Professional Documents
Culture Documents
00000227-عرض الارتفاق
00000227-عرض الارتفاق
الفوج السادس
الفصل األول
الموسم الجامعي:
2024/2023
1
الئحة المختصرات
ص الصفحة
ط مطبعة
2
مقدمة
يلعب العقار دورا أساسيا على الصعيد التنمية االقتصادية واالجتماعية والبشرية بمختلف
تجلياتها ،لذلك فقط أحاطه المشرع المغربي بمجموعة من المقتضيات القانونية وارتقى
به الى مصاف الحماية الدستورية بموجب الفصل 35من الدستور ،2011والذي اعتبر
حق الملكية العقارية من أهم الحقوق الراجعة لألفراد التي ال يمكن المساس بها إال
بموجب القانون.1
إذا كان العقار يعد األرضية األساسية النطالق المشروعات االقتصادية واالجتماعية،
فإن ذلك يتطلب أن يكون الرصيد العقاري مستقرا وثابتا وخاليا من النزعات ،مما يتطلب
أن تكون الملكية العقارية تتوفر على قدر من الثبات واالستقرار.2
ليعلن بذلك اهتمامه (أي المشرع) الواضح بمجال العقار والحقوق العينية المرتبطة به،
راجعا بخصوص تأسيس قواعد هذه الحقوق الى الراجع والمشهور وما جرى به العمل
في الفقه المالكي ومحيال عليه ،ليكشف صراحة تمسكه بالفقه اإلسالمي واالخذ من
مأخذه ,واالستقاء من مشاربه ،متأثرا بما كرسه الشرع اإلسالمي من قواعد ,وحدده
من ضوابط وشرائط ،في كون الملك ليس غاية في ذاته ،وإنما وسيلة ركوبا لبلوغ
التأخي والتآزر ،وحمل أحوال الناس على التعاون والتكافل ،فقيد الملكية لتحقيق ذلك،
فجعلها ملكا ناقصا في أحوال متعددة ،ومن صور ذلك خدمة عقار لعقار واستغالله
واالنتفاع به ،وهذا هو مضمون حق االرتفاق والتحمالت -موضوع بحثنا -فجعلهم حقوقا
يبلغ به النفع العام ،ويحقق به صالح الكل ،فيخدم المالك ملك جاره ،ويرفع عنه المشقة
والحرج ،فيسقى ذلك من عين في عقار ذلك ،ويمر هذا من عقار هذا لعقار المحصور،
ويطل وينير فالن بيته على حساب مطل في أرض فالن ،وهذا هو جوهر الملكية في
طابعها االجتماعي المحض.3
1عبد اللطيف أكدي ،الوجيز في القانون العقاري المغربي ،الطبعة األولى 2024/2023ص 1
2عد اللطيف أكدي ،نفس المرجع ،ص .1
3جابر التامري ،اإلشكاالت المتعلقة بحقوق االرتفاق في ضوء مدونة الحقوق العينية والفقه اإلسالمي وعمل القضاء،
بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون المدني ،جامعة ابن زهر ،كلية الحقوق ،السنة الجامعية 2016/ 2015ص .9
3
أهمية الموضوع
كشف نقاط اتصال ونقط االختالف بين االرتفاقات والتحمالت العقارية. -
-يشكل دورا مهما في خلق التوازن بين المالك العقارات وحماية حقوقهم
ومدى صالحية أحكام االرتفاق والتحمالت العقارية للتطبيق على أرض
الواقع.
اإلشكالية الموضوع:
يطرح هذا الموضوع إشكالية جوهرية تتمثل أساسا في مدى استطاعة المشرع
المغربي تنظيم حق االرتفاق والتحمالت العقارية بما يحقق ويضمن الحماية
القانونية لألطراف؟
مناهج البحث
اعتمدنا في هذه الدراسة على المنهج الوصفي والمنهج التحليلي ،وذلك من
خالل الوقوف على أحكام االرتفاقات والتحمالت العقارية وتحليل النصوص
القانونية المؤطرة لها.
خطة البحث
لذلك سنخصص المطلب األول للتطرق لمفهوم حق االرتفاق ومختلف شروطه ،أما المطلب
الثاني فسيكون محطة للوقوف على خصائصه وتميزه عن غيره من الحقوق.
5
أوال تعريف حق االرتفاق
عرفت المادة 37م ح ع االرتفاق بأنه حق عيني قوامه تحمل مقرر على عقار من أجل
استعمال أو منفعة عقار يملكه شخص أخر .ويعتبر هذا التعريف ترجمة حرفية للتعريف الذي
أخد به المشرع الفرنسي في المادة 637من القانون الفرنسي.4
ويفهم من هذا التعريف ،أن حق االرتفاق حق من الحقوق العينية االصلية الذي يرد على حق
الملكية ،ويجعلها ناقصة ،ذلك بمسه بمدى إحدى سلطاته هو حق االستعمال أو حق االستغالل،
عن طريق التنازل جزئيا عنها للغير ليشارك المالك في الملكية العقارية .وهذا يعني بأنه ال
يجوز أن يكون االرتفاق حق شخصي يخول مالك العقار المجاور الحق في التنزه أو ممارسة
رياضة الركض أو الصيد في عقار الجار أو شبه ذلك ،وإنما ال بد من أن تكون المنفعة
المرجوة لمصلحة العقار ذاته وليس لصاحبه الشخصية ،5ويفهم من ذلك أن حق االرتفاق ال
يتقرر على منقول ،كما يفهم منه أيضا أال يكون عقارا بالتخصيص ،بل عقارا بطبيعته.6
وفي الشريعة اإلسالمية لم يورد مصطلح االرتفاق في القرآن الكريم وال في السنة النبوية
الشريفة ،وإنما كان اعتماد الفقهاء المسلمين في إقرار مشروعية هذا الحق ،على المعنى
الحديث المروري عن أبي هريرة رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال " ال
7
يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره".
لم يبحث الفقهاء االرتفاق في باب مستقل ،لذلك جاءت تعريفاتهم متفرقة ومتنوعة ،وتبعا له
نجد الحنفية عرفوا حق االرتفاق بأنه حق مقرر على عقار لمنفعة عقار اخر ،أما المالكية فقد
4 L’article 637 du code civil français stipule que « une servitude est une charge imposée sur
un héritage pour l’usage et utilité d’un héritage appartenant à un autre propriétaire.
5العربي محمد مياد ،الحقوق العينية االصلية والتبعية دراسة عملية مقارنة في التشريعات والعمل القضائي العربيين،
الطبعة األولى 1442ه2021م صفحة 318و .319
6دكتور أحمد القصاب مادة الحقوق العينية للفصل الخامس ،جامعة القرويين كلية الشريعة أيت ملول الموسم الدراسي
2015-2014ص .50
7عبد رفيع أيت الحاج ،حقوق االرتفاق على ضوء المستجدات والعمل القضائي ،رسالة لنيل الماستر في القانون الخاص
العربي ماستر العقار والتنمية ،جامعة عبد المالك السعدي كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية طنجة ،السنة
الجامعية 2013؛ 2014ص .18
6
اعتبروه تحصيال لمنافع تتعلق بالعقار ،فضال عن انتفاع العقار بالعقار ،ونشير الى أن ما
أورده الشافعية والحنابلة في باب االرتفاق يتفق مع ما أورده المالكية فيه.8
ومن صور االرتفاق عند المالكية إعطاء الجار لجاره موضع لسقي حائطه أو شرب داره أو
يعطيه طريقا في أرضه توصله الى ملكه ،وعموما هذه المنافع غالبا ما تتعلق بالجار مع
جاره.9
لم تخرج التعريفات التي أعطاها القضاء لحق االرتفاق عن التي صاغها الفقه القانوني
بخصوصه ،وعليه نجد محكمة االستئناف بالرباط عرفت حق االرتفاق في قرار صادر عنها
في 8يناير 2015بما يلي :وحيث إنه لما كان حق االرتفاق هو تكليف على عقار لمصلحة
اخر جار في ملكية شخص اخر غير مالك للعقار المرتفق ،والغاية من إحداثه إتاحة الفرصة
لصاحب العقار المنحصر للمرور أو استغالل عقاره "
-1وجود عقارين أحدهما مرتفق واألخر مرتفق به :يستخلص من الفصل 108من ظهير
19رجب 1333أن حق االرتفاق ال يرد إال على عقار ،وذلك عندما نص صراحة أن
هذا الحق هو " تكليف مقرر على عقار من أجل استعمال ومنفعة عقار." ...
