Professional Documents
Culture Documents
Untitled
Untitled
Abstract
This study aims at illustrating the legitimacy of investment in merged firms
according to Islamic laws. The study begins with a clear definition of the concept of
merged firms and their types. Then, it moves to discuss the possibilities of the
investment in such companies in accordance to Sharee’a Laws. It addresses the various
cases of investments and explains the Islamic point of view for each case. The study
concludes with related issues that might seem problematic to Muslim investors in
merged companies.
مقدمة.
الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على سيد الخلق أجمعين وبعد:
فإن االستثمار في الشركات المختلطة هو من المواضيع التي تحظى بأهمية بالغة لما تطرحه من إشكالية تتعلق
بمج ال عم ل الش ركات المختلط ة ال تي يكتنفه ا ش يء من ج وانب التح ريم ولم ا تث يره من تس اؤالت ح ول ش رعية ه ذا
االس تثمار وش رعية االنتف اع بالعوائ د المتأتي ة عن ه ذا االس تثمار وم ا يس تجره ذل ك كل ه من تس اؤالت ح ول االنتف اع
بالمال المحرم ومجاالته.
مشكلة الدراسة:
جاءت هذه الدراسة لتجيب عن التساؤالت المحورية التالية:
م ا مفه وم الش ركات المختلط ة؟ وم ا الف رق بينه ا وبين الش ركات الأخ رى ال تي تتمخض مج االت -1
اس تثمارها في ج وانب مباحة ،أو تل ك ال تي تتج ه اس تثماراتها إلى المج االت ال تي تأباه ا الش ريعة
اإلسالمية.
ما مدى شرعية المساهمة في هذه الشركات؟ وما ضوابط هذه المساهمة؟ -2
ما القواعد والمقاصد الكلية التي تسوغ المساهمة في هذه الشركات ؟ -3
ما اآلليات التي يمكن اتباعها لتطهير العوائد المتأتية عن هذه االستثمار؟ -4
أستاذ مساعد ،جامعة العلوم اإلسالمية العالمية ،كلية الشريعة والقانون. *
73 المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية ،مج ( ،)11ع ( 1436 ،)1ه2015/م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المساهمة في الشركاتـ المختلطة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أهداف الدراسة:
تهدف هذه الدراسة إلى تحقيق جملة من الأهداف فيما يأتي أبرزها:
-1تحديد مفهوم دقيق للشركات المختلطة.
-2رصد الأدلة والمناقشات المتداولة في الأدبيات المختلفة في هذا المجال.
-3ع رض آلي ات التطه ير ال تي يمكن انتهاجه ا للتخلص من النس بة المحرم ة في العوائ د المتأتي ة عن االستثمار
في الشركات المختلطة.
الدراسات السابقة:
من الأدبيات المتداولة في مجال االستثمار في الشركات المختلطة جملة من الدراسات والبحوث والتي ركز كل
منها على بعض جوانب هذه المسألة ومن هذه الدراسات:
األسهم المختلطة في ميزان الشريعة ،صالح بن مقبل العصيمي. -1
في حكم تداول األسهم المختلطة ،حميش عبد الحق. -2
مبررات إعادة النظر في مسألة االستثمار في أسهم الشركات التي أصل نشاطها مباح ولكنها تتعامل -3
بالفوائد المصرفيه ،الشيخ نظام يعقوبي.
حكم المساهمة في الشركات المختلطة ،أحمد بن ناصر سعيد الغامدي. -4
وقد ركزت هذه الدراسات على جوانب معينة من موضوع المساهمة في الشركات المختلطة الأمر الذي حاولت
هذه الدراسة تجنبه من خالل التطرق إلى كل المسائل المتعلقة بموضوع االستثمار في الشركات المختلطة ومحاولة
استقص اء الأدل ة والمناقش ات ال واردة في ه ذا المج ال بالأض افة إلى رص د التط بيق للض وابط الموض وعة ل دى بعض
الشركات وصوال إلى تفعيل لهذه الضوابط وبيان مدى االختالل الحاصل في تطبيقها.
وقد اشتملت هذه الدراسة على مقدمة وثالثة فصول وخاتمة على النحو اآلتي:
المقدمة :الفصل التمهيدي.
الفصل الأول :حكم المساهمة في الشركات المختلطة.
الفصل الثاني :ضوابط المساهمة في الشركات المختلطة وتطهير العوائد من النسب المحرمة.
وخاتمة وقد تضمنت النتائج والتوصيات التي خلصت إليها الدراسة.
واهلل الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل.
الفصل التمهيدي.
لما ك ان الحكم على الش يء فرع اً عن تص وره ،ف إن الب احثين لم يجدا ب داً وقبل الول وج في حكم االس تثمار في
الش ركات المختلطة والح ديث عن ض وابطه ومع اييره ،وما يس تتبع ذلك من ح ديث عن آلي ات إحتس اب ال ربح في تلك
الشركات وكيفية التخلص منه عبر ما يعرف بالتطهير ،من إطاللة يسيرة يطل من خاللها الباحث ان على مفهوم األسهم
وأقسامها وخصائصها ،ومفهوم الشركات المختلطة ،وذلك من خالل ثالثة مباحث فيما يأتي:
المبحث األول :مفهوم األسهم.
المبحث الثاني :أقسام األسهم وخصائصها.
المبحث الثالث :مفهوم الشركات المختلطة.
74
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المجلة األردنية في الدراسات اإلسالمية ،مج ( ،)11ع ( 1436 ،)1ه2015/م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أ.د .عبد المجيد الصالحين ود .موسى أبو سويلم
(?) أبو النصر ,عصام ,الحكم الشرعي في تملك األسهم ,بحوث مؤتمر األسواق المالية ,ج ,4ص.1483 4
(?) أبو النصر ,عصام ,الحكم الشرعي في تملك األسهم ,بحوث مؤتمر األسواق المالية,ج ,4ص.1486 5
(?) القرة داغي ,علي محي الدين ,حكم االستثمار في األسهم ،ط ،2005/مطابع الدوحة الحديثة – الدوحة ،ص.33 6
75 المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية ،مج ( ،)11ع ( 1436 ،)1ه2015/م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المساهمة في الشركاتـ المختلطة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.1األسهم اإلسمية :وهي األسهم التي تحمل اسم مالكها ،وتثبت ملكيته لها وتنص القوانين التجارية العربية
على وجوب أن تكون جميع األسهم المصدرة من هذا النوع (.)8
.2األسهم لحاملها :وهي األسهم التي يشار فيها أنها باسم حاملها ،وال يجوز أن يذكر فيها اسم المساهم،
ولكنها قابلة للتظهير ونقل الملكية دون الرجوع للشركة (.)9
ج .من حيث الحقوق:
يمكن تقسيم األسهم من حيث الحقوق إلى قسمين هما:
.1األسهم العادية :وهي األسهم المتساوية في الحقوق والقيمة(.)10
.2األسهم الممتازة :وهي األسهم التي يكون لحاملها حق األولوية في الحصول على األرباح ،أو أن نسبة
أرباحه تكون أعلى من أرباح حامل السهم العادي (.)11
المطلب الثاني :خصائص األسهم:
تتميز األسهم بخصائص تميزها عن األوراق المالية األخرى ،ومن أبرز تلك الخصائص:
تس اوى األس هم من حيث القيم ة ،وه ذه الخاص ية ب دورها تمنح حامل الس هم حقوق اً متس اويةً مع حامل -1
السهم المشابه له ،وتسهل كالً من عمليتي فرز األصوات وتداول األسهم ،حيث أن الخصائص المتساوية
تعطي أصواتا متساوية لحاملي تلك األسهم ويكون عدد األصوات المحتسبة للمساهم مساويا لعدد األسهم
ال تي يحمله ا ،كما أن تلك األس هم تس هل عملية الت داول من جهة تس اويها في الثمن األمر ال ذي يجعل
تداولها سهال.
وكذلك عملية توزيع األرباح ( .)12وأيضا تحمل الخسائر التي قد تقع ،كل بحسب حصته من األسهم.
إمكانية تداول األسهم بالطرق التجارية كعروض للتجارة ،دون التأثير على أعمال الشركة أو الرجوع -2
إلى م دخراتها ،وتعت بر ه ذه من أهم خص ائص األس هم حيث تعطي حاملها ص الحية التص رف بها دون
الرجوع إلى الشركة (.)13
ذه دم قابلية السهم للتجزئة ،حيث أن السهم ال يجوز بأي حال من األحوال تعدد مالكيه ،وأهمية ه ع -3
الخاص ية تكمن في تس هيل ممارسة حق وق حامل الس هم وبخاصة تلك الحق وق غيرالقابلة للتجزئ ة ،كحق
التصويت وغيره (.)14
ال يوجد للسهم تاريخ استحقاق محدد للشركة التي تطرحه ،فال تستحق األسهم إال عند توقف الشركة عن -4
مزاولة نشاطاتها.
(?) حميش ,عبد الحق ,في حكم تداول األسهم المختلطة ,بحوث مؤتمر األسواق المالية ,ج ,4ص.1536 8
(?) أبو النصر ,عصام ,الحكم الشرعي في تملك األسهم ,بحوث مؤتمر األسواق المالية ,ج ,4ص.1486 9
(?) حميش ,عبد الحق ,في حكم تداول األسهم المختلطة ,بحوث مؤتمر األسواق المالية ,ج ,4ص.1537 10
(?) أبو النصر ,عصام ,الحكم الشرعي في تملك األسهم ,بحوث مؤتمر األسواق المالية ,ج ,4ص ,1486المرجع 11
السابق.
(?) بن زابن ,صالح ,شركة المساهمة ص ,334أبو النصر ,عصام ,الحكم الشرعي في تملك األسهم وكيفية تطهير أسهم 12
الشركات التي اختلط فيها الحالل بالحرام ,بحوث مؤتمر األسواق المالية والبورصات ,ص.1484
(?) القرة داغي ,علي محي الدين ,التطبيقات الشرعية إلقامة السوق اإلسالمية،مجلة مجمع الفقه االسالمي,8/2/384 ، 13
(?) المنيع ،عبداهلل بن سليمان ،بحوث في االقتصاد االسالمي ،المكتب االسالمي ،بيروت ،ط1416/هـ ،1996/ص 15
.220
(?) المرجع السابق نفسه ،ص.221 16
(?) الم نيع ،بح وث في االقتص اد االس المي ،ص 221وانظ ر :مجلس المجمع الفقهي ،قرار ،74ج ،1/711الت ابع 17
لمنظمة المؤتمر اإلسالمي .وانظر :العصيمي ،صالح بن مقبل بن عبداهلل ،األسهم المختلطة في ميزان الشريعة ،ص .28
(?) الشريف,أحكام السوق المالية ,مجمع الفقه اإلسالمي ,6/2/1286أبو النصر ,عصام ,الحكم الشرعي في تملك 14
األس هم وكيفية تطه ير أس هم الش ركات ال تي اختلط فيها الحالل ب الحرام ,بح وث م ؤتمر األس واق المالية والبورص ات ,ص
1484
77 المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية ،مج ( ،)11ع ( 1436 ،)1ه2015/م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المساهمة في الشركاتـ المختلطة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(?) رواه البخاري ،كتاب البيوع ،باب موكل الربا ،الحديث .6351 20
(?) أخرجه مسلم ،كتاب المساقاة ،باب لعن آكل الربا ومؤكله ،الحديث .2995 21
األسهم والسندات وأحكامها ص ,١٤٢قرار مجمع الفقه اإلسالمي ،الدورة الرابعة عشر ،القرار الرابع ،مكة المكرمة ،ص (?) 22
،16مجموعة دلة البرك ة ،الهيئة الش رعية بمجموعة دلة البرك ة ،الفت اوى االقتص ادية ،ط ،4م ،1س نة1414هـ ،ص ،17وانظ ر:
االجوبة الش رعية في التطبيق ات المص رفية ،الفت وى رقم( ،)37ط ،1م ،1مجموعة دلة البرك ة ،ادارة التط وير ،ص ،67وانظ ر:
حميش ،عبد الحق ،في حكم تداول األسهم المختلطة ،بحث مقدم إلى مؤتمر اسواق األوراق المالية والبورصات ،آفاق وتحديات،
ص.1554
(?) البقرة ،اآلية .279 23
(?) ابن القيم ،تهذيب مدارج السالكين في شرح منازل السائرين ،ط ،2م ،3تحقيق محمد حامد الفقي ،دار الكتاب 24
التحريم فيها أوضح وأبين( ،)26قال ابن عبد البر( :وقد أجمع المسلمون نقالً عن نبيهم أن اشتراط الزيادة
في السلف ربا ،ولو كان قبضة من علف،أو حبة ،كما قال ابن مسعود أو حبة واحدة)(.)27
()28
والشك أن في المساهمة .4قوله تعالى﴿ :وتعاونوا على البر والتقوى وال تعاونوا على اإلثم والعدوان﴾
في الش ركات المختلطة ما يمكن اعتب اره تعاون اً على اإلثم والع دوان ،ألن في ه ذه المس اهمة مس اعدة على
أكل الربا أو إيكاله (.)29
.5قوله صلى اهلل عليه وسلم فيما رواه عنه أبوهريرة( :دعوني ما تركتكم ،إنما أهلك من كان قبلكم بسؤالهم
واختالفهم على أنبیائهم ،فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ،وإ ذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)(.)30
فقد أمرنا عليه الص الة والس الم أن نجتب ما نهانا عنه اجتناب اً مطلق اً دون أن ينيط ذلك باإلس تطاعة كما
أناطه باألمر ،فدلنا ذلك على أن المناهي يجب إجتنابها جميعها قليليها وكثيرها ،والشركات المختلطة يدخل
()31
فيها ما نهى عنه الن بي ص لى اهلل عليه وس لم حيث ي دخل فيها الربا إقراض اً أو استقراضا أكالً أو إيك االً.
فتدخل ضمن المنهي عنهالواجب اجتنابه.
.6إن دخول الربا في معامالت الشركة يفسد هذه المعامالت ،وإ ن التخلص من هذا الربا عبر ما يعرف
بالتطهير ال يفيد في حل هذه المعامالت وصحتها ،إذ أن ما وقع فاسداً اليجدي فيه التطهير (.)32
.7وألن درء المفاسد أولى من جلب المصالح فعلى التسليم بالمصالح المترتبة على الشركات المساهمة في هذه
الش ركات ،ف إن دفع مفس دة الربا ال ذي يتس لل إلى معامالتها وإ لى رؤوس أموالها أولى من جلب تلك
المص الح ،فض الً عن أن الق ول بتح ريم المس اهمة فيها فيه مص لحة ،ألنه ربما يش جع الق ائمين عليها على
اإلحج ام عن التعامل بالفوائد الربوية بخالف الق ول بإباحت ه،ا وال ذي ي ترتب عليه إس تمراريتها في التع اطي
بالمعامالت الربوية المحرمة (.)33
(?) رواه احمد في المسند( )22303والدارقطني( )3/16مرفوعاً ،ثم رواه أحمد موقوفاً على كعب( ،)22304 25
وال دارقطني ك ذلك عن عبد اهلل بن حنظله عن كعب بنح وه موقوف اً ،وق ال :ه ذا أصح من المرف وع ،ق ال الهيثمي في مجمع
الزوائد ( :)6573( ،)4/211رواه احمد والطبراني في الكبير االوسط ،ورجال أحمد رجال الصحيح.
(?) المرزوقي ،صالح بن زابن ،مجلة البحوث الفقهية المعاصرة ،حكم اإلشتراك في شركات تودع أو تقرض بالفوائد، 26
ص96
(?) ابن عبد البر ،يوسف بن عبد اهلل بن محمد النمري األندلسي ،التمهيد لما في الموطأ من المعاني واألسانيد ،دار 27
(?) العصيمي ,صالح بن مقبل ,األسهم المختلطة في ميزان الشريعة ص ,45الشبيلي ,يوسف بن عبد اهلل ,االستثمار في 29
(?) مجلة الفقة اإلسالمي ،الدورة السابعة ،الجزء األول ص .٤٢٠ 32
33
(?) مجلة مجمع الفقه اإلسالمي ،العدد السابع ،الجزء األول ،ص ،٧٠٧وانظر :الشبيلي ،االستثمار في األسهم
والسندات ص ،144حميش ،عبد الحق ،في حكم تداول األسهم المختلطة ،ص.1555
79 المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية ،مج ( ،)11ع ( 1436 ،)1ه2015/م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المساهمة في الشركاتـ المختلطة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.8إن المساهم في تلك الشركات تكون يده كيدعضو مجلس اإلدارة أو المدير العام ،فما يقوم به مجلس اإلدارة
من نشاطات أو يتخذه من قرارات فإن مسؤوليته تقع على كافة المساهمين ،وبالتالي فإنه ال مسوغ للتفريق
بين ص غار المس اهمين وكب ارهم ال ذين غالب اً ما يش غلون مقاعد في مجلس اإلدارة( ،)34وذلك ألن المس اهمين
يكونون قد وكلوا أعضاء مجلس اإلدارة في أعمال الشركة والتوكيل فيما هو حرام ال يجوز ،قال ابن القيم:
" وما ب اعوه -أي أهل الذم ة -من الخمر والخ نزير قبل مش اركة المس لم ج از لهم ش ركته في ثمن ه ،وثمنه
حالل ،العتق ادهم حله ،وما ب اعوه واش تروه بم ال الش ركة ،فالعقد فيه فاسد ،ف إن الشريك وكي ل ،والعقد يقع
للموكل ،والمسلم ال يثبت ملكه على الخمر والخنزير"(.)35
.9كما أن األسهم قد تؤول إلى الورثة ،فيمتنعون عن التخلص من نسبة المعامالت الربوية بحجة أن لهم غنم
التركة وعلى المورث غرمها.
.10وألن هذه الشركات التقتصر في الغالب على اجراء المعامالت الربوية ،بل قد تمارس أنشطة محرمة كبيع
الس لم قبل قبض رأس الم ال ،وبيع الطع ام قبل قبضه وبعض أنم اط الت ورق المص رفي ال تي تك ون المعاملة
فيه والقبض على األوراق ،وهذه األنشطة هي أنشطة محرمة تورث عقوداً فاسدة فيكون الربح الناشئ عنها
حراماً ولو كان أصل المال مباحاً (.)36
.11إن المساهمة في هذه الشركات تعد وسيلة لمقصد محرم ،فإذا كان المقصد حراماً حرمت الوسيلة المفضية
إليه ،وذلك إعماالً لقاعدة ( الوسائل لها حكم المقاصد)(.)37
وتتجه على هذه األدلة جملة مناقشات فيما يأتي أبرزها:
.1أما االستدالل بالنصوص العامة ،والتي أوردنا طرفاً منها ،فيمكن اإلجابة عنه بأجوبة:
إن هذه النصوص إنما وردت في الربا الصريح ،وهذا أمر متفق عليه ولهذا فإن هذه األدلة هي خارج
محل النزاع.
بناء على قاعدة " :النادر الحكم له" (.)38
إن حجم األنشطة الربوية في هذه الشركات يعد قليالُ ال حكم له ً
إن مالك األس هم في مثل ه ذه الش ركات ليس آكالً للرب ا ،وذلك ألنه يجب عليه التخلص من ه ذه النس بة
القليلة المحرمة عبر ما يعرف بتطهير األسهم (.)39
.2وأما االستدالل بقوله تعالى﴿ :وإ ن تبتم فلكم رؤوس أموالكم ﴾...فال يبدو متجهاً لما يأتي:
إن للمخالف أن ينازع في كون المساهمة في هذه الشركات مستوجباً لإلثم ،وذلك ألن اآلية إنما تناولت
الربا الصريح ،ولم تتناول المساهمة في شركة قد يدخلها الربا القليل.
