Professional Documents
Culture Documents
رسالة إبراهيم المقري النهائية
رسالة إبراهيم المقري النهائية
مقدمة:
تعتبر الجرائم االقتصادية 1من أخطر التحديات التي يواجهها المجتمع الدولي
بأسره ،وذلك لما تشكله هذه الجرائم من خطر على االقتصاديات الوطنية والدولية،
وعلى األموال العامة والخاصة.
وتتعدد صور الجرائم االقتصادية المتمثلة في جرائم االعتداء على المال العام
وجرائم الغش الضريبي والجمركي والغش التجاري التي تمثل انتهاكا للسياسة
االقتصادية.2
وتعد الجرائم الجمركية فرعا من فروع الجرائم االقتصادية ،وذلك للطبيعة
التقنية التي تتميز بها ،وكذلك إلى كونها جرائم تمس االقتصاد الوطني ،بصفة مباشرة
عن طريق التهرب من الرسوم الجمركية.
ومن ثم تدخل المشرع بخلق قانون خاص لمحاربة هذا النوع من الجرائم يسمى
قانون الجمارك 3والضرائب غير المباشرة ،4ويعتبر هذا القانون اإلطار المرجعي
إلدارة الجمارك عند ممارستها لمهامها واختصاصاتها ،وقد عرف المشرع المغربي
الجريمة الجمركية في المادة 204من مدونة الجمارك بنصه على أن المخالفة
الجمركية هي عمل أو امتناع مخالف للقوانين واألنظمة الجمركية.
وكما هو معلوم فالمجال الجمركي ذو ارتباط وثيق باالقتصاد الوطني،وذلك ألن
تعتبر المجال اإلقتصادي يشكل مجاال تنشط فيه إدارة الجمارك ، 5فهذه األخيرة
العامل على تنشيط العمليات االقتصادية ،عالوة على دورها التقليدي المتمثل في
1الجريمة االقتصادية هي كل فعل أو امتناع يقع بالمخالفة للقانون العقابي أو القوانين العقابية الخاصة األخرى ويشكل
خطرا شديدا أو يسبب ضررا لالقتصاد الوطني .منتصر سعيد حموده ،الجرائم االقتصادية ،دار الجامعة الجديدة االسكندرية،
طبعة، 2010ص.52
- 2سيد شوربجي عبد المولى ،مواجهة الجرائم االقتصادية في الدول العربية ،الطبعة األولى ،الرياض ،2006ص .5
- 3إن كلمة جمركي Douneمشتقة من المصطلح الفارسي ديوان الذي يقصد به مكان اجتماع موظفي المالية وقد اقتبسه
العرب من الفرس بعد الفتح اإلسالمي فاستعمل للداللة على مرافق الدولة كديوان الخراج الذي يختص لتحصيل الضرائب.
راجع أحمد حافظ الجعويني ،تطور اإلرادات العامة في مصر ،دار الفكر العربي ،دون تاريخ النشر ،ص .182
- 4مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة المصادق عليها بالظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.77.339بتاريخ 25
شوال 9(1397أكتوبر )1977منشور بالجريدة الرسمية ،عدد 3389مكرر.
5
-Mohamed CHADI ," La douane marocaine face à Mondialisation ", Revue AL Milaf ,
N 8, P 6.
1
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
استخالص الضرائب الناتجة عن تداول السلع عبر الحدود ،سواء باالستيراد أو
التصدير.
وترجع بوادر العمل الجمركي إلى المجتمعات البشرية القديمة ،وقد عرفه
المغرب منذ القدم ،ويمكن القول بأن النظام الجمركي المغربي لم ينبثق من ال شيء،
ولكنه جاء نتيجة للتطورات التي عرفها المغرب منذ أقدم العصور ،فالموقع الجغرافي
للمغرب كان سببا في االنفتاح المبكر على الغرب ،6مما جعل الرقابة الجمركية تترسخ
بشكل واضح بالمغرب ،وقد ترسخت أكثر بعد الفتوحات اإلسالمية ،وتتعزز الرقابة
بوا سطة فرض الرسوم الجمركية وتقديم إعانات التصدير ومراجعة قيمة العملة
الوطنية.7
فالعمل الجمركي يقوم بدور 8هام في الحياة االقتصادية وذلك بإدخاله إلى مالية
الدولة متحصالت مهمة من الرسوم والجبايات ،وبالتالي فإن السير العادي لعمل إدارة
الجمارك ال ينبغي أن يشوبه أي عائق ،وفي حالة عرقلة عمل إدارة الجمارك عن
طريق مخالفة األنظمة والقوانين الجاري بها العمل في الميدان الجمركي يتدخل
التشريع الجنائي الجمركي للضرب بقوة على يدي مرتكب المخالفات 9الجمركية.
وتشمل الجرائم الجمركية عدة مخالفات ،إال أن أهم جريمة تقع مخالفة للقوانين
واألنظمة الجمركية هي جريمة التهريب ،على اعتبار اتساع المجال الجغرافي لهذا
النوع من الجرائم ،وكونها جريمة دولية ،وكذلك إلى الطبيعة التقنية واالحترافية في
- 6فاطمة الحمدان بحير ،السياسة الجمركية المغربية وإشكالية المبادالت التجارية الدولية ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار
البيضاء المغرب ،طبعة ،2005ص .36
- 7حيث أن الزيادة في أسعار تلك الرسوم تهدف إلى تخفيض قيمة الواردات وحماية اإلنتاج الوطني من المنافسة األجنبية
من خالل تقييد استيراد السلع األجنبية إلى الداخل وأن فرض رسوم االستيراد ينعكس من جهة على أسعار المواد المستوردة
بحيث يتساوى أو يفوق تكاليف اإلنتاج الداخلي ،ومن جهة أخرى على توزيع الدخل بين المنتجين والمستهلكين .العباس
الوردي ،األبعاد االقتصادية للنظام الجمركي المغربي ،بحث لنيل شهادة الماستر في القانون العام ،جامعة محمد الخامس
السويسي ،2010-2009 ،ص .1
8للمزيد أكثر حول دور ادارة الجمارك راجعJean-cloude RENOUE ,La douane, Presse Universitaires de
France ,la rousse, 1er édition : 1989 , Paris, P 13-
- 9تجب اإلشارة هنا إلى أن المخالفة الواردة في القانون الجمركي ،ليست هي الواردة في القانون الجنائي ،على اعتبار أن
هذا األخير في الفصل 111منه أن المخالفة هي تلك الجريمة المعاقب عليها باالعتقال لمدة تقل عن شهر وبغرامة من 30
إلى 1200درهم ،في حين نجد أن المخالفة الجمركية على اختالف أنواعها تشكل جنحا بالنظر إلى العقوبات المقررة لها في
الفصول من 279إلى 299ويظهر أن المراد بالمخالفة هنا ليس االصطالح القانوني الوارد في القانون الجنائي بل المعنى
اللغوي ،أي اإلخالل بالقوانين واألنظمة الجمركية.
2
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
تنفيذها ،يجعل من الصعب إثباتها ،وبالتالي قيام مسؤولية مرتكبها .مما دفع المشرع
الجنائي الجمركي إلى سن مقتضيات زجرية تتناسب ،و طبيعة الجرائم الواردة على
الميدان الجمركي وإن كانت تتعارض في صميمها مع مجموعة من المبادئ القانونية
العامة ،وتشكل استثناء عليها.
وإذا كان القانون الجمركي يوصف تقليديا بأنه تشريع ذو طبيعة تقنية ،فإن هذه
الخاصية ال تخفي أنه يتوخى تحقيق أهداف مالية واقتصادية تتعلق بتحفيز االستثمار
وإنعاش التصدير من خالل األنظمة االقتصادية الجمركية ،وحماية حق الدولة في
استخالص الرسوم.10
هذه األهداف ،دفعت المشرع الجمركي إلى وضع قواعد خاصة بالجريمة
الجمركية ،تختلف عن الجرائم الواردة في القانون الجنائي 11العام.
- 10محمد حدوتي "،المسؤولية واإلثبات في القانون الجمركي" .،الجرائم المالية من خالل قرارات المجلس األعلى،
خمسون سنة من العمل القضائي ،الندوة الجهوية السابعة ،دار الطالبة وجدة 21ماي ،فاتح يونيو ،2007ص301
- 11الظهير الشريف رقم 1.59.413صادر في 28جمادى الثانية26(1382نونبر )1962بالمصادقة على مجموعة القانون
الجنائي ،منشور بالجريدة الرسمية عدد 2640مكرر بتاريخ 12محرم 5(1383يونيو،)1963ص .1253
3
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
األساس الذي تنهض عليه ،الذي يرتبط باألساس الفلسفي والفكري للعقاب ،والغاية من
ذلك ،ألن العقوبة في إقرارها وفرضها تعد مقياس لتقدم حضارة األمم.12
ويعتبر الميدان الجمركي مجال واسع لإلثبات ،على اعتبار أن الجرائم التي يتم
ارتكابها ،ال يمكن مساءلة مرتكبها ،إال بإثبات نسبة الجريمة الجمركية إليه ،وذلك ألن
تطبيق العقوبة على أي شخص مرتكب لجريمة كيفما كان نوعها ،ال يستقيم إال بإثبات
ارتكابه لها ،بصفة مباشرة أو غير مباشرة ،بمختلف وسائل اإلثبات القانونية.
- 12محمد حماد مرهج الهيتي ،الخطأ المفترض في المسؤولية الجنائية ،طبعة ،2005دار الثقافة ،ص .10
- 13محمد الملياني ،القانون الجنائي العام،مطبعة الجسور ،الطبعة األولى ، 2005ص .195
4
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
ومن هنا تبرز لنا أهمية دراسة موضوع خصوصية الجريمة الجمركية ،ال من
حيث الجانب الموضوعي أو اإلجرائي ،على اعتبار الخصوصيات التي تميز كالهما،
مقارنة مع القواعد العامة المقررة في القانون الجنائي العام والمسطرة الجنائية،
كما تبرز أهمية دراسة هذا الموضوع ،من خالل تسليط الضوء على موضوع
جدير بالبحث والتحليل ،يهم االقتصاد الوطني ،وال نجد إقباال من طرف الباحثين على
هذا النوع من المواضيع ،فهناك ندرة الدراسات واألبحاث المتعلقة به.
5
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
6
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
ويعتبر القانون الجمركي أحد القوانين ذات الطابع االقتصادي ويأخذ فيه ،مفهوم
المسؤولية الجنائية اتساعا وخروجا عن القواعد العامة الواردة في القانون الجنائي
المحددة لكيفية قيام المسؤولية الجنائية.
ويجد اتساع مفهوم المسؤولية الجنائية في النطاق الجمركي مبرره إلى كون
الميدان الجمركي ذو طبيعة تقنية ،ومرنة على اعتبار الحركية التي يعرفها ميدان عمل
إدارة الجمارك ،مما يجعل المسؤولية الجنائية هنا تتميز بعدة خصوصيات عن
المسؤولية الجنائية في إطار القواعد العامة.
14ينص الفصل 132من القانون الجنائي في باب المسؤولية الجنائية في فقرته األولى على أنه":كل شخص سليم العقل قادر
على التمييز يكون مسؤوال شخصيا"...
7
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
الما دة الجمركية تظهر من خالل الفئات المعنية بهذه المسؤولية وكيفية قيام مسؤوليهم
وأساسها وكيفية نفي هذه المسؤولية.
8
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
فالمسؤولية الجنائية في المادة الجمركية تقوم على أساس الخطأ المفترض ،أي
افتراض الخطأ لدى بعض األشخاص بمقتضى قرينة قانونية ،فتقوم مسؤولية مرتكب
المخالفة الجمركية بغض النظر عن عنصر القصد،وذلك مايعرف بالمسؤولية الجنائية
المفترضة.
كما أنها تتميز من حيث أساسها ،بإسناد الجريمة الجمركية لغير مرتكبها من
خالل المسؤولية الجنائية عن فعل الغير والمسؤولية الجنائية لشخص المعنوي .
وسنحاول في هذا المبحث التطرق إلى أساس المسؤولية الجنائية الجمركية،من خالل
الحديث عن المسؤولية الجنائية المفترضة (المطلب األول) ،وعن إسناد الجرائم لغير
مرتكبها(المطلب الثاني).
9
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
وبالرجوع إلى مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة ،نجد أن المشرع في
هذه المدونة ،خرج عن السياسة الجنائية العامة ،المتبعة في ضبط الجرائم ومعاقبة
مرتكبيها ،ومن بين تجليات هذا الخروج هو خلق مراكز قانونية جديدة ،يمكن من
خاللها ضبط مرتكبي الجرائم الجمركية ،وتوسيع نطاق األشخاص المعنيين بأحكام هذا
القانون.
فقد تفرعت عن السياسة الجنائية العامة ،سياسة جنائية جمركية ،وهذه األخيرة
أضحت بخروجها الدائم عن القواعد العامة الواردة في القانون الجنائي ،تتميز
15
بخصوصيات.