أ -وجود عقارين :من الشروط الجوهرية لنشوء حق االرتفاق أن يوجد عقاران على
األقل ،أحدهما عقار مرتفق واألخر عقار مرتفق به ،وليس هناك ما يمنع من وجود عدة
عقارات مرتفقة ،وعقار مرتفق به أو العكس ،إال أن محل حق االرتفاق ،كما هو في
صريح العبارة النص ،البد ان يكون عقارا.10
ب -أن يوجد عقار مرتفق وعقار مرتفق به :وأما العقار المرتفق فهو الذي يعتمد على
عقار اخر في االستيفاء حاجة تتعلق باستعماله أو استغالله ،أي العقار الذي تعود عليه
• أن يكون مرتبا على عقارات بالطبيعة :فاالرتفاق ال يهم المنقوالت وال العقارات
بالتخصيص ،بل فقط العقارات بالطبيعة.
• أن يكون القصد منه استعمال العقار المرتفق أو جلب منفعة لصالحه.
• أن يحمل العقار المرتفق به بعبء أو تكليف عيني لصالح العقار االخر.
• أن يكون العقارين لمالكين مختلفين.
• يجب تكون من العقارات القابلة للتداول :أما إذا كانت غير قابلة للتداول بأن كانت من
األمالك العامة مثال فالبد من التفريق بين الحالتين حسبما يكون االرتفاق متفقا أو غير
متفق مع تخصيص هذه األمالك للمنفعة العامة ،ففي الحالة األخيرة كما في امتداد درج
في الشارع أو إقامة مجرى ماء تحت الطريق ،ال يمكن للمالك الذي أحدث الدرج أو
المجرى أن يكتسب حق ارتفاق مهما مر من الزمن على استعماله هذه المنشأة .أما في
الحالة األولى كما في فتح النوافذ واالبواب على الطريق العام فمن الممكن اكتساب حقوق
أوال :أنها الحقوق العينية العقارية ألنها ال تترب إال على العقارات:
وهذا يمنح امتياز لصاحب حق االرتفاق يتمثل في إمكانية ممارسة التعرض باالستناد الى هذا
الحق متى تحققت موجباته.
غير أنه ح تى يكون التعرض صحيحا فإنه يشترط في االرتفاق أن يكون قائما على العقار
المراد تحفيظه .وهكذا جاء في قرار لمحكمة النقض ما يلي:
لكن حيث إنه ردا على السببين معا لتداخلها فإن إجراء خبرة قضائية باعتباره من إجراءات
التحقيق ,ال تقوم به المحكمة إال إذا كان ضروريا للفصل في النزاع وأن المحكمة بما لها من
سلطة تقديرية في تقييم األدلة واألبحاث التي تقوم بها واستخالص قضائها منها ,فإن القرار
المطعون في ه حين علل بأنه " تبين لها أن المحكمة االبتدائية انتقلت الى عين المكان ,وتبين
15مأمون الكزبري ،التحفيظ العقاري والحقوق العينية االصلية والتبعية في ضوء التشريع المغربي -الجزء الثاني -العربية
لطباعة والنشر ،الطبعة الثانية ،الرباط , 1987 ,ص254 :
16العربي محمد مياد ،مرجع سابق ،ص 319
9
لها عدم وجود أي حق ارتفاق بالمرور لفائدة المتعرض على الملك موضوع مطلب التحفيظ
كما تم االستماع الى مجموعة من الشهود بعين المكان بما فيهم الجيران أكدوا عدم وجود أي
ممر للمتعرض على ملك طالب التحفيظ ,وموضحين أن ملك المتعرض كان يستغل عن
طريق المرور إليه من باب صغير يوجد جهة ملك ورثة المتعرض والذي ال يزال يقطنون
الى االن "فإنه نتيجة لذلك يكون القرار معلال تعليال كافيا وغير خارق لحقوق الدفاع والسببان
17
بتالي غير جديرين باالعتبار ".
ولما كان حق االرتفاق هو دائما حق عيني عقاري ،فإن التصرف القانوني الذي ينشئه يجب
دائما تسجيله بالسجل العقاري إذا تعلق االمر بعقار محفظ ،طبقا لفصول 65و 66و , 67فإن
الحقوق العينية ال تنشأ وال تنتقل بين األطراف ،وال تسري في مواجهة الغير إال بتسجيلها في
السجل العقاري ،وتسري جميع قواعد التسجيل المقرر في هذا الشأن.18
إن قوة حق االرتفاق العينية تتجاوز االحتجاج به في مواجهة مالك العقار الخادم إلى االحتجاج
به في مواجهة الكافة.19
معناه أن االرتفاق ال ينفك عن العقار؛ فينتقل معه ويجري عليه ما يجري على العقار من
تصرفات ،إذ ال يجوز التصرف فيه مستقالً عن العقار بالبيع أو رهن أو غيرهما من
التصرفات الممكنة.20
17حكم قضائي أشاره إليه إدريس الفاخوري ،الوسيط في نطام الملكية العقارية على ضوء مدونة الحقوق العينية
والتشريعات العقارية الخاصة ،أستاذ التعليم العالي كلية الحقوق -وجدة -الطبعة الثالثة 2019ص394
18محمد مومن ,مرجع سابق.ص ,39
19دكتور أحمد القصاب ،مرجع سابق ص57
20دكتور أحمد القصاب ،مرجع سابق ص 57
10
والحاصل ،أنه يمكن تحديد لحق االرتفاق أجل معين أو حتى تعليقه على شرط فاسخ ،كما لو
اشترط مالك العقار المرتفق عليه على المستفيد من حق االرتفاق أن يفسخ االرتفاق بمجرد
انتقال ملكية أحد العقاريين للغير.
أوال أن االرتفاق يترتب لمنفعة كل جزء من أجزاء العقار المرتفق ،وعلى كل جزء من أجزاء
العقار المرتفق به ،وتنتج عن ذلك نتائج معينة هي:21
-إنه ما لم يحدد االتفاق الجزء الذي يتحمل باالرتفاق أو يستفيد منه ،فإن هذا الحق
األخير يعتبر شامال كل جزء من العقارين المكلف والمستفيد.
-إنه إذا كان العقار المرتفق مملوكا على الشيوع ،فما لم يقرر القانون حق ارتفاق على
هذه الملكية ،فإنه أحد المالك في هذه الملكية الشائعة ال يملك بمفرده أن يتفق على حق
ارتفاق لصالح حصته الشائعة ،ألن االرتفاق ال يتجزأ ،وكذلك إذا كان العقار المرتفق
به مملوكا على الشياع ال يتجزأ ألحد مالكيه أن يتفق على إنشاء حق ارتفاق على هذا
العقار أو على حصته الشائعة فيه لنفس السبب ،فالبد لترتيب ارتفاق على عقار شائع
من موافقة جميع الشركاء في الملكية الشائعة ألنه ينصب على العقار برمته ،وكذا مثال
إذا كان االمر يعني حق المرور ،فيكون جميع المالكين ملزمين باستعماله من نفس
المكان دون أن يزيد العبء للعقار المرتفق به.
تجدر اإلشارة إلى إشكال الفقهي الدائر حول هذه الخصيصة ،فإذا كان بعض الفقه يسلم
بديمومة حق االرتفاق ،فإن جابا اخر يرى على أن صفة الدوام والتأبيد من الصفات اللصيقة
بحق الملكية فقط ،وال تتصرف الى باقي الحقوق المتفرقة عنها.22
يترتب على التمييز بين قيود الملكية وحق االرتفاق الفروق التالية:23
إن القيود القانونية باعتبارها تمثل الوضع العادي للملكية ال تزول بعدم االستعمال ألنها •
قيود دائمة ترد على حق الملكية .أما حقوق االرتفاق فلكونها مجرد أعباء استثنائية فإنها
عرضة للسقوط بعدم االستعمال بالتقادم.
القيود القانونية للملكية مصدرها المباشر دائما فعل االنسان المادي أو االرادي. •
إن هدا المعيار في التفرقة أدى بالقوانين التي أخدت به الى إدراج في قيود الملكية ،قيودا هي
في حقيقتها من قبيل حقوق االرتفاق كحق االرتفاق المتعلقة بحق الشرب وارتفاق حق المرور
الى غيرها من الحقوق ولم يتم االعتداد بطبيعة هذه الحقوق من حيث أنها تقرر تكاليف على
العقارات المقررة عليها لمصلحة العقارات األخرى.
