You are on page 1of 15

‫مجلة الرك للفلسفة واللسانيات وا لعلوم اال جتماعية المجلد ( ‪ ) 1‬العدد ( ‪ ) 44‬السنة ( ‪) 2022‬‬

‫العراف للشاعرة لميعة عباس عمارة‬


‫الغزل في ديوان لو أنبأني ّ‬
‫م‪ .‬د أحمد كاظم سلمان العتاب‬
‫جامعة واسط‪ /‬كلية اآلداب‬
‫‪Email: drahme72@gmail.com‬‬

‫تاريخ االستالم ‪2021-10-17 :‬‬


‫تاريخ القبول ‪2021-12-20 :‬‬

‫ملخص البحث‪:‬‬

‫فالحب جاء تعبي اًر عن العشق َّالذي كان خاضعاً للحياة‬


‫ّ‬ ‫اإلنسانية والوجدانيَّة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫يشكل الحب عماد الحالة‬
‫ّ‬

‫اقعية‪ ،‬وتجربة الشاعرة لميعة لم تكن بمعزل عن‬


‫نفسية وو ّ‬
‫بكل ما فيها من أمور ّ‬
‫العامة‪ ،‬ومتأثّ اًر ّ‬
‫ّ‬ ‫االجتماعيَّة‬

‫الدينية‪ ،‬وعاداتها االجتماعيَّة‪ ،‬وتقاليدها‬


‫تكونت من ثقافتها ّ‬ ‫َّ‬
‫تأثير طبيعة بيئتها التي كانت تعيش فيها‪ ،‬فعناصرها ّ‬

‫الفلكلوريَّة‪.‬‬

‫العراف‬
‫الكلمات االفتتاحية ‪ :‬لميعة عمارة ‪ .‬الغرل ‪ .‬لو أنبأني ّ‬

‫‪113‬‬
LARQ Journal of Philosophy, Linguistics and Social Sciences Vol. ( 1) No.(44) year (2022)

The spinning in the book "Lw Anbaany Al Araf" by the poet Lamia Abbas Emara
Dr. Ahmed Kadhim Salman Al-Attab
Email: drahme72@gmail.com
Wasit University \ College of Arts\ Arabic Language Department

Receipt date: 2021-10-17


Date of acceptance: 2021-12-20

Abstract

Love is the mainstay of the human and emotional state. Love came as an expression of the
love that was subject to public life and affected by all the psychological and reality matters. And
the experience of the poet Lamia was not isolated from the nature of her environment in which she
lives, where its elements consisted of her culture, social religion, and her folkloric traditions.

Keywords: Lamia Emara, The spinning, Lw Anbaany Al Araf

114
‫م ج ل ة الر ك ل ل ف ل س ف ة و ا ل ل س ا ن ي ا ت و ا ل ع ل و م ا ال ج ت م ا ع ي ة ا ل م ج ل د ( ‪ ) 1‬ا ل ع د د ( ‪ ) 4 4‬ا ل س ن ة ( ‪ (2 0 2 2‬ب ح و ث ا ل ل غ ة ا ل ع ر ب ي ة‬

‫المقدمة‪:‬‬

‫خاصة‪،‬‬
‫اتية ّ‬ ‫ِ‬
‫وبتجاربه ال ّذ ّ‬ ‫ألنه متّصل بطبيعة اإلنسان‪،‬‬ ‫الغزل من أقدم الفنون ّ‬
‫الشعرّية عند العرب‪ ،‬وأكثرها شيوعاً؛ ّ‬

‫الشعراء عن عاطفة الحب بصدق؛ فلذلك تدّفقت على ألسنتهم الكلمات‬


‫عبر ّ‬
‫الرئيس للقلب‪ ،‬وقد ّ‬
‫المحرك ّ‬
‫ّ‬ ‫الحب هو‬
‫ّ‬ ‫والسيَّما َّ‬
‫أن‬

‫لتعبر عن مشاعرهم ووجدانهم‪.‬‬


‫ّ‬

‫العراف)‪ ،‬وقد َّ‬


‫تغنت بالرجل‬ ‫احتل الغزل حي اًز كبي اًر من شعر الشاعرة لميعة عمارة في ديوانها (لو‪ ..‬أنبأني َّ‬
‫ّ‬ ‫وقد‬

‫القصصية‬
‫ّ‬ ‫وجسدياً‪ ،‬وأبرزت عواطفها ومشاعرها‪ ،‬وخفقات قلوبهم‪ ،‬وعذاباتهم بأروع الّلوحات الوصفيَّة و‬
‫ّ‬ ‫روحياً‬
‫ّ‬ ‫المعشوق‪ ،‬ووصفته‬

‫الحوارّية‪.‬‬

‫أهمّية البحث وأهدافه‪:‬‬


‫ّ‬

‫بالرجال‪ ،‬وقد‬
‫غزل ّ‬
‫مهم في األدب العربي‪ ،‬وهو شعر الشاعرات في التّ ّ‬
‫تنبع أهمية البحث في تسليط الضوء على جانب ّ‬

‫حقيقياً لدخول رمز المحبوب بحمولة‬


‫ّ‬ ‫روحياً‪ ،‬وكان إرهاصاً‬
‫ّ‬ ‫الحب بعداً‬
‫ّ‬ ‫عبرت الشاعرة عن عشقها تعبي اًر واضحاً‪ ،‬وأعطت‬
‫ّ‬
‫َّ‬
‫وتتجلى أهداف البحث اآلتي‪:‬‬ ‫صوفية‪،‬‬ ‫فانية‬
‫ّ‬ ‫معرفيَّة عر ّ‬

‫ميزات الغزل عند الشاعرة لميعة عمارة؟‬


‫‪ -1‬ما ّ‬

‫‪ -2‬كيف تجّلى غزل الشاعرة لميعة عمارة؟‬

‫‪ -3‬كيف كانت حال َّ‬


‫الشاعرة لميعة عمارة في غزلها؟‬

‫المنهج‪:‬‬

‫النتائج‬
‫ظاهرة‪ ،‬واستقرائها‪ ،‬ووصفها‪ ،‬وتحليلها‪ ،‬واستخالص ّ‬
‫يقوم على مالحظة ال ّ‬ ‫َّ‬
‫الوصفي الذي ُ‬
‫ّ‬
‫البحث المنهج‬
‫ُ‬ ‫اعتمد‬
‫َ‬