وقد ترجع أسباب هذه الخصوصيات وهذا الخروج عن القواعد العامة ،إلى
طبيعة عمل إدارة الجمارك ،فنظرا للطبيعة الخاصة التي يتميز بها عمل إدارة
الجمارك ،ألن اإلدارة تراقب حركية البضائع عبر الحدود الجمركية ،وانطالقا من
األدوار المنوط بها ،والتي منها الكشف عن الجرائم التي ترتكب أثناء حركية البضائع
في الحدود الجمركية.
األمر الذي دفع المشرع إلى توسيع دائرة المشمولين باألحكام الجنائية لهذه
المدونة ،وخلق نصوص قانونية في هذه المدونة تجعل إلدارة الجمارك أثناء عملها
سهولة في إثبات المسؤولية الجنائية لمرتكب المخالفة الجمركية.
15الشلي محمد .الحبيب الدقاق ،المصالحة الجمركية في القانون المغربي ،الطبعة األولى ص2010‘ 258
10
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
ومن بين هذه الخصوصيات التي تتميز بها مدونة الجمارك ،نجد المسؤولية
الجنائية المفترضة في حق بعض األشخاص بحكم المهام المنوطة بهم أو األنشطة التي
يزاولونها كأساس لقيام مسؤوليتهم الجنائية.
الخطأ المفترض ،إما أن يفترضه القضاء في الحاالت التي تقتضي طبيعة بعض
الجرائم ذلك في نطاق إثبات ركنها المعنوي ،وإما أن يكون المشرع هو الجهة التي تقيم
هذه القرينة ،وف ي الحالتين يترتب عليه اإلعفاء من إقامة الدليل على ثبوت الخطأ
بجانب الشخص المسؤول ،مما يؤدي إلى القول بأن واقع الخطأ المفترض هو أن
االفتراض يجب أن يقتصر دوره على نقل عبء اإلثبات من الجهة المختصة أصال إلى
المتهم الذي عليه حينئذ أن ينفي ثبوت الخطأ في جانبه إن سمح القانون بذلك.16ونكون
أمام المسؤولية الجنائية المفترضة أو الموضوعية ما دام الركن المعنوي للجريمة
يفترض وجود قصد جنائي أثم لدى الجنائي ،ويأخذ أحد الصورتين ،العمد والخطأ غير
العمد ،وأن يتوفر هذا القصد في اللحظة التي يباشر فيها الجاني ارتكابه لتصرف غير
مشر وع مما يجعل باإلمكان خضوعه للمساءلة الجنائية والعقاب ،في الحاالت التي
يحددها القانون.
- 16محمد حماد مرهج الهيتي ،الخطأ المفترض في المسؤولية الجنائية ،دار الثقافة للنشر والتوزيع ،2005 ،ص 128
أورده عن أحمد فتحي سرور ،الوسيط في قانون العقوبات ،القسم العام ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،1981ص .581
11
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
وهناك رأي في الفقه وجد أن انتفاء القصد الجنائي األتم لدى الجاني ال يحول
دون قيام المسؤولية الجنائية في بعض الجرائم ،وذلك ألن الركن المعنوي إنما يشترط
لنوع معين من الجرائم هي التي تنطوي على اإلهمال وعدم التبصر.17
استقر األمر في الفقه الجنائي على أن هناك بعض الجرائم من شأن السلوك
المرتكب فيها أن يكشف القصد المكون لها حتى أنه ال يمكن تصور ارتكابها دون أن
يكون كامنا فيها هذا القصد.18
ويتبين في نطاق إسناد العمد ،أن طبيعة هذه الجرائم والسلوك المكون لها ،وراء
لجوء القضاء إلى افتراض القصد الجنائي فيها ،بل على القضاء أن يعد القصد الجرمي
متوفر بمجرد إسناد السلوك المكون لها.
فالخطأ المفترض في الجرائم العمدية ،ينص على التجريم على مجرد السلوك
دون حصول نتيجة ضارة ،فقد تقع النتيجة الضارة من الفعل وقد ال تقع ،ورغم ذلك
فإن الجريمة قائمة لمجرد القيام بالفعل المجرم.
وعليه فمتى كان الفعل المعاقب عليها مجردا من النتيجة الضارة فإن العمد في
هذه الحالة متالزم مع ذات الفعل ،ما دام الفعل صادر عن إرادة حرة وإدراك.19
بالنسبة للجرائم غير العمدية ،فقيام ما يسمى بالمسؤولية المفترضة في هذا النوع
من الجرائم ،قد ال يختلف كثيرا عما هو عليه األمر ،في الجرائم العمدية ،فهذا النوع
من الخطأ المفترض يقوم على أساس اإلهمال ،ونجد له تطبيقا عمليا في مدونة
الجمارك ،كما سنوضح فيما بعد:
17
- http://siencesjuridique.hlamantda.net/t6336-Topic
اطلع عليه يوم 21غشت 2011على الساعة 19.16مساء.
- 18رمسيس بهنام" ،االتجاهات الحديثة في نظرية الفعل والفاعل" ،مجلة الحقوق ،العدد الثالث ،1960- 1959 ،مطبعة
جامعة اإلسكندرية ،ص 940أوردها محمد حماد مرهج الهيتي ،مرجع سابق ،ص .120
- 19محمد حماد مرهج الهيتي ،المرجع نفسه ،ص .121
12
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
فالتجريم في نطاق الجرائم غير العمدية ينص على نشاط مادي مجرد مع غياب
النتيجة بمدلولها المادي.20
وخالصة القول فالخطأ المفترض إما أن يكون بالصورة العمدية ويأخذ وصف
"العمد المفترض" ،أو أن يكون بالصورة الغير عمدية ،ويأخذ وصف "الخطأ غير
العمدي المفترض" ،وحيث أن واقع الخطأ المفترض يتمثل بنقل عبء اإلثبات من على
عاتق الجهة المكلفة بإثباته إلى جهة المتهم.
فالخطأ المفترض يمكن أن نعرفه بأنه "ذات الخطأ بأحد صورتيه العمدية أو
غير العمدية غير أنه اتصف بهذا الوصف من افتراض ثبوته من جانب المتهم ،وإعفاء
القضاء من إقامة الدليل عليه وإثباته ،فالخطأ المفترض إذن خطأ قائم على افتراض
ثبوته من جهة مقترف الفعل بحيث ال يقام الدليل عليه من الجهة المكلفة أصال بذلك.21
وإذا كانت هذه هي ماهية الخطأ المفترض ،فما هي تجليات الخطأ المفترض في
المادة الجمركية؟
13
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
سريعة االندثار من جهة وصعبة اإلثبات من جهة أخرى ،22كما أن نظام المسؤولية في
التشريع الجنائي الجمركي يقوم على نظام القرائن واالفتراضات ،والذي يتبنى بدوره
مجرد وقائع مادية تتحقق بها المسؤولية الجنائية المفترضة.
- 22أسماء حساني ،اإلثبات في المادة الجمركية ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص ،جامعة محمد األول،
كلية الحقوق وجدة ،السنة الجامعية ،2008-2007ص .105
- 23ينص الفصل 223من مدونة الجمارك":يفترض في األشخاص اآلتي ذكرهم أنهم مسؤولون جنائيا:
أ-األشخاص الموجودة في حوزتهم البضائع المرتكب الغش بشأنها وناقلوها
ب-ربابنة البواخر والسفن والمراكب وقواد الطائرات فيما يخص اإلغفاالت والمعلومات غير الصحيحة المالحظة في
بياناتهم ،وبصفة عامة فيما يخص الجنح أو المخالفات الجمركية المرتكبة على ظهر بواخرهم وسفنهم ومراكبهم
وطائراتهم."...
- 24الجياللي القدومي ،المنازعات الزجرية في القانون الجمركي المغربي ،رسالة لنيل دبلوم السلك العالي في المدرسة
الوطنية لإلدارة العمومية ،الرباط ،1988ص .87أورده محمد الشلي .الحبيب الدقاق ،مرجع سابق ،ص308
- 25عزيزة ريمان ،المنازعات الجمركية ،تقرير لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة ،جامعة الحسن الثاني ،كلية الحقوق،
الدار البيضاء ،2000-1999ص .26
14
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
- 26يعرف بعض الفقهاء الحيازة في القانون المدني بأنها حالة مادية تتمثل في سيطرة شخص ماديا أو فعليا على شيء أو
حق ،يستوي في ذلك أن يكو ن هو صاحب الحق أو ال يكون والحيازة قرينة بسيطة على الملكية يجوز إثبات عكسها ،للمزيد
من التفصيل راجع عبد الرزاق السنهوري ،الوسيط في شرح القانون المدني ،القاهرة 1968الجزء التاسع ،ص120
- 27امحمد برادة غزيول ،مدونة وتنظيمات الجمارك والضرائب غير المباشرة ،دار النشر المعرفة ،الطبعة الثانية ،2000
ص .217
- 28عبد الرزاق بلقسح "،المنازعات الجمركية الزجرية "،مجلة المحاكم المغربية ،عدد ،87مارس ،أبريل ،2000ص
.99
- 29عبد الوهاب عافالني ،القانون الجنائي الجمركي ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة ،جامعة الحسن الثاني ،كلية
الحقوق الدار البيضاء ،ص .58
- 30محمد حدوتي" ،المسؤولية واإلثبات في القانون الجمركي" ،مرجع سابق ،ص .330
- 31قرار عدد 2/418المؤرخ في 2005/04/13الملف الجنحي عدد 04/154مجلة قضاء المجلس األعلى ،عدد ،67
ص.377
15
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
فمسؤولية الناقل المفترض تقوم على أساس التزامه بمراقبة البضائع التي يقوم
بشحنها وتسليمها.
والسؤال المطروح هنا هل المسؤولية المفترضة للناقل تخص الناقل العمومي أو
الخصوصي؟
- 32حفيظ الشرقي ،جريمة التهريب ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص ،جامعة محمد الخامس ،كلية
الحقوق ،الرباط ،1985 ،ص .300
- 33أسماء حساني ،مرجع سابق ،ص .91
- 34ينص الفصل 170من مدونة الجمارك ،إن الماشية والمنتجات المفروض عليها المكوس الداخلية عن االستهالك
والمنتجات المحضورة بأية صفة من الصفات أو التي يكون دخولها أو خروجها خاضعا لقيود باستثناء المنتجات الصناعية
الخاضعة للمراقبة المعيارية المحدثة بالظهير الشريف رقم 157-70-1بتاريخ 26من جمادى األولى 30( 1320يوليوز
) 1970وكذا جميع البضائع األخرى المعينة بمرسوم يتخذ باقتراح من الوزير المكلف بالمالية بعد استشارة الوزير المكلف
بالداخلية ال يسمح بحركيتها في المنطقة البرية لدائرة الجمارك إال بموجب رخص مرور سلمها اإلدارة أو السلعات المحلية
في األماكن الواقعة داخل الدائرة وغير الممثلة فيها الجمارك."...
16
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
في اعتقادي ومن خالل الفصل 223من مدونة الجمارك الذي جاء بصيغة
عامة ،ف المشرع الجمركي عندما نص على المسؤولية المفترضة للناقل ،لم يفرق بين
الناقل العمومي أو الناقل الخصوصي ،فالمهم إثبات هذه الصفة عند المرور بالحدود
الجمركية.
إن المسؤولية الجنائية تكون شخصية ،وال تقوم هذه المسؤولية إال بارتكاب
الفعل المجرم ،إال أنه في بعض الحاالت وخاصة ضمن الجرائم االقتصادية ،نجد أن
هذه المسؤولية قد تقوم قبل ارتكاب الفعل المجرم ،فتكون مسؤولية مفترضة ،ومدونة
الجمارك تعتبر الميدان الواسع لتطبيق هذا النوع من المسؤولية.
وقد تكون هذ ه المسؤولية بحكم األنشطة التي يزاولها أو المهام المنوطة بهم،
وسنركز على هذه األخيرة.
فبالرجوع إلى الفقرة الثانية من الفصل 223نجدها تنص على أنه "يفترض في
األشخاص اآلتي ذكرهم أنهم مسؤولون جنائيا:
17
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
الجنائية ،كما تؤدي إلى قلب عبء اإلثبات حيث تصبح اإلدانة هي األصل والبراءة هي
واجبة اإلثبات.35
وما يالحظ من خالل استقراء هذا الفصل ،أن أسلوبه قائم على التعميم واإلسناد
إلى المجهول ،وهذا األسلوب يوسع من نطاق المسؤولية الجنائية المفترضة بالنسبة
للرؤساء الواردة أسماءهم أعاله.
فمسؤولية هؤالء الرؤساء تقوم بمقتضى قرينة قانونية ،وسواء أكان الفعل
مرتكبا من طرف الرؤساء بصفة شخصية ،أو من طرف الغير ،فاإلغفاالت
والمعلومات غير الصحيحة المالحظة في البيانات تشكل جنحة من الطبقة الثانية حسب
الفقرتين الخامسة والسادسة من الفصل 36 281من مدونة الجمارك.
