You are on page 1of 16

‫فاطمة بوعي‬ ‫الاجتهاد املقاصدي في الفكر إلاصالحي املعاصر عند الشيخ عبد هللا بن ّبيه‬ ‫العدد ‪01‬‬

‫الاجتهاد املقاصدي في الفكر إلاصالحي املعاصر عند الشيخ عبد هللا بن ّبيه‬
‫"رؤية معرفية منهجية"‬
‫‪‬‬
‫فاطمة بوعى‬

‫ﺍﻻﺟﺘﻬﺎﺩ ﺍﻟﻤﻘﺎﺻﺪﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻹﺻﻼﺣﻲ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﻋﺒﺪﺍﷲ ﺑﻦ ﺑﻴﻪ‪ :‬ﺭؤﻳﺔ‬ ‫ﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ‪:‬‬
‫ﻣﻨﻬﺠﻴﺔاملقاصدي في الفكر إلاصالحي املعاصر الذي ينتهجه الشيخ عبد هللا بن ّبيه‬
‫على الاجتهاد‬ ‫تقديم‪ :‬تروم هذه الدراسة الوقوف‬
‫ﻣﻌﺮﻓﻴﺔ‬
‫التجديد‪ .‬وقد جاء هذا البحث للوقوف على هذه‬ ‫معالجة فساد املجتمع‪ ،‬إذ بدأ في تحديد مجاالت إلاصالح ومسالك‬
‫ﻣﺠﻠﺔ ﺍﻟﺒﺤﺜﻴﺔ ﻟﻠﻌﻠﻮﻡ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‬
‫في‬
‫ﺍﻟﻤﺼﺪﺭ‪:‬‬
‫العلمية التي قدمها الشيخ ابن بيه لألمة‬ ‫املنهجية العلمية في إلاصالح‪ ،‬التي يمكن معاينتها بوضوح من خالل الجهود‬
‫ﻣؤﺳﺴﺔ ﺧﺎﻟﺪ ﺍﻟﺤﺴﻦ ‪ -‬ﻣﺮﻛﺰ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﻭﺍﻷﺑﺤﺎﺙ‬ ‫ﺍﻟﻨﺎﺷﺮ‪:‬‬
‫إلاسالمية‪ ،‬ممثلة عصارة فكره الناصع وطرحه املتميز وتنظيره املنه ي‪ ،‬ومداوالته العلمية العملية‪ ،‬وتفاعله إلايجابي مع‬
‫ﺑﻮﻋﻰ‪ ،‬ﻓﺎﻃﻤﺔ‬ ‫ﺍﻟﻤؤﻟﻒ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ‪:‬‬
‫الحركة العلمية الراهنة‪.‬‬
‫ﻉ‪10‬‬ ‫ﺍﻟﻤﺠﻠﺪ‪/‬ﺍﻟﻌﺪﺩ‪:‬‬
‫العالمة بن ّبيه قدم قراءاتﻧﻌﻢكثيرة للمنظومة املقاصدية‪ ،‬ولم تخلو بحوثه ومؤلفاته ومحاضراته من إلاشارة للدرس‬ ‫إن‬
‫ﻣﺤﻜﻤﺔ‪:‬‬
‫قدم رؤيته العلمية والعملية لضبط الاستنباط املقاصدي‪ ،‬وذلك باعتبار املقاصد ليست‬ ‫‪2018‬‬ ‫واستثماره‪ ،‬وفي املقابل‬ ‫املقاصدي‬
‫ﺍﻟﻤﻴﻼﺩﻱ‪:‬‬ ‫ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‬
‫ﺧﺮﻳﻒمع العلة؛ بل باعتبارها أداة ضابطة لبوصلة التفكير وتوليد ألاحكام وصانعة للمفاهيم‬
‫فقط تتبادل الوظيفة العملية‬ ‫أداة‬
‫ﺍﻟﺸﻬﺮ‪:‬‬
‫َ‬
‫وكذا باعتباره أداة حاكمة ومرجحة عند التنازع‪ ،‬واملرجع في حل الاختالف إذا انعدمت‬
‫الواقع‪66 -،‬‬
‫بناء على التداخل مع ‪80‬‬ ‫الكلية‬
‫ﺍﻟﺼﻔﺤﺎﺕ‪:‬‬
‫قبول املرجحات ألاخرى‪ ،‬فيكون املقصد بثقله الكلي والجزئي أداة فاعلة وفاصلة‬ ‫‪:MD‬الترجيح‪ ،‬واختلفت ألانظار في‬
‫‪967758‬‬ ‫وسائل‬
‫ﺭﻗﻢ‬
‫ﺍﻟﻤﺤﺘﻮﻯ‪:‬ذو الانصاف‪ .‬ﺑﺤﻮﺙ ﻭﻣﻘﺎﻻﺕ‬
‫وحاسمة عند ي‬ ‫ﻧﻮﻉ‬
‫‪Arabic‬عبد هللا بن ّبيه في مجال الاصالح والتجديد باعتبارها من أفضل املناهج العلمية‬ ‫ﺍﻟﻠﻐﺔ‪:‬‬
‫لذلك كان اختيارنا ألطروحة العالمة‬
‫‪EduSearch,‬والوظيفي بين آليات وبرامج الدرس ألاصولي وبين تقنيات العصر‬
‫‪IslamicInfo‬التكامل املنه ي‬
‫املعاصرة التي أشارت إلى ضرورة‬ ‫التجديدية‬
‫ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ‪:‬‬ ‫ﻗﻮﺍﻋﺪ‬
‫وحاجياته‪.‬‬
‫ﺍﻹﺳﻼﻣﻰ‪،‬‬ ‫الواقع‬
‫ﺍﻟﻔﻘﻪ‬ ‫ﺍﻟﺸﻴﺦضرورات‬
‫ﻋﺒﺪﺍﷲ‪،‬‬ ‫ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ‪ ،‬ضوء‬
‫ﺍﻹﺻﻼﺣﻰ والجزئي في‬
‫الواصب بين الكلي‬ ‫تناغمية‪ ،‬بغية الربط‬
‫ﺍﻟﻤﻘﺎﺻﺪﻯ‪ ،‬ﺍﻟﻔﻜﺮ‬ ‫وأدواته؛ بعملية توازنية وشراكة ﺍﻻﺟﺘﻬﺎﺩ‬
‫ﻣﻮﺍﺿﻴﻊ‪:‬‬
‫ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ‪ ،‬ﻣﻘﺎﺻﺪ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ‬
‫انطالقا مما تقدم سوف تحاول هذه الورقة إلاجابة على إلاشكالية التالية‪ :‬إلى أي حد تمكن الشيخ عبد هللا بن ّبيه من‬
‫‪http://search.mandumah.com/Record/967758‬‬ ‫ﺭﺍﺑﻂ‪:‬‬
‫توظيف املقاصد في اجتهاده وتنزيلها في الواقع تنزيال يمكن أن يحل إلاشكال ويكون بمثابة الرافعة الفكرية والشرعية‬
‫لفكر ألامة؟‬
‫واللتماس إلاجابة على هذا السؤال‪ ،‬واستنطاق رؤية الشيخ عبد هللا بن ّبيه للفكر املقاصدي وتنزيله على الواقع بإشكاالته‬
‫الجمة‪ ،‬سوف نحاول أن نحصر حديثنا في هذا املقال في ثالث محاور أساسية‪ :‬نتعرض في ألاول منهما إلاطار املفاهيمي‬
‫للدراسة‪ ،‬وفي ثانيهما إلى العالمة عبد هللا بن ّبيه ومشروعه التجديدي إلاصالحي‪ .‬لنختم أخيرا في محور ثالث بجوانب‬
‫الاستنجاد باملقاصد واستثمارها في الفكر إلاصالحي عند العالمة عبد هللا بن ّبيه‪.‬‬
‫‪ .0‬إلاطار املفاهيمي للدراسة‪:‬‬
‫‪ .0.0‬مفهوم الاجتهاد املقاصدي‬
‫أ‪ .‬الاجتهاد لغة واصطالحا‪ :‬الاجتهاد لغة‪ :‬هو استفراغ الوسع واملجهود في طلب أمر ما‪ ،‬قال الراغب ألاصفهاني‪" 1:‬الاجتهاد أخذ‬
‫النفس ببذل الطاقة‪ ،‬وتحمل املشقة‪ ،‬يقال جهدت رأي وأجهدته وأتعبته بالفكر‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪" :‬وأقسموا باهلل جهد‬
‫أيمانهم"‪ ،2‬أي حلفوا واجتهدوا في الحلف أن يأتوا على أبلغ ما في وسعهم"‪.‬‬
‫الاجتهاد اصطالحا‪ :‬هناك تعريفات عدة لالجتهاد اصطلح عليها‪ ،‬فقد‪ :‬عرفه الغزالي (ت ‪515‬ه)‪" :‬بأنه بذل املجتهد وسعه في‬
‫© ‪ 2021‬ﺩﺍﺭ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪ .‬ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪.‬‬
‫ﻟﻼﺳﺘﺨﺪﺍﻡ‬
‫‪4‬‬ ‫ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﻣﻊ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ‪ ،‬ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪ .‬ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺗﺤﻤﻴﻞ ﺃﻭ ﻃﺒﺎﻋﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ‬ ‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻣﺘﺎﺣﺔ ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺗﻔﺎﻕ ‪3‬‬
‫طلب العلم بأحكام الشريعة"‪ .‬كما عرفه القاض ي البيضاوي (ت ‪865‬ه)‪" :‬بأنه استفراغ الجهد في درك ألاحكام الشرعية"‬
‫ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻓﻘﻂ‪ ،‬ﻭﻳﻤﻨﻊ ﺍﻟﻨﺴﺦ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻋﺒﺮ ﺃﻱ ﻭﺳﻴﻠﺔ )ﻣﺜﻞ ﻣﻮﺍﻗﻊ ﺍﻻﻧﺘﺮﻧﺖ ﺃﻭ ﺍﻟﺒﺮﻳﺪ ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ( ﺩﻭﻥ ﺗﺼﺮﻳﺢ ﺧﻄﻲ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﺃﻭ ﺩﺍﺭ‬
‫ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪.‬‬

‫صيف ‪ /‬خريف ‪ © 8102‬منشورات مؤسسة خالد الحسن مركز الدراسات وألابحاث‬ ‫‪66‬‬
‫فاطمة بوعي‬ ‫الاجتهاد املقاصدي في الفكر إلاصالحي املعاصر عند الشيخ عبد هللا بن ّبيه‬ ‫العدد ‪01‬‬

‫الاجتهاد املقاصدي في الفكر إلاصالحي املعاصر عند الشيخ عبد هللا بن ّبيه‬
‫"رؤية معرفية منهجية"‬
‫‪‬‬
‫فاطمة بوعى‬

‫تقديم‪ :‬تروم هذه الدراسة الوقوف على الاجتهاد املقاصدي في الفكر إلاصالحي املعاصر الذي ينتهجه الشيخ عبد هللا بن ّبيه‬
‫في معالجة فساد املجتمع‪ ،‬إذ بدأ في تحديد مجاالت إلاصالح ومسالك التجديد‪ .‬وقد جاء هذا البحث للوقوف على هذه‬
‫املنهجية العلمية في إلاصالح‪ ،‬التي يمكن معاينتها بوضوح من خالل الجهود العلمية التي قدمها الشيخ ابن بيه لألمة‬
‫إلاسالمية‪ ،‬ممثلة عصارة فكره الناصع وطرحه املتميز وتنظيره املنه ي‪ ،‬ومداوالته العلمية العملية‪ ،‬وتفاعله إلايجابي مع‬
‫الحركة العلمية الراهنة‪.‬‬
‫إن العالمة بن ّبيه قدم قراءات كثيرة للمنظومة املقاصدية‪ ،‬ولم تخلو بحوثه ومؤلفاته ومحاضراته من إلاشارة للدرس‬
‫املقاصدي واستثماره‪ ،‬وفي املقابل قدم رؤيته العلمية والعملية لضبط الاستنباط املقاصدي‪ ،‬وذلك باعتبار املقاصد ليست‬
‫أداة فقط تتبادل الوظيفة العملية مع العلة؛ بل باعتبارها أداة ضابطة لبوصلة التفكير وتوليد ألاحكام وصانعة للمفاهيم‬
‫َ‬
‫واملرجع في حل الاختالف إذا انعدمت‬ ‫الكلية بناء على التداخل مع الواقع‪ ،‬وكذا باعتباره أداة حاكمة ومرجحة عند التنازع‪،‬‬
‫وسائل الترجيح‪ ،‬واختلفت ألانظار في قبول املرجحات ألاخرى‪ ،‬فيكون املقصد بثقله الكلي والجزئي أداة فاعلة وفاصلة‬
‫وحاسمة عند ذوي الانصاف‪.‬‬
‫لذلك كان اختيارنا ألطروحة العالمة عبد هللا بن ّبيه في مجال الاصالح والتجديد باعتبارها من أفضل املناهج العلمية‬
‫التجديدية املعاصرة التي أشارت إلى ضرورة التكامل املنه ي والوظيفي بين آليات وبرامج الدرس ألاصولي وبين تقنيات العصر‬
‫وأدواته؛ بعملية توازنية وشراكة تناغمية‪ ،‬بغية الربط الواصب بين الكلي والجزئي في ضوء ضرورات الواقع وحاجياته‪.‬‬
‫انطالقا مما تقدم سوف تحاول هذه الورقة إلاجابة على إلاشكالية التالية‪ :‬إلى أي حد تمكن الشيخ عبد هللا بن ّبيه من‬
‫توظيف املقاصد في اجتهاده وتنزيلها في الواقع تنزيال يمكن أن يحل إلاشكال ويكون بمثابة الرافعة الفكرية والشرعية‬
‫لفكر ألامة؟‬
‫واللتماس إلاجابة على هذا السؤال‪ ،‬واستنطاق رؤية الشيخ عبد هللا بن ّبيه للفكر املقاصدي وتنزيله على الواقع بإشكاالته‬
‫الجمة‪ ،‬سوف نحاول أن نحصر حديثنا في هذا املقال في ثالث محاور أساسية‪ :‬نتعرض في ألاول منهما إلاطار املفاهيمي‬
‫للدراسة‪ ،‬وفي ثانيهما إلى العالمة عبد هللا بن ّبيه ومشروعه التجديدي إلاصالحي‪ .‬لنختم أخيرا في محور ثالث بجوانب‬
‫الاستنجاد باملقاصد واستثمارها في الفكر إلاصالحي عند العالمة عبد هللا بن ّبيه‪.‬‬
‫‪ .0‬إلاطار املفاهيمي للدراسة‪:‬‬
‫‪ .0.0‬مفهوم الاجتهاد املقاصدي‬
‫أ‪ .‬الاجتهاد لغة واصطالحا‪ :‬الاجتهاد لغة‪ :‬هو استفراغ الوسع واملجهود في طلب أمر ما‪ ،‬قال الراغب ألاصفهاني‪" 1:‬الاجتهاد أخذ‬
‫النفس ببذل الطاقة‪ ،‬وتحمل املشقة‪ ،‬يقال جهدت رأي وأجهدته وأتعبته بالفكر‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪" :‬وأقسموا باهلل جهد‬
‫أيمانهم"‪ ،2‬أي حلفوا واجتهدوا في الحلف أن يأتوا على أبلغ ما في وسعهم"‪.‬‬
‫الاجتهاد اصطالحا‪ :‬هناك تعريفات عدة لالجتهاد اصطلح عليها‪ ،‬فقد‪ :‬عرفه الغزالي (ت ‪515‬ه)‪" :‬بأنه بذل املجتهد وسعه في‬
‫‪4‬‬
‫طلب العلم بأحكام الشريعة"‪ 3.‬كما عرفه القاض ي البيضاوي (ت ‪865‬ه)‪" :‬بأنه استفراغ الجهد في درك ألاحكام الشرعية"‬

