَّى حقيقتُه‬
‫على‬
‫مقدارها للباحثين‬
‫‪.‬‬

‫***‬

‫وقبل ٔان نستعرض كتاب أالستاذ شودكي ِفتش فصال ً فصال ً‪ ،‬نقف على امتداد فصوله‬
‫العشرة‪ ،‬لنلقي عليها نظرة واحدة شاملة جامعة – نظرة ترى المخ َّطط غير المكتوب الذي اتَّبعه‬

‫‪.‬‬ ‫المؤلِّف‬

‫لقد بدٔا في الفصل أالول بدراسة مفرد "ولي" و"والية" لغو ًّيا‪ ،‬ليرى‪ٔ ،‬اوال ً‪ٔ ،‬انه اسم‬
‫مشترك بين مس َّميين‪ٔ :‬احدهما سلبي‪ ،‬بمعنى الوالء لله‪ ،‬وثانيهما ٕايجابي‪ ،‬بمعنى إال دارة‬
‫ثانيا‪ٔ ،‬ان اسم "ولي" هو ٔا ً‬
‫يضا مشترك بين إال نسان وبين الله‪ :‬فإال نسان ولي‪،‬‬ ‫وليرى ً‬
‫‪،‬‬ ‫وإال مارة؛‬

‫‪.‬والله ولي‬
‫ثم في الفصول الثاني والثالث والرابع والخامس‪ ،‬ب َّين شودكي ِفتش ٔان الوالية معناها‬
‫ال ُق ْرب‪ .‬ولكن هؤالء المق َّربين‪ٔ ،‬اي أالولياء‪ ،‬ليسوا على مظهر واحد‪ ،‬وليست لهم شخصية‬
‫واحدة؛ بل‪ ،‬على العكس‪ ،‬نرى ٔان ك َّل ٍّ‬ ‫ولي يظهر بشخصية وعلم وعمل وحال تختلف عن‬
‫غيره من أالولياء‪ .‬ويرجع سبب اختالف شخصيات أالولياء ٕالى اختالف شخصيات أالنبياء‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫أالنبياء َير ُِث عنه نمط العلم والعمل والحال‬
‫‪،‬‬ ‫فالولي هو في الحقيقة وارث لنبي من‬

‫ثم في الفصلين السادس والسابع يبِّين شودكيِفتش ٔان هؤالء المقَّربين أالولياء‪ ،‬الذين‬
‫ورثوا شخصيتهم في الوالية عن نبي من أالنبياء‪ ،‬ال يعيشون على هامش الكون‪ ،‬بل ئاخذ ك ٌّل‬
‫ويعدد شودكيِفتش في هذين الفصلين منازل أالولياء‬ ‫ِّ‬ ‫منهم مكانه ومنزله ويباشر منه مهامه‪.‬‬
‫‪.‬وتو ُّزعهم على ٔاركان‬
‫أالرض ؤابراج السماء‬

‫وفي الفصلين الثامن والتاسع يب ِّين شودكي ِفتش ٔانه يتبع عن ختم النبوة ٔان تُخ َتم الوالية‬
‫يضا‪ٔ ،‬النها ٕارث نبوي‪ .‬ثم يرسم دوائر الوالية ؤاختامها‪ :‬فالوالية المحمدية قد ُخ ِت َم ْت ٔا ً‬
‫بشخص لم تقطع النصوص في هويته؛ وبقي ٔان ُتخ َتم الوالية العامة بشخص عيسى )عليه‬
‫السالم( الذي يظهر في ٓاخر الزمان؛ ويليه ختم ثالث هو خاتم أالوالد‪ ،‬يولد في الصين‪ ،‬وبعده‬
‫‪.‬‬ ‫يرتفع إال يمان والعلم من قلوب الناس‪ ،‬وتسرع الدنيا نحو الزوال‬

‫ثم في الفصل العاشر وأالخير ب َّين شودكي ِفتش للناس طريق الوالية المفتوح‪ :‬والية‬
‫كبيرا‬
‫يحفُّها التعب والمخاطر‪ ،‬بشهادة الواصلين والسالكين‪ .‬ونقول ٕانه مهما كان التعب ً‬
‫فالوالية هي ٕانسانية إال نسان‪ ،‬هي استمرار جنسه الراقي واستمرار الدنيا‪ .‬لذلك نشعر من كتاب‬
‫شودكي ِفتش بٔان الوالية هي أالمانة التي على الجنس البشري ٔان يحملها‪ ،‬طو ًعا ٔاو كر ًها‪ ،‬ؤان‬
‫‪.‬‬ ‫الصوفية هم الذين تق َّدموا ليحملوا ٔامانة الدنيا واستمرارها‬

‫***‬

‫ؤاحب هنا‪ ،‬قبل ٔان ٔابدٔا عرضي لكتاب أالستاذ شودكي ِفتش‪ٔ ،‬ان ٔاقف عند بعض‬
‫المالحظات حول الكاتب والكتاب‬
‫‪.‬‬

‫ـﺏ‬
‫ﻣﻼﺣﻈﺎــﺕ ﺣﻮـﻝ ﺍـﻟـﻜﺎـﺗــﺐﻭـﺍـﻟـﻜﺘـﺎـ ‪:‬‬
‫‪1.‬نبدٔا بٔان نلفت النظر ٕالى كمية النصوص الصوفية العربية المترجمة ٕالى الفرنسية –‬
‫وهي نصوص تصعب حتى على قارئ العربية؛ فال نملك ٕاال ٔان نعجب بغربي يدخل ٕالى روح‬
‫توض ح النص أالصلي‪ ،‬المبهم ٔاحيانًا‪ ،‬ويظل ٔامي ًنا على‬
‫ِّ‬ ‫اللغة العربية‪ ،‬يترجم نصوصها ترجمة‬
‫وارتقت مدارك ُه مع معلِّم‬
‫َّفت ٔاعماقُه‬ ‫ْ‬
‫النصوص‪ .‬وليس هذا بمستغرب من ٕانسان متص ِّوف‪ ،‬تثق ْ‬
‫كبير هو الشيخ محيي الدين بن عربي‬
‫‪.‬‬

‫‪2.‬سيطر على طرح الوالية عند أالقدمين والمحدثين بعض المواضيع التي ٔاخذت تتكرر‬
‫في ك ِّل بحث عن الوالية‪ .‬فك ُّل من ٔاراد ٔان يؤلِّف في الوالية يبدٔا بفصل عن الولي وقواه‬
‫ولي‪ ،‬شر ًعا ثم عقال ً؛ ويرجع ٕالى القرٓان والحديث‬
‫الخارقة؛ ثم يث ِّني بالدفاع عن ٕامكانية وجود ٍّ‬
‫والصحابة‪ ،‬ليب ِّين ٔان الوالية موجودة منذ البدايات‪ ،‬ؤان الكرامات غير مستب َعدة‪ ،‬شر ًعا وعقال ً‪.‬‬
‫باختصار‪ ،‬ك ُّل الدراسات التي اهتمت بالوالية انحصرت تقري ًبا في الدفاع عنها ٔاو في‬
‫مهاجمتها‪ ،‬وفي ك ِّل أالحوال‪ ،‬ظلت تنظر ٕالى الوالية من خارج‪ ،‬تعتبرها مظاهر تظهر في علم‬
‫ل ُدنِّي وفي كرامات وخوارق‪ .‬لذلك فهذه هي المرة أالولى التي نجد فيها بح ًثا في الوالية يفارق‬
‫تقليدا‪ ،‬ويدخل ٕالى عمق هذا المفهوم‪ :‬يحلِّل معناه‪ ،‬يب ِّين هوية الولي‬
‫ً‬ ‫هذا الطرح الذي ٔاضحى‬
‫ونسجل هنا ٕاكبارنا ٕال نسان خرج بطرح الوالية‬
‫ودوره في الكون‪ ،‬ويرتِّب عالم الروح والفعل‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫عن التقليد الذي سيطر عليه قرونًا طويلة‪ .‬قد يقول أالستاذ شودكي ِفتش – ُ‬
‫تواض ًعا – ٕانه ليس هو‬
‫الذي خرج بطرح الوالية عن التقليد الم َّتبع‪ ،‬بل ابن عربي هو الذي خرج عن التقليد‪ .‬نعم‪ ،‬قد‬
‫صحيحا؛ ولكن قرونًا سبعة تفصلنا عن ابن عربي‪ ،‬ولم َير ٔاح ٌد الوالية عنده على هذا‬
‫ً‬
‫يكون هذا‬
‫الكمال‪ ،‬ولم يف ِّ كر باحث ٔان يخرج بنظرته ٕالى ابن عربي عن التقليد الم َّتبع في طرح الوالية‪.‬‬

‫ُّقه في أالولياء‪ ،‬وحاول ٔان يخلِّص‬ ‫‪3.‬تتَّبع أالستاذ شودكيِفتش مفهوم الوالية عبر تحق‬
‫معنى الوالية من تجربة أالولياء الشخصية‪ ،‬فرجع ٕالى النصوص أالصلية التي َّ‬ ‫سجلت‬
‫جديدا في نمطه‪ٕ .‬اذ جرى التقليد‬
‫ً‬ ‫مشاهداتهم ؤاحوالهم وعلومهم – ك ُّل ذلك يجعل الكتاب‬
‫ٔان يتبع الباحث مفهوم الوالية عبر التنظير السابق؛ ولكن شودكي ِفتش هنا ترك التنظير وما ُك ِت َب‬
‫يؤلفها بنفسه ويستقيها من حياة أالولياء‪ .‬فتجربة الولي الشخصية‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫عن الوالية‪ ،‬ليتلَّمس نظرية‬
‫ٔابدا‪ٕ ،‬اال ٔانها تضيف مالمح جديدة ٕالى صورة الولي – هذه الصورة التي‬ ‫ً‬ ‫تتكرر‬ ‫ال‬ ‫كانت‬ ‫وٕان‬
‫كانت تتحدد تقاطي ُعها مع نصوص‬
‫أالولياء‪.‬‬

‫‪ٕ4.‬ان كان الولي عند الكالباذي في التع ُّرف "محفو ًظا من النظر ٕالى نفسه‪ ،‬ومن ٓافات‬
‫توسع الباحثون في دائرة هذا "الحفظ"‪ ،‬وتف َّننوا في ٕاخراج الولي ليس من ٓافات‬
‫البشرية"‪ ،‬فقد َّ‬
‫البشرية‪ ،‬بل من البشرية نفسها! وكانت النتيجة ٔانه كلما انقطع الولي عن عالئقه الدنيوية وفارق‬
‫دائرة عواطفه البشرية تك َّرس ول ًّيا في نظر الباحثين والناس‪ .‬والولي – في نظر السوى – هو‬
‫وحبيب قلبه في الفؤاد‬
‫وروحه سماوية‪ٔ ،‬اباح جس َمه ِل َمن ٔاراد مجالسته‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ٕانسان بدنُه ٔارضي ُ‬
‫ٔانيسه؛ ٕانسان يعيش دون عواطف ٕانسانية ودون مشاعر بشرية‪ٔ ،‬الن عواطفه ومشاعره كلَّها‬
‫مست َلبة بال ِّ‬ ‫الحب إال نساني‪ ،‬فوق مشاعر أالب َّوة والحنان‪ .‬ولعلنا هنا –‬
‫حب إال لهي؛ ٕانسان فوق ِّ‬
‫ؤالول مرة – نقف متعاطفين مع صورة الولي كما ترسمها النصوص التي اختارها شودكي ِفتش‪،‬‬
‫وو َّظفها ٔاحسن توظيف‪ :‬فالولي هو ٕانسان‪ٔ ،‬اوال ً وا ً‬ ‫ٓخرا‪ٕ ،‬انسان يشعر‪ ،‬يحب؛ وهو في ٔاعلى‬
‫درجات القرب يتق َّطع قلبه على طفله المحموم‪ .‬وشودكي ِفتش هو ٔاول من ٔالقى الضوء على‬
‫ٕانسانية الولي؛ ٕاذ ك ُّل من سبقه من الدارسين اهتم بخوارق الولي وبمظاهر أاللوهية المتجلِّية‬
‫فيه‪ ،‬وجعله مفار ًقا لعالم البشرية‪ ،‬وكٔان ك َّل شعور بشري هو نقص وعالئق وسقوط يجرح عل َّوه‬
‫ومقامه‪ .‬ونحن هنا نتابع شودكي ِفتش في نظرته ٕالى ٕانسانية الولي‪ :‬فالفرق كبير بين ٔان يرقى‬
‫إال نسان بمشاعره وعواطفه من ٓافات البشرية ٕالى ٓافاق إال نسانية‪ ،‬وبين ٔان يفارقها بالكلِّية‪.‬‬
‫فالولي‪ ،‬كما يؤكد شودكي ِفتش بحق في ٓاخر كتابه‪ ،‬هو القريب من الله‪ ،‬القريب من الناس‪.‬‬

‫ٕان الولي هو القريب من الله‪ ،‬القريب من الناس‪ .‬وهذا القرب من الناس هو امتداد‬
‫لقرب أالنبياء من الناس‪ ،‬على عل ِّو مكانتهم عند الله‪ .‬فأالنبياء – وهم الساللة المختارة من‬
‫الجنس البشري – عاشت مع الناس‪ ،‬وظلت قريبة منهم‪ ،‬تحِّقق الوصل بين أالرض والسماء‪.‬‬
‫وليس للنبي وللولي‪ ،‬من بعد ٔان يعتزل قومه‪ٔ ،‬ان يفارق الجمع‪ ،‬لما له من دور ووظيفة‪ .‬فموسى‬
‫)ع(‪ ،‬حين خلَّف قومه وراءه‪ ،‬وترك فيهم ٔاخاه هارون‪ ،‬و َع ِجل ٕالى ر ِّبه ليرضى‪ٔ ،‬اض َّل السامر ُّي‬
‫قريبا‪ ،‬والولي يتابع هذا الدور‪ٔ ،‬النه الوريث والنائب‪ ،‬يحمل ٔاعباء‬
‫قو َمه‪ .‬فالنبي يكون من الناس ً‬
‫قريبا منهم‪ ،‬ليحِّقق اتصال أالرض بالسماء‪ ،‬واتصال التابعين‬
‫شريعة النبي‪ ،‬ويعيش مع الناس ً‬
‫بالمتبوع‪ .‬ويب ِّين شودكي ِفتش ٔان الولي يؤكِّد النبوة‪ ،‬ويتابع دوره في البنية الدينية للمجتمع‬

‫‪.‬المؤمن‬

‫‪5.‬نحن في زمن يتع َّرض فيه وج ُه إال سالم للكثير من التحريف والتشويه‪ .‬لقد ٔامسك‬
‫ٔاعداء إال سالم بمرٓاة مق َّعرة أالعماق والجوانب‪ ،‬تعكس الوجه على ٔابشع صورة‪ .‬وتتوالى ال ُّتهم‪:‬‬
‫ٕارهابي ِصدامي‪ ،‬تط ُّرف‪ ،‬تعصب‪ٕ ،‬الخ‪ .‬شودكي ِفتش هنا ِّ يصحح الرؤية‪،‬‬
‫‪،‬‬ ‫إال سالم دموي‪،‬‬
‫مؤكدا ٔان الدين إال سالمي هو‬
‫ً‬ ‫ويكشف عن انفتاح الدين إال سالمي على أالديان أالخرى‪،‬‬
‫الشريعة الكاملة والنهائية التي ٔافسحت فيها مكانًا لك ِّل الشرائع السابقة‪ ،‬ؤان النبي )ص( هو‬
‫النموذج إال نساني الكامل‪ ،‬صاحب الرسالة العامة‪ُٔ ،‬ا ِ‬ ‫رس َل رحم ًة للعالمين‪ ،‬وجمع في شخصه‬
‫ك َّل ما يطلبه ٕانسا ٌن‬
‫من نبي‬
‫‪.‬‬

‫خيرا‪ ،‬نقول‪ٕ ،‬ان كتاب خاتم أالولياء يع ِّرف العالم الغربي على وجه من إال سالم تغ ِّيبه‬
‫ٔا ً‬
‫وسائ ُل إال عالم وأالغراض‪ ،‬وٕان الروح تح ِّقق ً‬
‫لقاء كون ًّيا فوق مصالح المادة وتنا ُزع السياسة‪.‬‬
‫ومن المفيد جدًّا ٔان ي َّطلع ق َّر ُاء العربية على نتاج الغرب في إال سالميات‪ ،‬وخاصة على‬
‫الدراسات الموثوقة والموضوعية‪ ،‬التي تشهد ك َّل يوم ٔاكثر على كمال إال سالم ومقدرته على‬
‫تلبيته التحديات‬
‫الحياتية‬
‫‪.‬‬

