Professional Documents
Culture Documents
الفن يقوي الطبيعة الانثوية للمراة البدوية
الفن يقوي الطبيعة الانثوية للمراة البدوية
نظر
تاريخ المقال:
تاريخ تسليم المقال الكامل للمجلة 25 :أغسطس 2023 ▪
تاريخ موافقة هيئة التحرير على النشر 28 :أغسطس 2023 ▪
هذه النظرة التقليدية للمرأة التي تعتبرها ذات "طبيعة نباتية" على أساس حبها لالستقرار مقارنة بطبيعة المقدمة:
"الرجل" التى تتميزبالحركة والرغبة فى التنقل والترحال ،هى أساس التناقض.
أما "المرأة البدوية " فال تخضع لهذا "النسق التقليدي" ،ألنها تظهر صالبة ،وهي تعمل بجد ومثابرة.
فمنذ لحظة استيقاظها تتوجه برشاقة لتصعد الجبال ،وفى التقاط الحطب الالزم إلشعال النار طوال
النهار .والمرأة البدوية هي المسئولة عن حمل األطفال ،وتجهيزالمأكل واستحضارالماء من آبار بعيدة،
كما تقوم بأعمال الغزل والعجن .وغالباً تعمل قسوة الحياة في الصحراء على توحيد العائلة ،وتستلزم
تماسكها ،حتى تستطيع البقاء على قيد الحياة .وتتحمل المرأة البدوية الشابة الكثير من األعباء ،فهي
قوية ،تعمل في البيت وتنجز كل ما يلزم حياة القبيلة ،بل تساهم حتى فى القيام بأعمال النسيج والحرف
الفنية ،تباشرها على أساس اجتماعى ألن "تقاليد الحرفة المهنية ليست تقاليد فردية ،بل هى تقاليد
جمعية .وأن خبرة جميع أعضاء الجماعة وحكمتهم يتم بلورتها فى شكل موحد )1(".وتمارس المرأة البدوية
"مشغوالتها الفنية" من نسيج وتطريزللمالبس والمفروشات .فتشعرأثناء ممارسة الفن بساعات من المتعة
يتخللها لحظات تفكير ،وأخرى تستغرقها في التحدث أو الصمت ،كأجزاء من السياق االجتماعي الواسع.
محسن محمد عطية 1 بحوث في التربية الفنية والفنون ،المجلد ( ،)23العدد© 3 :
كلية التربية الفنية ،جامعة حلوان
"القوة األنثوية" وللتخلص من "أزمة الهوية" ومقاومة الهيمنة أى أن األسرة البدوية تقبل استبدال نقاط التمركز ،وال تتقيد
الثقافية ،واكتساب فرصة من خالل الفن ،لتمثيل تجربة "الثقافة" بالحدود الضيقة التي تؤدي إلى مواقف "اإلقصاء" أو "التسلط"
عبر فضاءات رمزية للحركة غير المتاحة في الواقع اليومي للحياة. أو "التهميش" .ورغم كون الفن ليس هو "الطريق السحرى"
وفي الحقيقة أن ممارسة "التطريز والزخرفة" هو نوع من للتغلب على أسباب المعاناة فى الحياة ،إنما بوسع الفن أن يقوى
كانت وإذا التسلط. مواجهة األنثوي في مناصرة العنصر الهويات الثقافية والطبيعة األنثوية ،على أساس ان أسمى
"التزيينية" تشتمل على عنصر أنثوى" ،فإن هذه األنوثة غامضة قيمة فى حياة "المرأة" هى تحقيق أنوثتها .ألن اختالف حياة
وغريزية ،وقريبة جداً من خلق الحياة وأصلها ،إلى درجة أن العلم المرأة ينتج عنه مضمون مختلف فى منتجاتها الفنية ،بما يكفي
الذي صنعه الرجل قد ال يستطيع أبداً فهمها)3(". لرسم تقاليد فنية نسائية ذات مالمح محددة مرتبطة بحسها
وبالنسبة للمنتجات التى تنجزها المرأة البدوية يمكن تمييز ما األنثوى تجاه الموضوعات و"االستعارات ".
