You are on page 1of 5

‫كلية التربية الفنية‪ ،‬جامعة حلوان‬

‫بحوث في التربية الفنية والفنون‪ ،‬المجلد (‪ ،)23‬العدد ‪3‬‬

‫الفن يقوى الطبيعة االنثوية للمرأة البدوية‪.‬‬


‫مقال وجهة‬

‫نظر‬

‫* محسن محمد عطيه‬


‫* استاذ النقد والتذوق الفني‪ ،‬كلية التربية الفنية‪ ،‬جامعة حلوان‪.‬‬

‫البريد اإلليكتروني‪mohsen_attya@yahoo.com :‬‬

‫تاريخ المقال‪:‬‬
‫تاريخ تسليم المقال الكامل للمجلة‪ 25 :‬أغسطس ‪2023‬‬ ‫▪‬
‫تاريخ موافقة هيئة التحرير على النشر‪ 28 :‬أغسطس ‪2023‬‬ ‫▪‬

‫هذه النظرة التقليدية للمرأة التي تعتبرها ذات "طبيعة نباتية" على أساس حبها لالستقرار مقارنة بطبيعة‬ ‫المقدمة‪:‬‬
‫"الرجل" التى تتميزبالحركة والرغبة فى التنقل والترحال‪ ،‬هى أساس التناقض‪.‬‬
‫أما "المرأة البدوية " فال تخضع لهذا "النسق التقليدي"‪ ،‬ألنها تظهر صالبة‪ ،‬وهي تعمل بجد ومثابرة‪.‬‬
‫فمنذ لحظة استيقاظها تتوجه برشاقة لتصعد الجبال‪ ،‬وفى التقاط الحطب الالزم إلشعال النار طوال‬
‫النهار‪ .‬والمرأة البدوية هي المسئولة عن حمل األطفال‪ ،‬وتجهيزالمأكل واستحضارالماء من آبار بعيدة‪،‬‬
‫كما تقوم بأعمال الغزل والعجن‪ .‬وغالباً تعمل قسوة الحياة في الصحراء على توحيد العائلة‪ ،‬وتستلزم‬
‫تماسكها‪ ،‬حتى تستطيع البقاء على قيد الحياة‪ .‬وتتحمل المرأة البدوية الشابة الكثير من األعباء‪ ،‬فهي‬
‫قوية‪ ،‬تعمل في البيت وتنجز كل ما يلزم حياة القبيلة‪ ،‬بل تساهم حتى فى القيام بأعمال النسيج والحرف‬
‫الفنية‪ ،‬تباشرها على أساس اجتماعى ألن "تقاليد الحرفة المهنية ليست تقاليد فردية‪ ،‬بل هى تقاليد‬
‫جمعية‪ .‬وأن خبرة جميع أعضاء الجماعة وحكمتهم يتم بلورتها فى شكل موحد‪ )1(".‬وتمارس المرأة البدوية‬
‫"مشغوالتها الفنية" من نسيج وتطريزللمالبس والمفروشات‪ .‬فتشعرأثناء ممارسة الفن بساعات من المتعة‬
‫يتخللها لحظات تفكير‪ ،‬وأخرى تستغرقها في التحدث أو الصمت‪ ،‬كأجزاء من السياق االجتماعي الواسع‪.‬‬

‫الكلمات المفتاحية‪ :‬المرأة البدوية‪ ،‬الفن والبيئة‪ ،‬الطبيعة األنثوية‪.‬‬

‫محسن محمد عطية‬ ‫‪1‬‬ ‫بحوث في التربية الفنية والفنون‪ ،‬المجلد (‪ ،)23‬العدد‪© 3 :‬‬
‫كلية التربية الفنية‪ ،‬جامعة حلوان‬