فاإل غفاالت والمعلومات غير الصحيحة في البيانات ينتج عنها نفس األثر ،وتعد
بمثابة عدم إيداع لتلك البيانات ،وهذا االلتزام الشكلي الملقى على عاتق الربان أو القائد
مستقل عن االلتزام بالتصريح بالبضاعة الملقى على عاتق المالك فال يعفيه من ذلك.37
وفي ختام هذه الفقرة تجدر اإلشارة إلى أن المسؤولية الجنائية المفترضة
باعتبارها أساس للمسؤولية الجنائية عن الجريمة الجمركية ،تثير عدة إشكاالت على
اعتبار أن هذه المسؤولية تخالف المبادئ العامة للقانون الجنائي ومن بينها أن األصل
في المتهم هو البراءة ،و النيابة العامة هي التي عليها إثبات قيام مسؤولية الشخص
- 35سليمان عبد المنعم ،النظرية العامة لقانون العقوبات ،دار الجامعة الجديدة للنشر ،اإلسكندرية ،2000ص ،278أورده
محمد الشلي الحبيب الدقاق ،مرجع سابق ،ص .309
-36ينص الفصل 281من مدونة الجمارك في الفقرتين الخامسة والسادسة على أنه ":تشكل الجمركية من الطبقة الثانية..
...
-5خرق مقتضيات الفقرة 1من الفصل 46اعاله.
-6كل خرق لمقتضيات الفصل 56أعاله"...
وتنص الفقرة 1من الفصل 46من م ج على أنه ":ينبغي أن تكون البضائع التي ترد عن طريق البحر مسجلة بالبيان
التجاري للباخرة أو البيان العام لحمولتها".
وينص الفصل 56من م ج"ينبغي أن تقيد البضاعة المنقولة بالطائرة في بيان البضائع ،الموقع من طرف قائد الطائرة".
37
-cass crim 06 juillet 1985, d p 99,5,265
Jh hayuet : Daunes, n 206, p17 encyclopedie dalloz, penal II, crim 21 aout 1989.
اورده عبد الوهاب عافالني ،م س ،ص .63
18
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
وليس العكس ،وأن البينة على من ادعى ،هذه األمور جعلت هذه المسؤولية تتعرض
لعدة انتقادات من طرف جانب كبير من الفقه.
وهذا ما يدفع إلى القول بأنه مع وجود افتراض اإلثم فثمة دائما احتمال إدانة
البريء ،38مما دفع البعض إلى الدعوى للتخلي عن البناء غير المتجانس للجرائم
الجمركية ،والعمل على تقريب قواعد الزجر في هذه المادة من القواعد الجنائية العامة،
بالتنصيص على اعتبار هذه الجرائم جرائم عمدية كأصل عام ،مع مراعاة بعض
االستثناءات وجعل عبء اإلثبات على عاتق اإلدارة والنيابة العامة.39
وفي اعتقادنا فهذا التوجه صائب ،وذلك ألنه إذا كانت مدونة الجمارك
والضرائب غير المباشرة أتت بالمسؤولية الجنائية المفترضة في حق بعض
األشخاص ،وذلك لمجموعة من األسباب وبصفة أساسية ،لتفادي تملص المهربين من
المسؤولية نظرا لخطورة هذا النوع من الجرائم على االقتصاد الوطني.
فإن ذلك ال يجب أن يكون مبررا للخروج عن القواعد العامة لقيام المسؤولية
الجنائية ،والتي تراعي الضمانات القانونية أثناء إثبات نسبة الفعل الجرمي إلى مرتكبه.
لذلك ن رى أنه يجب على المشرع الجمركي إعطاء دور أكبر للركن المعنوي
والتقليص من الدور الكبير للركن المادي.
ونظرا لالنتقادات السالفة الذكر ،فقد خفف المشرع المغربي من تطبيقاته ،وميز
بين المخالفات والجنح ،فبالنسبة للمخالفات الجمركية التي يعاقب عليها المشرع
- 38أحمد عوض بالل ،المذهب الموضوعي وتقلص الركن المعنوي للجريمة ،دار النهضة العربية القاهرة ،الطبعة األولى،
،1988ص .208أورده محمد الشلي الحبيب الدقاق ،مرجع سابق ،ص .309
39
- BERR .J Claude, note sous cass crim, 10 octobre 1990, juris classeur juridiques, 1991,
p 102.
أشار إليه محمد الشلي/الحبيب الدقاق ،المرجع نفسه ،ص 309
19
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
بالجزاءات المالية فقط ،فإنه ال يتم االلتفات إلى العنصر المعنوي ،40وذلك ما أكده
المشرع في الفصل 41226من مدونة الجمارك.
ويرجع بعض الفقه سبب توسيع المشرع من دائرة المسؤولية الجنائية إلى
المستجدات التي فرضها واقع العصر الحديث والذي يشجع فيه استخدام اآللة والعمل
لحساب الغير ،سواء أكان هذا األخير فردا أم شخصا معنويا.42
وأ مام هذا الوضع ،فقد كان لإلقرار المسؤوليتين سواء المسؤولية الجنائية عن
فعل الغير أو المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي كأساس للمسؤولية الجنائية عن
الجريمة الجمركية وقعا خاصا في الساحة القانونية ،حيث عرف جدال واسعا بين مؤيد
ومعارض ،على اعتبار أنهما يمثالن المسؤولية الجنائية بدون خطأ وعلى هذا األساس
20
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
سنتناول في هذا المطلب المسؤولية الجنائية عن فعل الغير في (الفقرة األولى) ،ثم
المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي في (الفقرة الثانية).
وتطبيقا لذلك ،ال يسأل الشخص جنائيا عن جريمة ارتكبها غيره ،ألن العدالة
الجنائية تأبى أن يتحمل مسؤولية تلك الجريمة من هو أجنبي عنها تماما ،ولهذا فإن
المبدأ العام هو أن القانون الجنائي ال يعرف المسؤولية عن فعل الغير ،على عكس
القانون المدني الذي يقرر تلك المسؤولية ،وإذا كانت هذه األخيرة لقيت قبوال في
القانون المدني ،باعتبار المسؤولية المدنية ،تعالج حالة ماضية ،وتعمل على إعادة
الوضع إلى ما كان عليه قبل وقوع الضرر ،فإن المسؤولية الجنائية على نقيض ذلك
حيث تواجه المستقبل وتسعى إلى حماية الجماعة من تكرار الجريمة.44
لكن في الوقت الحالي ،أصبح الميدان الجنائي أيضا مجاال لتطبيق المسؤولية
عن فعل الغير ،فإذا كان القانون الجنائي يقرر شخصية المسؤولية في الفصل ،132فقد
جاء في الفقرة األخيرة من نفس الفعل على أنه "وال يستثنى من هذا المبدأ إال الحاالت
- 43كمال الدين إمام ،المسؤولية الجنائية ،أساسها وتطورها ،دراسة مقارنة ،في القانون الوضعي والشريعة اإلسالمية،
الطبعة الثانية ،1999المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ،ص .205ص .205
- 44عتيقة بوزيد ،معضلة الركن المعنوي في جرائم الشركات التجارية ،رسالة لنل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في العلوم
الجنائية ،جامعة عبد المالك السعدي ،كلية الحقوق ،طنجة ،2006-2005 ،ص .103
21
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
التي ينص فيها القانون صراحة على خالف ذلك" وبهذا االستثناء ترك الباب مفتوحا
للمسؤولية عن فعل الغير.45
وتجد المسؤولية الجنائية عن فعل الغير تطبيقا كبيرا لها في الميدان االقتصادي.
فإسناد المسؤولية إلى الغير في الجرائم االقتصادية يمثل الصورة التي يتم فيها
مساءلة شخص عن فعل قام به شخص آخر ،وذلك لوجود عالقة بينهما تفرض أن
يكون الشخص األول مسؤوال عما يصدر عن الثاني.46
ويحصر بعض الفقه األسباب التي ساعدت على اتساع نطاق هذه المسؤولية في
قانون العقوبات االقتصادي إلى عدة عوامل منها حماية تنفيذ القوانين االقتصادية،
واتساع نطاق التجريم ،وخطورة الجرائم االقتصادية ،إضافة إلى ذاتية الركن المعنوي
في هذه الجرائم.47
وإذا كانت المسؤولية الجنائية عن فعل الغير تظهر إلى الوجود عندما تكون
الصلة بين الخطأ والنتيجة صلة غير مباشرة ،أي أنها تنشأ في الحالة التي يؤدي فيها
خطأ شخص إلى تحريك نشاط شخص آخر ،ونشاط الشخص الثاني هو الذي أدى إلى
وقوع النتيجة وليس خطأ الشخص األول مباشرة.48
فإن الفقه يختلف حول األساس القانوني الذي تقوم عليه المسؤولية الجنائية عن
فعل الغير ،وقد تم اللجوء إلى عدة نظريات لتفسير المسؤولية الجنائية عن فعل الغير.
فقد ا ستند البعض إلى نظرية االشتراك ،حيث يكون المسؤول عن فعل الغير
شريكا في جريمة هذا الغير ،وتكون جريمته تبعية للفعل األصلي المجرم ،وكمثال على
ذلك رب العمل الذي يعتبر شريكا لتابعه الذي ارتكب جريمة غير عمدية ،فاالشتراك
- 45أحمد الخمليشي" ،أساس المسؤولية الجنائية ،ومسؤولية األشخاص االعتبارية" ،مجلة األمن الوطني ،العدد ،.50
ص.197
- 46أنور محمد صدقي ،المسؤولية الجنائية عن الجرائم االقتصادية ،دار الثقافة للنشر والتوزيع عمان ،األردن ،2007 ،ص
342أورده محمد الشلي /الحبيب الدقاق ،مرجع سابق ،ص .293
- 47محمد الهمشري ،المسؤولية الجنائية عن فعل الغير ،دار الفكر العربي ،الطبعة األولى ،1969األردن ،ص .249
- 48محمد حماد مرهج الهيتي ،مرجع سابق ،ص .257
22
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
إذن صورة من صور المساهمة الجنائية وهو بهذا المعنى مساهمة تبعية وثيقة الصلة
بالفعل األصلي الذي جرمه المشرع وتناوله بالعقاب.49
ويذهب البعض اآلخر إلى نظرية الفاعل المعنوي ،حيث يرى أن المسؤول
جنائيا عن فعل الغير إنما يسأل جنائيا باعتباره فاعال معنويا فيوجد نوعان من
المسؤولية ،مسؤولية التابع وهي مباشرة ومسؤولية المتبوع ،وهو الشخص الذي ال
نستطيع أن ننسب إليه أي مساهمة في النشاط المادي ،ويمكن القول بأنه ارتكب
الجريمة معنويا ،حيث كان يتعين عليه أن يلزم تابعه بمراعاة القوانين التي كان عليه أن
يقوم بتنفيذها شخصيا.
ولذلك يمكن القول أنه يستعير الركن المادي عن النشاط المادي اإلجرامي الذي
صدر عن تابعه.50
وهذا الرأي يعيبه ،أنه في نظرية الفاعل المعنوي ،الفاعل المادي غير معاقب
51
أصال ،وأن فعله قام به بتحريض من الفاعل المعنوي وذلك ما أكد عليه الفصل 131
من القانون الجنائي المغربي.
23
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
أما الفئة الثانية ،من المسؤولين عن فعل الغير وهم مالك البضائع ووسائل النقل
عن فعل مستخدميهم ،فالمسؤولية التي يتحملها مالك البضاعة أو وسيلة النقل يمكن
إثارتها دون حاجة إلى إثبات أن المستخدم قد تصرف أثناء تأديته لوظيفته أو بمناسبة
ذلك ،وبالمقابل فإن هذه المسؤولية ال يمكن أن تقع إال على المتبوع الذي هو في نفس
الوقت مالك البضاعة أو وسيلة النقل ،فإذا اختفى هذا الشرط ال يمكن إجراء أية
متابعة.52
24
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
ونضيف أن مسؤولية الكفيل ال يمكن إثارتها إال في الحاالت التي تنتج فيها
المخالفة الرئيسية عن عدم تنفيذ التزامات المتعهد بها في األنظمة االقتصادية
الجمركية.55
وتجدر اإلشارة إلى أن بعض الفقه انتقد المسؤولية الجنائية عن فعل الغير على
اعتبار أنها تتعارض مع أكثر من مبدأ من مبادئ القانون الجنائي ،وبالرغم من هذه
االنتقادات الوجيهة النابعة من المبادئ العامة للتشريع الجنائي ،بقي أهم مبرر لهذا
التوسع هو حماية المصالح المالية لإلدارة وضمان تحصيل مستحقاتها.56
وفي األخير فإن المسؤولية الجنائية عن فعل الغير تعتبر من الخصوصيات التي
تميز المسؤولية في القانن الجمركي ،ألنها تشكل خروجا عن المبادئ العامة للقانون
الجنائي ،بإسناد الجريمة لغير فاعلها ،وهذه الخصوصيات في المسؤولية ال تقتصر
على المسؤولية الجنائية عن فعل الغير ،بل تذهب إلى المسؤولية الجنائية للشخص
المعنوي.