إن قيود الملكية عادة تكون تحيق مصلحة عامة واجبة الحماية ،على عكس حقوق •
االرتفاق القانونية التي يمكن ان تقرر لمنفعة خاصة أو عامة.
إن قيود الملكية هي التي تكون مفروضة على عقار معين ال لخدمة عقار اخر ،بينما •
االرتفاقات القانونية للمصلحة الخاصة هي التي تفرض على عقار معين لخدمة عقار اخر.
إن القيود القانونية ال تخضع للتقييد بالرسم العقاري متى تعلقت بعقار محفظ ،ألنها •
ترسم الحدود العادية التي يضعها القانون لحق الملكية ،على عكس بعض حقوق االرتفاق
القانونية التي يتوجب تقييدها بالرسم العقاري.
يكون مالك العقار موضوع التحمالت العقارية ملزما بالقيام بعمل إيجابي من قبيل -
إزالة المضار غير المألوف.
ال تؤدي التحمالت العقارية حتما الى إنقاص من قيمة العقار الخادم ،عكس االتفاقات -
التي قد تنقص من القيمة المالية لهذا األخير.
يختص قاضي المستعجالت برفع الضرر أو اتخاد اإلجراءات االحتياطية لعدم وقوعه، -
بينما النزعات المرتبطة باالتفاقات كقاعدة تخضع لمحكمة الموضوع.
وهذا ،وقد اعتبر المشرع المصري بعض هاته التحمالت بصريح العبارة بمثابة قيود واردة
على حق الملكية ،عندما نص في الفقرة 2من الفصل األول من الباب المخصص لحق الملكية
وال سيما المادة 806من القانون المدني.
رغم أن المادة 9من م ح ع اعتبرت كال من حقي االرتفاق واالنتفاع من الحقوق العينية
االصلية ،إال أنهما يختلفان من عدة جوانب ،لعل أبرزها ما يلي:26
حق االرتفاق يتقرر لمنفعة عقار معين بينما حق االنتفاع يتقرر لمصلحة شخص •
بالذات.
حق االرتفاق حق دائم ال يزول بوفاة صاحب العقار المرتفق بل يبقى ما بقي هذا العقار •
إال إذا اشترط خالف ذلك ،أما حق االنتفاع فهو بطبيعته مؤقت يزول بوفاة المنتفع.
حق االرتفاق متصل بالعقار المرتفق ال يجوز حجزه أو إجراء الرهن عليه بصورة •
منفردة بينما حق االنتفاع منفصل عن الشيء أو عن المال الواقع عليه ويصح رهنه وحجزه
بصورة مستقلة.
عرف المشرع المغربي اإلرتفاقات الطبيعية في المادة 39من مدونة الحقوق العينية،
وبالرجوع إلى المادة المذكورة نجد بأن المشرع قد نص على أن "اإلرتفاقات الطبيعية تحمل
تفرضه الوضعية الطبيعية لألماكن على عقار لفائدة عقار مجاور".
14
وبناء على المادة أعاله فاالرتفاقات الطبيعية ،وكما هو ظاهر من تسميتها ،هي تلك االرتفاقات
التي تستدعيها الطبيعة وتنشىء عنها ،ونمثل لذلك بالحالة التي نجد فيها أرض منخفضة
وأرض عالية ،حيث تنشأ عن هذه الحالة تكليف األرض المنخفضة أو الواطئة بأن يجري
عليها الماء الذي يوجد في األرض العالية ،وذلك لكون الطبيعة تقتضي بأن تتحمل األراضي
المنخفضة المياه التي تسيل من األراضي العالية ،شريطة أن يكون هذا السيل طبيعيا ال يد
لإلنسان فيه ،كما هو الشأن بالنسبة لمياه األمطار وما يذوب من الثلوج ومياه العيون
وغيرها.27
هذا ،ويمنع منعا كليا على صاحب األرض المنخفضة أن يتعرض لهذا السيالن أو أن يقوم
بما من شأنه أن يعرقل أو يمنع هذا السيل الطبيعي ،كأن يقوم ببناء سد أو حاجز ليصرف
السيل ويبعده عن أرضه ،وفي مقابل ذلك ال يحق لصاحب األرض العالية أن يقوم بما يزيد
في عبء اإلرتفاق الواقع على األرض المنخفضة ،28ومن ذلك مثال أن يقوم بتشييد السد على
أرضه لكي تجتمع فيه األمطار ،ثم بعد ذلك يتركها لتسيل دفعة واحدة على االرض المنخفضة
مما يسبب ضرر لصاحب األرض الواطئة ،أو أن يقوم بتلويث المياه لتصل الى صاحب
االرض المنخفظة وهي ملوثة أو شيء من هذا القبيل.
وتجب اإلشارة في األخير إلى أنه إذا كانت الغاية التي يتوخاه صاحب األرض العالية من
فعله المتمثل في تجميع المياه وتحويلها من مكانها الطبيعي ،غاية مشروعة كالسقي مثال ،فإنه
ال يمنع من ذلك ولو كان ذلك سببا في زيادة عبء االرتفاق بالمسيل ،ألن لكل مالك حق
استعمال مياه المطر الموجودة على أرضه ،كما له الحق في التصرف فيها ،غير أنه يجوز
27محمد ابن معجوز ،الحقوق العينية في الفقه اإلسالمي والتقنين المغربي ،طبعة ،2008مطبعة النجاح الجديدة ،الدار
البيضاء ،ص .420
28المادة 60من مدونة الحقوق العينية ،والتي على أن "تتلقى األراضي المنخفضة المياه السائلة سيال طبيعيا من األراضي
التي تعلوها دون أن تساهم يد اإلنسان في إسالتها ،وال يجوز لمالك األرض المنخفضة أن يقيم سدا لمنع هذا السيل ،كما
ال يجوز لمالك األرض العالية أن يقوم بما من شأنه أن يزيد في عبء االرتفاق الواقع على األرض المنخفضة".
15
لصاحب األرض المنخفضة أن يطالب صاحب األرض العالية بالتعويض نظرا للضرر الذي
لحقه جراء فعله هذا المتمثل في إثقال عبء االرتفاق بالمسيل.29
فإذا كانت اإلرتفاقات الطبيعية تفرضها الطبيعة وتقتضيها كما أكدنا على ذلك سابقا ،فإنه في
المقابل نجد اإلرتفاقات القانونية التي هي االخرى يفرضها القانون ،وفي هذا الصدد حاول
ا لمشرع المغربي أن يعرف هذا النوع من اإلرتفاقات ،حيث نص في المادة 40من مدونة
الحقوق العينية على أن "اإلرتفاق القانوني هو تحمل يفرضه القانون على عقار ،ويمكن أن
يقرر لمنفعة عامة أو خاصة".
والعلة من فرض القانون هاته االرتفاقات على بعض العقارات كما يبدو من النص أعاله ،هي
تحقيق مصلحتين ،االولى تتمثل في مصلحة العقار المخدوم أو المصلحة الخاصة ،والثانية
تتجلى في المصلحة العامة.
ومن أمثلة اإلرتفاقات التي فرضها القانون نجد اإلرتفاق بالمرور ،حيث تنص المادة 64من
مدونة الحقوق العينية على أن "لكل مالك عقار ليس له منفذ إلى الطريق العمومي أو له منفذ
غير كاف الستغالل عقاره أن يحصل على ممر في أرض جاره نظير تعويض مناسب شرط
أن يقام هذا الممر في المكان الذي ال يسبب لألرض المرتفق بها إال أقل ضرر" ،ما يعني أنه
يجوز للمالك الذي يملك عقارا ليس له منفذ إلى الطريق العمومي ،أو كان له هذا المنفذ غير
أنه غير كاف الستغالل عقاره استغالال جيدا ،أن يطالب بفتح ممرا في أرض جاره ،شريطة
أن يؤدي له تعويضا مماثال للضرر الذي يمكن أن ينتج عنه هذا الفعل ،وأال يسبب له ذلك
ضررا بالغا وجسيما.
29تنص المادة 61من مدونة الحقوق العينية على أنه "لكل مالك الحق في استعمال مياه المطر التي تنزل في أرضه
والتصرف فيها وإذا كان استعمال تلك المياه واالتجاه المعطى لها يزيد عبء االرتفاق الطبيعي لسيل المياه المبين في المادة
أعاله ،فإن لصاحب األرض المنخفضة الحق في التعويض ،وذلك مع مراعاة القوانين واألنظمة الجاري بها العمل.