‫بحوث في التربية الفنية والفنون‪ ،‬المجلد (‪ ،)23‬العدد ‪3‬‬

‫"القوة األنثوية" وللتخلص من "أزمة الهوية" ومقاومة الهيمنة‬ ‫أى أن األسرة البدوية تقبل استبدال نقاط التمركز‪ ،‬وال تتقيد‬
‫الثقافية‪ ،‬واكتساب فرصة من خالل الفن‪ ،‬لتمثيل تجربة "الثقافة"‬ ‫بالحدود الضيقة التي تؤدي إلى مواقف "اإلقصاء" أو "التسلط"‬
‫عبر فضاءات رمزية للحركة غير المتاحة في الواقع اليومي للحياة‪.‬‬ ‫أو "التهميش"‪ .‬ورغم كون الفن ليس هو "الطريق السحرى"‬
‫وفي الحقيقة أن ممارسة "التطريز والزخرفة" هو نوع من‬ ‫للتغلب على أسباب المعاناة فى الحياة‪ ،‬إنما بوسع الفن أن يقوى‬
‫كانت‬ ‫وإذا‬ ‫التسلط‪.‬‬ ‫مواجهة‬ ‫األنثوي في‬ ‫مناصرة العنصر‬ ‫الهويات الثقافية والطبيعة األنثوية‪ ،‬على أساس ان أسمى‬
‫"التزيينية" تشتمل على عنصر أنثوى‪" ،‬فإن هذه األنوثة غامضة‬ ‫قيمة فى حياة "المرأة" هى تحقيق أنوثتها‪ .‬ألن اختالف حياة‬
‫وغريزية‪ ،‬وقريبة جداً من خلق الحياة وأصلها‪ ،‬إلى درجة أن العلم‬ ‫المرأة ينتج عنه مضمون مختلف فى منتجاتها الفنية‪ ،‬بما يكفي‬
‫الذي صنعه الرجل قد ال يستطيع أبداً فهمها‪)3(".‬‬ ‫لرسم تقاليد فنية نسائية ذات مالمح محددة مرتبطة بحسها‬
‫وبالنسبة للمنتجات التى تنجزها المرأة البدوية يمكن تمييز ما‬ ‫األنثوى تجاه الموضوعات و"االستعارات "‪.‬‬
‫تتمتع به من عناصرالجدة والنضارة واالبتكار‪ ،‬فى الموروثات التى‬ ‫جدال حول "عاطفة الحب "التى تمثلها‬
‫ً‬ ‫وتفجر األعمال الفنية‬
‫حولتها لتحف رائعة ومدهشة‪ ،‬بمعاييرأحدث نظريات الجمال‪.‬‬ ‫األلوان"والحب هو رمز لـ"الحرية" ألنه يقوم على أساس االختيار‪،‬‬
‫ويشير ارتداء الفتاة "البرقع" إلى وضع األنثى بعد سن البلوغ‪،‬‬ ‫وكذلك "يفهم الحب على أساس أنه المصدرللدهشة والغموض‬
‫كما يسمح لها هذا البرقع بالسيربحرية أثناء التنقل بعيداً عن‬ ‫والسرية‪ ،‬وعالمه هو الخيال‪ )2 (".‬وتمثل فكرة "التطريز"‬
‫رمزيته‬ ‫أن للبرقع‬ ‫كما‬ ‫باألغراب‪.‬‬ ‫وااللتقاء‬ ‫الخيمة‬ ‫عالمة فخر للبدوية‪ ،‬وهوية صانعها التى فحواها "ثقافة بصرية‬
‫الخاصة و"استعاراته" المرتبطة بتصورات ذاتية الواقع ويقوى‬ ‫نسوية" بطلها الصمت‪ .‬والفن‪ ،‬كقوة ناعمة يمثل الطريقة المثلى‬
‫روحية‪ ،‬لها زاويتها المختلفة التى تعكس مواقف وقيم ومعايير‬ ‫للتعبيرغيرالتصادمى‪ ،‬وشعاره توفيرالطاقة‪ .‬وتعوض األلوان‬
‫ضمن "السياق الثقافي" الذي يشمل التقاليد‪ ،‬التى تتطلب إعادة‬ ‫الساطعة‪ -‬الصاخبةعن الصمت‪ ،‬وكذلك "سرد التفاصيل" فى شكل‬
‫اكتشافها‪ .‬وأيضاً للبرقع بعده "الالشعورى"‪ ،‬وبقوته السحرية‬ ‫غرز الخيوط يمنحها بعداً رمزياً ‪ ،‬يسمح باستخدام الخيال‪ .‬وبذلك‬
‫يتجسد الغموض الذي تستشعره النفس وال تعيه‪ ،‬وتدفع "اآلخر"‬ ‫يتم تمثيل الهوية الثقافية عبر السياق المرئي‪ ،‬أو من خالل‬
‫لمزيد من الرغبة فى محاولة كشف الغموض أو "إزاحة" الحاجز‪،‬‬ ‫منتجات فنية أو حرفية‪.‬‬
‫والسبيل لاللتقاء بالغريب إال بإسقاط "الحجاب"‪ .‬واأللوان المبهرة‬
‫األنيقة‪ ،‬التي تزين بها المرأة البدوية تطريزاتها‪ ،‬مفعمة بالرغبة‪،‬‬
‫خياال جامحاً ‪ ،‬بل تقتحم عالم األحالم‪ ،‬وتحتل البراعة مكان‬
‫ً‬ ‫وتعكس‬
‫البراءة‪.‬‬