‫صيف ‪ /‬خريف ‪ © 8102‬منشورات مؤسسة خالد الحسن مركز الدراسات وألابحاث‬ ‫‪66‬‬
‫فاطمة بوعي‬ ‫الاجتهاد املقاصدي في الفكر إلاصالحي املعاصر عند الشيخ عبد هللا بن ّبيه‬ ‫العدد ‪01‬‬

‫وعرفه الشوكاني(ت‪0051‬هـ)‪" :‬بأنه استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظن بحكم شرعي"‪ 5.‬وعرفته وهبة الزحيلي‪" :‬بأنه عملية‬
‫‪6‬‬
‫استنباط ألاحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية"‪.‬‬
‫ويمكن أن نستشف من هذه التعاريف بأن الاجتهاد‪ :‬هو عملية استخراج ألاحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية التي هي‬
‫نصوص الكتاب والسنة ذات العالقة املباشرة باملسألة وما يقوم عليهما من أدلة كالقياس ونحوه‪.‬‬
‫ب ـ املقاصد لغة واصطالحا‪ :‬املقاصد لغة‪ :‬جمع مقصد‪ ،‬واملقصد مأخوذ من الفعل(قصد)‪ ،‬يقال‪ :‬قصد يقصد قصدا‬
‫ومقصدا‪ 7‬فالقصد واملقصد بمعنى واحد‪ .‬ويأتي القصد في اللغة على أربعة معان‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫املعنى ألاول‪ :‬الاعتماد‪ ،‬وألام‪ ،‬وإتيان الش يء‪ ،‬والتوجه‪ ،‬تقول‪ :‬قصده‪ ،‬وقصد له‪ ،‬وقصد إليه إذا أمه‪ ،‬ومنه أيضا‪ :‬أقصده‬
‫‪8‬‬
‫السهم إذا أصابه فقتل مكانه‪ .‬وكأنه قيل ذلك ألنه لم يجد عنه‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫املعنى الثاني‪ :‬استقامة الطريق‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫املعنى الثالث‪ :‬العدل‪ ،‬والتوسط وعدم إلافراط‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫املعنى الرابع‪ :‬الكسر في أي وجه كان‪ ،‬تقول قصدت العود قصدا كسرته‪.‬‬
‫املقاصد اصطالحا‪" :‬إن الكثير من علماء أصول الفقه و من الذين خاضوا في علم املقاصد من القدامى‪ ،‬لم يحددوا تعريفا‬
‫واضحا لها‪ ،‬حيث يرى بعض الباحثين أن سبب عدم تعريفهم للمقاصد عائد إلى وضوح معناها في أذهانهم‪ ،‬فهي حاضرة في‬
‫ذهن كل فقيه عند اجتهاده الفقهي"‪ :12‬نرى ذلك عند شيخ املقاصد أبا إاحاق الشاطبي(ت‪231‬هـ)‪ ،‬حيث لم يحرص على‬
‫إعطاء حد و تعريف للمقاصد الشرعية‪ ،‬ألنه اعتبر ذلك واضحاـ‪ ،‬و ألنه ذكر في كتابه (املوافقات) أنه كتب ذلك للعلماء‬
‫الرااخين في علوم الشريعة‪ ،‬حيث يقول‪ ":‬وال يسمح للناظر في ذلك الكتاب أن ينظر فيه نظر مفيد أو مستفيد‪ ،‬حتى يكون‬
‫‪13‬‬
‫ّربانا في علم الشريعة و أصولها و فروعها‪ ،‬منقولها و معقولها‪ ،‬غير مخلد إلى التقليد و التعصب للمذهب"‪.‬‬
‫فاملعنى الاصطالحي لم نجده إال بعد الشاطبي‪ ،‬عند بعض ألائمة كابن عاشور وعالل الفاس ي وابن بية والريسوني وغيرهم‪.‬‬
‫قال ابن عاشور في تعريف مقاصد الشريعة‪" :‬مقاصد الشريعة العامة هي‪ :‬املعاني والحكم امللحوظة للشارع في جميع أحوال‬
‫التشريع أو معظمها ‪ 14"...‬وقال في موضع آخر‪" :‬املقصد العام من التشريع هو‪ :‬حفظ نظام ألامة واستدامة صالحه بصالح‬
‫املهيمن عليه وهو نوع إلانسان"‪ ،15‬فهذان التعريفان ملس فيهما الشيخ املقصد ألاساس ي من التشريع الذي هو حفظ نظام‬
‫العالم وال يتحقق ذلك إال بصالح إلانسان‪.‬‬
‫ومن جانبه ألاستاذ عالل الفاس ي فقد عرفها بقوله‪ ":‬املراد بحقائق الشريعة‪ ،‬الغاية منها‪ ،‬وألاسرار التي وضعها الشارع عند‬
‫كل حكم من أحكامها"‪ ،16‬فهذا التعريف يشمل املقاصد العامة والجزئية فاألولى عبر عنها بقوله" الغاية" والثانية عبر عنها‬
‫‪17‬‬
‫بقوله "ألاسرار"‪.‬‬
‫أما العالمة عبد هللا ابن ّبيه فقد عرف املقاصد الشرعية بأنها "املعاني الجزئية أو الكلية املفهومة من خطاب الشارع ابتداء‪،‬‬
‫أصلية أو تابعة‪ ،‬وكذلك املرامي واملرامز والحكم والغايات املستنبطة من الخطاب‪ ،‬وما في معناه من مسكوت بمختلف دالالته‬
‫ً‬
‫مدركة للعقول البشرية متضمنة ملصالح العباد معلومة بالتفصيل أو في الجملة‪ .‬وهذا التعريف الذي يدمج القصود الابتدائية‬
‫ً‬
‫أجناسا مختلفة‪ ،‬ويراعي املعاني التي أشار إليها الشاطبي‬ ‫جنسا واحدا وليس‬‫املنشأة بالقصود الثانية الناشئة؛ ليكون املحدود ً‬
‫متفرقة من إبراز املصلحة كفصل من فصول الحد وإدراك العقل الذي يتناول املعاني ألاولى والثانية‪ ،‬وبذلك نستوعب مختلف‬
‫‪18‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫العناصر املكون في تعريف املقصد جنسا ونوعا وفصال وخاصة"‪.‬‬
‫كما عرفها ألاستاذ الريسوني بــأنها‪" :‬هي الغايات التي وضعت الشريعة ألجل تحقيقها ملصلحة العباد"‪ 19.‬فهذا التعريف شامل‬
‫ملقاصد الشريعة الثالثة‪ ،‬العامة منها والخاصة والجزئية‪ ،‬بيد أنه انتقد فيه الريسوني‪ .‬ولكن مجمل القول‪ ،‬أن العلماء عرفوا‬

‫صيف ‪ /‬خريف ‪ © 8102‬منشورات مؤسسة خالد الحسن مركز الدراسات وألابحاث‬ ‫‪67‬‬
‫فاطمة بوعي‬ ‫الاجتهاد املقاصدي في الفكر إلاصالحي املعاصر عند الشيخ عبد هللا بن ّبيه‬ ‫العدد ‪01‬‬

‫املقاصد في الاصطالح‪ ،‬ونستطيع أن نقول بأن مقاصد الشريعة هي‪ :‬ألاهداف والنتائج التي قصد الشارع تحقيقها‪ ،‬انطالقا‬
‫من الخطاب الشرعي‪.‬‬
‫ج‪ .‬مفهوم الاجتهاد املقاصدي‪ :‬بعد تعريف كل من "الاجتهاد" و "املقاصد" يمكن أن نقول أن الاجتهاد املقاصدي هو استفراغ‬
‫الوسع وبذل الجهد في تبين مقاصد الشارع في كل النصوص وألاحكام و مراعاتها عند كل اجتهاد‪ ،‬أو هو بكل إيجاز و اختصار"‬
‫العمل بمقاصد الشريعة والالتفات إليها‪ ،‬و الاعتداد بها في عميلة الاجتهاد الفقهي"‪ 20:‬إذ يتناول الاجتهاد املقاصدي قضية‬
‫بالغة ألاهمية في املنظومة ألاصولية الفقهية‪ ،‬و هي قضية "مقاصد الشريعة إلاسالمية" التي وإن كانت مبحثا من مباحث‬
‫أصول الفقه‪ ،‬فإنها تعد علما شرعيا معتبرا‪" ،‬له أهميته و مكانته على صعيد الدراسة املعرفية و ألاكاديمية‪ ،‬و له فوائده‬
‫‪21‬‬
‫وآثاره على مستوى الواقع إلانساني‪ ،‬ومشكالته و أحواله و مستجداته"‪.‬‬
‫فاالجتهاد املقاصدي اجتهاد موظف للقصد بالنظر إلى مآالت ألامور من أجل توسيع الشريعة وتنزيل أحكامها على الواقع‬
‫املتجدد‪ ،‬وهو وإن كان نظريا لم يتبلور إال مع إلامام الشاطبي أخذا عمن سبقه من ألاصوليين‪ ،‬فإنه تطبيقيا كان قائما عند‬
‫كل الفقهاء وألاصوليين‪.‬‬
‫‪ .8.0‬مفهوم الفكر إلاصالحي‬
‫تردد القلب في الش يء‪ ،‬يقال تفكر إذا ردد قلبه معتبرا ورجل فكير‬ ‫‪ .0.8.0‬مفهوم الفكر‪ :‬الفكر لغة‪ :‬إن "الفاء والكاف والراء ُّ‬
‫كثير الفكر"‪22.‬والفكر‪ :‬إعمال الخاطر في الش يء والتأمل فيه‪ ،‬وقد فكر في الش يء وأفكر فيه وتفكر بمعنى ‪23...‬والفكر املقلوب‬
‫عن الفرك وهو لألمور الحسية كما تفرك القمح أو الذرة ونحوها والفكر هو لألمور املعنوية‪ 24‬ومجازا يقال‪ ":‬ال فكر لي في هذا‬
‫إذا لم تحتج إليه ولم تبال به‪ ،‬وما دار حوله فكري‪ ،‬وتقول لفالن فكر كلها فقر‪ ،‬و مازالت فكرتك مغاص الدرر"‪ 25.‬وعلى هذا‬
‫فالفكر في اللغة إعمال الخاطر في الش يء و التأمل فيه و الاعتبار فيه و هو لألمور املعنوية‪.‬‬
‫الفكر اصطالحا‪ :‬والفكر في الاصطالح يدور حول معنى إعمال العقل وحركة الذهن في ألاشياء للوصول إلى معرفتها‪ ،‬وقد‬
‫استعمل هذا املعنى كل من ابن سينا و الغزالي و ابن خلدون و قال الغزالي‪" :‬أعلم أن معنى الفكر هو إحضار معرفتين في القلب‬
‫ليستثمر منهما معرفة ثالثة‪ ،‬ومثاله أن من مال إلى العاجلة واثر الحياة الدنيا وأراد أن يعرف أن آلاخرة أولى باإليثار من‬
‫العاجلة فله طريقان‪ :‬أحدهما أن يسمع من غيره أن آلاخرة أولى باإليثار من الدنيا فيقلده ويصدقه من غير بصيرة بحقيقة‬
‫ألامر فيميل بعمله إلى إيثار آلاخرة اعتمادا على مجرد قوله ما يسمى تقليدا وال يسمى معرفة‪.‬‬
‫والطريق الثاني أن يعرف أن ألابقى أولى باإليثار ثم يعرف أن آلاخرة أبقى فيحصل له من هاتين املعرفتين معرفة ثالثة‪ ،‬وهو‬
‫أن آلاخرة أولى باإليثار وال يمكن تحقق املعرفة بأن آلاخرة أولى باإليثار إال باملعرفتين السابقتين‪ ،‬فإحضار املعرفتين السابقتين‬
‫‪26‬‬
‫في القلب للتوصل إلى املعرفة الثالثة يسمى تفكرا واعتبارا وتذكرا ونظرا وتأمال وتدبرا"‪.‬‬
‫‪ .8.8.0‬مفهوم إلاصالح‪ :‬إلاصالح لغة‪ :‬إلاصالح لغة نقيض إلافساد‪ ،27‬والصالح ضد الفساد‪ ،‬يقال رجل صالح في نفسه من‬
‫قوم صلحاء‪ ،‬ومصلح في أعماله وأموره‪ ،‬ويقول الراغب‪ 28‬في املفردات (الصلح يختص بإزالة النفار بين الناس‪ ،‬وإصالح هللا‬
‫تعالى إلانسان يكون تارة بخلقه إياه صالحا‪ ،‬وتارة بإزالة ما فيه من فساد بعد وجوده‪ ،‬وتارة يكون بالحكم له بالصالح)‪.‬‬
‫ْ َ َ ‪29‬‬ ‫َ‬ ‫َ َُْ ُ‬
‫رض َب ْع َد ِإصال ِحها﴾ ؛‬ ‫إلاصالح اصطالحا‪ :‬أما إلاصالح اصطالحا فقد ورد بعدة معان منها ما يقابل الفساد؛﴿وال تف ِسدوا ِفي ألا َ ِ‬
‫﴿يا أ ُّي َها َّالذ َ‬ ‫ََ ُ ََ ً َ ً َ َ‬
‫ين َآم ُنوا َّات ُقوا‬ ‫ِ‬
‫الصالحات َ‬
‫يق هللا لعباده لعمل َّ‬ ‫آخ َر َس ّي ًئا﴾‪30‬؛ وتوف َ‬
‫ِ‬ ‫ومنها ما يقابل السيئة ﴿خلطوا عمال ص ِالحا و‬
‫َ َ َ ْ َ ُ ْ ّ َ ُ ْ َ ً َّ ْ َ ُ ْ َ‬ ‫َ َُ ُ َْ ً َ ً ُ ْ َُ َ َُ‬
‫املتخاصمين ‪﴿:‬وال تجعلوا الله عرضة ِأليما ِنكم أن‬ ‫ِ‬ ‫ص ِل ْح لك ْم أ ْع َمالك ْم ﴾ ؛ ومحو التباغض بين‬
‫‪31‬‬
‫هللا وقولوا قوال س ِديدا ي‬
‫ٌ َ ٌ ‪32‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ُّ ْ َ َ َّ ُ ْ َ ُ ْ ُ ْ َ ْ َ َّ َ ّ‬
‫اس والله س ِميع ع ِليم﴾‪.‬‬
‫تبروا وتتقوا وتص ِلحوا بين الن ِ‬
‫والتعريف الذي نرجحه ملفهوم إلاصالح منظورا إليه من زاوية منهجيه معينة‪ ،‬هو تعريفه بأنه‪ :‬تغيير تدري ي جزئي سلمي‪ .‬ومن‬
‫ً‬
‫أدلة إلاصالح (كتغيير تدري ي جزئي سلمي) قوله صلى هللا عليه وسلم "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده إن استطاع‪ ،‬فإن‬