‫المرجوة‪.‬‬

‫ّأوالً‪ :‬الغزل في الخلفية واالصطالحية‪:‬‬

‫عاطفياً‬
‫ّ‬ ‫الحب أقدم أسطورة اخترعها اإلنسان كي ال يشعر بالوحدة والملل‪ ،‬وهو سلوك ثقافي قبل أن يكون شعو اًر‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫وفردياً‪ ،‬وقبل الولوج في تمفصالت الغزل عند َّ‬
‫الشاعرة ال ُبَّد من تحديد ماهية العزل‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫داخلياً‬
‫ّ‬

‫الغزل لغ ًة‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪115‬‬
‫م ج ل ة الر ك ل ل ف ل س ف ة و ا ل ل س ا ن ي ا ت و ا ل ع ل و م ا ال ج ت م ا ع ي ة ا ل م ج ل د ( ‪ ) 1‬ا ل ع د د ( ‪ ) 4 4‬ا ل س ن ة ( ‪ (2 0 2 2‬ب ح و ث ا ل ل غ ة ا ل ع ر ب ي ة‬

‫(شبب بالمرأة‪:‬‬
‫غوية‪ ،‬واجتمع المعنيان في معنى التّشبيب‪ ،‬وقد جاء في لسان العرب‪ّ :‬‬
‫تالقح معنى الحب والغزل في المعاجم الّل ّ‬

‫وتغزل‪ ،‬والغزل حديث الفتيان والفتيات) "ابن منظور‪ 2005‬مادة‬


‫الشعر‪ّ ،‬‬
‫لهن في ّ‬
‫شبب ّ‬
‫بالنساء ّ‬
‫النسيب‪ ،‬ونسب ّ‬
‫قال فيها الغزل و ّ‬

‫اودتهن‪ ،‬وقد غازلها‬


‫النساء [‪ ]...‬ومغازلتهن‪ ،‬ومحادثتهن‪ ،‬ومر ّ‬
‫المخصص قوله‪( :‬الغزل اللهو مع ّ‬
‫ّ‬ ‫شبب"‪ ،‬وذكر ابن سيده في‬

‫التغزل هو التّعّلق بهن) "ابن سيدة‬


‫تغزل بها وغازلها مغازلة‪ ،‬ورجل غزل‪ ،‬و ّ‬
‫تغزل أي تكّلف الغزل‪ ،‬وقد غزل غزالً وقد ّ‬
‫[‪ّ ]...‬‬

‫‪1999‬مادة شبب"‪ ،‬فالتّشبيب يتماهى مع الغزل والحب‪ ،‬والسيما َّ‬


‫أن التّشبيب يشيد بصفات المحبوب‪ ،‬وخصاله‪ ،‬والغزل يعني‬

‫الدافئة‪.‬‬
‫بتودد‪ ،‬فضالً عن التغني بصفاتهن الجميلة‪ ،‬ومشاعرهن ّ‬
‫النساء‪ ،‬ومحاورتهن ّ‬
‫اللهو مع ّ‬

‫الغزل اصطالحاً‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫ٍ‬
‫لماض سعيد أو شقي‪ ،‬وترك في‬ ‫الحب‪ ،‬وهو استحضار‬
‫ّ‬ ‫الغزل هو أدب وجداني يعبر عن المشاعر واألحاسيس في مجال‬
‫ّ‬
‫الحميمية بين ال ّذكر‬
‫ّ‬ ‫فن قديم قدم العالقة اإلنسانية‬
‫العين دمعة‪ ،‬وفي القلب لهفة أو حسرة ينظر غريب جورج د‪.‬ت ص ‪ ،9‬فهو ّ‬

‫تتغير طرق التّعبير عن تلك العالقة مع مرور ّ‬


‫الزمن‪ ،‬ومع اختالف المعتقدات واألعراف والعادات والتقاليد‪ ،‬لكن‬ ‫واألنثى‪ ،‬قد ّ‬

‫المعنوي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الجسدي و‬
‫ّ‬ ‫التغزل بجمالها‬
‫الرئيس في الغزل هو حظوة األنثى باهتمام ال ّذكر بها‪ ،‬و ّ‬
‫الجوهر ّ‬

‫الصد؛ إذ يعيش الحبيب معاناة دائمة‬ ‫الشعراء القصائد المطولة لعّلهم يفوزون برضا الحبيبة‪ ،‬وكانت العالقة تحمل ّ‬
‫الرد و ّ‬ ‫أفرد ّ‬

‫ويتدخل األصحاب لتهدئة الموقف‪ ".‬ينظر الجبوري يحيى‬


‫ّ‬ ‫الرفض‪ ،‬وإذا رحلت الحبيبة يبكيها الشاعر‪،‬‬
‫بين اإليجاب و ّ‬

‫‪1993‬ص‪."163‬‬

‫فالحب مثل فطرّي‬


‫ّ‬ ‫الشعرّية َّالتي عرفها العرب‪ ،‬وأكثرها شيوعاً؛ التّصالها الوثيق بال ّ‬
‫طبيعة اإلنسانيَّة‪،‬‬ ‫إذاً‪ ،‬فالغزل من أقدم الفنون ّ‬

‫غني بجمالها‪ ،‬وإحساس تلقائي‪.‬‬


‫كل بيئة‪ ،‬ووصف المحبوبة‪ ،‬والتّ ّ‬
‫في ّ‬
‫ّ‬
‫الشعرّي عن حالة العشق َّالتي كانت‬
‫عبرت من خالل أسلوبها ّ‬
‫الشاعرة لميعة عمارة؛ إذ ّ‬
‫تبوأ الغزل مكان ًة ملحوظ ًة في شعر ّ‬
‫وقد ّ‬

‫تتغزل برجل‪.‬‬
‫تعيشها‪ ،‬وهذا باعث جديد في اللغة العربية‪ ،‬فقّلما نجد امرأة ّ‬

‫ميزات الغزل عند َّ‬


‫الشاعرة لميعة عمارة‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫‪-‬‬

‫ظاهرة العذرية من الظواهر اإلبداعيَّة الكبرى في التّراث العربي‬ ‫َّ‬


‫إن غزل الشاعرة يتّجه نحو العّفة والعذرّية واستقامة المعنى‪ ،‬وال ّ‬
‫ّ‬
‫جمالياً‪ ،‬وفي هذا المجال‬ ‫للتغني بالعشق وال ّذوبان فيه‪ ،‬والعيش من أجله بعداً‬
‫هياً أعطى ّ‬ ‫َّ‬
‫ّ‬ ‫وتأو ّ‬
‫حساً تراجيدياً ّ‬
‫القديم الت حملت ّ‬

