Professional Documents
Culture Documents
في التراث
الحمد هلل ،والص الة والس الم على رس ول اهلل ،وعلى اآلل وهم من أمته ك ُّل ٍّ
تقي ،وعلى
نبي ،وعلى الداعين بدعوته إلى يوم القيامة .
صحابته وهم أفضل صحابة ألفضل ٍّ
وبعد ~~
َّ
فإن الكالم فيما نحن بصدده ،يلزمنا تحديد مفهوم عنوان البحث ..فنقول :
××××××
بدهاً ..وبداهةً ،فتعني :فَ َجأهُ .
بد َهه ْ ..
أما َ ..
ويقال ..بدهه بكذا :بدأه به .
وبادهه ..مبادهةً ..وبِداهاً :بدهه .
َّ
وبده :أجاد وأحسن القول على البديهة .
ٍ
لبعض بداهةً . الخطب واألشعار :قالها بعضهم
وتباده القوم ُ
و البداهة :أول ِّ
كل شٍئ .
والبدهة :ما َيفجأ من األمر .
والبديهية ما يج ده اإلنس ان في
ّ والبداهة ـ عند المناطقة ـ :قض ايا مس لَّمة لوض وحها في ال ذهن ،
علم بالسبب .فكر ،وال ٍ
نفسه من غير إعمال ٍ
والبديهيَّة ـ عندهم ـ :قضية اعترف بها ،وال ُيحتاج في تأييدها إلى قضايا أبسط منها .
والبديهة :البداهة .
والبديهة :االبتداء .
والبديهة :سداد الرأي عند المفاجأة .
ِ
والم ْب َده :السريع البديهة ،الحاضر الجواب [ .المرجع السابق ـ . ] 44 / 1
داء في النفس ال يس بب الفكر ،كالواحد نصف
والبداهة ـ اص طالحاً ـ :هي المعرفة الحاص لة ابت ً
االثنين .
والبداهة ـ في المعرفة ـ :كالبديع في العقل .
واء احت اج
أخص من الض روري ،ألنه ما ال يتوقف حص وله على نظر وكسب ،س ً
ُّ والب ديهي :
لشئ آخر من نح و[ ح دس ] أو [ تجربة ] ،أو ال كتص ور الح رارة وال برودة ،والتص ديق ب َّ
أن
النفي واإلثب ات ال يجتمع ان وال يرتفع ان .واألولي ات هي ..الب ديهيَّات بعينها ،س ميَّت بها ألن
الذهن يلحق محمول القضيَّة بموضوعها أوالً ،ال بتوسط شٍئ آخر ،فذاك المتوسط هو المحمول
أوالً [ .كليَّات أبي البقاء الكفوي الحنفي ـ مادة البداهة ] .
يكون أحدها [ ِّ
المقدمة الكبرى ] في القياس المنطقي ، والمسلَّمات ،والبديهيات ،واألوليات ِّ ..
لكونها مقبولة من الطرفين .
××××××
ٍ
تعريف إسمي لمركب [ سرعة البديهة ] ..فنقول هي : مما تقدم نستطيع أن نصل إلى
المب ادرة في اإلجابة ـ من غ ير اس تعداد ـ فيما حقَّه التفكر والت أخير ،مع تم ام التوفيق في إص ابة
المأمول .
مذموم ..ألنه يؤدي إلى التفـ ِّـوه بما يكون وباالً على صاحبه ،ولذلك امتدحوا [ التأني
ٌ فالتسـرع
علي بن أبي طالب :
تمنى ] !! ،وقال ُّ تأنى نال ما َّ
] ،فقالوا [ :من َّ
[ ليت لي عنقاً كعنق العير ] ،مشيراً إلى عدم السرعة في اإلجابة.
ولكن بعض المواقف تس تدعي :المس ارعة ،والمب ادرة ،وه ذه المس ارعة ال تتس نى لك ِّل أحد
َّ
بحيث يكون التأخير سبباً للتُهمة
ُ بحيث تكون ..جواباً مسكتاً ،أو جواباً مصيباً ،أو يقتضيه المقام
والمؤاخذة ـ كما في حضرة الحكام في ٍ
أمر يعنيهم ـ .
ولعل من أبلغ ما قيل في وصف سرعة البديهة ،ما تكلم به اإلمام العلم العيلم ،مفخرة العراق َّ
في اآلف اق ،الس يِّد الموس وي الحس يني أبو الثن اء محم ود ش هاب ال دين اآللوسي البغ دادي الحنفي
صادق ـ :
ٌ والخفي ،إذ قال عن نفسه ـ وهو
ِّ الجلي
ِّ عامله اهلل بلطفه
[ فما استودعت ذاكرتي شيئاً فخانتني ،وال استنجدت بها يوم اً فخذلتني ] !! ،فعدم الخذالن هو
..سرعة البديهة .
