You are on page 1of 6

‫مقّد مة‪:‬‬

‫ُاختزل تعريف المسرح عند أرسطو في كتابه 'فن الشعر' في مفهومين أساسيين هما المحاكاة‬

‫والتطه ير‪ ،‬فالمحاك اة تع ني تك رار األْفع ال اإلنس انية وتقلي دها‪ .‬وال ي روم اإلنس ان من فع ل المحاك اة إال‬

‫الن افع والض رورّي من األفع ال اّل تي يس ميها أرس طو باألفع ال النبيل ة‪ .‬وأم ا التطه ير فيش ير إلى تخّلص‬

‫المتفرج من األهواء والميوالت الشريرة‪ .‬فالُم شاهد عندما يعتريه الخوف أو تحمله الش فقة إزاء مشهد‬

‫درامي يحاكي وقائع مرفوضة وغير مسموح بها في الحياة عموما‪ ،‬يتخّلص بذلك من شحنات العواط ف‬

‫العنيفة‪ ،‬ويرى أرسطو أن مشاعر الخوف والشفقة هي شكل من أشكال تطير النفس وتقويم السلوك‪.‬‬

‫ويقف شكسبير في الطرف المقابل منتدبا المسرح لتربّي ة الشعب فهو اّل ذي تنسب إليه عبارة‬

‫"أعط ني مس رحا أعطي ك ش عبا طيب األخالق" وه و م ا يع ني أن ه ذا الع الم اإلنجّل يزي يق ّد م من خالل‬

‫مس رحياته وتقنياته ا م ا ُيمّك ن الُم ش اهد من بن اء س ليم لذات ه وم ا يجع ل الجمه ور يس مّو فكري ا وس لوكيا‪.‬‬

‫وبذلك بات حضور المسرح يمثل وسيطا حيويا لإلرتقاء باإلنسان فردا وجماعة‪.‬‬

‫ه ذا م ا جع ل للمس رح مكان ة هام ة في حي اة اإلنس ان وعلى جمي ع المس تويات‪ ،‬إجتماعي ا وثقافي ا‬

‫وأخالقيا‪ .‬فهو بمثابة تجربة فرجوّي ة وجودّي ة تسعى إلى السمّو بالواقع اإلنساني في ش ّتى أبعاده القيمّي ة‬

‫اإلتيقّي ة والترفيهّي ة النفس ّية‪ .‬فال تقتصر العروض المسرحّية المقّد مة لمختلف الفئات والشرائح العمرية‬

‫على غاي ة اإلمت اع واإلبه ار فقط‪ ،‬ب ل هي م رآة كاش فة لقض ايا سوس يولوجية متنّو ع ة‪ ،‬وتق ّد م في طياته ا‬

‫فسيفس اء من نق د وحل ول‪ ،‬ومحاول ة ص قل شخص ّية اإلنس ان وتوس يع مدارك ه وغ رس جمل ة من القيم‬

‫وقواعد العيش الجماعي بين أفراد المجتّم ع الواحد‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ولن ا أن نتس اءل عن نص يب الّطف ل من ه ذا المس رح اّل ذي ي رتقي باإلنس ان تربي ة وتعليم ا‪ .‬وإ ذا‬

‫كان حضور الّطفل عند أرسطو يكاد يكون هامشيا طالما أنه يجعله في خانة غير العاقلين أو الضعفاء‬

‫اّل ذين ال يملك ون القدرة على تّم ي يز بين المس ائل‪ ،‬ف إن مجّل وب الحداث ة يس عف شكس بير أو على األص ح‬

‫من انتصر لمسرحه من تطويع النصوص األصلية واقتباسها في نصوص خاّص ة باألطفال‪.‬‬

‫فتجرب ة تق ديم أعم ال شكس بير ع ام ‪ 1918‬من خالل فرق ة بن غ ريت في م دارس لن دن كفيل ة‬

‫بإهتمام هذا األخير بهذه الشريحة العمرية‪ ،‬وبإثبات مدى نجاعة حضور الفعل المسرحي والدرامي في‬

‫المؤسس ات التربوّي ة‪ ،‬فق د س اهم ذل ك في جع ل األطف ال ينخرط ون في ه ذا الفع ل الثق افي الّترب وي مم ا‬

‫يجعل األجيال مترابطة والنسيج االجتّم اعي متّم اسكا‪.‬‬

‫وك ان من الض رورّي للمس رح أن يتعّم ق وأن يتج ّذ ر‪ ،‬فِلَم ال ي دخل المس رح القس م بع د أن دخ ل‬