‫الفني ليس في جميع تجّلياته ّإال ظاهرة‬ ‫(السيكولوجية الالشعورية تبرهن لنا برهاناً قاطعاً ال مراء فيه‪َّ ،‬‬
‫أن الخلق‬ ‫يقول فرويد‪ّ :‬‬
‫ّّ‬
‫‪116‬‬
‫م ج ل ة الر ك ل ل ف ل س ف ة و ا ل ل س ا ن ي ا ت و ا ل ع ل و م ا ال ج ت م ا ع ي ة ا ل م ج ل د ( ‪ ) 1‬ا ل ع د د ( ‪ ) 4 4‬ا ل س ن ة ( ‪ (2 0 2 2‬ب ح و ث ا ل ل غ ة ا ل ع ر ب ي ة‬

‫بيولوجية نفسية وتعويضاً عن رغبات غريزية أساسية ظلت بال ارتواء بسبب عوائق من العالم الداخلي أو العالم الخارجي) "هال‬

‫خصية اإلنسانيَّة تعيش في المجتمع‪ ،‬وتخضع‬


‫الش ّ‬
‫أن ّ‬ ‫كالقن‪1970‬ص‪ ،"11‬فعلى أساس ما قاله العالِم ّ‬
‫النفسي فرويد يتّضح َّ‬

‫لتأثيره‪ ،‬وقد تعارضه‪ ،‬والحياة االجتماعيَّة ترجع في األساس إلى نشاط العمليات الالشعورية والغريزية المختلفة لشخصية‬

‫اإلنسان‪ ،‬فالعذرية شكل من أشكال المعارضة مع المجتمع َّالذي يحاول أن يخضع الذات‪ ،‬ويريد تنازل الفرد عن طبيعته‬

‫األصلية‪.‬‬

‫بالروح قبل الجسد‪،‬‬


‫الروحي بالمحبوب‪ ،‬بوصفه إنساناً ّ‬
‫المادي للجسد‪ ،‬والتّعّلق ّ‬
‫ّ‬ ‫ممزقة بين االنجذاب‬
‫والشاعرة لميعة ذات نفس ّ‬

‫السقوط في ال ّذنب‪ ،‬ونتيجة جهاد‬


‫المية‪ ،‬والخوف من ّ‬
‫التمنع والحياء عندها ليست ّإال نتيجة عفوية لإليمان بالقيم اإلس ّ‬
‫والعفة و ّ‬

‫النفس ومقاومة الهوى‪.‬‬


‫ّ‬

‫ميزات الغزل عند الشاعرة‪:‬‬


‫أهم ّ‬
‫ومن ّ‬

‫أ‪ -‬الوجع العشقي‪:‬‬


‫ّ‬
‫الداخلي‬ ‫التمزق بين رغبات الفرد العذري‪ ،‬وحاجاته (مبدأ الّل ّذة)‪ ،‬ورغبات المجتمع (مبدأ الواقع)؛ وهذا االنشطار‬
‫هو نوع من ّ‬
‫ّ ّ‬
‫يتميز به كبار العذريين "بلوحي محمد ‪2000‬ص‪."91‬‬ ‫َّ‬
‫أساسه الصراع النفسي الذي ّ‬

‫هذا و َّ‬
‫إن ظاهرة الصراع النفسي احتلت جانباً كبي اًر في شعر الشاعر‪ ،‬وكانت من أكثر الظواهر إلحاحاً في أدبها‪ ،‬ولها أثر مباشر‬

‫لسيطرة انفعاالتها‪ ،‬والعواطف على القصيدة الغز ّلية عند الشاعرة لميعة‪ ،‬وهذا ما يتأتّى في قولها‪:‬‬

‫أغني‬
‫أنت ّ‬
‫لك َ‬

‫أنت هو الخالد‬
‫حبك َ‬
‫ّ‬

‫أعداء األمس على جثث القتلى‬

‫تشرب من نخب واحد‬

‫أغني‬
‫أنت ّ‬
‫لك َ‬
‫َ‬

‫الصمت‬
‫صوتك يختصر التّاريخ إلى أغوار ّ‬

‫الدنيا تختصر الكو َن‬


‫تشبهك ّ‬

‫أنت‪" .‬عمارة ‪1985‬ص‪."10 ، 9‬‬


‫أنت‪ُ ..‬خالصتُها ْ‬
‫و َ‬

‫‪117‬‬
‫م ج ل ة الر ك ل ل ف ل س ف ة و ا ل ل س ا ن ي ا ت و ا ل ع ل و م ا ال ج ت م ا ع ي ة ا ل م ج ل د ( ‪ ) 1‬ا ل ع د د ( ‪ ) 4 4‬ا ل س ن ة ( ‪ (2 0 2 2‬ب ح و ث ا ل ل غ ة ا ل ع ر ب ي ة‬

‫حبها‪ ،‬وشكواها‪ ،‬ووجدها بحبيبها َّالتي طالما برزت عذريتها من عدم تسمية حبيبها باسم صريح؛ إذ ّ‬
‫كنت‬ ‫فالشاعرة لميعة تعلن ّ‬
‫ّ‬

‫جسدياً‪ ،‬وفي هذا إخالص للحب‬


‫ّ‬ ‫روحياً‪ ،‬وبعده عنها‬
‫ّ‬ ‫يبين مدى قرب حبيبها منها‬
‫(أنت)‪ ،‬وهذا الضمير بدوره ّ‬
‫بالضمير َ‬
‫عنه ّ‬

‫العذري َّالذي تعانقه الشاعرة‪.‬‬

‫َّ‬
‫حبها لحبيبها يفوق حب الناس وأحزانهم لدى فراق األحبة‪،‬‬
‫العاطفي الذي تعيشه الشاعرة جعل وجدها ُيظهر ّ‬
‫ّ‬ ‫التمزق ّ‬
‫الروحي و‬ ‫إن ّ‬ ‫َّ‬

‫وده‪.‬‬
‫وغاية رضاها أن تفوز برضا المحبوب‪ ،‬وتنال ّ‬

‫اخلي َّالذي تعانيه‪ ،‬وتقاسيه؛ إذ تقول‪:‬‬


‫الد َّ‬
‫لتعبر عن االنشطار ّ‬
‫الشاعرة بين الغزل والحنين ّ‬
‫وفي موضع آخر تمزج ّ‬

