You are on page 1of 99

‫عشية قمة التنمية االقتصادية واالجتامعية العربية‬

‫جامعة الدول العربية‬


‫م�شاريع اال�صالح بني االطالقات املتكررة واالجنازات املتعرثة‬

‫‬

‫�شفيق �شعيب‬

‫عشية قمة التنمية االقتصادية‬


‫واالجتامعية العربية‬
‫جامعة الدول العربية‬
‫م�شاريع اال�صالح بني االطالقات املتكررة واالجنازات املتعرثة‬

‫‬
‫عشية قمة التنمية االقتصادية واالجتامعية العربية‬
‫جامعة الدول العربية‬
‫م�شاريع اال�صالح بني االطالقات املتكررة واالجنازات املتعرثة‬

‫�شفيق �شعيب‬

‫باحث و�أ�ستاذ يف اجلامعة اللبنانية‪-‬لبنان‬

‫الطبعة أ‬
‫الوىل‪ ،‬بريوت ‪ ،‬كانون الثاين ‪2009‬‬
‫حقوق الطبع حمفوظة لل�شبكة‬

‫�شبكة املنظمات العربية غري احلكومية للتنمية هي �شبكة �إقليمية تعمل على ثالث ق�ضايا‬
‫وال�صالحات االقت�صادية‪-‬‬
‫رئي�سية يف املنطقة العربية هي‪� :‬سيا�سات التنمية‪ ،‬الدميقراطية إ‬
‫االجتماعية‪ ،‬والعوملة والتجارة‪ .‬وت�ضم ال�شبكة ‪� 7‬شبكات وطنية و‪ 27‬منظمة غري حكومية‬
‫من ‪ 11‬بلداً عربي ًا‪.‬‬

‫لالت�صال‪:‬‬
‫مكتب «�شبكة املنظمات العربية غري احلكومية للتنمية» التنفيذي‬
‫بناية الزهريي‪ ،‬الطابق الرابع‬
‫وطى امل�صيطبة‪ ،‬منطقة الكوال‬
‫�ص‪.‬ب‪ ،14/5792 :.‬املزرعة‪2070-1105 :‬‬
‫بريوت‪ ،‬لبنان‬
‫هاتف‪)961( 1 319 366 :‬‬
‫فاك�س‪)961( 1 815 636 :‬‬
‫بريد �إلكرتوين‪annd@annd.org :‬‬
‫املوقع ال�شبكي‪www.annd.org :‬‬

‫‬
‫خلفية للورقة‬

‫خالل عام ‪ ،2008‬ت�شاركت كل من �شبكة املنظمات العربية غري احلكومية للتنمية‬


‫ركز على‬‫‪ANND‬ومنظمة اك�شن ايد العاملية ‪ Action Aid AA‬لتنفيذ �رشوع ُي ِّ‬
‫م�سائل الدميقراطية واحلاكمية ودور امل ؤ��س�سات العاملية واالقليمية البني‪-‬حكومية‪.‬‬
‫وقد جاء امل�رشوع مكمال للن�شاط الذي بد�أته ال�شبكة مع منظمة اك�شن ايد يف‬
‫العام ‪ .2007‬وقد رمى امل�رشوع �إىل تعميق النقا�شات واملداوالت املتعلقة بالروابط‬
‫القائمة بني الدميقراطية واحلاكمية من خالل‪:‬‬
‫‪ - 1‬حتليل حمتوى املفاهيم املتعلقة باحلاكمية واال�صالح التي يتم ترويجها يف‬
‫املنطقة العربية‪.‬‬
‫‪ - 2‬تقدمي افكار ومفاهيم بديلة حول احلاكمية واال�صالحات مبنية على‬
‫ر ؤ�ى واراء منظمات املجتمع املدين واملجتمعات املحلية‪.‬‬
‫‪ - 3‬تفعيل م�ساحات واليات لل�ضغط من قبل منظمات املجتمع املدين يف‬
‫اطار م�سارات وقمم �صناعة القرار يف املنطقة العربية‪.‬‬
‫ميكن االقتبا�س او اعادة الن�رش من هذه املن�شورة مع �إال�شارة �إىل م�صدرها‪ .‬كما‬
‫ميكن العثور على ن�سخة �إلكرتونية على موقع ال�شبكة االلكرتوين‪:‬‬
‫‪www.annd.org‬‬

‫‬

‫املحتويات‬

‫ـ مدخل واطار عام‬


‫{ منظومة العمل العربي امل�شرتك‪ .‬مرحلة متميزة وتاريخ جديد‬
‫{ قمة عمان ‪ 2001‬تُطلق ور�شة اال�صالح وتكلف عمر مو�سى باملهمة‬
‫{ الر ؤ�ية اال�صالحية يف م�رشوع عمر مو�سى‬

‫ـ الق�سم االول‬
‫ـ الف�صل االول‪ :‬تاريخية اال�صالح‪ :‬بني التداخل واالزدواجية‬
‫‪ .1‬بني املجل�س االقت�صادي واالجتماعي وجمل�س الوحدة االقت�صادية‪.‬‬
‫‪ .2‬حمطة عمان ‪ 1980‬حماولة ا�صالحية اوىل للتفعيل والتطوير‬
‫‪ .3‬حماولة اوىل ملعاجلة ظاهرة التداخل يف عمل املنظمات العربية املتخ�ص�صة‬
‫تب ؤ� بالف�شل‬
‫‪ .4‬املجل�س االقت�صادي واالجتماعي امام مهمة جديدة‬
‫‪ .5‬جمل�س الوحدة االقت�صادية العربي‪ .‬هيئة تبحث راهنا عن تظهري دورها‬
‫و�سط ت�ضارب امل ؤ��س�سات‬

‫ـ الف�صل الثاين‪ :‬تقرير مو�سى حول حتديث انظمة العمل العربي امل�شرتك‬
‫‪ .1‬االطار التنظيمي لعمل املجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫‬
‫‪ .2‬املتطلبات اال�سا�سية الالزمة لفاعلية ت�شغيل االطار التنظيمي للمجل�س‬
‫االقت�صادي واالجتماعي‬
‫يح�ض لـ«القمة التنموية واالقت�صادية‬
‫رّ‬ ‫‪ .3‬املجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬
‫واالجتماعية العربية» املزمع عقدها يف الكويت مطلع ‪2009‬‬
‫‪ .4‬تقرير مو�سى حول خيارات العمل االقت�صادي العربي امل�شرتك‬

‫ـ الف�صل الثالث‪ :‬جامعة الدول العربية بني مبادرات ال�ضغط والتحفيز‪.‬‬


‫ـ مبادارت اقليمية‬
‫ـ مبادرات اال�صالح االهلية العربية‪ :‬مبادرات متناثرة وغياب هموم الت�شبيك‬
‫{ «املنظمة العربية حلقوق االن�سان»‬
‫{ تقرير التنمية االن�سانية العربية يوليو‪ /‬متوز ‪2002‬‬
‫{ املنتدى املدين العربي االول‪ /‬املوازي للقمة العربية‪ .‬بريوت‬
‫{ اعالن الدوحة من اجل الدميوقراطية واال�صالح‬
‫{ وثيقة اال�سكندرية‬
‫{ املنتدى العربي للحوار الدميوقراطي (اعالن �صنعاء)‬
‫{ رابطة ا�صدقاء جامعة الدول العربية‬
‫{ ت�شبيك وتن�سيق‪ :‬حاجات مو�ضوعية جديدة‪ .‬حماولة منتدى احلوار‬
‫الدميوقراطي العربي‬

‫ـ الق�سم الثاين‬
‫ـ الف�صل االول‪ :‬حول املجتمع املدين العربي‬
‫ـ بحث عن دور و�سط بيئة م ؤ�اتية وقلقة وانتقالية يف �آن‬
‫ـ قلق الت�شكل وا�شكاالت التبلور‬
‫{ ازاحة مفهومية ووظائف جديدة‬
‫{ بني «املجتمع املدين» واجلامعة العربية‪ :‬هموم م�شرتكة وتقاطعات ملتب�سة‬
‫{ قبل «الـ اين؟»‪� ،‬أي «جمتمع مدين عربي»؟‬

‫ـ الف�صل الثاين‪ :‬غربة برنامج ادارة احلكم يف الدول العربية( ‪ )POGAR‬عن التقاطع‬

‫‬
‫مع اجلهود اال�صالحية للجامعة العربية‬
‫{ مهمة الربنامج‬
‫{ االطار املفاهيمي‬
‫{ ا�سرتاتيجية برنامج ( ‪)POGAR‬‬
‫{ جهد دويل ا�ضايف يف ور�شة التحفيز املتكيف من اجل اال�صالح‬
‫{ تفعيل املجتمع املدين العربي احد اال�ستهدافات الكربى لربنامج ادارة احلكم‬
‫يف الدول العربية ( ‪)POGAR‬‬
‫{ مهمة البحث عن دالالت غياب التقاطع مع امل�رشوع اال�صالحي للجامعة‬
‫العربية‬

‫ـ الف�صل الثالث‪ :‬مقاربات نقدية‪:‬‬


‫{ مقاربة نقدية قطاعية‪ :‬منوذج اتفاقية التجارة احلرة العربية (‪)GAFTA‬‬
‫{ ملف اتفاقية التجارة احلرة العربية (‪ )GAFTA‬على جدول اعمال «�شبكة‬
‫املنظمات العربية غري احلكومية للتنمية» ‪ANND‬‬
‫{ مدخل اال�صالح‪ :‬ا�صالح اجلامعة ام ا�صالح منظماتها؟‬
‫{ اعادة االعتبار للمقاربة ال�سيا�سية‬
‫{ ازمة املوجة اال�صالحية وازمة خياراتها‬
‫{ التحدي امل�ستمر بني اتخاذ القرارات اال�صالحية وتنفيذها‬
‫{ ا�صالحات اجلامعة العربية عنوان ا�ضايف يف ور�شة اال�صالح العام‪ .‬ح�ضور‬
‫ملتب�س وهوية غري حا�رضة وغري بارزة‬

‫ـ خال�صات‪ :‬حتديات امام قمة التنمية االقت�صادية االجتماعية العربية‬


‫{ بني الفردانية ومهام التن�سيق والت�شبيك‪.‬‬
‫{ «املراكمة اال�صالحية» بني ال�ضعف الراهن واحلاجة املركزية‬
‫{ ق�ضايا‪ :‬مهام وحتديات‬
‫{ اولوية الر ؤ�ية التنموية‬
‫{ اخليارات التنموية بني القراءة االحادية واملركبة‬

‫‬
10
‫مدخل واطار عام‬

‫{ منظومة العمل العربي امل�شرتك‪ :‬مرحلة متميزة وتاريخ جديد‬

‫منذ التوقيع على ميثاق اجلامعة العربية يف العام ‪ ،1945‬كانت املبادرات واالفكار‬
‫واالقرتاحات لتطوير اجلامعة وا�صالح م ؤ��س�ساتها‪ .‬اال ان معظم تلك املحاوالت‬
‫الولني من تاريخها‪ ،‬كانت املنطقة‬ ‫مل يكتب لها النجاح‪ .‬ففي حقبة العقدين أ‬
‫العربية م�رسحا الحداث هامة �سترتك ت أ�ثرياتها على جممل التاريخ الالحق للمنطقة‬
‫برمتها‪ ،‬و�ستدمغ تاريخ اجلامعة بنتائجها‪.‬‬
‫فقد �شهدت املرحلة االوىل من تاريخ اجلامعة والدة �سل�سلة من الدول امل�ستقلة‬
‫حديثا‪ .‬وعرفت العديد من هذه الدول �سل�سلة من التغريات يف طبيعة انظمتها‬
‫ال�سيا�سية‪ .‬كما كان للخالفات العربية‪-‬العربية عميق االثر على هذه امل ؤ��س�سة‬
‫وعلى دورها وفاعليتها املفرت�ضني‪ .‬بالرتافق مع ذلك‪� ،‬شهدت املنطقة انطالقة‬
‫خالفات بني م�شاريع اقامة االحالف االقليمية والدولية وم�شاريع الوحدة‬
‫العربية‪ ،‬التي متت حماولة فر�ضها ولو ب�صورة فوقية واثارت وما زالت الكثري‬
‫من اجلدل حول ظروف حتققها وا�سباب ف�شلها‪ .‬كذلك‪ ،‬فقد تعمقت اخلالفات‬
‫امل�رصية ال�سعودية وتركت �سل�سلة من التداعيات على ال�صعيد العربي‪ ،‬يف اليمن‬
‫وغريها‪ ،‬من جهة‪ .‬ومن جهة اخرى‪� ،‬شهدت املنطقة خالل هذين العقدين‬

‫‪11‬‬
‫�سل�سلة من االحداث الوطنية الهامة‪ .‬فمن االعتداء الثالثي على م�رص عام ‪،1956‬‬
‫اىل الهزمية العربية يف ‪ ،1967‬اىل انطالقة املقاومة الفل�سطينية وتعزز خيارها بعد‬
‫هذه الهزمية‪ ،‬وما �سيرتكه ذلك من تداعيات يف اطار التناق�ض بني م�رشوع الثورة‬
‫والدولة يف اكرث من بلد عربي‪ ،‬وبخا�صة ما �شهده االردن يف ايلول ‪.1969‬‬
‫ان جممل هذه االو�ضاع �سترتك عميق االثر على جتربة م ؤ��س�سة اجلامعة العربية‬
‫وتكبح وحتد من فاعليتها وتهم�ش دورها الذي ت�ضمنه ميثاق ت أ��سي�سها‪ .‬و�سي�ستمر‬
‫هذا الواقع ل�سنوات و�سنوات ريثما تتبدل جممل الظروف التي فر�ضت ايقاعات‬
‫املرحلة ال�سابقة ور�سمت حدودها‪.‬‬
‫وقد �شكلت قمة القاهرة للعام ‪ 2000‬حمطة متميزة يف اطار اطالق ور�شة جديدة‬
‫لال�صالح‪ .‬واطلقت م ؤ��س�سة القمة العربية‪ ،‬على مدى ال�سنوات التي تلت‪،‬‬
‫�سل�سلة من اال�صالحات امل ؤ��س�سية على هذا ال�صعيد‪ .‬فقد اكدت قمة القاهرة‬
‫على اعتماد �آلية االجتماع ال�سنوي للقمة‪ ،‬وتفعيل مرجعية عليا منتظمة للعمل‬
‫العربي امل�شرتك‪ .‬وقرار قمة عمان يف العام ‪ 2001‬ق�ضى بتكليف االمني العام‬
‫للجامعة باتخاذ اخلطوات الالزمة العادة هيكلة االمانة العامة‪ ،‬وبالتطوير ال�شامل‬
‫لكافة م ؤ��س�سات اجلامعة واجهزة عملها‪ ،‬و�صياغة انظمة جديدة للعمل العربي‬
‫امل�شرتك‪ .‬وقرار قمة بريوت يف العام ‪ 2002‬اكد على اال�رساع بتنفيذ منطقة‬
‫التجارة احلرة العربية الكربى بحلول عام ‪ 2005‬بدال من عام ‪ ،2007‬وحترير‬
‫جتارة اخلدمات‪ ،‬واعداد الدرا�سات الالزمة القامة االحتاد اجلمركي العربي‪.‬‬
‫يف نف�س �سياق اجلهد اال�صالحي‪ ،‬متحور اعالن قمة تون�س ‪ 2004‬يف املجال‬
‫العربي‪ ،‬على حقوق االن�سان‪ ،‬والدميوقراطية‪ ،‬ودور املر�أة‪ ،‬والفقر‪ ،‬والتعليم‪،‬‬
‫واالمية‪ ،‬واكت�ساب املعرفة‪ .‬كما ا�شتمل هذا االعالن على ملحق ادرج حتت‬
‫عنوان تو�سيع امل�شاركة ال�شعبية ودعا اىل ان�شاء برملان عربي على غرار ما هو‬
‫معمول به يف اطار االحتاد االوروبي‪ .‬وت�ضمن االعالن اي�ضا ملحق ان�شاء حمكمة‬
‫عدل عربية‪ ،‬متثل اجلهاز الق�ضائي الرئي�س يف معاجلة الق�ضايا العربية القانونية يف‬
‫االطار العربي‪ ،‬وملحق دعم العمل العربي امل�شرتك على ا�سا�س ا�ستكمال منطقة‬
‫التجارة احلرة العربية يف العام ‪ 2005‬واقامة االحتاد اجلمركي بحلول ‪2015‬‬

‫‪12‬‬
‫متهيدا لقيام ال�سوق العربية امل�شرتكة بحلول العام ‪ ،2020‬وملحق بتطوير املجل�س‬
‫االقت�صادي واالجتماعي العربي لي�صبح مركز العمل االقت�صادي العربي قيادة‬
‫ومتابعة يف تنفيذ اال�سرتاتيجيات التي تقررها القمة‪ ،‬وملحق بان�شاء م�رصف‬
‫‬
‫عربي لالعمار والتنمية‪.‬‬

‫قمة عمان ‪ 2001‬تُطلق ور�شة اال�صالح وتكلف عمر مو�سى‬ ‫{‬

‫باملهمة‬

‫�شكلت جملة االو�ضاع االقليمية والدولية النا�شئة مع مطلع االلفية الثالثة‪ ،‬بيئة‬
‫م ؤ�اتية يف الدفع باجتاه فتح ملف مواجهة االو�ضاع العربية التي تت�سم بال�ضعف‪،‬‬
‫ح�سب تو�صيف امني عام اجلامعة العربية ال�سيد عمر مو�سى‪« .‬ففي ظل الظروف‬
‫االقليمية والدولية غري امل ؤ�اتية‪ ،‬ويف �ضوء ما تعانيه الدول العربية من �ضعف‪ ،‬كان‬
‫من الطبيعي ان تتعاىل ا�صوات كثرية تنادي باال�صالح ال�شامل للو�ضع العربي‬
‫العام والعمل العربي امل�شرتك‪ ،‬واجلامعة العربية ب�صورة خا�صة‪ .‬وحتملت اجلامعة‬
‫نقدا وا�سعا ملا يت�صوره الكثريون من عجز اجلامعة عن التعامل مع التحديات‬
‫التي تواجه العامل العربي والتو�صل حللول لق�ضاياهم‪ ،‬او بلورة مواقف عربية‬
‫جماعية ازاء الهجوم والتهجم على العرب‪ ،‬وميل اجلامعة نحو ال�شجب واالدانة‬
‫دون طرح خطط ملواجهة املخاطر الكامنة والظاهرة التي نتعر�ض لها‪ ،‬باال�ضافة‬
‫اىل الف�شل العام يف حتقيق االندماج والتكامل االقت�صادي العربي‪� ،‬أو االمناء‬
‫‬
‫االجتماعي والتطور الثقايف»‪.‬‬
‫غداة و�صوله اىل موقع االمانة العامة للجامعة يف مار�س‪� /‬آذار العام ‪ ،2001‬اثر‬
‫قرار قمة عمان (‪ )217‬بتعيينه وتكليفه باتخاذ اخلطوات الالزمة العادة هيكلة‬
‫ ‪ -‬راجع تقرير االمني العام جلامعة الدول العربية اىل جمل�سها على م�ستوى القمة يف دورته‬
‫ال�ساد�سة ع�رشة (دورة تون�س)‪« .‬من اجل ا�صالح جامعة العربية»‪ .‬من�شورات مركز درا�سات‬
‫الوحدة العربية‪ .‬بريوت‪ .‬الطبعة الثانية ‪� .2005‬ص �ص‪.742...585 :‬‬
‫ ‪ -‬تقدمي امني عام اجلامعة العربية حول تطوير العمل العربي امل�شرتك ومنظومته يف اطار اطالق‬
‫برناجمه اال�صالحي جلامعة الدول العربية‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫االمانة العامة مبا ميكنها من اال�ضطالع مبهامها‪ ،‬والقرار (‪ )218‬اخلا�ص بالتطوير‬
‫ال�شامل جلامعة الدول العربية وتفعيل دورها وتكليف االمني العام باتخاذ‬
‫االجراءات الالزمة لتحديث وتطوير انظمة العمل العربي امل�شرتك‪� ،‬سارع ال�سيد‬
‫عمر مو�سى اىل تقدمي ر ؤ�يته ل�سبل تطوير وتفعيل العمل العربي امل�شرتك واعادة‬
‫هيكلة وتطوير االمانة العامة للجامعة العربية‪.‬‬

‫{ الر ؤ�ية اال�صالحية يف م�رشوع عمر مو�سى‬

‫ا�شتملت هذه الر ؤ�ية على جملة من التوجهات اال�صالحية‪ ،‬طالت‪ ،‬فيما طالت‪،‬‬
‫ق�ضايا املجتمع املدين واملجل�س االقت�صادي واالجتماعي‪ .‬مل يت أ�خر االمني العام يف‬
‫�سعيه اىل ترجمة هذه التوجهات وو�ضعها مو�ضع التنفيذ‪ .‬و�سارع‪ ،‬يف خطوة‬
‫ش�ون املجتمع املدين العربي»‪،‬‬ ‫جديدة ونوعية‪ ،‬اىل «احداث مفو�ضية اجلامعة ل� ؤ‬
‫وذلك يف �سبيل ادماج هذا املجتمع املتنامي يف الدول العربية يف ن�شاطات العمل‬
‫العربي امل�شرتك املختلفة‪ .‬وطلب من ال�سيد طاهر امل�رصي رئي�س وزراء االردن‬
‫ال�سابق ان ي�رشف على تن�سيق هذا املو�ضوع الهام كمفو�ض اجلامعة ل� ؤ‬
‫ش�ون‬
‫املجتمع املدين‪.‬‬
‫كما توقفت هذه الر ؤ�ية عند اهمية ومركزية م� أس�لة تن�سيق وتفعيل العمل العربي‬
‫امل�شرتك يف املجاالت االقت�صادية واالجتماعية‪ .‬ويف �سياق ملم�سة هذا التوجه‪،‬‬
‫كان اطالق ور�شة «االهتمام باعادة هيكلة املجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬
‫العربي وتطويره باعتباره مركز العمل االقت�صادي واالجتماعي العربي امل�شرتك»‪.‬‬
‫واكد االمني العام يف تقريره اىل دورة تون�س للقمة على اهمية دعم دور هذا‬
‫املجل�س ليعمل ب�شكل جيد وبا�سلوب ع�رصي‪ .‬وت أ�كيدا على تقديره الهمية هذا‬
‫املجل�س‪ ،‬اقرتح ان ينعقد هذا املجل�س على م�ستوى ر ؤ��ساء الوزراء‪ ،‬وهو ما مل يقر‬
‫يف القمة‪ ،‬لي�صار اىل ت�شكيل جلنة �سدا�سية للعمل مع االمني العام على تطويره‪ .‬يف‬
‫نف�س ال�سياق‪ ،‬مت اطالق دينامية من العمل التن�سيقي ملختلف االطر العاملة يف اطار‬
‫اجلامعة العربية التي جتمع عددا من االحتادات النوعية وال�صناديق التنموية‪ .‬ومت‬

‫‪14‬‬
‫احياء وتطوير جلنة التن�سيق العليا التي ا�صبحت جتتمع دوريا للت�شاور والتن�سيق‪.‬‬
‫وقد دعي املدراء واالمناء العامون لهذه الهيئات‪ ،‬حل�ضور م ؤ�مترات القمة العربية‬
‫واملجال�س الوزارية‪ ،‬تعزيزا الرادة التفعيل والربط والتعاون حتقيقا ل�سيولة اكرب‬
‫للعمل العربي امل�شرتك‪ .‬وقد مت الت أ�كيد‪ ،‬يف اطار هذه الور�شة اال�صالحية اجلديدة‪،‬‬
‫على مرجعية املجل�س االقت�صادي واالجتماعي يف تخطيط عمل هذه املنظمات‬
‫وتن�سيقه‪.‬‬
‫لقد انحكمت ا�شكالية التوجه التن�سيقي والتفعيلي الطر ومنظمات اجلامعة‪،‬‬
‫جتاوزا لرتهلها وتقادمها وق�صورها وتداخل وظائفها‪ ،‬ف�ضال عن احلاجة ملواكبة‬
‫التطورات الهائلة اجلارية يف املنطقة والعامل‪ ،‬بواقع ال�سقف الذي حددته �صيغة‬
‫جامعة الدول العربية‪ ،‬منذ التوقيع على ميثاقها‪ ،‬بكونها مل ت�ضع على جدول‬
‫اعمالها ال�صيغة الفدرالية او الكونفدرالية‪ .‬وبالتايل‪ ،‬هل �ستخرج ا�سرتاتيجية هذا‬
‫البعد اال�صالحي اجلديد‪ ،‬يف اف�ضل توقعات النجاح‪ ،‬عن كونها تبحث عن �صيغة‬
‫م ؤ��س�سية غري اندماجية‪ ،‬ت ؤ�من للدول العربية املحافظة على �سيادتها الكاملة‪ ،‬اال‬
‫يف احلدود الدنيا التى يتطلبها تفعيل م ؤ��س�سات العمل العربي امل�شرتك؟؟‪.‬‬
‫كيف ترت�سم ا�شكالية التفعيل والتن�سيق يف التجربة املحققة و�سط ا�ستمرار االلتبا�س‬
‫التاريخي واملواقع املتناق�ضة يف مقاربتها‪ ،‬بني خلفية ايديولوجية تاريخية حا�رضة‬
‫و�ضاغطة تندرج حتت عنوان «القومي» «الوحدوي» «االندماجي»‪ ،‬وبني‬
‫واقع �سيا�سي كر�س ويكر�س القطرية املفرطة‪ ،‬واملهددة اي�ض ًا مبزيد من الت�شظي‪،‬‬
‫و�سط عامل ينحو باجتاه تعزيز حاالت التعاون والتوحد واالندماج‪ ،‬املرتاوح بني‬
‫االقت�صادي القطاعي الب�سيط و�صوال لالندماجي ال�سيا�سي العميق؟؟‪.‬‬
‫هل �ست�سمح هذه التجربة اال�صالحية اجلديدة يف قيامة �رشاكات اجتماعية‪،‬‬
‫ت�سمح‪ ،‬من جهة‪ ،‬بدور نوعي جديد جلامعة الدول العربية و�سط التبا�س دورها‬
‫ووظيفتها اال�سرتاتيجية‪ ،‬ودور م�شارك ملجتمع مدين عربي يبحث عن قيامته‬
‫ويتلم�س هويته ووظيفته‪ ،‬من جهة اخرى؟؟؟‪.‬‬
‫�سوف نحاول يف اطار هذا البحث ان نقارب ا�شكاليات امل�رشوع اال�صالحي‬
‫الذي اطلقته اجلامعة العربية وتعمل عليه يف ال�سنوات االخرية من خالل عدة‬
‫حماور‪:‬‬

‫‪15‬‬
‫مقاربة تاريخية للم�رشوع اال�صالحي يف اجلامعة العربية‪،‬‬ ‫‪.1‬‬
‫وبخا�صة جتربة اطالق وتطوير وا�صالح املجل�س االقت�صادي‬
‫االجتماعي وجمل�س الوحدة االقت�صادية‪.‬‬
‫عر�ض مل�ستويات وم�ضامني امل�رشوع اال�صالحي الراهن الذي‬ ‫‪.2‬‬
‫اطلقه م�رشوع االمني العام عمر مو�سى‪.‬‬
‫عر�ض حلقل املبادرات اال�صالحية التي ت�شهدها املنطقة‬ ‫‪.3‬‬
‫وتقاطعاتها مع امل�رشوع اال�صالحي الراهن للجامعة العربية‪.‬‬
‫عر�ض ال�شكاالت امل�رشوع اال�صالحي للمجتمع املدين العربي‬ ‫‪.4‬‬
‫وتقاطعاته مع امل�رشوع اال�صالحي الراهن للجامعة العربية‪.‬‬
‫عر�ض مل�رشوع برنامج ادارة احلكم يف الدول العربية‬ ‫‪.5‬‬
‫(‪ )POGAR‬وتقاطعاته مع امل�رشوع اال�صالحي الراهن‬
‫للجامعة العربية‪.‬‬
‫مقاربات نقدية متنوعة يف قراءة وحتليل امل�رشوع اال�صالحي‬ ‫‪.6‬‬
‫الراهن للجامعة العربية‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫الق�سم االول‬

‫ـ الف�صل أ‬
‫الول‪ :‬تاريخية اال�صالح‪ :‬بني التداخل واالزدواجية‪.‬‬

‫‪ .1‬بني املجل�س االقت�صادي واالجتماعي وجمل�س الوحدة‬


‫االقت�صادية‬

‫اقر جمل�س جامعة الدول العربية بتاريخ ‪ 1950 /17/6‬معاهدة الدفاع امل�شرتك‬
‫والتعاون االقت�صادي بني دول اجلامعة العربية‪ .‬ون�صت يف مادتها ال�سابعة على‬
‫�رضورة التعاون االقت�صادي بني الدول العربية‪ ،‬بهدف النهو�ض باقت�صاداتها‪،‬‬
‫وا�ستثمار مرافقها الطبيعية‪ ،‬وت�سهيل تبادل منتوجاتها الزراعية وال�صناعية‪ ،‬وبوجه‬
‫عام تنظيم ن�شاطها االقت�صادي‪ ،‬وتن�سيق وابرام ما يقت�ضيه احلال من اتفاقات خا�صة‬
‫لتحقيق هذه االهداف‪ .‬كما ن�صت مادتها الثامنة على ان�شاء «جمل�س اقت�صادي»‬
‫ا�صدر مئات القرارات منذ ان�شائه‪ ،‬حتت عنوان حتقيق اق�صى حد من التطوير‬
‫للعالقات االقت�صادية العربية‪ .‬بد�أ هذا املجل�س ن�شاطه يف نهاية عام ‪،1953‬‬
‫و�صادق يف نف�س العام على «اتفاقية ت�سهيل التبادل التجاري‪ ،‬وتنظيم جتارة‬
‫الرتانزيت يف دول اجلامعة العربية»‪ .‬كما اقر يف العام ‪« 1957‬اتفاقية الوحدة‬
‫االقت�صادية» بني دول اجلامعة العربية‪ ،‬وذلك يف حماولة منه لتوفري �آلية قادرة‬

‫‪17‬‬
‫على دفع العمل االقت�صادي العربي امل�شرتك‪ .‬واقر اي�ضا‪ ،‬يف العام نف�سه‪ ،‬ان�شاء‬
‫«جمل�س الوحدة االقت�صادية العربية» الذي بذل جهودا لتنفيذ «اتفاقية ت�سهيل‬
‫وتنمية التبادل التجاري»‪ ،‬وجاء يف مادة ت�شكيله الثالثة «العمل من اجل تدبري‬
‫االداة الالزمة لتنفيذ اتفاقية الوحدة االقت�صادية»‪ .‬وا�صدر املجل�س قراره يف عام‬
‫‪ ،1964‬اخلا�ص بان�شاء «ال�سوق العربية امل�شرتكة» التي ا�ستهدفت حترير ال�سلع‬
‫التي يتم تبادلها بني الدول االع�ضاء يف ال�سوق من الر�سوم اجلمركية وغريها من‬
‫القيود النقدية واالدارية‪ ،‬كما �سعت اىل حرية انتقال اال�شخا�ص ور ؤ�و�س االموال‬
‫وحرية تبادل الب�ضائع واملنتجات الوطنية واالجنبية وحرية االقامة واال�ستخدام‪،‬‬
‫‬
‫وممار�سة الن�شاط االقت�صادي‪.‬‬
‫ان ظاهرة تفعيل م�سرية العمل االقت�صادي العربي امل�شرتك برزت‪ ،‬يف هذه املرحلة‬
‫التاريخية‪ ،‬من خالل ظاهرتني مهمتني هما‪ :‬امل�رشوعات العربية امل�شرتكة‪،‬‬
‫وجمموعة امل ؤ��س�سات املالية العربية الوطنية واالقليمية‪ .‬وقد ركزت االوىل‬
‫على تو�سيع القاعدة االنتاجية العربية وزيادة امكانات التجارة البينية العربية‪.‬‬
‫وا�ستهدفت الثانية متويل امل�شاريع االقت�صادية العربية ذات الطابع اال�ستثماري‬
‫بقرو�ض مي�رسة من خالل «ال�صندوق العربي لالمناء االقت�صادي واالجتماعي»‪،‬‬
‫الذي اقر املجل�س االقت�صادي واالجتماعي اتفاقية ان�شائه يف عام ‪ ،1968‬وبا�رش‬
‫اعماله يف العام ‪ ،1974‬مبا ي�ساعد على دعم تنمية البلدان العربية على امل�ستويني‬
‫االقت�صادي واالجتماعي‪ ،‬واجناز امل�شاريع ذات ال�صبغة امل�شرتكة التي تهدف اىل‬
‫حتقيق التكامل العربي‪.‬‬
‫يف العام ‪� 1977‬شهد املجل�س حتوال يف الر ؤ�ية التي حتكم دوره وت�ضبط وظائفه‪،‬‬
‫لي�صبح ا�سمه‪ ،‬ربطا بذلك‪« ،‬املجل�س االقت�صادي واالجتماعي العربي»‪ ،‬بعد‬
‫تعديل املادة الثامنة من املعاهدة التي ا�س�سته‪ ،‬و�سبقت اال�شارة اليها‪ .‬لقد ا�صبح‬
‫لهذا املجل�س وظائف تخطيطة وتقييمية وتن�سيقية وتنظيمية‪ ،‬مبا يف ذلك اال�رشاف‬

‫ ‪ -‬راجع �سميح م�سعود‪« .‬العمل االقت�صادي العربي امل�شرتك‪ ،‬بني الطموح والواقع»‪ .‬بحث‬
‫مقدم يف اطار تكرمي يو�سف �صايغ‪ ،‬ون�رش يف كتاب حتت عنوان هموم اقت�صادية عربية‪ .‬من�شورات‬
‫مركز درا�سات الوحدة العربية‪ .‬بريوت الطبعة االوىل ‪� .2001‬ص �ص‪.124...109 :‬‬

‫‪18‬‬
‫املبا�رش على ح�سن قيام املنظمات العربية املتخ�ص�صة مبهامها والتعاون والتن�سيق‬
‫معها‪ ،‬واملوافقة على ان�شاء اية منظمة جديدة‪.‬‬
‫لقد ت أ��س�ست هذه املقاربة اجلديدة لدور املجل�س االقت�صادي االجتماعي على‬
‫مطالعة نقدية الو�ضاع املنظمات العربية املتخ�ص�صة‪ ،‬يف اطار جتربة عملها‬
‫‬
‫ال�سابقة‪ .‬وقد توقفت هذه املطالعة عند بعدين ميزا تلك املرحلة‪:‬‬
‫{ عدم وجود هيئة رئي�سية تر�سم ال�سيا�سة العامة‪ ،‬وتخطط لربامج العمل‬
‫العربي امل�شرتك‪ ،‬يف املجالني االقت�صادي واالجتماعي‪.‬‬
‫{ كرثة املنظمات املتخ�ص�صة دون تخطيط‪ ،‬وتبعرث جهودها‪ ،‬وتداخل‬
‫وازدواج بع�ض اعمالها‪ ،‬وما يرتتب على ذلك ب�صورة طبيعية من‬
‫اهدار للجهد واملال العربيني‪ ،‬دون نتائج ملمو�سة‪.‬‬

‫‪ .2‬حمطة عمان ‪ 1980‬حماولة ا�صالحية اوىل للتفعيل والتطوير‬

‫�شهدت املرحلة الت أ��سي�سية االوىل يف جتربة العمل االقت�صادي العربي امل�شرتك‪،‬‬
‫�سل�سلة من املبادرات التي اطلقتها جامعة الدول العربية‪ .‬وح�رضت يف خلفية‬
‫هذا امل�شهد كل احالم التوحد القومي وا�ستعادة احل�ضور العربي امل�ستقل‬
‫وت أ�مني مهمات التحرر الوطني والقومي‪ ،‬ويف قلبها مهمة حترير فل�سطني‪ .‬لقد‬
‫�شكلت اولوية التحرير واملواجهة‪ ،‬التي فر�ضها النظام الر�سمي العربي‪ ،‬وان‬
‫كان ذلك با�ستهدافات متنوعة بني اجنحته املختلفة‪ ،‬فا�صال حا�سما يف اهمال‬
‫ملف الق�ضايا االقت�صادية واالجتماعية وتهمي�ش ق�ضايا امل�شاركة االجتماعية‬
‫والدميوقراطية‪ ،‬خالل هذه املرحلة‪ .‬فاىل جانب النتائج املخيبة التي حققها النظام‬
‫الر�سمي العربي يف اطار عملية املواجهة التي توجتها هزمية ال‪ 67‬املدوية‪ ،‬فان‬
‫نتائج العمل االقت�صادي امل�شرتك كانت حمدودة ومتوا�ضعة جدا‪ .‬لقد �سمحت‬
‫هذه الهزمية باعادة متو�ضع جديد للتوازن املختل بني البعدين ال�سيا�سي الوطني‬