××××××
وهذا الذي نحن بصدده ـ ال شك ـ يدخل في بحوث األمور الخارقة للعادة ،لكونها ال تتسنى لكـل
روج عن الع ادة ،فتكـون من مبـاحث [ الخارقية ] ،
ٌ أحد ..فهي من المس تثنيات ،وهـي خ
وس آتي في بح ثي ه ذا على جملة من :ال ردود ،أو اإلجاب ات الس ريعة ،مما ي دخل في ب اب
[ سـرعة البديهة ] القبول أمرها ،الممدوح شأنها ،وما أوردته ال يستوفي ما ورد عن السابقين ،
بل هو أنموذج لما يمكن أن َّ
يعد جمعاً جيداً في سرعة البديهة في التراث ..وإ ليكها :
.1ما مورد في سورة يوسف عند اتِّهام زوجة العزيز له بمراودتها عن نفسه ،فكــأن
الج واب ال ذي ي ُّدل على منتهى التوفيق في س رعة البديهة ،وال ذي ج اء على لس ان من ش هد
متطوعاً من أهلها ..قال تعالى :
وقدت قميصه من ُدُب ٍر وألفيا سيَّدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك { واستبقا الباب َّ
شاهد من أهلها إن كان
ٌ سوءاً إالَّ أن ُيسجن أو عذاب عظيم * قال هي راودتني عن نفسي وش ِهد
قميص هُ قُ َّد من ُدُب ٍر فك ذبت وهو من
ُ قميص هُ قُ َّد من قُُب ٍل فص دقت وهو من الك اذبين * وإ ن ك ان
ُ
كيدكن عظيم } يوسف 25 /ـ 28 َّ الصادقين * فلما رأى قميصه َّ
قد من ُدُب ٍر قال َّإنه من كيدكن َّ
إن
ّ
.
ٍ
لسؤال من ربِّه له ..إذ ورد في القرآن الكريم توثيق اً .2ما ورد على لسان سيِّدنا موسى ،جواب اً
لهذه المحاورة المتضمنة لسرعة بديهة موسى ،قال تعالى :
{ وما أعجلك عن قومك يا موسى * ق ال هم أوآلء على أث ري وعجلت إليك ربِّي لترضى }
طه 83 /ـ . 84
.3ما ورد على لسان سيِّدنا عيسى ،جواب اً لسؤال من ربِّه له ..إذ ورد في القرآن الكريم توثيق اً
لتلك المحاورة المتضمنة لسرعة بديهة عيسى ،قال تعالى :
{ وإ ذ قال اهلل يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتَّخذوني ِّ
وأمي إلهين من دمن اهلل قــال
سبحانك ما يكون لي ما ليس لي ٍّ
بحق إن كنت قلتُه فقد علمتهُ تعلم ما نفسي وال أعلم ما في
نفسي وال أعلم ما نفسك َّإنك أنت عالَّم القلوب * ما قلت لهم إالَّ ما أمرتني به أن اعبدوا اهلل
الرقيب عليهم وأنــت
َ فلما توفَّيتني كنت أنت
دمت فيهم َّ
وكنت عليهم شهيداً ما ُ
ُ ربِّي وربِّكم
على ِّ
كل شٍئ شهيد } المائدة 116 /ـ . 117
.4بعـد فتح مكة المكرمة في ع ام الفتح ،أعطى رس ول اهلل ألبي س فيان مكانة خاصة ،إذ
جعل دخ ول داره أمان اً لداخله ك داخل الكعبة المش رفة ،وعفا عن كث ير ممن آذوه في مكة ،وقد
أس لموا وحسن إس المهم ـ ،فتج اوز عن :وحش ٍّي قاتل عمه حم زة ،وعن هند بنت عتبة ..
وغيرهما .ثم قدم عليه الرج ال فبايعوه ،ثم دخلت عليه النساء يبايعنه ـ وكانت على رأسهن هند
بنت عتبة ـ ..فبايعنه على :
َّ
يفترينه بين أوالدهن ،وال يأتين ببهتان
ّ أالَّ ُيشركن باهلل شيئاً ،وال يسرقن ،وال يزنين ،وال يقتلن
أيديهن وأرجلهن ،وال يعصين الرسول في معروف ..
َّ
تفترينه ..الخ ..ق الت هند بنت عتبة فلما وصل ص لى اهلل عليه إلى قوله .. :وال ت أتين ببهت ان
مبتدرةً القول :أو تزني الحرة يا رسول اهلل ؟ ! .
فسكت رسول اهلل . !! ..