‫وحيدة على شواطئ األطلسي‬


‫ّ‬
‫ذكرك كان مؤنسي‪،‬‬
‫َ‬ ‫ليس سوى‬

‫في غرفتي‪..‬‬

‫عفواً‪ ،‬فليست غرفتي‬

‫بل بحبسي‬

‫شباكها األحياء‬
‫أرقب من ّ‬

‫المشم ِ‬
‫س‬ ‫َّ‬ ‫الشاطئ‬
‫ملء ّ‬

‫‪...‬‬

‫من غرفتي‬

‫الحب أنا‬
‫أحكي عن ّ‬

‫ِ‬
‫ألمس‪،‬‬ ‫هوى لم‬
‫وعن ً‬
‫ٍ‬
‫كفيلسوف‬

‫يصف الخمر َّالتي‬

‫ِ‬
‫يحتس "عمارة‪ 1985‬ص‪" 98،99‬‬ ‫لم‬

‫فالشاعرة لميعة تعمل جاهدة على نسيان حبيبها َّالذي جعلها تعيش في حالة يرثى لها‪ ،‬ومن أجل الخالص من عذاباتها راحت‬

‫مزقت أحاسيسها‬
‫نفسياً ّ‬ ‫َّ‬
‫اخلي التي تعيش الشاعرة بسببها صراعاً ّ‬
‫ّ ّ‬
‫لكن مشاعرها الد‬
‫وكأنها لم تعشه من قبل‪ّ ،‬‬
‫بالحب‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫تنكر معرفتها‬

‫‪118‬‬
‫م ج ل ة الر ك ل ل ف ل س ف ة و ا ل ل س ا ن ي ا ت و ا ل ع ل و م ا ال ج ت م ا ع ي ة ا ل م ج ل د ( ‪ ) 1‬ا ل ع د د ( ‪ ) 4 4‬ا ل س ن ة ( ‪ (2 0 2 2‬ب ح و ث ا ل ل غ ة ا ل ع ر ب ي ة‬

‫شبته بالفيلسوف َّالذي يحاول وصف الخمرة َّالتي لم‬


‫الحب عندما ّ‬
‫ّ‬ ‫وكبرياءها‪ ،‬وأنتجت الشاعرة من معاناتها صورة رائعة عن‬

‫الحب‪ ،‬وما يكون عند ّ‬


‫الناس‬ ‫فسي في موقف الشاعرة من الوجد و ّ‬‫الصراع الن‬ ‫ِ‬
‫ّ ّ‬ ‫الحب‪ ،‬وبرز ّ‬
‫ّ‬ ‫فعبرت بأسلوب رائع عن‬
‫تحتس‪ّ ،‬‬

‫معلوماً َّ‬
‫أن بينهما فرقاً شاسعاً‪ ،‬وبعداً واسعاً‪.‬‬

‫ب‪ -‬الحنين‪:‬‬

‫األصلية َّالتي اعتمد عليها ّ‬


‫الشاعر العذرّي في بنائه‬ ‫ّ‬ ‫إن القارئ للشعر العربي القديم والحديث يلحظ َّ‬
‫أن العناصر الجماليَّة الثّالثة‬
‫ّ‬
‫َّ‬

‫المقومات الحضاريَّة‬
‫الجماعي و ّ‬ ‫هوية الكيان‬
‫مهماً في إبراز ّ‬
‫الزمان والمحبوب‪ ،‬وهذا البناء ّأدى دو اًر ّ‬
‫الفن ّي تتمّثل في المكان و ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫لذلك المجتمع العربي‪ ،‬وأصبح الحنين من عناصر هذا البناء بما يضيفه من أبعاد إنسانيَّة‪ .‬ينظر" اليوسف‪1982 ،‬ص‪،"43‬‬
‫ّ‬
‫وهذا ما يتّضح في قول الشاعرة لميعة عمارة‪:‬‬

‫أنت‪..‬؟‬
‫لماذا عشْقتُ َك َ‬

‫الزاهره‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ك ّ‬‫ل َم اخترتني بين أمجاد َ‬

‫ومثلك يحلم كرم الجنان‬

‫يسيل على كّفه العاصره؟‬

‫عدت‬
‫مألت عيوني – فما ُ‬
‫َ‬ ‫لماذا‬

‫النادره؟‬
‫أبصر – بالمثل ّ‬

‫‪...‬‬

‫لماذا أنا في مجالي الهوى‬

‫بالنظرة الخاسره‬
‫أراقب ّ‬

‫طيور‬
‫المحبين مثل ال ّ‬
‫ّ‬ ‫رفوف‬

‫لكل شهي الجنى طائره‬


‫ّ‬
‫ّ‬
‫‪...‬‬

‫تجيء لسمعي ضحكاتهم‬

‫لشب ِ‬
‫اك زنزانتي الفاخره‬ ‫ّ‬

‫‪119‬‬
‫م ج ل ة الر ك ل ل ف ل س ف ة و ا ل ل س ا ن ي ا ت و ا ل ع ل و م ا ال ج ت م ا ع ي ة ا ل م ج ل د ( ‪ ) 1‬ا ل ع د د ( ‪ ) 4 4‬ا ل س ن ة ( ‪ (2 0 2 2‬ب ح و ث ا ل ل غ ة ا ل ع ر ب ي ة‬

‫كأجراس نعي أفيق عليها‬

‫ألشهتدني الميتة السائره‬

‫لماذا؟‬

‫المساء‬ ‫لماذا ُّ‬


‫يحط‬
‫ُ‬

‫حزيناً على نظرتي الحائره‬

‫ٍ‬
‫معجب‬ ‫وفي القرب أكثر من‬

‫"عمارة ‪1985،‬ص‪"74،77‬‬ ‫و ّإني ألكثر من قادره؟‬

‫جمالياً‪ ،‬وقد‬
‫ّ‬ ‫وحساً عاطفيا أضفى عليه بعداً‬
‫امية‪ّ ،‬‬
‫اجيدية‪ ،‬وحركات در ّ‬
‫بعث الحنين في ديوان الشاعرة لميعة عمارة أبعاداً تر ّ‬

‫صوفياً أعطى‬ ‫فانياً‬


‫جمالياً عر ّ‬ ‫وجسدت ذلك تجسيداً‬
‫ماني‪ّ ،‬‬‫الرئيس لحنينها المكاني والز‬
‫المحرك ّ‬ ‫جعلت الشاعرة من المحبوب‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ ّ‬ ‫ّ‬

‫موسيقية‪ ،‬ورؤية أدبية جديدة‪.‬‬


‫ّ‬ ‫قصيدتها رونقاً‬

‫تحن إلى حبيبها حنيناً يظهر أثره على بنية القصيدة برمتها‪ ،‬فهي منذ البداية تتساءل (لماذا؟)؛ أي لماذا‬
‫الشاعرة لميعة عمارة ّ‬
‫ّ‬

