Professional Documents
Culture Documents
Neoliberal Illusions in The Arab Region - Mohamed Said Saadi - Ar
Neoliberal Illusions in The Arab Region - Mohamed Said Saadi - Ar
عد
س
ال
يد
ع
ية
س
ية
رال
عرب
م مد
ح
م
ها يب
ل ة ال
1
يو طق أو
لن من
ا ي ال
ف
20
22
أوهام النيوليبرالية
في المنطقة العربية
إهداء
إلى روح آمنة
2
محمد سعيد السعدي
البلد :المغرب
نبذة :السيد السعدي هو خبير اقتصادي ومستشار مستقل .شغل منصب مدير أطروحة في المعهد
العالي للتجارة وإدارة المقاوالت بالدار البيضاء ( )ISCAEمن 2011إلى .2015قام بتدريس االقتصاد واإلدارة
في ISCAEوكليتي القانون واالقتصاد في الدار البيضاء ومراكش من 1972إلى ،2010وكان ً
أيضا خبي ًرا
وعضوا في لجنة النوع االجتماعي والتنمية التابعة للجنة األمم المتحدة االقتصادية ألفريقيا .ووزير دولة
ً
ً
للحماية االجتماعية واألسرة والطفولة .كان السيد السعدي زمي ًلا باحثا في جامعة برينستون ()1997/1998
و Fulbrighterفي جامعة تكساس في أوستن ( ،)1993وقد ألف العديد من الكتب والمنشورات حول
مجموعات األعمال والتنمية ،واالقتصاد المغربي ،والجندر ،والشراكة األورومتوسطية ،وهي ناشط
اجتماعي .تغطي موضوعات بحثه إعادة التفكير في نماذج التنمية والدول التنموية ،وتأثير النيوليبرالية
واألزمة العالمية على الدول العربية ،والتصنيع والسياسات الصناعية .حصل السيد السعدي على جائزة
المغرب الكبرى للكتاب عن كتابه “المجموعات المالية في المغرب” (.)1990
3
قائمة المحتويات
الفصل الثاني :تأثير السياسات الزراعية على األمن الغذائي بالعالم العربي
41 -مقدمة
41 -القسم األول :حجم وسمات األمن الغذائي بالعالم العربي
45 -القسم الثاني :المعالم الرئيسة وجوانب القصور في سياسات االكتفاء الذاتي ()1950-1980
47 -القسم الثالث :مرحلة التكييف الهيكلي الزراعي
48 -القسم الرابع :سياسة التحرير التجاري تفاقم التبعية الزراعية للعالم العربي
52 -القسم الخامس :من األزمة الغذائية العالمية إلى السيادة الغذائية العربية
55 -الخالصة
4
قائمة المحتويات
الفصل الخامس :نحو تقييم نقدي للشراكة بين القطاعين العام والخاص
بالعالم العربي :حالة المغرب
98 مقدمة
ّ -
98 -القسم األول :رؤية عامة عن الشراكة بين القطاعين العام والخاص بالمغرب
101 -القسم الثاني :اإلطار المؤسساتي والقانوني للشراكة بين القطاعين العام والخاص
104 -القسم الثالث :تقييم نقدي للتدبير المفوض بالمغرب
108 -الخاتمة
5
مقدمة
أوهام النيوليبرالية
يتناول المؤلف الذي بين أيدي القارئ تأثير السياسات النيوليبرالية التي تم اعتمادها في العديد من البلدان العربية في
مجال التنمية والحقوق االقتصادية واالجتماعية للمواطن(ة) ،وأحاول من خالل الدراسات المجمعة فيه دحض فرضية
التأثير اإليجابي لتبني الطرح النيوليبرالي ،مبي ًنا االنعكاسات السلبية لمجموعة من السياسات النيوليبرالية على االقتصادات
العربية ،سواء تعلق األمر بالعالقات التجارية واالقتصادية ،أو األمن الغذائي ،أو تنامي مظاهر الهشاشة من خالل انتشار
العمل غير المهيكل ،أو وصعوبة الحصول على الخدمات األساسية جراء تبني ما يسمى بالشراكة بين القطاع العام
والقطاع الخاص.
سنعرض في هذا الفصل التقديمي ألوهام النيوليبرالية كحل إلشكالية التنمية وإعمال الحقوق االقتصادية واالجتماعية
قبل أن نقدم االستنتاجات األساسية للدراسات التي يحتويها هذا الكتاب.
أ .التعريف
حسب تشانغ ها-جون وإيلين غرابل ،يحيل مفهوم
النيوليبرالية إلى ثالثة مكونات رئيسية :أوال ،إعالء قيمة السوق
الحرة في مواجهة الدولة في مجال الحكامة االقتصادية،
وتسهيل انسياب السلع والرساميل (من خالل حذف دعم
األسعار أو تسقيفها ،والتبادل الحر ،وتحديد سعر الصرف
من خالل آليات السوق) ،ثان ًيا ،تعزيز دور ونطاق عمل القطاع
الخاص والملكية الخاصة (من خالل عمليات الخصخصة،
ً
وثالثا ،الترويج لفهم خاص “للسياسة االقتصادية السليمة” (بالتركيز على توازن الموازنة ورفع الضوابط التنظيمية ،الخ.).
العامة للدولة ،ومرونة سوق الشغل ،والحفاظ على مستوى متدني للتضخم).
ويركز عبد اهلل البريدي على ثالث أفكار فرعية في تعريفه للنيوليبرالية وهي :الفردانية الشخصية ،حيث يتم اعتبار الفرد هو
“الوحدة األهم ،وأنه ال وجود أو ال أهمية كبيرة لما يسمى “المجتمع” ...وأن الفرد هو المسؤول عن نفسه وأنه يبحث عن
مصالحه الشخصية -بنزعة أنانية -بما يدعم إنتاجيته وابتكاريته” ...يضاف إلى هذه الفكرة األولى فكرتا حرية السوق (حرية
التملك واالستثمار والتجارة واالستحواذ والتنافس واالحتكار بقوالب ال نهائية ،وال محدودة) ،ثم فكرة الخصخصة باعتبارها
تقلص من “األعباء العامة بعدم التورط الحكومي بتشغيل القطاعات المختلفة ،لضمان فاعلية أكبر للخدمات المقدمة
والسلع المنتجة من جانب القطاع الخاص ،ولتعزيز مقومات النمو والتوسع المستدام لمختلف المشاريع والقطاعات”.
لقد برزت النيوليبرالية في أواخر القرن التاسع عشر كمشروع سياسي للتصدي لصعود الحركة العمالية و”التهديد”
المصاحب لالشتراكية ،هدفها الرئيسي كان وسيبقى “الحفاظ على نظام اجتماعي رأسمالي لمصالح المالك الكبار”
(نفس المصدر) .ورغم أن “النظرية الكينزية” كان تسعى لتحقيق نفس الهدف ،إال إن الحلول التي روجت لها أحدثت
قطيعة مع النظرية الكالسيكية الجديدة وجعلت الطبقة الرأسمالية تدفع ثمن ضمان استقرار النظام الرأسمالي (على
سبيل المثال ال الحصر ،توزيع أفضل للقيمة المضافة لصالح العمال وتعميم الحماية االجتماعية ،ربط اإلنتاجية بالزيادة
في األجور في إطار ما سمي بالنموذج “الفوردي”).
وسيستغل االقتصاديون النيوليبراليون دخول اقتصادات الدول الرأسمالية في حالة “الركود التضخمي” خالل فترة
السبعينات من القرن الماضي لتكثيف هجومهم على السياسات ذات الطابع الكينزي ،مروجين لمقولة “الدولة ليست هي
عدة شركات كبرى منالحل ،بل هي المشكل” .وسيتم تدعيم هذا الهجوم من خالل تعبئة الرأسمال الكبير ،حيث تضررت ّ
6
عاملين اثنين ،أولهما ظاهرة اإلشباع لدى المستهلكين/ات
في البلدان الرأسمالية المتقدمة ،وثانيهما ارتفاع تكاليف
اإلنتاج جراء الزيادة الصاروخية في األسعار العالمية للبترول.
فقام هذا الوضع الجديد بدفع الرأسمال الكبير إلى الضغط
بقوة على الحكومات من أجل خفض الضرائب ورفع القيود
على القطاع المصرفي والمالي وخفض تكلفة العمل من
خالل سن “مرونة سوق الشغل”.
وتدخل البلدان العربية في هذه الخانة حيث اضطرت للتوجه إلى صندوق النقد الدولي بغية الحصول على إعادة جدولة
ديونها الخارجية مقابل تنفيذ برنامج التكيف الهيكلي ذي طبيعة نيوليبرالية .هكذا ،التزمت هذه الدول باعتماد سياسات
تقشفية شملت تخفيض دعم أسعار المواد األساسية ،وخفض اإلنفاق العمومي ،وتجميد األجور ،وخفض قيمة العملة
الوطنية .وقد نجم عن هذه اإلجراءات التقشفية اضطرابات اجتماعية عنيفة في بلدان كمصر ( ،)1977تونس (،)1984
المغرب ( 1981و ،)1984الجزائر واألردن ( )1989والسودان ( 1982و.)1985
وقد تم تعميق هذا التوجه النيوليبرالي خالل مرحلة التسعينات من القرن الماضي حيث وقعت الدول العربية على
اتفاقيات جماعية لتحرير التجارة الخارجية في إطار منظمة التجارة العالمية وكذلك مع االتحاد األوروبي (إطالق مسلسل
برشلونة بين االتحاد األوروبي والدول العربية المتوسطية عام ،)1995باإلضافة إلى إنشاء منطقة التجارة الحرة العربية
عام .1966بالموازاة مع هذا ،أطلقت العديد من البلدان العربية مسلسال لخصخصة القطاع العام وتم منح تسهيالت
عديدة أمال في جلب االستثمارات األجنبية.
يقوم الطرح النيوليبرالي على عدد من الفرضيات التي ال تعدو أن تكون مجرد أوهام عند مناقشة منطقها الداخلي
ومقارعتها مع التجارب االقتصادية وصالبة معطيات الواقع .وسنركز عرضنا حول أربعة أوهام من صميم المقربة
النيوليبرالية وهي :وهم حرية السوق ،ووهم “نظرية” التقاطر إلى تحت” ،ثم وهم “التخصص “ حسب الميزات التنافسية
النسبية ،وأخي ًرا وليس آخ ًرا ،وهم محاربة التضخم والتقشف باعتبارهما ضروريان لتحفيز النمو واالستثمار وإحداث فرص
الشغل.
دافعا
ً الوهم األول هو أن األسواق الحرة تزيد من التنافسية ،وتحرر طاقات القطاع الخاص الذي سيستثمر أكثر،
بالتالي عجلة النمو وإحداث فرص الشغل إلى األمام ،والرخاء سيعم الجميع من خالل “نظرية” التقاطر إلى تحت”.
تنبني جدوى السوق الحرة على فرضية أن تدخل الدولة لفرض سلوكيات معينة على الفاعلين في السوق ال يساعد على
التوظيف األمثل للموارد .وفي حالة عدم تمكن هؤالء الفاعلين من فعل ما هو مربح لهم ،فإنهم سيتوقفون عن االستثمار
واالبتكار .لهذا ،وجب ترك الحرية لهم التخاذ القرار المناسب في السوق كما يدعي االقتصاديون النيوليبراليون .ويبرر اتباع
عالم االقتصاد النمساوي فريدريش فون هايك رفضهم ألي تدخل حكومي على اإلطالق في السوق بقدرة هذه األخيرة
7
من خالل ميكانيزماتها الذاتية ،على تصحيح اختالالتها بنفسها ،دون الحاجة إلى تدخل خارجي ،وتحقيق التوازن والسعادة
والرفاه والحرية لجميع األفراد ،و”بأن السوق الحر من أية قيود ،هو الضمانة األمثل لرأسمالية تحقق االزدهار للبشر”(هشام
البستاني ،خرافة اقتصاد السوق الحر ،موقع االخبار 20 ،تشرين األول .)2008
يف ّند ها-جو تشانغ هذه االدعاءات بالتأكيد على أنه ال وجود لـ”السوق الحرة” على أرض الواقع ،ويثير هذا االقتصادي غير
األرثودوكسي االنتباه إلى وجود العديد من الضوابط التنظيمية التي تحد من حرية التبادل في األسواق كما هو الشأن
بالنسبة لتجارة األسلحة أو المخدرات واألدوية الخ .كما توجد قيود على المشاركة في السوق (منع األطفال من ولوج
سوق الشغل مث ًلا) ،أو ولوج بعض المهن (الطب والمحاماة مث ًلا) ،ناهيك عن تقييد الشركات في البورصة .كما يطال
تقييد حرية السوق عملية تحديد األجور التي تتم في ظل المراقبة الشديدة لهجرة العمالة األجنبية ،إذ من شأن تحرير
انتقال البشر عبر الحدود الضغط على األجور إلى األسفل .واألمر نفسه يجري على سعر الفائدة الذي ُيحدد بقرار سياسي
من طرف البنوك المركزية.
لهذاُ ،يطرح السؤال عن الهدف الحقيقي من الترويج بقوة لحرية السوق من طرف المؤسسات الدولية ومنظمة التجارة
“دفعت دول الجنوب دفعًا لتبني العالمية .ويشير هشام البستاني في هذا الصدد إلى أنه ،وعقب انهيار جدار برلينُ ،
مفهوم «السوق الحر» الحقيقي من خالل اشتراطات سياسية واقتصادية لالقتراض من مؤسسات تسمى تمويهًا «دولية»،
مثل البنك الدولي أو صندوق النقد الدوليين (ما يسمى خطط «التصحيح» أو «إعادة الهيكلة ،أو من خالل االبتزاز والرشي
والعموالت وتوزيع الوكاالت على ممثلي السلطة”.
أسواقا مفتوحة بالكامل بال ضوابطً ويضيف إن “أسواق الجنوب «الحرة» (كما يريدها الشمال الرأسمالي) يجب أن تكون
قانونية لحمايتها ،وبدون أي تدخل من الدولة لضبطها أو التحكم بها ،بال حواجز جمركية ،بال معاملة تفضيلية للسلع
الوطنية ،بال قيود على االستثمار القادم من المراكز ،بال قيود على حرية حركة رأس المال الداخل والخارج ،ومن دون أي
دعم حكومي ألي قطاع أو سلعة أو خدمة ،وبشرط أال تكون الدولة نفسها العبًا رأسماليًا ،أي ال تملك أية قطاعات أو
شركات أو مؤسسات .أي ببساطة ،اقتصاد سوق حر حقيقي” .والغريب في األمر أن الدول الرأسمالية المتطورة ال تطبق
ما تحاول فرضه على بلدان الجنوب! فعلى سبيل المثال ال الحصر ،قام االتحاد األوروبي عام 2020بتبني إطار جديد يقضي
بتقنين االستثمار الخارجي المباشر خوفا من استحواذ الشركات الصينية على شركات أوروبية تعتبر استراتيجية بالنسبة
للسيادة األوروبية.
يدعي االقتصاديون النيوليبراليون أن تحرير الطاقات من أجل تحقيق النمو االقتصادي والرفاه للجميع يمر عبر التخلي عن
ّ
الضرائب المبالغ فيها وتعقيدات الضوابط التنظيمية .بصفة أدق ،يدافع أنصار الطرح النيوليبرالي على ما يسمونه”نظرية
التقاطر إلى تحت” والتي مفادها أن تخفيض الضرائب على األغنياء (والرأسمال بصفة عامة) يحفز ازدهار الشركات
ويشجعاالستثمار واالبتكار ،مما ينعكس إيجابا على النمو والتشغيل ،وبالتالي يساهم في تحسين ظروف عيش الفقراء.
المصدرDumas A, L’économie du ruissellement : une théorie zombie, La Gazette de la Maurice, 2/2/2021. 8 :
8
يلخص الرسم التوضيحي رقم 1الفرضيات التي تنبني عليها “نظرية التقاطر إلى تحت” من وجهة نظر االقتصاديين
النيوليبراليين ويواجهها بآثارها على أرض الواقع .هكذا ،نالحظ بأن خفض الضرائب على األغنياء والشركات ال يؤدي حتما
إلى الزيادة في االستثمار المنتج ،بل ينجم عنه ارتفاع في األرباح الموزعة لفائدة المساهمين .هذا التقليص في الضرائب
على األغنياء والشركات الكبرى يساهم في تفاقم الالمساواة من خالل تقاطر الثروة إلى أعلى وليس إلى تحت كما
يدعيه أصحاب هذه “النظرية” .بل أكثر من هذا ،يتراجع معدل النمو االقتصادي.
إن الهدف الحقيقي للترويج لهذه “النظرية” هو تبرير ضرورة خفض الضرائب على الرأسمال لتفادي نزوحه إلى بلدان وأماكن
أخرى (خاصة المالذات الضريبية) في إطار العولمة النيوليبرالية.
لقد استعمل هذا الطرح لدفع العديد من البلدان النامية للتخلي عن سياساتها الحمائية التي مكنتها من التوفر على
قدرات إنتاجية محلية من خالل التصنيع المعتمد على إحالل الواردات .وتم هذا الضغط تحت “حجة” إن هذا النوع من
التصنيع أدى إلى تكلفة عالية مقارنة مع السلع المصنعة المتوفرة في السوق الدولية ،وبالتالي ساهم في إهدار موارد
كان باإلمكان توظيفها في قطاعات أكثر كفاءة ومالئمة مع مؤهالت هذه البلدان من يد عامل ورأس مال وموارد طبيعية.
إن هذا الطرح النيوليبرالي الذي يبدو ظاهريا منطقيا ال يصمد أما دروس التجارب االقتصادية التاريخية كما أنه ال يأخذ بعين
االعتبار مستلزمات وشروط “التصنيع المتأخر” (بمعنى أنه يمكن كسب التنافسية عبر سياسة إرادية للدولة).
فيما يخص العامل األول ،تبين تجارب الدول الرأسمالية “المتقدمة” بأنها لم تعتمد التبادل الحر كسياسة تجارية إال بعد أن
أمنت قدراتها اإلنتاجية الذاتية وبنت صناعات تنافسية في ظل حماية تجارية متشددة .ولعل المثال األبرز في هذا الصدد
هو الواليات المتحدة التي اعتمدت استراتيجية للتنمية االقتصادية تقوم على حماية “الصناعات الناشئة” ودعم الدولة
لها تطبيقا لتقرير كاتب الدولة للخزينة ألكسندر هاملتون حول الصناعة ( .)1791وقد انفردت الواليات المتحدة وبريطانيا
لجوءا إلى الحمائية ضما ًنا لصعودهما خالل الفترة الممتدة من سنوات 1830إلى سنواتً العظمى بكونهما البلدين األكثر
1940بالنسبة لألولى ومن سنوات 1720إلى سنوات 1850بالنسبة للثانية .وال يعد هذان البلدان استثناء في هذا الصدد حيث
اعتمدت بلدان أخرى كألمانيا واليابان نفس السياسات التجارية اإلرادية والحمائية من أجل انتقالها إلى مصاف الدول الغنية
(انظر ها-جون تشانغ ،المصدر السابق).
أما العامل الثاني ،فيتعلق ببعض بلدان الجنوب التي ضمنت صعودها في إطار ما يسمى بـ”التصنيع المتأخر” ،وهي الصين
وكوريا الجنوبية .عكس نظرية التخصص حسب الميزات النسبية ،اعتمد هذان البلدان مقاربة غير أرثوذكسية الطابع
( )Non-Orthodoxلبناء قدرات صناعية وإنتاجية تنافسية وإنجاح مشروع “اللحاق” بالبلدان الرأسمالية المتقدمة
في إطار “التصنيع المتأخر” .وقد بنيت هذه المقاربة على ركيزتين أساسيتين أولهما تدخل إرادي للدولة لدعم وحماية
المؤسسات اإلنتاجية حتى تراكم شروط التنافسية من خالل آليات التعلم ( )Learningأو التمرين ()Apprentissage
لخفض تكلفة اإلنتاج وحيازة المقدرة التنافسية .ثانيهما ،ربط التدخل والدعم الحكوميين بشرط إحراز نتائج ملموسة
وقابلة للقياس من قبل المؤسسات اإلنتاجية تكسبها القدرة على التنافس واختراق األسواق الدولية.
العامل الثالث واألخير ذلك أن ما يميز التجارة العالمية الحالية هو اندراجها ضمن سالسل اإلنتاج العالمية حيث تقوم
الدول بالتخصص الرأسي في مرحلة محددة من مراحل اإلنتاج المختلفة للمنتج (أي التصميم ،اإلنتاج والتسويق وغيرها)،
ومن هنا يتم تصنيع المنتج النهائي.
وتتسم سالسل اإلنتاج العالمية باحتكار الشركات المتعددة الجنسيات أهم مفاصلها ،أال وهي الحلقة الخلفية التي تضم
أنشطة االبتكار المحمية بفعل “حقوق الملكية الفكرية” ،والحلقة األمامية المكونة من أنشطة التسويق والتوزيع .والحال
إن هذا االحتكار المزدوج يذر أرباحا ريعية تمكن هذه الشركات من االستحواذ على الجزء األكبر من القيمة المضافة لسالسل
9
التوريد العالمية .ويؤدي توزيع العمل هذا إلى حصر بلدان الجنوب في األنشطة اإلنتاجية المحضة والتي تعرف منافسة
جدا ،دون ضمان احترام شروط العمل الالئق، شديدة تجعل نصيب المنتجين والعمال/ات من القيمة المضافة محدودة ً
كما نبهت إلى ذلك العديد من الدراسات الواردة في تقارير منظمة العمل الدولية ولجنة األمم المتحدة للتجارة والتنمية
على الخصوص .باإلضافة إلى هذا ،يحد التخصص في بعض الحلقات اإلنتاجية لسالسل القيمة العالمية من إمكانية بروز
تصنيع حقيقي في بلدان الجنوب ،وهو شرط ال غنى عنه لتحقيق تنمية اقتصادية شاملة.
يعتبر االستقرار االقتصادي من وجهة نظر الطرح النيوليبرالي ضرور ًيا لتحفيز االستثمار والنمو وخلق فرص الشغل .ويمر
تحقيق هذا الهدف عبر محاربة التضخم (أي ضمان استقرار األسعار) الناجم عن عجز الموازنة العامة ،حيث تقوم الدولة-
والسياسيون بصفة عامة -بتشجيع اإلنفاق العمومي إلرضاء “زبائنهم” من المواطنين وكسب تأييدهم .لهذا يجب اللجوء
إلى سياسات تقشفية الستعادة ثقة القطاع الخاص في االقتصاد .وقد عزت المؤسسات المالية الدولية (البنك الدولي
وصندوق النقد الدولي) األزمة االقتصادية والمالية الخانقة التي أدت إلى اعتماد برامج التكييف الهيكلي إلى االستدانة
الخارجية والتضخم المفرط اللذان اتسم بهما األداء االقتصادي والمالي لبلدان العالم الثالث ،خاصة بلدان أمريكا الالتينية.
فأية مصداقية يمكن إضفاءها على هذا الطرح؟
بصفة عامة ،يتبين من دراسات للبنك الدولي ولباحثين آخرين إن معامل الترابط بين التضخم والنمو يعادل صفر أو يعتبر
إيجابيا بشكل طفيف ،هذا في حال لم يتجاوز معدل التضخم 20بالمئة .بالمقابل هناك أدلة على أن اعتماد سياسات
متشددة لمحاربة التضخم قد يضر باالقتصاد .ويشير في هذا الصدد االقتصادي غير األرثوذكسي ها-جو تشانغ إلى
تجربة البرازيل التي تمكنت من تقليص معدل التضخم إلى 7.1في المئة من خالل الرفع من معدالت الفائدة الحقيقية
(أي المعدالت االسمية ناقص معدل التضخم) إلى مستويات هي األعلى في العالم في تلك الفترة ( 10إلى 12في المئة
سنو ًيا) .غير إن تحقيق هذه النتيجة تم على حساب معدل النمو السنوي للدخل الفردي الذي لم يتعد 1.3في المئة (راجع
ها-جون تشانغ ،المصدر السابق) .وهذا راجع إلى أن تبني سياسات متشددة لمحاربة التضخم تؤدي في الحقيقة إلى
واضحا مث ًلا في حال اعتماد معدالت فائدة تعادل 8أو 10أو ،12٪وهي معدالت تدفع ً انخفاض معدل االستثمار .ويصبح هذا
الفاعل االقتصادي إلى تفضيل االستثمار ذي الربحية العالية مقارنة مع ربحية في القطاعات المالية ال تتجاوز 7في المئة.
ويثير ها-جون تشانغ االنتباه إلى أن العالم شهد توالي األزمات المالية والمصرفية منذ اعتماد سياسات متشددة في
مجال التضخم كمؤشر “موثوق” به لالستقرار االقتصادي .ولعل ما حدث في آسيا خالل حقبة التسعينيات من القرن
الماضي خير دليل على هذا األمر حيث الحظ تقرير األمم المتحدة المشار إليه أعاله إلى أن بلدان ككوريا الجنوبية وتايالند
عانت كثي ًرا من الصدمات الخارجية المتمثلة فيما سمي باألزمة المالية اآلسيوية لعام 1997رغم تبنيها لمعدل مستقر
للتضخم ونسبة منخفضة للدين مقارنة مع الناتج الداخلي اإلجمالي.
باإلضافة إلى هذا ،اتسم تطور االقتصاد العالمي خالل مرحلة التحكم في التضخم (أي بعد سنوات الثمانينات من
القرن الماضي) بتسجيل معدالت متواضعة للنمو االقتصادي كنتيجة طبيعية لتراجع معدل االستثمار .وقد عانت البلدان
الرأسمالية الغنية من هذا التدهور رغم تحكمها بشكل كبير في التضخم ،عانت من تراجع معدل نمو الدخل الفردي
من 3.2في المئة خالل ستينات وسبعينات القرن الماضي ،إلى 1.4في المئة خالل الفترة ( 1990-2009انظر ها-جون تشانغ).
أخي ًرا وليس آخ ًرا ،يؤدي اعتماد االقتصاديين النيوليبراليين لمفهوم ضيق لالستقرار االقتصادي من خالل حصره في محاربة
التضخم ،إلى عدم التعامل بالجدية المطلوبة مع تحديات التنمية االقتصادية واالجتماعية ،خاصة في بلدان الجنوب حيث
10
العجز االجتماعي والحقوق االقتصادية واالجتماعية لعموم المواطنين مهدورة باإلضافة إلى الخصاص في مجال البنيات
التحتية .فإعطاء األولوية للسياسات التقشفية أدى إلى خفض اإلنفاق على مجاالت حيوية بالنسبة للتنمية االقتصادية
واالجتماعية كالتعليم ،والصحة والحماية االجتماعية والبنيات التحتية واالستثمار في القطاع الزراعي الخ.
تتناول الدراسات التي يحتويها هذا المؤلف تأثير السياسات النيوليبرالية على االقتصادات العربية وتبين كيف أن األوهام
التي عرضناها بصفة نقدية أعاله تجلت بشكل واضح في المنطقة العربية.
تتناول الدراسة األولى االقتراح الذي قدمه االتحاد األوروبي حول “شراكة متجددة مع المتوسط” للبلدان العربية المتوسطية.
وتظهر هذه الدراسة أن هذا االقتراح يكرس النهج النيوليبرالي الذي ارتكزت عليه العالقات األورو-عربية منذ انطالق
“مسلسل برشلونة” عام ،1995خاصة من خالل اعتماد التبادل الحر بين ضفتي المتوسط .وتبين الدراسة كيف أن مختلف
المبادرات األوروبية تجاه البلدان العربية المتوسطية لم تف بوعودها في تحقيق السلم واألمن واالزدهار المشترك ،بل
أدت إلى تعميق التبادل غير المتكافئ والتبعية واستفاد منها الرأسمال األوروبي الكبير .كما ساهمت في تفاقم مظاهر
التنمية الرثة (نمو اقتصادي متواضع مقابل تنامي القطاع غير المهيكل والبطالة واإلقصاء االجتماعي .من جهة أخرى،
نجم عن هيمنة االتحاد األوروبي على اقتصادات البلدان العربية المتوسطية تقلص كبير للحيز السياساتي المتوفر لتبني
استراتيجيات مستقلة للتنمية االقتصادية واالجتماعية تخدم مصالح شعوب هذه البلدان .وتستعرض الدراسة المساهمة
المتواضعة لالتحاد األوروبي لدعم جهود هذه البلدان في محاربة جائحة كوفيد 19وتقدم بدائل لبناء عالقات جديدة
بين ضفتي المتوسط تنبني على قيم التضامن والتعاون والتآزر عوض تغليب المنطق التجاري وتعظيم األرباح لصالح
الرأسمال الكبير.
تدور الدراسة حول مساهمة السياسات الزراعية المعتمدة منذ الخمسينيات من القرن الماضي من طرف البلدان العربية
في تدهور األمن الغذائي وتفاقم التبعية الغذائية للسوق الرأسمالية العالمية ،مركزين على اآلثار السلبية للتكييف
الهيكلي الزراعي وتحرير السياسة التجارية الزراعية في هذا المجال .وتستعرض الدراسة بعض المعطيات التي تبرز انعدام
األمن الغذائي وتطور التبعية الغذائية للخارج ،وسمات السياسات الزراعية (أي مجموعة اإلجراءات والتشريعات والقوانين
التي تتخذها الدولة تجاه القطاع الزراعي في سبيل تحقيق أهداف محددة تتضمنها الخطط الزراعية )التي ميزت العالم
العربي بين الخمسينيات ونهاية السبعينات من القرن الماضي مبينين محدوديتها ،قبل التطرق إلى التحول الجوهري
في هذه السياسات مع اعتماد النموذج النيوليبرالي والرهان على التجارة واالنخراط الواسع في السوق الرأسمالية
العالمية لضمان األمن الغذائي .كما تتطرق الدراسة لمخاطر التبعية الغذائية العربية إبان وقوع األزمة الغذائية العالمية
التي بينت انكشاف االقتصادات العربية على السوق العالمية وهشاشة األمن الغذائي من جراء تقلبات األسعار العالمية
للسلع الغذائية .وقد أدت هذه التبعية إلى االرتفاع المستمر لمستويات أسعار السلع الغذائية بالعالم العربي ،مما دفع
الحكومات العربية إلى اتخاذ سلسلة من السياسات واإلجراءات للحد من هذه اآلثار السلبية على األمن الغذائي .وتؤكد
الدراسة على أن تعميم النموذج النيوليبرالي التصديري بالعالم العربي غير ممكن نظرا لضعف الموارد الطبيعية من
أراضي ومياه واعتبارا كذلك لكلفته االجتماعية والبيئية الكبيرة .لهذا ،يعتبر خيار االعتماد على السيادة الغذائية كبديل
قادر على ضمان األمن الغذائي لكافة المواطنين إذا ما توفرت شروط تحقيقه ،وتكمن على الخصوص في التركيز على
الدور التنموي للدولة وبروز حركة اجتماعية قوية وإصالح عميق للنظام التجاري العالمي يضمن تأطير المبادالت التجارية
الزراعية والتنسيق من أجل ضمان استقرار أسعار السلع الغذائية والزراعية األساسية.
تبين الدراسة الثالثة كيف ساهمت سياسات االقتصاد الكلي (السياسة المالية والسياسة النقدية ومحاربة التضخم
باألساس) وسياسات التجارة واالستثمار والسياسات التمويلية ،إضافة إلى سياسات الخصخصة و”إصالح” المؤسسات
11
المملوكة للدولة ،في تنامي العمل غير المهيكل بالمنطقة العربية واالنتشار المزمن لالقتصاد غير النظامي في العديد
من الدول العربية .كما تبرز الدور الذي لعبته المؤسسات المالية الدولية بارتباط مع تنامي ظاهرة العمل غير المهيكل ،خاصة
جراء ضغطها على البلدان المدينة قصد اعتماد سياسة مرونة سوق الشغل ،مما ساهم في تدهور شروط العمل وتنامي
هشاشة العمل والعمل غير المهيكل .وتظهر الدراسة تأثير تحرير التجارة واالستثمار من خالل سالسل القيمة وشبكات
اإلنتاج العالمية الخاضعة للشركات المتعددة الجنسيات ،حيث تتخصص البلدان العربية المصدرة في الحلقات األضعف ،أي
تلك األنشطة ذات القيمة المضافة المتدنية والكثيفة العمالة غير المؤهلة .وتعتمد دراسة حاالت قطاعات النسيج واأللبسة
ومنتجات الفواكه الحمراء وكذلك المناطق الصناعية المؤهلة كيف أن ضغط رأس المال العالمي من أجل خفض التكاليف
والتكيف مع تقلبات السوق والتزويد السريع وفي الوقت المحدد للسوق ،باإلضافة إلى التمييز على أساس النوع االجتماعي،
أدى إلى تنامي مظاهر االستغالل والهشاشة والعمل غير المهيكل ،خاصة بالنسبة للعمالة النسائية.
تحاول هذه الدراسة الربط بين الصعود المتنامي لدول الجنوب وتقوية مكانتها في مجاالت السياسة واالقتصاد العالميين
وبين انتشار مختلف أشكال التعاون جنوب-جنوب الذي ال يقتصر على المساعدة اإلنمائية التقليدية (أي تقديم اإلعانة
المالية في شكل منح وقروض ميسرة) ،بل يتعداها ليطال التجارة واالستثمار وتبادل الخبرات ونقل المعرفة والتكنولوجيا،
الخ .وتبرز الدراسة التعارض الموجود بين نموذج التعاون اإلنمائي جنوب-جنوب الذي يستلهم تصوره من “مبادئ
باندونج” القائمة على احترام السيادة الوطنية والشراكة بين األنداد
وغياب المشروطية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والمنفعة
المتبادلة ،من جهة ،وبين المساعدة اإلنمائية الرسمية المعتمدة من
طرف بلدان الشمال التي تنبني على المشروطية ،خاصة ما يتعلق
بالتركيز على التوازنات الماكرو اقتصادية ومحاربة التضخم كمدخل
أساسي لتحقيق النمو االقتصادي (أي الطرح النيوليبرالي) من جهة
أخرى .كما تركز على التعاون اإلنمائي العربي من حيث أهميته
وتوزيعه الجغرافي والقطاعي وتقدم نظرة نقدية لمحتواه وأبعاده،
خاصة بارتباط مع التحوالت التي يشهدها العالم العربي بعد الثورات
التي هزته في عامي 2010و.2011
ه .تقييم نقدي للشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص من خالل التجربة
المغربية
تتطرق الدراسة إلى تأثير “خصخصة” الخدمات العمومية على حقوق المواطن(ة) في مجال الماء والكهرباء والصرف
الصلب .وتميز الدراسة بين الشكل التقليدي للشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص (ما يسمى بالتدبير المفوض)
واألشكال الجديدة لهذه الشراكة ،كما تعرض لإلطار المؤسساتي الذي يؤطرها وتبرز اإلشكاالت التي يطرحها .وتركز
الدراسة على التدبير المفوض لهذه الخدمات مبينة فشله في المساهمة في تفعيل الحقوق االجتماعية للمواطن/ة،
مبرزة أن المستفيد األكبر من هذه التجربة هي الشركات المتعددة الجنسية التي أوكل إليها تدبير المرفق العام التابع
للجماعات المحلية .كما تعرض ألشكال المقاومة الشعبية والتعبئة المجتمعية في مواجهة تغول الرأسمال األجنبي
الكبير واستحواذه على المرفق العمومي دون اعتبار للعدالة االجتماعية والمساواة في الولوج إلى هذه الخدمات الحيوية.
و .سياسات صندوق النقد الدولي التقشفية وأثرها على الحماية االجتماعية
تقدم الدراسة األخيرة إضاءة على دور المؤسسات المالية الدولية في التأثير على الحقوق االقتصادية واالجتماعية
للمواطن(ة) العربي(ة) من خالل التركيز على سياسات صندوق النقد الدولي التقشفية وأثرها على الحماية االجتماعية،
وتبين كيف إن تركيز صندوق الدولي على اعتماد السياسات التقشفية من طرف البلدان األعضاء الذين يعانون من اختالل
في التوازنات الماكرو اقتصادية تنعكس سل ًبا على توفير الحماية االجتماعية لكل المواطنين/ات بالعالم العربي.
وتس ِّلط الدراسة الضوء على إشكالية دعم المواد األساسية مبرزة مكامن الضعف في الحلول التي يقترحها صندوق
النقد الدولي.
12
الفصل االول
13
الفصل االول:
شراكة متجددة” أم تكريس“
للتبعية وللتنمية الرثة؟
المقدمة
ّ
تهدف هذه الورقة البحثية إلى اإلجابة على السؤال الرئيسي التالي:
ّ
المتجددة مع بلدان الجوار الجنوبي» التي اقترحها االتحاد األوروبي على بلدان جنوب ّ أي مدى تختلف «الشراكة إلى ّ
األوروبية-المتوسطية منذ
ّ ّ
المتوسط في شباط/فبراير 2021عن النموذج النيوليبرالي الذي اتصفت به العالقات ّ البحر
َ ً
األورو-متوسطية المعروفة أيضا باسم «عملية برشلونة» ،في عام 1995؟ و ُيرفق هذا السؤال بسؤال آخر ّ إطالق الشراكة
ضمني عن نهج «المزيد من أجل المزيد» (المزيد من التكامل التجاري واالقتصادي لفائدة بلدان الجوار التي تلتزم بتطبيق ّ
ّ ً َ
اإلصالحات الديموقراطية) لمعرفة ما إذا كان ال يزال ممكنا في ظل الشروط الجديدة المفروضة على بلدان جنوب البحر
الصحية التي خ ّلفها مرض فيروس كورونا (كوفيد)19-؟ ما العناصر البديلة التي ّ المتوسط بعد الربيع العربي واألزمة
ّ
المتعددة األبعاد المرتبطة بمرض
ّ يمكننا اقتراحها في هذا الصدد ،في المجاالت التالية :التنمية االقتصادية ،واألزمة
الحرة الشاملة والعميقة؟
ّ فيروس كورونا (كوفيد ،)19-وا ّتفاقيات التجارة
المتوسط واال ّتحاد األوروبي ،يليها في ّ تطور العالقات بين بلدان جنوب البحر ُّ ّ
نستهل الورقة البحثية بلمحة تاريخية عن
المتوسط،
ّ تقييم للسياسات التجارية واالستثمارية التي يعتمدها اال ّتحاد األوروبي حيال بلدان جنوب البحر ٌ القسم الثاني
المتوسط “ وقدرتها على المساهمة في التنمية االقتصادية وتعزيز ّ ّ
قبل التركيز في القسم الثالث على “خطة منطقة
خصص القسم الرابع لدراسة تأثير ُ
المتوسط .وسن ِّ
ّ الحقوق االقتصادية واالجتماعية والبيئية لشعوب بلدان جنوب البحر
الحد من
ّ ّ
المتوسط والدور الذي يلعبه االتحاد األوروبي فيّ أزمة مرض فيروس كورونا (كوفيد )19-على بلدان جنوب البحر
الحرة الشاملة
ّ أما في القسم الخامس فس ُنح ِّلل المخاطر التي سوف تنجم عن مشروع “اتفاق التجارة
ّ آثارها السلبيةّ .
قدم توصيات لبناء عالقات بين ُ
المتوسط .وفي الختام ،سن ِّ
ّ ّ
والعميقة” الذي اقترحه االتحاد األوروبي على بلدان جنوب البحر
سس التضامن والشراكة الحقيقية في مجال التجارة واالستثمار. المتوسط ترتكز على ُأ ُ
ّ اال ّتحاد األوروبي وبلدان جنوب البحر
14
المتوسط
ّ العامة لمنطقة البحر
ّ 1.1السياسة
المتوسط إلى إضفاء طابع عام متجانس على عالقات الجماعة األوروبية مع بلدان
ّ العامة لمنطقة البحر
ّ تهدف السياسة
المتوسط من أجل «إضفاء الطابع األوروبي» على األفضليات الجمركية التي كانت تمنحها
ّ الجوار الجنوبي والشرقي للبحر
المتوسط إلى توقيع ا ّتفاقات «تعاون»
ّ العامة لمنطقة البحر
ّ أدت السياسة
عدد من الدول األعضاء في اإلطار االستعماريّ .
الخاصة بالجماعة والمعاملة التفضيلية ،لكن المحدودة،
ّ الحر إلى سوق المنتجات الصناعية
ّ متعددة ضمنت الوصول ّ
متجددة» بعد سقوط جدار برلين ،هدفت إلى ّ متوسطية
ّ للمنتجات الزراعية ،والبروتوكوالت المالية .وتبعتها «سياسة
ترسيخ العالقات القائمة.
األورو-متوسطية
ّ 1.2الشراكة
التحوالت االستراتيجية التي شهدتها أوروبا في أوائل تسعينيات القرن الماضي (سقوط جدار برلين ،وتوسيع ُّ في أعقاب
اال ّتحاد األوروبي ،ومخاطر الهجرة وبروز األصولية الدينية ،وا ّتفاقات «السالم» في الشرق األوسط بعد ا ّتفاقات مدريد
في عام ،1993والمنافسة الجغرافية االقتصادية بين أقطاب الثالوث الرأسمالي المهيمن على االقتصادي العالمي-
اقترح اال ّتحاد األوروبي على «محيطه» (نستعمل مفهوم المحيط للداللةَ الواليات الم ّتحدة واال ّتحاد األوروبي واليابان)،
على الطابع الطرفي الذي تحتله البلدان العربية المتوسطية مقارنة مع وضع «المركز» الذي يتمتع به االتحاد األوروبي
المتوسط إلى «منطقة سالم واستقرار ّ تجاه هذه األخيرة) في الجنوب إبرام شراكة من شأنها تحويل منطقة البحر
وازدهار» من خالل دعم االنتقال إلى ما يسمى بـ«اقتصاد السوق» 1وإقامة حوار سياسي وتعاون اجتماعي وثقافي .لقد
2
سعى «مسلسل برشلونة» إلى اعتماد نهج أقاليمي ،ولك َّنه انطوى على إبرام ا ّتفاقات شراكة نتجت عن مفاوضات ثنائية
األورو-متوسطية ثالث
ّ غطت الشراكة المتوسط من جهة أخرى .وفي حين ّ ّ بين اال ّتحاد األوروبي من جهة وبلدان البحر
أورو-متوسطية
ّ شك َل المحور االقتصادي ،الهادف إلى إنشاء منطقة تجارة ّ
حرة مجاالت (سياسية واقتصادية وثقافية)ّ ،
عمودها الفقري على ما يبدو. َ بحلول عام ،2010
األورو-متوسطية إلى الترويج لـ«منطقة سالم واستقرار» تقوم على أساس األمن التعاوني
ّ هدفت الشراكةَ في البداية،
ّ َّ
والشامل وتحترم حقوق اإلنسان .غير أن هجمات 11أيلول/سبتمبر 2001والنتائج المتواضعة التي حققتها الشراكة بالنسبة
المتوسط وبطء التنفيذ بسبب اإلدارة األوروبية البيروقراطية الصعبة والدقيقة ،ساهمت في إعادة ّ لبلدان جنوب البحر
تركيز المصالح األوروبية على مكافحة اإلرهاب وعلى الهجرة ً
أيضا .وتندرج سياسة الجوار األوروبية في إطار «استراتيجية
األمن األوروبية» لعام 2003التي تضعها ضمن األولويات االستراتيجية لال ّتحاد األوروبي ،باإلضافة إلى معاهدة لشبونة لعام
خاصة مع بلدان الجوار بهدف إنشاء ّ وتحديدا في الفقرة 3على َّ
أن «اال ّتحاد ُيقيم عالقات ً المادة ،8
ّ تنص فيّ 2009التي
وحسن جوار ترتكز على ِق َيم اال ّتحاد وتتم ّيز بعالقات وثيقة وسلمية قائمة على التعاون».منطقة ازدهار ُ
ً
ونتيجة لذلك ،تتراجع أهمية االعتبارات المتع ّلقة باإلصالحات السياسية والتنمية االقتصادية ،وال س ّيما إذا أخذنا في االعتبار
تحفظ اال ّتحاد األوروبي على استخدام نفوذه واالشتراطات لإلطاحة باألنظمة االستبدادية التي ُيفت َرض بها أن تضمن ُّ
استقرار جوار أوروبا الجنوبي.
تمس َ
ك اال ّتحاد بأربع أولويات: َّ
-دعم المجتمع المدني عن طريق برنامج تمكين المجتمع المدني
والمؤسسة األوروبية من أجل الديمقراطية
ّ -دعم اإلصالحات الديمقراطية :بعثات مراقبة االنتخابات،
الحرة الشاملة والعميقة مع البلدان المنخرطة في عمليات اإلصالح
ّ -التكامل االقتصادي :التفاوض على ا ّتفاقات التجارة
الديمقراطي
ُّ
-مسألة الهجرة :فتح حوارات حول الهجرة والتنقل واألمن بهدف إقامة الشراكات
تعتمد طريقة التنفيذ الرئيسية على مبدأ «تقديم المزيد من أجل الحصول على المزيد» الذي تحظى بموجبه البلدان التي
بدعم إضافي من اال ّتحاد األوروبي .وتهدف هذه االشتراطات
ٍ الفعالة والسريعة
ّ ُتضاعِ ف جهودها لتحقيق اإلصالحات
التقدم في اإلصالحات الديمقراطية.
ُّ المتوسط على إحراز
ّ إلى تحفيز بلدان جنوب البحر
15
المتجددة مع منطقة الجوار الجنوبي
ّ 1.4الشراكة
المتوسط» ،3هو العنوان الفرعي لهذه المبادرة الجديدة التي تهدف إلى تعزيز الشراكة األورو- ّ «خطة جديدة لمنطقة ّ
المتوسط وتشمل الحوكمة والمناخ ّ التحديات الجديدة التي تعترض بلدان جنوب البحر ّ متوسطية من أجل مواجهة ّ
النمو االقتصادي المنخفض الذي ال يتماشى مع ّ ً
والبيئة واألمن ،فضلا عن المشاكل االجتماعية-االقتصادية (وال س ّيما
سترش ًدا
ِ «تعاف أخضر ،رقميَ ،م ِرن وعادلُ ،م
ٍ برنامجا يرمي إلى تحقيق ً واقترح اال ّتحاد األوروبي لهذه الغاية
َ ّ
السكاني). النمو
ّ
4
بخطة التنمية المستدامة لعام ،2030وا ّتفاقية باريس واالتفاقية الخضراء األوروبية». ّ
يخص مجاالت العمل التي من المرتقب ا ّتخاذ إجراءات ملموسة بشأنها ،فهي تتع ّلق بما يلي: ّ أما فيما
ّ
-التنمية البشرية والحكم الرشيد وسيادة القانون
التحول الرقمي
ُّ -تعزيز القدرة على الصمود وبناء االزدهار واغتنام
-السالم واألمن
ُّ
والتنقل -الهجرة
التحول األخضر :مواجهة آثار تغ ُّير المناخ والطاقة والبيئة
ُّ -
ّ
الممثل السامي أو ًلا إلى َّ
أن بد من اإلشارة ّ المتجددة» .ال ّ
ّ سنعود في القسم الثالث لنتناول ال ُبعد االقتصادي لهذه «الشراكة
يتردد في االعتراف بفشل ،ال بل بإفالس ،المبادرات المختلفة التي ّ للسياسة الخارجية لال ّتحاد األوروبي ،جوزيب بوريل ،لم
أن الوضع في هذه المنطقة «قد المتوسطُ ،مع ِل ًنا َّ
ّ أطلقها اال ّتحاد األوروبي حيال الجوار الجنوبي في منطقة البحر
المتوسط،
ّ الممثل السامي ،انطالقة جديدة لمنطقة البحر ّ (مدونة
ّ َ
كان عليه في عام 1995أو »2011 مما
يبدو اليوم أسوأ ّ
المتجددة مع الجوار الجنوبي» ،هذا ّ ولكن المالحظ إن نفس النهج النيوليبرالي ما زال يطبع بوضوح «الشراكة َّ ،)2/3/2021
ّ
رغم إضافة بعض االعتبارات المتعلقة بـ«التنمية البشرية» التي تم حصرها في قضايا «الشباب والصحة» .بالمقابل ،تم
التطرق بإسهاب إلى إشكاليات النزاعات واألمن والهجرة.
دائما ،عن طريق المبادرات الثالث الواردة أعاله ،إلى تأكيد هيمنته على
ً األول ،ي ّتضح َّ
أن االتحاد األوروبي سعى في ختام القسم َّ
المتوسط ،في حين تحولت وعود تحقيق السالم واألمن واالزدهار المشترك إلى مجرد سراب. ّ «محيطه» في جنوب البحر
المتوسط ما زالت
ّ أن منطقة جنوب وشرق البحر فاندالع ثورات الربيع العربي واالضطرابات التي أعقبته أبانت بالملموس َّ
المتجددة» التي طرحها االتحاد األوروبي ستغير شي ًئا في هذا الواقع كما
ّ مستقرة .وال يبدو بأن مبادرة «الشراكة
ّ غير
سنبين في القسم الثالث من هذه الدراسة.
16
1.2المقاربة العامة
ويأمل المسؤولون أن تتبلور الفوائد االقتصادية لهذه اإلصالحات من خالل تحسين القدرة التنافسية للشركات ،وضمان
ً
مباشرة من هذا التقارب مع جودة المنتجات وسالمتها ،وبالتالي تعزيز حماية المستهلكين المغاربة الذين سيستفيدون
يؤدي اعتماد األنظمة والقوانين الجديدة وهيئات الرقابة إلى جذب المستثمرين المعايير األوروبية .كما ينظر صناع القرار أن ّ
حتملة من 500مليون مستهلك ،وتعزيز االندماج
َ ً األجانب« .سيجري تسهيل التصدير إلى اال ّتحاد األوروبي الذي ُي ّ
عد سوقا ُم
ّ
ستتمكن من مغادرة األراضي ألن المنتجات المص ّنعة أو المنتجة مح ّل ًيا في المغرب في السوق الداخلية األوروبيةَّ ،
6 َ
حال غيا ُبها لغاية اآلن دون إمكانية تصديرها». المغربية مع عالمات ومعايير الجودة التي
األورو-متوسطية
ّ 2.2الوعود التي نكثت بها الشراكة
17
القوة
ّ الرسم البياني :1مقارنة الفجوة النسبية* في نصيب الفرد من الناتج المح ّلي اإلجمالي على أساس تعادل
ي 1995و2017عام ْ
َ الشرائية بين البلدان النامية والناشئة واال ّتحاد األوروبي في
دخل متوسط
النمو السنوي لنصيب الفرد من الناتج المح ّلي اإلجمالي نسبة عالية ً
جدا بين ّ معدل
ّ على نحو مماثل ،بلغت الفروقات في
المتوسطية الشريكة السبعة من جهة أخرى ( )1.83%في خالل الفترة ّ أوروبا وآسيا الوسطى من جهة ( )3.20%والبلدان
ي 1995و.2017
عام ْ
الممتدة بين َ
ّ
القوة
ّ النمو السنوي لنصيب الفرد من الناتج المح ّلي اإلجمالي على أساس تعادل
ّ معدل
ّ متوسط
ّ الجدول :1
ي 1995و2017
عام ْ
َ الشرائية بين
المصدر :البنك الدولي ،مؤشرات التنمية العالمية ،حسابات المؤلف (مجموعة المتوسط :9الجزائر ،مصر ،إسرائيل ،األردن ،لبنان ،المغرب ،تونس ،تركيا ،فلسطين -
مجموعة المتوسط :7مجموعة المتوسط 9ما عدا إسرائيل وتركيا)
الحرة التكامل التجاري بين اال ّتحاد األوروبي وبلدان جنوب البحر
ّ كان مؤمل ،لم ُتع ِّزز ا ّتفاقات التجارة
َ على عكس ما
المتوسط .في الواقع ،تفقد هذه البلدان شي ًئا فشي ًئا نصيبها من معامالت االتحاد األوروبي التجارية مع باقي بلدان ّ
المتوسط الس ّتة (الجزائر ،ومصر،
ّ حصة بلدان جنوب البحر
ّ المعمور .وباالستناد إلى معطيات الجدول ،2يتب ّين مث ًلا َّ
أن
واألردن ،ولبنان ،والمغرب ،وتونس) من الواردات من خارج اال ّتحاد األوروبي انخفضت من 3.36%في عام 2008إلى 2.7%في
عام .2018وإذا استثنينا الجزائر التي تعتمد تجارتها الخارجية بدرجة كبيرة على تق ّلبات أسعار النفط في السوق العالمية،
الحصة في السوق هامشية وراكدة ( 1.6%في عام 2008و 1.7%في عام .)2018تنطبق المالحظة نفسها على ّ تصبح هذه
المتوسط الس ّتة من اال ّتحاد األوروبي التي انخفضت من 3.98%في عام 2008إلى 3.91% ّ حصة واردات بلدان جنوب البحر
ّ
ارتفاعا طفيفا من 2.91%في عام 2008إلى 3%في عام 2018من دون الجزائر). ً في عام ( 2018وسجلت
18
المتوسط في إطار سياسة الجوار األوروبية،
ّ الجدول :2قيمة التجارة الدولية من البضائع مع بلدان جنوب البحر
اقتصادات اال ّتحاد األوروبي ببلدانه السبعة والعشرين (مليون يورو)
الميزان التجاري لالتحاد صادرات االتحاد األوروبي واردات االتحاد األوروبي ()27
األوروبي مع الشركاء ( )27إلى الشركاء من الشركاء
المتوسطية لصالح اال ّتحاد األوروبي منذ إطالق الشراكة ّ ً
ملحوظا في الميزان التجاري للبلدان ُيظهر الرسم 2تدهو ًرا
المتوسط ،أي لبنان ومصر والمغرب ّ األورو-متوسطية في عام 1995وح ّتى عام ،2017وال س ّيما في بلدان جنوب البحر ّ
تمكنت من تحقيق فائض في الميزان التجاري)ُ .يعزى تدهور الميزان التجاري إلى عوامل ّ واألردن والجزائر (وحدها تونس
المتضررة ً
أيضا من «االستثناء الزراعي» ّ المتوسط
ّ متعددة ،وال س ّيما انخفاض القدرة التنافسية الدولية لبلدان جنوب البحر ّ
التخصص في منتجات ذات محتوى تكنولوجي منخفض. ّ (أي السياسة الزراعية الحمائية لالتحاد األوروبي) ،فض ًلا عن
حصة المنتجات ّ حصة المنتجات ذات التقنية العالية من الصادرات ال تتجاوز َّ 4%
وأن ّ أنفيما يتع ّلق بهذا الجانبُ ،نالحظ َّ
حصتاهما من ّ ي تونس والمغرب (ازدادت سجل في حال َت ْ الم َّ
التحسن ُ
ُّ المتوسطة تبلغ 18%على الرغم من ّ ذات التقنية
المنتجات ذات التقنية العالية على التوالي من 3%و 0%في عام 1995إلى 13%و 5%في عام .)2017
أن تدهور الميزان التجاري يعكس التبادل غير المتكافئ الذي ت ّتسم به التجارة بين بلدان بد من التشديد على َّ
أخي ًرا ،ال ّ
يؤدي إلى تحويل فائض مالي متعاظم لصالح هذا األخير ،معز ًزا بذلك المتوسط واال ّتحاد األوروبي ،والذي ّ
ّ جنوب البحر
عملية االستقطاب الرأسمالي لصالح «المركز» (أي االتحاد األوروبي) على حساب «األطراف» (البلدان العربية المتوسطية).
ي 1995و2017
عام ْ
َ المتوسطية واال ّتحاد األوروبي في
ّ الرسم البياني :2ميزان التجارة بين البلدان
لبنان
مصر
تركيا
إسرائيل
المغرب
األردن
الجزائر
تونس
فلسطين
19
التخصص في السلع والخدمات الكثيفة تكنولوجيا
ّ 4.2.2تفاقم التبادل غير المتكافئ وضعف
فلسطين
تونس
األردن
البطالة ،إناث ( %من القوى العاملة من النساء)
مصر
البطالة ،ذكور ( %من القوى العاملة من الرجال)
تركيا
المغرب
لبنان
إسرائيل
ّ
مؤشر التنمية العالمية لعام ،2018البنك الدولي المصدر:
سجلة
الم َّ
المعدالت ُ
ّ معدل البطالة إلى ، 27%أي إلى نسبة تفوق بأشواط
ّ متوسط
ّ صلفيما يتع ّلق بالبطالة لدى الشبابَ ،ي ِ
في بلدان الجنوب األخرى ( 11%في بلدان شرق آسيا والمحيط الهادئ و 18.5%في بلدان أميركا الالتينية ومنطقة البحر
الخريجين إلى مستويات مقلقة ويبلغ 29% ّ معدل البطالة في صفوف ّ متوسط
ّ صل الكاريبي (أوجييه ب .وآخرون) .و َي ِ
المتوسطية الشريكة
ّ ِّ
معدل البطالة اإلجمالي) ،و ُيشكل قنبلة موقوتة حقيقية في البلدان ّ (يمثل أكثر من ضعف ّ
(المرجع نفسه).