‫ ‪ -‬راجع �سليمان املنذري‪« .‬ا�صالح هيكل العالقة بني اجلامعة واملنظمات املتخ�ص�صة»‪ .‬من اجل‬
‫ا�صالح جامعة الدول العربية‪ .‬مرجع �سابق‪� .‬ص �ص‪.273 ...231 :‬‬

‫‪19‬‬
‫والقومي وبني البعد االقت�صادي واالجتماعي‪ .‬وان ا�ستمر �شعار «ال �صوت يعلو‬
‫فوق �صوت املعركة» حا�رضا و�سط الءات قمة اخلرطوم الثالث‪ ،‬فان حيز ح�ضور‬
‫امللف االقت�صادي االجتماعي قد ات�سع‪ .‬وقد يكون ذلك رغبة يف حجب واقع‬
‫حمدودية‪ ،‬قل انعدام‪ ،‬االجنازات الوطنية والقومية‪ ،‬وا�شغاال واثارة الهتمامات امال‬
‫بالتخفيف من واقع االحباط ال�شديد الذي �ساد املنطقة برمتها واطلق ديناميات‬
‫جديدة من ال�رصاعات الداخلية ادخلت �شعوب وبلدان املنطقة يف حقبة جديدة‪،‬‬
‫حقبة ما بعد النك�سة‪.‬‬
‫يف هذا ال�سياق‪ ،‬جاءت قمة عمان االقت�صادية التي عقدت عام ‪ ،1980‬و�شكلت‬
‫حمطة هامة يف تاريخ العمل االقت�صادي العربي امل�شرتك‪ ،‬وا�ستهدفت دفع هذه‬
‫التجربة اىل االمام والتغلب على اوجه الق�صور التي �شهدتها يف املرحلة ال�سابقة‪.‬‬
‫اقرت هذه القمة اربع وثائق هامة وهي‪:‬‬
‫‪ .1‬وثيقة ا�سرتاتيجية العمل االقت�صادي العربي امل�شرتك التي طالبت باقامة‬
‫نظام اقت�صادي عربي جديد يت�سم بالتكامل املحقق للتنمية ال�شاملة‪،‬‬
‫وميثل منطا من تق�سيم العمل داخل «الوطن العربي» يحقق التطور‬
‫والتحرر القطاره ‪.‬‬
‫‪ .2‬ميثاق العمل االقت�صادي القومي‪.‬‬
‫‪ .3‬عقد التنمية العربية امل�شرتكة‪.‬‬
‫‪ .4‬االتفاقية املوحدة ال�ستثمار ر ؤ�و�س االموال العربية يف البلدان العربية‬
‫التي ن�صت على مبد�أ «املواطنة االقت�صادية»‪ ،‬مبعاملة امل�ستثمر العربي‬
‫مهما كانت جن�سيته باالحكام نف�سها التي ت�رسي يف اي قطر على‬
‫مواطنيه‪.‬‬
‫لقد طالبت هذه الوثائق‪ ،‬يف اطار اولوياتها‪ ،‬باقامة ن�شاط تخطيطي على امل�ستوى‬
‫القومي ين�شغل بتح�ضري خطة للتنمية العربية امل�شرتكة ومتابعة تنفيذها‪ ،‬ويتمتع‬
‫بحد ادنى متزايد من االلزامية‪ .‬ويف اطار آ‬
‫اللية املطلوبة‪ ،‬مت اقرتاح ان يكون هذا‬
‫الن�شاط التخطيطي م�ستمرا يف �شكل خطط خم�سية تبد�أ يف عام ‪ .1981‬وقدم‬
‫خرباء املجل�س االقت�صادي اقرتاحا بتحديد موارد اول خطة خم�سية مببلغ ‪62‬‬

‫‪20‬‬
‫مليار دوالر امريكي‪ ،‬ثم اقرتح تخفي�ضها اىل ‪ 15‬مليار دوالر امريكي لت�صادق‬
‫قمة عمان على تخ�صي�ص مبلغ ‪ 5‬مليارات لتمويل عقد التنمية مبعدل ‪ 500‬مليون‬
‫دوالر امريكي �سنويا‪.‬‬

‫‪ .3‬حماولة �أوىل ملعاجلة ظاهرة التداخل يف عمل املنظمات العربية‬


‫املتخ�ص�صة تب ؤ� بالف�شل‬

‫با�ستثناء �صناديق التنمية وامل ؤ��س�سات املالية‪ ،‬حيث هناك تق�سيم للعمل‪ ،‬تواجه‬
‫بع�ض املنظمات العربية املتخ�ص�صة تداخال يف اخت�صا�صاتها‪ ،‬وال �سيما بني املجل�س‬
‫االقت�صادي واالجتماعي وجمل�س الوحدة االقت�صادية العربية‪ ،‬حيث مظاهر‬
‫االزدواجية هي االبرز‪ .‬ي�شري �سليمان املنذري (مرجع �سابق �ص‪،)248/249 :‬‬
‫بهذا ال�صدد‪ ،‬ان‪:‬‬
‫{ عوامل االزدواجية يف االخت�صا�صات بني هذين املجل�سني تعود‬
‫لال�سباب والعوامل التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬ان هذه املنظمات املتخ�ص�صة ان�شئت على مدى زمني متفاوت‪،‬‬
‫وو�ضعت اتفاقات ان�شائها ب�صورة م�ستقلة عن االخرى‪ ،‬دون مراعاة‬
‫لن�صو�ص اخرى‪ ،‬وردت يف االخت�صا�ص نف�سه‪.‬‬
‫‪ .2‬غياب ا�سرتاتيجية للعمل العربي امل�شرتك يف اطار املنظمة االم جامعة‬
‫الدول العربية‪ ،‬يف ال�سنوات التي ان�شئت فيها معظم املنظمات‬
‫املتخ�ص�صة‪ ،‬مبا يعني عدم وجود تن�سيق وترابط بني القطاعات املختلفة‬
‫للعمل العربي امل�شرتك‪ ،‬ودون ر ؤ�ية �شمولية الخت�صا�صات املنظمات‬
‫العربية عند ان�شائها‪.‬‬
‫‪ .3‬مع غياب التن�سيق‪ ،‬ت�شبثت كل منظمة بن�صو�ص االتفاقية املن�شئة لها‪،‬‬
‫وقامت بتطبيق احكامها مبعزل عن املنظمة االخرى‪ .‬وكان هذا مبعث‬
‫االزدواجية من الناحية القانونية‪.‬‬
‫لقد جرت حماولة �سابقة لعالج ظاهرة االزدواجية هذه من خالل ان�شاء جلنة‬

‫‪21‬‬
‫التن�سيق بني جامعة الدول العربية واالجهزة العاملة يف نطاقها واملنظمات العربية‬
‫يف العام ‪ ،1974‬اال ان فاعليتها ظلت حمدودة‪ ،‬ومل حترز نتائج تذكر‪ .‬ويف هذا‬
‫ال�سياق‪ ،‬ي�سجل �سليمان املنذري‪ ،‬يف مقاربته هذه‪ ،‬ال �شك ان التعديل يف ن�صو�ص‬
‫االتفاقات املن�شئة للمنظمات املتخ�ص�صة كفيل با�ستبعاد االزدواجية‪ ،‬كما ان خلق‬
‫الظروف املو�ضوعية لتاليف تلك االزدواجية‪ ،‬من � أش�نه ان ي�ساعد على ار�ساء‬
‫دعائم التن�سيق بني املنظمات‪ ،‬واحرتام التخ�ص�ص الدقيق‪ ،‬قبل ان يعطي التعديل‬
‫القانوين اثره املطلوب الحقا‪ .‬ان ا�سلوب معاجلة االزدواجية ال بد من ان يتم من‬
‫خالل التن�سيق الذي من � أش�نه ان ي�ضمن النجاح للعمل العربي امل�شرتك‪ ،‬ويزيد من‬
‫كفاءته يف حتقيق اهدافه‪ .‬وهذا يتطلب تطبيق ا�سرتاتيجية وا�ضحة للعمل القومي‬
‫كتلك التي اقرتها قمة عمان عام ‪ 1980‬ومل ت أ�خذ طريقها اىل النجاح‪.‬‬
‫ان هذه املقاربة متثل منوذجا من مناذج املحاججة مع ا�شكالية االزدواجية يف‬
‫العمل االقت�صادي العربي امل�شرتك وكيفية الت�صدي لها‪ .‬وهي ت�ستند اىل خلفية‬
‫وا�ضحة تقوم على امكانية حتقيق جتاوز هذه اال�شكالية من خالل �سل�سلة من‬
‫االجراءات االدارية والتنظمية الداخلية ميكن مل ؤ��س�سات اجلامعة العريبة ان تقوم‬
‫بها‪ ،‬مع انه ي�شري اىل ف�شل اوىل حماوالت ذلك من داخل هذه امل ؤ��س�سات‪ ،‬دون‬
‫التوقف عند معاين هذا الف�شل ودالالته على هذا ال�صعيد‪ .‬وهذه املقاربة هي‬
‫واحدة من مقاربات عديدة تناولت ذلك و�شكلت بدورها اجتاهات متعددة‬
‫خمتلفة ومتناق�ضة يف ت�صديها لهذه امل�شكلة‪ ،‬وهو ما �سوف نعر�ض البرزه الحقا‬
‫يف �سياق هذه الدرا�سة‪.‬‬

‫‪ .4‬املجل�س االقت�صادي االجتماعي امام مهمة جديدة‬

‫ت�شاء امل�صادفات التاريخية ان تعطي للعا�صمة عمان عنوانا ا�ضافيا ملحاوالت‬


‫ا�صالحية جديدة يف اطار تطوير وتفعيل عمل املجل�س االقت�صادي واالجتماعي‪.‬‬
‫فقد عقد هذا املجل�س دورته العادية ‪ 5/6‬متوز‪ /‬يوليو ‪ ،1988‬واتخذ «قراره‬
‫التاريخي» رقم ‪ 1056‬الذي انطلق فيه من احرتامه ملبد�أ الوظيفية‪ ،‬و�رضورة‬
‫تر�شيد املركزية والالمركزية يف بنية املنظمات العربية املتخ�ص�صة‪ ،‬واعادة �صياغة‬

‫‪22‬‬
‫هيكليتها‪ ،‬مبقيا على بع�ضها بعد اعادة النظر يف اهدافها جلهة احل�رص والتحديد‬
‫الدقيق‪ ،‬م�ضيفا منظمات جديدة‪ .‬وقد اكدت هذه التحوالت على دور املجل�س‬
‫االقت�صادي واالجتماعي‪ ،‬باعتباره املرجع القومي يف تخطيط وتن�سيق عمل‬
‫املنظمات‪ ،‬حيث يكون له امانة فنية ير�أ�سها امني عام م�ساعد جلامعة الدول‬
‫العربية‪ ،‬وذلك لتخطيط تن�سيق ومتابعة عمل املنظمات‪ .‬وقد اخذ جمل�س اجلامعة‬
‫يف دورته ‪ 91‬يف ‪ ،1989 /3 /30‬علما بهذه املقررات‪.‬‬
‫ان ان�شاء امل ؤ��س�سات االقت�صادية العربية املتخ�ص�صة‪� ،‬سواء يف �شكل منظمات‬
‫قطاعية ام يف �شكل احتادات نوعية‪ ،‬ادى اىل ان ي�صبح الهيكل امل ؤ��س�سي والتنظيمي‬
‫للتجمع االقت�صادي العربي هيكال على درجة كبرية من التنوع والتعدد‪« .‬اال‬
‫ان هذا التزايد والتنوع مل يكن وليد نظرة �شمولية ا�سا�سية توجه تطوره وتقوم‬
‫اجزا ؤ�ه ح�سب احتياجات مرتابطة ومتكاملة‪ ،‬وامنا جاء على �شكل موجات‬
‫جزئية متفرقة‪ .‬ومن الطبيعي ان ي�صطدم هذا الهيكل امل ؤ��س�سي يف الظروف التي‬
‫ادت اىل تزايده ومنوه وتنوعه بالكثري من م�شكالت االزدواجية والت�ضارب‪،‬‬
‫وهو ما حدث بالفعل‪ .‬ويف هذا ال�سياق‪ ،‬ير�صد الراحل حممد لبيب �شقري ثالث‬
‫م�شكالت ا�سا�سية لها ت أ�ثريها على فاعلية هذه املنظمات‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ .1‬م�شكلة التناق�ض بني توجهات التجمع والتكامل التي متثلها هذه‬
‫االجهزة وبني التوجهات القطرية‪.‬‬
‫‪ .2‬م�شكلة العالقة بني اجلهاز العام للتجمع والذي يكون غالبا ا�سبق يف‬
‫الظهور‪ ،‬وبني االجهزة املتخ�ص�صة التي تن� أش� بعد ذلك يف اطار هذا‬
‫اجلهاز العام او خارج نطاقه‪.‬‬
‫‪ .3‬م�شكلة العالقات بني هذه االجهزة املتخ�ص�صة بع�ضها ببع�ض‪ .‬وبقدر‬
‫تعلق االمر مب�شكلة العالقة بني هذه املنظمات املتخ�ص�صة واملنظمة االم‬
‫جامعة الدول العربية‪ ،‬حيث يالحظ ان ال�صعوبات التي ا�صطدمت‬
‫بها هذه العالقة ناجمة عن كون ميثاق اجلامعة العربية‪ ،‬واتفاقيات‬
‫ان�شاء املنظمات املتخ�ص�صة‪ ،‬مل تت�ضمن قواعد وا�ضحة حمددة‪ ،‬حتكم‬
‫‬
‫العالقة بني اجلامعة وهذه املنظمات»‪.‬‬
‫ ‪� -‬سليمان املنذري‪ .‬املرجع ال�سابق‪� .‬ص‪.235 :‬‬

‫‪23‬‬
‫لقد �شكلت م� أس�لة التداخل يف اخت�صا�صات املنظمات العربية التخ�ص�صية عنوانا‬
‫ال�شكاالت عمل هذه املنظمات‪ .‬و�شكل هم ا�ستبعاد عوامل االزدواجية‪ ،‬خا�صة‬
‫فيما بني املجل�س االقت�صادي واالجتماعي وجمل�س الوحدة االقت�صادية العربية‪،‬‬
‫واحدا من ابرز التحديات يف هذا املجال‪.‬‬
‫وقد بقيت املحاوالت التي �سجلت يف مراحل تاريخية �سابقة‪ ،‬خا�صة تلك‬
‫التي �سجلت عام ‪ 1974‬من خالل ان�شاء جلنة التن�سيق بني جامعة الدول‬
‫العربية واالجهزة العاملة يف نطاقها‪ ،‬دون حتقيق املرجو منها وبقيت فاعليتها‬
‫حمدودة‪ .‬وقدمت م�شاريع متعددة بهدف معاجلة هذا الواقع والت�صدي للثغرات‬
‫التي يحملها‪ ،‬اال انها ا�صطدمت على الدوام باملواقف املتفاوتة للدول العربية‬
‫وحكوماتها بهذا اخل�صو�ص‪.‬‬
‫لقد �شكلت االزدواجية بني هاتني امل ؤ��س�ستني والتنازع الذي رافق ذلك‪ ،‬واحدة‬
‫من اخطر الظواهر ال�سلبية التي ات�سم بها العمل االقت�صادي العربي امل�شرتك‪،‬‬
‫والتي بددت الكثري من اجلهد العربي من جانب املجل�سني‪ ،‬ومن جانب االقطار‬
‫امل�شرتكة الع�ضوية فيهما‪ .‬ويف ظل عدم وجود اية و�سيلة للتن�سيق بينهما‪ ،‬فقد ترك‬
‫كل منهما يعمل طبقا ملا يراه دون اية اجهزة �أو �آليات لتحقيق التنا�سق والتناغم‬
‫والرتابط بني ن�شاطيهما‪ ،‬مبا ي�ضمن فاعلية ن�شاط كل منهما‪ ،‬ومبا ي�ضمن احل�صول‬
‫على اكرب املوارد املمكنة‪ .‬وقد جت�سدت قمة هذا الت�شتت والتداخل من خالل‬
‫�سعي املجل�سني لتحقيق منطقة التجارة احلرة‪.‬‬

‫‪ .5‬جمل�س الوحدة االقت�صادية العربي‪ .‬هيئة تبحث راهنا عن تظهري‬


‫‬
‫دورها و�سط ت�ضارب امل ؤ��س�سات‬

‫با�رش املجل�س عمله عام ‪ ،1964‬بعد �سبع �سنوات على قرار ت أ��سي�سه‪ .‬وهدف‬
‫ ‪ -‬ملزيد من التفا�صيل حول ظاهرة االزدواجية‪ .‬راجع �سليمان املنذري‪ .‬املرجع ال�سابق‪� .‬ص‬
‫�ص‪.257 ...250 :‬‬
‫ ‪ -‬املعطيات الر�سمية اخلا�صة مبجل�س الوحدة االقت�صادية م�ستقاة من مقابلة مع رئي�س‬
‫املجل�س د‪ .‬احمد احمد حويلي اجرتها وكالة �سانا ال�سورية الر�سمية ع�شية انعقاد قمة دم�شق‪.‬‬
‫‪.26/3/2008‬‬

‫‪24‬‬
‫اىل قيام وحدة اقت�صادية كاملة بني دول اجلامعة العربية ت�ضمن لها حرية انتقال‬
‫اال�شخا�ص ور ؤ�و�س االموال وتبادل الب�ضائع واملنتجات الوطنية واالجنبية‬
‫واالقامة والعمل واال�ستخدام وممار�سة الن�شاط االقت�صادي وحرية النقل‬
‫والرتانزيت وا�ستعمال املواينء واملطارات الدولية‪.‬‬
‫ي�ضم املجل�س ‪ 29‬احتادا عربيا نوعيا متخ�ص�صا يف املجاالت االنتاجية والبنية‬
‫اال�سا�سية واخلدمات‪ .‬وي�شري د‪ .‬احمد حويلي امني عام جمل�س الوحدة االقت�صادية‬
‫العربي ان هذه االحتادات حققت اجنازات ملمو�سة واثبتت مكانتها ك أ�داة تن�سيقية‬
‫فاعلة بني االن�شطة القطاعية املختلفة واعتمادها من قبل اجلامعة العربية واملجال�س‬
‫الوزارية املتخ�ص�صة واملنظمات العربية كبيوت خربة متخ�ص�صة ي�ستعان بها‬
‫يف جماالت تخ�ص�صها‪ .‬واهتم جمل�س الوحدة باقامة م�رشوعات عربية م�شرتكة‬
‫يف جماالت االن�شطة االنتاجية واخلدمية ت أ�خذ �شكل ال�رشكات القاب�ضة وتتوىل‬
‫ان�شاء م�رشوعات عربية كبرية او امل�ساهمة يف م�رشوعات قائمة وذلك على ا�س�س‬
‫اقت�صادية وتكنولوجية حديثة‪ .‬وقد ا�سهمت هذه ال�رشكات يف تطوير االنتاج‬
‫العربي وبتوظيف ا�ستثماراتها يف م�رشوعات واال�سهام يف �رشكات قطرية يف‬
‫عدد من الدول العربية‪ .‬ومن اهم االتفاقيات العربية اجلماعية ال�صادرة عن جمل�س‬
‫الوحدة اتفاقية جتنب االزدواج ال�رضيبي ومنع التهرب من ال�رضائب بني دول جمل�س‬
‫الوحدة واتفاقية التعاون لتح�صيل ال�رضائب واتفاقية ت�سوية منازعات اال�ستثمار‬
‫وغريها‪.‬‬
‫من جهة ثانية‪ ،‬ي�ضيف د‪ .‬احمد حويلي‪ :‬عمل املكتب املركزي العربي لالح�صاء‬
‫والتوثيق يف االمانة العامة ملجل�س الوحدة الذي ت أ��س�س عام ‪ ،1976‬على توحيد‬
‫املفاهيم واال�ساليب وامل�صطلحات والت�صانيف ذات العالقة بالعمل االح�صائي‬
‫والوقوف اىل جانب العمل االح�صائي العربي القطري يف الدول االقل منوا‪.‬‬
‫وي�صدر املكتب ن�رشات اح�صائية متخ�ص�صة �سنوية حول ال�سكان واحل�سابات‬
‫القومية والتجارة اخلارجية والبينية ومعامالت التحويل الر�سمية للعمالت‬
‫العربية‪ ،‬والعديد من الكتب واملن�شورات والبحوث ذات ال�صلة‪ .‬ويعمل على‬

‫‪25‬‬
‫ان�شاء ال�شبكة العربية للبيانات االح�صائية ون�رشها على �شبكة املعلومات الدولية‬
‫واعداد برامج التدريب‪.‬‬
‫اىل ذلك‪ ،‬اجنز املجل�س اخلارطة اال�ستثمارية يف البالد العربية‪ .‬وبلغ عدد امل�شاريع‬
‫املقرتحة اربعة االف م�رشوع‪ .‬كما اجنز النظام اال�سا�سي آللية تنمية التجارة‬
‫العربية البينية ومع اخلارج‪ .‬كل هذا بهدف دفع ا�سرتاتيجية التكامل االقت�صادي‬
‫العربي خالل العقدين ‪ 2000/2020‬التي قرها املجل�س عام ‪ 2001‬وتت�ضمن‬
‫حماورها‪:‬‬
‫{ املجال التجاري وي�شمل ا�ستكمال منطقة التجارة احلرة وتطوير التبادل‬
‫التجاري البيني واخلارجي وتطوير جتارة العبور‪.‬‬
‫{ املجال التنموي وي�شمل التنمية االقت�صادية امل�شرتكة واقامة منطقة‬
‫ا�ستثمار عربية ومنطقة تكنولوجية عربية‪.‬‬
‫{ الربامج امل�ساعدة وت�شمل تطوير االطر امل ؤ��س�سية للتكامل االقت�صادي‬
‫العربي باال�ضافة اىل الربامج التنموية االقت�صادية واالجتماعية‬
‫امل�ساعدة‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وتعد ال�سوق العربية امل�شرتكة من اهم القرارات التي ا�صدرها جمل�س الوحدة‬
‫االقت�صادية واالجتماعية عام ‪ 1964‬بعد م�ضي ثالثة ا�شهر من و�ضع اتفاقية‬
‫الوحدة االقت�صادية العربية مو�ضع التطبيق‪ .‬كما يعترب ا�صدار اتفاقية ت�سيري وتنمية‬
‫التبادل التجاري واالعالن عن منطقة التجارة احلرة العربية عام ‪ 1981‬والذي‬
‫اقرته قمة القاهرة االقت�صادية عام ‪ ،1996‬من اجنازات املجل�س‪.‬‬
‫وحول دور املجل�س والتح�ضريات لقمة الكويت ي�شري د‪ .‬احمد حويلي ان قمة‬
‫دم�شق �ستناق�ش تقريرا كامال حول اخلطوات التح�ضريية مل ؤ�متر القمة االقت�صادية‬
‫والتنموية التي �ستعقد يف الكويت مطلع ‪« .2009‬ان منطقة التجارة احلرة العربية‬
‫الكربى التي بد�أ تنفيذها يف مطلع عام ‪ 2005‬هي خطوة كبرية ومهمة ادت‬
‫اىل ارتفاع حجم التجارة البينية العربية بقدر ملمو�س يتطلب موا�صلة الدفع‬
‫لتح�سينه‪ .‬وان هذه املنطقة هي خطوة اوىل يليها ان�شاء االحتاد اجلمركي عام‬
‫‪ .2008/2009‬كما تليها اقامة ال�سوق العربية امل�شرتكة يف عام ‪ 2015‬و�صوال‬

‫‪26‬‬
‫اىل قيام االحتاد االقت�صادي العربي عام ‪ 2020‬والذي �سيتم من خالله اقامة بنك‬
‫مركزي عربي واحد و�سيا�سة مالية ونقدية واحدة وبالتايل الو�صول اىل قمة‬
‫التعاون والتكامل العربي‪.‬‬
‫ان هذه املرافعة التي قدمها د‪ .‬احمد حويلي امني عام جمل�س الوحدة االقت�صادي‬
‫العربي‪ ،‬قدمت �صورة زهرية واعدة حول جتربة هذا املجل�س ودوره التاريخي‬
‫واجنازاته يف جمال تطوير وتفعيل العمل االقت�صادي العربي امل�شرتك‪ ،‬جلهة‬
‫القرارات املتخذة مبعزل عن اجلانب اخلا�ص برتجمتها‪ .‬وك أ�منا كانت ازمة‬
‫االزدواجية بني هذا املجل�س واملجل�س االقت�صادي واالجتماعي‪ ،‬وازمة العالقات‬
‫واالدوار بينهما‪ ،‬حا�رضة يف خلفية هذا التقرير الزهري رغم عدم ا�شارته املبا�رشة‬
‫اىل ذلك‪ .‬مل ي�رش د‪ .‬حويلي يف مقابلته امل�ستفي�ضة‪ ،‬رغم ا�رصاره على ذكر كل‬
‫تف�صيل يف عمل جمل�س الوحدة‪ ،‬اىل اية مالحظات نقدية تطال التجربة املحققة‪،‬‬
‫من جهة‪ .‬كما غابت اية ا�شارة مل�شكلة االزدواجية التي ا�صبحت مادة علنية يف‬
‫نقا�شات عربية متعددة‪ ،‬وغاب اي ذكر لدور املجل�س االقت�صادي االجتماعي‪،‬‬
‫الذي اعتربته م ؤ��س�سة القمة العربية �صاحب الدور املركزي يف ال� أش�ن االقت�صادي‬
‫العربي امل�شرتك‪ ،‬من جهة اخرى‪.‬‬
‫وبعد �سنوات عديدة على مقاربة ازمة االزدواجية والدعوة اىل مواجهتها عرب‬
‫اعادة هيكلة كل م ؤ��س�سات العمل العربي االقت�صادي امل�شرتك ور�سم �آليات‬
‫العالقات بينها‪ ،‬نرى ان هناك ازاحة كاملة لهذه امل�شكلة وعدم االقرار بوجودها‬
‫وجتاوزها من قبل ابرز م ؤ��س�سة معنية بذلك‪ ،‬ومن قبل ر�أ�س هذه امل ؤ��س�سة‬
‫بالذات‪ .‬فاي عمل م�شرتك ميكن ان ينجز يف هكذا مناخ؟ واي اجناز تن�سيقي‬
‫ميكن ان يتحقق و�سط رف�ض االعرتاف بامل�شكلة املطروحة؟ وهل امل� أس�لة باال�سا�س‬
‫هي يف حقل ادارة العالقات بني قيادات امل ؤ��س�سات املعنية داخل هيكل م ؤ��س�سة‬
‫اجلامعة العربية‪ ،‬ام اننا امام م� أس�لة اعمق ترتبط مب ؤ��س�سة اجلامعة ور ؤ�ية دورها‬
‫بكافة م�ستوياته‪ ،‬على م�ستوى النظام الر�سمي العربي؟؟‬

‫‪27‬‬
‫ـ الف�صل الثاين‪ .‬تقرير مو�سى حول حتديث انظمة العمل العربي امل�شرتك‬

‫يعرتف التقرير الذي قُدم اىل قمة بريوت (‪ ،)2002‬بوجود ق�صور يف التن�سيق يف‬
‫العمل العربي امل�شرتك‪ .‬ويف اعرتاف خطري‪ ،‬يرى التقرير ان كال من املنظمات‬
‫العربية املخت�صة‪ ،‬وجمال�س الوزراء العرب‪ ،‬وكذلك االمانة العامة جلامعة الدول‬
‫العربية‪ ،‬يعمل يف �شبه انف�صال عن الكيانات االخرى يف املو�ضوعات الواحدة‪،‬‬
‫فبدال من ان يكون هناك بناء واحد متما�سك مرتابط‪ ،‬جند ان هذا العمل يتم يف‬
‫�صورة اعمدة مرتا�صة بجوار بع�ضها‪ ،‬مفتقدة حلقة التن�سيق التي ت�ضمن ترابط‬
‫العمل العربي امل�شرتك ومتا�سكه‪� ،‬سواء يف مرحلة التخطيط لهذا العمل‪ ،‬او يف‬
‫مرحلة اتخاذ قرار ب� أش�نه‪ ،‬او يف متابعة اجراءات التنفيذ‪ ،‬او يف مرحلة التقومي‬
‫الدوري والنهائي له‪.‬‬
‫اىل ذلك‪ ،‬ي�ستعر�ض التقرير التعاون االقت�صادي العربي امل�شرتك يف املمار�سة‬
‫العملية‪ ،‬وي�شري اىل ت�شتت وتعدد يف املو�ضوعات التي ينظرها املجل�س االقت�صادي‬
‫واالجتماعي‪ ،‬واىل التباين يف نوعية املو�ضوعات التي يتم عر�ضها‪ ،‬ما بني‬
‫مو�ضوعات ذات اهمية ا�سرتاتيجية ومو�ضوعات ذات اهمية حمدودة‪.‬‬
‫ا�ستنادا اىل ذلك‪ ،‬يقدم التقرير مقرتحات لتطوير املجل�س االقت�صادي واالجتماعي‪،‬‬
‫ربطا مبركزية هذا املجل�س تبعا لر ؤ�ية االمني العام التي �سبقت اال�شارة اليها‪،‬‬
‫باجتاهني‪:‬‬

‫‪ .1‬االطار التنظيمي لعمل املجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫يقرتح امني عام اجلامعة ان يكون املجل�س على م�ستوى ر ؤ��ساء احلكومات‪ ،‬حتى‬
‫ميكن جتنب ا�صدار قرارات ال يتم تنفيذها‪ ،‬وذلك لتعدد ن�شاطات املجل�س‪،‬‬
‫ووجود اكرث من وزير خمت�ص يف ن�شاط من هذه الن�شاطات‪ ،‬وما قد ي ؤ�دي اليه‬
‫ذلك من تعار�ض يف وجهات نظر ه ؤ�الء الوزراء‪ .‬ويالحظ ان هذا املقرتح �سبق‬
‫ان عر�ض يف م�رشوع تعديل ميثاق جامعة الدول العربية يف مطلع الثمانينات‪،‬‬

‫‪28‬‬
‫ويلي هذا امل�ستوى مبا�رشة املجال�س الوزارية‪ ،‬واملنظمات‪ ،‬واالجهزة التي تدخل‬
‫نوعيات ن�شاطها يف اخت�صا�ص املجل�س االقت�صادي واالجتماعي‪ .‬ويقوم املجل�س‬
‫االقت�صادي واالجتماعي على م�ستوى ر ؤ��ساء احلكومات بت�شكيل جلان فنية‬
‫يكون التمثيل فيها على ا�سا�س املو�ضوعات املطروحة على اجتماعات املجل�س‪.‬‬
‫ويتابع‪ ،‬اما بالن�سبة اىل م ؤ��س�سات املجتمع املدين‪ ،‬ورجال االعمال وامل�ستثمرين‪،‬‬
‫يتم حتقيق توا�صل بينهم وبني املجال�س الوزارية واملنظمات املتخ�ص�صة‪ ،‬مع‬
‫الت أ�كيد على اهمية توجيه اهتمام كاف للمو�ضوعات التي تعر�ض من قبل هذه‬
‫الكيانات‪ ،‬ليكون لها دور يف اطار العمل العربي امل�شرتك يتفق مع م�ستجدات‬
‫القرن الواحد والع�رشين فيما يتعلق بالعوملة‪ ،‬واملناف�سة الدولية‪ ،‬وا�ستخدام‬
‫التكنولوجيا احلديثة‪ ،‬لتطوير االداء البريوقراطي التقليدي لالجهزة احلكومية‪،‬‬
‫على ان يحدد النظام الداخلي للمجل�س ا�سلوب ت�شكيل هذه اللجان وعملها‪،‬‬
‫وان تكون االمانة العامة جلامعة الدول العربية‪ ،‬هي االمانة الفنية لهذه امل�ستويات‬
‫التنظيمية من خالل اجهزتها الفنية‪.‬‬
‫اما فيما يتعلق بتطوير اداء املجل�س االقت�صادي واالجتماعي‪ ،‬ي ؤ�كد التقرير على‬
‫ان ي�سبقه تطوير حقيقي ومتكامل يف آ‬
‫اللية ال�سيا�سية‪ ،‬التي متثل االطار العام‬
‫للعمل العربي امل�شرتك ككل‪ ،‬والتي تخدم العمل واالداء يف هذا املجل�س وغريه‬
‫من املجال�س‪ ،‬واملنظمات‪ ،‬واالجهزة العربية‪ ،‬وهي االمانة العامة جلامعة الدول‬
‫العربية‪.‬‬

‫‪ .2‬املتطلبات اال�سا�سية الالزمة لفاعلية ت�شغيل االطار التنظيمي‬


‫للمجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫حدد التقرير هذه املتطلبات بالتايل‪:‬‬


‫�أ‪ .‬تطوير دور االمانة العامة للجامعة نحو املجل�س االقت�صادي‬
‫واالجتماعي‪.‬‬
‫ب‪ .‬تطوير املناخ الثقايف للجامعة العربية‪.‬‬
‫ج‪ .‬االهتمام مبوازنات امل�رشوعات والربامج‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫اكد التقرير على اهمية توفر العن�رص الب�رشي القادر على القيام بهذا الدور‪،‬‬
‫باعتباره ركيزة ا�سا�سية لتمكني املجل�س االقت�صادي واالجتماعي من اال�ضطالع‬
‫بدوره‪ ،‬كم ؤ��س�سة حمورية يف العمل االقت�صادي واالجتماعي العربي امل�شرتك‪ .‬يف‬
‫هذا املجال‪ ،‬انتقد التقرير نظم التوظيف يف اجلامعة وم ؤ��س�ساتها‪.‬‬

‫يح�ض لـ«القمة التنموية‬


‫رّ‬ ‫‪ .3‬املجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬
‫واالقت�صادية واالجتماعية العربية» املزمع عقدها يف الكويت‬
‫مطلع ‪2009‬‬