‫يرد‬
‫وكأن حال لسانها ّ‬
‫الرغم من كثرة المعجبين بها؟ ّ‬
‫الرجل؟ وماذا فعل بقلبها حتى أسرها على ّ‬
‫هي؟ ولماذا وقعت في غرام هذا ّ‬

‫كل تساؤالتك هذه‪ ،‬وفي بعد حبيبها عنها أصبحت الشاعرة كالسجينة‬
‫عليها فيقول‪ :‬القلب عندما يخفق يا عزيزتي لن تقف أمامه ّ‬

‫َّالتي وضعت في زنزانتها‪ ،‬فعانت م اررة الحياة‪ ،‬وشظف العيش؛ لذلك نجدها تناجي حبيبها عبر المكان َّالذي رسمت من خالله‬

‫داخلياً‬
‫ّ‬ ‫وكأنها تعيش صراعاً‬
‫النهاية للحياة‪ّ ،‬‬ ‫الزمن األبدي في العشق َّ‬
‫بأنه البداية و ّ‬ ‫صورة رائعة لجمال المعشوق‪ّ ،‬‬
‫وعبرت عن ّ‬

‫بينها وبين نفسه من جهة‪ ،‬وبين حياتها وموتها من جهة أخرى‪ ،‬فالحنين عند الشاعرة كان أقوى من خوض حرب مع األعداء‪.‬‬

‫ج‪ -‬التّسامي العذرّي‪:‬‬

‫الجنسية في التماس الّل ّذة الجزئية‪ ،‬واتّخذ لها هدفاً آخر‬


‫ّ‬ ‫أن العذري تخّلى عن ّ‬
‫النزعة‬ ‫عملية حضارّية قوامها َّ‬
‫يعد التّسامي العذرّي ّ‬
‫ّ‬

‫عملية ذات طابع نفسي اجتماعي جعلت العذري يتسامى عن أهدافه‬


‫تكوينياً بما تخّلت عنه الذات‪ ،‬وبذلك توصف بأنها ّ‬
‫ّ‬ ‫يتّصل‬

‫الجنسية اإلباحية َّالتي هي في نهاية األمر أهداف أنانية إلى أهداف ذات طابع حضارّي تصبح فيه األنا بمتطّلباتها الغريزية من‬

‫ال "بلوحي ‪ ،2000‬ص‪ ."123‬أي أن يتّخذ التسامي العذري منحى ّفنّياً في تصويره لجسد‬
‫بناء متكام ً‬
‫أجل بناء (النحن) ً‬

‫الفردية َّالتي تذوب في‬


‫ّ‬ ‫الصوفي فيما بعد‪ ،‬فالمراد منه القضاء على‬ ‫حقيقياً للحب‬
‫ّ‬ ‫المحبوب بلغة غير إباحية‪ ،‬وكان وإرهاصاً‬
‫ّ ّ‬
‫‪120‬‬
‫م ج ل ة الر ك ل ل ف ل س ف ة و ا ل ل س ا ن ي ا ت و ا ل ع ل و م ا ال ج ت م ا ع ي ة ا ل م ج ل د ( ‪ ) 1‬ا ل ع د د ( ‪ ) 4 4‬ا ل س ن ة ( ‪ (2 0 2 2‬ب ح و ث ا ل ل غ ة ا ل ع ر ب ي ة‬

‫السكينة والسعادة الكاملة‪ ،‬وغلبة الحياء على طغيان النفس الحيواني هي ناتجة من التربية‬
‫مؤدية إلى حالة من ّ‬
‫الجماعية ّ‬
‫ّ‬ ‫الروح‬
‫ّ‬

‫اإلسالمية للشاعرة لميعة عمارة‪.‬‬


‫ّ‬

‫اإلسالمية؛ وهذا ما يتّضح في قول‬


‫ّ‬ ‫الديانة‬
‫اإلسالمي المحافظ على تعاليم ّ‬ ‫الدينية والمجتمع العراقي‬
‫ّ‬ ‫فالشاعرة قد استوعبت البيئة‬
‫ّ‬
‫الشاعرة‪:‬‬

‫أُسائل نفسي‪:‬‬

‫‪...‬‬

‫لماذا أخاف الّلقاء البسيط‬

‫أحذر نظرته الخارقه؟‬


‫و ُ‬

‫رت‪،‬‬
‫تذ ّك ُ‬

‫ّإني أخاف الّليالي‬

‫راعدة ‪ ...‬بارقة‬

‫أخاف إذا ما التقت غيمتان‬

‫الجو‬
‫في ّ‬

‫الصاعقة "عمارة‪ 1985،‬ص‪."86-85‬‬


‫أن تنزل ّ‬

‫نرى َّ‬
‫أن الشاعرة لميعة عمارة في تقلب األحوال تظهر ثباتاً وصموداً وإيماناً بالخالق‪ ،‬وخوفاً منه‪ ،‬فهي تخاف اللقاء في الليالي؛‬

‫العقائدية‪ ،‬وبرزت ثقافة‬


‫ّ‬ ‫الدينية النابعة من عقيدتها‬
‫ّ‬ ‫َّ‬
‫ألنها أدركت بقلبها وبإيمانها أن هذا اللقاء فاسد‪ ،‬ويأخذها بعيداً عن قيمها‬

‫الدين اإلسالمي‪ ،‬فضالً عن‬


‫اإلسالمية في ب ّثها ألفاظ ًا من القرآن الكريم في ثنايا قصيدتها‪ ،‬لتظهر مدى التزامها بتعاليم ّ‬
‫ّ‬ ‫الشاعرة‬
‫ّ‬
‫حبها‪ ،‬وعبر هذه القصيدة برز التّسامي العذرّي عند الشاعرة‪.‬‬
‫إب ارز عّفتها وطهارتها في ّ‬

‫د‪ -‬الخروج عن المألوف‪:‬‬

‫وتصرح بغزلها عبر لسان صريح متجاوز الحدود والفواصل‪ ،‬وتبوح بمكنونات‬
‫ّ‬ ‫تتغزل بالمحبوب (ال ّذكر)‪،‬‬
‫قّلما نجد شاعرة (أنثى) ّ‬

‫تغزلهن بالرجال‬ ‫ثم َّ‬


‫إن بعض الشاعرات النسوة قد فاق ّ‬ ‫تتغزل بجرأة واضحة في رسم أبعاده النفسية والجسدية‪ ،‬ومن ّ‬
‫فؤادها‪ ،‬ثم ّ‬