16
بأنه "من المقرر أن المشرع 30
وفي نفس الطرح ،قضت محكمة النقض في أحد قراراتها
المغربي وإن أحاط حق الملكية بالحماية طبقا للمادة 35من الدستور ،فإنه نص على إمكانية
الحد من نطاقه وممارسته بموجب القانون إذا اقتضت ذلك متطلبات التنمية االقتصادية
واالجتماعية للبالد ،ولما كان تصميم التهيئة موضوع النزاع يستمد مشروعيته من قانون
التعمير الذي صدر في إطاره ،ويعد بمثابة إعالن عن المنفعة العامة ،فإن المقرر المطعون
فيه قد صدر في إطار المصلحة العامة المتجلية في تهيئة المجال وتنظيمه وإخضاعه لضوابط
تكفل للمنطقة التي يتعلق بها نموا منسجما ومراعيا لحاجيات ومتطلبات الساكنة ،والتي يندرج
ضمنها تخصيص جزء من عقار الطاعن كممر للراجلين ،مما يجعله مطابقا للقانون،
ومشروعا".
أعطى المشرع المغربي لمالك العقارات إمكانية إحداث ارتفاقات لفائدة عقاراتهم أو عليها،
السيما في الحالة التي يحصل فيها اإلتفاق فيما بينهم ،طبقا لحرفية المادة 41من مدونة
الحقوق العينية ،حيث جاء فيها على أنه "يجوز لمالك العقارات إحداث ارتفاقات عليها أو
لفائدتها ،وذلك بإتفاق فيما بينهم مع مراعاة أحكام القانون ،ويجب أن يبين في العقد نطاق هذا
الحق وكيفية استعماله".
وعليه فاالرتفاقات اإلرادية إذن هي تلك اإلرتفاقات التي يكون مصدرها إرادة اإلنسان عن
طريق اإلتفاق أو الوصية أو الحيازة ،وذلك كأن يلتزم مالك عقار بأن ال يعلي بناءه أو غرسه
لكي ال يمنع الهواء أو الشمس عن عقار جاره ،وكأن يسمح شخص لمالك دار بأن يفتح نوافذه
على عقاره المجاور ،وكأن يوصي شخص بأن يسمح لقريبه أن يسقي بساقية تمر في عقار
الموصي.31
30القرار عدد 912صادر عن محكمة النقض بتاريخ 22يونيو 2017في الملف اإلداري عدد 2014/1/4/292منشور
بقضاء محكمة النقض عدد ،84ص .170
31محمد ابن معجوز ،م س ،ص .426
17
الفقرة الثانية :أنواع االرتفاقات بحسب طبيعتها
تنقسم االرتفاقات بحسب طبيعتها إلى ارتفاقات ايجابية وارتفاقات سلبية (أوال) ،وارتفاقات
ظاهرة وارتفاقات خفية (ثانيا) ،ثم إلى ارتفاقات مستمرة وارتفاقات منقطعة (ثالثا).
اإلرتفاقات االيجابية على أنها تلك اإلرتفاقات التي تخول للمستفيد 32
عرف بعض من الفقه
منها حق مباشرة عمل ما على العقار المرتفق به ،أو بعبارة أخرى فاإلرتفاقات االيجابية هي
تلك اإلرتفاقات التي تخول لصاحبها صالحية القيام بتصرفات ايجابية ،ونمثل لذلك بحق
المرور ،حيث أن هذا الحق يخول لصاحبه القيام بتصرفات ايجابية ،وذلك عن طريق استعمال
هذا الحق من قِبل صاحبه بما يخدم مصالحه الخاصة أو العامة.
أما اإلرتفاقات السلبية فهي عكس سابقتها ،فإذا كانت اإلرتفاقات االيجابية تخول لصاحب حق
االرتفاق القيام بمجموعة من التصرفات والتي من شأنها أن تحقق له المنفعة العامة أو
الخاصة ،فإن اإلرتفاقات السلبية تفرض على صاحبها اإلمتناع عن القيام بتصرفات معينة
كان من حقه القيام بها ،33ومن األمثلة على ذلك نذكر االرتفاق الذي يقتضي عدم البناء على
األراضي المجاورة للمطارات.
ي قصد باالرتفاقات الظاهرة تلك االرتفاقات التي يكون لها مظهر خارجي يدل على وجودها
كنافذة في حق المطل أو باب أو طريق في حق المرور أو خندق في حق اسالة المياه أو
تصريفها ،34عكس االرتفاقات الخفية أو االرتفاقات غير الظاهرة التي ال يكون لها مظهر
خارجي يدل على وجودها ،وإنما تعرف باآلثار التي تترتب عليها ،وذلك كما هو الشأن في
عندما نتحدث عن االرتفاقات المستمرة فإننا نقصد تلك االرتفاقات التي ال تتطلب من صاحب
العقار المخدوم إال إعدادها حتى تفي بالغرض المرجو منها ،وبدون تدخل متتالي أو دوري،
ومن أمثلتها تشييد طريق غير مصنفة حتى يستفيد المارة من حق المرور.36
أما االرتفاقات غير المستمرة أو المنقطعة فهي تلك االرتفاقات التي تحتاج في استعمالها إلى
تدخل اإلنسان بفعله ،أي قيام مالك العقار المرتفق بعمل ايجابي في العقار المرتفق به ،37يعني
أن هذا النوع من االرتفاقات ال يؤدي وظيفته إال بتدخل صاحب العقار المخدوم وقيامه بمباشرة
حقه الذي يخوله له ذلك االرتفاق ،ومن ذلك على سبيل المثال نذكر حق االرتفاق بالمرور
وكذلك حق الشرب وغيرها.
وعليه فإن حقوق االرتفاق إما أن يكون مصدرها الطبيعة أو اإلرادة (الفقرة االولى) ،وإما
أن يكون مصدرها القانون (الفقرة الثانية).
أشرنا سابقا بأن االرتفاقات الطبيعية قد عرفها المشرع المغربي في المادة 39من مدونة
الحقوق العينية ،38ويقصد بها تلك االرتفاقات التي تفرضها الطبيعة على عقار لفائدة عقار
آخر مجاور ،ومن بين االرتفاقات الطبيعية نذكر ما يلي:
-سيل المياه الطبيعية من األراضي العالية على األراضي المنخفضة ،حيث كرس
المشرع المغربي هذا المقتضى في المادة 60من مدونة الحقوق العينية ،حيث جاء فيها
على أنه « تتلقى األراضي المنخفضة المياه السائلة سيال طبيعيا من األراضي التي تعلوها
دون أن تساهم يد اإلنسان في إسالتها ،وال يجوز لمالك األرض المنخفضة أن يقيم سدا لمنع
هذا السيل ،كما ال يجوز لمالك األرض العالية أن يقوم بما من شأنه أن يزيد في عبء
االرتفاق الواقع على األرض المنخفضة"
-أحقية المالك في استعمال مياه المطر التي تنزل في أرضه والتصرف فيها ،حيث
نصت المادة 61من مدونة الحقوق العينية على أنه "لكل مالك الحق في استعمال مياه
المطر التي تنزل في أرضه والتصرف فيها ،وإذا كان استعمال تلك المياه واالتجاه المعطى
لها يزيد عبء االرتفاق الطبيعي لسيل المياه المبين في المادة أعاله ،فإن لصاحب األرض
المنخفضة الحق في التعويض ،وذلك مع مراعاة القوانين واألنظمة الجاري بها العمل".
بالرجوع إلى المادة 41من مدونة الحقوق العينية نجد بأن المشرع قد نص على أنه "يجوز
لمالك العقارات إحداث ارتفاقات ع ليها أو لفائدتها ،وذلك باتفاق فيما بينهم مع مراعاة أحكام
القانون ،ويجب أن يبين في العقد نطاق هذا الحق وكيفية استعماله".
وبناء على المادة أعاله ،فإن المشرع المغربي قد سمح لكل مالك بأن يتفق مع مالك آخر على
إحداث أو إنشاء ارتفاق يتكلف بمقتضاه عقار أحدهما بما يخدم عقار الطرف اآلخر ،وذلك
38تنص المادة 39من مدونة الحقوق العينية على أنه « االرتفاقات الطبيعية تحمل تفرضه الوضعية الطبيعية لألماكنعلى
عقار لفائدة عقار مجاور«
20
كأن يتفقا على إنشاء ممر في أحد العقارين لصالح العقار اآلخر ،أو بإنشاء ممر في كل منهما
ليوصل بالجانب اآلخر.39
غير أنه ولكي يعتد من الناحية الشرعية والقانونية بصحة االرتفاقات المنشأة بإرادة اإلنسان،
البد من توافر جملة من الشروط وهي:40
-ي جب أن يكون االرتفاق مشروعا ،أي غير مخالف للقانون أو النظام العام ،ومن ذلك
على سبيل المثال ،ال يجوز إنشاء حق ارتفاق بالمرور لتسهيل تهريب المخدرات.
