Professional Documents
Culture Documents
�شفيق �شعيب
عشية قمة التنمية االقتصادية واالجتامعية العربية
جامعة الدول العربية
م�شاريع اال�صالح بني االطالقات املتكررة واالجنازات املتعرثة
�شفيق �شعيب
الطبعة أ
الوىل ،بريوت ،كانون الثاين 2009
حقوق الطبع حمفوظة لل�شبكة
�شبكة املنظمات العربية غري احلكومية للتنمية هي �شبكة �إقليمية تعمل على ثالث ق�ضايا
وال�صالحات االقت�صادية-
رئي�سية يف املنطقة العربية هي� :سيا�سات التنمية ،الدميقراطية إ
االجتماعية ،والعوملة والتجارة .وت�ضم ال�شبكة � 7شبكات وطنية و 27منظمة غري حكومية
من 11بلداً عربي ًا.
لالت�صال:
مكتب «�شبكة املنظمات العربية غري احلكومية للتنمية» التنفيذي
بناية الزهريي ،الطابق الرابع
وطى امل�صيطبة ،منطقة الكوال
�ص.ب ،14/5792 :.املزرعة2070-1105 :
بريوت ،لبنان
هاتف)961( 1 319 366 :
فاك�س)961( 1 815 636 :
بريد �إلكرتوينannd@annd.org :
املوقع ال�شبكيwww.annd.org :
خلفية للورقة
املحتويات
ـ الق�سم االول
ـ الف�صل االول :تاريخية اال�صالح :بني التداخل واالزدواجية
.1بني املجل�س االقت�صادي واالجتماعي وجمل�س الوحدة االقت�صادية.
.2حمطة عمان 1980حماولة ا�صالحية اوىل للتفعيل والتطوير
.3حماولة اوىل ملعاجلة ظاهرة التداخل يف عمل املنظمات العربية املتخ�ص�صة
تب ؤ� بالف�شل
.4املجل�س االقت�صادي واالجتماعي امام مهمة جديدة
.5جمل�س الوحدة االقت�صادية العربي .هيئة تبحث راهنا عن تظهري دورها
و�سط ت�ضارب امل ؤ��س�سات
ـ الف�صل الثاين :تقرير مو�سى حول حتديث انظمة العمل العربي امل�شرتك
.1االطار التنظيمي لعمل املجل�س االقت�صادي واالجتماعي
.2املتطلبات اال�سا�سية الالزمة لفاعلية ت�شغيل االطار التنظيمي للمجل�س
االقت�صادي واالجتماعي
يح�ض لـ«القمة التنموية واالقت�صادية
رّ .3املجل�س االقت�صادي واالجتماعي
واالجتماعية العربية» املزمع عقدها يف الكويت مطلع 2009
.4تقرير مو�سى حول خيارات العمل االقت�صادي العربي امل�شرتك
ـ الق�سم الثاين
ـ الف�صل االول :حول املجتمع املدين العربي
ـ بحث عن دور و�سط بيئة م ؤ�اتية وقلقة وانتقالية يف �آن
ـ قلق الت�شكل وا�شكاالت التبلور
{ ازاحة مفهومية ووظائف جديدة
{ بني «املجتمع املدين» واجلامعة العربية :هموم م�شرتكة وتقاطعات ملتب�سة
{ قبل «الـ اين؟»� ،أي «جمتمع مدين عربي»؟
ـ الف�صل الثاين :غربة برنامج ادارة احلكم يف الدول العربية( )POGARعن التقاطع
مع اجلهود اال�صالحية للجامعة العربية
{ مهمة الربنامج
{ االطار املفاهيمي
{ ا�سرتاتيجية برنامج ( )POGAR
{ جهد دويل ا�ضايف يف ور�شة التحفيز املتكيف من اجل اال�صالح
{ تفعيل املجتمع املدين العربي احد اال�ستهدافات الكربى لربنامج ادارة احلكم
يف الدول العربية ( )POGAR
{ مهمة البحث عن دالالت غياب التقاطع مع امل�رشوع اال�صالحي للجامعة
العربية
10
مدخل واطار عام
منذ التوقيع على ميثاق اجلامعة العربية يف العام ،1945كانت املبادرات واالفكار
واالقرتاحات لتطوير اجلامعة وا�صالح م ؤ��س�ساتها .اال ان معظم تلك املحاوالت
الولني من تاريخها ،كانت املنطقة مل يكتب لها النجاح .ففي حقبة العقدين أ
العربية م�رسحا الحداث هامة �سترتك ت أ�ثرياتها على جممل التاريخ الالحق للمنطقة
برمتها ،و�ستدمغ تاريخ اجلامعة بنتائجها.
فقد �شهدت املرحلة االوىل من تاريخ اجلامعة والدة �سل�سلة من الدول امل�ستقلة
حديثا .وعرفت العديد من هذه الدول �سل�سلة من التغريات يف طبيعة انظمتها
ال�سيا�سية .كما كان للخالفات العربية-العربية عميق االثر على هذه امل ؤ��س�سة
وعلى دورها وفاعليتها املفرت�ضني .بالرتافق مع ذلك� ،شهدت املنطقة انطالقة
خالفات بني م�شاريع اقامة االحالف االقليمية والدولية وم�شاريع الوحدة
العربية ،التي متت حماولة فر�ضها ولو ب�صورة فوقية واثارت وما زالت الكثري
من اجلدل حول ظروف حتققها وا�سباب ف�شلها .كذلك ،فقد تعمقت اخلالفات
امل�رصية ال�سعودية وتركت �سل�سلة من التداعيات على ال�صعيد العربي ،يف اليمن
وغريها ،من جهة .ومن جهة اخرى� ،شهدت املنطقة خالل هذين العقدين
11
�سل�سلة من االحداث الوطنية الهامة .فمن االعتداء الثالثي على م�رص عام ،1956
اىل الهزمية العربية يف ،1967اىل انطالقة املقاومة الفل�سطينية وتعزز خيارها بعد
هذه الهزمية ،وما �سيرتكه ذلك من تداعيات يف اطار التناق�ض بني م�رشوع الثورة
والدولة يف اكرث من بلد عربي ،وبخا�صة ما �شهده االردن يف ايلول .1969
ان جممل هذه االو�ضاع �سترتك عميق االثر على جتربة م ؤ��س�سة اجلامعة العربية
وتكبح وحتد من فاعليتها وتهم�ش دورها الذي ت�ضمنه ميثاق ت أ��سي�سها .و�سي�ستمر
هذا الواقع ل�سنوات و�سنوات ريثما تتبدل جممل الظروف التي فر�ضت ايقاعات
املرحلة ال�سابقة ور�سمت حدودها.
وقد �شكلت قمة القاهرة للعام 2000حمطة متميزة يف اطار اطالق ور�شة جديدة
لال�صالح .واطلقت م ؤ��س�سة القمة العربية ،على مدى ال�سنوات التي تلت،
�سل�سلة من اال�صالحات امل ؤ��س�سية على هذا ال�صعيد .فقد اكدت قمة القاهرة
على اعتماد �آلية االجتماع ال�سنوي للقمة ،وتفعيل مرجعية عليا منتظمة للعمل
العربي امل�شرتك .وقرار قمة عمان يف العام 2001ق�ضى بتكليف االمني العام
للجامعة باتخاذ اخلطوات الالزمة العادة هيكلة االمانة العامة ،وبالتطوير ال�شامل
لكافة م ؤ��س�سات اجلامعة واجهزة عملها ،و�صياغة انظمة جديدة للعمل العربي
امل�شرتك .وقرار قمة بريوت يف العام 2002اكد على اال�رساع بتنفيذ منطقة
التجارة احلرة العربية الكربى بحلول عام 2005بدال من عام ،2007وحترير
جتارة اخلدمات ،واعداد الدرا�سات الالزمة القامة االحتاد اجلمركي العربي.
يف نف�س �سياق اجلهد اال�صالحي ،متحور اعالن قمة تون�س 2004يف املجال
العربي ،على حقوق االن�سان ،والدميوقراطية ،ودور املر�أة ،والفقر ،والتعليم،
واالمية ،واكت�ساب املعرفة .كما ا�شتمل هذا االعالن على ملحق ادرج حتت
عنوان تو�سيع امل�شاركة ال�شعبية ودعا اىل ان�شاء برملان عربي على غرار ما هو
معمول به يف اطار االحتاد االوروبي .وت�ضمن االعالن اي�ضا ملحق ان�شاء حمكمة
عدل عربية ،متثل اجلهاز الق�ضائي الرئي�س يف معاجلة الق�ضايا العربية القانونية يف
االطار العربي ،وملحق دعم العمل العربي امل�شرتك على ا�سا�س ا�ستكمال منطقة
التجارة احلرة العربية يف العام 2005واقامة االحتاد اجلمركي بحلول 2015
12
متهيدا لقيام ال�سوق العربية امل�شرتكة بحلول العام ،2020وملحق بتطوير املجل�س
االقت�صادي واالجتماعي العربي لي�صبح مركز العمل االقت�صادي العربي قيادة
ومتابعة يف تنفيذ اال�سرتاتيجيات التي تقررها القمة ،وملحق بان�شاء م�رصف
عربي لالعمار والتنمية.
باملهمة
�شكلت جملة االو�ضاع االقليمية والدولية النا�شئة مع مطلع االلفية الثالثة ،بيئة
م ؤ�اتية يف الدفع باجتاه فتح ملف مواجهة االو�ضاع العربية التي تت�سم بال�ضعف،
ح�سب تو�صيف امني عام اجلامعة العربية ال�سيد عمر مو�سى« .ففي ظل الظروف
االقليمية والدولية غري امل ؤ�اتية ،ويف �ضوء ما تعانيه الدول العربية من �ضعف ،كان
من الطبيعي ان تتعاىل ا�صوات كثرية تنادي باال�صالح ال�شامل للو�ضع العربي
العام والعمل العربي امل�شرتك ،واجلامعة العربية ب�صورة خا�صة .وحتملت اجلامعة
نقدا وا�سعا ملا يت�صوره الكثريون من عجز اجلامعة عن التعامل مع التحديات
التي تواجه العامل العربي والتو�صل حللول لق�ضاياهم ،او بلورة مواقف عربية
جماعية ازاء الهجوم والتهجم على العرب ،وميل اجلامعة نحو ال�شجب واالدانة
دون طرح خطط ملواجهة املخاطر الكامنة والظاهرة التي نتعر�ض لها ،باال�ضافة
اىل الف�شل العام يف حتقيق االندماج والتكامل االقت�صادي العربي� ،أو االمناء
االجتماعي والتطور الثقايف».
غداة و�صوله اىل موقع االمانة العامة للجامعة يف مار�س� /آذار العام ،2001اثر
قرار قمة عمان ( )217بتعيينه وتكليفه باتخاذ اخلطوات الالزمة العادة هيكلة
-راجع تقرير االمني العام جلامعة الدول العربية اىل جمل�سها على م�ستوى القمة يف دورته
ال�ساد�سة ع�رشة (دورة تون�س)« .من اجل ا�صالح جامعة العربية» .من�شورات مركز درا�سات
الوحدة العربية .بريوت .الطبعة الثانية � .2005ص �ص.742...585 :
-تقدمي امني عام اجلامعة العربية حول تطوير العمل العربي امل�شرتك ومنظومته يف اطار اطالق
برناجمه اال�صالحي جلامعة الدول العربية.
13
االمانة العامة مبا ميكنها من اال�ضطالع مبهامها ،والقرار ( )218اخلا�ص بالتطوير
ال�شامل جلامعة الدول العربية وتفعيل دورها وتكليف االمني العام باتخاذ
االجراءات الالزمة لتحديث وتطوير انظمة العمل العربي امل�شرتك� ،سارع ال�سيد
عمر مو�سى اىل تقدمي ر ؤ�يته ل�سبل تطوير وتفعيل العمل العربي امل�شرتك واعادة
هيكلة وتطوير االمانة العامة للجامعة العربية.
ا�شتملت هذه الر ؤ�ية على جملة من التوجهات اال�صالحية ،طالت ،فيما طالت،
ق�ضايا املجتمع املدين واملجل�س االقت�صادي واالجتماعي .مل يت أ�خر االمني العام يف
�سعيه اىل ترجمة هذه التوجهات وو�ضعها مو�ضع التنفيذ .و�سارع ،يف خطوة
ش�ون املجتمع املدين العربي»، جديدة ونوعية ،اىل «احداث مفو�ضية اجلامعة ل� ؤ
وذلك يف �سبيل ادماج هذا املجتمع املتنامي يف الدول العربية يف ن�شاطات العمل
العربي امل�شرتك املختلفة .وطلب من ال�سيد طاهر امل�رصي رئي�س وزراء االردن
ال�سابق ان ي�رشف على تن�سيق هذا املو�ضوع الهام كمفو�ض اجلامعة ل� ؤ
ش�ون
املجتمع املدين.
كما توقفت هذه الر ؤ�ية عند اهمية ومركزية م� أس�لة تن�سيق وتفعيل العمل العربي
امل�شرتك يف املجاالت االقت�صادية واالجتماعية .ويف �سياق ملم�سة هذا التوجه،
كان اطالق ور�شة «االهتمام باعادة هيكلة املجل�س االقت�صادي واالجتماعي
العربي وتطويره باعتباره مركز العمل االقت�صادي واالجتماعي العربي امل�شرتك».
واكد االمني العام يف تقريره اىل دورة تون�س للقمة على اهمية دعم دور هذا
املجل�س ليعمل ب�شكل جيد وبا�سلوب ع�رصي .وت أ�كيدا على تقديره الهمية هذا
املجل�س ،اقرتح ان ينعقد هذا املجل�س على م�ستوى ر ؤ��ساء الوزراء ،وهو ما مل يقر
يف القمة ،لي�صار اىل ت�شكيل جلنة �سدا�سية للعمل مع االمني العام على تطويره .يف
نف�س ال�سياق ،مت اطالق دينامية من العمل التن�سيقي ملختلف االطر العاملة يف اطار
اجلامعة العربية التي جتمع عددا من االحتادات النوعية وال�صناديق التنموية .ومت
14
احياء وتطوير جلنة التن�سيق العليا التي ا�صبحت جتتمع دوريا للت�شاور والتن�سيق.
وقد دعي املدراء واالمناء العامون لهذه الهيئات ،حل�ضور م ؤ�مترات القمة العربية
واملجال�س الوزارية ،تعزيزا الرادة التفعيل والربط والتعاون حتقيقا ل�سيولة اكرب
للعمل العربي امل�شرتك .وقد مت الت أ�كيد ،يف اطار هذه الور�شة اال�صالحية اجلديدة،
على مرجعية املجل�س االقت�صادي واالجتماعي يف تخطيط عمل هذه املنظمات
وتن�سيقه.
لقد انحكمت ا�شكالية التوجه التن�سيقي والتفعيلي الطر ومنظمات اجلامعة،
جتاوزا لرتهلها وتقادمها وق�صورها وتداخل وظائفها ،ف�ضال عن احلاجة ملواكبة
التطورات الهائلة اجلارية يف املنطقة والعامل ،بواقع ال�سقف الذي حددته �صيغة
جامعة الدول العربية ،منذ التوقيع على ميثاقها ،بكونها مل ت�ضع على جدول
اعمالها ال�صيغة الفدرالية او الكونفدرالية .وبالتايل ،هل �ستخرج ا�سرتاتيجية هذا
البعد اال�صالحي اجلديد ،يف اف�ضل توقعات النجاح ،عن كونها تبحث عن �صيغة
م ؤ��س�سية غري اندماجية ،ت ؤ�من للدول العربية املحافظة على �سيادتها الكاملة ،اال
يف احلدود الدنيا التى يتطلبها تفعيل م ؤ��س�سات العمل العربي امل�شرتك؟؟.
كيف ترت�سم ا�شكالية التفعيل والتن�سيق يف التجربة املحققة و�سط ا�ستمرار االلتبا�س
التاريخي واملواقع املتناق�ضة يف مقاربتها ،بني خلفية ايديولوجية تاريخية حا�رضة
و�ضاغطة تندرج حتت عنوان «القومي» «الوحدوي» «االندماجي» ،وبني
واقع �سيا�سي كر�س ويكر�س القطرية املفرطة ،واملهددة اي�ض ًا مبزيد من الت�شظي،
و�سط عامل ينحو باجتاه تعزيز حاالت التعاون والتوحد واالندماج ،املرتاوح بني
االقت�صادي القطاعي الب�سيط و�صوال لالندماجي ال�سيا�سي العميق؟؟.
هل �ست�سمح هذه التجربة اال�صالحية اجلديدة يف قيامة �رشاكات اجتماعية،
ت�سمح ،من جهة ،بدور نوعي جديد جلامعة الدول العربية و�سط التبا�س دورها
ووظيفتها اال�سرتاتيجية ،ودور م�شارك ملجتمع مدين عربي يبحث عن قيامته
ويتلم�س هويته ووظيفته ،من جهة اخرى؟؟؟.
�سوف نحاول يف اطار هذا البحث ان نقارب ا�شكاليات امل�رشوع اال�صالحي
الذي اطلقته اجلامعة العربية وتعمل عليه يف ال�سنوات االخرية من خالل عدة
حماور:
15
مقاربة تاريخية للم�رشوع اال�صالحي يف اجلامعة العربية، .1
وبخا�صة جتربة اطالق وتطوير وا�صالح املجل�س االقت�صادي
االجتماعي وجمل�س الوحدة االقت�صادية.
عر�ض مل�ستويات وم�ضامني امل�رشوع اال�صالحي الراهن الذي .2
اطلقه م�رشوع االمني العام عمر مو�سى.
عر�ض حلقل املبادرات اال�صالحية التي ت�شهدها املنطقة .3
وتقاطعاتها مع امل�رشوع اال�صالحي الراهن للجامعة العربية.
عر�ض ال�شكاالت امل�رشوع اال�صالحي للمجتمع املدين العربي .4
وتقاطعاته مع امل�رشوع اال�صالحي الراهن للجامعة العربية.
عر�ض مل�رشوع برنامج ادارة احلكم يف الدول العربية .5
( )POGARوتقاطعاته مع امل�رشوع اال�صالحي الراهن
للجامعة العربية.
مقاربات نقدية متنوعة يف قراءة وحتليل امل�رشوع اال�صالحي .6
الراهن للجامعة العربية.
16
الق�سم االول
ـ الف�صل أ
الول :تاريخية اال�صالح :بني التداخل واالزدواجية.
اقر جمل�س جامعة الدول العربية بتاريخ 1950 /17/6معاهدة الدفاع امل�شرتك
والتعاون االقت�صادي بني دول اجلامعة العربية .ون�صت يف مادتها ال�سابعة على
�رضورة التعاون االقت�صادي بني الدول العربية ،بهدف النهو�ض باقت�صاداتها،
وا�ستثمار مرافقها الطبيعية ،وت�سهيل تبادل منتوجاتها الزراعية وال�صناعية ،وبوجه
عام تنظيم ن�شاطها االقت�صادي ،وتن�سيق وابرام ما يقت�ضيه احلال من اتفاقات خا�صة
لتحقيق هذه االهداف .كما ن�صت مادتها الثامنة على ان�شاء «جمل�س اقت�صادي»
ا�صدر مئات القرارات منذ ان�شائه ،حتت عنوان حتقيق اق�صى حد من التطوير
للعالقات االقت�صادية العربية .بد�أ هذا املجل�س ن�شاطه يف نهاية عام ،1953
و�صادق يف نف�س العام على «اتفاقية ت�سهيل التبادل التجاري ،وتنظيم جتارة
الرتانزيت يف دول اجلامعة العربية» .كما اقر يف العام « 1957اتفاقية الوحدة
االقت�صادية» بني دول اجلامعة العربية ،وذلك يف حماولة منه لتوفري �آلية قادرة
17
على دفع العمل االقت�صادي العربي امل�شرتك .واقر اي�ضا ،يف العام نف�سه ،ان�شاء
«جمل�س الوحدة االقت�صادية العربية» الذي بذل جهودا لتنفيذ «اتفاقية ت�سهيل
وتنمية التبادل التجاري» ،وجاء يف مادة ت�شكيله الثالثة «العمل من اجل تدبري
االداة الالزمة لتنفيذ اتفاقية الوحدة االقت�صادية» .وا�صدر املجل�س قراره يف عام
،1964اخلا�ص بان�شاء «ال�سوق العربية امل�شرتكة» التي ا�ستهدفت حترير ال�سلع
التي يتم تبادلها بني الدول االع�ضاء يف ال�سوق من الر�سوم اجلمركية وغريها من
القيود النقدية واالدارية ،كما �سعت اىل حرية انتقال اال�شخا�ص ور ؤ�و�س االموال
وحرية تبادل الب�ضائع واملنتجات الوطنية واالجنبية وحرية االقامة واال�ستخدام،
وممار�سة الن�شاط االقت�صادي.
ان ظاهرة تفعيل م�سرية العمل االقت�صادي العربي امل�شرتك برزت ،يف هذه املرحلة
التاريخية ،من خالل ظاهرتني مهمتني هما :امل�رشوعات العربية امل�شرتكة،
وجمموعة امل ؤ��س�سات املالية العربية الوطنية واالقليمية .وقد ركزت االوىل
على تو�سيع القاعدة االنتاجية العربية وزيادة امكانات التجارة البينية العربية.
وا�ستهدفت الثانية متويل امل�شاريع االقت�صادية العربية ذات الطابع اال�ستثماري
بقرو�ض مي�رسة من خالل «ال�صندوق العربي لالمناء االقت�صادي واالجتماعي»،
الذي اقر املجل�س االقت�صادي واالجتماعي اتفاقية ان�شائه يف عام ،1968وبا�رش
اعماله يف العام ،1974مبا ي�ساعد على دعم تنمية البلدان العربية على امل�ستويني
االقت�صادي واالجتماعي ،واجناز امل�شاريع ذات ال�صبغة امل�شرتكة التي تهدف اىل
حتقيق التكامل العربي.
يف العام � 1977شهد املجل�س حتوال يف الر ؤ�ية التي حتكم دوره وت�ضبط وظائفه،
لي�صبح ا�سمه ،ربطا بذلك« ،املجل�س االقت�صادي واالجتماعي العربي» ،بعد
تعديل املادة الثامنة من املعاهدة التي ا�س�سته ،و�سبقت اال�شارة اليها .لقد ا�صبح
لهذا املجل�س وظائف تخطيطة وتقييمية وتن�سيقية وتنظيمية ،مبا يف ذلك اال�رشاف
-راجع �سميح م�سعود« .العمل االقت�صادي العربي امل�شرتك ،بني الطموح والواقع» .بحث
مقدم يف اطار تكرمي يو�سف �صايغ ،ون�رش يف كتاب حتت عنوان هموم اقت�صادية عربية .من�شورات
مركز درا�سات الوحدة العربية .بريوت الطبعة االوىل � .2001ص �ص.124...109 :
18
املبا�رش على ح�سن قيام املنظمات العربية املتخ�ص�صة مبهامها والتعاون والتن�سيق
معها ،واملوافقة على ان�شاء اية منظمة جديدة.
لقد ت أ��س�ست هذه املقاربة اجلديدة لدور املجل�س االقت�صادي االجتماعي على
مطالعة نقدية الو�ضاع املنظمات العربية املتخ�ص�صة ،يف اطار جتربة عملها
ال�سابقة .وقد توقفت هذه املطالعة عند بعدين ميزا تلك املرحلة:
{ عدم وجود هيئة رئي�سية تر�سم ال�سيا�سة العامة ،وتخطط لربامج العمل
العربي امل�شرتك ،يف املجالني االقت�صادي واالجتماعي.
{ كرثة املنظمات املتخ�ص�صة دون تخطيط ،وتبعرث جهودها ،وتداخل
وازدواج بع�ض اعمالها ،وما يرتتب على ذلك ب�صورة طبيعية من
اهدار للجهد واملال العربيني ،دون نتائج ملمو�سة.
�شهدت املرحلة الت أ��سي�سية االوىل يف جتربة العمل االقت�صادي العربي امل�شرتك،
�سل�سلة من املبادرات التي اطلقتها جامعة الدول العربية .وح�رضت يف خلفية
هذا امل�شهد كل احالم التوحد القومي وا�ستعادة احل�ضور العربي امل�ستقل
وت أ�مني مهمات التحرر الوطني والقومي ،ويف قلبها مهمة حترير فل�سطني .لقد
�شكلت اولوية التحرير واملواجهة ،التي فر�ضها النظام الر�سمي العربي ،وان
كان ذلك با�ستهدافات متنوعة بني اجنحته املختلفة ،فا�صال حا�سما يف اهمال
ملف الق�ضايا االقت�صادية واالجتماعية وتهمي�ش ق�ضايا امل�شاركة االجتماعية
والدميوقراطية ،خالل هذه املرحلة .فاىل جانب النتائج املخيبة التي حققها النظام
الر�سمي العربي يف اطار عملية املواجهة التي توجتها هزمية ال 67املدوية ،فان
نتائج العمل االقت�صادي امل�شرتك كانت حمدودة ومتوا�ضعة جدا .لقد �سمحت
هذه الهزمية باعادة متو�ضع جديد للتوازن املختل بني البعدين ال�سيا�سي الوطني
-راجع �سليمان املنذري« .ا�صالح هيكل العالقة بني اجلامعة واملنظمات املتخ�ص�صة» .من اجل
ا�صالح جامعة الدول العربية .مرجع �سابق� .ص �ص.273 ...231 :
19
والقومي وبني البعد االقت�صادي واالجتماعي .وان ا�ستمر �شعار «ال �صوت يعلو
فوق �صوت املعركة» حا�رضا و�سط الءات قمة اخلرطوم الثالث ،فان حيز ح�ضور
امللف االقت�صادي االجتماعي قد ات�سع .وقد يكون ذلك رغبة يف حجب واقع
حمدودية ،قل انعدام ،االجنازات الوطنية والقومية ،وا�شغاال واثارة الهتمامات امال
بالتخفيف من واقع االحباط ال�شديد الذي �ساد املنطقة برمتها واطلق ديناميات
جديدة من ال�رصاعات الداخلية ادخلت �شعوب وبلدان املنطقة يف حقبة جديدة،
حقبة ما بعد النك�سة.
يف هذا ال�سياق ،جاءت قمة عمان االقت�صادية التي عقدت عام ،1980و�شكلت
حمطة هامة يف تاريخ العمل االقت�صادي العربي امل�شرتك ،وا�ستهدفت دفع هذه
التجربة اىل االمام والتغلب على اوجه الق�صور التي �شهدتها يف املرحلة ال�سابقة.
اقرت هذه القمة اربع وثائق هامة وهي:
.1وثيقة ا�سرتاتيجية العمل االقت�صادي العربي امل�شرتك التي طالبت باقامة
نظام اقت�صادي عربي جديد يت�سم بالتكامل املحقق للتنمية ال�شاملة،
وميثل منطا من تق�سيم العمل داخل «الوطن العربي» يحقق التطور
والتحرر القطاره .
.2ميثاق العمل االقت�صادي القومي.
.3عقد التنمية العربية امل�شرتكة.
.4االتفاقية املوحدة ال�ستثمار ر ؤ�و�س االموال العربية يف البلدان العربية
التي ن�صت على مبد�أ «املواطنة االقت�صادية» ،مبعاملة امل�ستثمر العربي
مهما كانت جن�سيته باالحكام نف�سها التي ت�رسي يف اي قطر على
مواطنيه.
