You are on page 1of 5

‫محاضرات مادة النقد األدبي القديم‬

‫جدع مشترك سنة أولى ليسانس ‪ /‬أ‪.‬د‪ .‬ف‪ .‬العزوني‬

‫المحاضرة السابعة ‪ -‬مفهوم الشعر في النقد العربي القديم ‪:‬‬

‫مقدمة ‪:‬‬

‫إن من أبرز وظائف الشعر العربي هو الدفاع عن القبيلة‪ ،‬بإظهار محاسنها وهجاء‬
‫أعدائها‪ ،‬والدافع عن سياستها‪ ، .‬فالشاعر هو الحامي ل ِعرض قبيلته‪ ، ،‬والمشارك في‬
‫المعارك راميا ً العدو بسهام شعريّة لها قوة خارقة‪ ،‬يتغ ّنى بأمجادها‪ ،‬وأيّامها‪ ،‬ويحمي شرف‬
‫صورة المثاليّة للقبيلة‪ .‬ولما جاء اإلسالم انطفأت نار‬
‫الدم والعرق‪ ،‬فهو مرآة تنعكس عليها ال ّ‬
‫العصبيّة القبليّة‪ ،‬فانتقلت من حماية القبيلة إلى حماية الدين‪ ،‬فاستخدم الشاعر مواهبه لحماية‬
‫دينه ومبادئه‪.‬‬

‫أحس النقاد العرب بالقيمة المعرفية للشعر العربي منذ وقت مبكر جداً‪ ،‬فنجد ّ‬
‫أن‬ ‫ّ‬ ‫وقد‬
‫عمر بن الخطاب رضي هللاا عنه جعل ال ّ‬
‫شعر أص ّح علم َع َرفته العرب‪ ،‬يقول‪( :‬كان الشعر‬
‫علم قوم لم يكن لهم علم أصح منه)‪ .‬وقد حرصت العرب على حفظ أشعارها لتأخذ العبرة‬
‫منها‪ ،‬وتُوثّق العالقة بين حاضرها وماضيها‪.‬‬

‫صرح أبو زيد القرشي( ت‪170:‬ه) في مقدمة " جمهرة أشعار العرب " ّ‬
‫أن‬ ‫ّ‬ ‫‪ .‬فقد‬
‫من وظائف الشعر العربي اتّخاذ بعض الشواهد منه على معاني القرآن والحديث‪ .‬وعليه‪،‬‬
‫ّ‬
‫فإن الشعر شاهد وذريعة إلى فهم الدين والسّنة‪ .‬ولذا جعل علماء علوم القرآن والتفسير‬
‫معرفة الشعر الجاهلي شرطا ً أساسيّا ً من شروط ال ُمفسّر والمفتي‪ .‬قال اإلمام الشافعي‪" :‬ال‬
‫يح ّل ألحد أن يفتي في دين هللاا إال رجالً عارفا ً بكتاب هللاا‪ ،‬بناسخه ومنسوخه‪ ،‬وبمحكمه‬
‫ومتشابهه‪...‬ثم يكون بعد ذلك بصيراً بحديث رسول هللاا صلى هللاا عليه وسلم‪ ...‬ويكون‬
‫بصيراً باللغة وبصيرا ً بالشعر ما يحتاج إليه للسنة والقرآن ويستعمل هذا مع اإلنصاف "‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬مفهوم الشعر لدى قدامة بن جعفر من خالل كتابه "نقد الشعر"‪:‬‬
‫تصور معياري للشعر ‪ ،‬لمعرفة جيد الشعر من رديئه‪ ،‬ومن‬
‫ُّ‬ ‫اجتهد قدامة في ضبط‬
‫سا تمييزيًّا قائال ‪:‬‬
‫ليعرف الشعر وليجعل له مقيا ً‬
‫هنا يَنطلق لتأسيس نظريته النقديَّة؛ ِ ّ‬
‫"إنه قو ٌل موزو ٌن مقفًّى يد ُّل على معنى"‪.‬‬
‫فقولُنا‪( :‬قول) دا ٌّل على أصل الكالم الذي هو بمنزلة الجنس لل ِ ّ‬
‫شعر‪.‬‬
‫ٌ‬
‫موزون وغير موزون‬ ‫فصله مما ليس بموزون؛ إذ كان من القول‬
‫وقولنا‪( :‬موزون) َي ِ‬
‫قوافي له وال‬
‫َ‬ ‫وقولنا‪( :‬مقفًّى) فص ٌل بينَ ما له من الكالم الموزون قوافٍ ‪ ،‬وبين ما ال‬
‫َمقاطع‪.‬‬
‫ووزن‪ ،‬مع دالل ٍة على‬
‫ٍ‬ ‫وقولنا‪( :‬يدل على معنى) يَفصل ما جرى من القول على قافية‬
‫معنًى مما جرى على ذلك من غير داللة على معنى؛ فإنه لو أراد مريدٌ أن يَعمل من‬
‫ذلك شيئًا على هذه الجهة ألم َكنه وما تعذَّر عليه"[‪.]4‬‬
‫يحتكم قدامة إلى مستويين في تعريفه للشعر ‪ :‬المستوى األول ‪ :‬المكونات الشكلية‬
‫للشعر ‪ .‬والمستوى الثاني ‪ :‬المعنى‪.‬‬