-يجب أن يكون االرتفاق مقررا لمنفعة عقار ال لمنفعة شخص ،ذلك أن التكليف الذي
يستفيذ منه شخص بصفته مالكا للعقار من غير أن يستفيذ منه العقار نفسه ال يعتبر ارتفاقا
وهو تكليف باطل.
-يجب أن يكون االرتفاق مقرر على عقار ال على شخص.
وعليه ،فإن االرتفاقات القانونية إما أن تكون ارتفاقات مقررة للمنفعة أو المصلحة العامة
(أوال) ،وإما أن تكون مقررة للمصلحة الخاصة (ثانيا).
كثيرة هي االرتفاقات التي أقرها القانون للمصلحة العامة ،غير أنه سنكتفي بذكر البعض منها
وذلك على سبيل المثال فقط ،ومن بينها ما يلي:
فكما هو الشأن بالنسبة لالرتفاقات المقررة للمصلحة العامة ،فإن القانون أقر ارتفاقات اخرى،
غير أن ما يميز هاته األخيرة أنها عائدة ومقررة للمنفعة الخاصة ،ومن أمثلتها نذكر ما يلي:
-االرتفاق بالمرور :حيث إذا كان العقار محصورا عن الطريق العام ،فيحق لصاحبه
أن يطلب تعيين ممر في األرض المجاورة لتكون صلة وصل بين ذلك العقار والطريق
العام ،41وقد نص المشرع المغربي على هذا المقتضى في المادة 64من مدونة الحقوق
العينية ،حيث جاء فيها على أن "لكل مالك عقار ليس له منفذ إلى الطريق العمومي أو له
منفذ غير كاف الستغالل عقاره استغالال زراعيا أو صناعيا ،أن يحصل على ممر في
أرض جاره نظير تعويض مناسب شرط أن يقام هذا الممر في المكان الذي ال يسبب
لألرض المرتفق بها إال أقل ضرر".
وعليه ،فحق المجرى إذن هو حق خوله القانون لصاحب األرض البعيدة من مجرى الماء،
حيث أعطى له المشرع في هاته الحالة إمكانية تمرير الماء من مورده الطبيعي ومرورا به
على أرض الغير ليصل به إلى المكان المراد سقيه ،وليس للجار أو الغير أن يمنع مرور الماء
بدعوى أنه يمر من أرضه ،ألن القانون هو الذي أعطى هذه المكنة لصاحب حق المجرى،
بل أكثر من ذلك يمكن لهذا األخير إجراؤه جبرا عنهم ،دفعا للضرر عنه ،لكن شريطة أدائه
تعويضا مناسبا عن االنتفاع من مرور الماء لسقي أرضه بهذا الماء عبر المجرى.42
42عبد الكريم شهبون ،الشافي في شرح مدونة الحقوق العينية الجديدة وفق القانون رقم ،39.08الطبعة الثالثة ،المطبعة
غير مذكورة ،السنة ،2018ص .160
23
المطلب األول :آثار حق االرتفاق
سنعمد في هذا المطلب إلى دراسة أهم اآلثار المترتبة عن حقوق االرتفاق ،غير أنه في البداية
سنحاول أن نصنف هاته اآلثار ،وذلك عن طريق تناول حقوق والتزامات مالك العقار المرتفق
(الفقرة األولى) ،ثم بعد ذلك نتطرق إلى حقوق والتزامات مالك العقار المرتفق به (الفقرة
الثانية).
خول المشرع المغربي لمالك العقار المرتفق مجموعة من الحقوق ،كما خول له جملة من
الضمانات في إطار عالقته بمالك العقار المرتفق به ،وسنحاول أن نتطرق ألهم الحقوق،
وذلك على النحو اآلتي:
-استعمال حق االرتفاق القانوني :حيث إن مالك العقار المرتفق يحق له أن يمارس جميع
األعمال التي تمكنه من استعمال حق االرتفاق المقرر بمقتضى القانون لصالحه على
العقار المرتفق به ،43وذلك بحسب ما كان محدد ومقرر بمقتضى القانون ،وهذا ما أكدته
الفقرة الثانية من المادة 43من مدونة الحقوق العينية ،حيث جاء فيها على أنه "إذا تقرر
حق االرتفاق لفائدة عقار معين ،فإنه يخول صاحبه كل ما هو الزم الستعمال هذا الحق".
-إجراء األعمال الالزمة الستعمال حق االرتفاق القانوني وصيانته :حيث نصت المادة
44من مدونة الحقوق العينية على أنه "يحق لصاحب حق االرتفاق أن يقوم بجميع األعمال
الضرورية الستعمال حقه وصيانته شرط أن يستعمله بالقدر الذي ال يلحق بالعقار المرتفق
به إال أقل ضرر" ،ويهدف المشرع المغربي من هذا المقتضى تدعيم فعالية حق االرتفاق
بصفة عامة واإلرتفاق القانوني بصفة خاصة ،وذلك بإعطاء مالك العقار المرتفق الوسائل
فإذا كان المشرع المغربي قد أقر لمالك العقار المرتفق مجموعة من الحقوق ،فإنه وفي مقابل
ذلك ألقى على عاتقه جملة من االلتزامات المنصوص عليها في القانون ،وتتمثل هذه
االلتزامات فيما يلي:
44معاد الناجي ،أحكام االتفاقات القانونية المكرسة في مدونة الحقوق العينية ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون
الخاص ،ماستر قانون العقار والتعمير ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،جامعة ابن زهر ،أكادير ،السنة
الجامعية ،2021/2020ص .63
45معاد الناجي ،م س ،ص .66 – 65
25
-االلتزام بنفقات الصيانة واالستعمال :وهذا ما نصت عليه المادة 46من مدونة الحقوق
العينية ،حيث جاء فيها على أنه "نفقة إقامة المنشأة واألعمال األخرى الالزمة الستعمال
حق االرتفاق وصيانته تقع على عاتق مالك العقار المقرر هذا الحق لفائدته ما لم ينص
العقد على خالف ذلك".
وعليه ،فإذا كان المشرع قد خول لمالك العقار المرتفق حق القيام بجميع األعمال الالزمة
الستعمال حق االرتفاق القانوني وصيانته ،فإن المشرع ألزمه في مقابل ذلك بأداء كل النفقات
التي تلزم الستعمال االرتفاق أو صيانته ،وذلك ما لم يتفق األطراف على أن تلك النفقات
يتحملها مالك العقار المرتفق به.
-االلتزام بعدم تجاوز حدود االرتفاق القانوني :أي أن مالك العقار المرتفق ال يجوز له أن
يستعمل حق االرتفاق القانوني إال وفق الحدود التي رسمها القانون ،حيث يمنع عليه منعا
كليا إجراء أي تعديل أو تغيير في حق االرتفاق ذاته ،ومن ذلك مثال أن يكون له حق
المرور فيبادر إلى استعمال الطريق كمجرى أو لوضع أنابيب توصل المياه إلى منزله،
أو أن يستعمل حق االرتفاق القانوني لفائدة عقار آخر غير العقار المرتفق.
-االلتزام بعدم الزيادة في عبء االرتفاق القانوني :حيث ال يجوز لمالك العقار المرتفق أن
يقوم بكل ما من شأنه أن يؤدي إلى إثقال كاهل العقار المخدوم ،كأن يوسع الممر المخصص
لمرور األشخاص ليستعمله لمرور الحافالت ،وبالتالي فإن استعمال حق االرتفاق على
وجه يضر بالعقار المرتفق به ضررا كان يمكن تجنبه لو أنه استعمله على وجه آخر يعود
عليه بالفائدة المستحقة ،تحققت مسؤوليته ،ويرجع ذلك إلى قاضي الموضوع لما له من
سلطة تقديرية في هذا الباب.