لقد طالبت هذه الوثائق ،يف اطار اولوياتها ،باقامة ن�شاط تخطيطي على امل�ستوى
القومي ين�شغل بتح�ضري خطة للتنمية العربية امل�شرتكة ومتابعة تنفيذها ،ويتمتع
بحد ادنى متزايد من االلزامية .ويف اطار آ
اللية املطلوبة ،مت اقرتاح ان يكون هذا
الن�شاط التخطيطي م�ستمرا يف �شكل خطط خم�سية تبد�أ يف عام .1981وقدم
خرباء املجل�س االقت�صادي اقرتاحا بتحديد موارد اول خطة خم�سية مببلغ 62
20
مليار دوالر امريكي ،ثم اقرتح تخفي�ضها اىل 15مليار دوالر امريكي لت�صادق
قمة عمان على تخ�صي�ص مبلغ 5مليارات لتمويل عقد التنمية مبعدل 500مليون
دوالر امريكي �سنويا.
با�ستثناء �صناديق التنمية وامل ؤ��س�سات املالية ،حيث هناك تق�سيم للعمل ،تواجه
بع�ض املنظمات العربية املتخ�ص�صة تداخال يف اخت�صا�صاتها ،وال �سيما بني املجل�س
االقت�صادي واالجتماعي وجمل�س الوحدة االقت�صادية العربية ،حيث مظاهر
االزدواجية هي االبرز .ي�شري �سليمان املنذري (مرجع �سابق �ص،)248/249 :
بهذا ال�صدد ،ان:
{ عوامل االزدواجية يف االخت�صا�صات بني هذين املجل�سني تعود
لال�سباب والعوامل التالية:
.1ان هذه املنظمات املتخ�ص�صة ان�شئت على مدى زمني متفاوت،
وو�ضعت اتفاقات ان�شائها ب�صورة م�ستقلة عن االخرى ،دون مراعاة
لن�صو�ص اخرى ،وردت يف االخت�صا�ص نف�سه.
.2غياب ا�سرتاتيجية للعمل العربي امل�شرتك يف اطار املنظمة االم جامعة
الدول العربية ،يف ال�سنوات التي ان�شئت فيها معظم املنظمات
املتخ�ص�صة ،مبا يعني عدم وجود تن�سيق وترابط بني القطاعات املختلفة
للعمل العربي امل�شرتك ،ودون ر ؤ�ية �شمولية الخت�صا�صات املنظمات
العربية عند ان�شائها.
.3مع غياب التن�سيق ،ت�شبثت كل منظمة بن�صو�ص االتفاقية املن�شئة لها،
وقامت بتطبيق احكامها مبعزل عن املنظمة االخرى .وكان هذا مبعث
االزدواجية من الناحية القانونية.
لقد جرت حماولة �سابقة لعالج ظاهرة االزدواجية هذه من خالل ان�شاء جلنة
21
التن�سيق بني جامعة الدول العربية واالجهزة العاملة يف نطاقها واملنظمات العربية
يف العام ،1974اال ان فاعليتها ظلت حمدودة ،ومل حترز نتائج تذكر .ويف هذا
ال�سياق ،ي�سجل �سليمان املنذري ،يف مقاربته هذه ،ال �شك ان التعديل يف ن�صو�ص
االتفاقات املن�شئة للمنظمات املتخ�ص�صة كفيل با�ستبعاد االزدواجية ،كما ان خلق
الظروف املو�ضوعية لتاليف تلك االزدواجية ،من � أش�نه ان ي�ساعد على ار�ساء
دعائم التن�سيق بني املنظمات ،واحرتام التخ�ص�ص الدقيق ،قبل ان يعطي التعديل
القانوين اثره املطلوب الحقا .ان ا�سلوب معاجلة االزدواجية ال بد من ان يتم من
خالل التن�سيق الذي من � أش�نه ان ي�ضمن النجاح للعمل العربي امل�شرتك ،ويزيد من
كفاءته يف حتقيق اهدافه .وهذا يتطلب تطبيق ا�سرتاتيجية وا�ضحة للعمل القومي
كتلك التي اقرتها قمة عمان عام 1980ومل ت أ�خذ طريقها اىل النجاح.
ان هذه املقاربة متثل منوذجا من مناذج املحاججة مع ا�شكالية االزدواجية يف
العمل االقت�صادي العربي امل�شرتك وكيفية الت�صدي لها .وهي ت�ستند اىل خلفية
وا�ضحة تقوم على امكانية حتقيق جتاوز هذه اال�شكالية من خالل �سل�سلة من
االجراءات االدارية والتنظمية الداخلية ميكن مل ؤ��س�سات اجلامعة العريبة ان تقوم
بها ،مع انه ي�شري اىل ف�شل اوىل حماوالت ذلك من داخل هذه امل ؤ��س�سات ،دون
التوقف عند معاين هذا الف�شل ودالالته على هذا ال�صعيد .وهذه املقاربة هي
واحدة من مقاربات عديدة تناولت ذلك و�شكلت بدورها اجتاهات متعددة
خمتلفة ومتناق�ضة يف ت�صديها لهذه امل�شكلة ،وهو ما �سوف نعر�ض البرزه الحقا
يف �سياق هذه الدرا�سة.
22
هيكليتها ،مبقيا على بع�ضها بعد اعادة النظر يف اهدافها جلهة احل�رص والتحديد
الدقيق ،م�ضيفا منظمات جديدة .وقد اكدت هذه التحوالت على دور املجل�س
االقت�صادي واالجتماعي ،باعتباره املرجع القومي يف تخطيط وتن�سيق عمل
املنظمات ،حيث يكون له امانة فنية ير�أ�سها امني عام م�ساعد جلامعة الدول
العربية ،وذلك لتخطيط تن�سيق ومتابعة عمل املنظمات .وقد اخذ جمل�س اجلامعة
يف دورته 91يف ،1989 /3 /30علما بهذه املقررات.
ان ان�شاء امل ؤ��س�سات االقت�صادية العربية املتخ�ص�صة� ،سواء يف �شكل منظمات
قطاعية ام يف �شكل احتادات نوعية ،ادى اىل ان ي�صبح الهيكل امل ؤ��س�سي والتنظيمي
للتجمع االقت�صادي العربي هيكال على درجة كبرية من التنوع والتعدد« .اال
ان هذا التزايد والتنوع مل يكن وليد نظرة �شمولية ا�سا�سية توجه تطوره وتقوم
اجزا ؤ�ه ح�سب احتياجات مرتابطة ومتكاملة ،وامنا جاء على �شكل موجات
جزئية متفرقة .ومن الطبيعي ان ي�صطدم هذا الهيكل امل ؤ��س�سي يف الظروف التي
ادت اىل تزايده ومنوه وتنوعه بالكثري من م�شكالت االزدواجية والت�ضارب،
وهو ما حدث بالفعل .ويف هذا ال�سياق ،ير�صد الراحل حممد لبيب �شقري ثالث
م�شكالت ا�سا�سية لها ت أ�ثريها على فاعلية هذه املنظمات ،وهي:
.1م�شكلة التناق�ض بني توجهات التجمع والتكامل التي متثلها هذه
االجهزة وبني التوجهات القطرية.
.2م�شكلة العالقة بني اجلهاز العام للتجمع والذي يكون غالبا ا�سبق يف
الظهور ،وبني االجهزة املتخ�ص�صة التي تن� أش� بعد ذلك يف اطار هذا
اجلهاز العام او خارج نطاقه.
.3م�شكلة العالقات بني هذه االجهزة املتخ�ص�صة بع�ضها ببع�ض .وبقدر
تعلق االمر مب�شكلة العالقة بني هذه املنظمات املتخ�ص�صة واملنظمة االم
جامعة الدول العربية ،حيث يالحظ ان ال�صعوبات التي ا�صطدمت
بها هذه العالقة ناجمة عن كون ميثاق اجلامعة العربية ،واتفاقيات
ان�شاء املنظمات املتخ�ص�صة ،مل تت�ضمن قواعد وا�ضحة حمددة ،حتكم
العالقة بني اجلامعة وهذه املنظمات».
� -سليمان املنذري .املرجع ال�سابق� .ص.235 :
23
لقد �شكلت م� أس�لة التداخل يف اخت�صا�صات املنظمات العربية التخ�ص�صية عنوانا
ال�شكاالت عمل هذه املنظمات .و�شكل هم ا�ستبعاد عوامل االزدواجية ،خا�صة
فيما بني املجل�س االقت�صادي واالجتماعي وجمل�س الوحدة االقت�صادية العربية،
واحدا من ابرز التحديات يف هذا املجال.
وقد بقيت املحاوالت التي �سجلت يف مراحل تاريخية �سابقة ،خا�صة تلك
التي �سجلت عام 1974من خالل ان�شاء جلنة التن�سيق بني جامعة الدول
العربية واالجهزة العاملة يف نطاقها ،دون حتقيق املرجو منها وبقيت فاعليتها
حمدودة .وقدمت م�شاريع متعددة بهدف معاجلة هذا الواقع والت�صدي للثغرات
التي يحملها ،اال انها ا�صطدمت على الدوام باملواقف املتفاوتة للدول العربية
وحكوماتها بهذا اخل�صو�ص.
لقد �شكلت االزدواجية بني هاتني امل ؤ��س�ستني والتنازع الذي رافق ذلك ،واحدة
من اخطر الظواهر ال�سلبية التي ات�سم بها العمل االقت�صادي العربي امل�شرتك،
والتي بددت الكثري من اجلهد العربي من جانب املجل�سني ،ومن جانب االقطار
امل�شرتكة الع�ضوية فيهما .ويف ظل عدم وجود اية و�سيلة للتن�سيق بينهما ،فقد ترك
كل منهما يعمل طبقا ملا يراه دون اية اجهزة �أو �آليات لتحقيق التنا�سق والتناغم
والرتابط بني ن�شاطيهما ،مبا ي�ضمن فاعلية ن�شاط كل منهما ،ومبا ي�ضمن احل�صول
على اكرب املوارد املمكنة .وقد جت�سدت قمة هذا الت�شتت والتداخل من خالل
�سعي املجل�سني لتحقيق منطقة التجارة احلرة.
با�رش املجل�س عمله عام ،1964بعد �سبع �سنوات على قرار ت أ��سي�سه .وهدف
-ملزيد من التفا�صيل حول ظاهرة االزدواجية .راجع �سليمان املنذري .املرجع ال�سابق� .ص
�ص.257 ...250 :
-املعطيات الر�سمية اخلا�صة مبجل�س الوحدة االقت�صادية م�ستقاة من مقابلة مع رئي�س
املجل�س د .احمد احمد حويلي اجرتها وكالة �سانا ال�سورية الر�سمية ع�شية انعقاد قمة دم�شق.
.26/3/2008
24
اىل قيام وحدة اقت�صادية كاملة بني دول اجلامعة العربية ت�ضمن لها حرية انتقال
اال�شخا�ص ور ؤ�و�س االموال وتبادل الب�ضائع واملنتجات الوطنية واالجنبية
واالقامة والعمل واال�ستخدام وممار�سة الن�شاط االقت�صادي وحرية النقل
والرتانزيت وا�ستعمال املواينء واملطارات الدولية.
ي�ضم املجل�س 29احتادا عربيا نوعيا متخ�ص�صا يف املجاالت االنتاجية والبنية
اال�سا�سية واخلدمات .وي�شري د .احمد حويلي امني عام جمل�س الوحدة االقت�صادية
العربي ان هذه االحتادات حققت اجنازات ملمو�سة واثبتت مكانتها ك أ�داة تن�سيقية
فاعلة بني االن�شطة القطاعية املختلفة واعتمادها من قبل اجلامعة العربية واملجال�س
الوزارية املتخ�ص�صة واملنظمات العربية كبيوت خربة متخ�ص�صة ي�ستعان بها
يف جماالت تخ�ص�صها .واهتم جمل�س الوحدة باقامة م�رشوعات عربية م�شرتكة
يف جماالت االن�شطة االنتاجية واخلدمية ت أ�خذ �شكل ال�رشكات القاب�ضة وتتوىل
ان�شاء م�رشوعات عربية كبرية او امل�ساهمة يف م�رشوعات قائمة وذلك على ا�س�س
اقت�صادية وتكنولوجية حديثة .وقد ا�سهمت هذه ال�رشكات يف تطوير االنتاج
العربي وبتوظيف ا�ستثماراتها يف م�رشوعات واال�سهام يف �رشكات قطرية يف
عدد من الدول العربية .ومن اهم االتفاقيات العربية اجلماعية ال�صادرة عن جمل�س
الوحدة اتفاقية جتنب االزدواج ال�رضيبي ومنع التهرب من ال�رضائب بني دول جمل�س
الوحدة واتفاقية التعاون لتح�صيل ال�رضائب واتفاقية ت�سوية منازعات اال�ستثمار
وغريها.
من جهة ثانية ،ي�ضيف د .احمد حويلي :عمل املكتب املركزي العربي لالح�صاء
والتوثيق يف االمانة العامة ملجل�س الوحدة الذي ت أ��س�س عام ،1976على توحيد
املفاهيم واال�ساليب وامل�صطلحات والت�صانيف ذات العالقة بالعمل االح�صائي
والوقوف اىل جانب العمل االح�صائي العربي القطري يف الدول االقل منوا.
وي�صدر املكتب ن�رشات اح�صائية متخ�ص�صة �سنوية حول ال�سكان واحل�سابات
القومية والتجارة اخلارجية والبينية ومعامالت التحويل الر�سمية للعمالت
العربية ،والعديد من الكتب واملن�شورات والبحوث ذات ال�صلة .ويعمل على
25
ان�شاء ال�شبكة العربية للبيانات االح�صائية ون�رشها على �شبكة املعلومات الدولية
واعداد برامج التدريب.
اىل ذلك ،اجنز املجل�س اخلارطة اال�ستثمارية يف البالد العربية .وبلغ عدد امل�شاريع
املقرتحة اربعة االف م�رشوع .كما اجنز النظام اال�سا�سي آللية تنمية التجارة
العربية البينية ومع اخلارج .كل هذا بهدف دفع ا�سرتاتيجية التكامل االقت�صادي
العربي خالل العقدين 2000/2020التي قرها املجل�س عام 2001وتت�ضمن
حماورها:
{ املجال التجاري وي�شمل ا�ستكمال منطقة التجارة احلرة وتطوير التبادل
التجاري البيني واخلارجي وتطوير جتارة العبور.
{ املجال التنموي وي�شمل التنمية االقت�صادية امل�شرتكة واقامة منطقة
ا�ستثمار عربية ومنطقة تكنولوجية عربية.
{ الربامج امل�ساعدة وت�شمل تطوير االطر امل ؤ��س�سية للتكامل االقت�صادي
العربي باال�ضافة اىل الربامج التنموية االقت�صادية واالجتماعية
امل�ساعدة.
هذا ،وتعد ال�سوق العربية امل�شرتكة من اهم القرارات التي ا�صدرها جمل�س الوحدة
االقت�صادية واالجتماعية عام 1964بعد م�ضي ثالثة ا�شهر من و�ضع اتفاقية
الوحدة االقت�صادية العربية مو�ضع التطبيق .كما يعترب ا�صدار اتفاقية ت�سيري وتنمية
التبادل التجاري واالعالن عن منطقة التجارة احلرة العربية عام 1981والذي
اقرته قمة القاهرة االقت�صادية عام ،1996من اجنازات املجل�س.
وحول دور املجل�س والتح�ضريات لقمة الكويت ي�شري د .احمد حويلي ان قمة
دم�شق �ستناق�ش تقريرا كامال حول اخلطوات التح�ضريية مل ؤ�متر القمة االقت�صادية
والتنموية التي �ستعقد يف الكويت مطلع « .2009ان منطقة التجارة احلرة العربية
الكربى التي بد�أ تنفيذها يف مطلع عام 2005هي خطوة كبرية ومهمة ادت
اىل ارتفاع حجم التجارة البينية العربية بقدر ملمو�س يتطلب موا�صلة الدفع
لتح�سينه .وان هذه املنطقة هي خطوة اوىل يليها ان�شاء االحتاد اجلمركي عام
.2008/2009كما تليها اقامة ال�سوق العربية امل�شرتكة يف عام 2015و�صوال
26
اىل قيام االحتاد االقت�صادي العربي عام 2020والذي �سيتم من خالله اقامة بنك
مركزي عربي واحد و�سيا�سة مالية ونقدية واحدة وبالتايل الو�صول اىل قمة
التعاون والتكامل العربي.
ان هذه املرافعة التي قدمها د .احمد حويلي امني عام جمل�س الوحدة االقت�صادي
العربي ،قدمت �صورة زهرية واعدة حول جتربة هذا املجل�س ودوره التاريخي
واجنازاته يف جمال تطوير وتفعيل العمل االقت�صادي العربي امل�شرتك ،جلهة
القرارات املتخذة مبعزل عن اجلانب اخلا�ص برتجمتها .وك أ�منا كانت ازمة
االزدواجية بني هذا املجل�س واملجل�س االقت�صادي واالجتماعي ،وازمة العالقات
واالدوار بينهما ،حا�رضة يف خلفية هذا التقرير الزهري رغم عدم ا�شارته املبا�رشة
اىل ذلك .مل ي�رش د .حويلي يف مقابلته امل�ستفي�ضة ،رغم ا�رصاره على ذكر كل
تف�صيل يف عمل جمل�س الوحدة ،اىل اية مالحظات نقدية تطال التجربة املحققة،
من جهة .كما غابت اية ا�شارة مل�شكلة االزدواجية التي ا�صبحت مادة علنية يف
نقا�شات عربية متعددة ،وغاب اي ذكر لدور املجل�س االقت�صادي االجتماعي،
الذي اعتربته م ؤ��س�سة القمة العربية �صاحب الدور املركزي يف ال� أش�ن االقت�صادي
العربي امل�شرتك ،من جهة اخرى.
وبعد �سنوات عديدة على مقاربة ازمة االزدواجية والدعوة اىل مواجهتها عرب
اعادة هيكلة كل م ؤ��س�سات العمل العربي االقت�صادي امل�شرتك ور�سم �آليات
العالقات بينها ،نرى ان هناك ازاحة كاملة لهذه امل�شكلة وعدم االقرار بوجودها
وجتاوزها من قبل ابرز م ؤ��س�سة معنية بذلك ،ومن قبل ر�أ�س هذه امل ؤ��س�سة
بالذات .فاي عمل م�شرتك ميكن ان ينجز يف هكذا مناخ؟ واي اجناز تن�سيقي
ميكن ان يتحقق و�سط رف�ض االعرتاف بامل�شكلة املطروحة؟ وهل امل� أس�لة باال�سا�س
هي يف حقل ادارة العالقات بني قيادات امل ؤ��س�سات املعنية داخل هيكل م ؤ��س�سة
اجلامعة العربية ،ام اننا امام م� أس�لة اعمق ترتبط مب ؤ��س�سة اجلامعة ور ؤ�ية دورها
بكافة م�ستوياته ،على م�ستوى النظام الر�سمي العربي؟؟
27
ـ الف�صل الثاين .تقرير مو�سى حول حتديث انظمة العمل العربي امل�شرتك
يعرتف التقرير الذي قُدم اىل قمة بريوت ( ،)2002بوجود ق�صور يف التن�سيق يف
العمل العربي امل�شرتك .ويف اعرتاف خطري ،يرى التقرير ان كال من املنظمات
العربية املخت�صة ،وجمال�س الوزراء العرب ،وكذلك االمانة العامة جلامعة الدول
العربية ،يعمل يف �شبه انف�صال عن الكيانات االخرى يف املو�ضوعات الواحدة،
فبدال من ان يكون هناك بناء واحد متما�سك مرتابط ،جند ان هذا العمل يتم يف
�صورة اعمدة مرتا�صة بجوار بع�ضها ،مفتقدة حلقة التن�سيق التي ت�ضمن ترابط
العمل العربي امل�شرتك ومتا�سكه� ،سواء يف مرحلة التخطيط لهذا العمل ،او يف
مرحلة اتخاذ قرار ب� أش�نه ،او يف متابعة اجراءات التنفيذ ،او يف مرحلة التقومي
الدوري والنهائي له.
اىل ذلك ،ي�ستعر�ض التقرير التعاون االقت�صادي العربي امل�شرتك يف املمار�سة
العملية ،وي�شري اىل ت�شتت وتعدد يف املو�ضوعات التي ينظرها املجل�س االقت�صادي
واالجتماعي ،واىل التباين يف نوعية املو�ضوعات التي يتم عر�ضها ،ما بني
مو�ضوعات ذات اهمية ا�سرتاتيجية ومو�ضوعات ذات اهمية حمدودة.
ا�ستنادا اىل ذلك ،يقدم التقرير مقرتحات لتطوير املجل�س االقت�صادي واالجتماعي،
ربطا مبركزية هذا املجل�س تبعا لر ؤ�ية االمني العام التي �سبقت اال�شارة اليها،
باجتاهني:
يقرتح امني عام اجلامعة ان يكون املجل�س على م�ستوى ر ؤ��ساء احلكومات ،حتى
ميكن جتنب ا�صدار قرارات ال يتم تنفيذها ،وذلك لتعدد ن�شاطات املجل�س،
ووجود اكرث من وزير خمت�ص يف ن�شاط من هذه الن�شاطات ،وما قد ي ؤ�دي اليه
ذلك من تعار�ض يف وجهات نظر ه ؤ�الء الوزراء .ويالحظ ان هذا املقرتح �سبق
ان عر�ض يف م�رشوع تعديل ميثاق جامعة الدول العربية يف مطلع الثمانينات،
28
ويلي هذا امل�ستوى مبا�رشة املجال�س الوزارية ،واملنظمات ،واالجهزة التي تدخل
نوعيات ن�شاطها يف اخت�صا�ص املجل�س االقت�صادي واالجتماعي .ويقوم املجل�س
االقت�صادي واالجتماعي على م�ستوى ر ؤ��ساء احلكومات بت�شكيل جلان فنية
يكون التمثيل فيها على ا�سا�س املو�ضوعات املطروحة على اجتماعات املجل�س.
ويتابع ،اما بالن�سبة اىل م ؤ��س�سات املجتمع املدين ،ورجال االعمال وامل�ستثمرين،
يتم حتقيق توا�صل بينهم وبني املجال�س الوزارية واملنظمات املتخ�ص�صة ،مع
الت أ�كيد على اهمية توجيه اهتمام كاف للمو�ضوعات التي تعر�ض من قبل هذه
الكيانات ،ليكون لها دور يف اطار العمل العربي امل�شرتك يتفق مع م�ستجدات
القرن الواحد والع�رشين فيما يتعلق بالعوملة ،واملناف�سة الدولية ،وا�ستخدام
التكنولوجيا احلديثة ،لتطوير االداء البريوقراطي التقليدي لالجهزة احلكومية،
على ان يحدد النظام الداخلي للمجل�س ا�سلوب ت�شكيل هذه اللجان وعملها،
وان تكون االمانة العامة جلامعة الدول العربية ،هي االمانة الفنية لهذه امل�ستويات
التنظيمية من خالل اجهزتها الفنية.
اما فيما يتعلق بتطوير اداء املجل�س االقت�صادي واالجتماعي ،ي ؤ�كد التقرير على
ان ي�سبقه تطوير حقيقي ومتكامل يف آ
اللية ال�سيا�سية ،التي متثل االطار العام
للعمل العربي امل�شرتك ككل ،والتي تخدم العمل واالداء يف هذا املجل�س وغريه
من املجال�س ،واملنظمات ،واالجهزة العربية ،وهي االمانة العامة جلامعة الدول
العربية.
29
اكد التقرير على اهمية توفر العن�رص الب�رشي القادر على القيام بهذا الدور،
باعتباره ركيزة ا�سا�سية لتمكني املجل�س االقت�صادي واالجتماعي من اال�ضطالع
بدوره ،كم ؤ��س�سة حمورية يف العمل االقت�صادي واالجتماعي العربي امل�شرتك .يف
هذا املجال ،انتقد التقرير نظم التوظيف يف اجلامعة وم ؤ��س�ساتها.
30
.4ال�صحة.
.5التعليم.
ودعت اللجنة التح�ضريية املجال�س الوزارية املتخ�ص�صة واملنظمات العربية
املتخ�ص�صة واحتادات القطاع اخلا�ص اىل تقدمي مقرتحاتها ب� أش�ن املو�ضوعات
والربامج وامل�شاريع التي ترى عر�ضها على القمة ،على ان تراعي هذه املقرتحات
جملة من املعايري اخلا�صة التي نخت�رصها بالتايل:
.1ان تعمل على تعزيز التكامل واالندماج يف الوطن العربي.
.2ان يكون لها عوائد ملمو�سة ومبا�رشة لدى املواطن العربي وت�سهم
يف رفع م�ستوى الدخل وحتقيق الرفاهة االجتماعية.
.3ان يكون للقطاع اخلا�ص دورا رئي�سيا يف اختيارها ومتويلها
وتنفيذها.
.4ان تراعي املدى الزمني الذي ي�ستغرقه تنفيذها قبل ان ت ؤ�تي
ثمارها.
.5ان تت�ضمن �آليات متويلها وتنفيذها.
.6ان يكون من بني تلك الربامج وامل�رشوعات ما يتالءم مع الظروف
االقت�صادية لبع�ض الدول العربية وقدراتها امل ؤ��س�سية.
.7ان تراعي االحتياجات التنموية للدول العربية.
.8ان تكون معززة بدرا�سات.
�شكل امني عام اجلامعة جلنة رفيعة ملتابعة هذا امللف ُ�أ�سميت بـ «جلنة الت�سيري
للقمة» التي �ست�ست�ضيفها الكويت ،وكلف ال�سفرية مريفت التالوي كمن�سق عام
لالعمال التح�ضريية لهذه القمة .وقد اكدت الدورة اخلا�صة باملجل�س االقت�صادي
واالجتماعي ،التي عقدت مبقر االمانة العامة يف القاهرة 3ـ ،6/6/2007يف
اطار ت أ�كيد تفوي�ض اللجنة الوزارية بالتح�ضري للقمة التنموية ،من �ضمن ما
اكدت عليه ،على ا�ستمرار التن�سيق والت�شاور مع القطاع اخلا�ص وم ؤ��س�سات
املجتمع املدين املعنية والعاملة يف جماالت التنمية االقت�صادية واالجتماعية ومراكز
االبحاث العربية الن�شطة يف هذه املجاالت يف االعداد للقمة.
31
ان اعادة ت أ�كيد وابراز م�شاركة املجتمع املدين العربي يف ور�شة التح�ضريات للقمة
التنموية ،جاءت بفعل الدور احلا�سم لالمانة العامة .ي أ�تي ذلك بعد ان ُ�سجلت
م�شاركة املجتمع املدين يف اجتماعات املجال�س الوزارية وم ؤ��س�سات العمل
العربي امل�شرتك منذ �آب /اغ�سط�س ،2006مع انطالقة املجل�س االقت�صادي
واالجتماعي يف ممار�سة مهمامه وفقا لهيكليته اجلديدة ،حيث مت ادماج م ؤ��س�سات
املجتمع املدين العربي يف اعماله وان�شطته .وبالتايل ،فان اعادة و�صل م�شاركة
املجتمع املدين العربي يف التح�ضري لقمة التنمية ،ي أ�تي ان�سجاما مع هذا التوجه
اال�صالحي .ويف نف�س ال�سياق ،تندرج م�ساهمتنا هذه يف �سياق ور�شة النقا�ش
التح�ضريي لهذه القمة التنموية.
