Professional Documents
Culture Documents
1
مقدمة:
يعتبر جهاز النيابة العامة مؤسسة ذات دور فعال في النظام القضائي
المغربي ،تمثل المجتمع من خالل مباشرتها للدعوى العمومية ،وتهدف
من وراء ذلك وبتنسيق مع جهاز الشرطة القضائية إلى حماية المواطنين
كيفما كان موقعهم االجتماعي في أرواحهم وأجسادهم وممتلكاتهم في
إطار القانون.
فالنيابة العامة إذن هي الجهاز أو الهيئة التي عهد إليها المشرع تحريك
الدعوى العمومية ومراقبة سيرها إلى غاية صدور الحكم فيها ثم
تنفيذه( .)1بمعنى لها أن تلتمس تطبيق القانون وتسخير القوة العمومية
مباشرة ،وهي طرف رئيسي في القضايا الزجرية وفي مناقشة القضايا
المعروضة على هيئات الحكم ،وكل حكم ينطق به في غيبتها يكون
)2( .
باطال ،وبذلك يجب النطق بجميع القرارات بحضورها
-1محمد بنعليلو :واقع عمل النيابة العامة في المغرب بين الممارسة القضائية وضمان الحقوق والحريات ،دراسة من طرف المركز العربي
لتطوير حكم القنون والنزاهة ،ص7 :
-2أحمد أبو العالء :دليل الباحث في قانون المسطرة الجنائية المغربي من خالل األسئلة واألجوبة ،مطبعة الهداية ،الطبعة الثانية ،2016ص6:
2
السلطة الحكومية .ومن هذا المنطلق فإن اإلشكالية المحورية التي
يطرحها هذا الموضوع هي إلى أي حد يمكن فصل جهاز النيابة العامة
على السلطة الحكومية ومنحها اإلستقالل المادي والبشري؟ وما هي
التدابير واآلليات القانونية التي وضعها المشروع لتعزيز هذه
اإلستقاللية؟
هذا ما سنتناوله بالتحليل في المطلبين التاليين :
المطلب األول :التأسيس الدستوري الستقاللية النيابة العامة
المطلب الثاني :التنزيل القانوني الستقاللية النيابة العامة
3
المطلب االول :التأسيس الدستوري الستقاللية النيابة العامة
إن استقالل النيابة العامة وخروجها عن وصاية السلطة الحكومية
شكل موضوعا شغل الساحة القضائية في اآلونة األخيرة بين مؤيد
ومعارض ،فكان من أهم المؤسسات التي دافعت عن استقالل النيابة
العامة هي هيئة اإلنصاف والمصالحة والهيئة العليا للحوار الوطني،
الشيئ الذي تعزز بدستور 2011الذي نص على مبدأ الفصل بين السلط
القائم على التوازن والتعاون.
الفقرة األولى :توصيات الهيئة كأساس اإلستقاللية الستقاللية النيابة العامة
تعتبر هيئة اإلنصاف والمصالحة ( )3لجنة وطنية مغربية للحقيقة
واإلنصاف والمصالحة ،ذات اختصاصات غير قضائية في مجال تسوية
ملفات ما في اإلنتهاكات الجسيمة لحقوق اإلنسان ،من مهامها البحث عن
الحقيقة والتحري وتقييم الضرر والتحكيم واإلقتراح.
وكان من بين أهم نتائج اجتماع وعمل هذه الهيئة ان خرجت بعدة
توصيات ووضعت عدة اقتراحات كان من أهمها تقوية استقالل القضاء
التي تتطلب فضال عن التوصيات ذات الطابع الدستوري مراجعة النظام
األساسي للمجلس األعلى للقضاء -المجلس األعلى للسلطة القضائية
حاليا -مع اإلقرار باستقالله الذاتي بشريا وماليا وتمكينه من سلطات
واسعة في مجال تنظيم المهنة القضائية ووضع ضوابها وأخالقياتها،
وتقييم عمل القضاة وتأديبهم ،وتخويله إعداد تقرير سنوي عن سير
العدالة.
ويستفاد من مضمون هذه التوصيات أن تقرير الهيئة نص على تقوية
استقالل القضاء واإلقرار باستقالله الذاتي والبشري والمالي وتمكينه من
سلطات واسعة في مجال تنظيمه ،وبما أن قضاة النيابة العامة جزء ال
-3تم إحداث هيئة االنصاف والمصالحة بتاريخ 7يتاير ،2004بناءا على قرار ملكي بالموافقة على توصية صادرة على المجلس اإلستشاري
لحقوق اإلنسان وعلى الظهير الشريف المتضمن للنظام األساسي للهيئة الصادر بتاريخ 12أبريل 2004
4
يتجزأ من جسم العدالة ،فيجب أيضا أن يتمتع باستقاللية ويخرج عن
وصاية رجل السياسية المتمثل في وزير العدل والحريات.
وإلى جانب هيئة اإلنصاف والمصالحة توجد أيضا الهيئة العليا
للحوار الوطني التي لعبت دورا مهما من اجل استقالل القضاء والنيابة
العامة .فقد شكل الخطاب الملكي 9غشت 2009خارطة طريق رسمها
جاللة الملك كخطوات ينبغي اتباعها من أجل إصالح منظومة العدالة،
وتضمنت الخطة 6محاور ( )4شملت جميع مجاالت القضاء والعدالة،
وقد رصد المحور األول لدعم ضمانات اإلستقاللية.
ويندرج إصالح القضاء واستقالليته ضمن األوراش اإلستراتيجية
التي أطلقها جاللة الملك الستكمال ترسانة اإلصالحات السياسية
واإلقتصادية واإلجتماعية ،كما أصبح من إصالح القضاء إجراءا جوهريا
يستمد أهمية من األدوار المحورية التي تضطلع بها منظومة العدالة في
توطيد دعائم دولة الحق والقانون وكسب ثقة المتقاضين وضمان نزاهة
األحكام وتبسيط المساطر وتسريعها ،وتحديث هياكل المؤسسة
القضائية).(5
الفقرة الثانية :دستور 2011لدعامة استقاللية النيابة العامة
5
وخضوعهما من حيث الوصاية للسلطة التنفيذية ممثال في وزير العدل،
فقد تعالت األصوات من أجل استقالل هذا الجهاز ،فما هو موقف دستور
2011من هذه المسألة؟
بالرجوع إلى المقتضيات الدستورية تحديدا الفصل 107نجده ينص
على أن السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة
التنفيذية ،وأن الملك هو الضامن الستقالل السلطة القضائية.
بما سيستفاد منه أنه خصهم بأحكام خاصة .وما يؤيد هذا الطرح هو
الفقرة األخيرة من الفصل 110من الدستور التي تنص على ما يلي" :
يجب على قضاة النيابة العامة تطبيق القانون ،كما ينبغي عليهم اإللتزام
بالتعليمات الكتابية الصادرة على السلطة التي يتبعون لها
وباستقراء مقتضيات الفصول من 108إلى الفصل 110قراءة متأنية
يتضح جليا أن الدستور خص قضاة النيابة العامة بأحكام خاصة ،وهو ما
فسره البعض بسكوت المشرع عن الجهة التي يخضع لها جهاز النيابة
العامة حيث ظلت منذ صدور الدستور سنة 2011تحت وصاية السلطة
التنفيذية متمثلة في وزير العدل.
والحقيقة أن الدستور المغربي لسنة 2011سكت عن هذا الموضوع
ليس سهوا منه وال العتبارات سياسية كما فهم البعض ،وإنما ربما إحالة
على قوانين ستصدر الحقا بعد إنضاج النقاش لتحس في الجهة التي
يتبعون لها .وهو الطرح الذي تعزز بصدور القانون رقم 33.17المتعلق
بنقل اخصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك
لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة .
فما مضمون القانون؟
6
المطلب الثاني :التنزيل القانوني الستقاللية النيابة العامة
فكما هو معلوم فإن تجربة المغرب في ما يسمى بالعدالة االنتقالية
كشفت على أن تدخل السلطة التنفيذية في عمل القضاء لم يكن ليحصل
لوال تبعية النيابة العامة للسلطة التنفيذية ،ومن هذا المنطلق فقد اعتمد
المناصرون الستقالل النيابة العامة على مقاربات قانونية وحقوقية ونادوا
إلى تجسيد هذه المقاربة في قالب قانوني مؤسس لدور جديد للنيابة العامة
على أرض الواقع ،وهو ما تبلور مع صدور القانون رقم 33.17الذي
وضع حدا للجدل بين مناهضي ومناصري استقالل النيابة العامة عن
السلطة الحكومية .فما مضمون هذا القانون؟
هذا ما سنتناوله في الفقرتين التاليتين:
الفقرة األولى :اختصاصات النيابة العامة
7
وعالوة على اإلختصاصات الموكولة إليه بموجب إليه بموجب
النصوص التشريعية الجاري بها العمل ،يحل الوكيل العام لدى محكمة
النقض محل وزير العدل في:
السهر على حسن سير الدعاوى في مجال اختصاصاتها.
اإلشراف على عمل النيابة العامة ومراقبتها في ممارسة
صالحياتها المرتبطة بممارسة الدعوى العمومية ومراقبة
سيرها في إطار احترام مضامين السياسة الجنائية طبقا
للتشريعات الجاري بها العمل.
السهر على حسن سير الدعاوى في مجال اختصاصاتها.
ممارسة الطعون وتتبع القضايا المعروضة على المحاكم التي
تكون النيابة العامة طرفا فيها).(8
كما منح القانون صرامة وذلك تطبيقا للمادة 80من القانون التنظيمي
رقم 100.13المتعلق بالمجلس األعلى للسلطة القضائية أنه يجب
استشارة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة
العامة قبل تعيين أو اقتراح قضاة النيابة العامة المدعوون لرئاسة هيئة أو
لجنة أو لشغل منصب عضوا بها ،أو للقيام بأية مهمة مؤقتة أو دائمة
لديها).(9
8
الفقرة الثانية :تنظيم رئاسة النيابة العامة
9
االختصاص وفق األشكال والشروط المنصوص عليها في القوانين
واألنظمة الجاري بها العمل).(14
كما تضع الدولة رهن إشارتها العقارات والمنقوالت الالزمة التي
)(15
تمكنها من القيام بمهامها
وما يمكن قوله في األخير بخصوص المقتضيات المنظمة لرئاسة
النيابة العامة أن المشروع نحى منحى صريحا وواضحا بخصوص
استقالل النيابة العامة عن السلطة الحكومية التي ظلت منضوية تحتها منذ
االستقالل ،وبالتالي حققت أمال العديد من مؤيدي استقالل السلطة
القضائية بصفة عامة والنيابة العامة على وجه الخصوص.
10
خاتمة:
ما يمكن استنتاجه من خالل تحليلنا ومعالجتنا لموضوع استقاللية
النيابة العامة .أن المشروع كان جريئا من خالل حسمه الخالف الذي ظل
قائما لسنوات بخصوص استقالل القضاء بصفة عامة والنيابة العامة
بصفة خاصة من خالل إصداره للقانون 33.17الذي يقضي بإخراج
جهاز النيابة العامة عن وصاية السلطة الحكومية وإسنادها رئاسة هذا
الجهاز للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض .وبهذه الخطوة يكون
المنشرع المغربي قد حذا حذوه والتشريعات المقارنة التي تاخذ بنظام
استقالل النيابة العامة كالنظام اإلسباني.
وقد أثار هذا القانون جدال كبيرا خاصة في ما يتعلق برقابة الوكيل
العام للملك لدى محكمة النقض خاصة وأن النيابة العامة كجهازال تمثل
سلطة واحدة في حد ذاتها بل تمثل المجتمع ككل بمختلف مكوناته ،لكن
اإلشكال المطروح في نظرنا ليس هو الجهة التابع لها النيابة العامة بقدر
ما هو إشكال مرتبط أساسا بمدى خضوع واحترام هذا الجهاز للقانون
الذي يبقى سيدا للجميع يعلو وال يعلى عليه ،تماشيا مع روح الفصل 6
من الدستور الذي جاء في فقرته األولى بأن القانون أسمى تعبير عن
إرادة األمة والجميع أشخاصا ذاتيين واعتباريين بما فيهم السلطات
العمومية متساوون أمامهم وملتزمون باإلمتثال لهم.
11
الئحة المراجع:
محمد بنعليلو :واقع عمل النيابة العامة في المغرب بين الممارسة القضائية
وضمان الحقوق والحريات ،دراسة من طرف المركز العربي لتطوير
حكم القنون والنزاهة ،ص7 :
أحمد أبو العالء :دليل الباحث في قانون المسطرة الجنائية المغربي من
خالل األسئلة واألجوبة ،مطبعة الهداية ،الطبعة الثانية ،2016ص6:
تم إحداث هيئة االنصاف والمصالحة بتاريخ 7يتاير ،2004بناءا على
قرار ملكي بالموافقة على توصية صادرة على المجلس اإلستشاري
لحقوق اإلنسان وعلى الظهير الشريف المتضمن للنظام األساسي للهيئة
الصادر بتاريخ 12أبريل 2004
نص الخطاب الملكي بتاريخ 9غشت 2009
القانون رقم 33.17الصادر بتنفيذه الظيهر الشريف رقم .1.17.45
صادر في 30أغسطس ،2017بتنفيذ القانون رقم 33.17المتعلق بنقل
اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام إلى الوكيل
العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة وبسن قواعد
لتنظيم رئاسة النيابة العامة ،الجريدة الرسمية عدد 6605بتاريخ 18
ستمبر .2017
12
الفهرس:
المقدمة2.......................................................................:
خاتمة11.......................................................................:
إلئحة المراجع12.............................................................:
الفهرس13.....................................................................:
13