20
ّ
المتوفرة ّ
مؤشر قابلية الوقوع في براثن الفقر في السنة األولى واألخيرة الرسم البياني .4
دول الدخل المتوسط األدنى ()2013
دول الدخل المتوسط األدنى ()1996
تركيا ()2016
تركيا ()2002
تونس ()2010
تونس ()1995
المغرب ()٢٠٠٦
المغرب ()١٩٩٨
األردن ()2010
األردن ()1997
مصر ()2015
مصر ()1995
الجزائر ()2011
الجزائر ()1995
يندرج تفاقم هشاشة األوضاع المادية لفئات واسعة من السكان ضمن انتشار واسع لالقتصاد غير النظامي في بلدان
منحى تصاعد ًيا منذ منتصفً المتوسط
ّ َ
وعرف بالتالي العمل غير المهيكل في بلدان جنوب البحر المتوسط.
ّ جنوب البحر
سبعينيات القرن الماضي ،فازدادت نسبته من 39.6%في فترة 1975/1979إلى 53%في فترة .2005/2010وبلغت هذه النسبة
9
78.5%في المغرب و 51.2%في مصر في خالل فترة 2005-2010و 51.8%في لبنان (في فترة .)2004-2000
ّ
المنظم الذي ُيقاس عن طريق اإلنتاج في هذا القطاع لم أن حجم االقتصاد غير ظهر بيانات حديثة من البنك الدوليَّ 10
ُت ِ
ً
انخفاضا في سجلت
ّ ي 1990-1999و ،2010-2018باستثناء مصر التي المتوسط بين فتر َت ْ
ّ يتغ ّير كثي ًرا في بلدان جنوب البحر
«اإلنتاج غير النظامي» (الرسم البياني المد ّرج .)1
الرسم البياني المد ّرج :1إنتاج االقتصاد غير النظامي في بعض البلدان
المصدر :فرنسيسكا أونسورج وشو يو (محرّ رتان) .التأثير السلبي الطويل األمد للطابع
التحديات والسياسات (The Long Shadow of Informality: ّ غير النظامي:
،)Challenges and Policiesالبنك الدولي.2021 ،
والنمو
ّ ّ
المعقدة، متعددة (وال س ّيما التعقيدات اإلدارية
ّ أن انتشار االقتصاد غير النظامي قد ُيعزى إلى عوامل صحيح َّ
ٌ
المتوسط
ّ َّ
ولكن السياسات النيوليبرالية التي ط ّبقتها بلدان جنوب البحر التهرب من الضرائب ،إلخ،).
ّ ّ
السكاني ،والرغبة في
تراجع ُف َرص العمل في القطاع ُ شك َل
َّ منذ ثمانينيات القرن الماضي قد ساهمت بدرجة كبيرة في ذلك .في الواقع،
الخاص على تو ّلي زمام األمور ،وتدمير صناعات استبدال الواردات،
ّ العام نتيجة تدابير التك ّيف الهيكلي وعدم قدرة القطاع
ّ
بحثا عن اليد العاملة الرخيصة والهشة ،كلها عوامل ساهمت في تفاقم ظاهرة واإلدماج في سالسل القيمة العالمية ً
«التنمية الرثة» (وتعني تحقيق نسبة متواضعة من النمو االقتصادي يصاحبها تفاقم الطابع غير الرسمي لالقتصاد
المتوسط (السعدي م .س ،السياسات ّ وانتشار مظاهر الفقر والهشاشة واالقصاء االجتماعي) في بلدان جنوب البحر
المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية ،بيروت.)2016 ،ّ النيوليبرالية والعمل غير المهيكل في المنطقة العربية ،شبكة
21
3.2خرافة التبادل الح ّر كرافعة للتنمية
األول إلى
تتعدد األسباب وراء فشل اعتماد التبادل الحر في الدفع بعجلة التنمية االقتصادية واالجتماعية .و ُيعزى السبب ّ َّ
الصحة ،إذ بنت البلدان التي تنتصر حاليا العتماد
ّ أساس لها من
َ َّ
ظهر أن «هذا األمر هو مجرد خرافة ال التاريخ االقتصادي الذي ُي ِ
قوتها بفضل التبادل الحر في عالقاتها مع باقي بلدان العالم ،وفي طليعتها الواليات الم ّتحدة والمملكة الم ّتحدةّ ،
الحرة التي تشملّ حكم بالفشل على ا ّتفاقات التجارة ً
ونتيجة لذلكُ « ،ي َ 11 ً
الحقا». السياسة الحمائية التي أصبحت ُتشيطنها
َّ َّ
بلدا ًنا تختلف مستويات إنتاجيتها بدرجة كبيرة ،ألن البلدان الفقيرة س ُتد ِرك أن التنمية لن تتحقق وفقا لهذه المقاربة» .
12
متذرعا
ً ويواصل اال ّتحاد األوروبي لغاية اليوم حماية قطاعه الزراعي من خالل «السياسة الزراعية المشتركة» الشهيرة،
المتعددة التي يضطلع بها هذا القطاع ،أي حماية البيئة والحفاظ على المناظر الطبيعية والعمالة ّ بأهمية الوظائف
األولية في ظروف السوق (أو في ظروف شبيهة لها) َّ
الريفية ،باإلضافة إلى إنتاج األغذية واأللياف .والحال أن «إنتاج المواد ّ
13
لم يعد يسمح للزراعة بأداء الوظائف األخرى للزراعة بطريقة يعتبرها المواطنون ُمرضية».
تتعدد العوامل
َّ األورو-متوسطية.
ّ أما السبب الثاني فيرتبط بفشل «الرهان على االنفتاح» الذي كانت تقوم عليه الشراكة ّ
أولا ،ال يمكن تحقيق فرضية إعادة تخصيص الموارد لصالح أنشطة التصدير األكثر إنتاجية ً الكامنة وراء هذا الفشلّ :
الحرة ليشمل القطاع الزراعي) .ثان ًيا ،أدى تعرض صناعات استبدالّ بسبب «االستثناء الزراعي» (أي عدم توسيع نطاق التجارة
الواردات للمنافسة غير المتكافئة من قبل المنتوجات األوروبية األكثر إنتاجية إلى اختفاء عدد غير يسير منها ،في حين
فقدت الصناعات التصديرية (وال س ّيما قطاع المنسوجات والمالبس) من حصصها في السوق األوروبية لصالح المنافسين
اآلسيويين (الرسم البياني .)5وقد نجم عن هاتين العمليتين المتزامنتين تراجع مقلق لنصيب الصناعة التحويلية في
ص» الذيالم َق ّ ٌ
عامل آخر أكثر خطورة بإطالق عملية تراجع للصناعة ،سابقة ألوانها ،بسبب «أثر ِ الناتج الداخلي الخام و َت َّ
مث َل
بيناه .كما نجم عن هذا الوضع إلى انسحاب عدد كبير من رجال االعمال المحليين من الصناعة التحويلية لصالح األنشطة
الخدماتية والريعية غير المهددة من طرف المنافسة الخارجية (وال س ّيما قطاع العقارات ،والشؤون المالية ،والسياحة،
14
وتجارة السوبر ماركت ،إلخ .مراجعة حالة المغرب ).
المتوسط
ّ حصة الصناعة التحويلية في الناتج المح ّلي اإلجمالي ( )%في بلدان جنوب البحر
تطور ّ
ُّ الرسم البياني :5
ألن الشروط األساسية للجاذبية (الدينامية على صعيد آخر ،لم تبصر االستثمارات المباشرة األجنبية التي طال انتظارها النورَّ ،
ّ
تتحقق الفعال) لم
ّ المؤهلة و«الرخيصة» ،والنسيج الصناعي المح ّلي ّ االقتصادية ،والبنية التحتية الحديثة ،واليد العاملة
15
المتوسط باال ّتحاد األوروبي.
ّ الحرة الذي سعى إلى ربط بلدان جنوب البحرّ بعد توقيع ا ّتفاق التجارة
22
ّ
مؤشر التنمية العالمية لعام 2021 الرسم البياني :6
قدمها اال ّتحاد األوروبي بموجب برامج ميدا ( )MEDAللتعويض عن الخسائرتكف المساعدة المالية التي ّ ِ أخي ًرا ،لم
ّ
قدم لهذا الغرض مبلغ 3يورو لكل فرد من
الم َّ ً
الناجمة عن تحرير التجارة .ووفقا لمارتن ،لم تتجاوز قيمة الدعم المالي ُ
16
ي 1995و.2006عام ْ
الممتدة بين َ
ّ ّ
السكان في خالل الفترة
المتوسط
ّ ّ
الخطة الجديدة لمنطقة المتجددة» (أو
ّ )القسم الثالث« :الشراكة
يتناول مجال العمل رقم 2قضايا التنمية االقتصادية تحت عنوان «تعزيز القدرة على الصمود واالزدهار واالستفادة من
والم ِرنة والمستدامة والم ّتصلة».
المخصصة لهذا المجال إلى «دعم االقتصادات الدامجة َ
ّ التحول الرقمي» .تهدف اإلجراءات
ُّ
يجب أن تبقى قدرة االقتصاد على الصمود في مواجهة الصدمات على رأس األولويات في إطار «التعاون مع بلدان جنوب
سياق تطغى عليه جائحة فيروس كورونا (كوفيد .)-19لهذا ،ينبغي العمل على ضمان استقرار ٍ المتوسط» ،خاصة في
ّ البحر
المتوسط من خالل تزويدها بـ«هامش من األمن االقتصادي» لحمايتها من «الصدمات
ّ ّ
االقتصاد الكلي لبلدان جنوب البحر
تحديات ميزان المدفوعات ،بما في ذلك ديناميكيات الديون غير المستدامة» .ومن المنتظر أن
17
ّ المستقبلية ومعالجة
ّ
الخاص المحلي والدولي ،وجذب المستثمرين وزيادة التجارة».
ّ يُساعِ د تحسين «مناخ األعمال» على «إعادة الثقة للقطاع
والفعال لإلصالحات االقتصادية والحوكمة» في هذه المجاالت
ّ غير ان اال ّتحاد األوروبي يشترط االلتزام بـ«التنفيذ الم ّتسق
لتقديم دعمه لبلدان جنوب المتوسط.
ٌ
سلسلة من اإلجراءات ،أبرزها« :تطوير ودعم مصفوفات إصالح مشتركة تتمحور ولتحقيق هذه االلتزامات ،يتم التركيز على
حول مناخ االستثمار وبيئة األعمال»؛ و«-دعم المبادرات لمساعدة الشركاء في جذب واستبقاء ُف َرص تنويع سالسل القيمة
23
األورو-متوسطية».
ّ في قطاعات مختارة»؛ و«-دعم التقارب التنظيمي في جميع مجاالت النقل ،...في اطار مشاريع النقل
والمتوسطة واالقتصاد
ّ بالمؤسسات الصغيرة
ّ تتضمن بعض العناصر االيجابية باالهتمام
ّ المتجددة»
ّ أن «الشراكة ال َّ
شك في َّ
المؤسسات المالية الدولية لتطوير نهج شامل لإلدماج المالي ،بما فيّ االجتماعي؛ إذ يعتزم اال ّتحاد األوروبي «العمل مع
ذلك التمويل الصغير وتمويل المشاريع االجتماعية ،واستخدام األدوات المالية الجديدة ،بما في ذلك رأس المال االستثماري
وجوانب األعمال والتأثير على التمويل» .وينبغي أخي ًرا ذكر التركيز على البحث واالبتكار ،وال س ّيما من خالل المشاركة في
البرنامج -إطار «.»Horizon Europe
ركز اال ّتحاد األوروبي على ضرورة على الصعيد المفاهيميُ ،ي ِّ
تعزيز «قدرة دول الجوار الجنوبي ومجتمعاته على الصمود
في وجه الصدمات» .وفي هذا الصدد ،تجد ُر اإلشارة إلى هذا
الممثلة العليا ،فريديريكا موغيريني، ّ المقتطف من مداخلة
أمام المجلس األوروبي في بروكسل في حزيران/يونيو
أكدت أ َّنه «من مصلحة مواطنينا االستثمار في 2016حيث َّ
قدرة الدول والمجتمعات في جوارنا الشرقي على الصمود،
وصو ًلا إلى آسيا الوسطى ،وفي جوارنا الجنوبي ،وصو ًلا إلى
هدد مصالحنا أفريقيا الوسطى .فالهشاشة خارج حدودنا ُت ِّ
كافة .من ناحية أخرى ،تعني المرونة قدرة الدول ّ الحيوية
والمجتمعات على إصالح نفسها وبالتالي مقاومة األزمات
النمو
ّ سس ُ
الداخلية والخارجية والتعافي منها ،وتعود بالفائدة علينا وعلى البلدان الواقعة في محيطنا ،وتضع أ ُ
إذا ،بالتعاون مع شركائه ،المرونة في محيطه .فالدولة شجع اال ّتحاد األوروبي ً المستدام وبناء مجتمعات حيوية .س ُي ِّ
أيضا» .يستدعي هذا النهج مالحظتان 19 صحيح ً
ٌ العكس
َ َّ
ولكن المرنة هي دولة آمنة ،واألمن ضروري لالزدهار والديمقراطية،
وثيقا بأمن اال ّتحاد األوروبي حيال «أطرافه» (يكشف استخدام هذا ً ً
ارتباطا أو ًلا ،ترتبط القدرة على الصمود رئيسيتانّ :
نموسس ّ ُ
المصطلح المكانة التي يمنحها اال ّتحاد األوروبي لجواره!!) ،وينبغي «تأمين استقرار» هذه االطراف من أجل وضع أ ُ
التحول البنيوي ،وال س ّيما ُّ أي مسعى إلى تصميم وتنفيذ سياسات مستداما .ثان ًيا ،يتعارض هذا النهج مع ًّ ُيراد له أن يكون
أن السياسات تلك التي تحث على تغيير عالقات القوى داخل المجتمعات كما على الصعيد الدولي« .في الواقع ،يبدو َّ
ردات فعل الفئات ظم ،تحصر ّ س ُبل العيش وسالمة عمل ال ُن ُالتي تتمحور اآلن حول القدرة على الصمود ،أي الحفاظ على ُ
االجتماعية المعن ّية في المقاومة والتكيف من دون أن تفتح لها المجال للتفكير ،دون الحديث عن إشراكها في فهم
20
التحول االقتصادي واالجتماعي العالمية ،وتحسين شروط الوصول إلى السلع والخدمات األساسية». ُّ عمليات
يفضلها اال ّتحاد األوروبي مفهوم «النمو الدامج» أو «التنمية الشاملة الدامجة» ،ويعني
ّ تشمل المفاهيم الرائجة التي
أعدت مايكا سونداريي دراسة النمو الذي قد يعود بالفائدة على الجميع وال س ّيما الطبقات األكثر فق ًرا .في هذا الصددّ ،
ّ
نقدية دقيقة حول هذا «المفهوم» الذي كان الهدف منه احداث قطيعة مع “”توافق واشنطن”” (أي السياسات التي تركز
استقرار االقتصاد الكلي واالندماج في االقتصاد العالمي ،وبعبارة أخرى ،وجهة النظر النيوليبرالية للعولمة).
ترسخ مفهوم التنمية الدامجة في الخطابات الرسمية ،خاصة بفضل عمل برنامج األمم الم ّتحدة اإلنمائي، وفي حين ّ
مؤسسات بريتون وودز (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي) لم تتغ ّير« :إطار ّ أن الممارسات داخل تلفت الباحثة إلى َّ
االقتصاد الك ّلي لم يتغ ّير ،فهو يشبه إلى حد كبير اإلطار االقتصادي الذي ُت ِ
دافع عنه برامج التك ُّيف الهيكلي :الخصخصة
21
والتحرير واستقرار االقتصاد الك ّلي .ما تم القيام به هو فقط إضافة تعديالت على الهامش إلقامة رابط مع الفقر».
24
من جهة أخرى ،جرى التأكيد على مشاركة المجتمع المدني في وضع السياسات وتقييمها ،وعلى صفته كمستفيد من
22 ً
شريكا رئيس ًيا في التنفيذ. إجراءات تعزيز القدرات ،لكن دون جعل المجتمع المدني
3.3التمويل المشروط
ّ
«الخطة االقتصادية واالستثمارية المؤسسات المالية الدولية بشكل وثيق في تمويل ّ يعتزم اال ّتحاد األوروبي إشراك
ستؤدي إلى
ّ المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي
ّ إن مشاركة وغني عن القول َّ
ٌّ للجوار الجنوبي».
اشتراطات جديدة ،وال س ّيما فيما يتع ّلق باستقرار االقتصاد الك ّلي والخصخصة وإلغاء الضوابط التنظيمية التي س ُتفرض
المتوسط المستفيدة.
ّ على بلدان جنوب البحر
التحول البيئي
ُّ 1.4.3
المتوسط لمواجهة الصدمات النظامية المستقبلية ،يعتزم ّ تأكيدا على الحاجة إلى تعزيز جهوزية بلدان جنوب البحر ً
ً ّ
اال ّتحاد األوروبي دعم هذه البلدان في تنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030وا ّتفاق باريس حول المناخ .وتحقيقا
النمو األخضر من خالل التركيز على الحوكمة المناخية
ّ أو ًلا ،تطوير
تمسك اال ّتحاد األوروبي بأربع أولوياتّ :
ّ لهذه الغاية،
والبيئية ،ودعم مبادرات تسعير الكربون ،والقدرات اإلدارية ،والمساعدة التقنية في مجال التشريعات ،واإلجراءات التعليمية
التحول في مجال
ّ والتوعية .ثان ًيا ،دعم وضع سياسات التمويل المستدام في البلدان الشريكةً .
ثالثا ،تسليط الضوء على
المتجددة» ،وتعزيز الترابط بين شبكات الكهرباء
ّ الطاقة وأمن الطاقة ،وال س ّيما من خالل «النشر الواسع النطاق للطاقات
فعالة وحماية
رابعا ،ضرورة التركيز على استخدام الموارد بطريقة ّ ودعم الجهود المبذولة في مجال كفاءة الطاقةً .
خاص لألمن الغذائي.
ّ خامسا ،دعم ال ُنظم الغذائية المستدامة وإيالء اهتمام
ً التلوث.
ّ التنوع البيولوجي ومكافحة ُّ
25
التحول البيئي
ُّ الجوانب اإليجابية لبنود
التحول البيئي
ُّ ساهم في ترقية عدد من سياسات ِ ّ
يقدمه االتحاد األوروبي قد ُي ّ َّ
من الضروري اإلشارة إلى أن الدعم الذي
المتجددة
ّ المتوسط .ويتعلق االمر على الخصوص بالجهود المبذولة لتطوير الطاقات ّ التي تط ّبقها بلدان جنوب البحر
بد أيضا من التشديد على االهتمام الذي يحظى به التعاون في مجال حماية ً ً
في بلدان مثل المغرب واألردن مثلا .وال ّ
المتوسط (اإلجهاد المائي ،واستنفاد
ّ التلوث ،نظ ًرا لخطورة الوضع في بلدان جنوب البحر ّ التنوع البيولوجي ومكافحة ُّ
المتوسط ،إلخ).
ّ وتلوث البحر األبيض ّ الموارد السمكية،
بالتحول البيئي
ُّ جوانب القصور في المقترحات المتع ّلقة
المتوسط ،من قيود ّ التحول البيئي في بلدان جنوب البحر
ّ قدمها اال ّتحاد األوروبي لتسهيل ُتعاني مقترحات التعاون التي ّ
التحول البيئي في
ُّ «النمو األخضر» من أجل تعزيز
ّ أو ًلا ،يمنح اال ّتحاد األوروبي األولوية لمحور
فعاليتهاّ . تحد من ّ ّ متعددة قد
ّ
«النمو األخضر» ال ُيسائل
ّ َّ
المتوسط من دون التساؤل عن جدوى هذا الخيار ونطاقه .والحال أن مفهوم ّ بلدان جنوب البحر
النمو االقتصادي الكمي الناتج عن نموذج اإلنتاج واالستهالك المعمول به عالميا ،بل يدعو ببساطة ّ الغاية من تعظيم
ومحرك االحتراق)
ّ ّ
(ستحل الطاقات «الخضراء» مثل طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية محل الوقود األحفوري ّ إلى االبتكار
النمو االقتصادي إلى ما ال نهاية! والحال أن هذا النموذج هو الذي أدى إلى األزمة البيئية
ّ للتخ ّلص من القيود البيئية ومواصلة
ثبت أ َّنه من الصعب التوفيق بين متط ّلبات استدامة السلع االستهالكية في مجتمعاتنا هدد كوكبنا ،إذ َ الخطيرة التي ُت ِّ
ومتط ّلبات الربحية المالية التي نعرفها ،باإلضافة إلى المنطق التنافسي السائد حال ًيا الذي ال تنقضه «الرأسمالية الخضراء»
27
المتعارف عليها.
التحول البيئي في اال ّتفاقيات التجارية .في الواقع ،تقتصر الممارسات المعمول بها إلى ُّ ثان ًيا ،يجب توضيح مسألة إدماج
ّ
بنطاق محدود فعل ًيا .على سبيل المثل ،ال تخضع اتفاقيات التجارة ٍ حد اآلن على إضافة فصل عن «التنمية المستدامة»
ّ
الخاصة باتفاقيات
ّ الحرة بين اال ّتحاد األوروبي وكولومبيا/بيرو أو بين اال ّتحاد األوروبي وكوريا الجنوبية آللية تسوية النزاعات
ّ
ّ
الحرة ،وال للعقوبات المرتبطة به .باإلضافة إلى ذلك ،ال يضمن ذكر اتفاق باريس في مقترحات التعاون احترام
28
ّ التجارة
ّ
مجرد التوقيع من ِق َبل البلد الشريك لالتحاد األوروبي.
ّ مضمونه ،إذ قد يقتصر هذا االلتزام على
التحول البيئي .في الواقع ،يلعب مث ًلا الرجال والنساء أدوا ًرا مختلفة في
ُّ ً
ثالثا ،لم ُي َ
ذكر ال ُبعد «الجندري» وأهميته في نجاح
عام ًة أهمية كبرى
ركز الرجال بشكل عام على تحويل الموارد إلى ثروات ،في حين ُتع ِّلق النساء ّ إدارة الموارد الطبيعية ،ف ُي ِّ
ّ
وتزويدهن بالمهارات الالزمة لضمان ُحسن على إدارة هذه الموارد والحفاظ عليها .ومن الضروري إذا استهداف النساء
29
اإلدارة البيئية.
التحول الرقمي
ُّ 2.4.3
.1البنود الرئيسية
للتحول الرقمي في بلدان جنوب
ُّ فقرة واحدة فقطً المتجددة»
ّ نص «الشراكة
خصص ّ تحت عنوان «االقتصادات الم ّتصلة»ُ ،ي ِّ
التحول الرقمي في هذه البلدان من خالل التركيز على أربعة محاور: ُّ المتوسط .يسعى التعاون األوروبي إلى دعم ّ البحر
حسنة ُ
«أو ًلا ،الحوكمة والسياسات واأل ُطر التنظيمية ،وثان ًيا ،تطوير البنى التحتية ودعم وصول الجميع إلى شبكات ُم َّ ّ
ورابعا الخدمات».
ً ً
ويسيرة التكلفة وآمنة ،وثالثا ،محو األمية الرقمية والمهارات وريادة األعمال،
باإلضافة إلى ذلك ،س ُتساهم المساعدة المالية المناسبة من طرف اال ّتحاد األوروبي في إزالة قيود التمويل التي تصطدم
تحولها الرقمي.
ُّ المتوسط من أجل ضمان
ّ بها بلدان جنوب البحر
26
القسم الرابع :مساهمة محدودة من اال ّتحاد األوروبي في مواجهة جائحة
فيروس كورونا (كوفيد)19-
1.1.4تكاليف األزمة
المتوسط
ّ الصحة العالمية ،المكتب اإلقليمي لشرق
ّ ّ
منظمة المصدر:
الصحية
ّ -العواقب
المتوسط وعدم
ّ الصحية في بلدان جنوب البحر ّ ظمكشفت أزمة مرض فيروس كورونا (كوفيد )19-عن هشاشة ال ُن ُ
ظم وعجزها ،وال س ّيما فيما يتع ّلق بالموارد البشرية في حقل جهوزيتها لمواجهة األوبئة .وظهرت حدود هذه ال ُن ُ
الصحة في بلدان جنوب البحرّ أن اإلنفاق على األوبئة وأنشطة االستعداد واالستجابة لحاالت الطوارئُ .يظهر الجدول َّ 4
خصص البلدان مثل مصر والمغرب سوى 4.6%و 5.8%من المتوسط العالمي ( ،)9.8%إذ ال ُت ِّ ّ المتوسط الس ّتة هو أدنى من
ّ
ّ ً
أداء ضعيفا وفق المؤشر
قدمت بلدان المنطقة ً الصحة .بشكل عامّ ، ّ ّ
ناتجها المحلي اإلجمالي على التوالي لإلنفاق على
الصحي ( )Global Health Security Index( 32البنك الدولي .2020 ،تعزيز التعاون التجاري :إحياء التكامل ّ العالمي لألمن
اإلقليمي للشرق األوسط وشمال أفريقيا في عصر ما بعد جائحة كورونا.)2020 ،
27
المتوسط 2010-2018
ّ الصحي في بلدان جنوب البحر
ّ الجدول :4النظام
الصحة
ّ إنفاق على سرير ممرّ ضون أطبّاء
ّ
المحلي ( %من الناتج مستشفى وممرّ ضات وقابالت
اإلجمالي لعام )2016 ّ
(لكل 10000نسمة)
المتوسط
ّ الصحة العالمية ،المكتب اإلقليمي لشرق
ّ ّ
منظمة المصدر:
صح ًيا في بلدان مثل مصرّ سر التي تملك تأمي ًنا أما ُ
األ َ صحي شاملّ . ّ أيضا معظم بلدان المنطقة إلى نظام تأمين تفتقر ً
قلقا كبي ًرا في زمن الجائحة (البنك الدولي ،المرجع نفسه). أيضا تكاليف ط ّبية باهظة ،و ُيثير هذا الواقع ً
والمغرب فتتك ّبد ً
المتوسط إلى ا ّتخاذ تدابير تقييدية مختلفة تراوحت بين إعالنّ الحد من انتشار الجائحة ،سارعت بلدان جنوب البحر ّ بهدف
والبرية ،فض ًلا عن فرض تدابير التباعد االجتماعي
ّ الجوية
ّ الصحية واإلغالق الشامل أو الجزئي ،وإغالق الحدود
ّ حالة الطوارئ
أو ارتداء القناع اإللزامي.
-التكاليف االقتصادية
المتوسط
ّ خ ّلفت األزمة الناجمة عن جائحة فيروس كورونا (كوفيد )19-أث ًرا سلب ًيا خطي ًرا على اقتصادات بلدان جنوب البحر
التقشف التي خضعت لها في أعقاب األزمة المالية العالمية في عام .2008وواجهت هذه ّ الهشة أص ًلا بسبب تدابير
االقتصادات صدمة مزدوجة إن من جهة العرض (إنتاج السلع والخدمات) أو الطلب (االستهالك واالستثمار) .في الواقع،
التنقل أوُّ حدت من القدرة على جراء تدابير اإلغالق الشامل التي ّ ّ
المتوفرة ،وال س ّيما ّ عانى العرض من تراجع اليد العاملة
بسبب اإلصابة بالفيروس .وزادت االختالالت في سالسل القيمة العالمية من صعوبة الحصول على اإلمدادات ورأس المال
وتأثر الطلب الخارجي على السلع والخدمات بدوره سل ًبا بسبب المشاكل االقتصادية والسلع الوسيطة الضرورية لإلنتاجّ .
تعم مختلف أنحاء العالم واالختالالت في سالسل القيمة العالمية .وداخل ًيا ،عرقل اإلغالق الشامل الطلب نتيجة ّ التي
وسجلت ّ واالستثمار. االستهالك في حاد
ّ انخفاض
ٍ إلى الجائحة رتطو
ّ بشأن اليقين عدم ى أدّ حين في الحركة، على القيود
ركودا اقتصاد ًيا كبي ًرا ،باستثناء مصر .شملت القطاعات ً المزدوجة الصدمة هذه سياق في المتوسط
ّ بلدان جنوب البحر
العمال
ّ تضررت أكثر من غيرها من االنخفاض في الناتج المح ّلي اإلجمالي ،قطاع النفط والسياحة وتحويالت ّ التي
33
المغتربين والصناعات التصديرية (وال س ّيما المنسوجات وصناعة الس ّيارات والخدمات (التجارة والنقل ،إلخ).
أدى الركود االقتصادي إلى ا ّتساع عجز الموازنة نتيجة تراجع اإليرادات في أعقاب تق ّلص الطلب المح ّلي وانخفاض أسعار ّ
سجلت الجزائر ( )-15.8%ولبنانّ الصحية .
34
ّ الحد من آثار األزمة
ّ النفط ،فض ًلا عن إجراءات الدعم الحكومية الهادفة إلى
رصيد الحساب الجاري إثر انخفاض عائدات تصديرُ أيضا( )-14.5%ومصر واألردن ( )-8.2%االزدياد األكبر في العجز .وتدهو َر ً
ً
تضر ًرا وفقا لتقديرات
ُّ النفط والسياحة والصناعات التصديرية (وال س ّيما المنسوجات والس ّيارات) .وشملت البلدان األكثر
35
البنك الدولي الجزائر ( )-13.4%والمغرب ( )-99%واألردن (. )-7.5%
مثل الفنادق وخدمات المطاعم والصناعات التحويلية والبيع بالتجزئة واألنشطة اإلدارية .ووصلت هذه الخسائر إلى
38
َ
انتعش النشاط ّ
مؤخ ًرا ،وال س ّيما بالنسبة إلى الرجال ،بعدما تحس ًنا على ما يبدو في تونس والمغربُّ شهد الوضع
َ
42
البلد ْين.
َ االقتصادي نسب ًيا في هذ ْين
ّ
يشكلن 62%من العاملين في القطاع غير النظامي ّ
ظروفهن المعيشية أكثر من الرجال ،إذ تتعرض النساء لخطر تدهور
ّ
44
في العالم العربي ويقمن بأعمال الرعاية غير المدفوعة األجر داخل األسرة.
ّ
تتوفر الظروف ّ
تفشي الجائحة بدرجة كبيرة وما لم وغني عن القول َّ
إن تدابير الطوارئ هذه لن تكفي ما لم يتراجع ٌّ
النتعاش اقتصادي واجتماعي حقيقي.
ٍ المواتية
ّ
التقشف وم ِر َنة ،بمعزل عن سياسات
عامة قوية َ
صحية ّ ّ ظم الماسة إلى ُن ُ
ّ في الوقت نفسه ،كشفت األزمة عن الحاجة
المؤسسات المالية الدولية ومصارف «التنمية» اإلقليمية في العقود األخيرة .ويجب التركيز
ّ والخصخصة التي دعت إليها
والمعدات والموارد البشرية والوقاية ،إذ تكفل هذه الطريقة وحدها الحقّ
ّ خاص على االستثمار في البنى التحتية
ّ بشكل
المتوسط على الوقاية من األوبئة ومكافحتها في المستقبل. ّ الصحة للجميع وقدرة بلدان جنوب البحر
ّ في
-االحتياجات االقتصادية
المتوسطة والطويلة
ّ المتوسط التعامل مع اآلثار
ّ باإلضافة إلى تدابير الطوارئ المذكورة أعاله ،يتع ّين على بلدان جنوب البحر
األمد على النسيج االقتصادي واالجتماعي .وستحتاج لهذه الغاية إلى هامش للمناورة في المجال المالي (ح ّيز سياساتي
تقييما لالحتياجات التمويلية الضرورية
ً خطة االنتعاش االقتصادي واالجتماعي ،ويتط ّلب ذلك بدوره مالي) من أجل تمويل ّ
بعيدا عن الوصفات النيوليبرالية التي
ً لنجاح االنتعاش االقتصادي واالجتماعي ،فض ًلا عن تغيير نوعي في النموذج التنموي
ُتط ِّبقها هذه البلدان.
خصصت بلدان مثل المغرب وتونس ومصر 3%و 2.2%و 1.2%من ناتجها
ّ المتوسط ،فقد
ّ أما بالنسبة إلى جنوب البحرّ
48
المح ّلي اإلجمالي على التوالي لخطط اإلنعاش.
ملحة ،ومن مصلحة اال ّتحاد األوروبي المساهمة في ذلك .لقد تم ّ في هذه الظروف ،يصبح رفع قيود التمويل حاجة
الحد األدنى من الجهود المالية المطلوب في بلدان المغرب العربي الثالثة ،باالستناد إلى فرضيات متواضعة في
49
ّ تقدير
ّ
مجال االنتعاش االقتصادي واالجتماعي (تمويل خطة انتعاش إضافية للتعويض عن جزء من خسارة الدخل واالستثمار)،
مع التأكيد على استيعاب فائض العجز الحالي والعجز العام الناتج عن األزمة في خالل فترة .2020/2021وأشارت التقديرات
إلى احتياجات تمويلية بنسبة تتراوح بين 13.2%و 22.3%من الناتج المح ّلي اإلجمالي في تونس ( ُيعزى هذا االختالف إلى
خطة االستثمار والتكلفة التقديرية لمكافحة ّ ستخدمة والمتع ّلقة بحجم زيادة العجز وحجم َ الم
السيناريوهات ُ
الفقر) مقابل نسبة تتراوح بين 5.8%و 10%في المغرب .ال يهدف هذا العمل التوضيحي سوى إلى إعطاء فكرة عن حجم
أن االحتياجات ستزداد في حال َّ
شك في َّ المتوسط ،وال
ّ االحتياجات التمويلية الناتجة عن الجائحة في بلدان جنوب البحر
النمو النيوليبرالي القائم.
ّ االبتعاد عن نموذج
-االحتياجات االجتماعية
المقدمة للطبقات االجتماعية المنخفضة الدخل ّ على المدى القصير ،من الضروري الحفاظ على المساعدات الطارئة
ول ّلاجئين .باإلضافة إلى هذا ،يجب أن تعالج خطط االنتعاش االقتصادي واالجتماعي بشكل منهجي التفاوتات في الدخل
والصحة ،والتعليم ،والسكن الالئق ضمن اإلطار العام لتحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام .2030ويجب إيالء
ّ والثروة،
ضد المرأة.
الجنس ْين ومكافحة التمييز ّ
َ خاص للمساواة بين
ّ اهتمام
المتوسط
ّ 3.1.4دعم اال ّتحاد األوروبي المتواضع لبلدان جنوب البحر
والحد من أثر جائحة فيروس كورونا (كوفيد ،)19-اكتفى اال ّتحاد األوروبي بإعادة
ّ المتوسط
ّ من أجل دعم بلدان جنوب البحر
المقدمة إلى
ّ تخصيص الموارد المالية الحالية بهدف تمويل التعاون مع هذه البلدان .بلغت قيمة المساعدات اإلجمالية
ّ
المتوسط في عام 2.3 ،2020مليار يورو ُمنح جزء كبير منها على شكل ِهبات بينما ُق ّدم المبلغ المتبقي
ّ بلدان جنوب البحر
ميسرة.
ّ في شكل قروض بأسعار فائدة
الصحية المستو َي ْين اإلقليمي والمح ّلي .على المستوى اإلقليمي ،تقوم االستجابة ّ تشمل االستجابة لالحتياجات
ّ
المرشحة على تقديم الدعم التقني من المركز األوروبي للوقاية من األمراض ومكافحتها إلى بلدان الجوار والبلدان
أما على المستوى الوطني لالنضمام إلى اال ّتحاد األوروبي من أجل تحسين جهوزيتها وقدرتها على االستجابة لألزماتّ .
الصحية الوطنية (وال س ّيما في لبنان واألردن والمغرب وتونس ومصر) منّ ظم ُ
فأعيد تخصيص موارد التعاون لصالح ال ُن ُ
المعدات الط ّبية وتقديم التدريب والمساعدة التقنية في المستشفيات.ّ أجل ضمان الرعاية في حاالت الطوارئ وتوفير
أيضا الالجئون والنازحون من التمويل األوروبي.باإلضافة إلى ذلك ،استفاد ً
والمتوسطة،
ّ للمؤسسات الصغيرة
ّ خاص على تقديم الدعم المالي
ّ انطوى الدعم االجتماعي االقتصادي بشكل
باإلضافة إلى المساعدات المباشرة لميزانيات البلدان الشريكة.
30
4.1.4محدودية «الشراكة» في مجال مكافحة الجائحة
تدل على نزعة قومية ضيقة ،إذ احتكر ّ تعامل اال ّتحاد األوروبي مع اللقاح بطريقة َ أخي ًرا ،على غرار البلدان الغن ّية األخرى،
المعرضين للخطر ورفض التنازل عن حقوق ّ خصصة لألشخاص الم َّمخزون لقاحات فيروس كورونا (كوفيد )19-غير ُ
متعدد األطراف يدعو إلى رفع القيود
ّ المفوضية األوروبية ا ّت ً
فاقا ّ ملكية براءات االختراع الضرورية إلنتاج جرعات اللقاح (تؤ ّيد
المتوخاة منها َّ
ألن «النقص ّ ّ
تحقق الغاية ولكن هذه النزعة القومية قد الَّ ومكوناتها).51
ّ المفروضة على تصدير اللقاحات
التحور .بعبارة أخرى،
ّ كل حالة جديدة المجال أمام الفيروس ليواصل يؤدي إلى ازدياد اإلصابات وستفتح ّ في اللقاحات قد ّ
متحورات جديدة تختلف بما يكفي عن الفيروس األساسي لتفقد اللقاحات تأثيرها عليها .وفي حال انتشرت ّ قد تظهر
52
بشدة أو قد يموتون».
ّ مجد ًدا أو قد يمرضونّ ّ
الملقحون المتحورات الجديدة على نطاق واسع ،قد ُيصاب األشخاص ّ هذه
1.5ال يمكن للمغرب وتونس قبول ا ّتفاقية التجارة الح ّرة الشاملة والعميقة التي
نظرا لعملية التفاوض المنحازة والمخاطر
ً اقترحها اال ّتحاد األوروبي بصيغتها الحالية
البلد ْين
َ يشكلها على اقتصاد ومجتمع ّ التي
األول
الخاصة (أي احتكار القلة) األوروبية في المقام ّ
ّ 2.1.5منطق يخدم المصالح
ُتعلن وثيقة «أوروبا العالمية -المنافسة في العالم» ( )Global Europe - competing in the worlddبوضوح عن
المنطق االقتصادي :٥٣من خالل إبرام جيل جديد من اال ّتفاقات التجارية ،يسعى برنامج «غلوبال يوروب» إلى توفير ُف َرص
وصول شركاته (أي احتكار القلة الذي يسيطر اهم القطاعات االقتصادية والتجارية والمالية داخل االتحاد األوروبي) إلى
األسواق الخارجية من خالل:
31
الحد من الحواجز غير الجمركية (ما اصطلح على تسميته بالحواجز «داخل الحدود») التي ُتعيق الوصول إلى األسواق ّ
خاص تضمين «حقوق أولوية التشاور للشركات األوروبيةّ ّ
الخارجية .وفي هذا الصدد ،يعتزم االتحاد األوروبي بشكل
٥٤
بشأن األنظمة الجديدة التي قد تعتمدها البلدان المستهدفة».
إمكانية الوصول من دون عوائق إلى الموارد الطبيعية ،وال س ّيما مصادر الطاقة ،إذ ينبغي رفع الضوابط لضمان وصول
الشركات األوروبية إلى هذه الموارد.
العامة والمنافسة
ّ حدد اال ّتحاد األوروبي الملكية الفكرية والخدمات واالستثمار والمشتريات
نمو جديدةُ :ي ِّ
ّ مجاالت
ّ
كمجاالت حيدة تتطلب إجراءات هجومية في المستقبل.
تظهر بوضوح ميول وثيقة «غلوبال يوروب» المؤ ّيدة لمصالح احتكار القلة األوروبية وتلفت االنتباه إلى أ َّنه «ك ّلما ا ّتسقت
٥٥
الخاصة األوروبية».
ّ ممارسا ُتنا وأنظم ُتنا مع شركائنا الرئيسيين ،كلما َ
عاد ذلك بالفوائد على المصالح
على ما يبدو ،يراهن اال ّتحاد األوروبي ،من خالل هذا «االندماج العميق» ،على الفرصة التي سيحظى احتكار القلة االوروبي
المتوسط وأوروبا وامكانية استغالل يد عاملة رخيصة ،على غرار
ّ لتصريف منتجاته من دون عوائق بين بلدان جنوب البحر
المتعددة الجنسيات للتمدد وتنظيم
ّ الحرة ألميركا الشمالية التي أعطت االفضلية للشركات األميركية ّ ا ّتفاقية التجارة
ّ
سيتمكن من إحكام «قبضته الهيكلية» على اقتصادات بلدان جنوب البحر وعندئذ،
ٍ نشاطها اإلنتاجي على نطاق القا ّرة.
المتوسط.
ّ
ّ
متوقفة 2.5عملية
ّ
متعثرة -مفاوضات
الحرة الشاملة والعميقة ،وذلك بعد عقد أربع جوالت من ّ توقفت المفاوضات بشأن ا ّتفاقية التجارة ّ في تونس،
المفاوضات التي لم ُتسفر عن نتيجة .انتهى تفويض وحدة اإلدارة باألهداف ( )UGPOالمك ّلفة بقيادة العملية
ِل العرض األوروبي بمعارضة شديدة ،وال س ّيما من طرف المجتمعوالمؤسسية ،بعد مور 5سنوات .كما قوب َ ّ التفاوضية
ّ
الحرة (المحامون على وجه الخصوص) ،والمزارعين وممثليّ المدني ،واال ّتحاد العام التونسي للشغل ،ونقابات المهن
ّ
والمتوسطة .باإلضافة إلى هذاُ ،يع ِّزز غياب الشفافية ومشاركة المواطنين انعدام الثقة والشك بشأن
ّ الشركات الصغيرة
الحرة الشاملة والعميقة لالقتصاد والمجتمع في تونس. ّ ّ ّ
المتوقعة من اتفاق التجارة المكاسب
الحرة الشاملة
ّ بتوقف المفاوضات بشأن ا ّتفاقية التجارة
ّ مؤخ ًرا سفيرة اال ّتحاد األوروبي ،كالرا ويدي،
ّ في المغرب ،اعترفت
ّ
وعقد اتفاق ّ َ
أن «االتفاق الذي انطلقت المفاوضات بشأنه في آذار/مارس ،2015قد توقف منذ العام ُ .2015 ّ والعميقة ،وأعلنت َّ
الحرة لتشمل قطاعات جديدة مثل ّ سياسي في عام 2019الستئناف المفاوضات بهدف توسيع نطاق منطقة التجارة
الخدمات واالستثمار ،ومواصلة التقارب القانوني بين القطاعات التي تحظى باألولوية والتي اختارها الطرفان بالتوافق...
٥٦
أن التحليل ضروري لمعرفة أسباب الجمود الحالي وفهمه». أظن َّ
ّ
مؤق ًتا المفاوضات إذ لم تقتنع بدراسة األثر التي أجرتها مكتب” إيكوريس وهو ّ في الواقع ،أوقفت الحكومة المغربية
تتوقع أن يكون المغرب «الرابح األكبر» من تنفيذ ا ّتفاق
ّ مقرا لها والتي
ًّ شركة لألبحاث واالستشارة التي ت ّتخذ من لندن
كرد فعل على اعتراض محكمة العدل التابعة لال ّتحاد األوروبي فيما يخص الجانب ّ ً
وأيضا الحرة الشاملة والعميقة،ّ التجارة
أيضا المناطق الصحراوية في المغرب (للتذكير ،تعترض جبهة البوليساريو الزراعي من ا ّتفاق الشراكة الذي تستفيد منه ً
ً
ونتيجة لذلك ،ع ّلق المغرب الحوار السياسي مع اال ّتحاد المدعومة من الجزائر على مغربية األقاليم الصحراوية الجنوبية).
تاما علىتعتيما ًّ
ً أن السلطات المغربية واال ّتحاد األوروبي فرضاي 2015و .2019وأخي ًرا ،تجد ُر اإلشارة إلى َّ
عام ْ
َ األوروبي بين
الخاص الغربي واستثنت الفاعلين االجتماعيين والمجتمع المدني، ّ سير المفاوضات التي اقتصرت على مشاركة القطاع
الحرة الشاملة
ّ بخالف ما حصل في تونس حيث ترافقت المفاوضات مع بداية نقاش عام حول نطاق ا ّتفاقية التجارة
والعميقة وتأثيره.
َ
طرف ْين يتوفران على السيادة وعلى استقاللية القرار. تجري بين
32
ً
عوضا عن تقديم خيار واحد لها المؤسسات التمثيلية
ّ باإلضافة إلى ذلك ،من الفروض نظريا أن ُتشرك عملية التفاوض
أن المشروع ينطوي على مخاطر ّ
ككل أو رفضه ،وال س ّيما َّ الحرة الشاملة والعميقة
ّ ّ
يتمثل بقبول مشروع ا ّتفاقية التجارة
المتوسط كما سنرى.ّ هدد مستقبل االقتصاد والمجتمع في بلدان جنوب البحر حقيقية قد ُت ّ
ً
جاهدة إلظهار النتائج “اإليجابية” التي ستنجم عن ا ّتفاقية التجارة الحرة الشاملة والمعمقة تسعى دراسات االثر المختلفة
هدد مستقبل بلدان جنوب البحرفنود التركيز على بعض القضايا االستراتيجية التي ُت ّّ أما نحنبالنسبة للمغرب وتونس ّ ،٥٩
٦٠
المتوسط وتزيد من اعتمادها على اال ّتحاد األوروبي.
ّ
** تزايد اإلدماج «الطرفي» (غير المتكافئ) وتفاقم ظاهرة «التنمية الرثة»
النمو االقتصادي وتوفر ُف َرص العمل من خالل زيادة ّ الحرة الشاملة والعميقة انها تعزز
ّ يدعي مؤ ّيدو ا ّتفاقية التجارة
اإلدماج في سالسل القيمة العالمية .وتعرف منظمة العمل الدولية هذه السالسل باعتبارها «التنظيم العابر للحدود
لألنشطة الضرورية إلنتاج السلع والخدمات وإيصالها إلى المستهلكين من خالل مدخالت التطوير واإلنتاج والتسليم» ،وال
المتعددةّ بد من اإلشارة إلى أن الشركات
س ّيما بفضل تدابير تيسير التجارة وحماية المستثمرين األجانب .وفي هذا الصدد ،ال ّ
تتحكم غال ًبا ّ جدا (احتكار الق ّلة في أغلب األحيان) تسيطر على سالسل القيمة العالمية هاته حيث ّ
المركزة ً الجنسيات
بالمراحل األولى (إمكانية الوصول إلى التكنولوجيا واالبتكار المحمية من خالل اتفاقية حقوق الملكية الفكرية المتصلة
بالتجارة لمنظمة التجارة العالمية) وبالمراحل النهائية (إمكانية الوصول إلى األسواق والمستهلكين في بلدان الثالوث).
المتعددة الجنسيات ومو ّرديها في بلدان الجنوب .وينتج عن ذلك ّ القوة بين هذه الشركات
ّ ثمة اختالل في بعبارة أخرىّ ،
العمالّ للحصة الكبرى من القيمة المضافة التي توفرها هذه الياليل من طرف رأس المال ،وذلك على حساب ّ احتكار
في هذه البلدان على وجه الخصوص .يتج ّلى المثال النموذجي لهذه االختالالت في سالسل القيمة العالمية للصناعات
الغذائية التي تسيطر عليها نحو عشرة عالمات تجارية كبرى في أوروبا والتي تفرض شروطها على آالف المو ّردين في
والمتوسطة ّ المؤسسات الزراعية الصغيرة
ّ بلدان الجنوب ،وتحتكر بالتالي معظم القيمة المضافة المتوفرة على حساب
منظمة أوكسفام غير الحكومية حول هذا ّ العمال في وضعية هشة (يمكن مث ًلا مراجعة األبحاث التي أجرتها ّ وآالف
َ
حصل ْ
ولكن العمال،
ّ أن هناك بعض األمثلة على حاالت اإلدماج في هذه القطاعات التي أفادت ّ
شك في َّ الموضوع) .ال
٦١
تؤدي ما يسمى بمرونة سوق الشغل إلى عرقلتها وإضعافها. أو ًلا بفضل النضاالت النقابية التي ّ ذلك َّ
إن البلد الذي يكتفي بتلبية متط ّلبات رأس المال الكبير المعولم المهيمن على سالسل القيمة العالمية على نحو مماثلَّ ،
النمو االقتصادي النوعي والتنمية التي تعود
ّ هذه لن ينجح على األرجح في بناء القدرات اإلنتاجية المح ّلية الكفيلة بضمان
بالفائدة على الطبقات التي تشكل األغلبية من ّ
سكانه.
في نهاية المطاف ،يعني هذا الخيار تخ ّلي تونس عن إنتاج الحبوب وغيرها من المحاصيل الحقلية واإلنتاج الحيواني
ومنتجات األلبان لصالح الزراعة التصديرية (الفواكه والخضار باإلضافة إلى زيت الزيتون) والصناعات الغذائية الزراعية ذات
الصلة ،و ُيع ِّرض السيادة الغذائية والتوازن االجتماعي والسياسي في الريف التونسي للخطر .وفي هذا السياق« ،يفيد
معرضون لخطر اإلفالس في حال دخ َلت ا ّتفاقية ّ اال ّتحاد التونسي للفالحة والصيد البحري َّ
بأن 250ألف مزارع تونسي
٦٣
الحرة الشاملة والعميقة ح ّيز التنفيذ».
ّ التجارة
33
-تق ّلص الح ّيز السياساتي الضروري لتنمية حقيقية.
أن ّ
كل بلد يجب أن يتم ّتع بـ«الحرية والمرونة الختيار يشير مفهوم الح ّيز السياسي إلى فكرة بسيطة وأساسية مفادها َّ
تنوع
والحد من الفقر ورفع مستوى معيشة شعبه» .وفي هذا السياق ،يضطلع ُّ ّ السياسات التي تضمن ،بنظره ،تنميته
المؤسسات
ّ له ج رو
ِّ ُ
ت الذي الجميع» يناسب واحد «مقاس مبدأ مع ويتعارض كبرى بأهمية استراتيجيات التنمية وسياساتها
المتعددة األطراف (وال س ّيما بنك االستثمار األوروبي والمصرف األوروبي لإلنشاء والتعمير)
ّ المالية الدولية ومصارف «التنمية»
الحرة الشاملة والعميقة الذي يحاول اال ّتحاد األوروبي ّ أن منطق ومضمون ا ّتفاقية التجارة واال ّتحاد األوروبي .والحال ًّ
مستقل وسيادي الستراتيجيات التنمية التيّ يحد بدرجة كبيرة من إمكانية تبني ّ المتوسط،
ّ «بيعه» إلى بلدان جنوب البحر
ّ
األقل: ُتل ّبي احتياجات الشعوب األساسية .وينطبق ذلك على ثالثة مستويات على
المتوسط (قوانين منع االحتكار الشهيرة) مع الممارساتّ الخاصة ببلدان جنوب البحر
ّ إن مواءمة قوانين المنافسة أو ًلاَّ ،
ّ
وتطوره .و ُن ِ
الحظ ُّ ض ّر بمقتضيات التنمية الصناعية التي قد تتط ّلب تشجيع المنافسة أو تقييدها وفق القطاعاألوروبية قد ُت ِ
حدد متط ّلبات األداء وتعتمد بتدخل الدولة التي ُت ِّ
نظم المنافسة و ُت ِّ ُّ أن «تنمية بلدان شرق آسيا تتم ّيز بشكل أساسيمث ًلا َّ
٦٥
متنوعة أخرى في السياسة الصناعية».ّ تدابير
العامة من بلدان جنوب البحر ّ الحق في الوصول إلى عقود المشتريات ّ ثان ًيا ،يسعى اال ّتحاد األوروبي إلى الحصول على
العامة أمام
ّ المتوسط وفق الشروط نفسها المفروضة على الشركات المح ّلية .تتر ّتب على فتح عقود المشتريات ّ
العامة
ّ المتوسط التي س ُيحظر عليها استخدام أداة السياسة ّ الشركات األوروبية عواقب وخيمة على بلدان جنوب البحر
هذه كوسيلة لتشجيع تنمية القدرات اإلنتاجية الداخلية من خالل تنفيذ التفضيالت الوطنية أو تخصيص حصص للشركات
فإن المواجهة مع الشركات األوروبية ذات القدرة التنافسية َّ والمتوسطة الحجم .وعلى نحو مماثل،
ّ المح ّلية الصغيرة
العام) وقد ُتخ ّلف
ّ هدد بالقضاء على جزء كامل من النسيج االقتصادي الوطني (بما في ذلك شركات القطاع العالية ُت ِّ
عواقب وخيمة على العمالة .باإلضافة إلى ذلك ،يسعى اال ّتحاد األوروبي إلى مواءمة المزايا التي حصل عليها فيما يتع ّلق
المتوسط (المغرب واألردن) إلى الواليات الم ّتحدة ّ بحماية الملكية الفكرية مع تلك التي تمنحها بعض بلدان جنوب البحر
ّ ّ
عاما ،كما َي ِرد في االتفاق المتعلق بالجوانب ً في شكل «شروط تريبس اإلضافية» (تمديد حماية براءات االختراع من 20
عاما)ُ .يفيد هذا االمتياز بشكل ً لمنظمة التجارة العالمية ،إلى 25ّ الم ّتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية التابعة
مدة حماية براءات االختراع). خاص شركات األدوية األوروبية (حصرية البيانات ،وتعزيز تدابير حماية الملكية الفكرية ،وتمديد ّ ّ
قوة الشركات األوروبية في السوق ،وسيزيد ذلك من تكلفة الوصول إلى األدوية ّ تعزيز إلى التدابير هذه ا ً
أيض ي وستؤد
ّ
٦٦
الحرة مع الواليات الم ّتحدة.
ّ تماما كما حصل في األردن بعد تنفيذ ا ّتفاق التجارة ً الجنيسة، األدوية إنتاج صعوبة ومن
أخي ًرا ،يسعى اال ّتحاد األوروبي إلى تعزيز وضع الشركات األوروبية من خالل التفاوض على إدراج آلية تسوية المنازعات بين
الحرة الشاملة والعميقة .ذلك انه يجوز للمستثمر األجنبي،
ّ المتوسط في ا ّتفاقية التجارة
ّ المستثمرين وبلدان جنوب البحر
خاص (هيئة التحكيم) في حال عدم التق ّيد ببنود
ّ بموجب هذه اآللية ،مقاضاة هذه الدول أمام محكمة ذات اختصاص
الحد من قدرة الدول على تنظيم ّ مثل «المعاملة العادلة والمنصفة» أو «نزع الملكية بطريقة غير مباشرة» .وباإلضافة إلى
المتوسط في حالّ لتصب في المصلحة الوطنية ،ستفرض هذه اآللية تكاليف باهظة على بلدان جنوب البحر ّ االستثمارات
صدور احكام تعويضات غير عادلة لصالح المستثمرين.
1.6الخالصة
أن سياسات التجارة واالستثمار التي ينتهجها اال ّتحاد األوروبي في إطار عالقاته مع بلدان جنوبأظه َر التحليل الذي أجريناه َّ
المتوسط منطقة سالم وازدهار مشترك.
ّ تف بوعودها فيما يتع ّلق بالمساهمة في جعل منطقة البحر المتوسط لم ِ
ّ البحر
َ
ترافق مع إضفاء الطابع غير الرسمي على بنمو اقتصادي متواضع ّ لقد شهدنا في الواقع تفاقم التنمية الرثة المتمثلة
بعيدا عن وعود تقارب مستويات المعيشة بين
ً قطاعات كبيرة من المجتمع واتساع دائرة الهشاشة واالقصاء االجتماعي،
المتوسط.
ّ اال ّتحاد األوروبي وبلدان جنوب البحر
المتوسط هي استثناء
ّ المتجددة التي اقترحها اال ّتحاد األوروبي على بلدان جنوب البحر
ّ وفي هذا الصدد ،ال يبدو َّ
أن الشراكة
المتوسط يحافظ على الخيارات النيوليبرالية نفسها
ّ إن جدول األعمال هذا لمنطقة البحر األبيض للقاعدة .في الواقعَّ ،
إن استخدامالخاص واستقرار االقتصاد الك ّلي)َّ .
ّ الحرة الشاملة والعميقة ،وإعطاء األولوية إلى القطاع ّ (ا ّتفاقيات التجارة
34
المتوسط على الصمود يخفي رفض التكنوقراط الذين يسيرون ّ مفاهيم جديدة مثل قدرة دول ومجتمعات جنوب البحر
التطور الحقيقيُّ ُ
القوة الدولية والداخلية التي تعيق
ّ االتحاد االوروبي من ““بروكسل”” التطرف لرهانات السلطة وعالقات
روج ُ
المتوسط .ومن وجهة النظر هذه ،تخدم بشكل أساسي «السياسة التجارية الجديدة» التي ت ِّ ّ في بلدان جنوب البحر
ّ َ
المصالح االقتصادية والمالية الحتكار القلة األوروبي الذي يسعى إلى إحكام «سيطرتها البنيوية» المتجددة»
ّ لها «الشراكة
المتوسط.