تتمتع به من عناصرالجدة والنضارة واالبتكار ،فى الموروثات التى جدال حول "عاطفة الحب "التى تمثلها
ً وتفجر األعمال الفنية
حولتها لتحف رائعة ومدهشة ،بمعاييرأحدث نظريات الجمال. األلوان"والحب هو رمز لـ"الحرية" ألنه يقوم على أساس االختيار،
ويشير ارتداء الفتاة "البرقع" إلى وضع األنثى بعد سن البلوغ، وكذلك "يفهم الحب على أساس أنه المصدرللدهشة والغموض
كما يسمح لها هذا البرقع بالسيربحرية أثناء التنقل بعيداً عن والسرية ،وعالمه هو الخيال )2 (".وتمثل فكرة "التطريز"
رمزيته أن للبرقع كما باألغراب. وااللتقاء الخيمة عالمة فخر للبدوية ،وهوية صانعها التى فحواها "ثقافة بصرية
الخاصة و"استعاراته" المرتبطة بتصورات ذاتية الواقع ويقوى نسوية" بطلها الصمت .والفن ،كقوة ناعمة يمثل الطريقة المثلى
روحية ،لها زاويتها المختلفة التى تعكس مواقف وقيم ومعايير للتعبيرغيرالتصادمى ،وشعاره توفيرالطاقة .وتعوض األلوان
ضمن "السياق الثقافي" الذي يشمل التقاليد ،التى تتطلب إعادة الساطعة -الصاخبةعن الصمت ،وكذلك "سرد التفاصيل" فى شكل
اكتشافها .وأيضاً للبرقع بعده "الالشعورى" ،وبقوته السحرية غرز الخيوط يمنحها بعداً رمزياً ،يسمح باستخدام الخيال .وبذلك
يتجسد الغموض الذي تستشعره النفس وال تعيه ،وتدفع "اآلخر" يتم تمثيل الهوية الثقافية عبر السياق المرئي ،أو من خالل
لمزيد من الرغبة فى محاولة كشف الغموض أو "إزاحة" الحاجز، منتجات فنية أو حرفية.
والسبيل لاللتقاء بالغريب إال بإسقاط "الحجاب" .واأللوان المبهرة
األنيقة ،التي تزين بها المرأة البدوية تطريزاتها ،مفعمة بالرغبة،
خياال جامحاً ،بل تقتحم عالم األحالم ،وتحتل البراعة مكان
ً وتعكس
البراءة.
محسن محمد عطية 2 بحوث في التربية الفنية والفنون ،المجلد ( ،)23العدد© 3 :
كلية التربية الفنية ،جامعة حلوان
أي بالجمال ،وكلها صفات تحظى باإلعجاب والتقدير. داللة أنماط من الزينة البدوية
ومن األنماط التزيينية التى نفذت عبر سـطو الحلي و"األبسـطة"
وفي "زركشـة" أقمشـة الخيام ،شكل "اللولب" وفيه ما يشير إلى
حركة "الشـــــمس" و"القمر"و"النجوم" ،وإلى مســـــيرة الحياة في
"متاهة القدر" .وقد يتطورشـــكل "اللولب" فى نمط "األرابيســـك"
مثـل انعكـاس لفكرة "الالنهـائيـة" المتولـدة عن شــــــكـل "اللولـب"
فـى هـيـكـــل "الصـــــــــدفـــة" الـتـى تـرمـز لـمـيـالد الـحـيـــاة .أمـــا
شـــــكل" الصـــــليب" فيرجع إلى مراقبة ســـــكان الصـــــحراء لطلوع
الشــــمس ،ودورانها وغيابها ،حتى تمكنوا من تحديد أربعة نقاط
رئيسـية .و"الجمع التصـوري باسـتقامة النقاط األسـاسـية المقابلة،
يتيح رســم صــليب ،صــورة للعالم ،أو على األقل رمزاً شــمســيا)4(".
وكـــذلـــك ترمزالعالقـــة المتعـــامـــدة للروحيـــة والرجولـــة ،بينمـــا
ترمزاألفقية للمادية والنســــــوية .وقد يكون للصــــــليب المنقو
مدلوال ســـــحرياً أو رمزا شـــــمســـــياً ،أو كرمز
ً فى المنتجات الفنية
لثنـائيـة الخير والشــــــر .ومن هنـا يســــــتوجـب األمر حـل "معـادلـة
فتاة بدوية من سيناء
الثنائية" ،ليس على أســــــاس" التســــــلســــــل الهرمي" للعناصــــــر
رمزية األنماط التجريدية للزينة
المتناقضــــة مثل" :الحضــــر في مقابل البدو" ،أو "االســــتقرار في
عـادة يجري التعـامـل مع "الزينـة" على أســـــــاس أنهـا تمثـل اآلخر،
مقـابـل الرحيـل" ،وإنمـا من منطلق "الثنـائيـة المتكـاملـة " التى تقر
الــذى يمكن تهميشــــــــه ،مقــارنــة بــالمفهوم التقليــدى للفنون
بالعالقات الثقافية واالقتصـــــادية المتبادلة بين شـــــقى الثنائية.