‫دويات يستحضرن الماء من البير‪ -‬ترجع الصورة لسنة ‪.1933‬‬

‫وبذلك يمثل "الفن" بالنسبة للمرأة البدوية وسيلة لـ"فك القيود"‬


‫التى تواجها فى حياتها اليومية‪ ،‬مثل الشعور بالعزلة‪ ،‬وعدم‬
‫البدو في صحراء سيناء‬
‫استطاعتها العمل فى غير محيط األسرة والمنزل أو الترحال مثل‬
‫الرجل‪ .‬ومن غيرالمقبول فى األعراف البدوية التصريح بمشاعر‬
‫االستياء‪ ،‬ولذلك يصبح الفن وسيلة فعالة للتعبير عن الذات وعن‬

‫محسن محمد عطية‬ ‫‪2‬‬ ‫بحوث في التربية الفنية والفنون‪ ،‬المجلد (‪ ،)23‬العدد‪© 3 :‬‬
‫كلية التربية الفنية‪ ،‬جامعة حلوان‬

‫بحوث في التربية الفنية والفنون‪ ،‬المجلد (‪ ،)23‬العدد ‪3‬‬

‫وتشــــبه الحركة المســــتمرة حركة الرمال المســــتمرة‪ ،‬فى البيئة‬


‫الصــــــحراوية المتغيرة دائماً ‪ ،‬وبطرقها الوعرة‪ ،‬ولكل ذلك رمزيته‪.‬‬
‫وليس هناك وســـــيلة الكتشـــــاف عمق نمط ثقافي أصـــــدق من‬
‫تنـاولـه من جـانـب نمو "الرؤيـة الفنيـة والجمـاليـة"‪ ،‬ومن خالل أنمـاط‬
‫الزينـة‪ .‬أمـا أســـــــاليـب" التزهير" وأنمـاط "الزخرفـة الهنـدســــــيـة "‪،‬‬
‫فتبهج العين‪ ،‬وتعوض عن فراغ الصــــــحراء‪ ،‬الـــذي هو النقيض‬
‫للزهور وللبحر‪ .‬و"االسـتعارات" التي هي لغة الفن‪ ،‬لها مسـتويات‬
‫مختلفــة‪ ،‬منهــا التنويع على نفس المعنى‪ .‬وتســــــمح منــاطق‬
‫الفراغ‪ -‬الصـــمت‪ ،‬بمســـاحة للتثاقف‪ ،‬أو لالنتقال من حدود ثقافية‬
‫ألخرى‪ ،‬ومن رواية إلى أخرى‪ ،‬وأنواع مختلفة من الســرد ومختلفة‬
‫التفســــــير‪ ،‬وإيجـاد لحظـة حواريـة‪ ،‬أو لحظـة تعـاطف وتفـاهم بين‬
‫عناصــر وأنماط القطعة الفنية‪ .‬والحياة البســيطة البدوية واألقل‬
‫تكلفا هى" أحب إلى النفوس"‪ )5(.‬واألشــــياء األكثر بســــاطة من‬
‫الوجهــة الجمــاليــة هى أكثر تشــــــويقــاً وأكثر قيمــة‪ .‬وتقترن"‬
‫البســـــــاطـة " بـالشــــــجـاعـة والبراءة‪ ،‬وكـذلـك بـالنبـل وبـالتهـذيـب‬ ‫البدويات مع اطفالهن‬