ّ على اقتصادات جنوب البحر
بد من
المتوسط ،ال ّ
ّ ومع ذلك ،نظ ًرا لجائحة فيروس كورونا (كوفيد )19-وأثرها على اال ّتحاد األوروبي وبلدان جنوب البحر
اعتماد نهج جديد في العالقات التعاونية بين هذين الكيا َن ْين .س ّلطنا في هذا الصدد الضوء على االحتياجات الهائلة
المتوسط ومصلحة اال ّتحاد األوروبي في المساعدة على تلبيتها.
ّ ببلدان جنوب البحر
2.6التوصيات
العامة
ّ -المبادئ
المتوسط وبناؤها على قيم الديمقراطية والعدالةّ إعادة صياغة العالقات بين اال ّتحاد األوروبي وبلدان جنوب البحر
الحرة والبحث المفرط عن الربح والمنافسة .وفي هذا السياق ،يجب أن ّ االجتماعية والبيئية والتضامن وليس على التجارة
تقوم الشراكة على تعزيز الحقوق اإلنسانية والسياسية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية والدفاع عنها.
أي طموح لتصميم وتنفيذ سياسات االبتعاد عن النهج القائم على «قدرة الدول والمجتمعات على الصمود» أل َّنه يستبعد ّ
التحول االقتصادي واالجتماعي ،وال س ّيما تلك التي تدعو إلى تحويل العالقات االجتماعية والدولية.
ُّ
-السياسة التجارية
بحد ذاته.
ّ المنظمة إلى أداة وليس إلى هدف ّ مبدأ عام :تحويل التجارة
الفعال وحده يسمح بتعزيز ّ إعطاء األولوية لبناء القدرات اإلنتاجية المح ّلية وليس للتجارة بمعنى َّ
أن النسيج اإلنتاجي
اإلدماج في االقتصاد العالمي.
اال ّتفاقات التجارية:
المتوسط (المغرب ّ الحرة الشاملة والعميقة بين بلدان جنوب البحر ّ .1وقف المفاوضات المتع ّلقة با ّتفاق التجارة
وتونس) بسبب غياب رقابة المواطنين والديمقراطية باإلضافة إلى غياب النقاش العام حول المفاوضات الجارية.
األورو-متوسطية» و«سياسة الجوار األوروبية» على بلدان جنوب ّ ّ
والشفاف ألثر «الشراكة .2التقييم (الالحق) التشاركي
الجنس ْين.
َ المتوسط ،وال س ّيما من منظور الحقوق االقتصادية واالجتماعية والمساواة بين ّ البحر
الحرة الشاملة والعميقة على حقوق اإلنسان ،بما في ذلك العواقب المتع ّلقة ّ المتوقع ال ّتفاق التجارة
ّ .3دراسة التأثير
المتوسط.
ّ بتق ُّلص الح ّيز السياسي المتاح لبلدان جنوب البحر
.4رفض جميع القيود المفروضة على سياسات التنمية غير التقليدية التي أثبتت قدرتها على تعزيز التنمية االقتصادية
واالجتماعية الدينامية .وفي هذا السياق ،يجب على اال ّتحاد األوروبي تقديم الح ّيز السياسي والمرونة الضرور َّي ْين لبلدان
فعالة لضمان تطوير القدرات اإلنتاجية المتوسط من أجل تنفيذ سياسات صناعية وتجارية واستثمارية ّ ّ جنوب البحر
والتحول البيئي والرقمي.ُّ األول نحو تلبية االحتياجات األساسية ،والسيادة الغذائية،الموجهة في المقام ّ ّ المح ّلية
الحرة الشاملة والعميقة.ّ .5استثناء الزراعة من مفاوضات ا ّتفاق التجارة
.6مراجعة معاهدات االستثمار الثنائية عند انتهاء صالحيتها إللغاء بند التحكيم بين المستثمرين والدول واالمتيازات
المفرطة الممنوحة للمستثمرين.
اعتماد خيارات االقتصاد الك ّلي التي من شأنها تعزيز التنمية (االستئناس بتوافق بروكسل في هذا المجال).
35
التحول البيئي.
ُّ إدماج نهج «النوع االجتماعي» بطريقة شاملة في جميع السياسات والبرامج الهادفة إلى تحقيق
التحول الرقمي:
ُّ
التحديات الرقمية القائمة.
ّ توفير التمويل المالئم الذي يتناسب مع
المتوسط.
ّ خاص للتصنيع الرقمي في بلدان جنوب البحر
ّ تقديم دعم
-المجتمع المدني:
الجنس ْين في بلدان جنوب
َ ّ
دعم إنشاء مجتمع مدني ومستقل لتعزيز الحقوق االقتصادية واالجتماعية والمساواة بين
المتوسط.
ّ البحر
ّ ّ
أي مبادرة لالتحاد األوروبي تتعلق
المتوسط عن كثب في ّ ّ إشراك منظمات المجتمع المدني في بلدان جنوب البحر ّ
بالتعاون التجاري واالستثماري ،وال س ّيما فيما يتع ّلق با ّتفاقات التجارة الثنائية.
36
مراجع الفصل األول
( 1تجدر اإلشارة إلى هذه العبارة مبهمة إذا أخذنا بعين االعتبار أن اقتصاد السوق موجود فعل ًيا منذ 3000سنة ،ثم عرف
تغي ًرا جوهر ُيا مع ظهور الرأسمالية كنظام اقتصادي يعتمد على الملكية الفردية لوسائل اإلنتاج واستغالل قوة
العمل .من هذه الزاوية ،يتضح بأن استعمال عبارة «اقتصاد السوق» ما هي إ ّلا طريقة ملطفة إلخفاء الطابع االستغاللي
للنظام الرأسمالي كما نبه إلى ذلك االقتصادي األمريكي الشهير جون كينيث غالبريث في كتابه “أكاذيب االقتصاد
(.)Les mensonges de l’économie, ed. Grasset,2004
األورو-متوسطية ،منتدى البحوث االقتصادية.1995 ، ّ 2خضر ب ،الشراكة
المفوضية األوروبية ،بيان مشترك إلى البرلمان األوروبي والمجلس واللجنة األوروبية االقتصادية واالجتماعية ولجنة ّ 3
المتوسط ،شباط/فبراير .)2021 ّ (خطة جديدة لمنطقة ّ متجددة مع الجوار الجنوبي ّ المناطق .شراكة
ّ
الممثل السامي للسياسة الخارجية لالتحاد ،المرجع المذكور. ّ 4بيان من
األولي في المغرب وتونس (Libre-échange euro- األورو-متوسطية :التقييم ّّ الحرة
ّ 5فنسان كوبان .2005 ،التجارة
،)méditerranéen: premier bilan au Maroc et en Tunisieالوكالة الفرنسية للتنمية.2005 ،
المتقدم ( ،)Qu’Est-ce que le Statut Avancéمج ّلة تري ّ 6بعثة اال ّتحاد األوروبي لدى المغرب ،ما هو الوضع
دونيون ،العدد ،198نيسان/أبريل .2013
ُ
المتوسط ،االختالالت والف َرص
ّ الخاص في بلدان البحرّ ومقدم ،ومولي س ،وفنتورا ج ،القطاع ّ 7أوجييه ب ،وتساكاس ك،
الرئيسية في ريادة األعمال االجتماعية (Le Secteur Privé dans les Pays Méditerranéens, principaux
األورو-متوسطي لمعاهد
ّ ،)dysfonctionnements et opportunités de l’entrepreneuriat socialالمنتدى
العلوم االقتصادية (“فيميز”) ،تقرير عام .2019
8أوجييه ب .وآخرون ،المرجع المذكور.
المؤشرات والبيانات اإلحصائية الدولية» ،شبكة ّ عزام م .وبلغيث م« .العمل غير المهيكل في البلدان العربية من خالل ّ 9
المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية ،بيروت.2016 ، ّ
التحديات والسياسات (Theّ (محررتان) .التأثير السلبي الطويل األمد للطابع غير النظامي: ّ 10فرنسيسكا أونسورج وشو يو
،)Long Shadow of Informality: Challenges and Policiesالبنك الدولي.2021 ،
تحول انتهازي (Du protectionnisme au libre-échangisme, ُّ الحرة،
ّ 11تشانغ هـ .ج ،.من الحمائية إلى التجارة
،)une conversion opportunisteلوموند دبلوماتيك ،حزيران/يونيو .2003
12المرجع نفسه
تعدد وظائف الزراعة ( ،)La multifonctionnalité de l'agricultureفي ماري فرانسواز دوران ،وباولو ُّ 13لوران ك،.
جوردانو ،وألفريدو فاالداو ،نحو ا ّتفاق بين أوروبا والسوق الجنوبية المشتركة (Vers un accord entre l'Europe et
،)le Mercosurمنشورات سيانس بو (.)2001
وتحديات التنمية (Neoliberal Reforms, Business ّ 14السعدي م .س ،.اإلصالحات النيوليبرالية ومجموعات األعمال
المتوسط للبحوث ،مرسين.2013 ، ّ ،)Groups and Development Challengesمنتدى البحر
15مراجعة ميشاليه ش.أ ،.إغراء األمم ( ،)La séduction des nationsإكونوميكا.1999 ،
األورو-متوسطية
ّ 16مارتن ي ،.في التنمية على طول الحدود الجنوبية :النماذج االقتصادية التي تقوم عليها الشراكة
وسياسة الجوار األوروبيةDevelopment Along the Southern Border: The Economic Models( ،
،)Underlying the Euro-Mediterranean Partnership and the European Neighborhood Policy
جامعة كارلوس الثالث في مدريد.2007 ،
المتوسط» ،بيان مشترك إلى البرلمان ّ ّ
متجددة مع الجوار الجنوبي ،خطة جديدة لمنطقة ّ المفوضية األوروبية« ،شراكة ّ 17
ُ 19مقتبس من جانفييه ك .وخواكيم بويو ،تقرير المعلومات حول مراجعة سياسة الجوار األوروبية (Rapport
،)d’information sur la révision de la politique européenne de voisinageالجمعية الوطنية الفرنسية،
2015
خفف؟ (Résilience et كمل أم بديل أم ُم ِّ ُ ِّ م والتنمية: المرونة دافيرون، وبونوا بيش، ودوني أنسي، فيرونيك 20
،)? développement: complément, substitut ou palliatifحالة الرعي في منطقة الساحل (Le cas du
« )pastorialisme au Sahelالمج ّلة الدولية للدراسات التنموية» (Revue internationale des études du
،(développement، 2017/3العدد 231
تحول نموذجي أم ملحق للنيوليبرالية؟ (Développement inclusif: ُّ 21مايكا سونداريي ،التنمية الشاملة:
،)changement de paradigme ou annexe au néolibéralismehمج ّلة بوسيبل.2013 ،
22
37
25مراجعة برنار غيتا« ،توافق بروكسل» ،آفاق جديدة للسياسات األوروبية (Le «Consensus de Bruxelles», nouvel
،)horizon des politiques européennesصحيفة لوموند 2 ،حزيران/يونيو 2020
معاكسا
ً حدد «توافق بروكسل» ويسلك مسا ًرا 26باسكال كانفان وبرنار غيتا وستيفان سيجورنيه ،اال ّتحاد األوروبي ُي ِّ
لألخطاء التي ار ُتكبت في أزمة عام 2008المالية (”L’Union européenne définit un “consensus de Bruxelles
،)en prenant le contre-pied des erreurs commises lors de la crise financière de 2008تريبون،
صحيفة لوموند 27/4/2021
تأمالت في الرأسمالية الخضراء ( ،)Réflexions sur le capitalisme vertمج ّلة «موفمان»، 27ماكسيم كومبّ ،
2010/3رقم .63
28سيرماك ف ،.في مواجهة الثورات العربية ،األعمال األوروبية المعتادة (Face aux révolutions arabes, le
،)business as usual européenبوان سود ،آذار/مارس ،2013وبلوت ،إ .وكيتونين ،م .)2021( .أوراق االعتماد البيئية
الحرة التابعة لال ّتحاد األوروبي (Environmental ّ لسياسة اال ّتحاد األوروبي التجارية -تحليل مقارن ال ّتفاقات التجارة
.)credentials of EU trade policy – _A comparative analysis of EU free trade agreementsمعهد
السياسة البيئية األوروبية ،بروكسل ولندن؛
29وكالة التنمية الدولية التابعة للواليات الم ّتحدة ،النوع االجتماعي والبيئة ،غير مؤ ّرخ
أورو-متوسطي في عام 2021؟ نحو اقتصاد أخضر في جنوب البحر ّ منسقة ،ا ّتفاق أخضر ّ 30جوليا شقير فيزوسو،
المتوسط (a euro-mediterranean green deal? towards a green economy in the southern 2021 ّ
المتوسطية.
ّ ،)mediterraneanلجنة الدراسات األوروبية -
31فرانسوا بوليه .مساعي التصنيع في الجنوب ( ،)Quêtes d’industrialisation au Sudمج ّلة ألترناتيف سود،
.26/2019-2
32البنك الدولي .2020 ،تعزيز التعاون التجاري :إحياء التكامل اإلقليمي للشرق األوسط وشمال أفريقيا في عصر ما بعد
جائحة كورونا2020 ،
33البنك الدولي ،المرجع السابق
التوقعات اإلقليمية في منطقة الشرق األوسط وشمال أفريقيا (Perspectives régionales ّ 34صندوق النقد الدولي،
،)au Moyen Orient et Afrique du Nordنيسان/أبريل 2021
35البنك الدولي ،المرجع السابق
التوقعات اإلقليمية في منطقة الشرق األوسط وآسيا الوسطى» (Perspectives régionales ّ « 36صندوق النقد الدولي،
األول/أكتوبر .2020 ،)du Moyen Orient et de l’Asie centraleتشرين ّ
توقعات إقليمية 37صندوق النقد الدوليّ .2021 ،
منظمة العمل الدولية :كوفيد -19وعالم العمل ،اإلصدار الرابع 27 ،أ ّيار/مايو )2020 ّ (منظمة العمل الدولية ،مرصد ّ 38
39المرجع نفسه
ستضعفون في منطقة الشرق األوسط وشمال َ الم
العمال ُ
ّ ومحمد علي مرواني، ّ 40كارولين كرافت ،وراجي أسعد،
تفشي الجائحة (ّ ،)Vulnerable workers in MENA a year into the pandemic
بوابة ّ أفريقيا بعد عام من
منتدى البحوث االقتصادية 8 ،حزيران/يونيو .2021
41على سبيل المثالُ ،يرجى مراجعة :السعدي م.س ،2021 ،.أثر أزمة مرض فيروس كورونا (كوفيد )-19على سوق العمل
المغاربي ( ،)L’impact de la crise du Covid-19 sur le marché du travail au Maghrebمنتدى البدائل
العربي ،القاهرة ،لم يصدر بعد
ومحمد علي مرواني ،المرجع المذكور ّ 42كارولين كرافت ،وراجي أسعد،
43المندوبية السامية للتخطيط.2020 ،
تموز/يوليو .2020 44موجز سياساتي :كوفيد 19-والمنطقة العربية :فرصة إلعادة البناء على نحو أفضلّ ،
45القروي ح ،.استقرار المغرب العربي ضروري ألوروبا (،)La stabilité du Maghreb, un impératif pour l’Europe
معهد مونتاني ،أ ّيار/مايو .2021
46صندوق النقد الدولي2021 ،
47اإلسكوا ،الح ّيز المالي المحدود ُيع ِّرض تعافي المنطقة العربية من جائحة كوفيد 19-للخطر .2020 ،الموجز
السياساتي رقم 13
منظمة التعاون والتنمية في الميدان االقتصادي ،االستجابة ألزمة كوفيد -19في بلدان منطقة الشرق األوسط ّ 48
وشمال أفريقيا (.)réponse à la crise du covid-19 dans les pays de la région mena, 2020
49القروي ح ،.المرجع المذكور.
المفوضية األوروبية ،2021 ،استجابة اال ّتحاد األوروبي لجائحة فيروس كورونا في الجوار الجنوبي (EU response to ّ 50
38
المفوضية األوروبية بشأن
ّ 53الرابطة الدولية للفنيين والخبراء والباحثين (« .)AITECغلوبال يوروب» :نقد لوثيقة سياسة
القدرة التنافسية الخارجية لال ّتحاد األوروبي (une critique du document politique de la Commission
،)européenne relatif à la compétitivité extérieure de l’UEالخميس 29آذار/مارس 2007
54الرابطة الدولية للفنيين والخبراء والباحثين ( ،)AITECالمرجع نفسه.
55المرجع السابق
56بوهرارة ن ،.المغرب -اال ّتحاد األوروبي ،2021-2027 :استمرارية في القطيعة (Maroc- UE:2021-2027, la continuité
،)dans la ruptureموقع إيكو أكتو.24/2/2021 ،
57موقع lemonde.fr، 17/05/2020
58موقع barralaman.tn، 02/01/2019
59الرابطة الدولية للفنيين والخبراء والباحثين ( ،)AITECالمرجع المذكور.
المتوسط :تقييم نقدي (EU/Southern ّ 60السعدي م.س ،.الشراكة االقتصادية بين اال ّتحاد األوروبي ودول جنوب البحر
،)Mediterranean Countries’economic Partnership: a critical assessmentاال ّتحاد العربي للنقابات،
عمان2015 ،
61بنجامين سلوين ودارا ليدن ،فهم التنمية في عالم سلسلة القيمة العالمية :ميزة نسبية أم نظرية رأس المال االحتكاري؟
(Understanding development in a Global Value Chain World: Comparative Advantage or
Monopoly Capital Theory?)، 22/4/2021
الحرة الشاملة والعميقة؟ ( )?Tunisie: de quoi l’ALECA est-il le nomموقع ّ 62تونس :ما هو ا ّتفاق التجارة
سورفي.20/5/2019 ،
63المرجع نفسه.
مدة األونكتاد التاسع
64مركز الجنوب ،جعل مفهوم الح ّيز السياسي عمل ًيا في إطار استعراض منتصف ّ
(endre la notion d’espace politique opérationnelle dans le cadre de l’examen à mi-parcours
de la cnuced IX)، 2006
الموجهة والكفاءة الدينامية في آسيا :اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان
ّ 65أليس هـ .أمسدن وأجيت سينغ ،المنافسة
( ،)Concurrence dirigée et efficacité dynamique en Asie: Japon, Corée du Sud, Taïwanمج ّلة تيير
موند ،العدد 1994 ،139
مجرد تكاليف :شروط تريبس اإلضافية المتع ّلقة بالملكية الفكرية المدرجة في ا ّتفاق ّ 66أوكسفام ،ال فوائد ،بل
تؤثر في إمكانية الوصول إلى األدوية (Rien que des coûts, pas de الحرة بين الواليات الم ّتحدة واألردن ّ
ّ التجارة
bénéfices: Les règles ADPIC-plus sur la propriété intellectuelle inclues dans l'ALE USA-
،)Jordanie influencent l'accès aux médicamentsنيسان/أبريل 2007
39
الفصل الثاني
40
الفصل الثاني:
تأثير السياسات الزراعية على
األمن الغذائي بالعالم العربي
المقدمة
ّ
يعاني العالم العربي من مشاكل عديدة وإكراهات
متنوعة لضمان أمنه الغذائي (أي إمكان حصول أفراد
المجتمع في األوقات كلها على الغذاء الكافي الذي
يتطلبه نشاطهم وصحتهم) وحق كل أبنائه وبناته في
العدالة الغذائية .إذ تعتبر بلدان شمال أفريقيا والشرق
األوسط في وضع مقلق من ناحية انعدام األمن الغذائي،
حيث لم يسجل أي تقدم يذكر في هذا المجال حسب
منظمة الزراعة العالمية (.)FAO 2014
سوءا إذ ارتفعت نسبة األشخاص الذين يعانون من سوء التغذية بين 1990و 2014من 6،6٪إلى 7،7٪ ً بل إن الوضع ازداد
بالمنطقة في حين تراجعت هذه النسبة في بقية بلدان العالم .وال شك أن هناك عوامل متعددة وراء انعدام األمن
الغذائي بالعالم العربي لعل أبرزها :محدودية الموارد من أراضي ومياه بارتباط مع تأثير التغيرات المناخية ،تدهور اإلنتاجية،
النمو الديمغرافي والتمدن والبطالة والفقر ،الحروب والالإستقرار بالمنطقة وكذلك االعتماد المفرط على استيراد المواد
الغذائية .غير أن جزءا على األقل من هذه العوامل يحيلنا إلى السياسات االقتصادية والزراعية لنحاول أن نقف على مدى
مساهمتها في غياب األمن الغذائي ،خاصة وأننا الحظنا كيف أثرت األزمة الغذائية لسنتي 2007-2008و 2011-2012وكذلك
األزمة المالية العالمية لعام 2008على تأزيم األوضاع االقتصادية واالجتماعية في العديد من البلدان العربية واندالع
الثورات العربية في سنة .2011
إن الغرض من هذه الورقة هو أن نبرز مساهمة السياسات الزراعية المعتمدة منذ الخمسينيات من القرن الماضي من
طرف الدول العربية في تدهور األمن الغذائي وتفاقم التبعية الغذائية للسوق الرأسمالية العالمية ،مركزين على اآلثار
السلبية للتكييف الهيكلي الزراعي وتحرير السياسة التجارية الزراعية في هذا المجال .سنستعرض في الفصل األول بعض
المعطيات التي تبرز انعدام األمن الغذائي وتطور التبعية الغذائية للخارج ،ثم سنعرض في الفصل الثاني الهم سمات
السياسات الزراعية (أي مجموعة اإلجراءات والتشريعات والقوانين التي تتخذها الدولة تجاه القطاع الزراعي في سبيل
تحقيق أهداف محددة تتضمنها الخطط الزراعية )التي ميزت العالم العربي بين الخمسينيات ونهاية السبعينات من
القرن الماضي مبينين محدوديتها ،قبل التطرق إلى التحول الجوهري في هذه السياسات مع اعتماد النموذج النيوليبرالي
والرهان على التجارة واالنخراط الواسع في السوق الرأسمالية العالمية لضمان األمن الغذائي (الفصالن الثالث والرابع).
أما الفصل الخامس واألخير ،فسنخصصه للتدليل على مخاطر السياسات الزراعية النيوليبرالية من خالل استعراض آثار
األزمة الغذائية العالمية على العالم العربي مع محاولة استشراف آفاق اعتماد السيادة الغذائية كبديل يضمن الحق
في الغذاء لكل مواطني ومواطنات العالم العربي.
يتجلى انعدام األمن الغذائي (أي النقص أو العجز في متوسط نصيب الفرد من الغذاء الذي تحدده منظمات الصحة
في العالم ،وذلك نتيجة انحراف أحوالهم المعيشية عن المتوسط المذكور) في عدة مؤشرات :أوال ،هناك أزمة غذائية
في العالم العربي حيث تضاعف عدد السكان الذين يعانون من الجوع بين 1990-1992وسنة 2015من 16.5مليون إلى 33
مليون .ثانيا ،تحتل سبع دول عربية قائمة الدول العشر األولى المستفيدة من المساعدات اإلنسانية عالميا ،إذ تلقت ثماني
دول عربية سنة 2016حوالي 9مليارات دوالر ونصف المليار كمساعدات إنسانية حسب وكالة ايرين اإلسبانية (وكالة ايرين
اإلسبانية ،أكبر الجهات المانحة في عام ،2016الموقع اإللكتروني) ،وتعود أسباب هذه الحاالت إلى الحروب المنتشرة في
المنطقة وما ينجم عنها من نزوح وتهجير وتعطل لإلنتاج الزراعي يؤدي بدوره إلى تدهور كبير على مستوى اإلمدادات
41
الغذائية .أما المؤشر الثالث ،فيتمثل في كون الوطن العربي من المناطق األقل أمنا من الناحية الغذائية بالنظر إلى
العجز الغذائي الكبير الذي تعاني منه .ويمكن قياس هذا العجز من خالل الفجوة الغذائية (أي الفرق بين اإلنتاج المحلي
واالستيراد) التي بلغت 33.8مليار دوالر سنة ،2015في حين بلغ متوسط هذه الفجوة خالل الفترة ( )2001-2015حوالي 3.8
مليار دوالر .وتشكل الفجوة في مجموعة الحبوب حوالي 71.2٪من مجموع قيمة الفجوة الغذائية سنة 2015مع احتالل
القمح المركز األول من حيث األهمية في قائمة سلع الحبوب ،إذ يمثل حوالي 44.0٪من قيمة فجوة الحبوب ونحو 31.4٪من
القيمة اإلجمالية للفجوة الغذائية (الشكل رقم ،1صندوق النقد العربي ،التقرير االقتصادي العربي الموحد .)2017وفي هذا
المجال ،تجذر اإلشارة إلى أن البلدان العربية تعتبر من أكبر المستوردين للقمح على الصعيد العالمي (انظر الجدول رقم .)1
40
30
20
10
2010 2012 2013 2014 2015
الجدول رقم 30 :1أكبر مستوردين للقمح على الصعيد العالمي ( 1000 ،)2019طن
10962.2 إندونيسيا
10424.4 مصر
10004.8 تركيا
7474.4 إيطاليا
7153.7 الفلبين
6775.9 الجزائر
6576.3 البرازيل
5331.4 اليابان
5292.7 إسبانيا
5266.2 هولندا
4804.4 المكسيك
4660.3 نيجيريا
4595.1 بنغالديش
4559.2 الصين
3876.1 بلجيكا
3844.8 المغرب
3746 جمهورية كوريا
3191 ألمانيا
2760 فيتنام
2698.1 تيالند
2186 أوزباكستان
2133.9 السودان
2011.1 بيرو
1998.8 كينيا
1997.8 اليمن
1849 تونس
1826.5 جنوب أفريقيا
1385.9 ماليزيا
1360.9 البرتغال
المصدرFAOSTAT :
42
من جهة أخرى ،ورغم التحسن النسبي المسجل في مجال اإلنتاج الغذائي المحلي الذي ارتفع بنسبة 4.3٪سنويا خالل
ارتفاعا
ً الفترة ،1994-2014فإنه لم يكن كاف ًيا للحد من تفاقم العجز التجاري الغذائي بالعالم العربي ،إذ سجلت الواردات
مهوال خالل العشرية األولى من القرن الحالي بارتباط مع األزمة الغذائية العالمية 2006-2007و 2011مقابل تواضع نسبة نمو
الصادرات ( الشكل رقم .)2ويتجلى هذا التدهور على الخصوص من خالل االرتفاع الحاد لواردات منطقة شمال أفريقيا من
الحبوب جراء األزمة الغذائية العالمية المذكورة (الشكل رقم .)3
الشكل رقم :2تفاقم عجز الميزان التجاري الزراعي لمنطقة الشرق األدنى وشمال أفريقيا ( ،)1985-2011بماليين
الدوالرات
مليون دوالر
الصادرات الواردات
المصدر :الفاو
ويتبين من خالل الجدول رقم 2الطابع البنيوي والمزمن للتبعية الغذائية للبلدان العربية حيث ارتفع مجمل عجر الميزان
التجاري الزراعي ب 175٪بين عامي 2000و ،2019رغم شبه استقرار هذا العجز في الفترة ما بين عامي 2010و.2019
43
جدول رقم :2تطور الميزان الزراعي الصافي للبلدان العربية (مليون دوالر أمريكي)
2019 2010 2000 البلد
-370 السودان
إن هذه التبعية الغذائية تحمل في طياتها تفاقم “مخاطر األمن الغذائي” (يدل هذا المصطلح على مدى اإلمكانيات المالية
للدولة على استدامة األمن الغذائي) بالوطن العربي .وقد تراوحت قيمة مؤشر “مخاطر األمن الغذائي” بين 9.8و 5.9٪خالل
العشرية المذكورة ،غير أن هذا المؤشر ال يعكس تباين األوضاع االقتصادية والمالية داخل العالم العربي حيث تجاور البلدان
وفقا لمتوسط الدخل ً العربية الريعية البلدان األقل نموا .لذا ينتج عن احتساب هذا المؤشر على مستوى المجموعات العربية
ارتفاعا في البلدان منخفضة الدخل حيث تراوح ما بين 26.9و 19.0٪مقابل 3.5و 5.8٪بالنسبة للبلدان المرتفعة الدخل ،مما
ً
يؤشر إلى تفاقم مخاطر األمن في البلدان العربية األقل نما ،هذا باإلضافة إلى تزايد عدد المواطنين الذين يعانون من نقص
التغذية على الصعيد العربي ،وال سيما في البلدان ذات الدخل المحدود (سالم توفيق النجفي.)2013 ،
أما فيما يخص مؤشر االكتفاء الذاتي (يقاس هذا المؤشر من خالل نسبة اإلنتاج المحلي لنوع معين من األغذية مقارنة
بإجمالي االستهالك من هذه األغذية) ،فإنه تأرجح حول ما نسبته 50٪خالل العقد األول من القرن الحادي والعشرين ،إذ
بلغت نحو 46.4٪في مطلع العقد ،ثم انتقل إلى 48.2٪ 50.7في أواسط العقد ونهايته .بالمقابل ،هناك ارتفاع في المؤشر
تراجعا في سنة 2015حيث لم
ً الخاص بالفواكه والخضر (سالم توفيق النجفي .)2013 ،وقد سجل مؤشر االكتفاء الذاتي
يتجاوز ( 45.6٪المنظمة العربية للتنمية الزراعية ،أوضاع األمن الغذائي .)2015
أخي ًرا وليس آخ ًرا ،يجب التنويه أن الحروب والنزاعات المنتشرة في المنطقة العربية تؤثر سلبا على األمن الغذائي ،خاصة في
اليمن والسودان والعراق والضفة الغربية وغزة وسوريا (الجدوالن 3و.)4
20 16 2.2 27 43 غير آمن غذائيا (٪نسبة من السكان)
المصدر :اإلسكوا .2010
44
جدول رقم :4عدد األشخاص الذين يعانون من النقص التغذوي في منطقة الشرق األدنى وشمال أفريقيا،
والمناطق الفرعية( 2004/2006-2015/2017،مليون)
33.9 32.6 31.1 29.5 28.2 28.2 25.8 25.0 24.1 الدول التي تشهد نزاعات ١
18.0 17.4 16.8 16.6 16.5 16.7 17.3 17.6 17.4 الدول التي ال تشهد نزاعات ٢
المصدر :منظمة األغذية والزراعة لألمم المتحدة2018 ،الشرق األدنى وشمال أفريقيا-نظرة إقليمية عامة حول حالة األمن الغذائي والتغذية ،القاهرة.2019 ،
هناك اعتبارين أساسيين تحكما في طبيعة السياسات الزراعية التي اعتمدتها العديد من الدول العربية خالل المرحلة
( )1950-1980وهما العامل الجيوسياسي ،ثم طبيعة البنية السياسية للدولة ونوعية القوى االجتماعية المتحكمة فيها.
أما العامل األول ،فيتمثل في المخاطر المحيطة باالعتماد على الخرج من أجل تلبية الحاجيات الغذائية للمجتمع في ظل
الصراعات والتقلبات التي شهدها العالم .ذلك أن انقطاع اإلمدادات بالسلع بسبب اندالع الحربين العالميتين األولى والثانية
وتلويح الواليات المتحدة بوقف تزويد البلدان العربية بالمواد الغذائية األساسية كرد فعل في حال قيام بلدان “األوبك”
باالمتناع عن تصدير البترول إلى العالم الغربي في بداية السبعينيات من القرن الماضي ،أو استعمالها للغذاء كسالح
للضغط على البلدان المستوردة للقمح مثال ،كلها عوامل دفعت العديد من البلدان العربية إلى البحث عن تحقيق االكتفاء
الذاتي عن طريق اإلنتاج المحلي للسلع الغذائية األساسية .وقد أدى هذا االختيار إلى تبني سياسات زراعية إرادية تتدخل من
خاللها الدولة لتحفيز اإلنتاج المحلي لمواجهة الطلب المتنامي بفعل النمو السكاني .أما فيما يتعلق بالعامل الثاني ،فقد
انقسمت الدول العربية إلى فئتين :دول ذات توجه “اشتراكي” وأخرى ذات اختيارات اقتصادية ليبرالية ،مما انعكس على
مضمون السياسات الزراعية المطبقة داخل الوطن العربي .غير أن هذا التباين في السياسات سيسفر عن نتائج محدودة
في مجال االكتفاء الذاتي.
(نعتمد في هذا الجزء أساسا على المؤلفين القيمين لمنى رحمة2013 ،ورقية الجبوري.)2012 ،
تبنت البلدان العربية التي قامت بثورات سياسية (نقصد بلدان مصر والعراق وسوريا والجزائر) واعتمدت توجها “اشتراكيا”
ما لبث أن تحول إلى نوع من رأسمالية الدولة االستبدادية ،إصالحات تضمنت توزيع الملكيات الكبيرة التي كانت تحتكرها
فئة قليلة من المالكين ،لصالح الفالحين الفقراء الستثمارها بما يؤمن معيشة العائلة الفالحية .كما قامت بالتحكم في
سياسة التسعير (تحديد األسعار ،تبني سياسة تجارية حمائية لتشجيع اإلنتاج المحلي ،دعم مستلزمات اإلنتاج كاألسمدة
والمبيدات والبذور واألعالف والوقود ،الخ ).وإعطاء األولوية لبناء تجهيزات الري ،خاصة السدود .على سبيل المثال ال الحصر،
قامت الدولة المصرية بتعميم التعاونيات الزراعية في الريف ،كما عملت على تأميم تجارة القطن ،وتعميم نظام السوق
التعاوني للمحاصيل الزراعية ،حيث تحكمت بقرارات اإلنتاج وتركيب المحصول وقرارات تسعير المنتج ،ونظام الحوافز وما
استتبعها من سياسات الدعم المباشر وغير المباشر لإلنتاج ،وقرارات التسويق التعاوني للمنتج وحصص التوريد اإلجباري
التي كان على المزارعين توريدها عند مستويات سعرية منخفضة عن واقعها ،بما يعني أن الدولة بسطت سيطرتها على
مختلف مراحل اإلنتاج الزراعي من اإلنتاج إلى االستهالك والتصدير مرورا بالتسويق والتوزيع والتصنيع.
45
غير أن برامج “اإلصالح الزراعي” هاته اقتصرت على مسألة
التوزيع الحيازي لألراضي ولم تشمل إعادة تنظيم العمليات
الزراعية لتحقيق الكفاءة اإلنتاجية وتعظيم اإلنتاج من
الغذاء ،ومن ثم التقليل من مخاطر انعدام األمن الغذائي
في الوطن العربي ،مع استثناء التجربة المصرية التي عملت
التي تبنت أنماط التجميع الحيازي في إطار من الدورات
الزراعية ،مما ساعدها على التغلب على إشكاليات التفتت
الحيازي في القطاع الزراعي (سالم توفيق النجفي.)2013 ،
لهذا ،لم يكن مفاجأ أن تفشل هذه التجارب “االشتراكية
في تحقيق التقدم االقتصادي واالجتماعي المنشود.
فظل القطاع الزراعي بعيدا عن شروط الكفاءة االقتصادية
وتكثيف اإلنتاج .وهذا راجع باألساس إلى المشاكل اإلدارية
التي كانت تعاني منها مزارع الدولة والجمعيات التعاونية الزراعية ،إضافة إلى قلة المنظمين المدربين والمتخصصين
واإلجراءات البيروقراطية والروتينية .من جهة أخرى ،كان من أسباب تراجع اإلنتاج الزراعي تسعير المحاصيل الزراعية تسعيرا
حكوميا منخفضا يميز المستهلكين من سكان المدن بهدف المحافظة على قوتهم الشرائية على حساب المزارعين.
وقد نجم عن هذه المشاكل فشل السياسات الزراعية المعتمدة في ردم الهوة بين الطلب على الغذاء وإنتاجه المحلي،
إذ نجد في النماذج األربعة من اإلصالحات الزراعية أن تزايد الطلب يفوق بكثير تزايد اإلنتاج.
يغلب على السياسات الزراعية المعتمدة من طرف األنظمة الليبرالية أو نصف الليبرالية طابعها التوجيهي البسيط في اتجاه
إعادة تشكيل البنيات التحتية القائمة في االتجاه المناسبة .وتتكون اإلصالحات الزراعية الليبرالية من جملة من التدخالت
الحكومية تهدف إلى تحقيق إصالح زراعي تدريجي ومقنع .وتشمل تقديم حوافز ضريبية ومالية للقطاع الخاص أمال
في بروز نوع من الرأسمالية الزراعية المحلية .وقد طبقت هذه السياسات على الخصوص في بلدان كالعربية السعودية
والمغرب واألردن وتونس .ففي العربية السعودية ،تم اعتماد نظام لالستثمار الخاص غير المقيد على شكل خطوط
عريضة ينفد منها المزارع المنتج ما يريد وما يستطيع تنفيذه .كما تبنت السلطات السعودية ابتداء من النصف الثاني
من السبعينيات سياسة سخية لدعم المحاصيل الزراعية بالمنح واإلعانات المالية .من جانب آخر ،تجنب المغرب إدخال
تغييرات جوهرية على البنيات الزراعية حيث اقتصر اإلصالح الزراعي على األراضي المسترجعة من االستعمار الرسمي ،من
دون أن تشمل أراضي المعمرين الخواص .في نفس الوقت ،تم إغداق الكثير من الحوافز والتشجيعات على األعيان والفئات
الميسورة أو القريبة من القصر المغربي بغرض تكوين بورجوازية زراعية محلية .أما في تونس ،فقد اتسم اإلصالح الزراعي
بنوع من الجرأة من خالل سياسة “الوحدات التعاونية لإلنتاج الزراعي “ التي تتمحور حول دمج الملكيات الصغيرة في وحدات
إنتاجية إجبارية تتراوح مساحتها بين 500و 1000هكتار .غير أن هذه السياسة لم تؤد النتائج المرجوة لعدة أسباب من بينها:
عدم كفاية االستثمارات العامة والنقص في الجهاز التقني ،باإلضافة إلى فائض اليد العاملة الزراعية ،مما نجم عنه بطالة
مقنعة وعائدا عائليا محدودا.
في نهاية المطاف ،لم تفلج السياسات الزراعية الليبرالية المعتمدة في هذه البلدان العربية في تحقيق تحسن ملموس
لألوضاع بالقطاع الزراعي .فاإلنتاج والمردودية الزراعية سجال تقدما بسيطا أو جمودا إن لم يتراجعا .وهذا راجع إلى أن غياب
عامل واحد (مثال المعدات أو اليد العاملة الكفؤة أو األسمدة) من عوامل اإلنتاج بالحجم والوقت المناسب يؤثر سلبا على
فعالية العوامل األخرى .علما أن ما ينطبق على العوامل التقنية يجري كذلك على كل اإلجراءات والبرامج المتضمنة في
السياسات الزراعية.
في ختام هذا الفصل ،ينبغي التنويه أن كل محاوالت التي اإلصالح التي تبنتها مختلف البلدان العربية ،بغض النظر عن
توجهاتها األيديولوجية والسياسية ،لم تفلح في بناء قطاع زراعي قادر على تلبية متطلبات المجتمع ،إذ فاقت مستويات
نمو الطلب على معظم السلع الزراعية ،خصوصا السلع األساسية ،معدالت نمو اإلنتاج بنسبة كبيرة .ووصلت نسبة االكتفاء
الذاتي في البلدان العربية بصفة إجمالية سنة 1984إلى .60%وكان أعلى مستوى لها في السودان ،فيما تراجعت إلى ما بين
75و 95%في كل من تونس والمغرب والصومال ،وبلغت أدنى مستوياتها في األردن وبعض بلدان الخليج العربي حيث لم
تتعد 10إلى .20%
46
القسم الثالث :مرحلة التكييف الهيكلي الزراعي
لقد تم التحول إلى النموذج الزراعي التصديري عبر مرحلتين أساسيتين :مرحلة التقويم (أو التكييف) الهيكلي (بداية
الثمانينات إلى منتصف التسعينات) ثم مرحلة االنخراط في تحرير المبادالت التجارية (أواسط التسعينات إلى .)2007-2008
نخصص هذا الفصل للمرحلة األولى على أن نتطرق لمرحلة التحرير التجاري الزراعي في الفصل الرابع.
يعتبر النقد النيوليبرالي (النيوليبرالية تعتمد على ثالثة أسس :لبرلة االقتصاد ،الخصخصة ،واألولوية للحفاظ على التوازنات
الماكرو-اقتصادية .وتركز على نجاعة آليات السوق لكونها تمكن من تحقيق نتائج اقتصادية مفيدة) لتدخالت الدولة
في القطاع الزراعي أن هذه األخيرة أدت إلى تشوهات في األسعار وسوء تخصيص الموارد (على سبيل المثال ،الحماية
الجمركية أدت إلى ارتفاع في أسعار المنتوجات الزراعية على الصعيد المحلي ،مما أدى إلى تحويل موارد كاألرض والعمل
والمياه لصالح القطاع الزراعي على حساب القطاعات التصديرية األكثر كفاءة وديناميكية .لهذا ،ينبغي تخصيص الموارد
حسب الميزة التنافسية ،مما يعني توجيه عدد من الدول العربية (خاصة المتوسطية منها) للتركيز على تصدير الفواكه
والخضراوات واستيراد الحبوب .وقد ساهمت المؤسسات المالية الدولية (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي) في الدفع
بصفة عامة بلدان العالم الثالث في اتجاه التحول إلى األنشطة التصديرية لكسب العملة الصعبة الضرورية الستيراد
المواد الغذائية.
انطالقا من هذا التحليل ،عملت سياسات التكييف الهيكلي على تفكيك أشكال الدعم والرقابة على األسعار الداخلية ً
والقطاع الزراعي بصفة عامة“ ،حتى يتاح لألسواق الريفية المتعلقة بأسعار األراضي ،واأليدي العاملة ،والقروض ،والمنتجات
الزراعية ومستلزمات اإلنتاج الزراعي ،أن تعمل بمزيد من الحرية وتحقيق أعلى كفاءة ممكنة في استغالل الموارد” (منى
رحمة .)2000،وقد تجلت “برامج التكييف الزراعي الهيكلي” على الخصوص في تقليص االستثمار العمومي ورفع الدعم عن
المدخالت والمواد االستهالكية األساسية وخصخصة أو إضعاف المؤسسات الزراعية العمومية مثل هيئات تأطير وتقديم
الدعم التقني للمزارعين والمؤسسات التسويقية .أما على صعيد التجارة الخارجية ،فسيتم الشروع في التحرير التدريجي
للتجارة الخارجية.
ففي المغرب ،تم تحرير أسعار وتجارة المدخالت ،مما أدى على سبيل المثال إلى ارتفاع محسوس في سعر األسمدة بلغ
38٪وطبق على مرحلتين خالل الثمانينيات ،مع احتمال أن أثره كان سلبيا على صغار المزارعين في المقام األول .ذلك أن
مرونة الطلب في حالة ارتفاع سعر المدخالت أكبر بالنسبة للحيازات الصغيرة في حين تمكن التحفيزات المقدمة لكبار
المصدرين الزراعيين واآلفاق المرنحة في السوق األوروبية من تحمل هذه الزيادات (.)Kydd J and Thoyer 1992
كما تمت الزيادة في ثمن الخدمات المقدمة للمزارعين من طرف المؤسسات العمومية كإعداد األرض للحرث أو التلقيح
االصطناعي لتغطية تكلفتها بالكامل .وطبق نفس اإلجراء للماء وخدمات التسويق المقدمة من طرف وكاالت الري .من
جهة أخرى ،تم تقليص اإلنفاق العمومي على الفالحة ب 25٪بين 1985و .1987بالمقابل ،تم الرفع من أسعار الحبوب بمعدل
.)Kydd J and Thoyer 1992( 35٪
أما في حالة تونس ،فقد تضررت الزراعة األسرية كثيرا من برامج التكييف الهيكلي الزراعي (أنظر ،)Jouili M 2008ذلك أن
االستثمار العمومي في القطاع الفالحي سجل تراجعا محسوسا (انخفض المؤشر اإلحصائي من 100سنة 1986إلى 81سنة
)2005خاصة منذ .1996كما تراجع نصيب الزراعة من استثمارات القطاع الخاص من 20٪خالل الفترة 1986-1990إلى 17٪في
الفترة .2001-2005ومن أسباب هذا التراجع هناك حذف دعم المدخالت الذي أدى إلى ارتفاع أسعارها ،وبالتالي ارتفاع تكلفة
اإلنتاج الزراعي .علما بأن هذا االرتفاع لم يوازيه زيادة في أسعار السلع الزراعية واإلنتاجية .من جهة أخرى ،أدى تسليع األرض
(أي إدراجها للتداول في السوق العقاري) وخصخصة األراضي الجماعية إلى تفتيت ملكية الحيازات الزراعية ومركزتها
لصالح كبار المزارعين.
أما بالنسبة للحالة المصرية ،فقد تميزت على الخصوص باإلجهاز على الخصوص على مكتسبات اإلصالح الزراعي خالل
الحقبة الناصرية ( .)1952-1970وقد تم هذا التراجع على مراحل (انظر مثال صقر النور .)2017 ،في المرحلة األولى ،صادق الرئيس
المصري أنور السادات عام 1974على رفع الحراسة عن األراضي الزراعية التي صادرتها هيئة اإلصالح الزراعي من اإلقطاعيين
وسلمتها إلى الفالحين لزراعتها عبر عقود إيجار ،مما نجم عنه فقدان مئات الفالحين الصغار لألراضي التي كانوا يزرعونها.
وقد تسارعت وتيرة التراجعات في عهد الرئيس حسني مبارك ،ذلك أن البرلمان المصري صادق في سنة 1992على قانون
“ إصالح العالقة اإليجارية بين المالك والمستأجر” .وقد نص هذا القانون على زيادة القيمة اإليجارية من 7أمثال الضريبة
السارية على األراضي الزراعية إلى 22مثل الضريبة خالل الفترة االنتقالية التي تمتد لخمس سنوات ،ثم يتم بعد ذلك الحرية
47
“لقانون العرض والطلب” لتحديد قيمة اإليجار .لقد كان للقانون رقم ( )96لعام 1992أثرا حاسما في تفكيك مكتسبا
الفالحين المصريين من قوانين اإلصالح الزراعي المعتمدة في الحقبة الناصرية ،خاصة “األمان اإليجاري” وتعريف “المستأجر
والمشارك” ك “حائز لألرض” على قدم المساواة مع المالك ،مما يمكنه من عدد من الحقوق المرتبطة بالحيازة ،مثل
“التصويت في الجمعية” ،والحصول على التقاوي واألسمدة ذات السعر المخفض ،واالقتراض من بنك التسليف أو التنمية
واالئتمان الزراعي.
لقد نجم عن هذا القانون تشريد 904آالف مستأجر ،علما أن المستأجرين المتضررين من القانون يزرعون 23.7٪من األراضي
المزروعة في مصر.
من جهة أخرى ،تم إلغاء الدعم المقدم لألسمدة الزراعية ،وتحرير أسواق التقاوي والمبيدات الزراعية ،إضافة إلى خصخصة
أراضي الشركات الزراعية التابعة للقطاع الحكومي .لقد نتج عن التطبيق العشوائي لسياسات التكييف الهيكلي “هدم
ركائز التميز المصري مثل زراعة القطن طويل التيلة الذي كان يحظى بسمعة عالمية .كما تسببت هذه السياسات
النيوليبرالية في التفريط في واجب حماية السالالت الزراعية المصرية ،والزراعة المعتمدة على البذور المحلية واألسمدة
البلدية .أخي ًرا وليس آخ ًرا ،لم تؤد هذه السياسات إلى تقليص الفجوة الغذائية ،بل على العكس فقد أدت إلى اتساعها
كثيرا” ،حيث تحولت مصر إلى أحد أكبر المستوردين في العلم للسلع الغذائية الحيوية كالقمح ،والزيوت ،والسكر وغيرها
(انظر أحمد بهاء الدين شعبان 10 ،ديسمبر .)2016من جهة أخرى ،حصل انخفاض واضح في صافي دخل المزارعين وال سيما
صغار المزارعين ،الن أسعار المنتجات لم ترتفع بالدرجة الكافية لتعويض الزيادة في تكاليف مستلزمات اإلنتاج نتيجة لرفع
الدعم .كذلك أثرت السياسات النيوليبرالية ،بما فيها تحرير التجارة الزراعية الخارجية ،على بنية المحاصيل الزراعية .فتجاوبا
مع ارتفاع الربحية ،ازداد التوسع في إنتاج الفواكه والخضر على حساب زراعة القطن والقمح واألرز .ويعتبر هذا التطور سلبيا
إذا أخذنا بعين االعتبار األهمية االقتصادية للقطن والقمح وعالقاتهما الخلفية واألمامية مع باقي النشاطات االقتصادية
مما يجعلهما ركيزة أساسية في مجال محاربة الفقر وتحقيق األمن الغذائي على مستوى األسرة منظمة األغذية والزراعة
لألمم المتحدة.)2001 ،
القسم الرابع :سياسة التحرير التجاري تفاقم التبعية الزراعية للعالم العربي
تتضمن السياسة التجارية بصفة عامة جميع اإلجراءات والتدابير التي تضع شروط حركة السلع والخدمات ورؤوس األموال
عبر الحدود ،وتتمثل على العموم في ضرائب تصدير أو استيراد أو دعم لها ،أو تشريعات تتعلق بحركة رؤوس األموال في
الداخل والخارج .وتندرج السياسة التجارية الزراعية ضمن السياسات الكلية التي تؤثر بشكل مباشر في القطاع الزراعي عبر
استخدام أدوات مختلفة نذكر منها :التعريفات الجمركية (وهي ضريبة تفرض على سلعة مستوردة ،أو نسبة من سعر
“سيف” (تكلفة +تأمين +شحن) ،اإلعانات ،القروض ،القيود على الكميات ،اإلنفاق الحكومي ،الضرائب.
هناك تباين واضح في السياسات التجارية المعتمدة من طرف البلدان العربية ،مع تسجيل اتجاه عام نحو تحرير التجارة
بالمنطقة العربية (أحمد فاروق غنيم .)2010 ،ويعود هذا التوجه العام إلى التطورات التي عرفها النظام التجاري العلمي
خالل تسعينيات القرن الماضي وآثار جولة األوروجواي وعضوية منظمة التجارة العالمية .كما تأثر هذا التوجه بانضمام عدد
من الدول العربية إلى اتفاقيات التجارة الحرة اإلقليمية .غير أن هناك عددا من الدول العربية ال زالت لم تحصل على العضوية
في منظمة التجارة العالمية وهي سوريا والجزائر والسودان واليمن والعراق وجزر القمر والصومال وجيبوتي .كما ينبغي
التنويه إلى أن تحرير التجارة الزراعية الخارجية يعتبر مكمال إلجراءات التكيف الهيكلي التي أدت إلى تحرير األسواق الزراعية،
ولو بدرجات متفاوتة من بلد إلى آخر ،فيما أدى تطبيق اتفاقية الجات ومنظمة التجارة العالمية إلى تحرير التجارة العالمية
ولو جزئيا ومن ثم تحرير األسواق العالمية للمنتجات الزراعية ،األمر الذي ينعكس بدوره على أوضاع األسواق الزراعية العربية.
لقد عرف التحرير التدريجي للسياسة التجارية الزراعية بالعالم العربي مسارين سنستعرضهما تباعا وهما المسار المتعدد
األطراف (أي في إطار منظمة التجارة العالمية) ،والمسار اإلقليمي حيث سنركز على العالقات التجارية مع االتحاد األوروبي.
يتعلق األمر بالتزامات البلدان العربية داخل منظمة التجارة العالمية ،خاصة فيما يخص تحرير التجارة الزراعية .ذلك أنه تم
اعتماد اتفاقية الزراعة عام ( 1994مع االتفاق على بدء سريان االتفاقية عام )1995التي تهدف إلى “إصالح جوانب االختالالت في
48
هيكل التجارة الدولية للمنتجات الزراعية ،وجعل السياسات الزراعية أكثر توجها نحو األسواق وفق مجموعة من الضوابط
التي تروم إلى دعم قدرة الدول األعضاء للنفاد إلى األسواق خاصة فيما يتعلق بإلغاء الحواجز أمام الواردات ،والعمل على
إلغاء الدعم المحلي للزراعة ،والعمل على إلغاء دعم الصادرات .كما حددت االتفاقية المذكورة المعالت والحيز الزمني
لتفعيل مقتضياتها من طرف كل من الدول المتقدمة والدول النامية لخفض التعريفات الجمركية ومستويات الدعم
المحلي ودعم الصادرات .في هذا اإلطار ،قام عدد من الدول العربية بالتخلي عن اإلجراءات الحمائية الكمية وخفض
الحقوق الجمركية على عدد من المنتوجات الزراعية .على سبيل المثال ،يعتبر لبنان وهو من الدول ذات المراحل المتقدمة
في االنضمام للتجارة العالمية ،من الدول األكثر انفتاحا بالمنطقة حيث ال تتجاوز الحقوق الجمركية صفر إلى 5٪بالنسبة
ل 84٪من خطوط التعريفة وال يتعدى أقصاها .75٪كما أن لبنان ال يحتفظ بأية حماية كمية باستثناء بذور البطاطس .كما
عملت األردن منذ التحاقها بمنظمة التجارة العالمية سنة 2000على ربط التعريفات الجمركية الخاصة بالمنتوجات الزراعية
كالطماطم وزيت الزيتون والفقوص (أو الخيار) في مستوى 30٪فيما تم تحديد السقف األعلى لهذه التعريفات بالنسبة
للحوامض والعنب والثوم والتين في 50٪خالل أشهر محددة في السنة (.)Sustained Project 2012
أما المغرب ،فقد قام في مجال النفاذ إلى األسواق بربط جميع التعريفات على المنتجات الزراعية في جولة األوروغواي،
ووضعت مكافئات للتعريفة الجمركية لجميع المنتجات الزراعية الخاضعة لتدابير حدودية ،مع االلتزام بخفضها في
أفق ( 2004على سبيل المثال ،ستنخفض التعريفة األساسية على القمح من 190٪سنة 1995إلى ،144٪وهو مستوى للتعريفة
النهائية المربوطة في .)2004أما فيما يتعلق بالدعم المحلي ،فينبغي اإلشارة إلى المغرب بدأ في التقليص التدريجي
لدعمه للزراعة منذ أواخر الثمانينيات ،وذلك في إطار تنفيذ برنامج التكييف الهيكلي .غير أنه ربط مقياس الدعم الكلي في
إطار التزاماته تجاه منظمة التجارة العالمية والتزم بخفضه بنسبة 13٪خالل الفترة .1995-2004بالمقابل ،لم يعلن المغرب
في جولة األورغواي عن وجود دعم للصادرات الزراعية في فترة األساس ،ولذلك لم يكن لديه تجربة فيما بتعلق بالتزامات
الخفض في هذا المجال.
١.٢.٤محطتان فارقتان
هناك محطتان فارقتان طبعتا العالقات األورو-عربية هما مبادرة الشراكة األورومتوسطية “لمسلسل برشلونة “()1995
(الدول العربية المعنية هي المغرب ،تونس ،صر ،األردن ،لبنان ).....واالقتراح المقدم من طرف االتحاد األوروبي إلى دول جنوب
وشرق المتوسط غداة الربيع العربي باعتماد اتفاقيات التبادل الحر المعمق والشامل (للمزيد ،انظر محمد سعيد السعدي،
.)2014واذا كان هدف “مسلسل برشلونة هو بناء “منطقة واسعة للتبادل الحر من أجل تحقيق للرخاء واألمن” تضم البلدان
المحيطة بالبحر األبيض المتوسط ،فإنها اقتصرت على المنتجات المصنعة واستثنت الزراعة باعتبارها قطاعا “حساسا”
.وقد بني هذا “االستثناء” على أهمية القطاع الزراعي ببلدان جنوب المتوسط وفي بعض مناطق التابعة للدول األوروبية
المتوسطية وما قد ينجم عن تحريره من انعكاسات سلبية على الصعيدين االقتصادي واالجتماعي .هكذا تبادل االتحاد
49
األوروبي والدول العربية إعفاءات محدودة (كليا أو جزئيا) على المنتجات الزراعية والمنتجات الزراعية المصنعة وضمن
رزمانات زراعية محددة .وبمراجعة سريعة التفاقيات الشراكة األورو-عربية يتبين بأنها قدمت إعفاءات كلية أو جزئية
للمنتجات الزراعية تضمنت اإلعفاء التام أو الجزئي من الرسوم الجمركية المفروضة على تلك السلع عند استيرادها إلى
األسواق األوروبية ،ولكن في كثير من الحاالت ضمن حصص كمية أو تخضع لمستويات مرجعية بخصوص السعر والكمية.
غير أن اعتماد “السياسة األوروبية للجوار” سنة 2004فتح الباب لمفاوضات بين بلدان شمال وجنوب المتوسط من أجل تسريع
مسلسل تحرير تدريجي للتجارة الزراعية (أنظر .)Abis A et Echaniz P.C. 2009
مع إمكانية استثناء بيع المنتجات الزراعية “الحساسة” واعتماد مبدأ عدم التماثل في التنفيذ عبر تمكين الدول العربية من
رزنامة أطول في هذا المجال مقارنة مع الدول األوروبية .إن الهدف من هذا التحرير المتبادل والتدريجي والمؤطر هو دفع
الدول الشريكة إلى التخصص في إنتاج تصدير المنتوجات الزراعية التي تملك فيها امتيازات تنافسية نسبية ،مما من شأنه
أن يجعل الدول األوروبية تنمي محاصيل الحبوب واأللبان واللحوم لتصديرها إلى الدول العربية المتوسطية مقابل استيراد
الفواكه الطازجة والخضر من هذه األخيرة.