‫صيف ‪ /‬خريف ‪ © 8102‬منشورات مؤسسة خالد الحسن مركز الدراسات وألابحاث‬ ‫‪68‬‬
‫فاطمة بوعي‬ ‫الاجتهاد املقاصدي في الفكر إلاصالحي املعاصر عند الشيخ عبد هللا بن ّبيه‬ ‫العدد ‪01‬‬

‫لم يستطع فبلسانه‪ ،‬فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف إلايمان‪ ،‬ليس بعد ذلك من إلايمان ش يء"‪ 33.‬ويأخذ إلاصالح كنمط‬
‫للتغيير أشكاال عده أهمها التقويم الذي عبر عنه أبو بكر الصديق (رض ي هللا عنه) بقوله‪ :‬إني قد وليت عليكم ولست بخيركم‪،‬‬
‫فإن أحسنت فأعينوني‪ ،‬وإن أسأت فقوموني‪ .‬والتقويم يعبر عن موقف يتجاوز كل من موقفي الرفض املطلق والقبول املطلق‬
‫إلى موقف نقدي قائم على أخذ وقبول الصواب‪ ،‬ورد ورفض الخطأ‪ ،‬فهو نقد للسلطة لتقويمها أي بهدف الكشف عن أوجه‬
‫قصورها عن أداء دورها‪ .‬ومن أشكال إلاصالح النصح لقوله (صلى هللا عليه وسلم)"الدين النصيحة‪ ،‬قيل ‪ :‬ملن يا رسول هللا‬
‫!؟ قال ‪ :‬هلل ولكتابه ولرسوله ‪ ،‬وألئمة املسلمين وعامتهم"‪.‬‬
‫‪ .3.8.0‬الفكر إلاصالحي‪ :‬إن مفهوم الفكر إلاصالحي ال يزال يكتنفه الغموض وذلك لتداخله مع العديد من املفاهيم‪ ،‬إال أنه‬
‫ولغايات هذه الورقة يمكن استخدام التعريف التالي ملفهوم الفكر إلاصالحي‪" :‬التغيير والتعديل نحو ألافضل لوضع شاذ أو‬
‫س يء‪ ،‬وال سيما في ممارسات وسلوكيات مؤسسات فاسدة‪ ،‬أو متسلطة‪ ،‬أو مجتمعات متخلفة‪ ،‬أو إزالة ظلم‪ ،‬أو تصحيح خطإ‬
‫ً‬
‫أو تصويب اعوجاج"‪ .‬إن هذا التعريف يثير تساؤال فيما إذا كان إلاصالح يقود بالضرورة إلى وضع أفضل من الوضع السابق؟‬
‫والحقيقة أن إلاجابة على مثل هذا التساؤل تتأثر باالرتباط إلايديولوجي للمعنى باإلجابة‪ ،‬إذ يرى دعاة وأنصار الفكر املاركس ي‬
‫ً‬
‫أن كل إلاصالحات والتغييرات التي يمكن أن تحدث في الفكر الرأسمالي ال جدوى أو قيمة لها ألنها عاجزة كليا عن حل‬
‫تناقضات النظام الرأسمالي البشع‪ ،‬وهي ال تهدف إال إلى استمرار سيطرة الطبقة البرجوازية على الطبقة العاملة واستغاللها‪،‬‬
‫وبالتالي فان وظيفتها ألاساسية هي تأخير قيام ثورة الطبقة لكادحة على النظام الرأسمالي‪ .‬فالثورة هي الحل الوحيد للمشاكل‬
‫السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها النظام الرأسمالي‪.‬‬
‫وكذلك يرى الكثير من إلاسالميين في العالم العربي أن كافة إلاصالحات والتغييرات التي تتبناها ألانظمة العربية العلمانية لن‬
‫تفلح في حل املشكالت وألازمات املختلفة التي تعاني منها هذه ألانظمة ألن إلاسالم هو الحل فقط‪.‬‬
‫وثمة تساؤل آخر في هذا املجال هو‪ :‬ما هو املدى أو الحجم الحقيقي للتغيرات املطلوبة بحيث يمكن أن تندرج تحت مفهوم‬
‫ً‬
‫إلاصالح؟ فأحيانا يمكن إحداث تغييرات رمزية أو صورية أو تجميلية في مؤسسة معينة أو سياسة ما‪ ،‬ذلك أن مثل هذه‬
‫التغيرات الهامشية البسيطة أو الشكلية ذات قيمة ومغزى ملن يقف وراءها‪ ،‬فاإلصالحات الجزئية والشكلية الانتقائية التي‬
‫تقوم بها بعض ألانظمة العربية‪ ،‬مثل إجراء انتخابات صورية أو إجراء حوار مع بعض جماعات املعارضة أو رفع شعارات مثل‬
‫الشفافية واملساءلة أو التنمية السياسية‪.... ،‬الخ هي إصالحات مبتورة بال جدوى أو مضمون‪ ،‬وبالتالي ال تندرج تحت مفهوم‬
‫ً‬
‫إلاصالح أو التغيير‪ ،‬إن أي تغيير حقيقي يعني الانتقال من وضع إلى وضع مغاير كليا‪ ،‬وبالتالي فان التغييرات املحدودة أو‬
‫الشكلية ذات ألاثر املحدود ال يمكن أن تدخل نطاق مفهوم إلاصالح‪ ،‬ألنه يتطلب إحداث تغييرات جذرية عميقة شاملة‬
‫ومستديمة‪.‬‬

‫‪ .8‬العالمة عبد هللا بن ّبيه ومشروعه التجديدي إلاصالحي‬


‫‪ .0.8‬التعريف بالعالمة عبد هللا بن ّبيه‬
‫‪ .0.0.8‬نسبه و مولده‪ :‬هو الشيخ العالمة عبد هللا بن الشيخ املحفوظ بن ّبيهولد في مدينة تمبدغة ‪-‬شرق موريتانيا(‪ 0345‬م)‬
‫أحد أكبر العلماء املعاصرين و نائب رئيس الاتحاد العالمي للعلماء املسلمين تم اختياره من قبل جامعة جورج تاون كواحد‬
‫من أكثر ‪ 51‬شخصية إسالمية تأثيرا في العالم لألعوام ‪0100-0113‬م‪ .‬نشأ الشيخ و تربى في بيت علم وورع حيث نهل من معين‬
‫علم والده الغزير القاض ي الشهير العالمة الشيخ املحفوظ وأخذ علوم العربية عن العالمة محمد سالم ابن الشين‪ ،‬وعلوم‬
‫القرآن عن العالمة الشيخ بيه بن السالك املسومي‪ ،‬ودرس جميع العلوم الشرعية إلاسالمية‪ .‬سافر الشيخ بعد ذلك في بعثة‬
‫إلى تونس لتكوين أول دفعة من القضاة وحصل على املركز ألاول بين القضاة املبعثين‪ .‬وبعد عودته تنقل في عدة مناصب منها‬

‫صيف ‪ /‬خريف ‪ © 8102‬منشورات مؤسسة خالد الحسن مركز الدراسات وألابحاث‬ ‫‪69‬‬
‫فاطمة بوعي‬ ‫الاجتهاد املقاصدي في الفكر إلاصالحي املعاصر عند الشيخ عبد هللا بن ّبيه‬ ‫العدد ‪01‬‬