26
أوال حقوق مالك العقار المرتفق به
خول المشرع المغربي لمالك العقار المرتفق به كافة الحقوق التي للمالك على ملكه من انتفاع
واستغالل وتصرف ،إال أن حقوقه هذه تصبح بمقتضى االرتفاق مقيدة بعدم استعمالها فيما
من شأنه أن يمنع صاحب العقار المرتفق من استعمال ارتفاقه فيما أعد له أو أن يقوم بما من
شأنه أن يضر به ،كأن يضيق عليه الطريق التي يمر منها ،أو يحدد له وقتا معينا للمرور.46
وبما أن مالك العقار المرتفق يتقرر لفائدته حق االرتفاق القانوني الستعمال واستغالل عقاره،
فإن مالك العقار المرتفق به له الحق في الحصول على مقابل يتجلى في استيفاء تعويض
مناسب عما لحقه من ضرر ،وهدف المشرع من تكريس هذا المقتضى هو خلق نوع من
التوازن بين ما يجنيه مالك العقار المرتفق وما يتحمله مالك العقار المرتفق به.47
بالرجوع إلى المادة 47من مدونة الحقوق العينية نجد بأن المشرع قد نص على أهم االلتزامات
الملقاة على عاتق مالك العقار المرتفق به ،حيث جاء فيها على أنه "إن صاحب الملك المرتفق
به ال يمكن له القيام بأي شيء يرمي إلى إنقاص استعمال حق االرتفاق أو جعله أكثر مشقة،
ويلتزم على وجه الخصوص بعدم تغيير حالة األماكن أو نقل استعمال االرتفاق إلى محل
أخير غير المكان الذي وضع فيه أول مرة".
وعليه ،فمالك العقار المرتفق به يمنع عنه منعا كليا القيام بأي شيء يمكنه أن يؤدي إلى إنقاص
استعمال حق االرتفاق أو أن يجعله أكثر مشقة ،وبهذا يتعين عليه أال يعمل شيئا يعوق استعمال
حق االرتفاق على الن حو الطبيعي ،مثل تضييق الممر في حالة االرتفاق بالمرور أو القيام
بغرس مزروعات أو أشجار تعوق المرور لمالك العقار المرتفق أو على األقل تجعله أكثر
مشقة ،وفي حالة االرتفاق بالشرب من بئر معينة ،ال يجوز لصاحب العقار المرتفق به أي
تلك الموجودة فيه البئر أن يسحب الماء منه على نحو يقلل المياه ،وبالتالي يصبح االغتراف
منها أكثر مشقة وصعوبة ،كما ال يجوز له رمي النفايات في القناة المخصصة لمجرى الماء،
ويظهر من خالل المادة أعاله أن طرق انتهاء حق االرتفاق ال تختلف كثيرا عن طرق انتهاء
الحقوق وااللتزامات بصفة عامة ،وهذا األمر حقيقة يعتبر بديهيا ما دام أن حق االرتفاق ال
يعدو أن يكون مجرد حق من الحقوق العينية العقارية ،غير أن وبالرغم من ذلك فإن حق
االرتفاق له أسباب أخرى تحد من استمراريته ،وترجع أساسا إلى الطبيعة الخاصة لحق
االرتفاق ،ولهذا سنحاول في هذا المطلب أن نتطرق إلى األسباب العامة النقضاء حق االرتفاق
(الفقرة االولى) ،ثم بعد ذلك نعرج على أسباب االنتهاء المتعلقة بالطبيعة الخاصة لحق
االرتفاق (الفقرة الثانية).
-انقضاء حق االرتفاق بانتهاء أجله :فإذا كان حق االرتفاق -مبدئيا -يتسم بالتأبيد ،إال أنه
ليس هناك ما يمنع أطراف هذا الحق أن يتفقوا على تحديد أجل لحق االرتفاق ،فإذا ما تم
االتفاق على تحديد األجل ،فإنه بمجرد حلول هذا األجل المتفق عليه ينقضي حق االرتفاق.
ويختلف الوقت الذي يبدأ في سريان مدة التقادم بحسب نوع االرتفاق ،ففي االرتفاق غير
المستمر يبدأ سريان المدة من الوقت الذي يقع فيه آخر عمل من أعمال االستعمال ،ويقع عبء
اثبات االستعمال على عاتق مالك العقار المرتفق ،وفي االرتفاق المستمر يبدأ سريان المدة
من الوقت الذي يقع فيه عمل يتعارض مع حق االرتفاق ،وإذا اكتملت مدة التقادم سقط حق
االرتفاق بعدم االستعمال ،وال يمنع من سقوطه أن يعود مالك العقار المرتفق إلى استعمال
حق االرتفاق بعد اكتمال مدة التقادم ،إال إذا لم يعترض مالك العقار المرتفق به على ذلك،
وفسر عدم اعتراضه على أنه نزول منه عن حقه في التمسك بالتقادم.51
-انقضاء حق االرتفاق بزوال منفعته :يعد هذا السبب من بين األسباب المنصوص عليها
في المادة 69من مدونة الحقوق العينية ،وقد أكدنا سابقا على أن حق االرتفاق يتكون من
ثالثة عناصر ،أولها العقار المرتفق وثانيها العقار المرتفق به وثالثها المنفعة التي يقدمها
العقار المرتفق به للعقار المرتفق ،وبزوال هذا العنصر األخير ينقضي حق االرتفاق،
وهذا االمر بديهي ما دام أن الغاية المرجوة من وراء حق االرتفاق لم تعد قائمة ،فإنه وفي
نفس المنوال ال فائدة من استمرار حق االرتفاق المجرد من منفعته.
-انقضاء حق االرتفاق بالهالك الكلي :فحق االرتفاق وكما هو منصوص عليه في المادة
69من مدونة الحقوق العينية ينتهي بهالك العقار المرتفق أو العقار المرتفق به ،ألن هذا
األمر يحول دون تحقيق المنفعة المتوخاة من حق االرتفاق ،وهذا يعني أنه إذا هلك العقار
المرتفق أو العقار المرتفق به ،فإن هذا الهالك يكون سببا أيضا في انقضاء حق االرتفاق،
ونمثل لذلك بحق المرور المعد لخدمة منزل معين ،فإذا هلك هذا المنزل بانهياره وسقوطه
مثال ،فإن هذا األمر يحد من استمرارية حق االرتفاق ،وبالتالي ينتهي هذا األخير ويزول.
-انقضاء حق االرتفاق باستحالة استعماله :فمن بين أسباب انتهاء حق االرتفاق حينما
يصبح من المستحيل استعمال االرتفاق ،بحيث يتبين أنه أصبح من المستحيل بصفة مطلقة
ودائمة استعمال االرتفاق ،سواء كانت هذه االستحالة آتية من العقار المرتفق ،كما إذا كان
هناك ارتفاق بسقي أرض زراعية فتحولت إلى حي سكني ،وكما لو هدم العقار الذي له
حق المطل وحول إلى مزرعة ،أو كانت آتية من العقار المرتفق به ،كما لو غاضت مياه
العين التي يسقي منها صاحب العقار المخدوم.52
وعموما يمكن القول بأنه إذا اجتمع عقارين في يد شخص واحد فإن حق االرتفاق ينتهي
وينقضي ،فلو كان مثال لشخص حق االرتفاق على عقار معين ،وقام هذا الشخص باقتناء ذلك
العقار ،فإن حق االرتفاق في هذه الحالة ينتهي ،ألن العقار المرتفق والعقار المرتفق به في يد
شخص واحد.
والقيود التي ترد على حق الملكية ترد في شكل تحمالت لحماية المصلحة العامة والخاصة
ترجع كلها إلى الجوار بين المالك في إطار المفهوم العيني لهذه التحمالت التي تتعدد أنواعها
(المطلب األول) ،لرفع مضار الجوار في إطار الحد من التعسف في استعمال الحق ،وذلك
على نحو يحافظ على نية الجوار ويسمح بالعيش في إطار رحب تحقيقا في نهاية المطاف
لمصلحة عامة وجماعية.
31
المطلب االول :المفهوم العيني للتحمالت العقارية
إن التحمالت العقارية باعتبارها قيودا قانونية على حق الملكية يرسم بها المشرع الحدود التي
يجب على المالك مراعاتها في ممارسة حقه التي ترتبط باألمالك المالصقة من جهة (الفقرة
األولى) ،ومن جهة أخرى تلك التي تتعلق باألمالك المتجاورة (الفقرة الثانية).
إن المشرع ووعيا منه بالنزاعات التي تنشأ بين المالك المتجاورين بسبب الحدود ،فقد عمد
المشرع إلى تقنين هذه النقطة من خالل التنصيص على إمكانية إجبار الجار على تعيين حدود
االمالك المتالصقة بين عقارين كل ذلك بهدف الحفاظ ورفع مضار الجوار.