(?) انظرالمرزوقي ،المشاركة في شركات أصل نشاطها حالل اال انها تتعامل بالربا ،مجلة مجمع الفقه اإلسالمي في 34
دورته السابعة ،الجزء االول ،ص ،.420حميش عبد الحق ،في حكم تداول األسهم المختلطة ،ص.1555
(?) ابن القيم :أحكام أهل الذمة .1/274 35
(?) انظر :أعمال الندوة الفقهیة الخامسة بیت التمویل الكویتي ص.19،17 36
(?) انظر :الشاطبي ،الموافقات ،ج ،2ص .212مجلة المجمع ،عدد ،7ص ،712وانظر اعمال الندوة الفقهية الخامسة، 37
80
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المجلة األردنية في الدراسات اإلسالمية ،مج ( ،)11ع ( 1436 ،)1ه2015/م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أ.د .عبد المجيد الصالحين ود .موسى أبو سويلم
إن تطهير األسهم الذي يوجبه القائلون بالجواز ليس من باب التوبة وإ نما من باب التخلص من شوائب
الكسب الحرام.
إن التوبة إنما تك ون عن ذنب ومعص ية ،وإن المس اهم في الش ركات المختلطة ال يعتقد انه ق ارف ذنب اً
ير
ومعص يةً ،وما تخلصه من الفوائد الربوية ال تي تعلن عنها وعن نس بتها مثل ه ذه الش ركات إال تطه ٌ
للمال من تلك الفوائد القليلة.
.3وأما االستدالل بحديث عبد اهلل بن حنظله فيجاب عنه بما يأتي:
عدم التسليم بصحة الحديث،ألنه شاذ وفيه علة في المتن حاصلها أن تحريم األعراض مقدم على تحريم
األم وال ،وأن الش ارع الحكيم يحتفي بالمحافظة على األع راض أك ثرمن احتفائه بالمحافظة على
األم وال ،فكيف يك ون ه ذا المق دار القليل من الربا وهو ال درهم أشد عند اهلل من ست وثالثين زني ة،
وممن ذكر ض عف ه ذا الح ديث وش ذوذه ،ابن الج وزي حيث ق ال( :واعلم أن مما ي رد ص حة ه ذه
األح اديث ،أن المعاصي إنما يعلم مقاديرها بتأثيراته ا ،والزنا يفسد األنس اب ،ويص رف الم يراث إلى
غير مستحقه ،ويؤثر من القبائح ما ال يؤثر أكل لقمة ال تتعدى ارتكاب نهي ،فالوجه لصحة هذا)(.)40
إن ه ذا الح ديث على تس ليم ص حته محم ول على ص ريح الربا وال ذي يقصد اإلنس ان إلى أكله أو إيكاله
ٍ
منتف في هذا النوع من الشركات ،فال الربا صريح وال المساهمون قاصدون إلى أكله أو ايكاله. وهذا
وأما االستدالل بقوله تعالى﴿ :وتعاونوا على البر والتقوى ،﴾..فيمكن اإلجابة عنه بما يأتي: .4
إن ه ذا مب ني على أن المس اهمة في تلك الش ركات ت دخل في إط ار التع اون على اإلثم والع دوان ،وه ذا
اليس لمه المخ الف ،ألنه مب ني على التس ليم بحرمة المس اهمة في ه ذه الش ركات ،وه ذا هو ذاته محل
النزاع
بل إن للمخالف أن يزعم أن المساهمة في هذه الشركات هي من باب التعاون على البر والتقوى ،ألن
في تلك المس اهمة تش جيعاً لتلك الش ركات على ع دم ممارسة النش اطات المحرم ة ،وفيه أيض اً تش جيع
للشركات التي تعمل في مجال المحرمات على التحول إلى العمل وفق أحكام الشريعة،حيث إن مجالس
اإلدارة في تلك الشركات إذا رأوا إقبال المسلمين على المساهمة في الشركات التي أصل نشاطها مباح
حفزهم ذلك على التحول إلى تصويب انشطة شركاتهم كي تكون منسجمة مع أحكام الشريعة ،استجالباً
لمس اهمة الس واد الع ريض من المس لمين ،وهم في األصل جمه ور مت دين يميل إلى المس اهمة في
الشركات المباحة.
وأما االستدالل بقوله -صلى اهلل عليه وسلم( :-دعونى ما تركتكم ) ....الحديث ،فال يبدو متجهاً ،وذلك .5
ألنه نص عام لم يسق أصالة لبيان المسألة التي نحن بصددها ،فال يمكن االستدالل به على مسألة جزئية
تفص يلية كه ذه ،وان االس تدالل به على مثل ه ذه المس ألة الجزئية التفص يلية هو تحميل له ب أكثر مما
يحتمل،أضف إلى ذلك ان المساهم حينما يشتري أسهم الشركة المختلطة ال يقصد إلى التعامل بالربا ،وإ نما
يقصد إلى شراء سهم في شركة مجال عملها مباح ،وبالتالي فإنه اليرمي إلى مخالفة النهي ،حتى يقال بأنه
تنكب األمر باالجتناب الوارد في الحديث المتقدم.
(?) ابن الجوزي ،ابو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي(597هـ 1200-م) ،الموضوعات ،ط ،1م (،2تحقيق 40
81 المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية ،مج ( ،)11ع ( 1436 ،)1ه2015/م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المساهمة في الشركاتـ المختلطة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما القول بأن دخول الربا في معاملة الشركة يعد مفسداً لها ومبطالً ،وأن التطهير ال يجدي في رفع .6
الفس اد والبطالن فبعي د ،وذلك ألن ه ذا الربا قليل وت ابع ،كما أنه ليس في أصل المع امالت ال تي تمارس ها
الش ركة ،ألن موض وع البحث إنما هو عن ش ركات يع د مج ال عملها مباح اً في األص ل ،لكنها قد تتعامل
بالربا إقراضاً أو استقراضاً.
وأما اإلحتجاج بقاعدة درء المفاسد أولى من جلب المصالح ،فإنما يمكن إعمالها عندما تكون المفسدة .7
مساوية للمصلحة أو راجحة عليها ،أما عندما تكون هذه المفسدة يسيرة جداً في مقابل المصالح العظيمة فال
مسوغ إلعمال القاعدة المشار اليها ألن هذه المسألة ال تندرج تحتها.
وأما استداللهم بأن يد المساهم كيد عضو مجلس اإلدارة ،فيجاب عنه ،بأن هذا القياس ليس سليماً ،فهو .8
ني على أن دخ ول المس اهم في ه ذه الش ركات دخ ول في ش ركة عن ان وليس األمر ك ذلك ،ألن الق وانين
مب ٌ
تنص على أن أم وال الش ركة المس اهمة ليست مملوكة لحملة أس همها ،وي ترتب على ه ذا النظ ر ،أن امتالك
س هم الش ركة ،يختلف عن حالة ك ون المس اهم ش ريكاً في ش ركة عن ان ،تعمل بالرب ا ،ألن الحالة الثانية ليس
على القول بجوازها دليل ،إذ إن ذلك يؤول إلى القول بجواز التعامل بالربا ،فيكون مخالفاً لما عليه اإلجماع
قديماً وحديثاً ،أما األولى فإن األمر فيها مختلف ،إذ الشركة شخصية إعتبارية مستقلة عن مالكها (.)41
وأما اإلستناد إلى القول بالتحريم على مسألة حرمة الوكالة بالمحرم فمبني على أن هذا التعامل محرم، .9
والق ائلون ب الجواز ال يس لمون أنه ك ذلك ،ثم إن التوكيل إنما تم في أصل أنش طة الش ركة ومج ال عملها
الرئيسي ،وليس في التعاطي الربوي.
.10وأما القول بأن الورثة ربما ال يطهرون أرباح األسهم بناءاً على أن التركة تؤول إلى الورثة ،فلهم غنمها
وعلى المورث غنمها ،فهذا ال يرجع بالحرمة على المورث ،ما دام قد نوى عند المساهمة تطهير األرباح
من العوائد المحرمة.
.11وأما اإلستناد إلى عدم اقتصار الشركة المختلطة على التعاطي بالفوائد الربوية ،بل تعدي ذلك إلى ممارسة
بعض األنش طة المحرم ة ،فإنه يمكن التخلص من العوائد المتأتية عن تلك األنش طة المحرمة بالطريقة ذاتها
التي يتم التخلص عبرها من العوائد المتأتية عن الفوائد الربوية.
.12وأما االستناد إلى إعمال قاعدة الوسائل لها حكم المقاصد فال يبدو متجهاً ،وذلك ألن المستند إلى هذه
القاعدة قد اعتبر المقصد كله محرماً ،وليس األمر كذلك بل إن المحرم من هذه الشركة ،ال يعدو أن يكون
()42
جزءاً يسيراً ،ولهذا فإن القائلين ب المنع باستنادهم إلى هذا الدليل قد عكس وا قاعدة (لألكثر حكم الكل)،
وذلك حينما جعلوا لألقل حكم الكل بناءً على هذا االستدالل.
82
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المجلة األردنية في الدراسات اإلسالمية ،مج ( ،)11ع ( 1436 ،)1ه2015/م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أ.د .عبد المجيد الصالحين ود .موسى أبو سويلم
قوله -ص لى اهلل عليه وس لم -فيما رواه عنه أبو هري رة( :إن ال دين يس ر ،ولن يش اد ال دين أحد إال
()45
غلبه) .
ووجه الداللة من النص وص المتقدمة أن الش ريعة مبتن اة على التيس ير ورفع الح رج ،وال شك أن حاجة
المس لمين داعية إلى المس اهمة في ه ذه الش ركات ،وذلك لتنمية م دخراتهم وللحص ول على عوائد من ه ذه
المدخرات تعينهم في الوفاء بحاجاتهم ،وما دام األمر كذلك ،فإن الحرام القليل الذي قد يخالط هذه الشركات
مغتفر للحاجة العام ة ،والحاجة العامة ت نزل منزلة الض رورة( ،)46وأق وال العلم اء في ه ذا المع نى كث يرة
ومتعددة ،منها:
()47
قال الزركشي :الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة في حاجة الناس .
()48
. قال شيخ اإلسالم :يجوز للحاجة ماال يجوز بدونها ،كما جاز بيع العرايا بالتمر
وق ال أيض اً -رحمه اهلل :-الش ريعة جميعها مبنية على ان المفس دة المقتض ية للتح ريم إذا عارض تها
حاجة راجحة أبيح المحرم(.)49
يق ول العز بن عبد الس الم –رحمه اهلل -ما نص ه( :لو عم الح رام األرض بحيث ال يوجد فيه حالل
ج از أن يس تحل من ذلك ما ت دعو إليه الحاج ة ،وال يقف تحليل ذلك على الض رورات ،ألنه لو وقف
عليها ألدى إلى ض عف العب اد ،واس تيالء أهل الكفر والعن اد على بالد اإلس الم ،والنقطع الن اس عن
الحرف والصنائع واألسباب التي تقوم بها مصالح األنام)(.)50
ق ال فض يلة الش يخ عبد اهلل الم نيع موض حاً وجه االس تدالل بقاع دة الحاجة ت نزل منزلة الض رورة،
ومنزالً إياها على حكم المساهمة بالشركات المختلطة( :فلو قلنا بمنع بيع األسهم أو شرائها ألدى ذلك
إلى إيقاع أفراد المجتمع في حرج وض يق حينما يجدون أنفسهم عاجزين عن استثمار ما بأي ديهم من
م دخرات ،كما أن الدولة قد تك ون في وضع ملجئ إلى التق دم للبن وك الربوي ة لتموي ل مش روعاتها
()51
العامة حينما تحجب عنها ثروة شعبیة يكون مصيرها بعد الحجب والحرمان الجمود).
اإلحتجاج بالقواعد الفقهية؛ كقاعدة ":يغتفر تبعاً ما ال يغتفر استقالالً" ،وقاعدة" :التابع تابع" ،ومعناها ان .2
()52
.وهذا يع ني اغتف ار بعض الفوائد الربوية ال تي قد الت ابع للش يء في الص فة والماهية يتبعه في الحكم
()53
تخالط مال الشركة وذلك لتبعيتها له فتكون تابعة له في الحكم ،قال القره داغي موضحاً ذلك( :وعلى
ضوء هذه القاعدة فهذا النوع من األسهم وإ ن كان في ه نسبة بس يطة من الحرام لكنها جاءت تبع اً ،وليست
أص الً مقص وداً بالتملك والتص رف ،فما دامت أغ راض الش ركة مباح ة ،وهي أنش ئت ألجل مزاولة
نشاطات مباحة ،غير أنها قد تدفعها الحاجة للسيولة و نحوها إلى إي داع بعض أموالها في البنوك الربوي ة،
أو االق تراض منه ا؛ فه ذا العمل بال شك عمل مح رم ي ؤثم فاعله)مجلس اإلدارة ( لكنه ال يجعل بقي ة
األم وال والتص رفات المباحة األخ رى محرم ة ،وهو أيض ًا عمل تبعي وليس هو األصل الغ الب ال ذي
ألجله أنشئت الشركة)(.)54
ويشهد لهذه القاعدة بعض النصوص النبوية ،ومنها قوله -صلى اهلل عليه وسلم( :-من ابتاع نخالً بعد أن
ت ؤبر فثمرتها للب ائع اال أن يشترط المبت اع ،)55()..وذكر ابن نجيم ب اب تطبيق ات هذه القاعدة ،كج واز بيع
()56
حريم البئر تبعاً للبئر ،وبيع حمل الشاة تبعاً لها ،وبيع رحبة الدار تبعاً لها.
ومعلوم أن هذه األشياء اليجوز بيعها استقالالَ ،فاليجوز بيع الحمل دون الشاه ،وال الحريم دون الب ئر ،وال
الرحبة دون ال دار ،فعلمنا من ذلك التفرقة بين بيعها اس تقالالً ،وبين بيعها تبع اً ،وك ذا الفوائد الربوية ال تي
83 المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية ،مج ( ،)11ع ( 1436 ،)1ه2015/م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المساهمة في الشركاتـ المختلطة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تخالط اس هم الش ركات المختلط ة ،فالغ الب في هذه الش ركات إباحة اغراضها ومجاالته ا ،وما ط رأ عليها
من فوائد ربوية غير مقصود بذاته ،وقد ذكر شيخ اإلسالم ابن تيمية مسألة مشابهة لذلك حينما قال( :وإ ن
كان األب قبضه بالمعامالت الربوية التي يرخص فيها بعض الفقهاء جاز للوارث اإلنتفاع به)(.)57
الاحتجاج بعدم إمكانية التحرز ،ومؤدى هذا الدليل شيوع العمل بالفوائد الربوية مما ال يمكن التحرز منه، .3
ولقد عه دنا من الش ارع الحكيم التس امح فيما اليمكن التح رز من ه ،ألنه والحالة ه ذه مما تعم به البل وى،
ومن تطبيق ات ه ذا األصل العفو عن قليل النجاس ة ،والعفو عن قليل الانكش اف في س تر الع ورة(،)58
والفوائد الربوية التي قد تخالط أسهم هذه الشركات تدخل في هذا اإلطار لقلتها ونزارته ا ،وعدم إمكانية
التح رز عنها( ،)59ويوضح لنا الش يخ عبد اهلل بن م نيع وال ذي يع د من أب رز الق ائلين بج واز المس اهمة في
هذه الشركات وجه الاحتجاج بهذا األصل ،وتنزيله على مسألة المساهمة في هذه الشركات حيث يقول:
راء وتملك اً على ه ذه القواعد
(وه ذا يع ني ج واز إمك ان تخريج حكم ت داول أس هم ه ذه الش ركات بیع اً وش ً
واعتبار تداول هذه األسهم جزئیة من جزئيات هذه القواعد ،فلئن كانت هذه األسهم ممزوجة بشيء يس ير
من الحرام وغالبها حالل ،فإن الحاجة العامة لتداول هذه األسهم قائمة وملحة ،وهي تقتضي اغتفار هذا
()60
الیسیر المحرم في حجم السهم ،وعدم تأثيره على جواز تداوله.
إن اختالط قليل الحرام بكثير المباح ،ال يحرم المباح ألجل الحرام القليل ،خاصة إذا كان يمكن فصل هذا .4
الح رام القلي ل ،وهو ممكن فيما يع رف ب التطهير ،وقد نص كث ير من العلم اء على إن ه ذا الن وع من
االختالط ال يغلب فيه الح رام ،ومنهم ش يخ اإلس الم ابن تيمية ال ذي ي رى :ب أن الح رام إذا اختلط ب الحالل
فهذا نوعان:
أحدهما :أن يكون محرماً بعينه كالميتة فإذا اشتبه المذكى بالميتة َح ُر َما جميعاً.
الثاني :ما حرم لكونه غصباً أو المقبوض بعقود محرمة كالربا والميسر ،فهذا إذا اشتبه واختلط بغيره
لم يحرم الجمي ع ،بل يم يز قدر هذا من قدر هذا فيصرف هذا إلى مستحقه وهذا إلى مستحقه.
()61وهذا ما أفاده كالم تلميذه ابن قيم الجوزية حيث قال( :إذا خالط ماله درهم حرام أو أكثر منه
أخرج مقدار الحرام ،وحل له الباقي بال كراهة) (.)62
اقامة األكثر مقام الكل اعماالً لقاعدة لألكثر حكم الكل" وبما أن أكثر النشاطات التي تزاولها هذه .5
()63
الش ركات هي نش اطات مباحة ف إن المس اهمة فيها مباحة أيض اً إقامة لألك ثر مق ام الكل ،وإ قامة األك ثر
مق ام الكل هو من معه ودات الش ارع الحكيم ،ق ال الق رافي( :اعلم أن األصل اعتب ار الغ الب وتقديمه على
الن ادر ،وهو من ش أن الش ريعة ،كما يق دم الغ الب في طه ارة المي اه ،وعق ود المس لمين ،ويقصر في الس فر
ويفطر ،بناء على غالب الحال،وهو المشقة ،ويمنع شهادة األعداء والخصوم ،ألن الغالب منهم الحيف،
وهوكثير ال يحصى)(.)64
جوازمعاملة غير المسلمين من اليهود والنصارى وغيرهم ممن ال يتورعون عن التعامل بالربا فلقد .6
عامل الن بي اليه ود وب ايعهم وش اراهم وت وفي-ص لى اهلل عليه وس لم -ودرعه مرهونة عند يه ودي،
واليهود أكالون للسحت والبد أن يخالط أموالهم الكثير مما هو محرم(.)65
القياس على بعض البيوع كبيع الوفاء عند الحنفية مع أن مقتضاه عدم الجواز ،ألنه إما من قبيل الربا، .7
ألنه انتف اع ب العين بمقابلة الدين ،أو ص فقة مش روطة في ص فقة كأنه ق ال :بعته منك بش رط أن تبيعه م ني
إذا جئتك ب الثمن ،وكالهما غ ير ج ائز ،ولكن لما مست الحاجة إلي ه في تج ارة بس بب ك ثرة الديون على
84
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المجلة األردنية في الدراسات اإلسالمية ،مج ( ،)11ع ( 1436 ،)1ه2015/م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أ.د .عبد المجيد الصالحين ود .موسى أبو سويلم
أهلها ج وز على وجه أنه رهن أبيح االنتف اع بثمراته ومنافعه كلبن الش اة ،وال رهن على ه ذه الكيفي ة
جائز(.)66
قياس الربا القليل التابع ،على الحرير للرجال ،فيباح لهم علم الحرير في الثوب( ،)67ويؤيده حديث عمر – .8
رضي اهلل عن ه -وفيه (نهى الن بي ص لى اهلل عليه وس لم عن الحرير إلا موضع إص بعين أو ثالثة أو
أربعة)(.)68
ومن األدلة التي استدلوا بها القياس على بيع العرايا ،ألن الرسول –صلى اهلل عليه وسلم -أباح بيع .9
العرايا مع أن أصلها يدخل في باب الربا ،حيث لم يجز بي ع التمر بالرطب لوجود النقصان ،وعدم تحقي ق
التماثل الحقيقي ،ومع ذلك أب اح العراي ا لحاجة الن اس إليها(،)69وه ذا ما أش ار اليه ش يخ اإلس الم ابن تيمية
بقوله( :وأباح بيع العرايا ...عند الحاجة مع أن ذلك يدخل في الربا.)70()...