‫رئاسة مصلحة الشريعة في وزارة العدل ثم نائبا لرئيس محكمة الاستئناف ثم نائبا لرئيس املحكمة العليا ورئيسا لقسم‬
‫الشريعة إلاسالمية بهذه املحكمة‪.‬‬
‫أ‪ .‬شيوخه‪ :‬ال شك أن الشيخ عبد هللا قد استفاد من الكثير من العلماء‪ ،‬لكن العلماء الذين درس عليهم وكانوا شيوخا له في‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫محمد السالم بن الش ْين‪ ،‬وكذلك العالم والقاض ي َب َّيه بن‬ ‫فترة طويلة هم‪ :‬والده الشيخ املحفوظ‪ ،‬والعالم اللغوي الكبير‬
‫السالك‪.‬‬
‫والده الشيخ املحفوظ‪ :‬هو الشيخ املحفوظ بن محمد محمود بن بيه فقيه متميز ومؤرخ من قبيلة مسومة (ولد حدود‬
‫‪35‬‬
‫‪0661‬م‪ ،‬بالقرب من محله أزواز وهي املسماة آلان باقليك‪ 34‬أهل بيه‪.‬‬
‫محمد السالم بن الشين‪ ،‬كما درس عليه العديد‬ ‫ُّ‬ ‫درس الشيخ املحفوظ على العديد من العلماء كالشيخ الجليل والحبر الكبير‬
‫‪36‬‬
‫من العلماء‪ ،‬ويعد من أعالم الطريقة الغظفية‪.‬‬
‫وهذه هي سنة هللا في موريتانيا‪ ،‬وهي أنه كلما نشأت أسرة علمية بجانب أسرة أميرية تنشأ عن ذلك روح جديدة تتميز بالجمع‬
‫بين املروءة والعلم؛ ألنه ال تالزم بين العلم واملروءة؛ إذ قد يوجد عالم بال مروءة كما قد توجد مروءة بغير علم‪ ،‬لكن التزاوج‬
‫بينهما غالبا ما ينشأ عن مخالطة أسرة أميرية ألسرة الزوايا‪ .‬وقد كان الشيخ املحفوظ قاضيا قبل استقالل موريتانيا‪ ،‬وعرف‬
‫بقوته في قول الحق‪ .‬وله آثار منها‪ :‬رسالة في أنساب قبيلة مشظوف ورسالة في أنساب قبيلة مسومة‪ ،‬كما أن له فتاوى‬
‫‪37‬‬
‫فقهية‪.‬‬
‫توفي الشيخ املحفوظ رحمه هللا تعالى (‪0434‬ه املوافق ‪0324‬م)‪38‬وبوفاته فقدت ألامة املوريتانية عاملها وقاضيها وأحد‬
‫املسهمين في إنشاء دولتها‪.‬‬
‫ب‪ .‬مصنفاته‪ :‬صنف الشيخ العديد من الكتب في عدة مجاالت‪:‬‬
‫في ألاصول واملقاصد‪ :‬مشاهد من املقاصد‪ -‬أمالي الدالالت ومجالي الاختالفات‪ -‬عالقة مقاصد الشريعة بأصول الفقه‪ -‬إثارات‬
‫تجديدية في حقول ألاصول‪.‬‬
‫في الفقه وإلافتاء‪ :‬مقاصد املعامالت ومراصد الواقعات‪-‬صناعة الفتوى وفقه ألاقليات‪-‬إعمال املصلحة في الوقف‪-‬سد‬
‫الذرائع وتطبيقاته في مجال املعامالت‪ -‬توضيح أوجه اختالف ألاقوال في مسائل من معامالت ألاموال‪.‬‬
‫في الفكر والعقيدة‪ :‬البرهان‪ -‬فتاوى فكرية‪.‬‬
‫العلوم السياسية‪ ،‬وألامنية‪ :‬حوار عن بعد حول حقوق إلانسان في إلاسالم‪ -‬إلارهاب التشخيص والحلول‪ -‬خطاب ألامن في‬
‫إلاسالم وثقافة التسامح والوئام‪.‬‬
‫وال يقتصر إلانتاج العلمي للشيخ على هذه الكتب‪ ،‬بل هناك الكثير من الفتاوى‪ ،‬املثبت منها في موقعه الرسمي يزيد على ‪،011‬‬
‫كما أن هناك بحوثا‪ ،‬املثبت منها في موقعه أكثر من ‪ 51‬بحثا‪ ،‬بعضها قدمت للمجامع الفقهية‪ ،‬والبعض منها نشر في بعض‬
‫‪39‬‬
‫املجالت املختصة‪ ،‬وأغلبها مضمن في كتبه‪ .‬كما أن له مقاالت وحوارات كثيرة جدا‪.‬‬
‫‪ .8.8‬العالمة عبد هللا بن ّبيه ومشروعه التجديدي إلاصالحي‪ :‬يعتبر مشروع تجديد أصول الفقه من املشاريع التي حظيت‬
‫مهدت لذلك الحديث ألاطروحات التي دعت إلى التجديد في‬ ‫باهتمام العلماء والباحثين من ألاكاديميين وأهل الفكر‪ ،‬وقد َّ‬
‫العلوم إلاسالمية في بداية عصر النهضة الحديثة كدعوة رفاعة الطهطاوي‪ ،‬ومحمد إقبال‪ ،‬ومحمد الطاهر بن عاشور‪،‬‬
‫ودعوات إلاصالح إلاحيائية التي سبقت في هذا املضمار كدعوات ألافغاني‪ ،‬ومحمد عبده‪ ،‬والكواكبي‪ ،‬ومحمد الحجوي‬
‫الثعالبي‪ ،‬والشيخ محمد مصطفى املراغي‪ ،‬إلى أن انتهى ذلك إلى الاهتمام بقضية التجديد وإلالحاح عليها‪ ،‬وبشكل خاص‬
‫التجديد في أصول الفقه الذي كثرت الاجتهادات فيه لكنها تراوحت بين الدوافع الفكرية والاجتماعية والسياسية‪ ،‬والدوافع‬
‫املنهجية وألاكاديمية وربما املذهبية مع مالحظة التداخل الذي يمكن أن يحدث بين مثل هذه التجارب أحيانا‪.‬‬

‫صيف ‪ /‬خريف ‪ © 8102‬منشورات مؤسسة خالد الحسن مركز الدراسات وألابحاث‬ ‫‪71‬‬
‫فاطمة بوعي‬ ‫الاجتهاد املقاصدي في الفكر إلاصالحي املعاصر عند الشيخ عبد هللا بن ّبيه‬ ‫العدد ‪01‬‬

‫وفي كل ألاحوال وبعيدا عن اختالف ألاذواق في مناهج التجديد فإن الاهتمام بمبدأ تجديد أصول الفقه يمثل في حد ذاته‬
‫خطوة محمودة في مسيرة العلوم إلاسالمية العتبارين‪ :‬أولهما‪ :‬أن أصول الفقه تمثل منهجية استنباط ألاحكام الشرعية‬
‫وضبطها‪ ،‬ومحل جريان القضايا التي تعرض للناس في حياتهم‪ ،‬وهي قضايا كثيرة ومتشعبة ومتداخلة وبخاصة إذا وضعنا في‬
‫اعتبارنا التطورات الكثيرة التي غزت الحياة املعاصرة والتمازج بين ألامم والتداخل بين الثقافات واملؤسسية في التعامل‪،‬‬
‫وصراع املصالح وكل ذلك يتوجب التجديد والتطوير الالزم في ألادوات املنهجية للحفاظ على شخصية املسلمين وعدم ذوبانهم‬
‫في غيرهم عن طريق محافظتهم على أصولهم وفي الوقت ذاته معايشتهم لعصورهم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ثانيهما‪ :‬أن أصول الفقه كان منذ أن نشأ منهجا دقيقا وفاعال ألهم فقهاء املسلمين مواجهة املشكالت التي تعتري حياتهم‪،‬‬
‫وتدور في مجتمعاتهم‪ ،‬وقد ساعده في الوفاء بمهمته التجديد املستمر فيه هو نفسه بدءا باإلمام الشافعي الذي دونه ومن ثم‬
‫تعدد املدارس وكثرة املؤلفات فيه‪ ،‬فضال عن ظهور أعالم نابغين فيه كإمام الحرمين الجويني‪ ،‬والغزالي‪ ،‬والعز بن عبدالسالم‪،‬‬
‫وشيخ إلاسالم بن تيمية‪ ،‬وابن القيم الجوزية‪ ،‬وأبو إاحاق الشاطبي‪ ،‬والقرافي‪ ،‬ولم يتوقف التجديد فيه إال بعد استحكام‬
‫التقليد في الفقه الذي غدا الفقهاء معه يدورون في دائرة الاجتهاد املقيد عن طريق التعليل والتخريج والترجيح املذهبي إلى أن‬
‫ً‬
‫آل الفقه نفسه في القرن السابع الهجري إلى ضعف كبير‪ ،‬فانعكس ذلك على أصول الفقه أيضا‪.‬‬
‫وفي القرن الثالث عشر الهجري ومع بدايات عصر النهضة الفقهية الحديثة بدأ الاهتمام بتجديد العلوم إلاسالمية ومن بينها‬
‫أصول الفقه الذي حظي بنصيب ألاسد في الفترة ألاخيرة كما سلفت إلاشارة‪.‬‬
‫ومن بين الدراسات في تجديد أصول الفقه هذه الدراسة املستفيضة للعالمة الشيخ عبد هللا بن بيه التي تتميز على كثير من‬
‫الدراسات في هذا الصدد باآلتي‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫أ‪ .‬معرفته العالية بأصول الفقه الذي أفنى زمنا طويال من عمره في تدريسه وتعليمه والبحث فيه‪ ،‬ولعل هذا يبدو واضحا‬
‫وبشكل ِّبين من خالل محاضرته التي تتجاوز املسطور من ألاصول إلى فهم لبه والتعمق فيه وإدراك أسراره وروحه‪ ،‬وغايته‬
‫َّ‬
‫باملستوى الذي مكنه من الربط بين أجزائه والجمع بين أطرافه‪ ،‬مع الفهم وإلادراك الكامل لوظيفة كل جزء من تلك ألاجزاء‪.‬‬
‫ب‪ .‬هدوء حركته وهو يلج قضية التجديد وحساب خطواته وحرصه على وضع الضوابط الالزمة ليكون بالفعل تجديدا وليس‬
‫مطلق البحث عن الجديد‪.‬‬
‫ج‪ .‬تركيزه على التجديد في الجانب العلمي وهو ألاصل ‪ -‬بال شك ‪ -‬في تجديد أصول الفقه باعتباره علما من العلوم مع عدم‬
‫إغفاله الاستفادة من املعطيات املعاصرة في ذلك التجديد‪.‬‬
‫ح‪ .‬أحسن العالمة حين تجاوز الدخول في تجديد املصادر الشرعية ألن املصادر تعني ألاصول التي استقي منها أصول الفقه‪:‬‬
‫القرآن والسنة وفتاوى الصحابة واجتهاداتهم واللغة والعقل‪ ،‬أما اللغة والعقل فيتناول التجديد فيهما من خالل مباحث‬
‫الداللة (اللغة) ومن خالل مباحث الرأي والاجتهاد (العقل) وقد اقترح هو استخدام مكانة العقل ليكون بديال ملصطلح‬
‫التحسين والتقبيح العقليين‪.‬‬
‫د‪ .‬اقترح العالمة للتجديد في الدالالت ووضع مقدمة في اللغة من حيث اشتقاقها ومجازها وكناياتها وسائر جمالياتها وهذا‬
‫حسن ألن الدراسة الكلية العميقة في هذا إلاطار تساعد في فهم مضامين الدالالت وتفاصيل أحكامها‪.‬‬
‫ً‬
‫س‪ .‬دعا العالمة أيضا إلى إضافة املعارف البشرية في اللسانيات عموما للتعمق في فهم العالقة بين اللفظ واملعنى وهذا حسن‬
‫أيضا فإن متابعة املفاهيم املتطورة في هذا إلاطار ضرورية لسعة وحساسية ودقة العالقة بين اللفظ واملعنى كما اقترح في‬
‫الرأي والتعليل وضع مقدمة عن ألاقيسة الثالثة الشمولي والاستقرائي والجزئي تكون بمثابة التأصيل للتعليل وهذا جميل‬

‫صيف ‪ /‬خريف ‪ © 8102‬منشورات مؤسسة خالد الحسن مركز الدراسات وألابحاث‬ ‫‪70‬‬
‫فاطمة بوعي‬ ‫الاجتهاد املقاصدي في الفكر إلاصالحي املعاصر عند الشيخ عبد هللا بن ّبيه‬ ‫العدد ‪01‬‬

‫أيضا ألن فتح هذه املفاهيم على بعضها ودمجها واملقارنة بينها أرجى إلى فهمها أكثر‪ ،‬وأملك في التفاعل معها‪ ،‬وأدعى لفهم‬
‫الرأي واتجاهاته في التشريع إلاسالمي‪.‬‬
‫وقد أضيف إلى اقتراحه اقتراحا آخر يعني بالربط بين أجزاء الرأي والاجتهاد عن طريق مقدمة تصل بين القياس املحكوم‬
‫بالوصف الظاهر املنضبط‪ ،‬وبين الرأي املصلحي الذي يضم املصالح وسد الذرائع ومآالت ألافعال والاستحسان وأن يتم ذلك‬
‫عن طريق املقارنة بين هذه ألاقسام مع إبراز أوجه التوافق أو الاختالف بينها‪.‬‬
‫ع‪ .‬اقترح ابن بيه أن يستعان بعلم الاجتماع وعلم النفس في تحقيق املناط وأضيف إليها هنا أن منابع الخبرة والتجارب‬
‫والحكم إلانسانية كلها مطلوب توفرها في هذا إلاطار كما أقترح باإلضافة إلى ما ذكره وضع مبحث عن العالقة بين النقل‬
‫والعقل أو النص والاجتهاد يتناول جوهر العالقة بين هاتين القضيتين الكبيرتين الوحي الحاكم على العقل‪ ،‬والعقل املتطور‬
‫املتصرف في إطار النقل‪.‬‬
‫ن‪ .‬أفلح الشيخ في تركيزه – فيما يخص الاجتهاد واملجتهدين – أن يكون ذلك من خالل مجامع الفقه إلاسالمي مع ضرورة‬
‫تمتع أولئك املجتهدين بسالمة النفوس‪ ،‬وسعة الصدور‪ ،‬والوضوح واملوضوعية ودقة التقدير وأن تتمتع تلك املجامع‬
‫باملؤسسية العالية من حيث املرونة والتنظيم ووسائل الانضباط فيما عدا ذلك قد يدعو التجديد في أصول الفقه إلى وضع‬
‫برامج لتجديد الفقه في فروعه وقواعده ومعامالته واقتصاده وعالقاته الدولية وإلانسانية وإعطاء تصورات منتزعة من‬
‫‪40‬‬
‫الواقع فإن من شأن التوسع في الدراسات في هذه القضايا إعانة التجديد في أصول الفقه‪.‬‬
‫‪ .3‬جوانب الاسسنجاد باملقاصد واسسثمارها في الفكر إلاصالحي عند العالمة عبد هللا بن ّبيه‪ :‬لقد قدمت أطروحة‬
‫شيخنا بن ّبيه جملة من املناحي التي يمكن من خاللها استثمار الدرس املقاصدي لتفعيل الدرس ألاصولي في عملية مبدعة‬
‫تتمثل في توسيعه وتعديله وضبطه‪ ،‬فكل واحدة من املرتكزات العملية تشير إلى منحى عملي تطويري؛ بحيث يقوم بتتويج‬
‫املباحث السابقة من مظاهر التعاضد املنه ي والوظيفي‪ ،‬لتقف على رأسها مجاالت التوظيفات العملية‪ ،‬للعمل املشترك لبناء‬
‫صروح توليد ألاحكام وتوسيع أوعية الاستنباط‪.‬‬
‫فنحن يمكن أن نحيل جوانب التجديد في أطروحة شيخنا بن بيه (حفظه هللا تعالى) من خالل التفاعل والتعاضد املنه ي‬
‫والوظيفي بين الدرسين ألاصولي واملقاصدي بثالثة محطات رئيسة يتم من خالل اكتمال النضج املعرفي والتالقح الوظيفي‬
‫والعملي‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫محطة التوسيع‪ :‬ويتم من خالل توسيع أوعية الاستنباط بقصد الوصول لعملية توليد ألاحكام‪ ،‬وقد آن ألاوان لتبيين‬
‫وظيفتهما‪ ،‬ويمكن حصرها بجانبين‪ .‬ألاول‪ :‬توسيع أوعية الاستنباط‪ :‬فإن التالقح بين الحقلين املعرفين ألاصولي واملقاصدي‬
‫املتمثل في املناحي الثالثين‪ 41‬كان الغرض منهما تحصيل أمرين‪ :‬أ‪ .‬القيام بعملية البيان بوجود تعاضد منه ي ووظيفي بين‬
‫الدرسين ألاصولي واملقاصدي‪ ،‬وإقامة البرهان على ذلك من خالل الشواهد‪ ،‬للوصول إلى الغاية‪ .‬ب‪ .‬اقتراح العنوان‪ :‬وهو ضم‬
‫ً‬
‫هذه املناحي جميعا تحت ألقاب يتم من خاللها توسيع أوعية الاستنباط‪ ،‬ولذلك يرى املطلع على تلك املناحى أنه يوجد بينها‬
‫نوع من التقارب املنه ي والوظيفي‪ ،‬وهذا للداللة على أنها تندرج تحت إحدى ألاوعية العملية لعملية الاستنباط‪ .‬وإن هذه‬
‫املرتبة‪ :‬تكون بمثابة السبر والتقسيم‪ ،‬وذلك ألنها تقوم بحصر ألاوصاف املالئمة واملناسبة من تلك املناحي‪ ،‬وتقوم بربطها‬
‫ً‬
‫بإحدى ألاوعية التي تمثل أصال يضمها وكلي يعمها‪ ،‬فهي عبارة عن تصور‪ ،‬واملرتبة الثانية عبارة عن تصديق‪ ،‬فهما عمليتان‬
‫ال يمكن الاستغناء عنهما الكتمال املشروع ونضوجه‪.‬‬