‫�صدر عن القمة العربية الدورية التي عقدت بالريا�ض يف ‪ 29‬مار�س‪�/‬آذار ‪،2007‬‬


‫قرار رقم ‪ 365‬دعا اىل عقد قمة عربية تخ�ص�ص لل� ؤ‬
‫ش�ون االقت�صادية والتنموية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬بهدف تعزيز عالقات التعاون امل�شرتك بني الدول العربية يف هذه‬
‫املجاالت‪ ،‬وبلورة برامج و�آليات عملية لتعزيز وتفعيل اال�سرتاتيجيات التنموية‬
‫ال�شاملة‪.‬‬
‫وقد كلف القرار املجل�س االقت�صادي واالجتماعي باعتباره املرجعية القومية للعمل‬
‫بالعداد‬
‫والمانة العامة جلامعة الدول العربية إ‬‫االقت�صادي واالجتماعي العربي‪ ،‬أ‬
‫لهذه القمة بالتن�سيق مع املنظمات العربية واملجال�س الوزارية املتخ�ص�صة‪ ،‬واحتاد‬
‫الخذ يف االعتبار كيفية‬‫العمال مع أ‬ ‫الغرف التجارية العربية وم ؤ��س�سات رجال أ‬
‫ال�سا�سية للعمل االقت�صادي‬‫ت�شجيع م�شاركة القطاع اخلا�ص باعتباره �أحد الركائز أ‬
‫والتنموي امل�شرتك‪.‬‬
‫وبعد �سل�سلة من االجتماعات‪ ،‬قدمت اللجنة التح�ضريية حتديدها للقطاعات‬
‫االقت�صادية واالجتماعية ذات االولوية على امل�ستوى العربي‪ ،‬حيث تتمثل هذه‬
‫القطاعات بالتايل‪:‬‬
‫‪ .1‬اال�ستثمار وتطوير القطاع االنتاجي‪.‬‬
‫‪ .2‬التجارة مبا يف ذلك االحتاد اجلمركي وجتارة اخلدمات‪.‬‬
‫‪ .3‬البنية التحتية وخا�صة‪ :‬النقل‪ ،‬االت�صاالت‪ ،‬الربط الكهربائي‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫‪ .4‬ال�صحة‪.‬‬
‫‪ .5‬التعليم‪.‬‬
‫ودعت اللجنة التح�ضريية املجال�س الوزارية املتخ�ص�صة واملنظمات العربية‬
‫املتخ�ص�صة واحتادات القطاع اخلا�ص اىل تقدمي مقرتحاتها ب� أش�ن املو�ضوعات‬
‫والربامج وامل�شاريع التي ترى عر�ضها على القمة‪ ،‬على ان تراعي هذه املقرتحات‬
‫جملة من املعايري اخلا�صة التي نخت�رصها بالتايل‪:‬‬
‫‪ .1‬ان تعمل على تعزيز التكامل واالندماج يف الوطن العربي‪.‬‬
‫‪ .2‬ان يكون لها عوائد ملمو�سة ومبا�رشة لدى املواطن العربي وت�سهم‬
‫يف رفع م�ستوى الدخل وحتقيق الرفاهة االجتماعية‪.‬‬
‫‪ .3‬ان يكون للقطاع اخلا�ص دورا رئي�سيا يف اختيارها ومتويلها‬
‫وتنفيذها‪.‬‬
‫‪ .4‬ان تراعي املدى الزمني الذي ي�ستغرقه تنفيذها قبل ان ت ؤ�تي‬
‫ثمارها‪.‬‬
‫‪ .5‬ان تت�ضمن �آليات متويلها وتنفيذها‪.‬‬
‫‪ .6‬ان يكون من بني تلك الربامج وامل�رشوعات ما يتالءم مع الظروف‬
‫االقت�صادية لبع�ض الدول العربية وقدراتها امل ؤ��س�سية‪.‬‬
‫‪ .7‬ان تراعي االحتياجات التنموية للدول العربية‪.‬‬
‫‪ .8‬ان تكون معززة بدرا�سات‪.‬‬
‫�شكل امني عام اجلامعة جلنة رفيعة ملتابعة هذا امللف ُ�أ�سميت بـ «جلنة الت�سيري‬
‫للقمة» التي �ست�ست�ضيفها الكويت‪ ،‬وكلف ال�سفرية مريفت التالوي كمن�سق عام‬
‫لالعمال التح�ضريية لهذه القمة‪ .‬وقد اكدت الدورة اخلا�صة باملجل�س االقت�صادي‬
‫واالجتماعي‪ ،‬التي عقدت مبقر االمانة العامة يف القاهرة ‪ 3‬ـ ‪ ،6/6/2007‬يف‬
‫اطار ت أ�كيد تفوي�ض اللجنة الوزارية بالتح�ضري للقمة التنموية‪ ،‬من �ضمن ما‬
‫اكدت عليه‪ ،‬على ا�ستمرار التن�سيق والت�شاور مع القطاع اخلا�ص وم ؤ��س�سات‬
‫املجتمع املدين املعنية والعاملة يف جماالت التنمية االقت�صادية واالجتماعية ومراكز‬
‫االبحاث العربية الن�شطة يف هذه املجاالت يف االعداد للقمة‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫ان اعادة ت أ�كيد وابراز م�شاركة املجتمع املدين العربي يف ور�شة التح�ضريات للقمة‬
‫التنموية‪ ،‬جاءت بفعل الدور احلا�سم لالمانة العامة‪ .‬ي أ�تي ذلك بعد ان ُ�سجلت‬
‫م�شاركة املجتمع املدين يف اجتماعات املجال�س الوزارية وم ؤ��س�سات العمل‬
‫العربي امل�شرتك منذ �آب‪ /‬اغ�سط�س ‪ ،2006‬مع انطالقة املجل�س االقت�صادي‬
‫واالجتماعي يف ممار�سة مهمامه وفقا لهيكليته اجلديدة‪ ،‬حيث مت ادماج م ؤ��س�سات‬
‫املجتمع املدين العربي يف اعماله وان�شطته‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فان اعادة و�صل م�شاركة‬
‫املجتمع املدين العربي يف التح�ضري لقمة التنمية‪ ،‬ي أ�تي ان�سجاما مع هذا التوجه‬
‫اال�صالحي‪ .‬ويف نف�س ال�سياق‪ ،‬تندرج م�ساهمتنا هذه يف �سياق ور�شة النقا�ش‬
‫التح�ضريي لهذه القمة التنموية‪.‬‬

‫‪ .4‬تقرير مو�سى حول خيارات العمل االقت�صادي العربي‬


‫امل�شرتك‪.‬‬

‫يف تقريره حول تطوير العمل العربي امل�شرتك ومنظومته‪ُ ،‬ي�سجل امني عام اجلامعة‬
‫العربية ال�سيد عمر مو�سى جملة من خيارات العمل االقت�صادي العربي امل�شرتك‬
‫التي ميلكها العامل االقت�صادي العربي من اهمها‪:‬‬
‫‪ .1‬عقد اتفاقية جديدة للعمل االقت�صادي العربي امل�شرتك‪ ،‬من منظور‬
‫�شامل تبد�أ با�ستكمال منطقة التجارة احلرة العربية الكربى‪ ،‬وو�ضع‬
‫اهداف ومراحل للعمل العربي وفقا لتوقيتات زمنية حمددة مع تبني‬
‫ا�سرتاتيجية توفر م�سارات متعددة للتعاون‪ .‬كما تتيح للدول العربية‬
‫االن�ضمام لع�ضوية اي من اتفاقيات العمل االقت�صادي العربي‬
‫املالئمة‪.‬‬
‫‪ .2‬اال�ستفادة من تعميم جتربة منطقة التجارة احلرة العربية املتو�سطية‬
‫(اعالن اغادير بني االردن وتون�س وم�رص واملغرب) بني الدول العربية‬
‫التي تو�صلت التفاقيات اقليمية مب�رشوطية دولية‪( ،‬اتفاقيات امل�شاركة‬
‫مع االحتاد االوروبي) وترغب يف ا�ستخدام هذا امل�سار كقاطرة توفر‬

‫‪32‬‬
‫عالقات اعمق وت�ستند ل�رشوط اكرث جدية‪...‬‬
‫تطوير االتفاقيات العربية القائمة‪ ،‬وبخا�صة منطقة التجارة احلرة‬ ‫‪.3‬‬
‫العربية الكربى‪ .‬وحترير التجارة مبعدالت ا�رسع وخف�ض والغاء‬
‫العوائق غري اجلمركية‪.‬‬
‫اتاحة دور رائد وحموري للقطاع اخلا�ص العربي يف العمل االقت�صادي‬ ‫‪.4‬‬
‫العربي امل�شرتك‪.‬‬
‫التعامل مع مو�ضوع التمويل على حمورين‪:‬‬ ‫‪.5‬‬
‫{ حمور التنمية بهدف تعزيز البنية اال�سا�سية على امل�ستويني‬
‫القطري واالقليمي العربي مبا يخدم ق�ضية التكامل االقت�صادي‬
‫للدول العربية‪ .‬وتكثيف قيام منظمات و�صناديق التنمية‬
‫العربية بتوفري النوافذ الالزمة لتمويل م�رشوعات التنمية ذات‬
‫االبعاد االقليمية العربية‪ ،‬مع العلم بان اداء هذه ال�صناديق هو‬
‫اداء مميز يف امل�ساهمة يف جهود التكامل والتنمية‪.‬‬
‫{ حمور اال�ستثمار من خالل م�رصف يقوم بامل�ساهمة يف بناء‬
‫التكامل االقليمي وتعزيز النمو املتوازن والتعاون االقت�صادي‬
‫واالجتماعي بني الدول العربية‪ ،‬ويف اال�رساع بعملية التنمية‬
‫االجتماعية االقت�صادية على امل�ستويني القطري واالقليمي‪.‬‬
‫التعاون القطاعي مبا يتيح جماالت للتعاون والتكامل ومبا يراعي‬ ‫‪.6‬‬
‫ظروف الدول العربية ح�سب قدارتها وا�ستعدادها‪ .‬ان وجود اكرث‬
‫من منط للتعاون من � أش�نه ان ي�ساهم ايجابيا يف عملية التنمية االقت�صادية‬
‫يف الدول العربية االقل منوا‪ ،‬متهيدا لت أ�هيلها لالن�ضمام لالمناط االكرث‬
‫عمقا‪.‬‬
‫تبني فكر للتكامل االقت�صادي يقوم على فل�سفة واطار ا�شمل �ضمن‬ ‫‪.7‬‬
‫�سيا�سات اال�صالح يف الداخل بالتوازي مع فتح اال�سواق يف اخلارج‪،‬‬
‫والتو�صل اىل ن�سيج من االدوات وال�سيا�سات ال�رضورية لدفع عجلة‬
‫االنتاج وجذب اال�ستثمار وحتقيق النمو االقت�صادي ومن بني ذلك‪:‬‬

‫‪33‬‬
‫ازالة قيود اال�ستثمار وت�شجيع املناف�سة وتطوير البنية اال�سا�سية‬ ‫{‬

‫جلذب اال�ستثمار‪.‬‬
‫�ضبط اداء االجهزة البريوقراطية وممار�سات جماعات امل�صالح‬ ‫{‬

‫واملنتفعني من االو�ضاع احلمائية‪.‬‬


‫ت�شجيع جتارة اخلدمات ذات املحتوى الثقايف العربي‪ ،‬مثل‬ ‫{‬

‫الداب والفنون والتعليم واالعالم وال�سياحة‪.‬‬ ‫منتجات آ‬


‫خف�ض االعباء على املنتجني وامل�صدرين اىل امل�ستويات‬ ‫{‬

‫العاملية‪.‬‬

‫اىل جانب اقرار القمة العربية مليثاق اجلامعة حول العمل االقت�صادي العربي‬
‫النف الذكر عاموده املركزي‪ ،‬مت اقرار ملحق‬ ‫امل�شرتك‪ ،‬الذي ميثل تقرير مو�سى آ‬
‫خا�ص بتعزيز هذا العمل كالتايل‪:‬‬
‫{ االحتاد اجلمركي (املادة‪ :)1 :‬يقوم املجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬
‫بو�ضع خطة حمددة من خالل برنامج تنفيذي يتم التبادل التجاري يف‬
‫ال�سلع واخلدمات بني الدول العربية مبقت�ضاه يف اطار احتاد جمركي‬
‫يتم حتقيقه يف موعد اق�صاه اول يناير‪ /‬كانون الثاين ‪ 2015‬على ان‬
‫يتم التو�صل اىل التعريفة اجلمركية املوحدة با�سلوب تدريجي قبل هذا‬
‫التاريخ‪.‬‬
‫{ تن�سيق ال�سيا�سات االقت�صادية (املادة‪:)4 :‬‬
‫‪ .1‬تعمل الدول العربية على حتقيق التن�سيق والتجان�س بني خططها‬
‫االمنائية بهدف الو�صول اىل التكامل االقت�صادي فيما بينها‪ ،‬كما تقوم‬
‫بالت�شاور والتن�سيق وتبادل املعلومات حول ال�سيا�سات املالية والنقدية‬
‫وامل�رصفية‪.‬‬
‫‪ .2‬دفعا للم�صالح االقت�صادية وحتقيقا للتنمية االجتماعية العربية تقوم‬
‫الدول العربية بتكثيف التن�سيق والت�شاور فيما بينها لبلورة مواقف‬
‫جماعية جتاه الدول والتجمعات االقليمية االخرى وكذلك يف‬

‫‪34‬‬
‫املنظمات الدولية وعند امل�شاركة يف امل ؤ�مترات الدولية يف املجالني‬
‫االقت�صادي واالجتماعي‪.‬‬
‫‪ .3‬تدعيما للمركز التفاو�ضي للدول العربية تقوم هذه الدول مبواءمة‬
‫�سيا�ساتها واالتفاقيات التي تربمها مع الدول االجنبية وذلك متهيدا‬
‫لقيام الدول العربية بعقد اتفاقيات اقت�صادية جماعية مع اهم �رشكائها‬
‫التجاريني‪.‬‬
‫‪ .4‬تتبنى الدول العربية االجراءات وال�سيا�سات الالزمة لتطوير �سيا�سات‬
‫تنمية �شاملة ومتنا�سقة ت�ستهدف االندماج االقت�صادي‪ .‬وتهدف الدول‬
‫العربية ب�صفة خا�صة اىل حتقيق التنمية مبا يقلل من التفاوت يف درجات‬
‫للقاليم وللتخفيف من درجة تخلف املناطق االقل تقدم ًا‪.‬‬ ‫النمو أ‬

‫‪35‬‬
‫ـ الف�صل الثالث‪ :‬جامعة الدول العربية بني مبادرات ال�ضغط والتحفيز‬

‫�شكلت مبادرة اجلامعة العربية اال�صالحية باالنفتاح على املجتمع املدين العربي‬
‫وتفعيل العالقة معه‪ ،‬تثبيتا للمعادلة التي قامت عليها كل ادبيات التنمية احلديثة‬
‫جلهة اهمية امل�شاركة ودور املجتمع املدين املركزي فيها‪.‬‬
‫عند االعالن عن هذه املبادرة اال�صالحية مل يكن هذا املجتمع املدين العربي قد‬
‫�سجل جتربة ت�سمح ببلورة تواجده كاطار ذو ر ؤ�ية وم ؤ��س�سات‪ ،‬بقدر ما كان‬
‫تعبريا عن حالة ارتبطت ببع�ض املبادرات االهلية املتفرقة وببع�ض املحاوالت‬
‫الت أ��سي�سية خللق اطر عمل م�شرتك بني بع�ض الهيئات واملنظمات النا�شطة يف بع�ض‬
‫البلدان العربية‪.‬‬

‫ـ مبادارت اقليمية‬

‫ترافقت املبادرة اال�صالحية جلامعة الدول العربية مع اطالق �سل�سلة من املبادرات‬


‫اال�صالحية على ال�صعيدين االقليمي والدويل‪ .‬و�شكلت هذه املبادرات‬
‫اال�صالحية‪ ،‬وبخا�صة «اعالن بر�شلونه»‪ ،‬الذي اطلق يف العام ‪ ،1995‬وا�س�س‬
‫الحقا لقيامة م�رشوع ال�رشاكة االوروـ متو�سطية (اوروميد)‪ ،‬اطاراً �ضاغط ًا‬
‫وحمفزاً يف �آن ويف اجتاهني‪:‬‬
‫‪� .1‬ضغط على حكومات املنطقة وهيئاتها االقليمية ويف‬
‫طليعتها جامعة الدول العربية‪ ،‬ربطا بالهواج�س االقت�صادية‬
‫واالمنية التي عربت عنها هذه املبادرة ومت تناولها يف العديد‬
‫من االدبيات التنموية التي �صدرت حديثا‪.‬‬
‫‪ .2‬حمفز لقوى املجتمع املدين للعب دور ال�رشاكة يف دفع م�شاريع‬
‫التنمية وتعزيز مناخات اال�ستقرار ال�سيا�سي واالقت�صادي‬
‫واالجتماعي والدميوقراطية ربطا بذلك‪ .‬كما �شكلت حمفزا‬
‫للحكومات العادة النظر يف جممل تعاملها مع خمتلف الق�ضايا‬

‫‪36‬‬
‫التي ارتكزت اليها هذه املبادرات‪ ،‬نظرا ملا ارتبط بها من‬
‫حمفزات مالية ب�صورة م�ساعدات متنوعة ُوعدت بها يف اطار‬
‫ت�شجيعها على التعامل االيجابي معها‪.‬‬

‫لقد فُهم م�رشوع بر�شلونة على انه نوع من �شهادة ميالد‪ ،‬وحدث م ؤ��س�س‬
‫ملجتمع مدين اورو متو�سطي‪ .‬واكدت �سل�سلة املنتديات االوروـ متو�سطية‪ ،‬يف‬
‫�شتوتغارت يف ني�سان‪/‬ابريل ‪ ،1999‬ومر�سيليا يف ت�رشين الثاين‪ /‬نوفمرب ‪،2000‬‬
‫اىل االجتماعات الوزارية االوروـ متو�سطية كاجتماع بروك�سل يف ت�رشين الثاين‪/‬‬
‫نوفمرب ‪ ،2001‬على اعطاء املجتمع املدين االهمية يف جوانب ال�رشاكة‪ ،‬واعتماد‬
‫خال�صات املنتديات املدنية يف خمتلف مقارباتهم ملجمل الق�ضايا ذات ال�صلة‪.‬‬
‫وقد احتلت ق�ضايا التنمية االقت�صادية والعالقات ال�صناعية وق�ضايا البيئة وحقوق‬
‫االن�سان واملواطنة وحل النزاعات االجتماعية‪ ،‬عناوين ا�سا�سية على جدول اعمال‬
‫هذه اللقاءات‪ .‬كذلك‪ ،‬فان ق�ضايا احلوار الثقايف والتعاون االعالمي وق�ضايا‬
‫الهجرة �شكلت حماور ا�سا�سية ركزت عليها جملة من التو�صيات اخلا�صة يف هذه‬
‫املنتديات‪ .‬ويف كانون الثاين‪ /‬يناير ‪ 1997‬مت اعالن ت أ��سي�س «ال�شبكة االوروـ‬
‫متو�سطية حلقوق االن�سان (‪ )REMDH‬مببادرة من املركز الدامناركي حلقوق‬
‫االن�سان‪ ،‬وجرى خالل امل ؤ�متر الوزاري االوروبي املنعقد يف مالطة االعرتاف‬
‫بع�ضوية هذه ال�شبكة يف م�سار بر�شلونة‪ .‬وقد تركزت عناوين هذه ال�شبكة على‬
‫ق�ضايا م�ساندة املبادئ العاملية حلقوق االن�سان‪ .‬وم�ساندة جهود اع�ضائها ودعمها‬
‫التن�سيق بينها لتمكينها من مراقبة مدى احرتام هذه املبادئ‪ .‬اىل ذلك‪ ،‬فقد ركزت‬
‫مبادئ هذه ال�شبكة على م�ساندة انت�شار امل ؤ��س�سات الدميوقراطية‪ ،‬وت�شجيع قيام‬
‫دولة القانون‪ ،‬وحقوق االن�سان‪ ،‬والرتبية يف جمال حقوق االن�سان يف دول املنطقة‬
‫االوروـ متو�سطية‪ .‬وقد طاولت اهتمامات هذه ال�شبكة ملفات جديدة حول‬
‫الق�ضية الفل�سطينية‪ .‬اال ان احل�ضور اخلفر‪ ،‬يف جممل هذه املنتديات‪ ،‬للملفات‬
‫ال�سيا�سية وب�صورة خا�صة تلك التي تطال امل� أس�لة االمنية فيها‪ ،‬عاد ليحتل موقعا‬
‫ا�سا�سيا بعد الهجوم االرهابي على برجي التجارة العاملية يف ‪.11/9/2001‬‬

‫‪37‬‬
‫يف هذا ال�سياق‪ ،‬وربطا مبختلف هذه املعطيات اجلديدة التي تعزز من فر�ص خلق‬
‫بيئات م ؤ�اتية لقيامة وتطوير وتفعيل اطر املجتمع املدين العربي‪ ،‬من جهة‪ ،‬وال�ضغط‬
‫على احلكومات املعنية باجتاه دعم التحوالت الدميوقراطية فيها‪ ،‬من جهة اخرى‪،‬‬
‫فان جامعة الدول العربية قد وجدت نف�سها امام مرحلة نوعية جديدة مل ت�شهدها‬
‫ومل تختربها �سابقا‪ .‬وقد امن ذلك‪ ،‬ربطا باو�ضاع اقليمية وعاملية جديدة‪ ،‬ظروفا‬
‫�ضاغطة وحمفزة يف �آن‪.‬‬
‫وتعبريا عن ن�ضج ظروف بلورة قيامة جمتمع مدين عربي جديد‪ ،‬انطلقت ور�شة‬
‫الت�شبيك اجلمعوي التي �سجلت �سل�سلة من املحطات املتميزة عربيا‪ .‬فقد امنت‬
‫املنظمات العربية غري احلكومية للتنمية م�شاركة املجتمع املدين العربي يف م ؤ�متر‬
‫كوبنهاغن ‪ 1995‬ويف جنيف ‪ 2000‬ومن ثم يف جوهان�سربغ ‪ .2002‬واعلنت‬
‫عن ت أ��سي�س �شبكة املنظمات العربية غري احلكومية للتنمية عام ‪ .1999‬واعدت‬
‫املنتدى (للت أ�كد من زياد) الدويل حول منظمة التجارة ‪ 2001‬واملنتدى �ضد‬
‫احلرب ‪ .2003‬وبعد �سل�سلة االن�شطة هذه مت عقد امل ؤ�متر الت أ��سي�سي لل�شبكة‬
‫العربية للمنظمات االهلية ببريوت يف العام ‪ ،2002‬مب�شاركة نحو ‪ 1600‬من‬
‫الفاعلني اجلمعويني يف املنطقة العربية‪ .‬وقد اعلنت هذه ال�شبكة لنف�سها جمموعة‬
‫‬
‫من االهداف من ابرزها‪:‬‬
‫‪ .2‬تعزيز عالقات التعاون والتن�سيق والتفاعل بني االحتادات‬
‫والتنظيمات العاملة يف جماالت التنمية الب�رشية امل�ستدامة‪ ،‬وبينها‬
‫وبني امل ؤ��س�سات العربية االقليمية والدولية العاملة يف املجال‬
‫نف�سه‪....‬‬
‫‪ .3‬تطوير العمل االهلي العربي من خالل برامج وم�رشوعات‬
‫رائدة تبادر بها االحتادات والتنظيمات العاملة يف جمال التنمية‬
‫الب�رشية‪..‬‬
‫‪ .4‬تطوير البناء امل ؤ��س�سي لهذه التنظيمات لزيادة كفاءاتها وفعاليتها‬
‫يف حتقيق اهدافها وتعزيز قدارتها على تنمية مواردها املالية‬

‫ ‪ -‬املرجع ال�سابق‪� .‬ص‪.332 :‬‬

‫‪38‬‬
‫لتنفيذ الربامج وامل�رشوعات املوجهة نحو ال�رشائح االجتماعية‬
‫امل�ستفيدة‪...‬‬
‫لقد �شكل عقد هذا امل ؤ�متر واالهداف التي اعلنها تعبريا عن مرحلة جديدة ت ؤ�رخ‬
‫لقيامة جمتمع مدين عربي يطرح‪ ،‬فيما يطرح‪� ،‬رضورة تفعيل ال�رشاكة والرتابط بينه‬
‫وبني الهيئات االقليمية‪ ،‬ويف طليعتها جامعة الدول العربية‪ ،‬من اجل اال�ستفادة‬
‫املتبادلة واطالق ديناميات جديدة تكفل تطوير البناء املجمتمعي العربي وتطوير‬
‫اداء اجلامعة العربية على خمتلف ال�صعد‪.‬‬

‫ـ مبادرات اال�صالح االهلية العربية‪ :‬مبادرات متناثرة وغياب هموم الت�شبيك‬

‫«املنظمة العربية حلقوق االن�سان»‬ ‫{‬

‫ان ابرز املبادرات اال�صالحية االقليمية والتي ات�سمت باجلر�أة والو�ضوح مبا‬
‫حملته من اقرتاحات وما عربت عنه من ر ؤ�ى جديدة‪ ،‬جاءت من جمعيات‬
‫اهلية‪ .‬من اوىل املبادرات اال�صالحية العربية ذات البعد الدميوقراطي التي متت‬
‫برعاية جمعيات اهلية‪ ،‬كان اطالق «املنظمة العربية حلقوق االن�سان» التي اعلنها‬
‫اجتماع ‪ 71‬مفكرا عربيا يف امل ؤ�متر الذي عقد يف منت�صف الثمانينات حتت‬
‫عنوان «االزمة الدميوقراطية يف العامل العربي» يف قرب�ص‪ ،‬بعد رف�ض احلكومات‬
‫العربية ال�ست�ضافته فيها‪ .‬جاء هذا الرف�ض تعبريا عن ح�سا�سية هذا امللف لدى هذه‬
‫احلكومات‪ .‬و�شكل تعبريا عن بروز ميول الت�شدد ال�سلطوي يف تناول جملة‬
‫امللفات اخلا�صة بادارة البالد بعد ت�سجيل تفاقم االزمات الهيكلية التي �شهدتها‬
‫معظم التجارب التنموية يف املنطقة العربية‪ ،‬وما �سجل يف هذا ال�سياق من تخل‬
‫عن االلتزامات التي اطلقت يف املجالني االقت�صادي واالجتماعي‪ ،‬رغم املكا�سب‬
‫اجلزئية التي مت ت�سجيلها على هذا ال�صعيد يف مرحلة �سابقة و�سجلتها تقارير البنك‬
‫‬
‫الدويل‪.‬‬

‫ ‪ -‬راجع تقرير غري من�شور حول «احلقوق االقت�صادية واالجتماعية‪ :‬اطاللة اولية على‬
‫املبادرات الدولية واالقليمية»‪� .‬ص‪ .7/6 :‬من�شورات �شبكة املنظمات العربية غري احلكومية‬
‫للتنمية‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫{ تقرير التنمية االن�سانية العربية يوليو‪ /‬متوز ‪2002‬‬

‫يطيب للبع�ض التوقف عند حمطة الهجمات االرهابية على برجي التجارة العاملية‪،‬‬
‫يف‪ ،11/9/2001‬ت أ��شريا ملرحلة اطالق مبادرات اال�صالح الدميقراطي يف‬
‫املنطقة العربية بفعل ال�ضغط الذي مار�سته حكومة الواليات املتحدة االمريكية‬
‫على حكومات املنطقة يف اطار ور�شة حما�رصة االرهاب و�رضبه‪ .‬يف هذا ال�سياق‪،‬‬
‫ُي�سجل قيام حكومة الواليات املتحدة االمريكية بدور مبا�رش يف عملية الرتويج‬
‫لال�صالح يف ال�رشق االو�سط من خالل مبادرة ال�رشاكة ال�رشق او�سطية التي اعلنت‬
‫يف يونيو‪ /‬حزيران ‪ ،2002‬ومبادرة ال�رشق االو�سط الكبري و�شمال افريقيا‪ ،‬التي‬
‫اعلنت يف م ؤ�متر قمة جمموعة البلدان الثمانية يف يونيو‪ /‬حزيران ‪ .2004‬لقد‬
‫�شكلت مهمة ا�صالح ال�رشق االو�سط اولوية ق�صوى يف بداية ادارة بو�ش الثانية‬
‫بعدما ا�صبحت هذه االدارة طرفا حمليا اثر احتاللها للعراق ني�سان ‪.2003‬‬
‫وان كان من العبث التنكر للدور الذي تركه هذا ال�ضغط‪ ،‬خا�صة على حكومات‬
‫املنطقة‪ ،‬فانه من املجحف مبكان �شطب كل املبادرات التي �شهدتها املنطقة العربية‬
‫قبل تداعيات هجمات ايلول ‪ .2001‬يف هذا ال�سياق‪ ،‬ميكن اال�شارة اىل تقرير‬
‫التنمية االن�سانية العربية الذي كتبه فريق ثالثيني من املفكرين والباحثني العرب‪،‬‬
‫حتت رعاية االمم املتحدة‪ ،‬ومت ا�صداره يف يوليو‪ /‬متوز ‪ .2002‬وهذا يعني ان‬
‫فكرة التقرير وحت�ضريه واليات تنفيذه قامت قبل احداث ايلول ‪ .2001‬وقد عرب‬
‫هذا التقرير عن حاجة املنطقة اىل اال�صالح ال�سيا�سي واالقت�صادي واالجتماعي‪.‬‬
‫س� االمور يف العامل العربي جلهة نق�ص احلرية ونق�ص متكني‬ ‫وقدم مقاربة نقدية ل� ؤ‬
‫الن�ساء ونق�ص املعرفة‪ .‬واو�صى بتمكني املجتمع املدين من خالل رفع العوائق‬
‫والقيود االدارية‪ .‬ودعا اىل �سيادة القانون وار�ساء �ضمانات حلقوق املواطنني‬
‫اال�سا�سية‪ ،‬وخ�صو�صا حرية التعبري وحرية تكوين النقابات‪ .‬و�شجع على تعزيز‬
‫س�ولة‪ .‬واكد على �رضورة ازالة التحيز �ضد املر�أة يف‬‫و�سائل االعالم احلرة وامل� ؤ‬
‫�سوق العمل والرتكيز ب�شكل اكرب على البحث والتطوير يف علوم املعرفة‪ .‬لقد‬
‫اعترب البع�ض ان هذا التقرير ال ي�شكل مبادرة لال�صالح يف حد ذاته‪ ،‬مبقدار كونه‬

‫‪40‬‬
‫و�ضع معايريا حلوار من اجل اال�صالح داخل املنطقة وعلى امل�ستوى الدويل‬
‫على ال�سواء‪ .‬وهذا ما وفر ا�سا�سا ل�صانعي ال�سيا�سات يف املنطقة والعامل لطرح‬
‫‪10‬‬
‫مقرتحاتهم اال�صالحية يف بيئة م ؤ�اتية اكرث‪.‬‬
‫ا�ستنادا اىل كل ذلك‪� ،‬شكل تقرير التنمية االن�سانية العربية ا�سا�سا قامت باال�ستناد‬
‫اليه‪ ،‬مقرتحات اال�صالح التي تلت ا�صداره يف العامل العربي وذلك بتج�سيد‬
‫التحديات ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية والدميوغرافية التي تواجهها‬
‫املنطقة‪ .‬قد مثل اطالق هذا التقرير ت أ��سي�سا يف خلق بيئة حمفزة و�ضاغطة‪ ،‬يف �آن‪،‬‬
‫على خمتلف القوى النا�شطة يف جمال العمل العام لفتح ملفات اال�صالح واطالق‬
‫ور�شاتها اخلا�صة يف هذا املجال‪ .‬اال ان هذا التقرير‪ ،‬مع كل االهمية التي ت�سجل‬
‫الليات‪.‬‬‫ال�سهاماته‪ ،‬فقد بقي على �ضفاف ملف اال�صالح ومل يلجه‪ ،‬خا�صة جلهة آ‬
‫وبالتايل‪ ،‬فهو مل يت�ضمن اية ا�شارات حمددة ميكن ادراجها حتت عنوان مقاربة ملف‬
‫اال�صالح االقت�صادي واالجتماعي الذي اطلقته جامعة الدول العربية‪ .‬يف املقابل‪،‬‬
‫فقد قارب البع�ض هذا التقرير نقديا جلهة ق�صورة يف طرح بع�ض امللفات ال�شائكة‬
‫عرب جتنبها‪ .‬وي�شار هنا اىل جتنب وا�ضعي التقرير طرح ق�ضايا الدين والثقافة ودور‬
‫اال�سالم يف ال�سيا�سة العربية ويف املجتمع العربي‪ ،‬ف�ضال عن مغاالته يف تقدمي‬
‫�صورة قامتة للعامل العربي‪ ،‬ربطا بان هذه املقاربة ال�سوداوية املفرطة �ست�شكل‪ ،‬من‬
‫منظور نظرية امل ؤ�امرة‪ ،‬اطارا م�شجعا لتدخل اجنبي ي�سعى لفر�ض ارادته على‬
‫هذه املنطقة‪.‬‬

‫املنتدى املدين العربي االول‪ /‬املوازي للقمة العربية‪ .‬بريوت‬ ‫{‬

‫ت�شكل هذا املنتدى من ‪ 52‬جمعية اهلية عربية من ‪ 13‬بلداً‪ .‬انعقد يف حمطة اوىل‬
‫عام ‪ 2002‬اثناء قمة بريوت حيث ا�صدر اعالنا خا�صا ُ�س ِّلم اىل ال�سيد طاهر‬
‫امل�رصي‪ .‬و�سارع اىل االنعقاد حماوال ا�ستباق انعقاد القمة العربية املخ�ص�صة لق�ضية‬
‫اال�صالح ال�سيا�سي التي ت أ�جل انعقادها يف تون�س حتى �آيار‪ /‬مايو ‪ .2004‬واعترب‬
‫‪ - 10‬راجع منى يعقوبيان‪ .‬الرتويج للدميقراطية يف ال�رشق االو�سط‪ .‬اجلزء الثاين‪ .‬املبادرات‬
‫العربية‪ .‬معهد ال�سالم االمريكي‪ .‬تقرير خا�ص رقم ‪ .136‬مايو‪ /‬ايار ‪� .2005‬ص �ص‪.5..2 :‬‬

‫‪41‬‬
‫هذا اللقاء مبثابة قمة للجمعيات االهلية العربية‪ .‬وعرف الحقا با�سم «املنتدى‬
‫املدين»‪ .‬وهو يعترب من اكرث مبادرات اال�صالح االهلية العربية تبلورا على هذا‬
‫ال�صعيد‪ .‬وب�سبب منعه من االنعقاد يف تون�س‪ ،‬اجتمع املنتدى يف بريوت ملدة‬
‫اربعة ايام ‪19‬ـ ‪ 22‬مار�س‪� /‬آذار ‪.2004‬‬
‫لقد عك�س املنتدى املدين يف م�سار تطوره الالحق وجهات نظر ت�شمل املنطقة‬
‫ب أ�كملها وتعك�س م�صالح جمعيات حقوق االن�سان واجلماعات الن�سائية‬
‫واملنظمات املعنية بحرية ال�صحافة‪ .‬وقامت هذه املنظمات واجلمعيات يف اطار‬
‫هذا املنتدى ب�صفتها جهات م�ستقلة حقا عن اي حكومة يف املنطقة‪ .‬و�سعت اىل‬
‫التعبري عن جممل الطموحات ال�شعبية من اجل التغيري‪ .‬وقد توجهت يف دعواتها‬
‫اىل احلكومات ب�صورة ا�سا�سية واىل املفكرين واالعالميني مبختلف انتماءاتهم‪.‬‬
‫وقد اكد املنتدى فيما يطال �آلية املتابعة املطلوبة‪ ،‬على �رضورة عقد م ؤ�مترات موازية‬
‫للجمعيات االهلية ترافق م ؤ�مترات القمة العربية‪ .‬وقد �شكل ذلك ا�سا�سا م�ساعدا‬
‫ل�ضمان املتابعة امل�ستمرة‪ ،‬من جهة‪ ،‬وجماال اليالء اهتمام اكرب مبقرتحاته من اجل‬
‫اال�صالح‪ ،‬من جهة اخرى‪ .‬اىل جانب ذلك‪ ،‬مل ي�سجل اي تقاطع يذكر واي‬
‫ت�شبيك جدي بني طروحات هذا املنتدى ودعواته اال�صالحية وبني الطروحات‬
‫اال�صالحية التي اطلقتها جامعة الدول العربية وبخا�صة تلك التي قٌدمت ب�صفتها‬
‫تندرج حتت عنوان تعزيز فر�ص ال�رشاكة والتعاون بني اجلامعة واملجتمع املدين‬
‫العربي‪ ،‬الذي ي�شكل املنتدى املدين احدى اوىل ت�شكيالته التنظيمية االقليمية‪ .‬ان‬
‫هذا الواقع يطرح امام املعنني يف متابعة ملف اال�صالح يف اجلامعة العربية �رضورة‬
‫اخلروج من دائرة الدعوات العامة واملبدئية لل�رشاكة مع املجتمع املدين العربي‬
‫وهيئاته اىل دائرة التفعيل وو�ضع آ‬
‫الليات التنفيذية لذلك‪.‬‬

‫اعالن الدوحة من اجل الدميوقراطية واال�صالح‬ ‫{‬

‫اطلق هذا االعالن اكرث من مئة م�شرتك من كافة انحاء العامل العربي ميثلون طائفة‬
‫عري�ضة من ال�صحفيني والنا�شطني يف العمل االهلي وال�سيا�سيني‪ .‬مت ذلك اثر لقاء‬
‫ا�ست�ضافه مركز درا�سات اخلليج التابع جلامعة قطر بدعم من احلكومة القطرية‪ ،‬يف‬