فبالرجوع إلى المادة 70من قانون ،39.08التي تنص على أن للجار ان يجبر جاره على
تعيين حدود ألمالكهما المتالصقة ،وتكون نفقة التحديد مشتركة بينهما.
وباستقراء هذا النص ،يتبين أنه إدا كان هناك أرضين متالصقين غير مبينين ويعودان
لمالكين مختلفين ،ويريد أحد المالكين إقامة حدود فاصلة على أرضهما حتى تتميز كل أرض
عن االخرى ،فإن كل مالك يجبر على المساهمة في هذا العمل ،وبذلك تتقيد حريته في ملكه
بعد أن كان حرا في تحديد هذا الملك من عدمه ،وذلك مالم يتفق المالكان وديا على وضع
الحدود ،فإدا تعذر هذا االتفاق ألي سبب من االسباب جاز لمالك االخر أن يرفع على المالك
الممتنع دعوى تعيين الحدود ،بمعنى أن المشرع أقر هذا الحق استنادا إلى واقعة عينية وهي
التالصق بين ملكين متجاورين وهو ما يجعله حقا قائما بقوة القانون بمجرد قيام حالة التالصق
53المصطفى الخطيب التحمالت العقارية :أي حماية لبيئة الجوار في ضوء مدونة الحقوق العينية ,مقال منشور في مجلة
المحاك
32
بين ملكيتين ،غير أنه إدا كان للجار أن يجبر جاره على تعيين حدود امالكهما المتالصقة،
فإنه ليس له أن يجبره على تصوير أرضه إال إدا تضرر من ذلك نص المادة 76م .ح .ع.
غير أن االشكال المطروح هنا ،هل تقتصر المطالبة بتعيين الحدود على المالك فقط كما يؤخذ
من ظاهر المادة 70من م .ح .ع؟
بل يثبت كذلك أيضا لكل من له حق عيني على عقار كالمنتفع وصاحب حق االستعمال باعتبار
حقوقهما تنصب مباشرة على العقار.54
وغني عن البيان أن االلتزامات التي تعود إلى وضع الحدود ال تتحقق في حقل العقارات
المحفظة مادامت تخض ع لعملية التحديد الدقيق قبل انشاء وتأسيس الرسم العقاري ،لذلك ال
يمكن تصور وجود هذا النوع من التحمالت على العقارات المحفظة ،إد يكفي الرجوع إلى
الرسم العقاري والخريطة الطبوغرافية لتبيان الحدود.
إن النظر إلى طبيعة حق الملكية وما يخوله لصاحبه من عناصر وسلطات واسعة في
استعمال والتصرف في أرضه ،وبالتالي ارتباطا بهذا،فإن له أن يغرس أرضه بم شاء من
االغراس واالشجار لكن دائما عليه استحضار قاعدة جوهرية التي تتجلى في عدم التعسف
في استعمال الحق التي تجد سندها في القانون واالتفاق ،لما هو مقرر في المادة 14من م.
ح .وعليه التقيد بقيود تحد من األضرار التي يمكن أن تلحق جاره من هذه االغراس ،والتي
عمل المشرع على تنظيمها في مجموعة من المقتضيات في مدونة الحقوق العينية:
فإذا كانت هذه االشجار تتجاوز مترين ،على المالك أن يترك بين الحائط الفاصل بين أرض
الجار واالرض التي سيقام الغرس عليها ،وإدا كانت ال تتجاوز المترين يتعين أن يترك مسافة
نصف متر فقط مع وجود استثناء لهذه القاعدة عندما يكون علوا االشجار ال يتجاور قمة
الحائط ،المادة 72من م .ح .ع.
فمن أحدت شيئا فيه ضرر للجار محقق ال محتمل يمنع من إحداثه ويزال ،وهذا ما أخدت
به الشريعة االسالمية لقوله صلى هللا عليه وسلم "ال ضرر وال ضرار"
العينية في إطار الملكيات المتجاورة ،وما يتولد عنها من مضار الجوار الغير المألوفة ،وهو
ما أقره المشرع في المادة 21من م .ح .ع .والضرر هو كل من يستعمل ملكيته بطريقة غير
مألوفة على نحو يخل التوازن الطبيعي للملكيات المتجاورة.
وهو ما أكدت عليه المادة 71هذه األخيرة التي وسعت من النطاق الجغرافي ،إد لم يعد مقابال
لاللتصاق ،مما يعني أن المشرع جعل المجال الجغرافي للجوار يتحقق بالقرب أيضا دون
اشتراط االلتصاق ،55فالمادة 71خولت للجيران المطالبة بإزالة المضار التي تتحاوز المألوف
مع مراعاة طبيعة العقارات وموقع كل منها بالنسبة لآلخر.
وبتصفح المادة 71من م .ح .ع نجد أن لفظ الجيران جاء مطلق ،وبالتالي لم تحدد لنا من
له صفة الجار ،وبالتالي يستدعي منا االمر التمييز بين الجار الضحية والجار المسؤول عن
الضرر.
صفة الجار الضحية :فما دام االمر مفتوح في المادة 71من نفس القانون ،فهي ال تعني فقط
المالكين المتجاورين وأصحاب الحقوق العينية ،إذ يشمل أيضا أصحاب الحقوق الشخصية
على االمالك ال متجاورة ،إد أن للجار المكتري بهذه الصفة مقاضاة جاره وليس المكري عن
االذايات الدي سببها له ،وهذا ما تم التنصيص عليه في الفصل 649من ق .ل .ع ،فوجود
رابطة فعلية بين الشخص والملك الذي يشغله أو يستغله ،إد بهذه الصفة تخول له االدعاء متى
لحقه الضرر
صفة الجار المسؤول عن المضار :فهذه الصفة كذلك مرتبطة بالمالك المتسبب للضرر وكل
صاحب حق عيني على عقار أو شخصي ،ألن مسؤوليتهم تقوم متى كانوا متسببين في الضرر
سواء باعتبارهم مالكين ،مكترين،
وبشكل عام طبقا لما جاء في إحدى قرارات محكمة النقض ،أنه ال تشترط الملكية لطلب رفع
مضار الجوار ،فيكفي أن يكون جارا المتسبب في الضرر عمال بالمادة 71من مدونة الحقوق
العينية.56
56قرار محكمة النقض ،عدد 4941الصادر في 21أبريل "ليس للجريان أن يطالبوا بإزالة مضار الجوار المألوفة التي ال
يمكن تجنبها وإنما لهم أن يطالبوا بإزالة المضار التي تتجاوز الحد المألوف على أن يراعي في ذلك العرف وطبيعة
العقارات وموقع كل منها بالنسبة لالخر والغرض الذي خصصت له .ومؤدى ذلك أنه ال تشترط امللكية لطلب رفع الضرر
فيكفي أن يكون جارا للمتسبب في الضرر عمال بمقتضيات المادة 71من مدونة الحقوق العينية.
35
المطلب الثاني :رفع مضار الجوار
إن المشرع في مدونة الحقوق العينية عمل على تقييد حق الملكية بمجموعة من القيود لكي
تؤدي وظيفتها االجتماعية حتى ال يخرج حق الملكية عن غايته وال يساء استعماله ،إما في
سبيل تحقيق النفع العام أو ما هو مقرر لرفع مضار الجوار.
والتحمالت العقارية اعتبرها المشرع المصري بصريح العبارة بمثابة قيود واردة على حق
الملكية ،عندما نص في المادة 806من القانون المدني بأنه على المالك أن يراعي في استعمال
حقه ما تقتدي به القوانين والمراسيم واللوائح المتعلقة بالمصلحة العامة أو المصلحة الخاصة،
وعليه ايضا مراعاة االحكام الواردة في المادة الموالية من قبيل التعسف في استعمال الحق
ومضار الجوار الغير المألوفة، 57وهو االمر الذي كانت الشريعة اإلسالمية سباقة باألخذ به،
وبالتالي فعلى المالك إزالة مضار الجوار الغير المألوفة .والتساؤل الذي يمكن طرحه هنا
طبيعة الضرر الذي يزال؟
وبالقراءة المتأنية للباب الثاني من الفصل الثاني المخصص للتحمالت العقارية ،نجد أنه
يعالج مسالة الضرر من خالل أمرين :إزالة الضرر القائم (الفقرة االولى) وكذلك ازالة
الضرر المستقبلي (الفقرة الثانية).