‫بالنساء‪ ،‬و َّ‬


‫إن معانيهن الشعرية جديدة وجريئة على ألسنة الشاعرات‪ ،‬وقد بالغن في وصف الجمال الحسي للحبيب‬ ‫غزل الرجال ّ‬
‫ّ‬
‫‪121‬‬
‫م ج ل ة الر ك ل ل ف ل س ف ة و ا ل ل س ا ن ي ا ت و ا ل ع ل و م ا ال ج ت م ا ع ي ة ا ل م ج ل د ( ‪ ) 1‬ا ل ع د د ( ‪ ) 4 4‬ا ل س ن ة ( ‪ (2 0 2 2‬ب ح و ث ا ل ل غ ة ا ل ع ر ب ي ة‬

‫عنهن هذا‬
‫ّ‬ ‫إلى جانب صفاته وعالقاتها الغرامية مع الرجل‪ ،‬ولهذا اتّسم غزلهن بخصوبة الخيال‪ ،‬وأكثر الشاعرات اللواتي صدر‬

‫الراقية فـ ــي المجتمع "الركابي ‪1970‬ص‪."225‬‬


‫طبقة ّ‬
‫الغزل من ال ّ‬

‫الصراحة والجرأة في ممارسة العشق من دون خجل أو خوف من القيود االجتماعيَّة دليل على الحرية التي تمتّعت بها المرأة‪،‬‬
‫إن ّ‬‫َّ‬

‫بالشوق‪ ،‬ووصف‬
‫ومن المعاني المتداولة في هذا المجال طلب الخلوة بالحبيب‪ ،‬ووصف اللقاء‪ ،‬والشكوى من الفراق‪ ،‬والتّصريح ّ‬

‫أحببن كثي اًر من قبل‪ ،‬وهذا ما يتجّلى في قول الشاعرة‪:‬‬


‫َ‬ ‫هن قد‬ ‫محاسنه ومفاتنه الجسدية‪ ،‬وليس هذا فحسب‪ ،‬بل االعتراف َّ‬
‫بأن ّ‬

‫العراف‬
‫لو أنبأني ّ‬

‫َّأن َك يوماً ستكون حبيبي‬

‫لم أكتب غزالً في رجل‬

‫خرساء أصلي‬

‫لتظل حبيبي‪.‬‬
‫ّ‬

‫لو أنبأني العراف‬

‫ّأني سأالمس وجه القمر العالي‬

‫لم ألعب بحصى الغدران‬

‫ولم أنظم في خرز آمالي‪.‬‬

‫لو أنبأني العراف‬

‫َّ‬
‫أن حبيبي‬

‫سيكون أمي اًر فوق حصان من ياقوت‬

‫شدتني الدنيا بجدائلها الشقر‬


‫ّ‬

‫فلم أحلم ّأني سأموت‪.‬‬

‫لو أنبأني العراف‬

‫َّ‬
‫أن حبيبي في الّليل الّثلجي‬
‫ّ‬
‫مس‬
‫الش ْ‬
‫سيأتيني بيديه ّ‬

‫‪122‬‬
‫م ج ل ة الر ك ل ل ف ل س ف ة و ا ل ل س ا ن ي ا ت و ا ل ع ل و م ا ال ج ت م ا ع ي ة ا ل م ج ل د ( ‪ ) 1‬ا ل ع د د ( ‪ ) 4 4‬ا ل س ن ة ( ‪ (2 0 2 2‬ب ح و ث ا ل ل غ ة ا ل ع ر ب ي ة‬

‫ئتاي‬
‫لم تجمد ر َ‬

‫ولم تكبر في عيني هموم األمس‪.‬‬


‫ّ‬
‫لو أنبأني العراف‬

‫ّأني سأالقيك بهذا التيه‬

‫ٍ‬
‫لشيء في ُّ‬
‫الدنيا‬ ‫لم ِ‬
‫أبك‬

‫وجمعت دموعي‬

‫الدمع‬
‫كل ّ‬‫ُّ‬

‫ليوم قد تهجرني فيه "عمارة ‪ ،1985‬ص ‪."6،7،8‬‬

‫بأحبة كثر قبل أن تعشق هذا الحبيب‪ ،‬وكانت تتمنى َّأنها لو لم تعرف‬ ‫تصرح صراحة واضحة َّأنها ّ‬
‫تغزلت ّ‬ ‫الشاعرة لميعة عمارة ّ‬

‫حبه في قلب‬
‫فيشتد ّ‬
‫ّ‬ ‫ظالم‪ ،‬له عيون ساحرة‪ ،‬ويجتمع فيه وجهه النور والشمس‪،‬‬
‫أحداً قبله‪ ،‬فهو موضع طلوع القمر تحت ال ّ‬

‫صورت‬ ‫َّ‬ ‫الشاعرة حتى ال تستطيع السيطرة على حبها الكبير؛ ذاك الحب َّالذي َّ‬
‫يتعدى الحدود حتى أعراف المجتمع وتقاليده‪ ،‬وقد ّ‬

‫فالدفء َّالذي تسعى إليه يفوق دفء الشمس‪ ،‬وح اررة األكوان‪.‬‬ ‫ليلته من دونه بالّثلج‪ ،‬وهو َّالذي يمنحها ّ‬
‫الدفء‪ ،‬لكن ّأيما دفء؟ ّ‬

‫الشيء؛‬
‫اإلباحية بعض ّ‬
‫ّ‬ ‫ذوقية بألفاظ تقترب من‬
‫عبرت عن صورة شعرّية ّ‬
‫الشعريَّة قد ّ‬ ‫َّ‬
‫إن الشاعرة لميعة عمارة في هذه المقطوعة ّ‬

‫تصور من خاللها صدق‬ ‫تتحدث عن ِ‬


‫تجربة حقيقية ّ‬ ‫األول‪ ،‬وهي ّ‬
‫المتأججة هي عاطفة غريزية صرفة في المقام ّ‬
‫ّ‬ ‫إذ َّ‬
‫إن العاطفة‬

‫وتلون نغمة العاطفة بين حزن ينبعث بسبب فراق الحبيب وهجرانه‪ ،‬وتحّلق القلب وطيرانه فرحاً عندما تستبشر بقربه‬
‫عاطفتها‪ّ ،‬‬

‫ولقائه‪.‬‬

‫ه‪ -‬صورة المحبوب‪:‬‬

‫السفر لتكافح‬
‫تتورط مهالك ّ‬
‫وبينها)‪ ،‬فالشاعرة ّ‬
‫امية (الحبيبة رمز الحياة‪ ،‬والفراق موت يحدثه ظعن الحبيبة ُ‬
‫الدر ّ‬
‫النظرة ّ‬ ‫َّ‬
‫إن في ّ‬