25
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
والسؤال الذي يطرح هنا ،ما هو األساس القانوني الذي تقوم عليه المسؤولية
الجنائية للشخص المعنوي؟
نجد أن هناك اختالف حول تأصيل أساس المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي.
في حين يذهب بعض الفقهاء الفرنسيين أن مسؤولية الشخص المعنوي في فرع
من المسؤولية عن عمل الغير ،ويؤسسها آخرون على أنها مسؤولية مادية تقوم على
تجريم شكلي ألفعال مجردة من الركن المعنوي.61
وفي رأيي أن المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي ،هي مسؤولية شخصية ،وال
يمكن اعتبارها مسؤولية عن فعل الغير ،ألن المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي تقوم
على أساس الخطأ الذي ارتكبه ممثل أو ممثلوا الشخص المعنوي ولحساب هذا األخير.
26
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
- 62ينص الفصل 127من القانون الجنائي":ال يمكن أن يحكم على األشخاص المعنوية إال بالعقوبات المالية والعقوبات
اإلضافية الواردة في األرقام 5و6و 7من الفصل 36ويجوز أيضا أن يحكم عليها بالتدابير الوقائية العينية الواردة في
الفصل.62
- 63وفيما يخص التشريع الفرنسي ،فإن أهم ما استحدثه قانون العقوبات الفرنسي الصادر سنة 1992والمعمول به منذ
أول مارس ،1994إقرار المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي ،وهكذا نصت المادة 121في فقرتها الثانية على أنه":فيما
عدا الدولة تسأل األشخاص المعنوية جنائيا عن الجرائم التي ترتكب لحسابها بواسطة أجهزتها وممثليها وفقا للقواعد
الواردة في المواد 4-121إلى 7-121وذلك في الحاالت المنصوص عليها في القانون أو الالئحة ومع ذلك فإن المحليات
وتجمعاتها ال تسأل جنائيا ،إال عن الجرائم التي ترتكب أثناء مزاولة األنشطة التي يمكن أن تكون محال للتفويض في إدارة
مرفق عام عن طريق االتفاق ،والمسؤولية الجنائية لألشخاص المعنوية ال تستبعد معاقبة األشخاص الطبيعيين الفاعلين أو
الشركاء من نفس األفعال .راجع عتيقة بوزيد ،مرجع سابق ،ص ص 126-123
- 64ينص الفصل 220من مدونة الجمارك في الفقرات 3و4و 6على أنه":التدابير االحتياطية الشخصية في ميدان الجمارك
هي:
-3سحب رخصة قبول المعترف الجمرك أو اإلذن في االستخالص الجمركي.
-4الحرمان من االستفادة من األنظمة االقتصادة الخاصة بالجمارك.
-6سحب رخصة استغالل مخازن وساحات االستخالص الجمركي."...
27
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
إضافة إلى ذلك فتقرير المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي ال يمنع من متابعة
األشخاص الذاتيين المرتكبين للجنحة أو المخالفة الجمركية ،وهذا تطبيق واضح لقاعدة
الجمع بين المسؤوليتين.65
وهكذا يمكن القول أن المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي ،تعتبر من بين أهم
الخصوصيات التي تميز المسؤولية الجنائية عن الجرائم الجمركية.
28
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
ورغم أن قواعد المسؤولية الجنائية المقررة في القانون الجنائي العام تطبق على
الجرائم الجمركية ،سواء تعلق األمر بمبدأ شخصية العقاب أو بتفريده ،وتبعا لذلك
يطبق الجزاء على من ساهم مساهمة مباشرة أو غير مباشرة في ارتكابه ،غير أن
نطاق المسؤولية الجزائية التقليدية ال يتسع الستعاب كامل الجزاءات الجمركية ،68وهو
األمر الذي دفع المشرع الجمركي إلى توسيع دائرة المسؤولية ،وذلك باستيعاب أصناف
جديدة من المسؤولية لم تكن موجودة في القانون الجنائي العام ،ومثال ذلك مسؤولية
المستفيد من الغش ،على اعتبار أن طبيعة المعامالت الجمركية ،تحتم التوسيع من
دائرة المسؤولية لكي تشمل كل من له ارتباط بجريمة جمركية.
وهو األمر الذي يدفعنا إلى التساؤل إلى أي حد توفق المشرع في المادة
الجمركية توسيع دائرة المسؤولون جنائيا عن المخالفات الجمركية؟
وفي هذا األساس سنحاول الحديث عن المسؤولون جنائيا في المطلب األول ،من
خالل التطرق إلى الفاعلون األصليون وكذا المشاركون والمستفيدون من الغش ،على
أن نخصص المطلب الثاني لكيفية نفي المسؤولية الجنائية عنهم.
- 67محمد زاليجي" ،جريمة التهريب الجمركي بين مشروعية أدلتها ومالءمة جزاءاته"ا ،مجلة المناظرة ،العدد ،4يونيو
،1999ص .142
- 68أحسن بوسقيعة ،المنازعات الجمركية ،طبعة ،2005دار هومه بوزريعة ،الجزائر ،ص .407
29
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
أما فيما يخص المشاركة في الجريمة الجمركية ،فقد خرج المشرع في مدونة
الجمارك عن النطاق التقليدي الوارد في المادة 129من القانون الجنائي ،وذلك بتوسيع
30
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
فلما كان موضوع القانون الجمركي هو وضع نظام يحدد قواعد نقل البضائع
المختلفة عبر الحدود ،فإنه من الطبيعي أن يكون المعني األول بالمتابعة هو الشخص
الذي يقوم ماديا بتنظيم هذا النقل ،74وقد عرفت فصول مدونة الجمارك المقصود
بمرتكب كل مخالفة أو جنحة جمركية وكذلك التدابير الزجرية الواجب اتخاذها في
مواجهة كل شخص يعتبر مرتبطا بمخالفة منصوص عليها في القوانين والتنظيمات.75
بالرجوع إلى المادة 222من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة نجدها
حصرت المسؤولين جنائيا ،76والمسؤولية الجنائية تقوم للفاعلين األصليين إما بحكم
قيامهم ببعض المهن ،وإما على أساس اإلهمال.
31
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
تعتمد إدارة الجمارك على تقنية التصريح بالبضائع سواء عند التصدير أو
االستيراد ،وذلك لتحديد قيمة الرسوم والمكوس ،وتعيين النظام الجمركي الذي تخضع
له البضائع ،وكذا في تطبيق األنظمة والمعامالت التي تتطلبها تدابير المراقبة
الجمركية ،وتحقق هذه التقنية إيجابيات كثيرة سواء لفائدة الخزينة ،أو لفائدة التجارة
والتجار ،أو لفائدة اإلدارة نفسها باستغالل الوقت والجهد.77
ويشكل إغفال التصريح جريمة جمركية تترتب عنها مساءلة المصرح وهذا ما
أكدته الفقرة األولى من المادة 222من مدونة الجمارك "المسؤولون جنائيا هم:
فالمشرع الجمركي هنا ال يميز من حيث المسؤولية بين عدم إجراء التصريح
كلية أو تقديم تصريح غير صحيح أو مطابق للبضائع المقدمة ،وهنا يثار التساؤل حول
من هم األشخاص المؤهلين لتقديم التصريح عن البضائع؟
وقد أجاب المشرع في مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة في المادة 67
عن األشخاص المؤهلين لتقديم التصريح ،وهم حسب نفس الفصل ،مالكوا البضائع
المقبولون ،واألشخاص الحاصلين على إذن خاص الستخالص 78
والمعشرون
البضائع.79
32
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
غير الصحيحة في تصريحاتهم ،فالمشرع هنا كان بإمكانه االقتصار على اإلغفاالت
والبيانات غير الصحيحة الواردة في التصريحات ،إال أنه ورغبة منهم في اإلحاطة
بجميع الجرائم التي يمكن أن تظهر أثناء التصريح بالبضائع ،لم يقم بحصرها وترك
الباب مفتوحا.
وتجدر اإلشارة إلى أن إدارة الجمارك ليست ملزمة بالقيام بمراقبة التصريح
ومطابقته مع الواقع ،وقت تقديمه حتى ولو طلب المتعامل معها ذلك ،بل يمكنها القيام
بالمراقبة في وقت الحق على المعاملة الجمركية سواء بالتصدير أو االستيراد.
وهكذا فإن تفتيش ومراقبة مدى مطابقة التصريح مع الواقع ال يعفي المصرح
من المسؤولية في اكتشاف مخالفات في وقت الحق.82
- 80بهيجة فردوس ،مسؤولية المعشر في القانون المغربي والمقارن ،أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص في
الحقوق ،جامعة الحسن الثاني ،كلية الحقوق ،الدار البيضاء ،السنة الجامعية ،2003/2002ص .241
- 81إشراق اإلدريسي ،التهريب الجمركي ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ،جامعة عبد المالك السعدي ،كلية
الحقوق بطنجة ،السنة الجامعية ،2008-2007ص86
- 82محمد الشلي/الحبيب الدقاق ،مرجع سابق ،ص .319
33
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
ثانيا :المؤتمنون
من تجليات توسيع نطاق المسؤولية في المادة الجمركية ،متابعة من أطلق عليهم
المشرع في الفصل 222من مدونة الجمارك بالمؤتمنين عن عمل مستخدميهم ،فيما
يتعلق بالعمليات الجمركية المنجزة بتعليمات منهم.
وفي هذه الحالة إذا أثبت بأن المالك أعطى تعليماته إلى أحد األشخاص للتصريح
والقيام باإلجراءات الجمركية بناء على هذه التعليمات ،وكانت تستضمن خرقا وخروجا
عن األنظمة الجمركية ،فإنه يعتبر مسؤوال مسؤولية جنائية في مواجهة مستخدمة.84
وقد يكون المعشر مؤتمنا ألنه يقوم اليوم بكافة األعمال والتصريحات القانونية
والمادية ،وتقوم في حقه مسؤولية مزدوجة ،األولى تجاه إدارة الجمارك التي تحاسبه،
على كافة ما يقوم به من عمليات جمركية لفائدة الغير ،ولو كان يطبق معلومات تملى
عليه ،حتى ال يدفع مسؤولية بكون ال يعتبر إال مستخدما منفذا ألوامر مؤتمنيه اتجاه من
عهدوا له بهذه العمليات في كل حالة ثبت تقصيره بشأنها.85
وما يمكن الخالصة إليه هنا ،أن المسؤولية الجنائية للمؤتمن عن عمل مستخدمه
يشكل خروجا عن المبدأ العام في القانون الجنائي ،وهو شخصية المسؤولية ،في اتجاه
بروز المسؤولية الجنائية عن فعل الغير ،والتي لم يكن لها دور أساسي سوى في
القانون المدني في إطار ما يعرف بالمسؤولية المدنية عن فعل الغير.
- 83المؤتمن :هو الشخص الذي يكلفه غيره بالسهر على مصالحه وقد يكون مالك البضاعة أو مستوردها ،وقد يكون هو
المصرح باعتبار أن هذه العملية تتم باسم المعشر وتوقع باسم أحد مستخدميه ،العامل بمقتضى وكالة.
- 84محمد الشلي /الحبيب الدقاق ،مرجع سابق ،ص.323:
- 85بهيجة فردوس ،مرجع سابق ،ص.242:
34
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
ثالثا :المتعهدون
يقصد بالمتعهد لدى إدارة الجمرك "الشخص الذي يحرر التعهد باسمه ويهدف
هذا التعهد إلى ضمان الوفاء بااللتزامات التي تقع على عاتق مستفيد من نظام من النظم
االقتصادية الجمركية.86
ويعتبر هذا التعهد بمثابة عقد عمومي ،لذلك فأساس المسؤولية هنا هو اإلخالل
بالتزام عقدي ،ويبقى للمتعهدين حق الرجوع على األشخاص الذين صدر التعهد
لصالحهم في إطار القواعد العامة للقانون المدني.89
35
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
فبالرجوع إلى القانون الجنائي نجد أن العقاب على محاولة ارتكاب جريمة،
يختلف حسب نوع هذه األخيرة ،وذلك كما هو وارد في الفصول ،91115 ،90114
،92116فمحاولة الجناية يعاقب عليها دائما كالجريمة التامة ،أما محاولة الجنحة فال
عقاب عليها إال بنص خاص ،في حين أن محاولة المخالفة ال عقاب عليها.