‫أي بالجمال‪ ،‬وكلها صفات تحظى باإلعجاب والتقدير‪.‬‬ ‫داللة أنماط من الزينة البدوية‬
‫ومن األنماط التزيينية التى نفذت عبر سـطو الحلي و"األبسـطة"‬
‫وفي "زركشـة" أقمشـة الخيام‪ ،‬شكل "اللولب" وفيه ما يشير إلى‬
‫حركة "الشـــــمس" و"القمر"و"النجوم"‪ ،‬وإلى مســـــيرة الحياة في‬
‫"متاهة القدر"‪ .‬وقد يتطورشـــكل "اللولب" فى نمط "األرابيســـك"‬
‫مثـل انعكـاس لفكرة "الالنهـائيـة" المتولـدة عن شــــــكـل "اللولـب"‬
‫فـى هـيـكـــل "الصـــــــــدفـــة" الـتـى تـرمـز لـمـيـالد الـحـيـــاة‪ .‬أمـــا‬
‫شـــــكل" الصـــــليب" فيرجع إلى مراقبة ســـــكان الصـــــحراء لطلوع‬
‫الشــــمس‪ ،‬ودورانها وغيابها‪ ،‬حتى تمكنوا من تحديد أربعة نقاط‬
‫رئيسـية‪ .‬و"الجمع التصـوري باسـتقامة النقاط األسـاسـية المقابلة‪،‬‬
‫يتيح رســم صــليب‪ ،‬صــورة للعالم‪ ،‬أو على األقل رمزاً شــمســيا‪)4(".‬‬
‫وكـــذلـــك ترمزالعالقـــة المتعـــامـــدة للروحيـــة والرجولـــة‪ ،‬بينمـــا‬
‫ترمزاألفقية للمادية والنســــــوية‪ .‬وقد يكون للصــــــليب المنقو‬
‫مدلوال ســـــحرياً أو رمزا شـــــمســـــياً ‪ ،‬أو كرمز‬
‫ً‬ ‫فى المنتجات الفنية‬
‫لثنـائيـة الخير والشــــــر‪ .‬ومن هنـا يســــــتوجـب األمر حـل "معـادلـة‬
‫فتاة بدوية من سيناء‬
‫الثنائية"‪ ،‬ليس على أســــــاس" التســــــلســــــل الهرمي" للعناصــــــر‬
‫رمزية األنماط التجريدية للزينة‬
‫المتناقضــــة مثل‪" :‬الحضــــر في مقابل البدو"‪ ،‬أو "االســــتقرار في‬
‫عـادة يجري التعـامـل مع "الزينـة" على أســـــــاس أنهـا تمثـل اآلخر‪،‬‬
‫مقـابـل الرحيـل"‪ ،‬وإنمـا من منطلق "الثنـائيـة المتكـاملـة " التى تقر‬
‫الــذى يمكن تهميشــــــــه‪ ،‬مقــارنــة بــالمفهوم التقليــدى للفنون‬
‫بالعالقات الثقافية واالقتصـــــادية المتبادلة بين شـــــقى الثنائية‪.‬‬
‫الرفيعـة (الجميلـة) وإغفـال حقيقـة أن للفن اهتمـامـات متعـددة‪،‬‬
‫وليس من العــدل هيمنــة الجــانــب األقوى‪ .‬وأثنــاء تفكيــك البنيــة‬
‫وله أصـــوات مختلفة‪ .‬وعندما توضـــع قطعة من "الفنون الزخرفية‬
‫الهرمية للثنائيات (الرجل‪/‬المرأة أو العقل‪ /‬الجســــد) ال يجوز النظر‬
‫والتزينية" ضــمن الســياق الثقافي‪ ،‬يمكن تفســيرها على أســاس‬
‫إلى "اآلخر"على أســـــــاس أنـه أقـل تحضــــــراً ‪ ،‬ألنـه فقط "مختلف"‪.‬‬
‫أنهـا تمثـل نوعاً من إشــــــغـال وقت الفراغ‪ ،‬بســــــبـب تميزها بتكرار‬