القياس على إباحة العلماء الغرر اليسير( ،)71فمعلوم أن يسير الغرر مغتفر في عقود المعاوضات ،وهذا .10
ما أش ار اليه شيخ اإلس الم ابن تيمية بقول ه( :والش ارع ال يح رم ما يحت اج الن اس إلي ه في البيع ألجل ن وع
(?) انظر :شرح القواعد الفقهية ،الزرقا ،أحمد بن محمد ،ص.155 66
(?) الغامدي ،أحمد بن ناصر بن سعيد ،حكم المساهمة في الشركات المختلطة ،ص.1433 67
(?) رواه البخاري في كتاب اللباس ،باب لبس الحرير للرجال ،وقدر ما يجوز منه ،)5490( ،ومسلم ،كتاب اللباس 68
والزينة ،باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء (.)2069
(?) يعقوبي ،الشيخ نظام يعقوبي ،مجلة النور ،بحث (مبررات اعادة النظر في مسألة االستثمار في أسهم الشركات التي 41
أصل نشاطها مباح ولكنها تتعامل بالفوائد المصرفية) ،عدد ،183سنة1421هـ ،ص.39
(?) الندوي ،علي أحمد ،القواعد الفقهية ،دار القلم ،دمشق ،ط 5 ،2000م ،ص .126 42
(?) اخرجه البخاري عن ابي هريرة ،صحيح البخاري ،كتاب اإليمان ،باب الدين يسر ،الحديث رقم ،39ج ،1ص. 23 45
(?) الجويني،عبد الملك بن عبد اهلل بن يوسف الجويني الشافعي( 478ه1085/م) البرهان في أصول الفقه ،ط ،4م،3 46
تحقيق (عبد العظيم محمود الديب) دار الوفاء بالمنصورة ،مصر1418 ،هـ 19998-م ،ج ،2ص.606
(?) انظر :الزركشي ،المنظور في القواعد2/24، 47
(?) انظر قواعد األحكام في اصالح االنام ،العز بن عبد السالم.2/159 ، 50
(?) المنيع ،عبد اهلل ،بحوث في االقتصاد االسالمي ،ص .230 51
(?) العصيمي ،صالح بن مقبل ،األسهم المختلطة في ميزان الشريعة ،ص ,57الشبيلي ,يوسف بن عبد اهلل ,االستثمار في 53
(?) متفق عليه /من حديث سالم بن عبد اهلل بن أبيه ،صحيح البخاري ،كتاب المساقاة ،باب كتابة القطائع ،الحديث رقم( 55
،)2250ج ،2ص ،838ص حيح مس لم ،كت اب ال بيوع ،ب اب :من ب اع نخالً عليها ثم ر ،الح ديث رقم( ،)1543ج ،3ص
.1173
85 المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية ،مج ( ،)11ع ( 1436 ،)1ه2015/م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المساهمة في الشركاتـ المختلطة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من الغ رر ،بل ي بيح ما يحت اج إلي ه في ذل ك) ( ،)72ووجه القي اس أن الغ رر كما ك ان مغتف راً في عق ود
المعاوضات لقلته فكذا يسير الربا مغتفر في هذه الشركات لقلته ونزارته أيضاً.
االستدالل بالعرف ،فقد جرى عرف الناس على المساهمة في هذه الشركات ومعلوم أن العرف يحتج به .11
ما دام ال يخالف نصوص الشريعة وقطعياتها (.)73
على التسليم بحرمة هذه األسهم لما شابها من الربا وخالطها ،فإن المساهم سوف يتخلص من هذا الربا .12
()74
ع بر ما يع رف ب التطهير ،كما دل على ذلك قوله تع الى﴿ :وإ ن تبتم فلكم رؤوس أمNNوالكم ال تظلمNNون
وال تظلمNNون﴾( ،)75ف إن تخلص المس اهم من ه ذه الفوائد يع ود به إلى رأس ماله وما ضم إلى رأس الم ال
من أرباح مباحة.
.13االحتجاج بالمصلحة ،حيث أن المساهمين قادرون بمساهماتهم على الضغط على أعضاء مجلس اإلدارة
بحيث يمنع ونهم من اتخ اذ الق رارات بممارسة األنش طة المحرمة بما في ذلك التعامل مع البن وك التقليدية
إقراضاً أو استقراضاً (.)76
وفيما يأتي مناقشة لهذه األدلة:
(?) العصيمي ،األسهم المختلطة في ميزان الشريعة ,ص .63الغامدي,أحمد بن ناصر بن سعيد ,حكم المساهمة في 59
الشركات المختلطة.1439،
(?) انظر :عبد اهلل بن منيع،بحوث في االقتصاد اإلسالمي ،ص.239 60
(?) الغامدي ،أحمد بن ناصر بن سعيد ،حكم المساهمة في الشركات المختلطة ،بحث مقدم لمؤتمر أسواق األوراق المالية 63
والبورص ات الخ امس عش ر،ص ،1432انظر بح وث في اإلقص اد اإلس المي ،عبد اهلل بن م نيع ،ص ،230وانظر مجلة
مجمع الفقه اإلسالمي الدورة التاسعة الجزء الثاني ص.83
(?) القرافي ،شهاب الدين أحمد بن أدريس الصنهاجي المالكي(684ه1285/م) أنوار البروق في أنواء الفروق ،ط ،1م 64
(?) الغامدي ،أحمد بن ناصر بن سعيد ،حكم المساهمة في الشركات المختلطة ،ص.1434 71
(?) انظر :مجلة مجمع الفقه اإلسالمي ،الدورة التاسعة ،الجزء الثاني ،ص.72 73
(?) الغامدي ،أحمد بن ناصر بن سعيد ،حكم المساهمة في الشركات المختلطة ،ص.1441 74
(?) الشبيلي ,يوسف بن عبد اهلل ,االستثمار في األسهم والسندات ,ص.6 76
86
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المجلة األردنية في الدراسات اإلسالمية ،مج ( ،)11ع ( 1436 ،)1ه2015/م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أ.د .عبد المجيد الصالحين ود .موسى أبو سويلم
.1أما االستدالل بقاعدة التيسير ورفع الحرج ،فقد أجيب عنه بأجوبة:
()77
أولها :أن القواعد الفقهية عموم اً ليست بحج ه ،وال يمكن االس تناد إليها بإثب ات مس ألة به ذه الخط ورة ،ب دليل
عدم اطرادها ،وأنه يدخلها الاستثناء( ،)78وهذا الجواب ضعيف وغير متجه لما يأتي:
أن االس تدالل إنما هو بالعموم ات القرآنية الرافعة للح رج وال تي تس تند إليها ه ذه القاع دة ،وليست القاع دة
ذاتها.
إن القاع دة الفقهية ال يش ترط اطرادها ليصح إعماله ا ،وإ نما يكفي أن تك ون أغلبي ة ،وقد رأينا كث يراً من
االستثناءات في الكتاب والسنة دون أن يعني ذلك قدحاً في حجيتها.
وألن (األمر الكلي إذا ثبت ،فتخلف بعض الجزئي ات عن مقتضى الكلي ،اليخرجه عن كونه كلي اً ،وأيض اً
ف إن الغ الب األك ثري معت بر في الش ريعة اعتب ار الع ام القطعي ،ألن المتخلف ات الجزئية ال ينتظم منها كلي
يعارض هذا الكلي الثابت)(.)79
وألن االستدالل بالقواعد الفقيهة المستندة إلى الكت اب والسنة ،ليس بمحل للخالف في القواعد الفقهية ،ألنه
يفضي لعدم تجويز االستدالل بالكتاب والسنة ،وهو باطل(.)80
ثانيهاً :إن كثيراً من العلم اء ال ي رون أن الحاجة تنزل منزلة الض رورة( ،)81وهذا الج واب ال يبدو متجه اً ،وذلك
ألنه الخالف بين العلماء في هذه القاعدة ،وإنما الخالف في تنزيل الحاجة الخاصة منزلة الضرورة ،فهل
الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة،أم انها تقتصر على الحاجة العامة فقط؟
ثالثهاً :إن الق ائلين ب الجواز أطلق وا لفظ الحاجة دون أن يوض حوا ماهيته ا ،وكلمة الحاجة يمكن أن يفهم منها ع دة
معان(:)82
ٍ
.1حاجة البلد إلى الش ركات الخدمي ة كالمي اه والكهرب اء ،وال تي ال يمكن االس تغناء عنها في جواز المس اهمة
فيها مراعاة لحاجة الناس ،أما غير الشركات الخدمية كالفنادق والمصانع فال تشملها اإلباحة،وهذه أعلنها
الشيخ الزرقا رحمه اهلل.
.2حاجة الش ركات إلى االق تراض من أجل تموي ل مش اريعها لع دم وج ود مص ارف إس المية تق وم بتمويلها
حتى تستطيع اإلنتاج وهذه ألمح إليها الشيخ عبد اهلل بن منيع ،في حلقة النقاش التي عقدتها الهيئة الشرعية
لش ركة ال راجحي المص رفية لالس تثمار في الري اض ي وم الخميس 12/8/1426هـ،وه ذه الحاجة على من
يرونها العلة في اإلباحة أن يتراجعوا عن هذا القول لوجود مصارف إسالمية تقوم بتموي ل هذه الشركات
من خالل المرابحة الشرعية أو غيرها ألن الحاجة قد زالت والحكم يدور مع علته.
.3وقد يك ون مقص ود الحاجة حفظ أم وال الن اس من الض ياع لع دم وج ود مج االت اس تثمارية ألم والهم ،كما
ي راه بعض المج يزين ،وهذا القول ينبغي االنتهاء عنه حال وجود مجاالت استثمار ال حرمة فيها ،فعلى
بناء
أصحاب هذا القول أن يتراجعوا عن قولهم بالحاجة حال زوالها ،وبخاصة أنهم رأوا جواز المساهمة ً
على الحاجة وبأنها خالف األص ل .والخالصة أن على من يق ول ب الجواز أن ي بين ما هي الحاجة ح تى
ينتهي الناس بانتهائها ،فال يصح االحتجاج بالحاجة دون قيد أو بيان.
وال يخفى ض عف ه ذا الج واب ،ألن تع دد مع اني الحاجة ليس يق دح في وجوده ا ،فه ذه األوجه المختلفة
للحاجة تؤك د ،الج واز والمش روعية ،وال تنفيهم ا ،وال شك أنه كلما ازدادت أوجه الحاجة ومجاالته ا ،زاد
تسويغ المساهمة بسبب وجودها.
87 المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية ،مج ( ،)11ع ( 1436 ،)1ه2015/م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المساهمة في الشركاتـ المختلطة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابعهاً :ادعاء انتفاء الحرج،وذلك ألن ثمة شركات كثيرة تصنف في إطار الشركات النقية التي ال تتعاطى مع
البن وك الربوية اقراض اً،أو استقراض اً أو اي داعاً ،وفي وج ود ه ذه الش ركات مندوحة عن المس اهمة في
الش ركات المختلط ة ،ال تي يختلط فيها الحالل مع الح رام ،وتلك الش ركات ت وفر آفاق اً رحبة وفس يحةً لمن
أراد إستثمار أمواله ( .)83والحقيقة أن هذا الجواب يبدو ضعيفاً أيضاً وغير مسلم ،ألن الشركات المختلطة
هي أكثر الشركات انتشاراً في األسواق العربية واإلسالمية وأن حاجة هذه الشركات للتعاطي مع البنوك
التقليدية كبيرة ألسباب قانونية وتمويلية وائتمانية ،ليس هنا مجال الخوض فيها.
خامسN Nهاً :وأما االس تناد إلى أق وال العلم اء ومنه ا العز بن عبد الس الم ،فقد أج اب عنه الش يخ ص الح بن مقبل
العصيمي ،فقال( :ما ذكروه من كالم العز بن عبد السالم -رحمه اهلل -فليس فيه لمن أجازوا به األسهم
المختلطة وجه حق وذلك من خالل ما يأتي:
أ -أن العز – رحمه اهلل – قال :لو عم الحرام األرض بحيث ال يوجد فيه حالل فهل هناك مسلم يقول بأن
الحرام قد عم وأن الحالل قد ُع ِدم؟ فكيف يستدل بقوله ويستند إلى رأي ه دون النظر إلى شرطه وضابطه
فهو وضع قي داً بأن يعم الحرام األرض وهذا قد يوجد لكن وضع قي وداً أخرى بحيث قال( :وال يوجد في ه
حالل) ،فهل يقول بذلك أحد؟!
ووضع قي داً ثالث اً أن ال يس تحل إال ما ت دعو إلي ه الحاجة ،ومالحظ اآلن أن الح رام قد اس تحل ،مع أن
الحالل منتشر ومتيس ر ،ولُجئ إلى الح رام أيض اً من غ ير حاجة بل من أجل التك اثر ب األموال وتضخيم
األرصدة.
()84
. ب -إن جميع العلماء يستدل ألقوالهم ال بأقوالهم فال عصمة إال هلل ولكتابه ولرسوله
وهذا الجواب ال يبدو متجهاً أيضاً لما يأتي:
.1إن القائلين بالجواز لم يكتفوا بالاستناد إلى أقوال العلماء ،بل إنهم استندوا في المقام األول إلى مبدأ
التيسير ورفع الحرج ،وهو مبدأ مقرر في الشريعة اإلسالمية ،تشهد له نصوص كثيرة من الكتاب
والس نة ،وهو موضع اتف اق بين علم اء األمة س لفاً وخلف اً ،وال أحد يملك أن يج ادل أو يم اري في
صدق هذا المبدأ وكونه من خصائص الشريعة ومن قواعدها الكلية.
.2إن هؤالء العلماء لم يقيدوا الحاجة بالقيود الصارمة التي قيدها بها العز بن عبد السالم.
.3إن هذه القيود التي أوردها العز بن عبد السالم ،إنما تنصب حول حالة جزئية افتراضية ،وليس في
كالم العز ذاته ما يفيد ع دم اعتب ار الحاجة عند عدمها ،فذكر ه ذه القي ود في تلك الحالة االفتراضية
ال يعني بالضرورة أنها باتت تشكل شروطاً العتبار الحاجة واعمالها ،حتى عند العز نفسه.
.4وأما أن أق وال العلم اء إنما يس تدل لها ال به ا ،فص حيح ،ولكن ه ذا ال يمنع أن يس تأنس به ا ،وأن
توضح بها بعض األفكار المستندة إلى نصوص الشريعة أو كلياتها ،أومقاصدها.
سادسهاً :أنه لو سلم باستقامة هذه القاعدة فليس بالضرورة أن يسلم بوجود الحرج والمشقة في منع المساهمة في
هذه الشركات ،وإ ن سلم بوجود المشقة والحرج فليس كل مشقة وحرج يسوغان إبطال الحكم الشرعي إذ
()85
ليس كل مشقة يترتب عليها فوت المطلوب.
(?) العصيمي ،صالح بن مقبل ،األسهم المختلطة في ميزان الشريعة ،ص .55 84
88
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المجلة األردنية في الدراسات اإلسالمية ،مج ( ،)11ع ( 1436 ،)1ه2015/م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أ.د .عبد المجيد الصالحين ود .موسى أبو سويلم
وه ذا الج واب ض عيف أيض اً؛ ألن للمخ الف أن ين ازع في ع دم وج ود المش قة أو اعتبارها إن وج دت
فالمش قة أمر نس بي تختلف فيه أنظ ار الن اس والمش قة إذا ك انت عامة تلحق األمة كلها أو تلحق طوائف
عريضة منها ،فيسيرها يع د ككثير المشقة الفردية؛ ألن المشقة العامة تعظم المشقة الفردية ،وال شك أن
المش قة الحاص لة بمنع المس اهمة في ه ذه الش ركات هي أعظم بكث ير من المش قة الحاص لة بع دم أكل التمر
لدى أصحاب الحوائط والبساتين في مسألة العرايا ،أو في مسألة منع الغرر ،قال ابن تيمية( :من أصول
الش رع أنه إذا تع ارض المص لحة والمفس دة ق دم أرجحهم ا،فهو إنما نهى عن بيع الغ رر ،لما فيه من
المخ اطرة ال تي تضر بأح دهما ،وفي المنع مما يحت اجون إليه من ال بيع ض رر أعظم من ذل ك ،فال يمنعهم
من الض رر اليس ير بوق وعهم في الض رر الكث ير ،بل ي دفع أعظم الض ررين باحتم ال أدناهم ا ،وله ذا لما
نه اهم عن المزابن ة ،لما فيها من ن وع ربا أو مخ اطرة فيها ض رر ،أباحها لهم في العرايا للحاج ة ،ألن
ضرر المنع من ذلك أشد)(.)86
س NNابعهاً :على التس ليم بت وفر الحاجة وقيامه ا ،ف إن إعمالها البد له من ش روط تتمثل في عم وم الحاج ة ،وع دم
افضائها إلى الوق وع في الح رام ،وال شك أن ه ذه الحاجة ال يمكن أن تع ارض بها النص وص ،وأنتم قد
جعلتموها معارضة للنصوص ،ثم إن الحاجة تقدر بقدرها ،وأنتم قد جعلتم الجواز تشريعاً عاماً(.)87
ثامنهاً :إن الحاجة التبيح شيئاً محرماً ،وإ نما تجيز الخروج على بعض القواعد العامة في حاالت معينة
ومحددة(.)88
وه ذا الج واب بعيد أيض اً ،وذلك ألن عم وم الحاجة متوافر في الحاجة إلى المس اهمة في ه ذه الش ركات،
والمتمثلة في ن درة الش ركات الخالية من التع امالت المحرمة ونزارتها مما يجعل ه امش المس اهمة ض يقا
ومح دودا فضال عن حاجة عم وم االمة إلى ال زخم االقتص ادي المتمثل في تن وع االس تثمارات وتع اظم
العوائد وهو ما ت وفره ه ذه الش ركات لكثرتها وتع دد أغراض ها وش يوع انش طتها وتش عبها .وأما إش تراط
عدم إفضائها إلى محرم فإنه يفرغ الحاجة من مضمونها وأهميتها ،ويجردها من ثمرات إعمالها ،فإذا لم
يكن تأثير الحاجة متوجه اً إلى إباحة المحرم عند وجودها فألي شيء يتوجه هذا التأثير ،وما الداعي إلى
إعمالها أص الً ،إن هذا الش رط اإلفتراضي يس لب الحاجة مس وغ وجودها وإ عماله ا ،وأما أن الحاجة تق در
بقدرها ،فصحيح في الجملة ،لكن الحاجة إذا كانت عامة فالبد أن تكون إباحتها عامة كذلك ،فليس يستقيم
أن تكون الحاجة أمراً عاماً ،وتكون اإلباحة تشريعاً خاصاً لبعض األفراد في بعض األحوال.
تاسعها :ثم إن دع وى تحقيق المص لحة والوف اء بالحاجة في البالد اإلس المية منق وض بالش ركات العالمية ال تي
تك ون نس بة الربا فيها مس اوية أو أقل من الش ركات المحلي ة ،ف إن أجزناها س قط اعتب ار المص لحة ،بأنه
المص لحة للبالد العربية واإلس المية بإج ازة المس اهمة بالش ركات العالمي ة ،وإ ن من عناها تن اقض قول ه
بالمسألة الواحدة (.)89
وال يخفى ض عف ه ذا الج واب وذلك ألن كالمنا إنما هو في الش ركات المحلي ة ،ألن المس لمين إنما
يس اهمون في الش ركات المحلية في بل دانهم ،وبالت الي ف إن الحاجة ليست داعية للمس اهمة في الش ركات
89 المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية ،مج ( ،)11ع ( 1436 ،)1ه2015/م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المساهمة في الشركاتـ المختلطة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العالمي ة ،وال مص لحة للمس لمين ت رجى من ه ذه المس اهمة باعتب ار أن نس بة الح رام كب يرة،أما الش ركات
المساهمة المحلية فأن نسبة الحرام فيها قليلة.