في حين نجد من خالل استقراء الفصل ،93206من مدونة الجمارك أن المشرع
الجمركي قد عاقب على محاولة المخالفة الجمركية كالمخالفة التامة ،فهنا محاولة
المخالفة معاقب عليها ،مما يظهر خروج عن المبادئ العامة المعمول بها في إطار
القانون الجنائي فيما يخص المحاولة ،ورغم هذا االختالف ،فالمشرع الجمركي ،لم
يح دد عناصر المحاولة في المخالفة الجمركية في الفصل 206من القانون الجمركي،
لذا يجب الرجوع إلى القانون الجنائي العام الذي حدد هذه العناصر في الفصل 114من
القانون الجنائي.94
وإذا كان هذا ما يخص الفاعلون األصليون في الجريمة الجمركية ،فكيف تعامل
المشرع الجمركي مع المشاركون والمستفيدون من الغش في الجريمة الجمركية؟
- 90ينص الفصل 114من القانون الجنائي "كل محاولة ارتكاب جناية بدت في الشروع في تنفيذها أو بأعمال ال لبس فيها
تهدف مباشرة إلى ارتكابها إذا لم يوقف عن تنفيذها أو لم يحصل األثر المتوخى منها إال لظروف خارجة عن إرادة مرتكبيها
تعتبر كالجناية التامة ويعاقب عليها بهذه الصفة.
- 91الفصل 115من القانون الجنائي
ال يعاقب على محاولة الجنحة إال بمقتضى نص خاص في القانون.
- 92الفصل 116من القانون الجنائي
محاولة المخالفة ال يعاقب عليها مطلقا.
- 93ينص الفصل 206من مدونة الجمارك "كل محاولة لخرق القوانين واألنظمة الجمركية ،تعتبر بمثابة الخرق لهذه
القوانين واألنظمة الجمركية ،ويعاقب عنها بهذه الصفة ولو كانت األفعال التي تتصف بها بداية التنفيذ قد ارتكبت خارج
التراب الخاضع.
- 94نور الدين الشروقاوي الغزواني" ،الطبيعة الجنائية لمدونة الجمارك" ،مجلة الملف ،العدد 6ماي ،2005ص.172:
36
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
وينص الفصل 221من مدونة الجمارك على "أن الشركاء والمتواطئين في
ارتكاب جنحة أو مخالفة جمركية تطبق عليهم ،وفق شروط الحق العام نفس العقوبات
المطبقة على المرتكبين الرئيسيين للجنحة أو المخالفة الجمركية ،ويمكن أن تطبق
التدابير االحتياطية المنصوص على .220
كما تطبق هذه العقوبات والتدابير االحتياطية على األشخاص الذاتيين أو
المعنويين الذين لهم مصلحة في الغش.
وفي غير الحاالت المنصوص عليها في القانون الجنائي يعتبر المتواطئون في
ارتكاب الجنحة أو المخالفة الجمركية األشخاص الذين قاموا على علم بما يلي:
95
-BERR .J Claude et Henri TREMEAU, le droit douanier communautaire et national,
4éme édition, économica , 1997 Paris. P : 56.
- 96عرف القانون الجنائي المشاركة في الفصل 129الذي ينص "يعتبر مشاركا في الجناية أو الجنحة من لم يساهم
مباشرة في تنفيذها ولكن أتى أحد األفعال اآلتية.
-1أمر بارتكاب الفعل وحرض على ارتكابه ،وذلك بهبة أو عمد أو تهديد أو إساءة استغالل سلطة ،أو والية أو تحايل أو
تدليس إجرامي.
-2قدم أسلحة أو أدوات أو آلية وسيلة أخرى استعملت في ارتكاب الفعل مع علمه أنها تستعمل لذلك.
-3ساعدا أو أعان الفاعل أو الفاعلين للجريمة في األعمال التحضيرية أو األعمال المسهلة لالرتكاب ومع علمه بذلك.
-4تعود على تقديم مسكن أو محل أو مكان لالجتماع لواحد أو أكثر من األشرار الذين يمارسون اللصوصية أو العنف ضد
أمن الدولة أو األمن العام أو ضد األشخاص أو األموال مع علمه بسلوكهم اإلجرامي.
- 97أحسن بوسفيعة ،مرجع سابق ،ص.411:
37
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
-1حرضوا مباشرة على ارتكاب الغش أو سهلوا ارتكابه بأية وسيلة من
الوسائل.
يتبين من خالل استقراء هذا الفصل ،أن المشرع الجمركي أعطى مفهوما جديدا
للمشاركة ،وذلك بالتوسيع من نطاقها لتشمل حاالت أخرى ،إضافة إلى الحاالت الواردة
ف الفصل 129من القانون الجنائي.
باإلضافة إلى ذلك ،يعتمد المشرع على تقنية تشريعية مختلفة عن تلك المعتمدة
في التقنين الجنائي في صياغة وتحديد مفهوم المشاركة في المادة الجمركية ،فإذا كان
القانون الجنائي ينص على قاعدة عامة ومجردة تحد مسؤولية المشاركة انطالقا من
توافر شروط معينة ،فإن مدونة الجمارك تتضمن تحديد لحاالت المشاركة على سبيل
الحصر ،98وسنقوم بالتفصيل في هذه الحاالت.
لكن التنصيص صراحة على التحريض المباشر يوحي بأنه يختلف عن
التحريض الذي يشكل صورة من صور المشاركة المنصوص عليها في المبادئ
العامة ،ذلك أن القانون الجنائي يشترط أن تم التحريض بوسائل حددها على سبيل
38
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
الحصر ال يجوز الخروج عنها ،أما هنا فتم التنصيص على التحريض المباشر ،وبذلك
يكون المشرع قد وسع من مفهوم التحريض.99
وبالنسبة لتسهيل ،فإن مسألة تسهيل ارتكاب الغش بأية وسيلة من الوسائل ،هي
عبارة عامة ،تجعلها تستغرق ليس فقط األشخاص الذين ساهمو ماديا في عملية الغش،
بل حتى أولئك الذين ظلوا بمنأى عن هذه الصفة ،ويرجع ذلك إلى رغبة المشرع في
عدم إفالت كل من له ارتباط بالجريمة الجمركية من العقاب ،على اعتبار أن بعض
الجرائم الجمركية قد تكون مقبولة اجتماعيا.
ومثال ذلك جريمة التهريب ،فوصول البضائع المهربة إلى الناس يجعلها
مقبولة ،وذلك عكس الجرائم األخرى ،الشيء الذي دفع المشرع خلق القطيعة مع
الجريمة الجمركية ومحاربة كافة أشكالها عن طريق توسيع دائرة المشمولين بأحكام
المشاركة ،وذلك لحماية االقتصاد الوطني من البضائع التي يرتكب الغش بشأنها
وتصل إلى بر األمان.
-2شراء أو حيازة بضائع ارتكب الغش بشأنها ولو خارج الدائرة الجمركية
تعتبر هذه الحالة ،من بين الحاالت التي نص المشرع الجمركي عليها ضمن
الحاالت الخاصة بالمشاركة ،واألصل أن المشاركة في القانون الجنائي ال تتناول إال
األفعال السابقة أو المرافقة الرتكاب الجريمة ،لذلك فهذه الحالة غير مألوفة في النظام
العام للمشاركة فمجرد شراء بضائع مهربة أو حيازتها ،يؤدي الى قيام جريمة
المشاركة في المخالفة الجمركية.
39
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
وإذا كان الفصل 221يشترط صراحة لقيام المشاركة العلم بواقعة الغش في
من مدونة الجمارك ال يفترض المسؤولية 102
البضاعة ،في حين أن الفصل 223
الجنائية الحائز ،ففي هذه الحالة األخيرة ال يتعين إثبات سوء النية ،على اعتبار أن
مسؤوليته مفترضة ،ويبدو أن الحيازة المعاقبة هنا تقتصر على الحالة التي يكون فيها
واضع اليد على البضاعة هو غير مرتكبا الغش.103
وتجدر اإلشارة إلى أن هذه الحالة ،تجد مكان لها ضمن مجموعة القانون
الجنائي ليس باعتبارها حالة من حاالت المشاركة المشار إليها في الفصل 129من
القانون الجنائي ،ولكن باعتبارها جريمة قائمة بذاتها في الفصل 571من القانون نفسه.
- 100ينص الفصل 399من قانون الجمارك الفرنسي على مايلي :
-1ان كل من ساهم في الجريمة باعتباره مستفيدا بأي شكل من األشكال في جنحة التهريب أو جنحة التصدير و االستيراد
بدون تصريح تطبق عليهم نفس العقوبات المطبقة على الفاعل االصلي باالضافة الى الجزاءات السالبة للحرية المنصوص
عليها في المادة .432
2تفترض في األصناف التالية أن لهم مصلحة في الغش :
أ -مسير مقاولة ا لغش،أعضاء مقاولة الغش،مؤمنو مقاولة الغش،الممول،مالكو البضائع ،وبصفة عامة كل من لهم
مصلحة مباشرة في الغش
ب -كل من ساعد بأية وسيلة في مجموعة من األفعال تم القيام بها من طرف مجموعة من األشخاص يتصرفون على
شكل عصابة انطالقا من مخطط للجريمة محدد من أ جل ضمان تحقيق النتيجة المتفق عليها .
ج -الذين قاموا عن قصد إما بالتستر عن تصرفات مرتكبي الغش أو حاولوا جعلهم في مأمن من العقاب وإما اشتروا
أوحازو ولو خارج الدائرة الجمركية بضائع متحصلة من جنحة التهريب أو االستيراد بدون تصريح
– 3يمكن المتابعة عن طريق المصلحة في الغش كل من تصرف في اطار جالة الضرورة والغلط المبرر " .أورده .محمد
الشلي/الحبيب الدقاق ،مرجع سابق ،ص.336
- 101نور الدين الغزواني الشرقاوي ،مدونة الجمارك وفق أخر التعديالت ،الطبيعة الجنائية والجبائية لمدونة الجمارك ،طبعة
،2003مكتبة دار السالم الرباط ،ص .36
- 102تنص الفقرة األولى من الفصل 223على ما يلي"يفترض في األشخاص األتي ذكرهم أنهم مسؤولون جنائيا:
األشخاص الموجودة في حوزتهم البضائع المرتكب الغش بشأنها"....
- 103محمد حدوتي ،م.س ،ص .341
40
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
هذه الحالة من المشاركة خاصة بالمادة الجمركية ،ألنها تقرر مسؤولية هذه
الطائفة نظرا الرتكابها أفعال بعد تمام الجريمة واستنفاذها لكافة أركانها.104
كما أن التستر على تصرفات مرتكب الغش مساءلة تتعلق بضرورة توافر سوء
النية ،ويمكن إثبات سوء النية من خالل إثبات العلم ،ألن المشرع المغربي يتطلب
عنصر العلم في جميع حاالت المشاركة وهو أمر مختلف كما سار عليه نظيره
الفرنسي الذي قصر هذا العنصر على حالة الشراء أو الحيازة.106
وارتباط بما سبق ،فمن حيث األساس القانوني لتجريم مسؤولية المشاركة نجد
اختالف فقهي ،110لكن في إطار القواعد العامة المنصوص عليها في الفصول 129و
41
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
130و 132من القانون الجنائي ،فإن المشاركة من حيث قيام المسؤولية فيها تبقى
مرتبطة بالجريمة األصلية ،فال يسأل المشاركا إال بوجود جريمة معاقب عليها ،وكذا
عنصر العلم.
لكن التشدد في ضرورة توافر هذه الشروط لقيام المشاركة بالمفهوم الضيق ،قد
يجع ل بعض األشخاص في مأمن من العقاب ،لذلك تدخل المشرع المغربي في تعديل
،1112000ونص على مسؤولية المستفيد من الغش في الفصل 221من مدونة
الجمارك ،نقالعن المشرع الفرنسي في المادة 399من قانون الجمارك الفرنسي ،وإن
كان المشرع الفرنسي قد توسع في تحديد المستفيدين من الغش.
- 111تم تعديل مدونة الجمارك سنة 2000بظهير الشريف رقم 1.00.222الصادر في ربيع األول 5( 1421يونيو
(2000بتنفيد القانون رقم 02.99المغيرة والمتممة بموجبه مدونة الجمارك و الضرائب غير المباشرة.
- 112يطلق الغش في القانون الجمركي ،على المخالفات للقوانين واألنظمة المكلفة إدارة الجمارك بالسهر على احترامها.
- 113أحسن بوسقيعة ،مرجع سابق ،ص .413
42
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
وباستقراء الفقرة أعاله يتبين لنا أن المشرع الجمركي ،حصر دائرة المستفيدين
من الغش ،في صنفين ،الصنف األول يخص من قاموا بتمويل عملية الغش ،والصنف
الثاني مالكو البضائع المرتكب الغش بشأنها ،وسنقوم بالحديث عن كل صنف على
حدى:
أ -أن يقوموا بتمويل عملية الغش ،حيت يعتبر هذا التمويل قرينة على أن هؤالء
األشخاص قد اتجهت إرادتهم نحو حصول النتيجة اإلجرامية من الغش.114
ب -أن يتم التمويل بقصد ،فالمشرع يشترط ضرورة توفر العلم لدى الممول
بنصه في الفقرة األخيرة من الفصل ..." 221الذين قاموا على علم بتمويل عمل
الغش ،"..فشرط العلم هنا ضروري ،وبالتالي يمكن درء المسؤولية بإثبات عدم العلم
بأن التمويل سيستعمل في عملية غش ،ألن جريمة التمويل عمدية.
