You are on page 1of 90

‫لكية الآداب والعلوم الإنسانية مبكناس‬

‫شعبة عمل الاجامتع‬

‫مادة سوس يولوجيا الرتبية‬


‫مدخل أويل‬
‫ادلورة الربيعية‬
‫مومس ‪2016/2015‬‬
‫د‪ .‬رش يد جرموين‬

‫‪1‬‬
‫احملتوايت‬
‫تقدمي‪...................................................................................................‬‬
‫القسم الول‪ :‬الإطار النظري لسوس يولوجيا الرتبية‬
‫الفصل الول‪ :‬من مفهوم سوس يولوجيا الرتبية اإىل الاجتاهات النظرية ‪........................‬‬
‫أول‪ :‬وقفة مع مفهوم سوس يولوجيا الرتبية ‪............................................................‬‬
‫اثنيا‪ :‬الاجتاهات النظرية يف سوس يولوجيا الرتبية‪...................................................‬‬
‫الاجتاه الانسانوي "دوراكمي" منوذجا‪.....................................................‬‬ ‫‪-1‬‬
‫الاجتاه املاركيس والنيوماركيس‪......................................................‬‬ ‫‪-2‬‬
‫الاجتاه البنيوي الوظيفي‪..............................................................‬‬ ‫‪-3‬‬
‫الاجتاه الفينومينولويج وعمل اجامتع الرتبية ادجديد‪................................‬‬ ‫‪-4‬‬
‫الاجتاه النقدي الرادياكيل‪ ،‬جنو رؤية جديدة لوضاع الرتبية والتعلمي‪................‬‬ ‫‪-5‬‬
‫خالصات واس تنتاجات عامة‪..............................................................‬‬ ‫‪-6‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬املنظومات الرتبوية العربية بني مظاهر الازمة وحتدايت املس تقبل‪..........‬‬
‫‪ -1‬يف تشخيص أزمة املنظومات الرتبوية العربية‪ ،‬بني الزنعة الاخزتالية والرؤية‬
‫النقدية‪............................................................................................‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ -2‬يف جتليات ومس تتبعات الزمة الرتبوية عىل النس يج اجملمتعي و املعريف و‬
‫القميي‪.......‬‬
‫‪ -3‬يف رصد بعض العوامل والس باب املغذية لس مترار تأزم املنظومات الرتبوية‬
‫العربية‪.............................................................................................‬‬
‫‪ -4‬بعض مداخل الإصالح الرتبوي ابلوطن العريب رهاانت وحتدايت‪....................‬‬
‫البيبليوغرافيا‪.......................................................................................‬‬

‫‪3‬‬
‫تقدمي‬
‫تعترب املسأةل الرتبوية‪ ،‬جزء من املأسةل الاجامتعية‪ ،‬اإل أن املالحظ أنه وقع هتميش‬
‫للبحث السوس يولويج الرتبوي ابملغرب‪ ،‬وذكل لس باب سوس يواترخيية جد مركبة‪- ،‬ليس‬
‫اجملال مناس با للخوض فهيا‪ -،‬لكن مع التغيري اذلي طال التكوين اخلاص بشعب عمل‬
‫الاجامتع يف هذا املومس‪ ،‬فاإن ذكل ما يعد يف نظران تصحيحا ملسار التكوين والتأهيل يف‬
‫هذه الشعبة‪ .‬لنه يف –اعتقادي‪ -‬ليس من املالمئ حرمان الطلبة من ختصص معريف‬
‫أصبح اليوم مطلواب يف جمال بناء الس ياسات العمومية املرتبطة ابحلقل التعلميي‪ .‬وقد بينت‬
‫التجارب السابقة اليت مر مهنا املغرب –خصوصا بعد مرحةل امليثاق الوطين للرتبية‬
‫والتكوين‪ -‬أن هناك العديد من الاشاكلت والإشاكليات‪ ،‬مرتبطة أساسا بتغييب اخلربة‬
‫السوس يولوجية عىل مس توى بناء التصورات واملرجعيات أو عىل مس توى املصاحبة‬
‫والتدخل أو حىت عىل مس توى التقومي والتتبع‪ .‬وإاذا اكن من حضور فهو عريض‬
‫ومناوليت وليس حضورا وازان وفاعال ومؤثرا‪ .‬بيد أن المر أكرب من هذه التجربة ‪- ،‬اليت‬
‫مل نسقها اإل للتذليل عىل ملحاحية حضور املقاربة السوس يولوجية يف جمال الرتبية‬
‫والتعلمي‪ -،‬لنه يرتبط بتكوين خنب علمية ومعرفية وأاكدميية‪ ،‬تشلك خلفية دامعة للمشاريع‬
‫الرتبوية اليت تطبق يف املغرب وغريه‪ ،‬سواء من خالل نوعية التكوين املأمول حتققه يف‬
‫ادجامعة املغربية‪ ،‬أو عىل مس توى ترامك خربات ميدانية تكون قريبة من الواقع وتكون عىل‬
‫وعيبأمه الإشاكليات اليت تعرتض تطبيق تكل املشاريع الطموحة‪.‬‬
‫ولعل الطموح اذلي يمتلكنا يف هذه املسامهة‪ ،‬ليس الوقوف عند جمرد التكوين املعريف‬
‫للطلبة‪ ،‬بقدر ما يدفعنا طموح أآخر‪ ،‬مرتبط أساسا بتطوير البحث السوس يولويج يف‬
‫جمال الرتبية والتعلمي‪ ،‬وذكل ابلنظر اإىل ضعف املواكبة السوس يولوجية للك ما يعج به هذا‬
‫احلقل السوس يولويج من ظواهر ومظاهر وتفاعالت وتشاباكت وعالئق وتبادلت‪،....‬‬
‫تريخ بظاللها عىل املشهد الرتبوي برمته وعىل اجملمتع بشلك عام‪ .‬مما يقتيض مواكبة علمية‬
‫دقيقة متتح من خمتلف التخصصات املعرفية‪ ،‬اكلنرثوبولوجياوالسوس يولوجياوالس يكولوجيا‬

‫‪4‬‬
‫والبيداغوجيا والسوس يولسانيات‪ .‬ورمغ أننا ل ندعي أبدا أية اإحاطة شامةل بلك هذه‬
‫التخصصات‪ ،‬فاإنه حسبنا أن نثري الاهامتم والقلق الفكريني عند القارئ‪.‬‬
‫تتوزع مورفولوجية هذا الكتاب‪ ،‬حول قسمني‪ ،‬يضم الول منه‪ ،‬وقفة مع أمه الاجتاهات‬
‫النظرية يف سوس يولوجيا الرتبية‪.‬‬
‫فامي خيص القسم الثاين‪ ،‬فقد سعينا ليكون تطبيقيا ومعليا‪ ،‬وذكل يف تنامغ مع القسم الول‬
‫النظري‪ .‬وهكذا يشمل هذا القسم عىل فصل وحيد‪ ،‬وهو عبارة عن دراسة س بق أن‬
‫نرشانها يف جمةل "معران" للعلوم الاجامتعية والانسانية اليت تصدر عن املركز العريب‬
‫لالحباث ودراسة الس ياسات‪ ،‬بتارخي أكتوبر ‪ .2014‬وقد أضفنا اإلهيا مبحثا جديدا‬
‫خصصناه للحديث عن أمه مداخل الاصالح الرتبوي ابلوطن العريب‪ .‬ولالشارة فاإن‬
‫ادلراسة تقدم تشخيصا مستندا جملموعة من ادلراسات والاحباث حول وضعية التعلمي‬
‫ابلوطن العريب‪ ،‬مع الرتكزي بشلك خاص عىل املغرب‪ .‬هذا عالوة عىل تتبع خمتلف‬
‫التداعيات السوس يوثقافية اليت أحدهثا تراجع املس توى املعريف للمنظومات الرتبوية ابلرقعة‬
‫العربية‪ .‬واخريا توقفنا عند أمه العوامل املركبة اليت ل زالت تغذي حاةل الرتدي يف هذه‬
‫املنظومات‪ ،‬واليت حددانها يف ثالثة عوامل أساس ية‪ :‬السوس يوساس ية‪ ،‬والسوس يوثقافية‬
‫‪ ،‬والسوس يوتمنوية‪.‬‬
‫أميل أن جيد خمتلف القراء‪ :‬طالبات وطالب وابحثني وهممتني ونقاد ‪ ...‬ما يطمحون اإليه‪،‬‬
‫وما يروي عطشهم املعريف يف هذا التخصص العزيز علينا‪ .‬و طمويح اثنيا‪ ،‬هو تقدمي‬
‫مرشوع أويل‪ ،‬ل أشك أنه حيتاج اإىل املزيد من التنقيح والتصويب والإضافة‪ ،‬لكنه يشلك‬
‫أداة ملموسة لفتح هذا النقاش الاكدميي مع لك املتتبعني‪ .‬لنه كام يقول ابشالر‪ " :‬ليس‬
‫العمل سوى مسرية تصحيح أخطائه"‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫القسم الول‪ :‬الإطار النظري لسوس يولوجيا الرتبية‬
‫عىل سبيل الاس هتالل‬
‫ساد يف الآونة الخرية يف ختصصات العلوم الاجامتعية‪ ،‬خطاب ينحو حنو التقليل من قمية‬
‫البناء النظري ومن خمتلف النظرايت الفكرية‪ ،‬عىل اعتبار أن الاهامتم هبذا ادجانب ليس‬
‫سوى اإعادة اجرتار ما كتب من قبل من طرف الرواد الالكس يكيني أو احملدثني أو حىت‬
‫املعارصين‪ .‬ولعل الوقوف عند هذه الفرضية‪ ،‬جتعلنا جنازف ابلقول أنه وقع انزايح يف‬
‫املقاربة السوس يولوجية يف الس نوات الخرية يف ادجامعة املغربية وحتديدا ختصص شعب‬
‫السوس يولوجيا‪ .‬وقد بدا ذكل جليا يف انهتاج مقارابت أكرث امربيقية وجتريبية مهنا عىل ما‬
‫هو نظري فكري وتصوري‪ .‬ولعل س ياق ذكل مرتبط ابلساس بضعف املتابعة الاكدميية‬
‫ملا ينرش من كتاابت وأوراق وأحباث يف الساحة العاملية‪ .‬وأيضا لغلبة طلبات اخلربة‬
‫املدفوعة الجر من قبل املنظامت ادلولية واملؤسسات احلكومية وغري احلكومية واليت ل‬
‫هيمها تطوير التفكري النظري‪ ،‬بقدر ما تسعى‪ ،‬اإما لتشخيص واقع سوس يولويج ما‬
‫أوملسح تبس يطي لظاهرة مركبة ما‪ ،‬أو ملعرفة بعض "الاختاللت" اليت تطبع سري مرفق‬
‫من مرافق اجملمتع‪ ،‬سواء اكن مدرسة أو جامعة أو مؤسسة تعلميية معينة خاصة أو معومية‪.‬‬
‫وإاذا أردان أن نفهم رس هذا التحول‪ ،‬فهو يف اعتقادان يرجع اإىل همينة اخلطاابت النيوليربالية‬
‫اليت تبحث عن الاس تقرار والتوازن بدل البحث عن اخللفيات احلقيقية لالس تغالل‬
‫وللهمينة‪ .‬ولهذا ل نس تغرب اإذا ما وجدان أن الباحثني العرب وغريمه بدأوا يامتهون مع‬
‫مفاهمي وبراديغامت جديدة‪ ،‬اكحلاكمة والتمنية والعوملة واقتصاد السوق والاسالم الس ياي‬
‫وادجندرة‪ ...‬هذا ما تأكيدان عىل أن اقتحام هذه املفاهمي ليس عيبا يف حد ذاته‪ ،‬بل اإن ما‬
‫نود التعبري عنه‪ ،‬هو التغايض –سواء بوعي أو بدونه‪ -‬عن ادليناميات اخلفية اليت ل زالت‬
‫تعمتل يف اجملمتعات العربية‪ ،‬من اس تغالل وتسلط وهمينة وإاعادة اإنتاج الوضاع واحلفاظ‬

‫‪6‬‬
‫عىل نفس املسلكيات اليت تضمن‪ :‬السلطة والرثوة واملعرفة والقمي‪ .‬ولهذا نفهم جيدا ما عرب‬
‫عنه أحد الباحثني العرب (قباجني‪ ،)2011 ،‬عندما قال‪ " :‬لقد بسط مفهوم "النيو‬
‫ليربالية" أجنحته املتعددة عىل جمالت الاقتصاد‪ ،‬ورشوط العمل‪ ،‬والثقافة‪ ،‬والتعلمي‪،1‬‬
‫واحلقوق واحلرايت‪ ،‬واحلمك ورضورة ترش يده‪ .‬وبذكل قبع يف الظل لك ما ل يتفق مع‬
‫اإطار التفكري هذا‪ ،‬وسفه ابلتايل من اس متر يتحدث عن مفهوم الاس تغالل بدل مفردة‬
‫الفساد وحدها‪ ،‬وعن رضورة توزيع ادلخل وبسط امحلاية الاجامتعية‪ ،‬مقابل تأكيد الاجناز‬
‫والاس تجابة لرشوط السوق‪ ،‬وعن الرأساملية الريعية اإىل جانب العوملة واحلمك الرش يد‪،‬‬
‫وعن الطبقات ورصاعها عندما يمت احلديث عن النخب‪ ،‬وعن تعارض رشط املواطنة مع‬
‫اس مترار هدر احلرايت واحلقوق‪ ."2‬اإذن انطالقا من هذه املقوةل‪ ،‬ميكن أن نتبني أننا –‬
‫وحنن نعد لهذا املوضوع‪ -‬طرحت السؤال التايل‪ :‬ما فائدة التأطري النظري يف سوس يولوجيا‬
‫الرتبية؟ وهل س ميكننا هذا التأطري من اإبداع يشء جديد؟ أم أنه فقط اجرتار لنفس‬
‫املقولت اليت س بق وأن طرهحا كبار املنظرين يف حقل السوس يولوجيا معوما‪ ،‬ويف‬
‫ختصص سوس يولوجيا الرتبية حتديدا؟‬
‫طبعا‪ ،‬لك متتبع ملا يكتب يف ختصص سوس يولوجيا الرتبية‪ ،‬جيد أن أغلب الكتاب‬
‫والباحثني يرجعون اإىل هذه النظرايت‪ ،‬لكن هناك فرق شاسع بني اإعادة تكرار ما تقوهل‬
‫النظرايت‪ ،‬وبني أن تقرأ هذه النظرايت يف ضوء املعطيات الواقعية اليت تعمتل يف احلقل‬

‫‪1‬لفهم جيد لهذا التوجه يف احلقل الرتبوي واملعريف‪ ،‬ميكن الاشارة اإىل ما حصل يف مجموعة من دول اخلليج العريب‪ ،‬من استامثر‬
‫كبري يف بناء وتشييد مؤسسات ومعاهد عليا "ذات امخلس جنوم" بأسامء غربية "اكلرسبون" وغريها‪ ،‬وذكل ظنا من صانع القرار‬
‫الرتبوي هبذه املنطقة‪ ،‬أنه يقدم أجود اخلدمات التعلميية واملعرفية للمجمتع‪ ،‬ابلنقل احلريف للتجارب الغربية‪ ،‬وذكل بعزلها عن‬
‫س ياقها الفكري واجملمتعي وكن هذه اخلدمات سلع تباع وتشرتى‪ ،‬وقد نيس هؤلء أن الرتبية والتعلمي ليس تا سلع بقدر ما يه‬
‫تفكري خالق ومبدع وتنظري وتأسيس علمي ومعريف منبثق من الرتبة اجملمتعية‪ ،‬ولهذا حنتاج اإىل التأطري النظري يف لك بناء‬
‫تربوي أو غريه‪ ،‬ليك نؤسس خللفيات فكرية وليس أداتية عن هذه القضااي‪.‬‬
‫‪2‬جاك قباجني‪( ،‬ملاذا فاجأتنا انتفاضتا تونس ومرص‪ :‬مقاربة سوس يولوجية)‪ ،‬جمةل (اإضافات)‪ ،‬عدد‪،14،‬س نة‪ ،2011 ،‬بريوت‪،‬‬
‫لبنان‪ ،‬ص‪.4 ،‬‬

‫‪7‬‬
‫الرتبوي ويف بقية احلقول الخرى‪ .‬ولهذا فعندما نريد أن نس تدعي هذه الطر النظرية‪،‬‬
‫فاإمنا بغرض اإقامة جتارس بني الفكر والواقع وبني النظرية واملامرسة‪ .‬وعالوة عىل ذكل‪،‬‬
‫هناك خلفية حمكتين وأن أقدم هذه النظرايت‪ ،‬ويه أنه لكام أردان –كباحثني وهممتني‪ -‬فهم‬
‫وحتليل ورشح بعض الظواهر السوس يوتربوية‪ ،‬بدون الرجوع اإىل الطر النظرية‪ ،‬اإل‬
‫وحتولنا اإىل" همندسني اجامتعيني" وهو ما يضيع علينا اإماكنية فهم خمتلف هذه الظواهر يف‬
‫مشوليهتا وتركيبيهتا‪.‬‬
‫ابملوازاة مع ذكل‪ ،‬يتبدى يل أن هناك مغالطة فكرية‪ ،‬يقع فهيا البعض –سواء بوعي أو‬
‫بدونه‪ -‬ويه أننا نعيش زمن "هنايةالنظرايت الكربى "‪ ،‬لكون هذه النظرايت ل تس تطيع‬
‫أن تقدم لنا تفسريات منطقية ومعقوةل عن الواقع‪ ،‬وقد يكون يف هذا الاعرتاض بعضا من‬
‫الوجاهة‪ ،‬خصوصا اإذا ما اس تحرضان النقاش الابس متولويج اذلي دش نه العديد من‬
‫املنظرين السوس يولوجيني حول الفرق بني النظرايت العامة والوس يطة والتعماميت‬
‫الامبرييقية‪ .3‬لكن المر اذلي قد يغيب عن البعض هو أنه عىل الرمغ من أمهية النقاش‬
‫السابق‪ ،‬فاإنه ل يلغي مطلقا اإماكنية معاودة النظر يف ما نظر هل املنظرون وما خلص اإليه‬
‫الباحثون من براديغات ومن مناذج تفسريية‪ ،‬حنن عىل يقني أهنا تساعدان يف الاقرتاب أكرث‬
‫من الظواهر السوس يوتربوية‪.‬‬
‫بعد هذه التوطئة اليت اكن ل بد مهنا‪ ،‬نشري اإىل الفصل الول من هذا القسم‪ ،‬يتضمن‬
‫احلديث عن مفهوم سوس يولوجيا الرتبية‪ ،‬مث عن أمه الاجتاهات النظرية يف هذا‬
‫التخصص‪ ،‬واليت حددانها يف ست اجتاهات كربى‪ .‬بيامن الفصل الثاين‪ ،‬يقربنا من‬
‫اإشاكلية املرشوع اجملمتعي واملدرسة‪ :‬أية عالئق وترابطات؟ حيث ل ختفى عىل أحد أمهية‬

‫‪3‬انظر عىل سبيل املثال‪ ،‬ااين كريب‪،‬النظرية الاجامتعية من ابرنسونز اإىل هابرماس‪ ،‬ترمجة‪ ،‬محمد حسني غلوم‪ ،‬مراجعة‪ ،‬محمد‬
‫عصفور‪ ،‬اجمللس الوطين للثقافة والفنون والآداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬سلسةل عامل املعرفة‪ ،‬العدد‪ ،244 ،‬س نة‪( .1999،‬خصوصا‬
‫الفصل األول)‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫حساس ية هذا املوضوع‪ ،‬لكونه يقدم التصور العام لعالقة املدرسة ابلهداف املعلنة‬
‫واملضمرة لغاايت الرتبية‪ ،‬واليت تتقاطع مع العديد من احلقول‪ ،‬اكحلقل الاقتصادي‬
‫والس ياي والاجامتعي والسوس يوثقايف‪ .‬وحنن نعتقد أن اإدراج هذا الفصل مضن الإطار‬
‫النظري‪ ،‬هل ما يربره من الناحية الإجرائية‪ ،‬عىل اعتبار أن اخللفيات املرجعية لي‬
‫مرشوع جممتعي‪ ،‬يه ابلساس نظرية فكرية‪.‬‬
‫أما الفصل الثالث من هذا القسم‪ ،‬خفصصناه للحديث عن الوظائف الاساس ية اليت تقوم‬
‫هبا مؤسسة املدرسة‪ ،‬ويه الوظيفة التنش ئوية والتثقيفية والتأهيلية وأخريا الوظيفة‬
‫التنويرية والتحريرية‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫الفصل الول‪ :‬من مفهوم سوس يولوجيا الرتبية اإىل الاجتاهات‬
‫النظرية‬
‫أول‪ :‬وقفة مع مفهوم سوس يولوجيا الرتبية‬
‫"خيتص بوضع الاسس العادةل اليت بناء علهيا تنتقى املعرفة‪ ،‬وتنظم وتوزع داخل املدرسة‪،‬‬
‫وكيف ميكن أن تعمل أآليات الرصاع الاجامتعي خارج املدرسة عىل تقويض هذه الاسس‬
‫ما جيعل من املعرفة الرتبوية مسأةل اجامتعية وس ياس ية‪ ،‬وليست مسأةل فنية وموضوعية‬
‫فقط‪.‬‬
‫وقد ركزت النظرية النقدية لعمل الاجامتع الرتبية‪ ،‬عىل دراسة أوضاع الفئات الاجامتعية‬
‫املقهورة‪ ،‬وتعرية أآليات توظيف املعرفة اجامتعيا بوصفها سالحا أيديوجيا هبدف حتقيق‬
‫الس يطرة‪ ،‬وتربير ممارسات السلطة‪ ،‬وترس يخ النظام القامئ وإاعادة اإنتاجه‪ .‬وعالجا لهذا‬
‫اخللل الاجامتعي ذي الاساس املعريف‪ :‬تسعى املدرسة النقدية لعمل الاجامتع اإىل‬
‫اس تحداث أساليب بديةل للفكر‪ ،‬وأشاكل جديدة للفهم‪ ،‬وامناط خمتلفة للسلوك‪ ،‬وأبعاد‬
‫جديدة للمعرفة مغايرة لتكل اليت تساندها نظم الرتبية واملوالية للسلطة احلامكة» نبيل عيل‪،‬‬
‫العقل العريب‪ ،‬ج‪،1،‬ص‪.188،‬‬
‫"يرى هرني جان «‪ALAIN Gras: sociologie de ( »Henri Janne‬‬
‫‪ )l’éducation‬أن الرتبية تشلك ابلرضورة يف نظر السوس يولويج معلية مثاقفة‪.‬‬
‫وتأسيسا عىل ذكل فاإن لك املياكنزيمات الوظيفية لترشيب القمي‪ ،‬وترس يخ السلواكت‪،‬‬
‫ولك الاساليب والطرائق اليت بواسطهتا تسعى البنيات اإىل اإدماج واحتواء الافراد‪ ،‬ولك‬
‫التنظاميت اليت تعمل بواسطهتا أنظمة احلمك‪-‬بشلك علين أو مضمر‪ -‬عىل إارشاط هؤلء‬
‫الافراد عىل احرتام الرتاتبات الاجامتعية‪ ،‬لك ذكل يتضمن ظواهر تعكس فعل التكوين‬
‫والرتبية‪ .‬وهذه الظواهر غذا تتعدى الانشطة املعلنة للمدرسة ابملعىن الوسع انتشارا»‬
‫«دراسة املؤسسات والرتابطات الاجامتعية يف عالقهتا ابلرتبية» املدرسة واجملمتع‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫« اإن سوس يولوجيا الرتبية يه ذكل الفرع السوس يولويج التخصيص اذلي يتخذ مكوضوع‬
‫للمقاربة وادلراسة مجمل الظواهر‪ ،‬والفعال‪ ،‬واملامرسات‪ ،‬والعالقات‪ ،‬واملؤسسات الرتبوية‬
‫ابعتبارها ممأسسة اجامتعيا‪ ،‬أي يدرسها ابإحالهتا اإىل مرجعياهتا الاجامتعية‪ ،‬لريصد عالقاهتا‬
‫ابلبناء اللكي للمجمتع‪ ،‬وبلك بنياته ومؤسساته الفرعية‪ :‬الارسة‪ ،‬والفئات‪ ،‬والرشاحئ‪،‬‬
‫والطبقات الاجامتعية‪ . ...‬ومن مث لريبطها بعالقات توزيع السلطة والنفوذ الاجامتعي‪،‬‬
‫وبتوزيع الفوائد واملواقع الاقتصادية‪ ،‬وأيضا بتوزيع القمي والرموز والدوار الثقافية داخل‬
‫اجملمتع كلك» حمسن‪ ،‬املساةل الرتبوية‪ ،‬ص‪.139-134 ،‬‬
‫"ل جمال خلندقة ختصص اكلسوس يولوجيا داخل تعريف واحد ووحيد‪ ،‬عىل اعتبار أنه‬
‫ختصص تتجدد تعريفاته بصفة مس تدميه‪ ،‬من خالل رصد مواضيع جديدة‪ ،‬ودراسة‬
‫سريورات ظلت اإىل عهد قريب حمط اإغفال أو اإهامل‪ ،‬وكذكل من خالل اخللخة ادلامئة‬
‫للحدود مع ختصصات جماورة كعمل النفس وعمل النفس الاجامتعي والاقتصاد‬
‫والانرثوبولوجيا‪ . ...‬ابملقابل اإذا اكن احلقل املمكن للسوس يولوجيا يمتزي ابنفتاحه الكبري‪،‬‬
‫فاإن نظرة الباحث السوس يولويج اإىل الواقع الاجامتعي ل تندرج يف خانة النوعية‪ ،‬اإذ‬
‫يتعلق المر بنظرة تتوىخ املوضوعية‪ ،‬من حيث كون الباحث يعمل عىل تاليف اإصدار‬
‫أحاكم قمية‪ ،‬ويسعى اإىل اس تجالء الآليات اليت تنتج الظواهر الاجامتعية‪ ،‬ومن مث فاإن‬
‫المر ل يتعلق بصياغة أحاكم‪ ،‬وإامنا بوصف حقائق ووقائع اجامتعية‪ ،‬وابلسعي اإىل‬
‫اس تكناه تشالكهتا» غريب‪ ،‬ص‪،‬سوس يولوجيا الرتبية‪.6 ،‬‬
‫من الصفحة ‪ 665‬اإىل ‪ 674‬يف كتاب ‪ :‬النظرية املعارصة يف عمل الاجامتع‪ :‬متدد أآفاق‬
‫النظرية الالكس يكية"‪ ،‬رث والاس‪ ،‬ألسون وولف‪ ،‬ترمجة‪ ،‬محمد عبد الكرمي احلوراين‪،‬‬
‫دار جمدلوي للنرش‪ ،‬عامن‪ ،‬الردن‪.2011 ،‬‬
‫أول‪ :‬سوس يولوجيا الرتبية من التعريف اإىل الاجتاهات‬
‫‪ -1‬سوس يولوجيا الرتبية يف حماوةل للتعريف‬

‫‪11‬‬
‫مل يفتأ النقاش حول ختصص سوس يولوجيا الرتبية‪ ،‬يتوقف بني العديد من الباحثني‬
‫واملهمتني ابحلقل السوس يولويج معوما‪ ،‬فأول صعوبة اإمثولوجيةوس امينطيقية طرحت مع‬
‫املفهوم‪ ،‬حيث برزت اختالفات كبرية بني اللغات الوطنية يف أوراب‪ ،‬بني احلرف الالتيين‬
‫"‪ "educere‬وبني احلرف الاجنلزيي والفرنيس والملاين " ‪Die Soziologie Der‬‬
‫‪ ."Erziehung4‬وهذا ما يعكس يف العمق الصعوابت الابستميولوجية اليت واهجت‬
‫ميالد هذا التخصص‪ .‬وميكن اعتبار اجملهود العلمي اذلي بذهل "دوراكمي"‪ ،‬مؤسسا يف اجتاه‬
‫تبلور ختصص "سوس يولوجيا الرتبية"‪ .‬لكن هذا ل يعين أن الآابء املؤسسني‬
‫للسوس يولوجيا‪( ،‬اكرل ماركس‪ ،‬ماكس فيرب‪ )...‬مل هيمتوا ابملوضوع اإطالقا‪ .‬فقد ذكر‬
‫الباحث‪( ،‬الرشقاوي‪)1986 ،‬أن اكرل ماركس‪ ،‬وهو يكتب كتابه الشهري "الرأسامل"‪ ،‬مل‬
‫يفته أن ينتقد تداعيات النظام املدري اذلي يعمل عىل اإنتاح وإاعادة اإنتاج أوضاع‬
‫الالمساواة والامتيز الطبقي‪ ،‬واذلي يفيض اإىل اإنشاء عالقات جممتعية غري متاكفئة بني أبناء‬
‫الطبقات العاملية والطبقات املالكة لوسائل الانتاج‪ .‬وقد اس تعمل مفهوم "كوات‪.Gotha ،‬‬
‫لدللةل عىل معلية الاصطفاء اليت يقوم هبا النظام الرأساميل‪."5‬‬
‫وابملثل فاإن "ماكس فيرب"‪ ،‬اكن قد انتبه اإىل أمهية الرتبية وأبعادها اجملمتعية‪ ،‬يف بناء نظام‬
‫من العالقات الرتاتبية‪ ،‬وهذا ما يظهر يف كتبه "الاقتصاد واجملمتع" و "سوس يولوجيا‬
‫الداين"‪ .‬خصوصا يف اإبراز الامتثل القامئ يف الامنذج املثالية بني النظام الس ياي و النسق‬
‫الرتبوي‪ .‬ولهذا فقد بني أن هناك ثالثة مناذج مثالية تصلح لفهم ش بكة العالقات‬
‫الاجامتعية يف املدرسة‪ ،‬ويه الاكريزما‪ ،‬والمس الزيل‪ ،‬والعقلنة‪.6‬‬

‫‪4‬‬
‫‪Cherkaoui, op, cit, p, 3.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Ibid., p p, 5-6.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Ibid, p, 6, avec une légère modification.‬‬

‫‪12‬‬
‫بيد أن ما يثري الانتباه ف يف مسارات ختلق هذا التخصص‪ ،‬هو أنه مرورا هبذه احلقبة‪،‬‬
‫ويف الفرتة املمتدة من بداية القرن العرشين اإىل حدود احلرب العاملية الثانية‪ ،‬ل نعرث عىل‬
‫دراسات امبرييقية او نظرية يف موضوع سوس يولوجيا الرتبية‪ ،‬اللهم اإذا اس تثنينا‪ ،‬دراسات‬
‫لك من دوراكمي‪ ،‬وسوروكني وبول ليب "‪ Paul Lapie‬و(‪ )Veblen‬والباحث (‬
‫‪ ،)Waller‬خصوصا تكل اليت اهمتت ابحلراك الاجامتعي‪ .‬و لهذا يؤكد (الرشقاوي) أنه‬
‫جيب أن ننتظر هناية احلرب العاملية الثانية‪ ،‬ليك تربز من جديد العديد من ادلراسات‬
‫والحباث مراكز البحث يف أوراب وأمرياك‪ ،‬لعل من بيهنا تأسيس كري للبحث يف‬
‫سوس يولوجيا الرتبية‪ ،‬واذلي أرشف عليه الباحث "اكرل ماهنامي" س نة ‪ ،1945‬بلندن‪."7‬‬
‫طبعا بعد هذه املرحةل العصيبة يف اترخي هذا التخصص‪ ،‬ستشهد مرحةل ما بعد احلرب‬
‫العاملية الثانية‪ ،‬وفرة يف ادلراسات والاحباث عىل املس توى النظري والامبرييقي‪ ،‬واليت‬
‫تس تحق التوقف عندها من أجل الاس تفادة مهنا‪ ،‬وهذا ما س نحاول أن نقدمه يف هذا‬
‫الاجتاه‪ .‬اإل أنه جيمل بنا قبل الانتقال اإىل رصد تكل الاجتاهات الكربى يف هذا‬
‫التخصص‪ ،‬أن نتوقف عند بعض التعاريف اليت بلورها العديد من الباحثني لتوصيف‬
‫طبيعة هذا التخصص‪ ،‬هذا مع التأكيد عىل الصعوابت املهنجية اليت تنتصب أمام هذه‬
‫العملية‪.‬‬
‫مفن خالل الاش تغال عىل أمه ادلراسات اليت كتبت يف املوضوع‪ ،‬نعرث عىل هذا‬
‫التعريف اذلي وضعه الباحث "الرشقاوي" ‪ ،‬حيث يؤكد "أن سوس يولوجيا الرتبية هتم‬
‫ابلظواهر الاجامتعية يف عالقة ذكل ب مكؤسسة تربوية‪ ،‬وبقية املؤسسات الاجامتعية‬
‫الخرى‪ ،‬اكلرسة‪ ،‬والس ياس ية والاقتصاد‪ .‬هذا عالوة عىل كون هذا التخصص هيمت‪،‬‬
‫بدراسة الانساق الرتبوية الخرى‪ ،‬اكلتالميذ واملدرسني والادارة وما اإىل ذكل‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫‪Ibidem.‬‬

‫‪13‬‬
‫والتوهجات الس ياس ية والنقابية‪ .‬ومعلية نقل املعرفة والقمي‪ ،‬والامنذج البيداغوجية ونظام‬
‫التقومي‪ .‬وأيضا تراتبية املعارف (أديب‪ ،‬علمي)‪ ،‬و املعايري الظاهرة واخلفية يف معلية‬
‫الاصطفاء‪ ،‬ومرتتباهتا عىل البناء اجملمتعي العام‪ ."8‬وخيلص الباحث الرشقاوي‪ ،‬اإىل القول‬
‫بأن سوس يولوجيا الرتبية كتخصص سوس يولويج‪ ،‬جد واسع ول ميكن الاحاطة بلك ما‬
‫هيمت به من قضااي وظواهر وموضوعات وتاميت وما اإىل ذكل‪ ،‬لكن ميكننا مهنجيا احلديث‬
‫عن ثالث مس توايت ويه‪:‬‬
‫‪-1‬معلية نقل املعايري والاعراف والقمي واملعارف عرب املؤسسة التعلميية‪،9‬‬
‫‪-2‬الامنذج البيداغوجية املطبقة يف املنظومات الرتبوية‪،‬‬
‫‪-3‬أنظمة التقومي اليت تنهتجها هذه املنظومات الرتبوية‪.10‬‬
‫ابلرمغ من اإقراران املس بق‪ ،‬بأن مقاربة "الرشقاوي" لتعريف سوس يولوجيا الرتبية‪ ،‬تبقى‬
‫ذات أمهية قصوى‪ ،‬لكن املس تجدات اليت طالت هذا احلقل وغريه من احلقول‪ ،‬جتعلنا‬
‫نقف عىل مسافة نقدية لهذا التعريف‪ ،‬معتربين أنه يدخل يف تكل التعريفات الالكس يكية‬
‫اليت اكنت تقرص الظواهر الرتبوية يف ما هو داخل النسق الرتبوي‪ ،‬دومنا القدرة عىل‬
‫الانفتاح عىل مجمل الامتدادات اليت تكتنف هذا احلقل‪ ،‬وعليه‪ ،‬فاإن الاشارة اإىل‬
‫التعريف اذلي وضعه الباحث(‪ ،)2011 ،Hallinan‬يبني صدقية ما ندعيه‪ .‬اإذ يشري‬
‫هذا الخري اإىل أن "احلدود يف سوس يولوجيا الرتبية تدعو اإىل اسرتاتيجية جديدة جريئة‬
‫لإجراء البحوث يف عمل الاجامتع‪ ،‬للتأكد من أن للحقل اإسهاما ت ابرزة دلراسة املدارس‪،‬‬
‫اليت عىل الباحثني بدء املشاريع فهيا ‪،‬واليت تأخذ يف الاعتبار العوامل الاجامتعية‬
‫‪8‬‬
‫‪Cherkaoui, op, cit, p p, 3-4.‬‬
‫‪9‬وحنسب أن موضوع أطروحتنا‪ ،‬ينصب أساسا حول هذا املس توى‪ ،‬كشفا عن املضامني املبثوثة يف املقررات ادلراس ية‪ ،‬ومدى‬
‫تضمهنا لقمي املواطنة‪ ،‬وأيضا من هجة اثنية مدى متثلها من طرف املتعلمني‪ ،‬واملدرسني عىل السواء‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫‪Cherkaoui, op, cit, p,4.‬‬

‫‪14‬‬
‫والس ياس ية والاقتصادية‪،‬و ادلينية‪،‬اليت تتألف مهنا برسعة وبشلك جذري املدارس‪.‬‬
‫وهذا ما يدفع اإىل حتفزي علامء الاجامتع لإجراءالبحوث اليت من شأهنا أن تساعد رامسي‬
‫الس ياسات يف املس تقبل القريب‪ .‬لن لك تعريف لسوس يولوجيا الرتبية ل يس تحرض‬
‫التغريات اجملمتعية اللكية وعىل املس توى ادجزيئ اليت حتدث يف الوقت احلارض‪ ،‬يكون‬
‫تعريفا قارصا‪ ،‬وخصوصا وحنن نعاينالثراذلي يتوقع أن حيصل يف املدارس‪ ،‬واذلي جيب‬
‫أنيكومنحسوسافيالس نوااتلقليةلاملقبةل‪.11‬‬
‫ويضيف يف موضع أآخر‪ ،‬أن سوس يولوجيا الرتبية أصبح لها منظورعاملي ابلغ المهية لفهم‬
‫العملية التعلميية‪.‬لن التعلمي هو عىل وشك الس يطرة وحتويل اجملمتع العاملي‪.‬‬
‫لهذاالسبب‪،‬كاميقولعلامءالاجامتعيجبعىل الباحثني يف هذا التخصص‪،‬أن يعملوا عىل متلكفهم‬
‫معيقادلللتلهذاالتحول‪ .‬واذلي يقع يف أرضية الحداث العامليةاحلالية‪ ،‬واليت توحض بشلك‬
‫كبري مدى الرتابط يف اجملمتع املعارص بني الرتبية وبقية الانساق اجملمتعية الخرى‪ .‬إان هذا‬
‫التخصص (أي سوس يولوجيا الرتبية)‪ ،‬يسمح لنا أن نرى‪،‬سواء خصائص البدل‪،‬مثل‬
‫ش باكهتا املهنية والاجامتعية‪،‬و نظام الطبقات‪،‬أو سوق العمل‪،‬وتأثري ذكل عىل فرص‬
‫الطالب للتعمل‪ .‬والوعي ابلآاثر العوملية عىل التعلمي‪ ،‬واليت ينبغي أن تؤدي اإىل صياغة‬
‫أس ئةل جديدة حول دور املدارس يف تعزيز البعاد املعرفية والاجامتعية و السلوكية للتعمل‬
‫عند الطلبة وإاعدادمه للمشاركة يف اجملمتع املدين‪ .‬ولهذا فالوعي العاملي يؤكد أيضا عىل‬
‫المهية املزتايدة للبحث عرب الوطنية (أي دراسات مناطقية)عىل التعلمي‪.12‬‬