عاشرها :إن استباحة المحرمات بحجة الحاجة والتيسير على الناس أمر في غاية الخطورة،ألن فيه فتح اً لذريعة
استحالل المحرمات بحجة الحاجة ،والنبي ما خير بين أمرين إال اخت ار ايسرهما ما لم يكن إثم اً ،فإن
كان إثماً كان أبعد الناس منه ،فاختيار النبي إنما هو اختيار بين مباحات وليس بين مباح ومحرم ،حيث
إن عائشة -رضي اهلل عنها -قد استثنت من التخيير كون أحد الخيارين إثماً (.)90
واء
ويظهر أن ه ذا الج واب ض عيف أيض اً ،وذلك ألن التيس ير ورفع الح رج يصل إلى إباحة المح رم ،س ٌ
أكان ذلك في حال الضرورة كإباحة المحرمات للمضطر ،أو في حال الحاجة كإباحة نظر الطبيب للعورة
للحاجة إلى كشف طبي ،أوإجراء عملية جراحية ونحو ذلك ،ومنه أيض اً إباحة النظر إلى وجه المخطوبة
أو كفيها عند الخطب ة،ف إذا لم يكن التيس ير في إباحة المح رم عند الض رورة والحاج ة ،فكيف يك ون؟ وهل
يتصور أن يكون التيسير في إباحة المباح ،أيحتاج المباح إلى تيسير بإباحته.
.2وأما االستدالل بقاعدة (يجوز تبعاً ما اليجوز استقالال) ،وقاعدة (التابع تابع) :أجيب عنه بأجوبة منها:
إن ه ذه قواعد فقهية ال يج وز اإلحتج اج به ا ،ألن القاع دة الفقهية هي عمل اس تقرائي من قبل الفقيه فال أوالً:
()92 ()91
. تكون حجة ،فضالً عن أنها أغلبية تكثر فيها المستثنيات
وهذا الجواب ضعيف؛ وذلك ألن القاعدة الفقهية،وإ ن كانت قراءة استقرائية لفروع فقهية وأحكامها ،إال
أن هذه الفروع تكون ثابتة بأدلة نصية أو غير نصية ،وبالتالي فإن اإلحتجاج بالقاعدة هو في الغالب
احتجاج بعموم هذه النصوص.
إن هذه القاعدة التنطبق على المساهمة في الشركات المختلطة،وذلك ألن المساهم ال ينتهي به األمر ثانياُ:
عند ش راء الس هم ال ذي يك ون في األصل مباح اً ودخله الرب ا ،ولكنه يص بح ش ريكاً في تعامل الش ركة
كله ا ،ويزيد ص احب األس هم والس ندات هذا المع نى تجلية وإ يض احاً حين يق ول( :إن من الخطأ
االستدالل بها في هذا الموضع ،فالمسألة التي ي دور الكالم حولها هي شراء أسهم شركة من شركات
المساهمة تتعامل بالربا أو بمعامالت وعقود فاسدة ،وإ ن كان األصل في أعمالها الحل ،ونجد في هذه
الصورة أن المساهم حين يشتري سهماً فهو يشترك في كل أعمال الشركة ،ومنها الربا ،والربا ال يب اح
مطلق اً ،والمس اهم ال ينتهي به الح ال عند ش راء الس هم فقط ح تى يج وز تبع اً ما ال يج وز اس تقالالً ،بل
س يكون من حين ش رائه الس هم مش اركاً في أعم ال الش ركة ،ومنها الرب ا ،فهل يق ال :يج وز ألحد أن
يرابي إذا كان الربا قليالً؟ أو هل يجوز ألحد أن يستثمر في التعامل بالربا إذا كان تبعاً ال استقالالً؟ ال
شك أن التعامل بالربا ال يج وز مطلق اً ،إنما ت نزل ه ذه القاع دة على عق ود ب اتت منتهي ة ،تش تمل على
شيء مباح ومحذور تابع لهذا المباح ،فيجوز حي ٍ
نئذ الشراء ،وتنتهي المسألة بانتهاء هذا العقد ،يتضح
ذلك من خالل األمثلة ال تي ذكرها الفقه اء ،ومنها أن الش فعة ال تثبت في األبني ة واألش جار بطري ق
األصالة ،وتثبت تبعاً لألرض إذا بيعت معها)(.)93
إن من شروط إعمال القاعدة أال يكون التابع مقصوداً لذاته،ويضرب له الفقهاء مثالً بزوائد الرهن ثالثاً:
المنفص لة المتول دة ،تتبع ال رهن ،وال يقابلها ش يء من ال دين ،ف إن هلك األصل وبقيت الزوائد وطلب
90
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المجلة األردنية في الدراسات اإلسالمية ،مج ( ،)11ع ( 1436 ،)1ه2015/م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أ.د .عبد المجيد الصالحين ود .موسى أبو سويلم
فكاكه ا ،أصبحت مقص ودة ،فتفك بقدر حص تها من الدين ( .)94ونحن نجد أن ه في الش ركات المس اهمة
المختلطة تك ون الفوائد الربوية مقص ودةً ل ذاتها بالتعام ل ،فال يصح والحالة ه ذه اإلحتج اج بالقاع دة
لفقدان شرطها (.)95
وال يخفى ض عف ه ذا الج واب ،وذلك ألن التبعية الم رادة هنا إنما هي التبعية في أنش طة الش ركة
وأعماله ا ،فالتعامل مع البن وك التقليدية إي داعاً أو إقراض اً أو استقراض اً هو الت ابع لألنش طة المباح ة،
فضالً عن أن المساهمين ال يقصدون أخذ الربا ،فليس لهم سلطة اتخاذ القرار بأخذه فض الً عن قصدهم
ه ذا األخ ذ ،وهم س وف يطه رون أم والهم من ه ذه الفوائد الربوية بعد حص رها ومعرفته ا ،ومن يقصد
الربا ،ال يتطهر منه.
()96
ثم إن ثمة فرق بين المجهول الذي لم تعلم حرمته ,وبين الربا الذي األصل فيه الحظر والمنع ,فال رابعاً:
بد إذاً من النظر إلى كل مس ألة بعينها ويؤيد ذلك ح ديث فض الة بن عبيد في القالدة ال تي فيها خ رز
()97
وذهب ،فقد أمر عليه الص الة والس الم بال ذهب ف نزع وح ده ،ثم ق ال:ال ذهب بال ذهب وزن اً ب وزن
فالمساهمة في هذه الشركات إقرار بدخول الربا معلوم القدر والحرمة في أنشطة الشركة.
وه ذا ض عيف؛ ألنه مب ني على تقرير حرمة الربا وحظ ره والمخ الف ال ين ازع في ذلك أص الً ،وإ نما
ينازع في تغليب هذه النسبة القليلة التابعة غير المقصودة ،والمتوقع التطهر منها على الغالب األعم من
أنشطة الشركة.
خامساً :عدم التسليم بأن الربا في هذه المعامالت تابع للنشاط الذي تقوم به هذه الشركات ،بل هو عمل مستقل
ومنفرد ،بينما المراد بالتابع في القاعدة (ما ال يوجد مستقالً بنفسه ،بل وجوده تابع لوجود غيره فه ذا ال
ينفك حكمه عن حكم متبوع ه)( ،)98ومن ه ذا يظهر أن القاع دة ليست على إطالقها بل هي مش روطة
()99
والربا بعدم قصد التابع واستقالله ومن هنا جاءت قاعدة( :التابع ال يفرد بحكم مالم يكن مقصوداً)
اليتعلق بالنش اط ،فليس ج زء منه وال هو من ش روطه ،ولو قيل ذلك في الت أمين لربما ك ان له وجه
باعتبار أن بعض األنظمة تشترط التأمين في بعض المعامالت التجارية ،أما الربا فال (.)100
وه ذا الج واب ض عيف ،ألن الاس تقاللية في أخذ الفوائد الربوية ال يمكن أن توصف بها الش ركات
المختلطة ،ألن العبرة هو في النشاط الذي من أجله أسست هذه الشركات ،وهذا النشاط هو في الغالب
نش اط مب اح ،ويتضح األمر إذا عكس نا الص ورة ،فقلنا إن الغ رض من انش اء البن وك الربوية إنما هو
التعاطي بالفوائد الربوية أكالً أو إيكاالً مع أن هذه المصارف تمارس أنشطة مباحة كصرف العمالت
وتقديم خدمات مباحة ،كتسديد فواتير االتصاالت والماء والكهرباء إلى غير ذلك من األنشطة المباحة،
ومع ذلك فنحن متفقون على حرمة المساهمة فيها وإ ن كانت تمارس أنشطة مباحة ألن ممارستها لهذه
األنشطة جاءت بطريق التبع ال بطريق االستقالل.
سادساً :المعارضة بقواعد هي أقوى من القاعدة التي استدل بها المخالف كقاعدة "درء المفاسد أولى من جلب
إذا اجتمع الحالل والح رام غلب الح رام" ( ،)102فكيف ت ركتم االحتج اج به ذه ()101
المص الح" وقاع دة"
القواعد الفقهية إلى قواعد أضعف منها كقاعدة التابع تابع؟.
91 المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية ،مج ( ،)11ع ( 1436 ،)1ه2015/م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المساهمة في الشركاتـ المختلطة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وه ذا الج واب ال يب دو متجه اً؛ وذلك ألن إعم ال قاع دة "إذا اجتمع الحالل والح رام غلب الح رام" ليس
على إطالقه ،وإ نما يمكن إعمالها فيما اليمكن فيه فصل الحالل عن الحرام ،أما إذا أمكن فصل الحالل
عن الحرام فال يغلب الحرام؛ ألنه والحالة هذه يمكن االنتفاع بالحالل دون الوقوع في مقارفة المحرم.
كما أن الفقهاء يفرقون بين ما حرم ألصله وبين ماحرم لوصفه ،فيغلبون الحرام في األول إذا لم يمكن
فصله عن المباح وال يغلبونه في الثاني.
ق ال ابن تيمي ة" :الح رام نوع ان :ح رام لوص فه كالميتة وال دم ولحم الخ نزير ,فه ذا إذا اختلط بالم اء
والم ائع وغ يره من األطعم ة ،وغ ير طعمه أو لونه أو ريحه حرم ه ،وإن لم يغ يره ففيه ن زاع ليس ه ذا
موضعه ،والثاني :الحرام لوصفه ،كالمأخوذ غصباً أو بعقد فاسد ،فهذا إذا اختلط بالحالل لم يحرمه،
فلو غصب الرجل دراهم أو دنانير أو دقيقاً أو حنطة أو خبزاً وخلط ذلك بماله لم يحرم الجميع"(.)103
وينبني على هذا الكالم قاعدة أخرى أشار إليها ابن تيمية وهي قاعدة "من اختلط بماله الحالل والحرام
أخرج قدر الحرام والباقي حالل له"(.)104
ونقل ابن حزم اجماع األمة على أن مجرد الخلطة بالحرام ال تحرم المباح فال يزال المسلمون يؤمون
األسواق التي يختلط فيها الحالل بالحرام وتوجد فيها البضائع المسروقة والمغصوبة ،ولم يقل أحد من
المسلمين بحرمة الشراء من السوق ألجل هذه الخلطة ,قال ابن حزم ":ويكفي من هذا كله إجماع األمة
كلها نقالً عص راً عن عص ر ،أن من ك ان في عص ره ص لى اهلل عليه وس لم وبحض رته في المدين ة ،إذا
أراد ش راء ش يء مما يؤك ل ،أو ما يلبس ,أو يوط أ ,أو ي ركب ,أو يس تخدم ,أو يمتل ك,أو أي ش يء ,أنه
ك ان ي دخل س وق المس لمين ,أو يلقى مس لماً ي بيع ش يئاً ويبتاعه منه ،فله ابتياع ه ,ما لم يعلمه حرام اً
بعين ه ,أو ما لم يغلب الح رام عليه غلبة يخفى معها الحالل ,وال شك أن في الس وق مغص وباً ومس روقاً
ومأخوذاً بغير حق ,وكل ذلك قد كان في زمن النبي ,فما منع النبي من شيء من ذلك"(.)105
وأما قاع دة درء المفاسد أولى من جلب المص الح ،فتنزيلها على مع امالت الش ركات المختلطة ض عيف
حيث إن القاعدة األقرب لتلك المعامالت واألنشطة هي قاعدة "إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما
بارتكاب أخفهما" (.)106
وأدلة الشرع متضافرة على أنه في هذه الحالة ترتكب المفسدة األخف درءاً لألعظم(.)107
ومن خالل ما تق دم يظهر أن المعارضة بالقواعد آنفة ال ذكر هي معارضة ليست في محله ا ,ذلك أن
اإلختالط في الش ركات المختلطة مما يمكن فيه فصل الم ال الح رام والتخلص منه ع بر ما يس مى
ب التطهير حيث تق وم الش ركات بإص دار تق ارير عن أرباحها ومص ادر تلك األرب اح ،األمر ال ذي يعين
على معرفة نسبة األرباح المتأتية من الفوائد الربوية بالنسبة لمجمل األرباح ،كما أن المفسدة الحاصلة
بعدم المساهمة في هذه الشركات مما يستتبع ضعفاً في مجمل االقتصاد المحلي لكل بلد إسالمي أعظم
من مفسدة مقارفة الربا مع أن هذه المفسدة يتم تجنبها عبر ما يعرف بالتطهير.
إن إعمال هذه القاعدة على إطالقها يلزم منه القول باستحالل قليل الربا تبعاً لحل األصل في الشركة, سابعاً:
()108
. وهذا الالزم باطل فيدل على بطالن ملزومه
(?) الزرقا ،أحمد بن محمد ،شرح القواعد الفقهية ،ط2001م6 ،م ،دار البشير ،جدة ،السعودية ،ص .201 106
(?) النووي ,شرح النووي على مسلم ,4/158,ابن حجر ,فتح الباري , 2/161,ابن تيمية ,مجموع الفتاوى.31/92 107
92
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المجلة األردنية في الدراسات اإلسالمية ،مج ( ،)11ع ( 1436 ،)1ه2015/م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أ.د .عبد المجيد الصالحين ود .موسى أبو سويلم
وال يب دو ه ذا متجه اً؛ وذلك ألن الق ول بج واز المس اهمة ,إعم االً للقاع دة المتقدمة اليس تلزم اس تحالل
الرب ا ,بل غاية م ايلزم من ه ,الق ول بج واز المس اهمة في ه ذه الش ركات وإ باحة ه ذا الن وع من المعاملة
لتبعيتها لألصل على أن يتم تطه ير ه ذا الم ال للتخلص من الفوائد الربوي ة ,فاتضح ب ذلك الف رق بين
استحالل الربا والقول بجواز المعاملة والعفو عن قليله تمهيداً للتطهر منه.
.3وأما االستدالل بعدم إمكانية التحرز ووقوع الحرج والمشقة بسبب ذلك فيتوجه إليه عدة أجوبة وإ يرادات
فيما يأتي أبرزها:
المنازعة في اندراج مسألة المساهمة في الشركات المختلطة تحت أصل عدم القدرة على التحرز ،ذلك أوالً:
أن هذا األصل ينطبق على مسائل فقهية تنطوي على تكاليف شرعية يجعل عدم امكانية التحرز عنها
القي ام به ذه التك اليف مش تمالً على مش قة زائ دة عن مش قة التكليف ذات ه ،وليس يص دق ذلك على مس ألة
المس اهمة في تلك الش ركات ،فكث ير من المس لمين يمتنع ون عن المس اهمة فيها وال تلحقهم ل ذلك مش قة،
والحق أن هذا ضعيف؛وذلك ألن الفئة التي نتحدث عن عدم قدرتها على التحرز ولحوق المشقة بها
هي فئة مخصوصة ومح ددة ،وهي فئة المس تثمرين ولس نا نتح دث عن عم وم المس لمين ح تى يق ال إن
كث يراً من المس لمين يمتنع ون عن المس اهمة في تلك الش ركات ويمكنهم التح رز عنها وال تلحقهم ب ذلك
مش قة.ثم إن فقهاءنا لم يش ترطوا إلعم ال أصل عم وم البل وى وع دم إمكاني ةالتحرز أن يتن اول جميع
المس لمين ،وإ نما ك انوا في الغ الب يتح دثون عن ش رائح وفئ ات بعينه ا،حيث ق الوا ب العفو عن النجاسة
التي تلحق الجزارين ،فيعفى في حقهم عن قليل الدم لعدم امكانية تحرزهم من ذلك،وال يعفى عن نفس
المقدار من الدم في حق غيرهم مما ال تضطره طبيعة عمله إلى مباشرة النجاسة أو مخالطتها؛ فض الً
عن أن المش قة والح رج قد يلحق ان مجم وع األمة إذا أدى الق ول بحرمة المس اهمة في الش ركات
المختلطة إلى انسحاب المسلمين الملتزمين بإسالمهم الحريصين على شرع اهلل من الحياة االقتصادية
لألمة وعن دها يتحكم بها أقط اب االقتص اد الرب وي وحيت ان المض اربات ومح ترفو االقتص اد الرم زي
الرقمي الورقي الذي ال يكون له رصيد عيني حقيقي.
التناقض في أحكامهم( ،)109حيث أننا نعلم أن ما ال يمكن التحرز منه يعفى عن يسيره وال يلحق المكلف ثانياً:
داء ثم يوجب ون
ح رج إذا تلبس ب ذلك اليس ير ،بينما نجد الق ائلين بج واز المس اهمة ي بيحون المس اهمة ابت ً
على المساهم أن يتخلص من النسبة الربوية من عوائد تلك المساهمة ،وهذا تناقض؛ ألن المساهمة إن
كانت حرام اً يأثم المسلم إن ساهم فيها ،وإ ن كانت مباحة ،لم يلزمه أن يتخلص من الجزء الحرام في
مس اهمته والحق أن ه ذا ال يب دو متجه اً؛ وذلك ألن إباحة المس اهمة ته دف إلى تمكين المس لم من
الحص ول على العوائد المباحة ال تي تش كل األس اس والغ الب في عوائد تلك الش ركات ،بينما أوجب
أنص ار المس اهمة التخلص من الج زء الرب وي كي تخلص العوائد مما ش ابها من الرب ا ،وله ذا فيظهر
للباحث أن أنصار المساهمة متوازنون ،فعلى حين أباحوا المساهمة تغليب اً لجانب العوائد المباحة التي
هي األصل والغالب ،فإنهم لم يهملوا هذه النسبة القليلة من العوائد الربوية ،فأوجبوا التخلص منها.
الفرق بين مسائل التحرز عموماً ومسألة المساهمة حيث ان مسائل التحرز ال يكون فيها عمد بخالف ثالثاً:
مس ألة المس اهمة حيث لو ف رض أن رجالً أتى بقليل النجاسة ووض عه على ثوبه ف إن الث وب يتنجس
93 المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية ،مج ( ،)11ع ( 1436 ،)1ه2015/م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المساهمة في الشركاتـ المختلطة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لتعم ده ،بخالف ما لو أص اب ثوبه نجاسة يس يرة من غ ير تعمد من ه ،وليس األمر ك ذلك في مس ألة
المساهمة ،حيث القصد والتعمد فيها واضحان (.)110
ويظهر للباحثين أن هذا ضعيف هو اآلخر ،وذلك ألن المساهم وهو يساهم في هذا النوع من
الش ركات ال يقصد إلى ه ذا القليل المح رم وإ نما يه دف إلى الكث ير المب اح فه ذا الج واب يرتكز على
تعمد المساهمة الربوية ،والمساهم في هذا النوع من الشركات ليس كذلك فال يبقى لهذا الجواب مرتكز
يرتكز إليه.