يعتبر ذلك مالكو البضائع حسب مدونة الجمارك من المستفيدين من الغش ،وما
يالحظ أن المشرع الجمركي في هذه الحالة يشترط العلم ،بل افترض في مالكي
البضائع المرتكب الغش بشأنها ،بكونهم على علم بعدم شرعية هذه البضائع.
وبالتالي فالقاضي الزجري ليس ملزم بإثبات علم مالكي البضاعة ،على اعتبار
أن هذا الخير العلم فيه مفترض بنص القانون وتقوم مسؤوليته على هذا األساس.
43
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
إال أننا في القانون الجمركي نجد أن المشرع في المادة الجمركية رغم تشبته
بالموانع العامة الوارد في القانون الجنائي ،فقد حدد بعض الموانع والتي تعتبر من بين
الخصوصيات التي يتميز بها القانون الجمركي.
وتبرز أهم موانع المسؤولية الجنائية في المادة الجمركية ،في القوة القاهرة،
وكذلك في مسؤولية المستخدم.
44
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
حالة القوة القاهرة ،إال عبر وقائع ال يمكن توقعها وال دفعها بالقدر الذي يكون فيه
المسؤول جنائيا في وضعية استحال عليه معها تجنب الجريمة الحاصلة.116
وتعد المادة الجمركية مجاال خصبا لتطبيق قاعدة أو مبدأ القوة القاهرة ،نظر ألن
عملية االستخالص الجمركي تتعلق بالبضائع ،كما ترتبط بميدان النقل وما يعرفه من
مخاطر يستحيل دفعها.117
وهكذا يتعين على الشخص المتابع من أجل جريمة جمركية لنفي المسؤولية،
إثبات أمر غير متوقع وغير ممكن الدفع ،غير ناتج عن خطأه ،بمعنى أن يكون األمر
خارجيا ،وهو ال يتحقق بمجرد حسن النية.
45
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
ألن حسن النية ،إذا كان يجيز منح الشخص المتابع ظروف التخفيف طبقا
للفصل 120257مكرر من مدونة الجمارك ،فهو ال ينفي المسؤولية وبالتالي فثبوت عدم
العلم وانعدام القصد الجرمي ،ال يكفيان لدحض قرينة المسؤولية الجنائية ،وبذلك يكون
القانون الجمركي قد أخد منحى شد متشدد يجعل قرينة المسؤولية شبه مطلقة.121
ما 122
وجاء في حكم للمحكمة االبتدائية بالناظور مؤرخ في 2006/1/5
يلي"حيث انه بمقتضى الفصلين 223و 224من مدونة الجمارك ،فإنه يفترض في
الشخص الموجودة في حوزته البضاعة المرتكب الغش بشأنها انه مسؤول جنائيا وال
يدحض هذه القرنية إال باإلثبات الدقيق لحالة قوة القاهرة.
وحيث حالة القوة القاهرة تتحقق إذا كان الحائز يحوز البضاعة بمقتضى سند
يعتقد بكيفية مشروعة أنه مطابق ،وقام بما يفرضه عليه القانون من إلتزامات.
وحيث أن الظنيين ينكر في جميع المراحل علمه بإتالف اإلطار الحديد للسيارة
لذل فإن ما عاينه أعوان الجمارك من أخير هذا الرقم يشكل بالنسبة له حالة قوة قاهرة
غير متوقعة ،لذلك وجب الحكم ببراءته من الجنحة الجمركية المنسوب إليه.
وبعد الطعن في هذا الحكم ألغت محكمة االستئناف بالناظور بمقتضى قرارها
المؤرخ في ،1232006/16على اعتبار "أن الظنين يفترض في حسب مقتضيات
الفصل 223من مدونة الجمارك على أنه مسؤول جنائيا عند حيازته للسيارة المزورة
- 120ينص الفصل 257مكرر من مدونة الجمارك على أنه "إذا تبين للمحكمة وجود عناصر تثبت حسن نية مرتكب
المخالفات للقوانين واألنظمة الجمركية أمكنها منح ظروف التخفيف"...
- 121محمد حدوتي ،مرجع سابق ،ص .345
- 122حكم عدد 46بتاريخ 2006/1/05في الملف الجنحي عدد 06/2غير منشور أورده محمد حدوتي ،مرجع سابق ،ص
.345
- 123قرار عدد 1474بتاريخ 2006/11/26في الملف الجنحي عدد 06/51غير منشور ذكره محمد حدوتي ،المرجع نفسه
،ص346:
46
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
والمرتكب الغش بشأنها وأن ادعاء المحكمة االبتدائية بأن اكتشاف التزوير في السيارة
يشكل قوة قاهرة هو ادعاء غير سليم باعتبار أن الملف ال يتوفر على أية قوة قاهرة
إلبعاد المسؤولية الجنائية عن المتهم بشأن حيازة للسيارة المزورة."..
وما يمكن مالحظته من خالل الحكمين أعاله ،أن هناك اختالف خالل تحديد
عناصر القوة القاهرة .فالمشرع أعطى لنا مفهوم مبهم عن القوة القاهرة ،مما جعل
هناك تضاربا في االجتهاد القضائي حول تحديد عناصر المكونة للقوة القاهرة ،لذلك
أرى أنه يجب على المشرع تدارك هذا النقص ،بتحديد حاالت القوة القاهرة.
وقد أفراد المشرع المغربي الفصول 212و 293و 229من مدونة الجمارك
لتنظيم المسؤولية الشخصية للمستخدم وكيفية نفيها عن المشغل حيث ينص الفصل
212على ما يلي "يحكم وجوبا بمصادرة وسائل النقل التي استخدمت في ارتكاب
جنحة أو مخالفة جمركية إذا كان يملكها من شاركوا في الغش أو محاولة الغش أو كان
مرتكب الغش هو المكلف بسياقتهم ما عدا إذا كان بإمكان مالك وسيلة النقل أن يثبت
بأن المكلف بالسياقة الذي قام بهذا العمل بدون إذن ،قد انصرف خارج إطار الوظائف
الموكولة إليه".
47
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
-الناقلون الذين يبرهنون على أنهم أود بصفة قانونية واجباتهم المهنية بإثباتهم
أن البضائع المرتكب الغش بشأنها أخفاها الغير في أماكن ال تجري عليها عادة
مراقبتهم ،أو أنها أرسلت بحكم إرسالية يظهر أنها مشروعة وقانونية ،وعندما يمكنون
اإلدارة من متابعة مرتكب الغش الرئيسي ،وعلى الخصوص عن طريقة الكشف عن
هوية المرسل أو المرسل إليه البضائع التي قاموا بنقلها."...
وما يتبين من خالل هذا الفصل ،أنه رغم المسؤولية المفترضة في الناقل ،فإن
هذه المسؤولية يمكن أن تنفي ،بإثبات قيام إحدى الحاالت الواردة في هذا الفصل.
وتطبيقا لذلك ال ترتكب شركة النقل البحري أية مخالفة إذا تسلمت بمقتضى
اتفاقية مع إدارة البريد أشياء مغلقة أو عمدت إلى نقلها دون معرفة محتواها ،وكانت
متضمنة ألشياء محظورة على اعتبار ،أن هذه االتفاقيات ،تجعل من المستحيل على
شركة النقل فتحها والتأكد من مضمناتها.124
ورغم ذلك فأن مسؤولية المشغل تنتفي بإثباته أن المستخدم قام بالمخالفة
الجمركية خارج إطار المهام المنوطة به.
48
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
وهذا ما أكد المجلس األعلى في أحد قراراته ،126بالقول " إذا كان الفصل 229
من مدونة الجمارك يعتبر المشغل وكذا مالك النافلة مسؤوال مدنيا عن فعل مستخدميه
فيما يخص الرسوم والمكوس والمصادرات والغرامات والمصاريف ،فإن ذلك مشروط
بارتكا ب المستخدم للمخالفة الجمركية في نطاق المهام واألعمال التي كلف بها ،وتبعا
فإن المحكمة المطعون في قرارها لما أخرجت المطلوب ضده في النقض من الدعوى
بعلة أن مسؤولية المخدومين و من يكلفون غيرهم برعاية مصالحهم ال تقوم إال في
نطاق الفصل 85من ق.ل.ع ،وذلك متى كان عمل مستخدميهم الغير المشروع قد
صدر عنهم في حالة تأدية المهام التي كلفهم بها مشغلوهم ،ولما كان السائق في النازلة
قد عاد من العمل المكلف به من طرف مشغله وارتكب أفعاال ال عالقة لها بمالك الناقلة
بإقراره فإنه أصبح مسؤوال عن تبعات أفعاله وال يمكن تحميل وزرها لمالك الناقلة
تكون قد طبقت مقتضيات الفصل 229المشار إليه تطبيقا سليما"
- 126قرار عدد 8/2717بتاريخ ،2000/10/19ملف جنحي عدد ،29/20978مجلة قضاء المجلس األعلى ،العدد 60 ،59
ص ص.386-385:
49
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
ويعتبر اإلثبات في المادة الجنائية من أهم األعمدة التي يقوم عليها صرح العدالة
الجنائية برم ته ،إذ بواسطته تتحصل القناعة لدى المحكمة من خالل األدلة التي توفرت
في الدعوى على حصول واقعة مجرمة ومن نسبتها للمتابع أمامها من عدمه ،127لذلك
اهتم المشرع المغربي بتنظيم القواعد القانونية لإلثبات الجنائي حتى يسهل عمل
القاضي يقربه من الوصول إلى حقائق الوقائع المعروضة عليه.128
ويقصد بمبدأ حرية اإلثبات أن الجريمة تثبت بكل الوسائل الممكنة كما نصت
على ذلك المادة 129 286من المسطرة الجنائية ،وهذه الحرية مخولة لجميع أطراف
الدعوى الجنائية ،ولهذا فإن هذا المبدأ هو من أهم الخصائص المميزة لنظام اإلثبات
- 127عبد الواحد العلمي ،شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية ،الجزء الثاني ،الطبعة األولى ،2009
ص.380
- 128لطيفة الداودي ،دراسة في قانون المسطرة الجنائية الجديد ،الطبعة األولى ،2005 ،المطبعة الوطنية الحي المحمدي،
الدوديات ،مراكش ،ص .359
- 129تنص المادة 286من قانون المسطرة الجنائية "يمكن إثبات الجرائم بأية وسيلة من وسائل اإلثبات ما عدا في األحول
التي يقضي فيها القانون خالف ذلك"...
50
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
الجنائي ،وذلك خالف لما هو عليه األمر في المادة المدنية ،حيث اإلثبات مفيد لكونه
يتعلق بتصرفات قانونية.130
أما مبدأ االقتناع الصميم لدى القاضي ،فبمقتضاه يحرر القاضي الجنائي من
التقيد سلفا بوسيلة محددة في إثبات الوقائع المعروضة أمامه كما يترك له الحرية كاملة
في تقدير قيمة الدليل بحيث ال رقيب عليه في تكوين اقتناعه.131
وبخصوص مبدأ قرينة البراءة فهو مبدأ في غاية األهمية في المادة الجنائية ألنه
يشكل ضمانة أساسية لحقوق األفراد ،وقد نصت على هذا المبدأ المادة األولى من
المسطرة الجنائية.132
وإذا كان المشرع قد اهتم باإلثبات في الميدان الجنائي ،فان األمر ال يختلف
بالنسبة لإلثبات في الميدان الجمركي ،فقد منحه عناية خاصة ،بشكل يخول إلدارة
الجمارك ممارسة المهام الموكولة إليها ،وذلك بالوقوف على المخالفات الجمركية.
ويعتبر مجال اإلثبات المجال الذي تظهر فيه الخصوصية اإلجرائية للجريمة
الجمركية بصفة أساسية ،وقد وضعت مدونة الجمارك قواعد خاصة لإلثبات منظمة في
الفصول 233إلى ،247فضال عن األحكام الخاصة بتفتيش األماكن والمحالت
المهنية ،ووسائل النقل وتفتيش األشخاص ،والكشف الطبي عليهم.
وبالنظر إلى طبيعة الجرائم الجمركية ،فإنه يتم االعتماد بصفة أساسية على
المحاضر في اإلثبات ،التي تتجلى فيها خصوصيات اإلثبات ،باإلضافة إلى القرائن.
- 130الحبيب بيهي ،شرح قانون المسطرة الجنائية الجديد ،الجزء األول ،منشورات المجلة المغربية لإلدارة المحلية
والتنمية ،الطبعة األولى ،مطبعة المعارف الجديدة ،الرباط ،2004 ،ص .283
- 131عبد الواحد العلمي ،الجزء الثاني ،مرجع سابق ،ص .388
- 132تنص المادة األولى من ق م ج "كل متهم أو مشتبه فيه بارتكاب جريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانونا بمقرر
مكتسب لقوة الشيء المقضي به."...
