Professional Documents
Culture Documents
علم الفاضي
علم الفاضي
اتفق الفقهاء على أن القاضي ،يقضي بعلمه في التعديل والتجريح ،فإذا علم حال الشهود
عدالة أو فسادًا ،فيقبل شهادة العدل ،ويرد شهادة المجروح ،إال إذا بين المجرح شيئًا جديدًا لم
يطلع عليه القاضي ،فيقدم الجرح بالبينة ،وخالف في ذلك الحنابلة في رواية عندهم ،خشية
.التهمة عليه
يقضي القاضي بعلمه ،فيما يحدث في مجلس القضاء أثناء النظر في الدعوى ،وله حق تأديب
.من يسيء إلى هيبة القضاء ،أثناء المحاكمة ،وللقاضي سلطة تقديرية محددة في ذلك
ً
حسبة ،كأن يسمع القاضي الطالق البائن من الزوج، يقضي القاضي بعلمه في حق هللا تعالى
تمس النظام
ُّ المط َلق بناء على علمه؛ ألنَّ الطالق مِ ن القضايا التي
فالقاضي يح ِّرك الدعوى ضد ُ
.الشرعي العام
يقضي القاضي بعلمه عند وزن البينات والتَّرجيح بينها ،وهذه السلطة التقديرية مقيدة؛ ألن
القاضي يجب عليه أن يعلل ويبين السبب في م حضر جلسات المحاكمة ،وهذا من أجل دفع
.التهمة عن القاضي ،وتحقي ًقا للعدالة والنَّزاهة في القضاء
اختلف الفقهاء في قضاء القاضي بعلمه في المدعى به ،سواء علمه قبل تولية القضاء ،أو بعده،
.قبل الشروع في المحاكمة ،أو بعد الشروع وفي جميع القضايا الشخصية أو المدنية أو الجزائية
االختالف في مدى تطبيق قاعدة الذرائع؛ ألن العلماء وكما يقول الشاطبي :اتفقوا في الجملة على
العمل بقاعدة الذرائع لكنهم اختلفوا في مدى تطبيقها\ ،فمن رأى أن مناط قاعدة الذرائع
متحقق في قضاء القاضي بعلمه ،ذهب إلى عدم الجواز حتى ال يتخذ بعض قضاة السوء ذلك
طري ًقا للظلم والكيد من الخصوم واالنتقام منهم ،ولهذا ال يقضي القاضي بعلمه ً
منعا من
.الوصول إلى مثل هذا المآل المح َّرم
عموما في
ً التأثر بالبيئة ،ولهذا أفتى المتأخِّرون بعدم العمل بعلم القاضي؛ لفساد أحوال القضاة
زماننا
عن أم سلمة رضي هللا عنها أنَّ رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال(( :إنكم تختصمون إل َّ
ي،
ُ
قضيت له بحق أخيه شيئًا بقوله ،فإنما أقطع له فمن
ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعضَ ،
ً
قطعة من النار))
ورد في قصة المتالعنَين أن رجال ً قال البن عباس في المجلس :هي التي قال النبي صلى هللا
رجمت هذه؟)) فقال :ال ،تلك امرأة ،كانت تُظهر في
ُ عليه وسلم(( :لو رجمت أحدًا بغير بينة،
اإلسالم السوء
عن عائشة رضي هللا عنهما أن النبي صلى هللا عليه وسلم بعث أبا جهم ابن حذيفة مصد ًِّقا
ل في صدقته ،فضربه أبو جهم فشجه ،فأتوا النبي صلى هللا عليه وسلم فقالوا :القود َفال َّ
جه رج ٌ
يا رسول هللا ،فقال(( :لكم كذا وكذا)) ،فلم يرضوا ،فقال(( :لكم كذا وكذا)) ،فلم يرضوا ،فقال:
((لكم كذا وكذا)) ،فرضوا ،فقال صلى هللا عليه وسلم(( :إني خاطب العشية على الناس
ُ
فعرضت ومخبرهم برضاكم)) ،فقالوا :نعم ،فخطب ،فقال :إن هؤالء الذين أتوني يريدون القود، ُ
فهم المهاجرون بهم ،فأمرهم رسول هللا صلى هللا َّ عليهم كذا وكذا فرضوا ،أ َ َف َر ِ
ضيت ُْم؟ قالوا :ال،
.عليه وسلم أن يك ُّفوا عنهم ،فكفوا ،ثم دعاهم فزادهم
القضاء بعلم القاضي يجعل القاضي في موضع التهمة ،ويثير الشبهة في قضائه ،ويفتح الباب
لقضاة السوء إلى إنزا ل األحكام الجائرة بأعدائهم وخصومهم ،وحتى ال يتخذ قضاة السوء ذلك
مطية للظلم؛ لذا ال يجوز أن يقضي القاضي بعلمه؛ ألنه يؤدي إلى مآل محظور وهو الظلم ،عمال ً
بقاعدة الذارئع ،والتي تقضي بمنع الوسائل المباحة ،إذا أدت إلى مآل محظور؛ ألن النظر في
شرعا ،كما ق َّرر ذلك اإلمام الشاطبي -رحمه هللا
ً .مآالت األفعال معتبر مقصود
المجيزون؛ يرى بعض الفقهاء أن القضاء بعلم القاضي جائز مطل ًقا ،ويُ َ
نسب هذا الرأي إلى
الشافعية في المشهور عندهم ،واإلمام أحمد في رواية عنه ،وابن حزم ،والصاح َبين من الحنفية
عن سعيد بن األطول أنَّ أخاه مات وترك ثالثمائة درهم ،وترك عياال ً ،قال :فأردت أن أنفق على
فاقض عنه)) ،قلت :يا
ِ عياله فقال لي النبي صلى هللا عليه وسلم(( :إن أخاك محبوس بدينه،
رسول هللا ،قد قضيت عنه إال دينا َرين ادَّعتْهما امرأة ،وليست لها بينة ،قال :أعطها فإنها
مح َّقةٌ)) ،وفي ٍ
لفظ :صادقة
((من رأى منكم منك ًرا ،فل ُيغ ِّيره بيده ،فإن لم يستطع فبلسانه ،فإن
قال صلى هللا عليه وسلمَ :
لم يستطع فبقلبه))
أن عدم القول بقضاء القاضي بعلمه ،يؤدي إلى أحد أمرين؛ وهما :تعطيل األحكام أو فسق
منعا لهذا المآل المح َّرم
شرعا؛ فثبت القول بقضاء القاضي بعلمه؛ ً
ً .الحكام ،وكالهما ال يجوز
األدلة األخرى أدلة صحيحة وقوية في داللتها على منع القاضي من القضاء بعلمه ،وخاصة
تصح شهادة الوالد لولده ،والزوج لزوجه،
ُّ المعقول منها؛ ألن القضاء تؤثر فيه التهمة؛ ولهذا ال
والعدو على عدوه؛ للتُّهمة ،والتهمة متح ِّققة في قضاء القاضي بعلمه خاصة في زماننا لفساد
القضاة
االستدالل بقوله صلى هللا عليه وسلم(( :من رأى منكم منك ًرا)) غير صحيح؛ ألن الحديث يوجب
المنكَر ،دون أن تتط َّرق التهمة في تغييره ،والتهمة متح ِّققة في قضاء القاضي بعلمه ،وله
تغيير ُ
.أن يكون شاهدً ا لدى حاكم آخر ،ينظر الدعوى ،وبهذا يغ ِّير المنكر ،ويدفع التُّهمة عن نفسه
وأما األدلة األخرى ،فإنها جميعها يتط َّرق إليها االحتمال ،ومن ذلك عدم ُّ
توفر أركان الدعوى فيها،
ولذا تكون من باب الفتيا وليس من باب القضاء ،وقد تكون من باب خصوصيات الرسول صلى
.هللا عليه وسلم؛ ألن التهمة ُمنتفية في حق الرسول صلى هللا عليه وسلم