‫محسن محمد عطية‬ ‫‪3‬‬ ‫بحوث في التربية الفنية والفنون‪ ،‬المجلد (‪ ،)23‬العدد‪© 3 :‬‬
‫كلية التربية الفنية‪ ،‬جامعة حلوان‬

‫بحوث في التربية الفنية والفنون‪ ،‬المجلد (‪ ،)23‬العدد ‪3‬‬

‫الناتج عن التحيزات‪ .‬و"الحلى" و"المنســــوجات" التقليدية المطرزة‬ ‫أنمـاطهـا المجردة عـدة مرات‪ .‬وفي الحقيقـة أن التكرار يشــــــكـل‬
‫بأنماط زخرفية بســيطة‪ ،‬تبدو فى عيون المشــاهد العصــرى اليوم‬ ‫"عالمـة رمزيـة " لتوارث التقـاليـد‪ ،‬ولنمط الحيـاة المليئـة بـالعالمـات‬
‫مـدهشـــــــة‪ .‬والقول بـأن التقـاليـد تقبـل إعـادة الرؤيـة من زوايـا غير‬ ‫واإلشارات‪.‬‬
‫تقليدية قول" صــــــحيح" بمنطق الذوق الحديث‪ ،‬الذى يقبل إحياء‬ ‫كمـا تعكس صــــــفـة التكرار طبيعـة األمـاكن التى ال تتميز بـالتنوع‬
‫األســـــاليب (مثل تصـــــميمات أبســـــطة ميســـــوني ‪ )Missoni‬إنها‬ ‫الكبير‪ .‬وترتبط صــــــفـــة "التكرار" فى الشــــــعر‪ ،‬مثلمـــا يصــــــر‬
‫التفســــــير الحديث ألنماط منتجات الحرف التقليدية من الســــــجاد‬ ‫السميوطيقى الروسى "يورى لوتمان"(‪ )1993-1922‬ارتباطا وثيقاً ‪،‬‬
‫والحلي واألقمشــة التي تخلق هندســة مركبة‪ .‬تمزج بين األلوان‬ ‫"وحين نحلـل دور التكرار في "الشــــــعر" يكون منطقيـا أن نتوقف‬
‫الشــــــرقيـة الـدافئـة والتراكيـب المتعـددة األضــــــالع الغـامضـــــــة‪-‬‬ ‫بعض الوقـــت عنـــد مفهوم" التوازي"‪ ،‬فكثيراً مـــا يعـــالج هـــذا‬
‫المســــــتلهمــة بــاألنمــاط التزيينيــة التقليــديــة‪ ،‬التى تجمع بين‬ ‫المفهوم عنــدمــا يكون األمر متعلقــا بفنيــة الشــــــعر‪ )6(".‬أى أن‬
‫الصــــناعى والطبيعى‪ ،‬وبين القديم والحديث‪ ،‬كعناصــــرمتناقضــــة‬ ‫مفهوم التوازي‪ ،‬هو جوهري بالنسبة لفن "الشعر"‪ .‬أما "التوازى"‬
‫متكاملة بجرأة تحمل لمســـة الصـــحراء‪ .‬ألن روعة الفن الهندســـي‬ ‫‪ Parallelism‬فيتعلق بالبنية اإليقاعية التي أساسها تكرار متوالية‬