‫‪42‬‬
‫‪ 3‬و‪ 4‬يونيو‪ /‬حزيران ‪ .2004‬وقد ا�ستمرت هذه الرعاية الر�سمية لكل اللقاءات‬
‫الالحقة والدورية التي مت عقدها الحقا‪ ،‬والتي رافقتها جملة من الطقو�س الر�سمية‬
‫جلهة دعوة �شخ�صيات ر�سمية عربية وعاملية للم�شاركة يف هذه اللقاءات‪.‬‬
‫لقد تركزت تو�صيات هذا االعالن على جملة من املطالب ال�سيا�سية التي‬
‫تندرج حتت عنوان تعزيز الدميوقراطية يف املنطقة عرب ا�صالح االنظمة العربية‬
‫على اختالفها‪ .‬ومبعزل عن م�ضمون املقاربات التي ت�ضمنها هذا االعالن‪ ،‬فاننا‬
‫الليات التي اطلقها جلهة تقاطعها مع اجلهود اال�صالحية‬ ‫معنيون بر�صد م� أس�لة آ‬
‫املطروحة يف املنطقة‪ ،‬وبخا�صة تلك التي طرحتها جامعة الدول العربية‪ .‬لقد اكد‬
‫هذا االعالن على �رضورة املتابعة يف اطار هذه املهمة اال�صالحية‪ .‬واقرتح ان�شاء‬
‫م ؤ��س�سة ملراقبة الدميوقراطية العربية مقرها قطر‪ .‬على ان تقوم هذه املجموعة‬
‫بر�صد ومتابعة املقرتحات الواردة يف اعالن الدوحة باال�ضافة اىل مبادرات‬
‫اال�صالح االخرى مثل مبادرة بريوت واال�سكندرية و�صنعاء‪.‬‬
‫لقد مثلت مهمة الت�شبيك مع املبادرات والهيئات االخرى يف اطار املجتمع املدين‬
‫العربي‪ ،‬عنوانا بارزا خل�صت اليه اعمال م ؤ�متر الدوحة‪ .‬وعرب ذلك عن تقدم يف‬
‫ادراك اهمية ذلك يف دفع مهمات اال�صالح ودور االطر املختلفة لت�شكيالت‬
‫املجتمع املدين العربي يف ذلك‪ .‬اال انه من امللفت اي�ضا ان يغيب عن هذا االعالن‬
‫حلظ مبادرة اجلامعة العربية اال�صالحية ب�صفتها عنوانا من عناوين طرح مهمة‬
‫اال�صالح يف املنطقة العربية وما يقت�ضيه ذلك من �سعي للت�شبيك معها وتفعيل‬
‫عناوين التقاطعات املختلفة معها‪.‬‬

‫وثيقة اال�سكندرية‬ ‫{‬

‫من اكرث املبادرات اال�صالحية العربية �شيوعا‪� .‬صاغتها جمموعة من ‪ 150‬مفكرا‬


‫ودبلوما�سيا �سابقا ورجل اعمال ( ‪ 100‬من م�رص اىل ‪ 50‬من بلدان عربية‬
‫اخرى)‪ .‬مت اطالقها يف مكتبة اال�سكندرية لتحمل ا�سمها اثر اجتماع يف ‪12‬ـ‬
‫‪ 14‬مار�س‪� /‬آذار ‪ 2004‬بدعوة من «جتمع رجال االعمال ال�شباب»‪ .‬وتبنت‬
‫هذه الوثيقة نهجا متعدد القطاعات اذ تت�صدى لال�صالح ال�سيا�سي واالقت�صادي‬

‫‪43‬‬
‫واالجتماعي والثقايف‪ ،‬مع الرتكيز املتميز على البعد االقت�صادي‪ .‬ومبعزل عن‬
‫اجلدل الذي اثاره هذا اللقاء جلهة الرعاية الر�سمية امل�رصية له‪ ،‬وما �سجله البع�ض‬
‫من تراجع مقاربته النقدية وحمدودية دعوته اال�صالحية قيا�سا باعالن بريوت او‬
‫اعالن الدوحة‪ ،‬فقد توقف منذ البداية عند مهمة ت�شجيع تعديل القوانني املقيدة‬
‫حلرية تكوين م ؤ��س�سات املجتع املدين‪ .‬ودعا اىل عقد م ؤ�مترات وطنية لال�صالح‬
‫يف خمتلف البلدان العربية‪ .‬ومما يلفت يف اعالن هذه الوثيقة ان املوقعني عليها‬
‫قاموا بذلك ك أ�فراد ولي�س كممثلني ملنظمات حمددة مما طرح م� أس�لة متثيلية الوثيقة‬
‫وما �سماه البع�ض ا�شكالية وزنها التمثيلي‪.‬‬
‫وقد �سجلت وثيقة اال�سكندرية‪ ،‬با�سم من وقعها‪� ،‬سل�سلة من االقرتاحات تطال‬
‫خمتلف امل�ستويات التي يفرت�ض ان تطالها الور�شة اال�صالحية‪ .‬و�سعيا اىل تنفيذ‬
‫هذه املقرتحات‪ ،‬دعت الوثيقة «اىل االتفاق مع جامعة الدول العربية لتبني �سل�سلة‬
‫من امل ؤ�مترات العامة والندوات املتخ�ص�صة‪ ،‬ملناق�شة هذه املو�ضوعات بالعمق‬
‫الذي يتنا�سب واهميتها ودقتها‪ ،‬و�رضورة و�ضعها يف اطار عملي‪ ،‬ي�ستجيب اىل‬
‫حتديات االقت�صادات العربية على امل�ستوى القطري واالقليمي»‪.‬‬
‫اىل جانب هذه املطالبة التي توجهت بها اىل جامعة الدول العربية‪ ،‬مل ت�سجل‬
‫هذه الوثيقة اية ا�شارة اىل الور�شة اال�صالحية التي اطلقتها اجلامعة‪ .‬وبالتايل فهي‬
‫مل ت�رش اىل اية تقاطعات او اية عملية ت�شبيك مطلوبة بني جهودها وجهود خمتلف‬
‫اجلهات املنخرطة يف اطر املجتمع املدين العربي‪ ،‬وال بينها وبني اجلهود التي‬
‫اطلقتها الور�شة اال�صالحية جلامعة الدول العربية‪.‬‬

‫املنتدى العربي للحوار الدميوقراطي (اعالن �صنعاء)‬ ‫{‬

‫�صدر هذا االعالن عن م ؤ�متر عقد بتاريخ ‪10‬ـ ‪ 12‬يناير‪/‬كانون الثاين ‪،2004‬‬
‫ح�رضه ‪ 820‬م�شاركا ميثلون ‪ 52‬بلدا‪ ،‬من بينهم ممثلون عن احلكومات باال�ضافة‬
‫اىل طائفة من منظمات املجتمع املدين واالحزاب ال�سيا�سية‪ ،‬وا�شرتكت احلكومة‬
‫اليمنية يف تنظيمه‪ .‬ويعترب االول من نوعه جلهة جمعه ال�رصيح للحكومات‬

‫‪44‬‬
‫واملجتمع املدين على قاعدة االعرتاف اجلدي بامكان التعاون املثمر بينهما‪ .‬وقد‬
‫ت�ضمن عدة عناوين ا�صالحية تطال ق�ضايا انتخاب الهيئات الت�رشيعية‪ ،‬وقيام‬
‫�سلطات ق�ضائية م�ستقلة‪ ،‬واحرتام �سيادة القانون‪ ،‬ومتكني املر�أة‪ ،‬وا�ستقالل دور‬
‫القطاع اخلا�ص ك�رشيك حيوي يف اي جهد ا�صالحي‪ .‬كما مت الرتكيز على اهمية‬
‫تعزيز ال�رشاكة بني احلكومات واملجتمع املدين على قاعدة اهمية ال�رشاكة واحلوار‬
‫بينهما الجناح النهو�ض اال�صالحي يف املنطقة العربية‪ .‬و�شكل ان�شاء «املنتدى‬
‫العربي للحوار الدميوقراطي» عنوانا ا�سا�سيا آ‬
‫للليات الرامية اىل حتفيز احلوار بني‬
‫خمتلف االطراف احلكومية واالهلية‪.‬‬
‫اىل جانب املالحظة النقدية التي طالت عالقة هذا املنتدى واعالنه مع ال�سلطات‬
‫الر�سمية وما يرتكه ذلك من ت أ�ثريات تطال ال�سقوف اال�صالحية التي يت�ضمنها‪،‬‬
‫فقد ُ�سجل افتقار هذا االعالن اىل التحديد واقت�صار مقارباته على عموميات‬
‫مبهمة‪ .‬كذلك ُ�سجل خلوه من اية ا�شارة للتقاطع والت�شبيك مع اجلهود اال�صالحية‬
‫املختلفة التي اطلقتها وتطلقها هيئات ومنظمات املجتمع املدين العربي وجامعة‬
‫الدول العربية‪.‬‬

‫رابطة ا�صدقاء جامعة الدول العربية‬ ‫{‬

‫ت�شكلت الرابطة من مهنيني ونا�شطني م�ستقلني‪ ،‬يلتزمون بفكرة التكتل االقليمي‬


‫العربي‪ ،‬وي�سعون اىل تفعيلها‪ .‬اكدت منذ البداية على �صفتها كجماعة اهلية‬
‫ت�سعى اىل بناء عالقات جيدة مع االمانة العامة للجامعة‪ ،‬ومع م ؤ��س�سات العمل‬
‫العربي امل�شرتك‪ ،‬كما �سعت اىل بناء عالقات تعاون ايجابية وجيدة مع ر�سميني‬
‫‪11‬‬
‫عرب‪ ،‬يحملون االفكار والتوجهات نف�سها‪.‬‬
‫انطلقت الفكرة لدى ه ؤ�الء املبادرين من الت�سا ؤ�ل حول كيفية ال�سعي اىل تعميق‬
‫التعاون العربي وتنميته من خالل اجلامعة العربية‪ .‬و�شكلت اجلمعية مدخال‬
‫ملقاربة هذا اجلواب‪ .‬وقد اعتربها ه ؤ�الء‪ ،‬ومنذ البداية‪ ،‬كجماعة �ضغط عربية‪،‬‬
‫‪ - 11‬راجع رغيد ال�صلح‪ .‬من اجل ا�صالح جامعة الدول العربية‪ .‬مرجع �سابق‪� .‬ص‪.368 :‬‬

‫‪45‬‬
‫بغر�ض تنمية العالقات العربية البينية وتطويرها‪ .‬و�سعت اىل و�ضع برنامج مطلبي‬
‫للقلمة العربية‪ ،‬يتوجه اىل احلكومات الراهنة‪ ،‬ويحثها على اال�ستجابة حلاجات‬ ‫أ‬
‫اجلماعات املعنية بق�ضية التكامل العربي ومطالبها‪ .‬وحر�صت على بلورة برناجمها‬
‫من خالل عملية م�سح علمية بحثية‪ ،‬ومراجعة ملقررات اجلامعة واتفاقياتها‪،‬‬
‫املتعلقة مب� أس�لة التكتل االقليمي العربي‪ ،‬والتي وقعت عليها الدول العربية‪.‬‬
‫ومن امللفت‪ ،‬ان هذه اجلمعية حددت لنف�سها‪ ،‬ومنذ البداية‪ ،‬انها تركز على‬
‫املطالب التي ال مت�س امن النخب احلاكمة‪ ،‬النه‪ ،‬ح�سب تقديرها‪ ،‬لن يكون هناك‬
‫جدوى او فائدة لعمل الرابطة كجماعة �ضغط‪ ،‬ان مل ت�سمح احلكومات بذلك‪،‬‬
‫وت�ستمع اليها‪.‬‬

‫ت�شبيك وتن�سيق‪ :‬حاجات مو�ضوعية جديدة‪ .‬حماولة منتدى احلوار‬ ‫{‬

‫الدميوقراطي العربي‬

‫حتت عنوان «حول التحوالت الدميوقراطية ودور املجتمع املدين‪ ...‬نظرة اىل‬
‫امل�ستقبل»‪ ،‬عقد يف �صنعاء بتاريخ ‪� 19/20‬سبتمرب‪ /‬ايلول ‪ 2005‬منتدى احلوار‬
‫الدميوقراطي العربي الذي نظمه مركز املعلومات والت أ�هيل حلقوق االن�سان‬
‫(‪ )HRITC‬مب�شاركة منظمات اقليمية ودولية وح�ضور اكرث من ‪� 150‬شخ�صية‬
‫عربية واوروبية وممثلني لهيئات اقليمية‪ .‬ناق�ش امل�شاركون ق�ضايا املبادرات‬
‫واالعالنات االقليمية يف املنطقة التي مهدت الطريق لربنامج دعم حوار‬
‫الدميوقراطية ‪( DAD‬اعالن �صنعاء ـ قمة تون�س ـ بيان اال�سكندرية ـ بيان الرباط‬
‫ـ بيان اال�ستقالل الثاين «بريوت» والقاهرة ـ والدوحة)‪ ،‬وغريها من مبادرات‬
‫املجتمع املدين يف العامل العربي‪ .‬كذلك‪ ،‬مت التوقف عند �آليات «املنتدى العربي‬
‫للحوار الدميوقراطي» لدعم احلوار داخل املجتمع املدين العربي ولتعزيز �رشاكة‬
‫املجتمع املدين مع احلكومات‪ ،‬ا�ضافة اىل عدد من الق�ضايا الهامة مثل «حماربة‬
‫الف�ساد» املر�أة والبطالةـ �سيادة القانون ـ حقوق االن�سان‪.‬‬
‫لقد اظهر هذا اللقاء احلاجة اىل اطالق مهمة التن�سيق بني جملة املبادرات‬

‫‪46‬‬
‫التي اطلقتها هيئات املجتمع املدين العربي و�شهدتها املنطقة العربية على مدى‬
‫ال�سنوات القليلة املا�ضية‪ .‬ت أ�كدت هذه احلاجة يف ظل الت�شابه والتقاطع الكبريين‬
‫يف عناوين جملة اللقاءات واملنتديات التي مت تنظيمها حتت عناوين اال�صالح‬
‫ال�سيا�سي والدميوقراطي واالقت�صادي واالجتماعي وادوار قوى املجتمع املدين‬
‫يف ذلك‪ .‬وقد ابرز هذا الت�شابه وهذا التكرار مظهرا من مظاهر االهدار يف‬
‫اجلهد واالمكانات الذي اخذ ينفذ اىل اطر وهيئات املجتمع املدين العربي‪ .‬وقد‬
‫اثار هذا االمر م� أس�لة م�صداقية هذه املنتديات وجهودها اال�صالحية فيما هذه‬
‫احلركة تعي�ش بداية تبلورها كاطار واعد وا�سا�سي يف اي جهد ا�صالحي مطلوب‬
‫للمنطقة العربية‪.‬‬
‫لقد حدد هذا املنتدى هدفية هذا احلوار بو�ضع �آلية للتوا�صل بني خمتلف م ؤ��س�سات‬
‫املجتمع املدين والرتكيز يف ذلك على جانبني‪:‬‬
‫‪� .1‬صياغة برنامج عمل م ؤ��س�سات املجتمع املدين فيما بينها لتعزيز احلوار‬
‫وال�رشاكة‪.‬‬
‫‪� .2‬صياغة برنامج لتعزيز احلوار وال�رشاكة بني م ؤ��س�سات املجتمع املدين‪،‬‬
‫من جهة‪ ،‬وامل ؤ��س�سات الر�سمية‪ ،‬من جهة ثانية‪.‬‬
‫يف هذا ال�سياق‪ ،‬توقف املجتمعون يف هذا املنتدى عند اهمية م أ��س�سة هذا احلوار‬
‫حتى ال يكون ظرفيا او يوظف �سيا�سيا وان تعتمد خطط العمل على برامج بديلة‬
‫وان تنتقل منظمات املجتمع املدين من جمرد منظمات احتجاجية اىل قوة اقرتاح‪.‬‬
‫واثار املنتدى‪ ،‬من جملة ما اثاره‪ ،‬م� أس�لة ال�رشاكات اال�سرتاتيجية مع املنظمات‬
‫االقليمية‪ .‬ومما يلفت هنا ان اية ا�شارة مل ت�سجل‪ ،‬يف اطار ور�شة الت�شبيك والتن�سيق‬
‫هذه‪ ،‬اىل جهود اجلامعة العربية وم�رشوعها اال�صالحي‪.‬‬

‫‪47‬‬
48
‫الق�سم الثاين‬

‫ـ الف�صل االول‪ :‬حول املجتمع املدين العربي‬

‫بحث عن دور و�سط بيئة م ؤ�اتية وقلقة وانتقالية يف �آن‬ ‫{‬

‫يف خ�ضم املبادرات اال�صالحية ال�سيا�سية واالقت�صادية التي ت�شهدها املنطقة‬


‫العربية‪ ،‬منذ مطلع االلفية اجلديدة‪ ،‬يتفاقم الت�سا ؤ�ل حول موقع ودور «املجتمع‬
‫املدين العربي»‪ .‬وحتت عنوان «اين املجتمع املدين العربي؟» هناك من ي�سجل‬
‫افتقاده هذا احل�ضور يف خ�ضم هذه الور�شة ال�صاخبة من اال�صالحات التي تطلقها‬
‫حكومات املنطقة وتكتالتها االقليمية‪ ،‬ال�سيا�سية واالقت�صادية‪ .‬البع�ض ير�صد هذا‬
‫الوجود ويراه �ضامرا وهام�شيا‪ ،‬واخر يراه حا�رضا وواعدا‪.‬‬
‫ان هذا النقا�ش يت�صاعد و�سط او�ضاع انتقالية م�ضطربة ومتفجرة تعي�شها املنطقة‬
‫العربية �ستحكم بنتائجها كل م�سارات التطور ال�سيا�سي واالقت�صادي واالجتماعي‬
‫لعقود وعقود من الزمن‪ .‬ماذا �سي�سفر عن احتالل العراق وما ي�شهده من �رصاعات‬
‫اهلية مدمرة؟ م�ستقبل املفاو�ضات بني ال�سلطة الوطنية الفل�سطينية واحلكومة‬
‫اال�رسائيلية؟ كيف �سرتت�سم خريطة االو�ضاع يف فل�سطني وبخا�صة ملف ال�رصاع‬
‫الوطني الداخلي؟ ازمة لبنان ال�سيا�سية واالحتماالت التي يتيحها اتفاق الدوحة؟‬

‫‪49‬‬
‫االو�ضاع القلقة يف العديد من البلدان العربية التي تواجه �شعوبها و�سلمها االهلي‬
‫وانظمتها خيارات حا�سمة يف م�سارات تطورها املقبلة‪ ،‬ربطا باحتدام �رصاعاتها‬
‫الداخلية املتنوعة؟‪ .‬امل�رشوع االمريكي لل�رشق االو�سط الكبري ونتائجه امللتب�سة؟‬
‫الدور االيراين االقليمي واحالم امرباطورية م�ستعادة؟ امل�شاريع اال�صولية على‬
‫تنوعاتها املذهبية وخياراتها املتفجرة واملتكيفة؟‬
‫من الطبيعي ان تت أ�ثر اية مقاربة الو�ضاع «املجتمع املدين العربي» مبجمل هذه‬
‫االو�ضاع‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فان النتائج التي �ستتحقق يف اية من هذه املجاالت �ستطال‬
‫يف نتائجها‪ ،‬فيما تطال‪ ،‬او�ضاع هذا املجتمع‪ .‬اال ان ال�صورة املركبة عن حقيقة‬
‫االو�ضاع العامة التي حتيط بهذا املجتمع تفرت�ض اال�شارة اىل جملة من املعطيات‬
‫االيجابية اجلديدة املواكبة وامل�شجعة واملحفزة على ت�شكل وتبلور وتطور هذا‬
‫املجتمع‪ .12‬وهي ترتاوح بني االهتمام الدويل واالقليمي واملحلي مبنظمات‬
‫املجتمع املدين العاملة يف البلدان العربية‪ ،‬عرب ح�شد املبادرات اخلا�صة بدفع‬
‫الدميوقراطية واال�صالح يف املنطقة‪ .‬وح�صول تغريـ وان بدا حمدوداـ يف �سيا�سات‬
‫االنظمة العربية جتاه ا�سلوب ادارة احلكم والتعامل مع املجتمع واملواطنني‪ .‬اىل‬
‫بروز ديناميكية غري م�سبوقة على م�ستوى حرية التعبري وال�صحافة يف الكثري من‬
‫البلدان العربية خالل ال�سنوات االخرية‪ ،‬لعبت فيها الف�ضائيات العربية‪ ،‬رغم ما‬
‫ميكن ان ي�سجل عليها من مالحظات نقدية‪ ،‬دورا �صحيا‪ .‬دون ان نن�سى الدور‬
‫الهام واحلا�سم الذي وفرته ثورة االت�صاالت واملعلومات‪.‬‬

‫قلق الت�شكل وا�شكاالت التبلور‬ ‫{‬

‫لقد �سلطت التطورات التي �شهدها العامل واملنطقة اال�ضواء اكرث فاكرث على هذا‬
‫املكون االجتماعي اال�سا�سي‪ ،‬املجتمع املدين‪ .‬فبح�ضوره ودوره تتكامل خريطة‬
‫‪ - 12‬راجع �صالح الدين اجلور�شي‪« .‬منظمات املجتمع املدين ومع�ضلة التحول الدميوقراطي يف العامل‬
‫العربي»‪ .‬من�شورات �شبكة املنظمات العربية غري احلكومية للتنمية‪ .‬بريوت‪ .‬اوكتوبر‪ /‬ت�رشين االول‪.2006 .‬‬
‫�ص �ص‪.24..23 :‬‬

‫‪50‬‬
‫العنا�رص التي‪ ،‬وعلى قاعدة ت�شابكها‪ ،‬تتوافر �رشوط قيامة امل�رشوع التنموي يف‬
‫خمتلف م�ستوياته‪ ،‬وتت أ��س�س امكانات جناحه وتطوره‪ .‬لذا‪ ،‬فقد تكثف ح�ضور‬
‫هذا املفهوم يف خمتلف املقاربات التي قر�أت وحللت وخططت يف اطار‬
‫�سعيها لتجاوز حاالت التخلف االقت�صادي واالجتماعي وال�سيا�سي واالن�ساين‬
‫والتنموي‪ ،‬وبخا�صة يف جمال ت�صديها ملهمات اال�صالح التي راجت كثريا‪،‬‬
‫لك أ�ننا امام «و�صفة �سحرية» �ضجت بها كل االدبيات واملبادرات التي يطلقها‬
‫اجلميع من جهات ر�سمية اىل خا�صة واهلية‪ ،‬حملية واقليمية ودولية‪ .‬اال ان هذا‬
‫احل�ضور ترافق مع بروز �سل�سلة من اال�شكاالت التي ترافق هذا اال�ستخدام وتطال‬
‫جملة من امل�سائل منها‪:‬‬

‫ازاحة مفهومية ووظائف جديدة‬ ‫{‬

‫عربت ا�شكاليات مقاربة ق�ضايا املجتمع املدين مفهوميا عن مرحلة جديدة ت�سعى‬
‫ل�صياغة عدتها املفهمومية يف اطار ور�شة فهم العامل اجلديد‪ ،‬عامل ما بعد انهيار‬
‫االحتاد ال�سوفياتي و�سائر املنظومة اال�شرتاكية‪ ،‬وما رافقه من تغيريات هائلة ربطا‬
‫بانتهاء ع�رص احلرب الباردة‪ .‬واحدى ابرز ور�شات التغيري �شهدها العامل الثالث‬
‫عرب �سحب وانح�سار وازاحة مفاهيم الثورة والتغيري الثوري وال�رصاع الطبقي‪،‬‬
‫جلهة ا�ستبدالها مبفاهيم جديدة تن�سجم مع املرحلة اجلديدة‪ ،‬مرحلة العوملة‪ .‬يف‬
‫هذا ال�سياق‪ ،‬تكونت ت�شكيلة مفاهيمية جديدة يقوم يف ا�سا�سها املجتمع املدين‬
‫وما يرافقه من عناوين تطال ق�ضايا حقوق االن�سان ومواجهة الفقر والبطالة‬
‫واالمية والتنمية املحلية واجلندر والبيئة واالدارة الر�شيدة وغريها‪ .‬وقد و�صلت‬
‫حماوالت البع�ض‪ ،‬على هذا ال�صعيد‪ ،‬حدود اعتبار ان هذا احلقل اجلديد هو احلقل‬
‫املعا�رص الدارة ال�رصاعات واملنازعات واملن�سجم مع التغيريات العميقة يف ع�رص‬
‫العوملة‪ ،‬على ح�ساب البعد ال�سيا�سي‪ .‬واعترب هذا البع�ض انه �آن االوان ال�ستبدال‬
‫�صيغة التجمعات ال�سيا�سية (احزاب وتيارات ومنظمات وغريها) ب�صيغ املجتمع‬
‫املدين وهيئاته واطره‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫بني «املجتمع املدين» واجلامعة العربية‪ :‬هموم م�شرتكة وتقاطعات‬ ‫{‬

‫ملتب�سة‬

‫عرف كل بلد من بلدان املنطقة العربية جتربته التاريخية اخلا�صة يف جمال ت�شكل‬
‫وتطور هيئات املجتمع االهلي او املدين‪ .‬لقد عرفت العديد من هذه البلدان‪،‬‬
‫تاريخيا‪ ،‬ت�شكل اجلمعيات واالطر‪ ،‬التي ت�صنف يف معايري املرحلة الراهنة‬
‫باعتبارها جماال من جماالت املجتمع املدين‪ .‬و�شهد بع�ض هذه البلدان‪ ،‬منذ ع�رشات‬
‫ال�سنني‪ ،‬اطرا خا�صة للعمل التن�سيقي فيما بني هذه اجلمعيات‪ ،‬ا�رشت اىل تطور‬
‫جتربة عملها وتفاوت ادوارها االجتماعية واالمنائية واالن�سانية‪.13‬‬
‫ل�سنا االن ب�صدد عر�ض ومتابعة ونقا�ش هذه التجارب الوطنية املحلية يف عمل‬
‫منظمات املجتمع املدين يف بلدان املنطقة‪ ،‬دون ان يعني ذلك ا�سقاطا الهمية هذه‬
‫التجارب وغناها‪ .‬ان ما يعنينا‪ ،‬يف اطار درا�ستنا هذه‪ ،‬هو ر�صد ومتابعة ت�شكل‬
‫االطر العربية واالقليمية ملنظمات وهيئات املجتمع املدين‪ ،‬وما ا�سهمت به‪ ،‬عرب‬
‫املنتديات واالن�شطة املتعددة التي نظمتها‪ ،‬او �شاركت فيها‪ ،‬يف ور�شة اال�صالح‬
‫االقت�صادي واالجتماعي التي اطلقتها جامعة الدول العربية‪ .‬وكيف تقاطع عمل‬
‫هيئات هذا «املجتمع املدين العربي» مع جهود اجلامعة العربية؟‪ .‬كيف يتمظهر‬
‫وعي اهمية هذا التقاطع يف اجلهود املختلفة التي يقوم بها هذين الطرفني؟‪.‬‬
‫اال�شكالية التي ميكن طرحها يف هذا املجال‪ 14،‬تطال مدى القدرة احلقيقية‬
‫‪ - 13‬ظهر اول اطار تن�سيقي لهيئات عاملة يف حقل التنمية واخلدمات االجتماعية يف لبنان‬
‫بتاريخ ‪ .29/9/1980‬اثر دعوة من «احلركة االجتماعية»‪ ،‬ت�شكل «احتاد «التن�سيقات‬
‫االجتماعية واالمنائية» من �سبعة اع�ضاء‪ :‬احتاد غوث االوالد‪ .‬احتاد امل ؤ��س�سات الرتبوية اال�سالمية‪.‬‬
‫جمعية تنظيم اال�رسة‪ .‬اجلمعية امل�سيحية لل�شابات‪ .‬احلركة االجتماعية‪ .‬كاريتا�س لبنان‪ .‬جمل�س‬
‫كنائ�س ال�رشق االو�سط‪ .‬وبعد جتربة ا�ستمرت ل�ست �سنوات‪ ،‬تطورت هذه ال�صيغة لت�صبح يف �سنة‬
‫‪« ،1986‬جتمع الهيئات االهلية التطوعية يف لبنان»‪ .‬راجع حول هذه التجربة‪� :‬شفيق �شعيب‪.‬‬
‫«احلركة االجتماعية» تاريخية التطوع وحتديات امل�ستقبل‪ .‬من�شورات احلركة االجتماعية‪.‬‬
‫بريوت‪ .‬متوز ‪.1986‬‬
‫‪ - 14‬راجع د‪ .‬عبد اهلل �ساعف‪« .‬نحو انفتاح جامعة الدول العربية على املجتمع املدين العربي‪.‬‬
‫بحث قدم اىل ندوة‪« :‬من اجل ا�صالح جامعة الدول العربية»‪ .‬ن�رش اعمالها مركز درا�سات‬

‫‪52‬‬
‫«للمجتمع املدين العربي»‪ ،‬يف الت أ�ثري على ق�ضايا مهمة‪ ،‬مثل تفعيل العالقات‬
‫العربيةـ العربية‪ ،‬يف اطار اجلامعة‪ ،‬وخلق ف�ضاء ي�شجع على املزيد من عملية‬
‫التن�سيق واالندماج على خمتلف ال�صعد ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية‪.‬‬
‫ان متابعة هذا االمر يتطلب توافر قاعدة معلومات تف�صيلية دقيقة‪ ،‬عن حالة‬
‫«املجتمع املدين العربي»‪ ،‬ومتابعة املحاوالت اجلارية لتطوير جتربته وتفعيل‬
‫ح�ضوره عرب املنتديات العربية الهادفة اىل تعزيز دوره يف اطار ور�شة اال�صالح‬
‫املطروحة على خمتلف امل�ستويات‪ .‬اىل ذلك‪ ،‬فان هذه اال�شكالية تثري‪ ،‬فيما تثري‪،‬‬
‫م� أس�لة ال�رشاكة بني «املجتمع املدين العربي» واجلامعة‪ ،‬وهذه لن تقوم خارج‬
‫توفر ارادة حقيقية حت�سم من خاللها اجلامعة العربية امر متثيل «املجتمع املدين‬
‫العربي» يف ن�شاطها ب�صورة ع�ضوية ترتجم حقيقة خيار ال�رشاكة املعلنة يف اكرث‬
‫من منا�سبة‪ .‬ويظهر «املجتمع املدين العربي»‪ ،‬يف املقابل‪ ،‬وعيه وخياره وعمله يف‬
‫جمال التعبئة والتحفيز لرتجمة هذه ال�رشاكة‪ .‬فاين نحن من هذه امل� أس�لة؟ وما هي‬
‫اال�ستعدادات احلقيقية لل�سري يف هذا االجتاه؟‬

‫قبل «الـ اين؟»‪� ،‬أي «جمتمع مدين عربي»؟‬ ‫{‬

‫يف اطار البحث عن واقع ودور املجتمع املدين‪ ،‬برز ب�صورة جلية م أ�زق حتديد‬
‫وتعريف هذا املجتمع‪ .‬البع�ض قارب ذلك بابراز �سمته «ال�سلبية» «النافية»‪ ،‬وقدمه‬
‫على انه االطار الذي ي�شتمل على املنظمات غري احلكومية‪ .‬اما ما هو بالتحديد هذا‬
‫الـ«غري احلكومي»؟‪ .‬انه تارة املجتمع االهلي مع ما يثريه ذلك من جدل مفهومي بني‬
‫«االهلي» و«املدين»‪ .‬ومبعزل عن هذا اجلدل‪ ،‬فان هذا املجتمع ي�شتمل على كم‬
‫هائل من اجلمعيات واملنظمات التي يتنوع ن�شاطها ويتعدد لدرجة تثري ا�شكاالت‬
‫دائمة ترتبط باجلاجة اىل و�ضع معايري متيز بينها وت�سمح بامكانية ت�صنيفها ربطا‬
‫بذلك‪ .‬وهذه امل� أس�لة تواجهها العديد من اجلهات الر�سمية واالهلية النا�شطة يف‬
‫هذا املجال‪ ،‬امام جي�ش املنظمات التي تقارب ع�رشات االالف يف املنطقة العربية‬
‫الوحدة العربية‪ .‬بريوت‪ .‬الطبعة الثانية‪� .2005 .‬ص �ص‪.346...331 :‬‬

‫‪53‬‬
‫(البع�ض يقدر الرقم بـ ال�سبعني الفا) وهي يف لبنان‪ ،‬مثال‪ ،‬تتجاوز االربعة االف‬
‫جمعية‪.‬‬
‫والـ «غري احلكومي» هو تارة اخرى اجلمعيات النا�شطة يف جماالت العمل التنموي‪،‬‬
‫على قاعدة املفهوم اجلديد لهذا العمل والذي ابرزته واغنته مقاربات الفكر‬
‫التنموي احلديث منذ مطلع الت�سعينات‪ ،‬واملرتكز اىل البعد التنموي اخلدماتي‬
‫ومفهوم احلقوق والتغيري‪ .‬وعند اال�ستناد اىل ذلك‪ ،‬تربز �سل�سلة من التناق�ضات‬
‫اال�ضافية التي تظهرها العديد من االدبيات التي تقدم يف املنتديات اخلا�صة‬
‫بذلك‪.‬‬
‫امام هذه املقاربة‪ ،‬ويف مواجهتها‪ ،‬يثري البع�ض اجلانب االيديولوجي يف تعريفه‬
‫وحتديده ملكونات هذا املجتمع املدين‪ .‬وي�سارع اىل �شطب العديد من املنظمات‬
‫النا�شطة ربطا بخياراتها هذه‪ .‬وهذا ما ت�شهده ور�شات النقا�ش يف العديد من‬
‫املنتديات التي ناق�شت مهمات قيامة هذا املجتمع وطبيعة مكوناته‪ .‬وكانت‬
‫املنظمات والهيئات املدنية ذات التوجه اال�سالمي عر�ضة الثارة او�سع نقا�ش يف‬
‫هذا ال�صدد‪ .‬وامام هذا اال�شكال امل�ستمر اجتهد البع�ض لتعوي�ض هذا اخللل القائم‬
‫مبحاولة ت�سووية قوامها التمييز بني ا�سالم متطرف ي�سميه احيانا باجلهادي وا�سالم‬
‫مرن منفتح ومت�سامح وي ؤ�من ب�آليات احلكم الدميوقراطي‪ ،‬ليق�صي االول عن‬
‫ميدان العالقة وعن االقرار بانت�سابه اىل املجتمع املدين‪ ،‬وليقبل بالعالقة وال�رشاكة‬
‫مع الثاين‪ .‬اال ان عنا�رص هذه الت�سوية ت�سقط امام تنوع املعايري واملقاربات يف‬
‫هذا املجال لدى العديد من اجلهات املعنية املحلية واالقليمية والدولية‪ ،‬الر�سمية‬
‫واالهلية‪ .‬فيتحول من هو مرن هنا اىل فاقد لذلك لدى جهة اخرى‪ .‬وهذا ما‬
‫يتيح قدرا من اال�ستن�سابية املعطلة عندما يريد البع�ض ذلك‪ ،‬باهداف �سيا�سية‬
‫وايديولوجية وعمالنية‪.‬‬
‫كذلك‪ ،‬فان الـ «غري احلكومي» يثري التبا�سا جديدا‪ ،‬جلهة عالقته مع اجلهات الر�سمية‪،‬‬
‫او مع بع�ض القوى ال�سيا�سية التي ت�شكل جزءا من مكونات ال�سلطة الر�سمية يف‬
‫هذا البلد او ذاك‪ .‬وتقوم العالقة والهوية واخليار ال�سيا�سي‪ ،‬كمع�ضالت ا�ضافية‬
‫يف جمال حتديد مكونات هذا املجتمع املدين‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فان بع�ض النا�شطني يف‬