‫يتكون الشعر عند قُدامة من العناصر التالية ‪ :‬اللفظ والوزن‪ ،‬والقافية والمعنى‪ .‬وهو‬
‫طرفان؛ َّ‬
‫الط َرف األقصى هو‬ ‫يرى أن الشعر ‪ -‬شأنه شأن أي صناعة أخرى ‪ -‬يعتوره َ‬
‫الطرفين تأتي حا ُل التوسط بين الجودة‬
‫َ‬ ‫الرداءة‪ ،‬وبين هذين‬
‫والطرف األدنى هو َّ‬
‫َ‬ ‫الجودة‪،‬‬
‫والرداءة ‪.‬‬

‫‪ -‬معايير الجودة في الشعر لدى قدامة ‪:‬‬

‫متعلّق بالمعنى‪.‬‬
‫وآخر ِ‬
‫ُ‬ ‫سين‪ ،‬منه نوعٌ متعلق بالشكل‪،‬‬
‫و يمكن تقسي ُمها إلى نوعين رئي َ‬

‫أ‪ -‬عناصر الجودة الشكلية‪:‬‬


‫‪ -‬اللفظ‪ :‬ويَشترط في جودة اللفظ الفَصاحة والسماحةَ و ُخ َّلوه من البشاعة؛ كقول‬
‫الشاعر‪:‬‬

‫باألركان َمن هو ماس ُح‬


‫ِ‬ ‫ومسَّح‬ ‫ضينا من ِمنًى ك َّل حاجة‬
‫ول َّما ق َ‬

‫‪2‬‬
‫ولم يَن ُ‬
‫ظ ِر الغادي الذي هو رائ ُح‬ ‫ُهم ال َمهارى ِرحالُنا‬ ‫و ُ‬
‫شدَّت على د ِ‬

‫ي ِ األباط ُح‬ ‫وسالَت بأعنا ِ‬


‫ق ال َم ِط ّ‬ ‫ث بينَنا‬
‫بأطراف األحادي ِ‬
‫ِ‬ ‫أ َخ ْذنا‬

‫‪ -‬الوزن‪:‬‬

‫تصيير‬
‫َ‬ ‫واشتَرط فيه أن يكون سهل العروض‪ ،‬وج َعل من نعوت الوزن‪ :‬الترصيع‪1‬؛ أي‪:‬‬
‫مقاطع األجزاء في البيت على السَّجع‪ ،‬أو شبي ٍه به‪ ،‬أو من جنس واح ٍد في التصريف‪.‬‬
‫ِ‬