‫***‬

‫ﻋﺮﺽ‬
‫ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ‬
‫قسم أالستاذ شودكي ِفتش كتابه ٕالى مقدمة وعشرة فصول؛ نتناول ك َّل قسم بما يتناسب‬
‫َّ‬

‫‪:‬من التفصيل‬

‫ﺍﳌﻘﺪﻣﺔ )ﺹ ‪(-٢٧‬‬
‫‪١٣‬‬
‫بدٔا شودكي ِفتش مقدمته مع مطالع ابن عربي على العالم الغربي‪ .‬وكانت البداية مع‬
‫فلوغل‪ .‬وبعدها ترجم له نيكلسون ديوانكتابه اصطالحات الصوفية‪ ،‬بترجمة غوستاف ِ‬
‫ترجمان أالشواق‪ .‬وتوالت بعد ذلك ٔاعمال نيبرغ وٓاسين باالثيوس‪ .‬ثم جاءت سنوات ما بعد‬
‫الحرب حاملة المزيد من النشر والترجمة والدراسة‪ .‬وبرزت ٔاسماء ٔامثال هنري كوربان‬
‫وتوشهيكو ٕايزوتسو‪ .‬ويشير شودكي ِفتش ٕالى التضا ُرب الذي برز حول شخصية ابن عربي في‬
‫ِ‬
‫‪.‬‬ ‫العالم الغربي‪ ،‬وذلك كما ورد في كتابات ماسينيون وكليمان ُهوار وكا َّرا ُد ْه فو‬

‫ولكن ابن عربي‪ ،‬الذي جمع في شخصه الوالية ٕالى العبقرية‪ ،‬وجمع في مؤلَّفاته العلوم‬
‫المتنوعة ٕالى ضروب ٔاشكالها‪ ،‬يفوق في نتاجه وشخصه ما ُك ِت َب عنه‪ .‬وقد ظلت الدراسات‬
‫كلُّها جزئية وغير قادرة على إال حاطة به؛ فلم يحصره كاتب‪ ،‬ولم يعرف حقيق َة وجهه باحث‪.‬‬

‫ثم ينتقل شودكي ِفتش ٕالى الكالم على حياة ابن عربي‪ ،‬وعلى ٔاهميته الشخصية‬
‫كصوفي‪ ،‬وعلى ٔاهمية صوف َّيته كذلك ؤاثرها على أالعمال التي وضعها‪ ،‬وخاصة الفتوحات‪.‬‬
‫َّم على موقف العالم إال سالمي من الوالية وأالولياء‪ ،‬ومن مظاهر تقديس العوام لهم‪،‬‬ ‫ثم تكل‬
‫ليخلص ٕالى ٔان التصوف والوالية ال يفترقان‪ :‬فالتصوف يوجد ويتغذى ويستمر في حياة الناس‬
‫من مفهوم الوالية ومن وجود أالولياء؛ بل وظيفة التصوف تكمن في ٔانه يساعد على ظهور‬
‫أالولياء‪ ،‬ؤانه السماء التي يرتفع فيها نجُم هداية أالولياء‪ .‬والصوفي يشعر بٔان عليه ٔان يعطي‬

‫صورة الولي‪ ،‬ويعكس جميع كماالت ال ُّتقى للناس‪ .‬ومن جهة ثانية‪ ،‬فٕان بنية المجتمع‬
‫سالمي ٔاو بأالحرى التج ُّمع الديني‪ ،‬تقوم على "خاصة"‪ ،‬هم أالولياء العلماء الحقيقيون‪،‬‬
‫‪،‬‬ ‫إال‬
‫قطب الولي‬
‫‪.‬‬ ‫وعلى "عامة"‪ ،‬هم شعب يستقطبهم ُ‬
‫وعلى الرغم من ٔان ابن عربي كان مسبو ًقا بك َّتاب وصوفية تناولوا موضوع الوالية‪ ،‬فهو‬
‫ٔاول من ق َّدم فيها نظرية شاملة‪ ،‬وتت َّبع صورها الموروثة من شخصيات ٔانبياء أالديان كافة‪ :‬ولي‬
‫موسوي‪ ،‬ولي عيسوي‪ ،‬ولي ٕابراهيمي‪ٕ ،‬الخ‬
‫‪.‬‬

‫وحيث ٕان العمل في ابن عربي شامل وصعب‪ ،‬يرى شودكي ِفتش ٔانه من أالفضل ٔان‬
‫يرتكز على نصوصه خطوة خطوة‪ ،‬وبطريقة مخلصة‪ ،‬حتى يصل ٕالى توضيح رؤيته‬
‫‪.‬‬
‫ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻷﻭﻝ‪" :‬ﺍﺳﻢ ﻣﺸﱰﻙ" )ﺹ ‪(٢٩-٣٩‬‬
‫يبدٔا أالستاذ شودكي ِفتش الفصل أالول بٕايراد بعض رؤى منامية البن عربي‪ ،‬يرى فيها‬
‫أالنبياء )ع( بمفردهم ٔاو هم ؤاتباعهم‪ .‬ومن هذه الرؤى تظهر مكانة ابن عربي الروحية؛ ويظهر‬
‫له كذلك ٔان ابن عربي يرى‪ ،‬منذ البداية‪ٔ ،‬ان أالولياء ال ينفصلون عن أالنبياء مطلقًا‪ ،‬ؤان الوالية‬
‫َقدم" نبي‪ ،‬يتبعه في العلم والعمل‬ ‫ٔابدا عن النبوة‪ ،‬بل تتبعها دائ ًما‪ .‬فالولي هو "على َ‬ ‫ال تستقل ً‬
‫والحال‪ .‬وهذه الرؤى يؤ ِّيدها كال ُم تلميذه صدر الدين القونوي‪ ،‬الذي كان يقول ٕانه في طاقة‬
‫ٔاستاذه ٔان يجتمع بروح من يشاء من أالولياء السابقين الراحلين‪ :‬وهذا كتاب التجلِّيات البن‬
‫‪.‬‬ ‫عربي شاه ٌد على مثل هذه‬
‫اللقاءات‬

‫ينتج من ك ِّل ما تق َّدم ٔان رؤية ابن عربي ليست نظرية تقوم على عدم التناقض الفكري‪،‬‬
‫يضا مستقاة من النصوص إال سالمية‪ ،‬كٔاية نظرية دينية ٔاخرى‪ ،‬بل هي تدوين لواقع وليست ٔا ً‬
‫‪.‬‬ ‫معيش‪ ،‬يجد مصدره في تجربة شخصية وذوق وعيان‬

‫هذه "الفتوحات الربانية" التي ٔالهمت ابن عربي مباشر ٌة وغير مباشرة‪ :‬إال مالء إال لهي‪،‬‬
‫و َتوالي شهادات الغيب على صفحة كتبه‪ ،‬ثم صعوبة التقاط مذهبه بك ِّل تد ُّرجاته وشموله –‬
‫ذلك كلُّه ِّ‬
‫يفسر جزئ ًّيا الهجوم العنيف الذي تع َّرض له ابن عربي ونظريته في الوالية؛ والباقي‬
‫‪ٔ.‬اكمله الظ ُّن السيئ والفهم‬
‫المغلوط‬

‫يخصص شودكي ِفتش هذا الفصل لبحث معنى "ولي"‪ ،‬كما َو َر َد ْت في معاجم اللغة‪:‬‬ ‫ِّ‬
‫يرجع ٕالى الجذر‪ ،‬ويرى ٔان "ولي" تُط َلق على معنيين‪ :‬الولي هو الصديق والقريب والتابع‬
‫والمحب‪ ،‬والمواالة ضد المعاداة؛ والولي ٔا ً‬
‫يضا هو المد ِّبر والنصير من إال دارة وإال مارة والحكم‬
‫والخالفة‪ .‬فبالمعنى أالول‪ ،‬الوالية هي الوالء لله؛ وبالمعنى الثاني‪ ،‬الولي هو الذي يتولَّى ٔامو ًرا‪،‬‬
‫وئاخذ على عاتقه شريعة‪ .‬مثال ً‪ ،‬الولي المحمدي ال يعطي شريعة‪ ،‬ولكن ئاخذ على عاتقه‬
‫الشريعة المحمدية‪ ،‬وهكذا دواليك‪.‬‬

‫ثم يب ِّين شودكي ِفتش ٔان أالصل العربي "ولي " ال يمكن ترجمته بكلمة مناسبة في‬
‫الديانات أالخرى‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬في اللغات أالخرى‪ٔ ،‬الن شكل القداسة في ك ِّل ديانة يباين شك َلها‬
‫في الفكر إال سالمي – واللغة تدوين للفكر ليس ٕاال‪ .‬فالقديس‪ ، le Saint‬مثال ً‪ ،‬من أالصل العربي‬
‫‪.‬‬ ‫َس‪ ،‬يع ِّبر عن فكرة "الطهارة"‪ ،‬وال يعطى معنى الوالية‪ ،‬وهكذا‬

‫قد َ‬
‫ومن حيث الوزن‪ ،‬تُقرٔا "والية" بفتح الواو وبكسرها‪ .‬الوالية بالكسر‪ ،‬على وزن ِفعالة‪،‬‬
‫مكسور ِ‬
‫‪،‬‬ ‫ِوالية‪ ،‬بمعنى عمل الولي ٔاي ٕامارته )وكل ما كان من جنس الصناعة فهو‬
‫كخياطة‬
‫بالفتح َوالية‪ ،‬وهي حال الولي‪ ،‬والؤه لله‪ .‬ولكن ً‬
‫‪،‬‬ ‫ِوقصارة(‪ ،‬وعلى وزن َفعالة‬
‫كثيرا من‬
‫الكتابات الصوفية تتردد بين َوالية بالفتح و ِوالية بالكسر؛ واللغة المحكية تجنح ٕالى الكسر‪،‬‬
‫ِوالية‪ٔ .‬اما الكاتب فيتابع ابن عربي في تفضيل َوالية )بالفتح(‪ ،‬النسجامها مع اللغة القرٓانية‪.‬‬
‫وهكذا يتق َّرر لديه ٔان الوالية هي اسم مشترك بين مس َّميين‪ :‬بين َمن له حال الوالية‪ ،‬وبين من له‬

‫وظيفة الوالية‬

‫‪.‬‬

‫والولي كذلك هو اسم مشترك بين الله وبين إال نسان‪ :‬فـ"الولي" هو ٔاحد أالسماء‬
‫يضا اسم ُيط َلق على إال نسان‪" :‬الله ولي المؤمنين" )ٓال عمران ‪" ،(٦٨‬الله ولي‬
‫إال لهية؛ وهو‬
‫ٔا ً‬
‫خوف عليهم‬
‫ُيخرجهم من الظلمات ٕالى النور" )البقرة ‪ٔ" ،(٢٥٧‬اال ٕان ٔاولياء الله ال‬
‫الذين ٓامنوا ِ‬ ‫ٌ‬
‫وال هم يحزنون" )يونس ‪ .(٦٢‬ويحصر اللغويون المسلمون ٔامر هذا االشتراك بوجهين‪" :‬اسم‬
‫‪.‬‬ ‫مفعول"‪ ،‬يتبع مفهوم النسب والوالء‪ ،‬و"اسم فاعل" يتبع مفهوم الخالفة وإال مارة‬
‫هذا وين ِّبه شودكي ِفتش ٕالى ٔان ك َّل مفردات الولي والوالية ومعانيهما تنبع من القرٓان‬
‫وترجع ٕاليه‪ ،‬ؤانها تجد بيانها في ٔاحاديث مشهورة‪ ،‬لعل ٔاهمها‪" :‬من ٓاذى لي ول ًّيا فقد ٓاذن ُته‬
‫لي عبدي بشيء ٔافضل من ٔاداء ما‬ ‫افترضت عليه‪ .‬وما يزال عبدي يتقرب ُ‬
‫بالحرب‪ .‬وما تقرب‬
‫ٕا َّ‬
‫ٕا َّ‬ ‫لي بالنوافل حتى ٔاحبه‪ .‬فٕاذا ٔاحبب ُته كنت سمعه الذي يسمع به‪ ،‬وبصره الذي يبصره به‪ ،‬ويده‬
‫التي يبطش بها" و "ُر َّ ب ٔاشعث ٔاغبر ذي طمرين‪ ،‬لو ٔاقسم على الله ٔالب َّره‪".‬‬
‫ولعل من المفيد هنا ٔان ٔاع ِّقب على هذا االشتقاق االسمي بٔافضل ما سمعت في هذا‬
‫الموضوع؛ وهو‪ ،‬على ٕايجازه الصوفي‪ ،‬يرضي اللغويين‪ .‬سٔالت مرة سيدي الفضل بن العباس‪،‬‬
‫ٔامير أالسرة الدندراوية‪" :‬من هو الولي؟" فقال‪" :‬اس ٌم ُيط َلق على من توالَّه الله‪ ،‬وعلى من والَّه‬

‫الله‬

‫"‪.‬‬

‫ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ‪" :‬ﻣﻦ ﻳﺮﺍﻙ ﻳﺮﺍﻧﻲ" )ﺹ ‪(٤١-٦٤‬‬


‫في هذا الفصل يرجع شودكي ِفتش ٕالى بدايات ظهور الوالية كمفرد وكمفهوم في‬
‫النصوص الصوفية‪ ،‬ويتت َّبع تاريخ هذه الفكرة وتط ُّورها عند المسلمين‪ ،‬وصوال ً ٕالى ابن عربي‪:‬‬
‫متى ظهر مفرد "ولي"؛ كيف تح َّدد معنى "الوالية" عند المؤ ِّيدين والمعارضين؛ ما حدود‬
‫إال ضافة التي شارك بها ك ُّل مفكر ٔاو باحث ٔاو ولي في صورة الوالية‪ .‬ويتٔاكد لديه ٔان مس َّمى‬
‫"الولي" الذي يتشاطره االشترا ُك المب َّين في الفصل أالول ٔادى ٕالى شطر تاريخ الوالية بٔاكمله‬

‫نصفين‪ ،‬ك ُّل نصف ق َّيد معنى الوالية بمفهوم وحصره فيه‪ :‬فبعض الدارسين إال سالميين – ومن‬
‫بينهم ٔائمة – حصروا معنى الوالية في المس َّمى أالول‪ٔ :‬اي ٔان الولي هو المؤمن عامة‪ ،‬وك ُّل‬
‫مؤمن ولي‪ ،‬ولم يرتضوا معنى "التولية" – وٕان لم يحاربوا ٔاو يناهضوا الكرامات وخرق العادة‬
‫والعلوم إال لهامية؛ والبعض الثاني‪ ،‬وٕان قبل معنى الوالية في المس َّمى أالول‪ٕ ،‬اال ٔانه اعتبر ٔان‬
‫التخصيص المراد بالوالية والمشار ٕاليه في‬
‫صفة إال يمان التي تع ُّم ك َّل المؤمنين ال ينطبق عليها‬ ‫ُ‬
‫أالحاديث المشهورة من نحو "من ٓاذى لي ول ًّيا‪ "...‬و" َّ‬ ‫رب ٔاشعث ٔاغبر‪ ."...‬وهكذا يستعرض‬
‫شودكي ِفتش تاريخ فكرة الوالية‪ ،‬وقبل ُة ٔانظاره هذا االنقسام‪ .‬ؤانا ٔاس ِّميها مجا ًزا‪ :‬الوالية السلفية‬

‫‪.‬‬ ‫والوالية الصوفية‬

‫يبدٔا بابن تيمية‪ ،‬الذي يرى ٔان أالولياء هم المق َّربون فقط‪ٔ ،‬اي ينظر ٕالى الوالية بالمعنى‬
‫أالول‪ :‬فالولي عنده هو الذي تق َّدم في الصالح‪ ،‬حتى ٔاصبح من ٔاوائل الصالحين‪ .‬والقرٓان‬
‫يس ِّميهم بـ"السابقين"‪ ،‬الذين هم ٔاعلى من ٔاهل اليمين ؤاهل الشمال‪ .‬والجرجاني في‬
‫التعريفات يع ِّرف الوالية بٔانها "القرب من الله"‪ ،‬ويم ِّيز بين َوالية )بالفتح( و ِوالية )بالكسر(‪،‬‬
‫ؤانهما يقابالن حال الولي ووظيفة الولي‪ٔ .‬اما ابن عجيبة )القرن الثامن عشر الميالدي(‪ ،‬فيجعل‬
‫الوالية تقابِل "أالنس بالله"‪ً .‬‬
‫وكثيرا ما كان ابن عربي يؤ ِّكد على قضية النصرة في الوالية‪ ،‬ويرى‬
‫ٔان الولي وأالولياء هم الذين توالَّهم الله بنصرتهم‪ ،‬توالَّهم في محاربتهم ٔاعداءهم أالربعة‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫النفس‪ ،‬والهوى‪ ،‬والدنيا‪،‬‬
‫والشيطان‬