‫‪54‬‬
‫هذا املجال‪ ،‬يثري هذه اال�شكالية عرب الدعوة اىل حما�رصة هذه املنظمات املدنية‪،‬‬
‫ذات الهوية ال�سيا�سية واملنتمية اىل قوى ال�سلطة‪ ،‬و�شطبها من دائرة التعامل معها‬
‫ورف�ض اعتبارها جز ًء من مكونات املجتمع املدين‪.‬‬
‫اىل جانب كل ذلك‪ ،‬هناك التبا�س ا�ضايف يواجه املجتمع املدين ويرتبط باعتبار‬
‫البع�ض ان البعد الوطني هو مكون ا�سا�س من مكونات هذا املجتمع‪ .‬يف هذا‬
‫املجال‪ ،‬تثار م� أس�لة العالقة مع «اخلارج»‪ ،‬جهات ر�سمية ام منظمات اقليمية‬
‫ودولية‪ .‬و�رسعان ما يدخل هذا البع�ض معيار هذه العالقة يف دائرة الت�صنيف‬
‫الوطني مميزا بني «وطنيني» جديرين يف تكوين هذا املجتمع املدين‪ ،‬وعمالء‬
‫لالجنبي على هذا املجتمع ان يحا�رصهم وينبذهم‪ .‬وتنطلق يف هذا املجال ادبيات‬
‫«الت�آمر» الذي ي�سم كل عالقة مع هذا اخلارج‪ ،‬م�سقطا كل جهد مطلوب للتمييز‬
‫بينه‪ ،‬يف حال ح�صوله‪ ،‬والتعامل املو�ضوعي مع هذا اخلارج ربطا ب�سيا�سات‬
‫امل�صالح االجتماعية والوطنية العليا وتقاطعاتها املو�ضوعية يف ع�رص العوملة‪ .‬ومما‬
‫يفاقم هذا اال�شكال‪ ،‬ان نظرية امل ؤ�امرة املرتبطة بالعالقة مع هذا «اخلارج»‪ ،‬ت�شهد‬
‫بدورها ت�صنيفا �سيا�سيا وايديولوجيا لدى بع�ض املت أ�ثرين بها‪ ،‬يتعاي�ش معه رف�ض‬
‫م ؤ�امرة هذا «اخلارج» مع التنظري والعمل للتقاطع العميق مع «خارج» �آخر على‬
‫قاعدة وحدة م�صالح االمة‪ ،‬التي ي�شكل مداها العامل‪ ،‬موحدة على ا�سا�س معايري‬
‫طائفية ودينية وايديولوجية و�سيا�سية‪.‬‬
‫ا�شكال ا�ضايف يواجه هذا املجتمع املدين‪ ،‬لطاملا متت حماذرة مقاربته‪ ،‬حيث ترك‬
‫للتذاكر ال�شفهي‪ ،‬فيما لو اراده البع�ض‪ .‬هذا اال�شكال يرتبط ببع�ض الت�صنيفات التي‬
‫�سبق اال�شارة اليها‪ ،‬ولكن نتناولها االن يف جمال اال�شارة اىل تقاطعات القومي مع‬
‫االبعاد الدينية والوطنية والثقافية‪ .‬ففي املنطقة العربية‪ ،‬فئات قومية واثنية وثقافية‬
‫عديدة‪ .‬اال�سالم وامل�سيحية‪ ،‬رغم ما يتهدد االخرية من خماطر انح�سار الوجود يف‬
‫بع�ض البلدان العربية‪ ،‬مع وجودهما املميز واخلا�ص‪ ،‬ال يخت�رصان كل املكونات‬
‫الثقافية يف هذه املنطقة‪ ،‬كما هو احلال مع العرب وعدم اخت�صارهم للت�شكل‬
‫القومي فيها‪ .‬فهل �سي�شكل هذا الهم الدميوقراطي معيارا من معايري ت�شكل هذا‬
‫املجتمع املدين الذي يقوم ا�ستنادا اىل املكونات احلقيقة ل�شعوب املنطقة وثقافاتها‬

‫‪55‬‬
‫خارج كل تع�سف‪ ،‬اب�شعه التع�سف االيديولوجي‪.‬‬
‫ـ فكيف �سرتت�سم عالقة املجتمع املدين العربي مع املنظمات والهيئات املدنية‬
‫المازيغ املغرب؟‬
‫ـ وهل �سيكون ليهود املغرب‪ ،‬مثال‪ ،‬ح�ضورا م�رشوعا يف اهتمامات منظمات‬
‫املجتمع املدين املغربي وبالتايل العربي؟ وهل ان منظمات املجتمع املدين املغربي‬
‫معنية‪ ،‬قل مطالبة بذلك؟؟؟؟‪.‬‬
‫ـ هل من املمكن مقاربة ق�ضايا �سكان جنوب ال�سودان‪ ،‬يف بعدها الثقايف ب�صورة‬
‫خا�صة‪ ،‬ب�صورة مو�ضوعية‪ ،‬ب�صفتهم هم كما هم؟؟؟‬
‫ـ بع�ض طوائف العراق‪ ،‬التي يتهدد وجودها و�سط �صمت مريب‪ ،‬هل هي جمال‬
‫من جماالت عمل ون�شاط هذا املجتمع املدين العراقي وبالتايل العربي؟؟؟‪.‬‬
‫ـ كيف �سرتت�سم العالقة مع منظمات وهيئات املجتمع املدين الكراد العراق‬
‫ولبنان‪ ،‬كونها ت�شكلت وتت�شكل بهذه ال�صفة‪ ،‬يف �ساحاتهم الوطنية وعلى‬
‫امل�ستوى العربي؟‬
‫ـ وما هي �آفاق العالقة مع منظمات وهيئات االقباط يف م�رص؟‬

‫‪56‬‬
‫ـ الف�صل الثاين‪ .‬غربة برنامج ادارة احلكم يف الدول العربية (‪)POGAR‬‬
‫عن التقاطع مع اجلهود اال�صالحية للجامعة العربية‬

‫يف العام ‪ ،2000‬اطلق الربنامج االقليمي للدول العربية التابع لربنامج االمم‬
‫املتحدة االمنائي (‪ )UNDP-RBAS‬برنامج ادارة احلكم يف الدول العربية‬
‫( ‪ )POGAR‬بهدف تعزيز جهود التنمية الب�رشية يف املنطقة العربية عرب دعم‬
‫اليلة اىل تر�سيخ دعائم احلكم الر�شيد فيها‪ .‬انتقل الربنامج من نيويورك‬ ‫اجلهود آ‬
‫اىل بريوت اوا�سط العام ‪ ،2002‬وقد متكن بف�ضل موقعه اجلديد يف املنطقة العربية‬
‫من تو�سيع ان�شطته وتطوير عمله ب�شكل ملحوظ‪ .‬فقام بتنظيم عدد من امل ؤ�مترات‬
‫وور�ش العمل‪ ،‬وبادر اىل اطالق جمموعة من امل�شاريع االقليمية‪ ،‬واقام ال�شبكات‬
‫وال�رشاكات الوطنية واالقليمية والدولية بهدف تعزيز التعاون بني كافة اجلهات‬
‫املهتمة ب� ؤ‬
‫ش�ون ادارة احلكم والتنمية يف املنطقة العربية‪.‬‬

‫مهمة الربنامج‬ ‫{‬

‫وقد ر�أت ادارة هذا امل�رشوع‪ ،‬يف تقرير موجز و�ضعته حول مهمة الربنامج‪،‬‬
‫ان الدول العربية تدرك‪ ،‬بكافة �رشائحها‪ ،‬ان اداءها التنموي احلايل ال يعرب عن‬
‫طاقاتها ومواردها املالية والب�رشية‪ .‬لذا‪ ،‬وبالرغم من حتقيقها تقدما مهما يف اكرث‬
‫من ميدان تنموي خالل العقود الثالثة االخرية‪ ،‬ال تزال الدول العربية بحاجة‬
‫ما�سة اىل دعم منظم وم�ستمر ميكنها من مواكبة حتديات العوملة وااللفية اجلديدة‪،‬‬
‫وحتقيق االجنازات التنموية على اكرث من �صعيد‪ .‬فم�ستوى الرفاه‪ ،‬يف الدول‬
‫العربية مهما كان املقيا�س امل�ستخدم‪ ،‬يتفاوت بني الدول العربية االعلى ترتيبا‬
‫على مقيا�س التنمية الب�رشية والدول االدنى ترتيبا‪� ،‬شا�سع يكاد مياثل التفاوت‬
‫احلا�صل بني الدولة االكرث تنمية والدولة االقل تنمية على م�ستوى العامل اجمع‪.‬‬
‫واملجتمعات العربية ما زالت بعيدة جدا عن االفادة الكاملة من امكاناتها املالية‬
‫ومواردها الب�رشية‪ .‬ويبقى االداء التنموي الب�رشي فيها غري مر�ض باملقارنة مع‬

‫‪57‬‬
‫مناطق نامية اخرى يف العامل كمنطقة �رشق �آ�سيا او امريكا الالتينية‪.‬‬
‫ملجمل هذه اال�سباب‪ ،‬مت اطالق الربنامج يف حماولة لت أ�مني املوارد املالية الالزمة‬
‫واخلربة الفنية ال�رضورية لبناء املعرفة ودعم جهود ا�صالح ادارة احلكم بنية تعزيز‬
‫التنمية الب�رشية يف املنطقة العربية‪ .‬وقد حددت ادارة امل�رشوع لربناجمها هدفا‬
‫ا�سا�سيا يقوم على «توفري بيئة مالئمة لبناء القدرات يف ادارة احلكم عرب تقدمي‬
‫الدعم لقوة الدفع املحلية واالقليمية ال�ساعية نحو اال�صالح‪ .‬وي�سعى لتحقيق‬
‫ذلك من خالل بناء املعرفة ون�رش الوعي وت�شجيع ممار�سات احلكم الر�شيد يف‬
‫الدولة ويف املجتمع املدين ويف القطاع اخلا�ص بحيث ي أ�تي التطوير من الداخل‬
‫‪15‬‬
‫نابعا عن قناعاته متجذرا باحتياجاته»‪.‬‬

‫االطار املفاهيمي‬ ‫{‬

‫ي�ستند الربنامج اىل جمموعة املبادئ الورادة يف عدد من االتفاقيات واالعالنات‬


‫والقرارات التي ن� أش�ت يف اطار االمم املتحدة وتطورت بتطور الوعي الدويل‬
‫اخلا�ص باهمية احلكم الر�شيد وعالقته بالتنمية الب�رشية‪ .‬فهناك االعالن العاملي‬
‫حلقوق االن�سان (‪ ،)1948‬والعهدين الدوليني اخلا�صني باحلقوق املدنية‬
‫وال�سيا�سية وباحلقوق االقت�صادية واالجتماعية والثقافية (‪ )1966‬وغريها من‬
‫الوثائق التي تناولت حقوق املر�أة وحق االن�سان بالتنمية وحقه باقامة العدل‪.‬‬
‫وهناك االتفاقيات والوثائق الدولية ذات ال�صلة املبا�رشة بادارة احلكم «كاملبادئ‬
‫اال�سا�سية ب� أش�ن ا�ستقالل ال�سلطة الق�ضائية» (‪ ،)1985‬و”املبادئ التوجيهية ب� أش�ن‬
‫دور اع�ضاء النيابة العامة» (‪ ،)1990‬و”اتفاقية االمم املتحدة ملكافحة الف�ساد»‬
‫(‪ )2003‬وغريها‪ .‬وهناك قرارات اجلمعية العامة كالقرار ‪ 2/55‬ال�صادر حتت‬
‫عنوان «اعالن االمم املتحدة ب� أش�ن االلفية» (‪ ،)2001‬والقرار رقم ‪96/55‬‬
‫ال�صادر حتت عنوان «تعزيز الدميوقراطية وتوطيدها» (‪.)2001‬‬

‫‪ - 15‬راجع برنامج االمم املتحدة االمنائي‪ .‬برنامج ادارة احلكم يف الدول العربية (‪.)POGAR‬‬
‫ ‬ ‫دليل موجز‪ .‬املوقع االلكرتوين ‪www.undp-pogar.org‬‬

‫‪58‬‬
‫ت�شكل هذه الوثائق جمتمعة االطار املفاهيمي الذي ينطلق منه الربنامج يف حتديد‬
‫اهدافه وا�سرتاتيجياته وادوات تنفيذها‪ .‬وي�سعى‪ ،‬ح�سب حتديد ادارته‪ ،‬اىل تعميم‬
‫املبادئ الواردة �ضمن هذا االطار وت�شجيع الدول العربية على تبنيها وتطبيقها من‬
‫خالل بناء املعرفة ون�رش الوعي ودعم االجراءات آ‬
‫اليلة لذلك‪.‬‬

‫ا�سرتاتيجية برنامج ( ‪)POGAR‬‬ ‫{‬

‫تقوم ا�سرتاتيجية برنامج ادارة احلكم يف الدول العربية ( ‪ ،)POGAR‬كما‬


‫حددتها ادارته‪ ،‬على اربع ركائز رئي�سية مت اعتمادها للم�ساهمة يف توفري الدعم‬
‫لكافة االطراف الداخلية ال�ساعية لال�صالح‪ ،‬وذلك لتمكينها من العمل على‬
‫احداث التغيري وتعزيز التنمية الب�رشية يف املنطقة العربية ب�صورة فعالة وايجابية‬
‫مقبولة من اجلميع‪.‬‬
‫‪ .1‬االعتماد على املرجعيات الداخلية‪ :‬تتميز ا�سرتاتيجية الربنامج برتكيزها‬
‫على مرجعيات املنطقة ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية والثقافية يف‬
‫عملية بناء القدرات و�صياغة االطر الكفيلة بدعم جهود ا�صالح ادارة‬
‫احلكم يف املنطقة العربية‪ .‬يف هذا املجال‪ ،‬ت ؤ�كد ادارة امل�رشوع على‬
‫«ان اهمية االعتماد على املرجعيات الداخلية تكمن يف مالئمة كافة‬
‫الطروحات واالجراءات مع خ�صو�صيات الدول العربية‪ ،‬وذلك حتى‬
‫ت أ�تي احللول نابعة من الداخل وبالتايل قادرة على الت أ�ثري االيجابي وعلى‬
‫التعاي�ش مع واقع املجتمعات العربية وتطلعاتها‪.‬‬
‫‪ .2‬ا�رشاك كافة فئات املجتمع‪ :‬عرب ا�رشاكها جميعا (دولة‪ /‬قطاع خا�ص‪/‬‬
‫جمتمع مدين)‪ ،‬ب�صورة فعلية يف عملية �صناعة القرار‪ ،‬وبطريقة ت أ�خذ‬
‫م�صالح اجلميع وهواج�سهم بعني االعتبار‪.‬‬
‫‪ .3‬احرتام االولويات الوطنية‪ :‬ينطلق الربنامج من احلاجات الوطنية يف‬
‫جماالت ادارة احلكم‪ ،‬وتقوم ا�سرتاتيجيته على احرتام االولويات الوطنية‬
‫بحيث يكمل اجلهود املبذولة ا�سا�سا ويتالفى االزدواجية والت�ضارب‬
‫ال�سلبي الذي ي�ضعف من فعالية العمل والدفع باجتاه اال�صالح‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫‪ .4‬بناء ال�شبكات وال�رشاكات على كافة امل�ستويات‪ :‬الوطنية واالقليمية‬
‫والدولية‪ .‬فهذه ال�رشاكات قادرة على تقدمي الدعم الدائم وامل�ستمر‬
‫للحكومات العربية يف جمال ت�صميم وتنفيذ ال�سيا�سات اخلا�صة با�صالح‬
‫ادارة احلكم‪.‬‬
‫ويف اطار براجمه الفرعية املتخ�ص�صة‪ ،‬نظم برنامج ادارة احلكم يف الدول العربية‬
‫(‪ ،)POGAR‬عددا كبريا من امل ؤ�مترات واالجتماعات وور�ش العمل بالتعاون‬
‫مع جمموعة من امل ؤ��س�سات واملنظمات الوطنية واالقليمية والدولية‪ ،‬معاجلا‬
‫حماور‪:‬‬
‫‪ .1‬حمور حكم القانون‪.‬‬
‫‪ .2‬حمور امل�ساءلة وال�شفافية‪.‬‬
‫‪ .3‬حمور امل�شاركة‪.‬‬
‫يف اطار حمور امل�شاركة‪ ،‬دعمت ادارة الربنامج «العمل املتعلق بتفعيل دور‬
‫املواطنني ومنظمات املجتمع املدين يف ا�صالح القطاع العام‪ ،‬وتطوير العالقة‬
‫بينهم وبني ال�سلطات املعنية»‪ .‬ويف هذا املجال‪ ،‬ت�ضمنت الوثيقة التح�ضريية املعدة‬
‫يف اطار الربنامج اخلا�ص بهذا املحور‪ ،‬والتي عر�ضت حتت عنوان «املو�ضوعات‬
‫اال�سرتاتيجية املقرتحة املتعلقة بال�سيا�سات اخلا�صة باملجتمع املدين»‪ ،‬التايل‪:‬‬
‫{ تنمية القدرات امل ؤ��س�سية واقامة ال�رشاكات اال�سرتاتيجية مع‬
‫االحزاب ال�سيا�سية‪ ،‬وامل ؤ��س�سات احلكومية وال�شعب ككل‪.‬‬
‫{ اقامة التحالفات مع القطاع اخلا�ص واجلمعيات املعنية[‪]....‬‬
‫لتعزيز التوا�صل مع احلكومة وك�سب املزيد من التقدير عن‬
‫طريق تقدمي الن�صيحة البناءة وامل�شاركة يف اخلربات‪.‬‬
‫{ لعب دور اجل�رس الذي يربط بني املجتمع واحلكومة‬
‫[‪.]......‬‬
‫{ تعبئة املوارد [‪ ]....‬مع االلتزام الواجب بالقوانني احلالية‬
‫لتجنب اال�صطدام مع ال�سلطات‪.‬‬
‫من الوا�ضح‪ ،‬ان ادارة امل�رشوع و�ضعت لنف�سها ومنذ انطالقتها عنوانا وا�ضحا‬
‫لعملها يرتبط مبراعاة خ�صو�صيات دول املنطقة العربية‪ ،‬وعدم اال�صطدام‬

‫‪60‬‬
‫بال�سلطات القائمة‪ .‬واحد العناوين الرئي�سية لذلك‪ ،‬يكمن يف احرتام االولويات‬
‫الوطنية ربطا بال�رشاكات مع احلكومات‪ .‬ان خ�صو�صيات الدول‪( ،‬الحظ ان‬
‫اخل�صو�صية هي للدولة ولي�ست هنا للمجتمع)‪ ،‬هي‪ ،‬يف التجربة العربية املعا�رصة‪،‬‬
‫خ�صو�صيات االنظمة ال�سيا�سية التي حتكمها‪ ،‬حيث ي�ضيق الفارق بني االثنني‬
‫حلدود التماهي املطلق الذي ي ؤ�دي اىل التعامل االندماجي على قاعدة ان م�صالح‬
‫هذه االنظمة هي نف�سها امل�صالح العليا للدولة نف�سها‪ .‬وين�سحب هذا التماهي‬
‫اي�ضا على العالقة بني ال�سلطة والنظام ليخت�رصهما �شخ�ص القائد‪ /‬الزعيم‪،‬‬
‫يف مرحلة ا�صبحت فيها‪ ،‬ح�سب تعبري اال�ستاذ الكبري حممد ح�سنني هيكل‪،‬‬
‫اجلمهوريات العربية قادرة على تنظيم توارث ال�سلطة فيها ب�صورة م�ستقرة اكرث‬
‫مما هي يف االنظمة امللكية الوراثية‪.‬‬
‫وبالتايل‪ ،‬فان هذا الربنامج اال�صالحي الدارة احلكم قد حدد لنف�سه وبو�ضوح‪،‬‬
‫ومنذ البداية‪� ،‬سقوفا للتكيف مع واقع هذا النظام الر�سمي العربي‪ .‬وارت�ضى‪،‬‬
‫منذ البداية اي�ضا‪ ،‬ان يتحرك ا�صالحيا حتت ال�سقوف املتاحة من قبل هذا النظام‬
‫نف�سه ربطا بالظروف االقليمية والدولية ال�ضاغطة يف هذا املجال‪ .‬وهذا يعني ان‬
‫مهام التغيري ال�سيا�سي التي تن�شدها ادارة امل�رشوع‪ ،‬ال بد لها من ان تطرح وتتابع‬
‫ربطا بهذه املعادلة اال�سا�س‪ ،‬دون ان يعني ذلك‪ ،‬بتقديرنا‪ ،‬اي انتقا�ص او تبخي�س‬
‫بهذا اجلهد اال�صالحي الهام‪ .‬كذلك‪ ،‬فان اية �رشاكات مفتوحة‪ ،‬يف اطار هذا‬
‫الربنامج‪ ،‬هي �رشاكات متكيفة مع كل ذلك‪ ،‬وتتحرك حتت �سقوف هذا الواقع‬
‫وتلتزم بقواعده وتتقدم بالتوافق معه ولي�س مب�صارعته او مغالبته‪ .‬وبطبيعة احلال‪،‬‬
‫فان هذه املعادلة �ستنعك�س على جممل ال�رشاكات التي �سين�سجها هذا الربنامج مع‬
‫فعاليات املجتمع املدين وهيئاته املختلفة‪.‬‬

‫جهد دويل ا�ضايف يف ور�شة التحفيز املتكيف من اجل اال�صالح‬ ‫{‬

‫من الوا�ضح ان اجلهد اجلديد الذي اطلقه برنامج (‪ ،)POGAR‬جاء بالتوازي‬


‫مع جملة املبادرات الدولية التي ا�ستهدفت املنطقة العربية يف نف�س املرحلة‪ ،‬حتت‬
‫عنوان احلث على اال�صالح والدميوقراطية‪ ،‬وا�ستعر�ضناها يف مكان �آخر من هذه‬

‫‪61‬‬
‫الدرا�سة‪ .‬وان تفاوتت ن�سبيا العناوين املبا�رشة التي ا�ستندت اليها جملة املبادرات‬
‫هذه‪ ،‬ويف قلبها م�رشوعنا الذي نحن ب�صدد ا�ستعرا�ضه‪ ،‬فهي تقاطعت بو�ضوح‬
‫عند فذلكة التربير امل�ستندة اىل تخلف وحمدودية النتائج التنموية املحققة على‬
‫م�ستوى املنطقة العربية‪ .‬اال ان ما مييز م�رشوع (‪ )POGAR‬هو ا�ستناده اىل تقدير‬
‫ادارته «ان املنطقة العربية لي�ست بعيدة عن االجماع العاملي حول قدرة احلكم‬
‫الر�شيد على ت�شجيع النمو االقت�صادي ومتتني التوافق االجتماعي‪ ،‬ومكافحة‬
‫الفقر‪ ،‬و�ضمان حقوق االن�سان‪ ،‬وتعزيز الثقة بني احلكومة وال�شعب يف دولة‬
‫وجمتمع»‪ .‬وت�ضيف ادارة امل�رشوع‪« :‬يف ال�سنوات االخرية‪ ،‬بد�أ يتبلور يف املنطقة‬
‫العربية ادراك جدي الهمية احلكم الر�شيد ودوره املحوري يف اطالق عملية‬
‫تنموية �شاملة ون�شطة على كافة امل�ستويات ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية»‪.‬‬
‫وا�ستند التقرير يف تربيره لهذا اال�ستنتاج اىل جملة املبادرات االهلية التي �شهدتها‬
‫املنطقة العربية من «اعالن �صنعاء» حول الدميوقراطية وحقوق االن�سان‪،‬‬
‫و”اعالن اال�سكندرية»‪ ،‬اىل تبني القادة العرب «وثيقة م�سرية التطوير والتحديث‬
‫واال�صالح» يف القمة العربية ال�ساد�سة ع�رش (تون�س ‪ )2004‬والتي اعلنوا‬
‫فيها ت�صميمهم متابعة جهود اال�صالح وتكثيفها وتعميق ا�س�س الدميوقراطية‬
‫وال�شورى‪ ،‬وموا�صلة اال�صالحات االقت�صادية وو�ضع ا�سرتاتيجية تنموية عربية‪،‬‬
‫اىل جهود القطاع اخلا�ص الذي جتلى با�صدار جمل�س االعمال العربي (‪Arab‬‬
‫‪ )Business Council‬خطته اال�صالحية (‪ )2004‬التي ت�شمل جملة امور‬
‫بينها حترير االقت�صاد وتعزيز التنمية الب�رشية‪.‬‬
‫ا�ستنادا اىل كل ذلك‪ ،‬ت�سجل ادارة الربنامج ا�ستنتاجها «ان االرادة ال�سيا�سية‬
‫العربية الر�سمية وغري الر�سمية‪ ،‬والرغبة بالتغيري �آخذتني بالتبلور �شيئا ف�شيئا يف ظل‬
‫تزايد االدراك‪ ،‬على كافة امل�ستويات‪ ،‬الهمية اال�صالح ودور احلكم الر�شيد يف‬
‫حتقيق التنمية الب�رشية يف املنطقة العربية»‪ .‬وهي يف ذلك‪ ،‬تُقدم مل�رشوعها باعتباره‬
‫ي أ�تي من�سجما مع تبلور حاجات عربية يلبيها ويتقاطع معها‪ ،‬ولي�س �آ ٍت من‬
‫خارج يثري يف املنطقة العربية ح�سا�سية خا�صة‪ ،‬حيث ت�سود نظرية امل ؤ�امرة لدى‬
‫او�ساط عديدة ر�سمية وغري ر�سمية‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فال ب أ��س ببع�ض التزيني االيجابي‬

‫‪62‬‬
‫واملبالغة الزهرية يف تقدير موقع وح�ضور خيار اال�صالح والدميوقراطية يف لوحة‬
‫اخليارات الراهنة التي تعي�شها املنطقة العربية‪ ،‬ويعي�شها النظام الر�سمي العربي‬
‫بخا�صة‪ .‬فان هذين العاملني‪ ،‬التزيني واملبالغة‪ ،‬ال بد يتدخالن يف تثيقيل العنا�رص‬
‫االيجابية الدافعة واملتقاطعة مع قوى اال�صالح والدميوقراطية ورغبتها الفعلية يف‬
‫احداث التغيري يف املنطقة العربية‪.‬‬

‫تفعيل املجتمع املدين العربي احد اال�ستهدافات الكربى لربنامج ادارة‬ ‫{‬

‫احلكم يف الدول العربية (‪)POGAR‬‬

‫منذ انطالقته‪ ،‬اولت ادارة هذا الربنامج اهتمامها البارز لدور املجتمع املدين‬
‫العربي يف جممل امل�رشوع اال�صالحي الذي ت�شهده املنطقة العربية‪ .‬ويف هذا‬
‫ال�سياق‪� ،‬سارعت‪ ،‬بالتن�سيق مع عدة جهات دولية راعية‪ ،‬اىل تنظيم ور�شة عمل‬
‫خا�صة حول‪ :‬االدارة الر�شيدة يف العامل العربي‪ :‬دور م ؤ��س�سات املجتمع املدين‬
‫‪16‬‬
‫و�سبل قيا�س قدراتها‪.‬‬
‫وان تركزت اعمال اللقاء على التداول يف هذا املفهوم اجلديد الوافد اىل املنطقة‬
‫(‪ )Good Governance‬واالتفاق على تعريبه حتت م�سمى جديد‪� ،‬سيزاحم‬
‫الحقا ا�شقاء له دون ا�ستقرار او قرار‪ ،‬هو «االدارة الر�شيدة»‪ ،‬وال�سعي لتو�صيفه‬
‫وابراز م�ضامينه وم�ستلزمات قيامته وتطوره‪ ،‬فان اللقاء �شكل منا�سبة للتداول‬
‫نقديا يف او�ضاع املجتمع املدين العربي‪ .‬ويف هذا ال�صدد مت ت�سجيل جملة من‬
‫املالحظات النقدية التي تركزت على‪:‬‬
‫‪ .1‬غياب ال�شفافية ب�صدد تكوين ال�سلطة وعدم تداولها يف هذه‬
‫املنظمات‪ ،‬وب�صدد اليات انتاج القرار وادارته يف عملها‪.‬‬
‫‪ - 16‬راجع ملخ�ص ا�سهامات كتاب ونا�شطون عرب يف ور�شة عمل حول «االدارة الر�شيدة يف‬
‫العامل العربي‪ :‬دور م ؤ��س�سات املجتمع املدين و�سبل قيا�س قدراتها»‪ 28/29 .‬ايار‪ /‬مايو ‪.2002‬‬
‫عمان‪ .‬اعداد زياد ماجد‪ .‬برنامج بنيان ‪ 2‬املنفذ من قبل امل ؤ��س�سة الدولية لالدارة والتدريب‪،‬‬
‫بالتعاون مع االحتاد االوروبي وبرنامج االمم املتحدة االمنائي وم ؤ��س�سة «فريدري�ش ناومان»‪ .‬ن�رش‬
‫التقرير بتاريخ ت�رشين الثاين‪/‬نوفمرب ‪.2002‬‬

‫‪63‬‬
‫‪ .2‬غياب ال�شفافية ب�صدد االنفاق املايل‪.‬‬
‫‪ .3‬انخفا�ض التمثيلية ال�شعبية ملنظمات املجتمع املدين وه�شا�شة‬
‫وحمدودية عالقاتها مع املواطنني خارج البعد اخلدماتي‬
‫املحدود الذي تن�شط فيه‪.‬‬
‫‪ .4‬ميل انح�ساري متوا�صل يف ح�ضور العمل التطوعي مل�صلحة‬
‫�سيادة العمل امل أ�جور‪ ،‬واحيانا‪ ،‬يف �رشوط حمفزة ومزايا‬
‫تتجاوز ال�سائد يف �سوق العمل املحلي‪.‬‬
‫‪ .5‬غياب الر ؤ�ية والبعد التنموي عن قيادات منظمات املجتمع‬
‫املدين والرتكيز على اخلدمات املحدودة وامل�شاريع ال�صغرية‬
‫واجلزئية‪.‬‬
‫‪� .6‬ضعف التن�سيق بني قيادات هذه املنظمات يف م�شاريعها‬
‫وبراجمها االمر الذي يتجلى يف تكرار امل�شاريع املنفذة مما‬
‫ي ؤ�دي اىل حاالت اهدار جدية يف هذا املجال‪.‬‬
‫ا�ستنادا اىل جملة املالحظات النقدية هذه‪ ،‬دعا اللقاء اىل اطالق ور�ش نقا�شية‬
‫داخل هذه املنظمات وفيما بينها حتت نف�س العناوين ال�سائدة يف مقاربات احلكم‬
‫ال�صالح املطروحة‪ ،‬والتي يفرت�ض ان ترتكز على التايل‪:‬‬
‫‪ .1‬تفعيل م�شاركة ال�شباب والن�ساء والفئات املهم�شة يف االن�شطة والربامج‬
‫اخلدماتية والتنموية‪.‬‬
‫‪ .2‬تعزيز مفهوم العمل التطوعي واال�سهام يف بناء املواطنية من خالل‬
‫تكري�س مبد�أ احلق والواجب‪.‬‬
‫‪ .3‬ار�ساء ثقافة التحاور والتعاون بني املواطنني املنخرطني يف العمل العام‪،‬‬
‫مما ينعك�س على �سلوكهم اليومي وثقافتهم الوطنية‪.‬‬
‫ش�ون االدارة‬‫‪ .4‬التدريب على امل�ساءلة واملراقبة عرب التعود على ممار�سة � ؤ‬
‫واعتماد مقايي�س للتقييم خالل تنفيذ امل�شاريع والربامج‪.‬‬
‫‪ .5‬امل�شاركة يف تنفيذ امل�شاريع التنموية واخلدماتية مع القطاعني العام‬
‫واخلا�ص‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫مهمة البحث عن دالالت غياب التقاطع مع امل�رشوع اال�صالحي‬ ‫{‬

‫للجامعة العربية‬

‫عملت ادارة الربنامج ومنذ انطالقة م�رشوعها‪ ،‬على ت�شجيع ودعم ممار�سات‬
‫احلكم الر�شيد من خالل و�سيلتني‪:‬‬
‫‪ -‬االوىل‪ :‬بناء الوعي واملعرفة يف كافة جماالت ادارة احلكم‪.‬‬
‫‪ -‬الثانية ‪ :‬دعم ن�شاطات اال�صالح والتطوير من خالل تنظيم وتنفيذ‬
‫االجتماعات واملبادرات وامل�شاريع التي ت�شجع ممار�سات احلكم الر�شيد‬
‫يف املنطقة العربية‪.‬‬
‫لقد �سارعت ادارة م�رشوع ( ‪ )POGAR‬اىل اطالق العديد من الور�ش‬
‫وال�رشاكات مع اجلهات الر�سمية واخلا�صة يف العديد من الدول العربية‪ .‬ونظمت‬
‫�سل�سلة من املنتديات املتخ�ص�صة التي ناق�شت جملة من امل�سائل التي تندرج حتت‬
‫عناوين امل�رشوع اال�صالحي الدارات احلكم يف املنطقة العربية‪ .‬وقد ا�ستطاعت‪،‬‬
‫على مدى ال�سنوات القليلة التي انق�ضت على ان�شائها‪ ،‬ان تراكم امام املهتمني‬
‫جملة من املعطيات االر�شادية يف احلقول التي انخرطت يف العمل من خاللها‪،‬‬
‫وميكن احل�صول عليها ب�سهولة فائقة عرب املوقع االلكرتوين اخلا�ص بامل�رشوع‪.‬‬
‫من امللفت ان خمتلف هذه اجلهود املرتاكمة عرب ع�رشات االن�شطة التي اجنزت‪،‬‬
‫مل ت�سجل اي تقاطع يذكر مع اجلهود التي اطلقتها اجلامعة العربية‪ ،‬بالرغم من‬
‫ت أ�كيد ادارة الربنامج على �سعيها اىل البحث عن �رشاكات وطنية واقليمية‪ ،‬يف‬
‫اطار تدعيم ور�شة اال�صالح يف املنطقة‪ .‬فهل يحمل هذا الواقع اية دالالت جلهة‬
‫انعدام اية مراهنة على جهد اجلامعة العربية يف هذا املجال؟ ملاذا مل ترث حملة‬
‫اجلامعة العربية اال�صالحية‪ ،‬يف املقابل‪ ،‬اي حافز لن�سج اية �رشاكة معها على هذا‬
‫ال�صعيد ؟ وهل ان ور�شة اجلامعة اال�صالحية حت�رض يف االعالن ال�سيا�سي فيما‬
‫تنح�رس عن احل�ضور يف الواقع املحقق؟‪ .‬ان هذا الواقع وما يثريه من ت�سا ؤ�الت‪،‬‬
‫ي ؤ�كد امام جممل املعنيني واملهتمني على �رضورة ال�سعي اىل فهم معاين ودالالت‬
‫ذلك يف اطار ال�سعي اىل مواجهة حالة الت�شظي التي تعي�شها الور�شة اال�صالحية‬
‫يف املنطقة العربية‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫ـ الف�صل الثالث‪ :‬مقاربات نقدية‬