وينبغي التنويه أن التفضيالت التجارية الممنوحة للدول الشريكة (يتعلق األمر بالدول العربية التالية :مصر ،المغرب ،تونس،
األردن) تتجلى في تقليص أو حذف التعريفات الجمركية بالنسبة لحصص محددة من المنتوجات أو لمجمل الصادرات.
كما تتضمن االتفاقيات الموقعة ضرورة التقيد معايير الجودة المعمول بها داخل السوق األوروبية الموحدة ،خاصة ما
يتعلق بالتدابير الصحية وتدابير الصحة النباتية .هكذا نص االتفاق الزراعي بين األردن واالتحاد األوروبي على التحرير الكلي
للواردات القادمة من األردن مع استثناء مجموعة من المنتجات الزراعية (خاصة الطماطم ،الخيار ،الحوامض ،أزهار القطف،
البطاطس وزيت الزيتون) التي يخضع تحريرها لنظام الحصص أو أسعار دخول تفضيلية لكن محصورة في فترات محددة
في السنة .بالمقابل ،جل التعريفات الجمركية على المنتجات الزراعية والمنتجات الزراعية المصنعة والمستوردة من دول
االتحاد األوروبي تم حذها أو تقليصها تدريجيا حسب درجة حساسية المنتوج.
أما بالنسبة لمصر ،فتنص اتفاقية الشراكة األوروبية المصرية الموقعة عام 2011على توسيع قائمة السلع الزراعية المصرية
وفقا التفاق 1977مع تقسيم السلع ً التي يمكن تصديرها لالتحاد األوروبي إلى أكثر من مئة سلعة مقابل 25سلعة
المعنية إلى أربع مجموعات (اتفاقية الشراكة المصرية األوروبية:)2018 ،
-سلع لها حصص كمية ومواسم تصدير محددة (إعفاء الحصص من التعريفة الجمركية)
-سلع لها حصص كمية وليس لها مواسم تصدير محددة (إعفاء جمركي داخل الحصص)
-سلع لها مواسم تصدير وليس لها حصص كمية (إعفاء من الرسم الجمركي داخل مواسم التصدير)
-سلع ليس لها حصص كمية وال مواسم تصدير.
بالمقابل ،التزم الجانب المصري بخفض أو إلغاء الرسوم الجمركية على واردات بعض السلع الزراعية من االتحاد األوروبي
مثل اللحوم ومنتجات األلبان .من جهة أخرى ،نصت االتفاقية على تحرير جزئي ومحدود للسلع الزراعية المصنعة المصدرة
من مصر إلى االتحاد األوروبي .أما بالنسبة للواردات المصرية من السلع الزراعية المصنعة ،فنصت االتفاقية على ترتيبات
ً
وفقا لثالثة قوائم. تطبق على صادرات االتحاد األوروبي لمصر من السلع الزراعية المصنعة تختلف درجة تحريرها
أما في حالة المغرب الذي يعتبر من أهم شركاء االتحاد األوروبي ،حيث يحظى منذ 2008بوضع “الشريك المميز” لالتحاد
األوروبي ،وضع يرشحه “لتعميق العالقات السياسية مع الجانب األوروبي ،واالندماج في السوق الداخلية عبر تقريب
التنظيمات التشريعية ،وتعزيز التعاون القطاعي والجانب اإلنساني للشراكة” (االتحاد األوروبي والمغرب ،)2018 ،فان االتفاق
الزراعي لعام 2012نص على تحرير الصادرات األوروبية إلى السوق المغربية بشكل مرحلي ومنتظم ،مع اعتبار مرحلة انتقالية
تصل إلى 10سنوات .ويتم هذا التحرير حسب ثالثة أنواع من المنتجات:
-النوع األول يهم التحرير على مدى 10سنوات ويهم الحيوانات المنتجة واألسمدة.
-النوع الثاني يستغرق التحرير بموجبه بين 5و 10سنوات ويتعلق بمنتجات الحليب المصنعة والشوكوالتة
وفقا لحصص محددة (الحبوب ،الحليب ،وزيت الزيتون) ً -النوع الثالث يتم من خالله التحرير
وسيمكن تطبيق هذا التحرير إلغاء التعريفات الجمركية على 70٪من خطوط المنتجات الزراعية ومنتجات الصيد البحري
التي يصدرها االتحاد األوروبي إلى المغرب.
بالمقابل ،حصل المغرب وفق لالتفاقية المذكورة تحسنا نسبيا ومحدودا لصادراته الزراعية نحو سوق االتحاد األوروبي.
هكذا يمكن للمنتجات الزراعية المغربية ولوج السوق األوروبية دون أداء أي تعريفة جمركية ،لكن مع وجود استثناءات
مهمة تتعلق بالطماطم وهي من أهم الصادرات الزراعية المغربية ،الثوم ،الكليمنتين ،الفراولة ،الخيار ،والكوسى (أو
القرع) (.)Accord agricole Maroc- Union Européenne 2012
50
ً
وفقا لالتفاقية ،تم تحرير 55%من صادرات المغرب الزراعية إلى االتحاد األوروبي. من جهة أخرى ،ينبغي اإلشارة أنه
أخي ًرا وليس آخ ًرا ،تجدر اإلشارة إلى أن االتحاد األوروبي اقترح على المغرب وتونس ومصر واألردن ،غداة اندالع الربيع العربي،
المرور إلى مرحلة متقدمة من االندماج في السوق الداخلية األوروبية عبر إبرام اتفاقيات للتبادل الحر المعمق والشامل .إن
الرافعة األساسية لتحرير التجارة في هذه االتفاقيات تتجلى في إنجاز نوع من االلتقائية على مستوى األنظمة والتشريعات
من خالل االستيعاب التدريجي من طرف الدول العربية الشريكة “للمكاسب الجماعية” لالتحاد األوروبي ،أي مجموع
التشريعات والمعايير واألنظمة المشكلة لقوانين االتحاد األوروبي .وفيما يخص الشق الزراعي ،تسعى اتفاقية التبادل الحر
العميق والشامل إلى تحرير أكبر للتجارة الزراعية ،بما فيها التبادل التجاري للسلع الزراعية المصنعة ومنتجات الصيد البحري
مع مراعاة الوضعية الخاصة للمنتجات “ذات الحساسية” .باإلضافة إلى هذا ،ينتظر أن تشمل المفاوضات إنجاز المطابقة
التشريعية والتنظيمية بين االتحاد األوروبي والبلدان العربية المواصفات األوروبية في مجال الصحة والصحة النباتية.
2.٢.4محدودية تحرير التجارة الزراعية بين االتحاد األوروبي والدول العربية ومخاطره على األمن الغذائي العربي
يتضح مما سبق أن هناك العديد من المعيقات تحد من قدرة الصادرات الزراعية العربية على الولوج لسوق االتحاد األوروبي
بفعل الحمائية المتشددة التي تطبع السياسة التجارية األوروبية والتي تهدف إلى حماية المزارعين األوروبيين في الجانب
الشمالي للبحر األبيض المتوسط (اللجنة االقتصادية واالجتماعية لغربي آسيا .)2005 ،فباستثناء حالة لبنان ،يبقى مجال
التغطية جزئي ومحدود إلى درجة كبيرة في بعض الحاالت سواء من حيث شمول أصناف السلع الزراعية المؤهلة
لالستفادة من المعاملة التفضيلية أو المواسم الزراعية التي يسمح لها بدخول األسواق األوروبية خاللها .باإلضافة إلى
هذا ،يطبق التخفيض الجمركي الممنوح في إطار اتفاقيات الشراكة على الرسوم النسبية أو القيمية تاركا الرسوم
والضرائب الثابتة دون تغيير .ومما يزيد من ضالة الهامش التفضيلي المتاح للصادرات العربية استخدام االتحاد األوروبي
لما يسمى بسعر الدخول والكميات المرجعية التي يحددها سلفا بغرض الحد من المنافسة من خالل تحديد السقوف
الدنيا ألسعار الواردات وكمياتها عند الحدود األوروبية وبما يضمن دعم المزارعين األوروبيين وعدم مزاحمة منتجاتهم
الزراعية في األسواق المحلية ،خاصة بالنسبة للفواكه والخضروات الطازجة .باإلضافة إلى ما ذكر من معيقات ،يالحظ
تشدد من طرف االتحاد األوروبي في المواصفات الفتية والعوائق التي تسببها للصادرات الزراعية والعوائق األخرى غير
الجمركية ،خاصة تلك المتعلقة بالبيئة واستخدام المبيدات ومتطلبات التتبع في األسواق للمنتجات المعدلة جينيا.
من جهة أخرى ،تبين بعض المعطيات والبحوث المتوفرة أن سياسات التكييف الهيكلي والتحرير التجاري الزراعي قد
أثرت سلبا على األمن الغذائي العربي .فعلى سبيل المثال ،ارتفع العجز الغذائي العربي (أي الفرق بين الصادرات والواردات
الغذائية العربية) من متوسط 12.02مليار دوالر خالل الفترة ( )1985-1993إلى متوسط 13.79مليار دوالر للفترة ()2001-2003
بنسبة زيادة بلغت 14٪بين الفترتين .وقد سجلت معظم السلع الغذائية في الوطن العربي زيادة في عجز الميزان التجاري
بين الفترتين المذكورتين ،إذ بلغت نسبة الزيادة بالنسبة للحبوب نحو ،21٪البطاطس ،30٪البقوليات ،65٪الفاكهة ،713٪
واللحوم ( 34٪المنظمة العربية للتنمية الزراعية.)2006 ،
ال شك أن هناك عوامل عديدة وراء تفاقم العجز التجاري الزراعي خالل فترة االنتقال إلى السياسات النيوليبرالية من طرف
الدول العربية ،ونذكر زيادة الطلب على الغذاء بفعل الزيادة السكانية ،ارتفاع مستويات الدخول لشرائح من المجتمع،
هجرة السكان الريفيين إلى المدن وما يقابله من تدني في مستويات اإلنتاج واإلنتاج الناجم عن استخدام الوسائل
التقليدية ،استبعاد البحث والتطوير ،وعدم استخدام المكننة والتقنيات الحديثة في العمليات اإلنتاجية .غير أن اعتماد
سياسات زراعية تعتمد التكيف الهيكلي والتحرير التجاري لعبت دورا في تفاقم االعتماد على الخارج من أجل تأمين
الحق في الغذاء .ولم يتم هذا من خالل تحسين القدرات الزراعية التصديرية كما وعد به المروجون لهذه السياسات
بما يسمح من تعزيز إمكانيات تغطية حاجيات المجتمع من السلع الغذائية ،بل أدى هذا التوجه إلى زيادة كبيرة في
الواردات التي تمت تغطيتها من خالل مداخيل أخرى كالعائدات السياحية وتحويالت المواطنين في المهجر وتدفقات
الرساميل األجنبية أو االقتراض من المنظمات الدولية كما هو حال اقتصادات البلدان العربية األقل نموا (سالم توفيق
حنفي .)2013 ،بل لقد أدى ارتفاع الواردات الزراعية إلى تعرض مجموعة من المحاصيل الزراعية للمنافسة الخارجية ،مما
أدى إلى تخفيض المساحات المخصصة إلنتاجها .بالمقابل ،أدت هذه التطورات إلى زيادة اإلنتاج لمحاصيل البنجز السكري،
الطماطم ،الحوامض من البرتقال واليوسفي.
وقد بينت دراسة حديثة حول إشكالية األمن الغذائي في الدول العربية التأثير السلبي لطلب الغذاء من السوق العلمي
لسد متطلبات المجتمع على األمن الغذائي وعلى القطاع الزراعي والسيادة الوطنية .واعتمادا على دراسة قياسية الهم
العوامل التي تحكم دالة إنتاج القمح وكذا اإلنتاج الزراعي في عدد من الدول العربية (الجزائر ،مصر ،األردن ،السودان،
51
المملكة العربية السعودية) ،تم التوصل إلى النتائج التالية:
-وجود فجوة غذائية في تفاقم مستمر بسبب ضعف حجم اإلنتاج المحلي ،باإلضافة إلى تضاعف استهالك بعض
السلع األساسية من قبيل القمح كنتيجة لتغير أنماط االستهالك لدى غالبية ساكنة هذه البلدان.
-يالحظ أن ارتفاع معدالت نمو السكان كان له أثر سلبي في أغلب البلدان العربية.
-أكدت كل نتائج “النمذجة” أن المساحات المزروعة حاليا غير كافية وأن زيادتها قد تساهم في ضمان األمن الغذائي
في أغلب الدول العربية.
-يالحظ بأن أكبر عائق أمام تحقيق األمن الغذائي في هذه الدول يرتبط ارتباطا قويا بالتبعية للخارج ،وباألخص حجم
الواردات من إنتاج المواد االستهالكية األساسية على غرار القمح الذي ال زالت وارداته عند مستويات مرتفعة (حركاتي
فاتح.)2018 ،
إن أكبر المخاطر التي ستنجم ال محالة عن اعتماد عدد من البلدان العربية على واإلصالحات النيوليبرالية ،خاصة تبني
التحرير التجاري الزراعي ،هو تهديد األمن الغذائي من خالل القضاء على المزارع الصغيرة والزراعة األسرية .ذلك أن تحرير
التجارة الزراعية ،ولو تم بشكل تدريجي كما في االتفاقيات األوروبية العربية ،يهدد ماليين المزارعين الصغار والمتوسطين
الذين ينتجون الحبوب أساسا لالستهالك الذاتي وللبيع في السوق المحلية .وسيؤدي تعرضهم للواردات األوروبية التي
تعتبر أكثر تنافسية وتحظى بالدعم الحكومي كما ستستفيد من إلغاء التعريفات الجمركية ،إلى الضياع والهجرة إلى
المدن ،علما أن الكثير منهم يعانون من الفقر والتهميش ،مما سيعرض أمنهم الغذائي للخطر .أخي ًرا وليس آخ ًرا ،ينتج
على تفاقم التبعية للسوق التجارية العالمية زيادة انكشاف االقتصادات الزراعية العربية أمام تقلبات األسعار العلمية
للسلع الغذائية وارتهانها لقرارات الدول الزراعية المصدرة لها ،وهذا ما سنتطرق إليه في الفصل األخير من هذه الورقة.
القسم الخامس :من األزمة الغذائية العالمية إلى السيادة الغذائية العربية
لقد أثرت األزمة الغذائية العالمية لسنتي 2008و 2011سلبا على األمن الغذائي بالعالم العربي وكانت من األسباب الرئيسية
وراء اندالع الثورات العربية سنة .2011سنعرض في هذا الفصل للعوامل التي تحكمت في بروز هذه األزمة وأثرها على الدول
العربية قبل التطرق باقتضاب إلى البدائل الممكنة لضمان السيادة الغذائية العربية.
شهد العالم زيادات غير مسبوقة في أسعار المواد الغذائية الرئيسية ،خاصة الحبوب التي وصلت أسعارها خالل األشهر
الثالثة األولى من سنة 2008إلى أعلى مستوياتها منذ خمسين عاما ،إذ بلغ متوسط الزيادة في أسعار القمح بين سنة 2006
ارتفاعا بلغ حوالي 123٪في نفس الفترة .وقد أدت هذه
ً و 2008حوالي 72٪بينما وصل معدل الزيادة في معدل أسعار األرز
الزيادات حسب البنك الدولي إلى إبقاء أو إسقاط 105مليون شخص في دائرة الفقر بالبلدان ذات الدخل المنخفض (البنك
الدولي.)2013 ،
وبعد عام ،2008شهدت أسعار الغذاء العالمية قفزتين ،حدثت أوالهما في بداية سنة ،2011حيث سجل مؤشر البنك الدولي
ارتفاعا كبيرا بعد تراجعه بنسبة 30٪خالل الفترة ما بين منتصف 2008ومنتصف ،2010ليعود مرة أخرى في ً ألسعار الغذاء
فبراير 2011إلى ذروته التي بلغها سنة .2008أما القفزة الثانية ،فكانت في منتصف ،2012عندما استأنفت أسعار الغذاء العالمية
ارتفاعا بنسبة 14٪خالل الفترة من يناير إلى غشت 2012مع ارتفاعً ارتفاعها ،إذ سجل مؤشر البنك الدولي ألسعار الغذاء
األسعار العالمية للذرة إلى مستوى غير مسبوق في يوليو ،2012متجاوزة ذروتها في عامي 2008و ،2011إذ قفزت بنسبة 45٪
في غضون شهر واحد (البنك الدولي .)2013 ،وقد كان لقفزة أسعار الغذاء في سنة 2011تأثيرا سلبيا على ما بين 40و 44مليون
شخص في البلدان ذات الدخل المتوسط والمنخفض .باإلضافة إلى هذا ،يشكل االرتفاع المستمر ألسعار الغذاء ضغطا
كبيرا على موازين المدفوعات في دول الجنوب والدول العربية المستوردة للغذاء.
وجدير باإلشارة أن زيادات األسعار وتقلباتها مرشحة لالستمرار في األفق المنظور والطويل.
يرجع أسباب ارتفاع أسعار الغذاء إلى عدة عوامل متشابكة ومتنوعة .وقد تضافرت هذه األسباب مع بعضها البعض
وتزامنت مما عمق المشكلة فأصبحت أزمة إنسانية كارثية ،وتمثل هذه العوامل فيما يلي (عطية الهندي:)2009 ،
انخفاض إنتاج السلع الرئيسية في عدد من الدول المنتجة لها نتيجة سوء األحوال الجوية وانخفاض المخزون العالمي.
52
تعرض الكثير من الدول للكوارث الطبيعية أو الجفاف نتيجة االحتباس الحراري.
تحسن مستوى الدخل في الصين والهند مما أدى إلى زيادة استهالك األغذية النباتية أو زيادة كميات األعالف المستخدمة
لإلنتاج الحيواني.
االرتفاع الكبير ألسعار النفط العالمية والذي نجم عنه زيادة التكاليف الثابتة والمتغيرة وارتفاع تكاليف النقل ،كما أدى
ارتفاع سعر النفط بشكل خاص إلى ارتفاع أسعار الطاقة األخرى أيضا مما نجم عنه زيادة في تكلفة األسمدة والمبيدات
وتكاليف اإلنتاج بشكل عام.
قلة االستثمارات في القطاع الزراعي وخاصة بعد إعادة هيكلة القطاع الزراعي في الدول المتقدمة.
النمو السكاني ،خاصة في الدول الفقيرة وحاجتها للمزيد من الغذاء.
تخفيض الدعم على عض المواد من قبل الدول التي كانت تقدم دعما كبيرا والدعم المشوه للتجارة.
استعمال المنتجات الزراعية الستخراج الوقود الحيوي ،وهي منتجات أساسية تعتمد عليها اإلنسان في غذائه اليومي ،أو
استخدامها كأعالف للثروة الحيوانية ،مما أثر سلبا على المعوض من السلع الغذائية والى ارتفاع أسعارها بشكل كبير.
نمو شركات اإلنتاج الكبير و”احتكار القلة” المتحكم في أسعار المواد الغذائية.
المضاربات في األسواق العالمية حيث ساعدت عولمة االقتصاد الرأسمالي والتطورات المتسارعة في تكنولوجيا االتصال
واالستخدام المتزايد لإلنترنيت إلى سهولة دخول المضاربين إلى البورصات العالمية للمواد الزراعية ،مما أسهم في زيادة
أعداد المضاربين إلى البورصات العالمية وساعد على زيادة أعداد المضاربين وبالتالي زيادة الطلب وارتفاع األسعار.
ارتفاعا مستم ًرا في مستويات أسعار السلع الغذائية بين عامي 2007و ،2008وارتفاعها أيضا مقارنة ً لقد شهد العالم العربي
بالسنوات الماضية .وقد تراوحت الزيادة بين عامي 2007و 2008في المتوسط بين 24.3٪للحبوب و 17.3٪للزيوت النباتية6.8٪ ،
للدرنات و 15.1٪للبقوليات و 2.8٪للسكر 15.8٪ ،لألسماك 13.1٪ ،لأللبان 11.8٪ ،للحوم الحمراء و 15.8٪للحوم البيضاء (جامعة الدول
العربية والمنظمة العربية للتنمية الزراعية.)2009 ،
ويعود ارتفاع أسعار السلع الغذائية في سنة 2008إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية عالميا باالعتبار أن الدول العربية مستوردة
صافية للغذاء ،هذا إضافة إلى عوامل خاصة باألوضاع في العالم العربي نذكر منها :انخفاض الكميات المنتجة من
المحاصيل الغذائية نتيجة الظروف غير المالئمة في موسم 2007-2008في بعض الدول العربية .كما تعود هذه الزيادات
إلى ارتفاع تكاليف مدخالت اإلنتاج الزراعي وبخاصة المستورد منها ،وارتفاع تكاليف النفل.
ولمواجهة االرتفاع غير المسبوق في أسعار السلع الغذائية الذي شهده العالم في المنتصف الثاني من ستة 2007
والنصف األول من عام 2008اعتمدت بعض الدول العربية سلسلة من السياسات واإلجراءات تضمنت (جامعة الدول العربية
والمنظمة العربية للتنمية الزراعية:)2009 ،
تبني سياسة االكتفاء الذاتي النسبي عوض االعتماد على سياسة االعتماد على التجارة الخارجية التي كان معموال بها
في التسعينات وما قبلها من طرف بعض الدول العربية ،وذلك لضمان األمن الغذائي من السلع الغذائية الرئيسة خاصة
الحبوب.
تخصيص موارد مالية إضافية لتطوير القطاع الزراعي
دعم وتقوية المخزون االستراتيجي من السلع الغذائية الرئيسية
قيام بعض الدول العربية باالستثمار المباشر خارج حدودها في القطاع الزراعي في بعض الدول ذات اإلمكانات اإلنتاجية
الزراعية في داخل العالم العربي وخارجه ،وذلك لضمان توفر السلع الغذائية الزراعية (مثل القمح واألرز وفول الصويا)
في البلدان العربية بأسعار مناسبة ،وبالتالي ضمان الحصول عليها.
لجأت بعض الحكومات العربية إلى زيادة رواتب موظفي القطاع العام وحث القطاع الخاص على ذلك وتقديم
مساعدات مادية مباشرة ألكثر الطبقات فقرا.
إعفاء عدد من المواد الغذائية األساسية من الرسوم الجمركية والضرائب ،وتقديم إعفاء أو تخفيض جمركي على
مدخالت ومستلزمات اإلنتاج الزراعي بهدف دعم اإلنتاج المحلي والصناعات الزراعية وتمكينها من المنافسة وإنتاج سلع
ذات جودة عالية وبأثمنة معقولة.
قامت بعض الدول العربية بوضع قيود على صادرات السلع الغذائية الرئيسية واألعالف الخضراء.
قامت بعض الدول العربية بالعدول عن خصخصة بعض المشروعات الزراعية.
تشجيع إحداث الجمعيات التعاونية االستهالكية وتأسيس شركات مهمتها شراء المواد الغذائية األساسية من مصادرها
وتخزينها وبيعها للمواطنين مباشرة وبأسعار متدنية وبهامش ربح قليل.
53
٣.٥بعض المقترحات من أجل السيادة الغذائية العربية
لقد أدى اعتماد السياسات الزراعية النيوليبرالية بعدد من الدول العربية منذ الثمانينيات من القرن الماضي إلى انتشار الزراعة
الصناعية الكثيفة (زيادة عدد المحاصيل التي تزرع في نفس المساحة في السنة ،أو زراعة أكثر من محصول في نفس
المساحة وفي نفس الوقت على التوازي) وتشجيع اإلنتاج من أجل التصدير وهيمنة الشركات المتعددة الجنسيات على
سالسل القيمة العالمية وإشاعة نظام غذائي عالمي مبني على البروتينات الحيوانية على حساب البروتينات النباتية .وقد
نجم عن هذا التوجه تفاقم التبعية الغذائية وتهميش الزراعة األسرية ،علما بأن تعميم هذا النموذج النيوليبرالي االنتاجوي
مستحيل بالوطن العربي نظرا لضعف الموارد من أراضي ومياه واعتبارا كذلك لتكلفته االجتماعية والبيئية .لهذا ،يتعين
نظام زراعي وغذائي بديل يعتمد على السيادة الغذائية كمدخل أساسي لضمان األمن الغذائي والحق في الغذاء للجميع.
قامت الحركة العالمية “طريق الفالحين” سنة 1996بتعريف السيادة الغذائية بكونها “حق الشعوب في الغذاء الصحي
والمالئم ثقافيا من خالل أساليب سليمة بيئيا ومستدامة ،وحقها في تحديد طعامها والنظم الزراعية المناسبة لظروفها”.
ويجب التأكيد على الطابع السياسي للسيادة الغذائية كمشروع للديمقراطية المحلية القائمة على المشاركة في صنع
القرارات المتعلقة باألغذية والزراعة (أطاك المغرب ،ما هي السيادة الغذائية؟ ،ديسمبر .)2017
إن إعطاء األولوية للسيادة الغذائية لتأمين الحق في الغذاء يستجيب لهاجسين أساسين :أوال ،ضرورة توفير حيز سياساتي
وهامش للمناورة من أجل تبني سياسات زراعية تستجيب أوال وقبل كل أي لحاجيات المواطن (ة) بعيدا عن إمالءات
المؤسسات الدولية (البنك الدولي ،صندوق النقد الدولي ،منظمة التجارة العالمية) الداعية إلى تحرير التجارة الزراعية
والتخصص حسب الميزة النسبية .ثانيا ،تقليص التبعية للخارج والتركيز على الزراعة الموجه إلى السوق الداخلية واإلقليمية.
يبقى أن الرهان الحقيقي يدور حول شروط أجرأة مفهوم السيادة الغذائية وجعله حقيقة في الواقع العربي .وأول
الرهانات يتعلق بإدماج السيادة الغذائية ضمن مشروع تنموي يتمحور حول التنمية البشرية المستدامة .باإلضافة إلى هذا،
يجب العمل على مأسسة هذا التوجه من خالل دسترته وإنشاء المؤسسات الحاملة له وبلورة السيادة الغذائية من خالل
السياسة الزراعية والبرامج .إن دسترة السيادة الغذائية ال تكفي كما يدل على ذلك المثال المصري حيث لم يواكب هذا
اإلجراء تغيير في السياسة الزراعية والنموذج التنموي الذي ال يزال مطبوعا بهيمنة اإليديولوجيا النيوليبرالية.
من جهة أخرى ،يطرح مفهوم السيادة الغذائية إشكالية الفاعلين المنوط بهم تفعيله على األرض الواقع ،خاصة وأن
السيادة الغذائية تركز على المشاركة المباشرة للمنتجين\ات في صناعة السياسات والبرامج .لهذا ،ال يمكن إنجاح هذه
المقاربة الجديدة دون تفاعل إيجابي بين الدولة والمجتمع المدني والحركات االجتماعية وتبني الدولة لتوجه تنموي واضح
والمركزية حقيقية تمكن التآزر بين جمعيات المنتجين والمؤسسات المحلية المنتخبة والسلطات المحلية (.)Clark P 2013
في هذا المجال ،على الدولة أن تلعب دورا محوريا لبلورة سياسة زراعية واضحة وطموحة لدعم المنتجين الصغار والزراعة
األسرية والبيئية وتقوية االقتصاد الشعبي والتضامني ،خاصة على المستوى المالي والتقني والتسويقي والحصول على
األرض والماء والبذار والغابات وأماكن الصيد وإدارتها .كما يقتضي تبني سياسة تجارية تحمي هذه الزراعة من المنافسة
غير المتكافئة للسلع الزراعية والغذائية األساسية ،خاصة السلع المدعومة من طرف الدول الرأسمالية المتقدمة .وهذا
يقتضي تأطير المبادالت التجارية الزراعية والتنسيق على الصعيد الدولي من أ تثبيت أسعار المواد الزراعية من أجل تجنب
االرتفاع المحسوس والمفاجئ في األسعار وتفادي المنافسة المخلة باستقرار المبادالت الزراعية العالمية ،مما يفرض
ً
عميقا للنظام التجاري المتعدد األطراف (.)Boussard M. et. al. 2007 إصالحا
ً
54
على صعيد المجتمع المدني والحركات االجتماعية ،يتعين إنشاء شبكات محلية وعربية للنضال من أجل السيادة الغذائية
محليا ووطنيا وإقليميا .وهناك بوادر مشجعة في هذا المجال بعد “حركة طريق الفالحين الفلسطينيين” المنضوية تحت
لواء الحركة العالمية “طريق الفالحين (.)Al-Monitor 2017
وتسعى هذه الحركة إلى االستفادة من رؤية الحركة العالمية في مناصرة تثبيت السيادة على الغذاء واألرض والموارد
والمياه لطرح قضايا الفالحين الفلسطينيين وحقوقهم المنتهكة من قبل إسرائيل وتبنيها ،كعدم تمكنهم من
السيطرة على مواردهم كاألرض والماء .كما تنوي حركة الفالحين الفلسطينيين القيام بحراك لدى السلطات المحلية
والحكومة لتعديل القوانين بما يتالءم مع حاجات المزارعين .كما تعتزم هذه الحركة بعد انطالقها العمل على بناء
حركة فالحين عربية.
كما تجدر اإلشارة إلى انضمام منظمتين مغاربيتين (“الفدرالية الوطنية للقطاع الفالحي” من المغرب و”كفاح األرض” من
تونس) إلى الحركة العالمية “ طريق الفالحين.
وهذا يجرنا إلى إبراز أهمية بلورة تكامل زراعي عربي يتمحور حول ضمان األمن الغذائي العربي باعتماد مقاربة السيادة
الغذائية كمدخل أساسي لكل مجهود في هذا المجال.
الخالصة
تمحورت هذه الدراسة حول تأثير السياسات الزراعية المعتمدة من طرف البلدان العربية على أمنها الغذائي .وقد حاولنا أن نبين
كيف ساهمت هذه السياسات الزراعية في حالة انعدام األمن الغذائي العربي منذ خمسينيات القرن الماضي .فخالل مرحلة
،1950-1980فشلت الدول ذات التوجه االشتراكي في تحقيق األمن الغذائي نظرا للمشاكل اإلدارية التي طبعت تدبير مزارع
الدولة والتعاونيات الزراعية وهيمنة اإلجراءات البيروقراطية ،إضافة إلى سياسات تسعير المحاصيل التي لم تنصف المزارعين.
من جانبها ،لم تتمكن الدول ذات التوجه الليبرالي من تحقيق األمن الغذائي بالنظر إلى قصور مبادرات القطاع الخاص في
المجال الزراعي وتهميش الزراعة األسرية ،مما نجم عنه بروز ثنائية غير منسجمة داخل القطاع الزراعي.
ومع بداية الثمانينات ،وبسبب أزمة المديونية للعديد من االقتصادات العربية وتدخل المؤسسات المالية الدولية ،دخل
السياسات الزراعية مرحلة التكييف الهيكلي والتحرير التجاري .وقد كان رهان هذه السياسات يكمن في تفكيك منظومة
تدخالت الدولة في القطاع الزراعي باعتبارها تعوق حرية آليات السوق التي من شأنها تحقيق أعلى كفاءة ممكنة في
استغالل الموارد ،وبالتالي تعظيم اإلنتاج الزراعي الموجه للتصدير .مما دفع بالحكومات إلى تحرير التجارة الزراعية والعمل
على ضمان األمن الغذائي من خالل استيراد السلع الزراعية والغذائية األساسية من األسواق العالمية ،مع فرضية أن
الصادرات الزراعية ستوفر الموارد المالية الضرورية لتغطية كلفة هذه الواردات .وقد تم التحرير التجاري الزراعي من خالل
مسارين أساسين :المسار المتعدد األطراف والمسار اإلقليمي من خالل “الشراكة” األوروبية العربية.
لقد أدى اعتماد هذه السياسات النيوليبرالية إلى تفاقم التبعية الغذائية للخارج من خالل االرتفاع الكبير للواردات الزراعية
والغذائية التي تمت تغطيتها بواسطة العائدات السياحة وتحويالت المواطنين في المهجر ،وبشكل أقل ،عبر تدفقات
الرساميل األجنبية أو االقتراض .وتعرض مجموعة من المحاصيل الزراعية للمنافسة الخارجية ،مما نجم عنه تقليص
للمساحات المخصصة لها وتهديد الزراعة األسرية المنتجة الهم منتوج غذائي في النمط االستهالكي لغالبية المواطنين،
أال وهو القمح والحبوب.
لقد تجلت مخاطر التبعية الغذائية العربية إبان وقوع األزمة الغذائية العالمية التي بينت انكشاف االقتصادات العربية على
السوق العالمية وهشاشة األمن الغذائي من جراء تقلبات األسعار العالمية للسلع الغذائية .وقد أدت هذه التبعية إلى
االرتفاع المستمر لمستويات أسعار السلع الغذائية بالعالم العربي ،مما دفع الحكومات العربية إلى اتخاذ سلسلة من
السياسات واإلجراءات للحد من هذه اآلثار السلبية على األمن الغذائي.
إن تعميم النموذج النيوليبرالي التصديري بالعالم العربي غير ممكن نظرا لضعف الموارد الطبيعية من أراضي ومياه واعتبارا
كذلك لكلفته االجتماعية والبيئية الكبيرة .لهذا ،يعتبر خيار االعتماد على السيادة الغذائية كبديل قادر على ضمان األمن
الغذائي لكافة المواطنين إذا ما توفرت شروط تحقيقه ،وتكمن على الخصوص في التركيز على الدور التنموي للدولة
وبروز حركة اجتماعية قوية وإصالح عميق للنظام التجاري العالمي يضمن تأطير المبادالت التجارية الزراعية والتنسيق من
أجل ضمان استقرار أسعار السلع الغذائية والزراعية األساسية.
55
مراجع الفصل الثاني
- Breisinger C et al.2010, Food Security and Economic Development in the Middle East and
North Africa, IFPRI, Discussion Paper.
- ESCWA, 2010.Food Security and Conflict in the ESCWA Region, New York.
- FAO 2015, Regional Overview of Food Insecurity Near East and North Africa
Al-Monitor, 17-10-2017 فلسطين تشهد والدة حركة طريق الفالحين األولى في الوطن العربي، أحمد ملحم-
مجلة روز، من برامج “التكييف الهيكلي” الى إجراءات تعويم الجميه: األرض والفالح، أحمد بهاء الدين شعبان-
2016 ديسمبر10،اليوسف
الموقع االلكتروني للبنك، برنامج التصدي الزمة الغذاء العالمية.2013 ، البنك الدولي-
دراسة شاملة لتوثيق السياسات الزراعية في الدول.2009 ، جامعة الدول العربية والمنظمة العربية للتنمية الزراعية-
. الخرطوم،العربية خالل العقد األول من االلفية الثالثة
“سياسات التنمية االقتصادية واالجتماعية في المنطقة، السياسة التجارية في الدول العربية، أحمد فاروق غنيم-
2010 ، القاهرة، دار العين للنشر، تحرير محمود عبد الفضيل،” رؤية للمستقبل،العربية
56
-المنظمة العربية للتنمية الزراعية .2006،دراسة اتجاهات الزراعة والتجارة الزراعية العربية واكتمال منطقة التجارة
الحرة العربية الكبرى ،الخرطوم).
-عطية الهندي“ .2009 ،الجهود المبذولة المبذولة للتصدي الزمة الغذاء العالمي” ،المنظمة العربية للتنمية الزراعية،
.ورشة عمل اإلقليمية حول أزمة الغذاء العالمية وأثرها على االمن الغذائي العربي ،تونس
-حركاتي فاتح .2018 ،تحليل مشكلة االمن الغذائي في الوطن العربي وتقييم الحلول المطروحة لمواجهتها ،رسالة
الدكتوراه في العلوم االقتصادية ،كلية العلوم االقتصادية والتجارية ،جامعة محمد خيضر -بسكرة
-منى رحمة ،السياسات الزراعية في البلدان العربية ،مركز دراسات الوحدة العربية ،بيروت2000 ،
-رقية الجبوري ،السياسات الزراعية وأثرها في االمن الغذائي في بعض البلدان العربية ،مركز دراسات الوحدة
العربية2012،
-اللجنة االقتصادية واالجتماعية لغربي اسيا ،2005،التقدم المحرز في مفاوضات جولة الدوحة الخاصة بالزراعة واالثار
.المتوقعة على النفاذ الى األسواق بالنسبة للصادرات الزراعية العربية ،األمم المتحدة
-محمد السعدي ،2014 ،تقييم نقذي للعالقات االقتصادية بين االتحاد األوروبي ودول جنوب المتوسط ،اتحاد النقابات
.العربية
-صقر النور ،الفالحون والثورة :فاعلون منسيون ،موقع نفهم العالم لنغيره 04 ،فبراير 2017
-سالم توفيق النجفي . 2013،سياسات االمن الغذائي العربي ،الركود في اقتصاد عالمي متغير (رؤية مستقبلية)،
مركز دراسات الوحدة العربية ،بيروت2013 ،
1من أجل معطيات أوفر ،أنظر عزام محجوب ومحمد منذر بلغيث ،2018 ،ورقة حول الحق في الغذاء والسيادة
الغذائية في البلدان العربية من خالل البيانات والمؤشرات الدولية ،تقرير الراصد العربي لسنة 2019 2018-شبكة
المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية ،نوفمبر.
57
الفصل الثالث
58
الفصل الثالث:
السياسات النيوليبرالية والعمل
غير المهيكل بالمنطقة العربية
المقدمة
ّ
حسب تعريف المنظمة الدولية للعمل ،يضم االقتصاد غير المنظم كل األنشطة االقتصادية للعاملين وكذلك الوحدات
االقتصادية التي ال تشملها المقتضيات واإلجراءات الرسمية والمقتضيات التنظيمية ،إما ألن هذه الفئة من العاملين تنشط
في قطاعات ال تشملها القوانين أو ألن القوانين التي من المفترض أن تحميهم غير مطبقة .وينتج عن هذا التعريف أن
االقتصاد غير النظامي يضم في نفس اآلن القطاع غير المهيكل ومناصب الشغل غير المهيكلة بالشركات المنظمة أو
المهيكلة (.)Bureau International du Travail 2002
ونظ ًرا ألهمية المقاربة الحقوقية للموضوع ،نعتبر بأن مفهوم “العمل الالنظامي أو غير المهيكل” مناسب أكثر ألنه يركز
ّ
يمكن على “الوظائف والعمال” ويعطي األولوية في التحليل إلى النقص في حقوق العمال .كما أن تركيزه على الوظيفة
من تجنب التعقيدات المتصلة بالمفهوم المستند إلى المؤسسة ويسمح بمراقبة التقدم في تحقيق العمل الالئق
(منظمة العمل الدولية .)2008كما أن مقاربة الجندر والمساواة بين الجنسين تستدعي األخذ بعين االعتبار العاملين في
العناية بدون أجر (الطبخ ،العناية باألطفال ،تنظيف السكن ،استضافة الزائرين والضيوف ،تنظيم مناسبات األفراح والقيام
بواجبات العزاء).
والمالحظ أن االقتصاد غير المنظم لم يعد يقتصر على القطاع الفالحي أو دول الجنوب ،بل أضحى منتش ًرا في البلدان
الرأسمالية المتقدمة وفي قطاعات عديدة كالصناعات اإللكترونية والنسيج واأللبسة والبناء والتشييد والسياحة
والخدمات المنزلية (.)Bureau International du Travail 2012
وفي منطقة الشرق األوسط وشمال أفريقيا ،ينتج البلد النموذجي 28٪من اإلنتاج الداخلي الخام من خالل العمل غير
المهيكل كما أن هذا األخير يشكل 65٪من قوة العمل المتوفرة في البلد ( .)Gatti R. et al. 2014باإلضافة إلى هذا،
يمثل العمل غير المهيكل 45إلى 55٪من العمالة خارج القطاع الفالحي بالبلدان العربية المتوسطية (.)Martin I 2009
تتعدد أسباب انتشار العمل غير المهيكل بالمنطقة العربية ،منها العوامل الديمغرافية (خاصة الزيادة المحسوسة في
نسبة السكان النشيطين جراء دخول المنطقة في مرحلة االنتقال الديمغرافي) ،والهجرة إلى المدن ،وعدم التوافق
بين نتائج التعليم ومتطلبات سوق العمل ،وتزايد مظاهر الفقر واإلقصاء االجتماعي ،والعوائق اإلدارية ،باإلضافة إلى
العوائق االجتماعية والثقافية التي تحول دون ولوج النساء سوق العمل .غير أن للسياسات االقتصادية المتبعة في
المنطقة منذ ثمانينات القرن الماضي دو ًرا مؤث ًرا في تنامي ظاهرة العمل غير المهيكل .ونقصد بالسياسات االقتصادية
سياسات االقتصاد الكلي (السياسة المالية والسياسة النقدية ومحاربة التضخم باألساس) وسياسات التجارة واالستثمار
والسياسات التمويلية ،إضافة إلى سياسات الخصخصة و”إصالح” المؤسسات المملوكة للدولة (محمود عبد الفضيل،
.)2012وينطلق التحليل النيوليبرالي من محدودية النموذج التنموي الدولتي الذي ساد خالل الستينات والسبعينات من
القرن الماضي ،والذي أدى حسب أصحاب هذا التحليل إلى أزمة المديونية الخارجية للعديد من البلدان “النامية” ،ليركز
على ضرورة تبني سياسات اقتصادية بديلة تعتمد على فعالية األسواق الحرة في التخصيص األمثل للموارد وأهمية
تثمين دور القطاع الخاص والملكية الفردية ،إضافة إلى ضرورة الحفاظ على التوازنات االقتصادية الكلية .ومن شأن إعمال
هذه السياسات الدفع بعجلة النمو وتحسين اإلنتاجية والتنافسية وتشجيع التصدير لخلق فرص عمل جديدة (Chang
.)H.J. and Grabel I. 2014
إن الهدف من هذه الورقة هو دحض هذه الفرضيات من خالل دراسة تأثير السياسات النيوليبرالية على العمل غير
المهيكل بالمنطقة العربية مبينين مساهمتها في االنتشار المزمن لالقتصاد غير النظامي ،وقد اعتمدنا إلنجازها الورقة
على األدبيات والدراسات المتوفرة ،علما بأن هناك نقص كبير فيما يخص البحث العلمي حول ظاهرة العمل غير المهيكل
بالمنطقة العربية .سنعرض في الجزء األول لمحتوى هذه السياسات كما ُطبق في العديد من الدول العربية ،مبرزين
الدور الذي لعبته المؤسسات الدولية بارتباط مع تنامي ظاهرة العمل غير المهيكل ،ثم نخصص الجزأين الثاني والثالث
لتحليل تأثير سياسة تحرير التجارة الخارجية ثم سياسات االقتصاد الكلي على العمل غير المهيكل بالمنطقة العربية.
59
القسم األول :مضمون السياسات النيوليبرالية بالمنطقة العربية وتأثير
المؤسسات الدولية
تضافرت عوامل داخلية وخارجية للدفع بالعديد من الدول العربية لتبني سياسات نيوليبرالية أمال في تعافي اقتصاداتها
من األزمة التي ألمت بها أواخر السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي .ذلك أن محدودية األداء اإلجمالي لنظام
رأسمالية الدولة والتركيز على صناعات إحالل الواردات المتبع -بدرجات متفاوتة -من طرف الدول العربية (باستثناء دول
الخليج) وغياب المشاركة الشعبية ،كلها عوامل ساعدت على تأزيم األوضاع االقتصادية واالجتماعية في هذه الدول.
وينبغي التأكيد هنا على أن التحوالت العميقة على الصعيد العالمي (التخلي عن أسس نظام بريتون وودز ،تحرير حركة
رؤوس األموال من الرقابة ،وغيرها) واالضطرابات االقتصادية (الصدمات الكبرى بالسوق البترولية ،وارتفاع نسبة الفوائد
على المستوى العالمي ،والركود االقتصادي بالدول الرأسمالية الغنية) فاقمت من معاناة الدول العربية المعنية ،حيث
ساهمت إلى جانب العوامل الداخلية في تفاقم المديونية الخارجية وتدهور التوازنات الماكرو-اقتصادية .ولتجاوز هذه
الوضعية ،لجأت الدول العربية المعنية إلى المؤسسات المالية الدولية (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) للحصول
على الدعم المالي و”االستشارة التقنية” .هكذا ،قامت دول عربية عديدة (مصر ،المغرب ،تونس ،األردن ،على سبيل الذكر)
بتطبيق ما يسمى ب”توافق واشنطن “والمرتكز على ثالثية :لبرلة االقتصاد -الخصخصة -التقشف المالي .لقد كان
الهدف الرئيسي من تبني هذا التوجه االقتصادي الجديد هو إدماج هذه االقتصادات في النظام الرأسمالي المعولم
واالستجابة لحاجيات االحتكارات الكبرى والشركات المتعددة الجنسية في التوسع وتحقيق مزيد من التراكم الرأسمالي
والهيمنة العالمية.
لقد تمحورت السياسات المتبعة من خالل برامج التثبيت والتكيف الهيكلي حول إعادة التوازنات االقتصادية الكلية
(توازن المالية العمومية وميزان المدفوعات) والتحرير التدريجي للقطاعات االقتصادية والتجارية ،والمالية والخصخصة،
ورفع القيود اإلدارية والتنظيمية على مبادرات القطاع الخاص .فاستعادة التوازنات الماكرو-اقتصادية يمر عبر تطبيق
سياسات تقشفية صارمة مثل خفض اإلنفاق العمومي والضغط على األجور وحذف دعم المواد األساسية .أما في
مجال لبرلة اقتصادات المنطقة ،فقد قامت الدول العربية على الخصوص بتبني سياسات تجارية أكثر تحري ًرا (تخفيض
التعريفة الجمركية ،تخفيف العوائق غير الجمركية ،تحرير جزئي لقطاع الخدمات) على إثر انضمامها إلى اتفاقية”
الجات” (االتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة) وعضوية منظمة التجارة العالمية وكذلك التوقيع على عدد
من االتفاقيات التجارية اإلقليمية (أحمد غنيم.)2012 ،
وقد استعملت الخصخصة كعنصر أساسي في سياسات “اإلصالح” االقتصادي وإعادة الهيكلة وكأداة رئيسية للتحول
إلى ما يسمى باقتصاد السوق وإعادة توزيع األدوار بين القطاعين العام والخاص في المنطقة العربية .كما أقدمت عدة
دول عربية على تعميق مشاركة القطاع الخاص (ما يسمى بالشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص) في قطاع
البنية األساسية ،باستخدام أسلوب البناء والتشغيل والنقل وخاصة في مشاريع الطاقة الكهربائية وإقامة محطات
توليد الكهرباء المستقلة .وقد حاولت تجارب الخصخصة األخذ بعين االعتبار الجانب االجتماعي ،إذ عمل إما على االحتفاظ
بالعاملين في الشركات التي ُخصصت (المغرب واألردن) أو استعمال بعض مداخيل الخصخصة لدفع معاشات مبكرة
المسرحين (مصر وتونس) (محمود عبد الفضيل.)2012 ،
ّ وإعانات للعمال
همت التغييرات على الخصوص “مناخ األعمال” ،أي اإلجراءات الحكومية المنظمة أما في مجال الضبط والتقنين ،فقط ّ
ألنشطة األعمال (مثل تسجيل الشركات ،استخراج تراخيص البناء ،إجراءات التجارة عبر الحدود ،دفع الضرائب ،تصفية
النشاط االقتصادي ،مرونة سوق العمل) .تجدر اإلشارة أنه في مجال مرونة العمل الذي له ارتباط وثيق بتطور ظاهرة
ً
الحقا ،قامت مختلف الدول العربية غير النفطية بتغيير قوانين العمل إلضفاء طابع العمل غير المهيكل كما سنبين
المرونة على عالقات العمل استجابة لضغوطات المؤسسات المالية الدولية والقطاع الخاص المحلي ،في حين اتسمت
هذه العالقات دائما بالمرونة في الملكيات النفطية (.)Cammett et al. 2010
60
٢.١دور المؤسسات الدولية بارتباط مع تفشي ظاهرة العمل غير المهيكل
لقد ركزت منظمة العمل الدولية على الجوانب السلبية لالقتصاد غير المنظم ،فهو “يستطيع أن يوقع األفراد والمنشآت
في دوامة من اإلنتاجية المنخفضة والفقر .خاصة من منظور العمال غير المحميين ،حيث تفوق الجوانب السلبية للعمل
في االقتصاد غير المنظم بأشواط جوانبه اإليجابية ،فهو ال يعترف بالعمال وال يتم تسجيلهم أو تنظيمهم أو حمايتهم
في ظل تشريعات العمل والحماية االجتماعية ،وبالتالي ال يتمكنون من التمتع بحقوقهم األساسية أو ممارستها أو
الدفاع عنها( ”.مكتب العمل الدولي .)2014 ،غير أن إطالق النقاش في عام 2002حول العمل الالئق واالقتصاد غير المنظم،
شكل تحوال في مقاربة المنظمة للظاهرة ،إذ تم استبدال عبارة “القطاع غير المنظم” بمصطلح جديد“ ،االقتصاد غير
موجودا فإنه سيبقى العائق األكثر خطورة أمام
ً المنظم” .لهذا ،اعتبرت المنظمة أن “مادام االقتصاد غير المنظم
هدف تحقيق العمل الالئق للجميع” ،كما أكدت على “أهمية اعتماد نهج شامل ضمن برنامج العمل الالئق بغية معالجة
جوانبه السلبية من خالل الحماية واإلدماج في االقتصاد العام ،وفي الوقت نفسه الحفاظ على إمكانياته في استخدام
الوظائف وتوليد الدخل”(المرجع السابق) .باإلضافة إلى هذا ،بلورت منظمة العمل الدولية مجموعة من السياسات لكبح
االقتصاد غير المنظم وهي“ :استراتيجيات النمو وتوليد العمالة الجيدة ،البيئة التنظيمية ،الحوار االجتماعي والتنظيم
والتمثيل ،تعزيز المساواة والتصدي للتمييز ،التدابير الرامية إلى دعم روح تنظيم المشاريع والمهارات والتمويل ،مد نطاق
الحماية االجتماعية ،استراتيجيات التنمية المحلية” (المرجع السابق).
بالمقابل ،ضمت المؤسستين الماليتين الدوليتين مرونة سوق العمل لحزمة “اإلصالحات” الهيكلية الهادفة إلى تحرير أسواق
السلع والرساميل والعمل .فالتشريعات والقوانين حول الحد األدنى لألجور والحماية االجتماعية وتقنين قواعد توظيف
وتسريح العمال ،كلها عوامل تحد من تنافسية الشركات وتعيق تك ّيف أصحابها مع تقلبات السوق ومستلزمات إعادة
وفقا لمنظور هاتين المؤسستين المالية ،مما ال يشجعً هيكلة الشركات وانتقال العمالة إلى قطاعات تصديرية واعدة
رجال األعمال على إحداث مناصب شغل جديدة .كما أن من شأن هذا “التضييق” على حرية رأس المال في التعامل مع
العمالة دفعه إلى اللجوء للقطاع غير الرسمي تفاد ًيا للتعقيدات اإلدارية والقيود المفروضة على مستوى سوق العمل.
نستخلص مما سبق أن تنامي ظاهرة العمل غير المهيكل حسب المؤسسات المالية الدولية ناجم أساسا عن تدخل
الدولة لتقنين سوق العمل ،وبالتالي وجب تفعيل مرونة سوق العمل بإزالة هذه القيود خدمة للزيادة في االستثمارات
الخاصة وتحسين التنافسية للرفع من فرص خلق مناصب عمل جديدة والحد من انتشار العمل غير المهيكل .ويتم
التشديد على الخصوص على أن مرونة العمل تقلص من تكاليف العمالة وتسهل عمليات التوظيف والتسريح ،كما أنها
ترفع القيود عن العمل بعقود محددة األجل وتعطي أصحاب الشركات حرية أكبر لتحديد ساعات العمل .والحال أن
هذا يؤدي حتما إلى جعل أوضاع العمال أكثر هشاشة ويساعد على انتشار العمل غير المهيكل .إن هذه المقاربة تشكل
مكشوفا لصالح المستثمرين وأصحاب الرساميل على حساب حقوق العمال التي تعتبر مجرد كلفة يجب الضغطً انحيا ًزا
عليها لربح رهان التنافسية في أسواق “حرة “ومنفتحة على العالم .باإلضافة إلى هذا ،بينت بعض البحوث حول الموضوع
غياب أية عالقة طردية بين مرونة سوق العمل والعمل غير المهيكل (.)Stalling B. 2010
مدت جسور التعاون مع المؤسسات المالية الدولية ،خاصة البنك الدولي ،من وتجدر اإلشارة إلى أن منظمة العمل الدولية ّ
أجل إدماج معايير العمل الدولية في برامج المؤسستين المذكورتين وكذلك ضمن المشروطية للحصول على قروض
منها من طرف دول الجنوب .وعلى سبيل المثال ال الحصر ،قام مكتب العمل الدولي والبنك الدولي باقتراح تقديم تحفيزات
61
للوحدات العاملة في القطاع غير المهيكل (تبسيط المساطر اإلدارية والقوانين ،تحسين الخدمات العمومية ،الخ ).كي
تنتقل إلى االقتصاد النظامي لما لهذا األخير من تأثير إيجابي على النمو االقتصادي ،كما اقترحا إحداث شبكات األمان
االجتماعي ومساهمات محدودة لضمان الحماية االجتماعية للعاملين غير المهيكلين (.)ILO-World Bank 2010
غير أن التجربة الميدانية تبين بأن المؤسسات المالية الدولية تركز في تعاملها مع الدول المدينة على ضرورة تطبيق
مرونة الشغل ضمن حزمة الشروط للحصول على القروض المطلوبة (.)Anner M. and Caraway T. 2010
كما تمثل مرونة سوق العمل عامال أساسيا في قياس سهولة ممارسة أنشطة األعمال التي يعتبرها البنك الدولي
وصندوق النقد الدولي مدخال أساس ًيا لتحرير طاقات القطاع الخاص ،خاصة ما يتعلق بتوظيف العاملين وفصلهم من
الخدمة بسبب “التوظيف المفرط وتكلفة الفصل من الخدمة وساعات العمل” .فمؤشر توظيف العاملين على سبيل
المثال ال الحصر يقيم بشكل إيجابي البلدان التي تسمح باعتماد عقود العمل المحددة األجل -أي المؤقتة .ومعلوم أن
مثل هذه العقود تستعمل بكثرة في بلدان الجنوب لتفادي التصريح بالعمال المعنيين لدى مؤسسة الضمان االجتماعي
وحرمانهم من الخدمات االجتماعية األخرى (.)Polack S 2007
تعني العولمة النيوليبرالية بصفة عامة تقليص الحواجز أمام التجارة الخارجية وتحرير حركة رؤوس األموال ،إضافة إلى
انتشار التكنولوجيا وهجرة العمال إلى الخارج .كما تتجلى في تدويل اإلنتاج من خالل إقامة سالسل القيمة العالمية
(أو شبكات اإلنتاج العالمية) (بالنسبة لتنظيم هذه السالسل انظر الشكالن 1و 2في الملحق) .تستفيد هذه السالسل
من انخفاض تكاليف النقل واالتصاالت وتحرير المبادالت التجارية لتوطين حلقاتها في مختلف البلدان لالستفادة من
مزاياها التنافسية (مثل يد عاملة رخيصة ،القرب من أسواق البلدان المتقدمة أو أسواق إقليمية صاعدة ،بنيات تكنولوجية
متقدمة) .وهذا يؤدي إلى انتشار التعاقد من الباطن على المستوى العالمي والبحث على تقليص تكلفة اإلنتاج في
إطار المنافسة بين االحتكارات الرأسمالية -الموجه الرئيسي للعولمة ،-مما يشجع على تزايد مظاهر هشاشة العمل
وتنامي العمل غير المهيكل داخل وخارج القطاع الرسمي أو النظامي (.)Carr M. and Chen M.A. 2001
لقد ساهمت العولمة النيوليبرالية خالل تسعينات القرن الماضي في انتشار ظاهرة العمل غير المهيكل في العديد من
القطاعات والبلدان .وإذا كانت هذه العولمة تساعد على الحصول على أسواق جديدة وتولد وظائف جديدة ،فإن العديد
من هذه الوظائف تتسم بالهشاشة ،كما أن المنافذ الجديدة تستعصي على صغار المنتجين والمهمشين منهم .وفي
المنطقة العربية ،انطلق مسلسل تحرير التجارة الخارجية من خالل تطبيق برامج التكييف الهيكلي في مرحلة أولى،
تلتها توقيع اتفاقيات التبادل الحر من طرف الدول العربية ،خاصة تلك المطلة على البحر األبيض المتوسط ،مع محيطها
اإلقليمي (خاصة االتحاد األوروبي) والدولي (الواليات المتحدة).
وما يهمنا في المقام األول هو الوقوف على قنوات وآليات تأثير سياسات تحرير التجارة واالستثمار على العمل غير المهيكل.