.5وحينما ولِّي أم ير المؤم نين اإلم ام عثم ان بن عف ان ذو الن ورين ،أمر المس لمين باتِّف اق
سي ُدنا الفاروق عمر بن الخطاب
أصحاب اللشورى الستة الذين أوكل إليهم األمور أمير المؤمنين ّ
،قام خطيباً ـ كما هي العادة ـ فارتُّج عليه ،فسكت برهةً ..ثم قال :
ٍ
والية قوال ] ثم نزل ..فكانت أبلغ خطبة ٍ
لخليفة َّ ٍ
خليفة فعَّال منكم [ أنتم أحوج ما تكونون إلى
خطبها خليفة إذبان توليته !! .
بي األع رابي ،ال ذي ق دم مع قومه على س يِّدنا معاوية بن أبي
.6أما ورد على لس ان ذلك الص ِّ
س فيان ( رضي اهلل عنهما ) ،وذلك بعد [ ع ام الجماعة ] ال ذي تن ازل فيه س يُّدنا الحسن له فيه
عن الخالفة ،فأخذ بعده ُيخاطب بإمرة المؤمنين .
بي مع وف ٍد من قومه إثر ت أثير انحب اس المطر عنهم في البادية ،لثالث س نوات
ج اء ذلك الص ِّ
الصبي ليتكلم عنهم !! ..
ِّ متتاليات ،فتقدم
فقال معاوية : أليس في القوم من هو ُّ
أسن منك ؟ .
بي :لو ك ان األمر بالسن لك ان بعض من في مجلسك أح ُّ
ق بالخالفة منك ،وإ َّنما ق ال الص ِّ
المرء بأصغريه ..قلبِه ،ولسانِه ! .
فقال معاوية :ويحك ..تكلم ! .
الصبي :يا أمير المؤمنين ..أتتنا سنةٌ أذابت الشحم ،وأتتنا سنةٌ أذهبت اللحم ،وأتتنا سنةٌ
ِّ قال
ٍ
أموال ،فإن كانت لنا ..فما أحوجنا اليوم إليها ،وإ ن كانت لكم .. دقت العظم !! ،وبيدكم فضول
ببر أمير المؤمنين َّ
منا ؟ ،وإ ن كانت هلل ..فنحن عياله !! . فمن ُّ
أحق ِّ
الصبي عن الشام
َّ قال الخليفة ُ : أعطوهم ما يكفيهم ،وأكرموهم ،ومييروهم ..وأخرجوأ هذا
إلى أهله من ساعته ،فلو بقي أللَّب أهل الشام َّ
علي !! .
.7ما ورد عن اإلم ام األعظم أبي حنيفة النعم ان بن ث ابت الك وفي ج وزي عن دين المص طفى
خ يراً وك وفي ،حين دخل الخ وارج مس جد الكوفة ـ وهو يومئ ٍذ ُّ
يعج بالحلق ات ـ وهم ش اهري
السيوف ،فوقفوا على رأسه ـ وهم ال يقصدون غيره ـ لوطئته عليهم في إيراد الدالئل عليهم ،وقد
فر من في المسجد ..فهم يستحلون دماء المخالفين !! ،لكنهم ال يفعلون ذلك إالَّ بعد إقامة الحجة ـ
َّ
وهذا من محاسنهم ـ ،فقالوا لإلمام نريد أن نسألك ..
قال اإلمام :سلوا ما بدا لكم .
غص صاحبها بشربة ٍ
خمر فمات ،أ فتصلي عليه ؟ ؟ ! ،ومن قالــوا :جنازةٌ بباب المسجد قد َّ
نص ب النهي عنها ،فلو ق ال المعل وم َّأنهم ُيكفِّرون م رتكب الكب يرة من األفع ال ،أي ال تي ورد ٌ
أص لِّي عليه ـ وهو مذهبه ـ قتل وه ..إذ س يكفرونه هو حينئ ٍذ !! ،ولو ق ال ال أص لِّي عليه ـ موافق اً
إمام مبوع !! . إيَّاهم ـ َّ
عد ذلك من مثله مثلبةٌ لمناقضة نفسه ،وهو ٌ
أمجوسي هو ؟ .
ٌّ أي ٍ
دين هو ؟ ، فسألهم هو :من ِّ
أنصراني هو ؟ .قالوا :ال .
ٌ أيهودي هو ؟ .قالوا :ال .قال :
ٌ قال ــوا :ال .قال :
أي دين هو ؟ ؟ .
فسـألهم :من ِّ
قالــوا :مسلم !! .
ٍ
حينئذ قال اإلمام : حكمتم !! .
فأغمدوا سيوفهم وهم يتميزون غيضاً !! .