‫مقاربة نقدية قطاعية‪ :‬منوذج اتفاقية التجارة احلرة العربية‬ ‫{‬

‫(‪)GAFTA‬‬

‫اظهر التقرير اخلا�ص باخليارات االقت�صادية‪ ،‬الذي قدمه امني عام اجلامعة ال�سيد‬
‫عمر مو�سى‪ ،‬اهمية‪ ،‬بل مركزية‪ ،‬املوقع الذي حتتله الق�ضايا املرتبطة مبلف اتفاقية‬
‫التجارة احلرة العربية (‪ .)GAFTA‬وميكن القول ان هذا امللف ميثل احد‬
‫املفاتيح اال�سا�سية لل�سيا�سة االقت�صادية اجلديدة التي تقدمها اجلامعة للقمة العربية‬
‫من اجل تبنيها‪ .‬وب�صياغة اخرى‪ ،‬فان جممل امل�رشوع االقت�صادي اال�صالحي‪،‬‬
‫يف اطار الور�شة ال�شاملة لال�صالح التي اطلقتها وتتابعها جامعة الدول العربية‪،‬‬
‫يقوم على عدة مرتكزات ميثل ملف اتفاقية التجارة احلرة العربية (‪،)GAFTA‬‬
‫احد ابرزها‪.‬‬
‫اننا ب�صدد ملف انخرطت فيه العديد من الدول العربية عرب اتفاقات عقدتها مع‬
‫البلدان املتقدمة الرئي�سية‪ .‬وهذا ما يرتتب عليه جملة التزامات وقيود ذات مرتتبات‬
‫عميقة و�شديدة الت أ�ثري على م�ستقبلها االقت�صادي واالجتماعي والتنموي‪ ،‬اي‬
‫على م�ستقبل �شعوبها الجيال واجيال‪ .‬يف هذا ال�سياق‪ ،‬انخرطت غالبية الدول‬
‫العربية يف مفاو�ضات مع االحتاد االوروبي عرب ال�رشاكة االوروـ متو�سطية‪ ،‬او مع‬
‫الواليات املتحدة االمريكية‪ .‬وهناك اي�ضا اليابان وال�صني وا�سرتاليا ‪ ...‬وتخو�ض‬
‫البلدان العربية هذه التجربة اجلديدة و�سط او�ضاع غري مريحة جلهة عجزها‬
‫عن ا�ستنباط قواعدها اخلا�صة التي من � أش�نها ان متكنها من التناف�س على نحو‬
‫افعل‪ 17.‬يف اطار هذا العجز اي�ضا‪ ،‬نلحظ غياب جملة من امللفات التي ت�ستلزمها‬

‫‪ - 17‬راجع «اتفاقيات التجارة احلرة يف املنطقة العربية»‪ .‬تقرير خا�ص حول نتائج االجتماع‬
‫االقليمي من اعداد كندة حممدية‪ .‬الف�صل اخلا�ص بـ «عر�ض عام التفاقيات التجارة احلرة العربية»‪.‬‬
‫ن�رش التقرير باللغتني العربية واالنكليزية‪ .‬من�شورات «�شبكة املنظمات العربية غري احلكومية»‪.‬‬
‫‪� .ANND‬ص‪.26....8 :‬‬

‫‪66‬‬
‫عملية التحرير‪ ،‬والبع�ض ا�سماها عملية الت�سهيل والت�سيري‪ .‬ان مقاربة هذا امللف‬
‫اال�سا�س‪ ،‬وما يتفرع عنه من ملفات فرعية‪ ،‬تتطلب مقاربة مبا�رشة وعملية م�ستندة‬
‫اىل معطيات حمددة‪ .‬فقد اظهرت التجارب املحققة ان منطق التعميم يف ادارة‬
‫هذه امللفات وهذه العمليات ا�صطدم بالواقع حيث ان ما برر التقدم والنجاح يف‬
‫جتربة بلد معني مل يحقق نف�س النتائج يف بلد �آخر‪ .‬كذلك‪ ،‬فقد اظهرت التجارب‬
‫املحققة ان هناك �رضورة لالملام الكامل بالتعقيدات امل ؤ��س�سية واالدارية وغريها‪.‬‬
‫فقد يتحول ادخال بع�ض االنظمة اجلديدة لت�سيري التجارة اىل عامل يزيد من‬
‫هام�شية وانك�شاف الدول النامية ويعر�ضها اىل تكاليف غري متوقعة‪ 18 .‬ولكي‬
‫يكون تنفيذ م�رشوعات ملف حترير‪ ،‬او ت�سهيل او ت�سيري التجارة‪ ،‬فعاال‪ ،‬ال بد‬
‫له‪ ،‬يف �ضوء التجارب املحققة‪ ،‬من ان يتم كجزء من عملية ا�صالح وتطوير‬
‫�شاملتني الدارة التجارة‪� ،‬سواء على م�ستوى ال�رشكات اخلا�صة او على امل�ستوى‬
‫االداري‪ .‬وهذا ي�ستلزم اي�ضا مقاربة ملف ال�شفافية‪ ،‬كمعرب ا�سا�س لتناول جممل‬
‫هذه امل�سائل‪ ،‬االمر الذي يفتح اي�ضا باجتاه معايري احلكم ال�صالح وت أ�ثرياتها على‬
‫هذا ال�صعيد‪« .‬ان اية مناق�شات جتري يف امل�ستقبل حول تي�سري التجارة ال بد من‬
‫ان ت أ�خذ يف اعتبارها املوارد والقدرات املحدودة للدول النامية ومواطن ال�ضعف‬
‫املحتملة‪ .‬كذلك‪ ،‬ال بد من تعرتف باحتمال ارتفاع تكلفة الفر�ص ال�ضائعة‪،‬‬
‫بالن�سبة اىل التنمية الب�رشية والتي قد تن� أش� نتيجة الت�رسع يف تنفيذ هذه االجراءات‪،‬‬
‫‪19‬‬
‫قبل ار�ساء وتوفري املتطلبات امل ؤ��س�سية وغريها»‪.‬‬
‫اال ان ما يلفت يف مقاربة اجلامعة العربية اال�صالحية لهذا امللف الدقيق واملف�صلي‪،‬‬
‫هو اقت�صار هذه املقاربة على جملة من العناوين العامة التي تعك�س اهميته دون‬
‫ت�ضمني ذلك اية �آليات ذات طابع عملي تخلق جملة من املهمات املحددة‬
‫واملربجمة التي تتنا�سب مع اهمية هذا املو�ضوع وراهنيته‪ .‬كذلك‪ ،‬تغيب مع هذه‬

‫‪ - 18‬راجع ف�صل ت�سهيل التجارة‪« .‬جعل التجارة العاملية يف خدمة النا�س»‪ .‬الربنامج االمنائي‬
‫لالمم املتحدة بالتعاون مع م ؤ��س�سة هرني�ش بول‪ .‬املكتبة ال�رشقية‪ .‬بريوت‪ .‬لبنان‪� .2003 .‬ص �ص‪:‬‬
‫‪.370...363‬‬
‫‪ - 19‬املرجع ال�سابق‪� .‬ص‪.366 :‬‬

‫‪67‬‬
‫املقاربة جملة من الق�ضايا العملية واالجرائية التي تكفل ح�سن ادارة هذا امللف‬
‫وقيادته اىل حتقيق احلد االدنى من املهام املناطة به وفق امل�شاريع واخلطط املعلنة‪.‬‬
‫واذا اعتربنا ان م ؤ��س�سة كم ؤ��س�سة اجلامعة العربية ال ت�ستطيع ان تقارب هذا‬
‫س�ولية املجل�س االقت�صادي‬ ‫املو�ضوع باكرث مما طرحت‪ ،‬ربطا بانها اكدت على م� ؤ‬
‫واالجتماعي يف هذا املجال‪ ،‬فان هذا االعتقاد يحيلنا اىل املو�ضوع الذي �سبق‬
‫تناوله ويف بعديه‪:‬‬
‫· االول‪ :‬اخلا�ص بالقدرة على ترجمة ال�شعارات اال�صالحية املطروحة‬
‫اليوم‪ ،‬والتي كان بع�ضها مطروحا منذ ع�رشات ال�سنني مع غياب‬
‫الرتجمة لذلك كما �سبق و�سجلنا يف تناولنا للتجربة ال�سابقة‪ .‬ان هذا‬
‫االمر يثري‪ ،‬كما كان على الدوام‪ ،‬ازمة م ؤ��س�سة اجلامعة كم ؤ��س�سة‬
‫للعمل العربي امل�شرتك و�سط ازمة ا�سرتاتيجيتها ال�سيا�سية واالقت�صادية‬
‫واالجتماعية واالمنائية‪ ،‬ف�ضال عن ازمتها ال�شديدة كم ؤ��س�سة للعمل‬
‫الليات‬ ‫العربي امل�شرتك‪ .‬انها ازمة الر ؤ�ية واملوقع والدور‪ ،‬ازمة آ‬
‫والعالقات والبنى الداخلية‪ ،‬وهو ما توقفنا عنده يف اكرث من حمطة‪.‬‬
‫فهل �ست�ستطيع هذه امل ؤ��س�سة يف هذه الظروف ان تنخرط يف جتربة‬
‫تفعيل وترجمة هذه املهمات النوعية املطروحة امامها؟؟‬
‫· الثاين‪ :‬اخلا�ص بالعمل امل ؤ��س�ساتي داخل اجلامعة‪ ،‬ازمة ادوار امل ؤ��س�سات‬
‫الداخلية وبخا�صة م ؤ��س�سة املجل�س االقت�صادي واالجتماعي يف‬
‫�سيا�سته ومهماته وعالقته بامل ؤ��س�سات واملجال�س االخرى وبخا�صة‬
‫تلك التي تثري ا�شكالية االزدواجية كمجل�س الوحدة االقت�صادية‪.‬‬
‫فازمة البنية والهيكلية هنا هي اي�ضا‪ ،‬كما �سبق وتناولناها يف اكرث من‬
‫حمطة‪ ،‬ازمة ر ؤ�يا وامكانات مادية وادوار ملتب�سة وعالقات داخلية‬
‫ورثت جتربة غري حمفزة وغري منتجة وغري واعدة حت�رض و�سط دعوات‬
‫اال�صالح والتن�شيط يف خطابات امل ؤ�مترات دون التيقن من امكانية‬
‫ترجمة ذلك على م�ستوى الواقع وبال�صورة املنا�سبة واملطلوبة‪ .‬فهل‬
‫ان من عا�ش هذه التجربة قادر على حتقيق خرق على �صعيد تفعيل‬

‫‪68‬‬
‫هذه امل ؤ��س�سات وبخا�صة م ؤ��س�سة املجل�س االقت�صادي االجتماعي يف‬
‫هذه الظروف اجلديدة؟؟‪.‬‬
‫ان هذا البعد النقدي يف تناول املقاربة اال�صالحية للجامعة العربية ال ي�سقط على‬
‫االطالق خ�صو�صية الظروف املو�ضوعية اجلديدة التي تعي�شها املنطقة والعامل‪،‬‬
‫والتي ترافقها وتعطيها بعدا جديدا �ضاغطا وحمفزا‪ ،‬يدفع باجتاه بلورة هذه‬
‫التوجهات والتعامل اجلاد معها من قبل حكومات املنطقة والقوى االقت�صادية‪،‬‬
‫وبخا�صة القطاع اخلا�ص‪ ،‬وقوى املجتمع املدين‪ .‬وقد اطلقت هذه املقاربة‬
‫اال�صالحية الدعوة لتعزيز عمليات الت�شارك التي تت�ضمن الدعوة لهيئات املجتمع‬
‫املدين العربي لتلعب دورها املطلوب على هذا ال�صعيد‪ .‬كذلك‪ ،‬فقد فتحت هذه‬
‫املقاربة اال�صالحية وا�سعا امام ملفات وق�ضايا احلاكمية ودورها الع�ضوي يف‬
‫توفري م�ستلزمات النجاح يف حتقيق املهام املطلوبة‪ .‬وهذا املعطى اجلديد‪ ،‬اىل‬
‫جانب احلاجات املو�ضوعية لالطراف اال�سا�سية بهذه العملية اجلديدة وم�صاحلها‬
‫املبا�رشة‪ ،‬يدفع باجتاه تعزيز وتفعيل وحت�صني وتن�شيط وترجمة هذه التوجهات‬
‫اال�صالحية دون ا�سقاط او تخفيف من �آثار واعاقات ازمات الر ؤ�ى وال�سيا�سات‬
‫والهيكليات ال�سابقة واحلا�رضة ب�صورة جدية‪.‬‬

‫ملف اتفاقية التجارة احلرة العربية (‪ )GAFTA‬على جدول اعمال‬ ‫{‬

‫«�شبكة املنظمات العربية غري احلكومية للتنمية» ‪.ANND‬‬

‫انطالقا من مهمات الت�شارك التي تُطرح امام منظمات املجتمع املدين العربي‪،‬‬
‫«نظمت «�شبكة املنظمات العربية غري احلكومية للتنمية» بال�رشاكة مع «�شبكة‬
‫العامل الثالث»‪ ،‬وبالتعاون مع برنامج الدول العربية التابع لربنامج االمم املتحدة‬
‫االمنائي‪ ،‬اجتماعا اقليميا للخرباء ومنظمات املجتمع املدين حول اتفاقيات‬
‫التجارة احلرة يف املنطقة العربية‪ ،‬يف القاهرة بتاريخ ‪9‬ـ‪10‬ـ‪ .12/2006 /11‬جاء‬
‫هذا االجتماع يف اطار برنامج ال�شبكة ل�سنتي ‪ 2005/2006‬حول «الت أ�ثريات‬
‫االقت�صادية واالجتماعية ل�سيا�سات حترير التجارة على املنطقة العربية»‪� .‬شارك‬

‫‪69‬‬
‫يف اللقاء ‪ 55‬م�شاركا من اكادمييني وممثلني عن منظمات املجتمع املدين‪ ،‬وممثلني‬
‫عن وكاالت لالمم املتحدة‪ ،‬ومنظمات حكومية متابعة للمفاو�ضات حول‬
‫االتفاقيات‪ .‬هدف هذا االجتماع اىل تعزيز التوا�صل‪ ،‬الت�شبيك واحلوار ما بني‬
‫منظمات املجتمع املدين واخلرباء حول موا�ضيع التجارة‪ ،‬بالرتكيز على مراجعة‬
‫تركيبة وحمتوى و�آليات اتفاقيات التجارة احلرة املربمة من قبل البلدان العربية‬
‫ومدى مالءمتها مع ال�سيا�سات التنموية يف املنطقة‪ ،‬والنظر يف آ‬
‫الثار املتوقعة‬
‫التفاقيات التجارة احلرة الثنائية على القطاعات املختلفة ذات االهمية االقت�صادية‬
‫والتنموية‪ ،‬مثل ال�صحة وحقوق امللكية الفكرية‪ ،‬اخلدمات‪ ،‬اال�ستثمار‪ ،‬النفاذ اىل‬
‫‪20‬‬
‫اال�سواق وامل�شرتيات احلكومية»‪.‬‬
‫يتوقف التقرير عند بع�ض خ�صائ�ص امل�شاريع اال�صالحية الكثرية املطروحة يف‬
‫املنطقة العربية‪ .‬وي�شري اىل دفع اجلهات اخلارجية‪ ،‬من االحتاد االوروبي اىل‬
‫الواليات املتحدة‪ ،‬باجتاه تبني برامج ا�صالحية اقت�صادية ت�ستند‪ ،‬فيما ت�ستند‬
‫اليه‪ ،‬اىل فر�ضية ان حترير التجارة واال�ستثمار ميثالن ركنا ا�سا�سيا يف هذه الربامج‬
‫كونهما ميثالن حمركا للنمو‪ .‬ويف هذا ال�سياق‪ ،‬ي�شري التقرير اىل توقيع البلدان‬
‫العربية ملزيد من اتفاقيات التجارة احلرة الثنائية واالقليمية واملتعددة االطراف‪.‬‬
‫ويرى ان تناول ق�ضايا «منطقة التجارة احلرة العربية الكربى» (‪ ،)GAFTA‬ال‬
‫ميكن ان تُف�صل عن م�صالح البلدان العربية �ضمن «منظمة التجارة العاملية» �أو عن‬
‫«اتفاقيات التجارة احلرة الثنائية»‪.‬‬
‫ويف جمال التقومي االويل لالو�ضاع االقت�صادية واالجتماعية التي رافقت م�سارات‬
‫توقيع هذه االتفاقيات‪ ،‬والنتائج االولية التي خ ّلفتها‪ ،‬ي�شري التقرير اىل ال�ضغوط‬
‫التي تتعر�ض لها البلدان العربية لتفتح ا�سواقها وتغري انظمتها «ال�سيا�سية الوطنية»‬
‫التي تُعنى مب�سائل التنمية االقت�صادية‪ .‬ف�ضال عن ذلك‪ ،‬لي�س هناك تقديرات حول‬
‫االثار االقت�صادية واالجتماعية‪ .‬وان �ضغوط التحرير تخ ّلف اثارا حادة على‬
‫اخلدمات العامة وتفر�ض تهديدات وخماطر مبا�رشة على احلق يف الغذاء والعمل‬
‫وال�صحة والو�صول (النفاذ) اىل االدوية‪ ....‬ويتوقف التقرير عند �رضورة اال�ستناد‬
‫اىل معادلة تفر�ض االخذ باالبعاد املتعددة يف ر�صد ومتابعة ملف التحرير هذا‪.‬‬
‫‪ - 20‬املرجع ال�سابق‪� .‬ص‪.4 :‬‬

‫‪70‬‬
‫فان كانت الفوائد املفرت�ضة من الو�صول اىل ال�سوق حا�رضة يف �سعينا لعقد هذه‬
‫االتفاقيات‪ ،‬فيجب ان ال ي�سقط ذلك اعتبار القدرات االنتاجية وال ق�ضية حواجز‬
‫الر�سوم اجلمركية التي تجً به بها املنتجات ولكمية امل�ستوردات التي �س ًتتلقى مقارنة‬
‫بكميات ال�صادرات‪ .‬كل هذه االحتياجات ينبغي ان توزن ازاء احتياجات �سوق‬
‫العمل‪ .‬فالبلدان العربية يلزمها ان حتت�سب فر�ص العمل التي جتري خ�سارتها‬
‫نتيجة اتفاقيات التجارة النيوليربالية‪ .‬كذلك‪ ،‬يتوقف التقرير عند مواطن ال�ضعف‬
‫امل ؤ��س�سية – حتى على م�ستوى االمانة العامة جلامعة الدول العربية‪ -‬وكذلك‬
‫�ضعف �شفافية العمليات وحاالت عدم اال�ستقرار ال�سيا�سي واالمني يف املنطقة‪،‬‬
‫ويرى انها تن�شىء كلها عراقيل خطرية بالن�سبة اىل تطور عملية «منطقة التجارة‬
‫احلرة العربية الكربى»‪ .‬ويختم التقرير بالدعوة اىل تعزيز جبهة التعاون االقليمي‪،‬‬
‫حيث تعي�ش البلدان العربية حالة تت�سم بالتخلف على هذا ال�صعيد‪ .‬ويختم التقرير‬
‫بالدعوة اىل تعزيز جبهة التعاون االقليمي‪ ،‬حيث تعي�ش البلدان العربية حالة تت�سم‬
‫بالتخلف على هذا ال�صعيد‪.‬‬
‫اما ب�صدد اف�ضليات «منطقة التجارة احلرة العربية الكربى» (‪)GAFTA‬‬
‫املحتملة فت�شمل تو�سيع ال�سوق بالن�سبة اىل العديد من البلدان العربية وزيادة فر�ص‬
‫اال�ستثمار و�ضبط تناف�س عادل وتعزيز البحث والتنمية‪ .‬وبخ�صو�ص النتائج‬
‫املحققة‪ ،‬باعتبار ان (‪ )GAFTA‬يفرت�ض ان ت�شكل خطوة نحو التكامل‬
‫االقت�صادي بني البلدان العربية‪ ،‬ي�شري التقرير اىل حمدودية ذلك‪ .‬فبعد م�ضي �ست‬
‫�سنوات من العمل يف اجتاه املنطقة املذكورة‪ ،‬ازدادت التجارة البينية العربية من‬
‫‪ 9%‬يف عام ‪ 1997‬اىل ‪ 10%‬يف عام ‪ .2005‬وهذا اجناز متوا�ضع جدا يف‬
‫جدول اعمال زاخر بالوعود‪ .‬وبخ�صو�ص اال�سباب الكامنة وراء تقييد (حتديد)‬
‫التبادل البيني العربي‪ ،‬يرى التقرير ان اقت�صادات هذه البلدان تت�سم بكونها اكرث‬
‫حتريرا وانفتاحا نحو العامل اخلارجي مما هي جتاه بع�ضها البع�ض‪ .‬وان ما حتتاجه‬
‫هذه البلدان لي�س ازالة احلواجز بني اال�سواق يف املنطقة العربية‪ ،‬بل اعادة بناء‬
‫اال�سواق نف�سها‪ .‬وان الرتكيز يجب ان يتمحور حول التنمية ولي�س على التجارة‬
‫يف حد ذاتها‪ .‬فالعمليات وال�سيا�سات االقليمية يجب ان تتحول من حترير‬
‫التجارة اىل تنمية قدرات االنتاج والروابط البنيوية بني دورات االنتاج ونظمه‬
‫يف البلدان العربية‪ .‬فاملنطقة حتتاج اىل تنمي مواردها املتوفرة‪ ،‬مبا يف ذلك املوارد‬

‫‪71‬‬
‫والليات ال�سيا�سية من اجل احلاكمية‪ .‬فالطريق ال�صحيح لل�سري قدما اىل‬ ‫الب�رشية آ‬
‫االمام‪ ،‬ي�سجل التقرير‪ ،‬هو يف �صياغة �سيا�سات تنموية تكاملية م�شرتكة او تنفيذ‬
‫م�رشوعات اقليمية م�شرتكة‪.‬‬
‫ان هذه املقاربة التي قدمها هذا التقرير االقليمي بتنظيم من «�شبكة املنظمات‬
‫العربية غري احلكومية للتنمية» (‪ ،)ANND‬تعلن عن مرحلة جديدة ونوعية يف‬
‫م�سرية عمل املجتمع املدين العربي احلديثة العهد‪ .‬فقد قدمت هذه املقاربة م�ساهمة‬
‫عر�ضت وقومت وانتقدت وقدمت اقرتاحات‪ .‬وهي‪ ،‬بالتايل‪ ،‬قد خرجت من‬
‫دائرة العمل االعالمي الدعائي الذي ينحكم ب�سقوف ت�ضعها اجلهات املمولة‪،‬‬
‫خا�صة الر�سمية العربية منها‪ .‬وقد �سجلت ا�شارة وا�ضحة حلظت وانتقدت دور‬
‫اجلامعة العربية وامانتها العامة على هذا ال�صعيد‪ .‬وهذا االمر االخري يحيلنا اىل‬
‫بداية تبلور يف العالقة امل�شرتكة بني امانة اجلامعة العربية وم ؤ��س�ساتها وبني املجتمع‬
‫املدين العربي‪ ،‬حيث تتظهر اكرث فاكرث اهمية العملية الت�شاركية يف مقاربة امللفات‬
‫ذات االهتمام امل�شرتك‪.‬‬
‫أ‬
‫كذلك‪ ،‬فقد توقف التقرير عند م�س�لة هامة يف مقاربة ملفات ق�ضايا التحرير‬
‫والت�سيري والت�سهيل التجاري على امل�ستوى العاملي هي م� أس�لة املعايري‪ .‬واكد على‬
‫ان هذه املعايري اال�سا�سية ت�ضبط جممل مقاربته لهذا امللف املف�صلي والدقيق يف‬
‫م�سار العمل االقت�صادي العربي امل�شرتك‪ ،‬حيث �سينحكم بنتائجه م�ستقبل املنطقة‬
‫العربية و�شعوبها‪ .‬وكان املعيار اال�سا�س يف ذلك هو م�صالح هذه ال�شعوب وهذه‬
‫البلدان يف حتقيق التنمية يف م�ستوياتها كافة‪ ،‬والدفع باجتاه حاكمية اكرث توافقا‬
‫مع جممل هذه امل�صالح‪ .‬والت أ�كيد على �رضورة املقاربة العلمية واملو�ضوعية لهذا‬
‫امللف الدقيق مبا ي ؤ�من تعزيز �رشوط حمايته والدفاع عن م�رشوعيته التاريخية‬
‫واالجتماعية والوطنية يف �آن‪.‬‬

‫مدخل اال�صالح‪ :‬ا�صالح اجلامعة ام ا�صالح منظماتها؟‬ ‫{‬

‫اثارت مقرتحات االمني العام جملة من ردود الفعل‪ .‬البع�ض اعترب «انها متثل‬
‫تراجعا وا�ضحا عن الطموحات القومية التي طرحت مطلع الثمانينات‪ ،‬خا�صة‬

‫‪72‬‬
‫تلك التي وردت يف م�رشوع تعديل ميثاق جامعة الدول العربية‪ ،‬باال�ضافة اىل‬
‫اغفالها لدور جمل�س الوحدة االقت�صادية العربية يف خريطة الهيكل التنظيمي‬
‫املقرتح‪ .‬وتعرب عن اهمال تام لالهداف التي ت�ضمنتها اتفاقية الوحدة االقت�صادية‬
‫وتفرط بجانب مهم من ا�سرتاتيجية العمل االقت�صادي‬ ‫بني دول اجلامعة العربية‪ّ ،‬‬
‫العربي امل�شرتك التي �شكل هدف التكامل االقت�صادي‪ ،‬احد ال�سمات الفكرية‬
‫الوحدوية‪ ،‬ملرحلة ثرية يف التاريخ العربي املعا�رص‪ ،‬قبل ان ترتدى او�ضاع العرب‬
‫‪21‬‬
‫ال�سيا�سية يف هاوية الت�رشذم واالنق�سام»‪.‬‬
‫وهناك من اثار م� أس�لة عدم مما�شاة ميثاق اجلامعة العربية مع امل�ستجدات على‬
‫ال�ساحات العربية واالقليمية والدولية‪ .‬واقرتح ا�صالح العالقة بني اجلامعة‬
‫وبني املنظمات املتخ�ص�صة‪ ،‬والتي بلغ عددها ع�رشين بعد الهيكلة التي اقرتحها‬
‫م�رشوع االمني العام‪ ،‬باال�ستفادة من جتربة االمم املتحدة يف ربطها بني املنظمات‬
‫املتخ�ص�صة وبني املنظمة االم‪ .‬واعترب ان عملية اال�صالح هذه ال ميكن ان تتم مبعزل‬
‫عن ا�صالح االو�ضاع الداخلية للدول االع�ضاء…‪ ..‬وقد توقف هذا البع�ض عند‬
‫ا�شكالية طاملا ُطرحت يف مواجهة كل م�رشوع ا�صالحي جلامعة الدول العربية‪،‬‬
‫بالدعوة «اىل االنطالق من تغليب امل�صالح القومية على امل�صالح القطرية‪ ،‬وعدم‬
‫‪22‬‬
‫التم�سك احلريف بامر ال�سيادة كمهرب من اال�ستحقاقات القومية…»‪.‬‬
‫هناك من دعا اىل حل عملي مل� أس�لة االزدواجية ما بني املجل�س االقت�صادي‬
‫واالجتماعي وبني جمل�س الوحدة االقت�صادية العربية‪ ،‬يتمثل بقيام جمل�س مركزي‪،‬‬
‫‪23‬‬
‫ميكن ت�سميته باملجل�س االقت�صادي القومي‪.‬‬
‫كذلك‪ ،‬فقد �شكك البع�ض يف عناوين التعديل واال�صالح التي قُدمت حتت‬
‫عناوين الغاء االزدواجية واعادة الهيكلة‪ ،‬حيث مت يف ظل ال�شعار االول الغاء‬
‫منظمات مهمة‪ ،‬ومت يف ظل ال�شعار الثاين يف بع�ض االحيان‪� ،‬شل عمل هذه‬

‫‪� - 21‬سليمان املنذري‪ .‬مرجع �سابق‪� .‬ص‪.269 :‬‬


‫‪ - 22‬راجع عدنان �شومان‪ .‬من اجل ا�صالح جامعة الدول العربية‪ .‬مرجع �سابق‪� .‬ص �ص‪:‬‬
‫‪.276 _274‬‬
‫‪ - 23‬راجع حممود مرت�ضى‪ .‬من اجل ا�صالح جامعة الدول العربية‪ .‬مرجع �سابق‪� .‬ص‪.279 :‬‬

‫‪73‬‬
‫املنظمات‪ ،‬دون القيام باي عمل مفيد لها‪ .‬وحول العالقة بني املجل�س االقت�صادي‬
‫واالجتماعي وبني بقية املنظمات‪ ،‬اعترب هذا البع�ض‪ ،‬ان املجل�س هو جمل�س مايل‬
‫س�وليته عن ميزانية هذه املنظمات‪ .‬وبطبيعة احلال‪ ،‬فان هذا‬ ‫انطالقا من م� ؤ‬
‫التو�صيف ي�ستهدف التخفيف من جدية االدوار االخرى املناطة به والرتكيز على‬
‫‪24‬‬
‫هذا اجلانب باعتباره يخت�رص الن�شاط املركزي يف عمله‪ ،‬ح�سب ر�أي ه ؤ�الء‪.‬‬
‫هناك من توقف عند كون املجل�س االقت�صادي االجتماعي ا�سما ال ينطبق على‬
‫امل�سمى النه لي�س هناك ن�شاط اجتماعي مناط بهذا املجل�س‪ ،‬حيث يقت�رص ن�شاطه‬
‫على اجلانب االقت�صادي‪ .‬ور�أى ان هناك غيابا للم�شاركة ال�شعبية يف جممل هذه‬
‫العملية‪ .‬واعترب ان اجلامعة حققت من خالل م�رشوعها اال�صالحي اجلديد يف‬
‫اعادة الهيكلة‪ ،‬غايتها يف الهيمنة على املنظمات‪ .‬وا�شار اىل ان امل� أس�لة تكمن يف‬
‫‪25‬‬
‫غياب الربامج وامل�رشوعات يف عمل املنظمات املتخ�ص�صة‪.‬‬

‫اعادة االعتبار للمقاربة ال�سيا�سية‬ ‫{‬

‫توقف د‪ .‬نا�صيف حتي‪ ،‬رئي�س بعثة جامعة الدول العربية يف فرن�سا‪ 26 ،‬عند جممل‬
‫امللف اال�صالحي‪ ،‬معتربا ان «م�صدر امل�شكلة اال�سا�س يكمن يف «احلالة العربية»‬
‫باملعنى ال�شامل‪ .‬فم�صدر املر�ض يتخطى الو�ضع امل ؤ��س�سي التنظيمي للمنظمة‬
‫العربية‪ ،‬ويتخطى اي�ضا تقومي ادائها التنفيذي‪ .‬فاحلالة العربية التي تعرب عنها‬
‫اجلامعة وتت أ�ثر بها بقوة ال ت�ستطيع ان ت ؤ�ثر فيها هذه االخرية بفعالية‪ ،‬اذ ان طبيعة‬
‫احلالة العربية متنع ما يجب ان يكون تفاعال بناء م�ستمرا بني املنظمة واالقليم‬
‫الذي متثل»‪ .‬وي�سجل ان القرار العربي عن الهيئات يف جامعة الدول العربية يف‬
‫خمتلف م�ستوياتها‪ ،‬يت�سم بـ‪:‬‬
‫‪ - 24‬راجع احمد يو�سف احمد‪ .‬من اجل ا�صالح جامعة الدول العربية‪ .‬مرجع �سابق‪� .‬ص‪:‬‬
‫‪.281‬‬
‫‪� - 25‬سليمان املنذري‪ .‬مرجع �سابق‪� .‬ص‪.285 :‬‬
‫‪ - 26‬راجع نا�صيف حتي‪� .‬صنع القرار يف جامعة الدول العربية وتنفيذه‪ .‬من اجل ا�صالح‬
‫جامعة الدول العربية‪ .‬مرجع �سابق‪� .‬ص �ص‪.211..203 :‬‬

‫‪74‬‬
‫{ يتم حتت �ضغط اللحظة مبا يعطيها �رشعية‪ ،‬ثم ي�صبح يتيما وفاقدا‬
‫للم�صداقية‪ ،‬ومن�سيا بالطبع‪.‬‬
‫{ ينحكم للت�شدد ال�سيا�سي واخلطاب القومي ويبحث عن ال�سقف‬
‫االعلى‪.‬‬
‫{ ال�صياغة العامة واملبهمة وغري العمالنية‪ ،‬وبالتايل �صعبة التنفيذ‪.‬‬
‫وي أ�خذ احيانا �شكال وجدانيا وال يحمل التزامات التنفيذ على الدول‬
‫االع�ضاء‪.‬‬
‫{ اكرثية القرارات ت�صبح يف حالة يتم‪ ،‬وت�ستقيل الدول العربية من‬
‫س�ولية جتاهها حال اختتام اعمال االجتماع املعني‪ .‬لذلك يولد‬ ‫امل� ؤ‬
‫القرار يف كثري من احلاالت ميتا او م�شوها او غري قابل للتنفيذ‪ ،‬ويرتك‬
‫س�وليتها‪ ،‬وينتهي عمليا حتت‬ ‫على باب جامعة الدول العربية وحتت م� ؤ‬
‫س�ولية االمانة العامة او اجلهاز التنفيذي للمنظمة العربية املخت�صة‬ ‫م� ؤ‬
‫واملعنية باالمر‪.‬‬
‫وي�ضيف ال�سفري حتي ب�صدد اخللل يف �صنع القرار العربي‪ ،‬وبالتايل يف تنفيذه‪،‬‬
‫ان غياب نظام امل�ساءلة على م�ستوى م ؤ��س�سات جامعة الدول العربية‪ ،‬يحدث‬
‫انقطاعا حادا بني �صناعة القرار من جهة‪ ،‬وعملية التنفيذ واملتابعة‪ .‬اىل ذلك‪،‬‬
‫هناك �ضعف الثقافة التعاونية ذات الطابع امل ؤ��س�سي‪ ،‬والغرق يف منطق الكل او‬
‫الال�شيء‪ .‬وي�ضيف‪ ،‬ان هذا املنطق يف ظل لعبة الرهينة املزدوجة القائمة على ان‬
‫العالقات االقت�صادية التعاونية تبقى رهينة للعالقات ال�سيا�سية‪ ،‬وان هذه االخرية‬
‫يف حاالت كثرية رهينة لل�شخ�صنة يف ال�سيا�سة‪ .‬هذا ما ي ؤ�دي اىل عدم ا�ستقرار‬
‫التعاون‪ ،‬وتعر�ضه الهتزازات وتوترات م�ستمرة‪ ،‬ت ؤ�ثر يف �صناعة القرار امل�شرتك‪،‬‬
‫ويف م�صداقيته‪ ،‬ويف ترجمته اىل �سيا�سة‪ .‬ويختم‪ ،‬اىل جانب كل ذلك‪ ،‬هناك‬
‫غياب جمتمع مدين عربي اقليمي يت�سم بوجود م�صالح م�شتابكة ومتداخلة عرب‬
‫الدول‪ ،‬وبوجود قوى حية تعرب عن هذه امل�صالح‪ ،‬وت�شكل قوى �ضغط حلماية‬
‫العمل العربي امل�شرتك وتعزيزه‪.‬‬
‫ا�ستنادا اىل جممل هذه املقاربة النقدية‪ ،‬يرى ال�سفري نا�صيف حتي ان دعوات‬