‫إلى المدرسة‪ ،‬بمعنى أال يمكن للمسرح أن يتخطى عتبة التربوّي نحو التعليمي وبدل من أن يكتفي بدور‬

‫الرافد الثقافي لعملّية التعّلم‪ ،‬ينخرط فيها ويكون مسرحا تعليمّيا؟‬

‫وبه ذا يس اهم المس رح التعليمي في اإلرتق اء بالعملّي ة التعليمّي ة التعّلمّي ة من خالل م ا يقّد م ه من‬

‫خ دمات متعّلق ة بطريق ة ط رح الم واد المدرس ية في ق الب مس رحي وخ دمات أخ رى تربوّي ة تس عى إلى‬

‫تكوين شخصّية متوازنة وسوّية للمتعّلم‪.‬‬

‫وتتجّلى ه ذه المس اهمة ع بر حض ور مجموع ة من التقني ات المس رحية المختلف ة‪ ،‬كّلعب األدوار‬

‫واأللعاب الدرامية ومسرح العرائس‪ .‬وبالتوقف عند هذا النوع األخير لنا أن نقول إّن مسرح العرائس‬

‫عموما وعروس القّفاز على وجه الخصوص تحمل في طياتها ثنائّية اإلمتاع والتعّلم‪ ،‬وفي قالب ال يخل و‬

‫من الطرافة والتفّر د‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫إذ يع ّد حضور عروس القّف از كوسيط تربوّي في العملّي ة التعليمّي ة التعّلمّي ة ضربا من ضروب‬

‫التجدي د والتط ور في المقاب ل يمكن اعتباره ا ش كال من أش كال إحي اء للم وروث الثق افي داخ ل المدرس ة‬

‫وبه ذا نك ون أم ام جدلّي ة التجدي د والتقلي د‪ ،‬حيث تعت بر ع روس القّف از من قب ل الم وروث اإلجتم اعّي‬

‫لحض ورها وبأش كال مختلف ة داخ ل المؤسس ة االجتّم اعي ة‪ ،‬أي أنن ا أم ام عملي ة تط وير للمدرس ة الحديث ة‬

‫بتقنيات موغلة في القدم‪.‬‬

‫مما يجعلنا نطرح اإلشكاليات التالية‪:‬‬

‫هل يمكن اعتبار عروس القّفاز كوسيط تربوّي في العملية التربوّية؟ وإ ذا سلمنا بذلك فماهي‬

‫ُم شّر عات حضورها في القسم؟ أال يمكن اعتبارها وسيلة تعليمّية تهدف إلى تبسيط المادة المقّد مة فقط أم‬

‫أنها وسيط يهدف إلكساب المتعّلم جملة من المعارف والمهارات؟‬

‫وقد كان طرح هذه اإلشكاليات نتيجة لحضور ع ّد ة دوافع مختلفة ذاتّي ة وموضوعّية‪ .‬فيتّم ثل‬

‫اختيارن ا له ذا الموض وع كترجم ة لحّبن ا لع الم الع رائس‪ ،‬وك ان ه ذا الحب جّلّي ا في ع ّد ة مظ اهر منه ا‬

‫إنخراطنا في نوادي المسرح الموّج ه لألطفال في المدرسة وفي دور الثقافة‪.‬‬

‫وأيضا سعينا المستّم ر لحضور دورات تكوينّية في هذا المجال‪ .‬كما كان للسلسة التربوّي ة 'افتح‬

‫ي ا سمس م' ت أثير كبير لم ا تحتوي ه من تن ّو ع في الع رائس المس تعملة فيه ا كشخص ّية 'نعم ان' وشخص ّيات‬

‫الطائر وخاصة شخصّية عروس القّفاز 'بدر'‪.‬‬

‫ومازاد تحفيزنا لخوض غمار هذا الموضوع وتركيزنا على هذا الوسيط دون غيره هو التك وين‬

‫اّلذي تلقيناه في السنة الفارطة في مادة المسرحة‪ ،‬وما تطرقنا إليه من وسائل وتقنيات مسرحية أكسبتنا‬

‫جملة من المهارات‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫وبالوقوف عند الدوافع الموضوعّية‪ ،‬فقد تّم ثلت في ضرورة االنتقال بالمسرح من مجّر د نشاط‬

‫ثقافي موازي إلى نشاط تربوّي تعّليمّي يفسح المجال لالرتقاء بالمتعّلمين وبأذواقهم وادراكاتهم‪ ،‬وذلك‬