‫السرمدية في أبديتها‪،‬‬ ‫الموت‪ ،‬وتنال فوز الحياة‪ ،‬وكذلك ترى شاعرة العذري في حبيبته البداية و ّ‬
‫النهاية والحياة بكاملها‪ ،‬بل ّ‬

‫والمحبوب هو المركز الحنيني بين العناصر الثالثة ينظر "بلوحي ‪ ،2000‬ص‪ ،"65‬فنرى الشاعرة لميعة عمارة ال تطيق الصبر‬
‫ّ‬
‫عن حبيبها‪ ،‬وتعد بينونة الحبيب موتاً وتشكو الفراق‪ ،‬فتقول‪:‬‬

‫وأيقظني البرد في أخريات ليالي الخريف‬

‫‪123‬‬
‫م ج ل ة الر ك ل ل ف ل س ف ة و ا ل ل س ا ن ي ا ت و ا ل ع ل و م ا ال ج ت م ا ع ي ة ا ل م ج ل د ( ‪ ) 1‬ا ل ع د د ( ‪ ) 4 4‬ا ل س ن ة ( ‪ (2 0 2 2‬ب ح و ث ا ل ل غ ة ا ل ع ر ب ي ة‬

‫تلملمت‬
‫ُ‬

‫جس مكانك‬
‫راحت ذراعي ت ّ‬

‫تجمع حولي دثاري الخفيف‬


‫عادت ّ‬

‫مكانك ال ههنا‬

‫رت‬
‫قد تذ ّك ُ‬

‫أنت رحلت مع الجيش ِ‬


‫أمس‪.‬‬ ‫َ‬

‫اك‪ ،‬ومتربة جبهة الفارس العربي‬


‫أر َ‬
‫ّ‬
‫بالرجوله‬
‫وصوت القذائف يشحنه ّ‬

‫غداً سأعانق فيك البطوله‬

‫غفرت لبرد ليالي الخريف‬

‫ووحشة تلك الليالي الطويله‬

‫سألمع نجماتك الشامخات‬


‫غداً ّ‬

‫الزهو ّأني أشهد‬


‫على كتف يشهد ّ‬

‫عليها‪.‬‬

‫وتحسدني مئة امرٍأة‬

‫أال احسدنني‬

‫إنني‬

‫أعانقه‪" ..‬عمارة‪، 1985‬ص‪"16،17،18‬‬

‫العقلية‪ ،‬وهذا‬
‫ّ‬ ‫إن عشق الشاعرة لمعشوقها يرتبط بأقوى دافع عاطفي لديها‪ ،‬يتمّثل في قلبها َّالذي يعمل على تعطيل مبدأ اإلرادة‬
‫َّ‬

‫تتحمل فراقه؛ إذ بفراقه تصاب بضروب من الوساوس‬


‫ّ‬ ‫مقيد‪ ،‬فهي تتعلق بالمعشوق األول عندها بال إرادة‪ ،‬وال‬
‫االرتباط ّ‬

‫وتغنيها به متغزلة بحبيبها‪،‬‬


‫تعبر عن شدة وجدها ّ‬
‫التحمل؛ لذلك ّ‬
‫ّ‬ ‫واالضطرابات‪ ،‬لكن ال حيلة لها في ذلك‪ ،‬وال قدره له على‬

‫ومتمنية وصاله‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪124‬‬
‫م ج ل ة الر ك ل ل ف ل س ف ة و ا ل ل س ا ن ي ا ت و ا ل ع ل و م ا ال ج ت م ا ع ي ة ا ل م ج ل د ( ‪ ) 1‬ا ل ع د د ( ‪ ) 4 4‬ا ل س ن ة ( ‪ (2 0 2 2‬ب ح و ث ا ل ل غ ة ا ل ع ر ب ي ة‬

‫الشعرّي برزت سيطرة العشق على العاشقة عبر تعطيل مبدأ اإلرادة لديها‪ ،‬فأصبحت ال حول لها وال قوة في‬
‫ص ّ‬ ‫الن ّ‬
‫في هذا ّ‬

‫مخيرة في عشقها هذا‪ ،‬وخاضعة لسلطان القلب‪،‬‬


‫المسؤولية؛ إذ ّإنها مجبرة ال ّ‬
‫ّ‬ ‫ردها‪ ،‬فيرتفع اللوم في مشاعرها‪ ،‬وترتفع عنها‬
‫ّ‬

‫وشهوة العشق‪.‬‬

‫النفس‪:‬‬
‫و‪ -‬تعذيب ّ‬

‫مرضية تتغلغل في نفس العاشق‪،‬‬


‫ّ‬ ‫تعبر عن حالة‬
‫السعادة‪ّ ،‬‬
‫النفس الشاعرة من أجل الوصول إلى حالة من ّ‬ ‫َّ‬
‫إن صورة تعذيب ّ‬

‫الشوق َّالذي ال أمل في إشباعه‪ .‬ينظر" اليوسف‬


‫وتتبين في ولعه بسقمه وهزاله وحرمانه وتل ّذذه بألمه واستمتاعه بحرقة ّ‬
‫ّ‬

‫‪1982‬ج‪ 6‬ص ‪. "266‬‬

‫ذين يهوون "تعذيب‬ ‫َّ‬ ‫تعمداً كانت وراءه دوافع الالوعي َّ‬
‫كأنها من العصابيين ال َ‬ ‫تتعمد التّشبيب بالمحبوب ّ‬
‫الشاعرة لميعة عمارة ّ‬

‫الشرعي‪ ،‬بل بالمنع واإلغراء واإلطماع باإلقصاء؛ لذلك‬


‫الرباط ّ‬
‫مازوشية بطبعها‪ ،‬وال تنتهي عالقتها بالمحبوب إلى ّ‬
‫ّ‬ ‫النفس"؛ أي‬
‫ّ‬

‫مهماً من‬
‫يشكالن جزءاً ّ‬ ‫التل ّذذ باأللم والعذاب‪َّ ،‬‬
‫وكأن هذين العاملين ّ‬ ‫لمجرد االستمتاع و ّ‬
‫ّ‬ ‫النفس‬
‫كانت تميل ميالً شديداً إلى تعذيب ّ‬

‫نتلمس في قولها‪:‬‬
‫امية العذرّية عند الشاعرة‪ ،‬وهذا ما ّ‬
‫عنف التّجربة الغر ّ‬