يف تقريره حول تطوير العمل العربي امل�شرتك ومنظومتهُ ،ي�سجل امني عام اجلامعة
العربية ال�سيد عمر مو�سى جملة من خيارات العمل االقت�صادي العربي امل�شرتك
التي ميلكها العامل االقت�صادي العربي من اهمها:
.1عقد اتفاقية جديدة للعمل االقت�صادي العربي امل�شرتك ،من منظور
�شامل تبد�أ با�ستكمال منطقة التجارة احلرة العربية الكربى ،وو�ضع
اهداف ومراحل للعمل العربي وفقا لتوقيتات زمنية حمددة مع تبني
ا�سرتاتيجية توفر م�سارات متعددة للتعاون .كما تتيح للدول العربية
االن�ضمام لع�ضوية اي من اتفاقيات العمل االقت�صادي العربي
املالئمة.
.2اال�ستفادة من تعميم جتربة منطقة التجارة احلرة العربية املتو�سطية
(اعالن اغادير بني االردن وتون�س وم�رص واملغرب) بني الدول العربية
التي تو�صلت التفاقيات اقليمية مب�رشوطية دولية( ،اتفاقيات امل�شاركة
مع االحتاد االوروبي) وترغب يف ا�ستخدام هذا امل�سار كقاطرة توفر
32
عالقات اعمق وت�ستند ل�رشوط اكرث جدية...
تطوير االتفاقيات العربية القائمة ،وبخا�صة منطقة التجارة احلرة .3
العربية الكربى .وحترير التجارة مبعدالت ا�رسع وخف�ض والغاء
العوائق غري اجلمركية.
اتاحة دور رائد وحموري للقطاع اخلا�ص العربي يف العمل االقت�صادي .4
العربي امل�شرتك.
التعامل مع مو�ضوع التمويل على حمورين: .5
{ حمور التنمية بهدف تعزيز البنية اال�سا�سية على امل�ستويني
القطري واالقليمي العربي مبا يخدم ق�ضية التكامل االقت�صادي
للدول العربية .وتكثيف قيام منظمات و�صناديق التنمية
العربية بتوفري النوافذ الالزمة لتمويل م�رشوعات التنمية ذات
االبعاد االقليمية العربية ،مع العلم بان اداء هذه ال�صناديق هو
اداء مميز يف امل�ساهمة يف جهود التكامل والتنمية.
{ حمور اال�ستثمار من خالل م�رصف يقوم بامل�ساهمة يف بناء
التكامل االقليمي وتعزيز النمو املتوازن والتعاون االقت�صادي
واالجتماعي بني الدول العربية ،ويف اال�رساع بعملية التنمية
االجتماعية االقت�صادية على امل�ستويني القطري واالقليمي.
التعاون القطاعي مبا يتيح جماالت للتعاون والتكامل ومبا يراعي .6
ظروف الدول العربية ح�سب قدارتها وا�ستعدادها .ان وجود اكرث
من منط للتعاون من � أش�نه ان ي�ساهم ايجابيا يف عملية التنمية االقت�صادية
يف الدول العربية االقل منوا ،متهيدا لت أ�هيلها لالن�ضمام لالمناط االكرث
عمقا.
تبني فكر للتكامل االقت�صادي يقوم على فل�سفة واطار ا�شمل �ضمن .7
�سيا�سات اال�صالح يف الداخل بالتوازي مع فتح اال�سواق يف اخلارج،
والتو�صل اىل ن�سيج من االدوات وال�سيا�سات ال�رضورية لدفع عجلة
االنتاج وجذب اال�ستثمار وحتقيق النمو االقت�صادي ومن بني ذلك:
33
ازالة قيود اال�ستثمار وت�شجيع املناف�سة وتطوير البنية اال�سا�سية {
جلذب اال�ستثمار.
�ضبط اداء االجهزة البريوقراطية وممار�سات جماعات امل�صالح {
العاملية.
اىل جانب اقرار القمة العربية مليثاق اجلامعة حول العمل االقت�صادي العربي
النف الذكر عاموده املركزي ،مت اقرار ملحق امل�شرتك ،الذي ميثل تقرير مو�سى آ
خا�ص بتعزيز هذا العمل كالتايل:
{ االحتاد اجلمركي (املادة :)1 :يقوم املجل�س االقت�صادي واالجتماعي
بو�ضع خطة حمددة من خالل برنامج تنفيذي يتم التبادل التجاري يف
ال�سلع واخلدمات بني الدول العربية مبقت�ضاه يف اطار احتاد جمركي
يتم حتقيقه يف موعد اق�صاه اول يناير /كانون الثاين 2015على ان
يتم التو�صل اىل التعريفة اجلمركية املوحدة با�سلوب تدريجي قبل هذا
التاريخ.
{ تن�سيق ال�سيا�سات االقت�صادية (املادة:)4 :
.1تعمل الدول العربية على حتقيق التن�سيق والتجان�س بني خططها
االمنائية بهدف الو�صول اىل التكامل االقت�صادي فيما بينها ،كما تقوم
بالت�شاور والتن�سيق وتبادل املعلومات حول ال�سيا�سات املالية والنقدية
وامل�رصفية.
.2دفعا للم�صالح االقت�صادية وحتقيقا للتنمية االجتماعية العربية تقوم
الدول العربية بتكثيف التن�سيق والت�شاور فيما بينها لبلورة مواقف
جماعية جتاه الدول والتجمعات االقليمية االخرى وكذلك يف
34
املنظمات الدولية وعند امل�شاركة يف امل ؤ�مترات الدولية يف املجالني
االقت�صادي واالجتماعي.
.3تدعيما للمركز التفاو�ضي للدول العربية تقوم هذه الدول مبواءمة
�سيا�ساتها واالتفاقيات التي تربمها مع الدول االجنبية وذلك متهيدا
لقيام الدول العربية بعقد اتفاقيات اقت�صادية جماعية مع اهم �رشكائها
التجاريني.
.4تتبنى الدول العربية االجراءات وال�سيا�سات الالزمة لتطوير �سيا�سات
تنمية �شاملة ومتنا�سقة ت�ستهدف االندماج االقت�صادي .وتهدف الدول
العربية ب�صفة خا�صة اىل حتقيق التنمية مبا يقلل من التفاوت يف درجات
للقاليم وللتخفيف من درجة تخلف املناطق االقل تقدم ًا. النمو أ
35
ـ الف�صل الثالث :جامعة الدول العربية بني مبادرات ال�ضغط والتحفيز
�شكلت مبادرة اجلامعة العربية اال�صالحية باالنفتاح على املجتمع املدين العربي
وتفعيل العالقة معه ،تثبيتا للمعادلة التي قامت عليها كل ادبيات التنمية احلديثة
جلهة اهمية امل�شاركة ودور املجتمع املدين املركزي فيها.
عند االعالن عن هذه املبادرة اال�صالحية مل يكن هذا املجتمع املدين العربي قد
�سجل جتربة ت�سمح ببلورة تواجده كاطار ذو ر ؤ�ية وم ؤ��س�سات ،بقدر ما كان
تعبريا عن حالة ارتبطت ببع�ض املبادرات االهلية املتفرقة وببع�ض املحاوالت
الت أ��سي�سية خللق اطر عمل م�شرتك بني بع�ض الهيئات واملنظمات النا�شطة يف بع�ض
البلدان العربية.
ـ مبادارت اقليمية
36
التي ارتكزت اليها هذه املبادرات ،نظرا ملا ارتبط بها من
حمفزات مالية ب�صورة م�ساعدات متنوعة ُوعدت بها يف اطار
ت�شجيعها على التعامل االيجابي معها.
لقد فُهم م�رشوع بر�شلونة على انه نوع من �شهادة ميالد ،وحدث م ؤ��س�س
ملجتمع مدين اورو متو�سطي .واكدت �سل�سلة املنتديات االوروـ متو�سطية ،يف
�شتوتغارت يف ني�سان/ابريل ،1999ومر�سيليا يف ت�رشين الثاين /نوفمرب ،2000
اىل االجتماعات الوزارية االوروـ متو�سطية كاجتماع بروك�سل يف ت�رشين الثاين/
نوفمرب ،2001على اعطاء املجتمع املدين االهمية يف جوانب ال�رشاكة ،واعتماد
خال�صات املنتديات املدنية يف خمتلف مقارباتهم ملجمل الق�ضايا ذات ال�صلة.
وقد احتلت ق�ضايا التنمية االقت�صادية والعالقات ال�صناعية وق�ضايا البيئة وحقوق
االن�سان واملواطنة وحل النزاعات االجتماعية ،عناوين ا�سا�سية على جدول اعمال
هذه اللقاءات .كذلك ،فان ق�ضايا احلوار الثقايف والتعاون االعالمي وق�ضايا
الهجرة �شكلت حماور ا�سا�سية ركزت عليها جملة من التو�صيات اخلا�صة يف هذه
املنتديات .ويف كانون الثاين /يناير 1997مت اعالن ت أ��سي�س «ال�شبكة االوروـ
متو�سطية حلقوق االن�سان ( )REMDHمببادرة من املركز الدامناركي حلقوق
االن�سان ،وجرى خالل امل ؤ�متر الوزاري االوروبي املنعقد يف مالطة االعرتاف
بع�ضوية هذه ال�شبكة يف م�سار بر�شلونة .وقد تركزت عناوين هذه ال�شبكة على
ق�ضايا م�ساندة املبادئ العاملية حلقوق االن�سان .وم�ساندة جهود اع�ضائها ودعمها
التن�سيق بينها لتمكينها من مراقبة مدى احرتام هذه املبادئ .اىل ذلك ،فقد ركزت
مبادئ هذه ال�شبكة على م�ساندة انت�شار امل ؤ��س�سات الدميوقراطية ،وت�شجيع قيام
دولة القانون ،وحقوق االن�سان ،والرتبية يف جمال حقوق االن�سان يف دول املنطقة
االوروـ متو�سطية .وقد طاولت اهتمامات هذه ال�شبكة ملفات جديدة حول
الق�ضية الفل�سطينية .اال ان احل�ضور اخلفر ،يف جممل هذه املنتديات ،للملفات
ال�سيا�سية وب�صورة خا�صة تلك التي تطال امل� أس�لة االمنية فيها ،عاد ليحتل موقعا
ا�سا�سيا بعد الهجوم االرهابي على برجي التجارة العاملية يف .11/9/2001
37
يف هذا ال�سياق ،وربطا مبختلف هذه املعطيات اجلديدة التي تعزز من فر�ص خلق
بيئات م ؤ�اتية لقيامة وتطوير وتفعيل اطر املجتمع املدين العربي ،من جهة ،وال�ضغط
على احلكومات املعنية باجتاه دعم التحوالت الدميوقراطية فيها ،من جهة اخرى،
فان جامعة الدول العربية قد وجدت نف�سها امام مرحلة نوعية جديدة مل ت�شهدها
ومل تختربها �سابقا .وقد امن ذلك ،ربطا باو�ضاع اقليمية وعاملية جديدة ،ظروفا
�ضاغطة وحمفزة يف �آن.
وتعبريا عن ن�ضج ظروف بلورة قيامة جمتمع مدين عربي جديد ،انطلقت ور�شة
الت�شبيك اجلمعوي التي �سجلت �سل�سلة من املحطات املتميزة عربيا .فقد امنت
املنظمات العربية غري احلكومية للتنمية م�شاركة املجتمع املدين العربي يف م ؤ�متر
كوبنهاغن 1995ويف جنيف 2000ومن ثم يف جوهان�سربغ .2002واعلنت
عن ت أ��سي�س �شبكة املنظمات العربية غري احلكومية للتنمية عام .1999واعدت
املنتدى (للت أ�كد من زياد) الدويل حول منظمة التجارة 2001واملنتدى �ضد
احلرب .2003وبعد �سل�سلة االن�شطة هذه مت عقد امل ؤ�متر الت أ��سي�سي لل�شبكة
العربية للمنظمات االهلية ببريوت يف العام ،2002مب�شاركة نحو 1600من
الفاعلني اجلمعويني يف املنطقة العربية .وقد اعلنت هذه ال�شبكة لنف�سها جمموعة
من االهداف من ابرزها:
.2تعزيز عالقات التعاون والتن�سيق والتفاعل بني االحتادات
والتنظيمات العاملة يف جماالت التنمية الب�رشية امل�ستدامة ،وبينها
وبني امل ؤ��س�سات العربية االقليمية والدولية العاملة يف املجال
نف�سه....
.3تطوير العمل االهلي العربي من خالل برامج وم�رشوعات
رائدة تبادر بها االحتادات والتنظيمات العاملة يف جمال التنمية
الب�رشية..
.4تطوير البناء امل ؤ��س�سي لهذه التنظيمات لزيادة كفاءاتها وفعاليتها
يف حتقيق اهدافها وتعزيز قدارتها على تنمية مواردها املالية
38
لتنفيذ الربامج وامل�رشوعات املوجهة نحو ال�رشائح االجتماعية
امل�ستفيدة...
لقد �شكل عقد هذا امل ؤ�متر واالهداف التي اعلنها تعبريا عن مرحلة جديدة ت ؤ�رخ
لقيامة جمتمع مدين عربي يطرح ،فيما يطرح� ،رضورة تفعيل ال�رشاكة والرتابط بينه
وبني الهيئات االقليمية ،ويف طليعتها جامعة الدول العربية ،من اجل اال�ستفادة
املتبادلة واطالق ديناميات جديدة تكفل تطوير البناء املجمتمعي العربي وتطوير
اداء اجلامعة العربية على خمتلف ال�صعد.
ان ابرز املبادرات اال�صالحية االقليمية والتي ات�سمت باجلر�أة والو�ضوح مبا
حملته من اقرتاحات وما عربت عنه من ر ؤ�ى جديدة ،جاءت من جمعيات
اهلية .من اوىل املبادرات اال�صالحية العربية ذات البعد الدميوقراطي التي متت
برعاية جمعيات اهلية ،كان اطالق «املنظمة العربية حلقوق االن�سان» التي اعلنها
اجتماع 71مفكرا عربيا يف امل ؤ�متر الذي عقد يف منت�صف الثمانينات حتت
عنوان «االزمة الدميوقراطية يف العامل العربي» يف قرب�ص ،بعد رف�ض احلكومات
العربية ال�ست�ضافته فيها .جاء هذا الرف�ض تعبريا عن ح�سا�سية هذا امللف لدى هذه
احلكومات .و�شكل تعبريا عن بروز ميول الت�شدد ال�سلطوي يف تناول جملة
امللفات اخلا�صة بادارة البالد بعد ت�سجيل تفاقم االزمات الهيكلية التي �شهدتها
معظم التجارب التنموية يف املنطقة العربية ،وما �سجل يف هذا ال�سياق من تخل
عن االلتزامات التي اطلقت يف املجالني االقت�صادي واالجتماعي ،رغم املكا�سب
اجلزئية التي مت ت�سجيلها على هذا ال�صعيد يف مرحلة �سابقة و�سجلتها تقارير البنك
الدويل.
-راجع تقرير غري من�شور حول «احلقوق االقت�صادية واالجتماعية :اطاللة اولية على
املبادرات الدولية واالقليمية»� .ص .7/6 :من�شورات �شبكة املنظمات العربية غري احلكومية
للتنمية.
39
{ تقرير التنمية االن�سانية العربية يوليو /متوز 2002
يطيب للبع�ض التوقف عند حمطة الهجمات االرهابية على برجي التجارة العاملية،
يف ،11/9/2001ت أ��شريا ملرحلة اطالق مبادرات اال�صالح الدميقراطي يف
املنطقة العربية بفعل ال�ضغط الذي مار�سته حكومة الواليات املتحدة االمريكية
على حكومات املنطقة يف اطار ور�شة حما�رصة االرهاب و�رضبه .يف هذا ال�سياق،
ُي�سجل قيام حكومة الواليات املتحدة االمريكية بدور مبا�رش يف عملية الرتويج
لال�صالح يف ال�رشق االو�سط من خالل مبادرة ال�رشاكة ال�رشق او�سطية التي اعلنت
يف يونيو /حزيران ،2002ومبادرة ال�رشق االو�سط الكبري و�شمال افريقيا ،التي
اعلنت يف م ؤ�متر قمة جمموعة البلدان الثمانية يف يونيو /حزيران .2004لقد
�شكلت مهمة ا�صالح ال�رشق االو�سط اولوية ق�صوى يف بداية ادارة بو�ش الثانية
بعدما ا�صبحت هذه االدارة طرفا حمليا اثر احتاللها للعراق ني�سان .2003
وان كان من العبث التنكر للدور الذي تركه هذا ال�ضغط ،خا�صة على حكومات
املنطقة ،فانه من املجحف مبكان �شطب كل املبادرات التي �شهدتها املنطقة العربية
قبل تداعيات هجمات ايلول .2001يف هذا ال�سياق ،ميكن اال�شارة اىل تقرير
التنمية االن�سانية العربية الذي كتبه فريق ثالثيني من املفكرين والباحثني العرب،
حتت رعاية االمم املتحدة ،ومت ا�صداره يف يوليو /متوز .2002وهذا يعني ان
فكرة التقرير وحت�ضريه واليات تنفيذه قامت قبل احداث ايلول .2001وقد عرب
هذا التقرير عن حاجة املنطقة اىل اال�صالح ال�سيا�سي واالقت�صادي واالجتماعي.
س� االمور يف العامل العربي جلهة نق�ص احلرية ونق�ص متكني وقدم مقاربة نقدية ل� ؤ
الن�ساء ونق�ص املعرفة .واو�صى بتمكني املجتمع املدين من خالل رفع العوائق
والقيود االدارية .ودعا اىل �سيادة القانون وار�ساء �ضمانات حلقوق املواطنني
اال�سا�سية ،وخ�صو�صا حرية التعبري وحرية تكوين النقابات .و�شجع على تعزيز
س�ولة .واكد على �رضورة ازالة التحيز �ضد املر�أة يفو�سائل االعالم احلرة وامل� ؤ
�سوق العمل والرتكيز ب�شكل اكرب على البحث والتطوير يف علوم املعرفة .لقد
اعترب البع�ض ان هذا التقرير ال ي�شكل مبادرة لال�صالح يف حد ذاته ،مبقدار كونه
40
و�ضع معايريا حلوار من اجل اال�صالح داخل املنطقة وعلى امل�ستوى الدويل
على ال�سواء .وهذا ما وفر ا�سا�سا ل�صانعي ال�سيا�سات يف املنطقة والعامل لطرح
10
مقرتحاتهم اال�صالحية يف بيئة م ؤ�اتية اكرث.
ا�ستنادا اىل كل ذلك� ،شكل تقرير التنمية االن�سانية العربية ا�سا�سا قامت باال�ستناد
اليه ،مقرتحات اال�صالح التي تلت ا�صداره يف العامل العربي وذلك بتج�سيد
التحديات ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية والدميوغرافية التي تواجهها
املنطقة .قد مثل اطالق هذا التقرير ت أ��سي�سا يف خلق بيئة حمفزة و�ضاغطة ،يف �آن،
على خمتلف القوى النا�شطة يف جمال العمل العام لفتح ملفات اال�صالح واطالق
ور�شاتها اخلا�صة يف هذا املجال .اال ان هذا التقرير ،مع كل االهمية التي ت�سجل
الليات.ال�سهاماته ،فقد بقي على �ضفاف ملف اال�صالح ومل يلجه ،خا�صة جلهة آ
وبالتايل ،فهو مل يت�ضمن اية ا�شارات حمددة ميكن ادراجها حتت عنوان مقاربة ملف
اال�صالح االقت�صادي واالجتماعي الذي اطلقته جامعة الدول العربية .يف املقابل،
فقد قارب البع�ض هذا التقرير نقديا جلهة ق�صورة يف طرح بع�ض امللفات ال�شائكة
عرب جتنبها .وي�شار هنا اىل جتنب وا�ضعي التقرير طرح ق�ضايا الدين والثقافة ودور
اال�سالم يف ال�سيا�سة العربية ويف املجتمع العربي ،ف�ضال عن مغاالته يف تقدمي
�صورة قامتة للعامل العربي ،ربطا بان هذه املقاربة ال�سوداوية املفرطة �ست�شكل ،من
منظور نظرية امل ؤ�امرة ،اطارا م�شجعا لتدخل اجنبي ي�سعى لفر�ض ارادته على
هذه املنطقة.
ت�شكل هذا املنتدى من 52جمعية اهلية عربية من 13بلداً .انعقد يف حمطة اوىل
عام 2002اثناء قمة بريوت حيث ا�صدر اعالنا خا�صا ُ�س ِّلم اىل ال�سيد طاهر
امل�رصي .و�سارع اىل االنعقاد حماوال ا�ستباق انعقاد القمة العربية املخ�ص�صة لق�ضية
اال�صالح ال�سيا�سي التي ت أ�جل انعقادها يف تون�س حتى �آيار /مايو .2004واعترب
- 10راجع منى يعقوبيان .الرتويج للدميقراطية يف ال�رشق االو�سط .اجلزء الثاين .املبادرات
العربية .معهد ال�سالم االمريكي .تقرير خا�ص رقم .136مايو /ايار � .2005ص �ص.5..2 :
41
هذا اللقاء مبثابة قمة للجمعيات االهلية العربية .وعرف الحقا با�سم «املنتدى
املدين» .وهو يعترب من اكرث مبادرات اال�صالح االهلية العربية تبلورا على هذا
ال�صعيد .وب�سبب منعه من االنعقاد يف تون�س ،اجتمع املنتدى يف بريوت ملدة
اربعة ايام 19ـ 22مار�س� /آذار .2004
لقد عك�س املنتدى املدين يف م�سار تطوره الالحق وجهات نظر ت�شمل املنطقة
ب أ�كملها وتعك�س م�صالح جمعيات حقوق االن�سان واجلماعات الن�سائية
واملنظمات املعنية بحرية ال�صحافة .وقامت هذه املنظمات واجلمعيات يف اطار
هذا املنتدى ب�صفتها جهات م�ستقلة حقا عن اي حكومة يف املنطقة .و�سعت اىل
التعبري عن جممل الطموحات ال�شعبية من اجل التغيري .وقد توجهت يف دعواتها
اىل احلكومات ب�صورة ا�سا�سية واىل املفكرين واالعالميني مبختلف انتماءاتهم.
وقد اكد املنتدى فيما يطال �آلية املتابعة املطلوبة ،على �رضورة عقد م ؤ�مترات موازية
للجمعيات االهلية ترافق م ؤ�مترات القمة العربية .وقد �شكل ذلك ا�سا�سا م�ساعدا
ل�ضمان املتابعة امل�ستمرة ،من جهة ،وجماال اليالء اهتمام اكرب مبقرتحاته من اجل
اال�صالح ،من جهة اخرى .اىل جانب ذلك ،مل ي�سجل اي تقاطع يذكر واي
ت�شبيك جدي بني طروحات هذا املنتدى ودعواته اال�صالحية وبني الطروحات
اال�صالحية التي اطلقتها جامعة الدول العربية وبخا�صة تلك التي قٌدمت ب�صفتها
تندرج حتت عنوان تعزيز فر�ص ال�رشاكة والتعاون بني اجلامعة واملجتمع املدين
العربي ،الذي ي�شكل املنتدى املدين احدى اوىل ت�شكيالته التنظيمية االقليمية .ان
هذا الواقع يطرح امام املعنني يف متابعة ملف اال�صالح يف اجلامعة العربية �رضورة
اخلروج من دائرة الدعوات العامة واملبدئية لل�رشاكة مع املجتمع املدين العربي
وهيئاته اىل دائرة التفعيل وو�ضع آ
الليات التنفيذية لذلك.
اطلق هذا االعالن اكرث من مئة م�شرتك من كافة انحاء العامل العربي ميثلون طائفة
عري�ضة من ال�صحفيني والنا�شطني يف العمل االهلي وال�سيا�سيني .مت ذلك اثر لقاء
ا�ست�ضافه مركز درا�سات اخلليج التابع جلامعة قطر بدعم من احلكومة القطرية ،يف
42
3و 4يونيو /حزيران .2004وقد ا�ستمرت هذه الرعاية الر�سمية لكل اللقاءات
الالحقة والدورية التي مت عقدها الحقا ،والتي رافقتها جملة من الطقو�س الر�سمية
جلهة دعوة �شخ�صيات ر�سمية عربية وعاملية للم�شاركة يف هذه اللقاءات.
لقد تركزت تو�صيات هذا االعالن على جملة من املطالب ال�سيا�سية التي
تندرج حتت عنوان تعزيز الدميوقراطية يف املنطقة عرب ا�صالح االنظمة العربية
على اختالفها .ومبعزل عن م�ضمون املقاربات التي ت�ضمنها هذا االعالن ،فاننا
الليات التي اطلقها جلهة تقاطعها مع اجلهود اال�صالحية معنيون بر�صد م� أس�لة آ
املطروحة يف املنطقة ،وبخا�صة تلك التي طرحتها جامعة الدول العربية .لقد اكد
هذا االعالن على �رضورة املتابعة يف اطار هذه املهمة اال�صالحية .واقرتح ان�شاء
م ؤ��س�سة ملراقبة الدميوقراطية العربية مقرها قطر .على ان تقوم هذه املجموعة
بر�صد ومتابعة املقرتحات الواردة يف اعالن الدوحة باال�ضافة اىل مبادرات
اال�صالح االخرى مثل مبادرة بريوت واال�سكندرية و�صنعاء.
لقد مثلت مهمة الت�شبيك مع املبادرات والهيئات االخرى يف اطار املجتمع املدين
العربي ،عنوانا بارزا خل�صت اليه اعمال م ؤ�متر الدوحة .وعرب ذلك عن تقدم يف
ادراك اهمية ذلك يف دفع مهمات اال�صالح ودور االطر املختلفة لت�شكيالت
املجتمع املدين العربي يف ذلك .اال انه من امللفت اي�ضا ان يغيب عن هذا االعالن
حلظ مبادرة اجلامعة العربية اال�صالحية ب�صفتها عنوانا من عناوين طرح مهمة
اال�صالح يف املنطقة العربية وما يقت�ضيه ذلك من �سعي للت�شبيك معها وتفعيل
عناوين التقاطعات املختلفة معها.
43
واالجتماعي والثقايف ،مع الرتكيز املتميز على البعد االقت�صادي .ومبعزل عن
اجلدل الذي اثاره هذا اللقاء جلهة الرعاية الر�سمية امل�رصية له ،وما �سجله البع�ض
من تراجع مقاربته النقدية وحمدودية دعوته اال�صالحية قيا�سا باعالن بريوت او
اعالن الدوحة ،فقد توقف منذ البداية عند مهمة ت�شجيع تعديل القوانني املقيدة
حلرية تكوين م ؤ��س�سات املجتع املدين .ودعا اىل عقد م ؤ�مترات وطنية لال�صالح
يف خمتلف البلدان العربية .ومما يلفت يف اعالن هذه الوثيقة ان املوقعني عليها
قاموا بذلك ك أ�فراد ولي�س كممثلني ملنظمات حمددة مما طرح م� أس�لة متثيلية الوثيقة
وما �سماه البع�ض ا�شكالية وزنها التمثيلي.