الرفيعـة (الجميلـة) وإغفـال حقيقـة أن للفن اهتمـامـات متعـددة،
وليس من العــدل هيمنــة الجــانــب األقوى .وأثنــاء تفكيــك البنيــة
وله أصـــوات مختلفة .وعندما توضـــع قطعة من "الفنون الزخرفية
الهرمية للثنائيات (الرجل/المرأة أو العقل /الجســــد) ال يجوز النظر
والتزينية" ضــمن الســياق الثقافي ،يمكن تفســيرها على أســاس
إلى "اآلخر"على أســـــــاس أنـه أقـل تحضــــــراً ،ألنـه فقط "مختلف".
أنهـا تمثـل نوعاً من إشــــــغـال وقت الفراغ ،بســــــبـب تميزها بتكرار
محسن محمد عطية 3 بحوث في التربية الفنية والفنون ،المجلد ( ،)23العدد© 3 :
كلية التربية الفنية ،جامعة حلوان
الناتج عن التحيزات .و"الحلى" و"المنســــوجات" التقليدية المطرزة أنمـاطهـا المجردة عـدة مرات .وفي الحقيقـة أن التكرار يشــــــكـل
بأنماط زخرفية بســيطة ،تبدو فى عيون المشــاهد العصــرى اليوم "عالمـة رمزيـة " لتوارث التقـاليـد ،ولنمط الحيـاة المليئـة بـالعالمـات
مـدهشـــــــة .والقول بـأن التقـاليـد تقبـل إعـادة الرؤيـة من زوايـا غير واإلشارات.
تقليدية قول" صــــــحيح" بمنطق الذوق الحديث ،الذى يقبل إحياء كمـا تعكس صــــــفـة التكرار طبيعـة األمـاكن التى ال تتميز بـالتنوع
األســـــاليب (مثل تصـــــميمات أبســـــطة ميســـــوني )Missoniإنها الكبير .وترتبط صــــــفـــة "التكرار" فى الشــــــعر ،مثلمـــا يصــــــر
التفســــــير الحديث ألنماط منتجات الحرف التقليدية من الســــــجاد السميوطيقى الروسى "يورى لوتمان"( )1993-1922ارتباطا وثيقاً ،
والحلي واألقمشــة التي تخلق هندســة مركبة .تمزج بين األلوان "وحين نحلـل دور التكرار في "الشــــــعر" يكون منطقيـا أن نتوقف
الشــــــرقيـة الـدافئـة والتراكيـب المتعـددة األضــــــالع الغـامضـــــــة- بعض الوقـــت عنـــد مفهوم" التوازي" ،فكثيراً مـــا يعـــالج هـــذا
المســــــتلهمــة بــاألنمــاط التزيينيــة التقليــديــة ،التى تجمع بين المفهوم عنــدمــا يكون األمر متعلقــا بفنيــة الشــــــعر )6(".أى أن
الصــــناعى والطبيعى ،وبين القديم والحديث ،كعناصــــرمتناقضــــة مفهوم التوازي ،هو جوهري بالنسبة لفن "الشعر" .أما "التوازى"
متكاملة بجرأة تحمل لمســـة الصـــحراء .ألن روعة الفن الهندســـي Parallelismفيتعلق بالبنية اإليقاعية التي أساسها تكرار متوالية
واألشــــــكال المتشــــــظية مع الوحدات التي تتماثل ذاتياً ،تتحقق معينة من األنماط ،ويعتمد "التكرار" على القافية التى تضــــــمن
في االســتعارات المســتقاة من الخيمة البدوية التى لها أبعادها التوازن .وعنـــد الفيلســــــوف " أبو حيـــان التوحيـــدى"(1023-922
الســــــرياليـة ،رغم كون األنمـاط التى تســــــتخدم في تصــــــميمات مـيـالديـــة) أن "اإليـقـــاع" الـمـتـواتـر والـمـتـنـــاغـم بـتـوالـي الـحـركـــات
عناصـــــرالخيمة البدوية ،تعكس الطريقة نفســـــها التى تنمو بها والســــــكنـات ،هو أســـــــاس بنـاء "الشــــــعر" .بـل إن تلـك "الحركـات
األنمـاط فى الطبيعـة ،مثـل "قرون الحيوانـات" و"قشــــــور المحـار" والســكنات ال تتناســب إال بعد اشــتمال الوزن والنظم )7( ".ولهذا
و"اللوالب "و"الشـقوق" وأشـكال "التماثل" و"التشـعب" و"التفرع" متمثال فى "الوزن " و"القافية" ونظم تبادلها
ً "اإليقاع " صــــــداه
و"التموج ". ومسافاتها.