‫‪ -‬القوافي‪ :‬ويشترط فيها أن تكون َعذبةَ الحرف س ِلسةَ ال َم َ‬


‫خرج‪ ،‬وكذلك جعل من‬
‫نُعوتها التَّصريع وهو إلحاق العَروض بالضَّرب وزنًا وتَقفية‪.‬‬

‫امرأَ القيس ُ‬
‫أكثر َمن يستعمل ذلك‪ ،‬فمنه قولُه‪:‬‬ ‫أن َ‬‫ويَرى قدامةُ َّ‬

‫ب ِس ْق ِط اللَّوى بين ال َّدخو ِل ف َحو َم ِل‬ ‫ب و َمنز ِل‬


‫َبك ِمن ذِكرى حبي ٍ‬
‫قِفا ن ِ‬

‫وبعده بأبيا ٍ‬
‫ت قال‪:‬‬

‫بح وما اإلصبا ُح ِمنك بأمثَ ِل‬


‫ص ٍ‬‫ب ُ‬ ‫أال أيُّها الليل الطوي ُل أال ان َجلي‬

‫ب‪ -‬عناصر جودة المعنى‪:‬‬

‫ب مالئم ٍة للمقام ‪ ،‬مع تجنب‬


‫‪ -‬ص َّحة المعنى‪ :‬المراد بالص َّحة‪ :‬وض ُع كلمات في قوا ِل َ‬
‫اإلغراق المفضي إلى التَّشويش على المتل ِقّي‪ ،‬وعدم تم ُّكن المعنى من ذهنه‪.‬‬

‫واختيار األلفاظ التي تُالئم الغرض‬


‫َ‬ ‫الغرض للمعنى‪،‬‬‫الغرضي‪ :‬ويَعني به مطابقة َ‬ ‫‪ -‬التناسب َ‬
‫الذي يقول فيه‪ ،‬وتتَّسم باالبتكار‪ ،‬والس ِ‬
‫َّبك الجيِّد‪.‬‬

‫‪ -‬تعريف الشعر عند ابن طباطبا ‪:‬‬

‫‪-‬‬ ‫األول الذي يُس َّمى الصدر في البيت‬


‫التصريع اصطال ًحا وهو أن يأتي الجزء األخير من الشطر ّ‬
‫الشعري متَّف ًقا مع الجزء األخير من الشطر الثاني الذي يس َّمى العجز في الوزن والقافية‬
‫واإلعراب‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪-‬‬

‫‪3‬‬
‫يعرف ابن طباطبا الشعر في كتابه عيار الشعر بقوله‪ " :‬الشعر‪ ..‬كالم منظوم بائن‬
‫عن المنثور الذي يستعمله الناس في مخاطباتهم"‪ .‬ويوضح أدوات الشعر التي يجب على‬
‫الشاعر التحلي بها‪ ،‬ومنها ‪ :‬التوسع في علم اللغة ‪ ،‬والبراعة في فهم اإلعراب ‪ ،‬والرواية‬
‫لفنون اآلداب ‪ ،‬والمعرفة بأيام الناس وأنسابهم‪ ،‬ومناقبهم ومثالبهم‪ ،‬والوقوف على مذاهب‬
‫العرب في تأسيس الشعر‪....‬‬

‫‪ -‬تعريف الشعر لدى ابن قتيبة ‪:‬‬

‫يقول ابن قتيبة في كتابه ‪" :‬الشعر والشعراء" ‪" :‬تدبرت الشعر فوجدته أربعة أضرب‪:‬‬
‫ضرب منه حسن لفظه وجاد معناه‪ ،‬وضرب منه حسن لفظه وحال فإذا فتشته لم تجد هناك‬
‫طائالً ‪ ،‬وضرب منه جاد معناه وقصرت ألفاظه عنه‪ ،‬وضرب منه تأخر معناه وتأخر‬
‫لفظه"‪.‬‬