وقد �سجلت وثيقة اال�سكندرية ،با�سم من وقعها� ،سل�سلة من االقرتاحات تطال
خمتلف امل�ستويات التي يفرت�ض ان تطالها الور�شة اال�صالحية .و�سعيا اىل تنفيذ
هذه املقرتحات ،دعت الوثيقة «اىل االتفاق مع جامعة الدول العربية لتبني �سل�سلة
من امل ؤ�مترات العامة والندوات املتخ�ص�صة ،ملناق�شة هذه املو�ضوعات بالعمق
الذي يتنا�سب واهميتها ودقتها ،و�رضورة و�ضعها يف اطار عملي ،ي�ستجيب اىل
حتديات االقت�صادات العربية على امل�ستوى القطري واالقليمي».
اىل جانب هذه املطالبة التي توجهت بها اىل جامعة الدول العربية ،مل ت�سجل
هذه الوثيقة اية ا�شارة اىل الور�شة اال�صالحية التي اطلقتها اجلامعة .وبالتايل فهي
مل ت�رش اىل اية تقاطعات او اية عملية ت�شبيك مطلوبة بني جهودها وجهود خمتلف
اجلهات املنخرطة يف اطر املجتمع املدين العربي ،وال بينها وبني اجلهود التي
اطلقتها الور�شة اال�صالحية جلامعة الدول العربية.
�صدر هذا االعالن عن م ؤ�متر عقد بتاريخ 10ـ 12يناير/كانون الثاين ،2004
ح�رضه 820م�شاركا ميثلون 52بلدا ،من بينهم ممثلون عن احلكومات باال�ضافة
اىل طائفة من منظمات املجتمع املدين واالحزاب ال�سيا�سية ،وا�شرتكت احلكومة
اليمنية يف تنظيمه .ويعترب االول من نوعه جلهة جمعه ال�رصيح للحكومات
44
واملجتمع املدين على قاعدة االعرتاف اجلدي بامكان التعاون املثمر بينهما .وقد
ت�ضمن عدة عناوين ا�صالحية تطال ق�ضايا انتخاب الهيئات الت�رشيعية ،وقيام
�سلطات ق�ضائية م�ستقلة ،واحرتام �سيادة القانون ،ومتكني املر�أة ،وا�ستقالل دور
القطاع اخلا�ص ك�رشيك حيوي يف اي جهد ا�صالحي .كما مت الرتكيز على اهمية
تعزيز ال�رشاكة بني احلكومات واملجتمع املدين على قاعدة اهمية ال�رشاكة واحلوار
بينهما الجناح النهو�ض اال�صالحي يف املنطقة العربية .و�شكل ان�شاء «املنتدى
العربي للحوار الدميوقراطي» عنوانا ا�سا�سيا آ
للليات الرامية اىل حتفيز احلوار بني
خمتلف االطراف احلكومية واالهلية.
اىل جانب املالحظة النقدية التي طالت عالقة هذا املنتدى واعالنه مع ال�سلطات
الر�سمية وما يرتكه ذلك من ت أ�ثريات تطال ال�سقوف اال�صالحية التي يت�ضمنها،
فقد ُ�سجل افتقار هذا االعالن اىل التحديد واقت�صار مقارباته على عموميات
مبهمة .كذلك ُ�سجل خلوه من اية ا�شارة للتقاطع والت�شبيك مع اجلهود اال�صالحية
املختلفة التي اطلقتها وتطلقها هيئات ومنظمات املجتمع املدين العربي وجامعة
الدول العربية.
45
بغر�ض تنمية العالقات العربية البينية وتطويرها .و�سعت اىل و�ضع برنامج مطلبي
للقلمة العربية ،يتوجه اىل احلكومات الراهنة ،ويحثها على اال�ستجابة حلاجات أ
اجلماعات املعنية بق�ضية التكامل العربي ومطالبها .وحر�صت على بلورة برناجمها
من خالل عملية م�سح علمية بحثية ،ومراجعة ملقررات اجلامعة واتفاقياتها،
املتعلقة مب� أس�لة التكتل االقليمي العربي ،والتي وقعت عليها الدول العربية.
ومن امللفت ،ان هذه اجلمعية حددت لنف�سها ،ومنذ البداية ،انها تركز على
املطالب التي ال مت�س امن النخب احلاكمة ،النه ،ح�سب تقديرها ،لن يكون هناك
جدوى او فائدة لعمل الرابطة كجماعة �ضغط ،ان مل ت�سمح احلكومات بذلك،
وت�ستمع اليها.
الدميوقراطي العربي
حتت عنوان «حول التحوالت الدميوقراطية ودور املجتمع املدين ...نظرة اىل
امل�ستقبل» ،عقد يف �صنعاء بتاريخ � 19/20سبتمرب /ايلول 2005منتدى احلوار
الدميوقراطي العربي الذي نظمه مركز املعلومات والت أ�هيل حلقوق االن�سان
( )HRITCمب�شاركة منظمات اقليمية ودولية وح�ضور اكرث من � 150شخ�صية
عربية واوروبية وممثلني لهيئات اقليمية .ناق�ش امل�شاركون ق�ضايا املبادرات
واالعالنات االقليمية يف املنطقة التي مهدت الطريق لربنامج دعم حوار
الدميوقراطية ( DADاعالن �صنعاء ـ قمة تون�س ـ بيان اال�سكندرية ـ بيان الرباط
ـ بيان اال�ستقالل الثاين «بريوت» والقاهرة ـ والدوحة) ،وغريها من مبادرات
املجتمع املدين يف العامل العربي .كذلك ،مت التوقف عند �آليات «املنتدى العربي
للحوار الدميوقراطي» لدعم احلوار داخل املجتمع املدين العربي ولتعزيز �رشاكة
املجتمع املدين مع احلكومات ،ا�ضافة اىل عدد من الق�ضايا الهامة مثل «حماربة
الف�ساد» املر�أة والبطالةـ �سيادة القانون ـ حقوق االن�سان.
لقد اظهر هذا اللقاء احلاجة اىل اطالق مهمة التن�سيق بني جملة املبادرات
46
التي اطلقتها هيئات املجتمع املدين العربي و�شهدتها املنطقة العربية على مدى
ال�سنوات القليلة املا�ضية .ت أ�كدت هذه احلاجة يف ظل الت�شابه والتقاطع الكبريين
يف عناوين جملة اللقاءات واملنتديات التي مت تنظيمها حتت عناوين اال�صالح
ال�سيا�سي والدميوقراطي واالقت�صادي واالجتماعي وادوار قوى املجتمع املدين
يف ذلك .وقد ابرز هذا الت�شابه وهذا التكرار مظهرا من مظاهر االهدار يف
اجلهد واالمكانات الذي اخذ ينفذ اىل اطر وهيئات املجتمع املدين العربي .وقد
اثار هذا االمر م� أس�لة م�صداقية هذه املنتديات وجهودها اال�صالحية فيما هذه
احلركة تعي�ش بداية تبلورها كاطار واعد وا�سا�سي يف اي جهد ا�صالحي مطلوب
للمنطقة العربية.
لقد حدد هذا املنتدى هدفية هذا احلوار بو�ضع �آلية للتوا�صل بني خمتلف م ؤ��س�سات
املجتمع املدين والرتكيز يف ذلك على جانبني:
� .1صياغة برنامج عمل م ؤ��س�سات املجتمع املدين فيما بينها لتعزيز احلوار
وال�رشاكة.
� .2صياغة برنامج لتعزيز احلوار وال�رشاكة بني م ؤ��س�سات املجتمع املدين،
من جهة ،وامل ؤ��س�سات الر�سمية ،من جهة ثانية.
يف هذا ال�سياق ،توقف املجتمعون يف هذا املنتدى عند اهمية م أ��س�سة هذا احلوار
حتى ال يكون ظرفيا او يوظف �سيا�سيا وان تعتمد خطط العمل على برامج بديلة
وان تنتقل منظمات املجتمع املدين من جمرد منظمات احتجاجية اىل قوة اقرتاح.
واثار املنتدى ،من جملة ما اثاره ،م� أس�لة ال�رشاكات اال�سرتاتيجية مع املنظمات
االقليمية .ومما يلفت هنا ان اية ا�شارة مل ت�سجل ،يف اطار ور�شة الت�شبيك والتن�سيق
هذه ،اىل جهود اجلامعة العربية وم�رشوعها اال�صالحي.
47
48
الق�سم الثاين
49
االو�ضاع القلقة يف العديد من البلدان العربية التي تواجه �شعوبها و�سلمها االهلي
وانظمتها خيارات حا�سمة يف م�سارات تطورها املقبلة ،ربطا باحتدام �رصاعاتها
الداخلية املتنوعة؟ .امل�رشوع االمريكي لل�رشق االو�سط الكبري ونتائجه امللتب�سة؟
الدور االيراين االقليمي واحالم امرباطورية م�ستعادة؟ امل�شاريع اال�صولية على
تنوعاتها املذهبية وخياراتها املتفجرة واملتكيفة؟
من الطبيعي ان تت أ�ثر اية مقاربة الو�ضاع «املجتمع املدين العربي» مبجمل هذه
االو�ضاع .وبالتايل ،فان النتائج التي �ستتحقق يف اية من هذه املجاالت �ستطال
يف نتائجها ،فيما تطال ،او�ضاع هذا املجتمع .اال ان ال�صورة املركبة عن حقيقة
االو�ضاع العامة التي حتيط بهذا املجتمع تفرت�ض اال�شارة اىل جملة من املعطيات
االيجابية اجلديدة املواكبة وامل�شجعة واملحفزة على ت�شكل وتبلور وتطور هذا
املجتمع .12وهي ترتاوح بني االهتمام الدويل واالقليمي واملحلي مبنظمات
املجتمع املدين العاملة يف البلدان العربية ،عرب ح�شد املبادرات اخلا�صة بدفع
الدميوقراطية واال�صالح يف املنطقة .وح�صول تغريـ وان بدا حمدوداـ يف �سيا�سات
االنظمة العربية جتاه ا�سلوب ادارة احلكم والتعامل مع املجتمع واملواطنني .اىل
بروز ديناميكية غري م�سبوقة على م�ستوى حرية التعبري وال�صحافة يف الكثري من
البلدان العربية خالل ال�سنوات االخرية ،لعبت فيها الف�ضائيات العربية ،رغم ما
ميكن ان ي�سجل عليها من مالحظات نقدية ،دورا �صحيا .دون ان نن�سى الدور
الهام واحلا�سم الذي وفرته ثورة االت�صاالت واملعلومات.
لقد �سلطت التطورات التي �شهدها العامل واملنطقة اال�ضواء اكرث فاكرث على هذا
املكون االجتماعي اال�سا�سي ،املجتمع املدين .فبح�ضوره ودوره تتكامل خريطة
- 12راجع �صالح الدين اجلور�شي« .منظمات املجتمع املدين ومع�ضلة التحول الدميوقراطي يف العامل
العربي» .من�شورات �شبكة املنظمات العربية غري احلكومية للتنمية .بريوت .اوكتوبر /ت�رشين االول.2006 .
�ص �ص.24..23 :
50
العنا�رص التي ،وعلى قاعدة ت�شابكها ،تتوافر �رشوط قيامة امل�رشوع التنموي يف
خمتلف م�ستوياته ،وتت أ��س�س امكانات جناحه وتطوره .لذا ،فقد تكثف ح�ضور
هذا املفهوم يف خمتلف املقاربات التي قر�أت وحللت وخططت يف اطار
�سعيها لتجاوز حاالت التخلف االقت�صادي واالجتماعي وال�سيا�سي واالن�ساين
والتنموي ،وبخا�صة يف جمال ت�صديها ملهمات اال�صالح التي راجت كثريا،
لك أ�ننا امام «و�صفة �سحرية» �ضجت بها كل االدبيات واملبادرات التي يطلقها
اجلميع من جهات ر�سمية اىل خا�صة واهلية ،حملية واقليمية ودولية .اال ان هذا
احل�ضور ترافق مع بروز �سل�سلة من اال�شكاالت التي ترافق هذا اال�ستخدام وتطال
جملة من امل�سائل منها:
عربت ا�شكاليات مقاربة ق�ضايا املجتمع املدين مفهوميا عن مرحلة جديدة ت�سعى
ل�صياغة عدتها املفهمومية يف اطار ور�شة فهم العامل اجلديد ،عامل ما بعد انهيار
االحتاد ال�سوفياتي و�سائر املنظومة اال�شرتاكية ،وما رافقه من تغيريات هائلة ربطا
بانتهاء ع�رص احلرب الباردة .واحدى ابرز ور�شات التغيري �شهدها العامل الثالث
عرب �سحب وانح�سار وازاحة مفاهيم الثورة والتغيري الثوري وال�رصاع الطبقي،
جلهة ا�ستبدالها مبفاهيم جديدة تن�سجم مع املرحلة اجلديدة ،مرحلة العوملة .يف
هذا ال�سياق ،تكونت ت�شكيلة مفاهيمية جديدة يقوم يف ا�سا�سها املجتمع املدين
وما يرافقه من عناوين تطال ق�ضايا حقوق االن�سان ومواجهة الفقر والبطالة
واالمية والتنمية املحلية واجلندر والبيئة واالدارة الر�شيدة وغريها .وقد و�صلت
حماوالت البع�ض ،على هذا ال�صعيد ،حدود اعتبار ان هذا احلقل اجلديد هو احلقل
املعا�رص الدارة ال�رصاعات واملنازعات واملن�سجم مع التغيريات العميقة يف ع�رص
العوملة ،على ح�ساب البعد ال�سيا�سي .واعترب هذا البع�ض انه �آن االوان ال�ستبدال
�صيغة التجمعات ال�سيا�سية (احزاب وتيارات ومنظمات وغريها) ب�صيغ املجتمع
املدين وهيئاته واطره.
51
بني «املجتمع املدين» واجلامعة العربية :هموم م�شرتكة وتقاطعات {
ملتب�سة
عرف كل بلد من بلدان املنطقة العربية جتربته التاريخية اخلا�صة يف جمال ت�شكل
وتطور هيئات املجتمع االهلي او املدين .لقد عرفت العديد من هذه البلدان،
تاريخيا ،ت�شكل اجلمعيات واالطر ،التي ت�صنف يف معايري املرحلة الراهنة
باعتبارها جماال من جماالت املجتمع املدين .و�شهد بع�ض هذه البلدان ،منذ ع�رشات
ال�سنني ،اطرا خا�صة للعمل التن�سيقي فيما بني هذه اجلمعيات ،ا�رشت اىل تطور
جتربة عملها وتفاوت ادوارها االجتماعية واالمنائية واالن�سانية.13
ل�سنا االن ب�صدد عر�ض ومتابعة ونقا�ش هذه التجارب الوطنية املحلية يف عمل
منظمات املجتمع املدين يف بلدان املنطقة ،دون ان يعني ذلك ا�سقاطا الهمية هذه
التجارب وغناها .ان ما يعنينا ،يف اطار درا�ستنا هذه ،هو ر�صد ومتابعة ت�شكل
االطر العربية واالقليمية ملنظمات وهيئات املجتمع املدين ،وما ا�سهمت به ،عرب
املنتديات واالن�شطة املتعددة التي نظمتها ،او �شاركت فيها ،يف ور�شة اال�صالح
االقت�صادي واالجتماعي التي اطلقتها جامعة الدول العربية .وكيف تقاطع عمل
هيئات هذا «املجتمع املدين العربي» مع جهود اجلامعة العربية؟ .كيف يتمظهر
وعي اهمية هذا التقاطع يف اجلهود املختلفة التي يقوم بها هذين الطرفني؟.
اال�شكالية التي ميكن طرحها يف هذا املجال 14،تطال مدى القدرة احلقيقية
- 13ظهر اول اطار تن�سيقي لهيئات عاملة يف حقل التنمية واخلدمات االجتماعية يف لبنان
بتاريخ .29/9/1980اثر دعوة من «احلركة االجتماعية» ،ت�شكل «احتاد «التن�سيقات
االجتماعية واالمنائية» من �سبعة اع�ضاء :احتاد غوث االوالد .احتاد امل ؤ��س�سات الرتبوية اال�سالمية.
جمعية تنظيم اال�رسة .اجلمعية امل�سيحية لل�شابات .احلركة االجتماعية .كاريتا�س لبنان .جمل�س
كنائ�س ال�رشق االو�سط .وبعد جتربة ا�ستمرت ل�ست �سنوات ،تطورت هذه ال�صيغة لت�صبح يف �سنة
« ،1986جتمع الهيئات االهلية التطوعية يف لبنان» .راجع حول هذه التجربة� :شفيق �شعيب.
«احلركة االجتماعية» تاريخية التطوع وحتديات امل�ستقبل .من�شورات احلركة االجتماعية.
بريوت .متوز .1986
- 14راجع د .عبد اهلل �ساعف« .نحو انفتاح جامعة الدول العربية على املجتمع املدين العربي.
بحث قدم اىل ندوة« :من اجل ا�صالح جامعة الدول العربية» .ن�رش اعمالها مركز درا�سات
52
«للمجتمع املدين العربي» ،يف الت أ�ثري على ق�ضايا مهمة ،مثل تفعيل العالقات
العربيةـ العربية ،يف اطار اجلامعة ،وخلق ف�ضاء ي�شجع على املزيد من عملية
التن�سيق واالندماج على خمتلف ال�صعد ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية.
ان متابعة هذا االمر يتطلب توافر قاعدة معلومات تف�صيلية دقيقة ،عن حالة
«املجتمع املدين العربي» ،ومتابعة املحاوالت اجلارية لتطوير جتربته وتفعيل
ح�ضوره عرب املنتديات العربية الهادفة اىل تعزيز دوره يف اطار ور�شة اال�صالح
املطروحة على خمتلف امل�ستويات .اىل ذلك ،فان هذه اال�شكالية تثري ،فيما تثري،
م� أس�لة ال�رشاكة بني «املجتمع املدين العربي» واجلامعة ،وهذه لن تقوم خارج
توفر ارادة حقيقية حت�سم من خاللها اجلامعة العربية امر متثيل «املجتمع املدين
العربي» يف ن�شاطها ب�صورة ع�ضوية ترتجم حقيقة خيار ال�رشاكة املعلنة يف اكرث
من منا�سبة .ويظهر «املجتمع املدين العربي» ،يف املقابل ،وعيه وخياره وعمله يف
جمال التعبئة والتحفيز لرتجمة هذه ال�رشاكة .فاين نحن من هذه امل� أس�لة؟ وما هي
اال�ستعدادات احلقيقية لل�سري يف هذا االجتاه؟
يف اطار البحث عن واقع ودور املجتمع املدين ،برز ب�صورة جلية م أ�زق حتديد
وتعريف هذا املجتمع .البع�ض قارب ذلك بابراز �سمته «ال�سلبية» «النافية» ،وقدمه
على انه االطار الذي ي�شتمل على املنظمات غري احلكومية .اما ما هو بالتحديد هذا
الـ«غري احلكومي»؟ .انه تارة املجتمع االهلي مع ما يثريه ذلك من جدل مفهومي بني
«االهلي» و«املدين» .ومبعزل عن هذا اجلدل ،فان هذا املجتمع ي�شتمل على كم
هائل من اجلمعيات واملنظمات التي يتنوع ن�شاطها ويتعدد لدرجة تثري ا�شكاالت
دائمة ترتبط باجلاجة اىل و�ضع معايري متيز بينها وت�سمح بامكانية ت�صنيفها ربطا
بذلك .وهذه امل� أس�لة تواجهها العديد من اجلهات الر�سمية واالهلية النا�شطة يف
هذا املجال ،امام جي�ش املنظمات التي تقارب ع�رشات االالف يف املنطقة العربية
الوحدة العربية .بريوت .الطبعة الثانية� .2005 .ص �ص.346...331 :
53
(البع�ض يقدر الرقم بـ ال�سبعني الفا) وهي يف لبنان ،مثال ،تتجاوز االربعة االف
جمعية.
والـ «غري احلكومي» هو تارة اخرى اجلمعيات النا�شطة يف جماالت العمل التنموي،
على قاعدة املفهوم اجلديد لهذا العمل والذي ابرزته واغنته مقاربات الفكر
التنموي احلديث منذ مطلع الت�سعينات ،واملرتكز اىل البعد التنموي اخلدماتي
ومفهوم احلقوق والتغيري .وعند اال�ستناد اىل ذلك ،تربز �سل�سلة من التناق�ضات
اال�ضافية التي تظهرها العديد من االدبيات التي تقدم يف املنتديات اخلا�صة
بذلك.
امام هذه املقاربة ،ويف مواجهتها ،يثري البع�ض اجلانب االيديولوجي يف تعريفه
وحتديده ملكونات هذا املجتمع املدين .وي�سارع اىل �شطب العديد من املنظمات
النا�شطة ربطا بخياراتها هذه .وهذا ما ت�شهده ور�شات النقا�ش يف العديد من
املنتديات التي ناق�شت مهمات قيامة هذا املجتمع وطبيعة مكوناته .وكانت
املنظمات والهيئات املدنية ذات التوجه اال�سالمي عر�ضة الثارة او�سع نقا�ش يف
هذا ال�صدد .وامام هذا اال�شكال امل�ستمر اجتهد البع�ض لتعوي�ض هذا اخللل القائم
مبحاولة ت�سووية قوامها التمييز بني ا�سالم متطرف ي�سميه احيانا باجلهادي وا�سالم
مرن منفتح ومت�سامح وي ؤ�من ب�آليات احلكم الدميوقراطي ،ليق�صي االول عن
ميدان العالقة وعن االقرار بانت�سابه اىل املجتمع املدين ،وليقبل بالعالقة وال�رشاكة
مع الثاين .اال ان عنا�رص هذه الت�سوية ت�سقط امام تنوع املعايري واملقاربات يف
هذا املجال لدى العديد من اجلهات املعنية املحلية واالقليمية والدولية ،الر�سمية
واالهلية .فيتحول من هو مرن هنا اىل فاقد لذلك لدى جهة اخرى .وهذا ما
يتيح قدرا من اال�ستن�سابية املعطلة عندما يريد البع�ض ذلك ،باهداف �سيا�سية
وايديولوجية وعمالنية.
كذلك ،فان الـ «غري احلكومي» يثري التبا�سا جديدا ،جلهة عالقته مع اجلهات الر�سمية،
او مع بع�ض القوى ال�سيا�سية التي ت�شكل جزءا من مكونات ال�سلطة الر�سمية يف
هذا البلد او ذاك .وتقوم العالقة والهوية واخليار ال�سيا�سي ،كمع�ضالت ا�ضافية
يف جمال حتديد مكونات هذا املجتمع املدين .وبالتايل ،فان بع�ض النا�شطني يف
54
هذا املجال ،يثري هذه اال�شكالية عرب الدعوة اىل حما�رصة هذه املنظمات املدنية،
ذات الهوية ال�سيا�سية واملنتمية اىل قوى ال�سلطة ،و�شطبها من دائرة التعامل معها
ورف�ض اعتبارها جز ًء من مكونات املجتمع املدين.
اىل جانب كل ذلك ،هناك التبا�س ا�ضايف يواجه املجتمع املدين ويرتبط باعتبار
البع�ض ان البعد الوطني هو مكون ا�سا�س من مكونات هذا املجتمع .يف هذا
املجال ،تثار م� أس�لة العالقة مع «اخلارج» ،جهات ر�سمية ام منظمات اقليمية
ودولية .و�رسعان ما يدخل هذا البع�ض معيار هذه العالقة يف دائرة الت�صنيف
الوطني مميزا بني «وطنيني» جديرين يف تكوين هذا املجتمع املدين ،وعمالء
لالجنبي على هذا املجتمع ان يحا�رصهم وينبذهم .وتنطلق يف هذا املجال ادبيات
«الت�آمر» الذي ي�سم كل عالقة مع هذا اخلارج ،م�سقطا كل جهد مطلوب للتمييز
بينه ،يف حال ح�صوله ،والتعامل املو�ضوعي مع هذا اخلارج ربطا ب�سيا�سات
امل�صالح االجتماعية والوطنية العليا وتقاطعاتها املو�ضوعية يف ع�رص العوملة .ومما
يفاقم هذا اال�شكال ،ان نظرية امل ؤ�امرة املرتبطة بالعالقة مع هذا «اخلارج» ،ت�شهد
بدورها ت�صنيفا �سيا�سيا وايديولوجيا لدى بع�ض املت أ�ثرين بها ،يتعاي�ش معه رف�ض
م ؤ�امرة هذا «اخلارج» مع التنظري والعمل للتقاطع العميق مع «خارج» �آخر على
قاعدة وحدة م�صالح االمة ،التي ي�شكل مداها العامل ،موحدة على ا�سا�س معايري
طائفية ودينية وايديولوجية و�سيا�سية.
ا�شكال ا�ضايف يواجه هذا املجتمع املدين ،لطاملا متت حماذرة مقاربته ،حيث ترك
للتذاكر ال�شفهي ،فيما لو اراده البع�ض .هذا اال�شكال يرتبط ببع�ض الت�صنيفات التي
�سبق اال�شارة اليها ،ولكن نتناولها االن يف جمال اال�شارة اىل تقاطعات القومي مع
االبعاد الدينية والوطنية والثقافية .ففي املنطقة العربية ،فئات قومية واثنية وثقافية
عديدة .اال�سالم وامل�سيحية ،رغم ما يتهدد االخرية من خماطر انح�سار الوجود يف
بع�ض البلدان العربية ،مع وجودهما املميز واخلا�ص ،ال يخت�رصان كل املكونات
الثقافية يف هذه املنطقة ،كما هو احلال مع العرب وعدم اخت�صارهم للت�شكل
القومي فيها .فهل �سي�شكل هذا الهم الدميوقراطي معيارا من معايري ت�شكل هذا
املجتمع املدين الذي يقوم ا�ستنادا اىل املكونات احلقيقة ل�شعوب املنطقة وثقافاتها
55
خارج كل تع�سف ،اب�شعه التع�سف االيديولوجي.
ـ فكيف �سرتت�سم عالقة املجتمع املدين العربي مع املنظمات والهيئات املدنية
المازيغ املغرب؟
ـ وهل �سيكون ليهود املغرب ،مثال ،ح�ضورا م�رشوعا يف اهتمامات منظمات
املجتمع املدين املغربي وبالتايل العربي؟ وهل ان منظمات املجتمع املدين املغربي
معنية ،قل مطالبة بذلك؟؟؟؟.
ـ هل من املمكن مقاربة ق�ضايا �سكان جنوب ال�سودان ،يف بعدها الثقايف ب�صورة
خا�صة ،ب�صورة مو�ضوعية ،ب�صفتهم هم كما هم؟؟؟
ـ بع�ض طوائف العراق ،التي يتهدد وجودها و�سط �صمت مريب ،هل هي جمال
من جماالت عمل ون�شاط هذا املجتمع املدين العراقي وبالتايل العربي؟؟؟.