51
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
وسنحاول من خالل هذا الفصل اإلجابة على هذه اإلشكاالت من خالل مبحثين:
52
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
وقد أخذ المشرع الجمركي من القانون الجنائي العام ،مبدأ حرية اإلثبات ،أي أن
اإلثبات في المادة الجمركية يتم بجميع الوسائل القانونية ،133إال أنه –اإلثبات الجمركي-
يعتمد على المحاضر بصفة أساسية في إثبات المخالفة الجمركية.
ف اإلثبات في المادة الجمركية يتميز بعدة خصوصيات ،وذلك راجع باألساس إلى
الطابع الخاص الذي يميز الجرائم الجمركية.
ولكن قبل التعرف على هذه الخصوصيات ،البد من الحديث عن األحكام العامة
لإلثبات الجمركي.
فاألحكام العامة لإلثبات تشكل االنطالقة الرئيسية التي إذا لم تستقيم ال يكون
هناك اتهام على أساس قانوني ،وبالتالي فالبد قبل البدء في إعداد وسائل اإلثبات ،ونحن
هنا في المادة الجمركية سنقتصر على المحاضر التي تشكل أهم وسيلة إثبات ،البد من
التعرف على طرق اإلثبات من خالل الحديث عن نطاق هذا اإلثبات واألشخاص
المكلفون باإلثبات.
وعلى هذا األساس سنحاول في هذا المبحث التعرف على األحكام العامة
لإلثبات من خالل الحديث عن ماهية اإلثبات الجمركي (المطلب األول) ،ثم بعد ذلك
التطرق إلى طرق إثبات الجريمة الجمركية (المطلب الثاني).
- 133ينص الفصل 247من مدونة الجمارك "بغض النظر عن إثبات األفعال التي تشكل خرقا للقوانين واألنظمة الجمركية
يمكن إثبات هذه األفعال بجميع الطرق القانون األخرى حتى ولو لم تبد أية مالحظة بخصوص البضائع المصرح بها".
53
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
إذا كانت الجرائم في الميدان الجمركي تتميز بالدقة والبساطة ،وعدم التعرض
الكبير للكشف عنها ،فإن المشرع الجمركي ،ورغبة منه في التقليل إلى حد كبير من
الجرائم الجمركية ،وضع مجموعة من النصوص القانونية تخص إثبات الجرائم
الجمركية ،هذه النصوص الخاصة باإلثبات ،وإذا كانت في ظاهرها تأخذ عن القانون
العام الخاص باإلثبات ،فإنها في باطنها تتميز بعدة خصوصيات ،تجعل منها استثناء
على القواعد العامة لإلثبات.
ومن هنا تصبح ماهية اإلثبات في الميدان الجمركي أمرا ضروريا البد من
التطرق إليه ،وذلك لتحديد هذا اإلثبات الجمركي ،وتعرف على مميزاته ،إذا ما قارنها
مع القانون الجنائي العام.
54
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
ويعرف أيضا بأنه كل ما يؤدي إلى إظهار الحقيقة وألجل الحكم على المتهم في
المسائل الجنائية يجب ثبوت وقوع الجريمة ذاتها ،وأن المتهم هو المرتكب لها.134
وقد درج الفقه على استخدام كلمة اإلثبات للتعبير بها عن الدليل وكلمة الدليل
للتعبير بها عن اإلثبات ،بحيث يبدو وكأنهما كلمتان مترادفتان.135
أ -مذهب اإلثبات القانوني أو المقيد ،وفيه يرصد القانون أدلة معينة ال يجوز
اإلثبات إال عن طريقها.
ب -مذهب اإلثبات المكلف أو المعنوي ،وفيه ال يقيد المشرع القاضي بأدلة
معينة ،وإنما يكون له أن يستقي اقتناعه من أي دليل شاء.
ج -مذهب اإلثبات المختلط ونجد فيه المشرع يجمع بين المذهبين السابقين في
اإلثبات ،تارة يقتضي دليال قانونيا ال يثبت الحق إال به ،وأخرى يترك اإلثبات حرا من
كل قيد.
وقد أخذ المشرع المغربي بالنظام المختلط على غرار المشرع الفرنسي.137.
- 134مروك نصر الدين ،محاضرات في اإلثبات الجنائي ،الجزء األول ،النظرية العامة لإلثبات الجنائي ،طبعة ،2003دار
هومه 34حي االبرويار بوزريعة ،الجزائر ،ص .167
- 135محمد أحمد محمود ،الوسيط في اإلثبات في المواد الجنائية ،المكتب الفني لإلصدارات القانونية ،بدون طبعة ،ص .8
- 136عبد الحميد الشورابي ،اإلثبات الجنائي في ضوء القضاء والفقه النظرية والتطبيق ،الناشر منشأة المعارف
باإلسكندرية ،طبعة ،1987ص .10
- 137أسماء حساني ،مرجع سابق ،ص .13
- 138عبد الحميد الشورابي ،مرجع سابق ،ص .10
- 139محمد أحمد محمود ،مرجع سابق ،ص .9
55
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
ولإلثبات في الميدان الجمركي أهمية ال تقل عن تلك التي يحظى بها في المادة
الجنائية بصفة عامة ،فقد اعتنى به المشرع الجمركي عناية خاصة بشكل يوفر لإلدارة
الجمركية تحقيق هدفها بالشكل المطلوب وذلك بالوقوف على المخالفة الجمركية.
وتعتبر المخالفة الجمركية حجر الزاوية الذي يدور حوله موضوع اإلثبات في
الميدان الجمركي ،فقد عرفها المشرع المغربي في الفصل 204من مدونة الجمارك
بأنها":عمل أو امتناع عن عمل مخالف للقوانين واألنظمة الجمركية ومعاقب عليها
بمقتضى هذه النصوص".140
ونشير إلى أن المشرع الجمركي لم يقيد اإلثبات بوسائل معينة بل صرح في
الفصل 247من مدونة الجمارك بأنه يتم إثبات األفعال المخالفة للقوانين واألنظمة
الجمركية بكل الطرق القانونية.ورغم ذلك فقد أعطى للمحاضر الجمركية أهمية أكبر
ضمن وسائل االثبات.
56
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
وعالوة على ذلك يجوز ألعوان الجمارك القيام بزيارات منزلية قصد التفتيش،
وال يمكن بدء التفتيش ومعاينة المساكن قبل الساعة 6صباحا وبعد 9ليال وهذا مبدأ
عام ورد النص عليه في المادة 14262من قانون المسطرة الجنائية.
إال أنه أثناء القيام بالتفتيش قد يالقي أعوان الجمارك صعوبة مادية راجعة في
أساسها إلى مواقف األشخاص وفي بعض األحيان يواجهون خصوصيات قانونية
راجعة في معظمها إلى القانون.
فيما يخص الصعوبات المادية يمكن أن تأتي في صورة رفض فتح أبواب
المسكن من طرف المشكوك في ارتكابه الغش ففي هذه الحالة فال جرم في فتح األبواب
بالقوة بحضور ضابط الشرطة القضائية الذي يلزمه القانون بالحضور إذا ما توصل
بذلك.
أما عن الصعوبات القانونية فتتحقق حين تلبس بجريمة ويكون العامل في حالة
فرار ويواجه األعوان بإقفال أبواب المسكن حيث تجد فراغا قانونيا يتمثل في غياب
تنظيم لإلجراء قانوني يخص هاته الحالة.143
وتبرز أهمية هذا النوع من المراقبة ،أنه رغم تجاوز البضائع المهربة الحدود
الجمركية دون ضبطها فإنه يمكن ضبطها بعد ذلك.
- 142تنص المادة 62من قانون المسطرة الجنائية على أنه "ال يمكن الشروع في تفتيش المنازل أو معاينتها قبل الساعة
السادسة صباحا وبعد الساعة التاسعة ليال ،إال إذا طلب ذلك رب المنزل أو جهة استغاثة من داخله."...
- 143محمد محبوبي/روشام الطاكي ،مرجع سابق ،ص .18
57
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
ونشير أن هناك جانب من الفقه 144يشترط لصحة ضبط البضائع خارج النطاق
الجمركي أن تكون هناك مطاردة أو متابعة لهذه البضائع أوال ،وأن تكون على مرآى
العين استنادا إلى نصوص القانون التي تشترط ذلك.
تتم هذه المراقبة وتشمل كل التراب الخاضع 145على كل البضائع ووسائل النقل
التي تعبر الحدود الجمركية من أجل الكشف عن البضائع المرتكب الغش بشأنها.146
واألصل أنه متى اجتازت البضائع نطاق الرقابة الجمركية ال يكون لمصلحة
الجمارك حق التعرض لها احتراما لوضع اليد عليها ،إن تنتهي سلطات الجمارك
االستثنائية خارج حدود هذا النطاق خارج حدود هذا النطاق.
ونظرا لصعوبة وضع حد لحركة التهريب عبر المراقبة الروتينية داخل النطاق
الجمركي أيا كانت الوسائل الموضوعة رهن إشارة السلطات الجمركية ،أدت
بالتشريعات الجمركية عبر العالم بمنح أعوان الجمارك خارج المناطق الحدودية
مجموع من الصالحيات ،وهو ما استلزم وضع قواعد خاصة تسمح بالعقاب على
الجرائم الجمركية فيما وراء النطاق الجمركي.147
باإلضافة إلى ذلك فإذا كانت الجريمة الجمركية ترتكب عموما على الحدود
السياسية للدولة ،فإن هناك من أفعال التهريب ما ال يرتكب ال في المنطقة البرية وال في
المنطقة البحرية من النطاق الجمركي ،وال في التراب الجمركي للدولة ،بل يرتكب
بمقربة من الحدود في البلد المجاور.148
- 144عبد الرحمان فريد ،التهريب الجمركي ،القاهرة بدون دار النشر ،ص 257أوردته أسماء حساني ،مرجع سابق،
ص.30
- 145يقصد بالتراب الخاضع حسب الفصل األول من مدونة الجمارك" بأنه الجزء األرضي من التراب الجمركي ،بما فيه
الموانئ والفرضات والمسطحات العائمة أوف شور وكذا الجرافات القعرية والتجهيزات المماثلة المتواجدة بالمياه اإلقليمية
وغيرها من المنشآت الواقعة بالمياه اإلقليمية والمحددة بمرسوم.
- 146عبد الوهاب عافالني ،مرجع سابق ،ص .153
- 147أسماء حساني ،مرجع سابق ،ص .29
- 148أسماء حساني ،المرجع نفسه ،ص .31
58
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
وإذا كان المشرع جعل إمكانية إثبات الجرائم الجمركية بالطرق العامة لإلثبات،
فيعني ذلك أن األشخاص الوارد النص عليهم في القانون العام بكونهم المكلفون بإثبات
الجرائم يحق لهم التثبت من وقوع الجرائم الجمركية ،والتساؤل المطروح هنا هل خول
المشرع لبعض األشخاص األخرى حق التثبت من الجرائم الجمركية؟ وذلك في ترابط
مع الخصوصيات التي تميز الميدان الجمركي ،وفي هذا المطلب.
سنحاول في هذا المطلب اإلجابة على هذا التساؤل من خالل الحديث عن
األشخاص المكلفون باإلثبات (الفقرة األولى) ،ثم بعد ذلك الحديث عن شكليات
المحاضر الخاصة باإلثبات (الفقرة الثانية).
59
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
وكذلك كل األعوان محرر المحاضر التابعون لقوة العمومية القضائية وكذلك كل
األعوان محرر المحاضر التابعون للقوة العمومية.
وبقراء ة متأنية لهذا الفصل نجد أن المشرع هنا جعل ألعوان إدارة الجمارك
الحق في التثبت من المخالفات الجمركية بأسبقية على ضباط الشرطة القضائية ،150كما
منح هذا الحق إلى األعوان محررو المحاضر التابعون للقوة العمومية.
وذلك في اعتقادي راجع باألساس إلى كون أعوان إدارة الجمارك أكثر معرفة
بالميدان الجمركي والجرائم التي يمكن أن تظهر في هذا الميدان ،بحكم ممارستهم ،على
عكس ضباط الشرطة القضائية الذين قد يفتقدون الخبرة في هذا الميدان.
باإلضافة إلى ذلك فأعوان إدارة الجمارك مؤهلون بل ومكلفون بمعاينة الجرائم
ذات الطبيعة الجمركية وإثباتها بشتى طرق اإلثبات القانونية ،ومن بينها المحاضر التي
يكلفون بتحريرها عند ضبط أية مخالفة لنصوص القانون الجمركي.152
ولكن لكي يزاول أعوان الجمارك مهامهم البد لهم من التوفر على مجموعة من
الشروط نص عليها الفصل 33من مدونة الجمارك بنصه":
-1يعمل أعوان اإلدارة المدعون لتحرير المحاضر وكالة (ينبغي لهم أن يدلو
بها كلما طلبت منهم.
60
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
-2يجب عليهم أداء اليمين طبق الكيفيات والشروط المنصوص عليها في
التنظيم المتعلق بيمين األعوان محرري المحاضر."...