‫ولكن بعد هذه اللمحة السريعة مع ابن تيمية والجرجاني وابن عجيبة وابن عربي‪ ،‬يقف‬
‫شودكي ِفتش ليقول ٕان هذه النصوص كلَّها متٔاخرة‪ .‬فماذا كانت البداية في بدايات إال سالم؟‬
‫كما حدث مع مفرد "صوفي"‪ٕ ،‬اذ سبق وجود الصوفي وجود اسمه‪ ،‬كذلك في الوالية سبق‬
‫وجو ُد الولي وجو َد اسم الوالية‪ .‬وبحسب الهجويري‪ ،‬يرجع وجود الولي والوالية في اللغة‬
‫كتبه حاملة اسمها‪ :‬علم‬
‫الصوفية ٕالى الحكيم الترمذي )القرن التاسع الميالدي( الذي توالت ُ‬

‫أالولياء‪ ،‬ختم أالولياء‪ ،‬سيرة أالولياء‪ .‬فالترمذي ُي َع ُّد ٔاول صوفي ب َّين معالم الوالية وطرح‬
‫احتل ْتها مؤلَّفاته في كتابات ابن عربي في‬
‫َّ‬ ‫مشاكلها ومسائلها‪ .‬وهذا يفسر المكانة التي‬
‫الوالية ً‬
‫‪،‬‬ ‫الموضوع نفسه‪ .‬ثم يتناول شودكي ِفتش كتاب ختم‬
‫مشيرا ٕالى ٔان الترمذي في هذا‬
‫النص كتب تجربته الروحية‪ ،‬على الرغم من تس ُّتره وراء حجب اللغة الموضوعية واللهجة‬
‫ِّ‬
‫الالشخصية ‪.‬‬

‫يف ِّرق الترمذي بين طريقين للوالية‪ :‬طريق الصدق والجهد والعبادة‪ ،‬وطريق الم َّنة‬
‫وال َو ْهب والعبودية؛ وهذان الطريقان‪ ،‬على ُ‬ ‫تداخلهما‪ ،‬يشيران ٕالى مرتبتين من مراتب الحياة‬
‫الروحية‪ٔ ،‬اي مرتبتين من مراتب الوالية‪ :‬مرتبة "ولي ح ِّق الله" ومرتبة "ولي الله حقًّا"‪ .‬الوالية‬
‫أالولى ِّ‬ ‫يحصلها السالك بسيره في الطريق أالول‪ ،‬وهو ممارسة الصدق؛ فالصدق ٔاول خطوة‬
‫في الوالية‪ ،‬وهو يفرض أالداء الكامل لك ِّل الفروض الداخلية والخارجية المترتبة عن العهود‬
‫إال لهية‪ ،‬صدق العهود مع الله‪ ،‬وباختصار‪ ،‬صدق العبادة‪ .‬والوالية الثانية ينالها المؤمن بال َو ْهب‬
‫‪.‬‬ ‫والم َّنة إال لهية؛ وتتصف بصدق‬
‫العبودية‬

‫ٕان عبارة "ح ِّق الله" على المخلوقات تو ِهم بح ِّق المخلوقات على الخالق‪ .‬لذلك فٕان‬
‫"ولي ح ِّق الله" هو الذي تظهر والي ُته في خدمته للحقوق إال لهية‪ ،‬وهي‪ٔ :‬اداء الفروض‪ ،‬حفظ‬
‫الجوارح‪ ،‬الصبر على الشهوات‪ ،‬التوكل في الرزق‪ .‬يعطي لئاخذ‪ :‬يعطي صدق العبادة‪ ،‬فيم ُّن‬
‫الله عليه ويعطيه طريقًا ٔاعلى في الوالية‪ ،‬ويرقى ٕالى ٔان يكون "ولي الله حقًّا"؛ يجاهد المؤمن‬
‫خل َصه الله – ع َّز‬
‫َّ‬ ‫نفسه في عبادة الله‪ ،‬فتتوالى عليه ٔانوار العطاءات الربانية‪ .‬فٕان لم يقف عندها‬
‫وج َّل – لعبوديته‪ ،‬وحَّرره من كِّل شيء‪ٔ،‬ا ورقَّاه في درجات الوالية‪ ،‬ؤانزله مح َّل قُربه‪ .‬وهذا‬
‫الولي‪ ،‬وٕان كان ال يطلب المعاوضة بالخدمة‪ٕ ،‬اال ٔان عبوديته المطلقة هي مساحة ٔاعماقه التي‬
‫تحررت من ك ِّل شيء وامتٔالت بالحضور إال لهي‪ .‬لذلك نجد ٔان ٔاه َّم صفات الوالية الصادقة‬
‫عند الترمذي هي تن ُّزل السكينة على الولي‪ٔ ،‬اي الحضور إال لهي‪ .‬فالولي الفارغ من كِّل شيء‪،‬‬

‫الممتلئ بالحضور إال لهي‪ ،‬ينعكس هذا الحضور من باطنه ٕالى ظاهره‪ ،‬ويصبح ٔاحد المظاهر‬
‫ولياء بها‪ ،‬وهي ال ُمشار ٕاليها في الحديث الشريف بٔان أالولياء هم الذين‬
‫الخارجية التي ُي ْعرف اال ٔ ُ‬
‫‪).‬‬ ‫تذكِّرنا رؤيتهم بالله )راجع‪ :‬السيوطي‪ ،‬الفتح الكبير‪١: ٢١٤ ،‬‬

‫وينتقل شودكي ِفتش ٕالى السؤال الذي ُي َ‬ ‫طرح في ك ِّل نظرية روحية في إال سالم‪ :‬ما هي‬
‫العالقة بين الولي وبين النبي ٔاو الرسول؟ هذا الموضوع بالذات – وقد ٔاشار ٕاليه الترمذي في‬
‫رسالة بدء الشٔان – هو الذي ٔاثار عليه ثورة الفقهاء‪ .‬يرى الترمذي ٔان نب َّوة أالنبياء ورسالة الرسل‬
‫لهما نهاية وح ٌّد في هذه الدنيا؛ وتتوافق نهايتهما مع نهاية العالم ورجوع مخلوقاته ٕالى خالقها‬
‫في يوم الفصل العظيم‪ .‬وعلى العكس من ذلك‪ ،‬تستمر صفة الوالية ٔابدية‪ .‬وهذا ما يفسر ٔان‬
‫"الولي" هو ٔاحد أالسماء إال لهية‪ .‬وهذا الكالم ال يعني ٔان الولي "ٔافضل" من النبي ٔاو الرسول؛‬
‫ولكن صفة الوالية في شخص الرسول ٔاو النبي نفسه تستمر ٔابدية‪ ،‬على حين ٔان فعل رسالته ٔاو‬
‫‪.‬‬ ‫نب َّوته‬
‫ينتهيان بانتهاء العالم‬

‫وبعد ٔان َع َر َ‬ ‫ض شودكي ِفتش للوالية عند الحكيم الترمذي‪ ،‬يتساءل عن معنى "ختم‬
‫أالولياء" الذي َع ْن َو َن به الترمذي كتابه‪ .‬هنا – يقول شودكي ِفتش – كان علينا ٔان ننتظر ابن عربي‬
‫حتى نعرف ماهية الختم وهو َّيته ونفهمهما‪ .‬ذلك ٔان إال شارات التي تالمحت عند الترمذي‪،‬‬
‫ٔامثال قوله ٕان ختم أالولياء هو "حجة الله على أالولياء" ٔاو ٔانه "سيد أالولياء" و"حكيم‬
‫الحكماء"‪ ،‬ال توضح شي ًئا‪ .‬ويبقى ٔان الحكيم الترمذي ٔا ْو َر َد مجموعة ٔاسئلة كانت تحد ًيا‬
‫للم َّدعين‪ ،‬تحد ًيا لمن يتكلَّم كأالولياء وليس منهم‪ .‬هذه أالسئلة المائة والسبعة والخمسون‬
‫ظلت تنتظر دون جواب زمن ابن عربي الذي واجه التحدي ؤاجاب في الفتوحات عن أالسئلة‬
‫جميعها )ف ‪ .(٢: ٤٠-١٣٨‬ؤاهم هذه أالسئلة‪ :‬كم عدد منازل أالولياء؟ ٔاين منازل ٔاهل‬
‫ال ُقربة؟ من الذي يستحق خاتم أالولياء كما يستحق محمد )ص( خاتم النبوة؟ ما سبب الخاتم‬
‫وما معناه؟ ٔاين مقام أالنبياء من أالولياء؟ ما سكينة أالولياء؟ ٕالخ‬
‫‪.‬‬

‫وكان من نتيجة طرح الترمذي للوالية وختمها وللعالقة بين النبوة والرسالة والوالية‬
‫بشخص الرسول ٔاو النبي ٔان تناول ك ُّل الباحثين بعده مفهوم الوالية بالحذر الشديد‪ .‬وها هو‬
‫الباقالني )القرن العاشر الميالدي( الذي‪ ،‬وٕان كان َّ‬ ‫خصص كتا ًبا للبحث في الفرق بين‬
‫معجزات أالنبياء وكرامات أالولياء‪ٕ ،‬اال ٔانه اكتفى بٔان يقف من الوالية عند حدود التٔاكيد على‬
‫‪.‬‬ ‫ٕامكانية الكرامات والخوارق في مقابل المعتزلة‪ ،‬وع َّرف أالولياء بٔانهم الصالحون فقط‬

‫يخصصون بح ًثا يتناول صراحة الوالية‬


‫وٕان التفتنا ناحية الصوفية‪ ،‬نكاد ال نجدهم ِّ‬
‫وأالولياء‪ ،‬بل يستترون بٔاسماء كـ"العارف" ٔاو "الصوفي"‪ .‬وٕان ظهرت ٔا ٌ‬
‫بحاث في الوالية ال‬
‫تلبث ٔان تختفي بسرعة‪ ،‬كما الحظ الهجويري‪ .‬وٕاذا قلَّبنا صفحات الكتب الكبرى في‬
‫فصاحا‪ .‬ويعرض شودكي ِفتش‬
‫التصوف التي ٔالَّفها ُك َّتاب ُي َعرفون على ٔانهم ٔاولياء ال نراها ٔاكثر ٕا ً‬
‫ٔاه َّم هذه‬
‫الكتب ومؤلِّفيها‬
‫‪:‬‬

‫ٔابو طالب المكي )ت ‪ ٣٩٠‬هـ(‪ ،‬في فصل من كتابه قوت القلوب‪ ،‬يتكلَّم على ٔاهل‬
‫المقامات من المق َّربين‪ ،‬ويفِّرق بين ثالثة ٔانواع من أالولياء‪ٔ" :‬اهل العلم بالله"‪ٔ" ،‬اهل الحب"‪،‬‬

‫‪".‬‬ ‫"ٔاهل الخوف‬

‫يخصص فصال ً ٔابو نصر الس َّراج )ت ‪ ٣٧٧‬هـ(‪ ،‬في كتابه اللُّمع‪ ،‬وعلى الرغم من ٔانه ِّ‬
‫يحِّذر فيه القارئ مَّمن يضع أالولياء في مرتبة ٔاعلى من أالنبياء‪ ،‬وفصال ً ٓاخر لكرامات‬
‫أالولياء‪،‬‬
‫عرضا ٔاكثر عمقًا لمفهوم الوالية‪.‬‬
‫ٕاال ٔاننا نحاول عب ًثا ٔان‬
‫نستشف ً‬
‫يفرد فصال ً للكرامات‪ ،‬ويدافع عن‬
‫رف ُ ِ‬‫الكالباذي )ت ‪ ٣٨٥‬هـ(‪ ،‬في كتابه التع ُّ ‪،‬‬
‫ٕامكانيتها وشرع َّيتها‪ ،‬ويرى ٔان ظهور الكرامة هو تٔاييد للنب َّوة‪ .‬وعلى السؤال الذي ُطر َِح على‬
‫الترمذي من ٔاحد تالمذته‪ :‬هل يعرف الولي ٔانه ولي؟ يجيب بإال يجاب‪ .‬وهو يف ِّرق بين نوعين‬
‫من الوالية‪ :‬الوالية في معناها العام‪ ،‬وتشمل ك َّل المؤمنين؛ وفي معناها الخاص الذي تٔاخذه في‬

‫االصطالح الصوفي‪ ،‬هي عطاء مخصوص‪ ،‬من ُٔا ْع ِط َيه كان محفو ًظا من النظر ٕالى نفسه ومن‬

‫‪ٓ.‬افات البشرية‬

‫ويتابع شودكي ِفتش‪ ،‬مع ك َّتاب متٔاخرين نو ًعا ما عن الذين ذكرهم‪ ُّ :‬السل َمي )ت ‪٤١٢‬‬
‫هـ(‪ ،‬في مقدمة كتابه طبقات الصوفية‪ ،‬يرى ٔان أالولياء هم ٔاتباع أالنبياء‪ ،‬يخلفونهم في‬
‫الس َلمي‪ ،‬عند بحثه لشخصياته‪ ،‬يتابع هذه اللمحة‪ ،‬بل العكس؛ فٕاننا ُس َن ِنهم‪ .‬ولكننا ال نجد ُّ‬
‫نكاد ال نجد هذه الشخصيات تخرج عن أالسئلة التقليدية‪ :‬الكرامة‪ ،‬هل يعرف الولي ٔانه ولي‪،‬‬

‫‪.‬‬ ‫ٕالخ‬

‫الس َلمي‪ ،‬ئاخذ شودكي ِفتش كتاب حلية أالولياء ٔالبي نعيم أالصبهاني )ت‬
‫وبعد طبقات ُ‬
‫‪ ٤٣٠‬هـ(‪ ،‬ويرى ٔانه يتركنا على جوعنا‪ ،‬وعطشى ال نرتوي‪ ،‬على الرغم من عنوانه ؤاجزائه التي‬
‫تبلغ العشرة‪ ،‬وتضم ٔاكثر من ستمائة وتسع وثمانين ترجمة ‪.‬ولكننا نستطيع‪ ،‬من خالل ٕاشاراته‪،‬‬
‫قليال ً قليال ً‪ٔ ،‬ان نرسم صورة للولي‪ ،‬ؤان نقارب نمطية أالولياء‪ .‬ولكن جوهر الوالية ينفلت من‬
‫ك ِّل تعريف؛ وحصيلة ما يبقى لدينا بعد قراءة الحلية ينتظم تحت مقوالت‪ :‬أالولياء يذكِّرون‬
‫فقراء ُز َّهاد‪ ،‬قوم خالط القرٓان لحومهم ودماءهم‪،‬‬
‫‪،‬‬ ‫بالله‪ ،‬أالولياء محفوظون من الفتنة‪ ،‬أالولياء‬
‫بحسب قول ذي النون المصري‪ .‬ثم ٕان الوالية ليست استعراضية‪ ،‬بل العكس؛ فٕان الولي‬
‫‪.‬‬
‫يتحاشى الظهور‬

‫وبعد الحلية ئاخذ شودكي ِفتش رسالة القشيري )ت ‪ ٤٦٥‬هـ(‪ ،‬حيث تستغرق الوالية‬
‫فصال ً كامال ً‪" :‬باب الوالية"‪ .‬ولكن نجد ٔاننا نقف ٔامام نفس السدود‪ ،‬نفس الحذر‪ .‬ويشير‬
‫القشيري ٕالى ٔان اسم "ولي" له معنيان‪ٔ :‬احدهما سلبي‪ ،‬فعيل بمعنى مفعول‪ ،‬وهو من يتولَّى الله‬
‫– سبحانه – ٔا َمره )قال الله تعالى‪" :‬وهو يتولَّى الصالحين"(‪ ،‬فال َي ِك ْله ٕالى نفسه لحظة‪ ،‬بل‬
‫يتولَّى الح ُّق – سبحانه – رعاي َته؛ والمعنى الثاني ٕايجابي‪ ،‬فعيل مبالغة من الفاعل‪ ،‬وهو الذي‬
‫يتولَّى عبادة الله تعالى وطاعته؛ فعبادته تجري على التوالي من غير ٔان يتخلَّلها عصيان‪ .‬وكال‬