‫‪11‬‬
‫‪Maureen T.Hallinan, Frontiers in sociology of education, Springer Dordrecht Heideberg,‬‬
‫‪London, New York,2011, p, 2.‬‬
‫‪12‬‬
‫‪Ibidem.‬‬

‫‪15‬‬
‫ويف هذا الس ياق‪ ،‬نتذكر مقوةل جد معربة لبري بورديو عندما قال‪" :‬أظن اليوم أنه بغري‬
‫الاماكن فهم ما السلطة ول انتقالها يف لك اجملمتعات املتقدمة يف الغرب كام يف الرشق‬
‫الورويب دون الخذ بعني الاعتبار فعل املدرسة‪."13‬‬
‫اإذا عدان اإىل بعض التعاريف اليت بلورها بعض الباحثني العرب‪ ،‬جند أنفس نا أمام مس توين‬
‫من التعريف‪ ،‬فهناك التعريف النقدي اذلي حنته (نبيل عيل‪ ،)2009 ،‬وهناك التعريف‬
‫الالكس ييك واذلي س بق أن أشار اإليه‪ ،‬الباحث‪( ،‬مصطفى حمسن‪ .)2002،‬ففامي خيص‬
‫التعريف الول‪ ،‬نقرأ ما ييل‪ " :‬اإن سوس يولوجيا الرتبية ختتص بوضع الاسس العادةل اليت‬
‫بناء علهيا تنتقى املعرفة‪ ،‬وتنظم وتوزع داخل املدرسة‪ ،‬وكيف ميكن أن تعمل أآليات‬
‫الرصاع الاجامتعي خارج املدرسة عىل تقويض هذه الاسس ما جيعل من املعرفة الرتبوية‬
‫مسأةل اجامتعية وس ياس ية‪ ،‬وليست مسأةل فنية وموضوعية فقط"‪ .‬ويضيف يف معرض‬
‫أآخر‪ ،‬أانلنظرية النقدية لعمل الاجامتع الرتبية‪ ،‬ركزت عىل دراسة أوضاع الفئات الاجامتعية‬
‫املقهورة‪ ،‬وتعرية أآليات توظيف املعرفة اجامتعيا بوصفها سالحا أيديوجيا هبدف حتقيق‬
‫الس يطرة‪ ،‬وتربير ممارسات السلطة‪ ،‬وترس يخ النظام القامئ وإاعادة اإنتاجه‪ .‬وعالجا لهذا‬
‫اخللل الاجامتعي ذي الاساس املعريف‪ :‬تسعى املدرسة النقدية لعمل الاجامتع اإىل‬
‫اس تحداث أساليب بديةل للفكر‪ ،‬وأشاكل جديدة للفهم‪ ،‬وامناط خمتلفة للسلوك‪ ،‬وأبعاد‬
‫جديدة للمعرفة مغايرة لتكل اليت تساندها نظم الرتبية واملوالية للسلطة احلامكة‪.14‬‬
‫ل شك أن هذا التعريف‪ ،‬اذلي عرب عنه الباحث العريب اخملتص يف تكنولوجيا املعلومات‪،‬‬
‫ينسجم مع التوهجات ادجديدة اليت عرفها حقل السوس يولوجيا معوما‪ ،‬وسوس يولوجيا‬
‫‪13‬عبد السالم فراعي‪ ،‬حنو سوس يولوجيا نقدية للرتبية والتمنية‪ ،‬مقارابت‪(،‬جمةل العلوم الانسانية)‪ ،‬العدد العارش‪ ،‬اجملدل اخلامس‪،‬‬
‫‪ ،2012‬فاس‪ ،‬ص‪59،‬‬
‫جم‬
‫‪14‬نبيل عيل‪ ،‬العقل العريب و متع املعرفة‪ :‬مظاهر الزمة واقرتاحات ابحللول‪ ،‬ج‪ ،1،‬سلسةل عامل املعرفة‪ ،‬منشورات اجمللس‬
‫الوطين للثقافة والفنون والآداب‪ ،‬عدد‪ ،37 ،‬دجنرب‪ ،2009 ،‬ص‪188،‬‬

‫‪16‬‬
‫الرتبية بشلك خاص‪ .‬وهذا املنحى‪ ،‬كام يؤكد الباحث (فراعي‪ ،)2012،‬هو" نتيجة للرتامك‬
‫املعريف احلاصل يف امليدان السوس يولويج الرتبوي‪ ،‬وهو اذلي أمىل ابلرضورة تناول‬
‫املؤسسة التعلميية ابعتبارها‪ :‬أداة أساس ية للتمنية السوس يواقتصادية‪ ،‬بل أكرث من ذكل‪،‬‬
‫فهيي تشلك أداة للتحولت الاجامتعية والثقافية الرضورية للتمنية‪."15‬‬
‫فامي خيص التعريف الثاين‪ ،‬اذلي ميكن التوقف عنده يف هذا الس ياق‪ ،‬واذلي أطلقنا عليه‬
‫وصف "الكس ييك"‪ ،‬فهو للباحث "حمسن" واذلي يعرف ختصص سوس يولوجيا الرتبية‬
‫كام ييل‪" :‬يه ذكل الفرع السوس يولويج التخصيص اذلي يتخذ مكوضوع للمقاربة وادلراسة‬
‫مجمل الظواهر‪ ،‬والفعال‪ ،‬واملامرسات‪ ،‬والعالقات‪ ،‬واملؤسسات الرتبوية ابعتبارها ممأسسة‬
‫اجامتعيا‪ ،‬أي يدرسها ابإحالهتا اإىل مرجعياهتا الاجامتعية‪ ،‬لريصد عالقاهتا ابلبناء اللكي‬
‫للمجمتع‪ ،‬وبلك بنياته ومؤسساته الفرعية‪ :‬الارسة‪ ،‬والفئات‪ ،‬والرشاحئ‪ ،‬والطبقات‬
‫الاجامتعية‪ . ...‬ومن مث لريبطها بعالقات توزيع السلطة والنفوذ الاجامتعي‪ ،‬وبتوزيع الفوائد‬
‫واملواقع الاقتصادية‪ ،‬وأيضا بتوزيع القمي والرموز والدوار الثقافية داخل اجملمتع كلك»‪.»16‬‬
‫وإاذا كنا نقدر أن هذه التعاريف –وغريها مما مل يتسع اجملال لس تحضاره يف هذا الس ياق‪-‬‬
‫فاإننا نعتقد أن لك منحى حنو الوصول اإىل تعريف انجز ومكمتل لهذا التخصص‪ ،‬فهو معل‬
‫يبدو يف غاية الصعوبة واخلطورة‪ ،‬لن العمل يتطور من خالل املفاهمي‪ ،‬واملفهوم اذلي‬
‫نعطيه دلةل اليوم‪ ،‬قد يتغري يف الغد‪ .‬وابلتايل‪ ،‬فاإذا اكن من خالصة ميكن الوقوف‬
‫عندها‪ ،‬هو أن هذه التعاريف ل تعدو أن تكون مساعدة لنا يف حتديد تعريف اإجرايئ‬
‫ميكننا من متكل انصية موضوع أطروحتنا‪ .‬ولهذه الاعتبارات وغريها‪ ،‬فنحن نتفق مع ما‬
‫عرب عنه الباحث (غريب‪ ،)2009 ،‬عندما اعترب أنه "ل جمال خلندقة ختصص‬
‫‪15‬‬
‫فراعي‪ ،‬م‪ ،‬س‪ ،‬ذ‪ ،‬ص‪.68 ،‬‬
‫‪16‬مصطفى حمسن‪ ،‬يف املسأةل الرتبوية‪ :‬حنو منظور سوس يولويج منفتح" املركز الثقايف العريب‪ ،‬ادلار البيضاء‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،‬الثانية‪،‬‬
‫‪ ،2002‬ص ص‪.135-134 ،‬‬

‫‪17‬‬
‫اكلسوس يولوجيا‪ 17‬داخل تعريف واحد ووحيد‪ ،‬عىل اعتبار أنه ختصص تتجدد تعريفاته‬
‫بصفة مس تدميه‪ ،‬من خالل رصد مواضيع جديدة‪ ،‬ودراسة سريورات ظلت اإىل عهد‬
‫قريب حمط اإغفال أو اإهامل‪ ،‬وكذكل من خالل اخللخة ادلامئة للحدود مع ختصصات‬
‫جماورة كعمل النفس وعمل النفس الاجامتعي والاقتصاد والانرثوبولوجيا‪ . ...‬ابملقابل اإذا اكن‬
‫احلقل املمكن للسوس يولوجيا يمتزي ابنفتاحه الكبري‪ ،‬فاإن نظرة الباحث السوس يولويج اإىل‬
‫الواقع الاجامتعي ل تندرج يف خانة النوعية‪ ،‬اإذ يتعلق المر بنظرة تتوىخ املوضوعية‪ ،‬من‬
‫حيث كون الباحث يعمل عىل تاليف اإصدار أحاكم قمية‪ ،‬ويسعى اإىل اس تجالء الآليات‬
‫اليت تنتج الظواهر الاجامتعية‪ ،‬ومن مث فاإن المر ل يتعلق بصياغة أحاكم‪ ،‬وإامنا بوصف‬
‫حقائق ووقائع اجامتعية‪ ،‬وابلسعي اإىل اس تكناه تشالكهتا‪.»18‬‬
‫‪ -2‬الامنذج التفسريية يف سوس يولوجيا الرتبية‪ :‬حنو طرح اإجرايئ نقدي‬

‫ميكن اإجامل احلديث عن مخس مناذج تفسريية يف سوس يولوجيا الرتبية‪ ،19‬ويه المنوذج‬
‫الانسانوي ادلوراكميي‪ ،‬والمنوذج الرصاعي املاركيس والنيوماركيس‪ ،‬مث المنوذج الوظيفي‬
‫البنيوي‪ ،‬والمنوذج الفيمنومينولويج‪ ،‬وأخري المنوذج ادجديد يف سوس يولوجيا الرتبية‪.‬‬
‫ولالشارة فاإننا سنسعى لتقدمي أمه الفاكر اليت طرحهتا هذه الامنذج‪ ،‬مبا يس تقمي مع موضوع‬
‫أطروحتنا‪ ،‬وحىت تشلك لنا رؤية نظرية وتفسريية‪ ،‬نس تطيع من خاللها دراسة املوضوع‬
‫بشلك مهنجي‪.‬‬

‫‪17‬نعتقد أن الباحث يقرص حديثه عىل"سوس يولوجيا الرتبية" وليس عىل السوس يولوجيا معوما‪ ،‬نظرا لن الكتاب يتناول‬
‫"سوس يولوجيا املدرسة" كتخصص فرعي من ختصصات سوس يولوجيا الرتبية‪.‬‬
‫‪18‬عبد الكرمي غريب‪ ،‬سوس يولوجيا املدرسة‪ ،‬منشورات‪ ،‬عامل الرتبية‪ ،‬ادلار البيضاء‪ ،2009 ،‬املغرب‪ ،‬ص‪.6 ،‬‬
‫‪19‬وجبت الاشارة اإىل أنه ل ميكن الاقتصار عىل هذه الامنذج يف ختصص سوس يولوجيا الرتبية‪ ،‬بل توجد مناذج تفسريية كثرية‬
‫ومتعددة‪ ،‬كنظرية الرأسامل البرشي أو نظرية التحديث‪ ،‬واللتان انبثقتا عن النظرية الوظيفية‪ -‬البنيوية‪ ،‬اإل أنه لعتبارات تقنية‬
‫خاصة هبذا الفصل‪ ،‬وحىت ل نقع يف توسعة قد تكون غري مطلوبة‪ ،‬فاإننا س نقترص عىل الامنذج امخلس املذكورة‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫أول‪ :‬المنوذج الاصاليح الانسانوي لميل دوراكمي‬
‫هناك ش به اجامع من طرف الباحثني السوس يولوجيني‪ ،‬أن أول من دشن احلديث عن‬
‫سوس يولوجيا الرتبية‪ ،‬هو "اإميل دوراكمي"‪ ،‬يف بداية القرن العرشين‪،)1903-1902( ،‬‬
‫وإان اكن بطريقة غري واعية‪،‬اإذ املطلع عىل كتبه املؤلفة يف هذا الصدد‪ ،20‬يتنب أهنا اكنت يف‬
‫العمق دراسات سوس يولوجية حول قضااي الرتبية يف عالقهتا ابجملمتع وابملرشوع اجملمتعي‬
‫اذلي اكن ينادي به‪ ،‬هذا مع العمل أن هذه ادلراسات اعتربها البعض يف ختصص‬
‫البيداغوجيا‪ ،‬لهنا اكنت عبارة عن حمارضات موهجة للطالب ادجامعيني يف فرنسا يف هذه‬
‫املرحةل‪.‬‬
‫لعل من أمه املؤلفات اليت عرب فهيا "دوراكمي" عن تصوره للرتبية من وهجة نظر‬
‫سوس يولوجية‪ ،‬جند كتاب " الرتبية والسوس يولوجيا‪ ."21‬ويعد هذا املؤلف ثورة يف جمال‬
‫ادلراسات السوس يولوجية يف موضوع الرتبية‪ ،‬اإذ أنه قبل هذا املؤلف‪ ،‬اكن التعاطي مع‬
‫املسأةل الرتبوية‪ ،‬يمت مبقارابت فلسفية وأخالقية و"وعظية"‪ ،‬بيامن "دوراكمي"‪ ،‬اعترب أن أمه‬
‫مسأةل وجب احلسم فهيا‪ ،‬ويه أن الرتبية معلية ميارسها الكبار عىل الصغار هبدف‬
‫الادماج يف احلياة اجملمتعية‪ ،‬وهذه الرتبية هتدف اإىل تمنية مجموعة من املواصفات يف الطفل‪،‬‬
‫ثقافية وأخالقية وجسدية اليت يتطلهبا اجملمتع الس ياي والبيئة اخلاصة اليت ينمتي اإلهيا‪.22‬‬
‫ونظرا لمهية هذا التعريف‪ ،‬فاإن الباحث "الرشقاوي"‪ ،‬س يعترب من هجته‪ ،‬أن بروز مفهوم‬
‫"التنش ئة" مل يتبلور اإل مع "دوراكمي"‪ ،‬ويف طيات هذا املفهوم‪ ،‬ميكننا أن نس توعب جيدا‬
‫التحولت اليت عرفهتا اجملمتعات املعارصة‪ ،‬حيث حلت مؤسسة املدرسة‪ ،‬مكؤسسة‬
‫حديثة‪ ،‬بدأت تقوم بأدوار جد طالئعية‪ ،‬ومهنا نقل الثقافة والقمي اجملمتعية‪ ،‬يف ظل تراجع‬
‫أو أوفول مؤسسات قدمية‪ ،‬اكلرسة والكنيسة (ادلين)‪ .23‬ما يتضح من هذا الس ياق‬
‫التحلييل‪ ،‬هو أن "دوراكمي" اس تطاع أن خيلص مفهوم الرتبية‪ ،‬من محولته الفلسفية‬

‫‪20‬‬
‫‪Voir les notes de bas pages n°, 1-2-3.‬‬
‫‪21‬‬
‫‪Emile Durkheim, Education et sociologie, op, cit.‬‬
‫‪22‬‬
‫‪Ibid. p,9.‬‬
‫‪23‬‬
‫‪Charkaoui, op, cit, p, 39.‬‬

‫‪19‬‬
‫والاخالقية والتأملية‪ ،‬اإىل معاين سوس يولوجية قابةل للقياس واملالحظة‪ .‬ولهذا اعترب‬
‫"فراعي"‪ ،‬أن" التعريف ادلوراكميي للرتبية‪ ،‬ظل الإطار املرجعي امللهم واملوجه ملعظم‬
‫الكتاابت السوس يولوجية الرتبوية‪ ،‬جبانب مرجعيات نظرية أخرى مثل املاركس ية اليت تنظر‬
‫اإىل الرتبية كعملية تفتح وتطور شامل للفرد غايهتا حتقيق الانسان الاجامتعي اللكي يف ظل‬
‫نظام جممتعي تندمج املدينة ابلبادية والتعلمي ابلنتاج والعمل اليدوي ابلعمل الفكري‪."24‬‬
‫وعند التأمل جيدا يف مفهوم التنش ئة الاجامتعية اذلي وظفه دوراكمي‪ ،‬جنده يعين –‬
‫حسب الرشقاوي‪ -‬حتويل ونقل الفرد من اكئن ل إاجامتعي (‪ )asocial‬اإىل اكئن اجامتعي‪،‬‬
‫محمل مبجموعة من القمي الاخالقية وأنساق الفكر واملعتقدات والعراف والقمي املهنية‬
‫والطبقية‪ ،‬واليت ميكن اعتبار أن جزء مهنا‪ ،‬يصطحبه الفرد يف حياته لكها‪ ،‬والبعض الآخر‬
‫يطاهل التغيري والتحويل والتبديل‪."25‬‬
‫مل يكن هذا التوقف عند املفهوم ادجديد اذلي بلوره "دوراكمي" ليحجب عنا ما حنن‬
‫بصدده يف هذه الفقرات‪ ،‬وهو اإبراز المنوذج الانسانوي الاصاليح عند "دوراكمي"‪ ،‬يف‬
‫جمال "سوس يولوجيا الرتبية"‪ .‬وربط ذكل مبوضوع أطروحتنا‪ .‬اإذ أننا نعتقد‪ ،‬أن الاقرتاب‬
‫من هذا التصور‪ ،‬يساعدان –بدون شك‪ -‬يف فهم بعض احلقائق واملعطيات اليت تعمل ول‬
‫زالت تعمتل يف احلقل الرتبوي العاملي‪ ،‬واملغريب بصفة خاصة‪ .‬فكيف ميكن توضيح ذكل؟‬
‫جيمل بنا قبل ادلخول يف املوضوع‪ ،‬أن نزيل لبسا قد يعرتض القارئ لهذه الطروحة‪،‬‬
‫وهو أنه جرى يف العادة‪ ،‬يف الكتاابت السوس يولوجية‪ ،‬أهنا عندما تريد أن تتحدث عن‬
‫مسامهة "دوراكمي" يف سوس يولوجيا الرتبية‪ ،‬أن تقحمه يف مصفوفة التوجه الوظيفي‪-‬‬
‫البنيوي‪ ،‬عىل اعتبار أنه من مؤسيس التيار الوظيفي‪ .26‬لكن ابلرمغ من وجاهة هذا‬
‫الطرح‪ ،‬لكنه ل خيلو من جمازفات ابستميولوجية‪ ،‬اإذ الواحض أن مقاربة دوراكمي" بغض‬
‫النظر عن كوهنا متتح من الطر النظرية للوظيفية‪ ،‬فاإهنا اختذت لنفسها مسارا اإصالحيا و‬
‫أكرث مشوليا ويتجاوز حدود الزمان واملاكن‪ ،‬وهذا ما نعنيه ابلجتاه الانسانوي املثايل عند‬
‫‪24‬‬
‫فراعي‪ ،‬م‪ ،‬س‪ ،‬ذ‪ ،‬ص‪.67 ،‬‬
‫‪25‬‬
‫‪Cherkaoui, op, cit, p,39.‬‬
‫‪26‬انظر عيل سبيل املثال ل احلرص‪ ،‬محدي عىل أمحد‪" ،‬عمل اجامتع الرتبية"‪ ،‬دار املعرفة ادجامعية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مرص‪ ،1997 ،‬حيث‬
‫أحقم هذا الباحث‪ ،‬مقاربة دوراكمي مضن الاجتاه الوظيفي‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫دوراكمي‪ .‬وهذا ل يعين أن دوراكمي مل يبق وفيا للطر النظرية للوظيفية‪ ،‬بدليل أنه عندما‬
‫يتحدث عن الرتبية وعالقهتا ابجملمتع‪ ،‬يعتقد أن عىل ادلوةل أن تتدخل بقوة يف مسار اإرساء‬
‫منوذج تربوي مركزي‪ ،‬وأنه يف غياب هذا ادلور ادلوليت‪ ،‬فاإننا ل نتحدث عن جممتع وعن‬
‫انسجام بني مكوانته‪ .‬وهذا لعمري من أمه ما ميزي الوظيفية اكإطار نظري لهنا دامئا تسعى‬
‫لتفسري الظواهر الاجامتعية‪ ،‬انطالقا من البنية النسقية ومن الوظائف اليت يقوم هبا‬
‫خمتلف الفاعلني للحفاظ عىل التوازن والاس تقرار‪.‬‬
‫ولبراز هذا التوجه‪ ،‬فاإن "دوراكمي" يرى "أن للنظام الرتبوي وظيفة عامة يف جتانس‬
‫اجملمتع‪ .‬حيث يشري اإىل أن اجملمتع يس تطيع البقاء فقط اإذا وجد بني أعضائه درجة من‬
‫التجانس‪ ،‬والنظام الرتبوي يف اجملمتع يدمع هذا التجانس‪ ،‬وذكل بغرسه يف الطفل منذ‬
‫البداية تكل الامتثالت اليت حتتاهجا احلياة امجلعية‪ ،‬وانه بدون هذه الامتثالت ادجوهرية يصبح‬
‫من املس تحيل وجود التعاون والتضامن الاجامتعي يف اجملمتع‪ ،‬بل يس تحيل معها قيام احلياة‬
‫الاجامتعية"‪ .‬ولهذا ركز عىل أمه الوظائف اليت تقوم هبا املدرسة احلديثة‪ ،‬ويه‪:‬‬
‫‪-‬مفهوم «التضامن الاجامتعي»‪،‬‬
‫‪-‬الانامتء «‪،»l’appartenance‬‬
‫‪-‬التجانس بني أفراد اجملمتع‪،‬‬
‫‪-‬الرتبية العقالنية والعلامنية (أي اليت تقطع مع لك تفكري ديين ول هويت‪)27‬‬
‫ولهذا جنده يتحدث عن وظيفة املدرسة يف اجملمتعات املعارصة‪ :‬بكوهنا أداة للفرز بني ما‬
‫هو تقليدي وما هو علامين حدايث‪.‬‬
‫ويؤكد دوراكمي عىل أمهية املدرس يف نقل القمي الاخالقية يف املدرسة‪ ،‬واملدرسون اإمنا‬
‫ميثلون ادلوةل الرمسية‪.‬‬
‫وهكذا تتلخص رؤية دوراكمي يف أن املدارس والنظام التعلميي يعمل عىل غرس القمي‬
‫املشرتكة اليت تعد الاساس الرضوري للتجانس الالزم لبقاء اجملمتع‪ ،‬كذكل املهارات اخلاصة‬
‫اليت تشلك التنوع الرضوري للتعاون الاجامتعي اذلي تتطلبه وحدة اجملمتع املركب‪،‬‬

‫‪27‬‬
‫يمكن االحالة إلى االنتقاد الذي وجهه "طه عبد الرحمان" لهذا التوجه‪ :‬انظر بؤس الدهرانية"‬

‫‪21‬‬
‫ومتاسكه عىل أساس التفاق القميي (‪ )value consensus‬وتقس مي متخصص للعمل يف‬
‫احلياة الاجامتعية"‪.28‬‬
‫ونظرا "خلطورة" الرتبية يف النسق اجملمتعي املعارص‪ ،‬فاإن دوراكمي‪ ،‬شدد عىل أمهية ودور‬
‫املدرس مكمثل لدلوةل وللقمي الخالقية ابجملمتع‪ ،‬وذلكل فدوره يتطلب التأكيد عىل القمي‬
‫واملبادئ الاساس ية يف اجملمتع‪ ،‬ومساعدة التلميذ عىل اكتساهبا‪ ،‬فادلوةل مسؤوةل عن‬
‫حتديد الاساس يات اليت ترى أن املدرسة علهيا أن نؤكدها‪ .‬والاهداف اليت ينبغي‬
‫للمدرسة أن حتققها‪ .‬فادلوةل مسؤوةل عن نتاجئ الرتبية من خالل املتابعة والارشاف‪.‬‬
‫فاملدرسة –كام يتصورها دوراكمي‪ -‬قادرة عىل تشكيل الفرد وإاعداده للحياة الاجامتعية‪،‬‬
‫فالطفل يتعمل يف املدرسة عن طريق الرتبية الاخالقية النظام وضبط اذلات‪ .‬فاملدرسة‬
‫تساعد الطفل عىل اس تدماج قمي ومعتقدات جممتع حبيث تصبح جزء من نسقه القميي‬
‫ونسقه العقدي‪"29‬‬
‫ولالقرتاب أكرث من هذا المنوذج التفسريي يف عالقته ابلرتبية‪ ،‬فاإن الباحث "حمسن"‪،‬‬
‫بني أن دوراكمي‪ ،‬عندما تفطن لالبعاد وادلللت والوظائف الاجامتعية للرتبية‪ ،‬فاإنه ظل‬
‫يبحث يف اإطار تصور اإصاليح اإنسانوي ومثايل عن منوذج تربوي (‪)Prototype‬‬
‫يتجاوز حدود الزمان واملاكن‪ ،‬وحيقق تربية أخالقية صاحلة للك الفراد وللك‬
‫اجملمتعات‪ ."30‬اإذن من خالل هذه املقوةل‪ ،‬ميكننا أن نفهم التوجه الإصاليح اذلي اكن‬
‫يدافع عنه "دوراكمي"‪ ،‬خصوصا وحنن نعمل أن الس ياق اذلي حتمك يف اإنتاج هذا التصور‪،‬‬
‫اكن حمكوما ابلرصاع مع املؤسسة الكنس ية ومع التقاليد ادلينية‪ ،‬يف أحقية من يتوىل التحمك‬
‫يف مصادر اإنتاج وإاعادة اإنتاج القمي اجملمتعية‪ :‬هل الكنيسة أم املدرسة؟ ولعل يف اإجابة‬
‫دواكمي ما يزيك الطرح الالئيك املتوجه حنو التعويل عىل املؤسسة احلديثة يف اجملمتع العلامين‬
‫الفرنيس‪ ،‬ويه املدرسة‪ .‬يف هذا الس ياق‪ ،‬يؤكد "دوراكمي" أن "النظام الرتبوي يكسب‬
‫الفراد املهارات النوعية الرضورية والالزمة للمهنة اليت سوف يقومون هبا يف املس تقبل‪،‬‬
‫وهذه الوظيفة رضورية يف اجملمتع الصناعي اذلي يمتزي بزتايد تقس مي العمل املعقد‪ .‬أما يف‬
‫‪28‬محدي عيل أمحد‪ ،‬م‪ ،‬س‪ ،‬ذ‪ ،‬ص ص‪.126-125 ،‬‬
‫‪29‬‬
‫‪Durkheim, Education et Sociologie, op, cit, p p, 13-14.‬‬
‫‪30‬مصطفى حمسن‪ ،‬يف املسأةل الرتبية‪ ،‬م‪ ،‬س‪ ،‬ذ‪ ،‬ص ص‪.42-41 ،‬‬

‫‪22‬‬
‫اجملمتعات قبل الصناعية اليت ل تمتزي بتقس مي العمل‪ ،‬فاإن مثل هذه املهارات تنقل اإىل‬
‫الفراد عن طريق الوادلين‪ ،‬المر اذلي ل حيتاج اإىل شلك رمسي للتعلمي‪ .‬ففي اجملمتعات‬
‫الصناعية‪ ،‬جند أن الامتسك الاجامتعي يعمتد أساسا عىل تباين العديد من املهارات‬
‫املتخصصة‪." 31‬‬
‫لعل ما يس توقفك وأنت تطالع أفاكر وتصورات "دوراكمي" حول الرتبية‪ ،‬هو أنه سعى اإىل‬
‫بلورة تصور علامين "لئيك" مفصول عن لك توجه ديين او ل هويت كيفام اكن‪ ،‬وذكل‬
‫لقامة جممتع حدايث عقالين ومتنور‪ ،‬تقدم هل املؤسسة التعلمية‪- ،‬ابعتبارها أمه املؤسسات‬
‫يف اجملمتعات املعارصة‪ -‬قامي ومناذج للتفكري والسلوك والاجتاهات‪ ،‬تنسجم مع هذه الرؤية‪.‬‬
‫لكن السؤال اذلي يطرح يف هذا الس ياق‪ :‬اإىل أي حد ميكن اعتبار ما توصل اإليه‬
‫"دوراكمي" صاحلا لالس تلهام يف اجملمتعات املعارصة‪ ،‬ومهنا بطبيعة احلال املغرب؟‬
‫هذا مع التذكري أنه تفصلنا عن كتاابت "دوراكمي" أكرث من قرن من الزمن‪ ،‬وهو المر‬
‫اذلي يعين حصول ثورات يف مجموع نسقنا اجملمتعي العام‪ .‬فهل ما زالت حتتفظ املدرسة‬
‫بلك تكل الرساميل الرمزية واملعرفية والقميية‪ ،‬لرتس يخها يف نفوس وعقول ووجدان‬
‫التالميذ؟ أمل نعاين ميالد مؤسسات جديدة زامحت بشلك ملفت للنظر دور املدرسة‪،‬‬
‫بل أزاحت جل أدوارها‪ ،‬حىت ل نقول لك أدوارها؟ أمل يعد –اليوم‪ -‬الاعالم مكؤسسة‬
‫املؤسسات يف تربية اجملمتع؟ هذه الاس ئةل وغريها‪ ،‬جتعلنا نأخذ مسافة نقدية من تصورات‬
‫"دوراكمي"‪- ،‬هذا عىل الرمغ من تأكيدها عىل حمورية أفاكره يف سوس يولوجيا الرتبية‪.‬‬
‫وإان هذه الانقتادات يه اليت تدفعنا للوقوف أكرث عند بعض املالحظات اليت أبداها‬
‫العديد من الباحثني حول تصورات "دوراكمي" للرتبية‪ ،‬مفثال بورديو‪ ،‬وابرسون‪،‬‬
‫وإازامبريجتاميت (‪ ،)Isambert- Jamati‬و"بريثيلو" ( ‪" ،)Berthelot‬اعتربوا أن بعض‬
‫املفاهمي املس تعمةل يف خطاب سوس يولوجيا الرتبية‪ :‬اكلتنش ئة الاجامتعية والرتبية والتثقيف‬
‫والمتدرس‪ ،‬غري واحضة وفهيا من العموميات اليشء الكثري‪ ." 32‬لكن أمه انتقاد اذلي ميكن‬
‫توجهيه لرؤية دوراكمي للرتبية‪ ،‬هو كونه بىن تصوره للرتبية وكهنا يشء انجز و صا ح للك‬

‫‪31‬‬
‫محدي عيل أمحد‪ ،‬م‪ ،‬س‪ ،‬ذ‪ ،‬ص‪.129 ،‬‬
‫‪ 32‬فراعي‪ ،‬م‪ ،‬س‪ ،‬ذ‪ ،‬ص‪.67 ،‬‬

‫‪23‬‬
‫زمان وماكن‪ ،‬وأن ما يصلح للمجمتع الفرنيس قد يصلح لباقياجملمتعات‪ ،‬واحلاصل أن هناك‬
‫فروقات شاسعة بني هذه اجملمتعات‪ .‬أو من خالل حديثه عن التصور الانسانوي‪ ،‬دومنا‬
‫القدرة عىل اإبراز الاختالفات اليت تكتنف مجمل الظواهر والانساق الرتبوية‪ ،‬وذكل يف‬
‫عالقهتا ابلنظمة الاجامتعية والس ياقات السوس يوثقافيةوالسوس يواقتصادية‪ .‬وأخري‪ ،‬فاإن‬
‫التصور ادلوراكميي‪ ،‬ل يساعدان كثريا يف فهم خمتلف ادليناميات الرصاعية اليت تطبق لك‬
‫احلقول‪ ،‬وعىل رأسها احلقل الرتبوي‪ ،‬ابعتباره حقال رصاعيا ابمتياز‪ ،‬لنه جمال للتحمك يف‬
‫امه مورد‪ ،‬وهو املعرفة‪.‬‬
‫وعىل لك حال‪ ،‬فاإنه ابلرمغ من املالحظات والانتقادات اليت وهجها الباحثون قبلنا‬
‫دلوراكمي‪ ،‬أو اليت ميكننا أن نتقدم هبا‪ ،‬فاإن المنوذج التفسريي النظري اذلي بىن عليه‬
‫"دوراكمي" تصوره للرتبية‪ ،‬يبقى همام وصاحلا لفهم ش بكة الرتابطات والعالئق اليت جتمع بني‬
‫الرتبية واجملمتع‪ ،‬بل أكرث من ذكل‪ ،‬فاإن ما جاء به دوراكمي‪ ،‬و اذلييعترب حبق جتديدا يف‬
‫حينيه‪ ،‬هو حديثه عن الرتبية يف بعدها الشمويل‪ ،‬خصوصا عندماأقام جتارسا بني وظيفة‬
‫املدرسة و اإس ناد املرشوع اجملمتعي اذلي يتوافق حوهل اجملمتع‪ .‬ولعل يف صلب هذه‬
‫الاشاكلية ميكننا أن جنازف ابلقول‪ ،‬اإن أمه ما يعيق تطور بعض النظمة الرتبوية يف‬
‫املنطقة العربية‪ ،‬هو مدى التوافق حول رؤية جممتعية‪ ،‬تكون مبثابة خارطة طريق لجناهحذه‬
‫املنظومات‪ .‬ولهذا فاإذا اكن "دوراكمي" قد اندى برضورة اإقامة جممتع عىل أسس عقالنية‬
‫لئكية‪ ،‬تتخذ من املدرسة مرتكزا لتدعمي قمي احلرية والعقالنية والنقد والتفكري اخلالق‪،‬‬
‫فاإن ذكل ما جيعلنا نتساءل اليوم‪ :‬هل حسمت العديد من ادلول يف اختياراهتا وفلسفهتا‬
‫الرتبوبة ابلشلك اذلي طرحه دوراكمي؟ أم أن العديد من هذه املنظومات ل زالت تتخبط‬
‫بني املراوحة بني القمي التقليدية‪ /‬احملافظة وبني القمي احلداثية التثويرية والتجديدية وهو حال‬
‫أغلب اجملمتعات العربية والاسالمية واملغرب واحد مهنا؟‬
‫اثنيا‪ :‬المنوذج التفسريي الوظيفي البنيوي (ابرسونز منوذجا)‬
‫انطالقا من مقوةل ابشالر "العمل مسرية تصحيح أخطائه"‪ ،‬فاإن بروز النظرية الوظيفية‪-‬‬
‫البنوية‪ ،‬شلك حلظة ابس ميولوجية ذات دللت معيقة‪ .‬فاإذا اكن "دوراكمي" قد دشن‬
‫ميالد الوظيفية‪ ،‬اإل أن الرتس مي الفعيل لهذه النظرية مل ينطلق اإل مع ثةل من الباحثني‬

‫‪24‬‬
‫المريكيني‪ ،‬أمثال‪' :‬ابرنسونز‪ ،‬ومريتون‪ ،‬واذلين أضفوا عىل هذه النظرية طابعا عاما‬
‫وشامال‪ ،‬حبيث ميكن القول اإهنا نظرية تصلح لتفسري العديد من الظواهر والقضااي‪ ،‬وذكل‬
‫ما عرب عنه "لزرسفيدل"‪ ،33‬اكلرسة واحلزب والسوق والامة"‪ .‬وبطبيعة احلال النسق‬
‫الرتبوي‪ ،‬كحد الانساق الاجامتعية اليت تقوم بوظائف عديدة داخل البناء اجملمتعي كلك‪.‬‬
‫وجيب أن ل ننىس وحنن نعرض للنظرية الوظيفية البنائية ودورها يف تعزيز املسار التحويل‬
‫اذلي عرفته اجملمتعات الوربية والمريكية حتديدا‪ ،‬حيث أن "التغيريات يف الاقتصادات‬
‫واجملمتعات املتقدمة النابعة من الثورة الصناعية قد حمتت نقال ملسؤوليات من أجل تعلمي‬
‫الش باب وتأهيلهم‪ ،‬يف اس تقطاب واحض لدلور اذلي اكنت تقوم به املؤسسات التقليدية‪،‬‬
‫اكلرسة والكنيسة‪ .‬اإن املدارس يه الآن مؤسسة كبرية‪ ،‬تعىن بتثقيف الغالبية العظمى من‬
‫الطفال والش باب يف العامل املتقدم‪ .‬واليت تقوم بدور حمرك أساي للتغري يف تطوير ادلول‪.‬‬
‫عىل الرمغ من أن التعلمي جيلب التغيريات يف اجملمتع كلك وكذكل يف الفراد‪،‬وتتأثر أيضا‬
‫املدارس ابدلور اذلي تقوم به خمتلف القوى الاجامتعية‪ .‬ويف هذا الصدد‪ ،‬تأيت النظرايت‬
‫السوس يولوجية لفهم هذه الدوار املركزية اليت تلعهبا املدارس يف اجملمتع املعارص‪ ،‬ولعل من‬
‫بني أمه النظرايت اليت قدمت إا جاابت عن هذه الدوار ادجديدة للمؤسسة التعلميية‪ ،‬جند‬
‫‪34‬‬
‫الوظيفية"‪.‬‬
‫وحىت ميكننا تقريب بعض املعامل الكربى للنظرية البنائية الوظيفية عند ابرنسونز‪ ،‬كام‬
‫يرشح ذكل الباحث (جرموين‪ ،)201435 ،‬فاإننا حنيل عىل المنذجة الوظيفية الرابعية اليت‬
‫اعتربها حامكة للرشط الإنساين‪ ،‬هذه الوظائف يه ‪ :‬وظيفة التكيف(وظيفة الإقتصاد)‪،‬‬
‫ووظيفة حتقيق الهدف(وظيفة الس ياسة)‪ ،‬ووظيفة احلفاظ عىل القمي( أو ما ميكن تسميته‬
‫مبكون المناط الاكمنة)‪ ،‬وأخريا وظيفة الإندماج‪ ،36‬وعليه تشلك الوظيفتان الوليان‬

‫‪33‬‬
‫‪Paul Lazarsfeld, Qu’est-ce que la Sociologie ?, Gallimard, France, 1971, p, 107-108-109.‬‬
‫‪34‬‬
‫‪Anna Strassmann, Education, the blackwell encyclopedia of sociology, edited by, George‬‬
‫‪Ritzer,Blackwell Publishing, 2007, Malden, USA, Oxford, UK, Victoria, Australia, p, 1323.‬‬
‫‪35‬رش يد جرموين‪ ،‬يف النقد املتعدد البعاد‪ :‬قراءة أولية يف املرشوع الفكري للسوس يولويج املغريب مصطفى حمسن‪ ،‬سلسةل‪،‬‬
‫مقارابت‪ ،‬العدد‪ ،‬اخلامس عرش‪ ،‬اجملدل الثامن‪ ،2014 ،‬فاس‪( ،‬اململكة املغربية)‪.‬‬
‫‪36‬‬
‫‪CF.TalcottParsons : The social system, Free press ; New-york,1964.‬‬

‫‪25‬‬
‫املغذي الساس للقمي يف اجملمتع‪ ،‬بيامن حتقق الوظيفتان الثانيتان النتاجئ املرجوة‪ ،‬وهام حتقيق‬
‫الاندماج لفراد اجملمتع واحلفاظ وضامن اس مترارية املنظومة القميية‪ .‬وهذا يعين أن للك نسق‬
‫وسائطه اخلاصة لتوجيه العالقات التبادلية‪ ،‬املال يف النسق الاقتصادي مثال‪ ،‬السلطة يف‬
‫النسق الس ياي ‪ ،‬التأثري والسلطة يف النسق الإجامتعي مجلاعة ما‪ ،‬الإلزتامات‬
‫القميية"‪ "value commitments‬يف النسق الثقايف للنسق الإجامتعي‪ ."37‬وإاذا ما حاولنا‬
‫أن نس تلهم هذا المنوذج التفسريي ليك نطبقه عىل النسق الرتبوي‪ ،‬فاإن ذكل ما يعد يف‬
‫نظران مسأةل يف غاية المهية‪ .‬اإذ جند أن بنية النسق الرتبوي‪ ،‬تقوم ابلوظائف الاربعة‬
‫السابقة حسب الس ياقات الاجامتعية والاس تعدادات القبلية للمجمتع‪ .‬مفثال‪ ،‬عندما تقع‬
‫أزمة يف املنظومة الاقتصادية لبدل ما‪ ،‬فاإن أول ما يمت الانتباه اإليه‪ ،‬هو وظيفة املؤسسات‬
‫التعلميية والعلمية ومراكز البحث ومس تودعات الفكر‪ ،‬هل يه يف اس تجابة للتحولت‬
‫اليت يعرفها هدا احلقل أم ل‪ .‬ولهذا يسارع صناع القرار اإىل اختاذ الاجرءات الالزمة‬
‫للتكيف مع التحولت الطارئة يف العامل‪ .‬أما وظيفة حتقيق الهدف‪ ،‬ويه وظيفة س ياس ية‬
‫ابلساس‪ ،‬تمتثل يف كيفية تعامل صانع القرار الس ياي مع املس تجدات اليت تطرأ عىل‬
‫احلقول اجملمتعية‪ ،‬ومن بيهنا احلقل الرتبوي‪ ،‬فلكام اكتشفت اختاللت معينة ذات طبيعة‬
‫بنيوية اإل واكنت الاس تجابة لتدارك ما ميكن تداركه‪ .‬أما وظيفة احلفاظ عىل القمي‪،‬‬
‫فبدورها تربز يف احلقل الرتبوي‪ ،‬يف أهبيى صورها‪ ،‬اإد أن أي نظام تربوي‪ ،‬اإل ويسعى‬
‫لرتس يخ مجموعة من القمي والاعراف وأمناط السلوك وغريها من الرموز الثقافية‪ ،‬واليت ل‬
‫‪- Talcott Parsons : The structure of social action,free press, New-york,1968.‬‬
‫‪.‬من املهم اإلشارة إىل أن بارنسونز حيدد أنساقا مرجعية كربى‪،‬وأخرى فرعية‪ ،‬ففي املستوى األول جنده يتحدث عن مجيع‬
‫األنساق احلية‪ ،‬وثانيا نسق الفعل‪ ،‬وثالثا األنساق الفرعية للفعل وتشمل أنساق الشخصية وأنساق الثقافة والعضوية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬ويف املستوى الرابع يتحدث عن األنساق الفرعية لألنساق الفرعية ‪ ،‬أو ما مساه " ‪« sous- système‬‬
‫”‪ social‬وهي الرباعية املشار إليها يف النص ‪..‬‬
‫‪37‬نيكالسلومان‪"،‬مدخل إىل نظرية األنساق"‪ ،‬ترمجة يوسف فهمي حجازي‪،‬‬
‫منشوراتاجلمل‪،‬كولونيا‪،‬أملانيا‪،2010،‬ص‪،‬ص‪.49/50‬‬

‫‪26‬‬
‫ميكن حتقيقها اإل ابنهتاج رؤية جممتعية لهدا احلقل‪ .‬وأخريا‪ ،‬هناك وظيفة التاكمل‪ ،‬واليت‬
‫تعين يف هذا الس ياق مدى حتقيق احلقل الرتبوي للامتسك الاجامتعي يف جتارس اتم مع‬
‫ابيق احلقول ادلولتية الخرى‪.38‬‬
‫وميكن اإجامل أمه املنطلقات اليت توجه النظرية الوظيفية يف دراسة النظمة الرتبوية‪ ،‬يف‬
‫سؤالني‪:‬‬
‫‪-1‬ما يه الوظائف اليت يقوم هبا النظام التعلميي للمجمتع؟ (حاجات النسق)‬
‫‪-2‬ما العالقات الوظيفية اليت تربط النظام التعلميي ابلنظم الاجامتعية الخرى املكونة‬
‫للنسق الاجامتعي الكرب؟‬
‫أما عن مالمح التحليل الوظيفي للنساق الرتبويةفهيي تمتثل يف الشلك التايل‪:‬‬
‫‪-1‬حتديد العنارص البنائية للنساق الرتبوية العامة والفرعية واخلصائص والسامت اليت متزي‬
‫لك تكل العنارص‪،‬‬
‫‪-2‬حتليل العالقات اليت تربط تكل العنارص ببعضها مكونةالنساق الفرعية‪،‬‬
‫‪-3‬حتليل طبيعة العالقة بني الرتبية والتنظاميت الاجامتعية الخرى‪،‬‬
‫‪-4‬الكشف عن الطريقة اليت ميكن هبا توقع سلوك الفراد داخل الوضاع الرتبوية‪،‬‬
‫‪-5‬الاسهام الرتبوي لبلوغ الوضع الاجامتعي وتمنيته‪،‬‬
‫‪-6‬املعوقات الوظيفية للنساق الرتبوية وما يرتبط هبا من مشالكت تربوية"‪.‬‬
‫ما ميكن اس تخالصه من هذه الوظائف اليت بلورهتا النظرية الوظيفية للمدرسة‪ ،‬هو أهنا‬
‫تنظر لهذه البنية كنسق متاكمل‪ ،‬فيه مجموعة من الوحدات‪ ،‬لك وحدة تقوم بوظيفة‬
‫معينة‪ ،‬وانه اإذا ما تعطلت وظيفة من الوظائف اإل وجب التدخل لصالح هذا‬
‫الاعوجاج والاختالل‪ ،‬واحملافظة عىل النسق العام‪ ،‬من أي أعطاب تلحقه‪ .‬ولعل التأمل‬

‫‪ 38‬انظر ملزيد من التفصيل يف هذه المنذجة‪ ،‬رش يد جرموين‪ ،‬مقرتب أويل للمؤسسات الس ياس ية‪ :‬سوس يولوجيا ادلوةل منوذجا‪،‬‬
‫مقرر جمزوءة‪ ،‬املؤسسات الس ياس ية‪ ،‬الفصل الثاين‪ ،‬شعبة عمل الاجامتع‪ ،‬ادلورة الربيعية‪ ،‬املومس ادجامعي‪،2015-2014 ،‬‬
‫جامعة مولي اإسامعيل‪ ،‬لكية الآداب والعلوم الانسانية‪( ،‬مطبوع)‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫يف طبيعة التدخالت اليت جترهيا العديد من احلكومات يف مقاربة مشالكت التعلمي‪ ،39‬اإمنا‬
‫يلحظ وجود هذه اخللفية –سواء بشلك واع أو بغريه‪ -‬يف الاس تجابة لبعض التوعاكت‬
‫والاختاللت اليت تطال احلقل الرتبوي‪ .‬وهنا معطى أآخر‪ ،‬ميكن جتليته‪ ،‬وهو أن هذه‬
‫النظرية‪- ،‬حبمك اهنا ازدهرت يف الولايت املتحدة المريكية‪ ،‬فاإهنا تتعامل مع احلقل‬
‫الرتبوي‪ ،‬ابعتباره مصنعا أو مؤسسة كبرية‪ ،‬ميكن فهم مساراته انطالقا من مجموعة من‬
‫املدخالت لتتحول اإىل خمرجات حمددة‪ .‬أليست هذه نظرة اخزتالية حلقل يعج ابلعديد من‬
‫التشاباكت والتعقيدات‪ ،‬مما يس تحيل معه الاستسالم لهذه الرؤية الليربالية الاخزتالية يف‬
‫فك شفراهتا امللغزة أحياان‪ ،‬واليت تتطلب قدرة عىل فهم طبيعة الاشاكلت يف معقها‬
‫وليس يف بساطهتا‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬المنوذج النظري الرصاعي (املاركيس) يف احلقل الرتبوي‪ ،‬وحدوده‬
‫التفسريية‬
‫اإذا اكن من مالحظات ميكن اإبداؤها حوللمنوذج التفسريي الوظيفي البنيوي‪ ،‬هو كونه‬
‫منوذج سكوين وحمافظ‪ ،‬ول يس تحرض خمتلف ادليناميات املتشعبة للحقول الرتبوي‪ ،‬فاإن‬
‫المنوذج التفسريي املاركيس‪ ،‬ميكن اعتباره مكنوذج ثوري يف سوس يولوجيا الرتبية‪ .‬اإذ‬
‫اس تطاع هذا المنوذج‪- ،‬عرب مجموعة من الرواد‪ -‬أن يقدم قراءة جد نقدية للوضاع الرتبوية‬
‫يف العديد من التجارب الوربية والمريكية‪ .‬حيثتنطلق الرؤية املاركس ية‪ ،‬يف حتليل‬
‫التعلمي‪ ،‬من الافرتاض الاساس اذلي تستند اإليه هذه النظرية وهود وجود تأثري بني منط‬

‫‪ 39‬ميكن الاشارة يف هذا الصدد‪ ،‬اإىل ما وقع يف املغرب‪ ،‬عندما تعرث أجرأة امليثاق الوطين للرتبية والتكوين‪ ،‬دجأ صانع القرار اإىل‬
‫اإحدى ماكتب اخلربة الجنبية لطلب خطة حسرية للخروج من دوامة التخبط‪ ،‬وهكذا مسيت الوثيقة اليت أنتجها مكتب اخلربة‪،‬‬
‫ابخملطط الاس تعجايل‪ .2012-2008 :‬وقد تبني فامي بعد ارتباك هذه اخلطة‪ ،‬أثناء تزنيلها‪ ،‬حيث تعرثت أغلب مكوانهتا‪ ،‬نظرا لهنا‬
‫مل تس تحرض الطبيعة املركبة للقضية التعلميية‪ ،‬واليت يتداخل فامي ما هو داخيل مبا هو خاريج‪ ،‬وما هو أفقي مبا هو معودي‪ ،‬وما‬
‫هو جممتعي مبا هو اقتصادي وما هو قميي مبا هو ثقايف‪ .‬انظر للمزيد حول هذا املوضوع‪ :‬رش يد جرموين‪(" ،‬احلاكمة يف املنظومة‬
‫الرتبية املغربية)‪ ،‬جمةل‪ ،‬عامل الرتبية‪ ،‬عدد‪ ،21 ،‬منشورات عامل الرتبية‪ ،‬ادلارالبيضاء‪.2012،‬‬

‫‪28‬‬
‫عالقات الانتاج يف اجملمتع (البنية التحتية ‪ )Basic structure‬عىل مجمل مظاهر البناء‬
‫الفويق مبا يتضمنه من فكر وقمي وتعلمي‪ .‬وإان هذا التأثري هو احملدد الاساس يف بلورة‬
‫وظيفة التعلمي يف جممتع ما هبدف اإعادة اإنتاج العالقات الاقتصادية والاجامتعية السائدة‬
‫فيه‪ .‬ومن مث فاإن مصري الفراد وموقعهم يف البناء الاجامتعي يتحدد بناء عىل وضعهم‬
‫الطبقي‪ ،‬فالطبقة يه احملرك الخري للمتيزي الاجامتعي‪ ،‬التعلمي هو أداة للتصنيف والانتقاء‬
‫لضفاء الرشعية عىل الوضاع اليت س بق حتديدها طبقيا ومن مث تعكس الاوضاع الطبقية‬
‫نفسها عىل النظم التعلميية ونتاجئها‪ ."40‬انطالقا من هذا التحليل‪ ،‬س يقدم العديد من‬
‫الباحثني املاركس يني والنيوماركس يني (أمثال‪ ،‬لويس ألتوسري‪ ،‬غراميش‪ ،‬وبورديووابرسون)‬
‫العديد من ادلراسات واملفاهمي اليت تعزز فكرة أن املدارس يف اجملمتعات الرأساملية‪ ،‬ل‬
‫تزود الطالب ابخلربة الالزمة ملامرسة همنة معينة وحسب‪ ،‬ولكهنا حتدد أيضا مس توايت‬
‫طموحاهتم وتوقعاهتم»‪.‬بل أكرث من ذكل‪ ،‬فاإن أحصاب هذا التيار‪ ،‬يرون أن التعلمي أآلية من‬
‫أآليات الرصاع داخل اجملمتع‪ ،‬وهو رصاع يتجسد أساسا يف من ميتكل املعرفة‪ .‬وابلتايل‪،‬‬
‫فاإن ذكل مقدمة لمتكل الرثوة والسلطة‪ .‬ولهذا نفهم ملاذا أصبح حتليل النسق الرتبوي‪ ،‬ل‬
‫يمت بلك منعزل عن ابيق احلقول‪ ،‬بل أصبح يلك بؤرة للعديد من التقاطبات والرهاانت‬
‫والرهاانت املضادة‪.‬‬
‫أما عن مرتكزات هذه املدرسة التحليلية‪ ،‬فاإهنا تقوم عىل ما ييل‪:‬‬
‫‪"-1‬تزمع أن املؤسسات الرتبوية يف اكفة اجملمتعات تسهم يف توليد عالقات القوة الراهنة‪،‬‬
‫وتعترب معلية اإعادة الانتاج هذه‪-‬من وهجة هذه النظرية‪ -‬وظيفة لعمليتني‪:‬‬
‫أ‪ -‬فرض معاين ثقافية بعيهنا والادوات املس تخدمة لفرض هذه املعاين"‬
‫ب‪-‬حتديد حمتوى املعاين الثقافية والتوزيع املتبادل لها عىل الافراد اخملتلفني واليت حتول‬
‫املعرفة ابعتبارها رأس مال ثقايف‪ .‬ولهذا ترتمج عدم التاكفؤ يف القوة اإىل عدم تاكفؤ‬
‫ثقايف‪."41‬‬

‫‪40‬‬
‫محدي عيل أمحد‪ ،‬م‪ ،‬س‪ ،‬ذ‪ ،‬ص‪.148 ،‬‬
‫‪41‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص‪.150 ،‬‬

‫‪29‬‬
‫ونظرا للطابع التحمكي اذلي متارسه ادلوةل يف النظام الرأساميل عىل املؤسسات التعلميية‪،‬‬
‫فاإن ترس يخ قمي هذه ادلوةل‪ ،‬يبقى هو الرهان الول والخري‪ ،‬يف سبيل ضامن اس تجابة‬
‫املواطنني لهذه القمي‪ ،‬ولمنوذج احلمك املتبع‪ .‬طبعا‪ ،‬جند أن نظرية الرصاع يف سوس يولوجيا‬
‫الرتبية‪ ،‬جد شاسعة ومتعددة الرؤى واملشارب‪ ،‬وحنن ل ميكننا يف هذا العمل تتبع لك‬
‫تكل الرؤى واملواقف‪ ،‬لهذا سرنكر عىل واحد من الرواد (بورديو) عىل اعتبار أنه شلك‬
‫انعطافة جديدة يف النظرية املاركس ية أو النيوماركس ية‪ ،‬بنحته للعديد من املفاهمي (اليت ل‬
‫زالنا نس تعملها اإىل الآن)‪ ،‬وأيضا بقدرته عىل املزاوجة بني ما هو نظري وما هو امربيقي‬
‫ميداين‪ .‬مفايه أمه الطروحات اليت يدافع عهنا هذا السوس يولويج؟ وكيف أعطى‬
‫لسوس يولوجيا الرتبية نفسا جديدا يف حتليل الوضاع الرتبوية؟ وهل هذه النظرية تبقى‬
‫صاحلة لقراءة الوضع يف جممتعنا املعارص‪ ،‬خصوصا يف فهم أوضاع املؤسسة التعلمية اليوم؟‬
‫بداية نشري اإلىأنبورديو "تأثر ابخللفية الس يولوجيةدلوراكمي‪ ،‬أي ادجوانب احلقيقة للثقافة‬
‫السائدة تنتقل للك أعضاء اجملمتع‪ ،‬لكن بروديو اهمت ابلكيفية اليت عن طريقها يمت اإعادة‬
‫اإنتاج ثقافة املس يطر‪.‬وتكشف دراسة بورديووابرسون‪ ،‬عن وظيفة النظام التعلميي ودوره‬
‫الفعال يف اإعادة اإنتاج البناء الطبقي للمجمتع الصناعي‪ ،‬فالهرم الاجامتعي الطبقي ليس جمرد‬
‫جمرد حمصةل لبناء عالقات القوى املرتبط بتوزيع الس يطرة يف اجملال الاقتصادي‪ ،‬بل اإن‬
‫ظروف اإعادة اإنتاج هذا النظام هل صةل وثيقة ومبارشة ابملؤسسات الرتبوية‪.‬‬
‫ولعل ادلور الرئييس للنظام التعلميي هو العمل عىل حتقيق «اإعادة الانتاج الثقايف»‪ ،‬ول‬
‫يعين ذكل نقل تراث اجملمتع وقميه وثقافته‪ ،‬كام يذهب ذلكل دوراكمي‪ ،‬وإامنا نقل ثقافة الطبقة‬
‫املس يطرة واس مترارية همينهتا الفكرية‪ .‬حيث متتكل هذه الطبقة القدرة عىل فرض أفاكرها‬
‫وتصوراهتا ابعتبارها رشعية ومناذج مثىل للترصف‪ ،‬ومن مث جيب اختاذها أساسا للمعرفة‬
‫يف النسق التعلميي‪.»42‬ولعطاء فكرة‪-‬ولو خمترصة‪ -‬عن طبيعة التحليل اذلي انهتجه‬
‫"بورديو" يف اإثبات نظرية اإعادة الانتاج الثقايف أو همينة الرأسامل الرمزي لبعض الفئات‬
‫عىل حساب فئات أخرى من اجملمتع‪ ،‬فاإن كتبه اليت ألفها يف هذا الصدد‪( ،‬الورثة‪ ،‬اإعادة‬
‫‪42‬‬
‫‪Voir à ce propos l’ouvrage du Bourdieu et de Jean-Claude Passeron, intitulé, « les‬‬
‫‪héritiers, les étudiants et la culture, les éditions de Minuit, Paris, 1964. Ou bien «la‬‬
‫‪reproduction : éléments pour une théorie du système d’enseignement, 1970.‬‬

‫‪30‬‬
‫الانتاج‪ ،‬الانسان الاكدميي)‪ ،‬لكها تبني ذكل بوضوح‪ .‬ورمغ أهنا تركز –من حيث العينات‬
‫املدروسة عىل التجربة الفرنس ية‪ -‬فاإن ذكل ل مينع من اجملازفة ابلقول اإن تكل النظرية تبقى‬
‫صاحلة لفهم كثري من القضااي الالمساواة يف املنظومات الرتبوية العاملية‪ ،‬ومهنا بطبيعة‬
‫احلال‪ ،‬التجربة املغربية‪ .43‬وابلعودة اإىل "بورديو" فاإننا نقرأ –مثال‪ -‬يف كتابه "الانسان‬
‫الاكدميي‪ ،‬أن الوصول اإىل همنة أس تاذ جامعي يف ختصصات الطب والقانون‪ ،‬تبقى حكرا‬
‫عىل الفئات الرس تقراطية واملرفهة‪ ،‬واليت متتكل رساميل مادية وثقافية ورمزية اليشء‬
‫الكثري‪ ،‬بيامن نوعية الاساتذة اذلين يلجون لكيات العلوم والآدب‪ ،‬فاإهنم ينحدرون من‬
‫أوساط شعبية ويف غالب الحيان فاإهنم اتبعوا دراساهتم الولية والاساس ية يف املدارس‬
‫العمومية عىل عكس الفئة الوىل‪."44‬ولتأكيد هذه املقوةل‪ ،‬ميكن التوقفعند كتابه "الورثة"‪،‬‬
‫حيث نقرأ نفس املعطيات‪ ،‬لكن هذه املرة‪ ،‬تكل اليت ختص حظوظ أبناء الطبقات‬
‫الاجامتعية يف الوصول اإىل التعلمي العايل‪.‬‬
‫حيث توصل لك من "بورديو‪ ،‬وابرسون"‪ ،‬من خالل أحباهثام امليدانية‪ ،‬اإىل منذجة‬
‫تتألف من أربع مس توايت‪:‬‬
‫‪-1‬الفئة غري احملظوظة‪ ،‬واليت ل يس تطيع أبناؤها الوصول اإىل التعلمي العايل‪ ،‬بنس بة‬
‫‪،100/5‬‬
‫‪-2‬الفئة املتوسطة ادلنيا‪ ،‬أبناء املس تخدمني والعامل‪ ،‬والصناع التقليديون والتجار الصغارـ‬
‫ترتاوح النس بة ما بني ‪ 10‬و‪،100/15‬‬
‫‪-3‬الفئات املتوسطة العليا‪ ،‬تصل اإىل ‪100/30‬‬

‫‪43‬انظر يف هذا الصدد لدلراسة الهامة اليت أجنزهتا "املندوبية السامية للتخطيط"‪ ،‬حتت عنوان‪" ،‬احلركية املدرس ية عرب‬
‫الاجيال"‪La Mobilité scolaire intergénérationnelle au Maroc, 2013, voir le site ( ،‬‬
‫‪ ،web,www.hcp.ma.‬وهذه ادلراسة تبني أنه "اإذا أخذان طفلني‪ ،‬أحدهام لب مس تواه التعلميي مل يتجاوز الاساي‬
‫(الابتدايئ)‪ ،‬وأآخر وصل أبوه اإىل مس توى التعلمي العايل‪ ،‬فاإن حظوظ الثاين لولوج املس توى العايل تفوق حظوظ الول ب ‪69‬‬
‫ضعفا" (انظر‪ ،‬رش يد جرموين‪ ،‬املنظومات الرتبوية العربية بني مظاهر الزمة وحتداي املس تقبل"‪ ،‬جمةل‪ ،‬معران‪ ،‬للعلوم الاجامتعية‬
‫والانسانية‪ ،‬العدد‪ ،10 ،‬اجملدل الثالث‪ ،‬خريف‪ ،2014 ،‬املركز العريب لالحباث ودراسة الس ياسات‪ ،‬قطر‪ ،‬بريوت‪ ،‬ص‪.)91 ،‬‬
‫‪44‬‬
‫‪Pierre Bourdieu, Homo academicus, les éditions de Minuit, Paris, 2012, p p, 61-62-63-64-‬‬
‫‪65, avec quelques modifications.‬‬

‫‪31‬‬
‫‪-4‬الفئة الخرية‪ ،‬ويه اليت تمتوضع يف الطبقة العليا واليت تمتزي بكوهنا متهتن املهن احلرة‬
‫الليربالية وتتقدل مس توايت من الوظائف العليا والسامية‪ ،‬فاإن حظوظ أبناهئا –بطبيعة‬
‫احلال‪ -‬تصل اإىل ‪.45100/60‬‬
‫اإن ما يضفي جدة يف طرح "بورديووابرسون" هو كوهنام مل يقترصا عىل ما هو ميداين‬
‫واختباري يف تعزيز نظريهتام حول "اإعادة الانتاج"‪ ،‬بل ذهبا بعيدا يف اس تخالص أمه‬
‫املقومات اليت يستند اإلهيا النظام احلامك او الطبقة املس يطرة يف "رشعنة" الامتيزات الطبقية‪،‬‬
‫وذكل عن طريق‪:‬‬
‫‪-1‬انتقاء اجامتعي بطريقة انمعة‪،‬‬
‫‪-2‬فرز طبقي وهو ما يظهر يف متكن فئات حمظوظة من احتالل مواقع رايدية يف اجملمتع‪،‬‬
‫‪-3‬الامتحان والهدف منه –بطبيعة احلال‪ -‬هو إاضفاء الرشعية عىل الوضاع غري‬
‫املتساوية أصال‪.‬‬
‫ولعطاء فكرة عامة حول نظرية "بورديو‪ ،‬وابرسون"‪ ،‬ميكن الوقوف عند العنارص التالية‪:‬‬
‫‪"-1‬تقدم نظرية بورديو معطيات امبرييقية تؤكد أن اجملمتع الطاليب ليس حميطا متجانسا‬
‫من الناحية الثقافية والاجامتعية‪( .‬دراسة الاصول السوس يواجامتعيةللمبحوثني)‪.‬‬
‫‪-2‬أسهمت النظرية يف الكشف عن دور املدرسة واملؤسسات التعلميية يف تدعمي اإعادة‬
‫الانتاج الاجامتعي وأوضاع عدم املساواة الاجامتعية والاقتصادية (الامر اذلي يشكك‬
‫يف مقوةل حيادية املؤسسات التعلميية ابعتبارها تعمل عىل اإنشاء جممتع ادجدارة‪-‬كام تقرر‬
‫الوظيفية‪ ،‬يف اإطار تاكفؤ الفرص)‪.‬‬
‫‪-3‬التأكيد عىل دور العوامل البنائية يف التحليل الرتبوي‪ ،‬حيث أعادت تكل النظرية‬
‫«راس املال الثقايف» التحليل الرتبوي اإىل ماكنه الطبيعي من الإطار الس ياي‬
‫والاقتصادي والاجامتعي‪ ،‬حيث كشفت النظرية عن الارتباط الوثيق بني الرصاع‬
‫الاقتصادي والرصاع الثقايف ومياكنزيمات العالقة بني الاس مترارية الاجامتعية والثقافية‪."46‬‬

‫‪45‬‬
‫‪Bourdieu et de Jean-Claude Passeron, « les héritiers… », op, cit, p p, 11-12.‬‬
‫‪46‬محدي أمحد‪ ،‬م‪ ،‬س‪ ،‬ذ‪ ،‬ص ص‪.128-127 ،‬‬

‫‪32‬‬
‫ما ميكن اس تخالصه من هذه النظرية الرصاعية و‪-‬اليت بصمت مبفاهميها وأطرها النظرية‬
‫ختصص سوس يولوجيا الرتبية‪ ،‬حيث أهلمت العديد من الباحثني لس تلهام منوذهجا املعريف‬
‫يف فهم أوضاع الرتبية والتعلمي‪ ،-‬هو أهنا نظرية انطلقت من مفاهمي املاركس ية‪ ،‬مكقوةل‬
‫الرصاع ‪ ،‬ومعلت عىل جتديد أطرها النظرية‪ ،‬حىت أصبحت تسمى ابلنظرية النيوماركس ية‪.‬‬
‫لكن ابلتأمل جيدا يف هذه النظرية‪ ،‬يظهر أهنا وقعت يف نزعة سوس يولوجوية‬
‫" ‪ ،"Sociologisme‬أو ما ميكن تسميته جبربية صمنية‪ ،‬وذكل لتجاهلها لالختيارات‬
‫الفردية وللعوامل احملايثة والسابقة عىل النشاط التعلمي‪ ،‬ونعين بذكل العوامل الاجامتعية‬
‫والاقتصادية واملادية والثقافية‪ ،‬واليت ترشط السلوك الانساين اإىل حد بعيد‪ ،‬وتؤثر يف‬
‫اختياراته واسرتاجتياته‪ .‬ولعل جزء من هذه الانتقادات‪ ،‬هو ما دفع ابلباحث‬
‫السوس يولويج‪( ،‬راميونبودون‪ ،)471973 ،‬من تأليف كتاب همم يناقش مسأةل الالتاكفؤ‬
‫يف الفرص‪ ،‬لكن من وهجة نظر خمالفة ملا ذهب اإليه "بورديو"‪ .‬فاإذا اكن هذا الاخري‪،‬‬
‫يؤكد عىل الطابع القهري للنسق الرتبوي يف اإدامة الامتيزات‪ ،‬وإاعادة اإنتاج الوضاع‬
‫السابقة‪ ،‬فاإن بودون من خالل معهل امليداين‪ ،‬بني أن مسأةل الالمساواة أوسع من‬
‫املؤسسة التعلميية‪ ،‬بل اإهنا تطال العديد من احلقول والنساق اجملمتعية‪ ،‬اكلرسة والرشوط‬
‫الاجامتعية والاقتصادية اليت مير مهنا الفرد‪ ،‬ويه اليت تؤثر عىل مساره التعلميي‪ ،‬اإما‬
‫بتحقيق تريق اإجامعي أو العكس‪ .‬وهو يرفض ذكل الربط املياكنييك بني الإرث الاجامتعي‬
‫(‪ )héritage social‬والالمساوة يف التعلمي‪ ،‬لنه يعترب مثل هذا التحليل قارصا عىل فهم‬
‫خمتلف ادليناميات والاسرتاتيجية الفردية وامجلاعية اليت تؤثر عىل املسار ادلراي‬
‫للشخص‪ "48‬وهكذا ميكن القول‪" ،‬اإن التفاعل بني عامل داخيل للمدرسة (نوع معني من‬
‫الثقافة املدرس ية)‪ ،‬وعامل خارج عهنا (نوع معني من الثقافة الارسية)‪ ،‬يشلك مبدء‬
‫رئيس يا حلظوظ متفاوتة جدا يف النجاح أو الفشل ابلنس بة لي مس توى دراي‪ ،‬تبعا‬
‫‪47‬‬
‫‪Raymond Boudon, « L’inégalité des chances : la mobilité sociale dans les sociétés‬‬
‫‪industrielles », Armand Colin, collection, U ,Paris, 1973.‬‬
‫وجبت الاشارة اإىل أن الباحث "الرشقاوي" وجه بدوره نقدا علميا لنظرية اإعادة الانتاج ولنظرية الالمساواة يف ‪Ibid. p, 3.‬‬
‫‪48‬‬

‫التعلمي‪ ،‬اعامتدا عىل‬


‫تقرير شهري اكن قد صدر يف س نة‪ ،1965،‬حتت إارشاف الباحث المرييك (جميس كوملان)‪ ،‬انظر‪ :‬الرشقاوي‪( ،‬م ‪،‬س‪ ،‬ذ‪،‬‬
‫ابللغة الفرنس ية)‪ ،‬ص ص‪،.101-100-99-98-97،‬‬

‫‪33‬‬
‫لطبقة الانامتء الاجامتعي الاصيل‪ ،‬وابلفعل فاملدرسة ل تسجل اختالفات متواجدة بصفة‬
‫قبلية حفسب‪ ،‬بل تقوم بتحويلها اإىل تفاواتت دراس ية‪ ،‬مبعىن أن هناك انتقاء اجامتعي‪."49‬‬
‫بغض النظر عىل املالحظات والانتقادات الكثرية اليت وهجت للنظرية املاركس ية أو‬
‫النيوماركس ية يف سوسويلوجيا الرتبية‪ ،‬وبشلك خاص‪ ،‬للمنوذج التفسريي اذلي حنته‬
‫"بورديو" (مفهوم اإعادة الانتاج)‪ ،‬أو ملقوةل "الالمساوة يف التعلمي" لبودون‪ ،‬فاإن ما هيمنا‬
‫يف هذه الطروحة‪ ،‬هو اإبراز مدى صالحية هذه الامنذج التفسريية‪ ،‬يف فهم كيفية حتمك‬
‫ادلوةل أو صانع القرار الرتبوي والس ياي يف بناء املناجه الرتبوية وتزنيلها يف املدرسة‬
‫العمومية‪ ،‬مبا يتوافق مع الاختيارات الإيدولوجية والفكرية والعقدية لدلوةل‪ .‬ولهذا فاإذا‬
‫اكنت مقوةل "اإعادة الانتاج" أو بصفة عامة الاطر النظرية للامركس ية‪ ،‬وخاصة ما يتعلق‬
‫مبقوةل "الايديولوجية املس يطرة"‪ ،‬تنطبق عىل بعض الامنذج الغربية يف س ياقاهتا‬
‫السوس يواترخيية اخلاصة‪ ،‬ونقصد بذكل حتديدا توفرها عىل مرشوع جممتعي واحض املعامل‬
‫والرؤى واملواقف‪ ،‬فاإن المر خمتلف متاما ابلنس بة للتجربة املغربية‪ .‬اإذ لو اكن ملقوةل اإعادة‬
‫الانتاج" الصالحية التفسريية يف فهم خبااي املسأةل التعلمية ابملغرب‪ ،‬ملا اضطر الفاعل‬
‫الرمسي يف مثانينيات القرن املايض‪( ،‬املكل احلسن الثاين)‪ ،‬من اإدخال تغيريات جذرية عىل‬
‫النظام الرتبوي‪ ،‬وذكل حبذف تدريس مادة الفلسفة يف الاسالك الثانوية‪ ،‬وتقزمي‬
‫حضورها يف مجموعة من املعاهد وادجامعات املغربية‪ ،‬بدوى أن هذه املادة‪ ،‬اكنت من بني‬
‫الاس باب اليت غذت احلراك الاجامتعي وقيام انتفاضات شعبية يف مجموعة من املدن‬
‫املغربية‪ .‬ولبراز هذا املعطى التارخيي‪ ،‬يكن التوقف مليا مع هذا النص اذلي رصح به‬
‫(املكل احلسن الثاين) يف خطاب رمسي موجه للمة‪ ،‬قائال‪ :‬ليس أخطر عىل ادلوةل من‬
‫متصلب مثقف‪ ،‬واكن من الوىل أن يبقى هؤلء أميني‪."50‬ولعل هذه احلادثة تبني جبالء‬
‫أن كثريا مما خيطط هل املتحمك يف مقاليد المور‪ ،‬قد يتحقق وقد ل يتحقق‪ .‬يف هذا‬
‫الس ياق‪ ،‬فقد أوحض فامي قبل‪ ،‬الباحث "حمسن" هذا المر وهو يناقش "مفهوم اإعادة‬
‫‪ 49‬غريب‪ ،‬م‪ ،‬س‪ ،‬ذ‪.‬‬
‫‪50‬‬
‫‪NéjibBouderbala, « les classes moyennes comme moteur de l’ascenseur social :‬‬
‫‪l’hypothèse des classes moyennes », Prospective Maroc 2030, Actes du Forum 2,‬‬
‫‪permanences, changements et enjeux pour l’avenir( Rabat, Royaume du Maroc, Haut-‬‬
‫‪commissariat au plan), 2005.p.108.‬‬

‫‪34‬‬
‫الانتاج"‪ ،‬قائال‪" :‬اإن النظام الرتبوي يف أي بدل‪ ،‬وانطالقا من وظيفته الاجامتعية املعلنة‬
‫واملقصودة مكجال للتنش ئة والاعداد الاجامتعيني‪ ،‬ابملعىن الواسع ملضمون التنش ئة‬
‫والاعداد‪ ،‬ل بد وان يراد هل –بوعي أو بدونه‪ ،‬علنا أو مضنا‪ -‬أن يقوم بدور الاسهام يف‬
‫اإدامة وتأبيد التشكيةل الاجامتعية والاقتصادية القامئة‪ ،‬ومنط الثقافة والايديولوجيا‬
‫السائدتني‪ ،‬والنسق القميي املهمين برمته‪ .‬اإل أن هذه الوظيفة ل تمت يف لك اجملمتعات‬
‫بكيفيات مامتثةل‪ ،‬بل يرشطها منط السلطة القامئة‪ ،‬والثقافة السائدة‪ ،‬وخصوصية البناء‬
‫الاجامتعي احملدد مبا يتضمنه من عالقات وتفاعالت معينة‪".51‬‬
‫بيد أنه ابلرمغ من وجاهة هذا التحليل‪ ،‬اذلي بسطه الاس تاذ "حمسن" حول قصور‬
‫مفهوم اإعادة الانتاج عىل تفسري الوضع الرتبوي ببالدان‪ ،‬فاإن ذكل ل مينع من التأكيد عىل‬
‫مسأةل جد هامة –فامينعتقد‪ -‬ويه أن ادلوةل أو اخملزن‪ ،‬قام جبهود حثيثة لرتس يخ الوضع‬
‫القامئ وتأبيده وإاعادة اإنتاج نفس الاوضاع‪ ،‬بدليل ما حاكه قيدوم الباحثني املغاربة "أمحد‬
‫شفيق" يف مذكراته‪ ،‬عندما لكفه القرص املليك يف عهد احلسن الثاين‪ ،‬ابإجناز دراسة‬
‫ميدانية حول مناجه التعلمي ابملدارس العتيقة‪ .‬وقد معل (شفيق) بلك جدية وأمانة علمية يف‬
‫اإجناز تقرير يقدم صورة واقعية عن هذا التعلمي‪ ،‬وبشلك خاص عن مضمونه وغاايته‬
‫وأهدافه‪ .‬حيث توصل اإىل أن هذا النوع من التعلمي‪ ،‬يسامه يف اإنتاج وإاعادة اإنتاج قمي‬
‫اخلنوع والتبعية والسلبية والقديرية‪ ،‬وبشلك خاص‪ ،‬يسامه يف ترس يخ نظام امللكية‪ .‬وقد‬
‫اعترب الباحث أنه اإذا مل يمت تغيري هذه املناجه فاإننا –يف املغرب‪ -‬س نفشل يف ركوب مسار‬
‫التحديث‪ .‬لكن املفاجأة هو أنه ملا وصل هذا التقرير اإىل املكل‪ ،‬فرح فرحا كبريا واعرتته‬
‫نشوة ليس بعدها نشوة‪ ،‬وقال‪ :‬فيطمنئ قليب عىل مس تقبل امللكية يف هذا البدل‪."52‬‬
‫اإن هذا الس ياق‪ ،‬يبني أن مسأةل اإعادة الانتاج للقمي واملعتقدات والرؤى والتصورات‬
‫للكون ولذلات والاخر وللسلطة وادلميقراطية وحقوق الانسان وقمي املواطنة‪ ...‬وغريها‬

‫‪51‬حمسن‪ ،‬م‪ ،‬س‪ ،‬ذ‪ ،‬ص‪.175 ،‬‬


‫‪52‬محمد شفيق‪ ،‬ثالثة وثالثون قران من اترخي المازبغ‪ ،‬املعهد املليك للثقافة المازيغية‪ ،‬الرابط‪ .2005 ،‬وانظر بشلك خاص‬
‫للحوار اذلي أجراه الباحث مع جمةل "زمان" (‪).....‬‬

‫‪35‬‬
‫كثري من املفاهمي اليت تروج يف املضامني واملقررات ادلراس ية واملناجه املس ترتة‪ ،‬تعتورها‬
‫العديد من املفارقات والصعوابت وادجدليات اليت ل تتوفق‪.‬‬
‫فاإذا اكن البعض يبني أن هناك عالقة مياكنية بني بلورة مهناج تربوي ما وتطبيقه يف‬
‫املدرسة‪ ،‬يعين حصول حتولت يف منظومة القمي عند التالميذ‪ .‬فاإن البعض الآخر‪ ،‬يرى‬
‫أن املسأةل مركبة وتتداخل فهيا عدة حيثيات وعوامل ظاهرة أو خفية واعية وغري واعية‪،‬‬
‫يه اليت ترشط السلوك الانساين‪ ،‬وجتعهل يتخذ اسرتاتيجية ومسلكيات يف تبين وترشب‬
‫وتذويت (من التذاوت‪ ،‬أي الاستبطان) هذه القمي أو تكل‪ .‬ولعل ما جيعل من موضوع‬
‫أطروحتنا بعضا من الوجاهة‪ ،‬هو كوننا س نحاول أو نبحث يف هذه الفرضية (مس توى‬
‫ومسلكيات ترشب قمي املواطنة) ومدى حتققها يف أرض الواقع‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬المنوذج الفينومينولويج‪ ،‬حنو منوذج تفسريي أكرث مطابقة‬
‫اإذا اكنت الامنذج السابقة يف سوس يولوجيا الرتبية‪ ،‬ادلوراكميي‪ ،‬الوظيفي‪-‬البنيوي‪ ،‬املاركيس‪-‬‬
‫الرصاعي‪ ،‬قد قدمت اليشء الكثري لهذا التخصص‪ ،‬وذكل عرب بلورهتا للعديد من املفاهمي‬
‫واملقولت والنظرايت التفرسية‪ ،‬كام س بق رشحه‪ .‬لكن ذكل مل مينع من بروز مجموعة من‬
‫الانتقادات الابس متولوجية اليت وهجت للامنذج السابقة‪ ،‬لعل من أمهها‪ ،‬هو تعاطهيا مع‬
‫الظواهر الرتبوية وغريها‪ ،‬بنوع من الاخزتال وبشلك خاص ابلرتكزي عىل املقارابت اللكية‬
‫والتغايض عن ما يقع يف العلبة السوداء ونقصد هبا حتديدا (الفصل ادلراي)‪ ،‬من‬
‫تفاعالت وديناميات‪ ،‬يصعب دراس هتا انطالقا من رؤية مكية اإحصائية‪ .‬وقد تظافرت‬
‫العديد من احليثيات –ليس اجملال مناس با للوقوف عندها‪ -‬لكن ذكل ل مينع من الاشارة‬
‫الرسيعة‪ ،‬اإىل أن النظرية " الفينومينولوجية‪ ،‬شلكت بديال نظراي لجتاهات جعزت عن‬
‫الوفاء مبتطلبات السلوك الانساين وحتليل املعاين اليت ينطوي علهيا‪ ،‬خاصة تكل‬
‫الاجتاهات املرتبطة ابلزنعات الوضعية والروافد املعارصة لها‪ ،‬فهو اجتاه يعارض الاجتاه‬
‫المكي الاحصايئ ويتجه اإىل دراسة احلياة اليومية وعالقات التفاعل بني الفراد من وهجة‬
‫نظر الفراد أنفسهم وتقيميهم للموقف الاجامتعي اذلي يمت داخهل التفاعل‪ .‬فالفينومينولوجيا‬
‫مدخل هيمت بوصف وحتليل املوضوعات كام تبدو يف وعي الفراد وصفا مبارشا يساعد عىل‬

‫‪36‬‬
‫اإدراك جوهرها وإادراك حقيقهتا‪ ،‬فهيي توجه الاهامتم للفاعلني أنفسهم وللمعاين اليت يضفهيا‬
‫الفراد عىل واقعهم وحياولوا وصفها وتكويهنا داخل خرباهتم‪"53‬‬
‫ويعترب "ألفرد شوتز" » ‪ ،«Alfred Schutz‬من بني الباحثني اذلين طوروا هذا‬
‫املقرتب‪ ،‬حيث اهمت يف كتابه "الفلسفة الظاهراتية للعامل الاجامتعي"(‪ ،)1972‬ابلتنظري‬
‫للمقاربة الفينومينولوجية‪.‬اإذ حاول أن يدرس الإنسان اذلي يعيش يف عامل لكه معاين‪ ،‬أو ما‬
‫سامه "س ياقات املعىن"‪ ،‬ويه مجموعة من املعايري اليت ننظم بواسطهتا مدراكتنا احلس ية‪،‬‬
‫وحنولها اإىل عامل ذي معىن وإاىل ذخرية من املعرفة‪ ،‬وهكذا يصبح اهامتمنا عىل أفعال الوعي‬
‫وليس عىل الفعل يف العامل‪ ،‬والعامل الإجامتعي هو يشء خنلقه سواي‪.54‬‬
‫وهذا يعين من الناحية املهنجية والنظرية‪ ،‬تغيري الرباديغم التفسريي يف سوس يولوجيا‬
‫الرتبية‪ ،‬فبعدما اكنت القضااي الكربى ذات الطابع العام والشمويل (كعالقة الرتبية ابلبناء‬
‫الايديولويج لدلوةل‪ ،‬وببايق احلقول اجملمتعية‪ ،‬أو الاهامتم ابلرتبية مكسأةل نسق يف عالقته‬
‫ببايق الانساق الاخرى‪ ،‬أو ابعتبار املؤسسات التعلميية‪ ،‬مكؤسسات لعادة الانتاج‬
‫وترس يخ الاوضاع الهمينة للطبقات املتحمكة‪ ،)...‬فاإن التوجه ادجديد سريكز عىل قضااي‬
‫ميكروسوس يولوجية‪( ،‬اكلعالقات البينية داخل الفصل ادلراي‪ ،‬مسأةل نقل املعرفة‪،‬‬
‫متثالت التالميذ ملادة دراس ية ما‪ ،‬طريقة تقومي التالميذ من طرف الاساتذة‪ ،)..‬واليت‬
‫تكشف عن الوجه اخلفية يف الظواهر الرتبوية‪ .55‬وعليه‪ ،‬فعىل خالف النظرايت‬
‫الوظيفية واملاركس ية‪ ،‬اليت هتمت بتكل القضااي الاجامتعية الكربى ذات العالقة بني التعلمي‬
‫والنظم الاجامتعية الخرى‪ ،‬هتمت الاجتاهات الفينومينولوجية ابلقضااي احملددة النطاق‪،56‬‬
‫‪53‬محدي عيل أمحد‪ ،‬عمل اجامتع الرتبية‪ ،‬م‪ ،‬س‪ ،‬ذ‪ ،‬ص‪.173 ،‬‬
‫‪54‬اإاين كريب‪" ،‬النظرية الاجامتعية من ابرنسونز اإىل هابرماس"‪ ،‬ترمجة‪ ،‬م محد حسني غلوم‪ ،‬مراجعة محمد عصفور‪ ،‬سلسةل عامل‬
‫املعرفة‪ ،‬عدد ‪ ،244‬سلسةل صادرة عن اجمللس الوطين للثقافة والفنون والآداب ابلكويت‪، ،1999. ،‬ص‪.150،‬‬
‫‪ 55‬وجب أن نسجل مالحظة نقدية عىل مجموعة من ادلراسات والحباث اليت تنجز حول الرتبية والتعلمي ببالدان‪ ،‬واليت تفتقد يف‬
‫جزء مهنا‪ ،‬لطر نظرية مامتسكة‪ ،‬وإاىل مفاهمي سوسويلوجية معربة‪ ،‬وخنص ابذلكر‪ ،‬مدى الاس تفادة من املقاربة الفينومينولوجية‬
‫يف هذه ادلراسات‪ .‬ولهذا اإذا اكنت من خالصة ميكن اس تخالصها من هذا التأطري النظري لطروحتنا‪ ،‬فهيي استثارة الباحثني‬
‫لركوب هذه املغامرة الابس متولوجية مس تقبال‪.‬‬
‫‪56‬‬
‫‪Berger Peter, Luckmann Thomas, « la construction sociale de la réalité »,‬‬
‫‪Armand Colin(France), 2006.p.25.‬‬

‫‪37‬‬
‫وتركز بشلك مبارش عىل الداء داخل الفصل ادلراي"‪" .‬فاإذا اكن الاهامتم الاساس لعمل‬
‫اجامتع الرتبية القدمي قد انصب عىل قضااي أصبحت هامش ية يف اإطار فرع يتخذ من‬
‫اس تخدام املعرفة وإادارهتا جمال رئيس يا لالهامتم‪.‬‬
‫وميكن تلخيص أمه الاجتاهات النظرية يف التحليل الفينومينولويج اكلآيت‪:‬‬
‫‪-1‬التفاعلية‪ :‬دراسة احلياة الاجامتعية يف الفصل ادلراي‬
‫"لقد ركزت التفاعلية دراس هتا عىل عالقة الفراد معا‪ ،‬فليك نفهم سلوك الفراد جيب أن‬
‫يركز البحث عن الكيفية اليت يس تطيع هبا الفراد التحمك يف مواقعهم"‬
‫ويلخص "هربرتبلومر" القضااي الاساس ية للتفاعلية يف ثالثة قضااي‪:‬‬
‫‪-‬أ‪-‬القضية الوىل‪ :‬أن الاكئنات الانسانية تسكل إازاء الاش ياء يف ضوء ما تنطوي عليه‬
‫هذه الاش ياء من معاين ظاهرة‪.‬‬
‫‪-‬ب‪-‬أن هذه املعاين يه نتاج التفاعل الاجامتعي للمجمتع الانساين‪.‬‬
‫‪-‬ج‪ -‬يه أن هذه املعاين تتعدل وتتشلك خالل معلية التفسري والتأويل اليت يس تخدهما‬
‫لك فرد يف تعامهل مع الرموز اليت تواهجه‪.57‬‬
‫اإن هذه املقاربة ادجديدة واليت انبثقت عن التوهجات ادجديدة يف السوس يولوجيا‬
‫المريكية‪ -،‬املسامة ابلتفاعلية الرمزية والفينومينولوجياالسوس يولوجيةوسوس يولوجيا املعرفة‪،‬‬
‫واليت جاءت كرد فعل ضد التوهجات البنوية الوظيفية وأيضا نظرية اإعادة الانتاج‪ ،‬وذكل‬
‫ابلرتكزي عىل "العلبة السوداء" داخل املدارس‪ ،‬واملتعلق ابملناجه واملعارف املدرس ية‪ ،-‬اإمنا‬
‫تعكس يف العمق خمتلف الرهاانت والرهاانت املتعارضة بني النخب والاحزاب والهيئات‬
‫وادلوةل ومجعيات أآابء وأولياء التالميذ واملدرسني والإدارة وغريمه من املتدخلني‬
‫(الفاعلني)‪"58‬‬
‫ول ختفى أمهية هذا التخصص ادجديد واذلي جاء اس تجابة جملموعة من التحولت الرتبوية‬
‫واجملمتعية‪ ،‬مما اس تدعى الاس تجابة لها من خالل بلورة مؤسسات أاكدميية تعىن بتتبع‬
‫‪57‬‬
‫محدي عيل أمحد‪ ،‬عمل اجامتع الرتبية‪ ،‬م‪ ،‬س‪ ،‬ذ‪.178 ،‬‬
‫‪58‬‬
‫‪Ali Boulahcen, sociologie de l’éducation, op, cit, p, 47.‬‬

‫‪38‬‬
‫الربامج واملناجه واملقررات ادلراس ية اليت مترر داخل املدرسة الربيطانية ففي س نوات ‪60‬‬
‫من القرن املايض‪.‬‬
‫يف هذا الاجتاه‪ ،‬حاول الباحثون الفرنس يون اس تلهام هذه النظرية‪ ،‬وتطبيقها يف املدرسة‬
‫الفرنس ية‪ ،‬وذكل من خالل سؤالني أساس يني‪ :‬س ياس ية وابس متولوجية‬
‫‪-1‬ما يه نوعية املعرفة اليت وجب أن تأمهنا املدرسة لنوعية خاصة من املواطنني‪ ،‬هل يه‬
‫معرفة ترخس قمي املساواة أم تفرز خنبا جديدة؟‬
‫‪ -2‬كيف ميكن للمقررات ادلراس ية أن تس تحرض التعدد املعريف وتس تجيب للتحولت يف‬
‫هذا التخصص؟‬
‫لقد أصبح هذا التخصص (سوس يولوجيا املناجه) منطلقا للعديد من ادلراسات املناطقية‪،‬‬
‫كام حصل يف الاحتاد الورويب‪ ،‬حيث ابرش الباحث "‪ "John Eggleston‬حبثا‪،‬‬
‫منطلقا من مجموعة من الفرضيات‪ :‬مايه املتغريات الايديولوجية اليت وجب اس تحضارها‬
‫أثناء بناء املناجه؟ وهل هذه املناجه وجب أن تبقى حمافظة عىل الرتاث الثقايف أم أهنا‬
‫وجب أن تعكس التغريات والتحولت اليت تعرفها جممتعات أوراب؟ وهل املناجه وجب أن‬
‫تكون متضمنة ملقررات قارة وخمتارة‪ ،‬أم أهنا تعكس قدرا من املرونة يف اختيار برامج‬
‫حسب الطلب الاجامتعي علهيا؟‬
‫‪-‬هل املهناج هو انعاكس للمرشوع اجملمتعي؟ أم هو مشوع للتغيري اجملمتعي؟‬
‫هناك ابحثني أآخرين من حتدثوا عن الكوريكولوم‪ ،‬من حيث غاايته‪ ،‬يف هذا الس ياق مزي‬
‫"‪ "Mysgrave‬بني ثالث مس توايت للكوروكولمي‪ ،‬ويه‪:‬‬
‫‪-‬كام هو (أي ما هو مبثوت يف املقررات وادلورس‪)...‬‬

‫‪39‬‬
‫‪-‬كام ينبغي أن يكون ليناسب التغريات الاجامتعية والثقافية‪.‬‬
‫‪-‬كام ينبغي أن يكون ليك حيدث التغريات الاجامتعية املتوخاة‪.‬‬
‫وكخالصة لهذه التوهجات الإجنلزيية اليت تبلورت مع ختصص سوس يولوجياالكولوكيلوم‪ ،‬اإمنا‬
‫تس تلهم بشلك أو بأآخر املقولت الفيبريية‪ ،‬واليت تؤكد أن "الرتبية تعكس يف العمق‬
‫الاجتاهات الثقافية للرشاحئ الاجامتعية املهمينة‪ .59‬وجيب أنال ننىس أن املهناج يعكس‬
‫رصاعات خفية بني الاطراف املتحمكة يف السلطة‪ ،‬أو أنه يعكس اتفاقا بني هذه‬
‫الاطراف‪ ،‬حول ما هو نوع اخملرجات اليت نسعى لتحقيقها‪ ،‬هل يه مامتش ية مع المنوذج‬
‫الاقتصادي؟ أ م مس تجيبة للتحولت العاملية‪.‬‬
‫بيد أن السؤال الاساس اذلي يطرح يف هذا السايق‪":‬اإذا اكنت التفاعلية تتخذ من‬
‫التفاعل أساسا يف دراس هتم للسلوك وللحياة الاجامتعية‪ ،‬فكيف تدرس النظام التعلميي؟‬
‫"لقد أوحض التفاعليون أن التالميذ واملدرسني يقميون "أنساقهم ذات املعىن" أي طريقهتم‬
‫اخلاصة يف فهم بعضهم البعض من خالل توقعات ادلور‪ ،‬فاملدرس حياول أن يفرض حتديده‬
‫للموقف بعابرة "أان املسؤول" ويبقى عىل التالميذ داخل الفصل أن يكتشفوا ما يريده‬
‫املدرس وما جيب أن يصدره‪ .‬لقد أكدت ادلراسات عىل أن الطريقة اليت يدرك هبا‬
‫املعلمون تالميذمه‪ ،‬أو الصورة‪ ،60‬اليت يصدروهنا عهنم لها تأثري يكون يف كثري من‬
‫الاحيان أكرب من تأثري الطبقة اليت ينمتون اإلهيا او اخللفية الرسية هلم‪ ،‬عىل أن هذا ليعين‬
‫حمو تأثري الطبقة الاجامتعية مكصدر مؤثر عىل الطالب يف حتصيلهم وتكيفهم‪ ،‬لكنه تعميق‬
‫تفصييل لتأثري الطبقة وما يصاحبه من عوامل تزيد حدته أو ختفف منه‪ ،‬فاإذا اكن املعلمون‬
‫يعتقدون أن أبناء الطبقة العامةل أقل قدرة عىل التعمل من غريمه من أبناء املثقفني‪ ،‬مفعىن‬
‫هذا أن أبناء الطبقة العامةل مقدر علهيم أن ل ينالوا أي شعور ابلرضا خالل اإجنازمه‬
‫املدري ويؤدي اإحباطهم اإىل فشلهم"‪.‬‬
‫‪59‬‬
‫‪Ibid.p.49.‬‬
‫‪60‬محدي‪ ،‬م‪،‬س‪،‬ذ‪ ،‬صص‪.184-183 ،‬‬

‫‪40‬‬
‫اإذا اكن البعد الول‪ ،‬قد اهمت داخل الاجتاهات الفينومينولوجية‪ ،‬بدراسة التفاعل‬
‫وديناميته داخل الفصل ادلراي‪ ،‬وبتفكيك املقولت واملفاهمي املس تخدمة داخل الفصل‪،‬‬
‫وذكل يف ضوء القواعد املمزية للوعي والشعور‪ ،‬فاإانلبعد الخر لهذا الاجتاه اذلي انطلق‬
‫أيضا من ادلراسات الفينومينولوجية جاء مركزا أساسا عىل املعرفة الرتبوية‪ ،‬مفا ذا يقصد‬
‫هبذا املفهوم؟‬
‫"غدت قضية مضمون املعرفة الرتبوية واملفاهمي ادلراس ية وأساليب التقومي‪ ،‬واليت ظلت‬
‫لفرتة طويةل قضااي هامش ية يف معادجات عمل اجامتع الرتبية الالكس ييك‪ ،‬حمورا أساس يا من‬
‫حماور ادلراسة يف عمل اجامتع الرتبية ادجديد‪ .‬وتشلك هذه القضااي ومنوذهجا املعريف البنايئ‬
‫يف ارتباطها بتوجهيات الاجتاهات الفينومينولوجية اليت هتمت بتبادل ممارسات احلياة اليومية‬
‫يف املؤسسات التعلميية‪."61‬‬
‫وإاذا اكن من مالحظة ميكن اس تجالؤها من هذا البعد املعريف‪ ،‬فهو أننا يف أطروحتنا‬
‫هذه‪ ،‬س ننشغل بشلك أساس حول مضمون املعرفة املدرس ية عرب الكشف عن مدى‬
‫حضور قمي املواطنة يف مقررات ومناجه التعلمي ابملغرب‪ ،‬ومدى متثلها من طرف املتعلمني‪.‬‬
‫وذلكل فالوقوف عند هذا املس توى يبدو وجهيا من هذه الناحية‪ .‬لكن جيمل بنا قبل‬
‫الانتقال اإىل مس توى أآخر من التحليل‪ ،‬أن نعرج –ولو يف حدود معينة‪ -‬اإىل احلديث عن‬
‫نشأة هذا التخصص داخل النظرية الكربى‪ ،‬ويه الفينومينولوجيا‪ ،‬فكيف ميكن توضيح‬
‫ذكل؟‬
‫"ارتبطت نشأة هذا الاجتاه من الاجتاهات الفينومينولوجية يف أوائل الس بعينيات من‬
‫خالل النظرية اليت طرهحا "مايلك يوجن" واليت تؤرخ ظهور ما عرف ابمس عمل اجامتع‬
‫الرتبية ادجديد واذلي ربطه بعمل اجامتع املعرفة‪ .‬ويعد كتاب "يوجن" "املعرفة والضبط"‬
‫(‪ )1971‬مجموعة من املقالت اليت حاولت أن تفرس وحتلل مشالك النظام التعلميي كام‬
‫تعرف علهيا رجال التعلمي‪ ،‬ويدعو اإىل معاودة النقاش والنقد يف لك الاقوال واملسلامت‬
‫والفاكر ادجاهزة"‬

‫‪61‬‬
‫نفسه‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫ومن بني الفاكر املهمة اليت عرب عهنا "يوجن" يف نظريته‪ ،‬يه مسأةل اعتباره الرتبية "ليست‬
‫ميداان لنتاج السلع ولكهنا جمال لنتاج وتنظمي املعرفة يف زمن معني يتضمن اختيارات‬
‫واعية وغري واعية‪ ،‬كام يعيب عىل ادلراسات السائدة يف جمال املناجه معادجهتا ملا يمت تعلمه‬
‫داخل املدرسة ل يشلك أي مشلكة تربوية‪ ،‬فهذا الاجتاه يعكس يف رأيه‪ ،‬الاعتقاد‬
‫الشائع يف "موضوعية املعرفة املتضمنة يف املناجه" ويف واقع المر فاإن هذه املعرفة تتكون‬
‫اجامتعيا واترخييا وفقا للس ياق الاجامتعي والزمين احمليط هبا‪ ،‬ويؤدي اإغفال التحليل‬
‫الاجامتعي للمعرفة الرتبوية اإىل اعتبار دور "املهنج" يف حتقيق التاكفؤ الاجامتعي دورا‬
‫اثنواي‪."62‬‬
‫وميكن اإجامل تلخيص أمه الفاكر اليت جاء هبا "يوجن"‪ ،‬حيث بني أن العالقة بني‬
‫التدرج الاجامتعي وتصنيف املعرفة‪ ،‬تكل العالقة‪ ،‬ترتكز حول ثالث قضااي أساس ية‪:‬‬
‫العالقة بني بناء القوة واملهنج‪ -‬كيف تتشلك املعرفة؟‪ -‬مث معرفة وظائفها يف المناط املتباينة‬
‫للمجموعات‪.‬‬
‫"وبوجه عام‪ ،‬فاإن نظرية "يوجن" يف تصنيف املعرفة القامئة عىل عمل اجامتع املعرفة تطرح‬
‫ثالثة أس ئةل‪:‬‬
‫‪-1‬كيف يمت –يف اجملمتعات اخملتلفة‪ -‬اإضفاء قمي اجامتعية عىل امليادين والاجتاهات اخملتلفة‬
‫للمعرفة ووفقا لية معايري؟ وبطبيعة احلال تتطور هذه املعايري يف اإطار اترخيي اجامتعي‬
‫حمدد‪.‬‬
‫‪-2‬كيف ميكن تفسري ارتباط املؤسسات الرتبوية ومعليات ضبط احلصول عىل املعرفة بنظام‬
‫املؤسسات الس ياس ية السائدة ابلس تعانة ابلسس واملعايري املس تخدمة يف تطبيقها؟‬
‫‪ -3‬ما اذلي ميكن اعتباره معرفة مدرس ية؟ وملاذا تعترب املعرفة املدرس ية هامة وبعضها أقل‬
‫أمهية؟‬

‫‪62‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص‪.186 ،‬‬

‫‪42‬‬
‫"واخلالصة أن نظرية "يوجن" يف دميقراطية املهنج تقرر أن املعرفة املتضمنة يف املناجه‬
‫املدرس ية تشلك اختيارات ثقافية واعية أو غري واعية تتطابق مع القمي واملعتقدات دلى‬
‫امجلاعات الاجامتعية القامئة يف زمان حمدد‪."63.‬‬
‫ل نبالغ اإذا قلنا بأن المنوذج التفسريي الفينومنولويج‪ ،‬يقدم تصورا جديدا لقضااي الرتبية‬
‫والتعلمي‪ ،‬اإذ أن الرتكزي عىل مس توى التفاعالت اليت حتصل يف الفصل ادلراي بني‬
‫املدرس واملتعلمني‪ ،‬تعد يف نظران ذات قمية معرفية هامة‪ .‬لن املرحةل احلامسة اليت يمت فهيا‬
‫بناء ادلرس‪ ،‬تمت داخل "العلبة السوادء"‪ ،‬وكثري من الامنذج التفسريية يف سوس يولوجيا‬
‫الرتبية‪ ،‬ل تس تطيع أن تصل اإىل ما يعمتل يف الفصل ادلراي‪ ،‬نظرا لن املقارابت المكية‬
‫يف السوس يولوجية‪ ،‬تقدم لنا معطيات وأرقام لكهنا صامء‪ .‬بيامن املقاربة الفينومنولوجية واليت‬
‫تركز عىل كيفية صنع املعىن بني خمتلف املتدخلني يف العملية الرتبوية‪ ،‬تبقى مغيبة أو‬
‫هامش ية يف أحسن الحوال‪.‬‬
‫وإاذا اكن البعد الول يكتيس أمهية ابلغة‪ ،‬فاإن اس تحضار البعد املعريف‪ ،‬ويه الطريقة اليت‬
‫من خاللها يمت اإنتاج وإاعادة اإنتاج املعرفة‪ ،‬يبقى بدوه حاسام يف اإكامل الصورة عن الوضع‬
‫التعلميي برمته‪ .‬ذكل أن معلية نقل املعرفة أو بناهئا‪ ،‬ليس ابلمر الهني‪ ،‬فهو يدخل يف‬
‫ختصصات متعددة ومتنوعة‪ ،‬مهنا البيداغوجيا‪ .‬لكن املقاربة الفيمنينولوجية–واليت طورها‬
‫الباحثون املنتس بون لهذه املدرسة‪ -‬تبقى ذات اإضافة نوعية بلك تأكيد‪.‬‬
‫ولعل هذا املقرتب جيران للحديث عن نوعية العالئق اليت جتمع هذا التخصص‬
‫بتخصصات أخرى حمايثة هل ‪ ،‬كسوس يولوجيا الثقافة‪ ،‬يف هذا الس ياق يتحدث (حمسن)‪،‬‬
‫عن ذكل قائال‪" :‬مبا أن املقاربة السوس يولوجية للثقافة أو اخلطاابت املدرس ية ترتبط‪ ،‬يف‬
‫مفاهميها وتوهجاهتا النظرية واملهنجية‪ ،‬بسوس يولوجيا الثقافة بشلك عام‪sociologie de :‬‬
‫‪ ،la culture‬وأيضا بسوس يولوجيا الرتبية بشلك خاص ‪sociologie de‬‬
‫‪ ،l’éducation‬فاإنه من املفيد أن نعرف‪ ،‬هنا‪ ،‬هبذين اجملالني السوس يولوجيني املتداولني‬
‫يف حتليل النساق الثقافية والرتبوية‪ .‬وذكل متهيدا لإعطاء منظور أويل عام حول شلك‬

‫‪63‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص‪.189 ،‬‬

‫‪43‬‬
‫حضور الثقافة املدرس ية يف البحث الرتبوي ابملغرب‪ ،‬منطلقني من الإطار السوس يولويج‬
‫اذلي نعمتده‪ ،‬ومركزين عىل املالمح الكربى لمناط البحث الرتبوي اذلي اهمت بتحليل هذه‬
‫الثقافة‪".64‬‬
‫وإاضافة يف التوضيح‪ ،‬فاإن مفهوم الثقافة‪" ،‬يصف الفاكر واملعتقدات والقمي الراخسة يف‬
‫وجدان الفراد ويف الطريقة اللكية حلياة امجلاعة اليت ينمتون اإلهيا‪ .‬ولكن تتضارب أحياان‬
‫الطرق الراخسة يف فهم العامل مجلاعة ما مع طرق جامعة أخرى‪ ،‬ما يؤدي يف معظم الحيان‬
‫اإىل العنف والقتل‪ .‬ذلكل فالثقافة ابلغة المهية يف الشؤون الانسانية‪" ...،‬ل ترتبط‬
‫القضااي الثقافية ابلعدائية واملعارضة دامئا‪ ،‬فهيي ترتبط ابلنسجام النس يب وعالقات التعاون‬
‫بني البرش أحياان‪ .‬فالعوامل الثقافية مثل الفاكر واملعتقدات والقمي يه اليت حتدد هوية‬
‫الفرد وخشصييته‪ . "65‬أوليس البعد الثقايف والقميي هو رهان الفرس يف المنوذج التفسريي‬
‫الفيمننولويج؟‬
‫رغبة منا يف حماوةل اس تجالء بعض العنارص اخلاصة هبذه املقاربة‪ ،‬ميكن الاشارة اإىل دور‬
‫املدرس يف املنظومة التعلميية‪ .‬فال شك أن"من بني أمه الدوار اليت تضطلع هبا هذه الفئة‪،‬‬
‫يه املسامهة يف نرش العمل واملعرفة وحتقيق املقدرات الالزمة ملواهجة التحدايت املعرفية‬
‫والتكنولوجية والتقنية اليت تواجه العديد من التجمعات البرشية‪ ،‬هذا ابلإضافة اإىل أن‬
‫أخطر ما يتحمهل املدرسون‪ ،‬وهو معلية نقل وإاعادة نقل القمي اجملمتعية من جيل لآخر‪."66‬‬
‫و"لشك أن لك اجملمتعات واعية هبذين التحديني الذلين يواهجان البرشية الآن‪ :‬التحدي‬
‫املعريف والقميي‪ ،‬اإل أن اس تجابة ادلول ختتلف من بدل اإىل أآخر‪ ،‬حبسب درجة وعي‬
‫اجملمتعات ابلهتديدات اليت بدأت حتلق منظوماهتا املعرفية والقميية"‪ .‬ولهذا فاإذا اكنت‬
‫الفيمننولوجيا تركز عىل التفاعل‪ ،‬فأول تفاعل يقع بني التالميذ واملدرس‪ ،‬يرتكز أساسا عىل‬

‫‪64‬‬
‫حمسن‪ ،‬م‪ ،‬س‪ ،‬ذ‪( ،‬املسأةل الرتبوية)‪ ،‬ص‪.130 ،‬‬
‫‪65‬ديفيد اإنغلزي‪ ،‬جون هيوسون‪ ،‬مدخل اإىل سوس يولوجيا الثقافة‪ ،‬ترمجة‪ ،‬ملا نصري‪ ،‬املركز العريب لالحباث دراسة الس ياسات‪،‬‬
‫قطر‪ ،‬بريوت‪ ،2013 ،‬ص ص‪.15-14 ،‬‬
‫‪66‬رش يد جرموين‪( ،‬املدرسون وحتدايت جممتع املعرفة)‪ ،‬جريدة‪ ،‬هيسربيس الالكرتونية‪ ،‬انظر املوقع‬
‫التايل‪ ،www.hespress.com/writers/90829.html:‬اترخي الاستشارة‪.2015/07/12 ،‬‬

‫‪44‬‬
‫مدى وعي هذا الخري حبجم التحولت اليت يعرفها احلقل الرتبوي‪ ،‬واليت حددها الباحث‬
‫(جرموين) يف مسألني‪ :‬التحدي املعريف والقميي‪ ،‬فكيف يرشح الباحث ذكل؟‬
‫"جيب الاعرتاف أول أن همنة التدريس تزداد يوما عن يوم تعقيدا وتركيبا‪ ،‬ليس فقط يف‬
‫جممتعاتنا العربية والإسالمية‪ ،‬بل حىت يف ادلول الغربية والس يوية‪ ،‬وغريها من الشعوب‬
‫واحلضارات‪ .‬فالتحدايت النامجة عن التحولت العميقة اليت تقع يف عامل املعرفة ومس تجداهتا‬
‫ورهاانهتا‪ ،‬بدأت تفرض نفسها لتطوير أداء املنظومات الرتبوية‪ ،‬لتكون أكرث ابتاكرا‬
‫وجتديدا وإاحداث النقالت النوعية املطلوبة‪ .‬لن جممتعات املعرفة اليوم‪ ،‬تعمل عىل‬
‫التوظيف اذليك للتقنيات التكنولوجية العالية ادجودة‪ ،‬اكلتعلمي عن بعد‪ ،‬والاعامتد عىل‬
‫اخملتربات امجلاعية‪ ،‬وأيضا تقنيات التعلمي اليت تركب الفضاءات الافرتاضية‪ ،‬وإانشاء‬
‫ش باكت التعلمي املتجدد‪ ،‬وغريها من املؤهالت اليت يفرتض أن يكون املدرسون أقدر عىل‬
‫توظيفها يف همنهتم املركبة‪ ."67‬مبعىن أآخر اإذا اكن التحول املعريف اذلي شهده اجملمتع املعارص‪،‬‬
‫منذرا بتحول يف براديغامت الفهم والتلقي والبناء والرتكيب والتحليل‪ ،‬فاإن ادلور الكرب يقع‬
‫عىل أمه فاعل يف املنظومات الرتبوية وهو املدرس‪.‬‬
‫ويضيف الباحث (جرموين)‪ ،‬أن التحدي الثاين‪ ،‬القميي ل يقل أمهية عن الول‪ ،‬حيث‬
‫يؤكد يف هذا الصدد‪" :‬عالوة عىل التحدي املعريف‪ ،‬هناك حتدي ل يقل أمهية عنه‪ ،‬وهو‬
‫املمتثل يف الإشاكلية القميية‪ ،‬وذكل ابلنظر اإىل معق التحولت اليت هزت العامل‪ ،‬وبشلك‬
‫خاص‪ ،‬جممتعاتنا العربية‪ ،‬فصدمة التحديث وقرسيته ورسعته‪ ،‬خلقت جفوات حقيقية بني‬
‫الجيال‪ .‬وليك نعطي مثال حيا عىل نوعية هذه التحولت القميية‪ ،‬اليت دامهت جممتعاتنا –‬
‫واليت ل نعهيا حق الوعي‪ -‬مسأةل احلرية‪ ،‬فالكثري من املدرسني يعانون الآن يف فصوهلم‬
‫بسبب تغري يف العقليات واملسلكيات والاجتاهات اليت حيملها التالميذ والطلبة‪ ،‬فاإذا اكن‬
‫جيل المس (الس بعينيات أو ما قبهل) يعترب أن سلطة املدرس من سلطة الب‪ ،‬وأن‬
‫جناح العملية الرتبوية رهني بوجود السلطة الرتبوية‪ ،‬فاإن جيل التسعينيات واللفية الثالثة‪،‬‬
‫مل يعد يستس يغ مثل هذه الفاكر‪ ،‬ولهذا فهو ل يقبل بوجود سلطة تربوية كيفام اكنت‪،‬‬

‫‪67‬‬
‫نفسه‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫ولعلين أجازف (نظرا لغياب دراسات علمية حول املوضوع)‪ ،‬بكون أغلب حالت العنف‬
‫اليت تقع يف املؤسسات التعلميية‪ ،‬مردها لهذه الفجوة القميية اليت حدثت –وفق رشوط‬
‫موضوعية‪ -‬لكن مع لك أسف ليس هناك وعي اكف هبا‪ ،‬مما خيلق نوعني من الردود‪،‬‬
‫الكهام غري جمد‪ ،‬احلنني اإىل ماض مالئيك (الطاعة العمياء)‪ ،‬أو فسح اجملال حلرية أوسع‪،‬‬
‫اليشء اذلي يعيق معلية تدبري الفصول ادلراس ية وضامن سري العملية التعلميية ابلشلك‬
‫املطلوب‪."68‬‬
‫لكن السؤال اذلي يطرح يف هذا الصدد‪ ،‬ما يه مس تتبعات هذين التحديني؟ وهل‬
‫ميكن القول اإن المنوذج الفينومنولويج يصلح كآلية للتفسري ولفك السحر عن الظاهرة كام‬
‫يقول السوس يولوجني؟‬
‫جييب الباحث (جرموين) قائال‪ :‬اإذا ما حاولنا أن نفرس بعضا من مس تتبعات هذين‬
‫التحديني‪ :‬املعريف والقميي‪ ،‬عىل سلوك املدرسني ابملنظومة الرتبوية ابملغرب‪ ،‬فاإن بعض‬
‫املعطيات املتوفرة –سواء من خالل حبوث أو اسقصاءات أو ما اإىل ذكل‪ -‬تسمح لنا‬
‫بتشكيل صورة‪-‬ولو جزئية‪ -‬عن واقع همنة التدريس ببالدان‪ .‬فاإذا ما أخذان طريقة التدريس‬
‫مثال‪ ،‬جند أن أغلب التقارير (سواء الوطنية أو ادلولية‪ ،) 69‬تتحدث عن وجود حاةل من‬
‫العجز والعقم يف معلية اإنتاج وإاعادة اإنتاج املعرفة‪ ،‬فالغالب يف ممارسات هذه الفئة ميلها اإىل‬
‫احللول السهةل والساذجة‪.‬حيث يطغى الإمالء والرسد واحلشو بدون فائدة‪ ،‬وتقل فرص‬
‫النقاش وبناء املفاهمي وتدريب التالميذ عىل وضعيات حيرض فهيا اذلاكء واليقظة املعرفيني‪.‬‬
‫ولهذا فقوةل املفكر الإيطايل "غراميش" تنطبق عىل هذه الفئة‪ ،‬عندما اعتربها كعينة من‬
‫املثقفني التقليديني‪ ،‬اكلكهنة واملوظفني التنفيذيني اذلين يواصلون فعل الش ياء نفسها من‬
‫‪68‬‬
‫نفسه‪.‬‬
‫‪69‬‬
‫‪Voir à ce propos, le rapport suivant :les clés du succès des systèmes‬‬
‫‪scolaires les plus performants, Mckinsey and Company, septembre,‬‬
‫‪2007.http://www.mckinsey.com/App_Media/Images/pages_Images/offices/soci‬‬
‫‪alsector/PDF/How worlds best performing French.PDF.‬‬

‫‪46‬‬
‫جيل اإىل أآخر"‪ ،‬أو كام سامها بورديو‪ ،‬هبابيتوس" أي العادة‪ " .‬يه اليت تتحمك يف هذه‬
‫الفئة‪ ،‬ولهذا ترامه يكرهون ادجديد يف املسلكيات واملهنجيات وتغيري املقررات وايقاعات‬
‫ادلراسة‪ ،‬أو تكثيف الزايرات الرتبوية‪ ،‬أو احلضور للتكوينات اليت تقام بني الفينة‬
‫والخرى‪ ،...‬اإىل غري ذكل من املظاهر السلبية‪ ،‬واليت تكشف اإىل أي حد‪ ،‬يصبح ادجسم‬
‫التعلميي‪ ،‬هو الكرث ختلفا عن الركب‪ ،‬بعدما اكن املأمول منه هو قيادة التحولت واقتحام‬
‫العقبات وختطي الصعاب‪( .‬طبعا ل ميكن أن حنمل مسؤولية هذا الوضع‪ ،‬للمدرسني‬
‫وحدمه‪ ،‬فالمر أكرب من ذكل‪ ،‬اإذ هيم من بني ما هيم الرشوط اجملمتعية لإنتاج وإاعادة اإنتاج‬
‫هذه القمي)‪."70‬‬
‫اإن هذه الوقفة مع هذا التحليل اذلي توصل اإليه الباحث (جرموين)‪ ،‬يبني مدى أمهية‬
‫التسلح ابملقارابت النظرية السوس يولوجية لفهم جزء مما يعمتل يف النسق الرتبوي‪ .‬وحنن‬
‫بدورها مل يكن عرضنا للنظرية الفينومنولوجية‪ ،‬من ابت الرتف والتأثيت واحلشو الزائد‪،‬‬
‫بقدر ما هو اختيار مهنجي واع ومقصود هبدف وضع الإشاكلية والفرضيات اليت ننطلق‬
‫مهنا يف هذا البحث يف قالب تأطريي مامتسك –حسب ما نعتقد‪.-‬‬
‫خامسا‪ :‬الاجتاه النقدي‪ ،‬رؤية نقدية لوضاع التعلمي‬
‫ابلرمغ من القمية التفسريية للامنذج التفسريية اليت سقنا أآنفا‪ ،‬فاإن الانفتاح عىل الطر‬
‫النظرية احلديثة واليت شلكت منعطفا ابس متولوجيا يف اترخي السوس يولوجيا‪ ،‬يعد –يف‬
‫نظران‪ -‬أمرا ملحا‪ .‬وعليه‪ ،‬فقد اس تقر رأينا –بعد قراءات متنوعة ومكثفة جملموعة من‬
‫املراجع‪ ،‬أن نس تلهم التوهجات ادجديدة يف مدرسة فرانكفورت‪ ،‬واليت أعطت مفاهمي‬
‫وأطر نظرية جديدة لفهم الظاهرة الرتبوية يف مشوليهتا وتشاباكهتا وأبعادها العالئقية‪ .‬يف هذا‬
‫الس ياق‪ ،‬نتوقف أول عند الاس باب التارخيية مليالد هذه املدرسة‪ ،‬مث بعد ذكل نعطي حملة‬
‫عامة عن مقوماهتا يف عالقة ابلظاهرة الرتبوية‪.‬‬

‫‪70‬جرموين‪ ،‬م‪،‬س‪،‬ذ‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫فقد شلكت "الانتقاضات الاجامتعية والتحولت اليت عرفهتا أوراب والولايت املتحدة‬
‫والانتفاضات الطالبية ‪ ...‬بروز النظرية النقدية عرب مدرسة "فرانكفورت‪" "71‬والواقع أن‬
‫النظرية النقدية تنطوي عىل مدلولني متالزمني‪ ،‬يشري املدلول الول اإىل ذكل الراكم‬
‫النظري اذلي خلفه الفالسفة واملنظرون اذلين ينمتون للمدرسة السابقة‪ ،‬أمثال "اريك‬
‫فروم" و"هربرمتاركيوز" "وتيودور أدرنو" و"هربماس" فهيي وإان اكنت ل تعرب بأي حال‬
‫من الحوال عن فلسفة واحدة منشقة‪ ،‬اإل أن لك فالسفة النظرية النقدية‪ ،‬قد انطلقوا يف‬
‫تنظرياهتم من الإطار الفكري للنظرية املاركس ية حيث تركز نشاط أولئك الفالسفة عىل‬
‫حماولت فردية لعادة النظر يف مفهوم "حترير الانسان"‪ .‬أما املدلول الثاين‪ ،‬فيتصل ابلنقد‬
‫اذلايت الواعي اذلي يقود اإىل التغيري الاجامتعي وحترير الانسان‪ ،‬حيث أكدت املدرسة‬
‫أمهية التفكري النقدي لعتباره أساسا جوهراي لزما لتحقيق التغري الاجامتعي‪. "72‬‬
‫يقربنا الس ياق السوس يواترخيي مليالد مدرسة فرانكفورت‪ ،‬من مجةل أمور‪:‬‬
‫أولها‪ :‬أن النظرية قامت لرد الاعتبار للفاعل الانساين يف مواهجة اتمة للك ما ميكنه أن‬
‫يشيئه لوعي أو بدونه‪ .‬فاملالحظ هو الزنعة الوضعية اليت س يطرت عىل الاجيال‬
‫السوس يولوجية‪ ،‬خلقت ترااث يف التعامل مع الظواهر الاجامتعية بنوع من العلموية الفجة‪،‬‬
‫اليشء اذلي أفقد هذه الظواهر الكثري من اإنسانيهتا ودللهتا العميقة‪ .‬ولهذا اكنت هذه‬
‫املدرسة كجواب نقدي عن الوضع القامئ‪ ،‬خصوصا يف حقل الرتبية املفعم ابلنسانية‬
‫وابملعاين‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬اإضفاء بعد اترخيي يف حتليل الظواهر الاجامتعية –مبا فهيا الظاهرة الرتبوية‪ ، -‬اإذ‬
‫احلاصل مع النظرايت السابقة‪ ،‬خصوصا ذات النفس الإمربيقي الاخزتايل‪ ،‬أهنا ويه‬
‫تدرس خمتلف الظواهر‪ ،‬تتغافل –بوعي او بدونه‪ -‬عن اس تحضار خمتلف الس ياقات‬
‫السوس يواترخيية اليت تفعل فعلها يف الظاهرة‪ .‬مفثال ل ميكن فهم مكوانت اخلطاب الرتبوي‬

‫‪71‬ميكن اعتبار البداية الفعلية لهذه املدرسة س نة‪ ،1924‬حيث مث اإنشاء معهد البحوث الاجامتعية مبدينة فرانكفورت الملانية‪،‬‬
‫عىل يد ثةل من الباحثني‪ :‬أدورنو‪ ،‬هواكمير‪ ،‬ماركيوز (ادجيل الول)‪ ،‬أما ادجيل الثاين‪( ،‬هابرماس)‪ .‬وقد طور هؤلء الباحثون‬
‫براديغام نقداي جديدا ملقاربة الظواهر السوس يولوجيةوالسوس يوس ياس ية وغريهام من الظواهر‪ .‬انظر للمزيد حول هذه املدرسة‪ :‬توم‬
‫بومتور‪ ،‬مدرسة فرانكفورت‪ ،‬ترمجة‪ ،‬سعد جهرس‪ ،‬دار أواي‪ ،‬طرابلس‪ ،‬ليبيا‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.2004 ،‬‬
‫‪72‬‬
‫حمدي علي‪ ،‬م‪ ،‬س‪ ،‬ذ‪ ،‬ص‪.190 ،‬‬

‫‪48‬‬
‫اليوم ابملغرب مكثال‪ ،‬اإل ابلرجوع اإىل استنطاق الوقائع السوس يواترخية اليت تفاعلت‬
‫وأثرت بشلك مبارش عىل مورفولوجيته‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬اس تتباعا ملا س بق‪ ،‬فاإن ما ميزي مدرسة "فرانكفورت'‪ ،‬هو طابعها النقدي‪ ،‬واذلي ل‬
‫يعين النقد كام يفهم يف احلس املشرتك‪ ،‬بل اإن النقد يتخذ أبعادا مشولية ‪ ،‬عندما يذهب‬
‫بعيدا يف حفص وتقليب أوجه النظر يف خمتلف زوااي النظر‪ .‬وللتوضيح أكرث ميكن التوقف‬
‫مع التحليل اذلي طرحه الباحث 'جاك قباجني" عندما حاول ان يفهم ملاذا فاجئت‬
‫الثورات العربية النخب العلمية والس ياس ية والااكدميية؟ مقدما جوااب نعتقد أنه يتسم بنوع‬
‫من احلس النظري السوس يولويج املرهف‪ ،‬حيث يقول‪" " :‬فالنظر العلمي يف هذه احلاةل‬
‫هذه وهجته فكرة اس تقرت طويال يف ذهن واضعي الس ياسات يف مراكز الس يطرة‬
‫العاملية‪ ،‬ويه اليت متثلت بأولوية الاس تقرار عىل التغيري‪ ،‬اس تقرار يسمح ابس مترار‬
‫التوازانت الاقلميية الكربى( عىل صعيد الرصاع العريب الارسائييل وتأمينا ملصادر النفط‬
‫وإامداداته مثال) يف ما يتصل بأولوايت الولايت املتحدة المريكية وأوراب‪ ."73...‬ويرجع‬
‫الباحث السبب يف حصول هذا التحول العلمي يف‬
‫الرباديغاملسوس يولوجيوالسوس يوس يولويج‪ ،‬ابلتأثر الامعى بنظرية "فيرب" دومنا القدرة عىل‬
‫التدقيق النقدي جململ تصورهتا ومفاهميها ومدى صالحيهتا للس ياق اذلي تنقل اإليه‪.‬‬
‫وينهتيي الباحث يف نقده للمجموعة العلمية يف الوطن العريب‪ ،‬اإىل اإغفالها البحث يف‬
‫"ادليناميات والقوى الاجامتعية والرصاع الاجامتعي خارج نطاق التعارض بني السلطة‬
‫والنخب"‪ .‬ويتحرس الباحث –مرة أخرى‪" ، -‬أنه ملاذا غابت مشالكت اكنت حارضة يف‬
‫اهلم البحيث يف س تينيات وس بعينيات وبعض مثانينيات القرن املايض‪ ،‬عىل الرمغ من أن‬
‫الرشوط التارخيية اليت أفرزهتا ما زالت قامئة‪ ."74‬اإن هذا املثال اذلي اس تحرضانه يف‬
‫س ياق حتليل أمه مرتكزات النظرية النقدية‪ ،‬يأيت لتقدمي توضيحات اإضافية عن طبيعة‬
‫النقد اذلي تتخذه املدرسة مكرتكز أساي يف دراس هتا‪ ،‬ويف تناولها للظواهر الاجامتعية‬
‫بصفة عامة‪.‬‬

‫‪73‬جاك قباجني‪ ،‬ملاذا فاجأتنا انتفاضتا تونس ومرص‪ ،‬م‪ ،‬س‪ ،‬ذ‪ ،‬ص‪.12 ،‬‬
‫‪74‬نفسه‪ ،‬ص‪.13 ،‬‬

‫‪49‬‬
‫رابعا‪ :‬اإذا اكن النقد –كام يتبدى يف التحليل السابق‪ -‬ذو منحى ابس متولويج‪ ،‬فاإنه يتخذ‬
‫أبعادا "حتزيية‪ ،"75‬ولهذافاإهنذا النقاش هو اذلي س يدفع يف اجتاه اإعادة النظر يف الرباديغم‬
‫احلامك للنظرية الوضعية وملسلامهتا ولفرضياهتا‪ ،‬فالنظرية املاركس ية وجدت نفسها يف مأزق‬
‫تفسريي كبري‪ ،‬حيث أن احلياد أو املوضوعية ادجامدة والتخيل عن القمي قد يؤدي اإىل‬
‫ضياع حقوق الطبقات الاكدحة واملضطهدة ذلكل دعت اإىل "حتزي قميي اإديولويج"‪ .‬فاكرل‬
‫ماركس "وبعض املاركس يني املتأخرين‪ ،‬وأيضا ابيق أصناف علامء ادجناح اليساري‪ ،‬يبحثون‬
‫عن اجملموعات اليت يكون منظورها اخلصويص أكرث قدرة عىل الكشف‪،revealing‬‬
‫ومينح ولوجا امتيازاي‪ privileged‬للحقيقة حول اجملمتع‪ .‬وبعبارات أخرى‪ :‬بدل من تأكيد‬
‫الكونية‪ ،‬فاإهنم يؤكدون بعض‪ ،‬ما ميكن افرتاضه عىل أنه خصوصية منفتحة‪ .‬وقد متخض‬
‫هذا الوعي عن وجود مقرتحني‪ .‬الول يعمل عىل فضح مواقف املهمينني‪ ،‬اذلين ميارسون‬
‫المتيزي والظمل ضد الطبقات الاكدحة‪ ،‬حيث يعري ‪ debunk‬أيديولوجياهتم‪ .‬أما التوجه‬
‫الثاين فقد س بق أن عرب عنه الرتاث الالكس ييك منذ ماركس نفسه‪ ،‬ومتت بلورته بشلك‬
‫أكرث وضوحا‪ ،‬من طرف جورج لواكش‪ Georgy Lukacs‬يف كتاب"التارخي والوعي‬
‫الطبقي " ‪ ، (Lukacs 1971( History and Class Consciousness‬عندما‬
‫اعترب أن عىل عامل الإجامتع‪ ،‬أن يتبىن وهجة نظر الربوليتاراي‪ .‬وأعضاء هذه الطبقة‪ ،‬اذلين‬
‫مه الكرث اضطهادا‪ ،‬واس تغالل ومزنوعي الإنسانية يف النظام الرأساميل " ليس دلهيم ما‬
‫خيرسون ما عدا ترابطهم" كام وضع ذكل ماركس واجنلز يف البيان الش يوعي ‪(Marx and‬‬

‫‪75‬رمغ أن التحزي مرض بعملية الفهم يف الظواهر السوس يولوجية‪ ،‬لكننا نس تخدمه هنا مبعىن اختاذ مواقف من القضية الاجامتعية‬
‫لبعض الفئات ولبعض الطبقات ولبعض الايدولوجيات واملذهبيات اليت حتتاج اإىل س ند علمي يف مراحل من سريورهتا التارخيية‪،‬‬
‫انظر يف هذا الصدد‪ ،‬ل‪ :‬محمد مصباح‪ ،‬العودة اإىل القمي يف النظرية السوس يولوجية"‪PiotrSztompka, THE RETURN ،‬‬
‫‪TO VALUES IN RECENT SOCIOLOGICAL THEORY, In Peter Hedstrom, Bjorn Wittrock‬‬
‫‪(edited by), Frontiers of sociology, 2009, (Annals of the International Institute of Sociology,‬‬
‫‪11), Leiden.‬‬

‫‪( ،2013‬لبنان) (‪،21-‬خريف وش تاء‪ ، - 2012 ،‬اجملةل العربية لعمل الاجامتع‪ ،‬العددان‪(20،‬اإضافات)ترمجة محمد مصباح )‬

‫‪50‬‬
‫‪ ،CommunistManifesto)Engels 1848/1998‬إاذن فهم ل ميتلكون أي مصلحة‬
‫يف اإخفاء حقائق الواقع الإضطهادية‪.76‬‬
‫بعدما حاولنا أن نقدم بعض التصورات واملرتكزات النظرية اليت انبىن علهيا المنوذج‬
‫النقدي‪ ،‬نتساءل كيف وظف هذه املفاهمي والطروحات يف الاقرتاب من الظاهرة الرتبوية‬
‫يف اجملمتعات املعارصة؟‬
‫عندما ننتقل‪" ،‬اإىل مفهوم النظرية النقدية ورؤيهتا للنظام الرتبوي يف اجملمتع‪ ،‬فاإننا جند يف‬
‫البداية اهامتما ابلغا يربط الرتبية ابملصا ح الاجامتعية والاقتصادية‪ ،‬فاملعرفة العلمية تنشأ‬
‫وتتكون اجامتعيا وترتبط من حيث يه كذكل –ابملقاصد والغاايت الانسانية‪ -‬اإن مفهوم‬
‫املعرفة كتكوين اجامتعي للتالميذ يف املدارس تنطوي عىل اإماكنية اس تخداهما كتربير‪،‬‬
‫وحمرر متكن اس تخداهما يف توضيح املصا ح الاجامتعية والس ياس ية‪ ،‬رمغ ما يبدو علهيا من‬
‫خلو من قمي‪."77‬‬
‫وتسعى النظرية النقدية يف املقام الول‪ ،‬اإىل حترير الانسان من القهر اذلي متارسه النظم‬
‫الرتبوية يف اجملمتع‪.‬‬
‫يف هذا الس ياق النظري واملفاهميي‪ ،‬ميكننا قراءة بعض العامل اليت صدرت متاهيا مع هذا‬
‫التوجه‪ ،‬نذرك عىل سبيل املثال ل احلرص‪ ،‬أعامل "اإيفان ايليتش" وادلاعي اإىل جممتع بدون‬
‫مدرسة (‪ .)Deschooling78Society‬ولعل الفكرة ادجوهرية اليت طرهحا هذا الباحث‪،‬‬
‫تمتثل يف كونه يرى "أن املدرسة اليوم‪ ،‬ابعتبارها مؤسسة تربوية حتولت يف لك اجملمتعات‬
‫بدون اس تثناء اإىل أداة تطويع تسلب الانسان لك أسلحته اليت متكنه من احلياة احلرة‬
‫الكرمية‪ ،‬لتجعل منه اكئنا بال إارادة وبال اختيار يقبل لك ما يعرض عليه يف سلبية وجعز‬
‫اتمني‪ .‬وهكذا تتحول املدرسة من مؤسسة منوط هبا يف الاصل أن تمني الافراد وتعدمه‬
‫لتحمل مسؤولية اجملمتع يف املس تقبل اإىل أداة تعرقل هذا المنو وتسزتف طاقات اجملمتع ل‬
‫‪80 79‬‬
‫لتحقيق أهدافه‪ ،‬وإامنا لتحقق نتاجئ سلبية‪ ،‬تناقض وأهداف املدرسة "‪.‬‬
‫‪76‬مصباح‪ ،‬مرجع سابق الذكر‪،‬ص‪.18،‬‬
‫‪77‬‬
‫حمدي علي‪ ،‬م‪ ،‬س‪ ،‬ذ‪ ،‬ص‪.191 ،‬‬
‫‪78‬‬
‫مما يالحظ على بعض الكتابات االتربوية باللغة العربية المغربية تحديدا‪ ،‬هو أنها عملت –بدون وعي – على استلهام‬
‫هذا المفهوم ومحاولة اقحامه في التجربة المغربية‪ ،‬كما هو الشأن لمؤلف "مجتمع بدون مدرسة" لمصطفى اللحية‪( ،‬‬
‫‪79‬‬
‫حمدي علي‪ ،‬م‪ ،‬س‪ ،‬ذ‪ ،‬ص‪.196 ،‬‬

‫‪51‬‬
‫من هجة أخرى‪ ،‬جند أن "النظرية النقدية‪،‬هتمت بدراسة مواقف الفئات الاجامتعية‬
‫املقهورة‪ ،‬ففي اجملمتع الرأساميل حيث تسود عالقات قوى‪ ،‬وس يطرة معينة‪ ،‬واثنيا هتمت هذه‬
‫النظرية بوضع افرتاضات عن كيفية تشكيل هؤلء املقهورين ملعرفة تتناسب مع اكرث أبعاد‬
‫ثقافاهتم الطبقية‪ .‬وعليه فالنظرية يف حتليلها للمعرفة العلمية وكذكل يف دراس هتا املدرس ية‬
‫تدعو اإىل النظر اإلهيا نظرة نقدية ابس تخدام املهنج ادجديل اذلي يساعد عىل دراسة‬
‫الثقافات الطبقية املقهورة وأشاكل النضال املتضحة فهيا‪ ،‬يف سعي لكتشاف اإماكانت‬
‫املعارضة الرتبوية‪ ،‬والس ياس ية يف احلارض" وبدون شك يف املس تقبل‪ .‬وليك نقرتب من‬
‫هذا املبدأ اذلي تدعو اإليه هذه النظرية‪ ،‬ميكن التساؤل عن مدى حتقق احلرية يف‬
‫املؤسسات الرتبوية ببالدان؟ وهل تسمح الرشوط املؤسساتية يف تبلور وعي حر ونقدي‬
‫اجتاه العديد من املسلكيات‪ ،‬ومهنا بشلك خاص ترشب قمي املواطنة اليت حنن بصدد‬
‫حتليلها؟‬
‫يصعب من الناحية املهنجية‪ ،‬تقدمي جواب عن السؤال‪ ،‬لن هذا الامر يقتيص منا دراسة‬
‫مس تقةل‪ ،‬لكن حسبنا أن نشري اإىل بعض العنارص الولية يف املوضوع‪.‬‬
‫بداية جند أنه رمغ وجود خطاب رمسي ومتوافق بشأنه بأن املدرسة فضاء للتفتح وحتقيق‬
‫اذلات واحلرية واملسؤولية‪ ،‬وهذا ما جنده يف لك الرؤى واملواثيق اليت أنتجها العقل امجلعي‬
‫للمغاربة طيةل الس نوات الخريى‪ .‬لكن واقع احلال‪ ،‬يبني أننا إازاء واقع يتسم ابلقهر‬
‫وابلكبت وابلعنف الرمزي كام قال بذكل "بورديو"‪ .‬وللتدليل عىل هذه الفرضية‪ ،‬ميكن‬
‫تأمل العنارص التالية‬
‫‪ -1‬تضخمي البند ادجزايئ‪ ،‬واملتجيل يف املراقبات والامتحاانت‪ ،‬وفرض املواد عىل التلميذ‪،‬‬
‫وتواطؤ املدرسة مع أولياء المور يف ترس يخ هذه ادجزاءات‪.‬‬
‫‪-2‬اعامتد املعدل احلسايب‪ ،‬واذلي يسجن املتعلمني يف عنق الزجاجة‪ .‬ويعيش" الطالب‬
‫يعيش اترخيه الاكديميي مرتعدا‪ ،‬املعدل احلسايب س يفا مسلطا فوق رأسه الطالب ليك ل‬

‫‪80‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص‪.191 ،‬‬

‫‪52‬‬
‫يسمح هذا الاخري لنفسه بفرتات ارختاء يف الانضباط والعمل‪ .‬أو حىت من خالل‬
‫(التقومي املس متر‪)"81‬‬
‫‪-3‬تعمل املؤسسة التعلميية‪ ،‬عىل فرض النظام ادلاخيل للمؤسسة ‪82‬وتلزم املتعلمني‬
‫بتطبيقة رمغ أهنم مل يسامهوا يف بلورته ول حىت الاطالع عليه‪ .‬ولك من خالف هذا‬
‫النظام يكون مصريه‪ ،‬الرسوب أو الطرد أو يف احسن احلالت التشويش عىل صورته‬
‫داخل املؤسسة‪ ،‬من خالل تروجي بعض الحاكم المنطية اليت تبقى لصقة يف ذهن التلميذ‬
‫طيةل مساره ادلراي (مشاغب‪ ،‬كسول‪)..‬‬
‫اإن ثقافة احلرية حتتاج ابلتأكيد اإىل قوانني‪ ،‬ليك ل تتحول اإىل فوىض وتسيب واس هتتار‪،‬‬
‫لكهنا حباجة أيضا اإىل مس توايت من الفهم والتزنيل والارشاك للتالميذ والتلميذات وأولياء‬
‫المور بشلك قبيل ودامئ‪ .‬وليس يف املناس بات القليةل واحملتشمة‪ .‬ولعل حديثنا عن قمي‬
‫املواطنة يف هذه الاطروحة‪ ،‬يتقاطع مع بعض من عنارص التحليل اذلي سقناه قبال‪،‬‬
‫وهذا ما يدل عىل أن اس تدعاءان للطر النظرية‪ ،‬هل ما يربره من الناحية املهنجية والعملية‪.‬‬

‫‪ 81‬انظر ادلراسة القمية‪ ،‬لنخةل وهبة‪ ،‬جودة ادجودة يف الرتبية‪ ،‬منشورات جمةل علوم الرتبية‪ ،‬العدد‪ ،6 ،‬ادلار البيضاء‪ ،‬املغرب‪،‬‬
‫‪ ،2005‬امللحق رمق‪ ،3،‬ص ص‪.140-127 ،‬‬
‫‪82‬لعل يف الامس دلةل قوية عىل العنف اللغوي اذلي متارسه هذه التسمية عىل وعي وخميال التالميذ‪ ،‬قبل تطبيق بنوده‪ ،‬وهذا‬
‫جمال لدلراسة ميكن للباحثني التقاط بعض من عنارصه لالش تغال عليه يف املس تقبل‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫القسم الثاين‬
‫املنظومات الرتبوية ابلوطن العريب‬
‫بني مظاهر الازمة وحتدايت املس تقبل‬

‫‪54‬‬
‫على سبيل االستهالل‪ :‬السياق والدواعي والمقاربة‬

‫هناك صراع حمموم دخله العامل أمجع‪ ،‬بفعل التطورات املدهشة اليت يعرفها وسيعرفها جمال‬
‫املعرفة‪ ،‬ولعل هذا ما حدا ببعض الباحثني العرب‪ 83‬للحديث عن داروينية املعرفة‪ ،‬نسبة إىل‬
‫الرباديغم العلمي الذي أبدعه العامل "تشارلز داروين"‪ ،‬حول أصل األنواع‪ ،‬وحتمية الصراع‬
‫الذي مييز الكائنات احلية‪ ،‬وقد استدمج هذا املفهوم يف حقل العلوم اإلنسانية للداللة على‬
‫شراسة الصراع الذي يرتبط بإنتاج املعرفة‪ ،‬واحتكارها والسبق إليها‪ .‬وهلذا مل يكن مستغربا أن‬
‫يتحدث تقرير التنمية البشرية األخري (‪ ،)2013‬عن التحول المعرفي الذي حصل بني بلدان‬
‫الشمال وبلدان اجلنوب‪ ،‬حيث أشار التقرير إىل ما حتقق يف بعض دول اجلنوب (الصني واهلند‬
‫والربازيل وكوريا اجلنوبية وتركيا‪ )...‬من حتوالت يف مؤشراهتا التنموية‪ ،‬واليت تتمظهر يف "ارتفاع‬
‫نصيب الفرد من الدخل القومي‪ ،‬ويف مؤشري الصحة والتعليم‪ ،‬وهذه املؤشرات هي اليت‬
‫مسحت هلذه الدول بأن تتبوأ مكانة متصدرة يف االقتصاد العاملي‪ ،‬واليت ستؤثر يف مستقبل‬
‫الكون‪ ،‬وستعطي إمكانية هلذه الدول لكي تقود البشرية يف جماالت الصناعة الدقيقة‬
‫والتكنولوجيات احلديثة ويف غريها من اجملاالت وامليادين‪."84‬‬

‫وحنن عندما نستحضر هذا السياق العاملي‪ /‬الكوين‪ ،‬فإمنا لنفهم أن جمتمعاتنا العربية ليست‬
‫معفاة من هذا الصراع‪ ،‬وأهنا إن مل تتملك شروطه ومداخله احلقيقية‪ ،‬فإهنا ستحكم على‬

‫‪ 83‬نبيل علي‪ ،‬احلاصل على دكتوراه يف هندسة الطريان‪ ،‬ورائد "تكنولوجيا املعلوميات باللغة العربية"‪ ،‬واملؤلف للكثري من‬
‫الكتب واملسامهات العلمية القيمة يف جمال "جمتمع املعرفة واقتصادياهتا"‪ ،‬نذكر منها على سبيل املثال‪ " ،‬العقل العريب وجمتمع‬
‫املعرفة يف جزأين‪.‬‬
‫‪84‬انظر تقرير التنمية البشرية لسنة ‪ ،2013‬حتت عنوان‪" :‬هنضة اجلنوب‪ :‬تقدم بشري يف عامل متنوع"‪ ،‬والصادر عن برنامج‬
‫األمم املتحدة اإلمنائي (‪ ،) UNDP‬وميكن االطالع على التقرير كامال يف املوقع اإللكوروين‬
‫التايل‪http://hdr.undp.org:‬‬

‫‪55‬‬
‫نفسها باملوت والزوال‪ .85‬وهلذا فإن السياق يفرض علينا أن نتوقف عند أهم عامل حاسم يف‬
‫النهوض مبجتمع املعرفة يف املنطقة العربية‪ ،‬وهو املنظومة الوربوية والتعليمية‪ - ،‬بكل ما حتمله‬
‫من دالالت ومعاين ومبادئ وقيم وأطر نظرية وتطبيقية‪ ،-‬وقفة تأمل ونقد واستشراف‬
‫للمستقبل‪ .‬ألن املتمعن يف جتارب األمم املتقدمة‪ - ،‬واليت حققت نواتج يف رصيدها العلمي‬
‫واملعريف‪ ،-‬خيلص إىل أن الوركيز على املنظومة الوربوية‪ ،‬يشكل أوىل األولويات اليت ميكن من‬
‫خالهلا بناء النموذج التنموي املنشود‪.‬‬

‫بيد أن املتأمل يف وضعية املنظومات الوربوية العريب‪ ،‬يلحظ كيف أهنا تعاين من جمموعة من‬
‫املفارقات اليت تصيب باحلرية والدهشة‪ ،‬إذ يف الوقت الذي ارتفعت فيه ميزانيات التعليم يف‬
‫السنوات األخرية يف العديد من البلدان العربية‪ ،86‬فإن الواقع ال زال ينذر باستفحال واقع هذه‬

‫‪ 85‬يذكر الباحث العريب واخلبري الدويل يف جمال العلوم والتقنيات‪ ،‬أنطوان زحالن" أن جمموعة من الدول األسيوية واإلفريقية‪،‬‬
‫تعرضت ألضرار عظيمة خالل القرن التاسع عشر‪ ،‬نتيجة جهلها باملستجدات العلمية والتكنولوجية اليت كانت تتحقق يف‬
‫أماكن أخرى من العامل‪ ،‬انظر مؤلفه‪" :‬العلم والسيادة‪ :‬التوقعات واإلمكانات يف البلدان العربية"‪ ،‬مركز دراسات الوحدة‬
‫العربية‪ ،‬ترمجة‪ ،‬حسن الشريف‪ ،‬ط األوىل‪ ،2012،‬ص‪ ،29 ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ 86‬يذكر "أنطوان زحالن "‪ ،‬أن العديد من الدول العربية ازدادت خمصصاهتا للتعليم العايل من ‪ 3،77‬ماليري دوالر إىل‬
‫‪ 16،26‬مليار دوالر‪ ،‬ما بني ‪ 1998‬إىل سنة ‪. 2000‬ولإلشارة فهذه االحصائيات تعود لسنة ‪ ،2009‬انظر‪ :‬أنطوان‬
‫زحالن‪ "،‬العلم والسيادة‪ :‬التوقعات واإلمكانات يف البلدان العربية"‪ ،‬م‪ ،‬س‪ ،‬ذ‪ ،‬ص‪.115 ،‬لكن بالرغم من ذلك تبقى هذه‬
‫امليزانيات اليت هتم املنطقة العربية أقل بكثري من حجم االنفاق يف دولة مثل مجهورية كوريا‪ ،‬واليت ازدادت حصتها على‬
‫"البحث والتطوير تساوي ضعف حصتها من الناتج احمللي االمجايل"‪ .‬وتبني األرقام التالية حجم التباين بني املنطقة العربية‬
‫ومجهورية كوريا‪ ،‬حيث يف الوقت الذي جند فيه أن الدول العربية‪ ،‬أنفقت على البحث والتطوير لكل باحث يف سنة ‪،2007‬‬
‫ما مقداره (‪ 68.7‬آالف دوالر أمريكي)‪ ،‬فإن مجهورية كوريا‪ ،‬أنفقت ما مقداره (‪ 186.3‬آالف دوالر أمريكي)‪ .‬انظر‬
‫"تقرير اليونسكو عن العلوم لعام ‪ :2010‬الوضع احلايل للعلوم يف خمتلف أحناء العامل"‪ ،‬امللخص التنفيذي (باللغة العربية)‪،‬‬
‫التايل‪:‬‬ ‫الرابط‬ ‫انظر‬ ‫‪،12‬‬ ‫‪،2010‬ص‪،‬‬ ‫اليونسكو‪،‬‬ ‫منشورات‬
‫‪ .http://unesdoc.unesco.org/images/0018/001899/189958e.pdf‬وجتدب الاشارة‪،‬‬
‫أنه رمغ وجود هذه الفوارق بني ادلول العربية ومجهورية كوراي‪ ،‬فاإن ذكل ل مينع من التأكيد عىل أن بعض ادلول العربية‪-‬منفردة‪-‬‬
‫قد ضاعفت من خمصصاهتا املالية للبحث العلمي‪ ،‬لكن ذكل مل يؤثر بشلك كبري يف نوعية خمرجاهتا‪ ،‬وهو ما يؤكد الفرضية اليت‬

‫‪56‬‬
‫املنظومات‪ ،‬أو ما مساه البيان املشهور لوزراء العرب‪ ،‬ب"مشهد التدهور" ‪ .‬إال أن أهم‬
‫األعطاب ‪-‬يف نظرنا‪ ،-‬و اليت ال زالت تشرط املنظومة الوربوية‪ ،‬تتعدى ما هو مادي وكمي‪،‬‬
‫كضعف التعلمات وارتفاع نسبة اهلدر املدرسي‪ ،‬أو الالتطابق بني خمرجات التعليم وسوق‬
‫الشغل أو ارتفاع أعداد األميني أو غريها من املظاهر اليت سنأيت على بعضها يف سياق هذه‬
‫الورقة‪ ،‬إىل ما هو أكرب وأعم‪ ،‬وهو تراجع األدوار الريادية لمؤسسات التربية والتعليم‪،‬‬
‫والبحث العلمي والجامعات‪ ،‬عن أداء مهماتها في نقل المجتمعات العربية من حالة‬
‫التردي والتبعية والذيلية إلى حالة العافية والندية واالستقالل واالعتماد على الذات‪ ،‬ومن‬
‫ثم إلى خلق مجتمع المعرفة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى‪.‬‬

‫إن هذه املفارقة أو لنقل املفارقات اليت تسم الوضعني التعليمي والعلمي بربوع الوطن العريب‪،‬‬
‫جتعلنا نتساءل‪ :‬ملاذا تستمر منظوماتنا التعليمية العربية يف إنتاج وإعادة إنتاج األزمة بكل‬
‫جتلياهتا ومظاهرها؟ هل هي أزمة منظومات تعليمية‪ ،‬أم هي أزمة جمتمعات عربية يف أبعادها‬
‫التنموية الكلية والشمولية؟ كيف ميكن أن نفهم سر هذه املفارقة اليت تسم الوضع التعليمي‬
‫العريب‪ ،‬حيث ترتفع فيه حجم امليزانيات ويف نفس الوقت توراجع فيه النواتج املنتظرة؟ وهل‬
‫منظوماتنا التعليمية حتتاج فقط إىل إصالح أم أهنا حتتاج إىل تغيري يف رؤيتها ومبادئها‬
‫ومنطلقاهتا وآليات اشتغاهلا؟ وأخريا ما هي اآلفاق املستقبلية اليت ميكن التفكري فيها لربح‬
‫رهانات التحديات املعرفية والعلمية؟‬

‫تلك األسئلة‪ ،‬أو لنقل اإلشكاالت اليت سنحاول يف هذه املسامهة املتواضعة أن نالمسها‪،‬‬
‫معتمدين على منهج نقدي‪ ،‬ال يقف عند حلظة التشخيص حلال املنظومات التعليمية العربية‪،‬‬

‫ننطلق مهنا يف هذا املقال‪ ،‬واليت ل ترجع تردي الوضاع العلمية يف الوطن العريب‪ ،‬فقط اإىل هو مادي رصف‪ ،‬بقدر ما هناك‬
‫عوامل مركبة تتداخل لتسم الوضع العريب العام‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫بقدر ما يسعى إىل جتاوزها إىل حلظة التفكري يف اجوراح احللول أو املداخل املمكنة لتجاوز‬
‫"مشهد التدهور"‪ .‬وحنن نعتقد أن هذه املقاربة املتواضعة‪ ،‬كفيلة بأن تستنهض مهم الباحثني‬
‫‪87‬‬
‫اليت ستحدث أو احملدثة‪ ،‬لكي يتم استدعاء هذا‬ ‫والفاعلني اجلدد‪ ،‬واملؤسسات البحثية‬
‫النقاش العلمي واألكادميي‪ ،‬يف دائرة التفكري املستقبلي حلال ومآل املنظومات الوربوية العربية‪،‬‬
‫مستحضرين يف اآلن نفسه‪ ،‬أن العامل مير مبرحلة انتقالية شديدة التعقيد والوركيب‪ ،‬واليت من‬
‫بني ميزاهتا البحث عن التكتالت االقتصادية والعلمية واملعرفية واألمنية‪.‬‬

‫أوال في تشخيص أزمة المنظومات التربوية العربية‪ ،‬بين النزعة‬


‫االختزالية والرؤية النقدية‪:‬‬

‫‪ -1‬في الطبيعة المركبة لألزمة التربوية بالوطن العربي‪:‬‬

‫ساد يف اآلونة األخرية يف خطابات النخب والقادة وحىت بعض املختصني يف حقل الوربية‬
‫والتعليم‪ ،‬منظور اختزايل لواقع أزمة املنظومات الوربوية العربية‪ ،‬وذلك بالوقوف عند حالة األمية‬
‫اليت ال زالت تعيق عملية اإلقالع املعريف احلقيقي‪ ،88‬أو عندما يتم احلديث عن حالة‬

‫‪87‬نتصور أن مجموعة من املؤسسات البحثية الرمسية أو اخلاصة اليت أنشئت أو اليت س تنشأ مس تقبال ميكن أن تقوم بدور رايدي‬
‫يف الهنوض ابلوضع التعلميي واملعريف والبحيث ابلوطن العريب‪ .‬وميكن أن نذكر عىل سبيل املثال‪ ،‬مؤسسة "محمد بن راشد أآل‬
‫مكثوم"‪ ،‬أو من خالل املؤسسات الاكدميية‪ ،‬مكؤسسة احلسن الثاين للعلوم والتكنولوجيا ابملغرب‪ ،‬أو أاكدميية العلوم للبحث‬
‫والتكنولوجيا مبرص‪ ،‬أو من خالل "أاكدميية العرب للعلوم بلبنان‪ ،‬أو الااكدميية الفلسطينية للعلوم والتكنولوجيا‪ .‬ولكها مؤسسات‬
‫لها من اإلمكانيات والقدرات البشرية والمعرفية الشيء الكثير‪ ،‬والذي يمكن أن يوجه النقاش العلمي والمعرفي والبحثي‬
‫في ربوع الوطن العربي‪.‬‬
‫‪88‬حسب آخر املعطيات املتوفرة‪ ،‬وصل عدد األميني بالوطن العريب بلغ ‪ 97.2‬مليون شخص من أصل حوايل ‪ 340‬مليون‬
‫نسمة‪ ،‬أي نسبة ‪ 27.9‬يف املائة من جمموع السكان حسب ما توصلت إليه المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم‬
‫(األلسكو)‪ ،‬شتنبر‪ .2013 ،‬وتجدر اإلشارة إلى أن تقرير "المعرفة العربي لسنة ‪ ،2011‬تحدث عن رقم أقل من‬
‫السابق‪ ،‬حيث ذكر أن عدد األميين بالوطن العربي يصل إلى ‪ 60‬مليون أمي‪ ،‬ثلثاهم من النساء‪(،‬انظر تقرير المعرفة‬
‫العربي لسنة ‪ ،2011‬الفصل الثالث‪،‬ص‪ .)88،‬والمالحظ هو الفرق الكبير بين الرقمين‪ ،‬مما يثير عدة عالمات‬

‫‪58‬‬
‫الالتطابق بني خمرجات التكوين‪ ،‬وبني ما حتتاجه األسواق الوطنية واإلقليمية والدولية‪ ،‬من‬
‫كفاءات مؤهلة‪ ،89‬أو حىت عندما يتم الوقوف عند غياب االلتقائية بني برامج ومناهج‬
‫التعليم وبني منظورات التنمية‪ .‬والواقع أن "أغلب البلدان العربية أصبحت تواجه مشاكل مركبة‬
‫يف األنظمة التعليمية‪ ،‬يزيد من تعقيدها ما تولد عن الكشوف اليت نتجت عن ثورة تقنيات‬
‫املعلومات‪ .‬فأصبحت املطالب مضاعفة واختلطت فيها حتديات األمس بتحديات اليوم‬
‫والغد"‪ .90‬وقد سبق أن حتدث الكثري من الباحثني واملهتمني باحلقل الوربوي‪ ،‬عن طبيعة األزمة‬
‫اليت تسم املنظومات الوربوية العربية‪ ،‬حيث شخصها البعض يف كوهنا تعرف أزمة مركبة‪،‬‬
‫و"مشولية ومتعددة العوامل‪ ،‬ومتسمة بتشابك عالئقي مركب منتظم ألبعادها وعناصرها‬
‫املختلفة‪ ،‬إهنا‪ :‬أزمة انطالقة‪ ،‬وأزمة اشتغال و سريورة‪ ،‬وأزمة مآل‪."91‬‬

‫تأسيسا على ما سبق‪ ،‬نتساءل ما هي أهم مظاهر األزمة الوربوية يف الوطن العريب؟ وما هي‬
‫مستتبعات مظاهر األزمة األكثر تأثريا يف حال ومآل تلك املنظومات؟ و أخريا ما هي أهم‬

‫استفهام أيهما نتبع‪ :‬الرقم األول أم الثاني؟ ولعنا من خالل هذا التضارب في المؤشرات‪ ،‬نريد أن نؤكد على مسألة‬
‫هامة‪ ،‬وهي ضرورة توحيد وتحيين المعلومات والمؤشرات الرقمية الخاصة بالوطن العربي في أفق الوصول إلى نتائج‬
‫أكثر دقة وموضوعية‪ ،‬حتى تتضح الرؤية ‪--‬أكثر وحتى نكون في قراءتنا للوضع العربي أكثر إنصافا‪ ،‬بدل الوقوع‬
‫في متاهات التضارب باألرقام‪ ،‬والتي تؤثر في مصداقية بعض هذه المؤسسات اإلقليمية‪.‬‬
‫‪ 89‬يتحدث آخر تقرير ملنظمة الوربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)‪ ،‬املوسوم ب (تعليم املهارات)‪ ،‬أن الوطن العريب يفتقر فيه‬
‫الشباب ملؤهالت مهارية لالندماج يف سوق الشغل‪ ،‬حيث جند أن " واحد من كل مخسة أشخاص يفتقرون على أبسط‬
‫املهارات األساسية"‪( ،‬انظر ملخصا عن التقرير يف‪EFA GLOBAL MONITORING :‬‬
‫‪REPORT,YOUTH AND SKILLS: Putting education to work,‬‬
‫‪UNESCO,2012.www.efareport.unesco.org‬‬
‫‪90‬انظر تقرير املعرفة يف العامل العريب‪" ،‬النشء وجمتمع املعرفة"‪ ،‬إعداد األجيال الناشئة جملتمع املعرفة‪ ،‬مؤسسة حممد بن راشد‬
‫آل مكتوم‪ ،‬وبرنامج األمم املتحدة اإلمنائي‪ ،2011/2010 ،‬الفصل الثالث‪،‬ص‪.87،‬‬
‫‪91‬مصطفى حمسن‪" ،‬اخلطاب اإلصالحي الوربوي‪ :‬بني أسئلة األزمة وحتديات التحول احلضاري (رؤية سوسيولوجية نقدية)"‪،‬‬
‫املركز الثقايف العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،1999 ،‬ص‪.20،‬‬

‫‪59‬‬
‫العوامل البنيوية اليت ال زالت تعيد إنتاج نفس األوضاع املتأزمة؟ وهل من سبيل للخروج من‬
‫هذا النفق؟‬

‫‪-2‬فشل دولة "االستقالل العربي" في تحقيق تعميم للتمدرس في كافة المستويات‪:‬‬

‫لعل من بني البديهيات األساسية اليت ال حتتمل التأويل أو املغالطة‪ ،‬هو مدى حتقيق‬
‫املنظومات الوربوية يف املنطقة العربية‪ ،‬هلدف التعميم املدرسي على كل الفئات واملستويات‬
‫واجملاالت؟ لكن املتأمل يف املعطيات اليت توفرها بعض مراكز الدراسات الدولية أو املؤسسات‬
‫القطرية ‪ ،‬تبني إىل أي حد ال زالت العديد من هذه الدول‪ ،‬قاصرة على حتقيق هذا اهلدف‪.‬‬
‫وميكن أن نذكر على سبيل املثال‪ ،‬أنه حلد الساعة‪ ،‬ال زال أكثر من ‪ 9‬ماليين طفل في سن‬
‫التمدرس خارج المنظومة التربوية‪ .92‬هذا على الرغم من التقدم امللحوظ الذي حتقق طيلة‬
‫السنوات األخرية‪ ،‬لكن ع ندما نتفحص هذا الرقم‪ ،‬جنده مقلقا من عدة جوانب‪ :‬فهو أوال‬
‫مؤشر على فشل اجملتمعات العربية يف القضاء النهائي على األمية‪ ،‬وثانيا‪ ،‬فهو مؤشر على‬
‫إعادة إنتاج نفس أوضاع التخلف السابقة يف املستقبل‪ ،‬فكون تسعة ماليني طفل خارج‬
‫مؤسسات التعليم‪ ،‬فهذا يعين أننا نلقي هبذه األعداد إىل جماالت الشغل املبكر‪ ،‬مما يضرب يف‬
‫العمق قدرة الدول العربية على حتقيق األهداف التنموية العاملية واليت حددت كأجل لذلك‬
‫سنة ‪ . 2015‬ومن جهة ثالثة‪ ،‬فهذا الرقم يعيدنا إىل نقطة الصفر يف عدم القدرة على كسب‬
‫رهان وحتدي جمتمع املعرفة‪ .93‬وعندما ندقق يف بعض املعطيات التفصيلية‪ ،‬جند أن هناك تفاوتا‬
‫بينا بني الوسطني احلضري والقروي‪ ،‬من حيث االستفادة املتكافئة من خدمات تعميم‬

‫‪92‬انظر تقرير املعرفة العريب الثاين‪ ،‬م‪ ،‬س‪ ،‬ذ‪ ،‬ص‪.88 ،‬‬
‫‪93‬يتحدث التقرير السنوي الذي صدر عن "اجمللس االقتصادي واالجتماعي والبيئي" باململكة املغربية‪ ،‬لسنة ‪ ،2013‬عن‬
‫إخفاق املغرب عن حتقيق تعميم متدرس األطفال من اجلنسني يف التعليم األوىل مل يتجاوز ‪ 60,3‬باملائة خالل املوسم‬
‫الدراسي ‪ ،2013/2012‬وبالتايل خيلص إىل أن هدف التعميم يبقى بعيد املنال ويتطلب جهودا حثيثة‪( .‬انظر للمزيد‪:‬‬
‫التقرير السنوي‪ ،‬المجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪ ،WWW.CESE.MA ،‬ص‪).33،‬‬

‫‪60‬‬
‫التمدرس‪ ،‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬تشري األرقام واملعطيات املستخلصة من اململكة املغربية‪ ،‬أن نسبة‬
‫تعميم التعليم األويل يف الوسط القروي‪ ،‬مل تتجاوز ‪ 56,7‬باملائة‪ .94‬هذا مع إحجامنا عن‬
‫احلديث عن مضمون هذا التعليم‪ ،‬وهل تتوفر فيه الشروط واملعايري املقبولة للحديث عن تعليم‬
‫أويل‪ ،‬أم هو فقط "حبس" التالميذ لفورة معينة بدون تطوير لقدراهتم العقلية والذهنية‬
‫واإلدراكية واحلس‪-‬حركية؟‬

‫أما من حيث قدرة األنظمة الوربوية على حتقيق تعميم للتمدرس يف املستويات املتقدمة‬
‫(الثانوي والعايل)‪ ،‬فإن جل هذه األنظمة ال زالت متأخرة باملقارنة مع اجملهودات اليت بذلت يف‬
‫السنوات األخرية‪ ،‬وهكذا فإن معدل االلتحاق باملستوى الثانوي يتباين يف أربع جمموعات من‬
‫الدول العربية‪" ،‬فالبحرين‪ ،‬والكويت وليبيا وقطر‪ ،‬حتقق معدالت التحاق خام تقورب من حد‬
‫اإلشباع (‪ %90‬أو أكثر)‪ ،‬بينما تبتعد عنه بشكل كبري (معدالت التحاق أقل من ‪)%65‬‬
‫يف تسع دول‪ ،‬وهي‪ :‬اجلزائر‪ ،‬واليمن‪ ،‬واملغرب‪ ،‬والعراق‪ ،‬وسوريا‪ ،‬وجزر القمر‪ ،‬والسودان‪،‬‬
‫وموريطانيا‪ ،‬وجيبويت‪ .‬وتقع يف منزلة بني املنزلتني (معدالت بني ‪ 65‬و‪ 90‬باملائة) سبع‬
‫دول‪ ."95‬هذا مع العلم‪ ،‬أن التعليم الثانوي له دور حموري يف صقل شخصية التالميذ ويف‬
‫امدادهم باملهارات والكفايات والقدرات األساسية القتحام عاملي الشغل و البحث العلمي‪،‬‬
‫لكن املؤشرات تتحدث عن احنسار متباين بني الدول العربية يف حتقيق التعميم الكلي أو شبة‬
‫الكلي‪.‬‬

‫وهناك مالحظة تستحق التوقف يف هذا الصدد‪ ،‬هي املؤشرات اليت تبني ضعف التحاق‬
‫الشباب بالتعليم العايل يف جل الدول العربية‪" ،‬إذ ال تبلغ النسبة حد اإلشباع يف أي من‬

‫‪94‬نفسه‪.‬‬
‫‪95‬تقرير املعرفة العريب الثاين‪ ،‬م‪ ،‬س‪ ،‬ذ‪ ،‬ص‪.97 ،‬‬

‫‪61‬‬
‫الدول العربية‪ ،‬وتوراوح هذه املعدالت بني (‪ %56‬يف ليبيا‪ ،‬يليها لبنان‪ ،‬وفلسطني‪ ،‬واألردن‬
‫(بني ‪ %46‬و‪ ،)%40‬ومصر‪ ،‬والبحرين‪ ،‬وتونس‪ ،‬والسعودية (بني ‪ %35‬و‪ ،)%29‬مث‬
‫تنكفئ بني ‪ %23‬و‪ %15‬يف كل من اإلمارات‪ ،‬واجلزائر‪ ،‬وقطر‪ ،‬والكويت‪ ،‬وعمان‪،‬‬
‫والعراق‪ ،‬وسوريا‪ ،‬بينما ال يزال االلتحاق هبذا املستوى من التعليم من حظ خنبة قليلة العدد‬
‫جدا (معدالت التحاق تقل عن ‪ )%11‬يف كل من املغرب‪ ،‬واليمن‪ ،‬والسودان‪ ،‬وموريتانيا‪،‬‬
‫وجيبويت‪ ،‬وجزر القمر"‪ .96‬ولعل هذه املؤشرات كافية لرسم صورة جد قامتة عن الوضع‬
‫التعليمي باملنطقة العربية‪ ،‬واليت ال نتحدث فيها عن مدى حصول جودة التعلمات أم ال‪،‬‬
‫بقدر ما نرصد هل مؤسسات الوربية والتعليم قادرة على استيعاب األعداد املتزايدة من األطفال‬
‫والشباب‪ ،‬خصوصا يف منطقة تعرف ارتفاعا من حيث عدد الفئات الشابة‪ .‬وإذا ما قارنا هذا‬
‫الوضع بالسنوات املاضية (الثمانينيات من القرن املاضي) واآلن (األلفية الثالثة)‪ ،‬جند أنه وقع‬
‫تطور كمي ال بأس به‪ ،‬لكنه ما زال قاصرا عن حتقيق احلاجات املتزايدة للمعرفة عند أبناء‬
‫الوطن العريب‪.‬‬

‫‪ -3‬فشل المنظومات التربوية في تحقيق المعارف األساسية لمجتمع المعرفة‪:‬‬

‫إذا كانت بعض مظاهر أزمة التعليم يف الوطن العريب‪ ،‬اليت أتينا على ذكرها يف الفقرة السابقة‪،‬‬
‫واملتعلقة بضعف القدرة االستيعابية ملؤسسات الوربية والتكوين لألعداد املتزايدة من األطفال‬
‫والشباب‪ ،‬فإن املظهر الثاين واألشد "خطورة" يف نظرنا املتواضع‪ ،‬هو تواضع التعلمات‬
‫األساسية التي تقدمها هذه المؤسسات‪ ،‬ولعل دليلنا يف ذلك‪ ،‬هو جمموعة من التقوميات‬
‫اليت باشرها العديد من املؤسسات واملعاهد ومراكز التفكري الدولية يف املنطقة العربية‪ .‬من ذلك‬
‫النتائج اليت توصلت إليها "اجلمعية الدولية للتقومي والتحصيل الدويل » ‪ ، « IEA‬اخلاص‬

‫‪96‬نفسه‪،‬ص‪.97،‬‬

‫‪62‬‬
‫مبؤشر القراءة » ‪، « PIRLS‬واملؤشر اخلاص بالعلوم (الرياضيات والنشاط العلمي والفيزياء‬
‫وعلوم احلياة واألرض» ‪ ،)« TIMSS‬وهذان املؤشران يهمان املستويني الدراسيني‪ :‬الرابع‬
‫ابتدائي والثامن إعدادي‪ "97.‬فما هي أهم النتائج املتوصل إليها من خالل سنتني مرجعيتني‪:‬‬
‫‪ 2007‬و‪2011‬؟ وما داللتها بالنسبة لبقية الدول املشاركة؟ وهل وقع تطور اجيايب أم سليب‬
‫يف نتائج هذه التقييمات الدولية بالنسبة للمنظومات العربية‪"98‬؟‬

‫أ)النتائج الخاصة بالدول العربية المشاركة في التقويمات الدولية للتحصيل الدراسي‪:‬‬

‫فيما خيص النتائج اخلاصة بالدول العربية‪ ،‬نشري إىل أنه مع اإلعالن عن بعض النتائج‪ ،‬واليت‬
‫شاركت فيها عشر دول عربية لسنة ‪ ،2007‬حول أداء التالميذ للسنة الثامنة من التعليم‬
‫األساسي يف الرياضيات والعلوم‪ ،‬وقع نقاش كبري بني املهتمني والباحثني وصناع القرار الوربوي‬
‫والتعليمي هبذه الدول‪" ،‬حيث أظهرت النتائج أن املعدالت العامة يف ماديت الرياضيات والعلوم‬
‫للتالميذ املشاركني‪ ،‬تدينا ملحوظا عن املعدل الدويل العام‪ .‬وهكذا فقد احتلت الدول العربية‬
‫املراتب املوراوحة (بني ‪ 30‬و‪ 51‬من أصل ‪ ،)51‬والعلوم (بني ‪ 22‬و‪ 50‬من أصل ‪،)9951‬‬
‫وكذلك يف الصف الرابع يف الرياضيات (بني ‪ 31‬و‪ 38‬من أصل ‪ ،)38‬والعلوم (بني ‪33‬‬
‫و‪ 38‬من أصل ‪ .)38‬ومل يقورب من املعدالت الدولية بعض الشيء إال تالميذ إمارة ديب‪/‬‬
‫اإلمارات العربية املتحدة يف االختبارات األربعة"‪ .100‬أما النتائج اليت توصلت إليها اجلمعية‬
‫الدولية للتحصيل الدراسي‪ ،‬لسنة ‪ ،2011‬فلم ختتلف عن سابقتها‪ ،‬حيث احتفظت دولة‬

‫‪"97‬الدراستان الدوليتان حول تقومي التحصيل الدراسي‪ :‬تيمس ‪ ، 2011‬وبريلز ‪ ،2011‬نتائج املغرب‪ ،‬واقع احلال وممكنات‬
‫املآل"‪،‬تقرير‪ ،‬مجعية أماكن‪ ،‬اجلمعية املغربية لتحسني جودة التعليم‪ ،‬مارس ‪،2013‬ص‪.2،‬‬
‫‪98‬رش يد جرموين‪" ،‬املغرب واملعضةل الرتبوية‪ :‬مالحظات وتساؤلت"‪ ،‬مقتطفات من مقال منشور ابدجريدة الالكرتونية املغربية "هيسربيس"‬
‫‪ ،www.hespress.ma‬بتارخي‪/9 :‬مارس (أآذار)‪.2013 /‬‬
‫‪99‬يؤشر العدد على الدول املشاركة يف التقومي‪.‬‬
‫‪100‬تقرير املعرفة العريب‪ ،‬م‪ ،‬س‪ ،‬ذ‪ ،‬ص‪.95 ،‬‬

‫‪63‬‬
‫اإلمارات بالصدارة بني الدول العربية املشاركة يف الروائز‪ ،‬حيث حصلت يف اختبارات "بريلز"‬
‫(القراءة)‪ ،‬على ‪ 439‬نقطة‪ ،‬تليها اململكة العربية السعودية ب ‪ ،430‬مث قطر‪ ،‬ب‪،425‬‬
‫وعمان‪ ،‬ب‪ ،391‬ويف املرتبة ما قبل األخرية أحرز التالميذ املغاربة على ‪ 310‬نقطة‪.101‬‬
‫ويتنب من خالل هذه النتائج‪ ،‬أهنا بعيدة عن املعدل الدويل‪ ،‬والذي يتحدد يف ‪ 500‬نقطة‪،‬‬
‫كمتوسط عام‪ .‬بل أكثر من ذلك جند أن بعض الدول عرفت تراجعا يف هذا املؤشر‪ ،‬كحالة‬
‫املغرب‪ ،‬والذي فقد ما يناهز ‪ 40‬نقطة ما بني الرائز الذي مت يف سنة ‪( ،2001‬حصل على‬
‫معدل ‪ 350‬نقطة)‪ ،‬و يف سنة ‪ 323( ،2006‬ن)‪ ،‬بينما اخنفضت النتائج احملصل عليها يف‬
‫سنة ‪ ،2011‬إىل( ‪ 310‬ن)"‪.102‬‬

‫‪-4‬في ضعف الحكامة التربوية وتأثيرها على جودة التعليم ومخرجاته‬


‫من خالل املعطيات املتوفرة لدينا‪ ،‬جند أن حجم اإلنفاق على التعليم يف البلدان العربية‪ ،‬وصل‬
‫إىل أكثر من ‪20‬مليار دوالر‪ ،‬وقد بينا قبال‪ ،‬أن هذه امليزانيات عرفت تطورا مهما يف السنوات‬
‫األخرية‪ ،‬لكن ذلك مل ينعكس بشكل كبري على مردودية هذه املنظومات‪ .‬وميكن أن نسوق‬
‫لذلك بعض األمثلة الدالة‪ .‬فنسب اهلدر املدرسي مرتفعة بالدول العربية‪ ،‬لعل من بينها اململكة‬
‫املغربية‪ ،‬حيث وصلت نسبة املنقطعني عن الدراسية ما يناهز ‪ 380‬ألف تلميذ وتلميذة‪،‬‬
‫حسب التقرير الشهري للمجلس األعلى للتعليم سنة ‪.1032008‬‬

‫‪101‬تقرير مجعية أماكن لتحسني جودة التعليم‪ ،‬م‪ ،‬س‪ ،‬ذ‪ ،‬ص‪.6 ،‬‬
‫‪102‬‬
‫نفسه‪.‬‬
‫‪ 103‬رغم اجلهود املبذولة (برنامج تيسري‪ :‬وهو برنامج تدخلي داعم لألسرة املعوزة يف املناطق النائية واهلامشية‪ ،‬بتخصيص مبلغ‬
‫مايل عن كل طفل‪ /‬طفلة تتابع دراستها باملؤسسات التعلمية االبتدائية)‪ ،‬للحد من ظاهرة اهلدر املدرسي باملغرب‪ ،‬فإن العدد‬
‫االخري‪ ،‬وصل إىل ‪ 300‬ألف منقطع عن الدراسة‪ ،‬خالل السنوات األخرية‪ ،2013/2012/2011 :‬حسب إفادة بعض‬
‫مسؤويل وزارة الوربية الوطنية املغربية‪( ، 2014،‬مديرية التخطيط االسوراتيجي واالحصاء‪ ،‬بوزارة الوربية الوطنية والتكوين املهين‬
‫باملغرب‪ ،‬غري منشورة‪ ،‬مع اإلذن باالستفادة)‪ .‬ومن خالل هذه املعطيات‪ ،‬يتبني حجم األزمة الوربوية يف اململكة املغربية‪،‬‬
‫ونظرا لغياب معطيات حديثة عن بقية الدول العربية‪ ،‬فإننا نشري فقط إىل نسب األمية – عند فئة األطفال واملراهقني‪ ،‬اليت ال‬

‫‪64‬‬
‫وباإلضافة إىل ما سبق‪ ،‬فإن من بني مظاهر ضعف احلكامة يف املنظومات الوربوية العربية‪ ،‬هي‬
‫املراتب املتدنية اليت حتتلها اجلامعات العربية‪ .‬فحسب التقييم الذي تسهر عليه جامعة‬
‫"شنغاي" الصينية والذي يضم مخسة آالف جامعة عاملية‪" ،‬صنف الباحثون الصينيون ‪16‬‬
‫جامعة عربية يف مراتب تراوحت بني املرتبة ‪( 638‬جامعة امللك فهد للبورول واملعادن يف‬
‫الظهران)‪ ،‬وجامعة القاضي عياض يف املغرب (اليت جاءت يف املرتبة ‪ 16‬بني اجلامعات‬
‫العربية)‪ ،‬وكانت يف املرتبة ‪ 3962‬بني اجلامعات ‪ .104"5000‬ورغم التغيري الذي طال هذا‬
‫الورتيب يف السنوات األخرية ‪ ،‬إذ توصل آخر ترتيب لنفس اجلامعة ألحسن ‪ 500‬جامعة‬
‫عاملية‪ ،‬إىل أن هناك جامعتني سعوديتني‪ ،105‬األوىل جامعة "امللك سعود" اليت احتلت الرتبة‬
‫األوىل عربيا‪ ،‬وما بني ‪ 151‬و‪ 200‬عامليا‪ ،‬بينما حصلت جامعة "امللك فهد للبورول‬
‫واملعادن" على نفس الورتيب األول عربيا‪ ،‬وما بني ‪ 300‬و‪ 400‬عامليا‪ .106‬فإننا عندما نقارن‬
‫هذه النتائج مع باقي اجلامعات العاملية املرموقة‪ ،‬خنجل من هذا الورتيب‪ ،‬ألنه كما هو معروف‬
‫عندما يصل الورتيب إىل ‪ ،400‬ال ميكن احلديث عن جامعات باعتبارها رائدة يف البحث‬
‫العلمي‪ ،‬بل هي أقرب إىل مدارس لتجمع الطلبة‪ ،‬وتلقني الدروس بطريقة تقليدية مغرقة يف‬
‫التخلف‪ .‬وجتب اإلشارة إىل أن الورتيب العاملي "جلامعة شنغاي"‪ ،‬عندما يضع التصنيف‬
‫ألحسن ‪ 200‬جامعة على مستوى العلوم االجتماعية والعلوم االقتصادية‪ ،‬ال نعثر على أي‬

‫زالت مرتفعة يف بعض الدول‪ ،‬واليت تعد مؤشرا كافيا ال براز عجز هذه املنظومات عن الوفاء بالتزاماهتا اجتاه مواطنيها‪ ،‬وضمان‬
‫حقهم يف التعلم‪.‬‬
‫‪104‬أنطون زحالن‪ ،‬م‪ ،‬س‪،‬ذ‪ ،‬ص‪.129،‬‬
‫‪105‬وجبت الإشارة اإىل أنه ابلعودة لتقرير "اليونسكو عن العلوم لعام ‪ ،"2010‬جند أن عدد الباحثني للك مليون نسمة‪ ،‬أو حىت‬
‫عدد الاحباث للك مليون نسمة‪ ،‬يف اململكة العربية السعودية‪ ،‬حيث جند رمق ‪ ،)42(:‬واذلي يقل بشلك كبري عن نظريه املوجود‬
‫ابلردن‪ ،)1952(:‬وتونس‪ )1588( :‬واملغرب (‪( ،)647‬نظر التقرير السابق (اللغة الإجنلزيية‪ ،‬ص‪ .)280 ،‬مما يطرح ألف عالمة‬
‫اس تفهام حول املهنجية املعمتدة يف ترتيب ادجامعات‪ ،‬واليت نعتقد أهنا حباجة اإىل مهنجية أكرث تركيبة مهنا رقمية‪ ،‬حىت نفك السحر‬
‫عن التضارب املوجود يف هذه التقارير‪.‬‬
‫‪106‬‬
‫‪http://www.shanghairanking.com/Academic‬‬ ‫‪Ranking‬‬ ‫‪of‬‬ ‫‪World‬‬
‫‪Universities,2013.‬‬

‫‪65‬‬
‫جامعة عربية ضمن اجلامعات املرتبة عامليا‪ .107‬مما جيعلنا نستنتج أن أغلب الدول العربية‪ ،‬ال‬
‫زال أمامها الكثري من التحديات املعرفية والعلمية وحىت التدبريية ملواجهة هذا التأخر املالحظ‪.‬‬

‫ومن بني اإلشكاالت اليت ال زالت تؤرق الباحثني‪ ،‬هو حجم اإلنفاق على مثل هذه‬
‫اجلامعات واملعاهد العليا من أموال وميزانيات واعتمادات‪ .‬وهلذا فالبحث عن األسباب‪ ،‬ميكن‬
‫أن يقودنا لفهم جزء مما يكتنف اجلوانب املسكوت عنها يف معضلة احلكامة الوربوية يف البلدان‬
‫العربية‪ .‬فليس غريبا أن يتحدث تقرير "منظمة الشفافية العالمية" عن كون أهم أزمة تواجه‬
‫املنظومات الوربوية العربية‪ ،‬هو تفشي الفساد بأوجهه املظلمة‪ ،‬حيث يصبح ضارا باجملتمع‬
‫ككل‪ ،‬ويكرس لقبول اجملتمع للفساد‪ ،‬خصوصا يف مراحل عمرية مبكرة‪ .‬ألن الصغار نادرا ما‬
‫تعهد إليهم القدرة على طرح التساؤالت حول قواعد إدارة الفصل‪ .‬ويصبح بإمكاهنم تبين‬
‫واعتناق آراء فاسدة حول املطلوب من أجل حتقيق النجاح‪ .‬واألخطر‪ ،‬هو أن هؤالء األطفال‬
‫ينتقلون هبذه الرؤى إىل اجملتمع عندما يصبح هذا األمر معيارا جمتمعيا‪ ،‬تبدأ دورته يف جديد مع‬
‫كل جيل‪ ."108‬ومن خالل هذه النتيجة اليت توصل إليها التقرير العاملي حول الفساد يف‬
‫التعليم‪ ،‬نفهم عجز السياسات الوربوية العربية‪ ،‬عن إقامة حكامة حقيقية يف هذا القطاع‪،‬‬
‫خصوصا يف ظل وجود عقليات متكلسة ال تريد التغيري‪ ،‬وتعمل كل ما يف وسعها إلفشال‬
‫أي مشروع هنضوي بالقطاع‪ .‬وقد ال نأيت جبديد إذا ما حتدثنا عن فساد مرتبط بالوالءات‬
‫السياسية لألحزاب أو الشخصيات املدبرة للقطاع‪ ،‬حيث تسود قيم الزبونية واحملاباة‬
‫والوساطات‪ ،‬مما حيرم اجملتمع من خرية أطره وخنبه اليت ميكنها أن تلعب دورا حموريا يف إصالح‬
‫هذه املنظومات‪ .‬وهلذا فاإلدمان على هذه املعوقات يسبب االنتحار التنموي" كما قال‬
‫بذلك كبري الباحثني العرب‪" ،‬أنطوان زحالن"‪.‬‬

‫‪-5‬في ال تكافؤ الفرص للمنظومات التربوية العربية‪:‬‬

‫‪107‬‬
‫‪Ibidem.‬‬
‫تقرير منظمة الشفافية العاملي حول التعليم لسنة‪ ،2012 ،‬املوقع اإللكوروين‪www.transparency.org « Global :‬‬
‫‪108‬‬

‫‪Corruption Report :Education,2013 by Earthscan by ROUTLEGE.‬‬

‫‪66‬‬
‫من بني مظاهر األزمة احلقيقة اليت أصبحت تسم الوضع الوربوي يف البلدان العربية يف السنوات‬
‫العشر األخرية‪ ،‬هو ترسيخها ملبدأ ال تكافؤ الفرص بني أبناء اجملتمع الواحد‪ .‬فإذا كان من بني‬
‫الغايات اليت يسعى لتحقيقها التعليم هو ضمان عدالة تربوية أو تقاسم للمعرفة بشكل متساو‬
‫ومنصف‪ ،‬فإن األوضاع السوسيو‪-‬اقتصادية اليت تفاعلت من خالل األزمات املالية وسياسة‬
‫الريع االقتصادي‪- ،‬اليت ال زالت مستفحلة يف أغلب البلدان العربية‪ ،-‬هو خلق متايزات‬
‫سوسيو‪-‬اجتماعية أثرت على دخل األسر بشكل جد مفارق‪ ،‬حيث جند أسرا تعيش أوضاعا‬
‫اقتصادية جد مرفهة‪ ،‬بينما األغلبية الساحقة من اجملتمع تعيش إكراهات مادية حقيقة‪ .‬وحيث‬
‫أن املؤسسات الوربوية موكول هلا القيام بتقدمي خدمات تربوية للجميع‪ ،‬فإن الوراجع يف‬
‫مستوى وجودة هذه اخلدمات‪ ،‬خلق واقعا يتسم مبا مساه السوسيولوجي الفرنسي‪ ،‬بورديو‪" ،‬‬
‫بإعادة االنتاج"‪ ،‬مبعىن آخر مل تعد املدرسة جماال لتحقيق الدمقرطة بني اجلميع‪ ،‬بل أصبح أداة‬
‫لالصطفاء واالنتخاب‪ ،109‬فكيف ميكن شرح ذلك؟‬

‫تقدم نتائج الدراسة اليت أنتجتها املندوبية السامية للتخطيط (املغرب)‪ ،‬منوذجا معربا عن واقع‬
‫"إعادة اإلنتاج" الذي حتدث عنه " بورديو"‪ .‬فاملعطيات اليت أسفر عنها البحث الوطين حول‬
‫مستوى معيشة األسر‪ ،‬لسنة ‪ ،2007‬تبني أنه إذا أخذنا طفلني أحدمها ألب مستواه‬
‫التعليمي مل يتجاوز األساسي‪ ،‬وآخر وصل أباه إىل املستوى العايل‪ ،‬فإن حظوظ الثاين‬
‫تتضاعف إىل ‪ 69‬مرة عن األول لولوج املستوى العايل من التعليم‪ .‬وتربز املفارقات احلادة بني‬
‫الوسطني احلضري والقروي وبني الذكور واإلناث من جهة أخرى‪ .‬فمثال مل يتحسن مستوى‬
‫نسبة الشرحية العمرية اليت تقل عمرها عن ‪ 20‬سنة يف مستوياهتا الدراسية‪ ،‬خصوصا اجلامعية‬
‫منها إال ب ‪ %7,1‬سنة ‪ ،2007‬بعدما كانت ‪ 2,4‬سنة ‪ .1985‬وللتدقيق أكثر فإن‬
‫الوسط القروي مل حيقق إال تطورا حمتشما بل جد ضعيف‪ ،‬حيث انتقل من ‪ %1‬سنة ‪1985‬‬

‫‪ 109‬انظر للمزيد من التفصيل يف هذه النظرية اهلامة‪ ،‬الكتاب األملعي لبيري بورديو وجون كلود باسرون‪ ،‬واملوسوم ب "إعادة‬
‫اإلنتاج‪ :‬يف سبيل نظرية عامة لنسق التعليم"‪ ،‬ترمجة‪ ،‬ماهر ترميش‪ ،‬املنظمة العربية للورمجة‪ ،‬لبنان‪ ،‬بريوت‪ .2007،‬أو من‬
‫خالل املؤلف املميز للباحث الوربوي‪ ،‬األستاذ عبد الكرمي غريب‪ ،‬واملوسوم‪ ،‬ب "سوسيولوجيا املدرسة"‪ ،‬منشورات‪ ،‬عامل‬
‫الوربية" الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،2009،‬خصوصا يف الفصل الثاين‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫إىل ‪4,2‬سنة ‪ 2007‬يف نسبة الذين يتوفرون على مستوى الثانوي من الفئة العمرية اليت تقل‬
‫سنها عن ‪ 20‬سنة‪.110‬‬

‫خنلص مما سبق عرضه‪ ،‬أن واقع املؤسسات الوربوية العربية‪ ،‬ليس خمتلفا عن حالة املغرب‪،111‬‬
‫فيما خيص تراجع دورها يف حتقيق تكافؤ الفرص بني مجيع أبناء الوطن‪ .‬وهلذا فقد حتدث‬
‫الباحث اللبناين "جاك قبانجي " عن هذا املعطى‪ ،‬مفسرا به حالة االختناق اليت عمت الوطن‬
‫العريب‪ ،‬جراء التمايزات السوسيو‪-‬اجتماعية اليت خلقتها السياسيات الوربوية‪ .‬حيث يقول‬
‫"سيزداد احلراك عرب اجلامعات الوطنية‪ ،‬لكنه مع ذلك سيواجه حبدود "موضوعية" ‪ ،‬ففي أرجح‬
‫االحتماالت‪ ،‬سيستمر األشخاص احلائزون درجات علمية من اخلارج يف احلصول على أفضل‬
‫حظوظ االستخدام ضمن أقسام التكنوقراطية من النخبة السياسية‪ .‬كما أن النخبة املتمكنة‬
‫ستستم ر يف إرسال أبنائها وبناهتا إىل اجلامعات يف اخلارج‪ .‬أو تلك العاملة وفق املناهج الغربية‬
‫داخل بالدها‪ ،‬ألن ذلك هو وسيلة إلعادة إنتاج نفسها‪ ."112‬قد حيصل أن بعض احلاالت‬
‫تستطيع يف ظل هذه الظروف اليت حتدثنا عنها‪- ،‬واقع أزمة املدرسة العمومية بالوطن العريب‪،-‬‬
‫أن حيقق ترقيا اجتماعيا‪ ،‬لكنه ال يشكل القاعدة‪.‬‬

‫‪-6‬في إشكالية المناهج الدراسية بالمنظومات التربوية العربية‬

‫‪110‬انظر‪ ،‬رشيد جرموين‪(،‬املدرسة املغربية ومفهوم إعادة االنتاج)‪ ،‬املنشور مبجلة (علوم الوربية)‪ ،‬عدد‪،53‬‬
‫أكتوبر‪،2012،‬الدار البيضاء‪ ،‬ص‪ .108،‬أما الدراسة اليت اشتغلنا عليها فهي موسومة ب " ‪« la mobilité‬‬
‫‪scolaire intergénérationnelle, les cahiers du plan,‬‬
‫‪n°33,janvier/février,2011,Casablanca, Haut-commissariat au plan, Royaume‬‬
‫‪du Maroc. ».‬‬
‫‪111‬ل شك أن الاطالع عىل مجمل الورقة‪ ،‬ينب أهنا ل تتحدث عن جتربة املغرب يف جمال الرتبية والتعلمي والبحث العلمي‪ ،‬لكهنا‬
‫حتاول أن ترصد أكرب عدد ممكن من التجارب اليت تتشابه يف مجموعة من اخلصائص‪ ،‬ومن بيهنا خاصية "اإعادة الانتاج" اليت‬
‫حتدثنا عهنا يف النص الاساس‪ ،‬وما اللجوء اإىل جيل جديد من ادجامعات واملؤسسات التعلميية ذات امخلسة جنوم اإل دليل عىل‬
‫ما ندعيه من "تعممي جمازف"‪ .‬اإل أنه بقدر ما نؤكد ذكل‪ ،‬فاإننا ل نريد أن نعلن عن رأي حدي يف املوضوع‪ ،‬فرمبا تكون هناك‬
‫جتارب عربية أخرى‪ ،‬ل تعرف هذه الظاهرة‪ ،‬أو أن جحم حضورها غري مؤثر يف اخملرجات اللكية ملنظوماهتا الرتبوية‪.‬‬
‫‪112‬جاك قباجني‪(،‬ملاذا فاجأتنا انتفاضتا تونس ومصر‪ :‬مقاربة سوسيولوجية)‪ ،‬جملة (إضافات)‪ ،‬عدد‪،14،‬سنة‪،2011 ،‬‬
‫بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ص ص‪.18-17،‬‬

‫‪68‬‬
‫تعترب إشكالية املناهج الدراسية‪ ،‬من أعقد اإلشكاليات اليت تواجه األنظمة الوربوية يف العامل‬
‫بأسره‪ ،‬وليس فقط يف الدول العربية‪ ،‬وذلك نظرا حملوريتها يف العملية الوربوية‪ ،‬ولكوهنا تشكل‬
‫قطب الرحى يف أي نظام تربوي كيفما كان‪ .‬وإذا كنا غري معنيني يف هذا السياق بالكشف‬
‫عن تفاصيل التفاصيل يف هذه اإلشكالية‪ ،‬فإننا الختيارات منهجية‪ ،‬سنركز على ما يهم‬
‫املنطقة العربية‪.‬‬

‫لالقوراب من بعض التشخيصات اليت أجرهتا بعض الدراسات املسحية حول املناهج التعليمية‬
‫الوربوية بالوطن العريب‪ ،‬ميكن أن نقف عند بعض املالحظات املنهجية التالية‪ :‬طغيان‬
‫الجوانب النظرية على حساب الجوانب العملية والتطبيقية‪ ،‬وأخرى مرتبطة بفلسفة‬
‫"‬ ‫املضامني املروجة‪ ،‬حيث حتدث الباحث "ضياء الدين زاهر"‪ ،‬عن معضلة "التنميق‬
‫‪ ،"bricolage‬إذ أن "حمتوى التعليم ما زال يعرب عن تفكري ترقيعي‪ /‬تنميقي‪ ،‬ويتمثل يف‬
‫الصراع املستمر بني القدمي واجلديد من املفاهيم واالجتاهات واألنظمة وكل الثنائيات‬
‫واالزدواجيات املعروفة‪ .113" .‬ورغم أن هذا التوصيف ذكر يف العقد األخري من القرن املاضي‪،‬‬
‫فإن الوضع مل خيتلف يف العقد األول من القرن احلايل‪ ،‬حيث توقف الباحث العريب "نبيل‬
‫علي " على إحدى مظاهر التخلف يف اجملتمعات العربية‪ ،‬واليت ال زالت تشكل كاحبا أماما‬
‫انطالقها حنو جمتمع املعرفة والعلم‪ ،‬وهي املناهج وحمتوى التعليم‪ .‬حيث يقول يف هذا الصدد‪:‬‬
‫"ما زالت جذور التعليم بالتلقني مورسخة ومستقرة يف صلب منظومتنا الوربوية العربية‪ ،‬بل جتد‬
‫من يدافع عنها بقوة‪ ،‬ومن غايات تربية جمتمع املعرفة اليت أمجعت عليها اآلراء ‪ ،‬وهي تعلم‬
‫لتعرف‪ ،‬وتعلم لتعمل‪ ،‬وتعلم لتكون‪ ،‬وتعلم لتشارك اآلخرين‪ ،‬انصب اجلهد على الغايتني‬
‫األوليني يف حني أغفلت بصورة شبه تامة الغايتان األخريان‪ ،‬ومها األكثر طلبا على التفكري‬
‫النقد‪ ."114،‬ولعل من بني االنتقادات اليت وجهت للمناهج التعليمية العربية‪ ،‬هي ما عرب‬

‫‪ 113‬ضياء الدين زاهر‪ "،‬كيف تفكر النخبة العربية يف تعليم املستقبل؟"‪ ،‬تنسيق‪،‬سعد الدين إبراهيم‪ ،‬مشروع مستقبل التعليم‬
‫يف الوطن العريب‪ ،‬منتدى الفكر العريب‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪،1990،‬ص ص‪.49،‬‬
‫‪114‬نبيل علي‪ "،‬العقل العريب وجمتمع املعرفة‪ :‬مظاهر األزمة واقوراحات باحللول" (اجلزء الثاين)‪ ،‬سلسلة عامل املعرفة‪ ،‬منشورات‬
‫اجمللس الوطين للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬عدد‪ ،37‬دجنرب‪ ،2009،‬الكويت‪،‬ص‪.17،‬‬

‫‪69‬‬
‫عنه الباحث "املسريي"‪" ،‬بالموضوعية المتلقية" ويقصد بذلك كثرة النقول واإلطناب واحلشو‬
‫دون فائدة تذكر‪ ،‬وقد نبه هلذه اآلفة ألن هلا تداعيات خطرية على مصري التعليم العمومي‪،‬‬
‫وفسر هبا األسباب اليت تدفع األسر للجوء إىل التعليم اخلصوصي‪ ."115‬هذا باإلضافة إىل‬
‫األعطاب البنيوية األخرى‪،‬كإلشكاالت اإلبستيمولوجية املعرفية‪ ،‬كإشكالية القيم‪ :‬أية قيم ألي‬
‫جمتمع‪ .‬وإشكالية اللغة‪ ،‬وإشكالية فلسفة الوربية يف الوطن العربية ‪ ،...‬كل ذلك‪ ،‬وغريه مما مل‬
‫نستطع استحضاره يف هذه املسامهة‪ ،‬يؤشر على وجود معضلة املناهج يف املنظومات الوربية‬
‫العربية‪ ،‬واليت تعترب أس اإلشكاليات‪.‬‬

‫‪ -7‬في تراجع الدور الريادي للمدرسين وتأثير ذلك على مخرجات منظومات التربية‬
‫والتكوين بالوطن العربي‪:‬‬

‫رمبا لسنا يف حاجة‪ ،‬إىل التذكري بالدور احليوي‪ ،‬الذي يضطلع به املدرسون يف العملية‬
‫الوربوية‪ ،‬لكن الذي يهمنا يف هذه املسامهة‪ ،‬هو نوعية التحديات املستجدة يف واقعنا املعاصر‪،‬‬
‫حيث ميكن اإلشارة إىل نوعني من هذه التحديات‪ ،‬بدءا يشرطان أدوار املدرسني‪ ،‬ومها‬
‫‪:‬التحدي املعريف و القيمي‪ .‬فاألول يعين وجود حتول يف منط التفكري‪- ،‬الذي كان سائدا‬
‫قبال‪ ،-‬والذي كان خيتزل دور املدرس يف عدد املعارف اليت ميتلكها‪ ،‬إىل أسئلة أكثر تعقيدا‬
‫وتركيبا‪ ،‬من مثل‪ :‬هل تعرف كيف تفعل ذلك؟ وأين جتد املعرفة املطلوبة؟ وكيف جتدها ؟ وما‬
‫قيمة امل عرفة املتوفرة لديك؟ وما هي االستخدامات املمكنة هلا؟ وما إىل ذلك من الكفايات‬
‫واملهارات اليت يتعني على املدرس‪ /‬اخلبري يف الوطن العريب أن يستبطنها‪ ،‬لتهيئ األجيال املقبلة‬
‫عليها‪.‬‬

‫أما الثاين‪ ،‬والذي ال يقل أمهية عنه‪ ،‬وهو املتمثل يف اإلشكالية القيمية‪ ،‬وذلك بالنظر إىل‬
‫عمق التحوالت اليت هزت العامل‪ ،‬وبشكل خاص‪ ،‬جمتمعاتنا العربية‪ ،‬فصدمة التحديث‬
‫وقسريته وسرعته‪ ،‬خلقت فجوات حقيقية بني األجيال‪ .‬وهذا املعطى أصبح مبثابة متغري مالزم‬

‫‪115‬عبد الوهاب املسريي‪"،‬دفاع عن اإلنسان‪ :‬دراسات نظرية وتطبيقية يف النماذج املركبة"‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬مصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪،‬‬
‫الثانية‪،2006 ،‬ص‪.293 ،‬‬

‫‪70‬‬
‫للعلمية الوربوية برمتها‪ ،‬حيث أنه يف ظل وجود هذه الفجوات القيمية بني جيل املدرسني‬
‫واملتمدرسني‪ ،‬أصبحت علمية التدريس أكثرا تعقيدا وتركيبا من السابق‪ ،‬الشيء الذي يتطلب‬
‫تغيريا جذريا يف أسلوب ومنهح التدريس ‪."116‬‬

‫إذا ما حاولنا أن نفسر بعضا من مستتبعات هذين التحديني‪ :‬املعريف والقيمي‪ ،‬على سلوك‬
‫املدرسني باملنظومة الوربوية بالوطن العريب‪ ،‬فإن بعض املعطيات املتوفرة –سواء من خالل حبوث‬
‫أو اسقصاءات أو ما إىل ذلك‪ -‬تسمح لنا بتشكيل صورة‪-‬ولو جزئية‪ -‬عن واقع مهنة‬
‫التدريس بالوطن العريب‪ ،‬وباملغرب حتديدا‪ .117‬فإذا ما أخذنا طريقة التدريس مثال‪ ،‬جند أن‬
‫أغلب التقارير (سواء الوطنية أو الدولية )‪ ،‬تتحدث عن وجود حالة من العجز والعقم يف‬
‫عملية إنتاج وإعادة إنتاج املعرفة‪ ،‬فالغالب يف ممارسات هذه الفئة ميلها إىل احللول السهلة‬
‫والساذجة‪ .‬حيث يطغى اإلمالء والسرد واحلشو بدون فائدة‪ ،‬وتقل فرص النقاش وبناء املفاهيم‬
‫وتدريب التالميذ على وضعيات حيضر فيها الذكاء واليقظة املعرفيني‪ .‬وهلذا فقولة املفكر‬
‫اإليطايل "غرامشي" تنطبق على هذه الفئة‪ ،‬عندما اعتربها كعينة من املثقفني التقليديني‪،‬‬
‫كالكهنة واملوظفني التنفيذيني الذين يواصلون فعل األشياء نفسها من جيل إىل آخر‪ ،"118‬أو‬
‫كما مساها بورديو‪ ،‬بهابيتوس" أو ما ميكن أن نطلق عليه جزافا ب "امللكات املورسبة‪."119‬‬

‫‪116‬انظر للمزيد‪،‬رش يد جرموين‪ "،‬املدرسون وحتدايت جممتع املعرفة"‪ ،‬مقال حصفي نرش‪ ،‬مبجةل (هيسربيس‪ ،‬الالكرتونية)‪،‬‬
‫بتارخي ‪ 8‬أكتوبر(ترشين)‪ ،2013 ،‬انظر الرابط‪. www.hespress.ma" :‬‬
‫‪117‬جتدر اإلشارة إىل أن اجمللس األعلى للتعليم والبحث العلمي باملغرب‪ ،‬كان قد أطلق دراسة علمية حول واقع ومهنة‬
‫التدريس‪ ،‬أشرف على إجنازها الباحث‪ :‬عبد اهلل اخلياري‪ ،‬وذلك سنة ‪ ،2010‬نأمل أن تشكل هذه الدراسة سندا نوعيا لكل‬
‫الفاعلني من أجل النهوض بوضعية التدريس واملدرسني ب بالدنا‪ .‬باإلضافة إىل ذلك‪ ،‬هناك مقال لنفس الباحث (عبد اهلل‬
‫اخلياري)‪ ،‬موسوم ب" معارف املدرسني‪ :‬أصنافها ومصادرها"‪ ،‬منشور مبجلة "املدرسة املغربية"‪ ،‬عدد‪ ،5/4:‬أكتوبر‪.2012 ،‬‬
‫‪118‬خنلة وهبة‪" ،‬جودة اجلودة يف الوربية"‪ ،‬منشورات‪ ،‬جملة "علوم الوربية" (‪ ،)6‬الرباط‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،2005 ،‬ص‪،‬‬
‫‪.124‬‬

‫‪119‬كام هو معلوم يثري مفهوم "الهابيتوس" عند بورديو العديد من الإشاكلت‪ ،‬يف معلية الرتمجة‪ ،‬وحنن نس تعمهل يف هذه الورقة‪،‬‬
‫مبعىن "طاقة توليدية قوية قادرة عىل اإعادة التشكيل" انظر للمزيد‪ ،‬أمحد موىس بدوي‪" ،‬ما بني الفعل والبناء الاجامتعي‪ :‬حبث‬
‫يف نظرية املامرسة دلى بيري بورديو"‪ ،‬جمةل‪( ،‬اإضافات)‪ ،‬اجملةل العربية لعمل الاجامتع‪ ،‬العدد‪ ،‬الثامن‪ ،‬خريف‪ ،2009،‬لبنان‪،‬‬

‫‪71‬‬
‫وهي اليت تتحكم يف هذه الفئة‪ ،‬وهلذا تراهم يكرهون اجلديد يف املسلكيات واملنهجيات وتغيري‬
‫املقررات وايقاعات الدراسة‪ ،‬أو تكثيف الزيارات الوربوية‪ ،‬أو احلضور للتكوينات اليت تقام بني‬
‫الفينة واألخرى‪ ،...‬إىل غري ذلك من املظاهر السلبية‪ ،‬واليت تكشف إىل أي حد‪ ،‬يصبح‬
‫اجلسم التعليمي‪ ،‬هو األكثر ختلفا عن الركب‪ ،‬بعدما كان املأمول منه هو قيادة التحوالت‬
‫واقتحام العقبات وختطي الصعاب‪."120‬‬

‫ثانيا‪ :‬في تجليات ومستتبعات األزمة التربوية على النسيج المجتمعي‬


‫والمعرفي والقيمي‪.‬‬
‫‪-1‬في بعض مظاهر "األزمة "القيمية بالمؤسسات التعليمية التربوية‬

‫ال شك أن التحوالت القيمية اليت جتري يف اجملتمع املعاصر‪ ،‬هلا من التبعات الشيء الكثري‬
‫على واقع املؤسسات التعليمية والوربوية‪ ،‬وعلى سري العمليات التعليمية بالشكل املطلوب‪ .‬وإذا‬
‫كنا قد توقفنا يف الفقرة السابقة عند رصد مظهر من مظاهر هذه التحوالت القيمية‪ - ،‬واليت‬
‫بينا أن عواملها كثرية‪ ،-‬فإن ما يستحثنا ملعانقة هذه اإلشكالية‪ ،‬هو وجود ضبابية يف القيم‬
‫اجملتمعية املتفق بشأهنا‪ ،‬واليت مترر داخل املؤسسات التعليمية‪ ،‬أو بسبب وجود هذه القيم‪،‬‬
‫لكن مستوى التوافق حوهلا فيه ضعف كبري‪ ،‬مما يطرح عدة تداعيات على هذا احلقل املفعم‬
‫بالقيم واألخالق‪ .‬ولعل من بني الظواهر السلبية‪ 121‬اليت بدأت تزحف على الوسطني املدرسي‬
‫واجلامعي‪ ،‬هو وجود حالة من اإلحباط العام السيكولوجي المدمر‪ ،‬لعل من أبرز مظاهره‬

‫بريوت‪ ،‬ص‪ .13،‬ومن هجة وجب التذكري أن هذه الرتمجة تعود لقرتاح احملمكني للمقال من جمةل "معران"‪ ،‬وبعد املراجعة املتأنية‬
‫للمفهوم اس تقر رأينا عىل اس تخدامه يف هذا الس ياق‪.‬‬
‫رش يد جرموين‪" ،‬املدرسون وحتدايت جممتع املعرفة"‪ ،‬م‪ ،‬س‪ ،‬ذ‪.‬‬
‫‪120‬‬

‫‪ 121‬نظرا لضعف وقلة الدراسات السوسيولوجية والسيكولوجية حول العديد من هذه املظاهر السلبية اليت أصبحت بارزة يف‬
‫الوسطني املدرسي واجلامعي‪ ،‬فإننا اكتفينا برصد بعض العناصر أو االنطباعات العامة‪ ،‬واليت حتتاج بدورها جملموعة من‬
‫الدراسات املستقبلية اليت تنهل من حقل العلوم اإلنسانية‪ ،‬كعلمي النفس والسوسيولوجيا‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫الكربى ارتفاع نسب تعاطي املخدرات‪ ،‬والكحول والتدخني‪ ،‬هذا إضافة إىل االرمتاء يف‬
‫أحضان "العنف العشوائي‪ ،‬أو السياسي املوجه‪ ...‬واالتسام بالكثري من مظاهر الالمباالة‪،‬‬
‫والسلبية‪ ،‬والعزوف عن املشاركة االجتماعية والسياسية والثقافية‪ ..‬أو التعبري يف ممارسات‬
‫الشباب اليومية‪ ،‬عن شىت مظاهر السخط على األوضاع القائمة واالحتجاج عليها‪ ،‬باحثني –‬
‫على مستوى عاملهم القيمي‪ -‬عن هوية ممزقة ضائعة‪ ،‬وعن مرجعية ثقافية وقيمية وحضارية‬
‫وعقدية موجهة‪ ،‬ومشكلني يف اآلن ذاته قنابل موقوتة قابلة إما لالستغالل اإليديولوجي‬
‫والسياسي‪ ،‬وإما لالنفجار أو التفجري حسب الظروف واملالبسات‪"122‬‬

‫‪-2‬في جدلية عالقة التعليم بالثورات العربية‪:‬‬

‫شكل حدث الثورة العربية‪ ،‬باعتباره فعال سوسيولوجيا مميزا‪ ،‬مناسبة لتناسل العديد من‬
‫القراءات والتفسريات واملقاربات ووجهات النظر‪ ،‬اليت حاولت أن تشرح اخللفيات العميقة‬
‫اليت تشكلت وتفاعلت يف جسم الوطن العريب‪ .‬وقد كان من بني التفسريات اليت القت‬
‫قبوال عند العديد من الباحثني‪ ،‬هو الربط امليكانيكي بني فشل املنظومات الوربوية‬
‫التعليمية‪ ،‬وقيام الثورة‪ ،‬خصوصا يف البلدان اليت تعرف انتقاال دميوغرافيا‪ ،‬عنوانه العريض‬
‫ارتفاع فئة الشباب املتمدرس واملتوفر على شواهد جامعية‪ .‬وقد غذى هذا التحليل التقرير‬
‫الذي صدر عن منظمة اليونسكو يف حبر سنة ‪ ،2011‬واملوسوم ب "األزمة اخلفية‬
‫النزاعات املسلحة والتعليم ‪ .1232011 ،‬إذ توصل التقرير إىل "أن فرص التعليم ال‬

‫‪ 122‬مصطفى حمسن‪" ،‬اخلطاب االصالحي الوربوي‪ :‬بني أسئلة األزمة وحتديات التحول احلضاري‪ ،‬رؤية سوسيولوجية نقدية"‪،‬‬
‫املركز الثقايف العريب‪،‬الدار البيضاء‪ /‬املغرب‪،‬لبنان‪ ،‬بريوت‪،‬الطبعة األوىل‪ ،1999 ،‬ص ص‪.52-51 ،‬ال حنب أن تفوتنا هذه‬
‫املناسبة للتأكيد على أن حركة اإلرهاب اليت تصاعدت أخري (التوترات يف سوريا)‪ ،‬شكلت مسرحا الستقطاب العديد من‬
‫الفئات الشابة‪ ،‬والتغرير هبا للذهاب لسوريا "حتت مسمى اجلهاد"‪ ،‬وقد سبق لنا أن نشرنا مقاال (الشباب واإلرهاب)‪ ،‬نشر‬
‫يف املواقع اإلكورونية والصحف الوطنية املغربية‪ ،‬نشرح فيه هذه اإلشكالية‪ ،‬واليت تعترب‪-‬يف نظرنا املتواضع‪ -‬من النتائج السلبية‬
‫للمنظومات التعليمية اليت مل تستطع استيعاب جمموعة من الفئات وعلى رأسها املراهقني‪ ،‬ودجمها يف النسيج اجملتمعي‪ ،‬انظر‬
‫للمزيد‪ :‬رشيد جرموين « الشباب واالرهاب‪ :‬يف حدود وممكنات إصالح احلقل الديين"‪ ،‬جريدة "هيسربيس" ليوم ‪ 2‬دسنرب‪/‬‬
‫دجنرب‪ ،2013،‬انظر الرابط التايل‪www.hespress.com/writers/95348.html‎:‬‬
‫‪ 123‬انظر للمزيد التقرير كامال على املوقع اإللكوروين‪www.unesco.org/education/efa:‬‬

‫‪73‬‬
‫زالت حمدودة جدا أمام ماليني من األطفال العرب‪ .‬كما أن ماليني آخرين يتخرجون من‬
‫املدارس واجلامعات دون احلصول على املهارات الالزمة للنجاح يف أسواق العمل‪ ،‬واليت‬
‫تعاين بدورها من سوء اإلدارة االقتصادية‪ .‬وقد كانت النتيجة هي وجود سكان من ذوي‬
‫التعليم العايل يبحثون عن وظائف ال وجود هلا‪ ،‬وليس من قبيل الصدفة أن احلركتني‬
‫الشعبيتني يف تونس ومصر كانت بقيادة شباب متعلمني‪ ."124‬هلذا وجدنا من بني‬
‫الباحثني الذين خصصوا حيزا مهما هلذه اإلشكالية (عالقة أزمة التعليم بالثورات)‪،‬‬
‫الباحث "مصطفى حمسن" يف كتاب املوسوم ب"بيان يف الثورة‪ ."..‬حيث حتدث عن‬
‫التبعات السلبية اليت تعتمل يف الوطن العريب‪ ،‬جراء استمرار مشهد التدهور يف التعليم‪،‬‬
‫سواء على مستوى اخلسائر املادية والتنموية واملعنوية والرمزية‪.125‬‬

‫بيد أن إشكالية الوربية والتكوين بالوطن العريب‪ ،‬كانت من بني إحدى املواضيع اليت‬
‫استأثرت باهتمام الباحثني‪ ،‬وهل هي من بني أسباب حدوث احلراك العريب‪ ،‬سواء يف‬
‫شقها السليب‪ ،‬عندما ال حتقق هذه املنظومات نتائجها املرجوة‪ ،‬أو يف شقها اإلجيايب‪،‬‬
‫الذي يعين أن التحوالت العميقة اليت شهدها الوطن العريب‪ ،‬إمنا كانت بفعل الثورة الوربوية‬
‫واليت استفادت منها أجيال من الشباب املتعلم ؟ ولعل هذه اجلدلية‪ ،‬كانت من بني‬
‫القضايا اليت انتبه إليها(سعد الدين إبراهيم)‪ ،‬عندما طرح فرضية‪ ،‬تقول أنه "حسب برنامج‬
‫األمم املتحدة اإلمنائي‪ ،‬فإن كل األقطار العربية قد حققت معدالت من النمو‬
‫االقتصادي‪ ،‬توراوح بني ‪ 3‬و‪ 7‬يف املائة سنويا خالل العقد احلادي والعشرون‬
‫(‪ ،)2009/2000‬أي أن العرب إمجاال كانوا يف هناية ذلك العقد أعلى دخوال‪ ،‬وأكثر‬
‫تعليما وصحة وتغذية"‪ 126‬وليس كما ذهب البعض اآلخر‪ ،‬من أن احلرمان من االستفادة‬

‫‪124‬‬
‫نفسه‪.‬‬
‫‪ 125‬مصطفى حمسن‪" ،‬بيان يف الثورة‪ ،‬هوامش سوسيولوجية على منت الربيع العريب"‪ ،‬منشورات‪ ،‬ضفاف واختالف‪ ،/‬اجلزائر‪،‬‬
‫ومنشورات دار األمان‪ ،‬الرباط‪ .2012،‬ولإلشارة فقد سبق لنا أن قدمنا (رشيد جرموين)‪ ،‬قراءة عن هذا املنجز يف‬
‫"إضافات" اجمللة العربية لعلم االجتماع‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬عدد ‪.2013 ،24/23‬‬
‫‪126‬سعد الدين إبراهيم‪( :‬عوامل قيام الثورات العربية)‪ ،‬وردت ضمن ملف "الثورة واالنتقال الدميقراطي يف الوطن العريب‪ ،‬حنو‬
‫خطة طريق‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬جملة (املستقبل العريب)‪ ،‬عدد ‪ ،399‬أيار‪،2012،‬ص‪.126،‬ولإلشارة فإن‬

‫‪74‬‬
‫املثلى م ن التعليم كانت سببا من بني أسباب وعوامل أخرى حلودث الثورة‪ .‬وهلذا اعترب‬
‫"سعد الدين إبراهيم" أن ما عانت منه الدول العربية هو "حرمان نسيب" وليس "حرمانا‬
‫مطلقا" وعليه فإن هذه الشعوب عندما تقارن وضعها مع دول أخرى‪ ،‬حيصل هلا نوع من‬
‫"الشعور بالظلم"‪ ،‬أو اإلحباط‪ ،‬مما يدفعها للتغيري‪،‬إال أن ذلك ال حيدث إال إذا كان هناك‬
‫وعي مبا تقوم به‪."127‬‬

‫وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع كال املنظورين‪ ،‬فإن املؤكد هو أن منظومات الوربية والتعليم‬
‫باملنطقة العربية‪ ،‬مل تستطع أن تشكل رافدا حقيقيا الستثمار الكتلة احلرجة من الشباب‬
‫العريب‪ ،‬والذي ميكن أن يشكل وقودا ألية رهانات مستقبلية غري حمسوبة العواقب‬
‫والنتائج‪ ،‬واليت هلا من األكالف الشيء الكثري على املنطقة العربية برمتها‪.‬‬

‫‪-3‬في رصد مظاهر "التصحر المعرفي" الذي ضرب المجتمعات العربية‬

‫ارتباطا مبا سبق عرضه من مستتبعات مظاهر األزمة الوربوية باملنطقة العربية‪ ،‬فإن الوقوف‬
‫عند أحد املظاهر السلبية اليت تؤثر يف عملية النهوض احلضاري للمجتمعات العربية‪ ،‬وهي‬
‫ما يطلق عليه ب "التصحر المعرفي"‪ ،‬أصبحت حاجة ملحة للجميع‪ ،‬لتفسري كيف أن‬
‫غياب الرؤية الواضحة يف جمال التعليم‪ ،‬يؤدي إىل وقوع كوارث جد خطرية على مصري‬
‫ومآل املنظومات العربية ككل‪ .‬يف هذا السياق‪ ،‬يتوقف الباحث العريب‪" ،‬نبيل علي" عند‬
‫هذا املظهر‪ ،‬متحدثا عن بعض أعراضه‪ ،‬قائال‪" :‬إذا كان غرينا يشكو من جدب معريف‪،‬‬
‫فقد أصبحنا حنن نعاين ما ميكن أن نطلق عليه تصحرا معرفيا‪ .‬وحيتل العرب حاليا ذيول‬
‫معظم قوائم مؤشرات إنتاج املعرفة اليت تصدرها املنظمات الدولية‪ ،‬من النشر العلمي إىل‬
‫اإلنتاج اإلبداعي‪ ،‬ومن تأليف الكتب وترمجتها ومعدالت قراءهتا‪ ،‬إىل تسجيل براءات‬

‫الباحثان "كورباج"و 'طود" يتقاطعان مع التحليل السابق‪- -،‬انظر للمزيد‪« The transformation of :‬‬
‫‪Musilm Societies Around The World :A Convergence of‬‬
‫‪Civilizations ;Columbia University Press, New York,2011.‬‬
‫نفسه‪،‬ص‪.131،‬‬
‫‪127‬‬

‫‪75‬‬
‫االخوراع‪ ،‬واقتناء وإصدار تراخيص استخدام املعرفة يف أعمال التطوير واإلنتاج"‪ .‬ويتساءل‬
‫الباحث عن مفارقة هذا الوضع‪ ،‬قائال‪ ":‬وبالرغم من االستثمارات الضخمة اليت أنفقت‬
‫على مشاريع التنمية لنقل التكنولوجيا‪ ،‬فإهنا مل تنجح بالفعل يف دفع حركة اإلنتاج العلمي‬
‫والتطوير التكنولوجي‪ ،‬والشاهد ضمن شواهد أخرى كثرية‪ ،‬أن العرب‪ ،‬بعد مرور ما يزيد‬
‫عن ستني عاما منذ اكتشاف النفط‪ ،‬مل يسهموا‪ ،‬ولو بقدر ضئيل‪ ،‬يف هذا اجملال احليوي‪،‬‬
‫ويتكرر املشهد نفسه يف جماالت استثمارية أخرى‪ ،‬مثل املعمار واهلندسة املدنية‪."128‬‬
‫ويتحسر "زحالن" عن ضعف اهتمام العرب ببعض اجملاالت احليوية يف البحث العلمي‪،‬‬
‫ومنها البحوث يف الطاقة الشمسية‪( ،‬يف بلد الشمس)‪ ،‬حيث مل تتطور بالشكل‬
‫املطلوب‪ ،‬حيث أنه –حسب معطيات البحثية املتوفرة‪ ،‬مل يصدر يف سنة ‪ 2000‬أية‬
‫ورقة حبثية باملنطقة العربية‪ ،‬ويف سنة ‪ ،2005‬ستصدر ورقتان‪ :‬األوىل ملصر والثانية لدولة‬
‫اإلمارات العربية املتحدة‪."129‬‬

‫ثالثا‪ :‬في رصد بعض العوامل واألسباب المغذية الستمرار تأزم‬


‫‪130‬‬
‫المنظومات التربوية العربية‬
‫‪-1‬العامل السوسيو‪-‬سياسي‪ :‬ولعه األبرز يف هذه الثالثية‪ ،‬لكونه يعترب املدخل األساس‬
‫لنجاح العملية التنموية ويف قلبها اجملال التعليمي‪ /‬الوربوي‪ .‬فليس خفيا على أحد‪ ،‬أن‬
‫أجهزة الدولة يف العامل العريب‪ ،‬تشكلت وفق منوذج التغلب كما ذكره املؤرخ والعامل العريب‬
‫الكبري "ابن خلدون"‪ .‬وقد أفضى هذا التغلب إىل بناء دولة متسلطة مستبدة بعيدة عن‬

‫‪128‬نبيل علي‪" ،‬العقل العريب وجمتمع املعرفة‪ ،"..‬اجلزء األول‪ ،‬م‪ ،‬س‪ ،‬ذ‪ ،‬ص‪.76‬‬
‫أنطوان زحالن‪ ،‬م‪ ،‬س‪ ،‬ذ‪ ،‬ص ص‪.93-92،‬‬
‫‪129‬‬

‫‪130‬ليس من اليسري أن نتوقف عند جممل العوامل اليت سامهت وتساهم يف إنتاج وإعادة إنتاج نفس األوضاع املأزمية‬
‫لواقع املنظومات الوربوية العربية‪ ،‬لكن حسبنا يف هذا السياق‪ ،‬أن نلقي بعضا من الضوء‪ ،‬على أهم هذه العوامل‬
‫واألسباب‪ ،‬وحماولة تقدمي تفسريات معقولة لذلك‪ .‬وعليه‪ ،‬فنحن من خالل قراءتنا لبعض ما كتب يف املوضوع‪ ،‬نستطيع‬
‫أن ندعي أن بعضا من هذه العوامل يتوزع على ثالثة مستويات‪ :‬سوسيو‪-‬سياسية‪ ،‬وسوسيو‪-‬ثقافية‪ ،‬وسوسيو‪-‬تنموية‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫مهوم اجملتمع وتطلعاته التنموية‪ ،‬ودليلنا يف ذلك‪ ،‬أنه بعد نكسة االستعمار‪ ،‬مل تستطع أي‬
‫من الدول العربية‪ ،‬أن تقدم منوذجا تنمويا رائدا يعتد به يف املنطقة‪ .‬ولعل الثورات العربية‬
‫اليت انطلقت مع احلراك الشبايب الثوري‪ ،‬كانت معربة عن رفضها هلذه النماذج البائسة‬
‫واملشاريع املفلسة‪.‬‬

‫يذكر "عبد اإلله بلقزيز"‪ ،‬أن أحد األعطاب اليت جعلت تعليمنا يف املنطقة العربية‬
‫متخلفا‪ ،‬هو سياسات الدول يف هذا اجملال‪" :‬إن جتربة التعليم املتحققة يف الوطن العريب‪،‬‬
‫حىت اليوم‪ ،‬مل تسفر يف حمصلتها اإلمجالية سوى عن إنتاج أمية مقنعة يف شكل تكوين‬
‫ضحل ومبتور ملن قيض هلم متابعة تعليمهم‪ ،‬أو يف شكل تكوين ابتدائي بدائي للغالبية‬
‫العظمى من املتعلمني الذين توقف تعليمهم يف املراحل اإلبتدائية والثانوية‪ .‬وإذا كانت‬
‫أسباب اجتماعية قاهرة حالت دون إمتام هذا اجليش العرمرم من املتعلمني تعليمهم‪ ،‬فإن‬
‫للدولة نصيبا من المسؤولية في عدم إجابتها على بعض تلك األسباب ومساعدتها‬
‫من لم تسمح لهم ظروفهم بمتابعة التعليم في استكمال تعليمهم‪ ."131‬ولكي نوضح‬
‫ختاذل أجهزة الدولة يف الوطن العريب يف الدفع بدينامية التعليم إىل ما هو أحسن‪ ،‬نتوقف‬
‫مع حادثة تارخيية جد معربة وقعت يف املغرب‪ ،‬حيث أنه إبان األحداث االحتجاجية اليت‬
‫وقعت يف الدار البيضاء (مدينة مغربية) سنة ‪ ،1965‬واليت كان فاعلوها هم الطلبة‬
‫والتالميذ واألساتذة واملعلمني‪ ،‬فإن املغفور له "الحسن الثاني" خطب قائال‪ " :‬ليس‬
‫أخطر على الدولة من متصلب مثقف‪ ،‬وكان من األولى أن يبقى هؤالء أميين‪."132‬‬
‫إن هذا التصريح من أعلى هرم الدولة يف املغرب‪- ،‬ورغم ظرفيته اخلاصة‪ -‬فإنه شكل ما‬

‫‪131‬عبد اإلله بلقزيز‪"،‬اإلصالح السياسي واالقتصادي والتعليمي"‪ ،‬ورد يف مؤلف مجاعي حتت عنوان‪" :‬يف االجتماع السياسي‬
‫والتنمية واالقتصاد وفقه اإلصالح‪ :‬مدخل لتكوين طالب العلم يف عصر العوملة"‪ ،‬تقدمي‪ :‬عبد العزيز القاسم‪ ،‬الشبكة العربية‬
‫لألحباث والنشر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،2010 ،‬ص‪.226،‬‬
‫‪132‬‬
‫‪Néjib. Bouderbala, « les classes moyennes comme moteur de l’ascenseur social :‬‬
‫‪l’hypothèse des classes moyennes, contribution cité in « Prospective Maroc 2030, Actes du‬‬
‫‪forum 2 : la société marocaine, permanences, changements et enjeux pour‬‬
‫‪l’avenir »,Casablanca, Haut-Commissariat au Plan, Royaume du MAROC, sans date de‬‬
‫‪publication, p.108.‬‬