57العربي مياد ،الحقوق العينية االصلية والتبعية ،دراسة عملية مقارنة في التشريعات والعمل القضائي العربيين ،الطبعة
األولى ،2021مطبعة دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع ،الرباط ،ص.364
58عبد الكريم شهبون ،الشافي في شرح مدونة الحقوق العينية الجديدة وفق قامون ،39.08الطبعة الثالتة ،2018مطبعة
غير مذكورة ،ص 182
36
الذي ال يكون مصدره الطبيعة ،وإنما فعل االنسان ،واذا كان مما ال يعتاد المرء على تحمله
والتسامح بشأنه.59
وبالرجوع إلى المادة 71من مدونة الحقوق العينية ،نجدها قد نصت على معايير تحديد
الضرر الغير المألوف ،حيث جاء فيها ليس للجيران أن يطالبوا بإزالة مدار الجوار التي ال
يمكن تجنبها ،وإنما لهم أن يطالبوا بإزالة التي تتجاوز الحد المألوف ،على أن يراعي في ذلك
العرف وطبيعة العقارات وموقع كل منها بالنسبة لألخر والغرض التي خصصت له ،وقد جاء
في إحدى قرارات محكمه النقض ،ال يجوز للجيران المطالبة بإزالة االضرار الناشئة عن
االلتزامات العادية للجوار كالدخان وغيره من المضار التي ال يمكن تجنبها والتي ال تتجاوز
الحد المألوف .60كما جاء كذلك في قرار آخر لمحكمة النقض بأنه يحق المطالبة بإزالة أضرار
الجوار التي تتجاوز الحد المألوف عمال بالمادتين 21و 71من مدونة الحقوق العينية.61
على أنه في حالة كان هناك ترخيص للجار الذي يضر جاره ،فال يحول ذلك الترخيص
الصادر من السلطات المختصة من بلدية أو جماعة قروية دون استعمال الحق بالمطالبة بإزالة
الضرر ،عمال بالقاعدة الفقهية "الضرر يزال"62
ومما تجدر االشارة إليه ،إال أن إزالة الضرر القائم ليس محصورا في الضرر الخاص ،بل
يمتد إلى الضرر العام ،وذلك ما نصت عليه المادة 77من مدونة حقوق العينية ،من خالل
الحديث عن شروط إقامة المصانع والمحالت المضرة بالصحة والبيئة ،وهوما أكدت عليه
المواد 74 /73،مدونة الحقوق العينية ،حيث تنص على أن للجار أو من له مصلحة في
المطالبة بدفع ا لضرر سواء عن امتداد أغصان االشجار فوق أرض الجوار ،أو على جنبات
الطريق بقطعها أو المطالبة بقطعها فقال ابن العاصم:
هذا عالوة على أن الضرر القديم ال يجوز االدعاء به طبقا لمقتضيات المادة 75من م ح ع.
فالضرر يمنع سواء كان قائما أو محقق الوقوع فيلزم التوقي منه ودفع أسبابه ،وجلبا لألمن
واالستقرار وتماشيا مع قاعدة سد الذرائع ،نجد المادة 71السالفة الذكر تحدد طبيعة الضرر
الذي تجوز المطالبة بزواله.
أما ما يرتبط بمجال الغرس فنجد المادة 72تقيد المالك بعدم غرس أشجار أو شجيرات أو
أغراس على حدود أرضه دون مراعاة المسافة التي تحددها األنظمة في حال وجوده ،أما في
عدم وجودها فقد نص على تحديد المسافة بحسب نوع المغروسات ،فإذا كانت المغروسات
مما يفوق علوها مترين لزم غرسها على مسافة مترين من الحد ،ونصف متر إذا كانت دون
ذلك ،وهذه المسافة ال يلزم الغارس بالتقيد بها في حالة وجود حائط على الحدود ،شريطة أال
تعلو األغراس قمة الحائط م .72
كما أجازت المادة 78لمالك العقار الذي يخشى ألسباب واقعية كحدوث شقوق في البيت نتيجة
األعمال المجاورة للعقار أن يطالب من مالك العقار باتخاذ ما يلزم لمنع حدوث الضرر ،كما
له الحق في المطالبة بوقف األشغال ودلك عن طريق رفع دعوى لدى القضاء االستعجالي.
38
خاتمة
وختاما يمكن القول بأن حق االرتفاق والتحمالت العقارية تلعب دورا كبيرا في الحياة العملية،
لما لها من أهمية كبيرة والتي تظهر من حيث تمكينها من استغالل العقارات وتيسير االنتفاع
بها واستثمارها في مختلف األوجه ،وهي بدونها تكون ضعيفة المنفعة قليلة القيمة ،ومن حيث
مساهمتها في تنظيم عالقات الجوار وتمكين حق الملكية من أداء وظيفته االقتصادية ،وقد
ازدادت أهمية حقوق االرتفاق بفعل التطورات التي عرفتها المجتمعات البشرية وما فرضته
تلبية حاجاتها األساسية من انشاء لوسائل المواصالت البرية والبحرية والجوية ،وإحداث
لشبكات تو زيع الماء والكهرباء واالتصاالت ،وتصريف المياه المستعملة وغير ذلك من
مظاهر االرتفاقات الجديدة ،ومع ذلك فإن المشرع المغربي اقتصر في تنظيمه لحقوق
االرتفاقات على االرتفاقات التقليدية دون االرتفاقات العصرية رغم أن مدونة الحقوق العينية
لم تصدر إال مؤخرا.
39
الئحة المراجع
❖ الكتب
✓ م حمد ابن معجوز ،الحقوق العينية في الفقه اإلسالمي والتقنين المغربي ،طبعة
،2008مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء.
✓ ا لعربي محمد مياد ،الحقوق العينية األصلية والتبعية دراسة عملية مقارنة في
التشريعات والعمل القضائي العربيين ،الطبعة االولى ،مطبعة دار السالم ،الرباط.2021 ،
✓ حليمة بن حفو ،شرح القانون العقاري المغربي ،الطبعة االولى ،المطبعة والوارقة
الوطنية ،مراكش.2022 ،
✓ ادريس الفاخوري ،الحقوق العينية وفق القانون رقم ،39.08طبعة ،2013مطبعة
المعارف الجديدة ،الرباط.
✓ عبد الكريم شهبون ،الشافي في شرح مدونة الحقوق العينية الجديدة وفق القانون
رقم ،39.08الطبعة الثالثة ،المطبعة غير مذكورة ،السنة .2018
✓ مأمون الكزبري ،التحفيظ العقاري والحقوق العينية االصلية والتبعية في ضوء
التشريع المغربي -الجزء الثاني -العربية لطباعة والنشر ،الطبعة الثانية ،الرباط ،السنة
.1987
جابر التامري ،اإلشكاالت المتعلقة بحقوق االرتفاق في ضوء مدونة الحقوق ✓
العينية والفقه اإلسالمي وعمل القضاء ،بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون المدني،
جامعة ابن زهر ،كلية الحقوق ،السنة الجامعية .2016/ 2015
40
عبد رفيع أيت الحاج ،حقوق االرتفاق على ضوء المستجدات والعمل ✓
القضائي ،رسالة لنيل الماستر في القانون الخاص العربي ماستر العقار والتنمية،
جامعة عبد المالك السعدي كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية طنجة،
السنة الجامعية 2013؛.2014
محمد مومن ،حقوق االرتفاق في القانون المغربي ،رسالة لنيل دبلوم ✓
الدراسات العليا المعمقة في القانون المدني ،جامعة قاضي عياض ،كلية العلوم
القانونية واالقتصادية واالجتماعية مراكش ،سنة الجامعية .1997-1998
معاد الناجي ،أحكام االتفاقات القانونية المكرسة في مدونة الحقوق العينية، ✓
رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ،ماستر قانون العقار والتعمير ،كلية
العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،جامعة ابن زهر ،أكادير ،السنة الجامعية
.2021/2020
❖ المقاالت
محمد مومن ،حق االرتفاق ،مقال منشور بالموقع االلكتروني ✓
، www.anibrass.blogsport.comتم االطالع عليه بتاريخ 2024/01/07
على الساعة .12:40
المصطفى الخطيب التحمالت العقارية :أي حماية لبيئة الجوار في ضوء ✓
مدونة الحقوق العينية ،مقال منشور في مجلة المحاك.
41
الفهرس
مقدمة3 .....................................................................................................
42
43