‫س َن لفظُه و جاد معناه‪ :‬وهذا النوع يميل إلى األلفاظ البسيطة المفهومة‬
‫ب َح ُ‬ ‫‪َ -‬‬
‫ض ْر ٌ‬
‫والتي تتقارب مخر ًجا ونطقًا‪ ،‬أما فيما يتعلق بالمعنى الجيد فهو ما كان في مديح أو‬
‫ِرثاء أو زهد أو حكمة‪.‬‬
‫‪ -‬مثل قول أوس بن حجر‪:‬‬

‫إن الذي تَ ْحذرين قد وقعَا‬ ‫النفس أ َ ْج ِملي جزَ َعا‬


‫ُ‬ ‫أيَّتها‬

‫‪ -‬ضرب من حسن لفظه وحال فإذا فتشته لم تجد هناك طائالً‪ :‬أي لم تجد فائدة في‬
‫المعنى‪ .‬فابن قُتَيْبةَ يبحث في أغراض الشعر عن الفائدة الفكرية‪ ،‬أو حكم ٍة أو معنًى‬
‫والوصف البدي َع من نِطاق الشعر الجيد‪ ،‬فهو‬
‫َ‬ ‫يٍ‪ ،‬لذلك نراه يُخرج الغزل الرقيقَ‬
‫أخالق ّ‬
‫التهميش‪،‬‬
‫َ‬ ‫رفض ُمعلَّل بخلو الفائدة‪ ،‬وكم من قصائ َد جميل ٍة كان مآلها عند ابن قُتَيْبةَ‬
‫ٌ‬
‫طالما لم تَ ُر ْق إلى ذوقه الفني‪ ،‬ومن أمثلة ذلك قول جرير‪:‬‬

‫طرفِها َح َـور *** قتَ ْـلنَنَا ثـم لـم يحيينَ قتالنا‬


‫إن العيون التي في َ‬
‫‪4‬‬
‫ق هللااِ أركانا‬
‫أضعف خل ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫وهن‬ ‫صرعْنَ ذا اللُّبّ ِ حتى ال حراك *** له‬
‫يَ َ‬

‫ب تُ َ‬
‫طر ُح إشكالية التعبير‬ ‫‪ -‬ضرب منه جاد معناه وقصرت ألفاظه عنه‪ :‬في هذا الض َّْر ِ‬
‫الفني‪ ،‬فقد نقرأ قصيدة ً ما فنحس بأن هناك شيئًا مفقودًا داخ َل نسيجها العام‪ .‬وكأنها‬
‫لم تكتمل لغويا على الرغم من اكتمال معناها‪.‬‬
‫كقول الشاعر لبيد ‪:‬‬
‫الجليس الصال ُح‬
‫ُ‬ ‫والمر ُء يُصلحهُ‬ ‫الكريم كنفس ِه‬
‫َ‬ ‫عاتب المر َء‬
‫َ‬ ‫ما‬

‫ب يراه ابن قتيبة في منزل ٍة أق َّل؛‬


‫‪ -‬ضرب من تأخر معناه وتأخر لفظه‪ :‬وهذا الض َّْر ُ‬
‫حيث ال وجود للفظ الجميل وال المعنى المبتكر‪ ،‬الحامل للفائدة‪.‬‬
‫‪ -‬مفهوم الشعر لدى ابن رشيق القيرواني من خالل كتابه " العمدة في محاسن‬
‫الشعر وآدابه ‪ " :‬الشعر يقوم بعد النية من أربعة أشياء‪ ،‬وهي‪ :‬اللفظ‪ ،‬والوزن‪،‬‬
‫والمعنى‪ ،‬والقافية‪ ،‬فهذا هو حد الشعر؛ ألن من الكالم موزونا ً مقفى وليس بشعر؛‬
‫لعدم القصد والنية‪".‬‬

‫ومن أقوال هؤالء النقاد نستخلص أن هناك تفاوتا ً بين آراء النقاد في قضية مفهوم الشعر‪،‬‬
‫ولكن اتفقوا في بعض العناصر‪ ،‬مثل‪ :‬اللفظ والمعنى‪ ،‬الوزن والقافية‪ ،‬الجودة بين حسن‬
‫الشعر ورديئه‪.‬‬

‫‪5‬‬

You might also like