ـ كيف �سرتت�سم العالقة مع منظمات وهيئات املجتمع املدين الكراد العراق
ولبنان ،كونها ت�شكلت وتت�شكل بهذه ال�صفة ،يف �ساحاتهم الوطنية وعلى
امل�ستوى العربي؟
ـ وما هي �آفاق العالقة مع منظمات وهيئات االقباط يف م�رص؟
56
ـ الف�صل الثاين .غربة برنامج ادارة احلكم يف الدول العربية ()POGAR
عن التقاطع مع اجلهود اال�صالحية للجامعة العربية
يف العام ،2000اطلق الربنامج االقليمي للدول العربية التابع لربنامج االمم
املتحدة االمنائي ( )UNDP-RBASبرنامج ادارة احلكم يف الدول العربية
( )POGARبهدف تعزيز جهود التنمية الب�رشية يف املنطقة العربية عرب دعم
اليلة اىل تر�سيخ دعائم احلكم الر�شيد فيها .انتقل الربنامج من نيويورك اجلهود آ
اىل بريوت اوا�سط العام ،2002وقد متكن بف�ضل موقعه اجلديد يف املنطقة العربية
من تو�سيع ان�شطته وتطوير عمله ب�شكل ملحوظ .فقام بتنظيم عدد من امل ؤ�مترات
وور�ش العمل ،وبادر اىل اطالق جمموعة من امل�شاريع االقليمية ،واقام ال�شبكات
وال�رشاكات الوطنية واالقليمية والدولية بهدف تعزيز التعاون بني كافة اجلهات
املهتمة ب� ؤ
ش�ون ادارة احلكم والتنمية يف املنطقة العربية.
وقد ر�أت ادارة هذا امل�رشوع ،يف تقرير موجز و�ضعته حول مهمة الربنامج،
ان الدول العربية تدرك ،بكافة �رشائحها ،ان اداءها التنموي احلايل ال يعرب عن
طاقاتها ومواردها املالية والب�رشية .لذا ،وبالرغم من حتقيقها تقدما مهما يف اكرث
من ميدان تنموي خالل العقود الثالثة االخرية ،ال تزال الدول العربية بحاجة
ما�سة اىل دعم منظم وم�ستمر ميكنها من مواكبة حتديات العوملة وااللفية اجلديدة،
وحتقيق االجنازات التنموية على اكرث من �صعيد .فم�ستوى الرفاه ،يف الدول
العربية مهما كان املقيا�س امل�ستخدم ،يتفاوت بني الدول العربية االعلى ترتيبا
على مقيا�س التنمية الب�رشية والدول االدنى ترتيبا� ،شا�سع يكاد مياثل التفاوت
احلا�صل بني الدولة االكرث تنمية والدولة االقل تنمية على م�ستوى العامل اجمع.
واملجتمعات العربية ما زالت بعيدة جدا عن االفادة الكاملة من امكاناتها املالية
ومواردها الب�رشية .ويبقى االداء التنموي الب�رشي فيها غري مر�ض باملقارنة مع
57
مناطق نامية اخرى يف العامل كمنطقة �رشق �آ�سيا او امريكا الالتينية.
ملجمل هذه اال�سباب ،مت اطالق الربنامج يف حماولة لت أ�مني املوارد املالية الالزمة
واخلربة الفنية ال�رضورية لبناء املعرفة ودعم جهود ا�صالح ادارة احلكم بنية تعزيز
التنمية الب�رشية يف املنطقة العربية .وقد حددت ادارة امل�رشوع لربناجمها هدفا
ا�سا�سيا يقوم على «توفري بيئة مالئمة لبناء القدرات يف ادارة احلكم عرب تقدمي
الدعم لقوة الدفع املحلية واالقليمية ال�ساعية نحو اال�صالح .وي�سعى لتحقيق
ذلك من خالل بناء املعرفة ون�رش الوعي وت�شجيع ممار�سات احلكم الر�شيد يف
الدولة ويف املجتمع املدين ويف القطاع اخلا�ص بحيث ي أ�تي التطوير من الداخل
15
نابعا عن قناعاته متجذرا باحتياجاته».
- 15راجع برنامج االمم املتحدة االمنائي .برنامج ادارة احلكم يف الدول العربية (.)POGAR
دليل موجز .املوقع االلكرتوين www.undp-pogar.org
58
ت�شكل هذه الوثائق جمتمعة االطار املفاهيمي الذي ينطلق منه الربنامج يف حتديد
اهدافه وا�سرتاتيجياته وادوات تنفيذها .وي�سعى ،ح�سب حتديد ادارته ،اىل تعميم
املبادئ الواردة �ضمن هذا االطار وت�شجيع الدول العربية على تبنيها وتطبيقها من
خالل بناء املعرفة ون�رش الوعي ودعم االجراءات آ
اليلة لذلك.
59
.4بناء ال�شبكات وال�رشاكات على كافة امل�ستويات :الوطنية واالقليمية
والدولية .فهذه ال�رشاكات قادرة على تقدمي الدعم الدائم وامل�ستمر
للحكومات العربية يف جمال ت�صميم وتنفيذ ال�سيا�سات اخلا�صة با�صالح
ادارة احلكم.
ويف اطار براجمه الفرعية املتخ�ص�صة ،نظم برنامج ادارة احلكم يف الدول العربية
( ،)POGARعددا كبريا من امل ؤ�مترات واالجتماعات وور�ش العمل بالتعاون
مع جمموعة من امل ؤ��س�سات واملنظمات الوطنية واالقليمية والدولية ،معاجلا
حماور:
.1حمور حكم القانون.
.2حمور امل�ساءلة وال�شفافية.
.3حمور امل�شاركة.
يف اطار حمور امل�شاركة ،دعمت ادارة الربنامج «العمل املتعلق بتفعيل دور
املواطنني ومنظمات املجتمع املدين يف ا�صالح القطاع العام ،وتطوير العالقة
بينهم وبني ال�سلطات املعنية» .ويف هذا املجال ،ت�ضمنت الوثيقة التح�ضريية املعدة
يف اطار الربنامج اخلا�ص بهذا املحور ،والتي عر�ضت حتت عنوان «املو�ضوعات
اال�سرتاتيجية املقرتحة املتعلقة بال�سيا�سات اخلا�صة باملجتمع املدين» ،التايل:
{ تنمية القدرات امل ؤ��س�سية واقامة ال�رشاكات اال�سرتاتيجية مع
االحزاب ال�سيا�سية ،وامل ؤ��س�سات احلكومية وال�شعب ككل.
{ اقامة التحالفات مع القطاع اخلا�ص واجلمعيات املعنية[]....
لتعزيز التوا�صل مع احلكومة وك�سب املزيد من التقدير عن
طريق تقدمي الن�صيحة البناءة وامل�شاركة يف اخلربات.
{ لعب دور اجل�رس الذي يربط بني املجتمع واحلكومة
[.]......
{ تعبئة املوارد [ ]....مع االلتزام الواجب بالقوانني احلالية
لتجنب اال�صطدام مع ال�سلطات.
من الوا�ضح ،ان ادارة امل�رشوع و�ضعت لنف�سها ومنذ انطالقتها عنوانا وا�ضحا
لعملها يرتبط مبراعاة خ�صو�صيات دول املنطقة العربية ،وعدم اال�صطدام
60
بال�سلطات القائمة .واحد العناوين الرئي�سية لذلك ،يكمن يف احرتام االولويات
الوطنية ربطا بال�رشاكات مع احلكومات .ان خ�صو�صيات الدول( ،الحظ ان
اخل�صو�صية هي للدولة ولي�ست هنا للمجتمع) ،هي ،يف التجربة العربية املعا�رصة،
خ�صو�صيات االنظمة ال�سيا�سية التي حتكمها ،حيث ي�ضيق الفارق بني االثنني
حلدود التماهي املطلق الذي ي ؤ�دي اىل التعامل االندماجي على قاعدة ان م�صالح
هذه االنظمة هي نف�سها امل�صالح العليا للدولة نف�سها .وين�سحب هذا التماهي
اي�ضا على العالقة بني ال�سلطة والنظام ليخت�رصهما �شخ�ص القائد /الزعيم،
يف مرحلة ا�صبحت فيها ،ح�سب تعبري اال�ستاذ الكبري حممد ح�سنني هيكل،
اجلمهوريات العربية قادرة على تنظيم توارث ال�سلطة فيها ب�صورة م�ستقرة اكرث
مما هي يف االنظمة امللكية الوراثية.
وبالتايل ،فان هذا الربنامج اال�صالحي الدارة احلكم قد حدد لنف�سه وبو�ضوح،
ومنذ البداية� ،سقوفا للتكيف مع واقع هذا النظام الر�سمي العربي .وارت�ضى،
منذ البداية اي�ضا ،ان يتحرك ا�صالحيا حتت ال�سقوف املتاحة من قبل هذا النظام
نف�سه ربطا بالظروف االقليمية والدولية ال�ضاغطة يف هذا املجال .وهذا يعني ان
مهام التغيري ال�سيا�سي التي تن�شدها ادارة امل�رشوع ،ال بد لها من ان تطرح وتتابع
ربطا بهذه املعادلة اال�سا�س ،دون ان يعني ذلك ،بتقديرنا ،اي انتقا�ص او تبخي�س
بهذا اجلهد اال�صالحي الهام .كذلك ،فان اية �رشاكات مفتوحة ،يف اطار هذا
الربنامج ،هي �رشاكات متكيفة مع كل ذلك ،وتتحرك حتت �سقوف هذا الواقع
وتلتزم بقواعده وتتقدم بالتوافق معه ولي�س مب�صارعته او مغالبته .وبطبيعة احلال،
فان هذه املعادلة �ستنعك�س على جممل ال�رشاكات التي �سين�سجها هذا الربنامج مع
فعاليات املجتمع املدين وهيئاته املختلفة.
61
الدرا�سة .وان تفاوتت ن�سبيا العناوين املبا�رشة التي ا�ستندت اليها جملة املبادرات
هذه ،ويف قلبها م�رشوعنا الذي نحن ب�صدد ا�ستعرا�ضه ،فهي تقاطعت بو�ضوح
عند فذلكة التربير امل�ستندة اىل تخلف وحمدودية النتائج التنموية املحققة على
م�ستوى املنطقة العربية .اال ان ما مييز م�رشوع ( )POGARهو ا�ستناده اىل تقدير
ادارته «ان املنطقة العربية لي�ست بعيدة عن االجماع العاملي حول قدرة احلكم
الر�شيد على ت�شجيع النمو االقت�صادي ومتتني التوافق االجتماعي ،ومكافحة
الفقر ،و�ضمان حقوق االن�سان ،وتعزيز الثقة بني احلكومة وال�شعب يف دولة
وجمتمع» .وت�ضيف ادارة امل�رشوع« :يف ال�سنوات االخرية ،بد�أ يتبلور يف املنطقة
العربية ادراك جدي الهمية احلكم الر�شيد ودوره املحوري يف اطالق عملية
تنموية �شاملة ون�شطة على كافة امل�ستويات ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية».
وا�ستند التقرير يف تربيره لهذا اال�ستنتاج اىل جملة املبادرات االهلية التي �شهدتها
املنطقة العربية من «اعالن �صنعاء» حول الدميوقراطية وحقوق االن�سان،
و”اعالن اال�سكندرية» ،اىل تبني القادة العرب «وثيقة م�سرية التطوير والتحديث
واال�صالح» يف القمة العربية ال�ساد�سة ع�رش (تون�س )2004والتي اعلنوا
فيها ت�صميمهم متابعة جهود اال�صالح وتكثيفها وتعميق ا�س�س الدميوقراطية
وال�شورى ،وموا�صلة اال�صالحات االقت�صادية وو�ضع ا�سرتاتيجية تنموية عربية،
اىل جهود القطاع اخلا�ص الذي جتلى با�صدار جمل�س االعمال العربي (Arab
)Business Councilخطته اال�صالحية ( )2004التي ت�شمل جملة امور
بينها حترير االقت�صاد وتعزيز التنمية الب�رشية.
ا�ستنادا اىل كل ذلك ،ت�سجل ادارة الربنامج ا�ستنتاجها «ان االرادة ال�سيا�سية
العربية الر�سمية وغري الر�سمية ،والرغبة بالتغيري �آخذتني بالتبلور �شيئا ف�شيئا يف ظل
تزايد االدراك ،على كافة امل�ستويات ،الهمية اال�صالح ودور احلكم الر�شيد يف
حتقيق التنمية الب�رشية يف املنطقة العربية» .وهي يف ذلك ،تُقدم مل�رشوعها باعتباره
ي أ�تي من�سجما مع تبلور حاجات عربية يلبيها ويتقاطع معها ،ولي�س �آ ٍت من
خارج يثري يف املنطقة العربية ح�سا�سية خا�صة ،حيث ت�سود نظرية امل ؤ�امرة لدى
او�ساط عديدة ر�سمية وغري ر�سمية .وبالتايل ،فال ب أ��س ببع�ض التزيني االيجابي
62
واملبالغة الزهرية يف تقدير موقع وح�ضور خيار اال�صالح والدميوقراطية يف لوحة
اخليارات الراهنة التي تعي�شها املنطقة العربية ،ويعي�شها النظام الر�سمي العربي
بخا�صة .فان هذين العاملني ،التزيني واملبالغة ،ال بد يتدخالن يف تثيقيل العنا�رص
االيجابية الدافعة واملتقاطعة مع قوى اال�صالح والدميوقراطية ورغبتها الفعلية يف
احداث التغيري يف املنطقة العربية.
تفعيل املجتمع املدين العربي احد اال�ستهدافات الكربى لربنامج ادارة {
منذ انطالقته ،اولت ادارة هذا الربنامج اهتمامها البارز لدور املجتمع املدين
العربي يف جممل امل�رشوع اال�صالحي الذي ت�شهده املنطقة العربية .ويف هذا
ال�سياق� ،سارعت ،بالتن�سيق مع عدة جهات دولية راعية ،اىل تنظيم ور�شة عمل
خا�صة حول :االدارة الر�شيدة يف العامل العربي :دور م ؤ��س�سات املجتمع املدين
16
و�سبل قيا�س قدراتها.
وان تركزت اعمال اللقاء على التداول يف هذا املفهوم اجلديد الوافد اىل املنطقة
( )Good Governanceواالتفاق على تعريبه حتت م�سمى جديد� ،سيزاحم
الحقا ا�شقاء له دون ا�ستقرار او قرار ،هو «االدارة الر�شيدة» ،وال�سعي لتو�صيفه
وابراز م�ضامينه وم�ستلزمات قيامته وتطوره ،فان اللقاء �شكل منا�سبة للتداول
نقديا يف او�ضاع املجتمع املدين العربي .ويف هذا ال�صدد مت ت�سجيل جملة من
املالحظات النقدية التي تركزت على:
.1غياب ال�شفافية ب�صدد تكوين ال�سلطة وعدم تداولها يف هذه
املنظمات ،وب�صدد اليات انتاج القرار وادارته يف عملها.
- 16راجع ملخ�ص ا�سهامات كتاب ونا�شطون عرب يف ور�شة عمل حول «االدارة الر�شيدة يف
العامل العربي :دور م ؤ��س�سات املجتمع املدين و�سبل قيا�س قدراتها» 28/29 .ايار /مايو .2002
عمان .اعداد زياد ماجد .برنامج بنيان 2املنفذ من قبل امل ؤ��س�سة الدولية لالدارة والتدريب،
بالتعاون مع االحتاد االوروبي وبرنامج االمم املتحدة االمنائي وم ؤ��س�سة «فريدري�ش ناومان» .ن�رش
التقرير بتاريخ ت�رشين الثاين/نوفمرب .2002
63
.2غياب ال�شفافية ب�صدد االنفاق املايل.
.3انخفا�ض التمثيلية ال�شعبية ملنظمات املجتمع املدين وه�شا�شة
وحمدودية عالقاتها مع املواطنني خارج البعد اخلدماتي
املحدود الذي تن�شط فيه.
.4ميل انح�ساري متوا�صل يف ح�ضور العمل التطوعي مل�صلحة
�سيادة العمل امل أ�جور ،واحيانا ،يف �رشوط حمفزة ومزايا
تتجاوز ال�سائد يف �سوق العمل املحلي.
.5غياب الر ؤ�ية والبعد التنموي عن قيادات منظمات املجتمع
املدين والرتكيز على اخلدمات املحدودة وامل�شاريع ال�صغرية
واجلزئية.
� .6ضعف التن�سيق بني قيادات هذه املنظمات يف م�شاريعها
وبراجمها االمر الذي يتجلى يف تكرار امل�شاريع املنفذة مما
ي ؤ�دي اىل حاالت اهدار جدية يف هذا املجال.
ا�ستنادا اىل جملة املالحظات النقدية هذه ،دعا اللقاء اىل اطالق ور�ش نقا�شية
داخل هذه املنظمات وفيما بينها حتت نف�س العناوين ال�سائدة يف مقاربات احلكم
ال�صالح املطروحة ،والتي يفرت�ض ان ترتكز على التايل:
.1تفعيل م�شاركة ال�شباب والن�ساء والفئات املهم�شة يف االن�شطة والربامج
اخلدماتية والتنموية.
.2تعزيز مفهوم العمل التطوعي واال�سهام يف بناء املواطنية من خالل
تكري�س مبد�أ احلق والواجب.
.3ار�ساء ثقافة التحاور والتعاون بني املواطنني املنخرطني يف العمل العام،
مما ينعك�س على �سلوكهم اليومي وثقافتهم الوطنية.
ش�ون االدارة .4التدريب على امل�ساءلة واملراقبة عرب التعود على ممار�سة � ؤ
واعتماد مقايي�س للتقييم خالل تنفيذ امل�شاريع والربامج.
.5امل�شاركة يف تنفيذ امل�شاريع التنموية واخلدماتية مع القطاعني العام
واخلا�ص.
64
مهمة البحث عن دالالت غياب التقاطع مع امل�رشوع اال�صالحي {
للجامعة العربية
عملت ادارة الربنامج ومنذ انطالقة م�رشوعها ،على ت�شجيع ودعم ممار�سات
احلكم الر�شيد من خالل و�سيلتني:
-االوىل :بناء الوعي واملعرفة يف كافة جماالت ادارة احلكم.
-الثانية :دعم ن�شاطات اال�صالح والتطوير من خالل تنظيم وتنفيذ
االجتماعات واملبادرات وامل�شاريع التي ت�شجع ممار�سات احلكم الر�شيد
يف املنطقة العربية.
لقد �سارعت ادارة م�رشوع ( )POGARاىل اطالق العديد من الور�ش
وال�رشاكات مع اجلهات الر�سمية واخلا�صة يف العديد من الدول العربية .ونظمت
�سل�سلة من املنتديات املتخ�ص�صة التي ناق�شت جملة من امل�سائل التي تندرج حتت
عناوين امل�رشوع اال�صالحي الدارات احلكم يف املنطقة العربية .وقد ا�ستطاعت،
على مدى ال�سنوات القليلة التي انق�ضت على ان�شائها ،ان تراكم امام املهتمني
جملة من املعطيات االر�شادية يف احلقول التي انخرطت يف العمل من خاللها،
وميكن احل�صول عليها ب�سهولة فائقة عرب املوقع االلكرتوين اخلا�ص بامل�رشوع.
من امللفت ان خمتلف هذه اجلهود املرتاكمة عرب ع�رشات االن�شطة التي اجنزت،
مل ت�سجل اي تقاطع يذكر مع اجلهود التي اطلقتها اجلامعة العربية ،بالرغم من
ت أ�كيد ادارة الربنامج على �سعيها اىل البحث عن �رشاكات وطنية واقليمية ،يف
اطار تدعيم ور�شة اال�صالح يف املنطقة .فهل يحمل هذا الواقع اية دالالت جلهة
انعدام اية مراهنة على جهد اجلامعة العربية يف هذا املجال؟ ملاذا مل ترث حملة
اجلامعة العربية اال�صالحية ،يف املقابل ،اي حافز لن�سج اية �رشاكة معها على هذا
ال�صعيد ؟ وهل ان ور�شة اجلامعة اال�صالحية حت�رض يف االعالن ال�سيا�سي فيما
تنح�رس عن احل�ضور يف الواقع املحقق؟ .ان هذا الواقع وما يثريه من ت�سا ؤ�الت،
ي ؤ�كد امام جممل املعنيني واملهتمني على �رضورة ال�سعي اىل فهم معاين ودالالت
ذلك يف اطار ال�سعي اىل مواجهة حالة الت�شظي التي تعي�شها الور�شة اال�صالحية
يف املنطقة العربية.
65
ـ الف�صل الثالث :مقاربات نقدية
()GAFTA
اظهر التقرير اخلا�ص باخليارات االقت�صادية ،الذي قدمه امني عام اجلامعة ال�سيد
عمر مو�سى ،اهمية ،بل مركزية ،املوقع الذي حتتله الق�ضايا املرتبطة مبلف اتفاقية
التجارة احلرة العربية ( .)GAFTAوميكن القول ان هذا امللف ميثل احد
املفاتيح اال�سا�سية لل�سيا�سة االقت�صادية اجلديدة التي تقدمها اجلامعة للقمة العربية
من اجل تبنيها .وب�صياغة اخرى ،فان جممل امل�رشوع االقت�صادي اال�صالحي،
يف اطار الور�شة ال�شاملة لال�صالح التي اطلقتها وتتابعها جامعة الدول العربية،
يقوم على عدة مرتكزات ميثل ملف اتفاقية التجارة احلرة العربية (،)GAFTA
احد ابرزها.
اننا ب�صدد ملف انخرطت فيه العديد من الدول العربية عرب اتفاقات عقدتها مع
البلدان املتقدمة الرئي�سية .وهذا ما يرتتب عليه جملة التزامات وقيود ذات مرتتبات
عميقة و�شديدة الت أ�ثري على م�ستقبلها االقت�صادي واالجتماعي والتنموي ،اي
على م�ستقبل �شعوبها الجيال واجيال .يف هذا ال�سياق ،انخرطت غالبية الدول
العربية يف مفاو�ضات مع االحتاد االوروبي عرب ال�رشاكة االوروـ متو�سطية ،او مع
الواليات املتحدة االمريكية .وهناك اي�ضا اليابان وال�صني وا�سرتاليا ...وتخو�ض
البلدان العربية هذه التجربة اجلديدة و�سط او�ضاع غري مريحة جلهة عجزها
عن ا�ستنباط قواعدها اخلا�صة التي من � أش�نها ان متكنها من التناف�س على نحو
افعل 17.يف اطار هذا العجز اي�ضا ،نلحظ غياب جملة من امللفات التي ت�ستلزمها
- 17راجع «اتفاقيات التجارة احلرة يف املنطقة العربية» .تقرير خا�ص حول نتائج االجتماع
االقليمي من اعداد كندة حممدية .الف�صل اخلا�ص بـ «عر�ض عام التفاقيات التجارة احلرة العربية».
ن�رش التقرير باللغتني العربية واالنكليزية .من�شورات «�شبكة املنظمات العربية غري احلكومية».
� .ANNDص.26....8 :
66
عملية التحرير ،والبع�ض ا�سماها عملية الت�سهيل والت�سيري .ان مقاربة هذا امللف
اال�سا�س ،وما يتفرع عنه من ملفات فرعية ،تتطلب مقاربة مبا�رشة وعملية م�ستندة
اىل معطيات حمددة .فقد اظهرت التجارب املحققة ان منطق التعميم يف ادارة
هذه امللفات وهذه العمليات ا�صطدم بالواقع حيث ان ما برر التقدم والنجاح يف
جتربة بلد معني مل يحقق نف�س النتائج يف بلد �آخر .كذلك ،فقد اظهرت التجارب
املحققة ان هناك �رضورة لالملام الكامل بالتعقيدات امل ؤ��س�سية واالدارية وغريها.
فقد يتحول ادخال بع�ض االنظمة اجلديدة لت�سيري التجارة اىل عامل يزيد من
هام�شية وانك�شاف الدول النامية ويعر�ضها اىل تكاليف غري متوقعة 18 .ولكي
يكون تنفيذ م�رشوعات ملف حترير ،او ت�سهيل او ت�سيري التجارة ،فعاال ،ال بد
له ،يف �ضوء التجارب املحققة ،من ان يتم كجزء من عملية ا�صالح وتطوير
�شاملتني الدارة التجارة� ،سواء على م�ستوى ال�رشكات اخلا�صة او على امل�ستوى
االداري .وهذا ي�ستلزم اي�ضا مقاربة ملف ال�شفافية ،كمعرب ا�سا�س لتناول جممل
هذه امل�سائل ،االمر الذي يفتح اي�ضا باجتاه معايري احلكم ال�صالح وت أ�ثرياتها على
هذا ال�صعيد« .ان اية مناق�شات جتري يف امل�ستقبل حول تي�سري التجارة ال بد من
ان ت أ�خذ يف اعتبارها املوارد والقدرات املحدودة للدول النامية ومواطن ال�ضعف
املحتملة .كذلك ،ال بد من تعرتف باحتمال ارتفاع تكلفة الفر�ص ال�ضائعة،
بالن�سبة اىل التنمية الب�رشية والتي قد تن� أش� نتيجة الت�رسع يف تنفيذ هذه االجراءات،
19
قبل ار�ساء وتوفري املتطلبات امل ؤ��س�سية وغريها».
اال ان ما يلفت يف مقاربة اجلامعة العربية اال�صالحية لهذا امللف الدقيق واملف�صلي،
هو اقت�صار هذه املقاربة على جملة من العناوين العامة التي تعك�س اهميته دون
ت�ضمني ذلك اية �آليات ذات طابع عملي تخلق جملة من املهمات املحددة
واملربجمة التي تتنا�سب مع اهمية هذا املو�ضوع وراهنيته .كذلك ،تغيب مع هذه
- 18راجع ف�صل ت�سهيل التجارة« .جعل التجارة العاملية يف خدمة النا�س» .الربنامج االمنائي
لالمم املتحدة بالتعاون مع م ؤ��س�سة هرني�ش بول .املكتبة ال�رشقية .بريوت .لبنان� .2003 .ص �ص:
.370...363
- 19املرجع ال�سابق� .ص.366 :
67
املقاربة جملة من الق�ضايا العملية واالجرائية التي تكفل ح�سن ادارة هذا امللف
وقيادته اىل حتقيق احلد االدنى من املهام املناطة به وفق امل�شاريع واخلطط املعلنة.
واذا اعتربنا ان م ؤ��س�سة كم ؤ��س�سة اجلامعة العربية ال ت�ستطيع ان تقارب هذا
س�ولية املجل�س االقت�صادي املو�ضوع باكرث مما طرحت ،ربطا بانها اكدت على م� ؤ
واالجتماعي يف هذا املجال ،فان هذا االعتقاد يحيلنا اىل املو�ضوع الذي �سبق
تناوله ويف بعديه:
· االول :اخلا�ص بالقدرة على ترجمة ال�شعارات اال�صالحية املطروحة
اليوم ،والتي كان بع�ضها مطروحا منذ ع�رشات ال�سنني مع غياب
الرتجمة لذلك كما �سبق و�سجلنا يف تناولنا للتجربة ال�سابقة .ان هذا
االمر يثري ،كما كان على الدوام ،ازمة م ؤ��س�سة اجلامعة كم ؤ��س�سة
للعمل العربي امل�شرتك و�سط ازمة ا�سرتاتيجيتها ال�سيا�سية واالقت�صادية
واالجتماعية واالمنائية ،ف�ضال عن ازمتها ال�شديدة كم ؤ��س�سة للعمل
الليات العربي امل�شرتك .انها ازمة الر ؤ�ية واملوقع والدور ،ازمة آ
والعالقات والبنى الداخلية ،وهو ما توقفنا عنده يف اكرث من حمطة.