وعلى النقيض من التطبيقـات الهنـدســــــيـة التقليـديـة للنســـــــب هكـذا يتحول المكـان بعالمـاتـه وإشـــــــاراتـه ،إلى مـا يشــــــبـه دفتر
الـذهبيـة ،و"البنيـات" ذات الخطوط النـاعمـة والســــــلســـــــة ،تبـدو الرتجال المعلومات البصــــرية ،التســــجيالت آلثارالوجود العابر ،قبل
األنماط الكســـــورية شـــــبه الطبيعية توحي بفوضـــــوية .مثلما أن أن تمحى ،وأيضـــاً " الزركشـــة" البدوية تشـــبه الكتابة على الرمال.
صــــــورالطبيعــة ذات التعقيــد الفريــد تتيح مشــــــــاهــدة األنمــاط ويمكن أن يصـــبح التكرار تجســـيداً للرغبة فى التخلص من القلق،
الكســــورية ،وتتميز بـــــــــ ـ"الخشــــونة" وعدم االنتظام ،على عكس ومن الشــــــعور بـالملـل .وذكر "أبوهالل العســــــكرى" فى كتـابـه "
"نعومة" األشــياء التى هى من صــنع اإلنســان .وبإحســاس الفنان شــــــرحــاً لمعنى "التوازن العكســــــى" فى تنظيم العالقــات فى
يتوصـــــــل للعالقـة الجمـاليـة األكثر جـاذبيـة للثنـائيـة المتنـاقضـــــــة "الشـعر" فيقول" :أن تعكس الكالم فتحصـل في الجزء األخير منه
المتكـاملـة " :األملس/الخشــــــن " والخطوط التي تنقـل الشــــــعور ما جعلته فى األول )8( ".والشكل الذى تتحصل عليه فى أسلوب
بالحركة و"األلوان الجريئة" و"المالمس المتناقضـــــة" واســـــتلهام "التوازن العكســـــى" فى تنظيم العالقات" يبدأ وينتهى بعنصـــــر
"الـتـحـوالت "و"الـتـعـرجـــات" و"الـحـلـقـــات" و"الـلـوالـــب" ،و"الـخـطـوط واحد ،فتبدو الصـــور كالحلقة التى التقى طرفاها )9(".والعالقات
"و"االلتواء " و"البرم " و"التشابك المتوازية" و"عمليات االنكما المعكوســـة من الوحدات الزخرفية والتقابالت ،تعد تجســـيداً بليغاً
" وأنماط متكررة مع خلق "تأثير كلي" مدهش وإحسـاس بنضـارة لـمـعـنـى" الـتـوازن الـمـعـكـوس" الـــذي يـبـهـج الـعـيـن بـجـمـعـــه بـيـن
وجـدة وتنـاغم ،وبوحـدة فى خضــــــم التنـاقضـــــــات ،يقـدم تراكيـب البســــاطة والتعقيد والقابلية للتضــــاعف الالنهائى و"االنتشــــار"
جريئـة وجـذابـة .وقطعـاً اليطلق على إنجـاز فنـانـة لقطعـة مطرزة و"االنبســـــــاط" ،بـالقـدر الـذى يطفو فوق تعقيـدات الحيـاة ويحقق
عمال صـناعيا ،قد اتبعت فيه خطة مسـبقة ،أو فرضـت
ً من القما البهجة بمســــــحة من وقار .والنظرية الجمالية المعاصــــــرة تتقبل
شــــكال بطريقة محددة ،ألن " الالشــــعور" يتدخل جزئياً أثناء
ً عليه "الخام" و"العشـوائي" الذي يحرر الحسـاسـية من طغيان التوقعات
الفنان. عملية التنفيذ فى المناطق الخفية من رو المتحفظة.
ويمكن أن يطلق على عمليــة التطريز بــأنهــا من أمثلــة " الخلق وليس هنــاك طريقــة لقبول البشــــــر بعضــــــهم لبعض أفضــــــــل
الخيـالي" .و"الخيـال ال يبـالي بوجود أي حـد فـاصـــــــل بين الحقيقي من التنوع الحيوي لفسـيفسـاء الثقافات ،مع تجنب أسـباب الصـراع
محسن محمد عطية 4 بحوث في التربية الفنية والفنون ،المجلد ( ،)23العدد© 3 :
كلية التربية الفنية ،جامعة حلوان
محسن محمد عطية 5 بحوث في التربية الفنية والفنون ،المجلد ( ،)23العدد© 3 :