.4وأما مسألة اختالط المال الحرام بالمباح فإن هذا االستدالل يرتكز على مرتكزين رئيسين:
أولهما :اإلختالط في ذات الم ال ،بمع نى أن الم ال المب اح ش ابه م ال ح رام ،وفي ه ذا اإلط ار ف إن العلم اء لم
يجوزوا التصرف بالمال المباح الذي اليمكن فصله عن المال الحرام قبل التخلص من الجزء المحرم
في ه ،فمن ك ان لديه م ال مب اح وفيه ق در من الح رام ،فعليه أن يخ رج الح رام أوالً إذا ك ان معروف اً ،أو
مق داره ال ذي ال يع رف عين ه ،فال يتص رف فيه ح تى يع رف ق در ه ذا من ق در ه ذا وال يتص رف قبل
ذلك(.)111
ثانيهما :أن تكون الحرمة متعلقة بالمالك الذي يختلط في ماله الحرام والمباح ،فمعاملة هذا المالك مشروطة بعد
()112
تم يز الحالل عن الح رام ،وليس األمر ك ذلك في مس ألتنا ،ألن المس اهم يتص رف في الم ال بيع اً
وش راءاً وت داوالً بم وجب ملكيته في الش ركة قبل أن يع رف النس بة الربوية كي يتخلص منه ا ،وقل مثل
ذلك في المرتكز الثاني حيث ال تعرف النسبة وال تتميز قبل المشاركة(.)113
وه ذا ض عيف هو اآلخ ر،وذلك ألن التخ ريج على أق وال الفقه اء ،فروع اً أو أص والً ال يك ون به ذه
الطريق ة ،حيث أن المس اهم عند المس اهمة ال يمكن أن ي تيقن من حص وله على أرب اح في ه ذا الس هم
أصالً ،بل قد تكتنفه الخسارة ،وهنا اليمكننا أن نتحدث عن مال معين أو غير معين ،كما اليمكن معرفة
مقداره فضالً عن أصل حصوله ،إال بعد صدور تقارير اإلفصاح من الشركات المعنية،وعندها يصح
التخ ريج ،وبه ذا ف إن المس اهم يتخلص من المق دار غ ير المعين بانفاقه في أوجه ه ،فيك ون ه ذا التخ ريج
الفقهي صحيحاً ومحققاً لشروط التخريج في اختالط المال المباح بالحرام والتي أشير اليها ب ،وبعبارة
أخرى فإن الكالم الوارد في محله عندما يتميز الحرام عن المباح وهذا ال يكون اال بعد صدور تقارير
اإلفص اح ،والرج وع إلى بيان ات الش ركة في تحديد االرب اح والعوائد إنما يك ون بعد ص دور بيان ات
االفصاح ال قبله الن األرباح والخسائر قبل ذلك غير منظورة أو غير محققة.
.5وأما االستدالل بقاعدة لألكثر حكم الكل ،فأجيب عنه بعدة أجوبة منها:
أن ه ذه القاع دة ليست مطلق ة ،كما أنها ليست مط ردة( ،)114فلقد ورد على ألس نة الفقه اء تقيي دها ب أغلب أوالً:
األح وال ،فيقول ون إن لألك ثر حكم الكل في أغلب األح وال( .)115وه ذا الج واب ال يق دح في الاحتج اج
بالقاعدة فكون أن لألكثر حكم الكل في أغلب األحكام ال يمنع أن تكون المساهمة في الش ركات المختلطة
داخلة في هذا األغلب ،بل إن دخولها فيه أقوى من دخول غيرها من األحكام بسيطرة األعمال المباحة
على هذا النوع من الشركات ولحاجة المسلمين للتعامل به.
()116
.فالذي يفهم إن هذه القاعدة معارضة لقوله صلى اهلل عليه وسلم( :ما أسكر كثيره ،فقليله حرام) ثانياً:
من لفظ هذا الحديث يفيد عكس هذه القاعدة تماماً ،إذ يفهم منه إقامة األقل مقام األكثر ،وإ عطاؤه حكمه،
وليس إقامة األكثر مقام الكل.
94
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المجلة األردنية في الدراسات اإلسالمية ،مج ( ،)11ع ( 1436 ،)1ه2015/م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أ.د .عبد المجيد الصالحين ود .موسى أبو سويلم
والحق أن ادع اء المعارضة ه ذا غ ير متج ه ،وذلك ألن الح ديث يتح دث عن الخم ر ،ال تي قد يفضي
الته اون في ش رب القليل منها إلى ش رب الكث ير ،فض الً عن أن الن اس متف اوتون بالت أثر بش ربها ،فلربما
أس كر منها القليل أناس اً ،لو ش ربه آخ رون أو أك ثروا منه ما س كروا ،فال يعد ه ذا الح ديث معارض اً لها
وال قادح اً في حجيتها ،ولو سلمنا جدالً أن تلك القاعدة معارضة بهذا الحديث أو بما يفيده فما المانع أن
يك ون ش رب الخمر من بين مس تثنيات ه ذه القاع دة ،ومعل وم أن القاع دة الفقهية هي أحك ام أغلبية تنطبق
على غ الب الح االت ،ال على كلها له ذا كله يتضح أن معارضة القاع دة بالح ديث أو بمدلوله ال تب دو
متجهةً وال موصلة إلى مبتغى المحرمين في نسف االستدالل بهذا األصل.
إن الزم االستدالل بهذه القاعدة أن تكون العوائد الناشئة عن تلك المساهمة مباحة؛ وذلك ألن أكثر ثالثاً:
العوائد متأتية من مج االت مباح ة ،لكن أنص ار المس اهمة تناقض وا في ذلك ف أعملوا قاع دة إقامة األك ثر
مقام الكل في تجويز المساهمة ،ولم يعملوها في استباحة العوائد( .)117غير أن هذا ال يبدو متجه اً وذلك
ألن إفت اء أنص ار المس اهمة ب إخراج ما ي وازي النس بة الربوية من العوائد يتخ رج على قاع دة أخ رى،
وهي قاع دة تغليب الح رام إذا أمكن فص له ،كما أنه يس تند إلى مب دأ وج وب التخلص من الح رام كي
يتطهر الب اقي ،وتطيب به النفس ،وبخاصة وأن ه ذا الح رام ال ي ؤمن أن يك ون داخالً في الح ديث
الشريف الذي فيه ( ...وذكر الرجل أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يقول يارب يارب ،ومطعمه حرام
وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك)( .)118وبذا يتضح الفرق بين إقامة األكثر مقام الكل في
تجويز أصل المساهمة ،وبين عدم إقامته في استباحة العوائد.
وأما االستدالل بمعاملة اليهود ،ومن خالط أموالهم الحرام ،فقد أجيب عنه بالفرق بين .6
أن تبايع اليهود أو تشاريهم،وهذا جائز لفعله صلى اهلل عليه وسلم ،وبين أن تقيم شركة معهم أو مع غيرهم
ممن اختلطت أم والهم بين الحالل والح رام وش ابها ش يء من الح رام( ،)119فمبايعة اليه ود ومش اراتهم تك ون
مقابل ع وض يب ذل في المبايعة والمش اراة ،ويك ون م ال المس لم متم يزا عن م الهم ،بخالف الش ركة ،حيث
يك ون الم ال مختلطا وحيث أن الش ركة معهم ت ؤثرعلى الق رارات ال تي يتخ ذها مجلس اإلدارة فيما يتعلق
باألنشطة المحرمة تجنبا ،أو ممارسة.
لكن هذا الفرق ال يبدو في محله ،فباإلضافة إلى ما سبق أن ذكرناه في الجواب عن دليل اختالط األموال،
رق معق ول بين أن تب ايع أو تش اري من ش اب أم والهم الح رام ،وبين أن ت دخل ش ريكاً معهم في
فال يب دو ف ٌ
شركة ،وإ ذا كان ثمة من فرق فإن هذا الفرق قطعاً لصالح المساهمة وليس في صالح منعها ،وذلك ألنك إن
اش تريت من أص حاب األم وال المختلطة أو بعتهم ،فلربما اش تريت الم ال الح رام ،أو قبضت الثمن الح رام،
ٍ
منتف في المساهمة التي ال يكون الحرام في الغالب فيها متعين اً ،باإلضافة إلى أن المبايع أو المشاري وهذا
ال يلزمه التخلص من النسبة المحرمة ،بخالف المشارك والمساهم الذين يلزمهما التخلص من هذه النسبة،
وبهذا يظهر جلياً أن الجواب عن هذا االستدالل ليس في محله.
وأما القياس على بيع الوفاء ،فال يسعف أنصار المساهمة ،وذلك لأنهم في هذه الحالة .7
يكون ون قد قاس وا ب اطالً على باط ٍل ،حيث إن بيع الوف اء باط ل ،ص در في بطالنه ق رارات مجمع الفقه
اإلس المي حيث ج اء فيه ا :أن حقيقة ه ذا ال بيع (ق رض جر نفع اً) ،فهو تحايل على الربا وبع دم ص حته ق ال
جمهور العلماء ،وجاء أيض اً يرى المجمع الفقهي أن هذا العقد غير جائز شرعاً( .)120بيد أن هذا ال يبدو
متجه اً وال في محل ه ،ألن أنص ار المس اهمة لما قاس وا المس اهمة على بيع الوف اء فإنما قاس وه على الم ذهب
95 المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية ،مج ( ،)11ع ( 1436 ،)1ه2015/م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المساهمة في الشركاتـ المختلطة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ال ذي يص حح بيع الوف اء وإ ال لما صح قي اس ق ط ،ألنه ما من أصل-وأع ني باألصل هنا -األصل القياس ي،
أي باعتب اره ركن اً من أرك ان القي اس فما من أصل به ذا اإلعتب ار إال وهو مختلف بحكم ه ،فلو قلنا ببطالن
هذا القياس لما صح قياس قط(.)121
وأما االستدالل بقياس المساهمة في الشركات المختلطة من حيث الجواز على لبس .8
الحرير للرجال فأجيب عنه بأنه قياس مع الفارق ،فقد ورد النص بإباحة القليل التابع من الحرير ،ولم يرد
ٍ
متجه مثله في ربا الديون ،ثم إن الحرير يباح أحياناً للحاجة ابتداءاً وليس كذلك ربا الديون( .)122وهذا غير
أيضاً؛ وذلك ألن الحرير إن أبيح قليله للرجال لدعاء الحاجة إليه فإن المساهمة في تلك الشركات هي أكثر
اس تدعاءً للحاج ة ،وذلك ألن الحاجة إلى لبس الحرير هي حاجة شخص ية وفردية في حق من احت اج إلى
لبسه بخالف المساهمة في هذه الشركات فإن الحاجة فيها هي حاجة أمة إلى تفعيل اقتصادها وبالتالي فهي
حاجة عامة والحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة كما سبق أن بينا في مناقشة الدليل األول.
وأما القياس على بيع العرايا فأجيب عنه بما يأتي(:)123 .9
أن استثناءه ورد بالنص فالذي استثناه ،هو النبي : أوالً:
أن هذا القياس قد أبطل بقرار من المجمع الفقهي اإلسالمي ،حيث جاء فيه( :بأن االحتجاج بالعرايا ال ثانيا:
تثناء بنص خ اص وهو ما يع بر عنه بما ج اء على خالف القي اس ،فقد
يصح ألن تجويز العراي ا ورد اس ً
اشترط جمهور الفقهاء واألصوليين في حكم األصل أال يكون معدوالً به عن سنن القياس)(.)124
وهذه األجوبة في مجموعها غير كافية -في تقديري -لمنع القياس على بيع العرايا ،وذلك بالنظر إلى
علة إباحة بيع العراي ا ،واس تثناءه من األنم اط الربوية في ه ذا اإلط ار ،وذلك أن الحاجة داعية إلى مثل
ه ذا الن وع من ال بيوع كي يتمكن ص احب ال رطب من أكل التم ر ،أو يتمكن ص احب التمر من أكل
ام يمس
نى خاص اً مح دوداً في ذلك الزم ان والمك ان ،وإ نما هي أمر ع ٌ
ال رطب ،والحاجة ليست مع ً
مجم وع األم ة ،ف إذا أبيحت العرايا من أجل ه ذه الحاجة الشخص ية الفردية فألن تب اح المس اهمة
بالش ركات المختلطة تلبية لحاجة عامة من ب اب أولى بل إن الحاجة العامة ت نزل في كث ير من األحي ان
منزلة الضرورة.
.10وأما االستدالل بقياس المساهمة في الشركات المختلطة على بيع الغرر فقد أجيب عنه بما يلي:
أنه قياس مع الفارق ،ألن الغرر اليسير ،إنما اغتفر في عقود المعاوضات ألنه أمر يكاد يكون مالزم اً أوالً:
لتلك العقود بحيث يندر أن يقع عقد منها بدون الغرر وأقوال العلماء في ذلك كثيرة ومنها:
.1قال المواق( :يسير الغرر عفو إذ ال يكاد عقد يخلو منه)(.)125
.2قال ابن عبد البر( :وال يكاد شيء يخلو من البيوع يسلم من قليل الغرر فكان معفواً عنه)(.)126
.3وق ال الش اطبي ( :وبالنس بة إلى الم ال أيض اً في ال ترخيص في الغ رر اليس ير والجهالة ال تي ال
انفكاك عنها في الغالب)(.)127
لكن هذه المسامحة وذاك االغتفار اللذين رأيناهما في الغرر اليسير في عقود المعاوضات ،لسنا نرى
نظيراً لهما فيما يتعلق بيسير الربا ،بل الذي رأيناه تشدداً في الربا وما يستتبعه من آثار ،ومن هنا فرق
العلماء بين يسير الغرر ويسير الربا ،قال ابن تيمية( :ومفسدة الغرر أقل من الربا ،فلذلك رخص فيما
(?) ابن عبد البر ،التمهيد لما في الموطأ من المعاني واألسانيد (.)2/191 126
96
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المجلة األردنية في الدراسات اإلسالمية ،مج ( ،)11ع ( 1436 ،)1ه2015/م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أ.د .عبد المجيد الصالحين ود .موسى أبو سويلم
ت دعو الحاجة اليه من ه ،ف إن تحريمه أشد ض رراً من ض رر كونه غ رراً ،مثل بيع العق ار جملة وإ ن لم
يعلم دواخل الحيط ان واألس اس ،ومثل بيع الحي وان الحامل أو المرضع وإ ن لم يعلم مق دار الحمل أو
()128
وقال المواق( :الربا اللبن ،وإ ن كان قد نهي عن بيع الحمل مفرداً ،وكذلك اللبن عند األكثرين).....
ال يج وز منه قليل وال كثير ال لتبعية وال لغير تبعية)( ،)129وقال الخطابي( :ال فرق بين القليل والكثير
فيما يدخله الربا)(.)130
والحق أن هذا الجواب ال يبدو متجه اً؛ وذلك ألن مبناه على عدم التفرقة بين يسير الربا وكثيره ،وهذا
إنما يك ون في األح وال العادية بعي داً عن الحاجة وفي مع زل عن االختالط بالمب اح ،والنص وص ال تي
أوردها الفقهاء في عدم التفرقة بين يسير الربا وكثيره تنصرف إلى التفاوت في مقدار الربا ،بمعنى أنه
ال فرق بين أن تكون الزيادة الربوية على رأس المال ديناراً واحداً أو مئة دينار ،وال تعرض في هذه
النص وص وفي غيرها لمس ألة المس اهمة المبتن اة على ك ون المعاملة في غالبها مباح ة ،وقد يتس لل الربا
إليها عن غير قصد ،فشتان بين هذا وذاك.
ومع هذا فإن أنصار المساهمة لم يفرقوا بين كثير الربا ويسيره عندما أوجبوا على المساهم أن يتخلص
من هذه النسبة الربوية التي تسللت إلى عوائده جراء المساهمة ،وبذا فإن هذا قد أتي عليه من القواعد
فما عاد قادراً على إبطال القياس المشار اليه.
أن االغتفار والمسامحة بيسير الغرر في عقود المعاوضات ليستا على إطالقهما ،بل هما محفوفتان ثانياً:
بجملة من الشروط ذكر بعض الفقهاء أبرزها ،ككون الغرر يسيراً ومحتاج اً إليه ،وغيرمقصود لذاته،
قال ابن تيمية( :والحاجة الشديدة يندفع بها يسير الغرر)()131وقال المواق( :وقد يجوز الغرر اليسير إذا
دعت الضرورة إليه وال يجوز إذا لم تدع إليه حاجة)( )132وقال النفراوي( :واغتفر غرر يسير للحاجة
لم يقص د ،كأس اس ال دار المبيعة وكالجبة المحش وة ،وأما الس مك في الم اء أوالط ير في اله واء فممتنع
()133
إجماعاً).
الحق أن ه ذا ال يب دو متجه اً؛ وذلك ألن الش روط ال تي أش ار اليها الفقه اء في نصوص هم ال تي أوردنا
طرف اً منها هي ب ذاتها مت وفرة ومراع اة في الق ول بج واز المس اهمة بالش ركات المختلط ة ،ف إن األرب اح
المتأتية عن معاملة تلك الش ركات مع المص ارف التقليدية اقراض اً أو استقراض اً أو إي داعاً هي في غاية
القلة وال نزارة إذا ما قيست ب الحجم الكلي للعوائد المتأتية عن المس اهمة في تلك الش ركات ،وبه ذا يظهر
جلي اً أن الش روط المش ار إليها في إي راد م انعي المس اهمة ملحوظة عند أنص ار المس اهمة ،ألن الق ائلين
بج واز المس اهمة يش رطون ه ذه الش روط إلباحة المس اهمة ابت داءً ،ويض يفون إلى ذلك كله ايج اب
التخلص من األرباح المتسللة للعوائد فيما يعرف بالتطهير ،فكيف يقال والحالة هذه إن أنصار المساهمة
لم يلحظوا هذه الشروط؟.
التن اقض عند أنصار المساهمة ،فرغم تجويزهم وإ باحتهم المساهمة في هذا النوع من الشركات اس تناداً ثالثاً:
إلى ه ذا القي اس إال أنهم أوجب وا على المس اهمين التخلص مما ي وازي نس بة الفوائد الربوية من عوائد
المس اهمة ،وه ذا تن اقض ف إذا ك انت المس اهمة في تلك الش ركات اس تناداً إلى القي اس المش ار اليه س ائغة
ومباح ة؛ فما مس وغ إيج اب التخلص من النس بة المش ار اليه ا ،إنه يل زم على ق ول أنص ار المس اهمة
97 المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية ،مج ( ،)11ع ( 1436 ،)1ه2015/م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المساهمة في الشركاتـ المختلطة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وجوب أن يتخلص من ب اع أو اشترى بغ رر يسير ما يوازي هذا الغ رر من ثمن مبيعه ،أو من سلعته
التي اشتراها ،ولم يقل أحد بذلك.
وال يخفى أن ه ذا التن اقض المف ترض ليس قائم اً في الواقع ونفس األم ر ،وذلك ألن تج ويز المس اهمة
وإ باحتها ش يء وإ يج اب التخلص مما ي وازي النس بة الربوية المتس للة إلى عوائد تلك المس اهمة ش يء
آخ ر ،فالجهة منفكة بين األم رين ،وال يل زم من تج ويز المس اهمة اس تباحة تلك النسب الربوية المتس للة
إلى عوائد المساهمة ،ثم إن تجويز المساهمة يكون قبل أن يعرف المساهم إن كان قليل الربا قد تسرب
إلى عوائد مس اهمته أم ال ،وقبل أن يع رف مق دار ه ذا القليل إن وجد ونس بته إلى الحجم الكلي لتلك
العوائد .ومما يل زم أخ ذه بعين االعتب ار هنا أن تجويزالمس اهمة مب ني على ان الح رام نادروقليل،
داء ،لكن ه ذا كله ال يمنع وج وب التخلص من ه ذا
والن ادرال حكم ل ه ،فال ي ؤثر في تج ويز المس اهمة ابت ً
النادر إذا حصل أساسا ،لأن المساهمة ال تؤدي تلقائيا إلى الربح بل قد تتحصل الخسارة وبالتالي فإنه ال
عوائد محرمة ينبغي التخلص منها.