‫صيف ‪ /‬خريف ‪ © 8102‬منشورات مؤسسة خالد الحسن مركز الدراسات وألابحاث‬ ‫‪71‬‬
‫فاطمة بوعي‬ ‫الاجتهاد املقاصدي في الفكر إلاصالحي املعاصر عند الشيخ عبد هللا بن ّبيه‬ ‫العدد ‪01‬‬

‫الثاني‪ :‬عملية توليد ألاحكام‪ :‬فقد قدمت مناحي التعاضد املنه ي والوظيفي جملة من ألالقاب العملية التي تساهم في عملية‬
‫توليد ألاحكام‪ ،‬وذلك باعتبارها أوعية تأصيلية جامعة ملا تفرقت أجزائه‪ ،‬وتعددت وظائفه‪ ،‬وتنوعت مداخله ومخارجه‪،‬‬
‫فتقوم ألاوعية بربط ألاجزاء املفرقة تحت راية تعمها‪ ،‬وبأصل يضبط وظائفها‪ ،‬ويحد من تنوع مداخلها ومخارجها‪.‬‬
‫محطة التعديل‪ :‬وهي عملية املراجعة للكليات لتنسجم مع جزئيات الواقع ومقتضيات الوقائع وما ال بد من وقوعه‪ ،‬فيقوم‬
‫الدرس املقاصدي بعملية جادة بتعديل الكليات وترميمها لتضم الفروع املستحدثة تحت كلي يعمها‪ ،‬تحت رقابة ألاوعية‬
‫العملية لالستنباط‪.‬‬
‫محطة الضبط‪ :‬وهو محاولة مراقبة منهجية التوسيع والتوليد والتعديل بمدى انضباطها والتزامها بمسطرة الضبط‬
‫والانضباط‪ ،‬وهي فلسفة أصول الفقه بوضع جملة من القواعد املنهجية الضابطة والحاكمة على أي نوع من توليد ألاحكام‬
‫ً‬
‫أو تعديل منهجية رعاية ملصحة أو تحقيقا ملقصد شرعي‪.‬‬
‫فهذه املحطة تمثل الجهة الرقابية داخل منظومة الدرس املقاصدي‪ ،‬للنظر في مدى سير عملية توليد ألاحكام والتعديل في‬
‫منظومتها‪ ،‬حسب القوانين الضابطة واللوائح املنضبطة‪ ،‬التي تهدف إلى تحقيق املصالح ودرء املفاسد‪.‬‬
‫وبالتالي فإن عملية توليد ألاحكام والتعديل في منظومة الاستنباط تمثالن الجانب العملي‪ ،‬وتمثل جهة الانضباط العملية‬
‫النظرية‪ ،‬التي يتم من خاللها ضبط التوليد والنظر في مدى تحقيق املصالح ودرء املفاسد‪ ،‬فإذا كانت عملية التوليد تسير‬
‫ً‬
‫نحو الغاية‪ ،‬أضاء لها الضوء ألاخضر إلكمال عمليتها‪ ،‬فإذا تقدمت شكوى أو ملحت جهة املراقبة نوعا من عدم فاعلية عملية‬
‫ُ‬
‫التوليد وذلك ألنها ال تقديم املصالح وتدرأ املفاسد‪ ،‬أتيح للمحطة الاضافية‪ :‬التي تمثل دروعا إسنادية أو طاقة بديلة تل ِجأ‬
‫إليها الضرورات والحاجات للعدول عن املحطة ألاولى الستثمار املحطة الثانية؛ ريثما تقوم جهات الصيانة العلمية والعملية‬
‫ً‬
‫بالتجديد إلصالح ما تصدع من الوظائف إلعادتها إلى مسطرة الاستنباط ترميما‪.‬‬
‫وإن جانب التعديل ْ‬
‫وإن وضعناه في املرتبة الثانية فهذا ال يعني أنها عملية استثنائية‪ ،‬وإنما هي نوع من أنواع توليد ألاحكام‪،‬‬ ‫ّ‬
‫وإنما أفردت بقسم مستقل ألن بعض أدواتها مختلفة؛ إذ صنعتها أدوات الواقع‪ ،‬وبالتالي فهما يمثالن عملية توليد ألاحكام‬
‫بنفس الدرجة‪ ،‬لكن املعيار في التقديم هو تحقيق مقاصد الشرع‪ ،‬وقدمت أدوات التوليد ألاولى لتحقق مقصود الشارع فيها‬
‫وتحقق املناسبة ولتعاطي التوليد معها ابتداء ليس ألجل ضرورات ألجأت وحاجات انفرضت‪.‬‬
‫ً‬
‫فعملية التعديل صعبة جدا وهي القيام بالتفاعل مع الواقع وما ينتجه‪ ،‬بحيث تقوم الجهات الضابطة بعملية صياغة كليات‬
‫تتناسب مع إشكاليات الواقع‪.‬‬
‫ً‬
‫وأخيرا ‪ :‬فيمكن لنا استثمار هذه القاعدة وتوظيفها في الواقع املعاصر والقيام بمراجعة كثير من الفتاوى على هذا ألاساس‪،‬‬
‫بتقديم ألاقوال الضعيفة التي قام موجبها في هذا العصر وجرى العمل بها‪ ،‬الحتواء الواقع وتفعيل الشريعة‪ ،‬ولتجديد الفقه‬
‫إلاسالمي‪ :‬كما يمكننا التعديل في الفتاوى من خالل الواقع‪ :‬وتلك عملية ميدانية يتم من خاللها النزول للواقع والدخول في‬
‫دهاليز إشكالياته‪ ،‬ملحاولة إنتاج كليات تتوافق مع مجريات الواقع‪ ،‬ويوضح شيخنا بن ّبيه هذه املنهجية التفعيلية ألدوات‬
‫الدرس املقاصدي بقوله‪" :‬تفعيل النظرية املقاصدية في مختلف القضايا الكبرى التي تشغل إلانسان وشغلته منذ القدم في‬
‫الكون والنظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتفسير مختلف الظواهر إلانسانية ومظاهر العالقات وتقديم قوانين‬
‫عامة تنطلق من ثنائية الوحي والعقل‪ .‬وهي فلسفة تبدأ بإرساء املنهج وتحرير املفردات وعقد املقارنات ووضع الكليات بعد‬
‫استقراء الجزئيات ودراسة التجارب البشرية واملقوالت املتنوعة بغض النظر عن الاتفاق والاختالف معها آخذة في الاعتبار‬
‫‪42‬‬
‫ضرورات الحياة وحاجاتها في كل زمان ومكان"‪.‬‬

‫صيف ‪ /‬خريف ‪ © 8102‬منشورات مؤسسة خالد الحسن مركز الدراسات وألابحاث‬ ‫‪73‬‬
‫فاطمة بوعي‬ ‫الاجتهاد املقاصدي في الفكر إلاصالحي املعاصر عند الشيخ عبد هللا بن ّبيه‬ ‫العدد ‪01‬‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬
‫فالشروط ثالثة‪ :‬ألاول‪ :‬أال يكون القول املعمول به ضعيفا جدا‪ .‬الثاني‪ :‬أن تثبت نسبته إلى قائل يقتدى به علما وورعا‪.‬‬
‫‪43‬‬
‫الثالث‪ :‬أن تكون الضرورة محققة‪.‬‬
‫ُ‬
‫املالكية فإنهم َّ‬
‫أصلوا لقاعدة‬ ‫ويصف شيخنا املعيار الرئيس في قاعدة جريان العمل وهو الحضور املقاصدي فيقول‪" :‬أما‬
‫ُ‬
‫عمل يختلف فيه عن عمل القطر‬ ‫لكل ُقطر ٌ‬ ‫َ‬
‫مذهب مالك على ضوئها في بالد الغرب إلاسالمي‪ ،‬فكان ّ‬ ‫جريان العمل فر ُ‬
‫اجعوا‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ترجحت املصالح ُ‬ ‫ُ‬
‫وأهملوا راجحها إذا َّ‬ ‫ُ‬
‫وماسوا مع رياح املقاصد‬ ‫فاس وقرطبة وتونس‪ ،‬فأعملوا ضعيف ألاقوال‬ ‫املجاور كعمل ٍ‬
‫‪44‬‬
‫مفسدة"‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫مصلحة أو درء‬
‫ٍ‬ ‫الغوادي والروائح‪ ،‬وحكموا بتقديم الضعيف على القول الصحيح لعروض ٍ‬
‫سبب من جلب‬
‫من خالل هذا النص التوصيفي لقاعدة جريان العمل فإنا نجد أن هذه القاعدة ذات بعد انفتاحي متميز‪ ،‬فإن علماء املالكية‬
‫وإن اعتبروها قاعدة معيارية فإنهم أجروا هذه القاعدة لكل قطر على حدة‪ ،‬فلكل قطر اجتهاداته الخاصة التي يتم من‬
‫ً‬
‫خاللها توظيف قاعدة جريان العمل من خاللها‪ ،‬وهذا يعطي بعدا انفتاحيا في توسيع أوعية الاستنباط‪ ،‬واملراجعة لكثير من‬
‫الفتاوى حسب ما يقرره أهل العلم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫ويبين العالمة السجلماس ي سبب عدول العلماء عن ألاقوال املشهورة وتعديلها استثمارا لآلراء الضعيفة بقوله‪" :‬إن أصل‬
‫العمل بالشاذ وترك املشهور؛ الاستناد الختبارات شيوخ املذهب املتأخرين لبعض الروايات وألاقوال ملوجب ذلك‪ ،‬كما بسطه‬
‫ابن الناظم في شرح تحفة والده‪ ،‬ومن املوجبات‪ :‬تبدل العرف‪ ،‬أو عروض جلب املصلحة أو درء املفسدة‪ ،‬فيرتبط العمل‬
‫‪45‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫باملوجب وجودا وعدما؛ وألجل ذلك يختلف باختالف البلدان ويتبدل في البلد الواحد بتبدل ألازمان"‪.‬‬
‫وقد تمركزت الرؤية التجديدية لشيخنا بن ّبيه في قاعدة "جريان العمل" بثالثة جوانب‪ :‬الجانب ألاول‪ :‬التقعيد ملجال العمل‪:‬‬
‫فقد أشار شيخنا إلى جانب تقعيدي لقاعدة جريان العمل لم يلتفت له العلماء املالكية وهم يضعون هذه القاعدة‪ ،‬فلم‬
‫يشيروا إلى مسألة املستند الذي يستند إليه القول الضعيف في مقابل مستند القول الراجح فيقول‪" :‬وما أشار إليه من تغير‬
‫ً‬
‫العمل استنادا الختيارات الشيوخ يدل على أن العمل قد ينشأ عن اجتهاد ترجيحي؛ بمعنى أن الشيوخ قد يالحظون ضعف‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مستند القول املشهور في املذهب‪ ،‬فيعتمدون قوال ضعيفا قوي مستنده‪ ،‬وهي مسألة لم يعرج عليها كثير ممن اهتموا بالعمل‬
‫‪46‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫قديما وحديثا‪."...‬‬
‫ً‬
‫الجانب الثاني‪ :‬مجاالت توظيف العمل‪ :‬إن عمل شيخنا بن ّبيه لم يكن مقتصرا على بيان أن "قاعدة جريان العمل" قاعدة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫تأصيلية يمكن أن تعد مرجعا لتوليد ألاحكام‪ ،‬ويمكن توظيفها فحسب‪ ،‬بل أضاف لذلك بعدا توظيفيا؛ أي أنه استثمرها في‬
‫الفتوى لفقه ألاقليات‪.‬‬
‫ويصف شيخنا واقع ألاقليات املسلمة بقوله‪" :‬فاألقليات تواجه تحديات عنيدة على مستوى الفرد الذي يعيش وسط بيئة لها‬
‫فلسفتها املادية التي ال مجال فيها للوازع الديني وعلى مستوى ألاسرة التي تحاول التماسك في خضم مجتمع تفككت فيه‬
‫الروابط ألاسرية واستحالت فيه العالقة الزوجية بين الزوجين وألابوية بين ألابناء وألابوين عالقة غير قائمة على أسس من‬
‫‪47‬‬
‫القوامة إلايجابية"‪.‬‬
‫ويشير الشيخ إلى جملة من املناهج الاستنباطية التي ال بد من استثمارها في الاجتهاد لفقه ألاقليات وذلك لظروفهم الخاصة‪،‬‬
‫ً‬
‫ومن بين تلك القواعد (جريان العمل) فيقول‪" :‬أما النوع الثالث فهو اجتهاد ترجيحي وهو اختيار قول قد يكون مرجوحا في‬
‫وقت من ألاوقات إما لضعف املستند ‪ -‬وليس النعدامه‪ -‬فيختاره العلماء ملصلحة اقتضت ذلك وهذا ما يسمى عند املالكية‬
‫‪48‬‬
‫جريان العمل"‪.‬‬
‫الجانب الثالث‪ :‬بيان إشكالية تقديم القول الضعيف على القول الراجح فيما لم يجر به العمل‪ .‬إن هذه املسألة هي املعيار‬
‫الحاكم لقاعدة جريان العمل‪ ،‬فما هي شروط تقديم الضعيف من ألاقوال على الراجح منها‪ ،‬في عملية توليد ألاحكام؟‬