يؤثر تحرير التجارة الخارجية واالستثمار بدرجات متفاوتة على العمل غير المهيكل حسب نوعية هذا األخير .هكذا يمكن
ألصحاب الشركات الصغيرة غير المهيكلة أن يستفيدوا من اإلقبال على بعض السلع المصدرة من بلدان الجنوب إلى
الواليات المتحدة وأوروبا واليابان (مثال زبدة الشيا أو الجمبري) .بالمقابل ،هناك العديد من المنشآت الصغيرة التي تفلس
نتيجة منافسة السلع المستوردة .أما بالنسبة للعاملين لحسابهم الخاص ،تحول عدم قدرتهم على الحصول على
القروض والتدريب والتكنولوجيا والمعلومات حول األسواق دون االستفادة من الفرص المتاحة من جراء االنفتاح الخارجي.
غير أن هذا النوع من العمل غير المهيكل مهدد بفعل منافسة السلع المستوردة .وتبقى شريحة العمال المأجورين
غير المهيكلين األكثر عرضة لآلثار السلبية لسياسات تحرير التجارة واالستثمار .فحرية التنقل على الصعيد العالمي التي
يتمتع بها رأس المال في مواجهة العمل تمكنه من الضغط في اتجاه الحصول على أقل التكاليف لتوظيف العمالة
وفق شروط تتسم أكثر فأكثر بالهشاشة وعدم االستقرار .ويساعد على فرض هذا الواقع الجديد كذلك ضغط القطاع
الخاص المحلي من أجل مرونة سوق العمل تحت غطاء ضرورة تحسين مناخ األعمال للرفع من التنافسية واإلنتاجية .كما
أن أوضاع العاملين غير المهيكلين تتأثر بنوعية القطاع الذي يعملون فيها (صناعة تحويلية كتصدير األلبسة أو أنشطة
فالحية تصديرية غير تقليدية) (المرجع السابق).
62
بالنسبة للمنطقة العربية ،يالحظ بأن الرهان على توجيه األنشطة االقتصادية نحو التصدير لم يأت أكله ،فتصدير
المنتجات الصناعية الكثيفة العمالة وذات التكلفة المنخفضة اصطدم باشتداد المنافسة من دول أكثر إنتاجية وأقل
تكلفة ،خاصة المصدرين اآلسيويين .كما أن التحول إلى التصدير لم يكن ليكلل بالنجاح علما أن جل دول الجنوب اعتمدت
على غزو أسواق البلدان الرأسمالية المتقدمة ،مما جعل نجاح هذه االستراتيجية من الصعوبة بمكان .على سبيل المثال
تراجعا في حصتها من السوق العالمية (.)Bernhardt T. 2016
ً ال الحصر ،سجلت صناعة األلبسة في تونس والمغرب
من جهة أخرى ،دفعت حدة المنافسة على األسواق الخارجية إلى توظيف أعداد متزايدة من النساء باعتبارهن أقل ميال
لالحتجاج وبالتالي يسهل التحكم فيهن من أجل تعظيم فائض القيمة وجعلهن يقبلن بأجور متدنية دون تغطية
اجتماعية أو شروط عمل الئق .كما أن الزيادة النسبية التي حصلت في الصادرات رافقتها ظروف عمل هشة ،خاصة على
مستوى سالسل القيمة كثيفة العمالة كالنسيج واأللبسة والفالحة التصديرية .هكذا نستنتج من بحث بيرنهات (المرجع
السابق) الذي سبق ذكره بأن قطاع األلبسة فقد مناصب شغل عديدة خالل الفترة ما بين 2000و 2012في حين لم تعرف
األجور الحقيقية تحسنا يذكر .أما في تونس ،فقد تراجعت القيمة الحقيقية لألجور فيما سجل التوظيف في القطاع
زيادة طفيفة .لقد أثرت هذه التغيرات على هشاشة العمل وساهمت في زيادة العمل غير المهيكل .ففي المغرب،
تشتكي النقابات العمالية من االستغالل الذي تتعرض له العامالت بقطاع النسيج واأللبسة .والحال أن العمالة النسائية
تمثل 41٪من إجمالي العمالة في الصناعات التحويلية و 70٪من الشغيلة في قطاع النسيج واأللبسة .فجل النساء بالقطاع
أميات وال ينتمين إلى أية نقابة ،باإلضافة إلى معاناتهن من هشاشة ظروف العمل وحصرهن في مناصب دون تأهيل
يذكر .وتعتبر هؤالء العامالت انخراطهن في سوق العمل ضرورة لتحسين دخل أسرهم نظرا لعدم كفاية أجر “رب
األسرة” (.)Meddeb R. 2000
أما في تونس ،فقد ساهم انخراط الصناعيين في سالسل القيمة العالمية في إطار الشراكة مع االتحاد األوروبي في
نمو القطاعات كثيفة العمالة التي تشغل يد عاملة نسائية غير مؤهلة وتقتصر على أنشطة التجميع .وقد اتسمت
هذه القطاعات بزيادة محسوسة في نسبة العاملين المؤقتين (أولئك الذين يعملون وفق عقدة عمل محددة األجل أو
بدون عقدة) ،خاصة بعد مراجعة قانون العمل سنة ،1996بأجور متدنية وبدون حماية اجتماعية تذكر .هكذا بلغت نسبة
وفقا لتقديرات مكتب العمل الدولي (.)Smith A. 2015 ً العاملين بعقود مؤقتة في قطاع النسيج واأللبسة 68٪
وقد تفاقم الوضع بعد الربيع العربي ،حيث لوحظ أن غالبية شركات األلبسة تعتمد على العاملين المؤقتين حتى تتمكن
من التكيف مع متطلبات وضغوطات صناعة الموضة األوروبية .بهذا تكبر مخاطر التهميش وهشاشة العاملين المؤقتين
في ظروف تتسم بتزايد البطالة وارتفاع تكاليف العيش.
أما في المشرق العربي ،يتبين من خالل دراسة حالة “المناطق الصناعية المؤهلة” بأن اآلثار على العمالة غير المهيكلة
تختلف في األردن مقارنة مع ما هو عليه األمر في مصر .لقد مكنت اتفاقيات المناطق الصناعية المؤهلة ك ًلا من األردن
ومصر من جلب استثمارات أجنبية مهمة ،خاصة من دول جنوب وشرق آسيا بالنسبة لألردن ،لالستفادة من اإلعفاءات
الجمركية الكبيرة في مجال النسيج والمالبس وااللتفاف على نظام التحصيص األمريكي المفروض على هذه الصناعة.
كما نجم عن هذه االتفاقيات قفزة كبيرة في الصادرات الصناعية إلى السوق األمريكية خاصة بالنسبة لألردن (على سبيل
المثال سجلت الصادرات األردنية زيادة قدرها 1.25بليون دوالر في أقل من عشر سنوات) .باإلضافة إلى هذا ،تم استقدام
عشرات اآلالف من العمال اآلسيويين إلى األردن ،وشكلت النساء 66.5٪منهم سنة 2004و 50٪سنة .)Azmeh S. 2014( 2010
ومن بين األسباب التي يقدمها المستثمرون لهذا االختيار اعتقادهم بأن العمالة النسائية “أكثر مالئمة لطبيعة العمل
التزاما” .كما أن أجر العمالة األجنبية “يجب أن يترك ليتحدد في السوق حسب العرض والطلب” في حين يعتبر رجال ً وأكثر
األعمال “بأن سياسة الحد األدنى لألجور المطبقة مالئمة بالنسبة للعمالة المحلية فقط” (العراب نيوز ،بدون تاريخ) .إن هذه
التصريحات تكشف جان ًبا فقط من االستغالل والتمييز الذي تعاني منه العمالة باألردن ،إذ كشفت تقارير النقابات العمالية
والمنظمات الحكومية حجم االنتهاكات الصارخة التي تتعرض لها العمالة األجنبية بالمناطق الصناعية المؤهلة من
قبيل “حجز جوازات السفر وعدم تجديد تصريح العمل لبعضهم وتأخير الرواتب وأحيانا عدم دفعها ،والتشغيل لساعات
عمل طويلة مع احتساب ساعات العمل اإلضافي بطريقة أقل مما هو مستحق ،إضافة إلى التعرض لإلهانات واإلساءات
توفر معظم الشركات ّ التي تصل أحيانا حد االعتداء الجسدي أو الجنسي” (صحيفة الغد .)2016 ،باإلضافة إلى هذا ،ال
العاملة بهذه المناطق الحماية االجتماعية للعاملين والعامالت بها إضافة إلى عدم حصولهم على عقد عمل (Better
.)Work Jordan 2015
وينبغي اإلشارة إلى أن ظروف الهشاشة وعدم هيكلة العمل هاته راجعة باألساس إلى الضغوطات التي تمارسها
الشركات األمريكية -المتحكمة في سلسلة القيمة لألنسجة والمالبس -على مورديها باألردن من أجل االستجابة
63
السريعة لحاجيات وتقلبات السوق بأقل التكاليف ،وكذلك إلى االستغالل المبني على النوع االجتماعي.
ويختلف األمر في مصر ،حيث ال تسمح القوانين بتوظيف أكثر من 10٪من العمالة األجنبية ،رغم وجود حاالت لعمالة أجنبية
تشتغل في إطار غير منظم وخارج اللوائح المعمول بها (.)Azmeh 2014
كما أن للعمال والعامالت قدرة على مقاومة أساليب االستغالل المفرط الذي تتعرض له العمالة باألردن ،وذلك لعدة
أسباب نذكر منها ضعف األجور مقارنة مع ما هو معمول به في قطاعات أخرى ،مما يدفع العاملين إلى البحث عن
فرص عمل أخرى ،واعتبار عدد من العامالت المتزوجات األجر الذي يتقاضينه مجرد دخل تكميلي لألسرة ،باإلضافة إلى
أن التقاليد والعادات التي تمنع النساء العازبات من الهجرة إلى المناطق الصناعية المؤهلة للعمل .كما أن المسافات
الطويلة التي على العمالة قطعها يوميا من وإلى أماكن العمل تجعل تمديد ساعات العمل أم ًرا صع ًبا (المرجع السابق).
تعطي اتفاقيات المناطق الصناعية المؤهلة معاملة تفضيلية متمثلة في ولوج الصادرات بدون جمارك لعدد من
المنتجات السلعية الموجودة في كل من مصر واألردن إلى سوق الواليات المتحدة األمريكية .ففي مارس 1996اقترح
أحد أعضاء الكونغرس األمريكي إدخال تعديل على اتفاقية التجارة الحرة بين الواليات المتحدة وإسرائيل يسمح
بدخول منتجات مصنعة من غزة والضفة الغربية أو المناطق الصناعية المؤهلة بين إسرائيل واألردن وبين إسرائيل
ومصر .وقد وقعت األردن اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة مع إسرائيل برعاية الواليات المتحدة األمريكية عام
ً
ووفقا لهذه االتفاقية وقواعدها فإن المنتجات التي تمت ،1997بينما وقعت مصر االتفاقية الخاصة بها عام .2004
الموافقة عليها من جانب الواليات المتحدة األمريكية يجب أن يتم إنتاجها في مواقع جغرافية تم تحديدها
مسبقا داخل مصر واألردن بعد موافقة الواليات المتحدة .باإلضافة إلى ذلك ،فإن المصانع المستفيدة من هذه
االتفاقية يجب أن تسجل في وحدة معينة بوزارات التجارة المعنية في مصر واألردن لضمان تطبيقها للشروط
المحددة ،وأهم تلك الشروط هو استخدام نسبة مكون إسرائيلي محددة حتى تتبع من الناحية القانونية اتفاقية
التجارة الحرة بين إسرائيل والواليات المتحدة األمريكية ،وذلك حتى يسمح لها بالدخول بدون جمارك إلى أراضي
الواليات المتحدة األمريكية.
وقد كان الهدف الرئيسي من وراء هذه االتفاقية ،من وجهة نظر الواليات المتحدة هو تشجيع عملية السالم
في الشرق األوسط .أما عن الهدف االقتصادي والتجاري لمصر واألردن فكان في الحفاظ على الحصة السوقية
لصادراتها في سوق الواليات المتحدة وخاصة من المنتجات النسيجية والمالبس الجاهزة ،إضافة إلى تحقيق
اندماج إقليمي بين مصر واألردن وإسرائيل.
عن أحمد فاروق غنيم ،السياسة التجارية في الدول العربية ،2012 ،ص( 92.بتصرف)
إن انتشار العمل غير المهيكل بالمنطقة العربية عبر شبكات اإلنتاج العالمية شمل كذلك القطاع الزراعي .ونظرا لشح
المعلومات في هذا المجال ،نقتصر على عرض التجربة المغربية .ذلك أن تطور الزراعة التصديرية تم بشكل كبير من
خالل االتفاقيات الفالحية مع االتحاد األوروبي التي تمكن من الولوج التفضيلي للمنتجات المغربية إلى السوق األوروبية.
ووفقا لدراسات قامت بها منظمات ً وتنتظم الصادرات المغربية في إطار شبكات إنتاج عالمية مع هيمنة الفضاء األوروبي.
المجتمع المدني العاملة بالمغرب حول قطاع الفواكه الحمراء بشقيه الزراعي والصناعي على العمل غير المهيكل في
الفالحة (الضيعات) والصناعة (معامل التصبير أو التعليب) ،تتكون سلسلة القيمة أو شبكة إنتاج الفراولة على سبيل المثال
من عدة حلقات تبدأ من الضيعة الفالحية ثم المصنع قبل التصدير إلى أوروبا حيث تمر السلعة المصدرة عبر المستوردين
وصو ًلا إلى شبكات التوزيع للمستهلك األوروبي( .تتم عملية إنتاج الفواكه الحمراء داخل ضيعات مملوكة في الغالب
لكبار الفالحين المغاربة في حين تتواجد فروع تابعة لشركات متعددة الجنسية بقوة على مستوى التصبير والتعليب).
وقد أظهرت دراسات ميدانية بإشراف المنظمة غير الحكومية الدولية “أوكسفام” أن أغلبية العاملين على صعيد
“الحلقة المغربية” لشبكة اإلنتاج هن نساء ،علما بأن 60٪من العمالة الزراعية بالمغرب مكونة من النساء ،ويتسم عملهن
بالموسمية .وتعاني العمالة الزراعية بصفة عامة من الهشاشة حيث ال تحترم مقتضيات قانون الشغل (مثل الحد األدنى
لألجور ،عدد ساعات العمل ،الحماية االجتماعية ،العطل) وتتعرض حقوقها االقتصادية واالجتماعية النتهاكات جسيمة.
ففي قطاع الفواكه الحمراء مث ًلا ،تتمثل الخروقات التي تم رصدها في عدم التوفر على بطاقة الضمان االجتماعي
وعدم تطبيق الحد األدنى لألجور وعدم التصريح بشكل كامل بساعات العمل .باإلضافة إلى هذا ،تتعرض النساء إلى كل
أنواع العنف والضغوطات االجتماعية والنفسية ،كالتحرش واالستغالل الجنسي والمعامالت الحاطة من كرامتهن من
سب وشتم وتحقير داخل أماكن العمل أو في الطريق إليه (أوكسفام-أنترمون .)2009
64
لقد ركزنا تحليلنا لحد اآلن على تأثير انخراط بعض االقتصادات العربية في سالسل القيم وشبكات اإلنتاج العلمية على
العمل غير المهيكل .والحال أن تأثير تحرير التجارة على العمل غير الهيكل يتجلى كذلك من خالل انعكاساتها على
القطاعات الموجهة للسوق المحلية ،خاصة صناعات إحالل الواردات .وإذا كانت هذه المسألة معقدة وغير محسومة
على المستويين النظري واالمبريقي ( )Shepherd B 2013فحسبنا فقط إثارة االنتباه إلى المزيد من االنكباب على هذا
الموضوع الذي لم يحظ باالهتمام الكافي من الباحثين في المنطقة العربية .إن كل ما حصلنا عليه في هذا المجال
هو بعض البحوث همت المغرب ومصر .أما الدراسة األولى فهي قديمة نسب ًيا وتتعلق بأثر “إصالح التجارة الخارجية”
على عوامل اإلنتاج ،أي رأس المال والعمل ( ،)Currie J. and Harrison A. 1997حيث يستنتج الباحثان بأن هذا األثر
محدود نسب ًيا بالنسبة للتوظيف ،ذلك أن غالبية الشركات قامت بتقليص أرباحها المرتفعة وتحسين اإلنتاجية لمواجهة
شراسة المنافسة الخارجية الناجمة عن خفض حقوق الجمرك والحواجز غير الجمركية عوض القيام بتسريح العمال،
هذا باستثناء صناعات النسيج واأللبسة والمشروبات التي لجأت إلى تسريح العمالة .لكن لوحظ كذلك ارتفاع محسوس
في نسبة العاملين المؤقتين ،مما يفيد بزيادة هشاشة العمل وتنامي العمل المهيكل الذي ال يوفر للعامل عقدة عمل
أو حماية اجتماعية .أما الدراسة الثانية ،فهي حديثة العهد وتتعلق بالقطاع الصناعي في مصر (Selwaness I and
،)Zaki S. 2015إذ استنتج الباحثان عبر اعتماد مقاربة االقتصاد السياسي أن العمل غير المهيكل يزداد انتشا ًرا بفعل تحرير
التجارة الخارجية .ويتبين من خالل دراسة ثالثة ( )AlAzzami S. 2016أن فجوة النوع االجتماعي على مستوى األجور
تتفاقم جراء التحرير التجاري بالنظر إلى ضعف القدرة التفاوضية للنساء العامالت مقارنة مع الرجال ،وذلك لكونهن
غير مؤهالت وتفتقدن الخبرة .من جهة ثانية ،أثر االنفتاح التجاري سل ًبا على العمالة النسائية بالقطاع الصناعي المصري.
خالصة القول إن الشركات عوضت تراجع أرباحها نتيجة اشتداد منافسة المنتوجات المستوردة بالضغط على “الحلقة
جزءا على األقل من العامالت المسرحات ً األضعف” ،أي العامالت .أمام هذا التدهور في سوق العمل ،يمكن الجزم بأن
لجأن إلى االقتصاد غير النظامي لتوفير لقمة العيش لهن وألسرهن.
تزامن انتشار العمل غير المهيكل في بلدان الجنوب خالل العقود األخيرة مع تطبيق سياسات التثبيت والتكيف الهيكلي
في بلدان الجنوب ابتداء من ثمانينيات القرن الماضي ( ،)Charmes J 1991وما يهمنا في هذا الجزء هو تبيان اآلليات التي
تؤثر من خاللها السياسات الكلية (السياسة المالية على الخصوص) وسياسات الخصخصة وإصالح المؤسسات المملوكة
للدولة في المنطقة العربية على العمل غير المهيكل.
١.٣آثار عكسية
لقد كان من نتائج السياسة المالية التقشفية للدول العربية آثار عكسية على النمو والتشغيل والفقر .فعلى سبيل المثال
ال الحصر ،تراجع اإلنفاق العمومي في البلدان العربية غير النفطية وذات الكثافة العمالية (مصر ،األردن ،لبنان ،تونس،
والمغرب) من 50٪مقارنة مع الناتج الداخلي الخام في بداية الثمانينات إلى 30٪في بداية التسعينات ،كما سجل االستثمار
تراجعا كبي ًرا في جل البلدان العربية من 14-15٪إلى 6-7٪خالل نفس الفترة (.)Cammett M et al. 2015
ً العمومي
إن خفض اإلنفاق العمومي من خالل تقليص النفقات العامة (تجميد كتلة األجور ،تجميد أو خفض التوظيف بالقطاع
العام ،حذف أو التقليص من دعم المواد األساسية) ونفقات االستثمار أدى إلى تراجع في التوظيف العام (انخفضت
نسبة التوظيف بالقطاع العام خالل الفترة 2005-2010\1990من 58٪إلى 30٪بالجزائر ومن 32٪إلى 27٪بمصر ومن 26٪إلى 11٪
بالمغرب ومن 32٪إلى 22٪بتونس (المصدر السابق) ،لم يتم تعويضه من طرف القطاع الخاص في منطقة شمال أفريقيا
والشرق األوسط ،حيث سجل معدل االستثمار الخاص مقارنة مع الناتج الداخلي الخام تحسنا طفيفا من 13.82٪خالل
الفترة 1971-1990إلى 15.33٪للفترة . )2001-2010وهذا يدل على عجز هذا القطاع على تلبية طلبات الوافدين الجدد وبكثرة
إلى سوق العمل ،مما أدى إلى التحاقهم باالقتصاد غير النظامي .من جهة أخرى نجم عن خفض النفقات العمومية
تراجع في الطلب الداخلي اإلجمالي ساهم بدوره في تراجع العمل الرسمي أو المهيكل .باإلضافة إلى كل هذا ،كان
لتراجع اإلنفاق العام تأثير سلبي على قدرات الدولة على فرض احترام القوانين واإلجراءات التنظيمية ،مما سهل تنامي
العمل غير المهيكل .فحجم القطاع غير المهيكل يتطور بشكل عكسي مقارنة مع حجم وقدرات الدولة التنظيمية
(على سبيل المثال ،يؤشر نصيب وزارات التشغيل والشؤون االجتماعية المتدني من الموازنة العامة في البلدان العربية
65
على ضعف االعتمادات المخصصة لتدبير ومراقبة ظروف التشغيل ومدى االلتزام بالقوانين المعمول بها) ،وعكس ما
يدعيه المنظرون النيوليبراليون ،نتج عن رفع القيود اإلدارية والتنظيميةُ ،فتح الباب على مصراعيه النتشار وازدهار قطاع
خاص غير رسمي يعتمد على العمل غير المهيكل في أنشطته ،انظر على سبيل المثال (.)Kus B. 2014
إن أهمية السياسة المالية تكمن في تأثيرها اإليجابي على النمو والفقر وعدم المساواة .على سبيل المثال ،ب ّينت دراسة حول
تقييم نمط سياسات اإلنفاق العام في األردن أن التحويالت الحكومية ترفع من الدخل الصافي ،ويؤدي التأثير على الدخل
ً
وأيضا عند إضافة المتاح انخفاض الفقر بشكل كبير (بنسبة 46.8٪في عام 44.4٪ ،2006في عام ،2008و 46.2٪في عام ،)2010
التحويالت إلى الدخل الصافي ،يؤدي التأثير على الدخل المتاح إلى انخفاض عدم المساواة (معادل جيني) بنسبة 10٪في
سنة ،2006و 11.4٪في عام ،2008و 10.7٪في .2010كما أن ذروة المضاعف لإلنفاق الرأسمالي تقدر بـ.)Sarangi N.et al. 2015( 5.8
لقد كان لتطبيق هذه السياسات التقشفية األثر البالغ على معدل النمو وتراكم رأس المال وقدرة االقتصادات العربية على
تراجعا كبي ًرا في
ً توفير مناصب شغل منتجة وقادرة تحفظ كرامة اإلنسان .هكذا ،سجل معدل نمو الدخل المتوسط للفرد
عدة بلدان عربية ،حيث انخفض في ثمانية بلدان من أصل 18من بينها عمان ومصر وتونس وسوريا والمغرب واألردن والجزائر
ّ
أو بقي مستق ًرا في مستويات متدنية في العراق وقطر واليمن (.)Pedrosa-Garcia J.A. and Ali Z 2015
وقد استمر هذا األداء االقتصادي الضعيف طيلة العقود الماضية والى غاية ،2013حيث انخفض المتوسط السنوي لنمو
نصيب الفرد إلى ( 1.1٪اإلسكوا.)2016 ،
وبفعل انخفاض معدالت النمو أو ارتفاعها بنسب منخفضة في بداية األلفية الثالثة ،فإن معدالت البطالة استمرت في
منحاها التصاعدي في جميع البلدان العربية تقريبا ،إذ تعاني معظم البلدان العربية من معدالت بطالة تفوق ( 10٪برنامج
أيضا أعلى مستويات البطالة على الصعيد العالمي ،كما يتضح من خالل وتسجل المنطقة العربية ً ّ األمم المتحدة ،)2002
الشكالن 3و ،4خاصة في أوساط الشباب والنساء (.)Sarangi N. 2015
دائما إلى توفير فرص عمل كثيرة ومنتجة وشروط العمل الالئق ،فهذهً وينبغي التنويه أن زيادة معدل النمو ال تؤشر
الحظ أن المنطقة العربية
األخيرة مرتبطة بمستوى معدل النمو ونوعيته وطابعه اإلدماجي .من وجهة النظر هذهُ ،ي َ
لم توفر مناصب عمل الئق (أي مناصب عمل ترقى إلى طموحات الباحثين عن عمل من أصحاب الشهادات وانتظارات
الفئات المتوسطة) رغم معدالت النمو المعقولة ( 5٪سنويا) خالل العشرية األولى من القرن الواحد والعشرين .ذلك
أن معظم هذه المناصب تم استحداثها من طرف قطاعات خدمية ذات قيمة مضافة ضعيفة وتستعمل عمالة غير
مهيكلة كالبناء والتجارة والنقل والخدمات األخرى) ،في حين تعتبر نسبة الصناعة متدنية وبقيت مستقرة أو تراجعت
كما هو الحال بالنسبة لتونس والمغرب واألردن ومصر (.)Cammett et al. 2015
من جهة أخرى ،وكنتيجة للسياسات النيوليبرالية المطبقة في عدد من البلدان العربية ،يعرف العمل غير المهيكل منحى
تصاعد ًيا في كل من الجزائر ومصر والمغرب .ويتجلى هذا االنتشار على الخصوص في الحالة المصرية حيث انتقلت نسبة
مناصب العمل المحدثة في القطاع غير المهيكل من 1من أصل 5في عام 1970إلى 6من أصل عشرة في عام 1998
( .)ILO-World Bank 2010ويالحظ أن هناك عالقة وثيقة بين تنامي القطاع غير المهيكل في مصر وتراجع التوظيف.
ذلك أن نسبة العمالة التي تنشط في القطاع غير المهيكل انتقلت من 60.8٪عام 1998إلى 67.3٪عام ،2006في حين
تراجعت هذه النسبة في القطاع العام من 46.8٪إلى 39.1٪خالل نفس الفترة (.)Gatti R. et al. 2014
وبصفة عامة ،سجل “مؤشر شنايدر” لعدم الهيكلة زيادة سنوية بنسبة 0.69خالل الفترة 2000-2007بمنطقة الشرق
األوسط وشمال أفريقيا ،وهي ثالث أعلى نسبة في العالم بعد منطقتي أميركا الالتينية وأوروبا ووسط آسيا .كما أن
معدل الزيادة السنوي للعمل للحساب الخاص خالل الفترة 2000-2011بلغ 2.1٪في المنطقة ،وهي رابع أعلى نسبة في
العالم (انظر الشكل رقم .)5
تقدم الخصخصة وإعادة هيكلة المؤسسات المملوكة للدولة باعتبارها أداة لإلصالح االقتصادي عبر التخلص مما يوصف
بانعدام الفعالية وتفشي البيروقراطية والتبذير والفساد في القطاعات المملوكة للدولة .غير أن التكلفة االجتماعية لهذه
66
السياسة قد تكون ثقيلة إذ من الممكن جدا أن تفضي إلى زيادة العاطلين عن العمل ومن ثمة تعزيز أفواج الملتحقين
باالقتصاد غير النظامي بمختلف تجلياته .ذلك أن الفرضية النيوليبرالية بقدرة الخصخصة على خلق فرص عمل جديدة ال
تأخذ بعين االعتبار السلوك الريعي للقطاع الخاص في بلدان الجنوب وحساسيته المفرطة تجاه المخاطرة ،مما يدفعه
لتفضيل االستثمار المالي والعقاري غير المنتج ،كما أن هذه الفرضية تغفل إمكانية حدوث “نمو بال فرص عمل” .وبالنظر إلى
غياب الدراسات والمعطيات الكافية حول اآلثار االجتماعية للخصخصة بالمنطقة العربية ،سنكتفي بسرد بعض األمثلة
على االنعكاسات السلبية لهذه السياسة على العمالة البلدان العربية .ففي مصر ،حاولت الحكومة الحد من تداعيات
الخصخصة وإعادة هيكلة الشركات العامة باستخدام جزء من عائدات الخصخصة إلقامة صندوق التقاعد المبكر الذي
استحدث لتمكين العاملين المسرحين من المنشآت التي تخضع للخصخصة أو إعادة الهيكلة من الحصول على رواتب
تقاعدية في سن مبكرة من العمر ضمن شروط ومتطلبات محددة .وقد ُق ّدر عدد من جرى تسريحه من شركات القطاع
العام إثر هذه العملية منذ عام 199وحتى عام ،2002سواء بسبب بلوغ السن القانونية للتقاعد أو بسبب نظام المعاش
المبكر ،بحوالي 610آالف عامل وموظف .ونظ ًرا لمتاعب الحياة وانخفاض مستوى الدخل لمن خرجوا للمعاش المبكر،
فإن الذين خرجوا للمعاش المبكر استخدموا ما حصلوا عليه في تمويل إنفاقي جار ،مما حال دون تحول هذا المعاش
تحول الجانب األكبر منهم إلى عاطلين ومرشحين لالنخراط في العمل ّ المبكر إلى مشروعات صغيرة ،والنتيجة هي
غير المهيكل أمال في الحفاظ على حد أدنى من العيش الكريم (عبد المجيد راشد .)2007 ،ووفقا لتقديرات أخرى (أحمد
السيد النجار )2009 ،تم تسريح 685,600عامل من شركات قطاع األعمال العام منذ بداية برنامج الخصخصة وحتى منتصف
عام ،2006سواء ألسباب طبيعية أو بنظام المعاش المبكر الذي يعتبر المالذ الوحيد للكثير من العاملين في القطاع العام
خاصة مع “تعمد الكثير من المالك الجدد للشركات المبيعة لتحقيق خسائر لتفادي دفع حوافز وأرباح للعاملين”.
وعلى نفس المنوال ،كان أثر الخصخصة على العمالة بالسودان سلبي ،إذ أدى إلى انخفاضها بمتوسط بلغ 44٪على إثر
دراسة للعمالة في 13مؤسسة تمت خصخصتها ،في حين سجلت زيادة في مؤسستين فقط بمتوسط بلغ .17٪هذا
وقد ُق ّدر عدد المتضررين من خصخصة وإعادة تأهيل المؤسسات المملوكة للدولة بالسودان بـ 61820عامل إلى غاية 2004
(يوسف الفكي .)2006 ،أما في حالة األردن ،فقد تباينت آثار الخصخصة على العاملين في القطاع العام من شركة إلى
أخرى ومن قطاع إلى آخر .وبقدر ما استفاد العاملون الذين تم تثبيتهم في وظائفهم بشكل كبير من حيث الرواتب
والمزايا والتدريب ،تم تسريح 20.4٪من العمالة في القطاعات التي خضعت إلعادة الهيكلة .وبلغ عدد العمال الذين
حصلوا على رواتب تقاعد مقابل تسريحهم 9٪من إجمالي عدد الموظفين عند بدء برنامج الخصخصة .إال أن 10.4٪من
العمالة المسرحة ضمت عما ًلا لم يستوفوا شروط التقاعد ،بل سرحوا مقابل حوافز مالية ،ولم يتمكنوا من إيجاد عمل
علما بأن التعويض المالي ال يعوض عن الراتب التقاعدي وال عن المعاناة المعنوية للعاملين الراغبين في االستمرار
ً بديل،
في العمل (طاهر حمدي كنعان وحازم تيسير رحاحلة.)2016 ،
الخالصة
تمحورت هذه الورقة حول العالقة بين العولمة النيوليبرالية وتجلياتها من خالل تبني البلدان العربية لسياسات اقتصادية
تنهل من فكرها االقتصادي من جهة وتطور العمل غير المهيكل من جهة ثانية .وقد لعبت المؤسسات المالية الدولية
دو ًرا مؤث ًرا في اعتماد هذه السياسات بالمنطقة ،خاصة جراء ضغطها على البلدان المدينة قصد اعتماد سياسة مرونة
سوق الشغل ،مما ساهم في تدهور شروط العمل وتنامي هشاشة العمل والعمل غير المهيكل .وقد ركزنا في هذه
الورقة على مساهمة سياسة تحرير التجارة واالستثمار وسياسات االقتصاد الكلي ،إضافة لخصخصة القطاع العام
وإعادة هيكلة المؤسسات المملوكة للدولة في تفشي مظاهر العمل غير المهيكل سواء في القطاع غير المهيكل
أو في االقتصاد النظامي .وذلك باالعتماد على تحليل حاالت بعينها القتصادات عربية تتوفر دراسات وبحوث بشأنها ،أو
بتقديم المعطيات واإلحصائيات ذات الصلة.
يتبلور تأثير تحرير التجارة واالستثمار عبر قناتين على األقل :القناة األولى تمر عبر سالسل القيمة وشبكات اإلنتاج العالمية
الخاضعة للشركات المتعددة الجنسيات ،حيث تتخصص البلدان العربية المصدرة في الحلقات األضعف ،أي تلك
األنشطة ذات القيمة المضافة المتدنية والكثيفة العمالة غير المؤهلة .وقد ب ّينا من خالل دراسة قطاعات النسيج
واأللبسة ومنتجات الفواكه الحمراء ،وكذلك المناطق الصناعية المؤهلة ،كيف أن ضغط رأس المال العالمي من أجل
خفض التكاليف والتكيف مع تقلبات السوق والتزويد السريع وفي الوقت المحدد للسوق ،باإلضافة إلى التمييز على
أساس النوع االجتماعي ،أدى إلى تنامي مظاهر االستغالل والهشاشة والعمل غير المهيكل ،خاصة بالنسبة للعمالة
معقدا وغير محسوم على المستويين ً النسائية .من جهة أخرى ،إذا كان تأثير المنافسة الخارجية على المنشآت المحلية
النظري واالمبريقي ،فإن هذا التأثير كان سلب ًيا في حالة مصر ،حيث ساهم تحرير التجارة واالستثمار في تنامي العمل غير
المهيكل مع انعكاسات أسوأ على العمالة النسائية.
67
أما على مستوى السياسات الكلية ،فقد كانت تداعيات السياسة المالية التقشفية المطبقة في إطار برامج التثبيت
والتكيف الهيكلي سلبية بالنسبة للعمالة ،خاصة العمل غير المهيكل .وأدى تراجع اإلنفاق العام إلى سد باب الوظيفة
العمومية في وجه طالبي العمل ،خاصة الشباب والمتعلمين ،في وقت عجز القطاع الخاص في تعويض الدولة للدفع
باالقتصاد إلى أمام .كما ّأثر تراجع االستثمار العمومي سل ًبا على النمو والتشغيل .في هذه الظروف ،ارتفع معدل البطالة
واضطر العاطلون إلى العمل على إيجاد موطئ قدم لهم بالقطاع غير المهيكل .كما أدى تراجع الدولة عن دورها
االقتصادي إلى تباطؤ وتيرة النمو وانتشار البطالة ،خاصة في أوساط الشباب ،مما اضطر معه العديد من العاطلين إلى
اللجوء إلى العمل غير المهيكل أم ًلا في لقمة عيش تحفظ كرامتهم.
أخي ًرا وليس آخ ًرا ،أدت عمليات الخصخصة إلى تسريح أعداد كبيرة من العمال في مصر والسودان واألردن ،مع انعكاسات
أسوأ بالنسبة للنساء اللواتي كن يعملن في ظروف أحسن بالقطاع العام في مصر ،مع احتمال التحاق جزء منهن على
األقل بالعمل غير المهيكل كمنفذ يعوضهن ولو جزئ ًيا عن مغادرتهن الالإرادية للقطاع العام.
68
األشكال
مصدر الشكلين 1وCarr M and Chen M.A., 2001. Globalization and the informal economy: How global trade and investment :2
impact on the working poor, WIEGO.
تجميع المالبس:
أ) الشرق األقصى
ب) ٨٠٧
ج) محلي
مصدر ٢
ّ مصدر ١
ّ مصدر ٢
ّ مصدر ١
ّ
بلد ٢ بلد ٢ بلد ١ بلد ١
69
الشكل .٤معدل بطالة الشباب بين اإلناث والذكور ( )٪حسب المنطقة1992-2013 ،
العالم العالم العربي شرق آسيا جنوب شرق اميركا الالتينية أفريقيا جنوب
آسيا والهادئ والكاريبي الصحراء الكبرى
المصدرSarangi N, 2015. Economic growth, Employment and Poverty in Developing Economies: A focus on Arab region. :
70
مراجع الفصل الثالث
- AlAzzami S, 2016. Did Trade Liberalization Benefit Female Workers? In Chamlou N and
Karshenas M, Women, Work and Welfare in the Middle East and North Africa, London,
Imperial College Press
- Anner M and Caraway T,2010. International Institutions and Workers’Rights: Between Labor
Standards and Market Flexibility, Studies in Comparative International Development,45.
- Azmeh S, 2014. Labour in global production networks: workers in the qualifying industrial
zones (QIZs) of Egypt and Jordan, Global Networks, 14-4
- Better Work Jordan: Garment Industry 6th Compliance Synthesis Report, Jan. 2015
2008منظمة العمل الدولية7 ص، منظور المساواة بين الجنسين وحقوق العمال:العمل الالنظامي في الدول العربية
- Cammett M- Posusney P.M.,2010. Labor Standards and Labor Market Flexibility in the
Middle:Free Trade and Freer Unions? Studies in Comparative International Development,45
- Carr M and Chen M.A, 2001.Globalization and the Informal Economy: How Global Trade
and Investment Impact on the Working Poor, WIEGO.
- Currie J and Harrison A, 1997. Sharing the Costs: The Impact of Trade Reforms on Capital
and Labor in Morocco, Journal of Labor Economics,15,3.
- Gatti R., F. Angel-Urdinola, Silva J., Bodor A. Striving for Better Jobs.The Challenge of
Informality in the Middle East and North Africa, World Bank,2014.
71
- Meddeb R, l’industrie du textile et de l’habillement au Maroc: les besoins des chefs
d’entreprises et les conditions des femmes dans les PME,BIT, 2000
- Pedrosa-Garcia J.A., Ali Z,2015. Economic convergence in the Arab region: Where do we
stand and how do we further it ? ESCWA
- Polack S, 2007.’The World Bank’s Approach to Core Labor Standards and Employment
Creation: Recent Developments’, Testimony submitted to the US House of Representatives.
- Sarangi N, Bhanumurthy N.R., Abu-Ismail K (2015). Effectiveness. Of fiscal policy in Jordan:
Impact on growth, poverty and inequality, escwa.
- Sarangi N, 2015. Economic growth, Employment and Poverty in Developing Economies:A
focus on Arab region, escwa, p. 16
- Selwaness I and Zaki S,2015. Assessing the Impact of Trade Reforms on Informality in
Egypt, Journal of North-African Studies, January.
- Smith A, 2015. Economic (in)security and global value chains: the dynamics of industrial
and trade integration in the Euro-Mediterranean macro-region, Cambridge Journal of
Regions, Economy and Society,8
-محمود عبد الفضيل ،سياسات التنمية االقتصادية واالجتماعية في المنطقة العربية ،دار العين للنشر.2012 ،
-أحمد غنيم ،السياسة التجارية في الدول العربية ،ضمن مؤلف محمود عبد الفضيل.2012 ،
-مكتب العمل الدولي ،االنتقال من االقتصاد غير المنظم الى االقتصاد المنظم ،مؤتمر العمل الدولي ،الدورة 103-
،2014جنيف.
-العراب نيوز ،اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة فشلت في تنويع وسائل اإلنتاج وتأثيرها محدود ،صحيفة الكترونية
جامعة( ،دون تاريخ).
-أوكسفام أنترمون ،تقييم ظروف عمل العامالت الزراعية ووسائل عيشهن بإقليم العرائش \ )2009 ،جمعية شمل
االسرة وأوكسفام ،العامالت في قطاع الفواكه الحمراء -نساء من أجل الكرامة ،الرباط 2016 ،أوكسفام نوفيب،
تأثير االزمة الغذائية والمالية على العمال الزراعيين المأجورين بالمغرب.2009 ،
-برنامج األمم المتحدة للتنمية ،تقرير التنمية اإلنسانية العربية ،2002ص .88
-عبد المجيد راشد ،النتائج االقتصادية لسياسة الخصخصة في مصر ،2007 ،عن أ .عارف العساف ،سياسة الخصخصة
وأثرها على البطالة واالمن الوظيفي للعاملين ،مجلة اقتصاديات شمال افريقيا ،العدد السابع.
-أحمد السيد النجار ،االستثمارات األجنبية في مصر ،الوعد والحصاد ،مركز الدراسات السياسية واالستراتيجية،
القاهرة ،2009 ،ص .101-102
-يوسف الفكي ،أثر الخصخصة على العمالة في جمهورية السودان ،جامعة سنار ،2006ص 16و.21
-طاهر حمدي كنعان وحازم تيسير رحاحلة ،الدولة واقتصاد السوق ،قراءة في سياسات الخصخصة وتجاربها
العالمية والعربية ،المركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات ،قطر .324 ،2016
72
الفصل الرابع
73
الفصل الرابع:
التعاون اإلنمائي جنوب-جنوب:
حالة العالم العربي
تهدف هذه الورقة الي تبيان خصائص ومميزات التعاون جنوب-جنوب وأشكال تمظهره في العالم العربي .وتربط
الدراسة بين الصعود المتنامي لدول الجنوب وتقوية مكانتها في مجاالت السياسة واالقتصاد العالميين وبين انتشار
مختلف أشكال التعاون جنوب-جنوب الذي ال يقتصر على المساعدة اإلنمائية التقليدية (أي تقديم اإلعانة المالية في
شكل منح وقروض ميسرة) ،بل يتعداها ليطال التجارة واالستثمار وتبادل الخبرات ونقل المعرفة والتكنولوجيا ،الخ .كما
تركز على التعاون اإلنمائي العربي من حيث أهميته وتوزيعه الجغرافي والقطاعي وتقدم نظرة نقدية لمحتواه وأبعاده،
خاصة بارتباط مع التحوالت التي يشهدها العالم العربي بعد الثورات التي هزته في عامي 2010و.2011وتتطرق الورقة في
جزئها األخير إلى دراسة االندماج اإلقليمي العربي بوصفه آلية أساسية من آليات التعاون جنوب-جنوب موضحة من خالل
تقييم تجربتي مجلس التعاون الخليجي واتحاد المغرب العربي ،محدودية اإلنجازات وحجم التحديات التي تواجهها.
ويتجلى من خالل الدراسة بأن التعاون جنوب-جنوب بالعالم العربي متخلف كثيرا مقارنة مع مناطق الجنوب األخرى
وتحكمه اعتبارات جيوسياسية أكثر من المصالح االقتصادية.
يرتبط تنامي التعاون اإلنمائي جنوب-جنوب بالصعود المضطرد لدول الجنوب وتعزيز مكانتها على مستوى االقتصاد
العالمي .ويسعى هذا التعاون إلى تجاوز المساعدة اإلنمائية الرسمية التي تقدمها بلدان الشمال للدول “النامي” .ويتطلب
تعظيم الفوائد اإلنمائية للتعاون جنوب-جنوب ضبط اإلطار المفاهيمي الذي يؤطره وبلورة مقاربة مالئمة لتقييم آثاره.
هناك حاليا إجماع على صعيد المنظمات الدولية (األمم المتحدة ،منظمة التعاون والتنمية االقتصادية ،المؤسسات
متعددة األطراف) وفي األوساط األكاديمية على تحقيق عدد من بلدان الجنوب نتائج اقتصادية ملفتة جعلت منها
اقتصادات صاعدة تنافس الدول الرأسمالية المتقدمة وتطمح إلى تغيير موازين القوى على الصعيد العالمي .هكذا
ارتفع نصيب دول الجنوب من اإلنتاج العلمي من 24٪سنة 2001إلى 30٪سنة 2005و 35٪سنة 2009ليبلغ 45٪سنة ( 2014شكل .)1
وقد تمت هذه الزيادة على حساب دول الشمال التي تراجع نصيبها من الناتج الداخلي الخام العالمي على الصعيد
العالمي من 76.1٪سنة 2000إلى 65.2٪سنة 2014في حين انتقلت هذه النسبة من 23.9٪سنة 2000إلى 34.8٪سنة .2014وقد
التحول ،حيث ارتفع
ّ كانت مجموعة الدول الصاعدة (خاصة الصين ،الهند ،البرازيل وجنوب أفريقيا) أكبر مستفيد من هذا
ً
طفيفا ،حيث ارتفع نصيبها نصيبها من 17٪سنة 2000إلى 26.4٪سنة .2014بالمقابل ،عرف نصيب الدول النامية األخرى تحس ًنا
من الناتج الداخلي العالمي الخام من 5.8٪سنة 2000إلى 6.7٪سنة ( 2014شكل .)2
74
الشكل :2الحصة من الناتج المحلي اإلجمالي حول العالم
الدول الناشئة
الدول النامية
األخرى
وقد ساهمت التجارة بشكل وافر في هذا الصعود إذ عرف نصيب دول الجنوب من التجارة العالمية قفزة نوعية بين سنة
2002و 2014مقابل تراجع محسوس لنصيب دول الشمال (شكل .)3
الشمال
الجنوب
وقد ساهم االنخراط في سالسل اإلنتاج العالمية واإلقليمية في الصعود التجاري لدول الجنوب ،كما يتبين من قراءة
الشكل .4
النمو النمو
يتجلى من هذا الرسم البياني أن نصيب الجنوب من الصادرات العالمية في إطار هذه السالسل ارتفع من 32٪سنة 2002
إلى 47.9٪سنة 2014أما بالنسبة للواردات ،فقد انتقل نصيب دول الجنوب من 41.9٪سنة 2002إلى 51.3٪سنة .2014وقد ساهم
هذا الصعود التجاري لبلدان الجنوب في تقوية رصيدها من العملة الصعبة حيث سجل معدل نمو يساوي 7.0٪سنة 2005
و 9.3٪سنة 2013مقابل 2.2٪و 3.0٪فقط بالنسبة لدول الشمال .وقد سجلت مجموعة الدول الصاعدة معدالت أعلى حيث
بلغت 8.0٪سنة 2005و 11.0٪سنة ( 2013الشكل .)5
75
الشكل :5نمو نشيط في االحتياطات
الدول النامية
الدول الناشئة
األخرى
أخي ًرا وليس آخ ًرا ،ازداد اهتمام دول الجنوب عامة ،والبلدان الصاعدة على الخصوص ،بمجال المعرفة والتقدم التكنولوجي
من خالل تخصيص نسبة معتبرة من ناتجها الداخلي الخام للبحث والتطوير كما هو مبين في الشكل .6
الجنوب
الناشئة
ومن المتوقع أن يتواصل صعود بلدان الجنوب حيث يتوقع أن تحتل األسواق الصاعدة المراتب األولى ضمن أكبر
االقتصادات على المستوى العالمي في أفق عام ( 2050جدول رقم .)1
الجدول :1األسواق الصاعدة تحتل الصدارة ضمن الـ 10اقتصادات األولى (من حيث أهمية الناتج الداخلي الخام)
في عام 2050
٢٠٥٠ ٢٠١٦
الصين ١ ١ الصين
الهند ٢ ٢ الواليات المتحدة
الواليات المتحدة ٣ ٣ الهند
إندونيسيا ٤ ٤ اليابان
البرازيل ٥ ٥ ألمانيا
روسيا ٦ ٦ روسيا
المكسيك ٧ ٧ البرازيل
اليابان ٨ ٨ إندونيسيا
ألمانيا ٩ ٩ المملكة المتحدة
المملكة المتحدة ١٠ ١٠ فرنسا
أخي ًرا وليس آخ ًرا ،وجب التنبيه إلى أن صعود الجنوب ال ينبغي أن يخفي حقيقة التفاوتات الكبيرة داخل هذه الكتلة،
حيث تهيمن دول جنوب وشرق آسيا (خاصة الصين والهند).وتعزى هذه الهيمنة إلى عوامل داخلية مرتبطة بالسياسات
التنموية المتبعة (على سبيل المثال ال الحصر ،تعتمد الصين على سياسات تنموية غير تقليدية إذ تتعامل مع إشكالية
االنخراط في االقتصاد العالمي بشكل حذر وانتقائي) ،وعوامل خارجية غير مساعدة (على سبيل المثال ،السياسات
76
الحمائية من طرف البلدان الرأسمالية المتطورة في مجال التبادل التجاري للسلع الزراعية والنسيج واأللبسة
(.)United Nations Office for South-South Cooperation, 2021
تعود اللبنات األولى للتعاون جنوب-جنوب إلى مرحلة نضال شعوب العالم الثالث ضد االستعمار والمحاوالت األولى لبناء
الدولة الوطنية المستقلة خالل الخمسينات من القرن العشرين .وقد شكل مؤتمر باندونغ ( )1955اللبنة األولى في وضع
أسس التعاون جنوب-جنوب حيث نص على المبادئ التي تحكم العالقات بين الدول اآلسيوية واألفريقية المشاركة ومن
أهمها :سيادة جميع الدول ووحدتها ،عدم التدخل في شؤونها ،احترام حقوق اإلنسان ،تسوية المنازعات بالطرق السلمية
وتنمية المصالح المتبادلة بينها والتعاون .وقد مهد هذا المؤتمر إلنشاء حركة عدم االنحياز سنة 1961ثم مجموعة 77سنة
.1964وتطورت مختلف أشكال التعاون بين بلدان العالم الثالث ،خاصة بعد انعقاد مؤتمر األمم المتحدة للتعاون التقني
فيما بين البلدان النامية في سنة 1978في بوينس أيرس ،حيث تنوعت مبادرات التكامل اإلقليمي بين بلدان الجنوب من
خالل إحداث أسواق إقليمية مشتركة واتحادات جمركية ،وإقامة التعاون على األصعدة السياسية والمؤسسية ،وإنشاء
شبكات النقل واالتصاالت بين الدول .كما تضمنت مختلف أشكال التعاون والتنسيق في المحافل الدولية ،خاصة داخل
المنظمات المتعددة األطراف وبناء التحالفات العسكرية والتبادل الثقافي .وقد أكدت وثيقة نيروبي الختامية لمؤتمر
األمم المتحدة الرفيع المستوى المعني بالتعاون فيما بين بلدان الجنوب لسنة 2009بأن “التعاون فيما بين بلدان الجنوب
مظهر من مظاهر التضامن بين شعوب وبلدان الجنوب...وأن ماهية هذا التعاون فيما بين بلدان الجنوب وجدول أعماله
يجب أن تحددها بلدان الجنوب ،وأن يستمر االسترشاد في ذلك بمبادئ احترام السيادة الوطنية وتولي البلدان زمام
أمورها بنفسها واالستقاللية والمساواة وعدم فرض الشروط وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والمنفعة المتبادلة”.
ً
ملحوظا خالل العقدين األخيرين -بما فيها التجارة ،االستثمار، هذا وقد عرفت مظاهر التعاون جنوب-جنوب تطو ًرا
المساعدة اإلنمائية ،التعاون الفني وتدفقات مالية أخرى .على سبيل المثال ،ارتفع نصيب التبادل التجاري جنوب-جنوب
من التجارة العالمية من 8.1٪سنة 1980إلى 16٪سنة 1991و 30٪سنة ،2011في حين تراجعت هذه الحصة بالنسبة لدول الشمال
من 46٪إلى أقل من 30٪خالل الفترة .)Country Case Studies, p.6( 1980-2010
ومن منافع التبادل التجاري جنوب-جنوب أنه يحد التبعية ألسواق بلدان الشمال ،كما يقلص مصاريف النقل بالنظر إلى
القرب الجغرافي بين بلدانه ،إضافة إلى أنه يساعد على تنويع سلة السلع المتبادلة .نفس المنحى التصاعدي ميز تدفقات
االستثمارات األجنبية المباشرة بين دول الجنوب ،ذلك أن نصيب هذه األخيرة من التدفقات العالمية ارتفع من 6%سنة 1980
إلى 31%سنة .2012كما تبين معطيات أخرى أن تدفقات االستثمارات األجنبية المباشرة جنوب-جنوب أصبحت ظاهرة مميزة
في حد ذاتها إذ ازدادت بمعدل سنوي بلغ 21%وشكلت قرابة 14%من مجموع االستثمارات األجنبية على الصعيد العالمي.
على سبيل المثال ال الحصر ،عرف التبادل التجاري بين البرازيل وأفريقيا قفزة كبيرة إذ انتقل من 4مليار دوالر أمريكي سنة
2000إلى 28مليار سنة .2012وقد كان هذا التطور من بين العوامل المهمة التي دفعت البرازيل إلى رفع عدد سفاراتها
بأفريقيا إلى ،37أي أكثر من المملكة المتحدة .كما أصبحت الصين أهم شريك تجاري للقارة السمراء.
إذا كان التعاون جنوب-جنوب يتميز بتنوع أشكاله ومضامينه ،فان الغاية من هذه الورقة هو التركيز على هذا التعاون
من جانب المساعدة من أجل التنمية.
تشير آخر اإلحصائيات المنشورة من طرف منظمة التعاون االقتصادي والتنمية (جدول رقم )2بأن التعاون اإلنمائي المقدم
من طرف عشرة أكبر دول الجنوب المانحة ما فتئ حجمه يتزايد خالل الفترة 2010-2015حيث انتقل من 10.1مليار دوالر سنة
2010إلى 28.8مليار دوالر تقريبا سنة ،2014هذا دون احتساب مساهمات دول الجنوب المانحة في المنظمات المتعددة
ووفقا لنفس المصدر (جدول رقم ،)3فقد شكل التعاون اإلنمائي جنوب- ً األطراف-خاصة تلك التابعة لألمم المتحدة.
جنوب 5.2%من التعاون اإلنمائي الدولي سنة 2011و 5.6%سنة ،2012ثم 6.8%سنة 2013و 7.0سنة ،2014علما بأن طريقة
احتساب المعونة المقدمة من طرف دول الجنوب تنزع إلى التقليل من حجمها الحقيقي (سنتطرق لهذه النقطة في
الفقرة ( )1.3انظر.)Correa M.L., 2017 :
77
المقدر من مقدمي الخدمات الناشئين بنفقات سنوية تزيد عن 300مليون
ّ الجدول :2إجمالي التعاون اإلنمائي
دوالر أمريكي (في )2013/2014
ODA from 28 DAC member 141.2 150.1 140.1 151.7 150.8 83%
countries
ODA from 19 emerging 6.7 9.1 6.5 16.7 25.0 14%
countries providers that
report to the OECD-DAC
Estimated development 4.3 5.2 5.6 6.8 7.0 4%
co-operation flows from 10
non-reporting emerging
providers
Subtotal: development co- 11.0 14.3 12.1 23.4 32.0 17%
operation from 29 emerging
providers
Estimated global total 152.3 164.3 152.2 175.1 182.8 100%
المصدرLuijks and Benn, 2017, op. cit :
أما أهم الدول المانحة ،فهي المملكة العربية السعودية ،الصين ،تركيا والهند واإلمارات العربية المتحدة .أما فيما
يخص التوزيع القطاعي للتعاون اإلنمائي جنوب-جنوب ،فيتغير حسب الدولة المانحة :على سبيل المثال ال الحصر ،تركز
الصين على المرافق العمومية والصناعة والبنيات التحتية مع إعطاء األولوية للمشاريع الجاهزة للتسليم ،في حين تهتم
البرازيل بالمساعدة اإلنسانية ،والمعونة الفنية والتعاون العلمي والتكنولوجي ،وتقديم منح البحث ،وتكاليف الالجئين.
من جانب آخر ،تركز الهند على قطاعات الصحة والتعليم وتكنولوجيا المعلومات وتوليد الطاقة المائية بينما تهتم
جنوب أفريقيا أساسا بالتعاون التقني في مجاالت حفظ السالم واألمن والحوكمة .بقي أن نشير إلى أن هذه الدول تلجأ
كذلك إلى التعاون الثالثي بالشراكة مع المنظمات المتعددة األطراف مثل البنك الدولي وبرنامج األمم المتحدة للتنمية
ومنظمة األغذية العالمية إضافة إلى البلدان المنضوية إلى منظمة التعاون االقتصادي والتنمية.
من جهة أخرى ،تجدر اإلشارة إلى أن التعاون اإلنمائي جنوب-جنوب يستمد مبادئه كما أسلفنا من “مؤتمر باندونغ”
ويسعى إلى إرساء عالقات ثنائية ومتعددة األطراف تنبني على التضامن والتعاون عوض الهيمنة والتبعية عكس ما
78
هو عليه الحال بالنسبة للعالقات شمال-جنوب ،عالقات أفقية وليست تراتبية ،بين أنداد وليس شركاء غير متكافئين
القوة ،عالقات يطبعها احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية (عوض عالقات االستعمار أو االستعمار
الجديد) ،وغياب المشروطية (عكس المشروطية المفروضة من دول الشمال) والمنفعة المشتركة (عكس أبوية
“الغرب”) ،والتعاون الطوعي (عوض خطاب “المسؤولية” الملقاة على الدول الغربية) .وتظهر المربع 1تم ّيز المبادئ
المعيارية لمؤتمر “نيروبي” ( )2009فيما يستشف نوع من التشابه بين المبادئ العملية التي تعتمدها دول الجنوب وتلك
التي تحكم العالقات شمال-جنوب كالشفافية ،وفعالية التنمية ،والتنسيق والمبادرات القائمة على النتائج ،والمقاربة
ً
الحقا). الدامجة ألصحاب المصلحة المتعددين (سنعود إلى هذه المسألة
المبادئ المعيارية
-احترام السيادة الوطنية
-شراكة بين األنداد
-غياب المشروطية
-عدم التدخل في الشؤون الداخلية
-منفعة متبادلة
المبادئ التشغيلية
-المتبادلة والشفافية
-فعالية التنمية
-تنسيق المبادرات القائمة على األدلة والنتائج
-مقاربة أصحاب المصلحة المتعددين
تستمد المقاربة التقليدية للتعاون اإلنمائي التي تعتمدها الدول األعضاء في منظمة التعاون االقتصادي والتنمية
ً
وثيقا بين معدل النمو االقتصادي ألي بلد وحجم االستثمار أرضيتها النظرية من “ نموذج هارود-دومار” الذي يربط ً
ربطا
في المعدات بصفة خاصة ،وبالتالي بنسبة الناتج الداخلي الخام المخصصة لتكوين رأس المال القار (أو االستثمار) .غير
أن تمويل هذا الجهد االستثماري من طرف البلدان المتخلفة يصطدم بضعف االدخار المحلي ،مما يجعل الحاجة إلى
ً
وانطالقا من هذه المقاربة ،يجب على البلدان الرأسمالية المتقدمة تقديم المساعدة من موارد خارجية ملحة .لهذا،
أجل التنمية لدول الجنوب ،خاصة وأن خطر انتشار الشيوعية بات يهدد العديد من البلدان المتخلفة في ظروف الحرب
الباردة التي كانت سائدة في الخمسينات والستينات من القرن الماضي.