‫الوصفين واجب حتى يكون الولي ول ًّيا‪ .‬ومن شرط الوالية ٔان يكون الولي محفو ًظا‪ ،‬كما ٔانه من‬
‫شرط النبي ٔان يكون معصو ًما‪ .‬ويتابع القشيري مع الحوار الصوفي حول معرفة الولي بٔانه ولي‪.‬‬
‫السل َمي‪" :‬نهايات أالولياء‬
‫ويع ِّقب القشيري على معنى الوالية بٔاقوال‪ٔ ،‬اهمها ما ينقله عن ُّ‬
‫بدايات أالنبياء"‪ ،‬وقول ٔابي على الجوزجاني‪" :‬الولي هو الفاني في حاله"‪ .‬ويخلص القشيري‬
‫ٕالى القول بٔان الولي هو "ابن وقته"‪ ،‬ليس له مستقبل فيخاف شيًئا؛ وكما ال خوف له فال رجاء‬
‫ُيفرد القشيري با ًبا ًّ‬
‫له‪ٔ ،‬الن الرجاء انتظار؛ وكذلك ال حزن له‪ .‬ثم ِ‬
‫خاصا للكالم على كرامات‬
‫جديدا ُيذك َر‪.‬‬
‫ً‬ ‫يقدم‬
‫ِّ‬ ‫أالولياء‪ ،‬دون ٔان‬

‫ٔاما ٕاذا اتجهنا ٕالى تفسير القشيري للقرٓان لطائف إال شارات‪ ،‬فنرى ٔان القشيري يفرق‬
‫بين "معصوم" و"محفوظ"‪ :‬عصمة النبي تكمن في ٔانه ال يجد في نفسه الرغبة في معصية؛ ٔاما‬
‫الولي فٕانه ليس في ملجٔا من إال غراء‪ ،‬ويمكن ٔان يضعف ٔاحيانًا ٔامام الغواية‪ ،‬ولكن الم َّنة إال لهية‬
‫تحفظه من إال صرار‬
‫على الخطٔا‬
‫‪.‬‬

‫جديدا‬
‫ً‬ ‫يقدم‬
‫وبعد القشيري‪ ،‬يرى شودكي ِفتش ٔان عبد الله أالنصاري )ت ‪ ٤٨١‬هـ( لم ِّ‬
‫في كتبه المعروفة لدينا؛ وأالمر كذلك بالنسبة للغزالي )ت ‪ ٥٠٥‬هـ( الذي انتقد في إال حياء من‬
‫ينكر كرامات أالولياء‪ .‬وهكذا يظل معنى الوالية مستو ًرا خلف صورها ومظاهرها وعالماتها‪.‬‬
‫وهذا ما سنجده ٔا ً‬ ‫يضا عند نجم الدين ك ُبرى )ت ‪ ٦١٧‬هـ( في كتابه فوائح الجمال‪ :‬من‬
‫عالمات الولي ٔان يكون محفو ًظا‪ ،‬مقبول الدعوة من الله – ع َّز وج َّل‪ ،‬ؤان يعرف اسم الله‬
‫أالعظم ؤاسماء الج ِّن والمالئكة‪ٕ ،‬الخ‪ .‬والوالية عند ك ُبرى هي الدرجة الثالثة وأالخيرة من‬
‫الحياة الروحية؛ ٕاذ تتوالى عنده الثالثيات المرتبة تدريج ًّيا‪:‬‬

‫العبودة العبودية‬
‫العبادة‬

‫عين اليقين‬

‫(فناء العارف في المعروف( حق اليقين‬

‫(حال مستمرة( علم اليقين‬

‫)‬
‫(مكتسب‬

‫التكوين التمكين التلوين‬

‫والتكوين يعطى ِل َمن فنيت ٕارادتُه الذاتية ً‬


‫فناء كامال ً في إال رادة إال لهية‪ .‬ويرى ك ُبرى ٔان‬
‫‪.‬‬ ‫مسلك السالك ال يصل ٕالى الوالية ٕاال عندما ُيعطى "كن"‪ ،‬وهي كلمة التكوين‬

‫ويرى شودكي ِفتش ٔانه‪ ،‬و ٕان كان ك ُبرى ال يعطينا المنطق العقلي لك ِّل المقوالت التي‬
‫الوالية ٕاال ٔاننا تق َّدمنا معه قليال ً في معرفة الوالية‪ .‬وكان يمكن ٔان تكون المعرفة‬
‫‪،‬‬ ‫يطرحها في‬
‫ٔاكبر لو ٔاراد ٔان يفصح؛ ٕاذ ٕان المشاهدات التي يرويها في كتبه تكشف عن علمه الوافي بهذا‬

‫‪.‬‬ ‫الموضوع‬

‫وهكذا تظل الوالية ٕاشكالية وسؤاال ً ُي َ‬


‫طرح على ك ِّل عالم ٔاو ولي يظهر ويلمع ٔامام العامة‬
‫ٔاو الخاصة؛ ولكن جاءت ٕاجاباتهم غامضة‪ ،‬مبهمة المعاني‪ ،‬لم يفك خزائن رموزها ٕاال‬
‫نصوص ابن عربي‪ .‬ومن ٔابرز وجوه تلك الفترة عبد القادر الجيالني‪ ،‬المتوفى في بغداد في العام‬
‫‪ ٥٦١‬هـ‪ ،‬وهو نفس الوقت الذي ولد فيه ابن عربي في أالندلس‪ .‬ويكتفي الجيالني بالقول بٔان‬
‫‪".‬الوالية هي‬
‫"ظل النبوة‬

‫و ُينهي شودكي ِفتش هذا الفصل بالكالم على نظرية الوالية عند معلِّم روحي كبير‪ ،‬هو‬
‫روزبهان بقلي‪ ،‬المتوفى في العام ‪ ٦٠٦‬هـ‪ٔ ،‬اي بعد وصول ابن عربي ٕالى المشرق‪ .‬وروزبهان‪،‬‬
‫السائرين ُيف ِر ُد فصال ً عن‬
‫‪،‬‬ ‫في كتابه مشرب أالرواح‪ ،‬المستوحى من كتاب أالنصاري منازل‬
‫الوالية‪ ،‬يرى فيه ٔان ٔاول الطريق ٕارادة‪ ،‬وهي مصحوبة بالمجاهدات‪ ،‬ووسط الطريق محبة‪ ،‬وهي‬
‫مصحوبة بالكرامات‪ ،‬وٓاخر الطريق معرفة‪ ،‬وهي مصحوبة بالمشاهدات‪ .‬وعندما يكون المرء‬

‫متم ِّك ًنا من هذه الدرجات الثالث‪ ،‬ال يجري عليه تلوين‪ ،‬ويسبح في بحار التوحيد ؤاسرار‬
‫التفريد‪ .‬عندها يكون ول ًّيا‪ ،‬نائب أالنبياء‪ ،‬صاد ًقا بين الطاهرين‪ .‬ويورد شودكي ِفتش من كتاب‬
‫روزبهان كشف أالسرار بعض المقاطع التي تروي تجربة الوالية عنده‪ ،‬مقاطع يخاطب فيها‬
‫الح ُّق روزبهان‪ ،‬نصوص تروي توليته واختياره للوالية وللمحبة‪ .‬ويروي روزبهان ٔانه كان ذات‬
‫مرة يجلس ليال ً قرب ابنه ٔاحمد الذي يشكو ح َّمى‪ ،‬وقلبه يكاد يذوب قلقًا؛ ثم فجٔاة شهد‬
‫الجمال إال لهي‪ ،‬فقال له‪" :‬ر ِّبي‪ ،‬لم ال تكلِّمني كما كلَّمت موسى؟" فٔاجابه‪ٔ" :‬اال يكفيك ٔان‬
‫َمن يحبك فقد ٔاحبني‪ ،‬ؤان َمن يراك يراني؟"‬

‫الفصل َر َد َم شودكي ِفتش المسافة بين بداية الكالم على الوالية مع‬
‫‪،‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬في هذا‬
‫الترمذي وبين نهايته‪ ،‬وختمه مع ابن عربي‪ .‬قرون ثالثة في أالبحاث الموضوعية والمشاهدات‬
‫الذاتية؛ وكلُّها يدور حول الوالية‪ .‬وقد تناولها شودكي ِفتش بالدراسة والتحليل‪ ،‬محاوال ً الوصول‬
‫ٕالى تعريف للوالية‪ ،‬لحدودها وبنيتها‪ ،‬قبل ابن عربي‪ ،‬ولكن دون جدوى‪ .‬لذلك يرى ٔان مفهوم‬
‫الوالية كان عليه ٔان ينتظر ابن عربي حتى يتح َّدد‪.‬‬

‫ـﺚ "ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ" )ﺹ ‪(٦٥-٧٨‬‬ ‫ﺍــﻟـﻔـﺼﻞ ﺍـﻟـﺜﺎـﻟـ ‪:‬‬


‫يحدد شودكي ِفتش تدريج ًّيا طبيعة الوالية عند ابن عربي ودورها‬ ‫ِّ‬ ‫في هذا الفصل سوف‬
‫ؤاشكالها‪ .‬ويبدٔا بٔان يلفت النظر ٕالى ٔان مذهب ابن عربي في الوالية مض َّمن تحت ٔاسماء كثيرة‬
‫– ٕالى جانب اسم الولي – ٔاهمها‪" :‬العارف"‪" ،‬المح ِّقق"‪" ،‬المالمي"‪" ،‬الوريث"‪،‬‬
‫"الصوفي"‪"،‬العبد"‪" ،‬الرجل"‪ .‬لذلك سوف يستفيد‪ٔ ،‬اوال ً‪ ،‬من نصوص الوالية وأالولياء‪،‬‬
‫نص في الوالية هو كتابو ُيك ِمل صورته من النصوص التي وردت تحت ٔاسماء ٔاخرى‪ .‬ؤاهم ٍّ‬
‫مخصص لنبي فصوص الحكم الذي يتٔالف من مقدمة وسبعة وعشرين فصال ً‪ ،‬ك ُّل فصل فيها َّ‬
‫من أالنبياء‪ :‬أالول هو ٓادم‪ ،‬وآالخر هو محمد )ص(‪ .‬ويلحظ شودكي ِفتش ٔان ترتيب الفصول‬
‫المخصص‬
‫المخصص لعيسى يسبق‬ ‫َّ‬
‫المتعلقة بأالنبياء ال يتبع التوالي التاريخي‪ :‬فالفصل‬ ‫َّ‬

‫يضا ٔان‬
‫المخصص لداود )عليهم السالم(‪ .‬ويلحظ ٔا ً‬
‫لسليمان الذي‪ ،‬بدوره‪ ،‬يسبق الفصل‬ ‫َّ‬
‫تردا في‬‫شخصيتين من هذه الشخصيات السبع والعشرين – وهما شيث وخالد بن سنان – لم ِ‬
‫القرٓان؛ على حين ٔان نبيين مذكورين في القرٓان – هما ذو الكفل ؤاليسع – غائبان عن كتاب‬
‫يضا ٔان لقمان‪ ،‬الذي يعطي اسمه ٔالحد فصول الفصوص‪ ،‬هو في الواقع – ابن عربي‪ .‬ويلحظ ٔا ً‬
‫‪.‬قرٓان ًّيا – حكيم‬
‫ٔاكثر منه نبي‬

‫ويفيدنا كتاب فصوص الحكم ٔا ً‬ ‫يضا في استخالص بنية الوالية الصوفية ومعرفة تنوع‬
‫فص من الفصوص‪ .‬ففي شخصيات أالولياء‪ ،‬وذلك من خالل أالنماط الروحية التي ُيب ِر ُزها ك ُّل ٍّ‬
‫ك ٍّل ٍّ‬ ‫فص من الفصوص نجد نم ًطا روح ًّيا يتح َّدد بالتقاء وجه من وجوه الحكمة إال لهية مع‬
‫ُّ‬
‫القابل إال نساني الذي يحويها ويفرض عليها‪ ،‬بالتالي‪ ،‬شروطه إال نسانية‪ .‬ك ل نمط روحي هو‬
‫التقاء المطلق إال لهي‪ٔ ،‬اي الحكمة إال لهية‪ ،‬بالمق َّيد إال نساني‪ٔ ،‬اي بالكلمة‪.‬‬

‫ثم ينتقل شودكي ِفتش ٕالى بيان الظروف التي دفعت ابن عربي ٕالى نشر فصوص الحكم‪.‬‬
‫بنبي ٕاال ٔانه "وارث" يكتب ٕامالء ٕاله ًّيا‪.‬‬
‫‪،‬‬ ‫فابن عربي‪ ،‬مع ٔانه ليس برسول وال‬

‫نصوصا وٕاشارات هامة ٕالى عالقة النبوة‬


‫وفي الفصل المتعلق ب ُع َزير‪ ،‬يعطي ابن عربي‬ ‫ً‬

‫بالوالية‪ ،‬يقول‬

‫‪:‬‬
‫اعلم ٔان الوالية هي الفلك المحيط العام؛ ولهذا لم تنقطع‪ٔ .‬اما نبوة التشريع والرسالة‬
‫فمنقطعة‪ .‬وفي محمد )ص( قد انقطعت؛ فال نبي بعده‪ :‬يعني مشتر ًعا ٔاو مش ِّر ًعا له‪ ،‬وال‬
‫رسول‪ ،‬وهو المش ِّرع‪ .‬وهذا الحديث َق َص َم ظهور ٔاولياء الله ٔالنه يتض َّمن انقطاع ذوق العبودية‬

‫الكاملة التامة‬

‫‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬بعد انقطاع النبوة‪ ،‬امتنعت العبودية الكاملة التامة على أالولياء‪ ،‬وبقي لهم ٔان‬
‫يقتسموا ٕارث العلوم وأالفعال وأالحوال‪ .‬وهكذا فٕان العلماء المشار ٕاليهم في الحديث‪:‬‬
‫"العلماء ورثة أالنبياء" ينطبق بأالصالة على أالولياء‪ :‬فأالولياء هم‬
‫ورثة أالنبياء‬
‫‪.‬‬

‫ثم يقارب ابن عربي موضو ًعا طرحه الترمذي قبله‪ ،‬ويتلخَّ ص بٔان والية النبي ٔاو الرسول‬
‫ٔاعلى من نب َّوته ٔاو رسالته‪ .‬يقول ابن‬
‫عربي‪:‬‬

‫فٕاذا رٔايت النبي يتكلَّم خارج عن التشريع فمن حيث هو ٌّ‬


‫ولي عارف؛ ولهذا مقامه من‬
‫ٔاحدا من ٔاهل الله‬
‫ً‬ ‫حيث هو عالم ٔاتم من حيث هو رسول ٔاو ذو تشريع وشرع‪ .‬فٕاذا سمعت‬
‫يقول ٔاو ُينقَل ٕاليك عنه ٔانه قال‪" :‬الوالية ٔاعلى من النبوة"‪ ،‬فليس يريد ذلك القائل ٕاال ما ذكرناه‪،‬‬
‫ٔابدا فيما هو تابع له فيه‪.‬‬‫ال ٔان الولي التابع له ]ٔاي النبي[ ٔاعلى منه‪ .‬فٕان التابع ال يدرك المتبوع ً‬
‫فرجع الرسول والنبي المش ِّرع ٕالى الوالية والعلم‪) .‬فصوص ‪١: ١٣٤-١٣٥‬‬
‫)‬

‫ينتج مما تق َّدم عدة نتائج‪ ،‬يرى شودكي ِفتش ٔانه من الصعب التوفيق بينها ظاهر ًّيا‪،‬‬
‫ويتركها دون تعليق‪ .‬فمن جهة‪ ،‬تظهر الوالية شامل ًة للنب َّوة وللرسالة‪ ،‬وهي ٔاعلى في الشخص‬
‫الذي يجمع هذه الصفات الثالث؛ ومن جهة ثانية‪ ،‬نرى أالولياء تابعين لٔالنبياء‪ ،‬وارثين لهم‪،‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬فالنبوة ٔاعلى من الوالية‪ .‬وٕان لم نستطع ٔان نو ِّفق بين النتائج المتقدمة‪ٕ ،‬اال ٔانه تق َّرر‬
‫آالن ٔان الوالية هي إال رث النبوي‪ٔ ،‬او ٔان الولي هو الوارث لنبي‪ ،‬مع مالحظة ٔانه ال ينال ٔاحد‬
‫كمال إال رث‪ ،‬وٕاال ٔالصبح نب ًّيا‪ .‬فالنبوة والوالية تشتركان في ثالثة ٔاشياء‪ :‬العلم‪ ،‬والفعل‬
‫بالهمة‪ ،‬ورؤية عالم الخيال بالحس؛ وتختلفان في الخطاب إال لهي‪ .‬ولعله من ٔاهم نصوص ابن‬
‫عربي في هذا المجال هو عشرة فصول متتابعة من الفتوحات )‪ ،(١٥٢-١٦٢‬حيث يرسم دوائر‬
‫الوالية والنبوة والرسالة‪ ،‬ويب ِّين العالقة فيما بينها‪ ،‬و ُينهي هذا المبحث بفصل عن "مقام ال ُقربة"‬
‫الذي يمثل كمال الوالية ؤاعلى مراتبها‪.‬‬

