Professional Documents
Culture Documents
محاضرة حول علم اجتماع الفن
محاضرة حول علم اجتماع الفن
محاضرات مقياس
-/1اختالفات التحديد:
إننا نجد أن كلمة فن دخلت في كل ميدان و وصمت بها كل مهنة و أضيف إليها كل عمل،
فالصحافة و اإلذاعة و اإلخراج و الحديث و الحالقة و الدعاء و القراءة...كلها فنون و هكذا
اتسع استعمال الكلمة و اتسع مدلولها ،إالأنه و حسب العديد من المفكرين فإن وظيفة الفن
هي صنع الجمال .و قبل الولوج إلى التحديد الدقيق لمفهوم الفن نجد أن التوطئة السابقة
تنذرنا بحالة صراعية انتقادية بين الجماعات االجتماعية المختلفة حول ماهو فن و ما ليس
فن [ ]....و كثيرا ما لوحظ أن مصطلح فن ال يتقيم بذاته و إنما يوجد مع مصطلحات
متناقضة له ،فمنذ العصر الروماني كانت فئات الثقافة الشعبية و ثقافة الجمهور تقوم بدور
نقيض الفن ،فعلى حين يدل الفن على األشياء التي صنعت بناءا على تفكير عميق و التي
تتقصى على الفهم القريب ،فإن هذه الفئات األخرى تدل على النقيض تماما فهي تشير إلى
األمور السطحية سهلة الفهم و المصنوعة من دون تفكير بوسائل تشبه انتاج السلع بالجملة
في المصانع ،و بالفعل نجد عدد من المفكرين على مدار المائة و خمسين سنة الماضية
يباعدون بين الفن و الثقافة الشعبية و يرونهم -أي الثقافة الشعبية -أقل شأن.
لم يحل المعنى الحالي لكلمة الفن في التداول إال في منتصف القرن الثامن عشر ،و في ما
قبل ذلك كان الفن يرتبط بمعناه العام ذي الجذور التي تشير إلى المهارة و ال سيما ،
الحرفية و المهنية ،و لو رجعنا إلى أصل الثقافي لكلمة الفن The cneباليونانية
Ars،بالالتينية لوجدنا أن هذه الكلمة لم تكن تعي سوى النشاط الصناعي النافع بصفة عامة،
فلم يكن لفظ الفن عند اليونانيين (مثال) قاصرا على الشعر و النحت و الموسيقى و الغناء و
غيرها من الفنون الجملية ،بل كان يشمل أيضا الكثير من الصناعات المهنية كالنجارة و
الحدادة و البناء و غيرها [ ]...و لعل هذا هو السبب في أن الفالسفة قد وصفوا الفن منذ
البداية في مقابل الطبيعة على اعتبار أن اإلنسانإنما يحاول عن طريق الفن أن يستخدم
الطبيعة و يضطرها إلى التالؤم مع حاجته و يلزمها بالتكييف مع أغراضه .لذلك نجد أن
"أرسطو" لم يخلط بين الفن و المعرفة العلمية ،بل كان يقول أن غاية الفن تتمثل بالضرورة
في شيء يوجد خارج الفاعل و ليس على الفاعل سوى أن يحقق إرادته فيه ،في حين أن
غاية العلم العملي هي في اإلرادة نفسها.
أما العرب فلم يتعد فهمهم للفن عن الفهم السابق ،فقد كانوا يستخدمون كلمة الصناعة
لإلشارة إلى الفن (مثال إلى....الفكرية في كتابة "الصناعتين" الكتابة و الشعر ،أو التوحيد
بين المقاسات و عليه فالعرب فهموا الفن على أنه اإلنسان مضافا إلى الطبيعة.
و هناك من يعرف الفن تعريفا بسيطا و عاديا بقوله :محاولة لخلق أشكال ممتعة ،و مثل
هذه األشكال تشع إحساسا بالجمال و إحساسا بالفن و الجمال إنما يشع حينما نكون قادرين
على أن نتذوق الوحدة أو التناغم بين مجموعة من العالقات الشكلية من بين األشياء التي
تدركها حواسنا.
و تعرف الموسوعة البريطانية الفن على أنه استخدام التصور و المهارة لخلق نتاجات
جمالية أو صياغة تجارب شعورية أو تهيئة مناخات تتميز بحس جمالي.
و تعرفه موسوعة ENCARTAبأنه نتاج النشاط الثري اإلبداعي الذي يستخدم الوسائل
المادية للتعبير عن األفكار و العواطف و المشاعر اإلنسانية.
بدورها قامت الفيلسوفة األمريكية " سوزان النجر" بمحاولة جريئة لتعريف الفن بتعريفه
بأنه ":إبداع أشكال ترمز إلى المشاعر اإلنسانية".