‫في إط ار رب ط العمّلي ة التعليمّي ة التعّلمّي ة ع بر س ياق تواص لي تنش يطي ع ام وتعليمي ترب وّي على وج ه‬

‫الخصوص‪ .‬وغاية للخروج من الرتابة في خضم العمّلية التعليمّي ة التعّلمّي ة والسعي للتخفيف من وطأة‬

‫العالقة العمودية بين المرّبي والمتعّلم‪ .‬أيضا الحاجة إلى إدخال التجديد على القسم باعتباره فض اء للتعّلم‬

‫عبر إضافة عناصر مسرحية مختلفة كعروس القّفاز واألزياء المسرحية‪ ،‬واألقنعة‪ ...‬وذلك بغية البحث‬

‫عن ديناميكّية تربوّية وبيداغوجّي ة تدعم فرص نجاح المتعّلم معرفّيا وتربويا وسلوكيا ونفسيا وجدانيا‪.‬‬

‫وعلى ضوء ما سبق ُتطرح ثالث فرضيات رئيسّية‪:‬‬

‫عروس القّف از وسيلة تعليمّي ة توّظ ف في تبسيط المعارف والكشف عن بعض الص عوبات لدى‬ ‫‪.1‬‬

‫المتعّلمين (الخجّل ‪ ،‬عدم الثقة في النفس‪.)...‬‬

‫تعمل عروس القّفاز على إكساب المتعّلمين بعض المهارات‪.‬‬ ‫‪.2‬‬

‫تكشف عروس القّفاز عن بعض اإلبداعات والمواهب في صفوف المتعّلمين‪.‬‬ ‫‪.3‬‬

‫واعتّم دنا في بحثنا على ثالث دراسات‪:‬‬

‫الدراسة األولى للدكتور أحمد كنعان بعنوان‪ :‬أثر المسرح في تنمية شخصّية الّطفل في سوريا‪.2011‬‬

‫تهدف هذه الدراسة للكشف عن األثر الذي يتركه المسرح بمختلف أنواعه العرائسي‪ ،‬النثري‬

‫وغيرها في شخص ّية الّطفل قصد تنميتها في مختلف الجوانب‪ .‬وفي هذا اإلطار اعتّم د الباحث المنهج‬

‫الوص في التحليلي إلبراز أهمّي ة المس رح في نحت القيم وترس يخها في ذات الّطفل س واء على المس توى‬

‫االجتماعي‪ ،‬األخالقي‪ ،‬النفسي‪ ...‬مسّلطا الضوء على دور اللعب الدرامي كبيئة تربوّية عالجية وقد أكد‬

‫الباحث على أهمّية هذا اللعب في تنمية المهارات والقيم والمبادئ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫الدراس‪-‬ة الثاني‪-‬ة لمحم‪-‬د نبي‪-‬ل أباظ‪-‬ة بعن‪-‬وان‪ :‬األنش‪-‬طة الترويحي‪-‬ة باس‪-‬تخدام الع‪-‬رائس القّفازي‪-‬ة إلكس‪-‬اب‬

‫الس ‪--‬لوكيات الوقائي ‪--‬ة في ظ ‪--‬ل جائح ‪--‬ة كورون ‪--‬ا لتالمي ‪--‬ذ الحلق ‪--‬ة األولى من التعليم األساس ‪--‬ي في مص ‪--‬ر‬

‫ديسمبر‪.2021‬‬

‫ت رمي ه ذه الدراس ة إلى االهتّم ام بالج انب الس لوكي الوق ائي للمتعّلم ودور ع روس القّف از في‬

‫إكس اب الّطفل الس لوكيات (الص حية الوقائي ة‪ .)...‬وأعتّم د الب احث المنهج التجري بي وذلك لتّم رير بعض‬

‫الس لوكات وترس يخها في ق الب ترفيهي‪ .‬وتّم تكرار هذا النش اط على م دار ع ّد ة أس ابيع معتمدا في ذلك‬

‫جمل ة من األس س كمالءم ة النش اط لخص ائص الّطف ل وتحدي د ه دف ووقت زم ني مح دد لك ّل نش اط‪.‬‬

‫فتوصل إلى األثر اّل تي تتركها األنشطة بتوظيف عرائس القّف از في إقبال التالميذ على تغيير جملة من‬

‫السلوكات غير السليمة تدريجّيا‪.‬‬

‫الدراس‪--‬ة الثالث‪--‬ة لل‪--‬دكتورة ران‪--‬د حلمي الس‪--‬عيد بعن‪--‬وان‪ :‬فن األراج‪--‬وز بين المتع‪--‬ة واإلقن‪--‬اع في مس‪--‬رح‬