‫"ُربة"؛ ويتحدد شكلها بفعل‬ ‫وهكذا تتحدد طبيعة الوالية عند ابن عربي على ٔانها ق‬
‫ولي ٍ‬
‫وارث لنبي فٕانه ال يرثه الوراثة الموجود بين الولي الوارث والنبي الموروث‪ .‬ولكن ك َّل ٍّ‬
‫مباشرة‪ ،‬وٕانما من حيث الحقيقة المحمدية‪ .‬لذلك ك ُّل ولي هو ولي محمدي في شكل من‬
‫أالشكال‪ .‬وهذا ما دفع شودكي ِفتش ٕالى التوقف عند "الحقيقة المحمدية" ومكانتها الوجودية‬
‫‪.‬‬
‫في الفصل التالي‬

‫‪" :‬ﺍﳊﻘﻴﻘﺔ ﺍﶈﻤﺪﻳﺔ" )ﺹ ‪(٧٩-٩٤‬‬ ‫ﺍــﻟـﻔـﺼﻞ ﺍـﻟـﺮﺍـﺑﻊ‬


‫ك ُّل وارث من نبي من أالنبياء هو دائ ًما وارث من محمد )ص(‪ .‬ويقول ابن عربي في‬

‫الفتوحات ٕان‬

‫كل أالنبياء الذين تقدموا في الزمان على محمد )ص( هم ن َّوابه في عالم الخلق‪ ،‬وهو ال‬
‫كنت نب ًّيا؟" فقال‪" :‬كنت نبًّيا وٓادم بين الماء‬
‫روحا مجر ًدا ونو ًرا مس َّوى‪ .‬قيل له‪" :‬متى َ‬
‫يزال ً‬
‫والطين‪ٕ ".‬الى ٔان وصل زما ُن ظهور جسده المط َّهر )ص(‪ ،‬فلم يب َق حك ٌ م لنائب من نوابه‪.‬‬
‫يقول شودكي ِفتش ٕان َّ‬ ‫يحدد طبيعة الحقيقة‬
‫ِّ‬ ‫نص ابن عربي هذا‪ ،‬مع كثير غيره‪،‬‬
‫المحمدية ودورها‪ .‬وعلى الرغم من ٔان الحديث الوارد في ِّ‬
‫النص قد تع َّرض لكثير من الهجوم‬
‫المحدثين انقسموا فيه بين مؤ ِّيدين ومعارضين‪ .‬وابن عربي نفسه‬ ‫ِّ‬ ‫وات ِه َم بالبدعة‪ٕ ،‬اال ٔان جمهور‬
‫ُّ‬
‫– وهو دارس للحديث – يقول في عدة مناسبات ٔان "الكشف" وحده فقط هو القادر على‬
‫‪.‬‬ ‫القطع‬
‫بصحة الحديث‬

‫ثم يب ِّين شودكي ِفتش ٔان عبارة "الحقيقة المحمدية" تجد جذورها القرٓانية في عبارة النور‬
‫منيرا" )‪ .(٣٣: ٤٦‬و ٕان فكرة "النور‬
‫سراجا ًالمحمدي‪ ،‬المستوحاة من قوله تعالى‪ً " :‬‬
‫المحمدي" لها ٔاصول في كتب السيرة‪ ،‬نجدها فيما ُيروى عن النور الذي كان بين عيني والده‬

‫عبد الله‪ ،‬ورٔاتْه سيد ٌة عشية زواجه بٓامنة‪ ،‬وفارقه عندما رٔاتْه ثانية صبيحة اليوم التالي‪ٕ .‬انه نور‬
‫النب َّوة المنتقل في أالصالب‬
‫وأالرحام‪.‬‬

‫ويشير شودكي ِفتش ٕالى الصوفيين الذين ٔاكدوا ٔاسبقية النور المحمدي في الظهور على‬
‫كافة المخلوقات‪ ،‬كجعفر الصادق وسهل التستري والحكيم الترمذي والحالج‪ ،‬وٕالى ارتباط‬
‫الحقيقة المحمدية بعبارة مفهوم إال نسان الكامل‪ ،‬الذي هو هدف ك ِّل حياة روحية وغاية ك ِّل‬
‫تعريف للوالية‪ .‬وينتج عن ك ِّل ما يورده شودكي ِفتش ٔان والية الولي ليست ٕاال انتسابه ٕالى والية‬

‫‪.‬‬ ‫النبي‬

‫وهذه الوراثة عن محمد )ص( يمكن ٔان تكون مباشرة ٔاو غير مباشرة‪ ،‬كما رٔاينا‪ .‬والورثة‬
‫المحمديون بالطريق المباشر تظهر عليهم‬ ‫صفات تمِّيزهم عن غيرهم من أالولياء‪ٔ ،‬اي عن ٌ‬
‫أالولياء الذين ال ينتسبون للوراثة من النبي ٕاال بواسطة غيره من أالنبياء‪ .‬فالوارث غير المحمدي‬
‫الناس والي َته بما يظهر على ظاهره من عالماتها‪ ،‬كالكرامات والخوارق‪ .‬وعلى العكس‪،‬‬
‫يرى ُ‬
‫فٕان الوارث المحمدي يجهله الناس‪ ،‬وال يعرفه ٕاال النخبة‪ٔ ،‬الن خوارق الطبيعة ال تظهر على‬
‫ظاهره‪ ،‬و ٕانما تتن َّزل في قلبه على هيئة علوم ؤاحوال روحية‪ .‬وهذا التمييز بين ورثة النبي بالطريق‬
‫غير المباشر وورثته بالطريق المباشر تفيدنا في تحديد صور أالولياء ومالمح شخصياتهم‪.‬‬

‫‪(٩٥-١١٠‬‬ ‫ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﳋﺎﻣﺲ‪" :‬ﻭﺭﺛﺔ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎء" )ﺹ‬


‫محمدا )ص( يحوي كلِّية الصور النبوية‪ ،‬ويحوي شخصه‪،‬‬
‫ً‬ ‫ٔان‬ ‫ينطلق ابن عربي من‬
‫واحد من أالنبياء‪ .‬ففي شخص النبي )ص( تجتمع‬ ‫بالتالي‪ ،‬كَّل المزايا الخصوصية التي لكِّل‬
‫ما تحلُّوا به جمي ًعا من علوم وتصريف‪ .‬والولي‪ ،‬الذي هو‬ ‫صفات أالنبياء كافة‪ ،‬وفي طاقته‬
‫ُ‬
‫لنبي من أالنبياء‪ ،‬يرث من الحقيقة المحمدية الوجه الخاص بالنبي الموروث‪.‬‬
‫الوريث الروحي ٍّ‬
‫المحمدية ُفيط َلق عليه اسم "عيسوي"‪ ،‬ومنهم‬
‫‪،‬‬ ‫فمن أالولياء من يرث وجه عيسى من الحقيقة‬

‫من يرث وجه موسى من الحقيقة المحمدية‪ ،‬ويطلق عليه اسم "موسوي"‪ ،‬وهذا "ٕابراهيمي"‪،‬‬
‫‪.‬وذاك "هودي"‬
‫‪،‬وغيرهم‬

‫وابن عربي نفسه يروي ٔان ٔاستاذه ٔابا العباس العريبي ٔاصبح عيسو ًّيا في ٓاخر حياته‪ ،‬ؤانه‬
‫هو نفسه – ابن عربي – على العكس‪ ،‬كان عيسو ًّيا في بداياته‪ ،‬ثم ٔاضحى موسو ًّيا‪ ،‬ثم ٔامسى‬
‫ل أالنبياء‪ ،‬وفي ٓاخر مقام من محمد )ص( بنفسه‪.‬‬ ‫هود ًّيا‪ ،‬ثم ورث على التوالي من ك ِّ‬
‫وهكذا يتكون من مزايا ك ِّل نبي ومعجزاته ُ‬
‫نمط شخصيته‪ ،‬تظهر صورتُها على الولي‬
‫الوارث‪ .‬فالولي العيسوي‪ ،‬مثال ً‪ ،‬تٔاتي كراماتُه على صورة معجزات عيسى )ع(‪ ،‬فتراه يمشي‬
‫على الماء‪ ،‬ويشفي المريض‪ ،‬و ُيبرئ أالعمى‪ .‬ويشير شودكي ِفتش ٕالى شخصيات معروفة في‬
‫الوسط الصوفي‪ ،‬ويؤكد ٔانها كانت عيسوية الوالية‪ ،‬كالحالج وعين القضاة الحمداني‪ ،‬مريد‬
‫ٔاحمد الغزالي‪ ،‬وعبد الله ٔاحرار والشيخ العلوي‪ ،‬كما يشير ٕالى ٔان ٔاحمد البدوي موسوي‪ .‬هذا‬
‫وفي استطاعة العارف‪ٕ ،‬ان تم َّرس في ٔاحوال الولي‪ٔ ،‬ان يكتشف الطابع النبوي الذي يطبع‬
‫ظاهره‪ .‬وال تتعدد أالنماط الروحية للوالية الموروثة عن النبوة ٕالى ما النهاية‪ ،‬بل يحصر ابن‬
‫عربي صورها الرئيسة في كتاب فصوص الحكم بفصوله السبعة والعشرين‪.‬‬

‫وهكذا اخ ُتتمت النبوة‪ ،‬واكتملت التشريعات‪ ،‬ولم يبَق ٕاال الوراثة عن أالنبياء‪ .‬يقطع‬
‫السالك طريق الجهد‪ ،‬عسى يولِّيه الله – ع َّز وج َّل – ويورثه عل ًما نبو ًّيا‪ ،‬فيرث عن نبي ٔاو عن‬

‫‪ٔ.‬اكثر من نبي‬

‫‪" :‬ﺍﻷﻭﺗﺎﺩ ﺍﻷﺭﺑﻌﺔ" )ﺹ ‪(١١١-١٢٧‬‬ ‫ﺍــﻟـﻔـﺼﻞ ﺍـﻟـﺴﺎـﺩـﺱ‬


‫بعد ٔان درس شودكي ِفتش في الفصول السابقة طبيعة الوالية وهوية الولي ؤانماط‬
‫شخصيات أالولياء‪ ،‬ينتقل هنا من الطرح النمطي للوالية ٕالى الطرح الجغرافي‪ ،‬حيث يحتل ك ُّل‬
‫ولي مرك ًزا جغراف ًّيا من أالرض‪ ،‬بحسب مرتبته من الوالية‪ :‬لك ِّل ٍّ‬
‫ولي منزل‪ ،‬مركز جغرافي‬

‫يحتله‪ ،‬ومنه يباشر وظيفته وواليته‪ .‬ويبدٔا شودكي ِفتش بتل ُّمس منازل أالولياء في النصوص‬
‫السابقة البن عربي‪ ،‬ويجد حدي ًثا شريفًا عند السيوطي‪ ،‬عن ٔابي هريرة‪ ،‬يشير ٕالى سبعة يحفظ‬
‫الله بهم سكان أالرض‪ .‬وفي أالدب الصوفي كذلك تتالمح ٕاشارات ٕالى "ديوان أالولياء"‪،‬‬
‫الس ْتر؛ فالولي هنا هو مستور‪ ،‬ال تظهر‬
‫ٕاشارات ال تزال تنمو ٕالى يومنا هذا‪ ،‬وتغلب عليها صفة َّ‬
‫‪.‬مكان‬
‫ُته للناس‬

‫ويروي خادم الشيخ عبد القادر الجيالني قصة طويلة‪ ،‬يخرج فيها الشيخ عبد القادر من‬
‫المدرسة في بغداد ٕالى نهاوند‪ ،‬ويصل دون مسافة تُذك َر‪ ،‬ليحضر وفاة ٔاحمد أالبدال السبعة‪.‬‬
‫وهكذا يتابع شودكي ِفتش ٕاشارات‪ ،‬تظهر وتختفي سري ًعا‪ ،‬عن ٔاولياء مستورين لهم مهام كونية‬
‫‪.‬عالية‪ ،‬ويشغلون منازلهم الجغرافية‪ ،‬ك ُّل ولي يحتل منزلة بحسب رتبته‬

‫وكما في تحديد مفهوم الوالية وطبيعتها‪ ،‬كان علينا ٔان ننتظر في التاريخ الصوفي ظهور‬
‫ابن عربي‪ ،‬كذلك هنا‪ ،‬لتحديد منازل أالولياء‪ ،‬ومواقعهم في أالرض‪ .‬وبعد ابن عربي يصبح‬
‫لك ِّل إال شارات السابقة في التاريخ الصوفي معنى‪ ،‬وتٔاخذ موقعها من نظرية الوالية ككل‪ .‬وابن‬
‫عربي ال يفصل هذه المنازل نظر ًّيا‪ ،‬ململ ًما النصوص الشرعية ٔاو المرو َّيات الشعبية‪ ،‬ولكنه‬
‫يصف هذه المنازل ويصف نازليها وصف الرائي لها‪ ،‬العارف بها‪ ،‬المشاهد ٔالهلها‪ .‬ففي العام‬
‫‪ ٥٩٣‬هـ‪ ،‬مثال ً‪ ،‬التقى "قطب الوقت" في فاس‪ .‬وإال شارة ٕالى هذا اللقاء تكثر في كتبه‪ ،‬مما‬
‫يؤ ِّيد ٔان كالم ابن عربي في الوالية ليس نظرية‪ ،‬بل يقين عياني‪ ،‬يرتكز على رؤية مباشرة وتجربة‬

‫‪.‬حميمة‬

‫وفيما يتعلق بموضوع مراكز أالولياء الذين يمثلون قوى "الكون الفاعل"‪ ،‬لعل َّ‬
‫النص‬
‫أالكمل هو ما نجده في بداية الجزء الثاني من الفتوحات؛ وهذا النص هو ما سيتخذه‬
‫شودكيِفتش دليله في طريق تحديد عالم أالولياء‪ .‬يبدٔا ابن عربي الفصل بتحديد ٔافضلية مقام‬
‫الرسول على النوع إال نساني عامة‪ .‬ثم يمثل الدين بالبيت القائم بقيام ٔاركانه أالربعة؛ ؤاركان‬

‫البيت أالربعة هي‪" :‬الرسالة" و"النبوة" و"الوالية" و"إال يمان"‪ .‬والرسالة هي الركن الجامع؛‬
‫وتحوي أالركان الثالثة أالخرى‪ .‬لذلك ال يخلو العالِم من رسول حي بجسمه يكون قطب‬
‫‪.‬العالم‬
‫إال نساني‬

‫يقول ابن عربي بٔانه بعد وفاة محمد )ص( ٔابقى الله – عَّز وجَّل – من الرسل ٔاحياء‬
‫بٔاجسادهم في هذه الدار الدنيا ثالثة وهم‪ٕ :‬ادريس والياس وعيسى )عليهم السالم(‪ٕ .‬ادريس‬
‫)ع( بقي ح ًّيا بجسده‪ ،‬ؤاسكنه الله السماء الرابعة؛ والسموات السبع ه َّن من الدار الدنيا‪ ،‬تبقى‬
‫ببقائها وتفنى صورتُها بفنائها‪ٔ ،‬الن الدار أالخرى ُتب َّدل فيها السموات وأالرض‪ٔ .‬اما الياس‬
‫وعيسى )عليهما السالم( فقد بقيا في أالرض‪ .‬وهذه الشخصيات الثالث ُم ْج َمع على‬
‫رسالتهم‪ٔ .‬اما الخضر )ع( – وهو الرابع – فهو "من المخت َلف فيه"‪ ،‬كما يقول ابن عربي‪،‬‬