فهل �ست�ستطيع هذه امل ؤ��س�سة يف هذه الظروف ان تنخرط يف جتربة
تفعيل وترجمة هذه املهمات النوعية املطروحة امامها؟؟
· الثاين :اخلا�ص بالعمل امل ؤ��س�ساتي داخل اجلامعة ،ازمة ادوار امل ؤ��س�سات
الداخلية وبخا�صة م ؤ��س�سة املجل�س االقت�صادي واالجتماعي يف
�سيا�سته ومهماته وعالقته بامل ؤ��س�سات واملجال�س االخرى وبخا�صة
تلك التي تثري ا�شكالية االزدواجية كمجل�س الوحدة االقت�صادية.
فازمة البنية والهيكلية هنا هي اي�ضا ،كما �سبق وتناولناها يف اكرث من
حمطة ،ازمة ر ؤ�يا وامكانات مادية وادوار ملتب�سة وعالقات داخلية
ورثت جتربة غري حمفزة وغري منتجة وغري واعدة حت�رض و�سط دعوات
اال�صالح والتن�شيط يف خطابات امل ؤ�مترات دون التيقن من امكانية
ترجمة ذلك على م�ستوى الواقع وبال�صورة املنا�سبة واملطلوبة .فهل
ان من عا�ش هذه التجربة قادر على حتقيق خرق على �صعيد تفعيل
68
هذه امل ؤ��س�سات وبخا�صة م ؤ��س�سة املجل�س االقت�صادي االجتماعي يف
هذه الظروف اجلديدة؟؟.
ان هذا البعد النقدي يف تناول املقاربة اال�صالحية للجامعة العربية ال ي�سقط على
االطالق خ�صو�صية الظروف املو�ضوعية اجلديدة التي تعي�شها املنطقة والعامل،
والتي ترافقها وتعطيها بعدا جديدا �ضاغطا وحمفزا ،يدفع باجتاه بلورة هذه
التوجهات والتعامل اجلاد معها من قبل حكومات املنطقة والقوى االقت�صادية،
وبخا�صة القطاع اخلا�ص ،وقوى املجتمع املدين .وقد اطلقت هذه املقاربة
اال�صالحية الدعوة لتعزيز عمليات الت�شارك التي تت�ضمن الدعوة لهيئات املجتمع
املدين العربي لتلعب دورها املطلوب على هذا ال�صعيد .كذلك ،فقد فتحت هذه
املقاربة اال�صالحية وا�سعا امام ملفات وق�ضايا احلاكمية ودورها الع�ضوي يف
توفري م�ستلزمات النجاح يف حتقيق املهام املطلوبة .وهذا املعطى اجلديد ،اىل
جانب احلاجات املو�ضوعية لالطراف اال�سا�سية بهذه العملية اجلديدة وم�صاحلها
املبا�رشة ،يدفع باجتاه تعزيز وتفعيل وحت�صني وتن�شيط وترجمة هذه التوجهات
اال�صالحية دون ا�سقاط او تخفيف من �آثار واعاقات ازمات الر ؤ�ى وال�سيا�سات
والهيكليات ال�سابقة واحلا�رضة ب�صورة جدية.
انطالقا من مهمات الت�شارك التي تُطرح امام منظمات املجتمع املدين العربي،
«نظمت «�شبكة املنظمات العربية غري احلكومية للتنمية» بال�رشاكة مع «�شبكة
العامل الثالث» ،وبالتعاون مع برنامج الدول العربية التابع لربنامج االمم املتحدة
االمنائي ،اجتماعا اقليميا للخرباء ومنظمات املجتمع املدين حول اتفاقيات
التجارة احلرة يف املنطقة العربية ،يف القاهرة بتاريخ 9ـ10ـ .12/2006 /11جاء
هذا االجتماع يف اطار برنامج ال�شبكة ل�سنتي 2005/2006حول «الت أ�ثريات
االقت�صادية واالجتماعية ل�سيا�سات حترير التجارة على املنطقة العربية»� .شارك
69
يف اللقاء 55م�شاركا من اكادمييني وممثلني عن منظمات املجتمع املدين ،وممثلني
عن وكاالت لالمم املتحدة ،ومنظمات حكومية متابعة للمفاو�ضات حول
االتفاقيات .هدف هذا االجتماع اىل تعزيز التوا�صل ،الت�شبيك واحلوار ما بني
منظمات املجتمع املدين واخلرباء حول موا�ضيع التجارة ،بالرتكيز على مراجعة
تركيبة وحمتوى و�آليات اتفاقيات التجارة احلرة املربمة من قبل البلدان العربية
ومدى مالءمتها مع ال�سيا�سات التنموية يف املنطقة ،والنظر يف آ
الثار املتوقعة
التفاقيات التجارة احلرة الثنائية على القطاعات املختلفة ذات االهمية االقت�صادية
والتنموية ،مثل ال�صحة وحقوق امللكية الفكرية ،اخلدمات ،اال�ستثمار ،النفاذ اىل
20
اال�سواق وامل�شرتيات احلكومية».
يتوقف التقرير عند بع�ض خ�صائ�ص امل�شاريع اال�صالحية الكثرية املطروحة يف
املنطقة العربية .وي�شري اىل دفع اجلهات اخلارجية ،من االحتاد االوروبي اىل
الواليات املتحدة ،باجتاه تبني برامج ا�صالحية اقت�صادية ت�ستند ،فيما ت�ستند
اليه ،اىل فر�ضية ان حترير التجارة واال�ستثمار ميثالن ركنا ا�سا�سيا يف هذه الربامج
كونهما ميثالن حمركا للنمو .ويف هذا ال�سياق ،ي�شري التقرير اىل توقيع البلدان
العربية ملزيد من اتفاقيات التجارة احلرة الثنائية واالقليمية واملتعددة االطراف.
ويرى ان تناول ق�ضايا «منطقة التجارة احلرة العربية الكربى» ( ،)GAFTAال
ميكن ان تُف�صل عن م�صالح البلدان العربية �ضمن «منظمة التجارة العاملية» �أو عن
«اتفاقيات التجارة احلرة الثنائية».
ويف جمال التقومي االويل لالو�ضاع االقت�صادية واالجتماعية التي رافقت م�سارات
توقيع هذه االتفاقيات ،والنتائج االولية التي خ ّلفتها ،ي�شري التقرير اىل ال�ضغوط
التي تتعر�ض لها البلدان العربية لتفتح ا�سواقها وتغري انظمتها «ال�سيا�سية الوطنية»
التي تُعنى مب�سائل التنمية االقت�صادية .ف�ضال عن ذلك ،لي�س هناك تقديرات حول
االثار االقت�صادية واالجتماعية .وان �ضغوط التحرير تخ ّلف اثارا حادة على
اخلدمات العامة وتفر�ض تهديدات وخماطر مبا�رشة على احلق يف الغذاء والعمل
وال�صحة والو�صول (النفاذ) اىل االدوية ....ويتوقف التقرير عند �رضورة اال�ستناد
اىل معادلة تفر�ض االخذ باالبعاد املتعددة يف ر�صد ومتابعة ملف التحرير هذا.
- 20املرجع ال�سابق� .ص.4 :
70
فان كانت الفوائد املفرت�ضة من الو�صول اىل ال�سوق حا�رضة يف �سعينا لعقد هذه
االتفاقيات ،فيجب ان ال ي�سقط ذلك اعتبار القدرات االنتاجية وال ق�ضية حواجز
الر�سوم اجلمركية التي تجً به بها املنتجات ولكمية امل�ستوردات التي �س ًتتلقى مقارنة
بكميات ال�صادرات .كل هذه االحتياجات ينبغي ان توزن ازاء احتياجات �سوق
العمل .فالبلدان العربية يلزمها ان حتت�سب فر�ص العمل التي جتري خ�سارتها
نتيجة اتفاقيات التجارة النيوليربالية .كذلك ،يتوقف التقرير عند مواطن ال�ضعف
امل ؤ��س�سية – حتى على م�ستوى االمانة العامة جلامعة الدول العربية -وكذلك
�ضعف �شفافية العمليات وحاالت عدم اال�ستقرار ال�سيا�سي واالمني يف املنطقة،
ويرى انها تن�شىء كلها عراقيل خطرية بالن�سبة اىل تطور عملية «منطقة التجارة
احلرة العربية الكربى» .ويختم التقرير بالدعوة اىل تعزيز جبهة التعاون االقليمي،
حيث تعي�ش البلدان العربية حالة تت�سم بالتخلف على هذا ال�صعيد .ويختم التقرير
بالدعوة اىل تعزيز جبهة التعاون االقليمي ،حيث تعي�ش البلدان العربية حالة تت�سم
بالتخلف على هذا ال�صعيد.
اما ب�صدد اف�ضليات «منطقة التجارة احلرة العربية الكربى» ()GAFTA
املحتملة فت�شمل تو�سيع ال�سوق بالن�سبة اىل العديد من البلدان العربية وزيادة فر�ص
اال�ستثمار و�ضبط تناف�س عادل وتعزيز البحث والتنمية .وبخ�صو�ص النتائج
املحققة ،باعتبار ان ( )GAFTAيفرت�ض ان ت�شكل خطوة نحو التكامل
االقت�صادي بني البلدان العربية ،ي�شري التقرير اىل حمدودية ذلك .فبعد م�ضي �ست
�سنوات من العمل يف اجتاه املنطقة املذكورة ،ازدادت التجارة البينية العربية من
9%يف عام 1997اىل 10%يف عام .2005وهذا اجناز متوا�ضع جدا يف
جدول اعمال زاخر بالوعود .وبخ�صو�ص اال�سباب الكامنة وراء تقييد (حتديد)
التبادل البيني العربي ،يرى التقرير ان اقت�صادات هذه البلدان تت�سم بكونها اكرث
حتريرا وانفتاحا نحو العامل اخلارجي مما هي جتاه بع�ضها البع�ض .وان ما حتتاجه
هذه البلدان لي�س ازالة احلواجز بني اال�سواق يف املنطقة العربية ،بل اعادة بناء
اال�سواق نف�سها .وان الرتكيز يجب ان يتمحور حول التنمية ولي�س على التجارة
يف حد ذاتها .فالعمليات وال�سيا�سات االقليمية يجب ان تتحول من حترير
التجارة اىل تنمية قدرات االنتاج والروابط البنيوية بني دورات االنتاج ونظمه
يف البلدان العربية .فاملنطقة حتتاج اىل تنمي مواردها املتوفرة ،مبا يف ذلك املوارد
71
والليات ال�سيا�سية من اجل احلاكمية .فالطريق ال�صحيح لل�سري قدما اىل الب�رشية آ
االمام ،ي�سجل التقرير ،هو يف �صياغة �سيا�سات تنموية تكاملية م�شرتكة او تنفيذ
م�رشوعات اقليمية م�شرتكة.
ان هذه املقاربة التي قدمها هذا التقرير االقليمي بتنظيم من «�شبكة املنظمات
العربية غري احلكومية للتنمية» ( ،)ANNDتعلن عن مرحلة جديدة ونوعية يف
م�سرية عمل املجتمع املدين العربي احلديثة العهد .فقد قدمت هذه املقاربة م�ساهمة
عر�ضت وقومت وانتقدت وقدمت اقرتاحات .وهي ،بالتايل ،قد خرجت من
دائرة العمل االعالمي الدعائي الذي ينحكم ب�سقوف ت�ضعها اجلهات املمولة،
خا�صة الر�سمية العربية منها .وقد �سجلت ا�شارة وا�ضحة حلظت وانتقدت دور
اجلامعة العربية وامانتها العامة على هذا ال�صعيد .وهذا االمر االخري يحيلنا اىل
بداية تبلور يف العالقة امل�شرتكة بني امانة اجلامعة العربية وم ؤ��س�ساتها وبني املجتمع
املدين العربي ،حيث تتظهر اكرث فاكرث اهمية العملية الت�شاركية يف مقاربة امللفات
ذات االهتمام امل�شرتك.
أ
كذلك ،فقد توقف التقرير عند م�س�لة هامة يف مقاربة ملفات ق�ضايا التحرير
والت�سيري والت�سهيل التجاري على امل�ستوى العاملي هي م� أس�لة املعايري .واكد على
ان هذه املعايري اال�سا�سية ت�ضبط جممل مقاربته لهذا امللف املف�صلي والدقيق يف
م�سار العمل االقت�صادي العربي امل�شرتك ،حيث �سينحكم بنتائجه م�ستقبل املنطقة
العربية و�شعوبها .وكان املعيار اال�سا�س يف ذلك هو م�صالح هذه ال�شعوب وهذه
البلدان يف حتقيق التنمية يف م�ستوياتها كافة ،والدفع باجتاه حاكمية اكرث توافقا
مع جممل هذه امل�صالح .والت أ�كيد على �رضورة املقاربة العلمية واملو�ضوعية لهذا
امللف الدقيق مبا ي ؤ�من تعزيز �رشوط حمايته والدفاع عن م�رشوعيته التاريخية
واالجتماعية والوطنية يف �آن.
اثارت مقرتحات االمني العام جملة من ردود الفعل .البع�ض اعترب «انها متثل
تراجعا وا�ضحا عن الطموحات القومية التي طرحت مطلع الثمانينات ،خا�صة
72
تلك التي وردت يف م�رشوع تعديل ميثاق جامعة الدول العربية ،باال�ضافة اىل
اغفالها لدور جمل�س الوحدة االقت�صادية العربية يف خريطة الهيكل التنظيمي
املقرتح .وتعرب عن اهمال تام لالهداف التي ت�ضمنتها اتفاقية الوحدة االقت�صادية
وتفرط بجانب مهم من ا�سرتاتيجية العمل االقت�صادي بني دول اجلامعة العربيةّ ،
العربي امل�شرتك التي �شكل هدف التكامل االقت�صادي ،احد ال�سمات الفكرية
الوحدوية ،ملرحلة ثرية يف التاريخ العربي املعا�رص ،قبل ان ترتدى او�ضاع العرب
21
ال�سيا�سية يف هاوية الت�رشذم واالنق�سام».
وهناك من اثار م� أس�لة عدم مما�شاة ميثاق اجلامعة العربية مع امل�ستجدات على
ال�ساحات العربية واالقليمية والدولية .واقرتح ا�صالح العالقة بني اجلامعة
وبني املنظمات املتخ�ص�صة ،والتي بلغ عددها ع�رشين بعد الهيكلة التي اقرتحها
م�رشوع االمني العام ،باال�ستفادة من جتربة االمم املتحدة يف ربطها بني املنظمات
املتخ�ص�صة وبني املنظمة االم .واعترب ان عملية اال�صالح هذه ال ميكن ان تتم مبعزل
عن ا�صالح االو�ضاع الداخلية للدول االع�ضاء… ..وقد توقف هذا البع�ض عند
ا�شكالية طاملا ُطرحت يف مواجهة كل م�رشوع ا�صالحي جلامعة الدول العربية،
بالدعوة «اىل االنطالق من تغليب امل�صالح القومية على امل�صالح القطرية ،وعدم
22
التم�سك احلريف بامر ال�سيادة كمهرب من اال�ستحقاقات القومية…».
هناك من دعا اىل حل عملي مل� أس�لة االزدواجية ما بني املجل�س االقت�صادي
واالجتماعي وبني جمل�س الوحدة االقت�صادية العربية ،يتمثل بقيام جمل�س مركزي،
23
ميكن ت�سميته باملجل�س االقت�صادي القومي.
كذلك ،فقد �شكك البع�ض يف عناوين التعديل واال�صالح التي قُدمت حتت
عناوين الغاء االزدواجية واعادة الهيكلة ،حيث مت يف ظل ال�شعار االول الغاء
منظمات مهمة ،ومت يف ظل ال�شعار الثاين يف بع�ض االحيان� ،شل عمل هذه
73
املنظمات ،دون القيام باي عمل مفيد لها .وحول العالقة بني املجل�س االقت�صادي
واالجتماعي وبني بقية املنظمات ،اعترب هذا البع�ض ،ان املجل�س هو جمل�س مايل
س�وليته عن ميزانية هذه املنظمات .وبطبيعة احلال ،فان هذا انطالقا من م� ؤ
التو�صيف ي�ستهدف التخفيف من جدية االدوار االخرى املناطة به والرتكيز على
24
هذا اجلانب باعتباره يخت�رص الن�شاط املركزي يف عمله ،ح�سب ر�أي ه ؤ�الء.
هناك من توقف عند كون املجل�س االقت�صادي االجتماعي ا�سما ال ينطبق على
امل�سمى النه لي�س هناك ن�شاط اجتماعي مناط بهذا املجل�س ،حيث يقت�رص ن�شاطه
على اجلانب االقت�صادي .ور�أى ان هناك غيابا للم�شاركة ال�شعبية يف جممل هذه
العملية .واعترب ان اجلامعة حققت من خالل م�رشوعها اال�صالحي اجلديد يف
اعادة الهيكلة ،غايتها يف الهيمنة على املنظمات .وا�شار اىل ان امل� أس�لة تكمن يف
25
غياب الربامج وامل�رشوعات يف عمل املنظمات املتخ�ص�صة.
توقف د .نا�صيف حتي ،رئي�س بعثة جامعة الدول العربية يف فرن�سا 26 ،عند جممل
امللف اال�صالحي ،معتربا ان «م�صدر امل�شكلة اال�سا�س يكمن يف «احلالة العربية»
باملعنى ال�شامل .فم�صدر املر�ض يتخطى الو�ضع امل ؤ��س�سي التنظيمي للمنظمة
العربية ،ويتخطى اي�ضا تقومي ادائها التنفيذي .فاحلالة العربية التي تعرب عنها
اجلامعة وتت أ�ثر بها بقوة ال ت�ستطيع ان ت ؤ�ثر فيها هذه االخرية بفعالية ،اذ ان طبيعة
احلالة العربية متنع ما يجب ان يكون تفاعال بناء م�ستمرا بني املنظمة واالقليم
الذي متثل» .وي�سجل ان القرار العربي عن الهيئات يف جامعة الدول العربية يف
خمتلف م�ستوياتها ،يت�سم بـ:
- 24راجع احمد يو�سف احمد .من اجل ا�صالح جامعة الدول العربية .مرجع �سابق� .ص:
.281
� - 25سليمان املنذري .مرجع �سابق� .ص.285 :
- 26راجع نا�صيف حتي� .صنع القرار يف جامعة الدول العربية وتنفيذه .من اجل ا�صالح
جامعة الدول العربية .مرجع �سابق� .ص �ص.211..203 :
74
{ يتم حتت �ضغط اللحظة مبا يعطيها �رشعية ،ثم ي�صبح يتيما وفاقدا
للم�صداقية ،ومن�سيا بالطبع.
{ ينحكم للت�شدد ال�سيا�سي واخلطاب القومي ويبحث عن ال�سقف
االعلى.
{ ال�صياغة العامة واملبهمة وغري العمالنية ،وبالتايل �صعبة التنفيذ.
وي أ�خذ احيانا �شكال وجدانيا وال يحمل التزامات التنفيذ على الدول
االع�ضاء.
{ اكرثية القرارات ت�صبح يف حالة يتم ،وت�ستقيل الدول العربية من
س�ولية جتاهها حال اختتام اعمال االجتماع املعني .لذلك يولد امل� ؤ
القرار يف كثري من احلاالت ميتا او م�شوها او غري قابل للتنفيذ ،ويرتك
س�وليتها ،وينتهي عمليا حتت على باب جامعة الدول العربية وحتت م� ؤ
س�ولية االمانة العامة او اجلهاز التنفيذي للمنظمة العربية املخت�صة م� ؤ
واملعنية باالمر.
وي�ضيف ال�سفري حتي ب�صدد اخللل يف �صنع القرار العربي ،وبالتايل يف تنفيذه،
ان غياب نظام امل�ساءلة على م�ستوى م ؤ��س�سات جامعة الدول العربية ،يحدث
انقطاعا حادا بني �صناعة القرار من جهة ،وعملية التنفيذ واملتابعة .اىل ذلك،
هناك �ضعف الثقافة التعاونية ذات الطابع امل ؤ��س�سي ،والغرق يف منطق الكل او
الال�شيء .وي�ضيف ،ان هذا املنطق يف ظل لعبة الرهينة املزدوجة القائمة على ان
العالقات االقت�صادية التعاونية تبقى رهينة للعالقات ال�سيا�سية ،وان هذه االخرية
يف حاالت كثرية رهينة لل�شخ�صنة يف ال�سيا�سة .هذا ما ي ؤ�دي اىل عدم ا�ستقرار
التعاون ،وتعر�ضه الهتزازات وتوترات م�ستمرة ،ت ؤ�ثر يف �صناعة القرار امل�شرتك،
ويف م�صداقيته ،ويف ترجمته اىل �سيا�سة .ويختم ،اىل جانب كل ذلك ،هناك
غياب جمتمع مدين عربي اقليمي يت�سم بوجود م�صالح م�شتابكة ومتداخلة عرب
الدول ،وبوجود قوى حية تعرب عن هذه امل�صالح ،وت�شكل قوى �ضغط حلماية
العمل العربي امل�شرتك وتعزيزه.
ا�ستنادا اىل جممل هذه املقاربة النقدية ،يرى ال�سفري نا�صيف حتي ان دعوات
75
اال�صالح للجامعة امنا ترتبط مبحطات االزمات ال�شديدة للنظام العربي .فكلما
مر هذا النظام بازمة �شديدة وبتهديدات متزايدة من اخلارج ،ظهرت دعوات من
اجل وقف االنهيار من خالل تعزيز وا�صالح جامعة الدول العربية ك�سياج واق
للهوية العربية وامل�صالح العربية اال�سا�سية امل�شرتكة .وهذه الدعوات تهدف ،فيما
تهدف ،عرب عملية اال�صالح هذه ،اىل تعزيز �سيا�سات هذه الدول يف حلظة معينة
ودعمها .وان احلما�س لال�صالح ،كما دلت جتارب املا�ضي ،يخف بعد مرور
العا�صفة .وجل ما يحدث هو فتح «ور�شة» ا�صالح تبقى ب�سيطة ،وال تطال
جوهر االمور.
وحتت عنوان ما العمل ،ي�سجل د .حتي ان غياب القرار العربي امل�شرتك ذي
امل�صداقية الذي يوفر القدرة واالطار واملرجعية لبلورة �سيا�سات ،هو نتيجة
غياب االرادة الرا�سخة وامل�ستمرة ،ولي�س ارادة اللحظة �أو املزاج .وغياب الر ؤ�يا
والقناعة حول �رضورة التعاون لي�س خدمة الهداف ايديولوجية او فوقية وعامة
مبهمة ،بل الن تعزيز التعاون العربي_ العربي يوفر االمكانيات والدعم العربيني
لل�سيا�سات الوطنية للدول االع�ضاء وم�صاحلها.
وبالتايل ،فان امل�شكلة لي�ست فقط يف م�ستوى االداء التنفيذي مل ؤ��س�سات العمل
العربي امل�شرتك التي هي بحاجة اي�ضا لال�صالح ،وتوفري الدعم الب�رشي واملادي
لها ،لكن اال�صالح املطلوب للم ؤ��س�سات العربية امل�شرتكة من خالل مدها
ب�آليات املراقبة وامل�ساءلة التي تردع �سيا�سة اتخاذ القرار ال�سهل وتعطي بالتايل
م�صداقية ل�صنع القرار ،والتي ت�ساهم يف مواكبة عملية تنفيذ القرار ،غري كاف اذا
مل تواكبه ا�صالحات على امل�ستوى الوطني .فلي�س من املمكن واقعيا ومو�ضوعيا
ان نتعامل مع ا�صالح «البيت العربي» متجاهلني البنى الداخلية ملكوناته .ولي�س
من املمكن مقاربة ذلك من دون العمل على بلورة جمتمع مدين عربي ي�شكل
قاعدة را�سخة وثابتة للعمل العربي امل�شرتك واطارا له .خارج ذلك ،فان عمليات
او حماوالت اال�صالح امل ؤ��س�سي تبقى يف اطار تعزيز االداء دون ان تطال جوهر
�صنع القرار او تنفيذه .فاال�صالح «القومي» و«الوطني» هو املدخل الفعلي
لال�صالح «امل ؤ��س�سي».
76
ازمة املوجة اال�صالحية وازمة خياراتها {
يرى برهان غليون 27يف مقاربته حول «ا�شكالية اال�صالح وا�شكاالته يف العامل
العربي» ،التي قدمها يف اطار منتدى حوارات الفاخرية حول املجتمع املدين ،ان
امل�رشوع اال�صالحي اجلديد قام على دعامتني ا�سا�سيتني :تنامي وزن املجتمع املدين
العربي و�ضغوطه امل�ستمرة من جهة ،وتبدل �سيا�سات التكتل الغربي املتنفذ يف
املنطقة ،من جهة ثانية .فقد فتح تقرير التنمية االن�سانية العربية املناق�شة واملناظرة
الفكرية وال�سيا�سية حول م� أس�لة اال�صالح يف العامل العربي كما مل يح�صل من قبل.
وقد جتاوبت هذه املناق�شة مع حاجات التغيري واال�صالح كما نظرت اليها القوى
ال�صناعية الغربية ،فبدا وك أ�ن ارادة اال�صالح العربية وارادة التغيري الغربية قد التقيا
الول مرة.
وي�ضيف :جاءت نتائج الدرا�سات االقت�صادية واالجتماعية يف نهاية الت�سعينات
لت ؤ�كد االرتباط املبا�رش بني طبيعة النظم ال�سيا�سية القائمة و�سوء االداء االقت�صادي
واالجتماعي ،مما دفع ب�شكل متزايد ،اىل ربط اال�صالح ،الذي اقت�رص خالل فرتة
طويلة ما�ضية على امليدان االقت�صادي واالداري ،باال�صالح ال�سيا�سي ،ويجعل
من الدميوقراطية ال�شعار املركزي يف احلركة اال�صالحية العربية ،يف جميع
مناطقها .وات�سع االعتقاد عند العديد من االو�ساط العربية الفكرية وال�سيا�سية
باالرتباط بني اال�صالح ال�سيا�سي واالداري واطالق عملية التقدم والتنمية وردم
الهوة العلمية والتقنية املتزايدة االت�ساع بني املجتمعات العربية والدولية.