‫يعلم هللا ّأنني أتع ّذب‬

‫رهبة من مشاعري أترهَّب‬

‫ال تقل لي "أجب"‬

‫هذا بعينيك اشتهاء‬

‫ونزوة‬

‫سوف تذهب‪.‬‬

‫لست ّأيوب‪،‬‬

‫لن تطيق وصالي‬

‫هو شيء من الخ ارفة أقرب‬

‫للحب‬
‫ّ‬ ‫أن تراني وحشيَّة التّوق‬

‫الرفيق المه ّذب‪.‬‬


‫وتبقى معي ّ‬

‫‪125‬‬
‫م ج ل ة الر ك ل ل ف ل س ف ة و ا ل ل س ا ن ي ا ت و ا ل ع ل و م ا ال ج ت م ا ع ي ة ا ل م ج ل د ( ‪ ) 1‬ا ل ع د د ( ‪ ) 4 4‬ا ل س ن ة ( ‪ (2 0 2 2‬ب ح و ث ا ل ل غ ة ا ل ع ر ب ي ة‬

‫عني‬
‫أبعد الشعلتين – ك ّفيك – ّ‬

‫‪...‬‬

‫أنساني الحرمان جسمي‪،‬‬

‫ول ّذتي ان أُصلب "العمارة ‪،1985‬ص‪."97، 96 ،95‬‬

‫طرق ّ‬
‫الصعبة؛ َّ‬
‫ألن حبها حق‪،‬‬ ‫ص تسعى إلى وصال حبيبها‪ ،‬لكنها تقع نفسها في المهالك وال ّ‬
‫الن ّ‬
‫الشاعرة لميعة عمارة في هذا ّ‬

‫لكنها تلت ّذ من هذا العذاب والفداء في طريق المحبوب تارة‪ ،‬وفي وجهي المحبوب تارة أخرى‪ ،‬فالشاعرة في غزلها هذا أصبحت‬

‫تعبر عن مشاعرها بأصدق المعاني‪.‬‬ ‫هي العاشقة‪ ،‬والرجل هو المعشوق‪ ،‬ويغلب على غزلها روح العذاب والمعاناة واأللم‪ّ ،‬‬
‫لكنها ّ‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫األول‬
‫الفنّية السابقة لشعر الشاعرة لميعة عمارة قد تبلورت في اتّجاهين متعارضين؛ تمّثل االتّجاه ّ‬
‫يتّضح من خالل القراءة ّ‬

‫الصريح‬
‫اخلي‪ ،‬والحنين‪ ،‬بينما برز اتّجاه الغزل اإلباحي و ّ‬ ‫بالغزل العفيف العذرّي‪ ،‬وجاء ذلك عبر الوجع العشقي‪ ،‬واالنشطار َّ‬
‫الد‬
‫ّ‬
‫تعمداً كانت وراءه دوافع الالوعي َّ‬
‫كأنها من العصابيين‬ ‫تتعمد التّشبيب بالمحبوب ّ‬
‫في الجرأة في التّعبير‪ ،‬والتّ ّفنن بتعذيب ال ّذات‪ّ ،‬‬

‫الشرعي‪ ،‬بل بالمنع واإلغراء‬


‫الرباط ّ‬ ‫ذين يهوون "تعذيب ّ‬ ‫َّ‬
‫مازوشية بطبعها‪ ،‬وال تنتهي عالقتها بالمحبوب إلى ّ‬
‫ّ‬ ‫النفس"؛ أي‬ ‫ال َ‬

‫اجية ال ّذاتية‪ ،‬وموقفها من األحداث وظروفها النفسيَّة اضافة الى‬ ‫واإلطماع باإلقصاء َّ‬
‫وكأن الشاعرة كانت تعيش حالة من االزدو ّ‬

‫امية ‪.‬‬
‫اجيدية‪ ،‬وحركات در ّ‬
‫بعث الحنين في ديوان الشاعرة لميعة عمارة أبعاداً تر ّ‬

‫قائمة المصادر والمراجع‪:‬‬

‫مادة (شبب)‬
‫المخصص‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪1999 ،‬م‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ابن سيده‪،‬‬ ‫‪.1‬‬

‫مؤسسة األعلمي للمنشورات‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪2005 ،‬م‪ ،‬مادة (شبب)‬


‫ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ّ ،‬‬ ‫‪.2‬‬

‫الشعر العذرّي‪ ،‬اتّحاد كتّاب العرب‪ ،‬دمشق‪ ،‬سورية‪2000 ،‬م‪،‬‬


‫محمد‪ّ ،‬‬
‫بلوحي ّ‬ ‫‪.3‬‬

‫الجبوري‪ ،‬يحيى‪ ،‬الشعر الجاهلي ‪:‬خصائص وفنونه"‪ ،‬ومنشورات جامعة قارنيوس‪ ،‬بنغازي‪ ،‬ليبيا‪ ،‬ط‪1993 ،6‬‬ ‫‪.4‬‬
‫ّ‬
‫الركابي‪ ،‬جودت‪ ،‬في األدب األندلسي‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪1970 ،‬م‬
‫ّ‬ ‫‪.5‬‬
‫ّ‬
‫‪126‬‬
‫م ج ل ة الر ك ل ل ف ل س ف ة و ا ل ل س ا ن ي ا ت و ا ل ع ل و م ا ال ج ت م ا ع ي ة ا ل م ج ل د ( ‪ ) 1‬ا ل ع د د ( ‪ ) 4 4‬ا ل س ن ة ( ‪ (2 0 2 2‬ب ح و ث ا ل ل غ ة ا ل ع ر ب ي ة‬

‫النشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪1985 ،‬م‬


‫المؤسسة العربية للدراسات و ّ‬
‫ّ‬ ‫العراف‪،‬‬
‫عمارة‪ ،‬لميعة عباس‪ ،‬لو‪ ..‬أنبأني ّ‬ ‫‪.6‬‬

‫غريب‪ ،‬جورج‪ ،‬الغزل "تاريخه وأعالمه"‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬د‪.‬ت‬ ‫‪.7‬‬

‫النهضة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪1970 ،‬م‬


‫محمد فتحي الشنيطي‪ ،‬دار ّ‬
‫هال‪ ،‬كالقن‪ ،‬أصول علم النفس الفرويدي‪ ،‬تر‪ّ :‬‬ ‫‪.8‬‬

‫اليوسف‪ ،‬يوسف‪ ،‬الغزل العذري "دراسة في الحب المقموع‪ ،‬دار الحقائق‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪1982 ،‬م‬ ‫‪.9‬‬

‫‪127‬‬

You might also like