‫عند غيرنا ال عندنا‪ .‬فهؤالء الرسل أالربعة باقون بٔاجسامهم في الدار الدنيا‪ .‬فكلُّهم‬
‫أالوتاد‪ ،‬واثنان منهم إال مامان‪ ،‬وواحد منهم القطب‪ ،‬الذي هو موضع نظر الح ِّق من العالم‪ٕ .‬اذن‬
‫واحد من هؤالء أالربعة‪ ،‬الذين هم ٕادريس وعيسى والياس والخضر‪ ،‬هو القطب‪ ،‬وهو ٔاحد‬
‫ٔاركان بيت الدين‪ ،‬وهو ركن الحجر أالسود؛ واثنان منهم هما إال مامان‪ ،‬ؤاربعتهم هم أالوتاد‪.‬‬
‫فبالواحد يحفظ الله إال يمان‪ ،‬وبالثاني يحفظ الله الوالية‪ ،‬وبالثالث يحفظ الله النبوة‪ ،‬وبالرابع‬
‫يحفظ الله الرسالة‪ ،‬وبالمجموع يحفظ الله الدين الحنيف‪ .‬ولك ِّل واحد من هؤالء أالربعة من‬
‫‪.‬‬ ‫هذه أالمة في ك ِّل زمان شخص ولي على قلبه مع وجوده‪ ،‬هو نائبه‬

‫ويع ِّقب شودكي ِفتش بقوله ٕان كانت هذه الشخصيات أالربع التي ذكرها ابن عربي –‬
‫اثنتان منها‪ٔ ،‬اي ٕادريس وعيسى‪ ،‬في السموات‪ ،‬واثنتان‪ ،‬هما الياس والخضر‪ ،‬في أالرض –‬
‫تعيش مستورة عن ٔاعين العامة‪ٕ ،‬اال ٔانه – للمرة أالولى – ُيشار ٕالى الوظائف العليا لهذه‬
‫الشخصيات‪ .‬وهكذا ُيع ِلمنا ابن عربي بوجود أالنبياء أالحياء بٔاجسامهم في الدنيا‪ ،‬ؤانه بهم‬
‫يحفظ الله ٔاركان بيت الدين الحنيف‪ .‬ثم ٔاعلمنا كذلك بوجود نَّواب من أالولياء لهؤالء‬

‫أالنبياء‪ .‬ذلك كلُّه يؤكد عالقة النبوة بالوالية‪ ،‬ؤان دائرة الوالية ليست مستقلة‪ ،‬ولكنها تابعة‬
‫ٕالى ٓاخر الزمان لسلطة أالنبياء أالحياء بعد موت محمد )ص‪).‬‬

‫ثم يتابع شودكي ِفتش ابن عربي في تصويره لجغرافية العالم الروحي‪ ،‬ويتت َّبع توزيع أالدوار‬
‫بين هؤالء أالنبياء أالربعة‪ :‬فٕادريس )ع( هو القطب‪ ،‬وإال مامان هما عيسى والياس )عليهما‬
‫السالم(‪ ،‬والوتد الرابع هو الخضر )ع(‪ .‬القطب عليه يدور الوجود‪ ،‬ويجمع في شخصه ك َّل‬
‫أالحوال‪ ،‬وك َّل المقامات‪ ،‬وهو "وجه بال قفا"‪ ،‬ال يغيب عن نظره شيء‪ ،‬ال تُطوى له أالرض‪،‬‬
‫وبناء على ٔامر ٕالهي فقط‪ ،‬القوى‬
‫وال يمشي في الهواء ٔاو على الماء‪ ،‬وال يستخدم ٕاال ناد ‪ً،‬را ً‬
‫الخارقة‪ .‬وإال مامان‪ٔ ،‬احدهما ٔاعلى من الثاني‪ ،‬وهما‪ٕ :‬امام الشمال الذي يلقَّب بـ"عبد الرب"‪،‬‬
‫وهو يسهر على "صالح العالم"؛ وٕامام اليمين يلقَّب بـ"عبد الملك"‪ ،‬وهو يسهر على "عالم‬
‫أالرواح‪".‬‬

‫وهؤالء أالوتاد أالربعة – القطب وإال مامان ورابعهم الوتد – هم كالجبال لٔالرض‪ :‬فكما‬
‫سكن أالرض‪ ،‬فال تميد‪ ،‬كذلك هؤالء أالربعة يحفظ الله بهم الجهات أالربع‪:‬‬ ‫الجبل ُي ِ‬
‫‪.‬‬ ‫الشرق‪ ،‬الغرب‪ ،‬الجنوب‪ ،‬الشمال‬

‫و ُينهي شودكي ِفتش هذا الفصل بلفتة ابن عربي التحذيرية‪ .‬فك ُّل ما يذكره هنا من‬
‫مقامات الرجال تحت اسم "الرجال" قد يكون منهم النساء‪ .‬ويقول في مكان ٓاخر‪" :‬ال توجد‬
‫صفة روحية يمتلكها الرجل وليس للمرٔاة فيها مشرب‪ ".‬ويقول‪" :‬النساء لها نصيب في ك ِّل‬
‫الدرجات التي ينالها الرجل‪ ،‬حتى في القطبية‬
‫"‪.‬‬

‫ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺴﺎﺑﻊ‪" :‬ﺍﻟﺪﺭﺟﺔ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ" )ﺹ ‪(١٢٩-١٤٣‬‬


‫في هذا الفصل يتابع شودكي ِفتش تفصيل الرجال ومنازلهم ومراتبهم عند ابن عربي‪،‬‬
‫يعدد ابن عربي حوالى ثمانين‬
‫ِّ‬ ‫منطلقًا من الباب الثالث والسبعين من الفتوحات‪ .‬ففي هذا الباب‬

‫مرتبة من مراتب الرجال الروحانيين‪ ،‬من بينها ثالثون محفوظة برجال يتق َّيدون في ك ِّل زمان‬
‫يفصل ك َّل ما ٔا ْو َر َد ابن عربي‪ ،‬لذلك اختار‬
‫بعدد مخصوص‪ .‬وحيث ٕان الكاتب ال يمكن ٔان ِّ‬
‫من هذه المراتب وهؤالء الرجال أالهم والذين يساهمون في توضيح ك ِّلية صورة الوالية‪.‬‬

‫وبعد الكالم على أالوتاد أالربعة التي َس َب َق تفصيل ُها في الفصل السابق‪ ،‬يتابع‬
‫شودكي ِفتش ابن عربي في الكالم على أالبدال‪ ،‬وهم سبعة‪ ،‬ال يزيدون وال ينقصون‪ ،‬يحفظ الله‬
‫تعالى بهم أالقاليم السبعة )= أالقاليم المناخية السبعة(؛ وك ُّل بدل "على قدم" نبي‪ :‬أالول على‬
‫قدم ٕابراهيم‪ ،‬والثاني على قدم موسى‪ ،‬والثالث على قدم هارون‪ ،‬والرابع على قدم ٕادريس‪،‬‬
‫والخامس على قدم يوسف‪ ،‬والسادس على قدم عيسى‪ ،‬والسابع على قدم ٓادم‪ ،‬على الك ِّل‬
‫السالم‪ .‬وتتٔاكد هنا‪ ،‬مرة جديدة‪ ،‬عالقة التبعية التي بين أالولياء وأالنبياء‪ .‬هناك‪ ،‬ك ُّل ولي من‬
‫أالوتاد أالربعة ينوب عن النبي ِّ‬ ‫الحي بجسمه؛ وهنا‪ ،‬ك ُّل بدل من أالبدال السبعة على قدم نبي‬
‫‪.‬‬ ‫من أالنبياء السبعة‪ ،‬سكان السموات السبع‬
‫ثم ئاتي بعد أالبدال‪ ،‬النقباء‪ ،‬وهم اثنا عشر ً‬
‫نقيبا في ك ِّل زمان‪ ،‬ال يزيدون وال ينقصون‪،‬‬
‫على عدد بروج الفلك‪ ،‬ك ُّل نقيب بخاصية ك ِّل برج‪ .‬وبعد النقباء ئاتي النجباء‪ ،‬وهم ثمانية؛ ثم‬
‫شخصا في ك ِّل زمان‪ .‬ثم‬
‫الحواريون‪ ،‬وهو واحد في ك ِّل زمان؛ ثم الرجبيون‪ ،‬وهم ٔاربعون‬ ‫ً‬
‫يتكلَّم على أالفراد‪ ،‬المساوين للقطب في المرتبة والخارجين عن نظره؛ ثم على المالمية؛ حتى‬
‫يصل ٕالى ٔاعلى درجات الوالية‪ ،‬وهي مقام القُربة عند ابن عربي‪ .‬وهنا يؤكد شودكي ِفتش على‬
‫معنى الوالية الصوفية‪ ،‬ؤانها تعني وتُرا ِدف القرب‪ .‬فالوالية هي القرب‪ .‬وهذا التعريف للوالية‪،‬‬
‫الذي استقاه من كتابات ابن عربي واستوحاه من ٔاعلى مقامات الوالية‪ ،‬يتردد ٔاكثر من مرة في‬

‫هذا الكتاب‬

‫‪.‬‬

‫ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺜﺎﻣﻦ‪" :‬ﺍﻷﺧﺘﺎﻡ ﺍﻟﺜﻼﺛﺔ" )ﺹ ‪(١٤٦-١٥٨‬‬


‫بعد ٔان تت َّبع شودكي ِفتش نصوص ابن عربي‪ ،‬وب َّين معنى الوالية وهويتها وأالنماط‬
‫الروحية لشخصياتها‪ ،‬من جهة‪ ،‬ثم تكلَّم‪ ،‬من جهة ثانية‪ ،‬على مهام أالولياء الروحية‪ ،‬وب َّين‬
‫ارتباط أالولياء في مهامهم بأالنبياء‪ ،‬ثم ب َّين توزيع أالولياء على منازل‪ ،‬تت َّبع أالرض وجغرافيتها‬
‫في الجهات وأالقاليم‪ ،‬كما وردت عند الجغرافيين العرب‪ٔ ،‬امثال االصطخري وابن حوقل‪،‬‬
‫وتت َّبع السماء وجغرافيتها في أالبراج‪ ،‬كما َو َر َد ْت عند المؤلِّفين العرب‪ ،‬كاليعقوبي والبيروني –‬
‫بعد تلك الفصول السبعة السالفة التي رسمت كرة الوالية‪ ،‬بخطوط طولها وعرضها‪ ،‬يصل‬
‫ليبحث موضوع ختم الوالية‪ٔ ،‬او "ٔاختام الوالية"‪ ،‬على صيغة الجمع‪ ،‬ويرى ٔان الوالية‪ ،‬بحسب‬
‫نصوص ابن عربي‪ ،‬وبعد المتابعة التاريخية‪ ،‬مثلَّثة الختم‪.‬‬

‫ٕان عبارة "ختم الوالية" لمَتِرْد في قرٓان ٔاو حديث؛ ولكن لما كان العلماء هم أالولياء‬
‫عند ابن عربي‪ ،‬وهم ورثة أالنبياء‪ ،‬ولما كانت النبوة ُخ ِت َم ْت بشخص سيدنا محمد )ص(‪ ،‬ينشٔا‬
‫عن ذلك ٔان تُخ َتم الوالية بشخص الختم‪ .‬والترمذي )القرن الثالث الهجري( هو ٔاول من وصل‬
‫ٕالى هذه النتيجة؛ ولكن نصوصه تشير وال توضح‪ ،‬يطرح السؤال وال يجيب‪ .‬والسؤال رقم ‪١٣‬‬
‫في ٔاسئلة الترمذي‪ ،‬يقول‪ :‬و َمن الذي يستحق خاتم أالولياء كما يستحق محمد )ص( خاتم‬
‫‪:‬‬ ‫النبوة؟ يقول ابن عربي‬
‫في الجواب‬

‫الختم ختمان‪ :‬ختم يختم الله به الوالية‪ ،‬وختم يختم الله به الوالية المحمدية‪ .‬فٔاما‬
‫ختم الوالية على إال طالق فهو عيسى عليه السالم؛ فهو الولي بالنبوة المطلقة في زمان هذه‬
‫أالمة‪ .‬وقد حيل بينه وبين نبوة التشريع والرسالة‪ ،‬فينزل في ٓاخر الزمان وارث ًا خات ًما‪ ،‬ال ولي بعده‬

‫بنبوة مطلقة‬

‫]‪. [...‬‬

‫ٔاما ختم الوالية المحمدية فهي لرجل من العرب‪ ،‬موجود في زمان ابن عربي‪ .‬ويتابع‬
‫الشيخ أالكبر‪:‬‬

‫وكما ختم الله – ع َّز وج َّل – بمحمد )ص( نبوة الشرائع‪ ،‬كذلك ختم الله بالختم‬
‫المحمدي الوالية التي تحصل من الوارث المحمدي‪ ،‬ال التي تحصل من سائر أالنبياء‪ ،‬وذلك‬
‫ٔالنه من أالولياء َمن يرث ٕابراهيم ٔاو عيسى ٔاو موسى؛ فهؤالء يوجدون بعد هذا الختم‬
‫المحمدي‪ ،‬ولكن ال يوجد بعده ولي على قلب ٔاو على قدم محمد )ص‪).‬‬

‫‪.‬بمعنى ال يوجد ولي يرث كامل إال رث المحمدي‬

‫وهكذا تتضح الرؤية‪ :‬فختم الوالية المحمدية هو شخص لم يتح َّدد بشكل قاطع عند‬
‫ابن عربي – وهو الذي ال يوجد بعده ولي على قلب محمد )ص(؛ وختم الوالية العامة‪ ،‬الذي‬
‫‪.‬هو عيسى‪ ،‬والذي ال يوجد بعده ولي مطلقًا‬

‫مستوضحا العالقة بين ختم الوالية العامة وبين‬


‫ثم يتابع شودكي ِفتش ُخطى ابن عربي‪،‬‬ ‫ً‬
‫ختم الوالية المحمدية‪ ،‬من ناحية‪ ،‬ثم بين خاتم أالنبياء وبين ختم الوالية المحمدية‪ ،‬من ناحية‬
‫ظاهرا – "خاتم أالنبياء"‪ ،‬وهو ٔا ً‬
‫ثانية‪ ،‬ليخلص ٕالى القول بٔان محمد )ص( هو – ً‬ ‫يضا‪ ،‬من حيث‬
‫الباطن‪ ،‬خاتم الوالية العامة والوالية المحمدية؛ وظهور ختمية نب َّوته و ُبطون ختمية واليته تجد‬
‫تفسيرها في ٔان نب َّوته )ص( ظاهرة؛ فظهرت بالتالي ختميته لها‪ ،‬ؤان واليته )ص( باطنة‪،‬‬

‫َفب ُط َن ْ‬
‫ت‪ ،‬بالتالي‪ ،‬ختميته للوالية‪.‬‬

‫ثم ينتقل شودكي ِفتش للكالم على ختم ثالث يشارك ختمي الوالية المحمدية والوالية‬
‫العامة في عنوان هذا الفصل‪" :‬أالختام الثالثة"‪ .‬والخاتم ٔاو "الختم" الثالث لم يذكره ابن عربي‬
‫‪ٕ:‬اال مرة واحدة‪ ،‬وهو "ختم أالوالد"‪ .‬يقول ابن عربي‬

‫على قدم شيث يكون ٓاخر مولود من هذا النوع إال نساني‪ ،‬وهو حامل ٔاسراره‪ ،‬وليس‬
‫بعده ولد في هذا النوع‪ .‬فهو خاتم أالوالد‪ .‬وتولد معه ٔاخت له فتخرج قبله‪ ،‬ويخرج بعدها‪،‬‬
‫يكون رٔاسه عند رجليها‪ .‬ويكون مولده بالصين‪ ،‬ولغته لغة ٔاهل بلده‪ .‬ويسري العقم في الرجال‬
‫والنساء‪ ،‬ويكثر النكاح من غير والدة‪ .‬هذا الخاتم يدعو الناس ٕالى الله فال ُيجاب‪ .‬فٕاذا َق َب َضه‬
‫الله تعالى و َق َب َ‬ ‫ض مؤمني زمانه‪ ،‬بقي من بقي مثل البهائم؛ وال ُي ِحلُّون حالال ً‪ ،‬وال يح ِّرمون‬
‫حرا ًما‪ ،‬يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل والشرع‪ .‬وعلى هؤالء الناس تقوم‬
‫الساعة‪.‬‬