(?) انظر :المواهب السنيه على نظم الفرائد البهية،عبد اهلل بن سليمان الجرهزي الشافعي ،تحقيق :رمزي بن محمد 81
(?) العصيمي ،صالح بن مقبل ،األسهم المختلطة في ميزان الشريعة ،ص.54 83
(?) السعيدي ,عبد اهلل بن محمد,الربا في المعامالت المالية المعاصرة .1/737 96
(?) أخرجه مسلم ,كتاب المساقاة ,باب بيع القالدة التي فيها خرز وذهب-1519- 97
(?) السيوطي ،األشباه والنظائر ،ص .75أبن اللحام ،القواعد والفوائد األصوليه ،ص .20ابن القيم ،بدائع الفوائد ( 111
.)275-3/257
(?) السيوطي ،األشباه والنظائر ،ص.76 112
98
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المجلة األردنية في الدراسات اإلسالمية ،مج ( ،)11ع ( 1436 ،)1ه2015/م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أ.د .عبد المجيد الصالحين ود .موسى أبو سويلم
وأما اس تدالل أنص ار المس اهمة ب العرف فقد أج اب عنه مانعوها ب أن الع رف ال يك ون حجة إذا ص ادم .11
النص وص الش رعية أو القواعد الكلي ة ،أو المب ادىء العامة المق ررة في الش ريعة اإلس المية ،وأنه س اعتها
سيكون عرف اً فاسداً يجب تركه ،قال صالح بن زابن الم رزوقي ،وهو من مانعي المساهمة في رده على
القره داغي من أنصارها( :وقد استشهد بالعرف ،ومن شروط االستدالل بالعرف أال يصادم نصاً شرعي ًا،
والعرف الذي يذكره عرف فاسد يصادم النصوص الشرعية ،فال يصح االحتجاج به)( ،)134والحق أن هذا
الجواب ضعيف لما يأتي:
أما ادعاء معارضته للنصوص فغير صحيح ،وذلك ألن النصوص التي احتج بها مانعوا المساهمة
نص وص عامة ليست ص ريحة في محل ال نزاع ،ويقر بها المخ الف كما يقر بالق در المتفق عليه من
داللته ا ،فال أحد من أنص ار المس اهمة يق ول بج واز الرب ا ،كما ال أحد منهم أيض اً يف رق بين يس يره
وكثيره ،فيبيح اليسير منه دون الكثير ،واإلشكالية التي تبرز هنا ،هي عدم تفرقة البعض بين النص
وبين فهم النص ،فمج وزو المس اهمة وأنص ارها لم يعارض وا النص وإ نما عارض وا فهم م انعي
النص ،بدليل أنهم أوجبوا التخلص من الربا
أما ادعاء معارضتها بمبادىء الشريعة وقواعدها الكلية ،فللمخالف أن يقول أيضاً ،بأن فتوى مانعي
المس اهمة معارضة لقواعد الش ريعة ومبادئها وال تي س اق أنص ار المس اهمة طرف اً منها في أدلتهم
السابقة المجوزة لالستثمارفي هذا النوع من الشركات.
وأما القول بأن تطهير األسهم ،يخلصها من الحرمة التي شابتها ،على التسليم بالحرمة أصالً ،فقد أجاب .12
عنه م انعوا المس اهمة ،ب أن ه ذا االس تدالل ذاته يحمل في ثناي اه التن اقض ،ألن إيج اب أنص ار المس اهمة
(?) انظر :البهوتي ،منصور بن يونس ،كشاف القناع عن متن اإلقناع.)1/281(، 115
(?) أخرجه الترمذي حدیث رقم (( ١٨٦٥وأخرجه النسائي في حدیث رقم ،٥٠٩٧وأخرجه ابن حبان في صحيحه 116
حديث رقم( ،)5370وقال شعيب االرنأوط :حديث حسن .انظر :صحيح ابن حبان.)12/192( ،
(?) العصيمي ،األسهم المختلطة في ميزان الشرع ،ص.65 117
(?) أخرجه مسلم ،كتاب الزكاة ،باب قبول الصدقة من الكسب الطيب ،الحديث رقم.1686 118
(?) انظر :مجلة المجمع الفقهي اإلسالمي ،الدورة السابعة ،الجزء الثالث ،ص.557 120
ٍ
أصل متفق عليه بين المخالف فرع مختلف فيه على
(?) لكن يشترط حتى يكون القياس ملزماً للمناظر أن يتم قياس ٍ 121
والقائس لكن ليس بالضرورة أن يكون حكم األصل متفقاً عليه عند كافة الفقهاء.
(?) الغامدي ،مؤتمر االسواق واألوراق المالية والبورصات ،ص.1434 122
(?) انظر :مجلة المجمع الفقهي اإلسالمي ،الدورة التاسعة ،الجزء الثاني ،ص.165 124
(?) النفراوي ،الفواكه الدواني في شرح رسالة ابن ابي زيد القيرواني.)2/80( ، 133
99 المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية ،مج ( ،)11ع ( 1436 ،)1ه2015/م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المساهمة في الشركاتـ المختلطة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التطهير يدل على الحرمة بينما مذهبهم الجواز ،كما سبق أن ذكرنا ذلك في أجوبة مانعي المساهمة على
بعض أدلة أنص ارها ،وعرفنا هن اك أيض اً ض عف ه ذا ،وأنه ال تن اقض النفك اك الجهة بين حكم أصل
المساهمة ،وبين حكم التخلص من الربا المتسلل إلى العوائد.
وأما االستدالل بالمصلحة فقد أجيب عنه بجوابين(:)135 .13
إن هذه المصلحة معارضة بمفسدة مساوية لها أو راجحة عليها ومعلوم أن درء المفاسد أولى من أ.
جلب المصالح.
إن المصلحة المترجاة من المساهمة هي مصلحة مظنونة بينما المفسدة الناشئة عن تلك المساهمة ب.
محققة ,فكيف تقدم المصلحة المضنونة على المفسدة المحققة؟.
وهذان الجوابان يبدوان ضعيفين؛ وذلك ألن للمخالف أن يقلب االستدالل فيقول إن ترك المساهمة في هذه
الش ركات فيه مفس دة تتمثل في س يطرة رأس الم ال الح رام على الس وق وانس حاب المس لمين من الحي اة
االقتص ادية ،وما ينش أ عن ذلك من مفاسد ,وأن في المس اهمة مصلحةً عندما يأخذ المس لمون نصيبهم في
الحي اة االقتص ادية وربما أث روا في أرب اب االقتص اد الوض عي ال ذي ال يعب أ كث يراً ب القيم األخالقية.كما
يمكن الق ول ب أن في االستثمارمص لحة للمس لمين بتنمية األم وال وزيادتها حيث يك ون لهم دور ب ارزفي
النش اط االقتص ادي الع المي وإ ن ما يش وب االس تثمارمن معاملة محرمة فهو ن ادر ،فال مس اواة بين
المصلحة الغالبة والمفسدة النادرة.
100
المجلة األردنية في الدراسات اإلسالمية ،مج ( ،)11ع ( 1436 ،)1ه2015/م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أ.د .عبد المجيد الصالحين ود .موسى أبو سويلم
الربا وقليله ،وإ نما فرقوا بين كونه تابعاً غير مقصود لذاته وليس مشروطاً في عقود الشركة أو في
لوائحها ،وبين كونه أصلياً ومراداً لذاته ،وال يخفى أن ثمة فرق بين هذا وذاك.
ج .إن محاولة إظهار التناقض في مذهب أنصار المساهمة لم تكن محاوالت جادة ،بل ك انت في أكثرها
محاوالت ضعيفة شابها شيء من اإلخفاق ،ومثال ذلك ادعاء التناقض بين تجويز أنصار المساهمة
في تلك الش ركات ال ذي يفهم منه إباحة المس اهمة وحله ا ،وبين إيجابهم التخلص من الربا المتس لل
عوائ دها ،ع بر ما يع رف ب التطهير وال ذي يفهم منه حظر المس اهمة وتحريمه ا ،إذ لو ك انت ه ذه
المساهمة مباحة وجائزة لما وجب التخلص من الربا المتسلل إلى عوائدها ،ألنه يكون والحالة هذه
قد تولد عن أمر مب اح ،فلا يك ون حرام اً .والحق أنه ليس ثمة تن اقض النفك اك الجهة كما س بق وأن
بينا في تلك المناقش ات ،وألن التطه ير هو من ب اب التخلص من ذلك الربا المتس لل الت ابع غ ير
المقصود.
إن محاولة إبطال بعض القواعد التي ساقها أنصار المساهمة بادعاء معارضتها بقواعد أقوى منها د.
لم يس عف م انعي المس اهمة،وذلك ألن ه ذه المعارضة غ ير مس لمة وعلى ف رض تس ليمها فإنها وإ ن
أبطلت قاع دة من القواعد ال تي س اقها الجمه ور فال تبطل س ائر القواع د ،ومن ذلك ادع اء م انعي
المس اهمة إبط ال قاع دة إقامة األك ثر مق ام الكل وال تي اس تدل بها أنص ار المس اهمة على تج ويز
المس اهمة في الش ركات المختلطة بقاع دة درء المفاسد أولى من جلب المص الح ،فه ذه القاع دة ال
تنهض معارض اً لقاع دة إقامة األك ثر مق ام الك ل ،وذلك ألن ألنص ار المس اهمة أن ي دعوا أن ه ذه
القاع دة تس عفهم ،وال تبطل أدلتهم بل تؤك دها ،وذلك ب القول ب أن ت رك المس اهمة في الش ركات
المختلطة مفسدة تفضي إلى تغول االقتصاد الربوي وال تتيح أمام أرباب االقتصاد اإلسالمي فرصة
إلثب ات فاعليته وج دواه ،وأن ه ذه المفس دة يجب درءه ا ،ودرءها مق دم على المص لحة المتمثلة في
ع دم مقارفة الرب ا ،فض الً عن أن درء المفاسد مق دم على جلب المص الح في المفس دة المس اوية
للمصلحة أو الرجحة عليها ،وألنصار المساهمة أن يدعوا أن هذه المفسدة على التسليم بها هي أقل
بكثير من المصالح المتأتية عن المساهمة.
إن القول بحصر جواز المساهمة في الشركات الحيوية القتصاد األمة أو تلك الشركات التي ال يستغني .4
المسلمون عن خدماتها كشركات الماء والكهرباء ال يبدو متجه اً؛ وذلك ألن حيوية الشركة وضروريتها،
والحاجة لها أمر نسبي ،باإلض افة إلى كون ه أمراً متغيراً ،فإن شركات االتصال مثالً هي أيض اً شركات
حيوية القتص اد األمة في هذه األي ام وذلك للحاجة إلى تلك الش ركات في القي ام بالأعم ال المختلفة ،كما أن
الشركات العقارية التي تقوم ببناء المساكن أو تطوير األراضي أيض اً تعتبر شركات حيوية ألنها تتعامل
مع حاج ات ض رورية للمس لمين ،تتمثل في إيج اد الس كن وتقديمه بكلف أقل للن اس فض الً عن ق درة ه ذه
الش ركات على مراقبة الج ودة في تلك المس اكن األمر ال ذي ال يت اح مثله لألف راد ،وه ذه الش ركات وان
كانت صغيرة بمفردها إال انها بمجموعها تمثل جزء ال يستهان به من اقتصاد الدولة فال تقل أهميتها عن
الشركات الكبرى الحيوية وبالتالي فإن القول بأن الحاجة والضرورة مختصان بشركات الماء والكهرباء
ال يبدو صحيحاً وال في محله.
ة ،ألن الموازنة اءً على ما تقدم فإن الباحثين يرجحان القول بجواز المساهمة في الشركات المختلط وبن .5
بين أدلة مانعي المساهمة وأدلة أنصارها ،والتدقيق في المناقشات المتجهة على تلك األدلة ولد قناعة لدى
101 المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية ،مج ( ،)11ع ( 1436 ،)1ه2015/م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المساهمة في الشركاتـ المختلطة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الب احثين ب أن أدلة أنص ار المس اهمة ك انت أمس بص لب المس ألة موض وع البحث من أدلة مانعيه ا ،وأن
كث يراً من الض وابط ال تي ذكرها أنص ار المس اهمة تجيب عن دالالت بعض األدلة ال تي س اقها م انعوا
المساهمة ،غير أن هذه الضوابط ذاتها بحاجة إلى إعادة نظر ،وبخاصة ما يتعلق منها بنسب المعامالت
الربوية مع البن وك التقليدية إي داعاً أو اقراض اً أو استقراض اً ،باإلض افة إلى النسب ال تي اعتم دها بعض
أنص ار المس اهمة فيما يتعلق بوج ود بعض األص ول المحرمة في تلك الش ركات ،ف إن ه ذه النسب ال تي
تصل إلى الثلث في بعض األحي ان تخ رج الربا المتس لل إلى العوائد عن حد القلة وال نزارة ،ال ذي اعتمد
عليه أنصار المساهمة في تجويز تلك المساهمة.
وكما تجب إع ادة النظر في النسب المعتم دة من قبل بعض أنص ار المس اهمة يجب ك ذلك إع ادة النظر في
()136
للسهم في تلك الشركات المختلطة ،ألن اعتماد هذا المعيار المعتمد لتلك النسب ،وهو القيمة السوقية
المعي ار يض خم إلى حد كب ير المب الغ المس تثناة من الربا بحيث تصبح في بعض الح االت أك ثر من القيمة
الدفترية ألس هم الش ركة ،وذلك عن دما تك ون القيمة الس وقية للس هم مرتفعة ج داً ،بحيث ال تعكس القيمة
الحقيقية لموجودات الشركة وأصولها الثابتة والمتداولة.
إن التوسع في االس تثناءات ع بر رفع نس بة الربا المس تثنى ،أو رفع نس بة النش اط المح رم باإلض افة إلى
اعتب ار معي ار القيمة الس وقية ،أدى بدرجة كب يرة إلى إض عاف حجة أنص ار المس اهمة ،وخاصة تلك
المتعلقة باالس تناد إلى قلة الربا ونزارت ه ،حيث أص بح الربا المس تثنى في بعض الش ركات أزيد من القيمة
()138 ()137
لتلك األس هم كما سيتضح ذلك في الفصل ألس هم تلك الش ركة ،فض الً عن القيمة االس مية الدفترية
القادم لدى مقارنة قيم أسهم بعض الشركات المنتقاة.
وب الرغم من ت رجيح الب احثين تج ويز المس اهمة في تلك الش ركات ،إال أن الب احثين يري ان أن األورع
للمستثمرين المسلمين واألسلم لدينهم االبتعاد عن تلك المساهمة إذا كانوا يجدون البديل الحالل و المباح
خروج اً من الخالف وح ذراً مما ال ب أس به مخافة الوق وع مما به ب أس ،دون أن يع ني ذلك الق ول بحرمة
المساهمة.
الفصل الثاني :ضوابط المساهمة في الشركات المختلطة وتطهير العوائد من النسب المحرمة
عرفنا فيما مضى موقف العلم اء من المس اهمة في الش ركات المختلط ة ،وآراءهم في ذل ك ،وأدلتهم ال تي اس تدلوا
بها على ما ذهب وا إلي ه ،وما ورد على تلك األدلة من إي رادات واعتراض ات ومناقش ات ،وس يعرض الباحث ان في ه ذا
الفصل إلى الضوابط المعتبرة في جوازالمساهمة في تلك الشركات وتطهير عوائدها مما شابها من الكسب المحرم عبر
المبحثين الآتيين:
المبحث األول :الضوابط المعتبرة لجواز المساهمة في الشركات المختلطة.
المبحث الثاني :تطهير عوائد الشركات المختلطة من الكسب الحرام.
102
المجلة األردنية في الدراسات اإلسالمية ،مج ( ،)11ع ( 1436 ،)1ه2015/م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أ.د .عبد المجيد الصالحين ود .موسى أبو سويلم
لقد انطلق مج وزو المس اهمة في الش ركات المختلطة في تس ويغهم ه ذه المس اهمة من وج ود حاجة عامة إليه ا،
حيث كانت هذه الحاجة إحدى منطلقاتهم في إباحة المساهمة ،ولكنهم لم يحددوا مفهوما للحاجة ،جاء في قرارات الهيئة
الش رعية لش ركة ال راجحي المص رفية ما نص ه( :إن التعامل بأس هم تلك الش ركات مقيد بالحاج ة ،ف إذا وج دت ش ركات
مس اهمة تل تزم اجتن اب التعامل بالربا وتسد الحاج ة ،فيجب االكتف اء بها عن غيرها مما يل تزم ب ذلك)( ،)139بيد أن ه ذا
الض ابط ليس متفق اً على أص له فض الً عن مفهومه وتفاص يله وجزئيات ه .فلقد أغفلت هيئة المراجعة والمحاس بة في
معاييرها الشرعية ذكر هذا الضابط عندما تحدثت عن المساهمة في الشركات المختلطة .مما يعني عدم اشتراط الهيئة
للحاج ة ،وع دم اعتبارها ض ابطاً لتس ويغ المس اهمة ،غ ير أن الش يخ عبد اهلل بن م نيع وال ذي يعد من أب رز مج وزي
المساهمة في هذه الشركات اشترط وجود الحاجة ،مركزا ً على أن الحاجة ال بد أن تكون حقيقية وليست مجرد دعوى،
حيث قال( :إن الحاجة لتداول هذه األسهم ال تعتبر ما دامت مجرد دعوى حتى تثبت ،فمتى استطاع الفرد أن يجد مجال
اس تثمار في وجه من وج وه االس تثمار ال ش بهة في كس به وال غب ار على التوجه باالس تثمار عن طريق ه ,وك ان عنصر
معرضا عما
ً المخاطرة في هذا المجال ضعيفاً ،فيجب على الفرد أن يستبرئ لدينه وعرضه ،وأن يكتفي بما هو حالل،
فيه االشتباه واالرتياب)(.)140
لكن مجوزي المساهمة أطلقوا هذا الضابط دون أن يحددوا مفهومه أو المقصود به ،ولهذا فإن الحاجة ال تخرج
عن االحتماالت التالية:
حاجة األمة إلى هذا الن وع من الش ركات لرفد اقتص ادها مما ي ؤدي إلى إنعاش ه ،أو حاجتها إلى الش ركات أ–
الحيوية ال تي ال ق وام القتص اد األمة إال بوجوده ا ،مث ل :ش ركات الم اء ،الكهرب اء ،والنفط و الغ از،
واالتص االت ،وحينئذ تحل المس اهمة للض رورة أو الحاجة العامة ال تي ت نزل منزلة الض رورة ،قيما ً
باقتصاد األمة وتحقيقاً لديمومتها وقوتها.
()141
وال يخفى أن ً
استقراضا حاجة ه ذه الش ركات إلى التعامل مع البن وك التقليدي ة :إي داعاً أو إقراضا ً أو ب–
هذه الحاجة لم تعد قائمة في أيامنا هذه في ظل وجود المصارف اإلسالمية ومؤسسات التمويل اإلسالمية
,وفي ظل تع دد أدوات التمويل ال تي تس تخدمها ه ذه المص ارف أو تع دد المنتج ات المص رفية والمس تندة
ب دورها إلى عق ود متنوعة أو متباين ة ،كالمرابحة و المض اربة واإلج ارة التمويلية وعق ود االستص ناع
والسلم وعقود التوريد والمقاولة والصكوك اإلسالمية بمختلف أقسامها مما يفتح آفاقا رحبة أمام الشركات
المختلطة للحصول على تمويل مباح من تلك األدوات المتعددة ،ويلغى الحاجة إلى اإلقراض واالقتراض
من المصارف التقليدية ،نظراً لتعدد الخيارات التمويلية التي تنتهجها المصارف اإلسالمية ،والتي تكفي
لتغطية الحاجات التمويلية المختلفة لتلك الشركات.