‫واألشــــــكال المتشــــــظية مع الوحدات التي تتماثل ذاتياً ‪ ،‬تتحقق‬ ‫معينة من األنماط ‪ ،‬ويعتمد "التكرار" على القافية التى تضــــــمن‬
‫في االســتعارات المســتقاة من الخيمة البدوية التى لها أبعادها‬ ‫التوازن‪ .‬وعنـــد الفيلســــــوف " أبو حيـــان التوحيـــدى"(‪1023-922‬‬
‫الســــــرياليـة‪ ،‬رغم كون األنمـاط التى تســــــتخدم في تصــــــميمات‬ ‫مـيـالديـــة) أن "اإليـقـــاع" الـمـتـواتـر والـمـتـنـــاغـم بـتـوالـي الـحـركـــات‬
‫عناصـــــرالخيمة البدوية‪ ،‬تعكس الطريقة نفســـــها التى تنمو بها‬ ‫والســــــكنـات‪ ،‬هو أســـــــاس بنـاء "الشــــــعر"‪ .‬بـل إن تلـك "الحركـات‬
‫األنمـاط فى الطبيعـة‪ ،‬مثـل "قرون الحيوانـات" و"قشــــــور المحـار"‬ ‫والســكنات ال تتناســب إال بعد اشــتمال الوزن والنظم‪ )7( ".‬ولهذا‬
‫و"اللوالب "و"الشـقوق" وأشـكال "التماثل" و"التشـعب" و"التفرع"‬ ‫متمثال فى "الوزن " و"القافية" ونظم تبادلها‬
‫ً‬ ‫"اإليقاع " صــــــداه‬
‫و"التموج "‪.‬‬ ‫ومسافاتها‪.‬‬
‫وعلى النقيض من التطبيقـات الهنـدســــــيـة التقليـديـة للنســـــــب‬ ‫هكـذا يتحول المكـان بعالمـاتـه وإشـــــــاراتـه‪ ،‬إلى مـا يشــــــبـه دفتر‬
‫الـذهبيـة‪ ،‬و"البنيـات" ذات الخطوط النـاعمـة والســــــلســـــــة‪ ،‬تبـدو‬ ‫الرتجال المعلومات البصــــرية‪ ،‬التســــجيالت آلثارالوجود العابر‪ ،‬قبل‬
‫األنماط الكســـــورية شـــــبه الطبيعية توحي بفوضـــــوية‪ .‬مثلما أن‬ ‫أن تمحى‪ ،‬وأيضـــاً " الزركشـــة" البدوية تشـــبه الكتابة على الرمال‪.‬‬
‫صــــــورالطبيعــة ذات التعقيــد الفريــد تتيح مشــــــــاهــدة األنمــاط‬ ‫ويمكن أن يصـــبح التكرار تجســـيداً للرغبة فى التخلص من القلق‪،‬‬
‫الكســــورية‪ ،‬وتتميز بـــــــــ ـ"الخشــــونة" وعدم االنتظام‪ ،‬على عكس‬ ‫ومن الشــــــعور بـالملـل‪ .‬وذكر "أبوهالل العســــــكرى" فى كتـابـه "‬
‫"نعومة" األشــياء التى هى من صــنع اإلنســان‪ .‬وبإحســاس الفنان‬ ‫شــــــرحــاً لمعنى "التوازن العكســــــى" فى تنظيم العالقــات فى‬