‫ويعلق شودكي ِفتش بٔان عبارة "على قدم شيث"" التي تم ِّيز خلق "خاتم أالوالد" تشير‪،‬‬
‫يضا ولي "شيثي"‪ ،‬ولن بما نفهمه من لغة ابن عربي‪ٕ ،‬الى ٔان خاتم أالوالد هو من أالولياء‪ ،‬وهو ٔا ً‬
‫ُيخ َلق بعده ٔا ُّي رجل‪ ،‬وبالتالي ٔا ُّي ولي‪ ،‬فيختم ٕاذن‪ ،‬هو ٔا ً يضا‪ ،‬الوالية‪ .‬ويتساءل شودكي ِفتش‪:‬‬
‫كيف نستطيع هاهنا ٔان نو ِّفق بينه وبين عيسى الذي يختم الوالية العامة؟ وتظل القضية معلَّقة‪،‬‬
‫يرجع ٕاليها عند بحثه لختم الوالية المحمدية الذي ُيف ِر ُد له الفصل التالي‪ .‬ولكن شودكي ِفتش ال‬
‫يعطينا جوا ًبا عن هوية خاتم أالوالد‪ ،‬كما لم تعطنا ٔا َّي جواب ك ُّل النصوص القديمة والشروح‬
‫التي تناولت فصوص الحكم بالبحث والدراسة‪ ،‬وك ُّل أالسماء الكبيرة‪ٔ ،‬امثال القونوي‪ ،‬بالي‬
‫‪.‬‬ ‫ٔافندي‪ ،‬القاشاني‪ ،‬النابلسي‪ ،‬القيص‬
‫ري‬

‫ؤارى هنا‪ ،‬استنا ًدا ٕالى هذا‬ ‫َّ‬ ‫النص الوحيد الذي نمتلكه عن "خاتم أالوالد" والذي‬
‫تضاربت حوله الشروح‪ ،‬فرٔاى بعضهم ٔانه هو خاتم الوالية العامة‪ ،‬الذي قيل عنه ٕانه عيسى‪،‬‬
‫ورٔاى بعضهم آالخر ٔانه مجرد ولد يولد في ٓاخر الزمان‪ ،‬ورٔاى بعضهم الثالث ٔان العبارة بجملتها‬
‫رمزية‪ ،‬ؤان خاتم أالوالد هو القلب ؤاخته هي النفس‪ ،‬وهكذا – ٔارى ٔانه‪ ،‬على الرغم من ٔان ابن‬
‫يوض ح ماهية هذا الختم ويب ِّينها‪ٔ ،‬اسوة بأالختام الثالثة – ختم النبوة‪ ،‬وختم الوالية‬
‫ِّ‬ ‫عربي لم‬

‫العامة‪ ،‬وختم الوالية المحمدية – ٕاال ٔانه يمكنني‪ ،‬استنا ًدا ٕالى النصوص‪ٔ ،‬ان ٔارى بوضوح في‬
‫‪.‬عالم ابن عربي َمن‬
‫هو هذا الختم‬

‫ٔابدٔا بمقدمة ٔاولى وهي‪ٔ :‬ان ابن عربي يرى )الفتوحات ‪ٔ (٢: ٥٠‬ان لك ِّل شيء من الدنيا‬
‫خت ًما‪ ،‬وذلك ٔالنه لما كان للدنيا بدء ونهاية‪ ،‬وهو ختمها‪ ،‬فقد قضى الله – سبحانه – ٔان يكون‬
‫جميع ما فيها‪ ،‬بحسب نفسها‪ ،‬له بدء وختام‪ .‬وكان من جملة ما فيها تنزيل الشرائع؛ فختم‬
‫الله هذا التنزيل بشرع محمد )ص(‪ ،‬وكان من جملة ما فيها الوالية العامة‪ ،‬وهكذا‪ .‬ثم في‬
‫مقدمة ثانية‪ ،‬يرى ابن عربي ٔان بيت النوع إال نساني هو الدين‪ ،‬ؤان ٔاركان بيت الدين ٔاربعة‪،‬‬
‫وهي‪ :‬الرسالة والنبوة والوالية وإال يمان‪ .‬وقد كشف ابن عربي عن ٔاوتاد ٔاربعة‪ ،‬هم ٔاركان‬
‫الدين‪ ،‬وهم أالنبياء أالحياء بٔاجسامهم بعد انتقال نبينا محمد )ص(‪ ،‬وهم‪ٕ :‬ادريس وعيسى‬
‫والياس والخضر )وقد سبق الكالم على هذا الموضوع عند عرض الفصل السابع من هذا‬

‫‪).‬‬ ‫الكتاب‬

‫من هاتين المقدمتين‪ٔ ،‬استطيع ٔان ٔاخلص ٕالى نتائج واضحة توصلنا لتحديد هوية "ختم‬

‫‪":‬‬ ‫أالوالد‬

‫النتيجة أالولى‪ :‬حيث ٕان لك ِّل شيء في الدنيا خت ًما‪ ،‬ؤان "إال يمان" من جملة ما‬
‫‪.‬‬ ‫فيها‪ ،‬لذلك ُيخ َت َتم إال يمان بختم‪ ،‬تما ًما كالنبوة والوالية‬

‫النتيجة الثانية‪ٔ :‬اركان بيت الدين أالربعة‪ ،‬وهي‪ :‬الرسالة والنبوة والوالية وإال يمان‪،‬‬
‫وٕان كانت تُح َفظ في الدنيا بٔاركانها أالربعة وهم أالوتاد أالربعة‪ٕ ،‬اال ٔان ذلك لم يمنع ابن عربي‬
‫من ٔان يرى خت ًما لك ِّل ركن‪ .‬فالنبي – عليه الصالة والسالم – هو خاتم الركنين أالولين‪ٔ ،‬اي‬
‫خاتم الرسالة والنبوة‪ .‬والركن الثالث‪ٔ ،‬اي الوالية‪ ،‬له ختمان‪ :‬تُخ َتم الوالية العامة بعيسى )عليه‬
‫السالم(‪ ،‬وتُخ َتم الوالية المحمدية بشخص لم تقطع فيه النصوص‪ ،‬ويكون ٓاخر الورثة‬

‫المحمديين الكاملين‬
‫‪.‬‬

‫ونالحظ ٔان الركن الرابع لبيت الدين – وهو إال يمان – قد ظ َّل دون ختم‪ .‬فٔاين "خاتم‬
‫إال يمان" الذي ٔاشار ٕاليه ابن عربي؟ وٕاذا دقَّقنا النظر في صفات "خاتم أالوالد" الذي ٔاشار ٕاليه‬
‫ابن عربي‪ ،‬نرى ٔانه ينطبق تما ًما ليكون رابع أالختام‪ ،‬وتكتمل به فكرة الختمية‪ٔ ،‬الن كمال‬
‫أالوالد ِّ‬
‫التكوين في ك ِّل شيء يقوم على التربيع عند ابن عربي‪ .‬فخاتم ‪،‬‬
‫بنص ابن عربي‪ ،‬يدعو‬
‫ٕالى إال يمان‪ ،‬وما من ُمه َت ٍد وال مؤمن بعده‪ .‬فارتباط اسمه باسم إال يمان‪ ،‬ثم كلمة "خاتم" ٔامام‬
‫اسمه – كل ذلك يدعو ٔالن ٔامال ٔ به مكان "ختم إال يمان" الذي ظ َّل ً‬
‫شاغرا في بنية ابن عربي‬
‫فيفسرها كو ُن شيث ابن ٓادم هو ٔاول‬
‫شيث" ِّ‬
‫‪،‬‬ ‫وفي رؤيته للوالية ؤاختامها‪ٔ .‬اما عبارة "على قدم‬
‫ٔاوالد الجنس البشري الموجود عن التزاوج؛ وبخاتم أالوالد ُيخ َتم الجنس البشري الموجود عن‬
‫التزاوج‪ٔ ،‬النه بعد هذا الخاتم يسري العقم في الرجال والنساء‪ ،‬ويكثر النكاح من غير والدة‪.‬‬

‫ولي من أالولياء؟ فٕان كان ول ًّيا‪ ،‬فكيف يبقى ٔان نسٔال ٔانفسنا‪ :‬هل خاتم أالوالد هو ٌّ‬
‫يولد ولي وقد ُخ ِت َمت الوالية بعيسى‪ ،‬وعيسى )ع( يظهر قبله في الزمان؟ ومن ث َّم فقد َط َر َح هذا‬
‫مشكل ًة عند ِّ‬ ‫مفسري الفصوص‪ ،‬وحاول الجميع ٔان يجد عالقة ونسبة بين عيسى )ع( وبين‬
‫خاتم أالوالد‪ .‬ؤارى هنا ٔان الح َّل ئاتينا من القرٓان الكريم‪ ،‬ومن الفصل أالول الذي طرح فيه‬
‫شودكي ِفتش ٔان الوالية "اسم مشترك"‪ ،‬فنقول ٕان الولي اسم مشترك ُيط َلق على النخبة الروحية‬
‫التي ط َّهرها الله – ع َّز وج َّل – ؤانزلها في منازل قربه‪ ،‬وح َّملها أالمانات‪ .‬فخاتم أالوالد هو خاتم‬
‫إال يمان‪ :‬فال مؤمن بعده؛ وهو ولي‪ ،‬ولكن بالمعنى العام للوالية‪ٔ ،‬اي إال يمان‪.‬‬

‫ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ‪" :‬ﺧﺘﻢ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ ﺍﶈﻤﺪﻳﺔ" )ﺹ ‪(١٥٩-١٧٩‬‬


‫يترك شودكي ِفتش في هذا الفصل مهمة ختم الوالية ووظيفته‪ ،‬ويهتم بشخص هذا‬
‫الختم‪ .‬فٕان كان ختم الوالية العامة تح َّدد قط ًعا في نصوص ابن عربي بشخص عيسى )ع(‪،‬‬
‫فٕان شخص ختم الوالية المحمدية وردت إال شار ُة ٕاليه مرا ًرا؛ ولكن في ك ِّل مرة كان يذهب‬
‫للنص في حيرة! فٔاحيانًا يقول ابن عربي ٕانه التقى‬
‫التعيين ٕالى شخص مختلف‪ ،‬مما ٔاوقع المتت ِّبع ِّ‬

‫بشخص في فاس‪ ،‬هو ختم الوالية المحمدية؛ ؤاحيانًا ٔاخرى يقول عن نفسه ٕانه هو ختم الوالية‬
‫تهادت ٕاليه في رؤية منامية‪ ،‬ويؤكِّد‪ ،‬بعد وصوله ٕالى المشرق‪ٔ ،‬انه‬
‫مبش رات‬
‫ِّ‬ ‫المحمدية‪ ،‬ويورد‬ ‫ْ‬
‫‪.‬‬ ‫هو ختم‬
‫الوالية المحمدية‬

‫ثم يستعرض أالستاذ شودكي ِفتش مؤلَّفات الصوفية‪ ،‬وخاصة مؤلَّفات مؤ ِّيدي ابن عربي‬
‫وتالمذته‪ ،‬فيرى ٔان الشعراني في الطبقات يشير‪ ،‬عند ترجمته للصوفي الكبير محمد وفا )ت‬
‫‪ ٨٠١‬هـ(‪ٔ ،‬ان ابنه علي وفا يقول عن والده ٕانه ختم أالولياء‪ .‬وهذا ما حدث في معظم ال ُط ُرق‬
‫تظِهر رجاالتها الكبار على ٔانهم "ختم أالولياء"‪ .‬فك ُّل ٍ‬ ‫الصوفية‪ٕ :‬اذ كانت ُ‬
‫جمع تج َّمع حول‬
‫المتٔاخ رين رٔاى فيه مالمح الختم المحمدي‪ .‬وتالمذة ابن عربي‬‫ِّ‬ ‫ولي كبير من ٔاولياء الصوفية‬

‫ٍّ‬
‫كذلك يؤكدون ٔانه هو نفسه خاتم الوالية المحمدية‪ .‬ويكثر الجدال حول شخص الختم‪.‬‬
‫ويخرج أالستاذ شودكي ِفتش من هذا المٔازق بااللتفات ٕالى مفهوم "النيابة" عند ابن عربي‪،‬‬
‫و ُيثبِت ٔان شخص خاتم الوالية المحمدية هو ابن عربي‪ ،‬بما يحويه من وظائف الختم‪ ،‬ؤان ك َّل‬
‫عت لول ِّيها مقام الختم فهي ٕانما ترى فيه "نائب" الختم المحمدي‪ ،‬ترى على صفحة‬
‫طائفة ا َّد ْ‬
‫‪".‬‬ ‫واليته "القمرية" انعكاس صفات والية الختم "الشمسية‬
‫ﱠ‬
‫ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮ‪ ،‬ﻭـﻫﻮ ﺍــﻷﺧﲑ‪" :‬ﺍﻟﺴﻠﻢ ﺍﳌﺰﺩﻭﺝ" )ﺹ ‪(١٨١-٢٢١‬‬
‫يلخ ص شودكي ِفتش في مطلع هذا الفصل‪ ،‬وفي فقرة واحدة‪ ،‬خالصة نظرة ابن عربي‬ ‫ِّ‬
‫ٕالى الوالية‪ ،‬ويرى ٔانها انتظمت على مفاهيم ثالثة‪ :‬الوراثة‪ ،‬النيابة‪ ،‬ال ُق ْربة‪ .‬فالوراثة ٔالحد‬
‫أالنماط النبوية في معرفة الله – ع َّز وج َّل – ِّ‬ ‫تفسر ٔاشكال الوالية وسبب وجودها على ٔانماط‬
‫وتفسر‬
‫متنوعة؛ والنيابة‪ ،‬التي هي نيابة الولي في وظيفة‪ ،‬ترجع في الواقع ٕالى الحقيقة المحمدية ِّ‬
‫مهمات الوالية ووظائفها؛ و ٔا ً‬
‫خيرا ال ُق ْربة‪ ،‬وهي حقيقة الوالية ومعناها‪ .‬وهذه ال ُق ْربة‪ ،‬التي سبق‬
‫‪.‬الكالم عليها عند كالمنا على الدرجة العليا للوالية‪ ،‬سوف تظهر لنا هنا في كامل تف ُّتحها‬

‫ونالحظ نحن هنا ٔان أالستاذ شودكي ِفتش‪ ،‬بعد ٔان شرح في الفصول التسعة المتقدمة‬
‫من كتابه معنى الوالية لغو ًّيا‪ ،‬ثم ب َّين طبيعتها ؤاشكالها ووظيفتها‪ ،‬ثم بحث في منازل أالولياء‬
‫وتوُّزعهم على ٔابعاد أالرض والسماء‪ ،‬يصل هنا ٕالى نهاية المطاف‪ ،‬ليرسم للقارئ طريق الوالية‪:‬‬
‫ًَّسا ٕاال ٔان هذا الوادي‬
‫ٕان الوالية‪ ،‬التي انتشٔات صو ُرها من فقرات فصوله‪ ،‬وٕان كانت واد ًيا مقد ‪،‬‬
‫ليس محظو ًرا على السالكين؛ فالطريق مفتوح ل َمن ٔاراد ٔان يحمل زا َده ويرحل‪ :‬يرحل عن‬
‫الكون ٕالى الله؛ وبعد ٔان يقطع مسافات في ٔارض الوجدان‪ ،‬يعرف ٔان الولي هو القريب من‬
‫الله‪ ،‬القريب من إال نسان‪ .‬وهذا ما سينتهي ٕاليه شودكي ِفتش في تت ُّبعه لنصوص الشيخ أالكبر‪.‬‬

‫كيف نصبح ٔاولياء؟ الوالية‪ ،‬قبل كِّل شيء‪ ،‬هي تجربة فردية ومجهود شخصي؛ وهي‬
‫ٔابدا‪ ،‬وال يسلك‬
‫دائ ًما غير مسبوقة بمثال‪ .‬وهذا ما يؤكد عليه ابن عربي دائ ًما‪ :‬فال تتكرر تجربة ً‬
‫ٔابدا طريق ٍ‬ ‫ٌ‬
‫ُرقسالك ً‬ ‫سالك ٓاخر‪ ،‬وال يمر سالكان بطريق واحد‪ .‬غير ٔان هذه الفردية في ال ُط‬
‫الموصلة ٕالى القُرب والوالية ال تمنع من وجود ٔانماط طرائقية‪ ،‬يجمع ك َّل نمط منها مقاماتُه‬
‫ومخاطره‪ .‬وهذا ما يب ِّرر وجود الشيخ المرشد المر ِّبي‪ٔ ،‬اي "المعلِّم الروحي" الخبير بٔانماط‬
‫طرائق المجاهدات‪ .‬ومن ناحية ثانية‪ ،‬يظهر المعراج النبوي على ٔانه القدوة والمثال لك ِّل طريق؛‬
‫وك ُّل عروج وتر ٍّق يطمح ٕالى تق ُّرب ووالية يرقى في هذه المعارج‪ .‬وهذا ما سيتَّضح‪ ،‬كما يقول‬
‫شودكي ِفتش‪ ،‬عند بحث مقامات القُرب عند ابن عربي‪.‬‬