‫الّطفل دراسة تطبيقية في مصر في جانفي ‪.2022‬‬

‫ته دف ه ذه الدراس ة إلى كش ف دور ع روس القّف از في تحقي ق المتع ة واإلقن اع عن د الّطف ل‬

‫باعتباره ا األنس ب لخصائص ه النمائي ة وك ذلك تكش ف على أهّم ّي ة تك وين المعّلم ات في ط رق ص ناعتها‬

‫وتقني ات تحريكه ا‪ .‬واعتم د في ه ذا البحث المنهج الوص في التحليلي إلب راز أهميته ا في مرحل ة الطفول ة‬

‫حيث تعم ل على غ رس القيم اإليجابي ة في س لوك الّطف ل إض افة إلى تط وير قدرات ه الحركّي ة م ع تنمي ة‬

‫ملكة الخيال عنده‪ .‬كما ركزت على مفهوم المحافظة للهوية الثقافية لدى الناشئة‪.‬‬

‫وهكذا تشابهت هذه الدراسات مع موضوع بحثنا في أهمّي ة دور عروس القّف از في حياة الّطفل‬

‫وم ا تس هم ب ه في ترس يخ بعض الس لوكات والقيم‪ .‬لكنن ا في ه ذا البحث سنس ّلط الض وء على دوره ا‬

‫كوسيلة تعليمّية في العملية التعليمّية التعّلمّية وما تحمله من انعكاسات على شخصّية المتعّلم‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫لذلك سنعتمد المنهج الوصفي التحليلي في القسم اّلنظرّي وهو عبارة عن وصف دقيق‬

‫للظ اهرة الم راد دراس تها وتحلي ل مختل ف المعلوم ات اّل تي تّم تق ديمها‪ .‬وإلض فاء روح المص داقية له ذا‬

‫البحث سنقوم بتدعيمه بمنهج تجريبي ضمن القسم التطبيقي ليتّم فيه التأكد من الفرضيات المقّد مة عبر‬

‫تحليل النتائج اّلتي تّم التوصل إليها‪.‬‬

‫وعلى ضوء هذا سيشمل البحث قسما نظرّيا يتك ّو ن من فصلين‪ :‬الفصل األول تحت عنوان‬

‫"عروس القّفاز في المدرسة ومشّر عات حضورها"‪ .‬وسنتطرق في المبحث األول إلى عروس القّف از في‬

‫أصولها وماهّيتها‪ .‬والمبحث الثاني سنتناول ُم ش ّر عات حضورها في المدرسة‪ .‬أما الفصل الثاني تحت‬

‫عن وان "ع روس القّف از بين الج انب التعليمّي والج انب المه اراتي" وينض وي ض منه المبحث األول اّل ذي‬

‫س يكون تحت عن وان "ع روس القّف از وس يط تعليمي" والمبحث الث اني اّل ذي س نتطرق في ه إلى دور ه ذا‬

‫الوسيط في تعزيز المهارات الحياتّية‪.‬‬

‫وكذلك القسم التطبيقّي اّلذي يتكّو ن من فصل أول لتحليل المقابالت وسنتطرق إلى أهم‬

‫االستنتاجات فيه‪ .‬وفصل ثان‪ ،‬في مستواه األول سنقوم بتحليل ورشة صنع عروس القّفاز وفي المستوى‬

‫الثاني سيتّم تقديم درسين في مادة التواصل الشفوّي ‪ .‬فيكون الدرس األول دون استعمال عروس القّف از‬

‫وال درس الث اني بتوظيفه ا ومن ثّم مقارنته ا وع رض أهم النت ائج المتّو ص ل إليه ا‪ .‬أم ا الفص ل الث الث‬

‫سيتّم حور حول مناقشة فرضيات البحث وتقديم االستنتاجات‪.‬‬

‫وأثن اء إجرائن ا له ذا البحث تعرض نا لجمل ة من الص‪--‬عوبات منه ا قّل ة المراج ع ون درتها المتعّلق ة‬

‫بعروس القّفاز‪ .‬وكذلك واجهنا صعوبة في تنظيم ورشة صنعها لكن كّل هذا لم يشكّل لنا عائقا في إتمام‬

‫بحثنا بل هذا لم يزدنا إاّل إصرارا لمواصلة سير البحث والتشبث بهدفنا‪.‬‬

‫‪6‬‬

You might also like