وي�شري د .غليون اىل ان اال�صالح والتحول الدميوقراطي بدا يف نظر الر�أي العام
م�رشوعا اجنبيا يهدف اىل التغطية على خطة جديدة لعودة ال�سيطرة الغربية
اال�ستعمارية على البالد العربية او التالعب مب�صريها .ومل يبق امام القوى املنظمة
املتم�سكة باال�صالح يف اطار املعار�ضة الدميوقراطية وهيئات املجتمع املدين
- 27راجع برهان غليون .ن� أش�ة املجتمع املدين وتطوره من املفهوم املجرد اىل املنظومة
االجتماعية والدولية .مداخلة يف اطار منتدى حوارات الفاخرية .املوقع االلكرتوين اخلا�ص
باملنتدى .التاريخ غري حمدد ولو ان الن�ص ي�شي بانه قد و�ضع بعد �سنة .2004
77
احلديث �سوى االرتداد اىل موقف الدفاع بدل الهجوم ،و�رصف الوقت واجلهد
يف الترب ؤ� من تهمة العمالة للغرب او العمل يف �سياقات اال�سرتاتيجية الدولية
الرامية اىل ت�شديد ال�ضغط على النظم العربية النتزاع تنازالت ا�سرتاتيجية او
�سيا�سية حيوية منها .وبنتيجة ذلك ،خففت الدول الغربية الثماين التي اعتمدت
مبادرة ال�رشق االو�سط عام 2004من �ضغوطها .كذلك ،مل ترتدد النخب العربية
احلاكمة من ا�ستغالل هذا الرتاجع الغربي الذي ح�صل حتت �ضغط الر�أي العام
املعادي للتدخالت االجنبية .وهي ،اي النخب ،حتاول اليوم االلتفاف على
م�شاريع اال�صالح� ،سواء بالت�شهري باجلوانب احلاملة لبع�ض املخاطر عليها ،او
بتحقيق بع�ض مظاهرها ال�شكلية ،مع تفريغها من حمتواها ال�سيا�سي متاما .كما انها
قد بد�أت يف العامني املا�ضيني ،مبوازاة االعالن عن بع�ض اال�صالحات الديكورية
وت أ�كيد االلتزام التجريدي باال�صالح من دون اي برنامج عمل وا�ضح ،كما
تربهن على ذلك «وثيقة التطوير والتحديث» التي تبنتها القمة العربية يف تون�س
مار�س ،2004/عملية ح�صار منظمة مل ؤ��س�سات املجتمع املدين ،ت�شمل احلد من
الن�شاطات وتكرار املالحقات واالعتقاالت ،واحيانا التعر�ض بال�رضب للنا�شطني
املدنيني وال�سيا�سيني ،ملنعهم من التوا�صل مع الر�أي العام وت�ضييق دائرة اخلناق
عليهم.
وي�سجل د .غليون ان االنق�سام الذي غذته وعملت عليه النظم القائمة ،حول
م�سائل اال�صالح ،قد ادخل الفكر وال�سيا�سة اال�صالحيني العربيني يف حالة تخبط
عميق ،واجه�ض جميع جمهودات العمل على دفع املجتمعات العربية اىل تبني
م�رشوع اال�صالح والت�ضحية من اجله .وامام اجها�ض هذا امل�رشوع اال�صالحي
اجلديد ،فاننا �سنكون امام كلفة كبرية وامام احتمال انفجار املجتمعات نف�سها.
وانتقد اوهام اال�صالح القائم على انه مقدمة للتغيري او حماول تغيري النظم من
الداخل ،وتقريبا بالتفاهم معها واالتفاق على برنامج عمل انتقائي ي�سمح بتجاوز
الو�ضع الراهن والدخول يف نظم تعددية حقيقية يف م�ستقبل ما ،ويختم بت�سجل
ت�سا ؤ�له حول امكانية ا�صالح النظم العربية وهل هي قابلة لال�صالح؟
78
التحدي امل�ستمر بني اتخاذ القرارات اال�صالحية وتنفيذها {
من الوا�ضح ان جممل اخلطوات اال�صالحية التي اعلنتها جامعة الدول العربية،
على م�ستوى م ؤ��س�سة القمة ام على م�ستوى االمانة العامة ،بفعل جملة العوامل
االقليمية والدولية ال�ضاغطة واملحفزة ،مثلت معلما ا�ضافيا يربز خ�صو�صية
وتاريخية ور�شة اال�صالح التي ت�شهدها املنطقة العربية راهنا .اال ان التحدي
اال�سا�س يف مواجهة هذه الور�شة اال�صالحية ي�ستمر جلهة القدرة على ترجمة
هذه القرارات اىل �سيا�سات عملية تنتج الوقائع وحتدث التحوالت وتفتح آ
الفاق
امام او�ضاع جديدة لدول و�شعوب املنطقة على ا�سا�س التنمية والتقدم واحلكم
الر�شيد.
كيف انعك�ست هذه العملية اال�صالحية على خمتلف االطراف املعنية بها وكيف
قومتها ا�ستنادا اىل التجربة املحققة؟؟.
ا�شت درا�سة �صالح الدين اجلور�شي حول «احلقوق االقت�صادية واالجتماعية: رّ
اطاللة اولية على املبادرات الدولية واالقليمية» ،اىل بع�ض املواقف ب�صدد
28
امل�رشوع اال�صالحي الراهن يف املنطقة العربية .وتوقفت عند ر ؤ�ية القطاع اخلا�ص
العربي حول ذلك.
ر�ية القطاع اخلا�ص العربي� :سن�ستند يف ذلك اىل التقرير الذي ا�صدرته .1ؤ
االمانة العامة لالحتاد العام لغرف التجارة وال�صناعة والزراعة للبالد
العربية ،ويتعلق با�سباب تعرث «منطقة التجارة احلرة العربية الكربى».
وقد ا�ستند التقرير اىل جتربة االحتاد االوروبي كنموذج لك�شف جوانب
التعرث التي يواجهها م�رشوع ان�شاء منطقة حرة يف البالد العربية.
وا�ستعان بنتائج اال�ستبيان الذي اعدته االمانة العامة لالحتاد وا�ستطلع
�آراء ال�رشكات العربية اخلا�صة حول هذه امل� أس�لة (طال اال�ستطالع
� - 28صالح الدين اجلور�شي .احلقوق االقت�صادية واالجتماعية :اطاللة اولية على املبادرات
الدولية واالقليمية .من�شورات �شبكة املنظمات العربية غري احلكومية للتنمية .متوز /يوليو .2008
ف�صل :ر ؤ�ية القطاع اخلا�ص العربي.
79
� 62رشكة) .ي�شري التقرير ،انه خالل « ،2005طبقت جميع الدول
العربية امللتزمة مبنطقة التجارة احلرة الكربى التعرفة ال�صفرية على
جميع ال�سلع واملنتجات العربية املتبادلة فيما بينها .اال انه يف املقابل،
يالحظ ان م�ستويات التكامل االقت�صادي العربي احلايل ما تزال �ضعيفة
وتقف عند عقبات اجرائية وهيكلية ا�سا�سية .»...وان التجارة العربية
البينية ما تزال اقل من 10باملئة من اجمايل التجارة اخلارجية للدول
العربية ،يف حني ان هذه الن�سبة تبلغ حوايل 40باملئة يف جمموعة الدول
ال�سيوية ،واكرث من 20باملئة يف دول امريكا الالتينية ،وتزيد عن 60 آ
باملئة بني اع�ضاء االحتاد االوروبي.
وت�شكو ال�رشكات اخلا�صة العربية من ا�ستمرار القيود على التجارة واال�ستثمار،
وكذلك من هيمنة القطاع العام و «ا�ستبعاد �رشكات القطاع اخلا�ص اىل حد
كبري عن رقعة جهود حترير وعدم الكفاءة االدارية وامل ؤ��س�سية» .ويعتقد ممثلو
القطاع اخلا�ص يف وثيقتهم ،ان حتقيق قفزة نوعية يف بيئة االعمال والتجارة
يف البالد العربية تتطلب دعما عربيا م�شرتكا لت�رسيع خطى اال�صالح ومتكني
البالد العربية من ت أ�هيل اقت�صاداتها وبنيتها االجتماعية بال�شكل املنا�سب».
واعتربوا ان ما قدمته م ؤ��س�سات التمويل العربية على مدى 36عاما جلميع
الدول العربية حوايل 1.3مليار دوالر �سنويا ،هو مبلغ زهيد ال يقا�س مبا
تنفقه التكتالت االقت�صادية الدولية على براجمها التكاملية .واكد التقرير ان
«جمرد اتخاذ قرارات ر�سمية ب أ�قامة منطقة للتجارة احلرة ال يعني حتقيقها،
مهما كانت درجة االلتزام بهذه القرارات .فامل� أس�لة تتطلب قبل اي امر �آخر
التالزم بني االتفاق على اهداف التنمية امل�شرتكة وا�ستخدام �آليات التنمية
امل�شرتكة وا�ستخدام �آليات االندماج مبا يحقق هذه االهداف ،مع توفري ما
يلزم من موارد لذلك .وبعد الدعوة اىل تطوير البيئة الت�رشيعية واال�ستثمارية
ورفع القيود عن م�شاريع القطاع اخلا�ص واتاحة املعلومات والفر�ص وتطوير
م�شاركته يف �صياغة االهداف اال�سرتاتيجية ،اعلن التقرير ت أ�ييده للقول بان
اال�صالحات اجلارية ال تزال منقو�صة او انها «مت�ضي يف الطريق امل�ستهدفة
80
لها» .وي�سجل التقرير ت�سا ؤ�له الت�شكيكي جلهة اجلهات التي �ست�ستفيد من
هذه اال�صالحات والتي ترتاوح بني امل�ستثمرين االجانب او كبار املوظفني
الذين حتولوا اىل م�ستثمرين!!!.
يف هذا ال�سياق ،ي�سجل د .جور�شي ،ربطا مبو�ضوع اجلهات امل�ستفيدة من
اال�صالحات�« ،رضورة التوقف عند م� أس�لة التداعيات التي ترتكها العمليات
اال�صالحية و�رضورة حتديد االطراف امل�ستفيدة منها .ويعترب ان هذه من
امل�سائل احليوية التي يجب تعميق النقا�ش حولها بني مكونات املجتمع
املدين ،حتى يعرف االخري طبيعة �رشكائه املفرت�ضني ،وال يدافع عن �سيا�سات
او اطراف ال هدف لها �سوى احلاق اال�سواق املحلية بلوبيات جتارية
واقت�صادية ت�سعى بكل الطرق اىل مراكمة االرباح على ح�ساب امل�صالح
الوطنية واحلقوق االقت�صادية واالجتماعية الغلبية ال�سكان».
.2تقرير «كارنيغي» حول اال�صالحات 29:ا�شار التقرير اىل ان اال�صالحات
االقت�صادية التي متت جاءت عادة نتيجة «ردة فعل ملواجهة ازمات
داخلية حادة او �ضغوط خارجية» .واعترب ان «نظرة على اقت�صادات
املنطقة ت ؤ�كد انه ال االقت�صادات التي تعتمد على النفط ،وال االقت�صادات
التي ال تعتمد عليه ،قامت بتنفيذ ا�صالح �شامل من النوع الذي يعزز
انتاجية قوية ،او يخلق منوا م�ستداما على املدى الطويل ويزيد العمالة
بدرجة م ؤ�ثرة» .وا�ضاف« ،ان تفاقم امل�شاكل االجتماعية واالقت�صادية
قد ا�ستمر ،وانها ،ا�ستنادا على ارقام ،2005قد «ا�شتملت على
ازدياد البطالة والفقر والدين العام» .وف�رس التقرير ذلك بثالثة عوامل
رئي�سية:
- 29اعداد �سفيان العي�سة« .حتديات اال�صالح االقت�صادي يف العامل العربي :نحو اقت�صادات
اكرث انتاجية» .اوراق كارنيغي� .سل�سلة ال�رشق االو�سط .مركز كارنيغي لل�رشق االو�سط .مايو/
ايار .2007
81
غري انه «ال يوجد ادراك م�شرتك (لدى احلكومات وقادة
رجال االعمال واملجتمع املدين) ملا يعنيه اال�صالح وما
ي�ستتبعه من تداعيات».
{ الثاين :تعاين الدول وامل ؤ��س�سات من نق�ص يف القدرة على
الت�صميم ،وادارة برامج اال�صالح ،وهذا ما ي�ستدعي
الت�سا ؤ�ل هل ان احلكومات حتاول ان تكون انتقائية فيما
يخت�ص مبكونات اال�صالح؟
{ الثالث :املقاومة التي اظهرتها «النخب املتوطدة»
لال�صالحات التي «قد تلحق ال�رضر مب�صاحلها االقت�صادية او
ال�سيا�سية».
باال�ستناد اىل كل ذلك ،يرى التقرير ان االنظمة العربية وجدت نف�سها بني امرين
الزاميني متناق�ضني .من جهة« ،املحافظة على اال�ستقرار وعلى حكمها واحلالة
الراهنة ال�سيا�سية واالقت�صادية» .ومن جهة اخرى« ،مواجهة م�شاكل اجتماعية
واقت�صادية مزمنة من خالل تنفيذ ا�صالحات جوهرية تنقل البلد نحو اقت�صاد اكرث
انتاجية» .وخل�ص التقرير اىل ان احلكومات العربية قد ف�ضلت «االمر االلزامي
االول» ،واختارت «تطبيق برامج غري مثرية للجدل واجراء تعديالت ثانوية
�ضمن منوذج االقت�صاد اخلا�ضع ل�سيطرة الدولة بدال من ال�رشوع يف تنفيذ حتول
اقت�صادي».
.3تقرير التناف�سية ،2007احلفاظ على زخم النمو .جاء يف هذا التقرير الذي
ا�صدره املنتدى االقت�صادي العاملي ،ان العامل العربي ي�شهد معدالت منو
عالية لل�سنة الرابعة على التوايل وذلك بف�ضل ارتفاع ا�سعار النفط بدرجة
ا�سا�سية .كما اعترب «ان جهود اال�صالح املا�ضية ا�سهمت يف حتقيق هذه
النتائج املتفوقة» .وذكر التقرير ان ال�سنوات املا�ضية �شهدت «ترجمة
عديد من املبادرات بنجاح على ار�ض الواقع» .وان التفاوت يف وترية
اال�صالح من بلد عربي اىل �آخر امر طبيعي بحكم تنوع االقت�صادات
العربية .و”لكن بالرغم من هذه النربة التفا ؤ�لية التي كتب بها التقرير،
82
اال انه اعترب ،يف املقابل ،ان املنطقة ال تزال بعيدة عن حتقيق قدرات
النمو الكاملة املتوفرة فيها .وانها يف حاجة اىل ت�رسيع ن�سق اال�صالحات
م�شريا باخل�صو�ص اىل ان املخرجات التعليمية مقلقة للغاية ال �سيما اذا
ما اخذنا بعني االعتبار معدالت البطالة املرتفعة يف العديد من الدول،
ون�سب االمية العالية» .واذ ايد التقرير بع�ض القرارات والتو�صيات
ودافع عنها ،خا�صة تلك املرتبطة باحلد من تدخل احلكومات يف �سوق
العمل ،واالنتقال اىل ا�صالحات �شاملة ،وتطوير القطاع اخلا�ص،
وحتقيق اندماج ا�رسع يف التجارة العاملية ،وحتقيق امل�ساواة بني اجلن�سني
واحلكم الر�شيد ،فان التقرير دعا اىل نقا�شها من قبل منظمات املجتمع
املدين وذلك لقيا�س اثرها الفعلي ،والتوقف عند تداعياتها على احلقوق
االقت�صادية واالجتماعية لعموم املواطنني ،وخا�صة الفئات االجتماعية
االكرث فقرا( .نف�س املرجع ال�سابق)
�صحيح ان ور�شة اال�صالح التي اطلقتها اجلامعة العربية جاءت بفعل دفع وتبني
م ؤ��س�سة القمة فيها لذلك والدعوة ال�رصيحة باجتاهها .وهي جاءت مواكبة جلملة
اال�صالحات التي اطلقتها خمتلف الدول العربية مب�سارات خمتلفة وبازمنة متفاوته
وبايقاعات متنوعة .ويف املقابل ،فان النتائج التي اخذت بالظهور انحكمت هي
اي�ضا مبجمل هذه الفروقات والتفاوتات .وبالتايل ،فان النتائج العامة واالولية
التي توقفت عندها التقارير امل�شار اليها �سابقا ،قد طالت تقييم املح�صالت
االجمالية ملجمل الور�شة اال�صالحية العامة يف املنطقة ونتائجها املحققة .وهي
حتتاج ،بطبيعة احلال ،اىل متابعة وتدقيق يف بعدها العام ،ويف النتائج القطاعية،
على م�ستوى جممل بلدان املنطقة وعلى م�ستوى كل دولة من دولها .وكذلك
هي حتتاج اىل او�سع ور�شة نقا�شية بهدف تدقيقها وتقييم خال�صاتها ،خا�صة
83
يف بعدها االجتماعي والدميوقراطي ،يف ظل التفاوت املو�ضوعي ملواقع خمتلف
القوى االقت�صادية واالجتماعية املنخرطة فيها واملت أ�ثرة بنتائجها.
وان كان هناك من مالحظات ميكن ان ن�سجلها يف هذا ال�سياق ،فامنا ترتكز على
غياب اية ا�شارة ،يف هذه التقارير ،اىل حماوالت اجلامعة العربية كم ؤ��س�سة تقود
ور�شة ا�صالحية خا�صة على هذا ال�صعيد .ومما يربز خ�صو�صية ذلك ،كون اجلامعة
وبع�ض م ؤ��س�ساتها ،وهي هنا املجل�س االقت�صادي واالجتماعي ،قد اناطت بها
م ؤ��س�سة القمة تقدمي توجهاتها اال�صالحية من اجل نقا�شها وتبنيها ،وهو ما
ح�صل كما �سبق وا�رشنا .وبالتايل ،فان جممل هذه املالحظات النقدية ،مل تقدم
اي ا�شارات تقييمية الدوار اجلامعة ونتائج ذلك ،االمر الذي يرتب على كافة
املعنني� ،رضورة مواجهة هذه املهمة التقييمية .وال ب أ��س ان يكون ذلك عنوانا من
عناوين املنتديات العديدة التي ت�شهدها املنطقة وبخا�صة تلك التي تنظمها هيئات
ومنظمات املجتمع املدين العربي .وبانتظار بلورة ذلك ،تبقى الور�شة التقييمية
النقدية التي نظمها مركز درا�سات الوحدة العربية ،وا�رشنا اليها يف العديد من
جماالت هذه الدرا�سة ،هي املقاربة اال�شمل واالبرز لتناول دور م ؤ��س�سة اجلامعة.
وتبقى النقا�شات التي طالت هذه امل ؤ��س�سة ،خا�صة جلهة ا�سرتاتيجياتها و�آليات
عملها ،نقا�شات راهنة حتتاج للمتابعة والتعميق.
84
خال�صات
ان جممل املبادرات اال�صالحية التي مت عر�ضها ،وباالخ�ص منها تلك التي اطلقتها
جامعة الدول العربية ،ت ؤ�كد على احلاحية مهمة اال�صالح بكافة م�ستوياته ،كما
ت ؤ�كد على �رضورته وراهنيته .التحديات تكرب يف عامل ي�شهد جملة من التغيريات
اال�سرتاتيجية العميقة التي ال ترتك اية منطقة يف العامل خارج ت أ�ثرياتها املختلفة.
وحتتل مهمات التكيف واالندماج االولوية على جدول اعمال كل املعنيني
بذلك ،خارج رغباتهم وم�صاحلهم احلقيقية .فهذه «الوجبة» اال�صالحية ملزمة
و�سط اجلدل الكبري بخ�صو�ص �رشوطها و�آلياتها وحقيقة النتائج املتوخاة منها.
ولي�س من املبالغة القول ان املنطقة العربية حتتل و�سط هذه «الور�شة اال�صالحية
العاملية» موقعا خا�صا بامتياز بفعل جملة اخل�صائ�ص اجليوبوليتيكية واالقت�صادية
وااليديولوجية التي متيزها .ان منطقتنا تقع يف «عني العا�صفة اال�صالحية العاملية»
بامتياز .وبالتايل ،فان متابعة ملف اال�صالحات فيها من قبل هذا احل�شد الدويل
واالقليمي ميثل تعبريا طبيعيا ُيتوقع ا�ستمراره وت�صاعده .وهذا يعني املزيد من
املبادرات اال�صالحية املقرتنة بح�شد من املحفزات واملغلفة ب�ضغوطات متنوعة
ي�صل بع�ضها اىل التدخل املبا�رش مذكرا ب�صيغ الهراوات املغلفة باحلرير الناعم
85
وو�سط كم كبري من الكالم الزهري واجلميل.
يف اجلهة املقابلةُ ،يتوقع ان ي�ستمر زخم اطالق املبادرات من خمتلف اجلهات
العربية املعنية ،كما هو حا�صل يف ال�سنوات االخرية ،حتت عناوين ا�صالحية
ويف جماالت خمتلفة .يرتافق اطالق املبادرات مع ن� ؤ
ش� جملة من املنتديات واالطر
التي تنخرط ،من مواقعها املختلفة ،يف هذه الور�شة ووفق اجندات خا�صة بها
وباجلهات الدولية واالقليمية التي تنخرط ب�رشاكات متنوعة معها.
ش� املنتديات واالطر التي تت�صدى للملف اال�صالحي يف ان ما مييز حركة ن� ؤ
املنطقة العربية انها تتم و�سط حالة من «الفردانية» املفرطة القائمة على تعامل
كل منها مع امللف اال�صالحي من «حلظة ال�صفر» التي ت�صيغها هي مبعزل عن
ما مت اجنازه مو�ضوعيا من قبل االخرين ،على هذا ال�صعيد .ان حالة الت�شظي
التي تعي�شها مبادرات املنتديات وهيئات املجتمع املدين العربي واجلهات الر�سمية
العربية ،ت�سجل املزيد من تفاقم هذا احلال ،دون ا�سقاط بع�ض املحاوالت
التن�سيقة ومبادرات اقامة �رشاكات وت�شبيك متت يف املرحلة االخرية .وتتحول
يف هذا الواقع دعوات العمل امل�شرتك اىل دعوات دون م�ضمون حقيقي .وتعرب
عن رغبات دعائية معلنة دون جهد حقيقي يف هذا االجتاه ،االمر الذي يطرح
م�صداقية هذه اخليارات وهل هي خيارات جدية ومهمات مطلوبة يف حقيقة
االمر؟.
ان اال�ستنتاج اال�سا�س الذي ن�سجله على هذا ال�صعيد ،يقوم على اعتبار ان مهمة التن�سيق
والت�شبيك بني هذه املنتديات والهيئات ،من جهة ،وبينها وبني اجلهات الر�سمية العربية
الداعية واملنخرطة يف م�شاريع ا�صالحية ،يفرت�ض ان حتتل موقعا اولويا على جداول
اعمالها يف املرحلة الراهنة .واي ت أ�خري على هذا ال�صعيد يزيد من ت�آكل ار�صدتها
وم�صداقيتها ويعزز مناخات الت�شكيك يف م�شاريعها التي ُي�سجل عليها ارتباطها
مب�ستويات عالية من االهدار يف اجلهود واالمكانات ،االمر الذي يفرت�ض مقاربته
86
بجر�أة نقدية وبنقا�ش علني ومبهمات و�آليات حمددة للمواجهة.
وبطبيعة احلال ،فان مهمة الت�شبيك هي بطبيعتها مهمة مفتوحة ال ميكن ان ن�صيغ
لها حدودا حا�سمة ن أ��رس املنتديات وهيئات املجتمع املدين العربي والعاملني
امل�شرتكني �ضمنها ونعطل مبادراتهم وتنوعهم وتفاوت اهتماماتهم وخططهم
وا�سرتاتيجياتهم .وبقدر ما تت�ضمن فكرة الت�شبيك وم�شاريعها من التزامات
وتقاطعات م�شرتكة ،فانها ال ُيفرت�ض ان تُ�سقط ابدا مبد�أ اال�ستقاللية والتنوع
واملبادرة اخلا�صة لكل من مكوناتها واطرافها.
يف املقابل ،فان فكرة اال�ستقاللية وحرية كل مكون من مكونات املجتمع
املدين العربي ،ال تقوم بال�رضورة بالت�ضارب والتناق�ض مع م�رشوع الت�شبيك
املطلوب والذي تفر�ضه جملة الهموم امل�شرتكة والتقاطعات املو�ضوعية التي
تر�سمها التجربة املحققة واملهمات امل�شرتكة يف اطار خمتلف االطر االجتماعية
واالقت�صادية والثقافية واملدنية العربية.
ان طبيعة واهداف مهمة التن�سيق والت�شبيك ال ترت�سم خارج الق�ضايا والربامج
التي تقوم باال�ستناد اليها .وبالتايل ،فهي لي�ست باملهمة املطلقة بذاتها خارج
حتديدها ربطا بهذه الق�ضايا وبراجمها و�آلياتها .وان كان من عناوين ميكن اطالقها،
يف جمال تو�صيف هذه العملية التن�سيقية الت�شبيكية ،فهي ترتاوح بني ت أ�مني اف�ضل
فعالية واغزر انتاجية يف حقل النتائج املادية املرتبطة مب�شاريع واهتمامات تنموية
اقت�صادية واجتماعية وخالفها ،و�صوال اىل تعزيز قيم التعاون والعمل امل�شرتك
وتفعيل االنخراط املدين يف متابعة ال� أش�ن العام وق�ضاياه كقيمة اجتماعية و�سيا�سية
وثقافية حتمل كل االهمية بذاتها.
ا�ستنادا اىل ما �سبق ،فان مهمة التن�سيق والت�شبيك مفتوحة على كل املبادرات
بني خمتلف مكونات املجتمع املدين العربي .وهي ترتاوح بني كونها ميكن ان
تتم ربطا بن�شاط قطاعي حمدود ويف بلد معني ويف منطقة حمددة ،و�صوال اىل
ال�رشاكات القائمة على برامج متقدمة يف جمال العمل التنموي خارج احلدود
القطاعية ال�ضيقة وخارج ا�سوار البلدان واملناطق.
لقد �شكلت املبادرات املحدودة جدا التي اطلقتها بع�ض م ؤ��س�سات املجتمع املدين
87
العربي ،وتطرقنا اليها يف منت البحث ،30ا�شارة اىل بدء مرحلة جديدة وخجولة
على هذا ال�صعيد .وهي ،بالرغم من حداثتها وحمدودية القوى املنخرطة فيها،
فانها تطلق عملية هامة وت أ��سي�سية على هذا ال�صعيد .وهي تنتج حلقات ،ال بد
�ستت�سع وتتعمق ت أ�ثرياتها كما الدوائر التي يحدثها وقوع حجر �صغري يف بركة
املياه ،ا�ستنادا اىل حقيقة امل�صالح والتقاطعات املو�ضوعية ،من جهة ،و�صوال اىل
بلورة وعي اهمية الت�شبيك والتن�سيق كحقيقة و�رضورة اكدت عليها وابرزتها
خمتلف االدبيات التنموية احلديثة لت�صبح عمادا من اعمدة اية مقاربة تنموية ب�رشية
معا�رصة ،من جهة اخرى.
يف هذا املجال ،يرت�سم الدور اجلديد الذي اطلقه امل�رشوع اال�صالحي المني عام
جامعة الدول العربية وتوجهه اىل تفعيل ال�رشاكة والت�شبيك مع املجتمع املدين
العربي ،حيث �سيمثل هذا الدور ،يف حال تثبيته وتفعيله واعادة ت أ�كيده يف القمة
العتيدة ،عنوانا ا�سا�سيا لدفع واقع الت�شبيك بني منظمات واطر املجتمع املدين
العربي اىل االمام ،وان تلعب االمانة العامة جلامعة الدول العربية دورا مركزيا
حمفزا على هذا ال�صعيد .فهل لهذا الدور من امكانية؟ وهل املراهنة على ذلك
واقعية؟ وهل القرار ال�سيا�سي بذلك موجود؟ ام اننا امام جولة جديدة من الوعود
واالمال املهدورة؟
ا�ستنادا اىل كل ذلك ،حتتل ق�ضية «املراكمة اال�صالحية» اوىل التحديات املطروحة
على جممل املعنيني يف هذا املجال .ومتثل ،بالتايل ،احدى املهمات اال�سا�سية
املطروحة على جدول اعمال املنتديات وهيئات املجتمع املدين العربي وم ؤ��س�سة
اجلامعة العربية .ان هم «املراكمة اال�صالحية» يحتاج يف هذه املرحلة اىل ما هو
اكرث من الدعوات املبدئية اىل تبنيه ،مع اهمية ذلك .انه يحتاج اي�ضا اىل بلورة
- 30راجع التجربة املحققة ل�شبكة املنظمات العربية غري احلكومية للتنمية بني البدايات
واالدوار الراهنة يف اطار ال�رشاكات املتنوعة التي اطلقتها وتتابعها على امل�ستوى العربي العام.