‫ئاخذ شودكي ِفتش كتاب ابن عربي رسالة أالنوار ويحاول‪ ،‬استنا ًدا ٕاليه وٕالى كتاب‬
‫يخط طريقًا للوالية‪ .‬ويؤكِّدَّ إال سرا ٕالى المقام أالسرى وٕالى فصل من الفتوحات‪ٔ ،‬ان‬
‫شودكي ِفتش على ضرورة ٔان يصل الولي ٕالى تمام الوالية‪ :‬فهو يرى – استنا ًدا ٕالى النصوص – ٔان‬
‫الولي الكامل هو الذي سلك ٕالى ِّ‬ ‫رب العزة‪ ،‬ووصل ٕالى حضرته تعالى‪ ،‬ورجع به من عنده ٕالى‬
‫خلقه من غير مفارقته‪ .‬بكالم ٓاخر‪ :‬الولي الكامل هو الواصل ٕالى الحق‪ ،‬الراجع ٕالى الخلق‪.‬‬

‫يبدٔا شودكي ِفتش ببيان الطريق للسالك‪ ،‬منذ بداياته‪ ،‬كما َّ‬
‫فصله ابن عربي في رسالة‬
‫‪:‬‬ ‫أالنوار‪ ،‬حي‬
‫ث يقول لسائله‬

‫فٔاول ما ٔاب ِّينه لك كيفية السلوك ٕالى الله‪ ،‬ثم كيفية الوصول والوقوف بين يديه والجلوس‬
‫في بساط مشاهدته‪ ،‬وما يقوله لك‪ ،‬وكيفية الرجوع من عنده ٕالى حضرة ٔافعاله به وٕاليه‪،‬‬
‫‪.‬واالستهالك فيه‪ ،‬وهو مقام دون‬
‫الرجوع‬

‫ثم يقول‬

‫‪:‬‬

‫الكريم ٔان الطرق شتى‪ ،‬والطريق الموصل ٕالى الح ِّق هو مفرد‪ ،‬ؤافراد‬‫‪،‬‬ ‫واعلم‪ٔ ،‬ايها أالخ‬
‫هم الذين يسلكون طريق الحق‪ .‬ومع ٔان طريق الح ِّق واحد فٕان وجوهه تختلف بحسب‬
‫وضعفها ٔاو استقامة الهمة‬
‫‪،‬‬ ‫اختالف سالكيه من اعتدال المزاج ٔاو انحرافه‪ ،‬ومن قوة الروحانية‬
‫وميلها‪ .‬فمن السالكين من تجتمع له هذه أالوصاف‪ ،‬ومنهم من يكون له بعضها؛ فقد يكون‬
‫‪.‬‬ ‫مطلب الروحانية شريفًا‪ ،‬ولكن ال يساعده المزاج – وهكذا في ك ِّل ما بقي‬

‫ؤاول ما يبدٔا به ابن عربي هو تعريف السالك بٔا َّمهات ال َمواطن‪ٔ ،‬اي يعِّرفه من ٔاين جاء‪،‬‬
‫ؤاين هو‪ ،‬وٕالى ٔاين يذهب‪ ،‬حتى يعرف السالك ما يقتضيه ك ُّل موطن‪ ،‬فيستعد لمعاملة الموطن‬
‫‪:‬‬ ‫الذي هو فيه بما يتناسب ويليق‪ .‬ويقول ابن عربي للسالك من ِّب ًها‬

‫ينبغي لك ٔان تعرف ما يريده الح ُّق منك في ذلك الموطن‪ ،‬ف ُتبا ِدر ٕاليه من غير تثبيط وال‬
‫كلفة‪ .‬وال َمواطن ترجع ٕالى ستة‪ :‬أالول هو موطن "ٔالست بربكم"؛ والموطن الثاني هو الدنيا‬
‫التي نحن آالن فيها؛ والثالث هو عالم البرزخ الذي نصير ٕاليه بعد الموت اال ٔصغر‪ٔ ،‬اي الموت‬
‫السلوكي‪ ،‬والموت أالكبر‪ٔ ،‬اي موت البدن وانتقاله؛ والموطن الرابع هو ٔارض الحشر؛ والموطن‬
‫الخامس هو الجنة والنار؛ والسادس هو موطن الكثيب خارج الجنة‪ ،‬وهو ت ٌّل من مسك ٔابيض‬
‫‪.‬‬ ‫تكون الخالئق عليه عند رؤية الح ِّق سبحانه‬
‫وتعالى‬

‫وبيان ابن عربي لهذه ال َمواطن الستة التي ينزلها ك ُّل كائن تسهم – على ما يقول‬
‫– في تنبيه السالك ٕالى مخاطر الطريق الصوفي‪ .‬فك ُّل عاقل‪ ،‬كما يقول ابن عربي‪،‬‬ ‫شودكي ِفتش‬
‫يعلم ٔان السفر مبني على المشقة والمحن والباليا وأالخطار وأالهوال‪ ،‬ؤانه من المحال‬ ‫عليه ٔان‬
‫يضا ٔان ال يستعجل المشاهدة والفتح‪ ،‬بل يعمل‬
‫ٔاو يلتذ‪ ،‬ؤان عليه ٔا ً‬ ‫ٔان يتن َّعم المسافر ٔاو يستريح‬
‫العلم‪ٔ ،‬الن الوقت في هذه الدنيا يجب ٔان َّ‬ ‫على تحصيل‬
‫يخصص لتحصيل العلوم الروحية‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫يتجلَّى الله – ع َّز وج َّل – فيه لك ِّل ٕانسان في صورة عقيدته‬ ‫استعدا ًدا ليوم البعث‪ ،‬حيث‬

‫وبعد ٔان يشرح ابن عربي للسالك ال َمواطن‪ ،‬وين ِّبهه على المخاطر وعدم طلب‬
‫المشاهدة‪ ،‬ويدعوه لاللتفات ٕالى العلم‪ ،‬يعطيه بعض القواعد التطبيقية التي تساعده في طريقه‬

‫‪:‬‬ ‫ٕالى الله‪ .‬يقول له‬

‫ال ب َّد لك من العزلة عن الناس وٕايثار الخلوة على الصحبة‪ .‬فٕانه على َق ْدر ُبعدك من‬
‫ظاهرا وباط ًنا‪ .‬ؤاول ما يجب عليك ُ‬
‫الخلق يكون قربك من الح ‪ِّ،‬ق ً‬ ‫طلب العلم الذي تقيم به‬
‫طلبه خاصة‪ ،‬ال تزيد على ذلك شي ًئا –‬
‫طهارتك وصالتك وصيامك وتقواك‪ ،‬وما يفرض عليك ُ‬
‫وهذا هو ٔاول باب الطريق والسلوك‪ .‬وئاتي بعده العمل به‪ ،‬ثم الورع‪ ،‬ثم الزهد‪ ،‬ثم التوكل‪.‬‬
‫وفي ٔاول حال من ٔاحوال التوكل يصبح يحصل لك ٔاربع كرامات‪ ،‬هي الدليل على حصولك‬
‫ٔاول درجة في التوكل‪ ،‬وهي‪ :‬طي أالرض‪ ،‬والمشي على الماء‪ ،‬واختراق الهواء‪ ،‬وأالكل من‬
‫‪.‬الكون‪ .‬ثم‪ ،‬بعد ذلك‪ ،‬تتوالى عليك المقامات وأالحوال والكرامات والتن ُّزالت ٕالى الموت‬

‫ويرافق ابن عربي السالك معه على طريق الحضرة‪ :‬فٕان حقَّق شروط الخلوة‪ ،‬وتحفَّظ‬
‫من الخياالت الفاسدة‪ ،‬واشتغل بذكر الله‪ ،‬وراعى اعتدال المزاج‪ ،‬وف َّرق بين الواردات‬
‫الروحانية الملكية والواردات الروحانية النارية الشيطانية‪ ،‬وحفظ عقيدته في الله عند دخوله‬
‫الخلوة بٔان الله "ليس كمثله شيء"‪ ،‬ولم يطلب في الخلوة من الله سواه‪ ،‬ولم يعلق َو َل ُه اله َّمة‬
‫بغيره – ٕاذا حقق السالك ذلك كلَّه فٕان الله – ع َّز وج َّل – يبتليه بٔاشياء يفتنه فيها؛ فعليه ٔان ال‬

‫يقف مع شيء‪ .‬ومن أالشياء التي يعرضها الله على السالك ابتالء ٔان يكشف له عن العالم‬
‫الحسي الغائب عنه‪ ،‬فال تحجبه الجدران والظلمات ع َّما يفعله الخلق في بيوتهم؛ ثم ينتقل من‬
‫ِّ‬
‫الكشف‬ ‫الحسي ٕالى الكشف الخيالي‪ ،‬وتتن َّزل عليه المعاني العقلية بالصورِّ‬ ‫الحسية؛ ثم ِّ‬
‫كش ف له ٔاسرار أالحجار المعدنية‪ ،‬فيعرف س َّر ك ِّل حجر وخاص َّيته في المضا ِّر والمنافع؛‬ ‫تُ َ‬
‫ُيكش ف له عن النباتات‪ ،‬وتناديه ك ُّل عشبة بما تحمله من خواص المضا ِّر والمنافع؛ و ُير َفع له‬ ‫و َ‬
‫عن الحيوانات‪ ،‬فتسلِّم عليه وتع ِّرفه بما تحمله من الخواص‪ .‬وهكذا ك ُّل عا َلم يع ِّرف السالك‬
‫‪.‬‬
‫بحمده وتسبيحه‬
‫ثم ُي ِ‬
‫داخل شودكي ِفتش بين رسالة أالنوار وبين الفتوحات المكية‪ ،‬ليخرج منهما برؤية‬
‫الحسي –‬
‫مكتملة للطريق الصوفي‪ :‬فالسالك‪ ،‬حين يقطع هذه الممالك أالربعة من العالم‬ ‫ِّ‬
‫مملكة المعادن والنبات والحيوان وإال نسان‪ ،‬المتمثِّل بالسالك نفسه – يوازي المرحلة أالولى‬
‫من المعراج – هذه المرحلة التي توصل ٕالى السماء أالولى‪ .‬وهكذا ك ُّل مرحلة من مراحل‬
‫رسالة أالنوار يمكن مقارن ُتها ومقابل ُتها بمراحل السموات السبع التي يرقاها السالك في المعراج‬
‫الوارد في الفتوحات المكية‪ .‬فالعارج في الفتوحات ال يصل ٕالى السماء أالولى ٕاال بعد ٔان‬
‫ُيكش ف له‬‫يتحلَّل ويترك مركبات تكوينه‪ :‬يترك ماءه وترابه وناره وهواءه‪ .‬كذلك هنا‪ٔ ،‬اول ما َ‬
‫عن عوالم المعادن والنبات والحيوان؛ فٕان لم يجت ْزها‪ ،‬ووقف مع ٔا ِّي عا َلم منها‪ ،‬فٕانه ُيق َطع عليه‬
‫الطريق‪ .‬فاجتياز العوالم ومفاتنها في رسالة أالنوار يقابل تحلُّل السالك من مركبات تكوينه في‬
‫الفتوحات‪ .‬ويتابع شودكي ِفتش المداخلة بين الفتوحات وبين رسالة أالنوار‪ ،‬كشفًا بكشف‪،‬‬
‫وسماء بسماء‪ ،‬حتى ينتهي ٕالى نهاية العروج إال نساني‪ .‬وهنا إال نسان‪ ،‬في نهاية معراجه‪ ،‬ال‬
‫يبقى منه ٕاال الس ُّر إال لهي الذي ال يتحلَّل وال ينقسم – هذا الس ُّر المنفوخ منذ بداية الخليقة في‬

‫طينة ٓادم‬

‫‪.‬‬

‫وٕاذا كان الوصول ٕالى الله هو نقطة النهاية في سلَّم العروج‪ ،‬فهو ليس نهاية الطريق‪ ،‬بل‬
‫الوصول الكامل‬ ‫يتجسد في سلَّم مزدوج‪ :‬عندما يصل الولي ٕالى القمة‪ ،‬عليه ٔان يرجع درجة َّ‬
‫درجة؛ ولكن هنا ال يرجع على نفس الدرجات التي صعد عليها‪ .‬فالسالك ٔاو الولي يصعد وهو‬
‫‪.‬‬ ‫يرى بعين نفسه‪ ،‬ويرجع وهو يرى‬
‫بعين ر ِّبه‬

‫وكما تحلَّل السالك من ٔاثوابه كافة قبل عروجه‪ ،‬فترك ماءه وترابه وناره وهواءه‪ ،‬حتى‬
‫واحدا‪" ،‬يتركَّب"‬
‫ً‬ ‫واحدا‬
‫ً‬ ‫بقي س ًّرا ٕاله ًّيا صر ًفا غير ممزوج‪ ،‬نراه‪ ،‬عند رجوعه‪ ،‬يلبس ٔاثوابه‪،‬‬
‫حتى يعود ٕالى العالم المركَّب‪ .‬ولكن التحليل والتركيب هما سلَّم مزدوج‪ ،‬يصعد فيه السالك‬
‫بدرجات وينزل بدرجات مقابلة‪ ،‬كٔانها هي وليست هي‪ .‬ويعود السالك‪ ،‬يرجع الولي‪ ،‬من‬
‫الوصول كٔانه هو‪.‬‬

‫فالوالية‪ ،‬على ح ِّد ما يع ِّرف بها شودكي ِفتش مرا ًرا في هذا الكتاب‪ ،‬هي ُق ْرب‪ ،‬ولكنه‬
‫قرب مزدوج‪ :‬قرب من الله‪ ،‬وقرب من الناس‪ .‬فٕاذا كان "إال نسان الكامل" شجرة ٔاصلها ثابت‬
‫في أالرض وفرعها في السماء‪ ،‬والحقيقة المحمدية " ً‬
‫برزخا" بين الح ِّق والخلق‪ ،‬فالولي وريث‬
‫يجمع أالعلى وأالسفل‪ .‬و ُينهي شودكي ِفتش كتابه بٔان الوالية‪ ،‬و ٕان حملها الولي معه ٕالى ما بعد‬
‫الدنيا ٕاال ٔانه لها نهاية وختم في هذه الدنيا‪ .‬فمع مجيء الختم أالول‪ٔ ،‬اصبحت ٔاشكالها العليا‬ ‫‪،‬‬
‫والكاملة ممنوعة ٕالى أالبد؛ ومع مجيء الختم الثاني ُٔاق ِف َل نهائ ًّيا مقام القُر َبة‪ ،‬وهو ٔاعلى مقامات‬
‫القرب؛ وعندما يقبض الله َ‬ ‫روح الختم الثالث‪ ،‬الذي هو ٓاخر مولود من الجنس البشري‪ ،‬وتصير‬
‫الناس كالبهائم‪ ،‬و ُيمحى القرٓان والعلم من القلوب‪ ،‬يصبح عالمنا فار ًغا من ك ِّل ما يربط أالرض‬
‫بالسماء‪ ،‬عال ًما بار ًدا يغرق في الموت‪ :‬نهاية أالولياء ليست ٕاال اسم ٓاخر لنهاية العالم‬
‫‪.‬‬

‫وقبل ٔان نطوي صفحات الوالية‪ٔ ،‬اقول ٕان الوالية مسؤولية‪ :‬يرث الولي هموم الناس‪،‬‬
‫واقع ٔامة ومجتمع وبيئة؛ يقتلع وجدانه من ٔاماكن القرب ويص ِّبرها في ٔارض الوقت‪ ،‬ليكون‬

‫رت من ٔاثر الرسول‪ ،‬وارت َّد ْت‬


‫شاهدا على الكمال المتروك‪ .‬الولي قبضة تن َّو ْ‬
‫ً‬ ‫وج ُهه في ك ِّل زمن‬

‫َّ‬
‫فتعل ْ‬ ‫ٕالينا‪،‬‬
‫قت بذ َّراتها ٔا ُ‬
‫رواحنا المس َّواة‪.١‬‬

‫‪١‬‬
‫هذه المقالة موجودة على الموقع‬
‫"العلم والدين في إال سالم"‬
‫?‪http://science-islam.net/article.php3‬‬
‫‪id_article=633&lang=ar‬‬

You might also like