‫‪75‬‬
‫اال�صالح للجامعة امنا ترتبط مبحطات االزمات ال�شديدة للنظام العربي‪ .‬فكلما‬
‫مر هذا النظام بازمة �شديدة وبتهديدات متزايدة من اخلارج‪ ،‬ظهرت دعوات من‬
‫اجل وقف االنهيار من خالل تعزيز وا�صالح جامعة الدول العربية ك�سياج واق‬
‫للهوية العربية وامل�صالح العربية اال�سا�سية امل�شرتكة‪ .‬وهذه الدعوات تهدف‪ ،‬فيما‬
‫تهدف‪ ،‬عرب عملية اال�صالح هذه‪ ،‬اىل تعزيز �سيا�سات هذه الدول يف حلظة معينة‬
‫ودعمها‪ .‬وان احلما�س لال�صالح‪ ،‬كما دلت جتارب املا�ضي‪ ،‬يخف بعد مرور‬
‫العا�صفة‪ .‬وجل ما يحدث هو فتح «ور�شة» ا�صالح تبقى ب�سيطة‪ ،‬وال تطال‬
‫جوهر االمور‪.‬‬
‫وحتت عنوان ما العمل‪ ،‬ي�سجل د‪ .‬حتي ان غياب القرار العربي امل�شرتك ذي‬
‫امل�صداقية الذي يوفر القدرة واالطار واملرجعية لبلورة �سيا�سات‪ ،‬هو نتيجة‬
‫غياب االرادة الرا�سخة وامل�ستمرة‪ ،‬ولي�س ارادة اللحظة �أو املزاج‪ .‬وغياب الر ؤ�يا‬
‫والقناعة حول �رضورة التعاون لي�س خدمة الهداف ايديولوجية او فوقية وعامة‬
‫مبهمة‪ ،‬بل الن تعزيز التعاون العربي_ العربي يوفر االمكانيات والدعم العربيني‬
‫لل�سيا�سات الوطنية للدول االع�ضاء وم�صاحلها‪.‬‬
‫وبالتايل‪ ،‬فان امل�شكلة لي�ست فقط يف م�ستوى االداء التنفيذي مل ؤ��س�سات العمل‬
‫العربي امل�شرتك التي هي بحاجة اي�ضا لال�صالح‪ ،‬وتوفري الدعم الب�رشي واملادي‬
‫لها‪ ،‬لكن اال�صالح املطلوب للم ؤ��س�سات العربية امل�شرتكة من خالل مدها‬
‫ب�آليات املراقبة وامل�ساءلة التي تردع �سيا�سة اتخاذ القرار ال�سهل وتعطي بالتايل‬
‫م�صداقية ل�صنع القرار‪ ،‬والتي ت�ساهم يف مواكبة عملية تنفيذ القرار‪ ،‬غري كاف اذا‬
‫مل تواكبه ا�صالحات على امل�ستوى الوطني‪ .‬فلي�س من املمكن واقعيا ومو�ضوعيا‬
‫ان نتعامل مع ا�صالح «البيت العربي» متجاهلني البنى الداخلية ملكوناته‪ .‬ولي�س‬
‫من املمكن مقاربة ذلك من دون العمل على بلورة جمتمع مدين عربي ي�شكل‬
‫قاعدة را�سخة وثابتة للعمل العربي امل�شرتك واطارا له‪ .‬خارج ذلك‪ ،‬فان عمليات‬
‫او حماوالت اال�صالح امل ؤ��س�سي تبقى يف اطار تعزيز االداء دون ان تطال جوهر‬
‫�صنع القرار او تنفيذه‪ .‬فاال�صالح «القومي» و«الوطني» هو املدخل الفعلي‬
‫لال�صالح «امل ؤ��س�سي»‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫ازمة املوجة اال�صالحية وازمة خياراتها‬ ‫{‬

‫يرى برهان غليون‪ 27‬يف مقاربته حول «ا�شكالية اال�صالح وا�شكاالته يف العامل‬
‫العربي»‪ ،‬التي قدمها يف اطار منتدى حوارات الفاخرية حول املجتمع املدين‪ ،‬ان‬
‫امل�رشوع اال�صالحي اجلديد قام على دعامتني ا�سا�سيتني‪ :‬تنامي وزن املجتمع املدين‬
‫العربي و�ضغوطه امل�ستمرة من جهة‪ ،‬وتبدل �سيا�سات التكتل الغربي املتنفذ يف‬
‫املنطقة‪ ،‬من جهة ثانية‪ .‬فقد فتح تقرير التنمية االن�سانية العربية املناق�شة واملناظرة‬
‫الفكرية وال�سيا�سية حول م� أس�لة اال�صالح يف العامل العربي كما مل يح�صل من قبل‪.‬‬
‫وقد جتاوبت هذه املناق�شة مع حاجات التغيري واال�صالح كما نظرت اليها القوى‬
‫ال�صناعية الغربية‪ ،‬فبدا وك أ�ن ارادة اال�صالح العربية وارادة التغيري الغربية قد التقيا‬
‫الول مرة‪.‬‬
‫وي�ضيف‪ :‬جاءت نتائج الدرا�سات االقت�صادية واالجتماعية يف نهاية الت�سعينات‬
‫لت ؤ�كد االرتباط املبا�رش بني طبيعة النظم ال�سيا�سية القائمة و�سوء االداء االقت�صادي‬
‫واالجتماعي‪ ،‬مما دفع ب�شكل متزايد‪ ،‬اىل ربط اال�صالح‪ ،‬الذي اقت�رص خالل فرتة‬
‫طويلة ما�ضية على امليدان االقت�صادي واالداري‪ ،‬باال�صالح ال�سيا�سي‪ ،‬ويجعل‬
‫من الدميوقراطية ال�شعار املركزي يف احلركة اال�صالحية العربية‪ ،‬يف جميع‬
‫مناطقها‪ .‬وات�سع االعتقاد عند العديد من االو�ساط العربية الفكرية وال�سيا�سية‬
‫باالرتباط بني اال�صالح ال�سيا�سي واالداري واطالق عملية التقدم والتنمية وردم‬
‫الهوة العلمية والتقنية املتزايدة االت�ساع بني املجتمعات العربية والدولية‪.‬‬
‫وي�شري د‪ .‬غليون اىل ان اال�صالح والتحول الدميوقراطي بدا يف نظر الر�أي العام‬
‫م�رشوعا اجنبيا يهدف اىل التغطية على خطة جديدة لعودة ال�سيطرة الغربية‬
‫اال�ستعمارية على البالد العربية او التالعب مب�صريها‪ .‬ومل يبق امام القوى املنظمة‬
‫املتم�سكة باال�صالح يف اطار املعار�ضة الدميوقراطية وهيئات املجتمع املدين‬

‫‪ - 27‬راجع برهان غليون‪ .‬ن� أش�ة املجتمع املدين وتطوره من املفهوم املجرد اىل املنظومة‬
‫االجتماعية والدولية‪ .‬مداخلة يف اطار منتدى حوارات الفاخرية‪ .‬املوقع االلكرتوين اخلا�ص‬
‫باملنتدى‪ .‬التاريخ غري حمدد ولو ان الن�ص ي�شي بانه قد و�ضع بعد �سنة ‪.2004‬‬

‫‪77‬‬
‫احلديث �سوى االرتداد اىل موقف الدفاع بدل الهجوم‪ ،‬و�رصف الوقت واجلهد‬
‫يف الترب ؤ� من تهمة العمالة للغرب او العمل يف �سياقات اال�سرتاتيجية الدولية‬
‫الرامية اىل ت�شديد ال�ضغط على النظم العربية النتزاع تنازالت ا�سرتاتيجية او‬
‫�سيا�سية حيوية منها‪ .‬وبنتيجة ذلك‪ ،‬خففت الدول الغربية الثماين التي اعتمدت‬
‫مبادرة ال�رشق االو�سط عام ‪ 2004‬من �ضغوطها‪ .‬كذلك‪ ،‬مل ترتدد النخب العربية‬
‫احلاكمة من ا�ستغالل هذا الرتاجع الغربي الذي ح�صل حتت �ضغط الر�أي العام‬
‫املعادي للتدخالت االجنبية‪ .‬وهي‪ ،‬اي النخب‪ ،‬حتاول اليوم االلتفاف على‬
‫م�شاريع اال�صالح‪� ،‬سواء بالت�شهري باجلوانب احلاملة لبع�ض املخاطر عليها‪ ،‬او‬
‫بتحقيق بع�ض مظاهرها ال�شكلية‪ ،‬مع تفريغها من حمتواها ال�سيا�سي متاما‪ .‬كما انها‬
‫قد بد�أت يف العامني املا�ضيني‪ ،‬مبوازاة االعالن عن بع�ض اال�صالحات الديكورية‬
‫وت أ�كيد االلتزام التجريدي باال�صالح من دون اي برنامج عمل وا�ضح‪ ،‬كما‬
‫تربهن على ذلك «وثيقة التطوير والتحديث» التي تبنتها القمة العربية يف تون�س‬
‫مار�س‪ ،2004/‬عملية ح�صار منظمة مل ؤ��س�سات املجتمع املدين‪ ،‬ت�شمل احلد من‬
‫الن�شاطات وتكرار املالحقات واالعتقاالت‪ ،‬واحيانا التعر�ض بال�رضب للنا�شطني‬
‫املدنيني وال�سيا�سيني‪ ،‬ملنعهم من التوا�صل مع الر�أي العام وت�ضييق دائرة اخلناق‬
‫عليهم‪.‬‬
‫وي�سجل د‪ .‬غليون ان االنق�سام الذي غذته وعملت عليه النظم القائمة‪ ،‬حول‬
‫م�سائل اال�صالح‪ ،‬قد ادخل الفكر وال�سيا�سة اال�صالحيني العربيني يف حالة تخبط‬
‫عميق‪ ،‬واجه�ض جميع جمهودات العمل على دفع املجتمعات العربية اىل تبني‬
‫م�رشوع اال�صالح والت�ضحية من اجله‪ .‬وامام اجها�ض هذا امل�رشوع اال�صالحي‬
‫اجلديد‪ ،‬فاننا �سنكون امام كلفة كبرية وامام احتمال انفجار املجتمعات نف�سها‪.‬‬
‫وانتقد اوهام اال�صالح القائم على انه مقدمة للتغيري او حماول تغيري النظم من‬
‫الداخل‪ ،‬وتقريبا بالتفاهم معها واالتفاق على برنامج عمل انتقائي ي�سمح بتجاوز‬
‫الو�ضع الراهن والدخول يف نظم تعددية حقيقية يف م�ستقبل ما‪ ،‬ويختم بت�سجل‬
‫ت�سا ؤ�له حول امكانية ا�صالح النظم العربية وهل هي قابلة لال�صالح؟‬

‫‪78‬‬
‫التحدي امل�ستمر بني اتخاذ القرارات اال�صالحية وتنفيذها‬ ‫{‬

‫من الوا�ضح ان جممل اخلطوات اال�صالحية التي اعلنتها جامعة الدول العربية‪،‬‬
‫على م�ستوى م ؤ��س�سة القمة ام على م�ستوى االمانة العامة‪ ،‬بفعل جملة العوامل‬
‫االقليمية والدولية ال�ضاغطة واملحفزة‪ ،‬مثلت معلما ا�ضافيا يربز خ�صو�صية‬
‫وتاريخية ور�شة اال�صالح التي ت�شهدها املنطقة العربية راهنا‪ .‬اال ان التحدي‬
‫اال�سا�س يف مواجهة هذه الور�شة اال�صالحية ي�ستمر جلهة القدرة على ترجمة‬
‫هذه القرارات اىل �سيا�سات عملية تنتج الوقائع وحتدث التحوالت وتفتح آ‬
‫الفاق‬
‫امام او�ضاع جديدة لدول و�شعوب املنطقة على ا�سا�س التنمية والتقدم واحلكم‬
‫الر�شيد‪.‬‬
‫كيف انعك�ست هذه العملية اال�صالحية على خمتلف االطراف املعنية بها وكيف‬
‫قومتها ا�ستنادا اىل التجربة املحققة؟؟‪.‬‬
‫ا�شت درا�سة �صالح الدين اجلور�شي حول «احلقوق االقت�صادية واالجتماعية‪:‬‬ ‫رّ‬
‫اطاللة اولية على املبادرات الدولية واالقليمية»‪ ،‬اىل بع�ض املواقف ب�صدد‬
‫‪28‬‬

‫امل�رشوع اال�صالحي الراهن يف املنطقة العربية‪ .‬وتوقفت عند ر ؤ�ية القطاع اخلا�ص‬
‫العربي حول ذلك‪.‬‬
‫ر�ية القطاع اخلا�ص العربي‪� :‬سن�ستند يف ذلك اىل التقرير الذي ا�صدرته‬‫‪ .1‬ؤ‬
‫االمانة العامة لالحتاد العام لغرف التجارة وال�صناعة والزراعة للبالد‬
‫العربية‪ ،‬ويتعلق با�سباب تعرث «منطقة التجارة احلرة العربية الكربى»‪.‬‬
‫وقد ا�ستند التقرير اىل جتربة االحتاد االوروبي كنموذج لك�شف جوانب‬
‫التعرث التي يواجهها م�رشوع ان�شاء منطقة حرة يف البالد العربية‪.‬‬
‫وا�ستعان بنتائج اال�ستبيان الذي اعدته االمانة العامة لالحتاد وا�ستطلع‬
‫�آراء ال�رشكات العربية اخلا�صة حول هذه امل� أس�لة (طال اال�ستطالع‬

‫‪� - 28‬صالح الدين اجلور�شي‪ .‬احلقوق االقت�صادية واالجتماعية‪ :‬اطاللة اولية على املبادرات‬
‫الدولية واالقليمية‪ .‬من�شورات �شبكة املنظمات العربية غري احلكومية للتنمية‪ .‬متوز‪ /‬يوليو ‪.2008‬‬
‫ف�صل‪ :‬ر ؤ�ية القطاع اخلا�ص العربي‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫‪� 62‬رشكة)‪ .‬ي�شري التقرير‪ ،‬انه خالل ‪« ،2005‬طبقت جميع الدول‬
‫العربية امللتزمة مبنطقة التجارة احلرة الكربى التعرفة ال�صفرية على‬
‫جميع ال�سلع واملنتجات العربية املتبادلة فيما بينها‪ .‬اال انه يف املقابل‪،‬‬
‫يالحظ ان م�ستويات التكامل االقت�صادي العربي احلايل ما تزال �ضعيفة‬
‫وتقف عند عقبات اجرائية وهيكلية ا�سا�سية‪ .»...‬وان التجارة العربية‬
‫البينية ما تزال اقل من ‪ 10‬باملئة من اجمايل التجارة اخلارجية للدول‬
‫العربية‪ ،‬يف حني ان هذه الن�سبة تبلغ حوايل ‪ 40‬باملئة يف جمموعة الدول‬
‫ال�سيوية‪ ،‬واكرث من ‪ 20‬باملئة يف دول امريكا الالتينية‪ ،‬وتزيد عن ‪60‬‬ ‫آ‬
‫باملئة بني اع�ضاء االحتاد االوروبي‪.‬‬
‫وت�شكو ال�رشكات اخلا�صة العربية من ا�ستمرار القيود على التجارة واال�ستثمار‪،‬‬
‫وكذلك من هيمنة القطاع العام و «ا�ستبعاد �رشكات القطاع اخلا�ص اىل حد‬
‫كبري عن رقعة جهود حترير وعدم الكفاءة االدارية وامل ؤ��س�سية»‪ .‬ويعتقد ممثلو‬
‫القطاع اخلا�ص يف وثيقتهم‪ ،‬ان حتقيق قفزة نوعية يف بيئة االعمال والتجارة‬
‫يف البالد العربية تتطلب دعما عربيا م�شرتكا لت�رسيع خطى اال�صالح ومتكني‬
‫البالد العربية من ت أ�هيل اقت�صاداتها وبنيتها االجتماعية بال�شكل املنا�سب»‪.‬‬
‫واعتربوا ان ما قدمته م ؤ��س�سات التمويل العربية على مدى ‪ 36‬عاما جلميع‬
‫الدول العربية حوايل ‪ 1.3‬مليار دوالر �سنويا‪ ،‬هو مبلغ زهيد ال يقا�س مبا‬
‫تنفقه التكتالت االقت�صادية الدولية على براجمها التكاملية‪ .‬واكد التقرير ان‬
‫«جمرد اتخاذ قرارات ر�سمية ب أ�قامة منطقة للتجارة احلرة ال يعني حتقيقها‪،‬‬
‫مهما كانت درجة االلتزام بهذه القرارات‪ .‬فامل� أس�لة تتطلب قبل اي امر �آخر‬
‫التالزم بني االتفاق على اهداف التنمية امل�شرتكة وا�ستخدام �آليات التنمية‬
‫امل�شرتكة وا�ستخدام �آليات االندماج مبا يحقق هذه االهداف‪ ،‬مع توفري ما‬
‫يلزم من موارد لذلك‪ .‬وبعد الدعوة اىل تطوير البيئة الت�رشيعية واال�ستثمارية‬
‫ورفع القيود عن م�شاريع القطاع اخلا�ص واتاحة املعلومات والفر�ص وتطوير‬
‫م�شاركته يف �صياغة االهداف اال�سرتاتيجية‪ ،‬اعلن التقرير ت أ�ييده للقول بان‬
‫اال�صالحات اجلارية ال تزال منقو�صة او انها «مت�ضي يف الطريق امل�ستهدفة‬

‫‪80‬‬
‫لها»‪ .‬وي�سجل التقرير ت�سا ؤ�له الت�شكيكي جلهة اجلهات التي �ست�ستفيد من‬
‫هذه اال�صالحات والتي ترتاوح بني امل�ستثمرين االجانب او كبار املوظفني‬
‫الذين حتولوا اىل م�ستثمرين!!!‪.‬‬
‫يف هذا ال�سياق‪ ،‬ي�سجل د‪ .‬جور�شي‪ ،‬ربطا مبو�ضوع اجلهات امل�ستفيدة من‬
‫اال�صالحات‪�« ،‬رضورة التوقف عند م� أس�لة التداعيات التي ترتكها العمليات‬
‫اال�صالحية و�رضورة حتديد االطراف امل�ستفيدة منها‪ .‬ويعترب ان هذه من‬
‫امل�سائل احليوية التي يجب تعميق النقا�ش حولها بني مكونات املجتمع‬
‫املدين‪ ،‬حتى يعرف االخري طبيعة �رشكائه املفرت�ضني‪ ،‬وال يدافع عن �سيا�سات‬
‫او اطراف ال هدف لها �سوى احلاق اال�سواق املحلية بلوبيات جتارية‬
‫واقت�صادية ت�سعى بكل الطرق اىل مراكمة االرباح على ح�ساب امل�صالح‬
‫الوطنية واحلقوق االقت�صادية واالجتماعية الغلبية ال�سكان»‪.‬‬
‫‪ .2‬تقرير «كارنيغي» حول اال�صالحات‪ 29:‬ا�شار التقرير اىل ان اال�صالحات‬
‫االقت�صادية التي متت جاءت عادة نتيجة «ردة فعل ملواجهة ازمات‬
‫داخلية حادة او �ضغوط خارجية»‪ .‬واعترب ان «نظرة على اقت�صادات‬
‫املنطقة ت ؤ�كد انه ال االقت�صادات التي تعتمد على النفط‪ ،‬وال االقت�صادات‬
‫التي ال تعتمد عليه‪ ،‬قامت بتنفيذ ا�صالح �شامل من النوع الذي يعزز‬
‫انتاجية قوية‪ ،‬او يخلق منوا م�ستداما على املدى الطويل ويزيد العمالة‬
‫بدرجة م ؤ�ثرة»‪ .‬وا�ضاف‪« ،‬ان تفاقم امل�شاكل االجتماعية واالقت�صادية‬
‫قد ا�ستمر‪ ،‬وانها‪ ،‬ا�ستنادا على ارقام ‪ ،2005‬قد «ا�شتملت على‬
‫ازدياد البطالة والفقر والدين العام»‪ .‬وف�رس التقرير ذلك بثالثة عوامل‬
‫رئي�سية‪:‬‬

‫االول‪ :‬رغم وجود اجماع ظاهري على �رضورة اال�صالح‪،‬‬ ‫{‬

‫‪ - 29‬اعداد �سفيان العي�سة‪« .‬حتديات اال�صالح االقت�صادي يف العامل العربي‪ :‬نحو اقت�صادات‬
‫اكرث انتاجية»‪ .‬اوراق كارنيغي‪� .‬سل�سلة ال�رشق االو�سط‪ .‬مركز كارنيغي لل�رشق االو�سط‪ .‬مايو‪/‬‬
‫ايار ‪.2007‬‬

‫‪81‬‬
‫غري انه «ال يوجد ادراك م�شرتك (لدى احلكومات وقادة‬
‫رجال االعمال واملجتمع املدين) ملا يعنيه اال�صالح وما‬
‫ي�ستتبعه من تداعيات»‪.‬‬
‫{ الثاين‪ :‬تعاين الدول وامل ؤ��س�سات من نق�ص يف القدرة على‬
‫الت�صميم‪ ،‬وادارة برامج اال�صالح‪ ،‬وهذا ما ي�ستدعي‬
‫الت�سا ؤ�ل هل ان احلكومات حتاول ان تكون انتقائية فيما‬
‫يخت�ص مبكونات اال�صالح؟‬
‫{ الثالث‪ :‬املقاومة التي اظهرتها «النخب املتوطدة»‬
‫لال�صالحات التي «قد تلحق ال�رضر مب�صاحلها االقت�صادية او‬
‫ال�سيا�سية»‪.‬‬
‫باال�ستناد اىل كل ذلك‪ ،‬يرى التقرير ان االنظمة العربية وجدت نف�سها بني امرين‬
‫الزاميني متناق�ضني‪ .‬من جهة‪« ،‬املحافظة على اال�ستقرار وعلى حكمها واحلالة‬
‫الراهنة ال�سيا�سية واالقت�صادية»‪ .‬ومن جهة اخرى‪« ،‬مواجهة م�شاكل اجتماعية‬
‫واقت�صادية مزمنة من خالل تنفيذ ا�صالحات جوهرية تنقل البلد نحو اقت�صاد اكرث‬
‫انتاجية»‪ .‬وخل�ص التقرير اىل ان احلكومات العربية قد ف�ضلت «االمر االلزامي‬
‫االول»‪ ،‬واختارت «تطبيق برامج غري مثرية للجدل واجراء تعديالت ثانوية‬
‫�ضمن منوذج االقت�صاد اخلا�ضع ل�سيطرة الدولة بدال من ال�رشوع يف تنفيذ حتول‬
‫اقت�صادي»‪.‬‬
‫‪ .3‬تقرير التناف�سية ‪ ،2007‬احلفاظ على زخم النمو‪ .‬جاء يف هذا التقرير الذي‬
‫ا�صدره املنتدى االقت�صادي العاملي‪ ،‬ان العامل العربي ي�شهد معدالت منو‬
‫عالية لل�سنة الرابعة على التوايل وذلك بف�ضل ارتفاع ا�سعار النفط بدرجة‬
‫ا�سا�سية‪ .‬كما اعترب «ان جهود اال�صالح املا�ضية ا�سهمت يف حتقيق هذه‬
‫النتائج املتفوقة»‪ .‬وذكر التقرير ان ال�سنوات املا�ضية �شهدت «ترجمة‬
‫عديد من املبادرات بنجاح على ار�ض الواقع»‪ .‬وان التفاوت يف وترية‬
‫اال�صالح من بلد عربي اىل �آخر امر طبيعي بحكم تنوع االقت�صادات‬
‫العربية‪ .‬و”لكن بالرغم من هذه النربة التفا ؤ�لية التي كتب بها التقرير‪،‬‬

‫‪82‬‬
‫اال انه اعترب‪ ،‬يف املقابل‪ ،‬ان املنطقة ال تزال بعيدة عن حتقيق قدرات‬
‫النمو الكاملة املتوفرة فيها‪ .‬وانها يف حاجة اىل ت�رسيع ن�سق اال�صالحات‬
‫م�شريا باخل�صو�ص اىل ان املخرجات التعليمية مقلقة للغاية ال �سيما اذا‬
‫ما اخذنا بعني االعتبار معدالت البطالة املرتفعة يف العديد من الدول‪،‬‬
‫ون�سب االمية العالية»‪ .‬واذ ايد التقرير بع�ض القرارات والتو�صيات‬
‫ودافع عنها‪ ،‬خا�صة تلك املرتبطة باحلد من تدخل احلكومات يف �سوق‬
‫العمل‪ ،‬واالنتقال اىل ا�صالحات �شاملة‪ ،‬وتطوير القطاع اخلا�ص‪،‬‬
‫وحتقيق اندماج ا�رسع يف التجارة العاملية‪ ،‬وحتقيق امل�ساواة بني اجلن�سني‬
‫واحلكم الر�شيد‪ ،‬فان التقرير دعا اىل نقا�شها من قبل منظمات املجتمع‬
‫املدين وذلك لقيا�س اثرها الفعلي‪ ،‬والتوقف عند تداعياتها على احلقوق‬
‫االقت�صادية واالجتماعية لعموم املواطنني‪ ،‬وخا�صة الفئات االجتماعية‬
‫االكرث فقرا‪( .‬نف�س املرجع ال�سابق)‬

‫ا�صالحات اجلامعة العربية عنوان ا�ضايف يف ور�شة اال�صالح العام‪.‬‬ ‫{‬

‫ح�ضور ملتب�س وهوية غري حا�رضة وغري بارزة‬

‫�صحيح ان ور�شة اال�صالح التي اطلقتها اجلامعة العربية جاءت بفعل دفع وتبني‬
‫م ؤ��س�سة القمة فيها لذلك والدعوة ال�رصيحة باجتاهها‪ .‬وهي جاءت مواكبة جلملة‬
‫اال�صالحات التي اطلقتها خمتلف الدول العربية مب�سارات خمتلفة وبازمنة متفاوته‬
‫وبايقاعات متنوعة‪ .‬ويف املقابل‪ ،‬فان النتائج التي اخذت بالظهور انحكمت هي‬
‫اي�ضا مبجمل هذه الفروقات والتفاوتات‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فان النتائج العامة واالولية‬
‫التي توقفت عندها التقارير امل�شار اليها �سابقا‪ ،‬قد طالت تقييم املح�صالت‬
‫االجمالية ملجمل الور�شة اال�صالحية العامة يف املنطقة ونتائجها املحققة‪ .‬وهي‬
‫حتتاج‪ ،‬بطبيعة احلال‪ ،‬اىل متابعة وتدقيق يف بعدها العام‪ ،‬ويف النتائج القطاعية‪،‬‬
‫على م�ستوى جممل بلدان املنطقة وعلى م�ستوى كل دولة من دولها‪ .‬وكذلك‬
‫هي حتتاج اىل او�سع ور�شة نقا�شية بهدف تدقيقها وتقييم خال�صاتها‪ ،‬خا�صة‬

‫‪83‬‬
‫يف بعدها االجتماعي والدميوقراطي‪ ،‬يف ظل التفاوت املو�ضوعي ملواقع خمتلف‬
‫القوى االقت�صادية واالجتماعية املنخرطة فيها واملت أ�ثرة بنتائجها‪.‬‬
‫وان كان هناك من مالحظات ميكن ان ن�سجلها يف هذا ال�سياق‪ ،‬فامنا ترتكز على‬
‫غياب اية ا�شارة‪ ،‬يف هذه التقارير‪ ،‬اىل حماوالت اجلامعة العربية كم ؤ��س�سة تقود‬
‫ور�شة ا�صالحية خا�صة على هذا ال�صعيد‪ .‬ومما يربز خ�صو�صية ذلك‪ ،‬كون اجلامعة‬
‫وبع�ض م ؤ��س�ساتها‪ ،‬وهي هنا املجل�س االقت�صادي واالجتماعي‪ ،‬قد اناطت بها‬
‫م ؤ��س�سة القمة تقدمي توجهاتها اال�صالحية من اجل نقا�شها وتبنيها‪ ،‬وهو ما‬
‫ح�صل كما �سبق وا�رشنا‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فان جممل هذه املالحظات النقدية‪ ،‬مل تقدم‬
‫اي ا�شارات تقييمية الدوار اجلامعة ونتائج ذلك‪ ،‬االمر الذي يرتب على كافة‬
‫املعنني‪� ،‬رضورة مواجهة هذه املهمة التقييمية‪ .‬وال ب أ��س ان يكون ذلك عنوانا من‬
‫عناوين املنتديات العديدة التي ت�شهدها املنطقة وبخا�صة تلك التي تنظمها هيئات‬
‫ومنظمات املجتمع املدين العربي‪ .‬وبانتظار بلورة ذلك‪ ،‬تبقى الور�شة التقييمية‬
‫النقدية التي نظمها مركز درا�سات الوحدة العربية‪ ،‬وا�رشنا اليها يف العديد من‬
‫جماالت هذه الدرا�سة‪ ،‬هي املقاربة اال�شمل واالبرز لتناول دور م ؤ��س�سة اجلامعة‪.‬‬
‫وتبقى النقا�شات التي طالت هذه امل ؤ��س�سة‪ ،‬خا�صة جلهة ا�سرتاتيجياتها و�آليات‬
‫عملها‪ ،‬نقا�شات راهنة حتتاج للمتابعة والتعميق‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫خال�صات‬

‫ـ حتديات امام قمة التنمية االقت�صادية االجتماعية العربية‬

‫ان جممل املبادرات اال�صالحية التي مت عر�ضها‪ ،‬وباالخ�ص منها تلك التي اطلقتها‬
‫جامعة الدول العربية‪ ،‬ت ؤ�كد على احلاحية مهمة اال�صالح بكافة م�ستوياته‪ ،‬كما‬
‫ت ؤ�كد على �رضورته وراهنيته‪ .‬التحديات تكرب يف عامل ي�شهد جملة من التغيريات‬
‫اال�سرتاتيجية العميقة التي ال ترتك اية منطقة يف العامل خارج ت أ�ثرياتها املختلفة‪.‬‬
‫وحتتل مهمات التكيف واالندماج االولوية على جدول اعمال كل املعنيني‬
‫بذلك‪ ،‬خارج رغباتهم وم�صاحلهم احلقيقية‪ .‬فهذه «الوجبة» اال�صالحية ملزمة‬
‫و�سط اجلدل الكبري بخ�صو�ص �رشوطها و�آلياتها وحقيقة النتائج املتوخاة منها‪.‬‬
‫ولي�س من املبالغة القول ان املنطقة العربية حتتل و�سط هذه «الور�شة اال�صالحية‬
‫العاملية» موقعا خا�صا بامتياز بفعل جملة اخل�صائ�ص اجليوبوليتيكية واالقت�صادية‬
‫وااليديولوجية التي متيزها‪ .‬ان منطقتنا تقع يف «عني العا�صفة اال�صالحية العاملية»‬
‫بامتياز‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فان متابعة ملف اال�صالحات فيها من قبل هذا احل�شد الدويل‬
‫واالقليمي ميثل تعبريا طبيعيا ُيتوقع ا�ستمراره وت�صاعده‪ .‬وهذا يعني املزيد من‬
‫املبادرات اال�صالحية املقرتنة بح�شد من املحفزات واملغلفة ب�ضغوطات متنوعة‬
‫ي�صل بع�ضها اىل التدخل املبا�رش مذكرا ب�صيغ الهراوات املغلفة باحلرير الناعم‬

‫‪85‬‬
‫وو�سط كم كبري من الكالم الزهري واجلميل‪.‬‬
‫يف اجلهة املقابلة‪ُ ،‬يتوقع ان ي�ستمر زخم اطالق املبادرات من خمتلف اجلهات‬
‫العربية املعنية‪ ،‬كما هو حا�صل يف ال�سنوات االخرية‪ ،‬حتت عناوين ا�صالحية‬
‫ويف جماالت خمتلفة‪ .‬يرتافق اطالق املبادرات مع ن� ؤ‬
‫ش� جملة من املنتديات واالطر‬
‫التي تنخرط‪ ،‬من مواقعها املختلفة‪ ،‬يف هذه الور�شة ووفق اجندات خا�صة بها‬
‫وباجلهات الدولية واالقليمية التي تنخرط ب�رشاكات متنوعة معها‪.‬‬

‫بني الفردانية ومهام التن�سيق والت�شبيك‬ ‫{‬

‫ش� املنتديات واالطر التي تت�صدى للملف اال�صالحي يف‬ ‫ان ما مييز حركة ن� ؤ‬
‫املنطقة العربية انها تتم و�سط حالة من «الفردانية» املفرطة القائمة على تعامل‬
‫كل منها مع امللف اال�صالحي من «حلظة ال�صفر» التي ت�صيغها هي مبعزل عن‬
‫ما مت اجنازه مو�ضوعيا من قبل االخرين‪ ،‬على هذا ال�صعيد‪ .‬ان حالة الت�شظي‬
‫التي تعي�شها مبادرات املنتديات وهيئات املجتمع املدين العربي واجلهات الر�سمية‬
‫العربية‪ ،‬ت�سجل املزيد من تفاقم هذا احلال‪ ،‬دون ا�سقاط بع�ض املحاوالت‬
‫التن�سيقة ومبادرات اقامة �رشاكات وت�شبيك متت يف املرحلة االخرية‪ .‬وتتحول‬
‫يف هذا الواقع دعوات العمل امل�شرتك اىل دعوات دون م�ضمون حقيقي‪ .‬وتعرب‬
‫عن رغبات دعائية معلنة دون جهد حقيقي يف هذا االجتاه‪ ،‬االمر الذي يطرح‬
‫م�صداقية هذه اخليارات وهل هي خيارات جدية ومهمات مطلوبة يف حقيقة‬
‫االمر؟‪.‬‬
‫ان اال�ستنتاج اال�سا�س الذي ن�سجله على هذا ال�صعيد‪ ،‬يقوم على اعتبار ان مهمة التن�سيق‬
‫والت�شبيك بني هذه املنتديات والهيئات‪ ،‬من جهة‪ ،‬وبينها وبني اجلهات الر�سمية العربية‬
‫الداعية واملنخرطة يف م�شاريع ا�صالحية‪ ،‬يفرت�ض ان حتتل موقعا اولويا على جداول‬
‫اعمالها يف املرحلة الراهنة‪ .‬واي ت أ�خري على هذا ال�صعيد يزيد من ت�آكل ار�صدتها‬
‫وم�صداقيتها ويعزز مناخات الت�شكيك يف م�شاريعها التي ُي�سجل عليها ارتباطها‬
‫مب�ستويات عالية من االهدار يف اجلهود واالمكانات‪ ،‬االمر الذي يفرت�ض مقاربته‬

‫‪86‬‬
‫بجر�أة نقدية وبنقا�ش علني ومبهمات و�آليات حمددة للمواجهة‪.‬‬
‫وبطبيعة احلال‪ ،‬فان مهمة الت�شبيك هي بطبيعتها مهمة مفتوحة ال ميكن ان ن�صيغ‬
‫لها حدودا حا�سمة ن أ��رس املنتديات وهيئات املجتمع املدين العربي والعاملني‬
‫امل�شرتكني �ضمنها ونعطل مبادراتهم وتنوعهم وتفاوت اهتماماتهم وخططهم‬
‫وا�سرتاتيجياتهم‪ .‬وبقدر ما تت�ضمن فكرة الت�شبيك وم�شاريعها من التزامات‬
‫وتقاطعات م�شرتكة‪ ،‬فانها ال ُيفرت�ض ان تُ�سقط ابدا مبد�أ اال�ستقاللية والتنوع‬
‫واملبادرة اخلا�صة لكل من مكوناتها واطرافها‪.‬‬
‫يف املقابل‪ ،‬فان فكرة اال�ستقاللية وحرية كل مكون من مكونات املجتمع‬
‫املدين العربي‪ ،‬ال تقوم بال�رضورة بالت�ضارب والتناق�ض مع م�رشوع الت�شبيك‬
‫املطلوب والذي تفر�ضه جملة الهموم امل�شرتكة والتقاطعات املو�ضوعية التي‬
‫تر�سمها التجربة املحققة واملهمات امل�شرتكة يف اطار خمتلف االطر االجتماعية‬
‫واالقت�صادية والثقافية واملدنية العربية‪.‬‬
‫ان طبيعة واهداف مهمة التن�سيق والت�شبيك ال ترت�سم خارج الق�ضايا والربامج‬
‫التي تقوم باال�ستناد اليها‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فهي لي�ست باملهمة املطلقة بذاتها خارج‬
‫حتديدها ربطا بهذه الق�ضايا وبراجمها و�آلياتها‪ .‬وان كان من عناوين ميكن اطالقها‪،‬‬
‫يف جمال تو�صيف هذه العملية التن�سيقية الت�شبيكية‪ ،‬فهي ترتاوح بني ت أ�مني اف�ضل‬
‫فعالية واغزر انتاجية يف حقل النتائج املادية املرتبطة مب�شاريع واهتمامات تنموية‬
‫اقت�صادية واجتماعية وخالفها‪ ،‬و�صوال اىل تعزيز قيم التعاون والعمل امل�شرتك‬
‫وتفعيل االنخراط املدين يف متابعة ال� أش�ن العام وق�ضاياه كقيمة اجتماعية و�سيا�سية‬
‫وثقافية حتمل كل االهمية بذاتها‪.‬‬
‫ا�ستنادا اىل ما �سبق‪ ،‬فان مهمة التن�سيق والت�شبيك مفتوحة على كل املبادرات‬
‫بني خمتلف مكونات املجتمع املدين العربي‪ .‬وهي ترتاوح بني كونها ميكن ان‬
‫تتم ربطا بن�شاط قطاعي حمدود ويف بلد معني ويف منطقة حمددة‪ ،‬و�صوال اىل‬
‫ال�رشاكات القائمة على برامج متقدمة يف جمال العمل التنموي خارج احلدود‬
‫القطاعية ال�ضيقة وخارج ا�سوار البلدان واملناطق‪.‬‬
‫لقد �شكلت املبادرات املحدودة جدا التي اطلقتها بع�ض م ؤ��س�سات املجتمع املدين‬