‫يتوصـــــــل للعالقـة الجمـاليـة األكثر جـاذبيـة للثنـائيـة المتنـاقضـــــــة‬ ‫"الشـعر" فيقول‪" :‬أن تعكس الكالم فتحصـل في الجزء األخير منه‬
‫المتكـاملـة ‪" :‬األملس‪/‬الخشــــــن " والخطوط التي تنقـل الشــــــعور‬ ‫ما جعلته فى األول‪ )8( ".‬والشكل الذى تتحصل عليه فى أسلوب‬
‫بالحركة و"األلوان الجريئة" و"المالمس المتناقضـــــة" واســـــتلهام‬ ‫"التوازن العكســـــى" فى تنظيم العالقات" يبدأ وينتهى بعنصـــــر‬
‫"الـتـحـوالت "و"الـتـعـرجـــات" و"الـحـلـقـــات" و"الـلـوالـــب"‪ ،‬و"الـخـطـوط‬ ‫واحد‪ ،‬فتبدو الصـــور كالحلقة التى التقى طرفاها‪ )9(".‬والعالقات‬
‫"و"االلتواء " و"البرم " و"التشابك‬ ‫المتوازية" و"عمليات االنكما‬ ‫المعكوســـة من الوحدات الزخرفية والتقابالت‪ ،‬تعد تجســـيداً بليغاً‬
‫" وأنماط متكررة مع خلق "تأثير كلي" مدهش وإحسـاس بنضـارة‬ ‫لـمـعـنـى" الـتـوازن الـمـعـكـوس" الـــذي يـبـهـج الـعـيـن بـجـمـعـــه بـيـن‬
‫وجـدة وتنـاغم ‪ ،‬وبوحـدة فى خضــــــم التنـاقضـــــــات‪ ،‬يقـدم تراكيـب‬ ‫البســــاطة والتعقيد والقابلية للتضــــاعف الالنهائى و"االنتشــــار"‬
‫جريئـة وجـذابـة‪ .‬وقطعـاً اليطلق على إنجـاز فنـانـة لقطعـة مطرزة‬ ‫و"االنبســـــــاط"‪ ،‬بـالقـدر الـذى يطفو فوق تعقيـدات الحيـاة ويحقق‬
‫عمال صـناعيا‪ ،‬قد اتبعت فيه خطة مسـبقة‪ ،‬أو فرضـت‬
‫ً‬ ‫من القما‬ ‫البهجة بمســــــحة من وقار‪ .‬والنظرية الجمالية المعاصــــــرة تتقبل‬
‫شــــكال بطريقة محددة‪ ،‬ألن " الالشــــعور" يتدخل جزئياً أثناء‬
‫ً‬ ‫عليه‬ ‫"الخام" و"العشـوائي" الذي يحرر الحسـاسـية من طغيان التوقعات‬
‫الفنان‪.‬‬ ‫عملية التنفيذ فى المناطق الخفية من رو‬ ‫المتحفظة‪.‬‬
‫ويمكن أن يطلق على عمليــة التطريز بــأنهــا من أمثلــة " الخلق‬ ‫وليس هنــاك طريقــة لقبول البشــــــر بعضــــــهم لبعض أفضــــــــل‬
‫الخيـالي"‪ .‬و"الخيـال ال يبـالي بوجود أي حـد فـاصـــــــل بين الحقيقي‬ ‫من التنوع الحيوي لفسـيفسـاء الثقافات‪ ،‬مع تجنب أسـباب الصـراع‬