إن االختالف و التعارض في تحديد مفهوم الفن نجده بين علم االجتماع و علم الجمال
األكاديمي تحديدا حيث أن كال منها يسعى لتأكيد وجهة نظره و تفنيد الرأي المقابل ،و قد
كتبت في ذلك مؤلفات عديدة من كال الطرفين ،حيث يذهب علماء االجتماع ليس ألي قطعة
خصائص فنية ذاتية ،و بالتالي فهم يعتقدون أن الطبعة الفنية ألي عمل فني ليست صفة
ذاتية و دائمة لتلك القطعة مثلما يعتقد علماء الجمال بل هي صفة توسم بها من قبل بعض
الجماعات المعنية بالشأن الفني ،هم أفراد المجموعة االجتماعية الذين تعزز اهتماماتهم عند
تعريف تلك القطعة بأنها عمل فني [ ]...و عليه و حسب علماء سوسيولوجيا الفن أن صفة
الفن ال تكون محايدة أبدا ،و بمعنى آخر أن الفن مكبل بالسياسة بحيث يشير إلى أشكال
الصراع و النضال بين الجماعات االجتماعية المختلفة.
و في هذا السياق يرى (بورديو )Bourdieuأن األشياء التي يطلق عليها قطع فنية تشكل
دائما جزءا من العالم االجتماعي حيث لو ادعت بعض األطراف المهتمة أنها توجد بطريقة
ما في مكان أرفع أو ما وراء المجتمع في عالم أسمى خاص بها ،و هذا هو مكمن معارضة
علم االجتماع لعلم الجمال األكاديمي :هذا األخير الذي ينظر عادة إلى القطع الفنية على أنها
موجودة بحد ذاتها و لذاتها ،بينما يرى علماء االجتماع أن الطرق التي يحاول بها علماء
الجمال تفهم الطبيعة البحتة للفن ال يمكن أن يتحقق إال بتجاهل مقاصد و أهداف سبل
انغماس هذه القطع الفنية في السياق االجتماعي و السياسي ،و أنه من دون تحليل مثل هذه
السياقات سيظل تحليل الفن مغاليا في مثاليته و تجريده ،و أن الشيء ال يعد فنا إال ألن
مجموعة من األشخاص أو الجماعات ذات النفوذ قد عرفته على أنه كذلك و في هذا اإلطار
يعرف علماء االجتماع على أن مصطلح الفن واأللفاظ المرادفة له مثل عمل فن و فنان ،
ليست سوى اختراعات تاريخية ظهرت في الغرب ألول مرة منذ بضع مئات من السنين ،
و قبل ذلك الوقت لم يوجد مصطلح فن بالمعنى المعاصر ،عوضا عن ذلك كان الناس
ينتجون أشياء ثقافية لالستخدام بطرق معينة.
ما الذي يقرر أن هذا العمل أو ذاك نتاج فني؟ و هل هناك شروط محدد ينبغي على النتاج
الفني استيفاؤها من أجل أن يصبح نتاجا فنيا ؟ و ما الدور الذي يلعبه الزمان و المكان في
التأثير على فنية النتاج الفني؟ و من الذي يحكم بأن ذلك النتاج فني؟ هل هو الفنان نفسه أم
المتلقي؟ تعيدنا هذه التساؤالت إلى نقطة البدء المتمحورة حول صعوبة تحديد تعريف الفن.
و على هذا المستوى تطفو الذاتية على حساب الموضوعية ،و كالهما خاضع لتأثيرات
ظرفية مثل المكان و الزمان و ثقافية المجتمع و مراحل تطوره.
إن مفهوم الفن البحث ارتبط بعنصر التعبير الشخصي للفنان ،األمر الذي لم يتبلور تاريخيا
إال بعد ظهور المدرسة النطباعية في الثلث األخير من القرن التاسع عشر ،و التي روجت
لرأيها أن بإمكان الفنان أن يرسم ما يختلج في عقله و ليس فقط ما تراه عينه ،أي أن يرسم
انطباعاته عن المعالم من حوله.
إال أن مفهوم التعبير الذاتي البحت عن دواخل الفنان و أفكاره هو مفهوم نسبي حتى في
حاالت توفر الحرية المطلقة ،ذلك أن الفنان الحر إنما يعبر بشكل غير إرادي عن حالة
العقل الجمعي و ثقافة المكان و تقاليده و موروثاته .و بالمقابل نجد الفنان المؤدلج الذي يعبر
عن أيديولوجية يحملها خيارا أو قسرا ما يدفعه بالتدريج إلى التخلي عن ذاته الصغيرة و
االلتحاق بالذات الكبرى سواء أكانت قومية ،عنصرية ،عشائرية ،مذهبية ،أو حزبية.
و يرى بعض العلماء أن الفن يتحدد و يكتسب شرعيته من ارتباط المؤسس بالمنظومات
االجتماعية ،و خاصة التي تؤلف سلطة و الفن كالمتاحف و صاالت العرض و النقاد و
المؤرخين و الصحفيين .