‫صيف ‪ /‬خريف ‪ © 8102‬منشورات مؤسسة خالد الحسن مركز الدراسات وألابحاث‬ ‫‪74‬‬
‫فاطمة بوعي‬ ‫الاجتهاد املقاصدي في الفكر إلاصالحي املعاصر عند الشيخ عبد هللا بن ّبيه‬ ‫العدد ‪01‬‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬


‫تفعيل املقاصد تعديال وتوليدا‪ :‬إن مسألة التعديل ت َع ُّد من مولدات ألاحكام‪ ،‬وذلك ألنها تمثل جانبا عمليا يتم من خاللها‬
‫التفاعل بين القواعد الضابطة لعملية الاستنباط وبين الواقع العملي‪ ،‬وبيان جانبي التأثير والتأثر بينهما‪.‬‬
‫مما هو معلوم بأن القواعد ألاصولية تحاول املساهمة في إنتاج واقع يتفاعل مع تلك القواعد لكي يكون هناك توافق نظر ّي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫وعملي‪ ،‬وذلك ألن ألاحكام معلقة تنتظر واقعا مشخصا متوافقا لتنزل عليه‪.‬‬
‫وفي الجهة املقابلة إذا لم يكن هناك نوع من التعاضد النظري املتمثل بأحكام الشريعة‪ ،‬وبين الواقع الذي يمثل الجانب‬
‫العملي‪ ،‬فهل تبقى ألاحكام معلقة أم تصاغ ألاحكام لتتوافق مع الواقع؟ وما مدى تأثير الواقع على ألاحكام؟ وهل كلما فرض‬
‫ً‬
‫الواقع أمرا ال بد أن تتوافق ألاحكام معه ولو كان فيه مخالفة ألصول الشريعة وكلياتها؟ وبعبارة أخرى‪ :‬من املعلوم بأن‬
‫الفتوى هي صورة الحكم الشرعي في الخارج‪ ،‬فهل يعقل بأن يكون الحكم الشرعي أسير تطورات الزمان وإكراهات املكان‪ ،‬أم‬
‫ال بد من أن يستجيب الواقع لثوابت الفتوى وديمومتها؛ أم أننا نتحدث عن جانب املرونة في الشريعة التي تستطيع أن‬
‫تتالءم مع الواقع دون املساس بكلياتها لتوصله ألفضل املواقع؛ وهذا ألاخير هو الذي يقوم به املجتهدون بمحاولة بيان حالة‬
‫الانسجام والاندماج بين كلي املصالح مع جزئي الوقائع‪ ،‬لكن هذا ألامر يتطلب منها الحديث عن جملة من املسائل التي‬
‫يضيق املجال هنا عنها‪.‬‬
‫والذي نستطيع أن نقوله بأن أدوات الاستنباط فيها من املقومات النظرية والعملية التي تستطيع أن تتالءم وتتوافق مع‬
‫مجريات الوقائع‪ ،‬وذلك ألن فيها من السعة واملرونة بحيث تستطيع مسايرة جميع مجريات الواقع‪ ،‬فالفتوى تتأثر بجملة من‬
‫املؤثرات التي يفرضها الواقع‪ ،‬ويقوم املفتي بعملية الربط وإلايصال بين مكونات الواقع‪ ،‬وبالتالي فإن تأثير الواقع على الفتوى‬
‫ليس معناه فرض سلطته على الفتوى بمعنى انحرافها عن مسارها‪ ،‬بحيث تنساق خلف إكراهات الواقع املخالفة لنصوص‬
‫الشريعة‪ ،‬وإنما معناه محاولة احتواء الواقع بإدراجه تحت كلي الشريعة‪ ،‬وبعبارة أخرى‪ :‬من لم يسعه الدليل الجزئي وسعه‬
‫الدليل الكلي‪.‬‬
‫ولبيان منحى التجديد لتوليد ألاحكام من خالل التعديل املقاصدي ال بد من ذكر مجالين كانا املستند في التعامل مع مجريات‬
‫الوقائع بعملية التبديل‪:‬‬
‫ألاول‪ :‬مسائل لم يقم موجبها في زمن صاحب الرسالة ولم تظهر الحاجة لبيان حكمها‪ ،‬فقام في زمن الصحابة موجبها وظهرت‬
‫ً‬
‫الحاجة إليها‪ ،‬فقام الصحابة بالتعامل مع مجريات الوقائع باالستنجاد بالقواعد ليوجدوا حكما لهذه املسائل كجمع‬
‫املصحف وتدوين العلم وتضمين الصناع‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬مسائل قام موجبها واستقرت في النفوس أحكامها‪ ،‬فاختلف العلماء في إعمالها اعتمادا على ميزان املصالح واملفاسد‪،‬‬
‫ً‬
‫مما جعلهم يعدلون عن تلك الفتاوى ويعدلون عليها إلى تقديم ألاقوال املرجوحة تعديال في الاستدالل‪ ،‬وتحقيقا ملصالح‬
‫الواقع واملآل‪ 49.‬فاملجال ألاول قد سبق بيانه‪ ،‬وأما املجال الثاني فهو مجال الاستثمار في عملية التعديل في عملية الاجتهاد‪،‬‬
‫ً‬ ‫نجده َ‬‫حب ُ‬ ‫ٌ‬
‫عند العلماء من مختلف املذاهب يأخذون زمانا بقو ٍل‬ ‫واضح ال ٌ‬ ‫ٌ‬
‫مذهب‬ ‫ولذلك يصفه شيخنا بن ّبيه بقوله‪" :‬وهذا‬
‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫هو ُ‬
‫الحق لعموم البلوى وعسر الاحتراز واملشقة‬
‫وقت ٍ‬ ‫أرجح من حيث الدليل وألاخذ به عزيمة واحتياط‪ ،‬ثم يهجرونه في ٍ‬
‫‪50‬‬
‫وفوات املصلحة ودرء املفسدة‪.‬‬
‫ولذلك فإن عملية التعديل من خالل استثمار الدرس املقاصدي يتم من خالل مسألتين‪:‬‬
‫املسألة ألاولى‪ :‬التعديل في الفتاوى‪ :‬إن عملية مراجعة الفتوى حسب مقتضيات الزمان وإكراهات املكان هو إحدى الوسائل‬
‫إليجاد نوع من التفاعل بين أحكام الشريعة ومقتضيات الواقع‪ ،‬ولبيان تلك املنهجية للتعديل ال بد من عقد مقارنة بين‬
‫مدرستي الحنفية واملالكية للنظر في منهجية كل مدرسة في تعاملها مع مسألة التعديل‪.‬‬

‫صيف ‪ /‬خريف ‪ © 8102‬منشورات مؤسسة خالد الحسن مركز الدراسات وألابحاث‬ ‫‪75‬‬
‫فاطمة بوعي‬ ‫الاجتهاد املقاصدي في الفكر إلاصالحي املعاصر عند الشيخ عبد هللا بن ّبيه‬ ‫العدد ‪01‬‬

‫تعديال في مدرسة الحنفية‪ :‬إن عصر املذاهب الفقهية هو عصر التقعيد والتطوير‪ ،‬فبه وضحت معالم طرق‬ ‫ً‬
‫تفعيل املقاصد‬
‫الاستنباط‪ ،‬ومن خالله استقرت مناهج النظر والاستدالل‪ ،‬وأصبحت لكل مدرسة خططها التشريعية‪ ،‬ونظرتها الواقعية وقد‬
‫تركوا لنا مدونات علمية زاخرة بتلك الاجتهادات الواقعية التي راعت ظروف الواقع الزمانية‪ ،‬وتأثيراتها املكانية على الفتوى‪.‬‬
‫وقد أشار الحنفية إلى مخالفة تالمذة إلامام أبي حنيفة له كأبي يوسف ومحمد وبن أبي ليلى‪51‬؛ وكان سبب الاختالف هو‬
‫اختالف عصر وزمان وتبدل عادة ال اختالف حجة وبرهان‪ 52.‬ونستشهد بشهادة أخرى لربيعة بن عبد الرحمن‪ 53‬بعد عودته‬
‫من العراق‪ ،‬وبيان أثر الواقع املكاني على الفتوى‪ ،‬حيث قيل له‪" :‬كيف رأيت العراق وأهلها؟ فقال‪ :‬رأيت حاللنا حرامهم‪،‬‬
‫‪54‬‬
‫وحرامنا حاللهم"‪.‬‬
‫وأشار العالمة الزرقا‪55‬إلى تعامل املدرسة الحنفية في تعديل الفتوى رعاية للمصلحة الشرعية حيث يقول‪" :‬وقد اشتهر أبو‬
‫حنيفة وأتباعه من فقهاء مدرسته بطريقة الاستحسان وبناء ألاحكام عليها‪َ ،‬وب َرعوا في الاستنباط الاستحساني براعة عدلوا‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫غلو القياس الظاهر عندما يؤدي إلى مشكلة في املصلحة التطبيقية"‪ 56‬فقد عدل الحنفية عن كثير من املسائل‪،‬‬‫فيها كثيرا من ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وخالفوا بها مشهور املذهب نزوال عند مقتضيات الزمان وإكراهات املكان‪ ،‬تعديال للفتوى لعموم البلوى‪ ،‬والحديث يطول فب‬
‫هذا ولو سطر فيه ما سطر‪.‬‬
‫ومن ألامثلة التي يمكن أن نستعرضها في هذا السياق أن‪ :‬ألاصل في املذهب الحنفي أن الزوجة إذا قبضت معجل مهرها تلتزم‬
‫ً‬
‫بمتابعة زوجها حيث شاء‪ 57.‬ويشير العالمة الزرقا إلى فتوى التعديل عند املتأخرين تفعيال واستثمارها للدرس املقاصدي‬
‫ً‬
‫فيقول‪":‬ولكن املتأخرين لحظوا انقالب ألاخالق وغلبة الجور‪ ،‬وأن كثيرا من الرجال يسافرون بزوجاتهم إلى بالد نائية ليس‬
‫لهن فيها أهل وال نصير‪ ،‬فيسيئون معاملتهن ويجورون عليهن‪ ،‬فأفتى املتأخرون بأن املرأة ولو قبضت معجل مهرها‪ ،‬ال تجبر‬
‫ً‬
‫على متابعة زوجها إلى مكان؛ إال إذا كان وطنا لها‪ ،‬وقد جرى فيه عقد الزواج بينهما‪ ،‬وذلك لفساد الزمان وأخالق الناس‪،‬‬
‫‪58‬‬
‫وعلى هذا استقرت الفتوى والقضاء في املذهب"‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تفعيل املقاصد تعديال في املدرسة املالكية‪ :‬إن املالكية كذلك قد عملوا بقاعدة التعديل استثمارا للدرس املقاصدي‪ ،‬وكانوا‬
‫ً‬
‫أوسع مجاال في التوظيف من املدرسة الحنفية‪ ،‬من خالل الاستحسان‪ ،‬وقاعدة جريان العمل‪ ،‬وقد تحدثنا عن أداة‬
‫الاستحسان بما يكفي‪ ،‬لذلك سنشير إلى قاعدة "جريان العمل"‪.‬‬
‫ً‬
‫ويضع شيخنا تعريفا لقاعدة جريان العمل فيقول‪" :‬ألاخذ بقول ضعيف في القضاء والفتوى‪ ،‬من عالم يوثق به في زمن من‬
‫‪59‬‬
‫ألازمان‪ ،‬ومكان من ألامكنة‪ ،‬لتحقيق مصلحة‪ ،‬أو لدرء مفسدة"‪.‬‬
‫خالصة‪ :‬إن الاجتهاد التحليلي ملحاور هذه الورقة يكشف أن موضوع "الاجتهاد املقاصدي في الفكر إلاصالحي عند الشيخ عبد‬
‫هللا بن ّبيه" تتجاذبه محاور أصولية وفقهية وفكرية تتفاعل فيما بينها لتؤسس إشكالية معرفية شرعية تتطلب املزيد من‬
‫الاجتهاد العلمي‪ ،‬والبحث املعرفي املستمر نحو ذكر ما لم يذكر‪ ،‬وتبين ما لم يبين‪ ،‬وتخصيص ما عمم‪ ،‬وإطالق ما قيد‪،‬‬
‫وتوضيح ما غمض‪ ،‬وتنقيح ما اختلط‪ ...‬ولذا يبقى املوضوع مفتوحا للتوجيه وإلاضافة والتصويب والتسديد حتى يحقق‬
‫مقصده العلمي‪.‬‬
‫بناء على ما أنجز في هذه الورقة‪ ،‬تحددت نتائج‪ ،‬وبانت آفاق تضاعف من قوة الاهتمام الشرعي والحضاري باالجتهاد‬
‫املقاصدي‪ ،‬وتكشف أن ثماره غير منحصرة على الاجتهاد الفقهي بل تتعداه إلى الاجتهاد الحضاري الشامل الدافع إلى النظر‬
‫املصلحي الذي ال تنقض ي فوائده وال يمل العقل من التدبر فيه‪ ،‬تفسيرا وتأويال‪ ،‬تعليال واستقراء‪.‬‬

‫صيف ‪ /‬خريف ‪ © 8102‬منشورات مؤسسة خالد الحسن مركز الدراسات وألابحاث‬ ‫‪76‬‬
‫فاطمة بوعي‬ ‫الاجتهاد املقاصدي في الفكر إلاصالحي املعاصر عند الشيخ عبد هللا بن ّبيه‬ ‫العدد ‪01‬‬

‫وقد كانت أطروحة العالمة عبد هللا بن ّبيه من أفضل املناهج العلمية التجديدية املعاصرة‪ ،‬التي أشارت إلى ضرورة التكامل‬
‫املنه ي والوظيفي بين آليات وبرامج الدرس ألاصولي وبين تقنيات العصر وأدواته؛ بعملية توازنية وشراكة فاعلة‪ ،‬بغية الربط‬
‫الواصب بين الكلي والجزئي في ضوء ضرورات الواقع وحاجياته‪.‬‬
‫وقد أشارت الورقة البحثية لعدة مسائل تتعلق بتجديد الدرس ألاصولي من خالل فقه الواقع‪ ،‬ويمكن اختصارها بالنقاط‬
‫التالية‪:‬‬
‫الواقع شريك في إنتاج ألاحكام الشرعية‪.‬‬ ‫‪.0‬‬
‫ضرورة الاستعانة بمعارف العصر لتوضيح بيئة تحقيق املناط‪.‬‬ ‫‪.0‬‬
‫ضرورة إدراج مسائل الواقع ومعرفاته وآلياته إلى مادة الدرس ألاصولي‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫ضرورة الاستعانة بالتخصصات املساندة للفقهاء‪ ،‬وذلك ألهمية دورهم في بيان الواقع‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫الئحة املراجع‬
‫‪ .0‬القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ .0‬إبراهيم بن موس ى اللخمي الشاطبي (ت‪231‬ه) (تحقيق‪ :‬عبد هللا دراز)‪ :‬املوافقات (القاهرة‪ :‬دار الحديث‪.)0118 ،‬‬
‫‪ .4‬ابن عاشور‪ :‬مقاصد الشريعة إلاسالمية (دار السالم‪ ،‬ط‪.)5‬‬
‫‪ .3‬أبو الحسن أحمد بن فارس بن زكرياء (ت‪435‬هـ) (تحقيق‪ :‬عبد السالم محمد هارون)‪ :‬معجم مقاييس اللغة (بيروت‪ :‬دار‬
‫الفكر‪0323 ،‬م)‪.‬‬
‫‪ .5‬أبو حامد محمد بن محمد الغزالي‪ :‬املستصفى من علم ألاصول (املكتبة العصرية‪ ،0116،‬ط ‪.)0‬‬
‫‪ .8‬أبي حامد محمد بن محمد الغزالي‪ :‬إحياء علوم الدين (بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية)‪.‬‬
‫‪ .2‬الاجتهاد املقاصدي‪ :‬حجيته‪ ،‬ضوابطه‪ ،‬مجاالته (كتاب ألامة‪ ،‬عدد ‪0303 ،88/85‬هـ‪.).‬‬
‫‪ .6‬أحمد الريسوني‪ :‬نظرية املقاصد عند إلامام الشاطبي (فيرجينيا‪ :‬املعهد العالمي للفكر الاسالمي‪0335 ،‬م‪ ،‬ط ‪.)3‬‬
‫‪ .3‬إيهاب محمد اللمعي‪" ،‬ألاراء التجديدية ألاصولية عند الشيخ عبد هللا بن بية"‪ ،‬أطروحة مقدمة إلى مجلس كلية إلامام‬
‫ألاعظم الجامعة‪0105 ،‬م‪0348/‬هـ‪.‬‬
‫‪ .01‬جمال الدين عبد الرحيم الاسنوي (ت‪220‬هـ)‪ :‬نهاية السول شرح منهاج الوصول (بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪0333 ،‬م‪،‬‬
‫ط ‪.)0‬‬
‫‪ .00‬الحجوي‪ :‬الفكر السامي في تاريخ الفقه إلاسالمي (فاس‪ :‬مطبعة الرباط ‪0431‬هـ‪0435 ،‬ه ـ)‪.‬‬
‫‪ .00‬الراغب ألاصفهاني‪ :‬املفردات في غريب القران (مكتبة نزار مصطفى الباز)‪.‬‬
‫‪ .04‬سميح عبد الوهاب الجندي‪ :‬أهمية املقاصد في الشريعة إلاسالمية وأثرها في فهم النص واستنباط الحكم (دمشق‪:‬‬
‫مؤسسة الرسالة ناشرون‪0116 ،‬م‪ ،‬ط‪.)0‬‬
‫‪ .03‬عبد هللا بن الشيخ املحفوظ بن بية‪ :‬مشاهد من املقاصد (الرياض‪ :‬دار وجوه للنشر والتوزيع‪ ،‬الرياض‪0344 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪0100‬م‪ ،‬ط‪.)0‬‬
‫‪ .05‬عالل الفاس ي‪ :‬مقاصد الشريعة ومكارمها (مكتبة الوحدة العربية)‪.‬‬
‫‪ .08‬فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي الحنفي‪ :‬تبين الحقائق شرح كنز الدقائق (القاهرة‪ :‬دار الكتب إلاسالمي‪0404 ،‬هـ)‪.‬‬
‫‪ .02‬محمد بن علي الشوكاني (ت‪0051‬هـ) (تحقيق‪ :‬أبي مصعب محمد سعيد البدوي)‪ :‬إرشاد الفحول إلى تحقيق علم‬
‫ألاصول (بيروت‪ :‬مؤسسة الكتب الثقافية‪0332 ،‬م‪ ،‬ط‪.)2‬‬
‫‪ .06‬محمد بن مكرم بن منظور ألافريقي املصري (ت ‪200‬هـ)‪ :‬لسان العرب (القاهرة‪ :‬دار الحديث‪0114 ،‬م)‪.‬‬
‫‪ .03‬مصطفى أحمد الزرقا‪ :‬املدخل الفقهي العام (دمشق‪ :‬دار القلم‪0113 ،‬م‪0305/‬هـ‪ ،‬ط‪.)0‬‬

‫صيف ‪ /‬خريف ‪ © 8102‬منشورات مؤسسة خالد الحسن مركز الدراسات وألابحاث‬ ‫‪77‬‬
‫فاطمة بوعي‬ ‫الاجتهاد املقاصدي في الفكر إلاصالحي املعاصر عند الشيخ عبد هللا بن ّبيه‬ ‫العدد ‪01‬‬

‫‪ .01‬وهبة الزحيلي‪ :‬أصول الفقه إلاسالمي (دمشق‪ :‬دار الفكر‪0118 ،‬م)‪.‬‬

‫‪ ‬طالبة باحثة‪ ،‬كلية آلاداب والعلوم إلانسانية جامعة السلطان موالي سليمان بني مالل‪.‬‬

‫‪ 1‬الراغب ألاصفهاني‪ :‬املفردات في غريب القرآن ‪ ،‬مادة جهد‪ ،‬ص ‪.040‬‬


‫‪ 2‬سورة ألانعام‪ ،‬آلاية‪.013 :‬‬
‫‪ 3‬أبو حامد محمد بن محمد الغزالي (اعتنى به ناجي السويد)‪ :‬املستصفى من علم ألاصول ‪.‬ج‪( .0‬املكتبة العصرية‪0116،‬م‪ ،‬ط‪ ،)0‬ص ‪.034‬‬
‫‪ 4‬جمال الدين عبد الرحيم الاسنوي(ت‪220‬هـ)‪ :‬نهاية السول شرح منهاج الوصول (بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية بيروت‪0333 ،‬م‪ ،‬ط ‪.)0‬‬
‫‪ 5‬محمد بن علي الشوكاني (ت‪0051‬هـ) (تحقيق‪ :‬أبي مصعب محمد سعيد البدوي)‪ :‬إرشاد الفحول إلى تحقيق علم ألاصول (بيروت‪ :‬مؤسسة‬
‫الكتب –الثقافية‪0332 ،‬م‪ ،‬ط‪.)2‬‬
‫‪ 6‬وهبة الزحيلي‪ :‬أصول الفقه إلاسالمي (دمشق‪ :‬دار الفكر‪0118 ،‬م)‪.‬‬
‫‪ 7‬أبو الحسن أحمد بن فارس بن زكرياء (ت‪435‬هـ) (تحقيق‪ :‬عبد السالم محمد هارون)‪ :‬معجم مقاييس اللغة (بيروت‪ :‬دار الفكر ‪0323‬م)‪.‬‬
‫‪ 8‬محمد بن مكرم بن منظور ألافريقي املصري (ت ‪200‬هـ)‪ :‬لسان العرب (القاهرة‪ :‬دار الحديث‪ ،‬القاهرة‪0114 ،‬م)‪.‬‬
‫‪ 9‬لسان العرب‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ 10‬لسان العرب‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ 11‬لسان العرب‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ 12‬سميح عبد الوهاب الجندي‪ :‬أهمية املقاصد في الشريعة إلاسالمية وأثرها في فهم النص واستنباط الحكم (دمشق‪ :‬مؤسسة الرسالة‬
‫ناشرون‪0116 ،‬م‪ ،‬ط‪.)0‬‬
‫‪ 13‬إبراهيم بن موس ى اللخمي الشاطبي (ت‪231‬هـ) (تحقيق‪ :‬عبد هللا دراز)‪ :‬املوافقات (القاهرة‪ :‬دار الحديث‪0118 ،‬م)‪.‬‬
‫‪ 14‬ابن عاشور‪ :‬مقاصد الشريعة إلاسالمية (دار السالم‪ ،‬ط‪ ،)5‬ص ‪.55‬‬
‫‪ 15‬ابن عاشور‪ :‬مقاصد الشريعة إلاسالمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.55‬‬
‫‪ 16‬عالل الفاس ي‪ :‬مقاصد الشريعة ومكارمها (مكتبة الوحدة العربية)‪ ،‬ص‪.4‬‬
‫‪ 17‬عالل الفاس ي‪ :‬مقاصد الشريعة ومكارمها‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ 18‬العالمة عبد هللا بن الشيخ املحفوظ بن بية‪ :‬مشاهد من املقاصد (الرياض‪ :‬دار وجوه للنشر والتوزيع‪0344 ،‬هـ‪0100 -‬م‪ ،‬ط ‪ ،)0‬ص ‪.44‬‬
‫‪ 19‬أحمد الريسوني‪ :‬نظرية املقاصد عند إلامام الشاطبي (فيرجينيا‪ :‬املعهد العالمي للفكر الاسالمي‪0335 ،‬م‪ ،‬ط ‪ ،)3‬ص ‪.03‬‬
‫‪ 20‬الاجتهاد املقاصدي‪ ،‬حجيته‪ ،‬ضوابطه‪ ،‬مجاالته (كتاب ألامة‪ ،‬عدد ‪0303 ،88/85‬هـ)‪.‬‬
‫‪ 21‬الاجتهاد املقاصدي للخادمي‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ 22‬مقايس اللغة البن فارس‪ ،‬باب‪ :‬الفاء والكاف وما يثلثهما‪.‬‬
‫‪ 23‬لسان العرب‪ ،‬مادة فكر‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ 24‬الفيروز ابادي‪ ،‬القاموس املحيط‪ ،‬مادة فكر‪.‬‬
‫‪ 25‬زمخشري‪ ،‬أساس البالغة‪ ،‬مادة فكر‪.‬‬
‫‪ 26‬أبي حامد محمد بن محمد الغزالي‪ :‬إحياء علوم الدين (بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬د‪-‬ت)‪.060/0 ،350/3 ،‬‬
‫‪ 27‬لسان العرب‪ ،‬مادة صلح‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ 28‬الراغب‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ 29‬ألاعراف‪ ،‬آلاية ‪.58‬‬
‫‪ 30‬سورة التوبة‪ ،‬آلاية ‪.010‬‬
‫‪ 31‬سورة الاحزاب‪ ،‬آلاية ‪.20‬‬
‫‪ 32‬سورة البقرة‪ ،‬آلاية ‪.003‬‬
‫‪ 33‬صحيح مسلم‪ ،‬رقم ‪.26‬‬
‫‪ 34‬أقليك أو أغليك يطلق على مكان يجتمع فيه املاء فترة تهاطل ألامطار‪ ،‬ويبقى فيه مدة طويلة‪ ،‬وتسقى بمياهه الزراعة التي تكون بقربه غالبا‪.‬‬