88
�آليات وا�ضحة ت�سمح بالت�صدي ملوجبات ذلك يف الواقع عرب مبادرات ملمو�سة
وخا�صة على هذا ال�صعيد.
ان الور�شة اال�صالحية التي اطلقتها جامعة الدول العربية ،وبعد �سنوات على
انطالقتها ،تواجه ب�صورة خا�صة ازمة املراكمة التي ا�رشنا اليها .وا�ضافة اىل ان
وت�شبك على ومع ما تقدمه املنتديات واالطر التي ِّ هذه الور�شة ال تبني وتراكم
تت�صدى للملف اال�صالحي يف اطار جهود املجتمع املدين العربي على هذا
ال�صعيد ،فانها ال تراكم اي�ضا على ما قدمته م ؤ��س�سات اجلامعة العربية نف�سها يف
حمطات �سابقة .وهذا ما يفاقم من ا�شكالية غياب «املراكمة اال�صالحية» التي
نُ�سجلها على امل�ستوى العربي العام .ومن النماذج الفاقعة حول ذلك ،انه ويف
اطار دورات املجل�س االقت�صادي االجتماعي ،دورة عمان العادية 5/6متوز/
يوليو ،1988مت نقا�ش تقرير فريق من اخلرباء حول الهيكلية اخلا�صة باملنظمات
العربية املتخ�ص�صة( .راجع ا�صالح اجلامعة �ص .)244/245 :ويف هذا االطار،
مل يوافق املجل�س حينها على مقرتح فريق العمل بان�شاء منظمة عربية للتنمية
االجتماعية ،حيث اناط بع�ض مهامها اىل منظمات عربية اخرى .فهل ميثل هذا
اجلهد اال�صالحي ال�سابق ا�سا�سا العادة البناء عليه يف املرحلة الراهنة؟ وهل ميكن
ان ميثل هذا التوجه ا�سا�سا متوقعا ملقاربة قمة التنمية االقت�صادية واالجتماعية
العتيدة؟ وهل ان �صيغة منظمة عربية للتنمية االجتماعية ما زالت متثل خيارا
راهنا؟
ان التناق�ضات ال�سيا�سية املتفاقمة على م�ستوى النظام الر�سمي العربي وتعذر
حتقيق اجنازات وحلول حا�سمة و�رسيعة على هذا ال�صعيد يف اال�شهر القادمة
وقبل انعقاد قمة التنمية العتيدة ،تطرح جملة من التحديات التي تهدد هذه القمة
وتهدد اجنازاتها املتوقعة واالمال املعقودة عليها والتي كانت يف ا�سا�س الدعوة
اليها .وفيما تتفاقم هذه التناق�ضات ،ترت�سم يف املنطقة وربطا مبجمل التطورات
االقت�صادية واالجتماعية فيها ،جملة من التحديات التي تطرح احلاجة اىل تنظيم
مواجهات م�شرتكة انطالقا من امل�صالح والتقاطعات املو�ضوعية بني �شعوبها.
فقد اظهرت ازمة الغذاء العاملية الراهنة وما تركته من ت أ�ثريات عميقة على بع�ض
89
�شعوب املنطقة ،احلاجة اىل و�ضع ا�سرتاتيجيات م�شرتكة ملواجهة هذا الواقع
اجلديد وت أ�مينا ملواجهة تداعياته االجتماعية اخلطرية واملتفاقمة .وان كان من
ال�صعوبة مبكان ،ربطا باالو�ضاع ال�سيا�سية الراهنة التي يعي�شها هذا النظام الر�سمي
العربي ،خلق توافقات �سيا�سية �رسيعة ت�سمح يف التخفيف من حدة ازمة اخليارات
ال�سيا�سية اال�سرتاتيجية التي يعي�شها ،فان التحديات اال�سا�سية التي تواجهها قمة
التنمية العتيدة تقوم حتديدا بالقدرة على خلق توافقات احلد االدين يف امل� أس�لة
االقت�صادية االجتماعية ربطا ب�سيا�سة امل�صالح واحلاجات .وقد تكون عملية اعادة
اطالق املنظمة العربية للتنمية االجتماعية اطار من اطر مواجهة االزمة االقت�صادية
االجتماعية الراهنة .اال ان ذلك يبقى يف دائرة التدابري االجرائية التي ال تقوم
وت�ستوي خارج حتدي الر ؤ�ية التنموية وال�سيا�سات اخلا�صة بذلك .فهل هذه
القمة ويف هذه الظروف قادرة على خو�ض هذا التحدي؟؟.
ا�ستنادا اىل ما �سبق ،ف إ�ن قمة التنمية االقت�صادية االجتماعية العربية مطالبة ب إ�عادة
تبني واطالق ما مت اقرتاحه يف مرحلة �سابقة جلهة و�ضع ا�سرتاتيجية العمل االقت�صادي
العربي امل�شرتك ،التي طالبت باقامة نظام اقت�صادي عربي جديد يت�سم بالتكامل
املحقق للتنمية ال�شاملة ،وميثل منطا من تق�سيم العمل داخل العامل العربي يحقق
التطور والتحرر لبلدانه .فهل الرهان على ذلك ممكن؟؟.
كذلك ،فان هذه القمة مطالبة اي�ضا ان تعيد ما متت مقاربته �سابقا جلهة اطالق
عقد التنمية العربية امل�شرتكة .فهل �ستنجح يف ذلك؟؟.
اما املقرتحات ال�سابقة جلهة االتفاقية املوحدة ال�ستثمار ر ؤ�و�س االموال العربية يف
البلدان العربية التي ن�صت على مبد�أ «املواطنة االقت�صادية» ،مبعاملة امل�ستثمر العربي
مهما كانت جن�سيته باالحكام نف�سها التي ت�رسي يف اي بلد على مواطنيه ،فهي
ما زالت حتمل راهنية وتعك�س احلاحية وتت�ضمن التربيرات الالزمة .فهل �ست�ستعاد
هذه اخلطوة وتف ّعل؟؟.
لقد طالبت العديد من الوثائق اال�صالحية ال�سابقة التي عرفتها م ؤ��س�سة اجلامعة
90
العربية ،يف اطار اولوياتها ،باقامة ن�شاط تخطيطي على امل�ستوى العربي ين�شغل بتح�ضري
خطة للتنمية العربية امل�شرتكة ومتابعة تنفيذها ،ويتمتع بحد ادنى متزايد من االلزامية .ويف
اللية املطلوبة ،مت اقرتاح ان يكون هذا الن�شاط التخطيطي م�ستمرا يف �شكل اطار آ
خطط خم�سية تبد�أ يف عام .1981فهل ما كان مطروحا ومت جتاوزه ،فيما مل يزل
يحتفظ براهنيته ،ميكن ان ي�ستعاد ويف ّعل خالل القمة العتيدة؟؟
ا�شكالية االزدواجية يف عمل املنظمات العربية املتخ�ص�صة� ،شهدت بدورها حماوالت
ا�صالحية متعددة وبقيت اجنازاتها حمدودة .متيزت اغلب املحاوالت ال�سابقة
بتغليب البعد االداري والتقني يف ادارة هذا امللف .وقد �شكل مطلب مواجهة
هذه االزدواجية هما دائما لدى العديد من املهتمني واملخت�صني ،وم�صدرا
لتو�صيات متوا�صلة على هذا ال�صعيد .فهل بامكان قمة التنمية العتيدة املراكمة
على هذا اجلهد املهدور؟؟.
اما ب�صدد الدور املركزي الذي اناطه امل�رشوع اال�صالحي المني عام جامعة الدول
العربية باملجل�س االقت�صادي واالجتماعي ،فهل ميكن اخراجه من اطار الرتتيب االداري
بر�ية تنموية ،مطلوبة باالولوية من هذه القمة العتيدة ،تت�صدى االجرائي وربطه ؤ
ال�شكالية تغليب القومي االيديولوجي يف ر�سم اخليارات واملواقف العامة،
وتعيد االعتبار اىل البعد القائم على ق�ضايا امل�صالح امل�شرتكة التي ت�شكل التنمية
احدى ابرز ركائزها؟؟؟ .وهل تتيح عملية تبني واطالق املنظمة العربية للتنمية
االجتماعية ت�شكيل مدخل ا�سا�س ملعاجلة ا�شكاليات االزدواجية وازمة التوازنات
بني االجهزة العربية الر�سمية النا�شطة يف احلقل االقت�صادي واالجتماعي؟؟ .وهل
ميكن يف �ضوء ذلك و�ضع تر�سيمة جديدة لعالقة االجهزة املخت�صة الراهنة وحل
ا�شكاالت التوازنات التي ا�رشنا اليها خالل البحث ،وبخا�صة يف عالقة املجل�س
االقت�صادي واالجتماعي وجمل�س الوحدة االقت�صادية.
اولوية ؤ
الر�ية التنموية {
ان قوى وهيئات ومنتديات واطر املجتمع املدين العربي مطالبة اليوم ،ويف اطار
امل�شاركة يف التح�ضريات املطلوبة لقمة التنمية العتيدة ،بان ت�صيغ مقارباتها التي
91
ت�ضم ُنها ر ؤ�يتها ملا هو مطلوب من هذه القمة ،وما هي الق�ضايا التي يفرت�ض العمل
ِّ
يف �سبيل طرحها واثارتها يف مباحثات هذه القمة .وال بد لهذه الفعاليات من ان
تن�شط باجتاه بلورة العناوين اال�سا�س امل�شرتكة كي تعطي حلركتها الفعالية املطلوبة
وال�ضغط الالزم من اجل النفاذ اىل جدول اعمال هذه القمة والت أ�ثري بنتائجها.
ان م�سعى التحرك باجتاه الت أ�ثري على جدول اعمال ،وبالتايل نتائج هذه القمة،
يجب ان يتم دون مبالغات وبواقعية �شديدة ،خا�صة وان العديد من اجلهات
الر�سمية العربية ،كانت وما زالت ،تنظر بريبة كبرية وبح�سا�سية متوترة جتاه
قوى هذا املجتمع املدين يف بلدانها والتي ت�صل يف العديد من احلاالت اىل
حدود انتهاج �سيا�سة قمعية على هذا ال�صعيد ،حتا�رص من خاللها هذه املنظمات
وتعطل ادوارها وتقفل مراكزها وتعتقل قياداتها وتزرع ال�شك والتخوين ب�صدد
م�شاريعها وتعطل امكانيات توا�صلها مع الر�أي العام فيها.
وقد يكون ا�ستحقاق هذه القمة منا�سبة الطالق �سل�سلة من املبادرات يف اطار
املجتمع املدين العربي ،وبخا�صة من القوى الرائدة يف حقل الت�شبيك والعمل
امل�شرتك ،يف �سبيل خلق دينامية البحث امل�شرتك يف هذه امللفات وخلق �رشوط احلد
االدنى من املقاربة امل�شرتكة ب�صددها وتعزيز فر�ص الت أ�ثري وال�ضغط املطلوب .وما
املبادرة التي اطلقتها وتتابعها ال�شبكة العربية للمنظمات غري احلكومية للتنمية،
يف هذا ال�صدد� ،سوى منوذج ت أ��سي�سي على هذا ال�صعيد.
ان عملية البحث امل�شرتك لقوى املجتمع املدين العربي مطالبة بان تخرج من
دائرة البحث املبدئي والذي يطال اال�سا�سيات ،مع اهمية ومركزية ذلك ،اىل
بلورة جملة من اخلال�صات االولية امل�شرتكة التي تت�صدى مل� أس�لة االولويات التي
تطالب بها القمة العربية وتدعوها اىل االخذ بها وتن�شط يف �سبيل تكوين «لوبي»
خا�ص على امل�ستوى الر�سمي واملدين العربي �ضاغط ونا�شط يف �سبيل الرتويج
لذلك.
يف هذا ال�سياق ،فاننا نعتقد ان املفتاح اال�سا�س والتو�صية املركزية ،التي �ستقوم
باال�ستناد اليها جممل التو�صيات االخرى ،هي م� أس�لة الر ؤ�ية التنموية التي يفرت�ض
ان تر�سم اطار التوازن املطلوب والر ؤ�ية ال�رضورية للعمل العربي امل�شرتك امل�ستند
92
اىل م� أس�لة معادلة االيديولوجيا او امل�صالح يف ر�سم ال�سيا�سات.
اىل ذلك ،فان قوى املجتمع املدين العربي مطالبة بدعوة القمة العتيدة اىل بلورة �آلية
جديدة ،ا�ستنادا اىل اعتبارات ومقاربات خمتلفة ،لرتجمة ومتابعة وتفعيل الر ؤ�ية
التنموية املطلوبة .وال ب أ��س يف ان تبادر هذه القوى اىل اقرتاح بع�ض العناوين
اخلا�صة بذلك والدعوة وال�ضغط يف �سبيل تبنيها .وقد تكون بع�ض اخلطوات
التي ت�ضمنها الق�سم االخري من هذا البحث عناوينا ملقرتحات خا�صة على هذا
ال�صعيد ،وبخا�صة تلك التي تطال املنظمة العربية للتنمية االجتماعية كاطار ا�سا�س
على م�ستوى االلية املطلوبة لذلك ،مع ا�ضافة ا�سا�سية تطال اقرتاح اتاحة املجال
امام م�شاركة ما لفعاليات من املجتمع املدين العربي يف و�ضع �سيا�سة هذه املنظمة
وت أ�مني �شكل من ا�شكال امل�شاركة يف ادارتها ان�سجاما مع الدعوة التي ت�ضمنها
امل�رشوع اال�صالحي االخري الذي اطلقة امني عام اجلامعة العربية ال�سيد عمر
مو�سى والداعي اىل ت�شجيع ال�رشاكة مع املجتمع املدين العربي.
وان كان من ا�ستنتاج ب�صدد ا�ستعرا�ضنا ال�رسيع للخطوات اال�صالحية ال�سابقة
التي اطلقتها جامعة الدول العربية وم ؤ��س�سة القمة فيها ،فاننا ن�سجل ان ما هو
مطلوب من هذه القمة العتيدة لي�س ا�ضافة م�شاريع وخطط تنموية جديدة
ت�ضاف اىل الئحة طويلة متت مراكماتها على مدى العقود ال�سابقة و�رسعان ما
طوتها خزائن اجلامعة ،امنا الت�صدي للم� أس�لة اال�سا�س املرتبطة باجلانب ال�سيا�سي
واخليارات ال�سيا�سية املركزية اخلا�صة يف احلقل االقت�صادي واالجتماعي والر ؤ�ى
املطلوبة على هذا ال�صعيد .فهل ان م ؤ��س�سة القمة قادرة مو�ضوعيا يف �ضوء
الظروف والتناق�ضات التي ت�شهدها راهنا ،على ادارة هذا امللف واي�صاله اىل
خواتيمه املطلوبة؟؟.
ان مقاربة قوى املجتمع املدين العربي ،يف اطار ور�شة نقا�شاتها ملجمل هذه
امللفات ،تثري ا�شكالية خا�صة تطال �آلية تناولها وخو�ضها لهذه الور�شة .فقد
93
اثار البعد ال�سيا�سي جماال لنقا�ش حاد ب�صدد اخليارات التي تعرب عنها امل�شاريع
اال�صالحية املطروحة على م�ستوى املنطقة ،وبخا�صة تلك التي اطلقتها مو�س�سة
ن�شد ْت مقاربات
اجلامعة العربية وادارتها على مدى ال�سنوات االخرية .وقد �إ ّ
بع�ض املهتمني ،يف اطار املجتمع املدين العربي ،بهذا البعد م�سجلني ا�ستنتاجهم/
موقفهم القائم على تعذر اية امكانيات/توقعات لتحقيق اجناز على م�ستوى امللف
اال�صالحي ال�سيا�سي يف اطار النظام الر�سمي العربي الذي يعي�ش يف هذه املرحلة
احدى ادق خما�ضاته امل�صريية التي عرفها منذ قيامته حتى اليوم .وبالتايل ،فان هذا
النظام الر�سمي ،بتقديرهم ،عاجز عن ادارة ملفه اال�صالحي وحتقيق الوعود،
بحيث يتحول الكالم املعلن بهذا ال�صدد اىل عمل دعائي اعالين واعالمي اكرث
مما هو تعبري عن خيارات حقيقية على هذا ال�صعيد .وي�ضيف هذا البع�ض ،ان
هذا الق�صور �سين�سحب بال�رضورة على م ؤ��س�سات العمل الر�سمي العربي امل�شرتك
وبخا�صة على م ؤ��س�سة جامعة الدول العربية التي تعي�ش كل تداعيات ازمة هذا
النظام الر�سمي وهو ما �شهدناه يف مقاربتها للعديد من امللفات املتفجرة امل�ستمرة
واملتفاقمة يف املنطقة.
ان جممل االو�ضاع التي تعي�شها املنطقة العربية ،وبخا�صة تفاقم تناق�ضات النظام
الر�سمي العربي التي تتفجر �رصاعات بع�ضها م�سلح يف اكرث من بلد عربي،
ا�ضافة اىل خيبات جتربة اال�صالح التي ُاطلقت منذ عقود عرب م ؤ��س�سات اجلامعة
�سقطة الية مراهنة على
ِ العربية ،كل ذلك يعطي التربيرات الكثرية لهذه املقاربة املُ
اجنازات ميكن ان تحُ قق يف هذه املرحلة وع�شية انعقاد قمة التنمية االقت�صادية
واالجتماعية العتيدة .ان هذه املقاربة تقف عند حدود البعد ال�سيا�سي لرتى عربه،
وعربه فقط ،ا�ستحالة حتقيق اية اجنازات ميكن ان يطرحها النظام الر�سمي العربي
يف امل� أس�لة االقت�صادية االجتماعية يف ظل ازمته ال�سيا�سية البنيوية العميقة .اال
ان هذه املقاربة ،على كل ما حتمله من ِج َّد ٍة وما ت�ستند اليه من تربيرات واقعية
ومن معطيات حقيقية وما تعر�ضه من وعود ر�سمية عربية مهدورة ،تبقى ا�سرية
لبعدها االحادي يف تناولها لهذه امل� أس�لة .وهي بذلك ت�سقط �رضورة املقاربة
املركبة املطلوبة ،بر�أينا ،وت�سقط بالتايل القدرة على التعامل مع كل املبادرات
94
املطروحة ،وبكل الواقعية املطلوبة ،مبا ميكن ان ي�سحب منها من عنا�رص ايجابية
ميكن توظيفها والبناء عليها ،اي�ضا بدون اوهام كبرية ،مبا يتيح ذلك من فتح فر�ص
جديدة وخلق توازنات اف�ضل امام ور�شة اال�صالح وامام جممل املهتمني مبتابعة
ملفاتها ،وبخا�صة قوى املجتمع املدين العربي �صاحبة اخليارات الواقعية يف هذا
املجال.
ان منطق هذه املقاربة االحادية ،يحا�رص مو�ضوعيا ،اية مقاربة ا�صالحية تخرج عن
املوا�صفات التي حددها ا�صحاب هذه املقاربة االحادية لقراءة ملف اال�صالح،
خا�صة يف بعده ال�سيا�سي وادواره .كذلك ،فانه ،اي هذا املنطق ،ي�شكك م�سبقا
يف اية م�رشوعية لهذه امل�شاريع اال�صالحية .كما انه يغلق يف املجال امام فتح
اية نوافذ تتيح التعامل مع هذه املبادرات اال�صالحية ولو بدون اوهام كبرية،
امنا ب�شكل مو�ضوعي ي�سعى اىل توظيف بع�ض ما حتمله يف تثقيل قيم اال�صالح
واحلاجة اليها وتثبيت ذلك يف اولويات خمتلف الربامج املطروحة امام خمتلف
القوى والهيئات واجلهات املعنية بهذا امللف.
اىل ذلك ،فان هذه املقاربة االحادية ،ت�ضعف امكانيات املقاربة املركبة للملف
اال�صالحي وتهم�ش �سلفا اجلهود التي ميكن ان تقارب هذا امللف يف م�ستوياته
االقت�صادية واالجتماعية ا�ستنادا اىل حقيقة امل�صالح املو�ضوعية للفئات االجتماعية
املعنية على هذا ال�صعيد .وبذلك ،ت�صبح هذه املقاربة االحادية مو�ضوعيا عن�رصا
من عنا�رص تعطيل متكني هذه الفئات وحتفيزها من اجل االنخراط وامل�شاركة
يف متابعة ق�ضاياها والعمل على تعزيز فر�ص حتقيق بع�ض االجنازات التي تطال
م�صاحلها يف خمتلف م�ستوياتها.
نعم ،ثمة فرق كبري بني القول بت أ�كيد اولوية املدخل ال�سيا�سي ،والوقوف فقط عند
ذلك ،وبني القول بهذه االولوية دون قطعها عن املقاربات القطاعية والفرعية يف
مقاربة مركبة مللف اال�صالح.
ان حتديات املراكمة وحتديات القراءات االحادية واملركبة ،هي حتديات راهنة
وتًطرح بال�رضورة وباالولوية امام خمتلف املنتديات العربية وفعاليات املجتمع
املدين العربي يف اطار متابعتها مللفات اال�صالح على تنوعها.
95
كذلك ،فان هذه التحديات هي حتديات راهنة وتواجه خمتلف هذه املنتديات
والهيئات يف ترجمة �رشاكتها يف ور�شة التح�ضري لقمة التنمية االقت�صادية
واالجتماعية العتيدة .فكيف �سرتت�سم هذه ال�رشاكة اجلديدة ؟؟.
وكيف �س ًترتجم يف هذا اال�ستحقاق امل�صريي املنتظر؟؟.
واية ا�سهامات �ستقدم؟؟.
للبحث �صلة.
96
الئحة املراجع
مالحظة:
ترتيب املراجع اتى ربطا برتتيب ورودها يف الن�ص. {
مت ايراد املراجع التي ا�ستخدمت يف منت الن�ص وب�صورة مبا�رشة. {
مل تت�ضمن الالئحة املراجع التي تدخل يف دائرة ف�ضاءات الن�ص. {
-تقرير امني عام جامعة الدول العربية اىل جمل�سها على م�ستوى القمة يف دورته ال�ساد�سة
ع�رشة (دورة تون�س)« .من اجل ا�صالح جامعة العربية» .من�شورات مركز درا�سات
الوحدة العربية .بريوت .الطبعة الثانية .2005
� -سميح م�سعود« .العمل االقت�صادي العربي امل�شرتك ،بني الطموح والواقع» .بحث
مقدم يف اطار تكرمي يو�سف �صايغ ،ون�رش يف كتاب حتت عنوان هموم اقت�صادية عربية.
من�شورات مركز درا�سات الوحدة العربية .بريوت الطبعة االوىل .2001
� -سليمان املنذري« .ا�صالح هيكل العالقة بني اجلامعة واملنظمات املتخ�ص�صة» .من اجل
ا�صالح جامعة الدول العربية.
-د .احمد احمد حويلي .رئي�س جمل�س الوحدة االقت�صادية .مقابلة اجرتها وكالة �سانا
ال�سورية الر�سمية ع�شية انعقاد قمة دم�شق.26/3/2008 .
-تقرير غري من�شور حول «احلقوق االقت�صادية واالجتماعية :اطاللة اولية على املبادرات
97
الدولية واالقليمية» .من�شورات �شبكة املنظمات العربية غري احلكومية.
-منى يعقوبيان .الرتويج للدميقراطية يف ال�رشق االو�سط .اجلزء الثاين .املبادرات العربية.
معهد ال�سالم االمريكي .تقرير خا�ص رقم .136مايو /ايار .2005
-رغيد ال�صلح .من اجل ا�صالح جامعة الدول العربية.
� -صالح الدين اجلور�شي« .منظمات املجتمع املدين ومع�ضلة التحول الدميوقراطي يف
العامل العربي» .من�شورات �شبكة املنظمات العربية غري احلكومية .بريوت .اوكتوبر/
ت�رشين االول.2006 .
� -شفيق �شعيب« .احلركة االجتماعية» تاريخية التطوع وحتديات امل�ستقبل .من�شورات
احلركة االجتماعية .بريوت .متوز .1986
-د .عبد اهلل �ساعف« .نحو انفتاح جامعة الدول العربية على املجتمع املدين العربي.
بحث قدم اىل ندوة« :من اجل ا�صالح جامعة الدول العربية» .مرجع �سابق.
-برنامج االمم املتحدة االمنائي .برنامج ادارة احلكم يف الدول العربية ( .)POGARدليل
موجز .املوقع االلكرتوين www.undp-pogar.org
-ملخ�ص ا�سهامات كتاب ونا�شطون عرب يف ور�شة عمل حول «االدارة الر�شيدة يف
العامل العربي :دور م ؤ��س�سات املجتمع املدين و�سبل قيا�س قدراتها» 29/28 .ايار/مايو
.2002عمان .اعداد زياد ماجد .برنامج بنيان 2املنفذ من قبل امل ؤ��س�سة الدولية لالدارة
والتدريب ،بالتعاون مع االحتاد االوروبي وبرنامج االمم املتحدة االمنائي وم ؤ��س�سة
«فريدري�ش ناومان» .ن�رش التقرير بتاريخ ت�رشين الثاين/نوفمرب .2002
« -اتفاقيات التجارة احلرة يف املنطقة العربية» .تقرير خا�ص حول نتائج االجتماع
االقليمي من اعداد كندة حممدية .الف�صل اخلا�ص بـ «عر�ض عام التفاقيات التجارة احلرة
العربية» .ن�رش التقرير باللغتني العربية واالنكليزية .من�شورات «�شبكة املنظمات العربية
غري احلكومية».ANND .
« -جعل التجارة العاملية يف خدمة النا�س» .الربنامج االمنائي لالمم املتحدة بالتعاون مع
م ؤ��س�سة هرني�ش بول .املكتبة ال�رشقية .بريوت .لبنان.2003 .
-عدنان �شومان .من اجل ا�صالح جامعة الدول العربية.
-احمد يو�سف احمد .من اجل ا�صالح جامعة الدول العربية.
98
-ال�سفري نا�صيف حتي� .صنع القرار يف جامعة الدول العربية وتنفيذه .من اجل ا�صالح
جامعة الدول العربية.
-برهان غليون .ن� أش�ة املجتمع املدين وتطوره من املفهوم املجرد اىل املنظومة االجتماعية
والدولية .مداخلة يف اطار منتدى حوارات الفاخرية .املوقع االلكرتوين اخلا�ص باملنتدى.
التاريخ غري حمدد ولو ان الن�ص ي�شي بانه قد و�ضع بعد �سنة .2004
� -سفيان العي�سة« .حتديات اال�صالح االقت�صادي يف العامل العربي :نحو اقت�صادات اكرث
انتاجية» .اوراق كارنيغي� .سل�سلة ال�رشق االو�سط .مركز كارنيغي لل�رشق االو�سط.
مايو /ايار .2007
99