و في هذا اإلطار نعثر على وجهتي نظر متناقضتين ،األولى يتزعمها "تولستوي" (ما هو
الفن؟) و ترى أن المتلقي وحده من يقرر فيما أن العمل فنا أم ال ،يعرف النظر عن نسبية
الفنان أو مدى جهده أو سعيه و المتلقي هنا ليس الفرد و إنما هو العقل و الضمير
الجماهيري الجمعي و عليه فإن قيمة الفن تتحدد بمدى التأثير الذي يتركه العمل الفني على
عواطف اآلخرين ،و االنطباع الذي يثيره في أحاسيسهم أما الرأي الثاني فيتزعمه
" جون ديوي"في كتابه ( الفن كخالصة للتجربة) 1934حيث يؤكد على الدور األول لنية
الفنان و توجيهاته ،و يضرب مثال من عالم األدب ،حيث يقول أن النتاج األدبي الواحد يلبس
أكثر من لباس.
تمهيد:
رأينا على مدار المحور السابق كيف أن الفن عند رواد علم االجتماع كان أداة تعزيزية
استشهادية ألطروحاتهم النظرية ،و خلصنا إلى أنهم لم يقفوا على مواقف خالصة لوجه
الظاهرة الفنية ،إال أن ما يحسب لهم إقحامهم الفن –و لو من بعيد -إلى حقل المعالجة
السوسيولوجية و عدهم إياه جزءا أو نتاجا اجتماعيا ،و بالمقابل سنحاول في هذا المحور
استجالء حقيقة تساؤل مؤداه كيف تناول علماء االجتماع المعاصرون الفن؟ و هل كانت لهم
إسهامات أصلية فيه؟ و هل اختلفت تناوالتهم له عن تناوالت الرواد؟.
-/1علماء االجتماع المعاصرون و علم اجتماع الفن ،من المعارضة إلى التأصيل.
جينالوجيا و ترونولوجيا يعود عمر سوسيولوجيا الفن ،كتخصص فرعي من علم االجتماع
إلى بداية السبعينات ،و إن كانت تلك البداية محتشمة إلى حد ما،و قد الزم وصف االحتشام
هذا النوع إلى السبعينات من القرن العشرين و ربما بعدها ،حيث يشير " ناتالي إنيل"
Heinich Nathalieعلى سبيل المثال إلى أن موضوع الفن غلب على العلم ( علم اجتماع
الفن ) و دليلها في ذلك أن علماء اجتماع الفن ال يتواجدون في مجال السوسيولوجيا بعذر
تواجدهم في مجال تاريخ الفن و األدب ،حيث يمارسون السوسيولوجيا التفسيرية
Sociologie commentirن يركزون على األعمال الفنية و يقترحون تفسيرات و
تأويالت لها .و يكرسون هذا الوضع غياب إصدارات و متابعات سوسيولوجية ،حيث أن
هناك مجلة وحيدة بمسمى علم اجتماع الفن SOCIOLOGIE DE L ‘ ARTأسست في
تسعينات القرن الماضي و بقيت هامشية .بينما سوسيولوجيا الفن التطبيقية ( المطبقة في
أقسام الدراسات في اإلدارات الكبرى) فيغلب عليها الطابع األهالي و ال تقوم بدارسة
األعمال الفنية و موضوعاتها المفضلة هي الجمهور و التحويل و األسواق و المنتجين و
نادرا ما تشير في مؤلفات ( أدب رمادي).
إال انه يمكننا أن نقرأ تلك النسبة على ضعفها قراءة ايجابية فحواها انبعاث التخصص إلى
الوجود من جهة ،و وجود تأطير سوسيولوجي من جهة أخرى ،أي وجود علماء يتبنون و
يبحثون في هذا الفرع .و تؤسس بذلك ألصالته ،و ترد على نقاده ،ففي بداياته تعرض علم
اجتماع الفن إلى انتقادات حول جدوى وجوده و اإلضافات التي يمكن أن يقدمها ،حيث رأى
باحث انجليزي في الستينات من القرن العشرين أن علماء االجتماع الذين يدرسون الفن ال
يختلفون في شيء عن المؤرخين االجتماعيين و مؤرخي الفن و نقاد الفن.
و يمكن ان نؤسس لمرحلة التأصيل و إنما هي بين الفن و علماء االجتماع المعاصرين ،من
لحظة انبعاث فئة من السوسيولوجيين المتخصصين في سوسيولوجيا الفن و ممارساتهم في
المؤسسات البحثية األكاديمية و شبه األكاديمية كالمراكز البحثية و المعاهد الجامعية
الجامعات ،و إن كان الفرق في الممارسة البحثية حاضرا إلى حد ما حيث بدت الممارسة
داخل الجامعة محكومة معياريا ( الضغوطات األكاديمية التي توجه اإلشكاليات) بينما
خارجها كانت أكثر تحررا من الوظيفة المعيارية .Fonction Normative
-/2جورج لوكاش :georgy Lukacsو ثالثية نمط العيش ،الظرف االقتصادي ،و
اإلنتاج الفني: