You are on page 1of 49

‫أصول عمم الجغرافيا الجنائية‬

‫‪Fundamentals of criminal geography‬‬


‫د‪.‬أمل الكردفاني‬
‫الباحث والمستشار قانوني‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫‪ ‬موضوع البحث‪:‬‬

‫موضوع ىذا البحث ىو الجغرافيا‪ ،‬ولكف ليست الجغرافيا بشكؿ عاـ‪ ،‬بؿ تمؾ الجغرافيا التي تتعمؽ‬
‫بالجريمة‪ ،‬أي ذلؾ الحضور لمحدث اإلجرامي في المكاف ‪ ،Spatial‬والذي يخمؼ وراءه آثاره التي‬
‫يتـ جمعيا‪ ،‬بأداوت جغرافية‪ ،‬ثـ تحميميا واستخراج ما يفيد منيا في فيـ الجريمة بصفة عامة‪،‬‬
‫وأساليب مكافحتيا‪ ،‬والوقاية منيا‪ ،‬وقبؿ ذلؾ معرفة الجاني والقبض عميو‪ .‬وىذه ىي "الجغرافيا‬
‫الجنائية"‪ ،‬التي ىي عمـ مف العموـ متعددة التخصصات‪ ،‬فيي تقع بيف أطراؼ حقوؿ عممية‬
‫أخرى ‪ ،‬مثؿ الجغرافيا‪ ،‬وعمـ البيئة‪ ،‬وعمـ االجتماع البشري‪ ،‬بؿ وعمـ النفس‪ ،‬والتكنولوجيا الرقمية‪،‬‬
‫واليندسة المدنية‪..،‬الخ‪ .‬لذلؾ سنجد أف أغمب الباحثيف تيربوا مف محاولة لمممة ذلؾ الشتات‬
‫المعرفي‪ ،‬واكتفوا بنثرات مختمفة‪ ،‬داخؿ مسميات متعددة لمواضيع محددة‪ ،‬مثؿ عمـ اإلجراـ‪ ،‬وعمـ‬
‫اإلجراـ البيئي‪ ،‬وعمـ التحميؿ الجنائي‪ ،‬وعمـ اإلجتماع القانوني‪..‬الخ‪ .‬وىذا البحث يعد المحاولة‬
‫األولى –بحسب المراجع التي أتيحت لمباحث‪ -‬التي تجمع كؿ ذلؾ الشتات المعرفي في بوتقة‬
‫واحدة‪ ،‬وتسميميا لمباحثيف العممييف‪ ،‬ومف ثـ خمؽ حقؿ عممي يتمتع بذاتيتو في مواجية العموـ‬
‫والمعارفة األخرى المرتبطة بو‪.‬‬

‫‪ ‬صعوبات البحث‪:‬‬

‫ىذا البحث لـ يكف بحثاً سيالً بأي حاؿ‪ ،‬فقد واجو الباحث العديد مف المشاكؿ‪ ،‬ومف ضمنيا‪:‬‬

‫(‪(1‬‬
‫‪ -1‬تفرؽ ىذا العمـ بيف عموـ أخرى تتقاطع ووتقابؿ بحيث تزيد تمؾ التعقيدات في العالقات‬
‫بينيا‪ ،‬مف صعوبة انتزاع ذلؾ الجزء الجغرافي منيا؛ واعادة ترسيمو داخؿ المنظومة الجغرافية‬
‫الجنائية التي يحاوؿ بناءىا‪ .‬استدعى ذلؾ باستمرار العودة لدراسة ذلؾ الحقؿ العممي المعني‬
‫بتمؾ الجزئية‪ ،‬وفيمو‪ ،‬ومعرفة موقع الجزء الجغرافي منو عمى الشاطئ الجنائي المقابؿ‪ .‬وىذه‬
‫العممية استدعت الكثير مف التركيز والوقت والجيد النفسي‪.‬‬

‫‪ -2‬تعدد الحقوؿ المعرفية‪ ،‬يعني بدوره تنوع المفردات العممية‪ ،‬ما بيف تكنولوجية‪ ،‬وجغرافية‬
‫وقانونية‪ ،‬واجتماعية‪ ،‬ونفسية‪.. ،‬الخ‪ .‬وىذا ما دفع بالباحث إلى الرجوع إلى العديد مف القواميس‬
‫والمعاجـ‪ ،‬لإلحاطة باألطر العامة التي تحكـ تمؾ العموـ ومف ثـ فيـ معاني مصطمحاتيا عمى‬
‫وجو دقيؽ‪ ،‬قبؿ استخداميا في الموضع الجغرافي الجنائي‪.‬‬

‫‪ -3‬ليتـ ما سبؽ‪ ،‬كاف عمى الباحث في الواقع أف يمارس الجغرافيا عبر رسـ خرائط معرفية لتمؾ‬
‫العموـ والمصطمحات‪ ،‬واعادة ربطيا سوياً داخؿ منظومة واحدة ومتماسكة‪.‬‬

‫‪ -4‬نسبة النتقاؿ مفاىيـ الجغرافيا الجنائية مف فرنسا إلى الواليات المتحدة ثـ انتشارىا مف ىناؾ‪،‬‬
‫فإف المراجع الغالبة كانت ىي المراجع األمريكية والبريطانية والكندية (بالمغة اإلنجميزية)‪ ،‬ويجدر‬
‫بنا أف نشير إلى أف المنيج األنجمو‪-‬أمريكي في الكتابة يختمؼ تماماً عف المنيج الفرنسي‪ ،‬فيذا‬
‫األخير يميؿ إلى بناء القواعد العامة عبر التأصيؿ المستمر؛ ومف ثـ ترؾ التفاصيؿ لتخضع (مف‬
‫حيث األحكاـ) لتمؾ القواعد العامة بشكؿ تمقائي‪ .‬في حيف أف المؤلفات األمريكية‪ ،‬تنزع نحو‬
‫التفاصيؿ‪ ،‬وتفاصيؿ التفاصيؿ‪ ،‬متجاىمة –وبإصرار‪ -‬أي إرتداد نحو قاعدة عامة لتغنينا –فيما‬
‫بعد‪ -‬عف التفكير والتأمؿ في أي معضمة حادثة بردىا إلى تمؾ القاعدة العامة‪ ،‬وربما ىذا ما أدى‬
‫إلى عدـ قدرة الباحثيف عمى لمممة شتات الجغرافيا الجنائية ووضعيا داخؿ منظومة واحدة‬
‫متماسكة‪ ،‬بؿ مالت أغمب األبحاث إلى الجانب االجتماعي البيئي‪ ،‬وخاصة البيئة الحضرية‬
‫والريفية‪ .‬ذلؾ ما جعؿ الباحث ينظر ليذه المشكمة ليست باعتبارىا تحدياً‪ ،‬بؿ باعتبارىا (فناً) مف‬
‫ناحية أولى‪ ،‬وباعتبارىا تمييداً لتطوير البحث مستقبالً بصورة أوسع بعد جمع األصوؿ الالزمة‬
‫لمتوسع والتحميؿ والتكييؼ واالستقراء‪ .‬فيكوف البحث بداية المجتيد ونياية المقتصد‪.‬‬

‫‪ ‬أهداف البحث‪:‬‬

‫(‪(2‬‬
‫ييدؼ البحث إلى لمممة شتات الجغرافيا الجنائية في مرحمة أولى‪ ،‬وجمع وتحميؿ تمؾ المعمومات‪،‬‬
‫ورصفيا داخؿ منظومة واحدة‪ .‬وىذا ىو اليدؼ األوؿ‪ .‬مع ذلؾ فممبحث أىداؼ ال تقؿ أىمية عف‬
‫ذلؾ‪ ،‬فيو ييدؼ أيضاً إلى فتح باب البحث العممي في موضوعات عديدة ال تجد الكثير مف‬
‫االىتماـ في حقؿ البحث الجنائي‪ .‬وييدؼ البحث أيضاً إلى تسييؿ عمميات الربط بيف المعارؼ‬
‫المتنوعة المتعمقة بالجريمة‪ ،‬وبالتالي يمكف لممؤسسات العدلية أف تستفيد منو في بناء منظومة‬
‫عدلية متكاممة‪ ،‬ويسيـ البحث بالتالي في خدمة حوكمة مؤسسات إنفاذ القانوف‪( ،‬الضبطية‪،‬‬
‫والوقائية‪ ،‬واإلدارية عمى وجو الخصوص)‪ .‬وبما أف ىذا البحث يجمع العديد مف الحقوؿ‬
‫المعرفية‪ ،‬فإنو بالتالي سيخدـ الباحثيف المستقبمييف في التنقؿ عبر فصولو لمتزود منو بأوليات أي‬
‫عمـ متعمؽ بو‪ ،‬كعمـ اإلجراـ البيئي‪ ،‬وعمـ الجغرافيا نفسيا‪ ،‬ونظـ المعمومات الجغرافية‪ ،‬وعمـ‬
‫اليندسة المدنية‪ ،‬والتحميؿ الجنائي‪...‬الخ‪ .‬إذ يمثؿ البحث مفتاحاً القتحاـ تمؾ العموـ‪ ،‬باإلضافة‬
‫اء ثقافياً لغير المتخصص‪.‬‬
‫إلى كونو إثر ً‬

‫‪ ‬منهج البحث‪:‬‬

‫تحكـ طبيعة ىذا البحث منيجو‪ ،‬أي منيجو الوصفي مبدئياً‪ ،‬فيو ليس بحثاً تحميمياً‪ ،‬ذلؾ ألنو ‪-‬‬
‫وكما أسمفنا‪ -‬يعتبر البحث األوؿ الذي ييدؼ إلى بناء حقؿ عمـ جديد عبر رده إلى بنيتو‬
‫التأسيسية‪ .‬وىكذا فيذا البحث ال يتحمؿ استخداـ العديد مف المناىج – عمى األقؿ في ىذه‬
‫المرحمة‪ -‬بؿ سيقتصر عمى المنيج الوصفي‪ ،‬ومع ذلؾ فيذا المنيج ال يعني أف البحث مجرد‬
‫عف التحميؿ‪ ،‬إذ أف بناء المنظومة نفسو كاف عبارة عف عمميات تحميؿ وربط شديدة الصعوبة‪ .‬مع‬
‫ذلؾ ففي بعض الفصوؿ؛ سنجد حضو اًر لممنيج التاريخ‪ ،‬والمقارف إلى حد ما‪.‬‬

‫‪ ‬خطة البحث‪:‬‬

‫سينقسـ البحث إلى أربعة فصوؿ‪ ،‬متبعيف النيج األنجموأمريكي‪ ،‬والذي يقسـ البحث لفصوؿ‪ ،‬ثـ‬
‫أرقاـ متسمسمة داخؿ كؿ فصؿ‪ ،‬وذلؾ ألنو المنيج األنسب ‪-‬الذي قدره الباحث‪ -‬لتحقيؽ اليدؼ‬
‫األساسي منو‪.‬‬

‫عمى ما سبق فسوف ينقسم البحث إلى الفصول اآلتية‪:‬‬

‫‪ -1‬الفصل األول‪ :‬المدخل إلى الجغرافيا‪.‬‬


‫(‪(3‬‬
‫‪ 1-1‬تعريف الجغرافيا‪.‬‬
‫‪ 1-2‬فروع عمم الجغرافيا‪.‬‬
‫‪ 1-2-1‬أوالً‪ :‬الجغرافيا الطبيعية‪.‬‬
‫‪ 1-2-2‬ثانياً‪ :‬الجغرافيا البشرية‪.‬‬
‫‪ 1-2-3‬ثالثاً‪ :‬الجغرافيا اإلقميمية‪.‬‬
‫‪ 1-2-4‬رابعاً‪ :‬الجغرافيا التاريخية‪.‬‬
‫‪ 1-2-5‬خامساً‪ :‬دراسة الخرائط‪.‬‬
‫‪ 1-2-6‬سادساً‪ :‬نظم المعمومات الجغرافية واالستشعار عن بعد‪.‬‬
‫‪ 1-3‬التقنية الجغرافية الحديثة ‪ :‬نظم المعمومات الجغرافية(‪.)GIS‬‬
‫‪ 1-3-1‬تعريف نظم المعمومات الجغرافية‪.‬‬
‫‪ 1-3-2‬نبذة قصيرة عن التطور التاريخي لنظم المعمومات الجغرافية‪.‬‬
‫‪ 1-3-3‬مكونات نظام المعمومات الجغرافية‪.‬‬

‫‪ -2‬الفصل الثاني‪ :‬المدخل إلى الجغرافيا الجنائية‪.‬‬


‫‪ 2-1‬التطور التاريخي ألدبيات الجغرافيا الجنائية‪.‬‬
‫‪ 2-2‬ممخص أدبيات الجغرافيا الجنائية‪.‬‬
‫‪ 2-2-1‬كويتميو ‪.1842‬‬
‫‪ 2-2-2‬جاليد ‪.1856‬‬
‫‪ 2-2-3‬بيرجس ‪.1916‬‬
‫‪ 2-2-4‬شو ومكاي ‪(1969‬مدرسة شيكاغو)‪.‬‬
‫‪ 2-2-5‬ىاريس ‪.1974‬‬
‫‪ 2-3‬النظريات المستمدة من دراسات الجغرافيا الجنائية‪.‬‬
‫‪ 2-3-1‬نظرية الفوضى اإلجتماعية‪.‬‬
‫‪ 2-3-2‬نظرية االختيار العقالني‪.‬‬
‫‪ 2-3-3‬الخرائط الذهنية‪.‬‬
‫‪ 2-3-4‬نظرية النشاط الروتيني‪.‬‬

‫‪ -3‬الفصل الثالث‪ :‬عمم الخرائط الجنائية‪.‬‬


‫‪ 3-1‬أساسيات عمم الخرائط ‪.Cartography‬‬
‫‪ 3-1-1‬تعريف عمم الخرائط‪.‬‬
‫(‪(4‬‬
‫‪ 3-1-2‬أنواع الخرائط‪.‬‬
‫‪ 3-1-3‬مستمزمات رسم الخرائط‪.‬‬
‫‪ 3-1-4‬مساقط الخرائط‪.‬‬
‫‪ 3-1-5‬أنواع المساقط‪.‬‬
‫‪ 3-1-6‬مسقط ميركيتور(المستخدم في خرائط نظم المعمومات الجغرافية بكثرة)‪.‬‬
‫‪ 3-1-7‬ترميز البيانات الجغرافية عمى الخريطة‪.‬‬
‫‪ 3-2‬الخرائط الجنائية الرقمية‪.‬‬

‫‪ -4‬الفصل الرابع‪ :‬التحميل الجغرافي الجنائي والتصميم البيئي‪.‬‬


‫‪ 4-1‬التحميل الجغرافي الجنائي‪.‬‬
‫‪ 4-1-1‬أوليات التحميل الجنائي‪.‬‬
‫‪ 4-1-1-1‬أنواع تحميل الجريمة‪.‬‬
‫‪ 4-1-2‬التحميل الجغرافي لمجريمة‪.‬‬
‫‪ 4-1-3‬التنميط الجغرافي‪.‬‬
‫‪ 4-1-3-1‬إستهدافات التنميط الجغرافي‪.‬‬
‫‪ 4-2‬التصميم البيئي‪.‬‬
‫‪ 4-2-1‬مفهوم المنع عبر التصميم البيئي‪.‬‬
‫‪ 4-2-2‬التطور التاريخي لممفهوم‪.‬‬
‫‪ 4-2-3‬اإلستراتيجيات التشغيمية لـ(‪.)CPTED‬‬
‫‪ -5‬الخاتمة‪.‬‬
‫‪ -6‬قائمة المراجع‪.‬‬

‫الجغرافيا‪:‬‬ ‫‪ -1‬الفصل األول‪ :‬المدخل إلى‬

‫قد تتخمى عف شارء عقار ما لسبب بسيط؛ ىو أف موقعو غير آمف‪ ،‬أو طريقة تصميمو غير‬
‫آمنة‪ ،‬أو أنو يقع في منطقة اشتيرت بالجريمة أي ما ُيسمى في عمـ الجغارفيا الجنائية بالمناطؽ‬
‫الساخنة ‪ ،Hotspots‬وعندما تشتري العقار المناسب؛ فال يمنع ذلؾ مف تعرضؾ لمجريمة‪ ،‬والبدء‬
‫في مالحقة المجرـ‪ ،‬وبالتالي البحث عنو‪ ،‬وعف المسافة التي مف الممكف أف يكوف قد قطعيا منذ‬
‫ساعة الجريمة وحتى اكتشافؾ ليا‪ .‬ىذه ىي بعض جوانب العالقة المكانية بالجريمة‪ ،‬تمؾ التي‬

‫(‪(5‬‬
‫تربط ما بيف اإلنساف والموقع والمكاف والبيئية عموماً؛ وىي الموضوعات التي روجت ليا الجمعية‬
‫الجغارفية الوطنية كما سنورد‪ ،‬مف ىنا كاف ال بد مف فيـ الجغارفيا نفسيا قبؿ فيـ الجغارفيا‬
‫الجنائية‪ ،‬ومعرفة ما إذا كانت الجغارفيا كعمـ لو أصوؿ يرتبط بالفعؿ بالجانب الجنائي أـ ال‬
‫إرتباطاً أولياً أـ أنو مجرد ارتباط ثانوي عابر‪ .‬وعميو فسوؼ ندرس في ىذا الفصؿ عموميات عمـ‬
‫الجغارفيا أو المدخؿ لو‪ ،‬لنستوثؽ –مف خالؿ الفصوؿ الالحقة‪ -‬عف مدى تحقؽ ذلؾ اإلرتباط‬
‫اإلرتباط بيف الجغارفيا والجريمة‪ ،‬وأف أدوات الجغارفيا نفسيا ىي مف أىـ أدوات التحميؿ الجنائي‪.‬‬

‫‪ 1-1‬تعريف الجغرافيا‪:‬‬

‫يعرؼ قاموس الجغرافيا البشرية؛ الجغرافيا (عموماً) بأنيا "الدراسة التي يشارؾ بيا الفضاء‬
‫(المكاف) في عممية ونتائج العمميات اإلجتماعية والفيزيائية الحيوية "‪ ،‬ولكف قبؿ ذلؾ فإف لفظة‬
‫جغرافيا ىي كممة التينية األصؿ تتكوف مف شقيف ‪ )Geo(:‬وتعني األرض ‪ Graphia ،‬وتعني‬
‫الكتابة‪ ،1‬ليشمؿ مفيوـ الكتابة كالً مف ‪(:‬النقؿ ‪( ،)conveying‬والتعبير ‪،)expressing‬‬
‫(والتمثيؿ ‪ )representing‬لمعالـ‪ ،‬وكذلؾ (وضع العالمات ‪ )marking‬أو (تشكيؿ ‪)shaping‬‬
‫أو (تحويؿ ‪ )transforming‬العالـ‪.2‬‬

‫وما سبؽ تمخيص لتصورات متعددة عف عمـ الجغرافيا‪ ،‬إذ أف ىناؾ تعريفات أخرى كثيرة منيا‬
‫مثالً‪ :‬أف الجغرافيا ىي عمـ وصؼ األرض‪ ،‬أو عمـ كوكب األرض‪ ،‬أو عمـ العالقات؛ العالقة‬
‫بيف البيئة واإلنساف‪ ،‬أو ىي عمـ التوزيعات األرضية (عمـ األيف والمكاف)‪ ،‬أو ىي عمـ اإلختالؼ‬
‫األرضي أو اإلقميمي؛ حيث يكوف ىدؼ الجغرافيا إبراز تمؾ اإلختالفات‪.3‬‬

‫ويشير دكتور أحمد عمي إسماعيؿ إشارة ىامة إلى أف المقصود باألرض (في عمـ الجغرافيا) ىو‬
‫سطح األرض وما يرتبط بو مف ظاىرات طبيعية أو بشرية‪ ،‬وبمعنى آخر؛ فإف األرض التي ييتـ‬
‫عمـ الجغرافيا بدراستيا تضـ عدداً مف األغمفة عمى النحو التالي‪:4‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ٌ -‬نسب هذا الجمع بٌن الكلمتٌن إلى العالم الٌونانً إراتوستٌنس ‪ Eratosthenes‬والذي عاش فً القرن الثالث قبل المٌالد‪ ،‬لذا ٌُطلق‬
‫علٌه أبو الجغرافٌا‪.‬‬
‫‪- Ray Sumner, Geography basics, Volume 1, Pasadena, California, Hackensack, New Jersey, 2004, p.3‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- The dictionary of human geography, Ed. Derek Gregory, Ron Johnston, Geraldine Pratt, Michael, J.‬‬
‫‪Watts and Sarah Whatmore, (Blackwell Publishing, 5th Ed, 2009), s.v. "geography", pp.287, 288.‬‬
‫‪3‬‬
‫د‪.‬طلعت أحمد محمد عبده‪ ،‬د‪.‬حورٌة محمد حسٌن جاد هللا‪ ،‬فً أصول الجغرافٌا العامة‪ ،‬دار المعرفة‪ ،0222 ،‬ص ‪.24-20‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬د‪.‬أحمد علً إسماعٌل‪ ،‬الجغرافٌا العامة "موضوعات مختارة"‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزٌع‪ ،2774-2773 ،‬ص‪.21،20‬‬

‫(‪(6‬‬
‫‪ -1‬الغالؼ الصخري ‪ :Lithosphere‬ويقصد بو الصخور التي تتكوف منيا اليابسة عمى شكؿ‬
‫قارات‪ ،‬كما يضـ أيضاً قيعاف البحار والمحيطات وما تتركب منو مف صخور‪.‬‬

‫‪ -2‬الغالؼ المائي ‪ :Hydrosphere‬ويقصد بو المحيطات والبحار والبحيرات والمسطحات‬


‫المائية والمجاري المائية كاألنيار‪.‬‬

‫‪ -3‬الغالؼ الجوي ‪ :Atmosphere‬ويشمؿ نطاؽ اليواء والغازات التي تحيط بالكرة األرضية‪،‬‬
‫وىذه الغازات ال رائحة وال طعـ ليا‪ ،‬مف أىميا النتروجيف بنسبة ‪ ،%78‬واألوكسجيف بنسبة‬
‫‪ %21‬تقريباً‪ ،‬واألرجوف بنسبة تقؿ عف ‪ ،%1‬وثاني أكسيد الكربوف بنسبة ‪ %,03‬تقريباً إلى‬
‫جانب عدد مف الغازات مثؿ الييدروجيف واألوزوف‪.‬‬

‫‪ -4‬الغالؼ الحيوي ‪ :Biosphere‬وىو الذي توجد فيو مختمؼ صور الكائنات الحية سواء عمى‬
‫اليابس أو الماء أو اليواء‪ ،‬وغالباً فإف ىذا الغالؼ يصؿ إلى (‪ )11‬كيمو مترات فوؽ مستوى‬
‫سطح البحر‪.‬‬

‫‪ 1-2‬فروع عمم الجغرافيا‪:‬‬


‫لقد روجت الجمعية الجغرافية الوطنية ‪ National Geographic Society‬لخمس مواضيع‬
‫لمجغرافيا في عاـ ‪ 1984‬وىي الموقع‪، ،‬المكاف ‪،‬التفاعالت بيف اإلنساف والبيئة‪ ،‬والحركة‪،‬‬
‫والمناطؽ‪:5‬‬

‫(‪ ) 1‬الموقع‪ :‬يدور حوؿ معرفة مكاف األشياء‪ ،‬وينقسـ الموقع إلى نوعيف‪(:‬موقع مطمؽ) حيث‬
‫يكوف المكاف عمى سطح األرض؛ و(موقع نسبي) أي الروابط بيف األمكنة‪.‬‬

‫(‪ )2‬المكاف‪ :‬يتضمف مفيوـ المكاف الخصائص الفيزيائية والبشرية التي تميز مكاناً عف آخر‪.‬‬

‫(‪ ) 3‬التفاعؿ بيف اإلنساف والبيئة‪ :‬أي أف الناس لدييـ عالقات داخؿ أماكف محددة ويتأثروف‬
‫بمحيطيـ‪.‬‬

‫(‪ )4‬الحركة‪ :‬وتشمؿ تدفؽ األشخاص والسمع واألفكار حوؿ العالـ‪.‬‬

‫(‪ )5‬المناطؽ‪ :‬إبداعات بشرية لممساعدة في تنظيـ وفيـ األرض‪.‬‬


‫‪5‬‬
‫‪- Ray Sumner‎,‎op. cit., p.19.‬‬

‫(‪(7‬‬
‫وىذا يبدو كما لو كاف مجرد تحديد لوظائؼ الجغرافيا‪ ،‬والتي في كؿ األحواؿ ستندرج تحت نوعي‬
‫‪physical and human‬‬ ‫الجغرافيا األساسييف أي الجغرافيا الطبيعية والجغرافيا البشرية‬
‫‪ ،geographies‬وىو التقسيـ الكالسيكي لمجغرافيا الذي ال زاؿ قائماً رغـ تفكيؾ غيره مف‬
‫"سُبؿ‬
‫تقسيمات كما أشار لذلؾ بروفيسور دراجوز سيمانداف ‪ Dragoş Şimandan‬في مؤلفو ُ‬
‫جديدة في الجغرافيا"‪.6‬‬

‫يمنحنا الدكتور محمد صبحي عبد الحكيـ في مؤلفو عف الجغرافيا العامة‪ ،‬توضيحاً ممتا اًز عف‬
‫فروع الجغرافيا؛ مع ذلؾ فال يوجد تحديد حاسـ لفروع الجغرافيا‪ ،‬وسنرى مثالً أف الجغرافيا الجنائية‬
‫لـ ترد في أغمب ىذه المؤلفات المتخصصة في الجغرافيا ولكنيا وردت في مؤلفات القانوف‬
‫وخاصة بالمغة اإلنجميزية‪ .‬ويذكر دكتور صبحي أف الجغرافيا تتفرع إلى فرعيف أساسييف؛‬
‫الجغرافيا الطبيعية‪ ،‬والجغرافيا البشرية ثـ تقسيمات أخرى نمخصيا عمى النحو التالي‪:7‬‬

‫‪ 1-2-1‬أوالً‪ :‬الجغرافيا الطبيعية‪:‬‬

‫تتناوؿ الجغرافيا الطبيعية سطح األرض بأغمفتو التي أشرنا إلييا سابقاً؛ وتنقسـ الجغرافيا الطبيعية‬
‫إلى فروع أخرى منيا‪ :‬جغرافيا التضاريس‪ ،‬الجغرافيا المناخية‪ ،‬الجغرافيا الحيوية التي تعنى‬
‫بالنبات والحيواف‪.‬‬

‫‪ 1-2-2‬ثانياً‪ :‬الجغرافيا البشرية‪:‬‬

‫والتي تدرس الظاىرات البشرية والتي تضـ دراسة اإلنساف ذاتو‪ ،‬وتوزيعو عمى سطح األرض‪،‬‬
‫ومراكز عمرانو‪ ،‬ونشاطو اإلقتصادي‪ ،‬واإلطار السياسي الذي يعيش فيو‪ .‬وتنقسـ الجغرافيا البشرية‬
‫إلى‪:‬‬

‫‪ -1‬الجغرافيا الجنسية (جغرافيا السالالت البشرية)‪.‬‬

‫‪ -2‬الجغرافيا اإلجتماعية‪ :‬والتي تنقسـ بدورىا إلى ثالثة أقساـ واضحة وىي‪ :‬جغرافيا السكاف‪،‬‬
‫وجغرافيا الريؼ‪ ،‬وجغرافيا المدف‪ .‬وترتبط ىذه األقساـ بعموـ أخرى‪ ،‬فجغرافيا السكاف ترتبط بعمـ‬

‫‪6‬‬
‫‪- Dragoş Şimandan, New ways in Geography, (Editura Universitatii de Vest, January 2005)‎, p.14.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪ -‬لإلستزادة والتفصٌل‪:‬‬
‫‪ -‬د‪.‬محمد صبحً عبد الحكٌم‪ ،‬دراسات فً الجغرافٌا العامة‪ ،‬دار النهضة العربٌة‪ ،‬مطبعة جامعة القاهرة والكتاب الجامعً‪،2762 ،‬‬
‫ص ‪.17 -05‬‬

‫(‪(8‬‬
‫السكاف او الديموغرافيا ‪ ،Demography‬وجغرافيتا الريؼ والمدف (جغرافيا السكف) فترتبطاف بعمـ‬
‫تخطيط المدف والريؼ‪ ،‬وتتمخص موضوعات جغرافيا السكاف في دراسة إتجاىات النمو السكاني‬
‫وكثافتيـ وتفسير العوامؿ الجغ ارفية التي تؤثر في ىذا التوزيع‪ ،‬ودراسة اليجرة الداخمية التي يترتب‬
‫عمييا إعادة توزيع السكاف‪ ،‬وتتبع تياراتيا وتحميؿ عوامؿ الطرد وعوامؿ الجذب في المناطؽ‬
‫المختمفة‪ .‬كذلؾ تدرسة جغرافيا السكاف –أحياناً‪ -‬تركيب السكاف مف حيث النوع والسف‪ ،‬وتيدؼ‬
‫جغرافيا السكاف إلى إبراز المشكالت السكانية عمى اختالفيا في مناطؽ العالـ وأقطاره‪ .‬أما‬
‫ابتداء ف القرية وحتى المدينة الضخمة‪،‬‬
‫ً‬ ‫جغرافيا السكف فتختص بدراسة التجمعات العمرانية‬
‫وتتناوؿ بالدراسة ىذه المراكز العمرانة مف حيث نشأتيا ونموىا مع تحميؿ العوامؿ الجغرافية في‬
‫ىذا الصدد‪ ،‬كما تتناوؿ دراسة ىذه المراكز العمرانية –وال سيما المدف‪ -‬مف حيث تركيبيا‬
‫الداخمي‪ .‬وقد استطاعت بالتالي أف تقدـ لمخططي المدف مادة أساسية لتخطيط واعادة تخطيط‬
‫المدف‪.‬‬

‫‪ -3‬الجغرافيا االقتصادية‪ :‬وتتناوؿ بالدراسة موارد الثروة اإلقتصادية في العالـ مف حيث اإلنتاج‬
‫واالستيالؾ والتسويؽ مف وجية النظر الجغرافية التي تتمخص في التوزيع والربط والتعميؿ‪ .‬وىي‬
‫وثيقة الصمة بعمـ االقتصاد‪.‬‬

‫‪ -4‬الجغرافيا السياسية‪ :‬وىي التي تدرس الدولة كظاىرة جغرافية ليا حدودىا وموقعيا الجغرافي‪،‬‬
‫وليا مقوماتيا البشرية وامكاناتيا اإلقتصادية‪ .‬وتيدؼ في النياية إلى إبراز المشاكؿ السياسية التي‬
‫ترتبت عمى ىذه األوضاع الجغرافية‪.‬‬

‫‪ 1-2-3‬ثالثاً‪ :‬الجغرافيا اإلقميمية‪:‬‬

‫يقس ـ بعض الجغرافييف الجغرافيا إلى قسميف كبيريف‪ :‬األوؿ ىو الجغرافيا العامة أو األصولية أو‬
‫الموضوعية ‪ Topical‬وتضـ كالً مف الجغرافيا الطبيعية والبشرية‪ .‬والثاني الجغرافيا الخاصة أو‬
‫اإلقميمية‪ .‬وىذه األخيرة تتناوؿ بالدراسة جميع عناصر البيئة الطبيعية مف جية‪ ،‬واإلنساف‬
‫ومظاىر نشاطو مف جية أخرى‪ ،‬في إطار إقميمي‪ .‬أو بمعنى آخر ىي عبارة عف تجميع لكؿ‬
‫فروع الجغرافيا التي سبؽ ذكرىا داخؿ وحدة مكانية‪ .‬فيي تقوـ عمى التقسيـ إلى أقاليـ ودراسة‬
‫العالقة بيف البيئة واإلنساف داخؿ كؿ إقميـ‪.‬‬

‫(‪(9‬‬
‫‪ 1-2-4‬رابعاً‪ :‬الجغرافيا التاريخية‪:‬‬

‫والتي تختص بدراسة الظاىرات الجغرافية (الطبيعية والبشرية) في الماضي‪.‬‬

‫‪ 1-2-5‬خامساً‪ :‬دراسة الخرائط‪:‬‬

‫عمـ الخرائط وىو ما يسمى بعمـ الكارتوجرافيا ‪ ،Cartography‬ويعني ىذا العمـ‪ :‬ػ(‪ )1‬تصميـ‬
‫وانتاج الخرائط مف قبؿ األفراد أو المنظمات؛ (‪ )2‬الدراسة العممية لتكنولوجيا رسـ الخرائط وفعالية‬
‫الخرائط كأجيزة إتصاؿ؛ (‪ )3‬الفحص العممي لمدور المجتمعي وتأثير الخرائط‪.8‬‬

‫‪ 1-2-6‬سادساً‪ :‬نظم المعمومات الجغرافية واالستشعار عن بعد‪:‬‬

‫انضـ مؤخ اًر فرع جديد لفروع الجغرافيا وىو نظـ المعمومات الجغرافية واالستشعار عف بعد‪.9‬‬

‫وكما أسمفنا فبإطالعنا عمى المؤلفات الجغرافية سنجد أنواعاً أخرى مف تخصصات الجغرافيا‪،‬‬
‫تزيد أو تنقص بحسب كؿ مؤلؼ‪.10‬‬

‫‪ 1-3‬التقنية الجغرافية الحديثة ‪ :‬نظم المعمومات الجغرافية(‪:)GIS‬‬

‫قبؿ سنوات‪ ،‬كنت أعاني مف مشكمة طفيفة‪ ،‬وىي عدـ معرفتي لطرؽ الوصوؿ إلى المحاكـ‬
‫بسيولة‪ .‬لقد قررت حينيا أف أقوـ برسـ خريطة لإلختصاص المحمي لممحاكـ‪ ،‬شاممة لمطرؽ‬
‫المؤدية إلييا في الوالية‪ .‬ولكي أقوـ بذلؾ؛ بدأت في جمع المعمومات الالزمة عف المحاكـ‪،‬‬
‫أنواعيا‪ ،‬دراجاتيا‪ ،‬إختصاصاتيا النوعية واإلقميمية (‪ .)data‬ثـ لجأت إلى قوقؿ إيرث وحممت‬
‫خارطة لموالية‪ ،‬ثـ قمت بإسقاط تمؾ البيانات عمييا (خطياً‪/‬نقطياً) (أنظر‪ :‬شكؿ‪ .)1‬في الواقع‬
‫كانت تمؾ ميمة صعبة جداً‪ ،‬لشخص ال ينتمي لحقؿ التكنولوجيا وال لحقؿ الجغرافيا والخرائط‪ .‬مع‬
‫ذلؾ فقد نجحت إلى حد كبير في تحقيؽ سبعيف في المائة مف النتيجة المطموبة‪ .‬ثـ اكتشفت أف‬
‫ىذه العممية التي تمت بوسائؿ بدائية يمكف تحقيقيا عبر وسائؿ تقنية أسرع وأقوى‪ ،‬وأنيا في‬

‫‪8‬‬
‫‪- The dictionary of human geography, op. cit., p.66.‬‬
‫‪9‬‬
‫‪ -‬د‪.‬هاشم محمد صالح‪ ،‬الجغرافٌا الطبٌعٌة‪ ،‬مكتبة المجتمع العربً للنشر والتوزٌع‪ ،‬الطبعة األولى‪2213-0222 ،‬هـ‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪ -‬أنظر مثالً اإلستزادة فً مؤلف دكتور هاشم والذي ٌضٌف تخصصات أخرى فً داخل الفروع الرئٌسٌة‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫‪ -‬د‪.‬هاسم محمد صالح‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.03 -02‬‬

‫(‪(11‬‬
‫الواقع ممّخص لما ُيسمى بنظـ المعمومات الجغرافية ‪.Geographic information system‬‬
‫كاف ىذا ىو اإلنتباه األوؿ لي تجاه أىمية ىذا العمـ‪ ،‬ولذلؾ بدأت في دراستو بشكؿ عاـ‪ ،‬ولجأت‬
‫لبعض المتخصصيف‪ ،‬وبعض المؤلفات ألتمكف مف فيـ تعقيداتو‪ .‬إف أىمية ىذا العمـ في المجاؿ‬
‫الجنائي ال يمكف تجاىميا ألي دولة تحتاج لبناء منظومة جنائية قوية‪ ،‬تعمؿ عمى دراسة وتحميؿ‬
‫الجريمة بؿ وتحقيؽ أىداؼ العقاب‪ ،‬وما يمزـ لموقاية مف الجريمة أو لمكافحتيا‪ ،‬وتطوير أدوات‬
‫المالحقة الجنائية‪ ،‬بؿ ودراسة تكاليؼ الجريمة‪ ،‬وأعبائيا اإلقتصادية‪ ،‬وتأثيراتيا السوسيولوجية‬
‫والبيئية والسياسية‪.‬‬

‫لقد الحظت مف خالؿ تمؾ الخريطة التي تمثؿ التوزيع الجغرافي لممحاكـ‪ ،‬أف المحاكـ غير‬
‫موزعة توزيعاً جغرافياً متوازناً بؿ تكاد تكوف متمركزة في وسط المدينة‪ ،‬وىكذا يمكننا إكتشاؼ ىذا‬
‫الخمؿ والبحث عف إجابات أو حموؿ لو عبر إكماؿ الخريطة ببيانات أخرى مثؿ التوزيع السكاني‬
‫مثالً؛ فقد تكوف كثافة السكاف في المنتصؼ مبر اًر لعدـ إنشاء محاكـ أخرى عمى األطارؼ‪ ،‬وقد‬
‫يكوف السبب ىو أف انعداـ السكاف أو قمتيـ ال يتناسب مع عدد القضايا المرفوعة أماـ المحاكـ‪.‬‬
‫وىذا يستدعي ضـ بيانات أخرى ‪ Data‬عف عدد السكاف‪ ،‬عدد الدعاوى القضائية‪ ،‬نوع الدعاوى‬
‫القضائية‪ ،‬نسبة القضايا المحكوـ بيا إلى نسبة تمؾ التي انتيت بمصالحات أو تسويات‪..‬الخ‪،‬‬
‫محؿ الدعاوى المدنية (عقارات منقوالت‪..‬الخ)‪ ،‬قيمة تمؾ الدعاوى‪ .‬وباجتماع كؿ تمؾ البيانات‬
‫يمكننا استخالص معمومات قيمة تفيد في تطوير العمؿ القضائي‪.‬‬
‫مع ذلؾ؛ فنظـ المعمومات الجغرافية أكثر تعقيداً مف ذلؾ؛ ويتطمب منا ىذا أف نقدـ ليا بدراسة‬
‫مختصرة عف مفيوميا وتاريخ تطورىا وبعض ومكوناتيا‪.‬‬

‫‪ 1-3-1‬تعريف نظم المعمومات الجغرافية‪:‬‬

‫مف عديد التعريفات ليذه النظـ‪ ،‬يمكف تعريؼ نظـ المعمومات الجغرافية بأنيا‪(:‬أنظمة برمجية‬
‫متكاممة لمتعامؿ مع المعمومات الجغرافية المكانية‪ :‬الكتسابيا‪ Acquisition‬وتحريرىا‪،Editing‬‬
‫وتصورىا (تحويميا لصورة بصرية‬
‫ُّ‬ ‫وتخزينيا‪ ،‬وتحويميا‪ ،Transformation‬وتحميميا‪،‬‬
‫‪ ،)Visualization‬وفي الواقع أي ميمة قد يرغب المرء القياـ بيا مع ىذا النوع المحدد مف‬
‫المعمومات‪ .)11‬وتنقسـ نظـ المعمومات الجغرافية لنوعيف‪ :‬نظم المعمومات الخطية‪ ،‬ونظم‬

‫‪11‬‬
‫‪- The national academies press, on Support for Thinking Spatially: The incorporation of‬‬
‫‪geographic information science across the K–12 curriculum, (Washington, D.C., 2006), p.159.‬‬

‫(‪(11‬‬
‫المعمومات المساحية‪ ،‬حيث تيتـ نظم المعمومات الخطية بالبيانات الخطية أو اإلتجاىية‬
‫‪ ،Vector data‬والتي تتمثؿ في ثالث أنوع مف البيانات‪ :‬نقطية (كما في شكؿ‪ :1‬حيث نرى‬
‫المحاكـ في شكؿ نقاط داكنة)‪ ،‬أوفي موقع محدد لو إحداثية سينية وصادية واحدة فقط‪ ،‬مثؿ‬
‫موقع مدينة ما أو موقع بئر ما‪..‬الخ‪ ،‬والثانية ىي البيانات الخطية ‪ ،Line data‬أي تمؾ البيانات‬
‫التي تأخذ شكؿ الخط عمى الخرائط مثؿ الطريؽ‪ ،‬أو الحد السياسي لمدولة‪ ،‬أو مجرى مائي‪ ،‬أما‬
‫الثالثة فيي البيانات المساحية ‪ Polygon or area‬وىي المساحات التي يمكف تحديدىا بخط‬
‫مثؿ األقاليـ الزراعية أو المناطؽ العمرانية‪ ،‬أو المساحة التي يمتد عمييا مطار ما‪..‬الخ‪ .‬أما نظم‬
‫المعمومات الجغرافية المساحية فيي تتكوف مف مساحات صغيرة يطمؽ عمييا ‪ Raster‬أو ‪Pixel‬‬
‫مربعة الشكؿ والتي غالباً ما يصؿ طوؿ ضمع المربع الواحد منيا إلى ‪ 0,1‬مـ‪ ،‬أي ال يمكف‬
‫رؤيتيا بالعيف المجردة‪ ،‬والتي غالباً ما يتـ إدخاليا إلى الحاسب اآللي بواسطة أجيزة المساح‬
‫‪ ،Scanner‬وتتمثؿ ىذه البيانات في الصورة الجوية أو المرئيات الفضائية‪ ،‬لذلؾ يطمؽ عمى‬
‫النظـ التي تعالج ىذا النمط مف المعمومات اسـ نظـ المرئيات الفضائية أو الصور‪.12‬‬

‫‪ 1-3-2‬نبذة قصيرة عن التطور التاريخي لنظم المعمومات الجغرافية‪:‬‬

‫شيدت الستينات بداية تطور نظـ المعمومات الجغرافية الحديثة‪ ،‬حيث يعود الفضؿ في إنشاء‬
‫مصطمح نظـ المعمومات الجغرافية إلى الدكتور روجر توممينسوف ‪Roger Tomlinson‬‬
‫(‪ ،)2014 -1933‬الذي طور نظاـ المعمومات الجغرافية الكندي‪ ،‬إذ كاف الخطوة األولى في‬
‫تجاوز رسـ الخرائط الحاسوبية التقميدية لتشمؿ تراكبات طبقة الخرائط‪ .‬ثـ استمر التطور في‬
‫أواخر الستينات وبداية السبعينات عندما بدأ مختبر ىارفارد لمرسومات والتحميالت الحاسوبية في‬
‫تطوير أوؿ حاسوب يعتمد عمى التحميؿ المكاني والخرائط الحساوبية والبحث الجرافيكي‬
‫وتطبيقاتيا‪ ،‬والحقاً طور نظاـ ‪ ،ODYSSEY‬والذي تـ تصميمو لمعالجة بيانات جغرافية أكبر‪،‬‬
‫وفي بداية الثمانينات بدأ جاؾ دانجرموند ‪ Jack Dangermond‬رئيس ومؤسس ‪ Esri‬بتطوير‬
‫برنامج ‪ ArcINFO‬الذي يعمؿ عمى منصات ‪ UNIX‬الستخدامات التطبيقات المتخصصة؛ مثؿ‬
‫إدارة البيئة والديموغرافيا‪ ،‬عبر التشفير المزدوج المستقؿ لمخريطة‪ ،‬مما قاد –الحقاً‪ -‬إلى تطوير‬
‫طوبولوجيا ‪Topologically Integrated‬‬
‫ً‬ ‫تنسيقات التشفير والمراجع الجغرافية المتكاممة‬
‫‪12‬‬
‫‪ -‬د‪.‬محمد الخزامى عزٌز‪ ،‬نظم المعلومات الجغرافٌة؛ أساسٌات وتطبٌقات للجغرافٌٌن‪ ،‬منشأة المعارف باالسكندرٌة‪،‬‬
‫‪2226‬هـ‪2776/‬م‪ ،‬ص ‪.42-30‬‬

‫(‪(12‬‬
‫‪ ،)TIGER( Geographic Encoding and Referencing‬والتي طورىا مكتب اإلحصاء‬
‫األمريكي وال زالت تستخدـ حتى اليوـ‪ .‬وبحموؿ التسعينات أخذت نظـ المعمومات الجغرافية‬
‫تتشكؿ وتتوسع داخؿ صناعة الحوسبة‪.13‬‬

‫‪ 1-3-3‬مكونات نظام المعمومات الجغرافية‪:14‬‬

‫‪ -1‬شبكة الكمبويتر‪ :‬وىي البنية التحتية التي تربط إثنيف أو أمثر مف أجيزة الكمبيوتر واألجيزة‬
‫األخرى لتبادؿ الموارد والحسابات الموازية‪ .‬وتشمؿ الشبكات المحمية ‪ LAN‬وشبكات واسعة‬
‫النطاؽ‪ ،‬واالنترنت‪ .‬وتعتبر ىذه الشبكات عنصر أساسي في نظـ المعمومات الجغرافية‪.‬‬

‫‪-2‬األجهزة‪ :‬تشير األجيزة إلى المكونات المادية لنظاـ الكمبيوتر التي تتكوف مف وحدة معالجة‬
‫مركزية لتشغيؿ البراامج‪ ،‬وتخزيف القرص لكميات كبيرة مف البيانات والبرامج؛ وتنقسـ إلى أجيزة‬
‫إدخاؿ مثؿ أجيزة التحويؿ الرقمي والماسحات الضوئية‪ ،‬وأجيزة اإلخراج والتي تستخدـ لعرض‬
‫النتائج‪.‬‬

‫‪ -3‬البرامج‪ :‬وىي المسؤولة عف إنشاء وتخزيف وتحميؿ ومعالجة وعرض البيانات الجغرافية‪،‬‬
‫وتتوفر منيا –حالياً‪ -‬العديد مف األنواع المطروحة تجارياً أو مفتوحة المصدر مثؿ ( ‪GRASS,‬‬
‫‪.)Arc GIS, QGIS‬‬

‫‪ -4‬البيانات‪ :‬والتي تشمؿ البيانات المكانية والوصفية‪ ،‬حيث تتكوف قاعدة بيانات مف تمثيؿ‬
‫رقمي لمنطقة جغرافية مختارة‪.‬‬

‫بناء عمى أدوارىـ‪ :‬المشاىدوف‪ ،‬والمستخدموف‬


‫‪ -5‬األشخاص‪ :‬ويمكف تصنيفيـ إلى ثالثة أنواع‪ً :‬‬
‫العاموف‪ ،‬ومتخصص نظـ المعمومات الجغرافية‪.‬‬

‫ممخص الفصل األول‪:‬‬

‫في ىذا الفصؿ تناولنا عمـ الجغارفيا بالتعريؼ وفيـ أركانو األساسية ‪ ،‬والتطوارت التكنولوجية‬
‫التي المستو مؤخ اًر‪ .‬ولكف إذا كانت ىذه ىي الجغارفيا‪ ،‬فيؿ ىناؾ بالفعؿ ما يسمى بالجغارفيا‬

‫‪13‬‬
‫‪- Brian Tomaszewski, Geographic Information Systems (GIS) for Disaster Management,( Boca Raton,‬‬
‫‪London, New York,‎CRC Press, Taylor & Francis Group, , 2015), p.75,76.‬‬
‫‪14‬‬
‫‪ -‬د‪.‬رشا صابر نوفل‪ ،‬التحلٌل المكانً فً نظم المعلومات الجغرافٌة‪ ،‬جامعة عٌن شمس‪0202،0202 ،‬م‪ ،‬ص ‪.22 ، 7‬‬

‫(‪(13‬‬
‫الجنائية؟ ستتطمب منا اإلجابة عمى ىذا السؤاؿ اإلنتقاؿ إلى دارسة الجغارفيا الجنائية مف حيث‬
‫تطور أدبياتيا التاريخي‪ ،‬ومدارسيا ونظرياتيا لنتحقؽ مف وجودىا‪ ،‬كؿ ذلؾ في الفصؿ التالي‪.‬‬

‫‪ -2‬الفصل الثاني‪ :‬المدخل إلى الجغرافيا الجنائية‪:‬‬

‫‪ 2-1‬التطور التاريخي ألدبيات الجغرافيا الجنائية‪:‬‬

‫في القرف الرابع عشر طرح الفيمسوؼ والمنطقي ولياـ أوكاـ ‪ William Ockham‬منيجاً مبتك اًر‬
‫لمتفكير‪ ،‬عبر ما أسماه بقاعدة البخؿ ‪ Parsimony‬وما ُسمي الحقاً بشفرة أوكاـ ‪Occam's‬‬
‫ومبالغ فيياً إذا كاف لدينا نظرية‬
‫ً‬ ‫‪ razor‬وممخصيا ىو أنو ال يجب عمينا أف نبتكر نظرية معقدة‬
‫أبسط‪ ..15‬غير أف دراستي لمختمؼ المراجع حوؿ الجغرافيا الجنائية قد أوضحت لي أف ىذه‬
‫الدراسات لـ تمتزـ بالبساطة الالزمة لجمع شتات عمـ الجغرافيا الجنائية‪ ،‬الذي تفرؽ بيف عمـ‬
‫الجغرافيا‪ ،‬والقانوف‪ ،‬وعمـ اإلجتماع‪ ،‬والبيئة‪ ،‬وعمـ النفس‪..‬الخ‪ .‬لذلؾ تأثرت دراسة جغرافيا‬
‫الجريمة بذلؾ التشظي رغـ تشابييا بشكؿ واضح في المفاىيـ وأدوات العمؿ‪ ،‬بؿ وأحياناً في‬
‫النتائج‪ .‬عمى سبيؿ المثاؿ؛ فإف تناوؿ تاريخ أدبيات جغرافيا الجريمة يختمؼ مف حيث الشكؿ‪،‬‬
‫ولكنو يتوحد مف حيث المضموف‪ .‬سنجد مثالً أف ىناؾ مف يقسـ تاريخ الدراسات الجغرافية‬
‫الجنائية إلى ثالث مراحؿ متميزة‪:16‬‬

‫(‪ )1‬ظاىرة أوروبية بدأت في أوائؿ القرف التاسع عشر‪.‬‬

‫(‪ )2‬ظاىرة في أمريكا الشمالية ظيرت في أوائؿ القرف العشريف‪.‬‬

‫(‪ )3‬ظاىرة أمريكية بريطانية ظيرت في أواخر القرف العشريف‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫& ‪- Daniel C. Dennett, Intuition pumps and other tools for thinking, (New York- London,‎ Norton‬‬
‫‪Company, Inc., First Edition, 0221), p.39.‬‬
‫‪16‬‬
‫‪- Classical in environmental criminology,Ed: Martin A. Andresen, Paul J. Brantingham and J. Bryan‬‬
‫‪Kinney, (Boca Raton, London, New York , Simon Fraser University Publications, CRC Press, Taylor and‬‬
‫‪Francis Group, 2010), p.11.‬‬

‫(‪(14‬‬
‫التقسيـ أعاله اختمؼ شكالً ولكنو ىو نفسو التقسيـ مف حيث المضموف إلى‪:17‬‬

‫(‪ )1‬المدرسة الخرائطية في القرف التاسع عشر‪.‬‬

‫(‪ )2‬مدرسة شيكاغو في بداية النصؼ األوؿ مف القرف العشريف‪.‬‬

‫(‪ )4‬مدرسة تحميؿ العوامؿ في منتصؼ القرف العشريف‪.‬‬

‫(‪ )4‬عمـ اإلجراـ البيئي وجغرافيا الجريمة والمذاف خضعا لمتطوير منذ عاـ ‪ 1970‬وحتى اآلف‪.‬‬

‫الفرؽ بيف التقسيميف ىو مجرد فرؽ في ازوية النظر أما شرح ما تعنيو تمؾ التقسيمات‪ ،‬فسنجده‬
‫لدى عمماء آخريف‪ ،‬لـ ييتموا بخمؽ تكتالت زمنية موضوعية‪ ،‬بقدر ما اىتموا بالتطور التاريخي‬
‫الموضوعي لدراسة العالقة بيف الجريمة والجغرافيا‪ .‬والتي يمكف تمخيصيا في ما يمي‪:‬‬

‫(‪ )1‬أعماؿ جيري (‪ ،)1833‬وكويتميو (‪ )1842‬في فرنسا‪ ،‬حيث وجد جيري أف الجناة يقيموف‬
‫في مناطؽ محددة مف المدينة ولـ يسافروا لمسافات كبيرة الرتكاب جرائميـ أما كويتميو فقد قاـ‬
‫بإحصاءات جنائية مبكرة وجد عبرىا أف الجرائـ لـ تتوزع بشكؿ متجانس في البالد بؿ كانت‬
‫بعض المناطؽ ذات معدالت عالية لمجريمة وأخرى منخفضة‪ ،‬كما تبيف مف تمؾ الدراسات أف‬
‫أغمب جرائـ العنؼ تتـ في البيئة الريفية أما جرائـ الممتمكات فتقع في المناطؽ الحضرية‬
‫الصناعية‪ .18‬وذلؾ بفحص عدد مف المتغيرات الطبيعية واالجتماعية بما في ذلؾ الجنس والعمر‬
‫والظروؼ المناخية والتورات الصناعية والتجارية والتعميـ‪.19‬‬

‫(‪ )2‬جاليد ‪ ، 1856 Glyed‬والذي درس الجريمة عمى مستوى أصغر في ريؼ سوفولؾ مسمطاً‬
‫الضوء عمى االختالفات المتعمقة بالسمات السياقية لمموقع‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫‪- Ksenija Butorac, Jelena Marinović, Geography of Crime and Geographic Information Systems,‬‬
‫‪Journal of ‎Forensic Sciences & Criminal Investigation, MS.ID.555591, 2017, p.002. ‎‬‬
‫‪18‬‬
‫‪- John Synnott, Why crime occurs where it does: A psycho-spatial analysis of crime of criminal‬‬
‫‪geography, Thesis Submitted in Accordance with the Requirements of the University of‬‬
‫‪Huddersfield ‎for the Degree of Doctor in Philosophy.( June 2013), pp.17,18.‬‬
‫‪19‬‬
‫‪- Danielle Maria Pieracci, The geography of crime: Examining the distribution of break and enters‬‬
‫‪across Regina ‎neighborhoods using geographic information system (GIS)‎, A Thesis Submitted to the‬‬
‫‪Department of Justice Studies In Partial Fulfillment of the ‎Requirements For the Degree of Master of‬‬
‫‪Arts In Justice Studies University of Regina, (December 2015)‎, p.4.‬‬

‫(‪(15‬‬
‫(‪ )3‬مدرسة شيكاغو‪ ،‬والتي سيطرت في النصؼ األوؿ مف القرف العشريف عمى الفكر اإلجرامي‬
‫المكاني‪ ،‬لما يقرب مف خمسيف عاماً‪ ،‬سعى بيرغس وأعضاء مف مدرسة شيكاغو إلى حساب‬
‫توزيع الجريمة مف خالؿ فحص بيانات التعداد والخصائص اإلجتماعية لألحياء (كاالنتقاؿ‬
‫السكني)‪ .‬وانطالقاً مف مدرسة شيكاغو قدـ كميفورد شو وىنري مكاي نظرية الفوضى االجتماعية‬
‫عاـ ‪.201995‬‬

‫(‪ )5‬أعماؿ أخرى مثؿ أعمؿ كيند ‪ ،1987 Kind‬كانتر ‪ ،1994 Canter‬روسمو ‪Rossmo‬‬
‫‪.1995‬‬

‫تاليا؛ ممخصاً لبعض تمؾ الد ارسات‪ ،‬ولكننا حالياً سنمتزـ بقانوف أوكاـ مف حيث كونو‬
‫ً‬ ‫سنقدـ‬
‫‪21‬‬
‫منيجاً ‪ Methodology‬إجرائياً؛ أي كوسيمة ممارسة العمـ كما وصفيا )‪)Hauke Riesch‬‬
‫أكثر مف كونو منطقاً إستداللياً‪ ،‬لنتمكف مف بناء القمعة المعرفية لعمـ الجغرافيا الجنائية بشكؿ‬
‫سمس ومتسؽ‪.‬‬

‫‪ 2-2‬ممخص أدبيات الجغرافيا الجنائية‪:22‬‬

‫‪ 2-2-1‬كويتميو ‪:1842‬‬

‫درس كويتميو تأثير المواسـ والمناخ والجنس والعمر عمى الميؿ إلى الجريمة‪ ،‬ثـ خرج باستنتاجات‬
‫ىامة؛ مف ضمنيا؛ أف أقصى حد يبمغو الميؿ إلى الجريمة عند الخامة والعشريف‪ ،‬بعدىا يستبدؿ‬
‫الجاني المكر بالعنؼ ليصبح مزيفاً أكثر مف أي فترة أخرى في حياتو‪ .‬وبد ارستو لمجنس‪ ،‬تبيف لو‬
‫أف ىناؾ امرأة واحدة أماـ القضاء مقابؿ أربع رجاؿ‪ ،‬أما أقصى حد لمميؿ إلى العنؼ عند النساء‬
‫فيكوف في عمر ا لثالثيف‪ .‬كما أف المرأة تميؿ إلى جرائـ األمواؿ أكثر مف الجرائـ الواقعة عمى‬
‫األشخاص‪ .‬وىي عندما تسعى لمقتؿ فغالباً ما تستخدـ السـ‪ ،‬كما أف جرائميا تقع عمى أشخاص‬
‫تربطيا بيـ عالقة في الغالب‪ .‬وأشار كويتميو إلى تأثير الفصوؿ عمى مسار الجريمة أيضاً؛ ففي‬

‫‪20‬‬
‫‪- Ksenija Butorac, Jelena Marinović, op. cit., p.‎002.‬‬
‫‪21‬‬
‫‪- Hauke Riesch, Simple or Simplistic? Scientists' Views on Occam's razor, A Swedish Journal of‬‬
‫‪Philosophy and Psychology, THEORIA 67 (2010): 75-90, p.79. ‎‬‬
‫‪ -‬تم تجمٌع هذه األدبٌات فً مؤلف بعنوان "كالسٌكٌات علم اإلجرام البٌئً" والذي سٌكون مرجعا ً أساسٌا ً هنا الستعراض هذه‬
‫‪22‬‬

‫األدبٌات بشكل موجز‪.‬‬


‫‪- Classics in environmental criminology, op. cit., p-p.29-185.‬‬

‫(‪(16‬‬
‫فصؿ الصيؼ ترتفع الجرائـ الواقعة عمى األشخاص وتنخفض تمؾ الواقعة عمى األمواؿ‪ ،‬وعكس‬
‫ذلؾ في الشتاء‪.23‬‬

‫‪ 2-2-2‬جاليد ‪:1856‬‬

‫تناوؿ جاليد الجريمة في منطقة سوفولؾ شرقي انجمترا‪ ،‬وىي مف المقاطعات الزراعية‪ ،‬وتنقسـ‬
‫إلى سبعة عشر منطقة‪ .‬حيث تبيف لجاليد اف ىناؾ مناطؽ تنتشر فييا الجرائـ بشكؿ أكبر مف‬
‫مناطؽ أخرى‪ ،‬وخاصة المدف التي تزيد في عدد جرائميا عف الريؼ‪ .‬وقد اعد دراستو مف ‪228‬‬
‫سجيناً‪ ،‬تبيف لو عبرىا بأف ‪ 38‬فقط منيـ مف سكاف المدف‪ ،‬وأف الباقيف ينتموف إلى قرى أخرى‬
‫في سوفولؾ‪ ،‬غير أف جاليد برر ذلؾ بكثرة جرائـ الحريؽ العمد في الريؼ بحيث أثر ذؾ عمى‬
‫اإلحصائية‪.24‬‬

‫‪ 2-2-3‬بيرجس ‪:1916‬‬

‫تناوؿ بيرجس جنوح األحداث في مدينة صغيرة يبمغ عدد سكانيا (‪ )12000‬نسمة في والية‬
‫ريفية‪ ،‬وتمت الدراسة عمى األحداث الجانحيف ‪ Juvenile delinquency‬وذلؾ خالؿ عاميف‬
‫مف (‪1‬مايو ‪ 1912‬وحتى ‪ 30‬أبريؿ ‪ .)1914‬تـ احضار ‪ 52‬طفالً مف محكمة األحداث الفئة‬
‫العمرية الغالبة فيو ىذه العينة مف سف (‪ 11‬وحتى ‪ )16‬عاماً‪ .‬وتبيف أف نسبة اإلنحراؼ عند‬
‫الممونييف أكبر مف البيض مع ذلؾ فإف عامؿ العرؽ ليس عامالً أساسياً‪ ،‬ألف السبب في ارتفاع‬

‫عدد الزنوج ىو البيئة المنزلية المنخفضة والتي تميؿ إلى إحباط معنويات الطفؿ‪ .‬وأشار أيضاً‬
‫إلى تركز ظروؼ السكف السيئة في المدف حيث الفقر الذي يتجسد في ضعؼ نمو أجساد‬
‫األطفاؿ‪ .‬كما أف في ىذه المناطؽ الفقيرة ال توجد كنيسة وال مدرسة وال ممعب‪ ،‬كما ثبت أف ثُمف‬
‫ىؤالء األطفاؿ فقط ىـ مف حصموا عمى التطعيـ‪.25‬‬

‫‪ 2-2-4‬شو ومكاي ‪(1969‬مدرسة شيكاغو)‪:‬‬

‫الحظ شو أف دراسة مشكمة جنوح األحداث تبدأ بالضرورة بدراسة موقعيا الجغرافي‪ ،‬فتـ حساب‬
‫معدالت الجنوح عمى أساس الميؿ المربع ‪ square-mile‬وليس التعداد‪ .census tracts‬وتـ‬

‫‪23‬‬
‫‪- Ibid., p-p.72-75.‬‬
‫‪24‬‬
‫‪- Ibid., p-p.77-81.‬‬
‫‪25‬‬
‫‪- Ibid., p-p.83-86.‬‬

‫(‪(17‬‬
‫انتاج عدة أنواع مف الخرائط مثؿ الخرائط الموضعية ‪ spot maps‬والتي أظيرت مواقع األفراد‬
‫وخرائط المعدالت ‪ rate maps‬التي تظير معدالت االنحراؼ حسب مناطؽ الميؿ المربع ‪،‬‬
‫والخرائط الشعاعية ‪ radial maps‬والتي تمثؿ معدالت عمى طوؿ األشعة بعد الطرؽ الرئيسية‪.‬‬
‫وأظيرت الدراسة أف التغيب عف المدرسة وجنوح األحداث واجراـ البالغيف تركزت حوؿ منطقة‬
‫األعماؿ المركزية والنواة الصناعية الرئيسية‪ .‬كما أظيرت أرتباط التغيب عف المدرسة والجنوح‬
‫وجرائـ البالغيف ارتباطاً عكسياً مع البعد عف مراكز المدف‪ .‬توصمت الدراسة أيضاً إلى وجود‬
‫أنماطاً مترابطة بيف التغيب عف المدرسة وجنوح األحداث وجرائـ البالغيف‪ .‬كذلؾ كانت معدالت‬
‫العودة إلى اإلجراـ مرتبطة عكسياً بالبعد عف مركز المدينة‪ .‬وفي دراسة مشتركة بيف شو ومكاي‬
‫تـ التأكيد عمى التطابؽ بيف الحالة االجتماعية واالقتصادية المنخفضة والجنوح (نظريةالفوضى‬
‫االجتماعية)‪ ،‬كما تـ توضيح االقتراح القائؿ بأف الجنوح قد يشكؿ استجابة ذىنية لمظروؼ‬
‫االجتماعية وال يمثؿ بالضرورة سوء توافؽ (عدـ تكيؼ)‪.26‬‬

‫وقد ختـ شو ومكاي دراستيما بالتأكيد عمى أف اإلنحراؼ يتطور في المنطاؽ ذات الدخؿ‬
‫المنخفض في شكؿ تقميد اجتماعي ال ينفصؿ عف حياة المجتمع‪ ،‬واقترحا بنرامج العمؿ‬
‫المجتمعي لتحسيف حياة المجتمع في جميع جوانبيا‪.27‬‬

‫‪ 2-2-5‬ىاريس ‪:1974‬‬

‫درس ىاريس العديد مف األبحاث المسبقة لبعض المدف كشيكاغو‪ ،‬لندف‪ ،‬برمنغياـ‪ ،‬واشنطف‪،‬‬

‫بمغراد‪ ،‬سياتؿ‪ ،‬ثـ خرج بتعميمات لما قاـ بتمخيصو مف تمؾ البحوث‪ .‬فبالنسبة لمندف‪ ،‬درس بحثاً‬
‫ؿ(مككمينتوؾ ‪ ،)1963 McClintock‬حيث أظير ىذا البحث ارتباط بعض الجرائـ (مكانياً)‬
‫بالفئات العمرية‪ ،‬حيث يميؿ مف يتجاوزوف الثالثيف إلى ارتكاب جرائـ العنؼ المنزلي‪ ،‬في حيف‬
‫يميؿ مف تقؿ أعمارىـ عف الخامسة والعشريف إلى اقتراؼ اليجمات في الشارع العاـ واالعتداء‬
‫عمى الشرطة‪ ،‬والعنؼ الجنسي‪ .‬ثـ أظير التحوالت في مقياس العنؼ بالنسبة لممياجريف‪ ،‬حيث‬
‫كانت الغالبية مف الجرائـ تقترؼ مف المياجريف اإليرلندييف‪ ،‬ثـ أصبحت الغالبية مف الينود‬
‫الغربييف‪ .‬واكتشؼ مككمينتوؾ كذلؾ أف ثمثي إجمالي المجرميف ال يعيشوف في منازؿ‪ ،‬وأف‬

‫‪26‬‬
‫‪- Ibid., p.156.‬‬
‫‪27‬‬
‫‪- Ibid., p.‎119.‬‬

‫(‪(18‬‬
‫نصفيـ غير متزوج‪ ،‬كما تـ تصنيؼ أغمب المجرميف عمى أنيـ غير ميرة أو أصحاب أعماؿ‬
‫عرضية‪ .‬وفي بحث ؿ (المبرت ‪ )1970‬عف برمنجياـ‪ُ ،‬وجد أف مناطؽ المياجريف لدييا أعمى‬
‫معدالت لمجريمة ومعدالت عالية لممواقع اإلجرامية‪ ،‬وكانت األكثر اكتظاظاً‪ .‬وفي دراسة ىاينر‬
‫(‪ )1934-1933‬و شميد وشميد (‪ ،)1960‬تبيف أف ىناؾ عدة عوامؿ ترتبط بالجريمة‪ ،‬مف‬
‫أىميا‪" :‬التماسؾ االجتماعي المتضع‪ -‬الوضع األسري المتضع"‪ ،‬حيث ارتبطت جرائـ معينة بيذا‬
‫العامؿ مثؿ سرقة الحقائب‪ ،‬والسطو‪ .‬والعامؿ الثاني ىو "الذكورة‪-‬الجرائـ ضد األشخاص" حيث‬
‫كاف مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالبطالة وعدـ الزواج بيف الذكور‪ .‬أما العامؿ الثالث فيو "الجرائـ‬
‫المرتكبة ضد الممتمكات والجرائـ الجنسية" وىو عامؿ وصفي‪ ،‬حيث تميؿ إلى الحدوث معاً في‬
‫مكاف محدد‪ ،‬مثؿ سرقة المتاجر‪ ،‬وتزوير الشيكات‪ ،‬واالختالس‪ ،‬والتعرض غير الالئؽ‪ ،‬والتحرش‬
‫بالنساء واألطفاؿ‪ ،‬حيث تركزت تمؾ الجرائـ في وسط سياتؿ‪ .‬في الختاـ استنتج ىاريس أف‬
‫الجريمة تحدث عمى مستوييف‪( :‬كمي وبيئي)‪ ،‬عمى المستوى الكمي قد نتساءؿ عما إذا كانت ىذه‬
‫المدينة أو تمؾ الضاحية آمنة‪ .‬عمى المستوى الجزئي‪-‬البيئي قد تكوف األسئمة مف قبيؿ ما إذا‬
‫كاف ذلؾ الحي آمناً‪ ،‬وما إذا كاف يجب فتح الباب لشخص غريب أـ ال‪ ،‬وما إذا كاف يجب ترؾ‬
‫السيارة بدوف قفؿ‪ ،‬ثـ استمد ىاريس بعض التصورات حوؿ المدف الدفاعية الحديثة مف جولد‬
‫‪ Gold‬كعيش األثرياء في المدف الداخمية في "مجمعات" محصنة‪ ،‬وحماية الضواحي عف طريؽ‬
‫البعد عف المناطؽ التي ترتفع فييا معدالت الجريمة‪ ،‬ومف خالؿ التجانس العرقي واالقتصادي‪.28‬‬

‫والحقاً سنتطرؽ لمعديد مف األدبيات التي أنتجت نظريات مختمؼ دخؿ تطويرنا لموضوع البحث‪،‬‬
‫مثؿ أعماؿ روسمو التي طور عبرىا مفيوـ نمط الجريمة‪ ،‬ومفيوـ النقاط الساخنة ‪hot spots‬‬
‫‪Brantingham and‬‬ ‫(حيث تتركز الجريمة في مناطؽ معينة) لبرانتنغياـ وبرانتنغياـ‬
‫‪.Brantingham‎‬‬

‫‪ 2-3‬النظريات المستمدة من دراسات الجغرافيا الجنائية‪:‬‬

‫تتوزع نظريات الجغرافيا الجنائية بيف عدة فروع عممية كعمـ اإلجراـ وعمـ اإلجراـ البيئي وعمـ‬
‫االجتماع وعمـ النفس‪..‬الخ‪ .‬لكنيا تتوحد مف حيث قبوليا في كؿ الفروع العممية ذات الصمة‪.‬‬
‫وعميو فسنتػناوؿ تمؾ النظريات عمى نحو مجمؿ‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫‪- Ibid., p-p155-181.‬‬

‫(‪(19‬‬
‫‪ 2-3-1‬نظرية الفوضى اإلجتماعية‪:‬‬

‫تبدو نظرية الفوضى اإلجتماعية بدييية جداً‪ ،‬إذ أنيا تقترح نموذجاً لمرقابة اإلجتماعية مف خالؿ‬
‫ربط المجتمعات بالجريمة‪ .‬فيي تعتبر العوامؿ الييكمية لممجتمع مثؿ الفقر وعدـ التجانس العرقي‬
‫مؤدية إلى ارتفاع معدالت الجنوح‪.‬فالمجتمعات الفقيرة وغير المستقرة وغير المتجانسة تفتقر إلى‬
‫بناء ق يـ مشتركة بسبب نقص أو عدـ كفاية المؤسسات اإلجتماعية كما ينقصيا التعاوف؛ مما‬
‫ينتج ضعفاً لمرقابة االجتماعية غير الرسمية ونقص القدرة عمى رعاية األطفاؿ واإلشراؼ عمييـ‪،‬‬
‫يفسر ىذا ارتفاع معدؿ المجرميف في المجتمع‪ .29‬عمى ىذا األساس فإف البيئة الحضرية تأخذ‬
‫شكؿ حمقات متصمة بالمركز‪ ،‬وكمما ابتعدت الحمقة عف المركز كمما قمت الجريمة وكمما اقتربت‬
‫مف المركز كمما زادت الجريمة‪.30‬‬

‫غير أف نظرية الفوضى اإلجتماعية‪ ،‬وما سبقيا مف نظريات عمـ اإلجراـ التقميدية لـ تعد ذات‬
‫فعالية بالنسبة لمكافحة الجريمة خاصة مف حيث ال ُكمفة اإلقتصادية‪ ،‬لذلؾ تحوؿ عمماء اإلجراـ‬
‫البيئي إلى نظرية أخرى وىي نظرية الفرصة‪ ،‬أي أف الفرصة ىي التي تخمؽ الجريمة‪ ،‬وىكذا فإف‬
‫مكافحة الجريمة‪ ،‬يجب أف تبدأ مف خالؿ تفويت تمؾ الفرص عمى الجاني بحيث تقمؿ مف‬
‫معدالت الجريمة واف كانت لف تستطيع إنياءىا تماماً‪ ،‬لقد أنتجت ىذه الرؤية الفعالة نظريات‬
‫أخرى مف ضمنيا نظرية اإلختيار العقالني ونظرية النشاط الروتيني‪ .31‬وسوؼ نقؼ عمى كمييما‬
‫مباشرة‪:‬‬

‫‪ 2-3-2‬نظرية االختيار العقالني‪:‬‬

‫تنطمؽ ىذه النظرية مف أف الجريمة ىي نتاج إختيار عقالني لمجاني وفقاً لبيئة عممو (المكاف‬
‫بناء عمى خريطتو الذىنية بالموازنة بيف تكمفة اقترافو لمجريمة ومكاسبو منيا‪،‬‬
‫والزماف)‪ ،‬حيث يقوـ ً‬

‫‪29- Josine Junger-Tas, Ineke Haen Marshall, Dirk Enzmann, Martin Killias, Majone Steketee and Beata‬‬
‫‪Gruszczynska, The Many Faces of Youth Crime: Contrasting Theoretical Perspectives on Juvenile‬‬
‫‪Delinquency across Countries and ‎Cultures, (New York, London, Springer, 2012), p.258.‬‬
‫‪30- Matthew Quick, Exploring crime in Toronto, Ontario with applications for law enforcement‬‬
‫‪planning: ‎Geographic analysis of hot spots and risk factors for expressive and acquisitive crimes, A‬‬
‫‪thesis presented to the University of Waterloo in fulfillment of the thesis requirement ‎for the degree‬‬
‫‪of Master of Environmental Studies in Planning,( 2013), p.6.‬‬
‫‪31‬‬
‫‪- Marcus Felson and Ronald V. Clarke, Opportunity Makes the Thief: Practical theory for crime‬‬
‫‪prevention, Ed. Barry Webb, (London, Police Research Series, Paper 98, 1998).‬‬

‫(‪(21‬‬
‫أي منيما عمى اآلخر‪ ،‬بغض النظر عف درجة تمؾ العقالنية‪ .32‬وىو في ىذه‬
‫ثـ يقرر رجحاف ٍّ‬
‫الحالة يتخذ ق ارره وفؽ خمسة نماذج‪:33‬‬

‫‪ -1‬تحديد اليدؼ (شيء أو شخص) وفؽ الزماف والمكاف والبيئة العامة‪.‬‬

‫‪ -2‬يستقي المجرـ بعض اإلشارات ‪ Cues‬مف بيئتو التي سينفذ فييا جريمتو‪.‬‬

‫‪ -3‬يتوصؿ المجرـ إلدراؾ تمؾ اإلشارات مف خالؿ خبراتو أو ما يتـ تداولو اجتماعياً مف‬
‫أصحاب الخبرة‪.‬‬

‫‪ -4‬يقوـ المجرـ بنفسو بتطوير إشارات فردية أو عنقودية أو متسمسمة بحيث ترتبط تمؾ اإلشارات‬
‫باليدؼ‪.‬‬

‫‪ -5‬بالرغـ مف امتالؾ المجرـ لمعديد مف النماذج لكنو حيف يختار أحدىا يظؿ ثابتاً عميو‪ ،‬مما‬
‫يؤثر عمى أسموب بحثو المستقبمي عف األىداؼ‪.‬‬

‫‪ 2-3-3‬الخرائط الذهنية‪:‬‬

‫أشرنا إلى أف الجاني يقوـ بموازنة خياراتو عبر وعيو ببيئة التنفيذ أو ما يسمى بالخريطة الذىنية‬
‫(المعرفية)‪ ،‬وىي عممية معرفية تسمح لألفراد –بشكؿ عاـ‪ -‬بجمع المعمومات أو المعرفة المكانية‬
‫وىيكمتيا واالحتفاظ بيا ومعالجتيا‪ .‬وكاف أوؿ مف استخدـ ىذا المصطمح ىو تولماف (‪)1948‬‬
‫لشرح سموؾ الفئراف في المختبر‪ .‬وينتج ىذا الوعي تفاعالت إضافية مع ىذه البيئة‪ ،‬بحيث تفيد‬
‫الجاني في تحديد األماكف وما يحدث داخميا وما يوجد فييا‪.34‬‬

‫ولنشرح ما سبؽ بصورة مبسطة فإننا نأخذ مثاالً عمى ذلؾ بشخص يسطو عمى المنازؿ؛ فغالباً ما‬
‫يقوـ الجاني بدراسة المنطقة التي سيقوـ بسرقتيا‪ ،‬أو يكوف لديو عمـ مسبؽ بيا‪ ،‬فيختار المنزؿ‬
‫األكثر قابمية لمسرقة مف بيف المنازؿ‪ ،‬ألنو –عمى سبيؿ المثاؿ‪ -‬في مكاف ٍ‬
‫ناء وألنو ال يطؿ عمى‬
‫شارع رئيسي‪ ،‬وألف المنطقة ليست كثيفة السكاف وألف ىناؾ منافذ كثيرة في المنطقة تسمح باليرب‬

‫‪32‬‬
‫‪- Sandra Walklate, Understanding criminology, current theoretical debate, Open University press,‬‬
‫‪(2007). pp.42, 43.‬‬
‫‪33‬‬
‫‪- Roger Hopkins Burke, an introduction to criminology theory, (Willan publishing, third edition,‬‬
‫‪2009). P.235.‬‬
‫‪34‬‬
‫‪- John Synnott, op. cit., p-p.29-35.‬‬

‫(‪(21‬‬
‫(المكاف)‪...‬وخاصة في المساء (الزماف)‪ ،‬ىنا يكوف الجاني خريطة معرفية مف إشارات عديدة‬
‫ليشرع في سرقة المنزؿ‪ .‬ولفيـ تمؾ الخريطة يشرع العمماء في دراسة ما يسمى برحمة الغراب‬
‫‪ Crow flight‬أو الرحة إلى الجريمة (‪ )JTC‬عبر نقطتيف أحداىما في مكاف إقامة المجرـ‬
‫وأخرى في مسرح الجريمة‪ ،‬ويالحظ أف المكاف نفسو قد يمعب دو اًر ميماً في تحديد سموؾ الجاني‬
‫أو ما يسمى بػ(اإلعداد السموكي)‪ ،‬فجريمة االغتصاب ال يمكف أف تقع في مقيى وانما في مميى‬
‫ليمي‪ ،‬وسرقة الحقائب ال تقع في المالىي الميمية بؿ في المقاىي العامة‪.35‬‬

‫ويشير روزمو إلى أف ىناؾ مفيوماف مكانياف أساسياف في االختيار العقالني وىما مبدأ (أقل‬
‫جهد)‪ :‬حيث مف المرجح أف يتصرؼ المجرموف في أوؿ وأقرب فرصة‪ .‬وفكرة المنطقة العازلة‪:‬‬
‫(حيث مف غير المرجح أف يقترؼ المجرموف الجريمة قرب منازليـ)؛ بؿ سيفضؿ الجاني تحويؿ‬
‫اإلنتباه عنو باالبتعاد عف نقطة ارتكازه (المنزؿ أو العمؿ أو المدرسة) التركاب الجريمة‪.36‬‬

‫‪ 2-3-4‬نظرية النشاط الروتيني‪:‬‬

‫مف ضمف المفاىيـ في النظريات الجغرافية مفيوـ الفرصة‪ ،‬حيث يقتنص المجرـ وجود (ىدؼ‬
‫جاذب) يمكف الوصوؿ إليو بسيولة مع عدـ وجود حماية القتراؼ الجريمة‪ .‬وسواء كاف انتياز‬

‫الفرصة عارضاً لشخص لـ يقترؼ جريمة مف قبؿ لكنو انتيز الفرصة‪ ،‬أو كاف مجرماً محترفاً‬
‫فإف ىناؾ عناصر ثالثة يجب أف تتقابؿ وتمتقي في (المكاف والزماف)‪ ،‬وىي (الجاني‪ ،‬اليدؼ‬
‫المناسب‪ ،‬عدـ وجود حامي)‪ .‬وحيف يحدث ذلؾ التطابؽ فإف الجريمة تحدث‪ .‬يسمى ذلؾ بنظرية‬
‫‪38‬‬
‫النشاط الروتيني‪ .37‬والتي تطورت مف ىذا المثمث البسيط منذ أف وضعيا ماركوس فيمسوف‬
‫‪ ،Marcus Felson‬لتضاؼ إلييا عناصر أخرى‪ ،‬بحيث أضحى حدوث الجريمة معتمداً عمى‬
‫اجتماع العناصر الثالثة األولية في (المكاف والزماف) باإلضافة إلى عدـ وجود (المعالِج ‪The‬‬
‫‪ )handler‬وىذا األخير ىو وجود شخص ما يمثؿ مانعاً أدبياً يحوؿ دوف اتخاذ المجرـ قرار‬
‫ارتكاب الجريمة خوفاً مف فقداف االحتراـ أو الدعـ العاطفي أو أي صالت شخصية أخرى‬

‫‪35‬‬
‫‪- Ibid., p.35.‬‬
‫‪36‬‬
‫‪- Kim Rossmo and Sacha Rombouts, "Geographic profiling", in Environmental Criminology and Crime‬‬
‫‪Analysis, Ed. Richard Wortley and Michael Townsley, (New York, Routledge, 2017), p.164.‬‬
‫‪37‬‬
‫‪- Roger Hopkins Burke, op. cit., p.53.‎‬‬
‫‪38‬‬
‫‪- Marcus Felson, "Routine activity approach", in environmental criminology and crime analysis, ed.‬‬
‫‪Richard Wortley and Lorraine Mazerolle, (UK, USA, Willan publishing, 2008), p-p.70-76.‬‬

‫(‪(22‬‬
‫(كوجود األـ) مثالً بالنسبة لمجانح‪ .‬واقترح البعض ضرورة أف تكوف المسافة بيف إقامة الجاني‬
‫ومسرح الجريمة ليست بعيدة ليضاؼ بعد ذلؾ عامؿ جديد يمكنو أنو يحوؿ دوف اقتراؼ الجريمة‬
‫وىو اإلدارة المكانية (المدير)‪ .‬عمى ىذا فإذا وقعت الجريمة دؿ ذلؾ عمى أف أحداً مف الثالثة‬
‫(الحامي‪ ،‬المعالج أو المدير) –يطمؽ عمييـ وحدات التحكـ‪ -‬لـ يقوموا بعمميـ عمى الوجو‬
‫الصحيح وفقاً لإلدارة المكانية‪ .‬ولكي تعمؿ ىذه الوحدات عمى الوجو األمثؿ‪ ،‬يجب أف ترتبط‬
‫بشبكة عالقات تسمى بػ"وحدات التحكـ الفائقة" والتي تعمؿ عمى تحفيز وحدات التحكـ الثالثة‬
‫عمى أداء عمميا‪ .‬فالمجتمع أو المؤسسات السياسية واالقتصادية ىي الوحدات الفائقة التي ستقوـ‬
‫بتحفيز الوحدات الثالثة‪ .39‬غير أف ىذا التطور األخير لف يكوف مقبوالً عمى المستوى الميبرالي‪،‬‬
‫إذ يبدو لنا أنو يقوـ عمى بناء إشتراكي غامض جداً في ظؿ توجو ثقافي فرداني‪.‬‬

‫ممخص الفصل‪:‬‬

‫درسنا في ىذا الفصؿ التطور التاريخي ألدبيات الجغارفيا الجنائية منذ جيري وكويتميو وحتى ما‬
‫بعد مدرسة شيكاغو‪ ،‬والنظريات التي انبثقت عف تمؾ األدبيات مثؿ نظرية الفوضى اإلجتماعية‪،‬‬
‫واالختيار العقالني والخارئط الذىنية والنشاط الروتيني‪ ،‬ولكف وجب عمينا أف نتساءؿ‪ :‬كيؼ أدت‬
‫تمؾ الدارسات الجغارفية إلى التوصؿ إلى تمؾ النظريات؟ اإلجابة ىي أنيا وضعت البيانات‬
‫الجنائية داخؿ خارئط جغارفية‪ ،‬لتتمكف مف مالحظة كؿ تمؾ الجوانب‪ .‬ولذلؾ فال مناص مف أف‬
‫ندرس أىـ عمـ يربط بيف الجغارفيا والجريمة وىو عمـ الخارئط الجنائية‪.‬‬

‫‪ -3‬الفصل الثالث‪ :‬عمم الخ ارئط الجنائية‪:‬‬

‫تيمؿ أبحاث الجغارفيا الجنائية أىـ اربط بيف الجغارفيا والجريمة‪ ،‬وىو عمـ الخارئط‪ .‬يمكننا القوؿ‬
‫باختصار بأف الجغارفيا الجنائية ىي عمـ الخارئط‪ ،‬وأف عمـ الخارئط ىو الجغارفيا الجنائي‪ .‬وأنو‬
‫بدوف فيـ أساسيات عمـ الخارئط ال يمكف تخيؿ عمـ الجغارفيا الجنائية‪ .‬بؿ وال يمكف تخيؿ أسموب‬
‫ومنيج عمؿ البرمجيات الجغارفية الجنائية الحديثة‪ .‬لذلؾ ال بد لنا مف دارسة عمـ الخارئط‪ ،‬وفيـ‬
‫أولياتو‪ ،‬لنتمكف مف فيـ مصطمحات الجغارفيا الجنائية مثؿ المساقط والترميز والبيانات‪...‬الخ‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫‪- John Eck and Tamara D. Madenesen, "Meaningfully and artfully reinterpreting crime for useful‬‬
‫‪science: An essay on the value of building with simple theory", in the criminal act: The role and‬‬
‫‪influence of routine activity theory, ed. Martin A. Andersen and Graham Farrell, (UK, USA, Palgrave‬‬
‫‪Macmilan, 2015), p.9.‬‬

‫(‪(23‬‬
‫‪ 3-1‬أساسيات عمم الخرائط ‪:Cartography‬‬

‫‪ 3-1-1‬تعريف عمم الخرائط‪:‬‬

‫عمـ الخرائط ىو دراسة وممارسة صنع الخرائط‪ ،‬وىو يجمع بيف العمـ وعمـ الجماؿ والتكنولوجيا‪،‬‬
‫حيث يعتمد عمى فرضية أنو يمكف نمذجة الواقع بطرؽ تنقؿ المعمومات المكانية بشكؿ فعاؿ‪.40‬‬
‫إف الغرض مف رسـ الخرائط ىو جمع وتحميؿ البيانات والقياسات لألنماط المختمفة لألرض‬
‫واعادة إرساليا بيانياً عمى مثؿ ىذا النطاؽ المصغر بحيث يمكف جعؿ النقاط الخاصة بيذا‬
‫الشكؿ مرئية بوضوح‪ .41‬وتبسيطاً لذلؾ؛ فعمـ الخارئط ىو تحويؿ العالقة بيف المكاف والنشاط‬
‫اإلنساني إلى رسومات موقعية يتـ ترميزىا‪ ،‬تماماً كما فعمت في خريطتي لتوزيع المحاكـ بابوالية‬
‫والتي ذكرت قصتيا سابقاً‪.‬‬

‫‪ 3-1-2‬أنواع الخرائط‪:‬‬

‫نظ اًر ألف الخرائط يمكف أف تمثؿ أي شيء يحتوي عمى مكوف مكاني؛ فيناؾ المئات مف انواع‬
‫الخرائط‪ ،‬ولكف يمكف تجميعيا في تصنيفات ضيقة‪ ،‬مثؿ الخرائط العامة أو المرجعية‬
‫‪42‬‬
‫‪Thematic‬‬ ‫‪ ، reference map‬والخرائط الخاصة ‪ special-purpose‬أو الموضوعية‬
‫‪Maps‬؛ فالخرائط العامة (أو الخرائط المرجعية) ال تؤكد نوعاً واحداً مف المعالـ عمى اآلخر‪ ،‬بؿ‬
‫تعرض مجموعة متنوعة مف الظواىر الجغرافية (الحدود السياسية‪ ،‬خطوط النقؿ‪ ،‬المدف‪ ،‬األنيار‬
‫وما إلى ذلؾ)‪ ،‬فيي تقدـ صورة عامة لممنطقة‪ ،‬أما الخرائط الخاصة أو الموضوعية فيتـ تعريفيا‬
‫المصممة لتوضيح معالـ أو مفاىيـ محددة‪ .‬ووفقاً لإلستخداـ التقميدي‬‫بأنيا "تمؾ الخرائط ُ‬
‫ل ممصمطح فإنو يتـ استثناء الخرائط الطبوغرافية"‪ ،‬ويتـ إنشاؤىا لتوضيح الخصائص الييكمية‬
‫لتوزيع جغرافي معيف‪ ،‬بما يتضمف الظواىر المادية والطبيعية أو األفكار المجردة عنيا‪ .‬وتتضمف‬
‫المعالـ الييكمية المسافة والعالقات اإلتجاىية‪ ،‬أنماط المواقع‪ ،‬الخواص المكانية وذلؾ ألغراض‬
‫خاصة لنوع محدد مف المستخدميف‪ ،‬مثؿ خرائط الطيراف‪ ،‬والمخططات المالحية وخرائط‬
‫الطرؽ‪..‬الخ‪ .‬فغالباً ما ترتبط بجوانب إحصائية وخرائط بيانات‪ ،‬وعادة ما تتميز بتوزيع أو عالقة‬

‫‪40‬‬
‫‪- Fundamentals of general cartography, Rai technology University, (Bangalore), p.5.‬‬
‫‪41‬‬
‫‪-Erwin Raisz, General cartography, (New York, Toronto and London, McGraw-Hill, 1948), p.xi.‬‬
‫‪42‬‬
‫‪- Judith A. Tyner, Principles of Map Design, (New York, London, The Guilford Press, 2010), p.7.‬‬

‫(‪(24‬‬
‫واحدة فقط‪ ،‬وأي معمومات أخرى معروضة تعمؿ كخمفية مكانية أو إطار عمؿ لممساعدة في‬
‫تحديد موق ع التوزيع الذي يتـ تعيينو‪ .‬وىي قد تكوف نوعية أو كمية‪ ،‬أي أنيا تظير بعض‬
‫الخصائص أو الممتمكات‪ ،‬مثؿ استخداـ األراضي‪ ،‬أو تظير بيانات رقمية‪ ،‬مثؿ درجات الح اررة‪،‬‬
‫أو ىطوؿ األمطار‪ ،‬أو السكاف‪ .43‬وال شؾ أف ىذا النوع مف الخرائط ىو المتعمؽ بالجغرافيا‬
‫الجنائية‪.‬‬

‫‪ 3-1-3‬مستمزمات رسم الخرائط‪:‬‬

‫ولكي يتـ رسـ الخرائط التقميدية فإنيا تحتاج لمستمزمات أولية مثؿ‪:‬األوراؽ والحبر واأللواف‪،‬‬
‫والمنضدة والمساطر‪ ،‬والمثمثات والفرجارات‪ ،‬والريش‪..‬الخ‪ .‬كما يجب أف تشتمؿ الخريطة عمى‬
‫مجموعة مف األسس اليامة التي ال يمكف إغفاليا عند قراءة الخريطة؛ مثؿ عنواف الخريطة ألنو‬
‫يخبر عف موضوعيا ومحتواىا‪ ،‬ومقياس الرسـ‪ :‬وىو النسبة بيف طوؿ أي خط عمى الخريطة‬
‫وطوؿ البعد المناظر لو في الطبيعة‪ ،‬وبالضرورة يجب أف تشتمؿ الخريطة عمى دليؿ الموقع؛ أي‬
‫تحديد الموقع باالستعانة بخطوط الطوؿ والعرض‪ ،‬ومفتاح ىذا الدليؿ الذي يشرح ما تمثمو الرموز‬
‫والعالمات اإلصطالحية المختمفة في الخريطة‪ ،‬وال يرسـ المفتاح في حالة واحدة فقط‪ ،‬إذا كانت‬
‫تمثؿ ظاىرة واحدة فيكفي عنواف الخريطة ليدؿ عمى ذلؾ‪ ،‬كما أف ىناؾ اإلتجاه؛ فخطوط الطوؿ‬
‫تبيف اإلتجاه الشمالي والجنوبي‪ ،‬بينما تعيف دوائر العرض اإلتجاه الشرقي والغربي‪ ،‬وىناؾ إخي اًر‬
‫إطار الخريطة وىو المستطيؿ الذي توضع فيو الخريطة‪.44‬‬

‫‪ 3-1-4‬مساقط الخرائط‪:‬‬

‫يتـ نقؿ صورة جزء مف األرض إلى الورؽ‪ ،‬ولما كانت األرض مقوسة؛ والورقة مسطحة‪ ،‬فوجب‬
‫البحث عف طريقة لنقميا دوف أف يحدث ذلؾ تشويياً وذلؾ عبر المساقط ‪ ،Projections‬فمسقط‬
‫الخ ريطة عبارة عف تنظيـ شبكة خطوط الطوؿ والعرض بشكؿ معيف بحيث يمكف رسـ الخريطة‬
‫عمييا‪ ،‬وعندما يصمـ صناع الخرائط مسقطاً مف المساقط‪ ،‬فيـ ال يعنوف بتفاصيؿ الخريطة‪ ،‬إذ‬
‫يمكف توقيع ورسـ المحيطات والقارات والمدف واألنيار بسيولة حالما يصموا إلى تصميـ شبكة‬

‫‪43‬‬
‫‪- Borden D. Dent, Jeffrey S. Torguson and Thomas W. Hodler, Cartography; thematic map design,‬‬
‫‪(Boston, McGraw-Hill, 2009), pp.6, 7.‬‬
‫‪44‬‬
‫‪ -‬د‪.‬فتحً عبد العزٌز أبو راضً‪ ،‬الجغرافٌا العملٌة ومبادئ الخرائط‪ ،‬دار النهضة العربٌة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،2776 ،‬ص ‪-235‬‬
‫‪.027‬‬

‫(‪(25‬‬
‫خطوط العرض والطوؿ‪ .45‬إذ أنو وبغير تحديد المسقط المناسب فإف التشويو قد يطاؿ الزوايا‬
‫ٍ‬
‫مستو‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫منحف إلى سطح‬ ‫والمساحات واالتجاىات واألشكاؿ والمسافات عند تحويميا مف سطح‬
‫لذلؾ تـ تصميـ مساقط مختمفة بحيث يتـ التقميؿ مف تمؾ التشوىات في خاصية واحدة (في الحد‬
‫بناء‬
‫األدنى) بينما تصبح الخصائص األخرى أكثر تشوييا‪ ،‬لذلؾ يتـ إختيار توقعات الخريطة ً‬
‫عمى الغرض منيا‪.46‬‬

‫ويشترط في المساقط الجيدة‪:47‬‬

‫(‪ )1‬أف تكوف المسافات المختمفة عمى سطح الكرة األرضية معادلة تماماً لممسافات المختمفة‬
‫المقابمة ليا عمى المسقط‪ ،‬حسب مقياس الرسـ المستخدـ‪.‬‬

‫(‪ )2‬أف تكوف المساحات المختمفة عمى سطح الكرة األرضية‪ ،‬معادلة تماماً لممساحات المقابمة ليا‬
‫عمى المسقط‪ ،‬حسب مقياس الرسـ المستخدـ‪.‬‬

‫(‪ )3‬أف تكوف األشكاؿ المختمفة عمى سطح األرض مطابقة تماماً لألشكاؿ المختمفة المقابمة ليا‬
‫عمى المسقط‪.‬‬

‫(‪ )4‬أف تكوف اإلتجاىات واالنحرافات والزوايا عمى سطح األرض متطابقة مع تمؾ المقابمة ليا‬
‫عمى المسقط‪.‬‬

‫‪ 3-1-5‬أنواع المساقط‪:‬‬

‫ىناؾ عشرات المساقط‪ ،‬والتي تتنوع بيف مستوية‪ ،‬أسطوانية‪ ،‬مخروطية‪..،‬الخ‪ .‬وأشير ىذه‬
‫المساقط؛ مسقط مركيتور‪ .‬ولكي نشرح األمر ببساطة‪ ،‬فإننا نقوؿ بأف المسألة كميا محاولة إلجابة‬
‫السؤاؿ حوؿ كيؼ يمكننا أف نرسـ الكرة األرضية عمى مسطح‪ ،‬ولكي نفعؿ ذلؾ سنتخيؿ مثالً أف‬
‫ىناؾ ضوء عمى شكؿ أسطوانة ساقطاً مف السماء عمى الكرة األرضية‪ ،‬جوانب ىذه األسطوانة‬
‫ستواجو السطح الجانبي لألرض‪ ،‬ولنتخيؿ أف ىذا الضوء األسطواني عبارة عف ماسح ضوئي‪،‬‬
‫سيقوـ بالتقاط صورة لما يواجيو مف سطح األرض‪ ،‬ثـ يتـ فرد األسطوانة كورقة‪ ،‬وقد انطبعت‬

‫‪45‬‬
‫‪ -‬د‪.‬محمد محمد سطحة‪ ،‬الجغرافٌا العملٌة وقراءة الخرائط‪ ،‬دار النهضة العربٌة‪ ،‬الطبعة الثانٌة‪ ،‬بدون تارٌخ‪ ،‬ص‪.012‬‬
‫‪46‬‬
‫‪- Maps and carography: Map projection, a tutorial created by the GIS research & map collection, Ball‬‬
‫‪university libraries. p.1.‬‬
‫‪47‬‬
‫‪ -‬د‪.‬فتحً عبد العزٌز أبو راضً‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.002‬‬

‫(‪(26‬‬
‫ٍ‬
‫مستو‪..‬الخ)‪ .‬ال شؾ أف‬ ‫فييا صورة األرض‪ .‬طبؽ ذات األمر عمى أي شكؿ (مخروط‪ ،‬أو خط‬
‫اإلنحناءات التي يتميز بيا الشكؿ الكروي ستنطبع أقؿ مف الحجـ الحقيقي‪ ،‬وقد تنكمش أو تتمدد‬
‫مناطؽ أخرى فتصغر عف حجميا الطبيعي أو تكبر وىكذا‪ .‬فإننا حيف نختار المسقط نختار ذاؾ‬
‫الذي نريد أف يحقؽ لنا أغراضاً معينة‪ ،‬فنضحي بشرط المسافة لحساب شرط صحة اإلتجاه أو‬
‫نختار خالؼ ذلؾ؛ ىذه ىي الفكرة البسيطة لممساقط‪.‬‬

‫ويمكننا بشكؿ إجمالي أف نقوؿ بأف الفكرة األساسية لرسـ المسقط تعتمد عمى اآلتي‪:48‬‬

‫ٍ‬
‫مستو)‪.‬‬ ‫(أ) شكؿ الموحة‪( :‬أسطواني‪ ،‬مخروطي‪،‬‬

‫(ب) وضع الموحة مف الكرة األرضية‪ :‬فقد تكوف الموحة مماسة لمكرة عند الدائرة اإلستوائية‬
‫(مسقط استوائي)‪ ،‬أو عند أحد القطبيف (مسقط قطبي)‪ ،‬أو عند أي دئرة عرض (مسقط منحرؼ)‪.‬‬

‫(ج) وجود المنبع الضوئي بالنسبة لمكرة األرضية‪ :‬فقد يكوف منبع الضوء في مركز األرض‬
‫(مسقط مركزي)‪ ،‬أو عمى الدائرة اإلستوائية (مسقط مجسـ)‪ ،‬أو عمى بعد يساوي نصؼ الوتر بيف‬
‫القطب والدائرة اإلستوائية (مسقط كروي)‪ ،‬أو عمى بعد ال نيائي (مسقط صحيح)‪.‬‬

‫‪ 3-1-6‬مسقط ميركيتور(المستخدم في خرائط نظم المعمومات الجغرافية بكثرة)‪:‬‬

‫حاوؿ ميركيتور حؿ مشكمة واجيت البحارة بشأف تحديد اإلنحرافات الثابتة بيف الموانئ عمى ىيئة‬
‫خطوط مستقيمة عمى الخريطة‪ ،‬وىكذا تمكف مف رسـ خريطتو الشييرة محاوالً حؿ مشكمة‬
‫اإلنحرفات بأف جعؿ خطوط الطوؿ موازية لبعضيا بدالً مف جعميا تمتقي عند القطبيف‪ ،‬وقد نتج‬
‫عف ذؾ خطأ في حساب المسافات مف الشرؽ إلى الغرب ومف ثـ في اإلتجاه والمساحة ألي‬
‫منطقة مف المناطؽ ‪ ،‬وعمى الرغـ مف أف المسافات بيف الخطوط المتوازية قد ازدادت تبعاً لزيادة‬
‫المسافة بيف الخطوط وذلؾ كمما اتجينا مف خط االستواء إلى القطبيف إال أف الزوايا واإلتجاىات‬
‫قد حفظت وظمت صحيحة‪ .‬ىذا ىو الحؿ الذي توصؿ إليو ميركيتور والذي عمى أساسو قاـ‬
‫برسـ خريطتو مستخدماً مسقطاً يتميز بخطوط العرض الواضحة‪ .‬أما في المساحات الكبيرة فمف‬
‫الواضح أنو ال يمكف االعتماد عمى مسقط ميكيتور في تمثيميا وذلؾ ألنو كما سبؽ أف ذكرنا أف‬
‫المقياس بيف خطوط الطوؿ أو الخطوط المتوازية يزداد كمما اتجينا مف خط االستواء إلى القطب‬
‫‪48‬‬
‫‪ -‬د‪ .‬أحمد أحمد مصطفى‪ ،‬الجغرافٌا العملٌة والخرائط‪ ،‬دار المعرفة الجامعٌة‪ ،0222 ،‬ص ‪.224‬‬

‫(‪(27‬‬
‫وعمى عكس الكرة األرضية حيث تتفرع كؿ خطوط الطوؿ مف القطبيف‪ ،‬لذلؾ فإف ميركيتور قد‬
‫أوضح في خريطتو مموحظتيف مطولتيف قاـ فييما بشرح كيفية تحديد مكانيف عمى الخريطة‬
‫بالنسبة ألي نقطتيف معروؼ بيا اإلتجاه والمسافة ودرجة في درجات الطوؿ‪ .‬أما المشكمة‬
‫الرئيسية وىي تحديد المسافة تبعاً لالختالؼ في المقياس فقد حمت عف طريؽ عمؿ مثمثات‬
‫رئيسية متشابية‪ ،‬والتي كانت تبيف دائماً اإلنحرافات الثابتة‪.49‬‬

‫‪ 3-1-7‬ترميز البيانات الجغرافية عمى الخريطة‪:‬‬

‫تنقسـ خرائط التوزيعات الجغرافية (الخرائط الخاصة والموضوعية) إلى خرائط كمية (يمكف‬
‫تعدادىا) كعدد السكاف مثالً‪ ،‬وخرائط ال كمية (نوعية) ال يمكف تعداد (األنيار والجباؿ‪..‬اخ)‪،50‬‬
‫فالغرض الرئيسي مف الخرائط النوعية ىو إظيار التوزيع المكاني أو الموقع لموضوع واحد مف‬
‫البيانات الصورية ‪ ، Nominal‬بحيث ال تظير ىذه األنواع مف الخرائط الموضوعية أي كميات‬
‫عمى اإلطالؽ‪ ،‬بؿ معمومات نوعية محضة‪ .‬وعادة ما يتـ تعميميا في السجالت‪ .‬مثؿ خرائط‬
‫المناطؽ البيئية والجيولوجيا وأنواع التربة وخرائط استخداـ األراضي أو الغطاء األرضي‪ .‬أما‬
‫الخرائط الكمية فيي التي تعرض الجانب المكانية لمبيانات العددية‪ ،‬كالمحاصيؿ وعدد السكاف أو‬
‫اإليرادات‪ ،‬فيي توضح البيانات الرقمية عمى المقياس الترتيبي‪( :‬أقؿ مف‪ /‬أكبر مف) أو مقياس‬
‫اإلختالؼ؛ الفاصؿ‪/‬النسبة‪ .‬وتتمثاللعممية الرئيسية في رسـ الخرائط الكمية في تحويؿ البيانات‬
‫الجدولية إلى تنسيؽ مكاني‪.51‬‬

‫فمكي نرسـ خريطة جنائية تحقؽ غرضيا المبتغى (مكافحة الجريمة‪ ،‬القبض عمى مجرـ متسمسؿ‪،‬‬
‫التصميـ البيئي‪..‬الخ) ‪ ،‬فعمينا أف نقوـ بتوزيع المعمومات المطموبة داخؿ الخريطة‪ ،‬مثؿ عدد‬
‫الجرائـ وأنواعيا‪ ،‬وطبيعة المنطقة (مدنية‪ ،‬حضرية)‪ ،‬والطبيعة االقتصادية (زراعية‪ ،‬صناعية‪،‬‬

‫‪49‬‬
‫‪ -‬د‪ٌ.‬سري الجوهري‪ ،‬الجغرافٌا العامة‪ ،‬مطبعة ومكتبة اإلشعاع الفنٌة‪ ،0776 ،‬ص ‪.56 – 53‬‬
‫‪50‬‬
‫‪ -‬تعتبر هذه البٌانات ب مثابة متغٌرات فً علم اإلحصاء‪ ،‬إذ ٌمكن تصنٌف المتغٌرات من حٌث طرٌقة التعبٌر عنها إلى فئتٌن‪:‬‬
‫المتغٌرات الكمٌة ‪ Quantitative Variables‬وهً التً ٌمكن أن نصفها عددٌا ً بأنها أكبر من أو أقل من قٌمة معٌنة‪ ،‬وٌعتبر العمر‬
‫وعدد سنوات التعلٌم أمثلة لهذه المتغٌرات‪ .‬والفئ ة الثانٌة من المتغٌرات هً المتغٌرات الكٌفٌة ‪ Qualitative Variables‬وهً التً‬
‫تصف األشٌاء بصفاتها مثل متغٌر النوع الذي ٌنقسم إلى قسمٌن‪ :‬ذكور وإناث‪ ،‬والحالة العملٌة للفرد حٌث تكون إما مزارع أو عامل‬
‫غٌر ماهر‪ ،‬أو عامل ماهر أو موظف أو تاجر وما إلى ذلك من صفات‪ ،‬وهذه المتغٌرات الكٌفٌة ٌتعذر معالجتها إحصائٌا ً ما لم ٌمٌزها‬
‫عن بعضها بعضا ً باستخدام األرقام‪ ،‬فنرمز لمتغٌر اإلناث برقم ‪ 2‬ولمتغٌر الذكور برقم ‪ 0‬أو العكس‪ .‬والرقم فً هذه الحالة ال ٌعنً‬
‫أكثر من أنه أداة للتمٌٌز بٌن المتغٌرات الكٌفٌة لتسهٌل تفرٌغ البٌانات التً جمعت عنها من مٌدان الدراسة تمهٌداً لمعالجتها إحصائٌا ً‬
‫وال تكون لها قٌمة عددٌة فً حد ذاتها‪.‬‬
‫‪ -‬د‪.‬مهدي محمد القصاص‪ ،‬مبادئ اإلحصاء والقٌاس اإلجتماعً‪ ،‬بدون دار نشر ‪ ،0225‬ص ‪.32 ،31‬‬
‫‪51‬‬
‫‪- Borden D. Dent, Jeffrey S. Torguson and Thomas W. Hodler, op. cit., pp.7, 8.‬‬

‫(‪(28‬‬
‫تجارية‪ ،)..‬وغير ذلؾ مما يخدـ فيمنا لمعالقة بيف الجريمة وبيئتيا‪ ،‬لذلؾ يجدر بنا أوالً أف نقوـ‬
‫بعممية توزيع لممعمومات‪ ،‬والتي قد تكوف كمية أو نوعية‪ ،‬ويتـ ذلؾ بعدة أساليب‪ ،‬مثؿ الرموز‬
‫الموضعية‪ ،52‬أي بوضع عالمات لمظاىرة المراد تمثيميا عمى الخريطة‪ ،‬مثؿ عدد سكاف المنطقة‬
‫المختارة‪ ،‬فنمثميا بنقاط (طريقة التوزيع بالنقط) وتكوف النقاط منتظمة الحجـ ومعمومة القيمة‪ ،‬فكؿ‬
‫نقطة مثالً تساوي (عدداً معيناً) مف السكاف‪ ،‬أو (وزناً معيناً) كمية المحصوؿ بالطف‪ ،‬أو تمثؿ‬
‫الحجـ كالمتر‪ ،‬أو تكوف ممثمة لمقيمة (دوالر عمى سبيؿ المثاؿ كما في تمثيؿ التكمفة اإلقتصادية‬
‫لجرائـ األمواؿ)‪ ،‬وىكذا في البيانات غير الكمية‪ ،‬حيث يتـ تمثيؿ المعمومات غير الكمية النقطية‬
‫برموز ىندسية كالنقطة أو الدائرة‪ ،‬أو المستطيؿ أو المربع‪..‬الخ‪ .‬أو قد تكوف رمو اًز تصويرية مثؿ‬
‫صورة مصفاة بتروؿ أو شكؿ ماسة أو أي رمز آخر يعبر عف الموضوع المراد تمثيمو في‬
‫الخريطة‪.‬أو نستخدـ رمو اًز موضعية نسبية كاألعمدة والمثمثات والكرات والمكعبات‪..‬الخ‪.53‬‬

‫كذلؾ يمكف تمثيؿ المعمومات عف طريؽ رموز خطية‪ ،‬ففي البيانات الكمية يمكننا أف نستخدـ‬
‫خطوطا تتنوع سماكتيا بحسب القيمة المراد تمثيميا‪ ،‬وتسمى بالخطوط اإلنسيابية لتعبر عف‬
‫اإلتجاه والقيمة (كرحمة المجرـ مف مكاف إقامتو وحتى مسرح الجريمة ثـ العودة مرة أخرى) أو‬
‫خطوط التساوي الإلنحدارات مثالً‪ .‬كذلؾ قد تستخدـ رموز مساحية كمية وغير كمية‪ ،‬كالتظميؿ‬
‫المتدرج بحسب توزيع الكثافة (عدد الجرائـ) (نوع التربة لتحميؿ العينات التي وجدت بحذاء‬
‫المجني عميو مثالً‪..‬الخ)‪...‬الخ‪ .‬وكؿ تمؾ التوزيعات تتـ عبر معادالت رياضية وليست بشكؿ‬
‫عشوائي حتى تعطي القدرة عمى استنتاج معمومات صحيحة مف الخريطة‪.54‬‬

‫‪ 3-2‬الخرائط الجنائية الرقمية‪:‬‬

‫في أواخر القرف التاسع عشر وبداية القرف العشريف‪ ،‬شجعت حركة االحتراؼ في العمؿ الشرطي‬
‫المؤسسات الشرطية عمى تجميع إحصاءات توثؽ مدى الجريمة في الواليات القضائية األمريكية‪،‬‬
‫وتطور العمؿ الشرطي بالخرائط مف خرائط الدبوس إلى برامج محوسبة بدأ تطويرىا مختبر‬

‫‪52‬‬
‫‪ -‬د‪.‬فاٌز محمد العٌسوي‪ ،‬خرائط التوزٌعات البشرٌة‪ ،‬دار المعرفة الجامعٌة‪ ،0222،‬ص ‪.242‬‬
‫‪53‬‬
‫‪ -‬د‪.‬فتحً عبد العزٌز أبو راضً‪ ،‬دراسة فً الطرق المساحٌة وأسالٌب التمثٌل الكارتوجرافً‪ ،‬دار المعرفة الجامعٌة‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،2776 ،‬ص ‪.057-012‬‬
‫‪54‬‬
‫‪ -‬د‪.‬ناصر بن محمد بن سلمى‪ ،‬خرائط التوز ٌعات البشرٌة (مفهومها وطرق إنشائها)‪ ،‬مكتبة العبٌكان‪ ،‬الطبعة األولى‪2224 ،‬هـ‪،‬‬
‫‪2773‬م‪ ،‬ص ‪.07 ،04‬‬

‫(‪(29‬‬
‫ىارفارد لرسومات الكمبيوتر والتحميؿ المكاني عاـ ‪ .551966‬إلى أف بمغنا المحظة الراىنة حيث‬
‫تنوعت نظـ المعمومات الجغرافية والتي قدمت مساعدة قيمة في اتخاذ القرار وتسييؿ رسـ الخرائط‬
‫وىي أيضاً إحدى طرؽ تحميؿ بيانات الجريمة‪ .56‬إذ ال تستخدـ الخرائط الجغرافية الرقمية فقط‬
‫لتحديد المواقع؛ بؿ تستخدـ أيضاً لتحميؿ الجريمة مف خالؿ تحميؿ األنماط أو تحميؿ نموذج‬
‫توزيع الجريمة المكانية والبحث في العالقات المكانية بيف الجريمة والعوامؿ الديموغرافية‬
‫واإلجتماعية واالقتصادية األخرى باستخداـ التمثيؿ المرئي لمبيانات المكانية‪ .57‬وتختمؼ الخرائط‬
‫الرقمية عف العادية بأنيا تمكف المحمؿ مف عرض البيانات خمؼ الميزات الجغرافية والجمع بيف‬
‫الميزات المختمفة‪ ،‬ومعالجة البيانات والخرائط‪ ،‬وأداء الوظائؼ اإلحصائية‪ .58‬لذلؾ فيي إحدى‬
‫أىـ األدوات التي تساعد الشرطة في تحميؿ المشاكؿ مف خالؿ توفير بيانات محدثة وشاممة‬
‫تتعمؽ بمناطؽ دورياتيـ‪ ،‬وتنظيـ تمؾ المعمومات تنظيماً متماسكاً بحيث تتمكف الشرطة مف تحديد‬
‫أنماط الجريمة‪ ،‬وتدعـ الخرائط الرقمية إظيار العالقات التفصيمية بيف الجاني والضحية‪،‬‬
‫والمساعدة في تخصيص الموارد‪ ،‬ودمج البيانات مف مصادر حكومية ومجتمعية مختمفة‪ ،‬وبالتالي‬
‫توفير أدوات إتصاؿ فعالة‪ .‬فيي إستثمار طويؿ األجؿ‪ .59‬ومع ذلؾ فإف الخرائط الجنائية بنوعييا‬
‫(المادي والرقمي) ال تعني أف تكوف بديالً ألساليب التحميؿ الجنائي األخرى بؿ تتكامؿ معيا‪.60‬‬
‫تعد جودة البيانات إحدى الشواغؿ الرئيسية عند رسـ الخارطة الجنائية الرقمية‪ ،‬ولذلؾ يشترط أف‬
‫يكوف الرساـ مدركاً لنوع البيانات التي يستخدميا‪ ،‬فمثالً؛ ىناؾ فرؽ بيف استخداـ بيانات الجريمة‬
‫المسجمة مف الشرطة وبيانات سجالت القيادة والسيطرة عمى الحوادث (إتصاؿ الجميور)؛ حيث‬
‫ال يمكف اعتماد األخيرة كجرائـ مؤكدة ألنيا مجرد إبالغ عف الجرائـ مف منظور األفراد‪.‬‬
‫باإلضافة إلى ذلؾ فقد يواجو الرساـ بمشكالت شائعة؛ مثؿ استخداـ مواقع كثيفة المعمومات‬
‫بحيث يتعذر ترميزىا كميا جغرافياً‪ ،‬وقد تكوف البيانات بدوف تنسيؽ إحداثي (‪ x‬و ‪ ،)y‬كما قد‬

‫‪55‬‬
‫‪- Marc L. Swatt, Crime mapping, in"‎21st Century, criminology, a reference handbook", ed. J. Mitchell‬‬
‫‪Miller and J. Mitchell Miller, (London and Washington DC, SAGE Publications Inc., 2009), p.399.‬‬
‫‪56‬‬
‫‪- Danielle Maria Pieracci, The Geography of crime: examining the distribution of break and enters‬‬
‫‪across Regina neighbourhoods using geographic information system (GIS), A Thesis Submitted to the‬‬
‫‪Department of Justice Studies In ‎Partial Fulfillment of the Requirements For the Degree of Master ‎of‬‬
‫‪Arts In Justice Studies University of Regina, December (2015)‎, p.12.‬‬
‫‪57‬‬
‫‪- Ksenija Butorac and Jelena Marinović, op. cit., p.004.‬‬
‫‪58‬‬
‫‪- Daniel F. Higgins, A Crime Analyst’s Guide to Mapping, (Illinois Criminal Justice Information‬‬
‫‪Authority, ‎April 2003‎), ‎p.60.‬‬
‫‪59‬‬
‫‪- Daniel F. Higgins, op. cit., p.1.‬‬
‫‪60‬‬
‫‪- Alex Hirschfield ‎And ‎Kate Bowers, Mapping and Analysing Crime Data " Lessons from research and‬‬
‫‪practice", (London and New York, Taylor & Francis, 2001), p.5.‬‬

‫(‪(31‬‬
‫تكوف الحوادث في منتصؼ الشارع وليست في ممكية خاصة وبالتالي يصعب تحديد الموقع بدقة‬
‫كافية‪ ،‬وقد يتـ إدخاؿ معمومات مكررة بسبب أخطاء في المحاولة األولى‪..‬الخ‪.61‬‬

‫ويتـ البدء برسـ الخريطة عف طريؽ وضع أىداؼ واضحة منيا؛ ثـ يتـ تصنيؼ البيانات‬
‫(البيانات الجغرافية‪ ،‬بيانات الجريمة)‪ .‬بعدىا يتـ ترميز تمؾ البيانات‪ ،‬ويحتاج الترميز لمعرفة‬
‫المنتقاة‪ ،‬وتحديد البيانات التي يجب استخداميا‪ ،‬ثـ يتـ ترميز تمؾ البيانات في شكؿ‬
‫الفترة الزمنية ُ‬
‫نقاط أو خطوط أو مضمعات‪ ،‬وخالفو‪ .‬ولكف يسبؽ الرسـ عمؿ إحصائي لتضييؽ كـ البيانات‬
‫التي يجب استخداميا‪ .‬وكالبحث العممي تماماً؛ يتطمب الرسـ الجيد حذؼ العديد مف المعمومات‬
‫التي ال حاجة لمرساـ بيا‪ .‬بعد كؿ ما سبؽ يبدأ تحميؿ نمط النقاط؛ حيث تُمكف نظـ المعمومات‬
‫الجغرافية؛ مف خالؿ الدمج بيف عدة طبقات؛ مف فحص العالقة بيف المتغيرات المختمفة‪ ،‬كما‬
‫تسمح بتخزيف وتحديث ومعالجة وتحميؿ وعرض جميع أشكاؿ البيانات المرجعية‪.62‬‬

‫ممخص الفصل‪:‬‬

‫درسنا في ىذا الفصؿ أىـ ما يربط الجغارفيا بالجريمة‪ ،‬وىو عمـ الخارئط‪ ،‬ومف ثـ حصمنا عمى‬
‫إدارؾ عاـ بمفيوـ الخارئط الجنائية وطرؽ رسميا وترميزىا‪ ،‬وجاءت المرحمة اليامة‪ ،‬وىي كيفية‬
‫تحميؿ كؿ ذلؾ الكـ مف المعمومات الجغارفية وكيفية االستفادة مف نتائج ذلؾ التحميؿ‪ .‬وىو ما‬
‫سنتناولو في الفصؿ التالي‪.‬‬

‫‪ -4‬الفصل الرابع‪ :‬التحميل الجغرافي الجنائي والتصميم البيئي‪:‬‬

‫‪ 4-1‬التحميل الجغرافي الجنائي‪:‬‬

‫‪ 4-1-1‬أوليات التحميل الجنائي‪:‬‬

‫يعتبر التحميؿ الجغرافي الجنائي جزًء ال يتج اًز مف التحميؿ الجنائي التكتيكي‪ ،63‬وىذا األخير أحد‬
‫صور التحميؿ الجنائي عموماً‪ ،64‬فما ىو التحميؿ الجنائي أو تحميؿ الجريمة؟‬

‫‪61‬‬
‫‪- Alex Hirschfield ‎And ‎Kate Bowers, op. cit.,p.3.‬‬
‫‪62‬‬
‫‪- Daniel F. Higgins, op. cit., p-p.12-59. ‎‬‬
‫‪63‬‬
‫‪- Andre Krause, the crime threat analysis process-an assessment, submitted in fulfillment of the‬‬
‫‪requirements for the degree Magister technologiae in the subject POLICING at the University of South‬‬
‫‪Africa, November (2007), p.46.‬‬

‫(‪(31‬‬
‫يشير تحميؿ الجريمة بصفة عامة إلى مجموعة مف العمميات المنيجية والتحميمية التي توفر‬
‫معمومات ذات صمة في الوقت المناسب عف أنماط الجريمة‪ ،‬فالتحميؿ الجنائي في األساس أداة‬
‫تكتيكية‪ .65‬وسنعرؼ معنى التحميؿ التكتيكي فيما يمي‪.‬‬

‫‪ 4-1-1-1‬أنواع تحميل الجريمة‪:‬‬

‫ىناؾ تصنيفات عدة لتحميؿ الجريمة‪ ،‬سنجدىا موزعة بيف المؤلفات الشارحة لو‪ ،‬فمثالً يقسـ‬
‫البعض تحميؿ الجريمة إلى تحميؿ غير رسمي وتحميؿ رسمي‪ ،‬أما غير الرسمي فيقوـ بو ضابط‬

‫الشرطة أو المحقؽ مف تمقاء نفسو أثناء مباشرتو لمعمؿ في جريمة مف الجرائـ‪ ،‬ولذلؾ فيو غالباً‬
‫ما يكوف ضعيفاً بسبب عدة قيود‪ ،‬كوقت العمؿ‪ ،‬وعدـ وجود ترابط وتنسيؽ بيف المحمؿ وبيف باقي‬
‫المؤسسات ذات الصمة بالجريمة‪ ،‬كما أنو ذاتي جداً وقد يكوف منحا اًز‪ ،‬أما الرسمي فيو الذي تقوـ‬
‫بيا وحدات تحميؿ الجريمة حيث يتمتع ىذا التحميؿ بميزات أكثر قوة مف ذلؾ غير الرسمي؛ إذ‬
‫تقوـ بو الوحدة مف خالؿ "مجموعة واحدة مف العيوف" كما يتوفر التحميؿ عبر روابط اتصاالت‬
‫حيوية بيف الوحدات التشغيمية‪ ،‬وخدمة منسقة بيف الموظفيف‪ ،‬ويتمتع بقدرة تخزينية عالية لمبيانات‬
‫واسترجاعيا وغير ذلؾ مف ميزات‪.66‬‬

‫ىناؾ أيضاً مف يقسمو إلى تحميؿ تحقيقي وتحقيؽ عممي؛ فاألوؿ يدعـ فؾ طالسـ الجريمة‬
‫والقبض عمى مقترفييا‪ ،‬والثاني‪ ،‬يدعـ ردع الجريمة مف خالؿ إجراءات منع الجريمة‪ ،‬في أي‬
‫تخصص أو ممارسة‪.67‬‬

‫أما التقسيـ المشترؾ فيو ذلؾ الذي يتكوف مف خمسة أفرع لمتحميؿ الجنائي؛ وىي‪ )1( :‬التحميؿ‬
‫االستخباري‪ )2( ،‬تحميؿ التحقيؽ الجنائي‪ )3( ،‬التحميؿ التكتيكي‪ )4( ،‬التحميؿ االستراتيجي‪)5( ،‬‬
‫التحميؿ اإلداري‪ .‬فالتحميؿ اإلستخباري ىو ذاؾ الذي ييدؼ إلى تحديد الروابط بيف أعضاء شبكة‬
‫إجرامية والمساعدة –في نياية المطاؼ‪ -‬عمى القبض عمى أفرادىا‪ ،‬فعمى عكس أنواع التحميؿ‬

‫‪64‬‬
‫‪- Steven Gottlieb and Shel Arenberg, Crime Analysis: from concept to reality, national institute of‬‬
‫‪justice, U.S. department of justice, office of criminal justice planning edition,( Jul 2 1992)‎, p.12.‬‬
‫‪65‬‬
‫‪- Anna E. Stenton, crime analysis: an examination of crime prevention and reduction strategies,‬‬
‫‪project submitted in partial fulfillment of the requirements for the degree of master of art in the‬‬
‫‪school of criminology, Simon Fraser University, Summer (2009), p.12.‬‬
‫‪66‬‬
‫‪-George A. Buck, police crime Analysis, Unit handbook, (law enforcement assistance administration,‬‬
‫‪National institute of law enforcement and criminal justice, November 1973), pp.3, 4.‬‬
‫‪67‬‬
‫‪- Andre Krause, op. cit., p.17.‬‬

‫(‪(32‬‬
‫األخرى‪ ،‬يبدأ المحمموف االستخباريوف بمشكمة معروفة أو شبكة إجرامية محددة (مثؿ عصابات‬
‫الدراجات النارية الخارجة عمى القانوف)‪ ،‬ثـ ينتقموف إلى جمع وتحميؿ وتجميع ونشر المعمومات‬
‫الخاصة باليدؼ المحدد مسبقاً‪ .68‬أما التحميؿ التحقيقي فيتركز حوؿ جمع وفحص وصيانة‬
‫المعمومات عف المجرميف المعروفيف بالجرائـ الخطيرة‪ ،‬وذلؾ مف أجؿ مساعدة مسؤولي إنفاذ‬
‫القانوف في استيداؼ المشتبو بو‪ ،‬وبشكؿ أكثر تحديداً؛ يفحص محممو التحقيقات الجنائية البيانات‬
‫التي تشرح عناصر جريمة معينة مف أجؿ استنتاج أشياء معينة حوؿ الخصائص الشخصية‬
‫لمجاني وعاداتو االجتماعية وعاداتو في العمؿ‪ .69‬في حيف أف تحميؿ الجريمة التكتيكية لو أىداؼ‬
‫رئيسية‪ ،‬أىميا تحديد األنماط وسمسمة الجرائـ مف خالؿ ربط أحداث الجريمة معاً‪ ،‬لتحديد المشتبو‬
‫بيـ المحتمميف‪ ،‬الذيف يحتمؿ أف يكونوا مسؤوليف عف األنماط الناشئة‪ ،‬وسمسمة الجرائـ‪ .‬والتنبوء‬
‫بحدوث الجريمة في المستقبؿ بناء عمى تمؾ األنماط واإلتجاىات المحددة‪ .70‬أما التحميؿ‬
‫االستراتيجي‪ ،‬فييتـ في المقاـ األوؿ بتخطيط وتنفيذ استراتيجيات الشرطة لممشاكؿ طويمة األجؿ‪،‬‬
‫لذلؾ يعد محممو الجريمة االستراتيجيوف أنماطاً واسعة النطاؽ لمنشاط اإلجرامي ويفحصوف كيؼ‬
‫تتغير تمؾ األنماط بمرور الوقت‪ ،‬ويشار إلى اتجاه الحركة الذي يمثؿ الزيادات والنقصاف في‬
‫ت ك اررات األحداث عمى أنو اتجاه الجريمة والذي يمكف أف يختمؼ لعدد مف األسباب المختمفة‪،‬‬
‫مثؿ الوقت مف العاـ‪ ،‬عمى سبيؿ المثاؿ قد ينظر محممو الجريمة االستراتيجيوف لمشاكؿ‬
‫المتسوليف العدوانييف خالؿ شير الصيؼ أو زيادة سرقة السيارات في الشتاء‪..‬الخ‪ .71‬أما دور‬
‫المحمميف اإلدارييف فيتمثؿ في إبقاء الجميور عمى اطالع بالجيود التي يبذليا مسؤولو إنفاذ‬
‫القانوف حالياً لمحد مف الجريمة داخؿ المجتمعات‪ ،‬ومدى النجاح الذي حققتو جيودىـ حتى اآلف‪،‬‬
‫كما يحافظ المحمؿ اإلداري عمى نزاىة مؤسسة إنفاذ القانوف مف خالؿ اإللتزاـ الصارـ بالمبادئ‬
‫التوجييية األخالقية والسرية المتعمقة بالكشؼ عف المعمومات‪.72‬‬

‫‪ 4-1-2‬التحميل الجغرافي لمجريمة‪:‬‬

‫‪68‬‬
‫‪- Anna E. Stenton, op. cit., p.38.‬‬
‫‪69‬‬
‫‪- Ibid., p.44.‬‬
‫‪70‬‬
‫‪- Ibid.‬‬
‫‪71‬‬
‫‪- Ibid., p.51.‬‬
‫‪72‬‬
‫‪- Ibid., p.58.‬‬

‫(‪(33‬‬
‫ىو تحميؿ التوزيع المكاني لمجريمة داخ منطقة معينة‪ ،‬حيث توفر الخرائط الجنائية مجموعات‬
‫متنوعة مف المعمومات‪ ،‬وقد يعتقد البعض أف الخريطة مجرد أداة عرض؛ لكنيا في الواقع تمعب‬
‫دو اًر واسع النطاؽ في عممية البحث والتحميؿ والعرض‪ ،‬فرسـ الخرائط ىو األكثر فعالية عندما يتـ‬
‫التعرؼ عمى تمؾ القدرات الواسعة واستخداميا ألقصى حد‪.73‬‬

‫تتضمف تقنيات تحميؿ الخرائط استخداـ الخريطة لتصوير العالقات الجغرافية بيف أحداث إجرامية‬
‫معينة وفقاً لعناصر البيانات المحددة‪ .74‬فخريطة الجريمة ىي منتج نيائي لعممية تبدأ بتقرير‬
‫الضابط المستجيب األوؿ لمبالغ الجنائي‪ ،‬ثـ يتـ معالجة الحادثة الجنائية بيانياً وادخاليا في‬
‫قاعدة البيانات‪ ،‬وتحويميا بعد ذلؾ إلى رمز عمى سطح الخريطة الجنائية‪ .‬وعبر تحميؿ التوزيع‬
‫الجغرافي لمجريمة‪ ،‬يتـ تحديد ما يمكف استنتاجو بشأف النشاط اإلجرامي‪ .‬يتـ تحديد النقاط‬
‫الساخنة عف طريؽ تطبيؽ تحميؿ التوزيع الجغرافي‪ .‬يسمح تطبيؽ التحميؿ الجغرافي لمجريمة‬
‫بتحديد متى وقعت الجريمة وأيف وقعت وما ىي أوصافيا‪ ،‬ثـ تصوير حوادث الجريمة عمى‬
‫الخريطة الجغرافية‪ .‬وبالتالي بناء النمط الجنائي‪.75‬‬

‫وىذا ما ينقمنا إلى دراسة األنماط الجنائية مباشرة كأحد أىـ نواتج التحميؿ الجغرافي لمجريمة‪.‬‬

‫‪ 4-1-3‬التنميط الجغرافي‪:‬‬

‫ينبثؽ التنميط الجغرافي عف التنميط الجنائي‪ ،‬وىذا األخير متنازع عميو بيف مختمؼ الحقوؿ‬
‫العممية كعمـ اإلجراـ وعمـ اإلجراـ البيئي‪ ،‬وعمـ النفس العدلي‪ ،‬والعدالة الجنائية وفف التحقيؽ‬
‫الجنائي‪ ،‬وقد ويطمؽ عميو عدة مسميات‪ ،‬كما أشار كوكسيس ‪ ،Richard N. Kocsis‬فقد‬
‫يطمؽ عميو التنميط الجنائي ‪ ،criminal profiling‎‬تنميط المعتدي ‪،offender profiling‎‬‬
‫التحميؿ االستقصائي الجنائي ‪ criminal investigative analysis‎ ‎‬وتنميط الشخصية‬
‫اإلجرامية ‪ .76criminal personality profiling‎‬وفي كؿ األحواؿ فإف التنميط الجنائي يعتمد‬
‫عمى فكرة أف السموؾ يعكس الشخصية‪ ،‬لذلؾ يقوـ أحد المحمميف بتحميؿ مسرح الجريمة لتحديد ما‬

‫‪73‬‬
‫‪- Andre Krause, op. cit., p.46.‎‬‬
‫‪74‬‬
‫‪- George A. Buck, op. cit.,‎p.40.‬‬
‫‪75‬‬
‫‪- Andre Krause, op. cit., ‎pp.47, 48.‬‬
‫‪76‬‬
‫‪- Richard N. Kocsis, Criminal Profiling " Principles and Practice", (Totowa, New Jersey, Humana Press,‬‬
‫‪2006), p. ix.‬‬

‫(‪(34‬‬
‫حدث وكيؼ حدث‪ ،‬ثـ يقوـ بتزويد القائـ عمى ممؼ التعريؼ بمعمومات حوؿ سموؾ الشخص‬
‫المجيوؿ الذي ارتكب الجريمة أو الجرائـ‪ ،‬حينيا يكوف عمى محمؿ الممؼ أف يستخمص‬
‫استنتاجات حوؿ شخصية المجرـ‪ ،‬مثؿ السف‪ ،‬التعميـ‪ ،‬الطبقة االجتماعية‪ ،‬المظير‪ ،‬وعوامؿ‬
‫أخرى‪ .77‬مع ذلؾ فإف التنميط الجنائي ال ييدؼ فقط لمتوصؿ إلى ىوية الجاني‪ ،‬بؿ أيضاً لفيـ‬
‫سبب ارتكاب الناس لمجرائـ‪ ،‬ولتصنيؼ السموؾ اإلجرامي (تحميمو وتصنيفو إلى فئات)‪ ،‬وأخي اًر‬
‫لفؾ طالسـ الجرائـ‪ .78‬لقد كاف أوؿ مجيود إلنشاء ممؼ تعريفي جنائي ىو ما قاـ بو الطبيب‬
‫الجراح ثوماس بوند ‪ Thomas Bond‎‬عاـ ‪ 1888‬في القضية الشييرة بإسـ المجرـ جاؾ‬
‫السفاح‪ ،‬ورغـ أف جيود الطبيب لـ تفمح في التعرؼ إلى القاتؿ‪ ،‬لكنيا كانت بداية دفعت إلى‬
‫المزيد مف عمميات التنميط الجنائي في المستقبؿ‪ .‬لقد وصؼ بوند القاتؿ بأنو كاف قوياً ألنو تغمب‬
‫عمى ضحاياه بسيولة‪ ،‬وكاف جرئياً ألنو قتؿ معظميـ في أماكف عامة‪ ،‬ولـ يخيفو أي شيء بشأف‬
‫ضحاياه‪ ،‬لذلؾ كاف عمى األرجح ىادئاً‪ ،‬متوسط المظير‪ ،‬متوسط العمر‪ ،‬ويرتدي مالبس أنيقة‪،‬‬
‫ربما كاف يرتدي عباءة أو معطفاً طويالً لتغطية الدماء‪ ،‬ومف المحتمؿ أنو كاف أيضاً وحيداً‪،‬‬
‫ولديع عادات غريبة‪ ،‬وليس لديو وظيفة منتظمة‪ .‬لقد توقفت جرائـ جاؾ السفاح بالفعؿ‪،‬غير أف‬
‫العديد مف الناس ظموا يعتقدوف أنيـ يعرفوف جاؾ السفاح وفؽ أوصاؼ بوند‪ ،‬رغـ أف جاؾ‬
‫السفاح لـ يعرؼ أبداً‪ .79‬ومف التنميط الجنائي (العاـ)‪ ،‬يأتي التنميط الجغرافي األكثر تركي اًز عمى‬
‫‪behavioral‬‬ ‫العالقة بيف المكاف والجريمة‪ ،‬وىو يعتمد عمى عمـ الجغرافيا السموكية‬
‫‪ geography‬الذي يدرس (صنع القرار المكاني) أي لماذا يتخذ الناس ق اررات حوؿ المكاف‬
‫بدء مف التسوؽ وانتياء بارتكاب الجريمة‪ ،‬وينقسـ عمـ الجغرافيا‬
‫الذي يذىبوف إليو في كؿ شيء ً‬
‫السموكية إلى فرعيف‪ )1( :‬السموؾ في الفضاء ‪ behavior in space‎‬و (‪ )2‬السموؾ المكاني‬
‫‪spatial behavior‎‬؛ حيث أف األوؿ عبارة عف نيج بحثي يأخذ في االعتبار التوزيع الجغرافي‬
‫لفرص الجري مة والقيود االجتماعية واالقتصادية والمادية والفسيولوجية التي ترد عمى السموؾ‬
‫المكاني اإلجرامي‪ ،‬أي أنو يركز عمى تأثير الفرص التي يوفرىا الموقع (منزؿ أسرة واحدة) عمى‬
‫توزيع الجريمة (السطو) وبالتالي يمكف التنبؤ بما إذا كاف موقع ما جاذب لمجريمة أـ ال‪ ،‬ومف ثـ‬
‫يدعـ ىذا البحث (األساليب الجغرافية في منع الجرية والتي سندرسيا الحقاً)‪ ،‬أما السموؾ المكاني‬

‫‪77‬‬
‫‪- Janey Levy, Careers in criminal profiling, (New York, The Rosen Publishing Group, 2008), pp.4, 5.‬‬
‫‪78‬‬
‫‪- Rebecca Stefoff, Criminal profiling, (New York, Marshall Cavendish Benchmark, 2011), p.20.‬‬
‫‪79‬‬
‫‪- Janey Levy, op. cit., p.8.‬‬

‫(‪(35‬‬
‫فيو مجاؿ بحث يركز عمى الشخص وكيؼ تؤثر معرفتو المكانية عمى سموكو اإلجرامي الفردي‪،‬‬
‫فيو يتعامؿ عمى وجو الخصوص مع الخرائط الذىنية لممجرميف‪ ،‬ومساحة الوعي‪ ،‬ومساحة‬
‫النشاط‪ ،‬والرحمة إلى الجريمة‪ ،‬وكميا ليا آثار ميمة عمى محممي الجريمة‪ ،‬لذلؾ القى البحث في‬
‫‪80‬‬
‫باعتباره عصب التنميط‬ ‫السموؾ المكاني إىتماماً واسعاً وأكثر قوة مف السموؾ في الفضاء‬
‫الجغرافي‪ ،‬وىذا األخير ىو أداء استقصائية (تحقيقية) توضح بشكؿ رسمي الطرؽ التي يمكف أف‬
‫يساعد بيا عمـ الجريمة البيئي والبحوث المرتبطة بو في تحديد مكاف الجناة المجيوليف‪ ،‬ويمكف‬
‫اعتباره خدمة دعـ‪ ،81‬أو ُمنتج لتحميؿ الجريمة‪ ،‬كما يمكف تعريفو تعريفاً أكثر اتساعاً بأنو نظاـ‬
‫إلدارة المعمومات لدعـ جيود التحقيؽ‪ ،‬وىو يحقؽ كؿ ما سبؽ مف خالؿ تركيز جيود التحقيؽ‬
‫جغرافياً‪ .82‬وىكذا يمكننا أف نالحظ أف كؿ ما درسناه عف نظرية الفرصة واإلختيار العقالني‬
‫واألنشطة الروتينية يتـ االستعانة بو في عممية التنميط الجغرافي‪ .‬والنمط ىو مصطمح يستخدـ‬
‫لواصؼ الترابطية المعروفة (المادية أو المفاىيمية) لألشياء أو العمميات أواألفكار‪ ،‬حيث أنو نيج‬
‫متعدد التخصصات يستكشؼ أنماط الجريمة والسموؾ اإلجرامي مف خالؿ تحميؿ العمميات‬
‫المرتبطة بالجريمة والموقع والوضع ومساحة النشاط والقوالب واألحداث المحفزة واإلمكانيات‬
‫التحفيذية‪ .‬فكؿ حدث إجرامي لو خمفية بيئية حيث تشمؿ البيئة اليياكؿ اإلجتماعية والثقافية‬
‫واإلقتصادية والمؤسسية والمادية‪ ،‬عمى المستويات الجزئية والمتوسطة والكبيرة‪ .83‬وألف اإلدراؾ‬
‫‪84‬‬
‫البيئي لو بعض الخصائص العالمية؛ فإف القوالب الفردية ليا اوجو تشابو يمكف تحديدىا‪.‬‬

‫وتتأسس نظرية النمط عمى ما يمي‪:85‬‬

‫‪80‬‬
‫‪- Derek J. Paulsen, Sean Bair and Dan Helms, Tactical crime analysis "research and‬‬
‫‪investigation", ‎(Boca Raton, London, New York, CRC Press, 2009), p-p.25- 27. ‎‬‬
‫‪ -‬وجه البعض انتقادات للتنمٌط الجغرافً‪ ،‬نافٌا ً أن ٌكون نهجا ً فً حد ذاته‪ ،‬فعلى سبٌل المثال‪ٌ ،‬جب مراعاة أن الجغرافٌا ذات أهمٌة‬
‫‪81‬‬

‫عندما ٌتعلق األمر بفعالٌتها فً المساهمة مع التنمٌط الجنائً بشكل عام‪ ،‬فهً تساعد –بشكل عام‪ -‬فً نهج علم النفس االستقصائً‪،‬‬
‫وهً وإن كانت مفٌدة غٌر أنه ٌجب استكمالها بتدا بٌر تحقٌق أخرى تحاول التنبؤ بالمعلومات التً تساعد على الكشف عن الجانً‬
‫والقبض علٌه؛ لذلك من األفضل النظر إلى التنمٌط الجغرافً على أنه عامل مساعد للتنمٌط الجنائً ولٌس كعملٌة تنمٌط فً حد ذاته‪.‬‬
‫أنظر‪:‬‬
‫‪- Norbert Ebisike, The use of offender profiling evidence in criminal cases, Norbert Ebisike, a‬‬
‫‪dissertation submitted for the degree of doctor of juridical science at Golden Gate University, school‬‬
‫‪of law, San Francisco, California,( 2007), PP.92, 93.‬‬
‫‪82‬‬
‫‪- Kim Rossmo and Sacha Rombouts, op. cit., p.162.‬‬
‫‪83‬‬
‫‪- Kim Rossmo, Geographic profiling, (Boca Raton, London, new york, Washington D.C.‎, CRC Press‬‬
‫‪LLC, 2000), (Chapter7)‎-5.0.1.‬‬
‫‪84‬‬
‫‪- Ibid.‬‬
‫‪85‬‬
‫‪- Derek J. Paulsen, Sean Bair and Dan Helms, op. cit., p.17.‬‬

‫(‪(36‬‬
‫‪ -1‬مف األفضؿ النظر إلى األحداث اإلجرامية عمى أنيا نقاط نياية في عممية اتخاذ القرار أو‬
‫تسمسؿ الخطوات‪.‬‬

‫‪ -2‬الق اررات نفسيا ليست عشوائية بؿ يمكف التنبؤ بيا أو إعادة بنائيا؛ إذ أنيا جزء مف عممية‬
‫الوعي والال وعي‪.‬‬

‫‪ -3‬يبدأ إتخاذ القرار باستعداد الجاني وامتالكو لمدوافع والمعرفة الكافية لمالحظ الفرصة الجنائية‬
‫بناء عمييا‪.‬‬
‫المتاحة والتصرؼ ً‬

‫‪ -4‬تتنوع مصادر الدوافع وتكوف مع ذلؾ مفيومة لمجاني‪.‬‬

‫‪ -5‬إف التساؤؿ حوؿ ما إذا كانت الحالة العامة الستعداد الجاني ستقود القتراؼ الجريمة‪ ،‬تجيب‬
‫عميو الخمفية النفسية واالجتماعية والثقافية لممجرـ‪ ،‬وكذلؾ العوامؿ البيئية مثؿ الفرص المتاحة‪.‬‬

‫‪ -6‬يختمؼ عدد وتسمسؿ نقاط إتخاذ القرار في العممية التي تؤدي إلى حدث إجرامي بحسب‬
‫(نوع الجريمة‪ ،‬وكميتيا)‪ ،‬وبالتالي فإف (عممية) إتخاذ القرار المتعمؽ بارتكاب الجريمة تتجاوز‬
‫التقسيمات البسيطة إلى جرائـ ضد ممتمكات وأشخاص‪.‬‬

‫‪ -7‬يختمؼ مستوى استعداد المجرـ الرتكابو الجريمة بمرور الوقت‪.‬‬

‫ويكوف التنميط عبر إنشاء ممؼ تعريفي والذي ُيشترط –لكي يكوف دقيقاً‪ -‬أف تتوفر فيو أربعة‬
‫شروط أساسية وىي‪:86‬‬

‫(‪ )1‬يجب أف ترتكب أكثر مف جريمة (ليمكف تحديد نمط عمؿ الجاني)‪.‬‬

‫(‪ )2‬ثبات نقاط ارتكاز المجرـ (مكاف اإلقامة)‪.‬‬

‫(‪ )3‬يجب أال يكوف الجاني قد سافر بعيداً القتراؼ الجريمة‪.‬‬

‫(‪ )4‬يجب أف يكوف توزيع األىداؼ موحداً إلى حد ما‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫‪- Meit Öhrn, Geographic profiling: a scientific tool or merely a guessing game?, Malmö ‎University:‬‬
‫‪Faculty of health and society, Department of Criminology,( 2016)., ‎p.8.‎‬‬

‫(‪(37‬‬
‫ويرى ك ٌؿ مف ‪ Trevor Locke‬و ‪ Norman Davidson‬أف ممؼ الجريمة يحتاج إلى ممؼ‬
‫تعريفي مو ٍاز‪ ،‬حيث ال يجب فقط أف يتألؼ مف الحقائؽ اإلحصائية حوؿ الييكؿ اإلجتماعي‬
‫واإلسكاني واستخداـ األراضي والمرافؽ‪ ،‬بؿ يجب أيضاً أف يتضمف مشاعر المجتمع وقوة‬
‫وضعؼ اليياكؿ المجتمعية ومواقؼ السكاف تجاه الجريمة وما يتصؿ ييا مف مسائؿ‪.87‬‬

‫‪ 4-1-3-1‬إستهدافات التنميط الجغرافي‪:‬‬

‫لقد تـ تطبيؽ التنميط الجنائي (ومف ضمنو التنميط الجغرافي) في البداية عمى اإلجراـ‬
‫التسمسمي العنيؼ كالقتؿ واالغتصاب‪ ،‬ولكف في السنوات األخيرة تـ استخدامو أيضاً في عمميات‬
‫االحتياؿ المتسمسمة والحرؽ العمد والسطو‪ .88‬مع ذلؾ يرى البعض أف ىدؼ التنميط الجنائي‬
‫ليس إخبار الشرطة بمف ارتكب الجريمة‪ ،‬بؿ التنبؤ بشأف أكثر الخصائص التي يمتمكيا الجاني‬
‫إحتمالية‪( ،‬كدائرة سكنو أو عممو أو نشاطو الروتيني)‪ ،‬ولذلؾ فإف التنميط الجنائي يتـ في الغالب‬
‫أثناء التحقيؽ في الجرائـ الخطيرة كاإلغتصاب والقتؿ المتسمسؿ‪ ،‬وبدرجة أقؿ الحرؽ العمد‪ ،‬وذلؾ‬
‫ألسباب منيا أنيا جرائـ تسبب قمقالً كبي اًر بيف السكاف‪ ،‬وبالتالي فدعوات القبض عمى الجناة‬
‫واسعة‪ ،‬لذلؾ فإف التنميط يتـ عمى الجرائـ التي تحظى بأكبر قدر مف التغطية اإلعالمية‪ .‬كما أف‬
‫ىذه الجرائـ يصعب حميا بأساليب الشرطة التقميدية‪ ،‬النطوائيا عمى إعتداء مف شخص غريب‪،‬‬
‫أما الجرائـ األخرى فغالباً ما تضيؽ فييا دائرة اإلتياـ عمى األقارب والمعارؼ‪ .‬وثالثاً‪ ،‬فإف الجرائـ‬
‫الكبيرة ىذه ىي التي يمكف مف خالليا الكشؼ عف الشخصية األساسية لمجاني والدوافع مف خالؿ‬
‫الطريقة التي تمت بيا الجريمة أو تـ تنفيذ تمؾ السمسمة مف الجرائـ‪ ،‬لذلؾ فالوسائؿ التقميدية ال‬
‫تصمح فييا كما تصمح لمجرائـ البسيطة كالسرقة البسيطة والسطو‪ .89‬مع ذلؾ فإف التنميط‬
‫الجغرافي –ضمف التنميط الجنائي العاـ‪ -‬ليس مجرد أداة إحصائية فنية‪ ،‬بؿ أيضاً أداة لتخطيط‬
‫السياسات الجنائية‪ .‬فيو يمعب أدوا اًر ىامة في عدة أوجو؛ خاصة في مجاؿ منع الجريمة‬
‫واستراتيجيات الشرطة؛ إذ أنو يكشؼ عف األبعاد الجغرافية لمجريمة والتوزيع المكاني ليا باعتبارىا‬
‫ضد السمات االجتماعية واالقتصادية والطبوغرافية لممنطقة‪ .‬كما يساعد التنميط عمى تقييـ‬

‫‪87‬‬
‫‪- Norman Davidson and Trevor Locke, "Local area profiles of crime: neighbourhood crime patterns in‬‬
‫‪context", in crime, policinf and place; essays in environmental criminology, ed. David J. Evans,‬‬
‫‪Nicholas R. Fyfe and David T. Herbert, (London and New York, Routledge, 1992), p.53.‬‬
‫‪88‬‬
‫‪- Meit Öhrn, op. cit., ‎p.8.‬‬
‫‪89‬‬
‫‪- Peter B. Ainsworth, Offender Profiling and Crime Analysis, (UK, Willan Publishing, 2001), pp.8, 9.‬‬

‫(‪(38‬‬
‫الخطط واألنشطة التشغيمية وتكاليؼ الجريمة‪ ،‬أو ما ُيسمى –عموماً‪ -‬باإلدارة الجنائية‪ .‬لذلؾ‬
‫يجب أف يتضمف التنميط أيضاً معمومات اقتصادية ومالية لتقييـ وادارة ورصد مشكالت الجريمة‪.‬‬
‫فبعد تشخيص واقع الجريمة (عبر التنميط) يجب أف يتـ االنتقاؿ إلى التخطيط‪ ،‬لمناقشة العالقة‬
‫العامة بيف السياسة والتخطيط واالستراتيجية والمعمومات في أنظمة العدالة الجنائية‪ .‬باإلضافة‬
‫إلى ما سبؽ فإف التنميط يقيس ردود األفعاؿ تجاه الجريمة سواء عبر المؤسسات الرسمية‬
‫كالشرطة أو المجتمعية وشركات األمف الخاصة‪ ،‬وقد تكوف ىذه اإلستجابات إما بشكؿ مباشر‬
‫(مثؿ القبض عمى الجناة) أو بشكؿ غير مباشر مثؿ (معالجة مشكمة الفقر) في المنطقة‬
‫الموبوءة؛ حيث أصبح التخطيط االستراتيجي ألنظمة اإلستجابة راسخاً كوسيمة لمسيطرة عمى‬
‫الجريمة‪ ،‬إذ ُيعطي التنميط الجغرافي صانعي القرار معمومات موثوقة ودقيقة‪.90‬‬

‫غير أف ىذا ليس كؿ ما في األمر؛ فالتنميط الجغرافي يمعب دو اًر ىاماً فيما يسمى بمنع الجريمة‬
‫‪Crime Prevention Through Environmental Design‬‬ ‫عبر التصميـ البيئي‬
‫)‪ ،(CPTED‬وىو عمـ أخذ مساحة واسعة في مجاؿ أبحاث الجغرافيا الجنائية‪ ،‬ولذلؾ وجب‬
‫تناولو بدراسة أصولو العامة‪.‬‬

‫‪ 4-2‬التصميم البيئي‪:‬‬

‫‪National Geographic‬‬ ‫لقد ذكرنا في أوليات البحث أف الجمعية الجغرافية الوطنية‬


‫‪ Society‬في عاـ ‪ 1984‬قد روجت لخمسة مواضيع لمجغرافيا وىي‪ :‬الموقع‪، ،‬المكاف‪،‬‬
‫التفاعالت بيف اإلنساف والبيئة‪ ،‬والحركة‪ ،‬والمناطؽ‪ .‬وأف التفاعؿ بيف اإلنساف والبيئة‪ :‬يعني أف‬
‫الناس لدييـ عالقات داخؿ أماكف محددة ويتأثروف بمحيطيـ‪ .‬وذكرنا فيما يمي ذلؾ النظريات‬
‫التي ربطت بيف البيئة والنشاط اإلنساني ومف أىميا بالتأكيد نظرية الفرصة والنشاط الروتيني‬
‫واإلختيار العقالني‪ ،‬كؿ ما سبؽ تمت اإلستفادة منو في اقتراح رؤية جديدة لمكافحة الجريمة عبر‬
‫التصميـ البيئي الذي يقمؿ مف الفرص الجاذبة القتراؼ الجريمة في عيف المجرميف؛ أو ما يسمى‬
‫‪Crime Prevention Through Environmental‬‬ ‫بمنع الجرية عبر التصميـ البيئي‬
‫‪ Design ‎‬والمختصر بػ‪ .‎(CPTED)‎‬وىو ما سنتناوؿ مفاىيمو األساسية فيما يمي‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫‪- Norman Davidson and Trevor Locke, op. cit., P-P.54-56.‬‬

‫(‪(39‬‬
‫‪ 4-2-1‬مفهوم المنع عبر التصميم البيئي‪:‬‬

‫يستند منع الجريمة عبر التصميـ البيئي إلى أف التصميـ والتطبيؽ المناسبيف لمبيئة المبنية‬
‫والمحيطية يمكف أف يحسف مف نوعية الحياة عف طريؽ ردع الجريمة وتقميؿ الخوؼ منيا‪ ،‬ويبدأ‬
‫ذلؾ عبر تحميؿ العوامؿ البيئية التي توفر فرصاً لحدوث الجريمة‪ ،‬خاصة وأف الدراسات التي‬
‫أجريت في السبعينيات والتسعينيات مف القرف المنصرـ (بشكؿ أساسي‪ :‬مف قبؿ المعيد الوطني‬
‫لمعدالة في الواليات المتحدة) أف بعض البيئات تميؿ إلى تشجيع التجمعات اإلجتماعية غير‬
‫الرسمية‪ ،‬واإلتصاالت‪ ،‬والجريمة واثارة الخوؼ مف الجريمة‪ ،‬تشمؿ ىذه البيئات‪ :‬مناطؽ ضعيفة‬
‫اإلضاءة‪ ،‬ومباني شاىقة ومباني سكنية بيا أعداد كبيرة مف الوحدات التي تشترؾ في مدخؿ‬
‫رئيسي واحد‪ ،‬وشوارع شديدة االزدحاـ‪ .‬وعمى العكس مف ذلؾ‪ ،‬وجد الباحثوف أف وجود مراكز‬
‫مجتمعية وحدائؽ عامة جيدة الصيانة‪ ،‬وما إلى ذلؾ‪ ،‬قد زاد مف التفاعؿ اإلجتماعي والمراقبة‬
‫الطبيعية وغيرىا مف الضوابط اإلجتماعية غير الرسمية‪ ،‬مما يقمؿ مف الجريمة والخوؼ‬
‫منيا‪.91‬وىكذا فبمجرد إنشاء أنماط الجريمة‪ ،‬يقوـ إختصاصي منع الجريمة بتحميؿ تمؾ األنماط‬
‫مستخمصاً أنماط الفرص الستنباط وتنفيذ تدابير محددة لمنع الجريمة‪.92‬‬

‫‪ 4-2-2‬التطور التاريخي لممفهوم‪:‬‬

‫ظير مصطمح "منع الجريمة مف خالؿ التصميـ البيئي" ألوؿ مرة عاـ ‪ 1971‬لعالـ الجريمة‬
‫واالجتماع سي راي جيفري‪ ،C. Ray Jeffrey 93‬ولكف ىذا الظيور سبقتو تطورات عدة‪ ،‬ثـ تمتو‬
‫تغيرات أخرى‪ ،‬أوردتيا فكتوريا جبسوف عمى نحو مفصؿ؛ حيث أشارت إلى أنو وبعد نظريات‬
‫مدرسة شيكاغو طورت جيف جاكوبس‪ Jane Jacobs ‎‬نظرية "عيوف عمى الشارع" التي انتقدت‬
‫التخطيط الحضري‪ ،‬ثـ طالبت باالعتراؼ بدور الجميور في الرقابة والوصاية القادرة؛ إذ أف‬
‫المدف –في األساس‪ -‬ال يتـ المحافظة عمى سالميا العاـ مف قبؿ الشرطة‪ ،‬بؿ مف خالؿ شبكة‬
‫معقدة وغير واعية تقريباً مف الضوابط والمعايير الطوعية بيف الناس أنفسيـ‪ .‬ثـ جاء جيفري الذي‬
‫استكشؼ العالقة المعقدة بيف اإلنساف وبيئتو معتمداً عمى مفاىيـ عمـ النفس التجريبي المتمثمة‬

‫‪91‬‬
‫‪- Severin Sorensen, John G. Hayes and Randy Atlas, "Understanding CPTED and Situational Crime‬‬
‫‪st‬‬
‫‪Prevention", in 02 Century Security and CPTED; Designing for Critical Infrastructure Protection and‬‬
‫‪Crime Prevention, ed. Randall I. Atlas, (Boca Raton, London, New York, CRC Press, 2008), pp.53, 54.‬‬
‫‪92‬‬
‫‪- Ibid., p.55.‬‬
‫‪93‬‬
‫‪- Ibid., p.54.‬‬

‫(‪(41‬‬
‫في نظرية التعمـ الحديثة‪ ،‬ومكيفاً إياىا مع مبدأ المذة لسيغموند فرويد‪ ،‬حيث يمكف لمبيئة أف تطور‬
‫تجارب ممتعة ومؤلمة لمجاني بحيث تؤدي إلى تعديؿ سموكو‪ ،‬وبالتالي فيجب إزالة التعزيزات‬
‫البيئية لمسموؾ اإلجرامي‪ .‬مع ذلؾ فإف فشؿ جيفري في منح حموؿ فورية قد دفع بالميندس‬
‫المعماري أوسكار نيوماف ‪ Oscar Newman‬إلى التركيز عمى دور تصميـ األرض والمباني‬
‫في السموؾ المعادي لممجتمع‪ ،‬مطمقا نظرية الفضاء القابؿ لمدفاع ‪ ،Defensible Space‎‬حيث‬
‫ىناؾ أربعة عوامؿ لتقميؿ فرص الجريمة وىي‪ )1( :‬أف البيئة المادية لدييا القدرة عمى خمؽ‬
‫نطاقات ُمدركة لمتأثيرات المناطقية ‪ )2( ،territorial influence‬قدرة التصميـ المادي عمى‬
‫توفير فرص المراقبة لممقيميف في تمؾ المناطؽ‪ )3( .‬قدرة التصميـ عمى التأثير عمى تصور فرادة‬
‫المنطقة‪ )4( .‬تأثير التجاور الجغرافي مع "المناطؽ اآلمنة" عمى أمف المناطؽ المجاورة‪ .‬وبالتالي‬
‫فنيوماف يركز عمى الجوانب المعمارية لمبيئة في إزالة فرص اقتراؼ الجريمة‪.94‬‬

‫‪ 4-2-3‬اإلستراتيجيات التشغيمية لـ(‪:)CPTED‬‬

‫ىناؾ عدة استراتيجيات تشغيمية عامة يقوـ عمييا المنع البيئي لمجرائـ‪ ،‬وىي‪ :‬التحكـ في الوصوؿ‬
‫الطبيعي ‪ ، Natural access control‬والم ارقبة الطبيعية ‪ ، Natural surveillance‬وتعزيز‬
‫النشاط المشروع‪ ،‬والصيانة‪ ،‬والتعزيز اإلقميمي‪ .95‬التعزيز اإلقميمي والذي يشمؿ المراقبة الطبيعية‬
‫والتحكـ في الوصوؿ ويؤكد عمى تعزيز الممكية وسموكيات الممكية‪ ،‬ويتـ ذلؾ مثالً باستخداـ‬
‫المباني أو األسوار أو الالفتات أو األرصفة أو غيرىا مف األشياء لمتعبير عف الممكية أو لتحديد‬
‫االنتقاؿ مف الفضاء العاـ إلى الفضاء الخاص‪ ،‬فيمكف وضع سياج حديد صغير مزخرؼ حوؿ‬
‫الساحة األمامية بحيث يفصؿ بيف الفناء األمامي والطريؽ العاـ والرصيؼ؛ ليوضوح أف‬
‫المستخدميف غير الشرعييف غير مرحب بيـ‪ .‬تعمؿ ىذه االستراتيجية عمى إظيار وجود شخص‬

‫‪94‬‬
‫‪- Victoria Louise Gibson, third generation CPTED? Rethinking the basis for crime prevention‬‬
‫‪strategies, A thesis submitted in partial fulfillment of the requirements of the University‬‬
‫‪of ‎Northumbria at Newcastle for the degree of Doctor of Philosophy, January (2016)‎, p-p.31-34.‬‬
‫‪95‬‬
‫‪- W. Anthony Wiles, Robert J. Haskell and Edward J. Pesce, Crime prevention through‬‬
‫‪environmental design, CPTED program manual, " Planning and Implementation Manual ",(Arlington,‬‬
‫‪Virginia, Westinghouse Electric Corporation, volume 1, 1978), p.10. Julian S. Prevatt, crime prevention‬‬
‫‪through environmental design (CPTED) and the role of facilities planning in force protection, a final‬‬
‫‪project presented to the graduate school of the University of Florida in partial fulfillment of the‬‬
‫‪requirements for the degree of master of arts in urban and regional planning, University of florida,‬‬
‫‪(1998), p-p.14-18.‬‬

‫(‪(41‬‬
‫ما مسؤوؿ عف الفضاء وقد يراقب النشاط اإلجرامي‪ .96‬أما التحكـ في الوصوؿ ىو التوجيو‬
‫المادي لألشخاص القادميف والمغادريف مف مكاف ما عف طريؽ وضع المداخؿ والمخارج‬
‫والمناظر الطبيعية واألقفاؿ والحواجز األخر‪ .‬عمى سبيؿ المثاؿ؛ قد يتـ وضع حواجز لمممرات‬
‫بالقرب مف مدخؿ حديقة لمنع دخوؿ السيارة مع السماح بدخوؿ المشاة‪ ،‬تعمؿ ىذه االستراتيجية‬
‫مف خالؿ خمؽ حاجز ضد الحركة غير الصحيحة لممركبة في الحديقة‪ ،‬وفي حالة دخوؿ مركبات‬
‫إلى المتنزه فإف وجود األعمدة يجعؿ السموؾ غير الالئؽ واضحاً لممواطنيف والمارة ويمكنيـ‬
‫إخطار الشرطة‪ .‬يسمى عنصر التحكـ في الوصوؿ ب"تصمب اليدؼ"‪ .97‬أما المراقبة الطبيعية‬
‫فمثاليا األبسط ىو مرآب السيارات والذي ُيبنى بنوافذ كبيرة تواجو الشارع الرئسي حيث يسمح ذلؾ‬
‫لممشاة وسائقي السيارات برؤية منطقة وقوؼ السيارات واكتشاؼ النشاط اإلجرامي‪ ،‬تعمؿ ىذه‬
‫االستراتيجية ألف المجرميف لف يرتكبوا جرائـ في المناطؽ التي يشعروف بأنيـ مراقبوف فييا‪ ،‬وفي‬
‫حالة حدوث جريمة فيناؾ فرصة أكبر لمشاىدتيا وتبميغ الشرطة عنيا‪ ،98‬فيمكف أيضاً تصميـ‬
‫توجيو تدفؽ النشاط البشري لتوفير المزيد مف المراقبيف الطبيعييف في منطقة الجريمة المحتممة‪،‬‬
‫كنشر نوافذ عمى طوؿ الشارع الجانبي مف المبنى‪ ،‬أو إحاطة السمـ بالزجاج أو باستخداـ ممرات‬
‫أحادية‪ .99‬أما تعزيز النشاط المشروع فيقوـ عمى أف ىناؾ أنشطة معينة في المجتمع قادرة عمى‬
‫منع الجريمة والحد مف العناصر الضعيفة التي تسمح بالتدخؿ اإلجرامي حيث يتـ التركيز –‬
‫غالباً‪ -‬عمى حي أو منطقة جغرافية معينة أو مجموعة سكانية مستيدفة مثؿ كبار السف)‪ ،‬ومثاؿ‬
‫ذلؾ المرافؽ الترفييية والمتنزىات واألنشطة الرياضية وشرفات المراقبة في حدائؽ الحي‪ ،‬ويمكف‬
‫أف تقوـ بعض األنشطة أيضاً بيذا الدور الرقابي مثؿ أكشاؾ بيع السندوتشات ومحالت بيع‬
‫الزىور‪ .100‬أما الصيانة فميمتا أنيا دليؿ عمى أف ىناؾ مف يراقب باستمرار‪ ،‬وتعمؿ ىذه‬
‫االستراتيجية وفؽ مبدأ "الزجاج المكسور" حيث أف المساحات الميممة تؤدي إلى سوء معاممة‬
‫الن اس ليا‪ ،‬في حيف أف المساحات المصانة والمحفوظة ستؤدي إلى مراعاة الناس ليا‪ .101‬ومثاؿ‬

‫‪96‬‬
‫‪- Crime Prevention Through Environmental Design (CPTED), Security Handbook, Oakland‬‬
‫‪Police ‎Department, Neighborhood Services Division, p.3‎.‬‬
‫‪97‬‬
‫‪- Ibid.‬‬
‫‪98‬‬
‫‪- Ibid.‬‬
‫‪99‬‬
‫‪- W. Anthony Wiles, Robert J. Haskell and Edward J. Pesce, op. cit., p.14.‬‬
‫‪100‬‬
‫‪- Severin Sorensen, John G. Hayes and Randy Atlas, o,. cit., pp.67, 68.‬‬
‫‪101‬‬
‫‪- Crime Prevention Through Environmental Design (CPTED), Security Handbook,‬‬
‫‪Oakland ‎Police ‎Department, op. cit., p.4.‬‬

‫(‪(42‬‬
‫ذلؾ أنو إذا كانت ىناؾ سيارة متروكة عمى الطريؽ‪ ،‬فإنيا ستظؿ بدوف مساس ولكف إف تـ كسر‬
‫جروف عمى التعدي عمييا‪.‬‬
‫المصوص يت أ‬
‫َ‬ ‫زجاجيا فسيجعؿ ىذا الكسر‬

‫‪ -5‬خاتمة البحث‪:‬‬

‫امتدت بنا رحمة ىذا البحث لفصوؿ أربعة‪ ،‬ومع ذلؾ فالبحث لـ ينت ِو بعد‪ ،‬يقوؿ الفالسفة بأف‬
‫العمؿ الفني (ُيترؾ) وال (ُينجز)‪ .‬فالرساـ مثالً‪ ،‬ال يقوؿ بأنو أكمؿ رسـ لوحتو الفنية‪ ،‬بؿ يقرر في‬
‫لحظة ما أف يتوقؼ‪ ،‬ألف العمؿ الفني ال حدود لقابميتو لإلضافة والحذؼ‪ .‬وىكذا ىو بحثنا ىذا‬
‫حوؿ الجغارفيا الجنائية‪ ،‬فالجغارفيا الجنائية تقترب مف الفف مثؿ اقتاربيا مف العمـ‪ .‬ولذلؾ فيي‬
‫معرفة واسعة‪ ،‬قابمة لمتمديد تماماً مثؿ قابميتيا لالختصار‪ ،‬وىنا قررنا أف نتوقؼ‪ ،‬تاركيف إكماؿ‬
‫العمؿ الفني لباحثيف آخريف‪ .‬بحيث يطورونو أكثر‪ ،‬ويضيفوف ويحذفوف ويشذبوف ما شاء ليـ‪ .‬لقد‬
‫تناولنا في ىذا البحث عمـ الجغارفيا بصفة عامة‪ ،‬وأدبيات عمـ الجغارفيا الجنائية‪ ،‬ونظرياتو‪،‬‬
‫وأدواتو‪ ،‬ونتائجو‪ ،‬التي ترتبط بالقبض عمى المجرميف أو الوقاية مف الجريمة أو غير ذلؾ مف‬
‫غايات ال تعد وال تحصى‪ .‬فعمى سبيؿ المثاؿ؛ كاف بإمكاننا أف نضيؼ عمـ تكاليؼ الجريمة‪،‬‬
‫والذي يمكف أف يستند بقوة إلى الجغارفيا الجنائية‪ ،‬أو دارسات الخوؼ مف الجريمة‪ ،‬وعمـ الجتماع‬
‫الجنائي‪ ،‬ولكننا آثرنا أف نترؾ ذلؾ لتوسعة أخرى في مكانيا األكثر مناسبة‪ .‬وعموماً‪ ،‬يمكننا أف‬
‫نختـ بحثنا بتقديـ مقترحات (وليس توصيات) لدعـ السياسة الجنائية بأي دولة عربية وأفريقية‪،‬‬
‫وىو تأسيس وحدات دارسات الجغارفيا الجنائية‪ ،‬وأف تكوف مرتبطة بالمؤسسات الرسمية وغير‬
‫الرسمية المختمفة بالدولة‪ ،‬كالمؤسسات الشرطة والعدلية‪ ،‬ودواويف اإلحصاء‪ ،‬والسمطة القضائية‪،‬‬
‫ووازرة العدؿ‪ ،‬وكميات التكنولوجيا؛ وغير ذلؾ‪ ،‬بحيث يحدث تكامؿ (بياناتي) ليذه الوحدة‬
‫(الجمع)‪ ،‬ومف ثـ تصنيؼ تمؾ البيانات وتنسيقيا (التجميع) ثـ تحميميا واستنباط ما يمكف‬
‫استنباطو مما يخدـ العدالة الجنائية ويخدـ أيضاً –بشكؿ فرعي‪ -‬التنمية اإلقتصادية والثقافية‬
‫والسياسية واالجتماعية في الدولة‪ .‬ال شؾ أف الدوؿ النامية ال ازلت ىي األقؿ نشاطاً في ىذا‬
‫األمر في حيف أف الدوؿ الغنية كالواليات المتحدة األمريكية قد قفزت قفازت واسعة في مجاؿ‬

‫(‪(43‬‬
‫الجغارفيا الجنائية‪ .‬ومع ذلؾ يمكننا أف نستفيد مف تجاربيا‪ ،‬لنبدأ مف حيث توقؼ تمؾ الدوؿ‪ .‬وىذا‬
‫خير مف أف ال نبدأ بالمرة‪.‬‬

‫‪ -6‬قائمة المراجع‪:‬‬

‫‪ 5-1‬بالمغة العربية‪:‬‬

‫‪ ‬أبو راضي‪ ،‬فتحي عبد العزيز أبو راضي‪ ،‬الجغرافيا العممية ومبادئ الخرائط‪ ،‬دار‬
‫النيضة العربية‪ ،‬الطبعة األولى‪.1998 ،‬‬
‫‪ ‬إسماعيؿ‪ ،‬أحمد عمي ‪ ،‬الجغرافيا العامة "موضوعات مختارة"‪ ،‬دار الثقافة لمنشر والتوزيع‪،‬‬
‫‪.1996-1995‬‬
‫‪ ‬الجوىري‪ ،‬يسري ‪ ،‬الجغرافيا العامة‪ ،‬مطبعة ومكتبة اإلشعاع الفنية‪.2998 ،‬‬
‫‪ ‬أبو راضي‪ ،‬فتحي عبد العزيز ‪ ،‬دراسة في الطرؽ المساحية وأساليب التمثيؿ‬
‫الكارتوجرافي‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬الطبعة األولى‪.1998 ،‬‬
‫‪ ‬سطحة‪ ،‬محمد محمد‪ ،‬الجغرافيا العممية وقراءة الخرائط‪ ،‬دار النيضة العربية‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪ ،‬بدوف تاريخ‪.‬‬
‫‪ ‬بف سممى‪ ،‬ناصر بف محمد‪ ،‬خرائط التوزيعات البشرية (مفيوميا وطرؽ إنشائيا)‪ ،‬مكتبة‬
‫العبيكاف‪ ،‬الطبعة األولى‪1416 ،‬ىػ‪1995 ،‬ـ‪.‬‬
‫‪ ‬صالح‪ ،‬ىاشـ محمد‪ ،‬الجغرافيا الطبيعية‪ ،‬مكتبة المجتمع العربي لمنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪1435-2014 ،‬ىػ‪.‬‬
‫‪ ‬عبد الحكيـ‪ ،‬محمد صبحي ‪ ،‬دراسات في الجغرافيا العامة‪ ،‬دار النيضة العربية‪ ،‬مطبعة‬
‫جامعة القاىرة والكتاب الجامعي‪.1980 ،‬‬
‫‪ ‬عبده‪ ،‬طمعت أحمد محمد ‪ ،‬د‪.‬حورية محمد حسيف جاد اهلل‪ ،‬في أصوؿ الجغرافيا العامة‪،‬‬
‫دار المعرفة‪.2000 ،‬‬
‫‪ ‬عزيز‪ ،‬محمد الخزامى ‪ ،‬نظـ المعمومات الجغرافية؛ أساسيات وتطبيقات لمجغرافييف‪،‬‬
‫منشأة المعارؼ باالسكندرية‪.‬‬
‫‪ ‬العيسوي‪ ،‬فايز محمد ‪ ،‬خرائط التوزيعات البشرية‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪.2000،‬‬
‫‪ ‬القصاص‪ ،‬ميدي محمد ‪ ،‬مبادئ اإلحصاء والقياس اإلجتماعي‪ ،‬بدوف دار نشر ‪.2007‬‬

‫(‪(44‬‬
.2000 ،‫ دار المعرفة الجامعية‬،‫ الجغرافيا العممية والخرائط‬،‫ أحمد أحمد‬،‫ مصطفى‬
‫ جامعة عيف‬،‫ التحميؿ المكاني في نظـ المعمومات الجغرافية‬، ‫ رشا صابر‬،‫ نوفؿ‬
.‫ـ‬2020،2021،‫شمس‬

:‫ بالمغة اإلنجميزية‬-5-2

 Ainsworth, Peter B., ‎ Offender Profiling and Crime Analysis, UK, Willan Publishing,
2001.

 Buck, George A., police crime Analysis, Unit handbook, law enforcement assistance
‎administration, National institute of law enforcement and criminal justice, November
1973.‎

 Butorac , Ksenija, Jelena Marinović, Geography of Crime and Geographic


Information Systems, ‎Journal of ‎Forensic Sciences & Criminal Investigation,
MS.ID.555591, 2017.‎

 Classical in environmental criminology,Ed: Martin A. Andresen, Paul J.


Brantingham and J. ‎Bryan Kinney, Boca Raton, London, New York , Simon Fraser
University Publications, CRC ‎Press, Taylor and Francis Group, 2010.

 Crime Prevention Through Environmental Design (CPTED), Security Handbook,


Oakland ‎Police ‎Department, Neighborhood Services Division.

 Dennett, Daniel C., Intuition pumps and other tools for thinking, New York- London,‎
Norton & ‎Company, Inc., First Edition, ‎2013‎.

 Dent, Borden D., Jeffrey S. Torguson and Thomas W. Hodler, Cartography;


thematic map ‎design, Boston, McGraw-Hill, 2009.

 Davidson, Norman and Trevor Locke, "Local area profiles of crime: neighbourhood
crime ‎patterns in context", in crime, policinf and place; essays in environmental
criminology, ed. ‎David J. Evans, Nicholas R. Fyfe and David T. Herbert, London
and New York, Routledge, 1992.

(45(
 Ebisike, Norbert, The use of offender profiling evidence in criminal cases, a
‎dissertation submitted for the degree of doctor of juridical science at Golden Gate
University, ‎school of law, San Francisco, California, 2007.‎

 Eck, John and Tamara D. Madenesen, "Meaningfully and artfully reinterpreting crime
for useful ‎science: An essay on the value of building with simple theory", in the
criminal act: The role and ‎influence of routine activity theory, ed. Martin A.
Andersen and Graham Farrell, UK, USA, ‎Palgrave Macmilan, 2015.‎

 Felson, Marcus and Ronald V. Clarke, Opportunity Makes the Thief: Practical theory
for crime ‎prevention, Ed. Barry Webb, London, Police Research Series, Paper 98,
1998.‎

 Felson, Marcus, "Routine activity approach", in environmental criminology and crime


analysis, ‎ed. Richard Wortley and Lorraine Mazerolle, UK, USA, Willan publishing,
2008.‎

 Fundamentals of general cartography, Rai technology University, Bangalore.‎

 Gibson, Victoria Louise, third generation CPTED? Rethinking the basis for crime
prevention ‎strategies, A thesis submitted in partial fulfillment of the requirements of
the University ‎of ‎Northumbria at Newcastle for the degree of Doctor of Philosophy,
January 2016.‎

 Gottlieb, Steven and Shel Arenberg, Crime Analysis: from concept to reality,
national institute ‎of justice, U.S. department of justice, office of criminal justice
planning edition, Jul 2/ 1992.‎

 Hirschfield, Alex ‎ And ‎ Kate Bowers, Mapping and Analysing Crime Data " Lessons
from research ‎and practice", London and New York, Taylor & Francis, 2001.

 Burke, Roger Hopkins, an introduction to criminology theory, Willan publishing, third


edition, ‎2009.‎

 Higgins, Daniel F., A Crime Analyst’s Guide to Mapping, Illinois Criminal Justice
Information ‎Authority, ‎April 2003‎.‎

(46(
 Junger-Tas, Josine, Ineke Haen Marshall, Dirk Enzmann, Martin Killias, Majone
Steketee and ‎Beata Gruszczynska, The Many Faces of Youth Crime: Contrasting
Theoretical Perspectives on ‎Juvenile Delinquency across Countries and ‎Cultures,
New York, London, Springer, 2012.

 Kocsis, Richard N., Criminal Profiling " Principles and Practice", Totowa, New
Jersey, Humana ‎Press, 2006.‎

 Krause, Andre, the crime threat analysis process-an assessment, submitted in


fulfillment of the ‎requirements for the degree Magister technologiae in the subject
POLICING at the University ‎of South Africa, November 2007.‎

 Levy, Janey, Careers in criminal profiling, New York, The Rosen Publishing Group,
2008.‎

 Maps and carography: Map projection, a tutorial created by the GIS research & map
collection, ‎Ball university libraries.‎

 Öhrn, Meit, Geographic profiling: a scientific tool or merely a guessing game?,


‎Malmö ‎University: Faculty of health and society, Department of Criminology, 2016.‎

 Paulsen, Derek J., Sean Bair and Dan Helms, Tactical crime analysis "research and
‎investigation", ‎Boca Raton, London, New York, CRC Press, 2009.‎

 Pieracci, Danielle Maria, The geography of crime: Examining the distribution of


break and enters ‎across Regina ‎neighborhoods using geographic information system
(GIS)‎, A Thesis Submitted ‎to the Department of Justice Studies In Partial Fulfillment
of the ‎Requirements For the Degree ‎of Master of Arts In Justice Studies University
of Regina, December 2015‎.

 ‎Prevatt, Julian S., crime prevention through environmental design (CPTED) and the
role ‎of ‎facilities planning in force protection, a final project presented to the graduate
school of ‎the ‎University of Florida in partial fulfillment of the requirements for the
degree of master ‎of arts ‎in urban and regional planning, University of florida, 1998.‎

 Pieracci, Danielle Maria, The Geography of crime: examining the distribution of


break ‎and ‎enters across Regina neighbourhoods using geographic information
system ‎(GIS), A Thesis ‎Submitted to the Department of Justice Studies In ‎Partial

(47(
‎Fulfillment of the Requirements For ‎the Degree of Master ‎of Arts In Justice ‎Studies
University of Regina, December 2015‎.‎

 Quick, Matthew, Exploring crime in Toronto, Ontario with applications for law
enforcement ‎planning: ‎Geographic analysis of hot spots and risk factors for
expressive and acquisitive ‎crimes, A thesis presented to the University of Waterloo
in fulfillment of the thesis ‎requirement ‎for the degree of Master of Environmental
Studies in Planning, 2013.‎

 Raisz, Erwin, General cartography, New York, Toronto and London, McGraw-Hill,
1948.‎

 Riesch, Hauke, Simple or Simplistic? Scientists' Views on Occam's razor, A Swedish


Journal of ‎Philosophy and Psychology, THEORIA 67, 2010‎.

 Rossmo, Kim and Sacha Rombouts, "Geographic profiling", in Environmental


Criminology and ‎Crime Analysis, Ed. Richard Wortley and Michael Townsley, New
York, Routledge, 2017.

 Rossmo, Kim, Geographic profiling, Boca Raton, London, new york, Washington
D.C.‎, CRC ‎Press LLC, 2000.

 Şimandan, Dragoş, New ways in Geography, Editura Universitatii de Vest, January


2005‎.‎

 Sorensen, Severin, John G. Hayes and Randy Atlas, "Understanding CPTED and
Situational ‎Crime Prevention", in ‎21st ‎Century Security and CPTED; ‎ Designing for
Critical Infrastructure ‎Protection and Crime Prevention, ed. Randall I. Atlas, Boca
Raton, London, New York, CRC ‎Press, 2008).

 Sumner, Ray, Geography basics, Volume 1, Pasadena, California, Hackensack,


New Jersey, ‎2004.‎

 Stenton, Anna E., crime analysis: an examination of crime prevention and reduction
strategies, ‎project submitted in partial fulfillment of the requirements for the degree
of master of art in ‎the school of criminology, Simon Fraser University, Summer
2009.

(48(
 Stefoff, Rebecca, Criminal profiling, New York, Marshall Cavendish Benchmark,
2011.‎

 Swatt, Marc L., Crime mapping, in"‎21st Century, criminology, a reference handbook",
ed. J. ‎Mitchell Miller and J. Mitchell Miller, London and Washington DC, SAGE
Publications Inc., ‎2009.

 Synnott, John, Why crime occurs where it does: A psycho-spatial analysis of crime
of criminal ‎geography, Thesis Submitted in Accordance with the Requirements of the
University of ‎Huddersfield ‎for the Degree of Doctor in Philosophy, June 2013.

 The dictionary of human geography, Ed. Derek Gregory, Ron Johnston, Geraldine
Pratt, ‎Michael, J. Watts and Sarah Whatmore, Blackwell Publishing, 5th Ed, 2009.‎

 The national academies press, on Support for Thinking Spatially: The incorporation
of ‎geographic information science across the K–12 curriculum, Washington, D.C.,
2006‎.

 Tomaszewski, Brian, Geographic Information Systems (GIS) for Disaster


Management,Boca ‎Raton, London, New York,‎CRC Press, Taylor & Francis Group, ,
2015.‎

 Tyner, Judith A., Principles of Map Design, New York, London, The Guilford Press,
2010.

 Walklate, Sandra, Understanding criminology, current theoretical debate, Open


University ‎press, 2007.‎

 Wiles, W. Anthony, Robert J. Haskell and Edward J. Pesce, Crime prevention


‎through ‎environmental design, CPTED program manual, " Planning and
Implementation ‎Manual‎‎", Arlington, Virginia, Westinghouse Electric Corporation,
volume 1, 1978.‎

(49(

You might also like