ابتداء من الثمانينات ،وعلى إثر أزمة المديونية التي حلت بالعديد من البلدان “النامية” ،ستضطر هذه األخيرة لتبني “إصالحات
اقتصادية” تحت ضغط المؤسسات المالية الدولية .وستعتمد هذه “اإلصالحات” على النموذج النيوليبرالي المرتكز على
معادلة مفادها أن النمو االقتصادي رهين لبرلة االقتصاد وفتح األسواق واعتماد الخصخصة والتحكم في التوازنات
الماكرو اقتصادية ،إضافة إلى اعتماد قواعد الحكم الرشيد .وبصفة أدق ،تستند هذه “اإلصالحات” على ما عرف بمبادئ
“توافق واشنطن” ،ومن أهمها تجنب االرتفاع الكبير في نسبة العجز المالي إلى الناتج الداخلي الخام ،وإعادة توجيه
اإلنفاق العام من اإلنفاق على الدعم لفائدة اإلنفاق على القطاعات المنحازة للفقراء (خاصة التعليم والصحة) ،واإلصالح
الضريبي ،وتحرير معدالت الفائدة وإخضاعها آلليات السوق ،وتطبيق أسعار صرف تنافسية ،وتحرير التجارة الخارجية،
وتسهيل عمليات تدفق االستثمار األجنبي ،وخصخصة القطاع العام والمؤسسات المملوكة للدولة ،وإلغاء القيود
المفروضة على حرية الدخول إلى السوق والخروج منها من خالل إلغاء القيود التي تؤثر سل ًبا على المنافسة ،والحماية
القانونية لحقوق الملكية الفكرية .في هذا اإلطار ،ستستعمل المساعدة من أجل التنمية كإحدى أدوات المشروطية
لجعل بلدان الجنوب تتبنى برامج التكييف الهيكلي المصممة تحت رعاية المؤسسات الدولية -البنك الدولي وصندوق
النقد الدولي .ومع حلول القرن الواحد وعشرين ،سيتم التركيز أكثر على ربط تقديم المساعدة من أجل التنمية بالتجارة
تحت مقولة “المعونة مقابل التجارة” .إن الهدف من هذا التوجه هو دفع بلدان الجنوب إلى االندماج أكثر في االقتصاد
الرأسمالي العالمي عبر تخصيص المساعدة من أجل التنمية لتمويل البنية األساسية الالزمة للتبادل التجاري -كبناء
79
الموانئ والمطارات وشق الطرق التي تشكل حلقات الوصل بين مناطق اإلنتاج واألسواق .كما تخصص المعونة مقابل
التجارة لتمويل التدريب وبناء القدرات ودعم اإلصالحات المؤسسية (إدارة الجمارك مث ًلا).
هناك ثالثة عوامل رئيسية ستجعل العديد من األوساط الرسمية واألكاديمية والرأي العام تشكك في نجاعة النموذج
النيوليبرالي المعتمد كمرجعية للمساعدة من أجل التنمية .أوال ،أثبتت برامج التكييف الهيكلي التي فرضتها المؤسسات
المالية الدولية -البنك الدولي وصندوق النقد الدولي -فشلها في الدفع بعجلة النمو في العديد من بلدان الجنوب،
هذا رغم تنقيحها بمشروطية مؤسسية تحت مسمى “الحوكمة الرشيدة” (أنظر على سبيل المثال .)Stiglitz J, 2002
ثان ًيا ،تبين من خالل الممارسة أن التركيز على االستثمار باعتباره العامل الحاسم في تحفيز النمو مجانب للصواب ،وأن
هناك عوامل متعددة ومعقدة تؤثر في مستوى النمو الذي تحققه البلدان المستفيدة من المساعدة من أجل التنمية
( .)Easterly W, 2001وهو ما تجلى على الخصوص بالنسبة للمساعدة اإلنمائية الرسمية ،حيث خلصت دراسة حول تأثير
هذه األخيرة على النمو خالل ثالثة عقود إلى غياب هذا التأثير أو ضعفه ،بل حتى طابعه السلبي (Shahid Yusuf with
.)Deaton A, Dervis K, Easterly W, Ito T, Stiglitz E, 2009
أما العامل الثالث ،فيتمثل في األزمة المالية العالمية لسنتي 2007-2008التي أبانت بشكل الفت عن عدم صحة مقولة
أن ميكانزمات السوق قادرة على أن تصحح نفسها دون حاجة لتدخل الدولة .والحال أن اللجوء إلى الحلول ذات الطبيعة
الكينزية هو ما مكن من إنقاذ القطاع البنكي والمالي بالبلدان الرأسمالية المتقدمة .بالمقابل ،كان لهذه األزمة آثا ًرا كارثية
على أوضاع الفئات المستضعفة والمتوسطة في الشمال والجنوب على حد سواء ،مما دفع هذه الفئات إلى مقاومة
النموذج النيوليبرالي وساهم في اندالع العديد من االنتفاضات الشعبية كان أبرزها اندالع الثورات العربية سنة .2011في
سابقا ،أصبحت الدول “النامية” بالجنوب تنجذب للدول الصاعدة ً هذه الظروف وتزام ًنا مع صعود الجنوب الذي عرضنا له
كونها تمثل بديال عن المساعدة اإلنمائية في شكلها التقليدي كما تمارسها الدول المانحة من الشمال .باإلضافة إلى
هذا ،سيساهم هذا التقارب في إعطاء نفس جديد للتعاون جنوب-جنوب الذي تم إرساء مبادئه في الخمسينات
والستينات من القرن الماضي .من جهة أخرى ،يشكل هذا التحول الجيوسياسي فرصة سانحة للدول الصاعدة لتعزيز
حضورها ومكانتها على الصعيدين اإلقليمي والدولي بغية تغيير ميزان القوى في اتجاه عالم متعدد األقطاب .وإذا كان
من السابق ألوانه الحديث عن نموذج بديل للتعاون اإلنمائي يستمد تصوره من مقاربة مختلفة لقضايا التنمية والتعاون
الدولي ،فإن تجارب بعض بلدان الجنوب قد تفيد في مالمسة بعض عناصره اآلخذة في البروز .وما يتبادر إلى الذهن أو ًلا
هو ما يعرف ب”توافق بكين” الذي يعتبر بأنه ال يوجد نموذج واحد قابل للتعميم وال يوجد حل واحد لمشاكل التنمية،
ذلك أن الدول التي نجحت في الخروج من التخلف هي التي لم تطبق “توافق واشنطن” بل استلهمت طريقها إلى التنمية
من مختلف التجارب التنموية ،خاصة الموجة الحديثة من النماذج التنموية اآلسيوية على وجه التحديد .وبصفة أدق ،يعتبر
“توافق بكين” بأن تحقيق التنمية رهين بالتوفر على رؤية ومشروع وطني بعيد المدى تلعب فيه الدولة التنموية دو ًرا
تلوثا .ومن المبادئ األساسية كذلك ً محور ًيا ويركز على األولوية القصوى لالبتكار التكنولوجي في خدمة صناعة أقل
لهذا التوافق استقاللية وتقرير المصير الدول في مواجهة القطب الرئيسي المهيمن عالميا -الواليات المتحدة .إن
الصعود االقتصادي الناجح للصين مقابل فشل الدول التي اعتمدت “توافق واشنطن” وسعيها الحثيث لتعزيز مكانتها
على الصعيد اإلقليمي والعالمي جعلها تربط عالقات للتعاون جنوب-جنوب مختلفة في عدد من الجوانب مقارنة مع
المقاربة التقليدية التي تعتمدها بلدان الشمال في هذا المجال.
من جهتها ،اعتمدت الهند على مقاربة بنيوية القتصادات دول الجنوب لرسم استراتيجية التعاون من أجل التنمية التي
تبنتها (أنظر .)Indian Development Cooperation, 2016وتعتبر هذه المقاربة أن هناك عقبات تتعلق بضعف
القدرات اإلنتاجية والعرض تمنع دول الجنوب من اإلقالع االقتصادي ،خاصة في قطاعات الزراعة ،والصناعة ،والخدمات،
والبنيات التحتية والمرافق االجتماعية .بالتالي يتعين على سياسة التعاون اإلنمائي أن تستجيب لطلب وخصائص بلدان
الجنوب وأن تشجع على إعادة توزيع الدخل من خالل إحداث مشاريع صغيرة محدثة لفرص العمل بمناطق معينة داخل
البلد المعني .إن هذه المقاربة تتعارض مع سياسة المساعدة اإلنمائية الرسمية المعتمدة من طرف بلدان الشمال التي
تنبني على المشروطية ،خاصة ما يتعلق بالتركيز على التوازنات الماكرو اقتصادية ومحاربة التضخم كمدخل أساسي
لتحقيق النمو االقتصادي.
نستخلص مما سبق أن البلدان الصاعدة ستتبنى مقاربة مختلفة للتعاون جنوب-جنوب مقارنة مع ما هو سائد في
أدبيات وممارسات دول الشمال المنضوية تحت لواء منظمة التعاون االقتصادي والتنمية .ويوضح المربع رقم 1أوجه
االختالف وااللتقاء بين المقاربتين .فعلى مستوى المبادئ المعيارية ،تؤكد وثيقة نيروبي على احترام السيادة الوطنية
والشراكة بين األنداد وغياب المشروطية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والمنفعة المتبادلة .بالمقابل ،تتقاطع
المقاربتان على مستوى المبادئ العملية بتركيزهما على المساءلة المتبادلة والشفافية ،وفعالية التنمية وضرورة تنسيق
المبادرات القائمة على النتائج ونهج أصحاب المصلحة.
80
٤.1من أجل مقاربة جديدة لتقييم نوعية وآثار التعاون اإلنمائي جنوب-جنوب
من الصعب الحديث عن وجود مقاربة أو إطار موحد لتقييم آثار ونوعية التعاون اإلنمائي جنوب -جنوب بالنظر حداثة
االهتمام بهذا الموضوع مقارنة مع التراكمات المسجلة على صعيد المساعدة اإلنمائية كما بلورتها اللجنة اإلنمائية
التابعة لمنظمة التعاون االقتصادي والتنمية .لهذا ،سنعرض لبعض المحاوالت التي اقترحها باحثون وأكاديميون من
دول الجنوب لإلحاطة بالموضوع.
-إشكالية التعريف
يعتبر التعاون اإلنمائي جنوب-جنوب أشمل من المساعدة اإلنمائية الرسمية التي تعتمدها لجنة المساعدة اإلنمائية
التابعة لمنظمة التعاون االقتصادي والتنمية حيث تشمل كذلك مهمات حفظ السالم ،وشطب الديون ،والمنح الدراسية،
والمعونة اإلنسانية ومساعدة الالجئين ،والتسهيالت التجارية وإجراءات تحفيز االستثمار .وتجدر اإلشارة إلى أن تعريف
التعاون اإلنمائي جنوب-جنوب يتطلب بعض المرونة ألخذ بعين االعتبار خصوصيات وظروف بلدان الجنوب.
ويعود التقليل من قيمة التعاون اإلنمائي جنوب-جنوب إلى كون أسعار السلع والخدمات متدنية مقارنة مع الدول
الرأسمالية المتقدمة ،وهذا ما قد يؤدي إلى استصغار الدعم اإلنمائي المقدم من طرف دول الجنوب (ينطبق هذا
االحتمال على الخصوص بالنسبة للتعاون الفني وتبادل الخبرات بين دول الجنوب) .لهذا ،هناك مقترحات بديلة ترمي
إلى التركيز على مخرجات ونتائج التعاون اإلنمائي جنوب-جنوب عوض التركيز على مدخالته فقط ،مما سيعطي صورة
أشمل لهذا التعاون ويظهر قيمته المضافة ومساهمته في نماء البلدان الشريكة .غير أن مناهج التتبع الرسمية للتعاون
اإلنمائي ال توفر هذه المعلومات.
أما اإلشكالية الثانية ،فتتمثل في المعايير التي ينبغي اعتمادها لتقييم األثر اإلنمائي للتعاون جنوب-جنوب .فمعلوم أن
المانحين األعضاء في منظمة التعاون االقتصادي والتنمية يعتمدون على خمس معايير قياسية لتقييم البرامج اإلنمائية
وهي المالءمة ،والفعالية ،والكفاءة ،والتأثير ،واالستدامة .والسؤال المطروح هو مدى مالءمة هذه المعايير لتقييم أثر
التعاون اإلنمائي جنوب-جنوب الذي يختلف جوهريا عن التعاون شمال-جنوب .لهذا بادرت بعض الدول كالهند إلى
اقتراح شبكة جديدة لمعايير تقييم األثر التالية (:)NeST Africa, 2015
-تمكين المجموعات المحلية ،والمواطنين ،والدول الشريكة،
-بناء الثقة وسط المجموعات المحلية وبين المواطنين ،وداخل الدول الشريكة نفسها،
-المنفعة المتبادلة بالنسبة للمواطنين ،والمجموعات المحلية ،والدول الشريكة،
-األثر بالنسبة للمجموعات المحلية ،والمواطنين ،والدول الشريكة،
-وأخي ًرا ،مدى استدامة الموارد االجتماعية والبشرية والطبيعية ،والبيئية والسياسية في الدول الشريكة .
81
أما اإلشكالية الثالثة ،فترتبط بمنهجية تقييم األثر اإلنمائي إذ تتوزع اآلراء بين مؤيد للمناهج الكمية وآخرون يميلون إلى
اعتبار المناهج النوعية نظرا لصغر حجم مشاريع التعاون اإلنمائي جنوب-جنوب .لهذا ،تعتبر المناهج المختلطة أكثر
مالءمة لتقييم األثر التنموي لهذا التعاون ،كما يحبذ اعتماد المناهج التشاركية ألنها تفتح المجال لتقييم مشترك لألثر
يشرك كل أصحاب المصلحة .وفي ظل ندرة المعطيات حول التعاون جنوب-جنوب ،يبقى اللجوء إلى دراسة الحاالت
أسهل الطرق وأكثرها استعماال لتقييم األثر اإلنمائي للتعاون جنوب-جنوب.
** إطار تحليلي لتقييم نوعية (أو جودة) التعاون اإلنمائي جنوب-جنوب
فيما يلي ،أهم عناصر اإلطار التحليلي لتقييم نوعية التعاون اإلنمائي الذي قدمه بشاراتي وروحاني وريوس (Besharati,
،)N.A., Rawhani, C., & Rios, O.R. 2017ويتكون من خمسة أبعاد و 20مؤش ًرا كما هو مبين في الجدول رقم .3
البعد األول يتعلق بالملكية الوطنية الدامجة التي تتألف من خمسة مؤشرات هي“ :شراكات تضم كل أصحاب
المصلحة” (المؤشر رقم ،)1وهذا راجع لكون التعاون جنوب-جنوب يعتمد في معظم الحاالت على العالقات بين
الحكومات ،لهذا يجب التأكيد على أهمية إشراك كل أصحاب المصلحة ،بمن فيهم الجهات الفاعلة غير الحكومية
ومنظمات المجتمع المدني .نفس األمر يسري على “تضمينية محورها الناس” (المؤشر رقم ،)2وهذا يعني أن تسعى
كل أنشطة التعاون جنوب-جنوب إلى تحسين األوضاع االقتصادية واالجتماعية للفئات األكثر فق ًرا وحرما ًنا .ومن
شأن أخذ هذين المؤشرين بعين االعتبار ضمان اتساق التعاون جنوب-جنوب مع الحاجيات واألولويات الوطنية للبلدان
الشريكة (المؤشر رقم .)3كما ينبغي أال يتضمن التعاون اإلنمائي جنوب-جنوب أية قيود قد تضر بسيادة البلد الشريك
(المؤشر رقم .)4
البعد الثاني يتمثل في “األفقية” ،بما يعني المساواة بين البلدين الشريكين وغياب أية تراتبية بينهما .في هذا اإلطار،
تبرز أهمية المنفعة المتبادلة (المؤشر رقم ،)5والتشاركية في عملية اتخاذ القرار واقتسام الموارد (المؤشر رقم
.)6كذلك ،تعتبر “الثقة والتضامن” (المؤشر رقم )7من األهمية بمكان لتأكيد “األفقية” ،وهو ما يمكن قياسه مث ًلا
بتواتر ونوعية التواصل بين البلدين الشريكين وعمق العالقات الثنائية .ومن مكونات التعاون جنوب-جنوب حسب
نفس اإلطار التحليلي وجود “تحالفات سياسية عالمية (المؤشر رقم )8على شكل مواقف مشتركة تتبناها البلدان
الشريكة في المحافل الدولية مث ًلا.
يسعى البعد الثالث المتعلق بـ”االعتماد على الذات واالستدامة” إلى الحد من التبعية الخارجية .وهو ما يمكن تحقيقه
عبر تقوية القدرات المحلية (المؤشر رقم ،)9ونقل المعرفة والتكنولوجيا المالئمة (المؤشر رقم .)10ومن شأن “التعبئة
القصوى لألجهزة والموارد المحلية” (المؤشر رقم ،)11وتوليد اإلمكانيات المالية من الداخل (المؤشر رقم )12أن تساعد
البلدان “المستفيدة” على توفير الموارد الضرورية لتمويل العملية التنموية.
يتركز البعد الرابع على “المساءلة والشفافية” .وهذا مرتبط بوجود “أنظمة كافية لتدبير المعطيات وإعداد التقارير”
(المؤشر رقم ،)13مما يحيل إلى توفر اإلرادة السياسية لجمع وتحليل ونشر المعلومات حول مذكرات التفاهم
واالتفاقيات وكذلك تنفيذ المشاريع .كما يقتضي توفر نظام للمتابعة والتقييم فعال (المؤشر رقم ،)14وضمان ولوج
كل أصحاب المصلحة لهذه المعطيات (المؤشر رقم )15ضما ًنا للشفافية .كذلك ،من شأن تعزيز الشفافية المتعلقة
بالتعاون جنوب-جنوب وتوفر آليات للمراجعة المشتركة أن تفضي إلى إعمال “المساءلة المتبادلة” (المؤشر رقم .)16
يتعلق البعد الخامس واألخير بـ” الكفاءة العامة” للتعاون جنوب-جنوب بما يحقق األهداف اإلنمائية المتوخاة .ويقاس
هذا البعد من خالل خمسة مؤشرات .أوال“ ،المرونة والتكيف مع البيئة المحلية” من أجل االستجابة للحاجيات واألولويات
المعبرة عنها من طرف البلدان الشريكة (المؤشر رقم .)17ثان ًيا ،تعتبر الكفاءة في إنجاز وتنفيذ المشاريع مع التحكم
في عاملي الزمن والتكاليف (المؤشر رقم )18من نقط القوى على مستوى التعاون جنوب-جنوب .كما ترتبط الكفاءة
بالتنسيق والتكامل داخل الجهاز (أو األجهزة) المكلف بالتعاون جنوب-جنوب وفي عالقته بالبلدان الشريكة (المؤشر
رقم .)19أخي ًرا وليس آخ ًرا ،يقتضي تحقيق األهداف اإلنمائية تعزيز االتساق والتعاون بين بلدان الجنوب فيما يتعلق
بسياسات التجارة واالستثمار واألمن والهجرة (المؤشر رقم .)20
الجدول :4إطار تحليلي لتقييم الشراكة اإلنمائية بين الصين وباكستان
المساءلة والشفافية كفاءة التنمية االعتماد على الذات أفقيًا الملكية الوطنية الشاملة األبعاد
( )17المرونة ( )13إدارة البيانات ( )9بناء ( )5المنفعة ( )1الشراكات بين أصحاب
والتكيف وإعداد التقارير القدرات المتبادلة المصلحة المتعددين المؤشرات
( )18كفاءة الوقت ( )14أنظمة المراقبة ( )10نقل المعرفة ( )6القرارات والموارد ( )2الشمولية المرتكزة على الناس
والتكلفة والتقييم والتكنولوجيا المشتركة
( )19التنسيق الداخلي ( )15الشفافية والوصول ( )11استخدام أنظمة ( )7الثقة والتضامن ( )3يحركها الطلب
والخارجي إلى المعلومات الدولة ومواردها البشرية
( )20اتساق السياسات ( )16المساءلة المتبادلة ( )12توليد اإليرادات ( )8التحالفات ( )4عدم المشروطية
من أجل التنمية والتقييمات مشتركة المحلية السياسية العالمية
المصدر :بشاراتي وآخرون.
82
القسم الثاني :التعاون اإلنمائي العربي
يعتبر التعاون اإلنمائي أحد أهم أوجه التعاون جنوب -جنوب سواء فيما بين الدول العربية أو في عالقة هذه األخيرة
مع باقي بلدان الجنوب .وقد ظهر هذا التعاون بشكل جلي خالل السبعينات من القرن الماضي حيث وفرت الطفرة
النفطية موارد مالية كبيرة للدول العربية النفطية التي سخرت جزءا منها للمساعدة من أجل التنمية .ويتضح من الرسم
البياني رقم العالقة الوطيدة بين تطور العون اإلنمائي العربي ومستوى األسعار العالمية للنفط حيث بلغ ذروته في
سنة .1980-1981لقد بلغ حجم المساعدة اإلنمائية الرسمية (أي إجمالي التزامات المساعدات اإلنمائية المقدمة من طرف
الدول العربية المانحة) والمساعدة المقدمة من مؤسسات مجموعة التنسيق (البنك اإلسالمي للتنمية ،صندوق أبو ظبي
للتنمية ،صندوق األوبك للتنمية ،الصندوق السعودي للتنمية ،الصندوق العربي لإلنماء االقتصادي واالجتماعي ،الصندوق
الكويتي للتنمية االقتصادية العربية ،المصرف العربي للتنمية االقتصادية في أفريقيا ،برنامج الخليج العربي للتنمية-
أجفند ،صندوق النقد العربي ،وصندوق قطر للتنمية ،باإلضافة إلى تمويالت تنموية أخرى بشروط تفضيلية معدل سنوي
يقدر ب 6.3مليار دوالر ما بين سنتي 2011و( 2015يتعلق األمر باإلنفاق الصافي) .جل اإلحصائيات المتضمنة في هذا الفصل
مأخوذة من (.)OECD, 2017
الشكل :7المساعدات اإلنمائية الرسمية من الدول العربية واسعار النفط (مليار دوالر ودوالر للبرميل،
اسعار )٢٠٠٧
المساعدات اإلنمائية الرسمية من الدول العربية (على اليسار) أسعار النفط دوالر للبرميل ،أسعار ( )٢٠٠٧على اليمين)
وعلى سبيل المقارنة ،خصصت البلدان المنضوية تحت لواء منظمة التعاون االقتصادي والتنمية -وهو ناد يضم البلدان
الرأسمالية الغنية 13.3 -مليار دوالر للمساعدة اإلنمائية خالل نفس الفترة .وتمثل المساعدة اإلنمائية العربية 47٪من
إجمالي التعاون اإلنمائي المقدم من طرف البلدان المانحة التي ال تنتمي إلى منظمة التعاون االقتصادي والتنمية .وتعتبر
المملكة العربية السعودية واإلمارات العربية المتحدة وقطر من أكبر الدول المانحة للمساعدة اإلنمائية على الصعيد
الثنائي إذ تجاوزت مساهماتها 0.7٪من الدخل القومي الخام.
٢.٢المانحون
يبين شكل ٨خريطة البلدان والمؤسسات العربية المانحة للمساعدة اإلنمائية .وسنركز في هذه الفقرة على البلدان
الرئيسية المانحة للمساعدات وكذلك على المؤسسات المالية الوطنية واإلقليمية العربية.
83
الشكل :٨مقدمو التعاون اإلنمائي العرب
المقدمون الثنائيون
المقدمون اإلقليميون
المقدمون العرب التقارير على مستوى النشاط
الصاعدون التقارير على مستوى النشاط
-اإلمارات (بما فيه صندوق أبو ظبي للتنمية)
-المصرف العربي للتنمية االقتصادية
ال تقارير -الصندوق الكويتي للتنمية االقتصادية
في أفريقيا
-مصر العربية (يستثني باقي أنشطة التعاون
-الصندوق العربي لإلنماء االقتصادي
-األردن التنموي لدولة الكويت)
واالجتماعي
-المغرب التقارير على المستوى الكلي
-البنك اإلسالمي للتنمية
-تونس -السعودية (بما فيه الصندوق السعودي للتنمية)
-صندوق األوبك للتنمية الدولية
-الضفة الغربية وقطاع غزة ال تقارير
ال تقارير
-البحرين
-برنامج الخليج العربي للتنمية-أجفند
-عمان
-صندوق النقد العربي
-قطر
الشكل :٩إجمالي صافي صرف المساعدة اإلنمائية الرسمية للكويت والسعودية واإلمارات
20000 1.60
18000 1.40
16000
1.20
14000
12000 1.00
10000 0.80
8000
0.60
6000
4000 0.40
2000 0.20
0 0.00
2000
2001
2002
2003
2004
2005
2006
2007
2008
2009
2010
2011
2012
2013
2014
2015
84
٢.٢.٢المساعدة اإلنمائية المقدمة من طرف المؤسسات المالية العربية الوطنية واإلقليمية
تتألف الصناديق اإلقليمية من الصندوق العربي لإلنماء االقتصادي واالجتماعي ( ،)1967وصندوق النقد العربي (.)1976
وتتكون الصناديق الوطنية من الصندوق الكويتي للتنمية االقتصادية العربية ( ،)1961وصندوق أبوظبي للتنمية (،)1971
والصندوق السعودي للتنمية ( .)1974أخي ًرا ،هناك المؤسسات التمويلية الدولية وهي البنك اإلسالمي للتنمية ()1975
الذي تموله الدول العربية بنسبة ،70٪وصندوق األوبك للتنمية ( )1976الذي يستمد موارده بنسبة الثلثين من سبع دول
عربية نفطية .وقد شكلت هذه المؤسسات المالية “مجموعة التنسيق” من أجل تعزيز التعاون بينها وتنسيق المساعدة
قروضا بشروط ميسرة ،تتمثل في انخفاض ً اإلنمائية العربية ،وتجنب االزدواجية عند منح القروض .وتوفر هذه الصناديق
سعر الفائدة وطول فترتي السماح والسداد ،باإلضافة إلى ارتفاع على نسبة عنصر المنح ،والذي يصل إلى نسبة 45٪متفوقا
بشكل محسوس على عنصر المنح في التمويل المتاح من مصادر دولية.
عملت المؤسسات المالية الوطنية واإلقليمية العربية على الرفع من المساعدة اإلنمائية التي تقدمها تفاع ًلا مع األزمة
المالية العالمية وانتفاضات الربيع العربي (شكل ،)9خاصة منذ سنة .2013هكذا ،عرف المعدل السنوي اللتزامات هذه
المؤسسات زيادة فاقت الضعف (أكثر من )100٪خالل الفترة ،2011-2016مقارنة مع الفترة ،2008-2010إذ انتقل هذا المعدل
من 7.4مليار دوالر أمريكي سنة 2010إلى مستوى قياسي لم يبلغه فيما قبل ويقدر 20مليار دوالر سنة .2016
٣.٢لمستفيدون
الشكل :١١التوزيع اإلقليمي للمساعدات اإلنمائية تركز البلدان والمؤسسات العربية المانحة تدخالتها في
الرسمية العربية المنطقة العربية ،ذلك أن 81٪من المساعدة اإلنمائية المقدمة
مناطق أخرى 8%
أفريقيا ،إقليمي %3 من طرف سبعة مانحين عرب رئيسيين تم تخصيصها لهذه
المنطقة (الشكل .)١١
جنوب الصحراء الكبرى
8%
الجدول :4أكبر 10شركاء للمستفيدين العرب ( -المعدل السنوي ،2011-2015إجمالي الصرف الثنائي ،مليون دوالر
أميركي ،أسعار 2015الثابتة)
الحصة القيمة الشركاء
33.5% 2,624 مصر
5.8% 373 المغرب
5.3% 337 األردن
5% 322 اليمن
2.8% 181 السودان
1.9% 123 باكستان
1.6% 103 موريتانيا
1.4% 87 لبنان
1.3% 83 تونس
1.1% 72 الضفة الغربية وقطاع غزة
59.7% 4305 المجموع
ويالحظ نفس التركيز بالنسبة لتدخالت المؤسسات المالية العربية ،حيث تستحوذ البلدان الخمس األوائل على 40٪من
إجمالي المساعدة اإلنمائية التي قدمتها خالل العشرين سنة األخيرة والعشر األوائل على World Bank, 2018,( 55-60٪
.)p.3وقد تشكلت الئحة العشر األوائل من سبعة بلدان عربية زائد بنغالدش وباكستان وتركيا .أما في سنة ،2016فقد كان
االستحواذ من نصيب ثالثة بلدان عربية (مصر وعمان والمغرب) وسبع بلدان غير عربية (بما فيها صربيا وتركمانستان).
قامت بلدان مجلس التعاون الخليجي والمؤسسات اإلقليمية بتقديم مساعدات مالية كبيرة لخمسة من البلدان التي
عرفت انتفاضات شعبية إبان الربيع العربي ،وهي مصر ،والمغرب ،وتونس ،واليمن .وقد تم تأكيد من خالل المساهمة
الوازنة لهؤالء األطراف فيما يعرف بـ”شراكة دوفيل”.
هكذا ،بلغ إجمالي المساعدة المالية المقدمة من بلدان الخليج 30مليار دوالر ما بين تموز/يوليو 2013وكانون األول/ديسمبر
.2016كما تعهدت بلدان الخليج (الكويت ،قطر ،السعودية ،واإلمارات العربية المتحدة) في سنة 2011بتقديم دعم مالي
استثنائي للمغرب واألردن قدره 5مليارات لكل منهما تصرف على مدى خمس سنوات .نفس التعهد قدم من طرف
بلدان الخليج العربي بتقديم مساعدة مالية خاصة تقدر بحوالي 4مليار دوالر سنة .2016أخي ًرا وليس آخ ًرا ،منحت هذه
البلدان الخليجية 4.7مليار دوالر لليمن في الفترة ( 2012-2014أي قبل الحرب) ،تحملت المملكة العربية السعودية نصفها
تقري ًبا ( 2.2مليار دوالر).
من جهتها ،قدمت المؤسسات المالية الوطنية واإلقليمية قرابة 30٪من مساعداتها اإلنمائية خالل الفترة 2011-2016للبلدان
التي طالها الربيع العربي ،علما بأن مصر استفادت لوحدها من نصف هذه المساعدات .وقد سجل هذا الدعم المالي
اإلنمائي معدل زيادة سنوية قدر بـ 68٪مقارنة مع ما كان عليه الوضع قبل اندالع األزمة المالية العالمية .ويأتي البنك
اإلسالمي للتنمية على رأس المؤسسات المالية الداعمة بنسبة ،39٪ثم الصندوق العربي لإلنماء االقتصادي واالجتماعي
( )22٪من جهتها ،خصصت المؤسسات المالية الوطنية الجزء األكبر من مساعداتها المالية لمصر (الصندوق السعودي
والصندوق الكويتي) واألردن (حالة صندوق أبو ظبي).
بقي اإلشارة إلى أن أقل من خمس المساعدة اإلنمائية العربية ( 19٪حسب الرسم رقم )3لبلدان خارج المنطقة العربية،
أساسا أفريقيا جنوب الصحراء ( 11٪من إجمالي المساعدة اإلنمائية العربية).
ً وتخص
86
٥.٢التوزيع القطاعي للمساعدة اإلنمائية العربية
هناك خمس قطاعات تستأثر بـ 78٪من المساعدة اإلنمائية التي توفرها ثماني أكبر مانحين من بلدان ومؤسسات مالية
عربية (شكل .)١٢
الشكل :١٢القطاعات الخمسة إلجمالي المساعدات اإلنمائية الرسمية العربية -المعدل السنوي ،2011-2015
إجمالي الصرف الثنائي ،مليون دوالر أميركي ،أسعار 2015الثابتة
800
:UMICsالبلدان ذات الدخل المتوسط األعلى
700
:LMICsالبلدان ذات الدخل المتوسط األدنى
600
USD million
:LDCs & LICsأقل البلدان نموًا والبلدان ذات الدخل المنخفض
500
المصدرOECD, 2017 : 400
300
200
100
0
النقل والتخزين الطاقة القطاعات إمدادات المياه الزراعة والغابات
المتعددة األخرى والصرف الصحي وصيد األسماك
ال شك إن للتعاون اإلنمائي العربي جوانب إيجابية لعل أهمها يتمثل في المساهمة الفعالة في تمويل عدد من
المشاريع في القطاعات األساسية في الدول العربية فضال عن مساهمتها في الحد من االختناقات التي تعاني منها
الدول والمساهمة في بناء القدرات البشرية والمؤسسية لهذه الدول .كما أن المساعدات الحكومية الثنائية تخصص
في معظمها لتغطية العجز في الموازنات العامة للدول المتلقية للمساعدة اإلنمائية ،والوفاء بالتزاماتها الخارجية .كما
تؤكد المؤسسات المالية الوطنية واإلقليمية العربية على مساعدة الدول المستفيدة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة
التي اعتمدتها األمم المتحدة في أيلول/سبتمبر 2015لتحل محل األهداف اإلنمائية لأللفية ،وتؤكد حرصها على احترام
األولويات التنموية للدول المستفيدة بما في ذلك المشاريع في القطاعات االقتصادية واالجتماعية المختلفة مع مراعاة
احترام البيئة.
غير أن للتعاون اإلنمائي العربي أبعاد جيوسياسية واضحة تحد من حمولته التنموية وتخدم باألساس المصالح االستراتيجية
واالقتصادية للبلدان المانحة ،وهي بلدان الخليج بالتحديد في الحالة العربية.
بعيدا إلى الوراء ،يالحظ بأن ما يحكم حال ًيا استراتيجية المملكة العربية السعودية -وهي أكبر بلد عربي
ً ودون الرجوع
مانح للمساعدة التنموية -بالمنطقة العربية هو ضرورة احتواء موجة الربيع العربي ومخلفاته باعتبار هذا األخير يشكل
تهديدا حقيق ًيا على المدى القصير والمتوسط لالستقرار الداخلي للملكيات المحافظة في الخليج العربي وبقائها على ً
مكن حركة اإلخوان المسلمين من الوصول إلى السلطة في عدد من البلدان العربية، المدى البعيد .كما أن الربيع العربي ّ
تهديدا صريحا للمذهب الوهابي الذي يعتبر من الركائز التي بنيت عليها المملكة العربية السعودية منذ ً مما شكل
نشأتها (أنظر .)Ennis C.A. and Momani B, 2013
باإلضافة إلى ذلك عرف شرق المملكة العربية السعودية والبحرين وعمان احتجاجات شعبية أقلقت حكام بلدان الخليج
العربي ودفعتهم إلى التدخل ،إن في الخليج -حالة البحرين -أو في الدول العربية األخرى التي عرفت انتفاضات شعبية
واسعة .وهذا ما يفسر تركيز المساعدات اإلنمائية على بلدان بعينها ،وهي مصر واألردن والمغرب ،علما أن البلدين األخيرين
نموا (السودان ،فلسطين ،الصومال) أو تلك التي لها توجهات ً هما ملكيتان وراثيتان .بالمقابل ،ال تحظى البلدان األقل
سياسية مخالفة لتلك السائدة في بلدان مجلس التعاون الخليجي بنفس الرعاية واالهتمام.
87
من جهة ثانية ،تشكل االعتبارات الدينية (نشر المذهب الوهابي) ،إلى جانب الدوافع االقتصادية عام ًلا أساس ًيا لتوجيه
خصوصا السينغال (أنظرً العون اإلنمائي العربي -خاصة عبر البنك اإلسالمي للتنمية -إلى بلدان أفريقيا جنوب الصحراء،
.)Robert A.C, 2017
على صعيد آخر ،يؤشر االهتمام الذي توليه البلدان والمؤسسات المالية الوطنية واإلقليمية العربية لما اصطلح عليه
باإلصالحات االقتصادية الهيكلية وانخراطها في “شراكة دوفيل” على إصرار المانحين العرب للمساعدة اإلنمائية
على االستمرار في تمويل سياسات نيوليبرالية (أي سياسات تنبني على لبرلة االقتصاد والخصخصة واالستقرار الماكرو
اقتصادي) أبانت عن فشلها الذريع حيث كانت من األسباب الرئيسية الندالع الثورات العربية في سنة .2010-2011والحال
أن “شراكة دوفيل” ،في الوقت الذي تلتزم فيه بالنهوض بقيم الديمقراطية ،والحرية ،والرخاء المشترك ،تربط تقديم
المساعدة اإلنمائية بالتزام البلدان المستفيدة “باقتصاد السوق ...واالنخراط في االقتصاد اإلقليمي والعالمي من خالل
تنمية التجارة وجذب االستثمارات األجنبية للمنطقة” (أنظر .)Ben Mustapha A, 2016
من جهة أخرى ،يشكل عدم قدرة البلدان العربية والمؤسسات المالية المانحة على الوفاء بالتزاماتها تجاه البلدان
ً
عائقا كبي ًرا أمام فعالية المساعدة اإلنمائية المستفيدة بسبب تقلبات أسعار المواد النفطية في السوق العالمية
ومعرق ًلا للتنمية .كما أنه يرغم البلدان المستفيدة على اتخاذ إجراءات ترهق كاهل الفئات المستضعفة والمتوسطة
من قبيل خفض اإلنفاق العمومي أو زيادة الضغط الضريبي.
القسم الثالث :تجارب االندماج اإلقليمي العربي :حالة مجلس الخليج العربي
واتحاد المغرب العربي
١.١.٣النشأة
تم إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية (يشار إليه فيما بعد بمجلس التعاون) سنة 1981من طرف دولة اإلمارات
العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ودول قطر والبحرين والكويت ،إضافة إلى سلطنة عمان .وكانت االعتبارات
األمنية (خاصة بعد ثورة الخميني بإيران وتواجد األساطيل العسكرية والقواعد األجنبية بالمنطقة) والتحديات اإلقليمية
من أبرز الدوافع للتعجيل بإقامة هذا االتحاد .أضف إلى هذا أن الثروة النفطية أصبحت تسيل لعاب قوى إقليمية ودولية
وتهدد بجعل دول الخليج العربي عرضة لألطماع السياسية الدولية.
توفر عوامل الوحدة من “قومية تدين بدين واحد” ،وتراث حضاري مشترك ،وقيم وعادات وتقاليد مشتركة أنظمة
سياسية متقاربة كونها ملكيات وراثية .وقد تعززت كل هذه العوامل بالرقعة الجغرافية المنبسطة عبر البيئة الصحراوية
ترابطا بين سكان هذه المنطقةً الساحلية التي تحتضن سكان هذه المنطقة ،ويسرت االتصال والتواصل بينهم وخلقت
وتجانسا في الهوية والقيم .كما فرضت التحديات االقتصادية ضرورة تجاوز الكيانات الصغيرة لمواجهة المنافسة ً
الدولية وتلبية طموحات شعوبها في التنمية الشاملة .لكل هذه األسباب اتفقت دول مجلس التعاون على تحقيق
اندماج إقليمي حقيقي وشامل للقطاعات االقتصادية واالجتماعية والسياسية .وقد حظي المدخل االقتصادي باألولوية
من خالل اعتماد االتفاقية االقتصادية الموحدة (تم إقرارها من طرف المجلس األعلى في تشرين الثاني/نوفمبر .)1981
وترسم هذه االتفاقية خطة العمل االقتصادي المشترك ومراحل التكامل والتعاون االقتصادي بين دول المجلس على
منوال االتحاد األوروبي .وتشمل االتفاقية االقتصادية الموحدة على الخصوص:
88
-تحقيق المواطنة االقتصادية لمواطني دول المجلس،
-تحقيق التكامل االقتصادي بين دول المجلس بصفة تدريجية ،بدءا بإقامة منطقة التجارة الحرة ،ثم االتحاد ت الجمركي،
ثم استكمال السوق الخليجية المشتركة ،وانتهاء باالتحاد النقدي واالقتصادي ،وإقامة المؤسسات المشتركة الالزمة
لذلك،
-تقريب وتوحيد األنظمة والسياسات واالستراتيجيات في المجاالت االقتصادية والمالية والجمركية،
-ربط البنى األساسية بدول المجلس ،السيما في مجاالت المواصالت والكهرباء والغاز ،وتشجيع إقامة المشاريع
المشتركة.
2.١.3الهياكل
عكس التجمعات اإلقليمية األخرى التي تلعب فيها المؤسسات فوق-الوطنية دو ًرا رئيس ًيا ،تتحكم الحكومات في
كواليس القرار داخل مجلس التعاون .يتكون الهيكل المؤسساتي والتنظيمي من األجهزة األساسية التالية:
-المجلس األعلى الذي يضم رؤساء الدول ويجتمع مرتين في السنة ،ويقوم بوضع السياسة العليا لمجلس التعاون
ويحدد الخطوط الرئيسية التي يسير عليها ،كما يقوم بتعيين األمين العام للمجلس .تؤخذ القرارات داخل المجلس
األعلى بإجماع الدول األعضاء الحاضرة بالنسبة للمسائل الموضوعية وباألغلبية فيما يخص المسائل اإلجرائية.
-المجلس الوزاري ويتكون من وزراء خارجية الدول األعضاء ،ويعقد اجتماعاته مرة كل ثالثة أشهر من أجل اقتراح
السياسات ووضع التوصيات والدراسات والمشاريع .تم إحداث العديد من اللجان على الصعيد الوزاري (المالية والتعاون
االقتصادي ،التعليم ،الصحة ،والقضايا االجتماعية وتلك المتعلقة بالشغل) من أجل إعداد الدراسات واقتراح التوصيات
للمجلس األعلى.
-األمانة العامة للمجلس :تمثل الجهاز اإلداري والتنفيذي للمجلس وتضطلع باإلعداد الجتماعات المجلس األعلى
والمجلس الوزاري ويحضر الدراسات والتقارير لهذا الغرض .كما يقوم بإعداد الدراسات الخاصة بالتعاون والتقارير ويسهر
على تنفيذ قرارات وتوصيات المجلس األعلى والمجلس الوزاري من قبل الدول األعضاء .تتمتع األمانة العامة طبقا
للنظام األساسي لمجلس التعاون باالستقالل التام وتتوفر على ميزانية خاصة تساهم فيها الدول األعضاء بنسب
متساوية .وتشكل األمانة العامة للمجلس بهذا المعنى رديفا للجنة األوروبية داخل هياكل االتحاد األوروبي (التي تضم
كذلك المجلس الوزاري ،والبرلمان األوروبي ،ومحكمة العدل األوروبية).
تجدر اإلشارة إلى أن المجلس يتوفر على هيئات متخصصة مكلفة بتصميم وتنفيذ المعايير التقنية والتحكيم التجاري
وتسجيل براءات االختراع.
3.١.3بعض المنجزات
1984
1985
1986
1987
1988
1989
1990
1991
1992
1993
1994
1995
1996
1997
1998
1999
2000
2001
2002
2003
2004
2005
2006
2007
2008
2009
2010
2011
2012
المصدر :األمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية ( )٢.١٣تقرير حول السوق الخليجية المشتركة :حقائق وأرقام
غير أن هناك عائقان أساسيان أمام إنجاز السوق المشتركة ،أولهما ضرورة إيجاد البنية األساسية للتكامل االقتصادي ،خاصة
في مجاالت النقل الطرقي والبحري والسككي ،إضافة إلى الربط الكهربائي .أما ثانيهما ،فيتعلق بالتنسيق بين السياسات
النقدية ،إضافة إلى التحكم في التضخم.
**ضعف التجارة البينية :تظل التجارة البينية بين دول مجلس التعاون محدودة رغم التحسن المسجل خالل العشرية
األولى للقرن واحد وعشرين (شكل رقم 12أعاله) .فنسبة الواردات البينية مقارنة مع إجمالي واردات البلدان المغاربية لم
تتجاوز 10٪بقليل إال سنة ( 2006شكل .)13كما لم تتعد نسبة الصادرات البينية مقارنة مع إجمالي صادرات هذه البلدان الـ10٪
خالل نفس الفترة (شكل .)14
إن هذه النسب ال ترقى إلى المستويات التي بلغتها مناطق أخرى في العالم كمنظمة “آسيان” ( ،)23٪ومنطقة التبادل
الحر ألمريكا الشمالية ( ،)41٪واالتحاد األوروبي (.)57٪
90
الشكل :١٤الصادرات المابين المناطق الجزئية (النسبة من إجمالي الواردات)
ويبرز ضعف االندماج التجاري بين دول مجلس التعاون الخليجي بصفة عامة من خالل المستوى المتواضع للتبادل التجاري
البيني للسلع (دون احتساب المواد النفطية) الذي لم يتجاوز 10٪سنة ،2016هذا رغم االنخفاض المحسوس في الحقوق
الجمركية مع انطالق السوق الخليجية المشتركة سنة .)IMF, undated( 2008باإلضافة إلى هذا ،يبين الشكل رقم 15
علما بأن
ً هيمنة نسبية لدولتي اإلمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية على التجارة البينية للخليج العربي
دولة اإلمارات تقوم فقط بإعادة تصدير ما تستورده من الخارج من السلع ،مستغلة دورها اإلقليمي كمحور متخصص
في هذا النوع من األنشطة التجارية.
الشكل ١٦
ويرجع ضعف التجارة البينية داخل مجلس التعاون إلى تشابه الهياكل اإلنتاجية عوض تكاملها .ذلك أن ضعف القدرات
اإلنتاجية (الصناعة ،الخدمات ،الزراعة ،تكنولوجيا المعلوميات وإنتاج المعرفة) يقلص من فرص التبادل التجاري بين بلدان
الخليج األعضاء في مجلس التعاون .كما يعكس اآلثار السلبية للتركيز المفرط على النفط كمحرك أساسي لالنخراط
وضعف القدرات اإلنتاجية (الصناعة ،الخدمات ،الفالحة) ،ويحد استمرار العراقيل في وجه االنتقال السلس للسلع ،في
إطار االتحاد الجمركي ،من أهمية التجارة البينية داخل مجلس التعاون .وتتنوع العوائق من عرقلة نقل البضائع بين دول
االتحاد الجمركي من خالل إعادة عملية تفتيش الشاحنات إلى فرض رسوم بتسميات مختلفة على بضائع تنتقل بين دول
91
الخليج مروا بالتمييز ضد الخليجيين لصالح المواطنين في تطبيق الشروط الصحية على بعض السلع والمنتجات الغذائية
وتأجيل تفعيل النظام الموحد لمكافحة اإلغراق (العبيدلي .2013 ،السوق الخليجية المشتركة :تحديات وآفاق مستقبلية،
مركز البحرين للدراسات االستراتيجية والدولية والطاقة).
أما في المجال االستثماري ،فيالحظ أن االستثمارات األجنبية البينية لدول مجلس التعاون تبقى متواضعة إذ ال تتعدى 12٪
مقابل 69.2٪باالتحاد األوروبي ،و 54.2٪بين بلدان شرق آسيا ،و 38٪داخل منطقة وسط وجنوب آسيا (جدول .)5من جهة
أساسا إلى
ً أخرى ،لم يؤد انتقال رؤوس األموال بين دول مجلس التعاون إلى االستثمار في القطاعات المنتجة ،بل اتجه
محدثا بذلك حاالت شديدة من المضاربة أدت إلى حاالت فقاعية انتهت بتسجيل خسائر طائلة بأسواق ً األوراق المالية،
المال (مركز الخليج للدراسات االستراتيجية ،المصدر أعاله) .كما شكل االستثمار في العقار وجهة مفضلة للمستثمرين
الخليجيين ،حيث أصبحت الطفرة العقارية في الخليج تقود مجموعة أخرى من محركات النشاط االقتصادي كأسواق
األسهم وقطاع الفنادق والسياحة.
الجدول :٦تدفقات االستثمارات اإلقليمية
اإلقليم اإلقليم
المستثمر
َ المستثمِ ر
فيه
شرق آسيا آسيا اقتصادات اقتصادات أميركا أميركا أفريقيا جنوب شمال االتحاد
الوسطى الشرق األدنى الخليج الجنوبية الشمالية الصحراء أفريقيا األوروبي
والجنوبية واألوسط األخرى العربي
االتحاد
398,250 447,314 14,738 -95 525,569 1,963,304 231,206 8,140,828 األوروبي
شمال
230 628 0 2,763 10 -306 1,087 9,653 أفريقيا
أفريقيا جنوب
31,239 103,240 124 2,019 7,911 42,010 85,971 الصحراء
أميركا
214,180 180,757 25,352 165 213,571 810,383 48,481 2,006,725 الشمالية
أميركا
1,104 216 298 41,685 35,465 460 92,616 الجنوبية
اقتصادات
2,937 16,070 1,676 17,710 352 7,387 9,777 93,768 الخليج العربي
اقتصادات
الشرق األدنى
729 3,017 162 41 235 9,905 12,903 43,524 واألوسط
األخرى
آسيا الوسطى
160,336 235,761 1,972 1,044 2,840 40,814 63,618 103,531 والجنوبية
1,678,798 237,657 310 5 51,161 395,356 38,390 328,883 شرق آسيا
على مستوى آخر ،يالحظ كذلك أن بعض اإلنجازات التي تذكر في البيانات الرسمية لألمانة العامة لمجلس التعاون
والمؤسسات المركزية األخرى لم يتم تنفيذها بشكل كامل .ويرجع هذا الخلل باألساس إلى عدم التزام حكومات
الدول المعنية بقرارات المجلس األعلى .على سبيل المثال ،إذا تم عرض وظيفة في دول عضوة بمجلس الخليج ،فإن
الوظيفة تقتصر على مواطني تلك الدولة خالفا لقوانين السوق الخليجية المشتركة .كما أن دور المؤسسات فوق-
الوطنية المكلفة بتتبع تنفيذ خطوات التكامل يبقى محدودا ،خاصة بالنسبة لألمانة العامة التي تقوم بدور استشاري
وإداري باألساس ،وليس تنفيذا أو رقابيا .بالمقابل ،تقوم المفوضية األوروبية بدور “الشرطي” وتغرم من يخالف القانون،
بعد تحقيق شفاف وموضوعي ،وبالتنسيق مع المحكمة األوروبية (المصدر :العبيدلي ع وغادة أ .2016 ،التكامل االقتصادي
الخليجي -توصيات بناء على خبرة المجتمع الدولي في تفعيل االتفاقيات الدولية ،مجلة التعاون ،العدد ،98أبريل).
أساسا على ً أخي ًرا وليس آخ ًرا ،إن المقاربة النيوليبرالية لالندماج االقتصادي على منوال االتحاد األوروبي المعتمد على
آليات السوق يجعل من فئة المستثمرين والتجار أكبر الرابحين من تحقيق الوحدة االقتصادية الخليجية ،في حين تدل
مستويات البطالة المرتفعة بالمنطقة (أكثر من 20٪في بعض الدول الخليجية) على غياب التداعيات اإليجابية على شكل
“آثار انتشارية” لهذا االندماج .كما تبقى الوضعية المزرية للعمال الوافدين ،وهم يشكلون نسب كبيرة من سكان المنطقة
( 81٪من سكان اإلمارات و 63٪بالكويت ،و 72٪في قطر ،و 51٪في البحرين ،و 31٪في عمان ،و 28٪في السعودية) ،تحد ًيا كبي ًرا
فيما يخص احترام أبسط حقوق اإلنسان داخل منطقة الخليج.
92
٢.٣اتحاد المغرب العربي“ :تكلفة ال ّلامغرب”
١.٢.٣النشأة واألهداف
تعود فكرة إنشاء االتحاد المغاربي إلى ما قبل االستقالل وتمت بلورتها من طرف ممثلين عن حزب االستقالل المغربي
والحزب الدستوري التونسي وجبهة التحرير الوطني الجزائرية في أول مؤتمر لألحزاب المغاربية الذي انعقد بمدينة طنجة
المغربية سنة .1958وإذا كانت هناك محاوالت قد تمت خالل الستينات من أجل بلورة االتحاد بين دول المغرب العربي خالل
الستينات من القرن الماضي-خاصة في سنة 1964حين تم إحداث اللجنة االستشارية للمغرب العربي لتعزيز العالقات
بين دول المغرب العربي ،-فإن االنطالقة الرسمية لهذا التكتل اإلقليمي تمت بمدينة مراكش سنة 1989حيث تم توقيع
إنشاء اتحاد المغرب العربي من قبل المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا.
٢.٢.٣الهياكل
-مجلس رئاسة االتحاد :يتكون مجلس رئاسة االتحاد من رؤساء الدول األعضاء ويعتبر أعلى جهاز في االتحاد ،كما يحق
له وحده اتخاذ القرار وتصدر قراراته باإلجماع .يجتمع مجلس الرئاسة مرة في السنة.
-مجلس وزراء الخارجية :يضم هذا المجلس وزراء الخارجية في بلدان االتحاد ويقوم بعدة مهام التحضير لدورات مجلس
الرئاسة وإعداد الدراسات التي يكلفه بها مجلس الرئاسة.
-لجنة المتابعة :تتألف من األعضاء المعينين من الحكومات لمتابعة شؤون االتحاد ،وتعتبر بمثابة هيئة المتابعة لتطبيق
قرارات االتحاد وجهاز لتنشيط العمل الوحدوي .لتحقيق هذا الغرض ،تجتمع لجنة المتابعة دور ًيا مع األمانة العامة
لتقييم التقدم الحاصل وتحديد العوائق واقتراح الحلول.
-األمانة العامة :تسهر األمانة العامة على تنفيذ قرارات مجلس الرئاسة وإعداد البحوث والدراسات .كما تساهم في
إعداد الخطط التنفيذية لبرنامج عمل االتحاد بالتنسيق مع لجنة المتابعة.
-مجلس الشورى :يتألف من أعضاء يتم اختيارهم من الهيئات النيابية للدول األعضاء .يعقد مجلس الشورى دورة عادية كل
سنة ويبدي رأيه في المشاريع والقرارات التي يحيلها عليه مجلس الرئاسة ،كما يمكن له رفع التوصيات إلى مجلس الرئاسة.
٣.٢.٣االتفاقيات
وقعت دول االتحاد المغاربي على قرابة 30اتفاقية مغاربية تهم العديد من المجاالت نذكر منها على سبيل المثال ال
الحصر :التصريح الخاص بإنشاء منطقة مغاربية للتبادل الحربين دول االتحاد المغاربي ( ،)1994االتفاقية الخاصة بقواعد
المنشأ ( ،)1994االتفاقية التجارية والتعريفية ( ،)1991اتفاقية الضمان االجتماعي ( ،)1991الميثاق المغاربي لحماية البيئة
والتنمية المستدامة ( ،)1992االتفاقية الخاصة بالتنظيم القضائي المشترك ،االتفاقية حول التعاون الثقافي ،اتفاقية
التعاون في المجال البحري ،الخ ..غير أن عدد االتفاقيات التي تم التصديق عليها ال يتعدى الستة ،وتهم على الخصوص
إنشاء البنك المغاربي لالستثمار والتجارة ( ،)2002االتفاقية الخاصة بتبادل المنتجات الزراعية ( ،)1993اتفاقية تشجيع وحماية
االستثمارات ،واتفاقية النقل البري للمسافرين والسلع والترانزيت.
٤.٢.٣المعيقات
عاما تقري ًبا على تأسيسه ،ال يزال االتحاد المغاربي يعيش حالة من الجمود والضعف يؤشر
على الرغم من مضي ثالثين ً
إليها مستوى التجارة البينية بين الدول األعضاء في اتحاد المغرب العربي الذي ال يتجاوز ،3٪وهي أدنى نسبة اندماج تجاري
93
في العالم ،كما أنها أدنى بكثير من تلك التي حققتها المجموعات اإلقليمية األخرى في أفريقيا ( 9.2٪بالمجموعة
االقتصادية لدول غرب أفريقيا ،و 11.2٪لمجموعة جنوب أفريقيا للتنمية) أو على الصعيد العالمي ( 15٪لالتحاد االقتصادي
والنقدي لغرب أفريقيا ،و 21٪لرابطة دول جنوب شرق آسيا و 65٪لالتحاد األوروبي) .وهناك عدة أسباب وراء فشل دول
ملحا لشعوبها وضرورة تاريخية وحيوية من أجلً مطمحا
ً المغرب العربي في تحقيق االندماج االقتصادي الذي يشكل
نهوضها .ويمكن حصر أهم المعيقات النطالق حقيقية لقطار تشييد الصرح المغاربي الى ثالثة أصناف :ما هو سياسي،
ثم ما هو اقتصادي ،وأخي ًرا ما هو مؤسساتي.
لقد كان من تداعيات هذا الجمود السياسي للمشروع المغربي أن اتجهت بلدان المغرب العربي بصفة انفرادية إلى نسج
عالقات اقتصادية مع محيطها اإلقليمي ،مديرة ظهرها لجيرانها المغاربيين .هكذا ،قدم المغرب طل ًبا رسم ًيا لالنخراط
ً
اتفاقا مع دولة نيجيريا لتمديد خط التزود بالغاز لغرب أفريقيا ليصل في المجموعة االقتصادية لغرب أفريقيا ،كما وقع
إلى إسبانيا .من جهتهما ،تسعى تونس ،وقد تتبعها الجزائر ،لالنضمام إلى “كوميسا” (السوق المشتركة لشرق أفريقيا
والجنوب األفريقي) ،وقامت موريتانيا باالنضمام إلى مجموعة الخمسة لدول الساحل اإلفريقي.
الحواجز االقتصادية
إن أهم الحواجز االقتصادية التي يواجهها بناء اتحاد المغرب العربي تتمثل في تشابه الهياكل االقتصادية وغياب التكامل
بين اقتصاداتها .فاالختيارات االقتصادية الليبرالية للمغرب وتونس واختيارهما التركيز على العالقات مع االتحاد األوروبي
أدى بهما إلى إعطاء األولوية للتخصص في األنشطة الكثيفة العمالة الموجه إلى التصدير لدرجة التنافس لتعظيم
حصتهما من السوق األوروبية لهذه المنتجات (خاصة بالنسبة لصناعة النسيج واأللبسة) وكذلك لجلب االستثمارات
األجنبية .وقد عزز من هذا التوجه إصرار االتحاد األوروبي على التعامل مع دول المغرب العربي على أساس ثنائي ألنه
يقوي من قدرته التفاوضية تجاهها .وتتجسد هذه المقاربة الثنائية بالخصوص في السياسة األوروبية للجوار المبنية
على تعامل االتحاد األوروبي مع دول المغرب العربي كل على حدة .بمعنى آخر ،ينتج عن األولوية التي أعطتها الدول
المغاربية لعالقاتها االقتصادية مع االتحاد األوروبي ذات الطابع العمودي تهميش للتعاون االقتصادي جنوب-جنوب-
ذي الطبيعة األفقية .ويتجلى غياب التكامل بين الهياكل االقتصادية في االختالف الواضح بين بنية الصادرات (أو العرض)
والطلب بالمنطقة المغاربية .ويزيد من حدة هذا التنافر ضعف التنويع على مستوى النسيج االقتصادي ،خاصة بالنسبة
للجزائر وليبيا وموريتانيا.
أخي ًرا وليس آخ ًرا ،يشكو الفضاء االقتصادي المغاربي من عدم مالءمة البنيات التحتية ،خاصة بالنسبة للموانئ والربط
البحري بين دول المنطقة.
٥.٢.٣تكلفة “الالمغرب”
لقد تطرق عدد من المحللين للكسب الفائت أو المنافع التي تحرم منها دول االتحاد المغربي بفعل الجمود الذي يعاني
منه هذا األخير .وإذا كانت تكلفة عدم تفعيل االتحاد المغاربي اقتصادية باألساس ،فهاذا ال ينبغي أن ينسينا أبعادها
السياسية واألمنية.
94
التكلفة االقتصادية “لالمغرب”
يتم تقييم التكلفة االقتصادية لالمغرب بالنظر إلى حجم المبادالت التجارية التي ال تنجز بين الدول المغاربية بفعل
سابقا ،خاصة فيما يتعلق بالحواجز الجمركية وغير الجمركية ،وكذا ما تعلق منها ً استمرار العوائق المشار إليها
ً
باللوجستيات .ويتبين من دراسة لعزام وآخرين ( )Azzam M. et al, 2017أنجزت حديثا أن حجم التجارة البينية بالمغرب
ّ
المقدر بـ2451.67
ّ العربي لم يتجاوز 6724.06مليار دوالر سنة ،2015أي أنه لم يتجاوز 27.4٪من الحجم المحتمل (أو الممكن)
ً
ملحوظا في مستويات التجارة البينية قد يبلغ 11.8٪من إجمالي التجارة الخارجية مليار دوالر .وتتوقع نفس الدراسة تحس ًنا
لبلدان المغرب العربي و 6.4٪من إجمالي الناتج الداخلي الخام ،أي ما يوازي ثالثة أضعاف النسبة المسجلة سنة 3.6٪( 2015
من إجمالي التجارة الخارجية و 2.05٪من إجمالي الناتج الداخلي الخام للمنطقة).
محدودا
ً إن هذا االرتفاع الملحوظ في التجارة البينية ،في حال ما تمت إزالة مختلف العوائق أمام االندماج المغاربي ،يبقى
إذا ما قارناه مع مستويات االندماج التجاري في مناطق أخرى من العالم ،في آسيا وأوروبا وأمريكا الالتينية ،بل وحتى
في أفريقيا .وهذا يؤكد مرة أخرى عيوب ومحدودية االندماج االقتصادي المعتمدة على التجارة الحرة في غياب هياكل
اقتصادية تتميز بالتنوع وتحتل فيها الصناعة مكانة مركزية بالنظر إلى االرتباطات األمامية والخلفية التي تحدثها داخل
النسيج االقتصادي.
لقد كشفت األزمات العالمية واتساع الفوارق في العقود األخيرة عن الجوانب السلبية في التعاون جنوب -جنوب .ذلك
أنه بقدر ما تعتمد سياسات المساعدة اإلنمائية المنتهجة من طرف البلدان الصاعدة تجاه بلدان الجنوب على مبادئ
التضامن ،بقدر ما تسعى إلى تحقيق أهدافها االستراتيجية من خالل هذا التعاون .فوجود قوى تنمو بسرعة في محيط
جهوي مكون من دول فقيرة يمكن أن يوفر مساحات للتعاون واالستفادة المتبادلة ،لكن مصالح الطرفين ال تلتقي
بعيدا عن الخطابات
ً بالضرورة في كل الحاالت .لهذا وجب وضع سياسات وممارسات البلدان الصاعدة تحت المراقبة،
الرسمية المستهلكة .وهذا يهم على الخصوص المساعدة المشروطة (أو المربوطة) (ROA, 2016. Country Case
)Studies on S/S Cooperation, CPDE, p.14وخطر السقوط في فخ المديونية والشفافية والمساءلة المتبادلة
من خالل ممثلي السكان المنتخبين ومؤسسات المجتمع المدني الجادة على المستويين الوطني والمحلي.
95
مراجع الفصل الرابع
- Azzam M et al.,2017. L’ integration regionale du Maghreb: Quelles alternatives populaires
pour une integration effective et durable, FMAS\FTDES.
- Ben Mustapha A, 2016. Les faces cachees du partenariat de Deauville, nawaa (website),
29 mai.
- Besharati, N.A., Rawhani, C., & Rios, O.R. 2017. A monitoring and evaluation framework
for South-South cooperation (Working Paper). Johannesburg: South African Institute for
International Affairs (SAIIA).
- Ennis C.A. and Momani B, 2013. Shaping the Middle East in the Midst of the Arab Risings
: Turkish and Saudi foreign policy strategies, Third World Quarterly, 34:6.
- Easterly W,2001. The Elusive Quest For Growth, MIT Press, Boston
- ESCWA, 2015. Assessing Arab Economic Integration, Towards the Arab Customs Union,
United Nations, Beirut.)p90
. أرقام وحقائق: تقرير حول السوق الخليجية المشتركة.2013، األمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية-
96
الفصل الخامس
97
الفصل الخامس
نحو تقييم نقدي للشراكة بين القطاعين
العام والخاص بالعالم العربي
حالة المغرب
المقدمة
ّ
ترجع مشاركة القطاع الخاص في تدبير المرافق العمومية بالمغرب إلى عهد الحماية ،حيث تم تطبيق األشكال
التقليدية للشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص المسماة التدبير المفوض ١.وقد عرف هذا النوع من التدبير انتعاشة
قوية في التسعينات من القرن الماضي ،حيث انخرط المغرب في سياسة توفير العديد من الخدمات العمومية من خالل
إبرام عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص في شكلها الحديث (تعهد الشريك الخاص بمسؤولية القيام بمهمة
شاملة تتضمن التصميم والتمويل الكلي ،أو الجزئي والبناء ،أو إعادة التأهيل وصيانة ،أو استغالل منشأة ،أو بنية تحتية) أو
التقليدي ،أي التدبير المفوض.
وبالنظر إلى شيوع هذا النمط األخير من الشراكة بين القطاعين العام والخاص بالمغرب ،سنركز تحليلنا على التدبير
المفوض لتبيان آثاره من زاوية الحقوق االقتصادية واالجتماعية والمجتمع المدني.
رؤية عامة ومعطيات كمية عن تجربة المغرب في مجال الشراكة بين نخصص الجزء األول من هذه الدراسة لتقديم ِ
القطاعين العام والخاص ،ثم نتطرق في الجزء الثاني إلى تحليل اإلطار المؤسساتي والتشريعي والقانوني للشراكة بين
القطاعين العام والخاص بالمغرب .أما الجزء الثالث من هذا التقرير فيركز على التقييم النقدي للتدبير المفوض لعدد
من الخدمات العمومية المحلية بالمدن المغربية مع رصد آثاره من وجهة نظر حقوق اإلنسان االقتصادية واالجتماعية
والمجتمع المدني.
القسم األول :رؤية عامة عن الشراكة بين القطاعين العام والخاص بالمغرب
عرف المغرب نظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص منذ بداية القرن العشرين ،حيث عمدت الحماية الفرنسية إلى
إسناد إنجاز وتدبير عدد من البنيات التحتية لشركات فرنسية عبر توقيع عقود امتياز معها .على سبيل المثال ال الحصر،
ُأسند امتياز إنتاج وتوزيع الماء الصالح للشرب في أربعة مدن مغربية إلى الشركة المغربية للتوزيع وقد تم توسيع عقود
عددا من المدن المغربية األخرى.
ً االمتياز هاته خالل الفترة 1950-1947لتشمل
وغداة استقالل المغرب سنة ،1956عملت السلطات العمومية على استرجاع تدبير كل القطاعات التي كانت خاضعة
ً
توجها لعقود االمتياز ،وتسييرها بشكل مباشر .لكن ابتداء من أواسط ثمانينات القرن الماضي ،ستتبنى الدولة المغربية
واضحا يدور حول ثالث مرتكزات أساسية هي لبرلة االقتصاد والخصخصة والتقشف في مجال المالية ً اقتصاد ًيا نيوليبرال ًيا
العمومية .هكذا ،وتحت ذريعة ق ّلة الموارد المالية ،وضرورة ضبط التوازنات الماكرو اقتصادية ،وقدرة القطاع الخاص على
تحقيق نجاعة أكبر وتدبير أفضل مقارنة مع القطاع العام ،سيعرف التدبير المفوض للمرفق العمومي انطالقة جديدة
بدءا بالنقل الحضري الذي سيفوت تدريج ًيا للخواص في أواسط الثمانينات ،على أن دفعة قوية ستعطي لمسلسل ً
خصخصة المرافق العمومية المحلية في التسعينات من القرن الماضي مع تطبيق التدبير المفوض في قطاعات حيوية،
كتوزيع الماء والكهرباء والصرف الصحي باإلضافة إلى جمع النفايات والمجازر والنقل الحضري.
وتظهر أهمية الحيز الذي أصبح يمثله التدبير المفوض للمرفق العمومي من خالل الجدول رقم 2الخاص بتوزيع رقم
المعامالت بقطاع توزيع الماء والكهرباء والصرف الصحي حسب الفاعلين االقتصاديين ،حيث يالحظ أن شركات التدبير
المفوض حققت 37٪من رقم المعامالت الذي بلغ 30.1مليار درهم متجاوزة بكثير رقم معامالت الوكاالت المستقلة
التابعة لمجالس الحكم المحلي ،في حين حصل المكتب الوطني للماء الكهرباء والماء الصالح للشرب على حصة بلغت
41٪مع العلم أن تدخل هذا المكتب يكاد ينحصر باألرياف في حين تنشط الشركات المفوض إليها بالمدن.
أخي ًرا ،ينبغي اإلشارة أن مجال تطبيق التدبير المفوض للمرفق العمومي يشمل كذلك قطاعات أخرى كالري الزراعي.
إذا كانت عقود االمتياز هي الشكل المهيمن على الشراكة بين القطاعين العام والخاص بالمغرب فإن أشكا ًلا جديدة
المؤسسات المالية الدولية والدول ِ لهذه الشراكة أخذت تنمو خالل العقد األول من القرن الواحد والعشرين تحت تأثير
المانحة .وقد لعبت الشراكة المالية الدولية التابعة لمجموعة البنك الدولي والوحدة التقنية التابعة لوزارة المالية
بالمملكة المتحدة دورا رئيس ًيا في الترويج لألشكال العصرية للشراكة بين القطاعين العام والخاص لدى المسئولين
٣
المغاربة .كما دعمت هذا التوجه الحكومة األلمانية والبنك األوروبي لالستثمار على الخصوص.
وتقدم السلطات المغربية الشراكة بين القطاعين العام والخاص في شكلها الحديث على أنها ستعزز البنيات التحتية
وتوفر خدمات عمومية ذات جودة للمواطنين .كما أنها ستقوي من تنافسية االقتصاد المغربي بفضل االعتماد على
كفاءة القطاع الخاص وقدرته على االبتكار.
99
الجدول :٣بعض األمثلة للشراكة بين القطاعين العام والخاص بالمغرب
الشريك الخاص* االستثمار م .د. السنة األمثلة
شركة طاقة أبو ظبي 8670 1997 محطة الجرف األصفر 1إلى 4
فرنسا Theolinشركة 640 2000 محطة الطاقة الهوائية الكدية
فرنسا VEOLIAشركة 9000 2002 البيضاء
مجموعة أونا المغرب - 3655 2005 توزيع الماء والكهرباء طنجة
Siemens Endesaشركتها 3655 2005 تطوان
فرنسا VEOLIAشركة 1980 2009 مشروع الري الكردان
VEOLIA TRANSDEVشركة 18700 2011 المحطة الحرارية تاحدارت
شركة طاقة أبو ظبي 18700 2011 النقل الحضري الرباط سال
20200 2012 الترامواي الرباط سال
TSK EE ARIES 15العربية السعودية ACWA3شركات 20200 2012 محطة الجرف األصفر 5و6
إسبانيا 20200 2012 مشروع الطاقة الشمسية
وارزازات
اليابان Mitsui Co. oldفرنسا Gaz de France/ Suez 31400 2013 محطة الطاقة الهوائية طرفاية
المغرب NAREVA 31400 2013 ترامواي الدار البيضاء
المغرب AL KORA CDG MITSUIفرنسا EDF Energies 31400 2013
المحطة الحرارية آلسفي
المحطة الهوائية تازة
مشروع السكن النصر
المصدر :الشراكة بين القطاعين العام والخاص ،إطار مفضل لتسريع وتيرة االستثمارات العمومية ،وزارة االقتصاد * .2013هذه الخانة إضافة من طرفنا.
يعرض الجدول رقم 3ألمثلة عن مشاريع للشراكة بين القطاعين العام والخاص خالل العشرية األولى من هذا القرن.
ويالحظ بأن األشكال الجديدة لهذه الشراكة تركزت حول قطاع الطاقة والنقل عبر الترامواي .ويظهر من العمود الثالث
للجدول أن الشركات المتعددة الجنسية كانت لها حصة األسد من هذه المشاريع خاصة الشركات األوروبية وبشكل أقل
شركات من بلدان الخليج العربي.
إن استحواذ الشركات المتعددة الجنسية على صفقات الشراكة بين القطاعين العام والخاص يثير مالحظتين أساسيتين
فهو من جهة يسلط الضوء على إستراتيجية البلدان الرأسمالية المتقدمة والمؤسسات المالية الدولية التي تتحكم
فيها والتي تهدف إلى إيجاد منافذ وأسواق جديدة للرأسمال الصناعي والمالي الكبير الذي يهيمن على اقتصاداتها
ويضغط من أجل فتح المجال أمامه لتوسيع نطاق مسلسل التراكم الرأسمالي ليشمل بلدان الجنوب .وهو يطرح من
جهة أخرى تساؤ ًلا جوهر ًيا حول مدى مالئمة منطق الربح والتراكم الرأسمالي مع متطلبات التنمية الشاملة وتفعيل
الحقوق االقتصادية واالجتماعية األساسية لساكنة بلدان الجنوب خاصة الفئات االجتماعية المستضعفة.
تجدر اإلشارة إلى أنه في غياب قانون خاص للشراكة بين القطاعين العام والخاص في شكلها الجديد (لم يتم المصادقة
على هذا القانون إال في دجنبر/كانون األول )2014تم اعتماد قوانين خاصة بالمؤسسات العمومية تسمح لها بالتعاقد
مع القطاع الخاص من أجل تمويل وإنجاز وتدبير مرافق عمومية معينة .كمثال على هذا ،يسمح الظهير بمثابة قانون
المحدث للمكتب الوطني للكهرباء (ظهير صادر 5غشت/آب )1963بإبرام اتفاقيات مع الخواص من أجل قيامهم بإنتاج
طاقة كهربائية تفوق 50ميغاواط .كما يسمح القانون رقم 15-02الخاص بالموانئ والمحدث للوكالة الوطنية للموانئ
وشركة استغالل الموانئ بإبرام عقود االمتياز مع شركات خاصة لتمويل وتشييد وتدبير منشآت بالموانئ المغربية
والقيام بمختلف األنشطة المرتبطة بها.
100
بقي أن نشير إلى أن األشكال الجديدة للشراكة بين القطاعين العام والخاص تهم باألساس جهاز الدولة والمؤسسات
العمومية وشبه العمومية ،فيما يغلب التدبير المفوض على الشراكات التي تعقدها الجماعات الترابية (الحكم المحلي)
مع القطاع الخاص (جدول رقم .)4
اإلطار رقم 1الوكالة المستقلة طنجة المتوسط
تهدف الشركة بين القطاعين العام والخاص إلى االعتماد على فاعلين اقتصاديين كبار متخصصين في
المهن المرتبطة بالموانئ من أجل تسهيل التركيبة المالية لتشييد البنية التحتية لميناء طنجة المتوسط
وكذلك االستفادة من خبرتهم في االستغالل المحطات والقيام بمختلف األنشطة بالميناء .هكذا تم
منح امتياز تمويل وبناء واستغالل المحطة TC1سنة 2005لشركة APMTوهي تابعة للمجموعة المتعددة
الجنسيات .MAERSK
ومنح امتياز تمويل وتشييد استغالل المحطة TC2لمجموعة EUROGATEوهي ثاني فاعل اقتصادي
في مجال الموانئ بمنطقة البحر األبيض المتوسط.
ومنح امتياز محطة المحروقات لشركتي HTL and IPGومجموعة أفريقيا (المغرب) والمحطة الخاصة
بالسيارات للمجموعة الفرنسية .RENAULT
كلف إنشاء ميناء طنجة المتوسط استثمارا إجماليا بقيمة 15مليار درهم 8 ،مليارات ممولة من طرف الدولة
(أساسا الشركات الحاصلة على حق االمتياز بالميناء).
ً المغربية و 7مليارات من طرف الخواص
يعتبر اإلطار المؤسساتي والقانوني للشراكة بين القطاعين العام والخاص بالمغرب في طور التبلور ،إذ يتوفر المغرب
على قانون التدبير المفوض منذ ،2006في حين تمت المصادقة مؤخ ًرا على قانون جديد يؤطر عمليات الشراكة في
شكلها الجديد .سنقوم بعرض المؤسسات والقوانين التي تؤطر الشراكة بين القطاعين العام والخاص قبل التطرق إلى
جوانب القصور التي تتضمنها خاصة من وجهة مشاركة المجتمع المدني وحقوق اإلنسان.
١.٢أهم سمات اإلطار المؤسساتي والقانوني للشراكة بين القطاعين العام والخاص
يتضح مما سبق أن وزارة الداخلية تلعب دو ًرا محور ًيا في التأطير المؤسسي للتدبير المفوض للمرفق العمومي المحلي
ومستفيدا من الخدمات العمومية .كما
ً في حين يتم تغييب مؤسسات المجتمع المدني والمواطن بصفته مستعم ًلا
أن للمجالس المنتخبة دور محدود بفعل ثقل وصاية وزارة الداخلية عليها.
أما اإلطار التشريعي فيتمثل في القانون رقم 05 .54المتعلق بالتدبير المفوض للمرافق العامة والذي ينحصر مجال
تطبيقه على العقود المبرمة من طرف الجماعات المحلية أو هيأتها والمؤسسات العامة.
101
أحكاما عامة تتعلق بتعريف التدبير المفوض وتوازنه والدعوة إلى المنافسة لالختيار
ً يتضمن الباب األول من هذا القانون
بين المرشحين وحل النزاعات ومكونات العقد ومدته والنظام المحاسبي والقانوني لألموال ،الخ .ويهمنا في هذا الباب
اإللحاح على بعض الجوانب األساسية في التدبير المفوض .فالقانون 05 .54يعرف التدبير المفوض بكونه “عقد يفوت
بموجبه شخص معنوي خاضع للقانون العام يسمى المفوض” لمدة محددة تدبير مرفق عام يتولى مسؤوليته إلى
شخص معنوي خاضع للقانون العام أو الخاص يسمى “المفوض إليه” يخول له حق تحصيل أجرة من المترفقين أو
معا .ويفرض هذا القانون على المفوض إليه التقيد بمبدأ المساواة بين المرتفقينتحقيق أرباح من التدبير المذكور أو هما ً
ومبدأ استمرارية المرفق ومبدأ مالءمته مع التطورات التكنولوجية واالقتصادية واالجتماعية ،مع العمل على تقديم
خدماته بأقل تكلفة وفي أحسن شروط السالمة والجودة والمحافظة على البيئة.
أما مدة العقد ،فيجب أن تأخذ بعين االعتبار طبيعة األعمال المطلوبة من المفوض إليه واالستثمار الذي يجب أن ينجزه،
وال يمكنها أن تتجاوز المدة العادية الستهالك اإلنشاءات عندما تكون المنشآت ممولة من قبل المفوض إليه.
ومن المهم اإلشارة كذلك إلى أن حل النزاعات بين الطرفين يتم عبر مسطرة التحكيم إما وفق التشريع الجاري به العمل
أو بموجب اتفاقية ثنائية دولية أو متعددة األطراف.
يتطرق الباب الثاني لحقوق وواجبات المفوض وهي مراقبة التدبير المفوض وتدبيره والمراجعات الدورية للعقد والتزام
المفوض.
أما الباب الثالث فيعرض لحقوق المفوض إليه وواجباته ومنها إمكانية التعاقد من الباطن ،معاينة مخالفات المرتفقين،
تدبير المفوض إليه للمرفق المفوض على مسؤوليته ومخاطره ،تأسيس شركة خاضعة للقانون المغربي من طرف
المفوض إليه ،االحتفاظ بمستخدمي التدبير المفوض.
ويحتوي الباب الرابع على أحكام متعلقة باإلعالم والنزاعات وهي وضع نظام للمراقبة الداخلية من طرف المفوض
إليه وضرورة نشر المعلومات المالية والعقوبات والتعويضات في حال إخالل أي من الطرفين في حالة عدم الوفاء
بالتزاماتهم أو مخالفة البنود التعاقدية .أما الباب الخامس فيتضمن أحكام مختلفة.
يحتوي هذا القانون على ديباجة ترسم صورة وردية لعقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص كونها ستمكن من
االستفادة من القدرات االبتكارية للقطاع الخاص وتمويله ومن ضمان توفير الخدمات بصفة تعاقدية وتقديمها في
اآلجال وبالجودة المتوخاة وأداء مستحقاتها جزئ ًيا أو كل ًيا من طرف السلطات العمومية وبحسب المعايير المحددة
ً
سلفا .إضافة إلى أن اللجوء إلى عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص سيساعد على تعزيز بروز مجموعات ذات
مرجعية وطنية في هذا المجال وتشجيع نشاط الشركات الصغرى والمتوسطة من خالل التعاقد من الباطن.
يشترط القانون 12 .86أن تستجيب المشاريع المزمع إنجازها عبر الشراكة بين القطاعين العام والخاص “لحاجة محددة
مسبقا من قبل الشخص العام” وأن تخضع لتقييم قبلي يأخذ بعين االعتبار الطبيعة المعقدة للمشروع وتكلفته
اإلجمالية خالل مدة العقد وتقاسم المخاطر المرتبطة به ومستوى أداء الخدمة المقدمة وتلبية حاجيات المرتفقين
والتنمية المستدامة ،وكذا التركيبات المالية للمشروع وطرق تمويله.
يتم إبرام عقد الشراكة وفق مساطر الحوار التنافسي أو طلب العروض المفتوح أو طلب العروض باالنتقاء المسبق أو
وفق المسطرة التفاوضية .ويسعى الحوار التنافسي إلى مساعدة الشخص العام “على تحديد الوسائل التقنية لتلبية
حاجيات المشروع موضوع الشراكة ...أو إعداد تركيبته المالية أو القانونية” .ولهذا الغرض ،يسمح الحوار التنافسي “بإجراء
مناقشات مع مترشحين للتعرف على الحل أو الحلول التي من شأنها تلبية حاجياته”.
يتم اختيار المترشح الذي يقدم العرض األكثر فائدة من الناحية االقتصادية وفق مجموعة من المعايير تهم على
الخصوص القدرة على إنجاز أهداف حسن األداء والقيمة اإلجمالية للعرض ومتطلبات التنمية المستدامة والوقع
االجتماعي والبيئي للمشروع والطابع التقني االبتكاري للعرض ،وعند االقتضاء إجراءات التفضيل لفائدة المقاولة الوطنية
ونسبة استعمال العناصر الداخلة ذات األصل الوطني للمنتوج.
102
تتراوح مدة عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص بين خمس سنوات وثالثين سنة ،مع إمكانية تمديدها إلى خمسين
سنة.
يدفع الشخص العام أجرة للشريك الخاص مقابل الخدمات التي يوفرها كما يمكن لهذا األخير أن يتلقى أجرته بصفة
جزئية من طرف المرتفقين .يتم تقاسم المخاطر وفق شروط يحججها عقد الشراكة ،كما يحدد هذا العقد “الشروط
التي تخول لكل من الشخص العام والشريك الخاص الحق في الحفاظ على توازن العقد عند وقوع أحداث مفاجئة غير
متوقعة أو في حالة قوة قاهرة”.
تحدد مواد أخرى في القانون شروط مراقبة تنفيذ عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص وجزاءات عدم احترام بنود
العقد والتعاقد من الباطن وتفويت أو تغيير العقد وحاالت وشروط فسخه .وتجدر اإلشارة إلى المادة 27حول “كيفيات
تسوية النزاعات” والتي تنص على اللجوء إلى “مساطر الصلح والوساطة االتفاقية أو التحكيم أو المساطر القضائية وفقا
لرغبة المتعاقدين”.
أخي ًرا ،ينبغي التنويه إلى صدور مرسوم وزاري رقم 45 .15 .2بالجريدة الرسمية (عدد 7يونيو/حزيران )2015يحدد شروط
وتفاصيل تطبيق القانون رقم 12 .86المتعلق بعقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
يتمثل اإلطار المؤسساتي للشراكة بين القطاعين العام والخاص في إحداث خلية تعنى بهذا الملف تابعة لمديرية
المؤسسات العمومية والخصخصة بوزارة االقتصاد والمالية .وتقوم هذه الخلية بأربع وظائف أساسية:
-وظيفة اليقظة بالمشاركة في بلورة السياسة الحكومية في مجال الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
-تقديم الخبرة والمساعدة التقنية للوزارات والمؤسسات العمومية
-نشر المعايير والتجارب الناجحة والتوحيد التدريجي لمضامين عقود الشراكة.
٤
-التنسيق والتتبع ويتكون هذا القسم (الخلية) من ثمانية موظفين.
بما أننا سنتطرق لتقييم نقدي للتدبير المفوض في الجزء الثالث من هذا التقرير ،سنكتفي بإبداء بعض المالحظات العامة
على اإلطار المؤسساتي والتشريعي الذي عرضنا له فيما سبق.
إن أهم مالحظة يمكن تقديمها في هذا المجال تكمن في صعوبة الحفاظ للمواطن المستعمل للخدمات العمومية
(أي ما يصطلح عليه قانونيا بالمرتفقين) لدوره المحوري كمستفيد ومعني بكلفة وجودة هذه الخدمات ،وذلك في ظل
هاجس الربح الذي يطغى على سلوك القطاع الخاص عند تدبيره ألي نشاط اقتصادي أو تجاري .من هذه الزاوية يصبح
ضبط وتنظيم ومراقبة المفوض إليه ذي أهمية بالغة للحفاظ للمرفق العمومي على خصوصيته ووظائفه المتمثلة في
المساواة بين المرتفقين وضمان استمرارية المرفق .غير أن القانون 05 .54لم يتطرق لهذا الجانب معتبرا بأن الصالحيات
المخولة للسلطة المفوضة كفيلة لوحدها بحل المشاكل والصعوبات التي قد تعترض تنفيذ عقد التدبير المفوض .بيد
أن التجربة التي سنعرض لها في الجزء الثالث تبين بوضوح أن إشكاليات الضبط والمراقبة والتنظيم من أهم أسباب فشل
نمط التدبير المفوض بالمغرب.
هناك كذلك مالحظة تتعلق بعدم تحديد األجرة المنصفة للمفوض إليه التي تنص عليها المادة 4حول توازن عقد التدبير
المفوض مما يفتح المجال للتجاوزات في هذا المجال من طرف الشركة الخاصة المدبرة للمرفق العمومي .ونفس
المالحظة تسري على تكاليف “المساعدة التقنية” التي تركت لتقدير المفوض إليه دون تأطير من طرف المشرع.
يثير اإلطار المؤسساتي والقانوني للشراكة بين القطاعين العام والخاص في شكلها الجديد الكثير من اإلشكاالت
والمالحظات .إن أول ما يتبادر إلى الذهن أن عقود الشراكة يمكن أن تطال كل القطاعات بما فيها الدفاع واألمن القومي.
استطالعا آلراء مسؤولين وازنين يكشف أن قطاعات الطرق والصحة والتعليم هي المرشحة باألولية لتفعيل ً بل إن
الشراكة بين القطاعين العام والخاص .وقد سبق لوزير الصحة المغربي أن صرح إلحدى الصحف اليومية بأن على وزارته أن
٥
تقتصر على تقديم الخدمات الصحية وأن تفوت إلى الخواص مهام تشييد البنايات والصيانة والحراسة.
وغني عن البيان أن توسيع مجال الشراكة بين القطاعين العام والخاص إلى هذه القطاعات الحيوية سيزيد من حدة
التمايز االجتماعي والمجالي باإلضافة إلى المشاكل التي قد تنجم عن تطبيق عقود الشراكة هاته في قطاع ذي
حساسية كبيرة كالدفاع القومي.
103
من جهة أخرى ،قد يؤدي التركيز على معايير الفائدة االقتصادية إلى التركيز على المشاريع المربحة وتهميش القطاعات
ذات الطابع االجتماعي وعدم األخذ بعين االعتبار البعد البيئي .وما يعزز مخاوفنا هاته ما جاء في المرسوم التطبيقي
للقانون 12 .86في المادة 17من االعتماد على “المعايير االقتصادية والنوعية التي يتم اعتمادها لتقييم العروض السيما
القدرة على إنجاز أهداف حسن األداء والقيمة اإلجمالية للعرض والمتطلبات المشار إليها في المادة 8من القانون رقم
.”12 .86بعبارة أخرى يصبح الهاجس المالي والحصول على أعلى جودة بأفضل سعر هو المحدد الرئيس الختيار المشاريع
المرشحة لإلنجاز من خالل عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
على صعيد آخر يطرح طول مدة تحكم القطاع الخاص (ثالثون إلى خمسون سنة) في المرافق العمومية قدرة الدولة
على االستمرار في القيام بدورها كضامن لتوفير الخدمة العمومية على قدم المساواة واالستمرارية لكل المواطنين
والمواطنات.
أما بالنسبة العتماد معايير الشفافية والمنافسة الحرة والشريفة في انتقاء المرشحين لعقود الشراكة بين القطاعين
العام والخاص ،فإنها تبقى نظرية بالنظر إلى طبيعة النظام االقتصادي بالمغرب الذي تطغى عليه رأسمالية المحاسيب
وتداخل السلطة والثروة ٦.بالتالي ليس من المؤكد أن الظفر بعقود الشراكة هذه سيتم بمنأى عن ممارسات أصحاب
النفوذ ومنطق التدخالت واإلضاءات.
إضافة إلى هذا ،سيكون من الصعب تتبع ومراقبة تنفيذ مضمون عقد الشراكة من طرف الشريك الخاص نظ ًرا لعدة
عوامل أهمها وجود عدم التساوق في المعلومات الذي يصب في صالح هذا األخير.
هذا باإلضافة إلى الطابع التقني المعقد لعقود الشراكة وعدم توفر األجهزة اإلدارية المكلفة بالتتبع والضبط على
الموارد المادية والبشرية الكافية للقيام بدورها على الوجه األكمل .ومن جوانب قصور عقود الشراكة كذلك الطابع
التكنوقراطي الغالب على صياغتها وتدبيرها وتهميش أي مشاركة شعبية في مختلف مراحل بلورة وإنجاز المشاريع
المنبثقة عنها وغياب أي تقييم قبلي آلثارها على حقوق اإلنسان والبيئة.
أخي ًرا وليس آخ ًرا ،بينت العديد من الدراسات فشل نموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص في تحقيق اآلمال
المعقودة عليها من حيث تخفيف العبء على المالية العمومية وتوفير خدمة عمومية بأفضل جودة وأقل سعر وإنجاز
٧
المشاريع دون تأخير ودون تكلفة زائدة.
نهدف في هذا الجزء إلى الوقوف على مدى مساهمة التدبير المفوض بالمغرب في ضمان الحقوق االجتماعية
واالقتصادية للمواطن المغربي وإشراك الساكنة في بلورة عقود التدبير المفوض ومراقبة تنفيذها .وسنحاول أن نبين
بأن التدبير المفوض قد فشل في تحقيق هذه األهداف وأن المستفيد األكبر من هذه التجربة هي الشركات المتعددة
الجنسية التي أوكل إليها تدبير المرفق العام التابع للجماعات المحلية.
سندرس تباعا نجاعة هذا النمط من التدبير في توفير أفضل جودة بأقل سعر ( ،)Value for Moneyثم نقيم تأثيره على
ظروف عيش المواطن وإهمال حقوقه االقتصادية واالجتماعية بعد ذلك سنتطرق لقضايا المشاركة الشعبية.
١.٣هدف توفير أفضل جودة بأقل سعر لم يتحقق على أرض الواقع
تسعى السلطات العمومية من خالل التدبير المفوض إلى توفير خدمة عمومية ذات جودة وبأقل سعر للمواطن في
حين تهدف الشركة المفوض لها إلى تعظيم األرباح التي تجنيها من االستثمار في المرافق العمومية المحلية .فإلى أي
مدى تم التوفيق بين هاتين المقاربتين للمرفق العمومي المحلي بالمغرب؟
ينبغي التنويه بأن التطرق لتقييم التدبير المفوض للمرافق العمومية المحلية يعتريه العدد من الصعوبات أهمها صعوبة
الولوج إلى المعلومات والمعطيات والحسابات المتعلقة بشركات التدبير المفوض في المغرب وعلى الصعيد العالمي
على حد سواء .بالتالي سنقوم بتقييمنا النقدي في حدود المعطيات المتوفرة مركزين على المؤشرات التالية :األسعار،
الكفاءة ،جودة الخدمة.
104
أ) المنحى التصاعدي ألسعار شركات التدبير المفوض
لقد بينت تجربة الخصخصة في مختلف أشكالها (التدبير المفوض ،عقود االمتياز ،عقود اإليجار ،الخ ).أنها تؤدي في
معظم األحيان إلى الزيادة في أسعار الخدمات العمومية (الماء ،الكهرباء ،النقل ،االتصاالت) .وهذا راجع إلى عدة أسباب
من بينها تطبيق مبدأ استرداد التكاليف ( ،)Cost-Recoveryوإضافة هامش الربح للشركة المفوض لها وضرورة تمويل
٨
استثمارات توسيع الشبكة أو صيانتها وتجديدها.
وعادة ما تلجأ الشركات المفوض لها إلى النفخ في حجم االستثمارات الضرورية عند توقيع العقد كي تحصل على
الحق في رفع تسعيرة المتر مكعب من الماء مثال ،وذلك باتفاق من السلطة المفوضة.
بالنسبة لحالة المغرب ،أشار التقرير األخير للمجلس األعلى للحسابات حول التدبير المفوض والمشار إليه سابقا إلى أن
من أهم المؤاخذات على هذا النمط من التدبير للمرفق العمومي المحلي الزيادات في التسعيرة على حساب القدرة
الشرائية للمستهلكين .فالتسعيرة األعلى لتوزيع الماء سجلت بمدينة الدار البيضاء حيث تنشط المجموعة الفرنسية
( SUEZسويز) ،باإلضافة إلى مدينتي وجدة وآسفي المسيرة من طرف الوكالة المستقلة التابعة مباشرة لمجلس
الحكم المحلي .أما أقل تسعيرة فسجلت على مستوى الوكالة المستقلة لمدينة العرائش .نفس المالحظة تسري
على قطاع الصرف الصحي حيث سجلت التسعيرة األعلى بالدار البيضاء -المحمدية والوكالة الحضرية لمدينة مراكش.
أخي ًرا وليس آخ ًرا ،تعرف تسعيرة جمع النفايات (قطاع النظافة) من طرف الخواص زيادة ملحوظة مقارنة مع التسعيرة
المطبقة في حال التدبير المباشر من طرف الجماعة المحلية المنتخبة .ففي مدينة أغادير ،يوفر المجلس البلدي خدمة
١١
درهما للطن الواحد مقابل الضعف في المدن األخرى.
ً جمع النفايات في شروط جيدة وبتسعيرة ال تتعدى 210
درهما للطن دونً وبالنسبة لوالية الرباط-سال ،قدرت تكلفة جمع النفايات عن طريق الوكالة الحضرية بحوالي 255
درهما للطن الواحد في 27جماعة تحت نظام التدبير ً احتساب تناقص القيمة ،في حين بلغت نفس التكلفة 333
١٢
درهما للطن في جماعات النواصر ،بسكورة ،دار بوعزة وأوالد صالح.
ً المفوض خالل الفترة ،2007-2009بل وصلت إلى 548
علما بأن شركات التدبير المفوض استحوذت على ً درهما للطن،
ً أما معدل التسعيرة على الصعيد الوطني فقد بلغ 417
80٪من إجمالي معامالت المرفق العمومي لجمع النفايات في المدن المغربية مقابل 20٪فقط بالنسبة للتدبير المباشر
من طرف الجماعات المحلية.
أما المؤشر الثاني ،فيتعلق بإنتاجية العمل التي تحسنت بشكل ملموس بعد تولي شركات التدبير المفوض تسيير قطاع
الماء والكهرباء والصرف الصحي .على سبيل المثال ،سجل معدل عدد العاملين لكل ألف زبون انخفاضا بأكثر من 50٪
حسب دراسة للبنك الدولي ١٣.ونجم هذا التحسن في إنتاجية العمل باألساس عن تسريح مهم للعمال قارب .20٪كما
ساعدت عوامل أخرى كارتفاع عدد الزبائن بفعل ارتفاع نسبة الربط بشبكات الماء والكهرباء والصرف الصحي وعصرنة
105
أساليب التدبير على الزيادة في إنتاجية العمل هاته .إضافة إلى هذا تمكنت الوكاالت المستقلة من تحقيق تحسن أكبر
في إنتاجية العمل مقارنة مع شركات التدبير المفوض هذا دون اللجوء إلى تسريح العمال (جدول رقم ،)5مما يحدد من
فعالية وكفاءة التدبير المفوض.
جدول :5تطور إنتاجية العمل حسب المؤسسة المنتجة
٢٠١٣ ٢٠١٢ ٢٠١١ ٢٠١٠ المؤسسة
٧٣٣ ٧٥٦ ٧٢٢ ٧٠٣ التدبير المفوض
لمصدر :تقرير المجلس األعلى للحسابات ،ص66 . ٨٢٥ ٧٧٠ ٧٢٥ ٧٠٦ الوكاالت المستقلة
كثيرا
ً ج) مستوى الخدمة لم يتحسن
جراء تفويت المرفق
يقر تقرير المجلس األعلى للحسابات بالطابع النسبي والمحدود لتحسن الخدمة المقدمة للزبائن ّ
العمومي للخواص إذ يالحظ بأن الفاعلين الخواص قاموا بتحسين نسبي للخدمة ،لكن دون أن يرقى هذا التحسن إلى
مستوى انتظارات المواطن (ص .)15فعلى سبيل المثال ال الحصر ،لم تف شركات التدبير المفوض لقطاع النقل الحضري
بالتزامها بإقامة نظام لمراقبة “جودة الشبكة” المنصوص عليه في العقد الذي يربطها بالمجالس المحلية .نفس
المالحظة تسري على قطاع النظافة حيث لوحظ تدهور الخدمة العمومية المقدمة من طرف الخواص لعدة عوامل
منها تقادم وسائل النقل المستخدمة دون إصالحها أو تجديدها ،اختالالت على مستوى تخطيط عمليات جمع األزبال
وتفريغها ،غياب برنامج مستمر لتنظيف الشوارع واألزقة.
باإلضافة إلى هذا ،تنزع شركات التدبير المفوض بحكم تركيزها على تعظيم األرباح إلى استهداف المناطق واألحياء ذات الدخل
المرتفع ،مما يؤدي إلى عدم إدماج فئات واسعة من محدودي الدخل في شبكات توزيع الماء والكهرباء والصرف الصحي.
على سبيل المثال ،الحظت تقارير المجلس الجهوي للحسابات بالدار البيضاء أن نسبة إنجاز أشغال التهيئة والتقوية لم
تتجاوز 26٪مقارنة مع التوقعات المبرمجة .كما أن شركة ريدال بمدينة الرباط لم تنجز إال 57٪من االستثمارات التي التزمت
أساسا إلى عدم كفاية الموارد المالية الذاتية لشركات التدبير المفوض.
ً بتمويلها ١٥.وهذا راجع
وفي قطاع النقل العمومي ،أنجز البرنامج االستثماري التعاقدي بشكل جزئي فقط في 85٪من الحاالت التي تمت
دراستها من طرف المجلس األعلى للحسابات.
نفس األمر يسري على قطاع النظافة حيث الحظ تقرير المجلس األعلى أنه في غياب إطار مالئم للمراقبة والتشبع من
١٦
طرف السلطة المفوضة ،لم تعمل الشركات المفوض لها بتنفيذ االستثمارات التي التزمت بها.
من جهة أخرى ،لم تعمل شركات التدبير المفوض على تزويد السلطة المفوضة بالمعطيات واألرقام الضرورية لمتابعة
مدى التزامها بما هو منصوص عليه في عقد التدبير المفوض .وكثيرا ما تتذرع هذه الشركات بحساسية المعطيات
وخوفها من تسريبها للشركات المنافسة كما تستغل احتكارها للمعلومات لحرمان المجالس المنتخبة من الحصول
عليها ،مستغلة عامل عدم تناسق المعلومات لصالحها ( .)Information Asymmetryعالوة على هذه االختالالت،
تم تسجيل العديد من التجاوزات من طرف شركات التدبير المفوض كالنفخ المتعمد في مبالغ “المساعدة التقنية” التي
يتم تحويلها لفائدة الشركة األم بالخارج وتوزيع األرباح بشكل مبكر ودون احترام لبنود عقد التدبير المفوض وإحداث
١٧
فروع للشركة المفوض لها دون موافقة السلطة المفوضة.
106
٢.٣اإلضرار بمبادئ العدالة االجتماعية والمحافظة على البيئة
ً
سابقا بالوكاالت لقد استغلت شركات التدبير المفوض غياب أي إلزام قانوني باالحتفاظ بالعمالة التي كانت تشتغل
ً
سابقا بالنسبة لقطاع الماء والكهرباء والصرف الصحي مثال. المستقلة ١٨للتخلص من جزء غير يسير من األجراء كما أشرنا
عالوة على ذلك ،لجأت شركات التدبير المفوض لقطاع النظافة إلى التشغيل المؤقت بشكل مفرط ١٩،مما فاقم من
وضعية الهشاشة التي تعاني منها الشغيلة وساهم في عدم تحقيق األهداف المسطرة في عقود التدبير المفوض
نظرا لعدم استقرار األجواء واستحالة تراكم الخبرة وانعدام فرص التكوين للعمالة المؤقتة.
من جهة أخرى لم تلتزم شركات التدبير المفوض بالتزاماتها فيما يتعلق بربط العائالت الفقيرة بشبكة الماء والكهرباء
والصرف الصحي .ففي مدينة طنجة مثال ،لم تنجز شركة “أمانديس” التابعة للمجموعة إال 3030عملية ربط من أصل
العشرة آالف ( )10000التي تعهدت بتنفيذها VEOLIAالفرنسية.
وخالل الخمس سنوات األولى من دخول التدبير المفوض حيز التطبيق ٢٠،نفس اإلخفاق تم تسجيله بمدينة الدار البيضاء
حيث ثم تنفيذ 45806عملية ربط اجتماعي في ظرف عشر سنوات من أصل تسعين ألف ( )90000من طرف شركة ليديك
٢١
التابعة للمجموعة الفرنسية “سويز”.
على مستوى آخر ،كان لنشاط شركات التدبير المفوض أثر سلبي على البيئة .وهذا تجلى على الخصوص في قطاعي
النقل والنظافة ٢٢.فتقادم حافالت النقل العمومي وقلة عمليات المراقبة التقنية الدورية لها وتكدس هذه الحافالت
في عدد محدود من فضاءات الوقوف ،كلها عوامل ساعدت على تدهور البيئة في عدد من المدن المغربية .أما بالنسبة
لقطاع النظافة ،فيالحظ غياب دراسات الجدوى واألثر القبلية على النظام البيئي .كما ينجم عن عمليات دفن النفايات
انتشار الروائح الكريهة والسائل المرشح داخل وخارج المطارح العمومية.
بالنظر إلى الحصيلة المتواضعة للتدبير المفوض التي عرضناها سابقا وكذا تهميش المجالس المحلية المنتخبة وهيئات
المجتمع المدني ،لم يكن مفاجأ أن تنتفض الساكنة بشكل عفوي أو من خالل الحركات االجتماعية للتعبير عن غضبها
تجاه ما آلت إليه الخدمة العمومية من جراء تفويتها للقطاع الخاص .واعتبارا لقلة المعطيات والدراسات حول هذا
الموضوع بالمغرب سنقتصر على عرض بعض األمثلة المرتبطة بقطاع الماء والكهرباء والصرف الصحي.
إذا كانت االحتجاجات األولى عفوية وغير منظمة إال أنه سرعان ما تم تأطيرها من جمعيات المجتمع المدني ،خاصة
الجمعية المغربية لحقوق اإلنسان وهي منظمة غير حكومية قريبة من اليسار الجذري المغربي ،وكذلك بعض منتخبي
مجلس مدينة الدار البيضاء .وقد أخذت هذه المقاومة الشعبية أشكاال متعددة كامتناع بعض المواطنين عن أداء
فواتير الماء وتنظيم وقفات احتجاجية أمام مقر والية (أي محافظة) الدار البيضاء والقيام بخرجات عفوية إلى الشارع
واعتصامات أمام وكاالت شركات التدبير المفوض وتوقيع عرائض وتنظيم ندوات وموائد مستديرة حول العولمة
٢٥
النيوليبرالية والخصخصة والحق في الماء ٢٤.نفس استنكار والغضب تم تسجيلهما بمدن الرباط وطنجة وتطوان.
وما فتئت نفس االحتجاجات تكرر إبان اندالع ثورات الربيع العربي حيث رفعت حركة 20فبراير المغربية عدة شعارات
٢٦
مطالبة بإنهاء عقد التدبير المفوض من بينها على سبيل المثال ال الحصر “فيوليا إرحل”.
وقبل بضعة أشهر أصدر المجلس الجهوي للمجتمع المدني بالدار البيضاء والمكون من سبع مئة جمعية بالغا يطالب
فيه بفتح نقاش حول أسباب عدم مراجعة العقد الذي يربط المدينة بشركة ليدك وعدم متابعة الشركة قضائ ًيا
اللتفافها عن الوفاء بالتزاماتها وضرورة التفكير في فسخ العقد الذي يربطها بالجماعة الحضرية فبراير.
107
الخاتمة
رغم أن الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص بالمغرب كنمط لتدبير المرفق العمومي تعود إلى عهد الحماية إال
ملحوظا خالل العقدين األخيرين من القرن الماضي ،إذ انخرط المغرب بدعم وتوجيه من المؤسسات ً أنها عرفت تطو ًرا
المالية الدولية في مسلسل متواصل من اإلصالحات النيوليبرالية ترمي إلى لبرلة االقتصاد وخصخصة القطاع العام
مع اعتماد سياسة تقشفية على صعيد المالية العمومية .ورغم سيطرة الشكل التقليدي للشراكة على تدبير المرفق
العمومي المحلي ،فقد أخذت األشكال الجديدة التي يعهد بموجبها إلى الشريك الخاص بمهمة شاملة تتضمن
التصميم والتمويل والبناء ،أو إعادة التأهيل وصيانة ،أو استغالل منشاة ،أو بنية تحتية في التبلور خالل العقد األول من
القرن الواحد وعشرين ،خاصة في قطاع الطاقة والموانئ .وتعكس سيطرة الشركات المتعددة الجنسية على صفقات
الشراكة بين القطاعين العام والخاص هاجس البحث عن منافذ وأسواق جديدة للرأسمال الصناعي والمالي الكبير الذي
يهيمن على اقتصادات البلدان الرأسمالية المتقدمة والمؤسسات المالية الدولية التي تتحكم فيها.
إن دراسة اإلطار المؤسسي والقانوني للشراكة بين القطاعين العام والخاص مكنتنا من االستنتاجات التالية .أو ًلا صعوبة
الحفاظ للمواطن المستعمل للمرفق العمومي على دوره المحوري كشريك ومستفيد معني بتدبير المرفق العمومي
في ظل هيمنة هاجس الربح على سلوك القطاع الخاص وعدم تمكن السلطة العمومية من ضبط ومراقبة هذا األخير.
ثان ًيا ،ضرورة االنتباه إلى أخطار توسيع مجال عقود الشراكة إلى قطاعات حيوية كالتعليم والصحة ،مما سيزيد من حدة
التمايزات الطبقية والمجالية إضافة إلى المشاكل التي قد تنجم عنها بالنسبة لقطاع حساس كاألمن الوطنيً .
ثالثا،
سيؤدي التركيز على معايير الفائدة االقتصادية إلى إعطاء األولوية للمشاريع المربحة وتهميش القطاعات االجتماعية،
رابعا ،غلبة الطابع
مما سيضر بالحقوق االقتصادية واالجتماعية للمواطنين والمواطنات .كما سيؤثر سلبا على البيئةً .
التكنوقراطي على بلورة وتدبير عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص يؤدي إلى تهميش أي مشاركة شعبية في
مختلف مراحل إعداد وإنجاز المشاريع المنبثقة عنها وغياب أي تقييم قبلي جدي آلثارها على حقوق اإلنسان والبيئة.
لقد تجلت محدودية الشراكة بين القطاعين العام والخاص من خالل قيامنا بتقييم نقدي للتدبير المفوض كنمط
إلدارة المرفق العمومي المحلي .فباستثناء تحسن طفيف في مستوى الخدمة ،لم يحقق التدبير المفوض األهداف
المرسومة له من طرف الجماعات المحلية .فتسعيرة الخدمات العمومية في قطاعات الماء والكهرباء والصرف الصحي
والنقل العمومي وجمع األزبال عرفت منحى تصاعدي واضح .وتحسن إنتاجية العمل بشركات التدبير المفوض تم على
حساب تسريح العمال ودون أن يرقى إلى المستوى المحقق من طرف الوكاالت المستقلة .أما التحسن المسجل بالنسبة
لتغطية الساكنة بالخدمة العمومية ،فيعود باألساس إلى الموارد المالية الجديدة التي وفرها عقد التدبير المفوض
لفائدة الشركات المفوض لها .من جهة أخرى ،لم تف هذه الشركات بالعديد من التزاماتها خاصة في مجال حيوي
كاالستثمار .في حين تم تسجيل العديد من التجاوزات كالنفخ المتعمد في مبالغ “المساعدة التقنية” واحتكار المعلومة
لتعطيل مهمة التتبع والمراقبة من طرف المجالس المنتخبة.
على مستوى آخر ،أدى التدبير المفوض إلى اإلضرار بحقوق العمال بفعل التسريحات واللجوء المفرط إلى التشغيل المؤقت
وحرمان الفئات االجتماعية المستضعفة من الحق في الماء والكهرباء ،والصرف الصحي ،والنقل ،والنظافة .باإلضافة إلى
هذا ،أثر نشاط شركات التدبير المفوض لقطاعي النقل وجمع األزبال إلى الحاق أضرار بليغة بالبيئة.
أمام هذا الفشل البين للتدبير المفوض للمرفق العمومي المحلي ،لم يكن مستغر ًبا أن تنتفض ساكنة المدن في وجه
الشركات المفوض لها .وقد تنوعت أشكال االحتجاج من االمتناع عن أداء فواتير الماء والكهرباء إلى تنظيم وقفات
احتجاجية واعتصامات والمطالبة برحيل هذه الشركات أو فسخ العقود التي تربطها بالجماعات المحلية.
بالنظر إلى هذه الحصيلة المخيبة لآلمال ،اهتدت السلطات العمومية بالمغرب إلى التوقف عن اعتماد التدبير المفوض
كآلية إلدارة المرفق العمومي المحلي والتوجه عوضا عن ذلك إلى إحداث شركات للتنمية المحلية تملك أغلبية أسهمها.
وإذا كان هذا التوجه ينطوي على عدة إيجابيات ،إ ّلا أنه يتسم بهيمنة سلطة الوصاية التي لها الحق لوحدها في تعيين
المدراء العامين لهذه الشركات مقللة بذلك من دور المجالس المنتخبة ومستثنية أي دور لمنظمات المجتمع المدني
والمراقبة الشعبية.
108
مراجع الفصل الخامس
1يعتبر التدبير المفوض عقدا يفوض بموجبه شخص معنوي خاضع للقانون العام يسمى “المفوض” لمدة محددة،
تدبير مرفق عام يتولى مسؤوليته إلى شخص معنوي خاضع للقانون العام أو الخاص يسمى “المفوض إليه” يخول له
حق تحصيل أجرة من المرتفقين أو تحقيق أرباح من التدبير المذكور أو هما معا .يمكن أن يتعلق التدبير المفوض كذلك
بإنجاز أو تدبير منشاة عمومية أو هما معا تساهم في مزاولة نشاط المرفق العام المفوض.
2أنظر الدراسة الصادرة عن المجلس األعلى للحسابات حول التدبير المفوض سنة 2014
3محمد المستقيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص :إطار مناسب لتطوير الحوار بين القطاعين وزارة المالية أبريل
،2012تقرير المجلس األعلى للحسابات.
4خلية الشراكة بين القطاعين العام والخاص وزارة المالية -بدون تاريخ.
5الشراكة بين القطاعين العام والخاص .L’économiste 3934
6أنظر محمد السعدي Neoliberal Reforms. Business Groups and Development Challenges in
Morocco. MRM، Montecatini 2013لمزيد من التفاصيل.
HALL D. Why public-private Partnerships Don’t Work. psiru 2015 7
8بالنسبة لقطاع الماء أنظر على سبيل المثال.Hall D and Lobina E. Water Privatization. Psiru, April 2008 :
9ص 112
10تقرير المجلس ص .105
11أنظر تصريح السيد طارق القباج رئيس المجلس البلدي لمدينة أكادير لصحيفة اإليكونوميست رقم .3/10/2012 3880
12ينبغي مراعاة كون تسعيرة التدبير المفوض تتضمن كذلك تناقص القيمة وتكلفة رأس المال واألرباح والضرائب بخالف
التدبير المباشر.
.Martin P. Public-Private Partnerships for Urban Utilities. World Bank. Washington. 2012, p 79 13
.Martin P. p. 63 14
15تقرير المجلس األعلى للحسابات ص ..77
16نفس التقرير ص .148
17يتضمن تقرير المجلس األعلى للحسابات معطيات حول هذا الموضوع.
18أنظر على سبيل المثال Saadi MS, “Water Privatization Dynamics in Morocco: A Critical Assessment
.of the Casablancan Case,” Mediterranean Politics, 17/3/2012
19أنظر على سبيل المثالFrancis Lefebvre, CMS Bureau, Newsletter Maroc, Sept 2006, no.1 :
20أنظرcas d’Amendis Tanger، ISCAE Casablanca، October، 2005 déléguée d’eau potable Oirdighi ،
S ، Essai d’évaluation du service de la gestion
.Saadi, op. cit ٢١
22تقرير المجلس األعلى للحسابات ص 148 ،106و.154
23أنظر Saadi MS، 2012لمزيد من التفاصيل.
Idem 24
.Aujourd’hui le Maroc, 16/11/2006 ٢٥
.Dumas L. Veolia Dégage, Informations et commentaires no 159, 2012 ٢٦
109
الفصل السادس
110
الفصل السادس
سياسات صندوق النقد الدولي التقشفية
وأثرها على الحماية االجتماعية
المقدمة
ّ
يقوم صندوق النقد الدولي بدور مؤثر في رسم السياسات االقتصادية واالجتماعية للبلدان األعضاء ،وغال ًبا ما تكون
لتوصياته وتوجيهاته آثار مباشرة على الواقع المعيشي للسكان خاصة الفئات االجتماعية محدودة الدخل والفقيرة.
وإذا كان دور هذا الصندوق قد تراجع خالل العشرية األولى من األلفية الثالثة ،فإنه ما فتئ يسترجع تأثيره وهيمنته على
الصعيد العالمي ،مستغال الظروف الطارئة التي نجمت عن دخول الرأسمالية المعولمة في أزمة بنيوية عميقة ال زالت
ترخي بظاللها على العالم بأسره إلى يومنا هذا .ولعل الجديد في العودة القوية لصندوق النقد الدولي ،هو تدخله
المباشر في معالجة أزمة منطقة اليورو ،عبر فرض تبني سياسات تقشفية صارمة أضرت كثي ًرا بشعوب المنطقة ،من
دون أن تقود إلى تحسن محسوس في المؤشرات االقتصادية ،كمعدل النمو وعجز الموازنة العامة ومستوى الدين
العمومي .وما لبث المجال الجغرافي لهذا التدخل يتسع مع اشتداد تأثير األزمة االقتصادية العالمية ،خاصة في بلدان
الجنوب .هكذا أصبح صندوق النقد الدولي يؤثر بقوة في رسم السياسات االقتصادية واالجتماعية في عدد من البلدان
العربية ،حيث يبرز بشكل جلي طابعها التقشفي مع ما يصاحبه من تداعيات سلبية على المسألة االجتماعية بصفة
عامة والحماية االجتماعية ودعم المواد األساسية بصفة خاصة.
سنخصص القسم األول من هذه الورقة لمناقشة نقدية لألدوار التي يقوم بها صندوق النقد الدولي ،مع التركيز على
تدخالته في المنطقة العربية .في حين سنتطرق في القسم الثاني إلى السياسات التقشفية التي يفرضها الصندوق على
الدول العربية وتداعياتها السلبية على النمو االقتصادي والمسألة االجتماعية بصفة عامة .أما القسم الثالث فسنعالج
من خالله تأثير السياسات التقشفية ،مس ِّلطين الضوء على إشكالية دعم المواد األساسية .وسنحاول في هذا الصدد
إبراز مكامن الضعف في الحلول التي يقترحها صندوق النقد الدولي لهذه اإلشكالية.
القسم األول :أدوار صندوق النقد الدولي وتأثيره على الوضع االقتصادي
واالجتماعي في المنطقة العربية
من أجل فهم سليم لقدرة تأثير صندوق النقد الدولي في رسم السياسات العامة للدول األعضاء ،يتعين أوال التذكير
بالمهام المنوطة به ،وكيف تطورت عبر الزمن ،لتجعل منه فاع ًلا رئيس ًيا في هذا المجال حيث يفرض إرادة المساهمين
الرئيسيين في رأسماله على هذه الدول ،خاصة تلك التي ترغب في االقتراض منه ،ثم سنتطرق ثان ًيا إلى تدخالت الصندوق
في المنطقة العربية.
١.١.١عند إنشائه سنة ،1944أنيطت بصندوق النقد الدولي مهمة تنظيم الشروط المالية المالئمة للتوظيف الناجح
لالقتصاد العالمي ،شروط متصلة بتنظيم معدالت تبادل العمالت بين الدول ،وقد جاء في المادة األولى من اتفاقية
“بريتن وودز” أن أهداف الصندوق هي كاآلتي:
أ ـ تعزيز التعاون الدولي في مجال النقد من خالل مؤسسة دائمة توفر آلية التشاور والتعاون بصدد المسائل النقدية الدولية.
ب ـ تيسير توسع التجارة العالمية ونموها المتوازن للمساعدة على تحقيق مستويات عالية من العمالة والدخل ومن
تنمية الموارد اإلنتاجية لكل األعضاء كأهداف أولى للسياسة االقتصادية.
جـ ـ تعزيز استقرار التبادل النقدي والمحافظة على ترتيبات تبادل نظامية بين األعضاء ،وتجنب تخفيض قيمة العمالت
الناجم عن التبادل التنافسي.
111
د ـ المساعدة على إقامة نظام مدفوعات متعدد األطراف فيما يتعلق بصفقات جارية بين األعضاء ،وإزالة القيود على
التبادل الخارجي والتي تعوق وتكبح التجارة العالمية.
ً
هـ ـ منح الدول األعضاء الثقة بجعل الموارد العامة للصندوق متاحة لها مؤقتا ،في ظل ضمانات وافية من أجل توفير
الفرصة لها (الدول) لتصحيح الخلل في ميزان مدفوعاتها من دون اللجوء إلى تدابير محبطة لالزدهار الوطني والدولي.
و ـ تقصير مدة وتخفيف درجة الخلل في ميزان مدفوعات األعضاء.
كما يعمل على فرض شروط معينة على الدول األعضاء الراغبة في الحصول على القروض التي يمنحها ،لمواجهة خلل
في ميزان المدفوعات وسعر العملة الوطنية .وعادة ما تتضمن هذه الشروط ضرورة تبني هذه الدول سياسات تقنع
صندوق النقد الدولي بأن من شأنها توفير القدرة على سداد القرض خالل مدة أقصاها خمس سنوات .كما يملك صندوق
النقد الدولي قنوات أخرى للتأثير في السياسات العمومية ،وذلك من خالل “النصائح” التي يقدمها لصناع القرار على
المستويين الدولي والوطني.
٢.١.١ابتداء من السبعينات ،أدت التعثرات العميقة التي عرفها االقتصاد العالمي ،كالتخلي النهائي عن أسس نظام
بريتون وودز (معيار تبادل الذهب ونظام تعادل العمالت) وتعويضه بنظام قائم على مبدأ تعويم العمالت وتحرير حركة
رؤوس األموال من الرقابة التي كانت مفروضة عليها من طرف الدول-األمم ،واالرتفاع الكبير ألسعار البترول ،وتفاقم
أزمة المديونية في العديد من بلدان العالم الثالث ،إلى “إعادة والدة” الصندوق كمؤسسة فوق قومية مهيمنة تعمل
على أسس مختلفة وأكثر قوة وتأثي ًرا .فمن جهة ،سيتحول صندوق النقد الدولي من أداة لتلبية حاجة الدول األوروبية
واألمريكية الشمالية لمواجهة المشاكل الناجمة عن معدالت تبادل العمالت (أي سعر عملة معينة مقارنة بأسعار
العمالت األخرى) وموازين المدفوعات إلى “دركي” يعمل بشكل وثيق مع البنك الدولي على إحداث تحول عميق في
الهياكل االقتصادية واالجتماعية لبلدان العالم الثالث للتكيف مع متطلبات االقتصاد العالمي ،خاصة تلك التي سقطت
في فخ المديونية .ألجل هذا ،سيشدد الصندوق من شروطه ورقابته على هذه الدول ،حيث أصدر “دليل الشروط” الجديد
سنة 1979يحدد سلطاته بشكل أكثر دقة وصرامة ،فأصبحت االستفادة من قروض الصندوق مرهونة بتطبيق سياساته
وبرامجه الهيكلية بعيدة المدى .من جهة ثانية ،تجدر اإلشارة إلى التحول الجذري الذي حدث على الفلسفة االقتصادية
التي تؤطر توصياته وتدخالته ،إن على الصعيد الدولي أو القومي .فبعد أن كان يستلهم مبادئه ،ولو جزئ ًيا ،من النظرية
االقتصادية الكينيزية التي فرضت ضبط آليات السوق عبر تدخل مؤسسات فوق قومية كصندوق النقد ،أصبح من أشد
المتحمسين للنظرية النيوليبرالية التي تقدس حرية األسواق وأولوية المبادرة الخاصة وضرورة تراجع الدولة عن التدخل في
وروج صندوق النقد االقتصاد بعد صعود اليمين المحافظ إلى الحكم في كل من بريطانيا والواليات المتحدة األمريكيةّ .
الدولي بمعية البنك الدولي لهذا النموذج االقتصادي ابتداء من الثمانينات في مختلف دول الجنوب ،تحت ما اصطلح على
تسميته بـ”توافق واشنطن” المبني على ثالث ركائز“ :تحرير أو لبرلة االقتصاد ،الخصخصة ،التقشف في المالية العمومية”.
غير أن تطبيق وصفات صندوق النقد لم تحقق النتائج الموعودة ،حيث لم تسجل بلدان الجنوب مكاسب تذكر ،إن على
مستوى معدل النمو ،أو بنسبة االستثمار ،وخلق منصب شغل الئق.
بل أكثر من هذا ،إن توصيات صندوق النقد الدولي لبلدان شرق آسيا بضرورة تحرير األسواق المالية لالستفادة من الرساميل
الخارجية ،ساهم بشكل مباشر وجلي في حدوث األزمة المالية اآلسيوية لسنة .1979
األدهى من هذا هو التكلفة االجتماعية الباهظة التي تحملتها شعوب العالم الثالث جراء تطبيق برامج التكيف الهيكلي.
إعطاء األولوية لتحقيق التوازنات المالية (تقليص عجز الموازنة ،الحد من التضخم والتحكم في ميزان المدفوعات)،
أدى إلى خفض اإلنفاق العمومي وتقليص الميزانيات المخصصة للقطاعات االجتماعية ،ما نجم عنه تدهور محسوس
في الخدمات العمومية .كما ترتب عن رفع الدعم جزئ ًيا أو كل ًّيا عن المواد األساسية وتحرير األسعار ورفع تكلفة ولوج
الخدمات العمومية ،باإلضافة إلى تجميد األجور وتخفيض قيمة العملة ،ما نجم عنه انخفاض مهم في القدرة الشرائية
للفئات المتوسطة والفقيرة .في مثل هذه الظروف ،لم يكن مستغر ًبا أن تندلع االحتجاجات االجتماعية واالنتفاضات
الشعبية المنددة بالمؤسسات الدولية والحكومات في مختلف بلدان الجنوب ،مخافة سقوط اآلالف من الضحايا.
112
٢.١تدخل صندوق النقد الدولي في المنطقة العربية
خاصا باعتبار
ً طابعا
ً يكتسي تدخل المؤسسات المالية الدولية ،خاصة صندوق النقد الدولي ،في المنطقة العربية
تشابك ما هو اقتصادي مع ما هو استراتيجي وسياسي .تدل الدراسات التجريبية على أن منح القروض واإلعانات ،يخضع
لمحددات اقتصادية ،كتدهور المؤشرات الماكرو -اقتصادية ،وتفاقم اختالالت ميزان المدفوعات ،ونفاد االحتياطي من
العملة الصعبة خالل الثمانينات .كلها عوامل دفعت بلدا ًنا عربية عديدة ،خاصة مصر واألردن والمغرب وتونس والجزائر،
إلى أن تتأثر كثي ًرا بالمصالح السياسية (درجة القرب والصداقة من الدول الغربية ،الموقف من الصراع العربي اإلسرائيلي)
واالستراتيجية (تزويد الغرب بالبترول ،مشاكل الهجرة واإلرهاب) للدول المانحة والتي تتحكم في عملية صنع القرار
داخل المؤسسات المالية الدولية ،حيث تهيمن مجموعة الدول السبع ،خاصة الواليات المتحدة األمريكية .وكما بين
برنامجا من صندوق النقد الدولي بعوامل اقتصاديةً ذلك هاريغان في مقالته المذكورة أعاله ،يتأثر تلقي بلد عربي ما
وخصوصا هذا األخير .فقد تبين أن توقيع معاهدة سالم مع إسرائيل وتحسين أوضاع “الديمقراطية” يزيد من ً وسياسية،
ً
احتمال التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي .فالحاجة االقتصادية وحدها ال تفسر حقا توقيت قروض صندوق
النقد الدولي ،مع ذلك فإن التحرر السياسي ،الذي غال ًبا ما يشهد أن النظم الحاكمة القائمة تواجه تحد ًيا من المعارضة
اإلسالمية ،يبدو أن له تأثي ًرا على النحو الذي تظهره أهمية متغيرات الديمقراطية واالنتخابات ،وبالمثل فإن تغيي ًرا في
السياسة الخارجية ،مثل توقيع معاهدة سالم مع إسرائيل ،هو متنبئ جيد بقروض صندوق النقد الدولي.
باستثناء هذه الخاصية ،تتقاسم الدول العربية المدينة نفس السمات التي طبعت بلدان العالم الثالث في تعاملها مع
صندوق النقد الدولي والبنك الدولي حيث خضعت للمشروطية المتمثلة في تطبيق “توافق واشنطن” ،فتم التحرير
التدريجي للتجارة الخارجية ولبرلة االقتصاد وتخفيض سعر العملة الوطنية ،وانطلق مسلسل الخصخصة وتحرير األسعار،
وأعطيت األولوية لتقليص عجز الموازنة العامة عبر خفض اإلنفاق العمومي والزيادة في الضرائب غير المباشرة ،وتم
تجميد األجور والتوظيف في القطاع العام.
لقد كانت لتطبيق وصفات صندوق النقد الدولي آثار سلبية على تنشيط االقتصاد والدفع بعجلة االستثمار وخلق وظائف،
هذا عكس ما تم التبشير به من قبل “خبراء” صندوق النقد الدولي .فعلى سبيل المثال ال الحصر ،توضح اإلسكوا في
مسحها السنوي للتطورات االقتصادية واالجتماعية في المنطقة ،أن ارتفاع البطالة في المنطقة هو نتيجة متراكمة
النكماش دوري دام طيلة عقدين .فمنذ أوائل ثمانينات القرن العشرين حتى عام ،2004كان أداء اقتصادات منطقة اإلسكوا
أقل كثي ًرا من اإلمكانات التي تختزنها .فبينما كان نصيب الفرد من الناتج المحلي اإلجمالي الحقيقي ينمو بمعدل سنوي
ً
منخفضا مقبول خالل السبعينات ( ،)4.33٪انخفض بمعدل سنوي قدره 3.43٪خالل الثمانينات ،ثم عاد ليسجل معدل نمو
جدا لم يتجاوز 0.34٪خالل التسعينات .وقد ارتبط االرتفاع المزمن في معدل البطالة بانكماش طال أمده في األنشطة ً
االقتصادية لتبلغ البطالة معدال أعلى منه في أي منطقة أخرى من العالم (إذ يقدر بنحو .)16٪
من جهة أخرى ،ارتفعت التكلفة االجتماعية لبرامج اإلصالح االقتصادي المزعوم .فباإلضافة إلى تفاقم ظاهرة البطالة
التي تتغذى من ولوج أعداد جديدة من السكان النشيطين إلى سوق العمل وال يجدون فرص عمل بفعل الركود شبه
الكامل لالقتصاد ،وانكماش القطاع وتزايد حمالت التسريح الجماعي جراء إغالق الوحدات اإلنتاجية أو تراجع نشاطها،
ً
ملحوظا منذ الثمانينات .وإذا كانت نسبة الفقر توسعا
ً اتسعت مظاهر الهشاشة والفقر ،وعرف القطاع غير الرسمي
قليلة حسب المعايير الدولية في المنطقة العربية ،فإن إجمالي الفقر ،الذي يعرف بأنه نصيب السكان في ظل خط
الفقر الوطني ،هو أعلى من أدنى مستويات الفقر المترتبة على استخدام خط الفقر الدولي المعادل لدوالرين في
وجالء مما يفترض .كما عانت القطاعات االجتماعية ،خاصة
ً اليوم .وهكذا فإن الفقر في البلدان العربية ظاهرة أكثر برو ًزا
التعليم والصحة من الضغط على اإلنفاق العمومي .ويبقى رفع الدعم عن المواد األساسية أو تقليصه من األسباب
المباشرة لتدهور القدرة الشرائية لفئات واسعة من المواطنين وانتشار الفقر والهشاشة .وقد نجم عن تردي األوضاع
هذا ،تصاعد مد الغضب الشعبي في الشارع العربي ،واندالع انتفاضات الجوع في العديد من البلدان العربية ،نذكر منها
مصر وتونس والمغرب واألردن .ولم تنفع شبكات الحماية االجتماعية لتالفي اآلثار السلبية لبرامج التصحيح الهيكلي في
الحد من األضرار التي يتكبدها الفقراء ،وهذا يعود لعدة عوامل من بينها قلة اإلمكانيات المالية المرصودة لها وتعدد
البرامج وضعف القدرات التدبيرية.
بقيت اإلشارة إلى أن مظاهر اإلقصاء االجتماعي قد تفاقمت خالل الثمانينات والتسعينات ،كما أن ثمة دالئل توحي بأن
سوءا بنسبة تزيد عما أصاب الدخل من التردي.
ً الالمساواة في الثروة قد ازدادت
113
القسم الثاني :تأثير السياسات التقشفية الراهنة لصندوق النقد الدولي
على المسألة االجتماعية في المنطقة العربية
لقد تعامل صندوق النقد الدولي مع تداعيات أزمة الرأسمالية المعولمة بكثير من التذبذب في المواقف .فبعد أن شجع
الدول األعضاء على اعتماد سياسات مالية ونقدية ذات طابع كينزي واضح إلنعاش الدورة االقتصادية خالل سنتي 2009/2010
غ ّير مقاربته بشكل جذري فيما بعد ،فأصبح ّ
يلح على ضرورة إعطاء األولوية لمواجهة إشكالية المديونية العمومية وعجز
الموازنة العامة اللذين تفاقما جراء تدخل الحكومات إلنقاذ اقتصاداتها من الركود .إن ما يهمنا في هذا القسم هو
تبيان األثر السلبي الواضح لإلجراءات التقشفية التي فرضها صندوق النقد الدولي على المنطقة العربية ،خاصة بعد اندالع
ما يسمى الربيع العربي ،على المسألة االجتماعية عامة والحماية االجتماعية خاصة ،على أن نخصص القسم األخير من
هذه الورقة لمناقشة اآلثار على دعم المواد األساسية.
بعد أوروبا ،فتح صندوق النقد الدولي جبهة جديدة في العالم العربي ،مستغ ًلا تردي األوضاع االقتصادية في البلدان
التي حدثت فيها ثورات نتيجة غياب االستقرار السياسي وتفاقم تداعيات أزمة الرأسمالية المعولمة ،خاصة في منطقة
اليورو على المنطقة العربية.
إن تفاؤل صندوق النقد الدولي بالتفاعل اإليجابي لألسواق مع السياسات التقشفية ال يصمد أمام التحليل الرصين .فمن
مؤكدا أن جميع الفئات االجتماعية ستسترجع قدرتها على االستهالك واالستثمار ،ذلك أن العبء األكبرً جهة ،ليس
لخفض اإلنفاق العام والضغط على األجور ،ستتحمله الفئات المتوسطة والفقيرة ذات المنحى االستهالكي المرتفع،
والتي تعتمد كثي ًرا على الخدمات العمومية .من جهة ثانية ،من الصعب تصور المستهلك العادي وكأنه يتصرف بعقالنية
تجاه تقلص النفقات العمومية ،ذلك أن المواطن المهدد بفقدان عمله ومصدر عيشه ،ستتراجع ثقته في اقتصاد بلده،
خوفا من الاليقين تجاه المستقبل .من جهة ثالثة ،سوف يؤدي اعتماد سياسات تقشفية ً وسيتردد أكثر قبل أن يستهلك
بشكل متزامن بين اقتصادات مرتبطة ببعضها البعض ،إلى درجة كبيرة كما هو الحال بالنسبة لمنطقة اليورو ،إلى إبطال
مفعول هذه السياسات على النمو بفعل تراجع الطلب لدى الشركاء اآلخرين.
114
عكس توقعات صندوق النقد الدولي ،لم ينتج عن السياسات التقشفية التي طبقتها دول منطقة اليورو ،خاصة تلك التي
تعرضت للتحدي من طرف األسواق المالية بفعل ضخامة ديونها السيادية كاليونان وإيطاليا والبرتغال وإسبانيا وقبرص،
تحسن ملموس في مستوى ثقة المتعاملين االقتصاديين .ذلك أن السياسات التقشفية أدت إلى تراجع مستوى النشاط
االقتصادي وارتفاع معدل البطالة وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين .في الوقت نفسه ،أدت هذه السياسات إلى أزمة
اجتماعية حقيقية سنبرز أو ًلا القنوات واآلليات التي ساعدت على بروزها قبل التطرق إلى أهم مظاهرها.
من أهم اإلجراءات التي تم اللجوء إليها لتنزيل السياسات التقشفية في أوروبا تقليص أو حذف الدعم المقدم لمواد
كالمحروقات والكهرباء والمواد الغذائية والمدخالت الفالحية ،تجميد أو خفض كتلة األجور في اإلدارات العمومية ،الزيادة
في الضرائب على المبيعات والضريبة على القيمة المضافة ،إصالح أنظمة التقاعد ،عقلنة و/أو تقنين أكبر لشبكات األمان
االجتماعي ،إصالح منظومة الصحة ،إصالح سوق الشغل من أجل مرونة أكبر في عمليات توظيف وتسريح المأجورين.
ينبغي كذلك إضافة خصخصة المرافق العمومية في دول كاليونان والبرتغال وإسبانيا وإيطاليا (بيع الشركات الوطنية
لتوزيع الماء والكهرباء وشركات النقل العمومي وكذا مؤسسات الخدمات الصحية).
كما تم حذف 1.1مليون منصب شغل في اإلدارة بالمملكة المتحدة .أما بالنسبة لألجور فقد تم تقليصها في اإلدارة
العمومية في كل من إيطاليا وإيرلندا ،فيما ُج ِّمد معظمها في المملكة المتحدة .ومن المالحظ أن ثالثة على األقل
من اإلجراءات التقشفية المذكورة أعاله تهم مباشرة الحماية االجتماعية .فباإلضافة إلى حذف أو خفض دعم المواد
األساسية الذي يعتبر آلية للمساعدة االجتماعية ،يالحظ أن دول منطقة اليورو قلصت بشكل محسوس الميزانيات
المخصصة ألنظمة التأمين االجتماعي (ميزانيات كل من اليونان وليتوانيا والبرتغال ،5%ورومانيا تراجعت بأكثر من 5%
انخفاضا في القيمة اإلسمية للتعويضات العائلية وتعويضات السكن وكذلك ِمنح اإلعاقة .ومن ً سنة ،)2011ما يعني
جدا أن تتأثر النساء أكثر بهذه اإلجراءات ،بالنظر إلى دورهن في رعاية األطفال والمسنين داخل األسرة.
المحتمل ً
بقي أن نشير إلى أن التقشف طال كذلك الميزانيات المخصصة للصحة عبر إجراءات للحد من التكاليف في المراكز
جزءا أكبر من
ً الصحية العمومية وتكييف أثمان األدوية لتقترب من مستوى األدوية الجنيسة وكذا تحميل المواطن
مصاريف التطبيب والعالج.
أما بالنسبة ألنظمة التقاعد ،فقد عرفت تغيي ًرا كبي ًرا من خالل رفع اشتراكات المأجورين ،والزيادة في مدة االشتراكات
المنح المقدمة للمتقاعدين .كما يالحظلالستفادة من التقاعد ،وتأجيل سن الذهاب إلى التقاعد ،وكذلك تخفيض قيمة ِ
أن اعتماد “مرونة سوق الشغل” أدى إلى مراجعة الحد األدنى لألجور ،والتخلي النسبي عن تطبيق السلم المتحرك لألجور
واألسعار ،وإقرار المركزية المفاوضات الجماعية ،ما يضعف القدرة التفاوضية للمأجورين (وقع هذا في اليونان والبرتغال
وإيطاليا وإسبانيا) .مع العلم أن تسريح العمال الذي أصبح أكثر سهولة لم تصاحبه إجراءات لحماية من فقدوا عملهم
من السقوط في فخ الفقر والهشاشة.
إن اآلثار المدمرة لألزمة االجتماعية الناجمة عن السياسات التقشفية المفروضة على دول منطقة اليورو باتت واضحة
للعيان ،فالبطالة بلغت نس ًبا غير مسبوقة في هذه المنطقة ،خاصة وسط الشباب والعاطلين عن العمل لمدة طويلة
(على سبيل المثال ال الحصر ارتفع معدل البطالة ثالث مرات تقري ًبا بكل من إسبانيا واليونان حيث انتقل من 8.3%سنة 2007
إلى 24%سنة .2012
كما تفاقمت ظاهرة “العمال الفقراء” جراء الزيادة في األسعار وانخفاض القيمة الحقيقية لألجور (حدث هذا في
المملكة المتحدة والبرتغال وإيطاليا وإسبانيا وإيرلندا واليونان) .ويمكن القول بصفة عامة أن معدل الفقر قد ازداد في
دول االتحاد األوروبي حيث ارتفع 5%في النمسا خالل سنة 2011و 4.7%في بلجيكا و 8.6%في اليونان و 6.5%في إيطاليا
و 11.7%في إسبانيا و 5.2%في السويد.
كما تعمقت الفوارق االجتماعية والطبقية ،ما أصبح يهدد انسجام وتماسك المجتمع ،حيث تضاءلت الثقة بين المواطنين
وارتفعت الجريمة وتراجعت نسب النجاح المدرسي.
ينطلق تحليل صندوق النقد الدولي ،وهو من المهندسين الرئيسيين لـ “شراكة دوفيل” ،ألوضاع االقتصادات العربية لما
بعد الربيع العربي ،من تأثير العوامل الخارجية والداخلية عليها وحجم التحديات التي تواجهها .فعلى المستوى الخارجي
هناك مؤشرات معاكسة تتمثل في بطء النمو العالمي والركود االقتصادي في منطقة اليورو ،إضافة إلى ارتفاع أسعار
الغذاء والوقود وانتقال تداعيات األزمة السورية إلى بلدان الجوار .وتتسم األوضاع الداخلية بأجواء عدم اليقين وتعثر
اإلصالحات السياسية الجارية مع ميل الحكومات لزيادة دعم المواد األساسية رغم استمرار االحتياجات الكبيرة للتمويل.
لقد أدت هذه العوامل مجتمعة ،حسب صندوق النقد الدولي ،إلى ضعف في النمو واستمرار معدالت البطالة المرتفعة،
باإلضافة إلى اتساع االختالالت في األرصدة المالية العامة والحسابات الخارجية ،مع نضوب الهوامش الوقائية المتاحة
من خالل السياسة االقتصادية (للمزيد من التفاصيل ،انظر مسعود احمد ،الشرق األوسط وشمال أفريقيا ،آفاق االقتصاد
اإلقليمي ،صندوق النقد الدولي ،نوفمبر .)2012للخروج من هذا الوضع ،يرى صندوق النقد الدولي ضرورة إعطاء األولوية
للحفاظ على االستدامة الخارجية والمالية وتقليص المديونية العمومية .لهذا يجب تحريك آليات السياسة المالية العامة
والسياسة النقدية لتوفير شروط النمو الشامل لكل قطاعات المجتمع .فمن جهة ،ينبغي ضبط األوضاع المالية العامة
وتحسين جودة االستثمارات العامة مع تعزيز شبكات األمان االجتماعي الموجهة للفقراء .ومن جهة ثانية ،يجب اعتماد
سياسة نقدية تتوخى اليقظة حيال اآلثار التضخمية الالحقة وتعزيز مرونة أسعار الصرف وتوسيع أدوات السياسة في
األجل المتوسط .بالموازاة مع هذا ،يجب االستمرار في اإلصالحات الهيكلية من خالل مراجعة القواعد المنظمة لسوق
الشغل وإصالح نظم التعليم مع العمل على تنظيم األعمال والحوكمة (معاملة مؤسسات األعمال على أساس من
والحد من المعوقات أمام دخول وخروج مجال األعمال) ،وكذلك تحسين الحصول على التمويل. ِّ الشفافية والمساواة
ً
يتضح من هذا العرض لتصور صندوق النقد الدولي ،بأنه يعتمد المقاربة نفسها التي قدمناها سابقا ،ومفادها باختصار أن
التحكم في العجز المالي عبر اعتماد سياسة تقشفية كفيل بإرجاع الثقة للقطاع الخاص المعول عليه ليكون قاطرة
للنمو االقتصادي (لقد خصصنا المربع رقم 1لعرض االلتزامات الرئيسية للحكومات العربية تجاه صندوق النقد الدولي).
وبما أنه سبق لنا نقد تصور صندوق النقد الدولي لمواجهة آثار أزمة الرأسمالية المعولمة على اقتصادات الدول ،سنخصص
ما تبقى من هذا القسم لمناقشة اآلثار المحتملة لتوصيات الصندوق التقشفية على األوضاع االجتماعية في بعض الدول
العربية ،بما فيها الحماية االجتماعية.
116
جدول :١تدابير التك ّيف في الشرق األوسط وشمال أفريقيا 2010-2013
إصالحات اإلصالح ترشيد إصالح زيادة تخفيض أو وضع حد البلد
العمل الصحي واستهداف المعاشات ضرائب تحديد سقف للدعم
شبكات التقاعدية فاتورة األجور االستهالك
األمان
X X X الجزائر
X X X جيبوتي
X العراق
سيكون لتجميد أو تقليص كتلة األجور في القطاع العام عواقب سلبية على مستوى التنمية البشرية في العديد من
البلدان العربية التي تشكو من نقص كبير في الطاقات البشرية المتوفرة من مدرسين وأطباء وممرضين وعاملين في
الحقل االجتماعي .فعلى سبيل المثال ال الحصر ،يحتاج بلد كالمغرب إلى توظيف أزيد من سبعة آالف طبيب وتسعة آالف
ممرض لتلبية الحاجات األساسية في القطاع الصحي وتحسين الخدمات المقدمة للساكنين خاصة في القرى .كما أن
تجميد األجور وعدم تعديلها لتتماشى ومعدل التضخم ،سيضر بالقدرة الشرائية للعاملين في القطاع العام ،خاصة في
القطاعات االجتماعية الحيوية ،ما سيزيد من ظاهرة الغياب عن العمل وتنامي العمل في القطاع غير الرسمي وتفاقم
هجرة العقول والكفاءات إلى الخارج ،وسيؤدي كل هذا إلى تراجع ملحوظ في الخدمات العمومية المقدمة ،خاصة في
األحياء الشعبية بالمدن وفي القرى.
أما فيما يتعلق بتطبيق مرونة الشغل عبر إجراءات من قبيل تسهيل عمليات التسريح الفردي والجماعي للعمال وتخفيض
التعويضات المقدمة لهم وتشجيع العمل بعقود محددة المدة ،فمن غير المؤكد أنها سترفع من تنافسية الوحدات
اإلنتاجية التي ترتبط بعوامل أخرى أكثر تأثي ًرا كمستوى اإلنتاجية وكفاءة التدبير والقدرة على االبتكار ،في حين سوف
تؤدي إلى مزيد من الهشاشة بالنسبة للعمال وتدني األجور في ظروف تتميز بانكماش الدورة االقتصادية.
من جهة أخرى ،سيكون لزيادة الضرائب غير المباشرة آثار سلبية على االستهالك ،إذ سترتفع األسعار ما سيؤدي إلى تقلص
جزءا أكبر من مدخولها الستهالك المواد
ً القدرة الشرائية لفئات واسعة من المجتمع ،خاصة الفئات الفقيرة التي تخصص
األساسية ،وهذا يعكس الطبيعة غير العادلة للضرائب على االستهالك مقارنة مع الضرائب المباشرة على الشركات أو
على الدخل أو الثروة.
المربع 1البرامج التقشفية لبعض البلدان العربية (مقاربة صندوق النقد الدولي)
المغرب“ :اتفاق وقائي مع صندوق النقد الدولي”(مذكرة برنامجية ،المغرب 5 ،أبريل ،2013الموقع اإللكتروني للصندوق)
المشكل :تفاقم عجز الموازنة نتيجة تزايد تكلفة دعم المواد األساسية وارتفاع فاتورة األجور
األولويات
1ـ اتباع مسار تقشفي من أجل إعادة بناء االحتياطيات المالية الوقائية وضمان استمرارية أوضاع المالية العامة على
المدى المتوسط ،وذلك من خالل إحالل البرامج االجتماعية الموجهة بدقة محل الدعم المعمم ذي التكلفة المرتفعة
وإصالح نظام التقاعد.
2ـ إعادة بناء االحتياطات الوقائية في الحسابات الخارجية وتعزيز القدرة التنافسية عبر إجراء إصالحات هيكلية وزيادة
مرونة سعر الصرف.
3ـ دعم تحقيق نمو أعلى وأكثر شمو ًلا عبر تعزيز الحوكمة االقتصادية وتحسين مناخ األعمال.
4ـ المحافظة على األوضاع النقدية والمالية الكافية ،والحفاظ على االستقرار المالي
117
مصر :اتفاق تمهيدي من أجل قرض بقيمة 4.8مليار دوالر أمريكي( ،حسب بيان صحفي لصندوق النقد الدولي بتاريخ 20
نوفمبر )2012
دعم برنامج حكومي يجعل من المالية ركيزته األساسية من خالل خفض الهدر في اإلنفاق عبر إصالح دعومات الطاقة
واستهداف الدعم للفئات المستضعفة ورفع اإليرادات المحلية عن طريق رفع تصاعدية ضريبة الدخل وتوسيع قاعدة
الضرائب العامة على اإليرادات .سيساعد خفض العجز المتوقع في تخفيف عبء الدين العام ويحرر التمويل لدعم
النفقات االجتماعية ونمو القطاع الخاص.
-تحسين حوكمة القطاع العام
توجيه السياسات النقدية وسعر الصرف نحو خفض التضخم على المدى المتوسط وتعزيز التنافسية وضمان بيئة
عادلة ومنافسة لألعمال
“ملحوظة” :لم تذعن الحكومة المصرية للشروط التقشفية للصندوق واختارت عوض ذلك سياسة إرادوية لتنشيط
الدورة االقتصادية (لمزيد من التفاصيل انظر
News Daily Egypt new finance minister plans stimulus not austerity (doc)، July 2013
يعتمد صندوق النقد الدولي على مقاربة تختزل الحماية االجتماعية في جانبها المرتبط بالمساعدة االجتماعية واإلعانات
غاضا الطرف عن الجوانب األساسية المرتبطة بالتأمين االجتماعي كأداة للتخفيف من ًّ المقدمة للمحتاجين فقط،
أساسا إلى كون
ً المخاطر المرتبطة بدورة الحياة كالمرض والبطالة والتقدم في السن واإلصابات .ويرجع هذا االختزال
جزءا أساس ًيا من
ً صندوق النقد ال يهتم بالحماية االجتماعية إال من خالل تأثيرها على عجز الموازنة العامة ،ذلك إن
المساعدة االجتماعية يقدم على شكل دعم مباشر للمواد األساسية تتحمله الموازنة العامة للدولة .وتعتبر المؤسسة
المالية الدولية أن هذا الدعم يرهق موازنة الدولة ويعتبر عام ًلا رئيس ًيا لتفاقم العجز المالي للدولة .إن ما يهمنا في هذا
القسم األخير من الورقة هو نقد مقاربة صندوق النقد الدولي للحماية االجتماعية عبر تبيان محدودية إصالح نظام دعم
المواد األساسية كما يروج له الصندوق ،والوقوف عند آثاره السلبية على االقتصاد والمجتمع.
يتم تعريف الدعم بأنه “أي تدابير تبقي األسعار بالنسبة للمستهلكين أقل من مستوى السوق أو تبقي األسعار بالنسبة
للمنتجين فوق مستوى السوق أو تخفض التكاليف بالنسبة للمستهلكين والمنتجين من خالل منح دعم مباشر أو غير
مباشر” .ويحتسب حجم الدعم حسب مقاربة “الفجوة التسعيرية” ،أي بمقارنة السعر المالحظ لسلعة أو خدمة ما بسعر
معياري أو مرجعي معين .فبالنسبة للطاقة مث ًلا ،تقدر المنظمات الدولية حجم الدعم المقدم على أساس الفرق بين
أسعار الوقود في األسواق العالمية واألسعار التي تباع بها هذه األنواع من الوقود محل ًيا.
يلعب الدعم المقدم للمواد األساسية عدة أدوار ،اجتماعية واقتصادية .يهدف الدعم المقدم الستعمال الطاقة أو ًلا
إلى توسيع فرص الحصول على هذا المنتوج االستراتيجي والحيوي ،وذلك من خالل الحد من تكلفة الوقود المستعمل
أيضا للمساعدة في توسيع من طرف األسر مثال للطهي والتدفئة أو للحصول على الكهرباء .كما يستعمل الدعم ً
البنية التحتية الضرورية مثل شبكات الكهرباء في المناطق الريفية ،من خالل الدعم المباشر للمنتجين أو من خالل دعم
118
المستهلكين ،والذي يقلل من تكاليف التوصيالت المنزلية األولية للشبكات .أما العامل الثاني وراء دعم أسعار الطاقة
وعوضا من استهداف محدودي الدخل ً فيكمن في حماية األسر ذات الدخل المحدود من تكاليف الوقود المرتفعة.
مباشرة ،تميل بعض الحكومات إلى إبقاء أسعار جميع المنتجات البترولية أقل من األسعار الدولية ،بصرف النظر عما
إذا كان استخدامها يتم من قبل الفقراء أو األغنياء .كما يسعى دعم أسعار الطاقة إلى تشجيع الصناعات المحلية
لتحفيز الشركات على توفير السلع والخدمات للمستهلكين بأسعار معقولة ،والمساعدة في حمايتها من المنافسة
رابعا ،تعمل الحكومات على تيسير االستهالك األجنبية وتعزيز قدراتها التنافسية التصديرية وحماية العمالة المحليةً .
في مواجهة تقلبات أسعار الطاقة من خالل دعم األسعار المحلية عندما تكون األسعار في األسواق الدولية مرتفعة،
وزيادة الضرائب عندما تكون األسعار العالمية منخفضة .كما يحاول التدخل الحكومي تحاشي الضغوط التضخمية التي
تولدها الزيادات العالمية في أسعار السلع الرئيسية.
وإذا كان التركيز يقع على الدعم المقدم للطاقة في البلدان العربية نظ ًرا لثقله ،إذ بلغ حجمه 237بليون دوالر سنة 2011أي
ما يعادل 8.6٪من إجمالي الناتج الداخلي للعالم العربي مقابل ٪0.7لدعم المواد الغذائية ( .)2إن دعم الغذاء ال يقل أهمية،
نظ ًرا لدوره االجتماعي واالقتصادي .فسياسة دعم الغذاء في بلد كمصر لمدة تزيد عن خمسين سنة تشير إلى نوع من
االلتزام السياسي واالجتماعي من قبل السلطات العمومية لتوفير السلع األساسية للمواطنين بأسعار مناسبة ،رغم أنها
بدأت تميل منذ منتصف الثمانينات إلى الحد من تكلفة برامج دعم السلع الغذائية تحت ضغوط الموازنة والمؤسسات
المالية الدولية .وعلى العموم يكون الهدف األساسي من سياسات دعم الغذاء اقتصاد ًيا واجتماع ًيا ،متمث ًلا في الحد
من الفقر والعدالة االجتماعية وإعادة التوزيع .كما يمكن أن يكون الحافز لهذه السياسات هو التعامل مع أزمة أو كارثة
طارئة ،أو الحصول على الدعم السياسي وتنمية الوالء في إطار نوع من العقد االجتماعي بين الحاكم والمجتمع.
٢.٣تصور صندوق النقد الدولي إلصالح نظام دعم الطاقة في العالم العربي
يركز صندوق النقد الدولي في تحليله لنظام دعم الطاقة في العالم العربي على جوانبه السلبية ،وهي كما يلي حسب
الصندوق (انظر ،دعم أسعار الطاقة في منطقة الشرق األوسط وشمال أفريقيا ،منشورات صندوق النقد الدولي)2013 ،
أوال ،التكلفة المرتفعة للدعم ،إذ يقدر الصندوق دعم الطاقة قبل الضريبة ،أي الدعم المحسوب على أساس الفرق بين
قيمة االستهالك باألسعار العالمية وقيمته بالسعر المحلي ،في منطقة الشرق األوسط ككل بما يقارب 22٪من اإليراد
الحكومي .كما تمثل نحو نصف دعم الطاقة العالمي .ثان ًيا ،ال يوفر دعم الطاقة حماية فعالة للقدرة الشرائية للفئات
أيضا تشوهات في هيكل األسعار تضر المعوزة ،فيما يؤثر سل ًبا على الموازنة العامة للدول وميزان المدفوعات .ويحدث ً
باالقتصاد وتخصيص الموارد .ورغم أن األسر تستفيد مباشرة من األسعار المنخفضة للطاقة المستعملة في الطهي
والتدفئة واإلنارة والنقل الشخصي ،وبشكل غير مباشر من خالل انخفاض تكاليف إنتاج السلع والخدمات األخرى التي
نوعا من الالمساواة في االستفادة من دعم الطاقة ،حيث ً تشكل الطاقة إحدى مدخالتها ،إال أن المالحظ أن هناك
تستحوذ الفئات الميسورة بنسبة أكبر من القيمة اإلجمالية للدعم ،مقارنة بالفئات المتوسطة والفقيرة .وتحيل دراسة
صندوق النقد الدولي ،على سبيل المثال ال الحصر ،إلى حالة السودان ،حيث يستفيد أدنى 20٪من السكان من 3٪فقط من
الدعم المقدم الستهالك الوقود ،فيما يتلقى أغنى 20٪من السكان أكثر من 50٪منه.
مهما من اإلنفاق الحكومي على حساب قطاعات أخرى كالبنيات التحتية ً جزءا
ً ً
ثالثا ،يستنزف الدعم المقدم للطاقة
والتعليم والصحة .ففي مصر مث ًلا ،يبلغ مجموع دعم الطاقة ثالثة أضعاف اإلنفاق على التعليم وسبعة أضعاف اإلنفاق
رابعا وأخيرا وليس آخ ًرا ،ينجم عن دعم الطاقة إفراط في استهالكها ،ما يؤدي إلى تفاقم ظاهرة التلوث على الصحةً .
واالختناقات المرورية ،كما أنه ال يشجع على االستثمار في كفاءة الطاقة والنقل العمومي والطاقة المتجددة .ورغم
وجود عراقيل أمام اإلصالح كالمعارضة من فئات محددة تستفيد من الوضع الراهن وعدم وجود معلومات تتعلق بحجم
الدعم وأوجه قصوره وغياب مصداقية الحكومة وقدراتها اإلدارية ،يعتبر صندوق النقد الدولي أن إلصالح دعم الطاقة
عدة إيجابيات ،ما سيدعم النمو ،كما أنه سيساعد على تقليص عجز الموازنة وأسعار الفائدة ،ما سيحفز االستثمارات في
القطاع الخاص ويعزز فرص النمو االقتصادي .أما العناصر األساسية المكونة لإلصالح ،فتتمثل في اعتماد التدرج في زيادة
األسعار ووضع تدابير تهدف إلى تخفيف حدة تأثير الزيادات في أسعار المحروقات على الفقراء وذلك بالقيام بتحويالت
نقدية أو توزيع قسائم على المستحقين .وإذا تعذر ذلك ،يجب اعتماد أو التوسع في برامج األشغال العامة مع تطوير
القدرات .كما يجب وضع استراتيجية إعالمية شاملة للتواصل إلقناع المواطنين بضرورة اإلصالح ومنافعه.
119
٣.٣نقد مقاربة صندوق النقد الدولي
قبل التطرق إلى أهم االنتقادات التي يمكن توجيهها إلى مقاربة صندوق النقد الدولي إلشكالية الحماية االجتماعية،
ينبغي إثارة االهتمام إلى الجانب التضليلي الستعمال عبارة “إصالح دعم الطاقة” في حين يتعلق األمر في الحقيقة باإللغاء
التدريجي لهذا الدعم مع إحداث شبكات لألمان االجتماعي تستهدف حماية الفئات األكثر تضر ًرا من هذه السياسة.
-تأثير سلبي على النمو واألسعار “إن الزيادة في أسعار المواد األساسية ستؤثر سل ًبا على الطلب الداخلي والنمو والتشغيل
على األقل على المدى القصير .فعلى سبيل المثال ،بينت دراسة حديثة للمندوبية السامية للتخطيط بالمغرب أن الزيادة
في أسعار الطاقة التي أقدمت عليها الحكومة المغربية في شهر سبتمبر من هذا العام ستؤثر كالتالي على المؤشرات
الماكرو-اقتصادية” سينخفض معدل النمو ب 0.15٪سنة 2013و 0.48٪سنة .2014
وذلك جراء تراجع الطلب الداخلي ،في حين ستسجل أسعار االستهالك الداخلي زيادة بنسبة 0.37٪و 1.1٪بالنسبة للفترة
نفسها .بالمقابل ،سيتراجع معدل عجز الموازنة العامة بـ 0.18٪سنة 2013و 0.58٪سنة .2014
-محدودية إحداث شبكات لألمن االجتماعي “رغم وجود عدة تدابير تخفيفية كدعم الطاقة الموجه واستخدام
طموحا
ً شبكات األمان االجتماعي القائمة وبرامج األشغال العامة ،إال أن التحويالت النقدية الموجهة تبقى اإلجراء األكثر
والتدبير التخفيفي المفضل لدى صندوق النقد الدولي .ويقوم هذا اإلجراء الذي يلغي أي دعم للطاقة على استعمال
الوفورات في الميزانية لتمويل برامج تحويالت نقدية موجهة نحو الفقراء .وقد تكون هذه التحويالت مشروطة بالتزام
األسر المستفيدة بإرسال أبنائها وبناتها إلى المدرسة ،والولوج إلى الخدمات الصحية العمومية .وإذا كانت التحويالت
النقدية تتمتع بمزايا عديدة ،فإنها ال تخلو من شوائب تحد من فعاليتها في محاربة الفقر .فهي تتطلب تكاليف إدارية
وتكاليف خاصة قد تصل إلى 30٪من الموارد المخصصة للبرنامج ،كما أنها تطرح مشاكل مرتبطة بتقييم مستويات
الدخل وتحديد المستفيدين ،ما يؤدي إلى عدم اكتمال التغطية فضال عن الوصمة االجتماعية .وتكتسي هذه الحواجز
أهمية خاصة في عدد من البلدان العربية ،بالنظر إلى ضعف المؤسسات اإلدارية وتفشي الفساد والرشوة والمحسوبية.
من جهة أخرى ،يبين عدد من الدراسات محدودية التحويالت النقدية الموجهة لمعالجة الفقر .فرغم التحسن النسبي
المسجل في مجال التمدرس والصحة والتغذية ،إال أن اآلثار فيما يخص تراجع الفقر ،تبقى ضعيفة على المدى القصير.
كما أن النتائج البعيدة المدى في مجال التربية وتكوين رأس المال البشري وتقليص الفقر ،غير مضمونة.
وما قد يحد أكثر من فعالية التحويالت النقدية الموجهة في الدول العربية ،افتقاد العديد منها لمؤسسات وآليات
الحماية االجتماعية .فنسبة استفادة السكان من الحماية االجتماعية تبقى ضعيفة .ذلك أن هذه األخيرة ال تغطي إال
العاملين بعقود دائمة ،وهذا متوفر فقط في القطاع العام ،أضف إلى ذلك تفشي العمل في القطاع غير الرسمي
ونسب البطالة المرتفعة ،وكذلك ضعف مشاركة النساء في سوق الشغل.
إن استهداف الفئات األكثر فق ًرا من خالل آليات التحويالت النقدية الموجهة والمباشرة ،سيعرض ال محالة العديد من
الفئات التي تعاني من الهشاشة ،وكذلك أجزاء واسعة من الطبقات المتوسطة للتفقير وتدهور أوضاعها المعاشية
مما سيفقد سياسة “إصالح الدعم” السند السياسي الضروري لنجاحها .كما أنه سيجعل التكلفة السياسة لتطبيق هذه
السياسة مرتفعة ،كما وقع مؤخ ًرا في السودان ،حيث ذهب نحو 200قتيل ضحية حمالت قمع المتظاهرين ضد الزيادة
في أسعار الطاقة.
إن سياسة ما يسمى بإصالح الدعم ،تشكو في العمق من النظرة االقتصادوية الضيقة التي تركز على التوازنات المالية
الماكرو ـ اقتصادية على حساب التوازنات االجتماعية .فاألولوية حسب خبراء الصندوق ،يجب أن تعطى السترجاع ثقة
المستثمر ،وتسديد الدين ،ولو على حساب الحقوق االقتصادية واالجتماعية للمواطنين .فقيم العدالة والتضامن والتآزر
وعدم التمييز ،تبقى عصية على التفكير االقتصادوي الضيق الذي ترتكز عليه تحاليل وسياسات المؤسسات المالية الدولية.
فهذا الفكر ال يؤمن إال بالفرد كفاعل اقتصادي يبحث على تعظيم الملذات والربح في إطار أسواق تنافسية مبنية على
ثالثية اللبرلة والخصخصة والتقشف المالي على صعيد الموازنة العامة.
120
الخالصة
ً
ملحوظا منذ إنشائه سنة ،1944إذ شهد الدور الذي يلعبه صندوق النقد الدولي على صعيد االقتصاد العالمي تغي ًرا
تحول من حارس لالستقرار المالي العالمي الضروري لتطور التجارة العالمية ودعم النمو االقتصادي وتعظيم فرص
ً
وفقا لمتطلبات الشغل ،إلى دركي يعمل على دمج اقتصادات العالم الثالث في السوق العالمية وإعادة هيكلتها
تطور االقتصاد الرأسمالي المعولم ،مستغ ًلا فخ المديونية الذي سقط فيه العديد من دول الجنوب .فتم فرض شروط
شديدة خاصة على الدول المدينة التي لجأت إلى الصندوق من االقتراض تمثلت في تبني “توافق واشنطن” المرتكز على
ثالثية لبرلة االقتصاد ،الخصخصة والتقشف على مستوى المالية العمومية” .ولم تنج العديد من الدول من الوقوع في
علما أن الموقع الجيوسياسي اإلستراتيجي للعالم العربي جعل االعتبارات السياسية ً حبال المؤسسات المالية الدولية،
هاما في توجيه تدخالت هذه المؤسسات في المنطقة العربية .ورغم التطبيق ً ومصالح الدول العظمى تلعب دو ًرا
الوفي لوصفات صندوق النقد الدولي ،تراجع معدل النمو االقتصادي في العديد من البلدان العربية ،وارتفعت معدالت
البطالة ،كما تفاقمت مظاهر التفاوت الطبقي واإلقصاء االجتماعي .وإذا كان دور صندوق النقد الدولي على مستوى
االقتصاد العالمي قد تراجع بعض الشيء خالل العقد األول من األلفية الثالثة ،فإنه ما فتئ يسترجع قوته ونفوذه،
مستغ ًلا ظروف األزمة الهيكلية لالقتصاد الرأسمالي المعولم .وهكذا فرض الصندوق سياسات تقشفية صارمة على
َ
تتعاف اقتصادات هذه العديد من الدول األوروبية ،خاصة دول جنوب أوروبا .وعكس توقعات صندوق النقد الدولي ،لم
البلدان ،بل أدت إلى بروز أوضاع اجتماعية خانقة تعاني منها بدرجات متفاوتة شعوب منطقة اليورو.
رغم هبوب رياح “الربيع العربي” ،لم تغير المؤسسات المالية الدولية من مقاربتها للمشاكل االقتصادية العميقة للعالم
العربي ،إذ احتفظت بالوصفات النيوليبرالية المنقحة نفسها ،بشيء من الحوكمة الجيدة .ونظ ًرا لتداعيات األزمة العالمية
وللضغوط االجتماعية الداخلية ،تدهورت المؤشرات الماكرو ـ اقتصادية لعدد من الدول العربية ،ما جعلها تلجأ إلى
ً
شروطا قاسية ،شبيهة إلى حد كبير بتلك التي روج لها في المنطقة األوروبية. صندوق النقد الدولي الذي فرض عليها
وهكذا أعطيت األولوية القصوى للتحكم في العجز المالي عبر اعتماد سياسات تقشفية كمدخل ضروري كفيل بإرجاع
الثقة للقطاع الخاص ،وبالتالي رفع وتيرة االستثمار والنمو لخلق فرص الشغل التي تحتاج إليها شعوب المنطقة .وإذا كان
من السابق ألوانه التكهن بالنتائج االقتصادية لهذه المقاربة ،فإن اآلثار المرتقبة لتقليص دعم المواد األساسية وتخفيض
أو تجميد األجور والزيادة في الضرائب على االستهالك ،ستكون سلبية بالنسبة للتنمية البشرية والقدرة الشرائية للفئات
االجتماعية المتوسطة وهشاشة ظروف العمل.
يختزل صندوق النقد الدولي مقاربته إلشكالية الحماية االجتماعية في المساعدة التي تقدمها الدولة لمواطنيها
من خالل دعم المواد األساسية ،والذي يعتبره الصندوق أحد األسباب الرئيسية لتفاقم عجز الموازنة العامة وميزان
المدفوعات .لهذا تضغط هذه المؤسسة المالية الدولية على الدول العربية من أجل تقليص هذا الدعم في أفق إلغائه
تماما .ولتخفيف أثر الزيادة في أسعار المواد األساسية ،يقترح الصندوق إحداث شبكات أمان اجتماعي تأخذ شكل تحويالت ً
نقدية موجهة للفقراء .غير أن هذا اإلصالح غير مأمون العواقب سياس ًيا واجتماع ًيا بالنظر إلى صعوبة تطبيقه في البيئة
العربية وتكاليفه اإلدارية المرتفعة .كما سينجم عنه تفقير الطبقات المتوسطة.
121
مراجع الفصل السادس
االنكليزي
IMF Survey online, August 03, 2012, Jordan Gets 2.0 billion dollars IMF Loan to Support
- Economy.
IMF, Energy Subsidies in the Middle East and North Africa: Lessons for Reform, March 2014.
- Ortiz I. and Matthew Cummins, “The Age of Austerity, A Review of Public Expenditures
- and Adjustment Measures in 181 Countries”, IPD and South Centre, Geneva, 2013.
Blyth M, “The Austerity Delusion,” Foreign Affairs, Vol. 92, Issue 3, May-June 2013.
-
ESCWA, “Social Policy and Social Protection, Challenges in the ESCWA Region,” Vol. 2,
- Issue 8.
IDEAs, “Cash Transfers as a Strategy for Poverty Reduction: A critical assessment,” Policy
- Brief, No. 3, 2011.
IMF Transcript, “Briefing on Middle East Economic Outlook,” April 19, 2013.
-
World Bank, “Towards a New Partnership for Inclusive Growth in the Middle East and
- North Africa Region,” May 2012.
ILO and UNDP, “Rethinking Economic Growth: Towards Productive and Inclusive Arab
- Societies,” Beirut, 2012.
Krugman P, “The False Claims for Austerity,” The New York Review of Books, June 6, 2013.
-
Oxfam, “A Cautionary Tale, The true cost of austerity and inequality in Europe,” September
- 2013.
Bhumika M and N Moulina, “The Failed Story of IMF Conditionality,” Third World Network,
- March 2010.
Khor M, “A Critique of The IMF’s Role and Policy Conditionality,” Third World Network,
- Global Economy Series, N°4.
Daily News Egypt, “New finance minister plans stimulus not austerity,” July 2013.
-
Stiglitz J, Globalization and Its Discontents, Penguin Books Ltd, UK, 2002.
-
World Bank, “Towards a New Partnership for Inclusive Growth in the Middle East and
- North Africa,” May 2012.
الفرنسي
122
العربي
تيري وودز ،قالع العولمة (عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمقترضين) ،المركز القومي للترجمة ،القاهرة،
.2010
ريتشارد بيت وآخرون ،الثالوث غير المقدس ،منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب ،دمشق.2007 ،
جوبلي وآخرون ،سياسات دعم الغذاء في مصر ،مركز دراسات واستشارات اإلدارة العامة.2005 ،
هاريغان“ ،اقتصاديات وسياسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ونشاطاتهما في الشرق األوسط” ،المستقبل
العربي ،أيار .2006
اإلسكوا ،المسح السنوي للتطورات االقتصادية واالجتماعية في المنطقة العربية ،بيروت.2008 ،
تقرير التنمية اإلنسانية العربية للعام ،2009بيروت ،المكتب اإلقليمي للدول العربية.2021 ،
بسام فتوح ولورا القطيري ،دعم الطاقة في العالم العربي ،برنامج األمم المتحدة ،صندوق األمم المتحدة للتنمية.
123