‫‪77‬‬
‫ميكن أن نطلق عليه "هابيتوس" السلطة يف تعاملها ونظرهتا للقطاع التعليمي‪ ،‬فقد‬
‫هيمنت هذه النظرة التشكيكية واملتوجسة من االستثمار يف التعليم‪ ،‬ألنه خيرج فقط من‬
‫سيصبح معارضا للنظام‪ .‬وال شك أنه رغم كون السياق الذي سقنا فيه هذه املقولة‪،‬‬
‫أصبح خمتلفا عن سياقنا احلايل‪ ،‬فإنين أزعم أن العالقة املتوترة اليت علقت يف ال وعي‬
‫السلطة وأجهزهتا‪ ،‬من جهة‪ ،‬ومن جهة ثانية يف عقلية اجملتمع‪ ،‬جعلت عنصر فقدان الثقة‬
‫املتبادلة بني الطرفني‪ ،‬يؤثر يف مسارات اإلصالحات التعليمية املتعاقبة إىل اآلن‪ .‬وحىت ال‬
‫يتهمنا أحد بدعوى تعميم حالة واحدة على كل املنظومات الوربوية العربية‪ ،‬نشري فقط إىل‬
‫حالة كل من ليبيا واجلزائر‪ .‬ففي عهد "املعمر القدايف"‪ ،‬والذي عمل على تكريس سياسية‬
‫جت هيلية للشعب اللييب‪ ،‬ليس أقلها هنج سياسة تعليمية متقوقعة ومنكفئة على الذات‪ ،‬مما‬
‫حرم أجياال كثرية من االستفادة واإلفادة مما تقدمه معارف العصر من تقنيات‬
‫وتكنولوجيات متقدمة‪ .133‬أما حال اجلزائر فليس خمتلفا عن احلاالت السابقة‪ ،‬حيث‬
‫فشل النموذج التنموي الفرنكوفوين املطبق يف اإلدارة واالقتصاد واإلعالم والصناعة وغريها‬
‫من القطاعات‪ ،‬وبشكل خاص يف التعليم‪ .‬يف هذا السياق‪ ،‬يذكر "ناصر يوسف"‪ ":‬أن‬
‫القطاعات اإلمنائية انفصلت عن حميطها العريب والقومي‪ ،‬ألن القائمني على هذه‬
‫القطاعات احليوية مل يكن يشغلهم إال تعميق الروابط مع فرنسا وتأكيد والءهم املادي‪.‬‬
‫ومل يكن هلم برنامج حمدد‪ ،‬بل غلبت عليهم الفوضوية يف مسريهتم اإلمنائية‪ ،‬والرفض لكل‬
‫ما هو عريب وإسالمي‪ .‬فلم تكن القومية العربية يف الربنامج الفرنكوفوين الفوضوي إال‬

‫‪ 133‬هناك مالحظة نقدية ال ختطئها العني املتفحصة لتقارير التنمية البشرية اليت يصدرها برنامج "األمم املتحدة اإلمنائي"‪ ،‬حيث‬
‫تصنف ليبيا يف املراتب املتوسطة التنمية البشرية‪ ،‬وهكذا ففي آخر تقاريره‪ ،‬وضعها يف الرتبة ‪ 64‬عامليا مقارنة مع دولة‬
‫"ماليزيا"‪ .‬و هنا نتساءل‪ :‬كيف ميكن مقارنة مؤشرات ‪--‬التنمية البشرية بني ليبيا وماليزيا مع العلم أننا نعرف جيدا أن‬
‫دينامية التنمية يف النموذج املاليزي متقدمة على ليبيا؟‪ .‬لكن عندما نقورب من املقاييس الكمية اليت ينبين عليها القياس‪ ،‬يزول‬
‫العجب‪ ،‬الن اعتماد الدخل القومي‪ ،‬كأحد املقاييس يفقد عملية القياس‪ ،‬واليت ميكن أن نطلق عليها‪ ،‬املنظور الوركييب‬
‫الشمويل لسريورة التنمية‪ .‬و هلذا نعتقد أن تساوي مستوى التنمية يف ليبيا مع ماليزيا‪ ،‬او رجحاهنا عن املغرب (املغرب متأخر‬
‫عن ليبيا من حيث مؤشرات التنمية)‪ ،‬حيتاج إىل مزيد من تعميق النظر يف هذه املقاييس‪ ،‬ويدعو إىل وقفة نقدية يف سبيل بلورة‬
‫مقاييس أكثر تركيبية مما هو سائد حاليا‪( .‬انظر للمزيد‪ :‬تقرير التنمية البشرية لسنة ‪ ،2013‬م‪ ،‬س‪ ،‬ذ)‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫خطابا سياسيا‪ ،‬وظف للتعاطف مع القضية الفلسطينية‪ ،‬أما اإلسالم فقد ظل حاضرا‪،‬‬
‫لكن اختزل يف إسالم اجلماهري‪ ،‬وأقصي من الدولة واإلدارة‪ ،‬وظلت القومية تشكل غطاء‬
‫أيديولوجيا لتوطيد شرعية السلطة أمام عروبة اجملتمع اجلزائري‪ .‬فاالجتاه الغالب يف اجلزائر‬
‫هو االجتاه الفرنكوفوين‪ ،‬الذي يراهن على مستقبل املنظومة الوربوية الفرنسية يف اجلزائر‪،‬‬
‫وأمهية تفعيل آلياهتا الثقافية والفكرية والفلسفية على مستوى القطاعات احلضارية‬
‫األخرى‪."134‬‬

‫خنلص مما سبق عرضه من مناذج دالة على حتكم العامل السياسي يف بلورة منوذج تربوي‪/‬‬
‫تنموي ناجح‪ ،‬إىل أن هذا املدخل يعد من األمهية مبكان‪ ،‬وأنه مبثابة الرأس بالنسبة‬
‫للجسد‪ ،‬فلو توفرت اإلرادة السياسية احلقيقة‪ ،‬وكان هلا وضوح يف الرؤية‪ ،‬واستمرارية يف‬
‫األداء‪ ،‬ملا كان واقع املنظومات الوربوية العربية يف ذيل الورتيب العاملي‪.‬‬

‫‪-2‬العامل السوسيو‪-‬ثقافي‪ :‬حبكم أن املؤسسات التعليمية والوربوية والتكوينية ليست‬


‫منفصلة عن اجملتمع وعن ثقافته وقيمه‪ ،‬فإن جزء من مظاهر األزمة اليت تكتوي بنارها‬
‫اجملتمعات العربية‪ ،‬يتم إنتاجها وإعادة إنتاجها يف هذه املؤسسات‪ .‬فالوقائع تشهد أن‬
‫نظرة اجملتمعات العربية ملؤسسات املعرفة‪ ،‬مل تأخذ مكاهنا الرفيع‪ ،‬فهي (أي املؤسسات)‪،‬‬
‫ينظر إليها على أهنا "سجن كبري"‪ ،‬وهلذا نالحظ كيف يتم التعامل مع هذه املؤسسات‬
‫بعنف وبتخريب‪ ،‬أو بال مباالة يف أحسن األحوال‪ .‬أو يتم النظر إليها على أهنا‬
‫مؤسسات نفعية‪ ،‬يتم التعامل معها بانتهازية خطرية‪ ،‬إذ هي ال تعدو كوهنا متنح بعض‬
‫األفراد احملظوظني لشواهد تؤهلهم للدخول يف عامل الوظيفة‪ .‬وهلذا ال نعثر على متثل اجيايب‬
‫–طبعا بدون أن نعمم حكما معياريا‪ -‬هلذه املؤسسات‪ .‬وإلبراز هذه الصور اليت تورسخ‬
‫يف ال وعي األفراد واجملتمع‪ ،‬ميكن اإلشارة فقط إىل ضعف –دون أن نقول غياب‪-‬‬
‫االحتضان احلقيقي ألغلب املؤسسات الوربوية يف الوطن العريب‪ ،‬وكأننا أصبحنا نعيش يف‬

‫‪ 134‬ناصر يوسف‪" ،‬دينامية التجربة اليابانية يف التنمية املركبة‪ :‬دراسة مقارنة باجلزائر وماليزيا"‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪،‬‬
‫سلسلة أطروحات الدكتوراه (‪،)83‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،2010 ،‬ص‪.222 ،‬‬

‫‪79‬‬
‫حالة غربة حقيقية بني اجملتمع واملدرسة‪ .‬مبعىن آخر إن فقدان‪ ،‬أو لنقل هشاشة الثقة بني‬
‫اجملتمع ومؤسسات العلم واملعرفة‪ ،‬أفضى إىل نتائج "كارثية" على األجيال املتالحقة‪ ،‬إىل‬
‫درجة ميكن القول معها أننا نعيش زمن شعاره "ال مدرسة تربي المجتمع‪ ،‬وال مجتمع‬
‫يربي المدرسة"‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬خنلص مما سبق عرضه من مناذج لبيئات غري متكينية لتطور املنظومات الوربوية‬
‫العربية‪ ،‬واليت مل نأت إال على بعض جوانبها‪ ،135‬إىل أن العوامل السوسيوثقافية‪ ،‬بدورها‬
‫تشكل عائقا أمام العرب‪ ،‬ملعانقة مثار التنمية املتكاملة‪ ،‬وأن هناك جدلية بني ثقافة اجملتمع‬
‫والتعليم واملعرفة‪ ،‬فتطوير الثقافة حيتاج إىل مؤسسات تعليمية رائدة‪ ،‬والعكس صحيح‪،‬‬
‫تطوير مؤسسات املعرفة‪ ،‬حيتاج إىل ثقافة تثويرية وتنويرية باملعىن العميق هلذه الكلمة‪ .‬وقد‬
‫ي واجهنا أحد بقوله‪ ،‬إن قضية تثوير اجملتمع تقع على عاتق املدرسة‪ ،‬ألهنا هي اليت مترر‬
‫القيم النبيلة واملثالية والرائدة؟ وهذه دعوى وجيهة‪ ،‬وهلا ما يربرها‪ ،‬لكننا نعتقد –من‬
‫خالل خربتنا املتواضعة‪ -‬أن األمر حيتاج إىل مقاربة مزدوجة ويف اجتاهني‪ ،‬تطوير المجتمع‬
‫بالمدرسة‪ ،‬وتطوير المدرسة بالمجتمع‪ .‬ولن يتأتى ذلك إال بتضافر جهود مجيع البيئات‬
‫احملايثة للمدرسة‪ ،‬من إعالم‪ ،‬ومقاولة‪ ،‬وجمالس بلدية‪ ،‬ومجعيات اجملتمع املدين‪ ،‬وأسر‬
‫ونقابات وغريها من الفاعلني املباشرين وغري املباشرين‪.‬‬

‫‪-3‬العوامل السيوسيو‪-‬تنموية‪ :‬قد يستغرب البعض من توصيف العوامل املتسببة يف‬


‫تراجع خمرجات املنظومات الوربوية العربية‪ ،‬بالسوسيو_تنموية‪ ،‬لكن املقصود بذلك‪ ،‬هي‬
‫تلك العوامل املتحكمة يف نظرتنا للتنمية‪ ،‬وهل هي منتوج يستورد أم أهنا إبداع واجتهاد‬

‫‪135‬لعل من بني العوامل الاكحبة لتطور املنظومات الرتبوية ابلوطن العريب‪ ،‬يه معضةل الإعالم العريب‪ ،‬حيث تعزز يف الآونة‬
‫الخرية‪ ،‬نوعني من الإعالم(طبعا دون تعممي)‪ ،‬الول ميثهل قنوات الاعالم ادليين‪ ،‬اذلي يغذي أس باب التشدد ادليين‪ ،‬واخلرافة‪،‬‬
‫واخلوارقية‪ .‬والثاين‪ ،‬مييل اإىل تروجي قمي اس هتالكية متطرفة يف بعض احلالت (وما الاقبال الهس تريي عىل الربامج املوس يقية سوى‬
‫مظهر من مظاهرها)‪ ،‬مما يشلك قامي جديدة للفئات الشابة واملراهقة‪ ،‬لنحث مناذج متتح من الك الاعالمني‪ ،‬بعيدا عن لك متثل‬
‫اجيايب دلور املؤسسات العلمية واملعرفية‪ ،‬انظر للمزيد‪ :‬تقرير املعرفة العريب‪ ،‬بيئات الداء املعريف العريب‪ :‬توس يع احلرايت وبناء‬
‫املؤسسات"‪ ،‬التقرير الثاين‪ ،‬م‪ ،‬س‪ ،‬ذ‪ ،‬ص‪.69 ،‬‬

‫‪80‬‬
‫جمتمعي ينطلق من الذات ويعود إليها‪ .‬ولعل املتأمل يف جمموع التجارب التنموية‪ ،‬ويف‬
‫صلبها املسألة التعليمية‪ ،‬اليت طبقت يف البالد العربية منذ االستقالل إىل اآلن‪ ،‬يتساءل‪:‬‬
‫ملاذا مل تستطع هذه النماذج أن خترج العرب من دائرة الذيلية والتخلف إىل دائرة التحضر‬
‫والتقدم وإىل التنمية احلقيقية؟ ويف اإلجابة عن هذا السؤال‪ ،‬سنحاول أن نبسط بعض‬
‫األفكار‪ ،‬علها تساعدها يف فك شفرات هذه املفارقة الشديدة التعقيد‪.‬‬

‫من خالل إطالعنا على بعض الكتابات النقدية واجلريئة يف اآلونة األخرية‪ ،‬تبني لنا أن‬
‫هناك إشكال منهجي‪ ،‬متعلق بطريقة استلهامنا للتنمية‪ ،‬حيث حتدث اخلبري العريب‬
‫املتميز‪" ،‬رشدي الراشد‪ "136‬عن هذا الوضع‪ ،‬قائال‪ ":‬ال يمكن توطين العلم إال بتكون‬
‫التقاليد الوطنية في البحث‪ ،‬وخاصة البحث األساسي‪ ،‬وهو ما يتطلب تخصيص‬
‫الموارد الالزمة‪ ،‬ودعم الثقافة العلمية العامة وتشجيعها"‪ .137‬وقد استطاع هذا‬
‫الباحث‪ ،‬أن يفند جمموعة من الفرضيات كانت مبثابة مسلمات‪ ،‬يتشبث هبا صانع القرار‬
‫السياسي والوربوي يف الوطن العريب‪ ،‬إلقامة جمتمع املعرفة والعلم‪ ،‬وهذه الفرضيات ميكن‬
‫حسرها يف منوذجني‪" :‬النظرة الربغماتية للعلم"‪ ،‬واالعتقاد بأن "البحث التقين" سيطور‬
‫املنظومة العلمية دون االهتمام "بالبحث النظري واالستثمار فيه"‪.138‬‬

‫واملتأمل يف هذه الفرضيات‪-‬اليت عمل على التقيد هبا صانع القرار السياسي يف الوطن‬
‫العريب‪ ،-‬ال جيد عنتا يف التذليل على هتافتها وكسادها‪ ،‬فعلى سبيل املثال تتفتق العبقرية‬
‫العربية‪ ،‬يف كل مناسبة للتسويق لنموذج تنموي معني‪ ،‬يكون نقال حرفيا ملا هو موجود يف‬

‫‪ 136‬مدير املركز الوطين للبحوث العلمية بباريس سابقا‪ ،‬يعترب رائدا يف العامل العريب‪ ،‬من حيث قدرته على متلك منوذج تفسريي‬
‫يقوم على مقولة‪" :‬توطني العلم"‪ ،‬مبعىن استنبات التقاليد العلمية يف الوربة العربية‪ ،‬دون تقليد أو استيالب‪ .‬له العديد من‬
‫املؤلفات اليت تصب يف هذا اإلطار‪ ،‬منها‪" :،‬تاريخ‪--- -‬الرياضيات العربية بني اجلرب واحلساب (‪ ،)1989‬ابن اهليثم‪ :‬علم‬
‫اهليئة‪ ،‬اهلندسة الكروية وحساب املثلثات‪( .‬انظر للمزيد‪ :‬رشدي الراشد‪( ،‬الوطن العريب وتوطني العلم)‪ ،‬املستقبل العريب‪ ،‬مركز‬
‫دراسات الوحدة العربية‪ ،‬لبنان‪ ،‬بريوت‪ ،‬عدد‪ ،354 ،‬غشت‪ ،‬السنة احلادية والثالثون‪.2008 ،‬‬
‫‪137‬نفسه‪ ،‬ص‪.25 ،‬‬
‫نفسه‪،‬ص‪ ،20 ،‬مع بعض التصرف‪.‬‬
‫‪138‬‬

‫‪81‬‬
‫بالد أجنبية أخرى‪ ،‬وقد يكون وقع يف كساد وخيبة‪ ،‬وبعد ذلك يتم اجياد املسوغات‬
‫لتقدميه للمجتمعات العربية‪ .‬وتطبيق ذلك يتجلى يف الدعوة إىل إعداد تقنيني وفنيني‪،‬‬
‫يكونون يف خدمة االقتصاد األجنيب‪ ،‬كتهييء التقنيني يف صناعة الطريان أو يف بعض‬
‫املهن‪ ،‬اليت ال يكون تأثريها كبريا يف النهوض بالصناعات يف البلد احملتضن هلذه التقنيات‪،‬‬
‫وهو ما جند منوذجه الفاقع‪ ،‬يف اململكة املغربية‪ ،‬حيث سعت احلكومة(‪ ،)2013‬مؤخرا‬
‫لالستثمار يف هذه التقنيات‪ ،‬وتقدميها كخطة "سحرية" للخروج من أزمة ربط التعليم‬
‫بسوق الشغل‪ .‬ولعل نفس احلالة تنطبق على بقية الدول العربية األخرى‪ ،‬حيث يذكر‬
‫الباحث "رشدي الراشد"‪ ،‬مثال أنه " ما بني سنيت ‪ ،1995‬و‪ ،1997‬طرحت احلكومة‬
‫املصرية‪ ،‬مشروعا إلعداد فنيني وتقنيني‪ ،‬يف إحدى اجملاالت الصناعية‪ ،‬هبدف االستجابة‬
‫ملا يطرح يف السوق العاملية‪ ،‬من خربات تقنية حمضة‪ ،‬وهذا مما ينعكس سلبا على تطوير‬
‫البحث العلمي وجمتمع املعرفة‪ ."139‬وحنن عندما نبسط هذه األفكار والرؤى اليت تبني لنا‬
‫أن املشكل ال يكمن يف تقليد وحماكاة الدول الناجحة من طرف الدول العربية‪ ،‬عن طريق‬
‫التماهي الكلي مع ما تنتجه من منتوجات صناعية وتكنولوجية حديثة‪ ،‬بقدر ما جيب‬
‫عليها أن تبدع شيئا خاصا هبا‪ .‬وبكلمة ليس املهم أن نصنع حاسوبا مثل احلواسيب‬
‫املوجودة يف السوق العاملية‪ ،‬بقدر ما حنتاج إىل اخوراع حاسوب جديد يضاهي احلواسب‬
‫املوجودة يف شىت األبعاد‪.‬‬

‫ويبني "نبيل علي" هذا املأزق التنموي الذي انكوت به البالد العربية‪ ،‬مشددا على أن‬
‫"موقفنا احلايل من التكنولوجيات املتقدمة‪ ،‬سواء كان إحجاما من قبلنا‪ ،‬أو حتجيما بفعل‬
‫غرينا‪ ،‬هو تقاعس ال ميكن تربيره إذا ما قارناه مع ما تقوم به دول كاهلند والصني والربازيل‬
‫وجنوب إفريقيا على صعيد التكنولوجيا احليوية يف صناعة الدواء‪ ،‬وما تسعى إليه الفلبني‬
‫حاليا يف جمال التكنولوجيا النانوية‪ ،‬وليس هناك من تفسري هلذا التقاعس خري ما أورده ابن‬
‫خلدون يف مقدمته‪" :‬أن الصنائع تستجد وتكثر‪ ،‬إذا كثر طالبها‪ ."140‬وهلذا يتساءل‬

‫‪139‬نفسه‪ ،‬ص‪ ،19 ،‬مع بعض التصرف‪.‬‬


‫‪140‬نبيل علي‪" ،‬العقل العريب وجمتمع املعرفة"‪ ،‬ج‪ ،‬األول‪ ،‬م‪ ،‬س‪ ،‬ذ‪ ،‬ص‪.21 ،‬‬

‫‪82‬‬
‫الباحث عن سر هذا املأزق قائال‪" :‬ومن أين لنا هذا يف ظل التبعية التكنولوجية‬
‫املورسخة‪ ،‬وقد أنذرنا حكيمنا (يقصد ابن خلدون) "من أن البلدان إذا قاربت الخراب‬
‫انتقصت منها الصنائع"‪ ،‬وها حنن نرى أن صناعة الربجميات والدواء والغذاء‪ ،‬وغريها من‬
‫صناعات اقتصاد املعرفة‪ ،141‬تكاد تغرب عن الديار‪."142‬‬

‫رمبا قد يواجهنا البعض مبا حيصل يف منطقة اخلليج العريب‪ ،‬خصوصا يف قطر واإلمارات‬
‫العربية املتحدة‪ ،‬من بوادر هنضة علمية‪ /‬تنموية كبرية‪ ،‬تتجلى يف بناء مراكز أحباث ضخمة‬
‫ومبيزانيات جد ضخمة كذلك وبكوادر بشرية جد مؤهلة‪ ،‬وأيضا تشييد جامعات‬
‫"عمالقة" وذات "اخلمس جنوم"‪ ،‬واليت حتمل "العالمات املميزة"‪ ،‬وقد ظهر ذلك يف‬
‫ازدياد أعداد األوراق البحثية وبراءات االخوراع‪ ،‬وكذلك بروز مبادرات نوعية غري مسبوقة‬
‫يف الوطن العريب‪ ،‬فيما خيص احتضان الباحثني والنخب العلمية العربية‪ .‬وهذا األمر‬
‫صحيح‪ ،‬وهو عالمة على وجود يقظة حضارية تملكت صانع القرار في هذه البلدان‪،‬‬
‫مستفيدة من عائدات النفط الكثرية‪ ،‬وإعادة استثمارها يف ما يسمى القوة الناعمة‪ ،‬إال أنه‬
‫بقدر ما نثمن هذه املبادرات النوعية‪ ،‬فإن متلك حس نقدي اجتاه هذه املبادرات‪ ،‬جيعلنا‬
‫ال نتماهى كليا مع هذه اليقظة اليت حتتاج إىل مزيد من الورسيخ واالستقالل الذايت‬
‫واالعتماد على الذات‪ .‬وهلذا نبه "زحالن" إىل خطورة وتداعيات هذه املعضلة‪ ،‬حيث‪،‬‬
‫يؤكد‪ ":‬أن ما نشهده يف بعض دول اخلليج العريب من استرياد لبعض الكوادر العربية‬
‫العلمية‪ ،‬ال يعين بالضرورة متلكا لناصية املعرفة والعلم‪ ،‬بقدر ما هي عملية إعالمية‬
‫واستهالكية رحبية وجتاربة‪ ،‬قد يكون هلا بدون شك نواتج‪ ،‬لكنها ال تقوم مقام التوطين‬
‫الحقيقي للعلم" ‪ .‬ويضيف قائال‪" :‬حاليا اعتمدت كل من قطر واإلمارات على زيادة‬

‫‪ 141‬يذكر "نبيل علي"‪ ،‬أنه هناك حاليا ثالث تكنولوجيات حمورية تطغى على املشهد اجليوتكنولوجي يف جمتمع املعرفة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫التكنولوجيا البيولوجية والتكنولوجيا النانوية وتكنولوجيا المعلومات‪ ،‬ولكل من هذه التكنولوجيات الثالث منفردة قوة‬
‫فائقة‪ ،‬غري أن مصدر قوهتا األكثر خطورة‪ ،‬يكمن يف تلك القدرة التضاعفية اهلائلة النامجة عن اندماجها وتفاعلها"‪ ،‬م‪ ،‬س‪،‬‬
‫ذ‪ ،‬ص‪.18 ،‬‬
‫نفسه‪.‬‬
‫‪142‬‬

‫‪83‬‬
‫استرياد أساتذة جامعيني لفورة قصرية ليقوموا بالبحث يف جامعاهتم األم مع تنسيب ذلك‬
‫إىل قطر أو اإلمارات كشركاء‪ ،‬وهذا لن يكون بالضرورة مفيدا هلذين البلدين‪ .‬والزيادة‬
‫املفاجئة امللحوظة يف ناتج البحث والتطوير يف اإلمارات يأخذ أصوله من هذا النشاط‪.‬‬
‫وقد حيدث ما هو غري متوقع‪ ."143‬وقد انبنت مالحظة "زحالن" الذكية‪ ،‬نظرا ألنه خيشى‬
‫أال تعمل هذه الدول على سياسة حقيقية لتوطني العلم واملعرفة‪ ،‬و عدم القدرة على اجياد‬
‫البيئات التمكينية املدعمة لذلك‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬خالصات واستنتاجات وآفاق للتحاور والنقاش‬


‫خنلص مما عرضناه سابقا‪ ،‬من معطيات وأرقام وتشخيصات وأسباب ومسببات واقع أزمة‬
‫املنظومات الوربوية بالوطن العريب‪ ،‬إىل أن هناك جمموعة من القواسم املشوركة اليت ال زالت‬
‫حتد من إمكانية الدول العربية يف معانقة جمتمع املعرفة‪ ،‬وعجزها عن حتقيق اقتدار علمي‬
‫ومعريف يف اآلونة األخرية‪ ،‬وهلذا ميكن تركيز ذلك يف ثالثة عناصر أساسية‪:‬‬

‫أوال‪ :‬نالحظ أن غياب سياسة علمية ومعرفية‪ ،‬تأخذ مببدأ االعتماد على الذات‪ ،‬إذ ال‬
‫زالت أغلب الدول العربية‪ ،‬تستورد منتجاهتا التكنولوجية والعلمية واملعرفية من اخلارج‪،‬‬
‫وحىت يف تلك احلاالت اليت تسعى لتملك ناصية العلم‪ ،‬ختتلف هبا السبل‪ ،‬وتعمل على‬
‫تذويب الذات فيما يطرحه اآلخر‪ .‬وقد ال نأيت جبديد إذا ما استحضرنا كيف تعمل‬
‫النخب احلاكمة يف البالد العربية‪ ،‬على استجالب اخلربة األجنبية‪ ،‬و"توكيل قراراتنا‬
‫التكنولوجية لألجنيب‪ ،‬بل حىت رؤانا املستقبلية‪ ،‬واسوراتيجيات التنمية يتم االعتماد فيها‬
‫على هذه اخلربة" (نبيل علي‪ .)2009،‬الشيء الذي حيرمنا من القدرة على اإلبداع‬
‫واالبتكار‪.‬‬

‫ثانيا‪ ،‬هناك إشكال االستقالل الفكري والتقين واملعريف‪ ،‬فغين عن التذكري أن الدول‬
‫املستعمرة للمنطقة العربية‪ ،‬احتفظت مبصاحلها وبرهاناهتا يف املنطقة‪ ،‬عرب فرض مناذجها‬

‫‪143‬زحالن‪،‬م‪ ،‬س‪ ،‬ذ‪ ،‬ص‪.67 ،‬‬

‫‪84‬‬
‫التنموية بطريقة ناعمة وجد مؤثرة‪ ،‬وقد أمكنهم ذلك من خالل بوابة اللغة والثقافة‬
‫والفكر‪ ،‬وخصوصا يف تلك املستعمرات اليت كانت تابعة لالستعمار الفرنسي‪ .‬وقد جتلى‬
‫ذلك يف املناهج الدراسية اليت ال زالت متأثرة بالنموذج التنموي األجنيب (املستعمر بشكل‬
‫كبري)‪ ،‬مما خلق أجياال من النخب ال تفكر إال يف سياق الرباديغم االستعماري‪ .‬ولعل‬
‫حاالت دول املغرب العريب‪ ،‬دليل على ما ندعيه‪ .‬لذلك انتفض الباحث اللساين "عبد‬
‫السالم المسدي"‪ ،‬قائال‪" :‬إنه ال جمال أمام العرب اليوم لالخنراط بكفاءة واقتدار يف‬
‫املنظومة اإلنسانية بكل أبعادها إال جببهة ثقافية عتيدة‪ ،‬وال ثقافة بدون هوية حضارية‪ ،‬وال‬
‫هوية بدون إنتاج فكري‪ ،‬وال فكر بدون مؤسسات علمية متينة‪ ،‬وال علم بدون حرية‬
‫معرفية‪ ،‬وال معرفة وال تواصل وال تأثري بدون لغة قومية تضرب جذورها يف التاريخ‪،‬‬
‫وتشارف حاجة العصر وضرورات املستقبل‪."144‬‬

‫ثالثا‪ ،‬هناك إشكالية اإلبداع‪ 145‬يف الفلسفة الوربوية و التكوينية والعلمية واملعرفية يف‬
‫املنطقة العربية‪ ،‬فقد بينا من خالل العناصر السابقة‪ ،‬أن املنطقة العربية ال زالت تراوح‬
‫مكاهنا منذ االستقالل إىل اآلن‪ ،‬ألهنا مل تستطع أن تبلور منوذجا تنمويا خاصا هبا‪ ،‬يقدم‬
‫اإلجابات املطروحة ويعانق املشاكل احلقيقية للمجتمع ويطور البالد العربية‪ .‬ويظهر ذلك‬
‫أكثر ما يظهر يف السياسات الوربوية العربية‪ .‬وهلذا حنتاج إىل روح إبداعية جديدة تسري‬
‫يف كل شرايني اجملتمع‪ ،‬وتستلهم أجماد ماضينا التليد‪ ،‬وتربطه باحلاضر الستشراف‬
‫املستقبل الواعد‪.‬‬

‫الئحة بأهم المراجع المعتمدة في الدراسة‪:‬‬

‫عبد السالم املسدي‪" ،‬العرب واالنتحار اللغوي"‪ ،‬دار الكتاب اجلديد املتحدة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬طرابلس‪ ،‬ليبيا‪ ،2011 ،‬ص‪،‬‬
‫‪.37144‬‬
‫‪145‬مؤخرا أنشئ يف دولة قطر مؤسسة عاملية لإلبداع‪ ،‬حتت مسمى "مؤسسة قطر"‪ ،‬نأمل أن تتمخض أعماهلا وخالصات‬
‫نتائج أحباثها على نتائج تعود بالنفع على املنظومات الوربوية العربية‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫عبد السالم املسدي‪" ،‬العرب واالنتحار اللغوي"‪ ،‬دار الكتاب اجلديد املتحدة‪ ،‬بريوت‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫لبنان‪ ،‬طرابلس‪ ،‬ليبيا‪.2011 ،‬‬

‫رشدي الراشد‪( ،‬الوطن العريب وتوطني العلم)‪ ،‬املستقبل العريب‪ ،‬مركز دراسات الوحدة‬ ‫‪‬‬

‫العربية‪ ،‬لبنان‪ ،‬بريوت‪ ،‬عدد‪ ،354 ،‬غشت‪ ،‬السنة احلادية والثالثون‪.2008 ،‬‬
‫أمحد موىس بدوي‪" ،‬ما بني الفعل والبناء الاجامتعي‪ :‬حبث يف نظرية املامرسة دلى بيري‬ ‫‪‬‬
‫بورديو"‪ ،‬جمةل‪( ،‬اإضافات)‪ ،‬اجملةل العربية لعمل الاجامتع‪ ،‬العدد‪ ،‬الثامن‪ ،‬خريف‪ ،2009،‬لبنان‪،‬‬
‫بريوت‪.‬‬
‫ناصر يوسف‪" ،‬دينامية التجربة اليابانية يف التنمية املركبة‪ :‬دراسة مقارنة باجلزائر وماليزيا"‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬سلسلة أطروحات الدكتوراه (‪،)83‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.2010 ،‬‬

‫عبد اإلله بلقزيز‪"،‬اإلصالح السياسي واالقتصادي والتعليمي"‪ ،‬ورد يف مؤلف مجاعي حتت‬ ‫‪‬‬
‫عنوان‪" :‬يف االجتماع السياسي والتنمية واالقتصاد وفقه اإلصالح‪ :‬مدخل لتكوين طالب‬
‫العلم يف عصر العوملة"‪ ،‬تقدمي‪ :‬عبد العزيز القاسم‪ ،‬الشبكة العربية لألحباث والنشر‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬لبنان‪.2010 ،‬‬
‫سعد الدين إبراهيم‪( :‬عوامل قيام الثورات العربية)‪ ،‬وردت ضمن ملف "الثورة واالنتقال‬ ‫‪‬‬
‫الدميقراطي يف الوطن العريب‪ ،‬حنو خطة طريق‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬جملة‬
‫(املستقبل العريب)‪ ،‬عدد ‪ ،399‬أيار‪.2012،‬‬
‫مصطفى حمسن‪ ،‬بيان يف الثورة‪ :‬هوامش سوسيولوجية على منت الربيع العريب" قراءة يف‬ ‫‪‬‬
‫كتاب‪ ،‬جملة‪"،‬إضافات" اجمللة العربية لعلم االجتماع‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬عدد ‪،24/23‬‬
‫‪.2013‬‬

‫‪" " ،------‬أسئلة التحديث يف اخلطاب الوربوي باملغرب‪ :‬األصول واالمتدادات"‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫املركز الثقايف العريب‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪2001،‬‬

‫‪86‬‬
‫‪" ،-----‬اخلطاب االصالحي الوربوي‪ :‬بني أسئلة األزمة وحتديات التحول احلضاري‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫رؤية سوسيولوجية نقدية"‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪،‬الدار البيضاء‪ /‬املغرب‪،‬لبنان‪ ،‬بريوت‪،‬الطبعة‬


‫األوىل‪.1999 ،‬‬
‫عبد اهلل اخلياري‪ " ،‬معارف املدرسني‪ :‬أصنافها ومصادرها"‪ ،‬منشور مبجلة "املدرسة‬ ‫‪‬‬

‫املغربية"‪ ،‬عدد‪ ،5/4:‬أكتوبر‪.2012 ،‬‬


‫خنلة وهبة‪" ،‬جودة اجلودة يف الوربية"‪ ،‬منشورات‪ ،‬جملة "علوم الوربية" (‪ ،)6‬الرباط‪ ،‬املغرب‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫الطبعة األوىل‪.2005 ،‬‬
‫ضياء الدين زاهر‪ "،‬كيف تفكر النخبة العربية يف تعليم املستقبل؟"‪ ،‬تنسيق‪،‬سعد الدين‬ ‫‪‬‬

‫إبراهيم‪ ،‬مشروع مستقبل التعليم يف الوطن العريب‪ ،‬منتدى الفكر العريب‪ ،‬عمان‪،‬‬
‫األردن‪.1990،‬‬
‫نبيل علي‪ "،‬العقل العريب وجمتمع املعرفة‪ :‬مظاهر األزمة واقوراحات باحللول"(اجلزء األول)‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫سلسلة عامل املعرفة‪ ،‬منشورات اجمللس الوطين للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬عدد‪،369 ،‬‬
‫نونرب‪.2009 ،‬‬
‫‪ "،-----‬العقل العريب وجمتمع املعرفة‪ :‬مظاهر األزمة واقوراحات باحللول" (اجلزء الثاين)‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫سلسلة عامل املعرفة‪ ،‬منشورات اجمللس الوطين للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬عدد‪،370‬‬
‫دجنرب‪ ،2009،‬الكويت‪.‬‬
‫عبد الوهاب املسريي‪"،‬دفاع عن اإلنسان‪ :‬دراسات نظرية وتطبيقية يف النماذج املركبة"‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫دار الشروق‪ ،‬مصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،‬الثانية‪.2006 ،‬‬
‫«‬
‫جاك قباجني‪(،‬ملاذا فاجأتنا انتفاضتا تونس ومصر‪ :‬مقاربة سوسيولوجية)‪ ،‬جملة (إضافات)‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫عدد‪،14،‬سنة‪ ،2011 ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫بيري بورديو وجون كلود باسرون‪" ،‬إعادة اإلنتاج‪ :‬يف سبيل نظرية عامة لنسق التعليم"‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫ترمجة‪ ،‬ماهر ترميش‪ ،‬املنظمة العربية للورمجة‪ ،‬لبنان‪ ،‬بريوت‪.2007،‬‬

‫‪87‬‬
‫عبد الكرمي غريب‪" ،‬سوسيولوجيا املدرسة"‪ ،‬منشورات‪ ،‬عامل الوربية" الدار البيضاء‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫املغرب‪.2009،‬‬
‫مجعية أماكن اجلمعية املغربية لتحسني جودة التعليم‪ :‬الدراستان الدوليتان حول تقومي‬ ‫‪‬‬
‫التحصيل الدراسي‪ :‬تيمس ‪ ، 2011‬وبريلز ‪ ،2011‬نتائج املغرب‪ ،‬واقع احلال وممكنات‬
‫املآل"‪(،‬تقرير) ‪ ،‬مارس‪.2013 ،‬‬
‫تقرير املعرفة يف العامل العريب‪" ،‬النشء وجمتمع املعرفة"‪ ،‬إعداد األجيال الناشئة جملتمع‬ ‫‪‬‬
‫املعرفة‪ ،‬مؤسسة حممد بن راشد آل مكتوم‪ ،‬وبرنامج األمم املتحدة اإلمنائي‪،‬‬
‫‪.2011/2010‬‬
‫أنطوان زحالن‪" ،‬العلم والسيادة‪ :‬التوقعات واإلمكانات يف البلدان العربية"‪ ،‬مركز دراسات‬ ‫‪‬‬
‫الوحدة العربية‪ ،‬ترمجة‪ ،‬حسن الشريف‪ ،‬ط األوىل‪ ،2012،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫تقرير التنمية البشرية لسنة ‪ ،2013‬حتت عنوان‪" :‬هنضة اجلنوب‪ :‬تقدم بشري يف عامل‬ ‫‪‬‬

‫متنوع"‪ ،‬والصادر عن برنامج األمم املتحدة اإلمنائي (‪.) UNDP‬‬


‫‪‬‬ ‫‪Néjib. Bouderbala, « les classes moyennes comme‬‬
‫‪moteur de l’ascenseur social : l’hypothèse des classes‬‬
‫‪moyennes, contribution cité in « Prospective Maroc‬‬
‫‪2030, Actes du forum 2 : la société marocaine,‬‬
‫‪permanences, changements et enjeux pour l’avenir »,‬‬
‫‪Haut Commissariat au Plan, Royaume du MAROC,‬‬
‫‪sans date de publication‬‬
‫‪‬‬ ‫‪Abdelkader Teto, "la mobilité scolaire‬‬
‫‪intergénérationnelle, les cahiers du plan, n°33,‬‬
‫‪janvier/février, 2011 », Haut-Commissariat au Plan.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪The transformation of Muslim Societies Around The World: A‬‬
‫‪Convergence of Civilizations ;Columbia University Press, New‬‬
‫‪York,2011.‬‬

‫‪88‬‬
 :‫مواقع إلكورونية‬.
: /www.unesco.org/education/efa 

« Global Corruption Report :Education,2013 by www.transparency.org 


Earthscan by ROUTLEGE


،WWW.CESE.MA ،)Rapport Annuel, 2012).
EFA GLOBAL MONITORING REPORT,YOUTH AND SKILLS: 
Putting education to work, UNESCO,2012.www.efareport.unesco.org.

http://hdr.undp.org 

Ranking of World Academic/http://www.shanghairanking.com 


Universities,2013.

http://unesdoc.unesco.org/images/0018/001899/189958e.pdf 

www.hespress.com/writers/95348.htm: 

89
90

You might also like