حاجة المس اهمين إلى المس اهمة في تلك الش ركات ،وال يخفى أيض اً أن ه ذه الحاجة ب اتت منتفية نظ راً ج-
لك ثرة الش ركات النقية ال تي تل تزم بأحك ام الش ريعة اإلس المية ،باإلض افة إلى أن العوائد المتأتية من
المس اهمة في تلك الش ركات أص بحت أك ثر تعاظم اً وازدي اداَجراء اإلقب ال المتزايد والمتع اظم على
االستثمار في الشركات النقية ،نظراً لتعاظم الوعي الديني لدى شرائح مختلفة من الناس ،وتعاظم الوعي
االدخاري واالستثماري لدى تلك الشرائح.
()142
. ثانياً :عدم النص على مزاولة النشاط المحرم في عقد تأسيس الشركة أو في لوائحها وأنظمتها الداخلية
النشاطات المحرمة التي يمكن أن تزاولها الشركات المختلطة تتنوع إلى نوعين:
103 المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية ،مج ( ،)11ع ( 1436 ،)1ه2015/م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المساهمة في الشركاتـ المختلطة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنش طة محرم ة ،تزاولها الش ركة بطبيعة عمله ا ،ك أن ت زاول بعض النش اطات المحظ ورة ش رعاً ،مع أن أ–
الغرض األساسي من تأسيسها مباح ،كشراء بعض المواد المحرمة التي تدخل في صناعتها أو ممارسة
بعض العقود الفاسدة.
لقد اشترطت الهيئة الشرعية لشركة الراجحي أال تنص الشركة في عقدها التأسيسي على أن من أغ راض
الش ركة ممارسة بعض األنش طة المحرمة( ،)143ويفهم من ه ذا الش رط أن األمر متعلق بالمؤسس ين دون
س ائر المس اهمين ،مع أنه ال يب دو ف رق في ذلك بين المؤسس ين ال ذين غالب اً ما يش كلون أعض اء مجلس
اإلدارة ويقع على ع اتقهم اتخ اذ الق رارات المتعلقة بتس يير النش اطات اليومية للش ركة ،وبين س ائر
المس اهمين ،فكما أن المؤسس ين ل ديهم ص الحيات اتخ اذ الق رارات بش أن مزاولة النش اطات المختلفة ف إن
المس اهمين ق ادرون على الت أثير في ق رارات الش ركة من خالل التص ويت في الجمعية العمومية للش ركة
()144
بيد أن ق درة ص غار المس اهمين على الت أثير في ق رارات الش ركة تب دو ض عيفة ،وذلك ألن معي ار
التصويت في الشركات يتحدد بحجم المساهمة ال بعدد المساهمين ،فلربما استحوذ األعضاء المؤسس ون
على أك ثر من ثل ثي األص وات مع أن ع ددهم قد ال يتج اوز أص ابع الي دين ،في حين أن آالف المس اهمين
غير قادرين على التأثير في قرارات الشركة؛ ألن حجم مساهمتهم فيها قليل و قد ال يصل إلى الثلث.
()145
، أن تنص الشركة على التعامل باالقتراض أو اإلقراض أو اإليداع في البنوك التقليدية بفوائد ربوية ب–
والحقيقة أن نص الش ركة على نيتها مزاولة األنش طة الربوي ة ،يجعل المس اهمة فيها محرم ة ،وذلك ألن
قطعيا ،وإ ن النص على نية الش ركة بمزاولته يقطع الع ذر للمس اهمين بتش ريع
ً الربا مح رم تحريما
المس اهمة ،بخالف ما لو ك ان الربا طارئ اً على معاملة الش ركة ألن اإلثم حينئذ يلحق مزاولة األنش طة
المحرمة ألعض اء مجلس اإلدارة ال ذين اتخ ذوا ق رار مزاولة النش اط الرب وي أو إج راء المعاملة الربوية
دون سائر المساهمين.
ثالث Nاً :أال تبلغ نس بة النش اط المح رم ق دراً معين اً من القيمة الس وقية ألس هم الش ركة( )146وه ذه النس بة قد اختلفت
االجتهادات في تحديدها ففي حين ذهبت شركة الراجحي إلى تحديد هذه النسبة على النحو التالي(:)147
أال يتجاوز إجمالي المال المقترض بالربا – سواء أكان قرض اً طويل األجل أو كان قرض اً قصير األجل – أ–
على %25من موجودات الشركة.
ب– أال يتجاوز مقدار اإليراد الناتج من عنصر محرم ( )% 5من إجمالي إيراد الشركة.
ج – أال يتج اوز إجم الي حجم العنصر المح رم – اس تثماراً ك ان أو تملك اً محرم اً – نس بة ( )%15من إجم الي
موجودات الشركة.
فقد ذهبت هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية االسالمية إلى تحديد هذه النسب على النحو التالي(:)148
أ – أال يبلغ إجمالي المبلغ المقترض بالربا – سواء كان قرض اً طويل األجل أو قرض اً قصير األجل – نسبة (
)%30من القيمة السوقية لمجموع أسهم الشركة.
ب– أال يبلغ إجم الي المبلغ الم ودع بالربا – س واء أك انت م دة اإلي داع قص يرة األجل أو متوس طة أو طويلة (
)%30من القيمة السوقية لمجموع أسهم الشركة.
()149
. ج– أال يتجاوز مقدار اإليراد الناتج من عنصر محرم نسبة ( )%5من إجمالي إيرادات الشركة
إن الن اظر في النسب المتقدمة يلحظ اختالف اً بين النسب ال تي نصت الهيئة الش رعية لش ركة ال راجحي على
اعتمادها ،وتلك التي اعتمدتها هيئة المحاسبة والمراجعة ،وهذه النسب يمكن للباحث أن يسجل عليها المالحظات الآتية:
104
المجلة األردنية في الدراسات اإلسالمية ،مج ( ،)11ع ( 1436 ،)1ه2015/م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أ.د .عبد المجيد الصالحين ود .موسى أبو سويلم
إن ضم النسب الثالثة بعضها إلى بعض يجعل مقدارها بالنسبة للقيمة السوقية للشركة أو بالنسبة لحجم –1
أموالها أو موجوداتها كب يراً ج داً ،فهو يزيد عن نس بة %60أو %65وه ذه نس بة كب يرة ج داً ال تتناسب
ب أي ح ال من األح وال مع ما ب نى عليه مج وزو المس اهمة رأيهم و ما اس تدلوا به على ه ذا ال رأي من قلة
المح رم ونزارت ه ،ذلك أنه من الخطأ بمك ان أن نعتمد نس بة واح دة من ه ذه النسب ونعتبرها معي اراً للقلة
والك ثرة ومن ثم نب ني على ه ذه النس بة الق ول بج واز المس اهمة ،ذلك أن الش ركة يمكن أن تق ترض بالربا
المح رم ،وت ودع أموالها بفوائد محرم ة ،وتم ارس بعض األنش طة المحرم ة ،فتص بح نس بة الم ال المح رم
كبيرة جداً.
أن اعتماد النسب المتقدمة بالنسبة للقيمة السوقية للشركة يلزم منه أن تصل النسبة المحرمة إلى أضعاف –2
حجم موج ودات الش ركة أو القيمة الدفترية ألس هم الش ركة ،ذلك أن القيمة الس وقية في الغ الب ال تعكس
القيمة الحقيقة لموج ودات الش ركة وأص ولها الثابتة أو المتداول ة .بل هي في الغ الب أك ثر بكث ير ،فلو
فرض نا أن القيمة الدفترية ألس هم ش ركة (س) هي ملي ار دوالر وأن القيمة الس وقية ألس هم الش ركة هي
عش رة ملي ارات دوالر ،ف إن مق دار الم ال المس تثنى من الربا وس ائر األنش طة المحرمة قد يصل وفق
المعايير المعتمدة إلى (ستة ونصف مليار) وهذا يزيد على ثالثة أضعاف حجم موجودات الشركة ،فيكف
يكون الربا -والحالة هذه قليالً .-
وإ ذا تجاوزنا األمر على الص عيد االفتراضي إلى الص عيد العملي ال واقعي ومثلنا ببعض الش ركات ،فسيتضح لنا
بعد هذه النسب عن القلة والنزارة.
ومن هذه الشركات:
ش ركة ص روح العقارية اإلماراتي ة :حيث بلغ حجم موجوداتها ( )2963371000درهم بينما بلغت أ–
قيمتها السوقية ( )12500000000وقد بلغ حجم المبلغ المستثنى من الربا فيها ( )3750000000وإ ذا
فرض نا أن ه ذه الش ركة اس تثمرت أو أودعت بالربا الحد األقصى المس موح ب ه ،وفق المع ايير المتقدم ة،
القترب الربا المستثنى من ثمانية مليارات درهم ،مما يقرب من أربعة أضعاف القيمة الدفترية.
ب – االتح اد العقاري ة :بلغ حجم إجم الي موجوداتها ( )2390722000درهم في حين بلغت القيمة الس وقية (
)15582145705درهم ،وبينما بلغ الربا المس تثنى )4674643700( :درهم وه ذا يق رب من ض عف
القيمة الدفترية له ذه الش ركة ،وإ ذا افترض نا أيض اً أن الش ركة بلغت الحد األقصى المس موح به الق ترب
المبلغ من عشرة مليارات درهم بما يمثل ما يقرب من أربعة أضعاف القيمة الدفترية لهذه الشركة.
إيداعا مبنية على االقتراب
ً أن التقديرات المتعلقة بالتعامل مع البنوك التقليدية ،إقراضاً أو استقراضا ً أو –3
من نسبة الثلث اعتمادا ً على ما ورد في قوله صلى اهلل عليه وسلم( :الثلث والثلث كثير) ،وهذا االستناد
ال يب دو متجه اَ ألن الن بي إنما ق ال ذلك في الوص ية ،فاعتب ار الثلث معي اراً للك ثرة والقلة في كل ش يء
بناء على معياريته في الوصية يبدو بعيداً ،وذلك ألن ما كان كثيرا في شيء ،ال يلزم أن يكون كثيراً في
ً
شيء آخر ،وبخاصة إذا تعلق األمر بالربا ،والذي غلظ فيه الشارع الحكيم تغليظاً عظيماً.
وعلى هذا فإن النسبة التي يمكن التسامح بها في التعاطي مع البنوك الربوية ال بد أن تكون أقل من ذلك –4
بكث ير .بحيث ت دخل تحت حد القلة وال نزارة ،وي رى الب احث أن نس بة ( ،)%5هي الحد األعلى المناسب
ال ذي يج وز أن يبلغه التع اطي مع البن وك الربوية على أن تك ون ه ذه النس بة موزعة بين اإلق راض
105 المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية ،مج ( ،)11ع ( 1436 ،)1ه2015/م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المساهمة في الشركاتـ المختلطة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
واالس تقراض واإلي داع ،بحيث ال تتج اوز المب الغ المودعة أو المستقرضة بفوائد ربوية ه ذا المق دار،
والمسألة وإ ن كانت اجتهادية ،إال أن هذه النسبة يتفق الجميع على قلتها ونزارتها.
أن هذه النسبة المقترحة ال يجوز أن تربط بالقيمة السوقية لألسهم والتي ال تعكس في الغالب القيمة –5
الحقيقة ألس هم الش ركات ،كما يص عب ربطها بالقيمة الإس مية؛ ألنها في الغ الب تك ون أقل من القيمة
الدفترية لموج ودات الش ركة وأص ولها الثابتة والمتداولة ،وعليه فال بد أن نربط ه ذه النس بة بما يعكس
القيمة الحقيقية لألسهم ،وهي القيمة التي يستحقها المساهمون عند تصفية الشركة ،حيث ظهر أن ربطها
بالقيمة السوقية يؤدي في بعض األحيان إلى أن يكون الربا المستثنى أكثر من القيمة الدفترية ،وفي غالب
األحيان مساوياً لتلك القيمة أو أقل منها بقليل.
رابعاً :وجوب إنكار المحرم والعمل على تغييره من خالل أعضاء مجلس اإلدارة ،أو المساهمين الكبار ،أو من
خالل المس اهمين الص غار في الجمعية العمومية للش ركة ،ألن الق ول بج واز المس اهمة ال يع ني إض فاء الش رعية على
()150
المعامالت الربوية مما يرتب على كل قادر على التغير مسؤولية ذلك التغيير بالقدر الذي يستطيعه.
بناء على أن
خامساً :أال تكون الشركة المختلطة تحت سلطة غير مسلمة :لقد اشترط بعض العلماء هذا الشرط ً
وج ود الش ركة تحت س لطة غ ير مس لمة يض عف إلى حد كب ير من ق درة المس اهمين س واء ك انوا ص غاراً أو كب اراً في
التأثير على قرارات الشركة ،باإلضافة إلى أن جرأة هذه الشركة على مزاولة األنشطة المحرمة قد تكون أكبر بكثير
من جرأة الشركات التي تكون تحت سلطة مسلمة ،ومن أبرز العلماء الذين تحمسوا لهذا الضابط بالذات الشيخ عبد اهلل
بن م نيع حيث ق ال( :إذا ك انت ش ركة المس اهمة تحت س لطة غ ير مس لمة كش ركة يهودية أو نص رانية أو غ ير ذلك من
األدي ان األخ رى غ ير اإلس الم ،ف إذا ك ان المس اهم ال يس تطيع بدخوله في ه ذه الش ركة أن يغ ير من سياس تها المالية
واالستثمارية شيئا ً فال يظهر لي جواز تملك ش يء من أسهمها ألن الق ائمين على هذا الن وع من الش ركات ليسوا أهالً
للثقة واالطمئن ان بحكم كف رهم باهلل وع دم ال تزامهم ب أوامره ونواهي ه ،الس يما فيما يتعلق بالربا مع البن وك ومع العمالء
س واء ك ان في ال بيع والش راء و اإلق راض واإلي داع والص رف ،وما يم تزج ب العقود ال تي تجريها الش ركة من الجهالة
والغرر والشروط الموجبة للفساد أو البطالن ،وهذا يعني أن مكاسب هذا النوع من الشركات كلها موضع نظر ومنع،
ففيها ما هو كسب آثم خ بيث وهو الربا الص ريح وما ك ان من مكاس بها من غ ير ذلك فهو كسب مش بوه ومن وقع في
الشبهات وقع في الحرام) (.)151
سادساً :وجوب استمرارالعمل بالضوابط السابقة :بحيث لو تغير وضع الشركة وتخلفت بعض الضوابط لم تجز
المس اهمة فيه ا ،ووجب التخلص من ه ذه األس هم ،فقد ورد في الق رار ( )485للهيئة الش رعية لش ركة ال راجحي
المصرفية ما نصه( :إذا تغيرت أوضاع الشركات بحيث ال تنطبق عليها الضوابط السابقة وجبت المبادرة إلى التخلص
منها ببيع أسهمها حسب اإلمكان على أن ال تتجاوز مدة االنتظار تسعين يوما ً من تاريخ العلم بتغيرها).
()152
وذلك ب أن ين وي المس اهم ل دى مس اهمته في ذلك الن وع من س NNابعاً :وج وب التخلص من الكسب الح رام
الش ركات ب أن يتخلص مما علق بعوائد مس اهمته من الكسب الح رام ،وأن يق وم ب التخلص الفعلي من ه ذا الكسب ل دى
توزيع األرب اح ويمكن للمس اهم أن يع رف مق دار الكسب المح رم من خالل إفص احات الش ركة أو بس ؤال المحاس بين
المعتمدين لديها ولقد نص الشيخ محمد بن صالح العثيمين والذي يعد من جملة مجوزي المساهمة في هذا النوع من
الش ركات على وج وب التخلص من ش وائب الكسب غ ير المش روع حيث ق ال( :األصل ج واز المس اهمة لكن إذا غلب
على الظن أن في بعض معامالتها رب اً ف إن ال ورع هجرها وت رك المس اهمة فيها لقوله ص لى اهلل عليه وس لم( :من اتقى
الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام) ( ......)153فإن كان قد تورط فيها أو أبى أن
106
المجلة األردنية في الدراسات اإلسالمية ،مج ( ،)11ع ( 1436 ،)1ه2015/م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أ.د .عبد المجيد الصالحين ود .موسى أبو سويلم
يس لك طريق ال ورع فس اهم فإنه إذا أخذ األرب اح وعلم مق دار الربا وجب عليه التخلص منه بص رفه في أعم ال خيرية
من دفع حاجة فقير أو غير ذلك ،وال ينوي بذلك التقرب إلى اهلل بالصدقة بها فإن اهلل طيب ال يقبل إال طيب اً ،وألن ذلك
ي برئ ذمته من إثمها ولكن ين وي ب ذلك التخلص منها ليس لم من إثمها ألنه ال س بيل له للتخلص منها إال ب ذلك ،وإ ن لم
يعلم مقدار الربا فإنه يتخلص منه بصرف نصف الربح ) (.)154
والمستند الشرعي الذي يستند إليه مجوزو هذه الشركات بالقول بوجوب التخلص هو قوله سبحانه وتع الى﴿ :وإ ن
()155
فقد أوجب اهلل تع الى على الت ائب من الربا أال يمتلك الفوائد تبتم فلكم رؤوس أمNN Nوالكم ال تظلمNN Nون وال تظلمNN Nون﴾
المتول دة عن ه ،وه ذا ينطبق على الفوائد الربوية المتول دة من المس اهمة في ه ذا الن وع من الش ركات ،والتخلص من ه ذا
الكسب ال يعتبر صدقة وال يثاب عليه صاحبه ثواب الصدقة وإ نما يثاب عليه ثواب التخلص من الحرام ،كما ال يجوز
للمساهم أن ينتفع بهذه العوائد ب أي وجه من وج وه االنتف اع كتسديد الديون أو دفع الضرائب أو مما يع ود على المساهم
بالنفع بأي وجه كان (.)156
ومن الج دير ذك ره أن التخلص ال يل زم كل من عمل بالش ركة وإ نما من امتلك األس هم فيه ا،وقد بينت الهيئة
الشرعية في شركة الراجحي المصرفية من يلزمهم التخلص ومن ال يلزمهم ،فقد جاء في قرارات الهيئة المذكورة بهذا
الخصوص ما نصه( :الذي يجب عليه التخلص هو من كان مالكا ً لألسهم فرداً كان أو شركة أو صندوقاً أو غير ذلك
حين صدور القوائم المالية النهائية ،سواء كانت ربعية أو سنوية وذلك في حالتي االستثماروالمتاجرة.
وعليه فال يلزم التخلص من باع األسهم قبل صدور تلك القوائم؛ ألنه ال يتبين العنصر المحرم إال بعد صدورها،
والبائع قد باعها بغرمها وغنمها.