‫محسن محمد عطية‬ ‫‪4‬‬ ‫بحوث في التربية الفنية والفنون‪ ،‬المجلد (‪ ،)23‬العدد‪© 3 :‬‬
‫كلية التربية الفنية‪ ،‬جامعة حلوان‬

‫بحوث في التربية الفنية والفنون‪ ،‬المجلد (‪ ،)23‬العدد ‪3‬‬

‫وغير الحقيقي‪ )10(".‬وقـد يكون الـدافع وراء ممـارســـــــة مثـل هـذه‬


‫األنشــطة الرغبة فى االســتمتاع والشــعوربلذة بصــرية‪ ،‬وبتأثيرات‬
‫األلوان واألنمـــاط واألنســــــــاق المختلفـــة‪ .‬فتســــــتخـــدم األلوان‬
‫والعالمـات والمالمس للتعبير عن المشـــــــاعر والـذكريـات‪ .‬إن الفن‬
‫إغناء للحياة‪ ،‬وهما معاً يقويان بعضــــــهما‪ ،‬واليوم تختار "الحلي"‬
‫و"األقمشـــــــة" و"قطع األثـاث" تبعـاً لجـاذبيتهـا‪ ،‬وقـد منحـت المواد‬
‫الـخـــام نســـــــقـــاً ‪ .‬ويـتـمـثـــل "الـتـحـــدى" فـى إعـــادة الـنـظـر فـى‬
‫األشــــكال المعتاد رؤيتها‪ ،‬مثل األشــــكال الهندســــية‪ .‬أن الزينة‬
‫هى مصــــــــدر الجمــال الحر‪ ،‬ولم تكن "الزخرفــة " إال الفن ذاتــه‪،‬‬
‫وليســــت مجرد حلية" ووســــيلة للتأطير‪ ،‬أو لملء الفراغ‪ ،‬فإن وراء‬
‫ثنـــائيـــة التـمـيـيـز بيـن الزخرفي والفـن الجـمـيـــل "ميـتـــافيـزيقـيـــة"‬
‫تستوجب إعادة النظر‪.‬‬
‫المراجع‬
‫‪ .1‬ســـيدنى فنكلشـــتين‪:‬ةالواقعية في الفن ‪،‬ترجمة مجاهد عبد المنعم‬
‫مجاهد ‪،‬الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر‪ 1971،‬الصفحة‪.24‬‬
‫‪ .2‬محســــــن عطيـــه‪ :‬التفســــــير الـــداللي للفن‪،‬عـــالم الكتـــب‪،‬القـــاهرة‬
‫‪،2007‬الصفحة ‪.62‬‬
‫مـا بعـــد النســــــويـــة‪،‬ترجمـــة‪:‬أحمـــد‬
‫‪ .3‬ســـــــــارة جـــامبـــل‪ :‬النســــــويـــة و ــ‬
‫الشامي‪،‬المجلس األعلى للثقافة‪ ،‬مصر‪ 2002‬الصفحة ‪.65‬‬
‫‪ .4‬فيليب ســـيرنج الرموز في الفن ‪ -‬األديان ‪ -‬الحياة‪ ،‬ترجمة عبد الهادى‬
‫عباس دار دمشق ‪ 1992‬الصفحة‪.389‬‬
‫توماس مونرو‪،‬التطورفى الفنون‪ ،‬الجزء الثاني ‪،‬ترجمة محمد على أبو‬ ‫‪.5‬‬
‫درة وآخرون الهيئة المصرية للكتاب ‪ 1972‬الصفحة‪317‬‬
‫‪ .6‬يورى لوتمان ‪ :‬تحليل النص الشـــــعري‪ ،‬بنية القصـــــيدة ‪،‬ترجمة محمد‬
‫فتو أحمد ‪،‬دار المعارف بمصر ‪ 1995،‬الصفحة ‪.129‬‬
‫‪ .7‬اإلمتاع والمؤانســـة‪ :‬الجزء الثاني‪ ،‬ضـــبط أحمد أمين الزين ‪،‬منشـــورات‬
‫مكتبة الحياة‪،‬بيروت (بدون تاريخ)‪،‬الصفحة‪136‬‬
‫‪ .8‬أبو هالل العســـكرى"الصـــناعتين‪-‬الكتابة والشـــعر ‪،‬تحقيق على محمد‬
‫الــبــجـــاوى و ـمـحــمـــد أبــو الــفضـــــــــل ابــراهــيــم‪ ،‬ـمـكــتــبـــة الــبـــابــى‬
‫الحلبى‪،‬القاهرة‪.1952‬‬
‫‪ .9‬محســــــن عطيـه ‪:‬القيم الجمـاليـة في الفنون التشــــــكيليـة‪،‬دار الفكر‬
‫العربي ‪،‬مصر‪ 2000‬الصفحة‪.98‬‬
‫‪ .10‬روبين جورج كولنجوود ‪:‬مبادئ الفن ‪،‬ترجمة‪:‬أحمد حمدى محمود‪ ،‬الدار‬
‫المصرية للتأليف ‪ 1966‬الصفحة‪.174‬‬

‫محسن محمد عطية‬ ‫‪5‬‬ ‫بحوث في التربية الفنية والفنون‪ ،‬المجلد (‪ ،)23‬العدد‪© 3 :‬‬

You might also like