‫صيف ‪ /‬خريف ‪ © 8102‬منشورات مؤسسة خالد الحسن مركز الدراسات وألابحاث‬ ‫‪78‬‬
‫فاطمة بوعي‬ ‫الاجتهاد املقاصدي في الفكر إلاصالحي املعاصر عند الشيخ عبد هللا بن ّبيه‬ ‫العدد ‪01‬‬

‫‪ 35‬عبد هللا بن حمود‪ :‬جمع وتحقيق فتاوى العالمة الشيخ املحفوظ بن بيه (رسالة تخرج من العهد العالي للدراسات والبحوث إلاسالمية لنيل‬
‫شهادة املاستر‪ ،‬املوسم الجامعي ‪ ،)36-32‬ص ‪.3‬‬
‫‪ 36‬هي مزيج من الطريقتين القادرية والشاذلية وتنسب إلى الشيخ محمد ألاغضف الداودي وقد شغلت املستعمر الفرنس ي‪ ،‬وتتميز بخصائص منها‪- :‬‬
‫أنها شنقيطية املنشأ‪ ،‬أن سيدي ولد موالي الزين قاتل القائد الفرنس ي كابوالني ينتمي إليها‪ - ،‬أنها نظمت هجرة جماعية حيث هاجرت منها ‪51‬‬
‫أسرة واستقر بهم املقام في ألاناضول بعد أن استقبلهم السلطان عبد الحميد‪ .‬انظر‪ :‬بالد شنقيط املنارة والرباط‪ ،‬ص ‪.003‬‬
‫‪ 37‬املجموعة الكبرى‪. ،‬ج ‪ ،.0‬ص ‪.00‬‬
‫‪ 38‬من أبرز علماء بالد شنقيط‪ ،‬ص ‪.38‬‬
‫‪ 39‬انظر‪ :‬املوقع الرسمي للشيخ (املؤلفات‪ ،‬ألابحاث‪ ،‬أرشيف الفتاوى‪ ،‬الحوارات‪ ،‬املقاالت)‪.‬‬
‫‪ 40‬إيهاب محمد اللمعي‪" ،‬ألاراء التجديدية ألاصولية عند الشيخ عبد هللا بن بية"‪ ،‬أطروحة مقدمة إلى مجلس كلية إلامام ألاعظم الجامعة‪،‬‬
‫‪0105‬م‪0348/‬هـ‪.‬‬
‫‪ 41‬جاء عن فضيلة الشيخ عبد هللا بن بية‪ ،‬في كتابه‪" :‬عالقة مقاصد الشريعة بأصول الفقه" عما أسماه‪" :‬محائر أو مدارك أو أكنسة املقاصد"‪،‬‬
‫منحى من مسائل ألاصول يمكن أن‬ ‫وهي مناحي الاستفادة من املقاصد والاستنجاد بها‪ ،‬حيث قال‪" :‬إنه يستنجد باملقاصد في أكثر من عشرين ً‬
‫نستعير لها كلمة املحائر وألاكنسة؛ ألنها مكامن لؤلؤ الحكم‪ ،‬ومكانس ظباء املقاصد‪ ،‬وجذور أرومتها‪ ،‬وأقناس أجناسها"‪.‬‬
‫ً‬ ‫وفضيلة الشيخ بن بيه ذكر في كتابه ثالثين ً‬
‫منحى من مناحي الاستفادة والاستنجاد بمقاصد الشريعة نذكرها فيما يلي‪ ،‬أوال‪ :‬حيث ال نص‬
‫ثانيا‪ :‬حيث يوجد عموم تمس الحاجة إلى إخراج‬ ‫بخصوص املسألة محل الاجتهاد مع وجوده في نظيرها فتقاس عليها لوجود وصف جامع هو العلة‪ً ،‬‬
‫ضربا من ضروب‬ ‫بعض مشموالته من دائرة العموم دون ظهور مخصص من نص أو قياس‪ ،‬وهذا النوع من التخصيص باملقاصد يعتبر ً‬
‫مخالفا ألصل أو قاعدة علمت من نصوص أخرى‪ ،‬ر ً‬ ‫ً‬ ‫ثالثا‪ :‬حيث يوجد نص‪ ،‬لكن تطبيقه قد يكون‬ ‫ً‬
‫ابعا‪ :‬حيث يحتاج املجمل إلى بيان‪،‬‬ ‫الاستحسان‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فيلجأ إلى القرينة املقصدية لبيانه‪ ،‬خامسا‪ :‬يعدل عن الظاهر بداللة املقصد؛ ليكون املقصد أساس التأويل‪ ،‬سادسا‪ :‬الترجيح بين النصوص على‬
‫ً‬
‫سابعا‪ :‬في تمييز عمل أهل املدينة‬ ‫خاصا‪ ،‬أو يعتضد نص بقياس على ما يخالفه‪،‬‬ ‫ًّ‬ ‫عاما يرى أنه ألصق باملقصد ويرد‬ ‫ضوء املقاصد ليقدم املجتهد ًّ‬
‫تاسعا‪ :‬في إحداث حكم حيث ال نص وال‬ ‫ً‬ ‫ثامنا‪ :‬لتمييز قول الصحابي الذي يحمل الرأي من قوله الذي يحمل على الرفع‪،‬‬ ‫التوقيفي من غيره‪ً ،‬‬
‫عاشرا‪ :‬يحتاج للمقاصد في الحماية والذرائع‬ ‫ً‬ ‫مناسبة معينة؛ أي في انعدام املناسب املعتبر بنوعيه‪ ،‬ومراعاة املقصد هنا تسمى باملصلحة املرسلة‪،‬‬
‫واملآالت‪ ،‬وقد يعبر عن هذا الدليل بسد الذرائع‪ ،‬وبالنظر في املآالت‪.‬‬
‫الحادي عشر‪ :‬تقرير درجة ونوع الحكم مناط ألامر أو النهي أو املدح أو الذم‪ ،‬فنعني بالنوع‪ :‬هل هو تحريم أو كراهة أو مندوب؟ وبالدرجة نعني‪:‬‬
‫تفاوت ما بين الواجبات في نفسها‪ ،‬فهناك واجب لذاته أو لغيره‪ ،‬وحرام كذلك‪ ،‬الثاني عشر‪ :‬خصوصية الحكم به ـ عليه الصالة والسالم ـ أو‬
‫عمومه لغيره‪ ،‬الثالث عشر‪ :‬مفهوم املخالفة‪ ،‬الرابع عشر‪ :‬مفهوم املوافقة‪ ،‬الخامس عشر‪ :‬تقييد املطلق‪ ،‬السادس عشر‪ :‬وضع ألاسباب وقصد‬
‫املسببات‪ ،‬السابع عشر‪ :‬الاستصحاب‪ ،‬الثامن عشر‪ :‬الاستحسان‪ ،‬التاسع عشر‪ :‬الفرق بين املصلحة املعتبرة واملصلحة امللغاة‪ ،‬العشرون‪ :‬الجمع‬
‫بين ألادلة عند التعارض‪ ،‬الحادي والعشرون‪ :‬الترجيح بين ألادلة عند التعارض‪ ،‬الثاني والعشرون‪ :‬تنزيل ألاخبار املثبتة أو املنفية منزلة ألاوامر‬
‫والنواهي‪ ،‬الثالث والعشرون‪ :‬بين التعبد ومعقولية املعنى‪ ،‬الرابع والعشرون‪ :‬الاختالف في طبيعة املقصد املؤثر في الحكم‪ ،‬الخامس والعشرون‪:‬‬
‫تعدد املقاصد والاقتصار على مقصد واحد مما يؤثر في الحكم‪ ،‬السادس والعشرون‪ :‬اختصاص بعض الناس دون بعض بحكم‪ ،‬السابع‬
‫ً‬
‫والعشرون‪ :‬أفعال املقتدى به مما ليس تفصيال ألمر‪ ،‬الثامن والعشرون‪ :‬السكوت الدال على العفو‪ ،‬التاسع والعشرون‪ :‬إشارة النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم إلفهام املشاهد‪ ،‬املنحى الثالثون‪ :‬مراعاة قصود العقود في التصحيح وإلابطال والشروط ‪.‬‬
‫‪ 42‬مشاهد من املقاصد‪ ،‬ص ‪.033‬‬
‫‪43‬انظر‪ :‬نثر الورود‪.565/0 ،‬‬
‫‪ 44‬مشاهد من املقاصد‪ ،‬ص ‪.063‬‬
‫ً‬
‫‪ 45‬شرح نظم العمل املطلق‪ ،2/0 ،‬مخطوط‪ .‬نقال عن‪ :‬صناعة الفتوى وفقه ألاقليات‪ ،‬ص ‪.088‬‬
‫‪ 46‬صناعة الفتوى وفقه ألاقليات‪ ،‬ص ‪.088‬‬
‫‪ 47‬صناعة الفتوى وفقه ألاقليات‪ ،‬ص ‪.041‬‬
‫‪ 48‬صناعة الفتوى وفقه ألاقليات‪ ،‬ص ‪.003‬‬
‫‪ 49‬انظر‪ :‬املوافقات‪ )432 ،438/0( ،‬؛ مشاهد من املقاصد‪.064 ،‬‬
‫‪ 50‬مشاهد من املقاصد‪ ،‬ص ‪.063-064‬‬

‫صيف ‪ /‬خريف ‪ © 8102‬منشورات مؤسسة خالد الحسن مركز الدراسات وألابحاث‬ ‫‪79‬‬
‫فاطمة بوعي‬ ‫الاجتهاد املقاصدي في الفكر إلاصالحي املعاصر عند الشيخ عبد هللا بن ّبيه‬ ‫العدد ‪01‬‬

‫‪ 51‬عبد الرحمن بن أبي ليلى‪ ،‬أبو محمد‪ ،‬من أبناء الانصار‪ ،‬ولد في خالفة الصديق أو قبل ذلك‪ .‬وحدث عن عمر‪ ،‬وعلي‪ ،‬وأبي ذر‪ ،‬وابن مسعود‪،‬‬
‫وبالل‪ ،‬وأبي بن كعب‪ ،‬وصهيب‪ ،‬وقيس بن سعد‪ ،‬واملقداد‪ ،‬وأبي أيوب‪ ،‬ووالده‪ ،‬ومعاذ بن جبل‪ ،‬سير أعالم النبالء‪.)084/3( ،‬‬
‫‪ 52‬تبين الحقائق شرح كنز الدقائق‪ ،‬فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي الحنفي‪ ،‬دار الكتب إلاسالمي القاهرة‪0404( .‬هـ‪.)041/4( ،).‬‬
‫‪ 53‬ربيعة الرأي (‪ 048‬ه) ربيعة بن فروخ التيمي بالوالء‪ ،‬املدني‪ ،‬أبو عثمان‪ :‬الفقيه العلم مولى املنكدر مفتي أهل املدينة وشيخهم يعرف بربيعة‬
‫الرأي‪ ،‬إمام حافظ فقيه مجتهد‪ ،‬كان بصيرا بالرأي فلقب (ربيعة الرأي) وكان من الاجواد‪ .‬الوافي بالوفيات‪)332/3( ،‬؛ ألاعالم‪.)02/4( ،‬‬
‫‪ 54‬الحجوي‪ :‬الفكر السامي في تاريخ الفقه الاسالمي‪.)461/0( ،‬‬
‫‪ 55‬مصطفى أحمد الزرقا (‪ 0313‬ـ ‪0333‬م)‪ ،‬جمع العلم الشرعي التقليدي‪ ،‬في حلقات العلم بحلب‪ ،‬وعمل بالتدريس وعضو في العديد من املجامع‬
‫اللغوية والفقهية في البالد العربية‪ .‬انظر‪ :‬مجد مكي‪ :‬مقدمة كتاب الفتاوى‪.‬‬
‫‪ 56‬مصطفى أحمد الزرقا‪ :‬املدخل الفقهي العام (دمشق‪ :‬دار القلم (‪0305‬هـ‪0113/‬م)‪ ،‬ط‪. )38 ، 35/0( ،)0‬‬
‫‪ 57‬انظر‪ :‬تبين الحقائق شرح كنز الدقائق‪.)058/0( ،‬‬
‫‪ 58‬املدخل الفقهي العام‪.)332 ،338/0( ،‬‬
‫‪ 59‬صناعة الفتوى وفقه ألاقليات‪.)083( ،‬‬

‫صيف ‪ /‬خريف ‪ © 8102‬منشورات مؤسسة خالد الحسن مركز الدراسات وألابحاث‬ ‫‪81‬‬

‫)‪Powered by TCPDF (www.tcpdf.org‬‬

You might also like