‫‪87‬‬
‫العربي‪ ،‬وتطرقنا اليها يف منت البحث‪ ،30‬ا�شارة اىل بدء مرحلة جديدة وخجولة‬
‫على هذا ال�صعيد‪ .‬وهي‪ ،‬بالرغم من حداثتها وحمدودية القوى املنخرطة فيها‪،‬‬
‫فانها تطلق عملية هامة وت أ��سي�سية على هذا ال�صعيد‪ .‬وهي تنتج حلقات‪ ،‬ال بد‬
‫�ستت�سع وتتعمق ت أ�ثرياتها كما الدوائر التي يحدثها وقوع حجر �صغري يف بركة‬
‫املياه‪ ،‬ا�ستنادا اىل حقيقة امل�صالح والتقاطعات املو�ضوعية‪ ،‬من جهة‪ ،‬و�صوال اىل‬
‫بلورة وعي اهمية الت�شبيك والتن�سيق كحقيقة و�رضورة اكدت عليها وابرزتها‬
‫خمتلف االدبيات التنموية احلديثة لت�صبح عمادا من اعمدة اية مقاربة تنموية ب�رشية‬
‫معا�رصة‪ ،‬من جهة اخرى‪.‬‬
‫يف هذا املجال‪ ،‬يرت�سم الدور اجلديد الذي اطلقه امل�رشوع اال�صالحي المني عام‬
‫جامعة الدول العربية وتوجهه اىل تفعيل ال�رشاكة والت�شبيك مع املجتمع املدين‬
‫العربي‪ ،‬حيث �سيمثل هذا الدور‪ ،‬يف حال تثبيته وتفعيله واعادة ت أ�كيده يف القمة‬
‫العتيدة‪ ،‬عنوانا ا�سا�سيا لدفع واقع الت�شبيك بني منظمات واطر املجتمع املدين‬
‫العربي اىل االمام‪ ،‬وان تلعب االمانة العامة جلامعة الدول العربية دورا مركزيا‬
‫حمفزا على هذا ال�صعيد‪ .‬فهل لهذا الدور من امكانية؟ وهل املراهنة على ذلك‬
‫واقعية؟ وهل القرار ال�سيا�سي بذلك موجود؟ ام اننا امام جولة جديدة من الوعود‬
‫واالمال املهدورة؟‬

‫«املراكمة اال�صالحية» بني ال�ضعف الراهن واحلاجة املركزية‬ ‫{‬

‫ا�ستنادا اىل كل ذلك‪ ،‬حتتل ق�ضية «املراكمة اال�صالحية» اوىل التحديات املطروحة‬
‫على جممل املعنيني يف هذا املجال‪ .‬ومتثل‪ ،‬بالتايل‪ ،‬احدى املهمات اال�سا�سية‬
‫املطروحة على جدول اعمال املنتديات وهيئات املجتمع املدين العربي وم ؤ��س�سة‬
‫اجلامعة العربية‪ .‬ان هم «املراكمة اال�صالحية» يحتاج يف هذه املرحلة اىل ما هو‬
‫اكرث من الدعوات املبدئية اىل تبنيه‪ ،‬مع اهمية ذلك‪ .‬انه يحتاج اي�ضا اىل بلورة‬

‫‪ - 30‬راجع التجربة املحققة ل�شبكة املنظمات العربية غري احلكومية للتنمية بني البدايات‬
‫واالدوار الراهنة يف اطار ال�رشاكات املتنوعة التي اطلقتها وتتابعها على امل�ستوى العربي العام‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫�آليات وا�ضحة ت�سمح بالت�صدي ملوجبات ذلك يف الواقع عرب مبادرات ملمو�سة‬
‫وخا�صة على هذا ال�صعيد‪.‬‬
‫ان الور�شة اال�صالحية التي اطلقتها جامعة الدول العربية‪ ،‬وبعد �سنوات على‬
‫انطالقتها‪ ،‬تواجه ب�صورة خا�صة ازمة املراكمة التي ا�رشنا اليها‪ .‬وا�ضافة اىل ان‬
‫وت�شبك على ومع ما تقدمه املنتديات واالطر التي‬ ‫ِّ‬ ‫هذه الور�شة ال تبني وتراكم‬
‫تت�صدى للملف اال�صالحي يف اطار جهود املجتمع املدين العربي على هذا‬
‫ال�صعيد‪ ،‬فانها ال تراكم اي�ضا على ما قدمته م ؤ��س�سات اجلامعة العربية نف�سها يف‬
‫حمطات �سابقة‪ .‬وهذا ما يفاقم من ا�شكالية غياب «املراكمة اال�صالحية» التي‬
‫نُ�سجلها على امل�ستوى العربي العام‪ .‬ومن النماذج الفاقعة حول ذلك‪ ،‬انه ويف‬
‫اطار دورات املجل�س االقت�صادي االجتماعي‪ ،‬دورة عمان العادية ‪ 5/6‬متوز‪/‬‬
‫يوليو ‪ ،1988‬مت نقا�ش تقرير فريق من اخلرباء حول الهيكلية اخلا�صة باملنظمات‬
‫العربية املتخ�ص�صة‪( .‬راجع ا�صالح اجلامعة �ص‪ .)244/245 :‬ويف هذا االطار‪،‬‬
‫مل يوافق املجل�س حينها على مقرتح فريق العمل بان�شاء منظمة عربية للتنمية‬
‫االجتماعية‪ ،‬حيث اناط بع�ض مهامها اىل منظمات عربية اخرى‪ .‬فهل ميثل هذا‬
‫اجلهد اال�صالحي ال�سابق ا�سا�سا العادة البناء عليه يف املرحلة الراهنة؟ وهل ميكن‬
‫ان ميثل هذا التوجه ا�سا�سا متوقعا ملقاربة قمة التنمية االقت�صادية واالجتماعية‬
‫العتيدة؟ وهل ان �صيغة منظمة عربية للتنمية االجتماعية ما زالت متثل خيارا‬
‫راهنا؟‬
‫ان التناق�ضات ال�سيا�سية املتفاقمة على م�ستوى النظام الر�سمي العربي وتعذر‬
‫حتقيق اجنازات وحلول حا�سمة و�رسيعة على هذا ال�صعيد يف اال�شهر القادمة‬
‫وقبل انعقاد قمة التنمية العتيدة‪ ،‬تطرح جملة من التحديات التي تهدد هذه القمة‬
‫وتهدد اجنازاتها املتوقعة واالمال املعقودة عليها والتي كانت يف ا�سا�س الدعوة‬
‫اليها‪ .‬وفيما تتفاقم هذه التناق�ضات‪ ،‬ترت�سم يف املنطقة وربطا مبجمل التطورات‬
‫االقت�صادية واالجتماعية فيها‪ ،‬جملة من التحديات التي تطرح احلاجة اىل تنظيم‬
‫مواجهات م�شرتكة انطالقا من امل�صالح والتقاطعات املو�ضوعية بني �شعوبها‪.‬‬
‫فقد اظهرت ازمة الغذاء العاملية الراهنة وما تركته من ت أ�ثريات عميقة على بع�ض‬

‫‪89‬‬
‫�شعوب املنطقة‪ ،‬احلاجة اىل و�ضع ا�سرتاتيجيات م�شرتكة ملواجهة هذا الواقع‬
‫اجلديد وت أ�مينا ملواجهة تداعياته االجتماعية اخلطرية واملتفاقمة‪ .‬وان كان من‬
‫ال�صعوبة مبكان‪ ،‬ربطا باالو�ضاع ال�سيا�سية الراهنة التي يعي�شها هذا النظام الر�سمي‬
‫العربي‪ ،‬خلق توافقات �سيا�سية �رسيعة ت�سمح يف التخفيف من حدة ازمة اخليارات‬
‫ال�سيا�سية اال�سرتاتيجية التي يعي�شها‪ ،‬فان التحديات اال�سا�سية التي تواجهها قمة‬
‫التنمية العتيدة تقوم حتديدا بالقدرة على خلق توافقات احلد االدين يف امل� أس�لة‬
‫االقت�صادية االجتماعية ربطا ب�سيا�سة امل�صالح واحلاجات‪ .‬وقد تكون عملية اعادة‬
‫اطالق املنظمة العربية للتنمية االجتماعية اطار من اطر مواجهة االزمة االقت�صادية‬
‫االجتماعية الراهنة‪ .‬اال ان ذلك يبقى يف دائرة التدابري االجرائية التي ال تقوم‬
‫وت�ستوي خارج حتدي الر ؤ�ية التنموية وال�سيا�سات اخلا�صة بذلك‪ .‬فهل هذه‬
‫القمة ويف هذه الظروف قادرة على خو�ض هذا التحدي؟؟‪.‬‬

‫ق�ضايا‪ :‬مهام وحتديات‬ ‫{‬

‫ا�ستنادا اىل ما �سبق‪ ،‬ف إ�ن قمة التنمية االقت�صادية االجتماعية العربية مطالبة ب إ�عادة‬
‫تبني واطالق ما مت اقرتاحه يف مرحلة �سابقة جلهة و�ضع ا�سرتاتيجية العمل االقت�صادي‬
‫العربي امل�شرتك‪ ،‬التي طالبت باقامة نظام اقت�صادي عربي جديد يت�سم بالتكامل‬
‫املحقق للتنمية ال�شاملة‪ ،‬وميثل منطا من تق�سيم العمل داخل العامل العربي يحقق‬
‫التطور والتحرر لبلدانه‪ .‬فهل الرهان على ذلك ممكن؟؟‪.‬‬
‫كذلك‪ ،‬فان هذه القمة مطالبة اي�ضا ان تعيد ما متت مقاربته �سابقا جلهة اطالق‬
‫عقد التنمية العربية امل�شرتكة‪ .‬فهل �ستنجح يف ذلك؟؟‪.‬‬
‫اما املقرتحات ال�سابقة جلهة االتفاقية املوحدة ال�ستثمار ر ؤ�و�س االموال العربية يف‬
‫البلدان العربية التي ن�صت على مبد�أ «املواطنة االقت�صادية»‪ ،‬مبعاملة امل�ستثمر العربي‬
‫مهما كانت جن�سيته باالحكام نف�سها التي ت�رسي يف اي بلد على مواطنيه‪ ،‬فهي‬
‫ما زالت حتمل راهنية وتعك�س احلاحية وتت�ضمن التربيرات الالزمة‪ .‬فهل �ست�ستعاد‬
‫هذه اخلطوة وتف ّعل؟؟‪.‬‬
‫لقد طالبت العديد من الوثائق اال�صالحية ال�سابقة التي عرفتها م ؤ��س�سة اجلامعة‬

‫‪90‬‬
‫العربية‪ ،‬يف اطار اولوياتها‪ ،‬باقامة ن�شاط تخطيطي على امل�ستوى العربي ين�شغل بتح�ضري‬
‫خطة للتنمية العربية امل�شرتكة ومتابعة تنفيذها‪ ،‬ويتمتع بحد ادنى متزايد من االلزامية‪ .‬ويف‬
‫اللية املطلوبة‪ ،‬مت اقرتاح ان يكون هذا الن�شاط التخطيطي م�ستمرا يف �شكل‬ ‫اطار آ‬
‫خطط خم�سية تبد�أ يف عام ‪ .1981‬فهل ما كان مطروحا ومت جتاوزه‪ ،‬فيما مل يزل‬
‫يحتفظ براهنيته‪ ،‬ميكن ان ي�ستعاد ويف ّعل خالل القمة العتيدة؟؟‬
‫ا�شكالية االزدواجية يف عمل املنظمات العربية املتخ�ص�صة‪� ،‬شهدت بدورها حماوالت‬
‫ا�صالحية متعددة وبقيت اجنازاتها حمدودة‪ .‬متيزت اغلب املحاوالت ال�سابقة‬
‫بتغليب البعد االداري والتقني يف ادارة هذا امللف‪ .‬وقد �شكل مطلب مواجهة‬
‫هذه االزدواجية هما دائما لدى العديد من املهتمني واملخت�صني‪ ،‬وم�صدرا‬
‫لتو�صيات متوا�صلة على هذا ال�صعيد‪ .‬فهل بامكان قمة التنمية العتيدة املراكمة‬
‫على هذا اجلهد املهدور؟؟‪.‬‬
‫اما ب�صدد الدور املركزي الذي اناطه امل�رشوع اال�صالحي المني عام جامعة الدول‬
‫العربية باملجل�س االقت�صادي واالجتماعي‪ ،‬فهل ميكن اخراجه من اطار الرتتيب االداري‬
‫بر�ية تنموية‪ ،‬مطلوبة باالولوية من هذه القمة العتيدة‪ ،‬تت�صدى‬ ‫االجرائي وربطه ؤ‬
‫ال�شكالية تغليب القومي االيديولوجي يف ر�سم اخليارات واملواقف العامة‪،‬‬
‫وتعيد االعتبار اىل البعد القائم على ق�ضايا امل�صالح امل�شرتكة التي ت�شكل التنمية‬
‫احدى ابرز ركائزها؟؟؟‪ .‬وهل تتيح عملية تبني واطالق املنظمة العربية للتنمية‬
‫االجتماعية ت�شكيل مدخل ا�سا�س ملعاجلة ا�شكاليات االزدواجية وازمة التوازنات‬
‫بني االجهزة العربية الر�سمية النا�شطة يف احلقل االقت�صادي واالجتماعي؟؟‪ .‬وهل‬
‫ميكن يف �ضوء ذلك و�ضع تر�سيمة جديدة لعالقة االجهزة املخت�صة الراهنة وحل‬
‫ا�شكاالت التوازنات التي ا�رشنا اليها خالل البحث‪ ،‬وبخا�صة يف عالقة املجل�س‬
‫االقت�صادي واالجتماعي وجمل�س الوحدة االقت�صادية‪.‬‬

‫اولوية ؤ‬
‫الر�ية التنموية‬ ‫{‬

‫ان قوى وهيئات ومنتديات واطر املجتمع املدين العربي مطالبة اليوم‪ ،‬ويف اطار‬
‫امل�شاركة يف التح�ضريات املطلوبة لقمة التنمية العتيدة‪ ،‬بان ت�صيغ مقارباتها التي‬

‫‪91‬‬
‫ت�ضم ُنها ر ؤ�يتها ملا هو مطلوب من هذه القمة‪ ،‬وما هي الق�ضايا التي يفرت�ض العمل‬
‫ِّ‬
‫يف �سبيل طرحها واثارتها يف مباحثات هذه القمة‪ .‬وال بد لهذه الفعاليات من ان‬
‫تن�شط باجتاه بلورة العناوين اال�سا�س امل�شرتكة كي تعطي حلركتها الفعالية املطلوبة‬
‫وال�ضغط الالزم من اجل النفاذ اىل جدول اعمال هذه القمة والت أ�ثري بنتائجها‪.‬‬
‫ان م�سعى التحرك باجتاه الت أ�ثري على جدول اعمال‪ ،‬وبالتايل نتائج هذه القمة‪،‬‬
‫يجب ان يتم دون مبالغات وبواقعية �شديدة‪ ،‬خا�صة وان العديد من اجلهات‬
‫الر�سمية العربية‪ ،‬كانت وما زالت‪ ،‬تنظر بريبة كبرية وبح�سا�سية متوترة جتاه‬
‫قوى هذا املجتمع املدين يف بلدانها والتي ت�صل يف العديد من احلاالت اىل‬
‫حدود انتهاج �سيا�سة قمعية على هذا ال�صعيد‪ ،‬حتا�رص من خاللها هذه املنظمات‬
‫وتعطل ادوارها وتقفل مراكزها وتعتقل قياداتها وتزرع ال�شك والتخوين ب�صدد‬
‫م�شاريعها وتعطل امكانيات توا�صلها مع الر�أي العام فيها‪.‬‬
‫وقد يكون ا�ستحقاق هذه القمة منا�سبة الطالق �سل�سلة من املبادرات يف اطار‬
‫املجتمع املدين العربي‪ ،‬وبخا�صة من القوى الرائدة يف حقل الت�شبيك والعمل‬
‫امل�شرتك‪ ،‬يف �سبيل خلق دينامية البحث امل�شرتك يف هذه امللفات وخلق �رشوط احلد‬
‫االدنى من املقاربة امل�شرتكة ب�صددها وتعزيز فر�ص الت أ�ثري وال�ضغط املطلوب‪ .‬وما‬
‫املبادرة التي اطلقتها وتتابعها ال�شبكة العربية للمنظمات غري احلكومية للتنمية‪،‬‬
‫يف هذا ال�صدد‪� ،‬سوى منوذج ت أ��سي�سي على هذا ال�صعيد‪.‬‬
‫ان عملية البحث امل�شرتك لقوى املجتمع املدين العربي مطالبة بان تخرج من‬
‫دائرة البحث املبدئي والذي يطال اال�سا�سيات‪ ،‬مع اهمية ومركزية ذلك‪ ،‬اىل‬
‫بلورة جملة من اخلال�صات االولية امل�شرتكة التي تت�صدى مل� أس�لة االولويات التي‬
‫تطالب بها القمة العربية وتدعوها اىل االخذ بها وتن�شط يف �سبيل تكوين «لوبي»‬
‫خا�ص على امل�ستوى الر�سمي واملدين العربي �ضاغط ونا�شط يف �سبيل الرتويج‬
‫لذلك‪.‬‬
‫يف هذا ال�سياق‪ ،‬فاننا نعتقد ان املفتاح اال�سا�س والتو�صية املركزية‪ ،‬التي �ستقوم‬
‫باال�ستناد اليها جممل التو�صيات االخرى‪ ،‬هي م� أس�لة الر ؤ�ية التنموية التي يفرت�ض‬
‫ان تر�سم اطار التوازن املطلوب والر ؤ�ية ال�رضورية للعمل العربي امل�شرتك امل�ستند‬

‫‪92‬‬
‫اىل م� أس�لة معادلة االيديولوجيا او امل�صالح يف ر�سم ال�سيا�سات‪.‬‬
‫اىل ذلك‪ ،‬فان قوى املجتمع املدين العربي مطالبة بدعوة القمة العتيدة اىل بلورة �آلية‬
‫جديدة‪ ،‬ا�ستنادا اىل اعتبارات ومقاربات خمتلفة‪ ،‬لرتجمة ومتابعة وتفعيل الر ؤ�ية‬
‫التنموية املطلوبة‪ .‬وال ب أ��س يف ان تبادر هذه القوى اىل اقرتاح بع�ض العناوين‬
‫اخلا�صة بذلك والدعوة وال�ضغط يف �سبيل تبنيها‪ .‬وقد تكون بع�ض اخلطوات‬
‫التي ت�ضمنها الق�سم االخري من هذا البحث عناوينا ملقرتحات خا�صة على هذا‬
‫ال�صعيد‪ ،‬وبخا�صة تلك التي تطال املنظمة العربية للتنمية االجتماعية كاطار ا�سا�س‬
‫على م�ستوى االلية املطلوبة لذلك‪ ،‬مع ا�ضافة ا�سا�سية تطال اقرتاح اتاحة املجال‬
‫امام م�شاركة ما لفعاليات من املجتمع املدين العربي يف و�ضع �سيا�سة هذه املنظمة‬
‫وت أ�مني �شكل من ا�شكال امل�شاركة يف ادارتها ان�سجاما مع الدعوة التي ت�ضمنها‬
‫امل�رشوع اال�صالحي االخري الذي اطلقة امني عام اجلامعة العربية ال�سيد عمر‬
‫مو�سى والداعي اىل ت�شجيع ال�رشاكة مع املجتمع املدين العربي‪.‬‬
‫وان كان من ا�ستنتاج ب�صدد ا�ستعرا�ضنا ال�رسيع للخطوات اال�صالحية ال�سابقة‬
‫التي اطلقتها جامعة الدول العربية وم ؤ��س�سة القمة فيها‪ ،‬فاننا ن�سجل ان ما هو‬
‫مطلوب من هذه القمة العتيدة لي�س ا�ضافة م�شاريع وخطط تنموية جديدة‬
‫ت�ضاف اىل الئحة طويلة متت مراكماتها على مدى العقود ال�سابقة و�رسعان ما‬
‫طوتها خزائن اجلامعة‪ ،‬امنا الت�صدي للم� أس�لة اال�سا�س املرتبطة باجلانب ال�سيا�سي‬
‫واخليارات ال�سيا�سية املركزية اخلا�صة يف احلقل االقت�صادي واالجتماعي والر ؤ�ى‬
‫املطلوبة على هذا ال�صعيد‪ .‬فهل ان م ؤ��س�سة القمة قادرة مو�ضوعيا يف �ضوء‬
‫الظروف والتناق�ضات التي ت�شهدها راهنا‪ ،‬على ادارة هذا امللف واي�صاله اىل‬
‫خواتيمه املطلوبة؟؟‪.‬‬

‫اخليارات التنموية بني القراءة االحادية واملركبة‬ ‫{‬

‫ان مقاربة قوى املجتمع املدين العربي‪ ،‬يف اطار ور�شة نقا�شاتها ملجمل هذه‬
‫امللفات‪ ،‬تثري ا�شكالية خا�صة تطال �آلية تناولها وخو�ضها لهذه الور�شة‪ .‬فقد‬

‫‪93‬‬
‫اثار البعد ال�سيا�سي جماال لنقا�ش حاد ب�صدد اخليارات التي تعرب عنها امل�شاريع‬
‫اال�صالحية املطروحة على م�ستوى املنطقة‪ ،‬وبخا�صة تلك التي اطلقتها مو�س�سة‬
‫ن�شد ْت مقاربات‬
‫اجلامعة العربية وادارتها على مدى ال�سنوات االخرية‪ .‬وقد �إ ّ‬
‫بع�ض املهتمني‪ ،‬يف اطار املجتمع املدين العربي‪ ،‬بهذا البعد م�سجلني ا�ستنتاجهم‪/‬‬
‫موقفهم القائم على تعذر اية امكانيات‪/‬توقعات لتحقيق اجناز على م�ستوى امللف‬
‫اال�صالحي ال�سيا�سي يف اطار النظام الر�سمي العربي الذي يعي�ش يف هذه املرحلة‬
‫احدى ادق خما�ضاته امل�صريية التي عرفها منذ قيامته حتى اليوم‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فان هذا‬
‫النظام الر�سمي‪ ،‬بتقديرهم‪ ،‬عاجز عن ادارة ملفه اال�صالحي وحتقيق الوعود‪،‬‬
‫بحيث يتحول الكالم املعلن بهذا ال�صدد اىل عمل دعائي اعالين واعالمي اكرث‬
‫مما هو تعبري عن خيارات حقيقية على هذا ال�صعيد‪ .‬وي�ضيف هذا البع�ض‪ ،‬ان‬
‫هذا الق�صور �سين�سحب بال�رضورة على م ؤ��س�سات العمل الر�سمي العربي امل�شرتك‬
‫وبخا�صة على م ؤ��س�سة جامعة الدول العربية التي تعي�ش كل تداعيات ازمة هذا‬
‫النظام الر�سمي وهو ما �شهدناه يف مقاربتها للعديد من امللفات املتفجرة امل�ستمرة‬
‫واملتفاقمة يف املنطقة‪.‬‬
‫ان جممل االو�ضاع التي تعي�شها املنطقة العربية‪ ،‬وبخا�صة تفاقم تناق�ضات النظام‬
‫الر�سمي العربي التي تتفجر �رصاعات بع�ضها م�سلح يف اكرث من بلد عربي‪،‬‬
‫ا�ضافة اىل خيبات جتربة اال�صالح التي ُاطلقت منذ عقود عرب م ؤ��س�سات اجلامعة‬
‫�سقطة الية مراهنة على‬
‫ِ‬ ‫العربية‪ ،‬كل ذلك يعطي التربيرات الكثرية لهذه املقاربة املُ‬
‫اجنازات ميكن ان تحُ قق يف هذه املرحلة وع�شية انعقاد قمة التنمية االقت�صادية‬
‫واالجتماعية العتيدة‪ .‬ان هذه املقاربة تقف عند حدود البعد ال�سيا�سي لرتى عربه‪،‬‬
‫وعربه فقط‪ ،‬ا�ستحالة حتقيق اية اجنازات ميكن ان يطرحها النظام الر�سمي العربي‬
‫يف امل� أس�لة االقت�صادية االجتماعية يف ظل ازمته ال�سيا�سية البنيوية العميقة‪ .‬اال‬
‫ان هذه املقاربة‪ ،‬على كل ما حتمله من ِج َّد ٍة وما ت�ستند اليه من تربيرات واقعية‬
‫ومن معطيات حقيقية وما تعر�ضه من وعود ر�سمية عربية مهدورة‪ ،‬تبقى ا�سرية‬
‫لبعدها االحادي يف تناولها لهذه امل� أس�لة‪ .‬وهي بذلك ت�سقط �رضورة املقاربة‬
‫املركبة املطلوبة‪ ،‬بر�أينا‪ ،‬وت�سقط بالتايل القدرة على التعامل مع كل املبادرات‬

‫‪94‬‬
‫املطروحة‪ ،‬وبكل الواقعية املطلوبة‪ ،‬مبا ميكن ان ي�سحب منها من عنا�رص ايجابية‬
‫ميكن توظيفها والبناء عليها‪ ،‬اي�ضا بدون اوهام كبرية‪ ،‬مبا يتيح ذلك من فتح فر�ص‬
‫جديدة وخلق توازنات اف�ضل امام ور�شة اال�صالح وامام جممل املهتمني مبتابعة‬
‫ملفاتها‪ ،‬وبخا�صة قوى املجتمع املدين العربي �صاحبة اخليارات الواقعية يف هذا‬
‫املجال‪.‬‬
‫ان منطق هذه املقاربة االحادية‪ ،‬يحا�رص مو�ضوعيا‪ ،‬اية مقاربة ا�صالحية تخرج عن‬
‫املوا�صفات التي حددها ا�صحاب هذه املقاربة االحادية لقراءة ملف اال�صالح‪،‬‬
‫خا�صة يف بعده ال�سيا�سي وادواره‪ .‬كذلك‪ ،‬فانه‪ ،‬اي هذا املنطق‪ ،‬ي�شكك م�سبقا‬
‫يف اية م�رشوعية لهذه امل�شاريع اال�صالحية‪ .‬كما انه يغلق يف املجال امام فتح‬
‫اية نوافذ تتيح التعامل مع هذه املبادرات اال�صالحية ولو بدون اوهام كبرية‪،‬‬
‫امنا ب�شكل مو�ضوعي ي�سعى اىل توظيف بع�ض ما حتمله يف تثقيل قيم اال�صالح‬
‫واحلاجة اليها وتثبيت ذلك يف اولويات خمتلف الربامج املطروحة امام خمتلف‬
‫القوى والهيئات واجلهات املعنية بهذا امللف‪.‬‬
‫اىل ذلك‪ ،‬فان هذه املقاربة االحادية‪ ،‬ت�ضعف امكانيات املقاربة املركبة للملف‬
‫اال�صالحي وتهم�ش �سلفا اجلهود التي ميكن ان تقارب هذا امللف يف م�ستوياته‬
‫االقت�صادية واالجتماعية ا�ستنادا اىل حقيقة امل�صالح املو�ضوعية للفئات االجتماعية‬
‫املعنية على هذا ال�صعيد‪ .‬وبذلك‪ ،‬ت�صبح هذه املقاربة االحادية مو�ضوعيا عن�رصا‬
‫من عنا�رص تعطيل متكني هذه الفئات وحتفيزها من اجل االنخراط وامل�شاركة‬
‫يف متابعة ق�ضاياها والعمل على تعزيز فر�ص حتقيق بع�ض االجنازات التي تطال‬
‫م�صاحلها يف خمتلف م�ستوياتها‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬ثمة فرق كبري بني القول بت أ�كيد اولوية املدخل ال�سيا�سي‪ ،‬والوقوف فقط عند‬
‫ذلك‪ ،‬وبني القول بهذه االولوية دون قطعها عن املقاربات القطاعية والفرعية يف‬
‫مقاربة مركبة مللف اال�صالح‪.‬‬
‫ان حتديات املراكمة وحتديات القراءات االحادية واملركبة‪ ،‬هي حتديات راهنة‬
‫وتًطرح بال�رضورة وباالولوية امام خمتلف املنتديات العربية وفعاليات املجتمع‬
‫املدين العربي يف اطار متابعتها مللفات اال�صالح على تنوعها‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫كذلك‪ ،‬فان هذه التحديات هي حتديات راهنة وتواجه خمتلف هذه املنتديات‬
‫والهيئات يف ترجمة �رشاكتها يف ور�شة التح�ضري لقمة التنمية االقت�صادية‬
‫واالجتماعية العتيدة‪ .‬فكيف �سرتت�سم هذه ال�رشاكة اجلديدة ؟؟‪.‬‬
‫وكيف �س ًترتجم يف هذا اال�ستحقاق امل�صريي املنتظر؟؟‪.‬‬
‫واية ا�سهامات �ستقدم؟؟‪.‬‬
‫للبحث �صلة‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫الئحة املراجع‬

‫مالحظة‪:‬‬
‫ترتيب املراجع اتى ربطا برتتيب ورودها يف الن�ص‪.‬‬ ‫{‬

‫مت ايراد املراجع التي ا�ستخدمت يف منت الن�ص وب�صورة مبا�رشة‪.‬‬ ‫{‬

‫مل تت�ضمن الالئحة املراجع التي تدخل يف دائرة ف�ضاءات الن�ص‪.‬‬ ‫{‬

‫‪ -‬تقرير امني عام جامعة الدول العربية اىل جمل�سها على م�ستوى القمة يف دورته ال�ساد�سة‬
‫ع�رشة (دورة تون�س)‪« .‬من اجل ا�صالح جامعة العربية»‪ .‬من�شورات مركز درا�سات‬
‫الوحدة العربية‪ .‬بريوت‪ .‬الطبعة الثانية ‪.2005‬‬
‫‪� -‬سميح م�سعود‪« .‬العمل االقت�صادي العربي امل�شرتك‪ ،‬بني الطموح والواقع»‪ .‬بحث‬
‫مقدم يف اطار تكرمي يو�سف �صايغ‪ ،‬ون�رش يف كتاب حتت عنوان هموم اقت�صادية عربية‪.‬‬
‫من�شورات مركز درا�سات الوحدة العربية‪ .‬بريوت الطبعة االوىل ‪.2001‬‬
‫‪� -‬سليمان املنذري‪« .‬ا�صالح هيكل العالقة بني اجلامعة واملنظمات املتخ�ص�صة»‪ .‬من اجل‬
‫ا�صالح جامعة الدول العربية‪.‬‬
‫‪ -‬د‪ .‬احمد احمد حويلي‪ .‬رئي�س جمل�س الوحدة االقت�صادية‪ .‬مقابلة اجرتها وكالة �سانا‬
‫ال�سورية الر�سمية ع�شية انعقاد قمة دم�شق‪.26/3/2008 .‬‬
‫‪ -‬تقرير غري من�شور حول «احلقوق االقت�صادية واالجتماعية‪ :‬اطاللة اولية على املبادرات‬

‫‪97‬‬
‫الدولية واالقليمية»‪ .‬من�شورات �شبكة املنظمات العربية غري احلكومية‪.‬‬
‫‪ -‬منى يعقوبيان‪ .‬الرتويج للدميقراطية يف ال�رشق االو�سط‪ .‬اجلزء الثاين‪ .‬املبادرات العربية‪.‬‬
‫معهد ال�سالم االمريكي‪ .‬تقرير خا�ص رقم ‪ .136‬مايو‪ /‬ايار ‪.2005‬‬
‫‪ -‬رغيد ال�صلح‪ .‬من اجل ا�صالح جامعة الدول العربية‪.‬‬
‫‪� -‬صالح الدين اجلور�شي‪« .‬منظمات املجتمع املدين ومع�ضلة التحول الدميوقراطي يف‬
‫العامل العربي»‪ .‬من�شورات �شبكة املنظمات العربية غري احلكومية‪ .‬بريوت‪ .‬اوكتوبر‪/‬‬
‫ت�رشين االول‪.2006 .‬‬
‫‪� -‬شفيق �شعيب‪« .‬احلركة االجتماعية» تاريخية التطوع وحتديات امل�ستقبل‪ .‬من�شورات‬
‫احلركة االجتماعية‪ .‬بريوت‪ .‬متوز ‪.1986‬‬
‫‪ -‬د‪ .‬عبد اهلل �ساعف‪« .‬نحو انفتاح جامعة الدول العربية على املجتمع املدين العربي‪.‬‬
‫بحث قدم اىل ندوة‪« :‬من اجل ا�صالح جامعة الدول العربية»‪ .‬مرجع �سابق‪.‬‬
‫‪ -‬برنامج االمم املتحدة االمنائي‪ .‬برنامج ادارة احلكم يف الدول العربية (‪ .)POGAR‬دليل‬
‫موجز‪ .‬املوقع االلكرتوين ‪www.undp-pogar.org‬‬
‫‪ -‬ملخ�ص ا�سهامات كتاب ونا�شطون عرب يف ور�شة عمل حول «االدارة الر�شيدة يف‬
‫العامل العربي‪ :‬دور م ؤ��س�سات املجتمع املدين و�سبل قيا�س قدراتها»‪ 29/28 .‬ايار‪/‬مايو‬
‫‪ .2002‬عمان‪ .‬اعداد زياد ماجد‪ .‬برنامج بنيان ‪ 2‬املنفذ من قبل امل ؤ��س�سة الدولية لالدارة‬
‫والتدريب‪ ،‬بالتعاون مع االحتاد االوروبي وبرنامج االمم املتحدة االمنائي وم ؤ��س�سة‬
‫«فريدري�ش ناومان»‪ .‬ن�رش التقرير بتاريخ ت�رشين الثاين‪/‬نوفمرب ‪.2002‬‬
‫‪« -‬اتفاقيات التجارة احلرة يف املنطقة العربية»‪ .‬تقرير خا�ص حول نتائج االجتماع‬
‫االقليمي من اعداد كندة حممدية‪ .‬الف�صل اخلا�ص بـ «عر�ض عام التفاقيات التجارة احلرة‬
‫العربية»‪ .‬ن�رش التقرير باللغتني العربية واالنكليزية‪ .‬من�شورات «�شبكة املنظمات العربية‬
‫غري احلكومية»‪.ANND .‬‬
‫‪« -‬جعل التجارة العاملية يف خدمة النا�س»‪ .‬الربنامج االمنائي لالمم املتحدة بالتعاون مع‬
‫م ؤ��س�سة هرني�ش بول‪ .‬املكتبة ال�رشقية‪ .‬بريوت‪ .‬لبنان‪.2003 .‬‬
‫‪ -‬عدنان �شومان‪ .‬من اجل ا�صالح جامعة الدول العربية‪.‬‬
‫‪ -‬احمد يو�سف احمد‪ .‬من اجل ا�صالح جامعة الدول العربية‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫‪ -‬ال�سفري نا�صيف حتي‪� .‬صنع القرار يف جامعة الدول العربية وتنفيذه‪ .‬من اجل ا�صالح‬
‫جامعة الدول العربية‪.‬‬
‫‪ -‬برهان غليون‪ .‬ن� أش�ة املجتمع املدين وتطوره من املفهوم املجرد اىل املنظومة االجتماعية‬
‫والدولية‪ .‬مداخلة يف اطار منتدى حوارات الفاخرية‪ .‬املوقع االلكرتوين اخلا�ص باملنتدى‪.‬‬
‫التاريخ غري حمدد ولو ان الن�ص ي�شي بانه قد و�ضع بعد �سنة ‪.2004‬‬
‫‪� -‬سفيان العي�سة‪« .‬حتديات اال�صالح االقت�صادي يف العامل العربي‪ :‬نحو اقت�صادات اكرث‬
‫انتاجية»‪ .‬اوراق كارنيغي‪� .‬سل�سلة ال�رشق االو�سط‪ .‬مركز كارنيغي لل�رشق االو�سط‪.‬‬
‫مايو‪ /‬ايار ‪.2007‬‬

‫‪99‬‬

You might also like