كما ال يل زم الوس يط والوكيل والم دير التخلص من عم ولتهم أو أج رتهم ،ألن ذلك حق لهم نظ ير ما ق اموا به من
()157
عمل ،والتخلص إنما يكون فيما عاد على التعامل باألسهم من إيراد ونفع محرم)
107 المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية ،مج ( ،)11ع ( 1436 ،)1ه2015/م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المساهمة في الشركاتـ المختلطة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
()160
وفق الق در المح رم أو نس بته إلى مجم وع عوائد األس هم ف إن على المس اهم أن يتخلص منه وفق اإلج راءات العملية
الحاالت التي أشرنا إليها في الضوابط على النحو الآتي:
إذا ما أخ ذنا ب الرأي القائل ب الجواز المقيد بتملك وت داول أس هم الش ركات ال تي يختلط فيها الح رام ب الحالل ،فإنه
يتعين على مالك السهم التخلص من نسبة الحرام في هذه األسهم وهو ما يعرف باسم " عملية التطهير"
حالة قيام الشركة باإلقتراض من البنوك ،ويلزم في هذه الحالة إجراء المقارنة بين معدل الفائدة المدفوع .1
للبنك عن الق رض ،وبين مع دل العائد ال ربحي المحقق في الش ركة المقترض ة ،وال تخلو نتيجة المقارنة من
أحد االحتماالت الثالثة الآتية(:)161
االحتمNال األول :مس اواة مع دل الفائ دة الم دفوع مع مع دل العائد المحق ق ،وفي ه ذه الحالة يك ون ما حققته الش ركة
من عوائد نتيجة اإلق تراض قد خ رج من ملكها بدفعه بالكامل إلى البن وك المقرضة وبالت الي يك ون ما ل دى الش ركة من
أموال قد تخلص من الشوائب وأصبح طاهراً.
االحتمال الثاني :زيادة معدل الفائدة المدفوع عن معدل العائد المحقق ،وذلك بأن يكون معدل الفائدة على القرض
%20فرضاً ،في حين يكون معدل العائد المحقق فعالً %17فرضاً ،وبذلك تكون الشركة قد أخرجت من أموالها %3
زيادة عن معدل العائد المحقق ،وبالتالي فإننا لسنا في حاجة إلى مناقشة قضية التطهير هنا أيضاً.
االحتمNNال الثNNالث :انخف اض مع دل الفائ دة الم دفوع عن مع دل العائد المحق ق ،وذلك ب أن يك ون مع دل الفائ دة على
الق رض %20فرض ًأ في حين يك ون مع دل العائد المحقق فعالً %25فرض اً ففي ه ذه الحالة يك ون الف رق بين المع دلين
%5كسباً غير مشروع ،ويجب على مالك السهم تطهير أمواله من هذا الجزء.
وهناك رأي وسط يبدو محققًأ للمصلحة والعدل معا،كعصام ابو النصر وهيئة شركة الراجحي ،وهو أن العائد قد
نشأ نتيجة تظ افر الم ال المق ترض والجهد المب ذول مع اً ،وعليه فإنه يتم التخلص من نصف العائد ال ذي تحقق من الم ال
المقترض ،فيكون ما يجوز تملكه منه هو ما يخص العمل ،وهو النصف على أن يتم التخلص من النصف اآلخر والذي
يخص االقتراض ( .)162ويستأنس لهذا الرأي بما أخرجه مالك في الموطأ عن زيد بن أسلم عن أبيه انه قال( :خرج عبد
اهلل وعبيد اهلل ابنا عمر بن الخطاب رضي اهلل عنهما في جيش العراق ،فلما قفال مرا على ابي موسى األشعري فرحب
بهما وسهل وهو امير البصرة ،فقال :لو أقدر على أمر أنفعكما به لفعلت ،ثم قال :بلى هاهنا مال من مال اهلل ،أريد أن
أبعث به إلى أم ير المؤم نين ،فأس لفكما ،فتبتاع ان به متاع اً من مت اع الع راق ،فتبيعانه بالمدينة فتؤدي ان رأس الم ال إلى
أم ير المؤم نين ،ويك ون لكما ال ربح ،فق اال وددن ا ،ففعال ،فكتب إلى عمر رضي اهلل عنه يأخذ منهما الم ال ،فلما ق دما
المدينة باعا وربح ا ،فلما رفعا ذلك إلى عم ر-رضي اهلل عن ه-ق ال :أكل الجيش اس لفه كما أس لفكما ،ق اال :ال ،ق ال عمر
رضي اهلل عنه :ابنا أمير المؤمنين فأسلفكما ،أديا المال وربحه ،فأما عبد اهلل فسلم ،وأما عبيد اهلل فقال :ال ينبغي لك يا
أمير المؤمنين هذا ،لو هلك المال أو نقص لضمناه ،قال :أدياه ،فسكت عبد اهلل وراجعه عبيد اهلل ،فقال رجل من جلساء
عمر بن الخط اب :يا أم ير المؤم نين لوجعلته قراض اً ،ق ال :قد جعلته قراض اً ،فأخذ عمر رضي اهلل عنه الم ال ونصف
ربح ه ،وأخذ عبد اهلل وعبيد اهلل نصف ربح الم ال)( ،)163وه ذا ي دل على أن أم ير المؤم نين عمر بن الخط اب رضي اهلل
تع الى عنه قد جعل نص يباً في ال ربح ل رأس الم ال وللعم ل ،وأعطى ابنيه رضي اهلل عنهما ما أختص بالعمل وط رح
النصف اآلخر في بيت الم ال ،وقد ك ان ه ذا بمحضر من الص حابة ،ولم ينكر عليه أحد منهم ذل ك ،وعلى ه ذا فلو ك انت
سواء وزع الربح أم لم
ً نسبة القرض الربوي إلى الموجودات %20مثالً فإنه يتم التخلص من %10من صافي الربح،
يوزع ،فإن لم يوجد ربح فال يجب التخلص (.)164
وإ ذا ما أخذنا بالرأي األول والثالث ،فإن السؤال كيف يتم تحديد نسبة التطهير؟
108
المجلة األردنية في الدراسات اإلسالمية ،مج ( ،)11ع ( 1436 ،)1ه2015/م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أ.د .عبد المجيد الصالحين ود .موسى أبو سويلم
يل زم اإلش ارة بداية إلى أن نس بة ال %5المس تثناة من األنش طة المحرم ة ،تمثل الف رق بين مع دل الفائ دة
المدفوع،ومعدل العائد المحقق ،ومن ثم فهي ليست نسبة التطهيرعلى مستوى عمال الشركة.
ولكي يتم حساب نسبة التطهير في الواقع ،يمكن اتخاذ اإلجراءات التالية:
تحديد مقدار (أي المبلغ وليس نسبة) ،الفرق بين المعدلين وليكن 20000جنيه فرضاً.
استخراج نصيب كل سهم من هذا المبلغ بقسمته على عدد األسهم.
تحديد نص يب كل مس اهم من الق در ال واجب إخراجه عن طريق ض رب نص يب الس هم في ع دد األس هم
المملوكة له.
التخلص من كامل هذا المبلغ وفقاً للرأي األول ،ومن نصفه وفقاً للرأي الثالث.ويتم ذلك بصرفه في وجوه
الخير ،ما عدا طباعة المصاحف ،وبناء المساجد وكافة العبادات التي يتقرب بها المسلم إلى اهلل تعالى.
.2حالة قيام الشركة بإقراض البنوك (اإليداع فيها):
قد يك ون من المناسب اإلش ارة بداية إلى ما س بق أن وض حناه من ض رورة أال يبلغ إجم الي المبلغ الم ودع بالربا
%30من القيمة السوقية لمجموع أسهم الشركة .وفي جميع األحوال تعتبر النسبة التي حصلت عليها الشركة كسباً غير
مش روع .ومن ثم يل زم تطه ير أم وال ه ذه الش ركة من ه ذا الكس ب ،من خالل حس ابه وإ س تبعاده ثم ص رفه في وج وه
الخير ،وذلك من خالل اإلجراءات التالية:
حصر الفوائد المقبوضة خالل الع ام س واءً أك انت من ق روض قص يرة أو متوس طة أو طويلة األج ل .وفي
حالة الشركات التي ال تفصح عن حجم الفوائد المقبوضة فيلزم اإلجتهاد بالتعرف إلى هذه الفوائد ،ويراعى
جانب االحتياط.
استخراج نصيب كل سهم من الفوائد المقبوضة بقسمة مجموع هذه الفوائد على عدد أسهم الشركة.
تحديد نصيب كل مساهم من القدر ال واجب التخلص منه عن طريق ضرب نصيب السهم في عدد األسهم
المملوكة للمساهم (فرداً كان أو مؤسسة أو صندوقاً أو غير ذلك).
حالة قيام الشركات بالتعامل الجزئي بالموجودات المحرمة شرعاً. .3
في حالة ما إذا كان الجزء من نشاط الشركة غير مشروع ،فإن األصل أن يتورع المسلم عن تملك أسهم مثل هذه
الشركات ،إذا كان هذا النشاط واضحاً ومعلوم اً مسبقاً ،وأما إذا علم ب ذلك متأخرا ،أو كان هذا النشاط طارئ اً أو بسيطاً،
فبهذه الحالة يلزم التطهير عن طريق اإلجراءات الآتية:
حصر اإليراد الناتج من النشاط غير المشروع.
استخراج نصيب كل سهم من اإليراد غير المشروع ،عن طريق قسمة هذا اإليراد على عدد أسهم الشركة.
تحديد نص يب كل مس اهم من اإلي راد غ ير المش روع ،عن طريق ض رب نص يب الس هم في ع دد األس هم
المملوكة للمساهم (فرداً كان أو مؤسسة أو صندوقأ أو غير ذلك).
وقد يكون من المناسب التأكيد على ما سبق أن أوضحناه من أن من العلماء المعاصرين في بعض هيئات الفتوى
والرقابة الش رعية لبعض المؤسس ات المالية اإلس المية قد قي دو نس بة األنش طة غ ير الج ائزة إلى إجم الي األنش طة ال تي
تزاولها الشركة بالثلث واإليراد الناتج من هذه األنشطة بـ %5من إجمالي إيراد الشركة.
كما يل زم اإلش ارة إلى أنه س واء أق امت ه ذه الش ركات باالقتراض من البن وك ،أو إقراض ها أو ق امت بالتعامل
الجزئي في الموجودات المحرمة شرعاً ،فإنه يؤخذ بعين االعتبارما يأتي:
109 المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية ،مج ( ،)11ع ( 1436 ،)1ه2015/م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المساهمة في الشركاتـ المختلطة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يجب التخلص من اإليراد المحرم ،سواءاً أكان نتاج اً من النشاط أو التملك المحرم ،أم من الفوائد على من .1
سواء أكان مستثمراً أم متاجراً في نهاية الفترة المالية .وعليه فال يلزم من باع األسهم
ً كان مالك اً لألسهم،
قبل نهاية الفترة المالية التخلص.
يتم إخراج ما يخص السهم من اإليراد المحرم ،سواء أوزعت األرباح أم لم توزع ،وسواء ربحت الشركة .2
أم خسرت.
اليل زم الوس يط،أو الوكيل ،أو الم دير ،التخلص من عمولت ه ،أو أجرته؛ ألن ذلك حق لهم نظ ير ما ق اموا به .3
من عمل.
المطلب الثاني :مجاالت التطهير.
وبعد الح ديث عن آلي ات التطه ير وط رق احتس اب ال ربح المح رم من عوائد المس اهمة ،فما هي المج االت ال تي
يشرع التخلص من نسبة المال المحرم من خاللها ؟.
اتفق العلماء الذين جوزوا المساهمة في الشركات المختلطة على أنه ال يجوز للمساهم في هذه الشركات أن ينتفع
من المقدار المحرم الذي خالط عوائده بأي وجه من الوجوه ،فال يجوز سداد الديون بها أو دفعها لسداد ضريبة مستحقة
()165
لكن الخالف عليه لو ك انت ج ائرة ،كما ال يج وز أن يعتبرها من الزك اة أو ينتفع بها في مج ال االس تطباب والعالج
ق ام بينهم في قصر التخلص منها على الفق راء والمس اكين خاص ة ،أو تعديته إلى مج االت أخ رى وص رفه في المص الح
()166
كبناء الجسور وبناء جوز أكثر من تبنى جواز المساهمة في هذه الشركات صرفه في المصالح العامة
العامة ،حيث َّ
()167
وال يعت بر المتخلص متص دقاً به ذا الم ال أو مثاب اً عليه اللهم إال الط رق والمستش فيات وإ قامة مراكز لأليت ام ونحوها
ثواب استجابته ألمر الدين بالتخلص من المال الحرام.
لكن بعض العلم اء خص بج واز التخلص الفق راء والمس اكين حص راَ و قص راً كمص طفى الزرق اء ،وفيصل
المولوي( ،)168مستندين إلى جملة من األسباب منها(:)169
-1إن القول بصرفها في المصالح العامة يفترض تملك المساهمين لها ؛ألن تصرفهم فيها فرع عن تملكهم إياها
ابتداء.
ً وهم ال يملكونها وإ نما الذين يملكونها هم الفقراء ألنها حق لهم
-2إن الفقراء هم أصحاب هذا المال وال يتحقق ملكهم له إال بالقبض ،فإذا صرفت هذه األموال في المصالح
العامة فال يتحقق القبض.
-3ثم إن القول بصرفها للفقراء ال يترك للمودع دوراً سوى مساعدة الفقراء على قبضها حيث ال يستطيعون
قبضها بأنفسهم بخالف الصرف في المصالح العامة ،حيث يكون للمساهم اختيار ،وهذا ينافي عدم استحقاقه
لها ،لكن الباحثين يريان أنه ال يجوز صرف المال للفقراء والمساكين ألن هذا المال حرام وليس كل الفقراء
والمساكين يحق لهم أن يأكلوا المال الحرام وإ نما الذين يحق لهم أكل الحرام هم فقراء مخصوصون بلغ بهم
الفقر حد االضطرار ،كما ال يمكن توجيه هذا المال للمصالح العامة كلها؛ ألنه ال يمكن إقامة المصالح العامة
بأموال حرام ،وعليه فإن الباحثين يريان أن هذا المال يقصر صرفة على المجاالت التالية:
أ – من بلغ بهم الفقر أو الحاجة حد الض رورة ال ذي يحل لهم معه أكل الميتة وال دم ولحم الخ نزير ،كأهل
البالد ال تي أص ابها مخمصة أو مجاع ة؛ ألن ه ؤالء الن اس هم ال ذين يحل لهم أكل الم ال الح رام
الض طرارهم إلي ه ،لقوله تع الى﴿ :فمن اضNNطر في مخمصة غNNير متجNNانف إلثم فNNإن اهلل غفNNور رحيم﴾
(.)170
110
المجلة األردنية في الدراسات اإلسالمية ،مج ( ،)11ع ( 1436 ،)1ه2015/م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أ.د .عبد المجيد الصالحين ود .موسى أبو سويلم
ب– كما يمكن صرف هذا المال في عالج األمراض الخطيرة والمزمنة كالسرطان وغيره ،أو دفعه إلجراء
العملي ات الجراحية ال تي يتوقف على إجرائها إنق اذ حي اة مس لم من الم وت أو عضو من أعضائه من
التلف أو حاسة من حواسه ،وذلك ألن هذا داخل في حد االضطرار.
ج– دفعه في المج االت الممتهنة والمبتذل ة :كبن اء دورات المي اه في المس اجد أو الس احات العمومية لنفع
العامة الذين يرتادونها لقضاء حوائجهم ،ألن المال الحرام مبتذل وممتهن بطبيعته فال يصح ص رفه فيما
عظم أمره وشرف.
الخاتمة.
لقد توصلت هذه الدراسة إلى جملة من النتائج والتوصيات فيما يأتي أبرزها:
أ .النتائج
.1إن تعبير الشركات المختلطة هو اصطالح حديث غير متداول في كتب الفقهاء القدامى في أبواب الشركات،
وأن ما ج رى على ألس نة االقتص اديين المعاص رين وأقالمهم دون أن يع ني ذلك خلو كتبهم من الح ديث عن
األحكام المتعلقة بهذا النوع من الشركات.
.2إن ه ذا التعب ير يقصد به تلك الش ركات ال تي يك ون مج ال عملها في األصل مباح اً ،لكنها تتعامل مع البن وك
التقليدية،ومن خالل الفوائد الربوية إقراضاً أو استقراضاً أو ايداعاً.
.3يدخل في مفهوم الشركات المختلطة تلك الشركات التي تتعاطى بعض المجاالت المحرمة القليلة،أو تلك التي
تبرم العقود الفاسدة أثناء ممارستها نشاطاتها المباحة في األصل.
.4إن التك ييف الفقهي للش ركات المختلطة ال يخ رج عن كونها ش ركات مض اربة ،رغم ما يكتنف ه ذه الش ركات
من أنماط التعامل التي تختلف فيها عن شركات المضاربة بالمفهوم الفقهي لتلك الشركات.
.5إن أدلة أنص ار المس اهمة ك انت -في غالبه ا -تعتمد على إعم ال القواعد الكلية واألص ول العامة واألبع اد
المقاصدية والمصالحية.
.6وقد توص لت ه ذه الدراسة إلى ت رجيح ج واز المس اهمة في تلك الش ركات ،بض وابط أف رد لها مبحث في ه ذه
الدراسة.
.7إن نسب الربا المس تثنى والمعتمد ل دى بعض هيئ ات الفت وى والرقابة الش رعية ،أو ل دى هيئة المراجعة
والمحاسبة تعتبر عالية جداً ،وهي بهذا تخرج عن حد القلة والنزارة والذي كان المسوغ إلباحة هذا النوع
من الشركات.
.8إن اعتماد معيار القيمة السوقية لنسب الربا المستثنى أو لنسبة األصول المحرمة في الشركة اعتماد غيرموفق
لما ي ؤدي اليه ه ذا االعتم اد من زي ادة مق دار الربا المس تثنى وال ذي يزيد في بعض الح االت عن القيمة
الدفترية ألسهم الشركة.
.9إن المج االت ال تي ينبغي أن يص رف اليها مبلغ التطه ير هي مج االت مح ددة قد بينها الباحث ان في ه ذه
الدراسة.
ب .التوصيات:
كما وتوصي هذه الدراسة بجملة من التوصيات فيما يلي أبرزها:
111 المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية ،مج ( ،)11ع ( 1436 ،)1ه2015/م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المساهمة في الشركاتـ المختلطة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.1ضرورة مشاركة المسلمين واالقتصاديين منهم على وجه الخصوص في الحياة االقتصادية العامة لما يترتب
على تلك المشاركة من منافع ليس أقلها القدرة على توجيه اقتصاد األمة إلى المجاالت المباحة والتأثير في
الحياة االقتصادية لألمة بما يضمن توجيهها نحو االقتصاد النافع المباح.
.2ضرورة تعديل نسب الربا المستثنى وكذلك نسب األصول المحرمة في الشركة بحيث ال يزيد مجموعها عن
%5من القيمة الدفترية للشركة.
.3ضرورة اعتماد القيمة الدفترية بدل القيمة السوقية لألسهم معياراً لنسب المال المحرم.
.4ضرورة توسع المستثمرين المسلمين في إقامة الشركات النقية باعتبارها بديالً للشركات المحرمة أو الش ركات
المختلطة كي تقوم هذه الشركات باستقطاب أموال المدخرين وتوجيهها في أوعية استثمارية مباحة.
.5ض رورة قي ام المص ارف ومؤسس ات التمويل اإلس المية بإض فاء ن وع من المرونة على التس هيالت المص رفية
والتمويلية للش ركات المس اهمة كي ال يض طر التش دد والص رامة الل ذان تب ديهما كث ير من المص ارف
اإلسالمية فيما يتعلق بالتسهيالت المصرفية والتمويلية؛ الشركات المساهمة إلى التوجه نحو البنوك التقليدية
التي غالباً ما تكون أكثر مرونةً ً وأقل تشدداً في هذا المجال.
.6ضرورة تمتع الشركات المساهمة بقدر كبير من النزاهة والشفافية بحيث تكون المعلومات عن تلك الشركات
متاحة للمساهمين من خالل تقارير اإلفصاح وغيرها من اإلجراءات التي توفر المعلومة الصحيحة للمساهم
بما يساعده على اتخاذ القرار المناسب والصحيح بشأن المساهمة في تلك الشركة.
الهوامش.
112
المجلة األردنية في الدراسات اإلسالمية ،مج ( ،)11ع ( 1436 ،)1ه2015/م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أ.د .عبد المجيد الصالحين ود .موسى أبو سويلم
113 المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية ،مج ( ،)11ع ( 1436 ،)1ه2015/م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