أوال :التوفر على وكالة عمل
يتضح من النص أعاله أن أعوان إدارة الجمارك يحملون صفة وكالء عن إدارة
الجمارك أثناء قيامهم بمهامهم ،وتجد هذه الصفة أساسها القانوني في القواعد العامة في
الميدان المدني وبالضبط في قانون االلتزامات والعقود.153
ويجب على أعوان إدارة الجمارك أثناء ممارستهم لمهامهم التقيد وتنفيذ المهمة
الذي كلفها بها ،طبقا لصفة الوكالة ،وذلك ما أكد الفصل 895من ق ل ع.154
ثانيا :أداء اليمين القانونية
يجب على إدارة الجمارك قبل مباشرة المهام المنوطة بها أداء اليمين القانونية،
هذا االلتزام القانوني نجد أساسا له قبل صدور مدونة الجمارك وبالضبط في المادة 3
من ظهير 16دجنبر .1551918
وقد نصت على هذا المقتضى الفقرة الثانية من الفصل 33من مدونة الجمارك
السالف الذكر ،ويقتصر أداء اليمين على المكلفين بتحرير المحاضر ،وهذا اليمين يتعين
أداؤها أمام السلطة القضائية المختصة وذلك قبل البدء في مباشرة مهامهم.156
وبتوفر أعوان إدارة الجمارك على هذه الشروط ،فإنهم يمكن لهم مزاولتهم
سلطاتهم ،فحق ألعوان اإلدارة أن يحجزوا جميع البضائع الخاضعة للمصادرة
والوثائق المتعلق بها ،ووسائل النقل ،بل وحتى منها ما هو غير قابل للمصادرة.157
وبالرجوع إلى المادة 234من مدونة الجمارك نجدها تنص على وسيلتين
لإلثبات":المخالفات الجمركية عن طريق الحجز أو عن طريق البحث".
- 153ينص الفصل 879من ق ل ع ":الوكالة عقد بمقتضاه يكلف شخص شخصا أخر بإجراء عمل مشروع لحسابه ويسوغ
إعطاء الوكالة أيضا لمصلحة الموكل والوكيل أو لمصلحة الموكل والغير أو لمصلحة الغير وحده ".
- 154ينص الفصل 895من ق ل ع":على الوكيل أن ينفذ بالضبط المهمة التي كلف بها ،فال يسوغ أن يجري أي عمل
يتجاوز أو يخرج من الوكالة".
155
-Moulay Labri EL ALAOUI , Le Droit Douanier du Maroc , edition 2006,ibnsina,P265
- 156حفيظ الشرقي ،الطبيعة القانونية للمحاضر الجمركية ،أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص ،جامعة محمد
الخامس ،كلية الحقوق أكدال ،الرباط ،1992/1991 ،ص .54
- 157عبد القادر ختيم ،مرجع سابق ،ص .23
61
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
وتجدر اإلشارة إلى أن مسطرة البحث أو اإلثبات بواسطة محاضر االستماع لم
يبدأ العمل بها في فرنسا إال بعد سنة 1995عندما أباح المشرع إثبات المخالفات
الجمركية بجميع وسائل اإلثبات ،ولو لم يكن هناك أي حجز.162
- 158حميد الوالي" ،المنازعات الجمركية بين القواعد الجزئية العامة ومدونة الجمارك"،مجلة المعيار،عدد33
،يوينو،2005ص .92
- 159محمد بادن"،جرائم التهريب من خالل العمل القضائي" ،مقال منشور ،الجرائم المالية من خالل قرارات المجلس
األعلى ،خمسون سنة من العمل القضائي ،الندوة الجهوية السابعة ،دار الطالبة وجدة 31ماي فاتح يونيو ،2007ص .308
- 160حنان الرمضاني "،المنازعات الجمركية الزجرية بين التسوية القضائية والصلحية" ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في
القانون الجنائية والعلوم الجنائية ،جامعة محمد األول وجدة ،السنة الجامعية ،2008-2007ص .10
- 161محمد بادن ،مرجع سابق ،ص .308
- 162حميد الوالي ،مرجع سابق ،ص .92
62
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
وإذا كان في المادة الجمركية يتم بجميع وسائل اإلثبات القانونية ،فإنه ونظرا
للخصوصية التي يتميز بها عمل إدارة الجمارك والجرائم المرتكبة في هذا الميدان ،فقد
أعطى المشرع الجمركي للمحاضر الجمركية أفضلية فيما يخص وسائل اإلثبات وهذا
ما يدفعنا للتساؤل حول شكليات المحاضر الخاصة باإلثبات.
هل لها نفس الشكليات المعتمدة في المحاضر بصفة عامة ،أم أن لها بعض
الخصوصيات على اعتبار الخصوصية التي تميز اإلثبات في الميدان الجمركي؟
وما يضفي على هذه المحاضر خصوصية ،هو قوتها الثبوتية في النطاق
الجمركي ،إال أن هذه القيمة اإلثباتية ال يمكن التوفر عليها إال باحترام المساطر
القانونية أو الشكليات الخاصة بإعداد المحاضر.
بالرجوع إلى القانون الجمركي نجد أنه لم يتطرق للمقصود بالمحاضر ونفس
الشيء في قانون المسطرة الجنائية القديم ،إال أنه من بين المستجدات التي أتى بها
- 163حفيظ بنهاشم "،تحرير المساطر والمحاضر القانونية" ،مذكرة إدارية ،األمن الوطني ،ميلودي حمدوشي ،منشورات
المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،العدد ،2002/34ص .45
63
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
قانون المسطرة الجنائية ،164هو تعريف المحضر حيث نصت المادة 24منه":المحضر
هو الوثيقة ال مكتوبة التي يحررها ضباط الشرطة القضائية أثناء ممارسة مهامه
ويضمنها ما عاينه وما تلقاه من تصريحات ومخالفات أو ما قام به من عمليات ترجع
الختصاصه".165
يرى البعض أن المحضر هو ورقة رسمية ال يمكن الطعن فيها إال بحسب ما
يقرره القانون ،ينجز من قبل موظف مختص هو ضابط أو شرطة ،يضمنه ما عاينه
من وقائع محترما في ذلك مجموعة من الشكليات.166
ويمكن تعريفه أيضا بالوثيقة الرسمية التي يحررها ضباط الشرطة القضائية
إلثبات التحريات التي قام بها خالل البحث التمهيدي بمعناه الواسع أو في حالة التلبس
أو تنفيذ اإلنابة القضائية ،فهو بالتالي اإلطار القانوني الذي يعكس كل العمليات التي
يباشرها ضابط الشرطة القضائية.167
أما بالنسبة للمحاضر الجمركية ،فيقصد بها األوراق التي يحررها أعوان
الجمارك وكذا الموظفون المؤهلون لذلك لإلثبات ما يقفوا عليه من أمر جريمة جمركية
وظروفها وأدلتها ومرتكبها.168
- 164تعديل المسطرة الجنائية بالقانون 22-01تم تعديله بالقانون 03-03وهو القانون المعروف بقانون اإلرهاب المنشور
بالجريدة الرسمية ،عدد 5112بتاريخ 27ربيع األول .)2003/5/29( 1424
- 165وقد عرف قانون الدرك الملكي في الفصل 70المحضر بأنه "الوثيقة التي يضمن فيها جنود الدرك ما عاينوه من
مخالفات وما قامو به من عمليات أو تلقوه من معلومات".
- 166الحسن هوداية ،محاضر الضابطة القضائية ،مكتبة دار السالم الرباط ،الطبعة األولى ،2000ص .11
- 167أمال صدوق المزخلدي ،محضر الضابطة القاضئية في ظل قانون المسطرة الجنائية ،صفحة ،2منشور بالموقع
االلكتروني www.droitcivile.over-bloge.com..بتاريخ ،25/10/2007أوردته أسماء حساني ،مرجع سابق،
ص.53
168
-J.Denizard ,La charge de preuve en matière pénal, Thèse, Université Lille , Année
universitaire 1956 ,P127.
أورده أحسن بوسقيعة .مرجع سابق .ص .177
64
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
إال أنه هناك بعض الحاالت ال يحرر بشأنها أي محضر عندما تقع مراقبة
البضائع التي وقع بشأنها تصريح مفصل ،إذ يمكن ما لم تكتب المخالفة أن يعقد
مصالحة ،وهذه المصالحة تقوم مقام المحضر.
وكذلك إذا تعلق األمر ببضاعة ذات قيمة بسيطة تسجل هذه البضاعة المحجوزة
في سجل األشياء التافهة يضمن فيه يوم تاريخ وساعة الحجز وطبيعة البضاعة
وقيمتها ،وهنالك حاالت أخرى يكفي فيها تسليم أيضا إيصال الحجز للمعني باألمر.169
ويجد هذا التشدد من قبل المشرع الجمركي تفسيره ،في كون المحاضر التي يتم
إعدادها من قبل أعوان إدارة الجمارك أو ضباط الشرطة القضائية ،فيما يخص
المخالفات الجمركية ،لها قوة ثبوتية ،لذلك أحاط المشرع الجمركي إعداد هذه المحاضر
بتوافر مجموعة من الشروط.
وينص الفصل 243من مدونة الجمارك على أنه":ال يسوغ للمحاكم أن تقبل
ضد محاضر الجمرك وجه البطالن غير الناتجة عن إغفال اإلجراءات المنصوص
عليها في الفصل ."240
65
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
-التصريحات التي قد يدلي بها مرتكب أو مرتكبو الفعل الذي يكون خرقا
للقوانين واألنظمة الجمركية.
ويجب أن توقع هذه المحاضر من طرف محرريها ومن طرف مرتكبي الفعل
إذا كانوا حاضرين ،وفي حالة استحالة توقيع مرتكبي األفعال أو رفضهم هذا ينص
على ذلك في الوثائق المذكورة.
-أسباب الحجز.
-السماح عند االقتضاء باستالم البضائع غير المحظورة أو وسائل النقل مقابل
كفالة أو وديعة.
وهنا نطرح التساؤل التالي :في حالة إغفال البيانات السالفة الذكر ما هو الجزاء
المترتب عن ذلك؟
إن بطالن المحضر يكون مطلقا في حالة عدم احترام الشكليات المنصوص
عليها في الفقرات الخمس األولى من هذا الفصل ،240أما البيانات األخرى التي
يستوجب الفصل أعاله توفرها في محضر الحجز ،فإن إغفالها ال يؤثر إال على محضر
66
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
الحجز .170وذلك ألن المشرع في ختام الفقرة الخامسة من نفس الفصل أضاف":ويجب
عالوة على ذلك أن ينص في محاضر الحجز "...هنا المشرع انتقل إلى نوع آخر من
البيانات ،وقد نستطيع القول أنها بيانات خاصة مقارنة مع البيانات األخرى الواردة في
الفقرات الخمس األولى ،التي يمكن اعتبارها بيانات عامة للمحضر الجمركي.
باإلضافة إلى ذلك فقد أكد الفصل 243السالف الذكر أن ال يسوغ للمحاكم أن
تقبل ضد محاضر الجمرك وجوه بطالن غير الناتجة عن إغفال اإلجراءات المنصوص
عليها في الفصل ،240وبمفهوم المخالفة فإن المحاضر غير المتوفرة على أحد
البيانات الواردة في الفصل 240نصبح باطلة.
ولكن يظل اإلشكال قائم بما أن الفصل 243من المدونة يحصر أوجه البطالن
في الحالتين المذكورتين معا ،فهل معنى ذلك أنه ال يمكن التمسك بأوجه بطالن أخرى
خارج الحالتين السابقتين ،وأنهما بالتالي قد وردتا على سبيل الحصر ال على سبيل
المثال؟
إننا ال نعتقد ذلك ،بالنظر إلى أن هناك حاالت أخرى تقع فيها مثل هذه المحاضر
باطلة كما لو كان عون الجمارك غير مؤهل قانونا إلعداد المحاضر أو القيام بالبحث،
فيما لم يؤدي اليمين القانونية مثال.171
ومما سبق يتضح أن المشرع الجمركي ونظرا للخصوصيات التي يتسير بها
هذا الميدان ،فقد أحاط محاضر الحجز والبحث بمجموعة من اإلجراءات والشكليات
وتشدد في الجزاء على عدم مراعاتها وذلك بغية إضفاء القوة اإلثباتية على تلك
المحاضر.
67
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
اإلثبات هو عملية اإلقناع بأن واقعة حصلت بناء على حصول واقعة أو وقائع
مادية.
وإثبات الجريمة هو جمع أدلة وجودها وعناصر تكوينها ،172وإذا كان األصل
هو حرية اإلثبات في المادة الجنائية ،وهو األمر الذي تبناه المشرع الجمركي في المادة
.247
ورغم ذلك فإن إشكالية إثبات الجريمة الجمركية تكتسي أهمية خاصة في
القانون الجمركي ،فالمعلوم أنه من المبادئ األساسية في القانون الجنائي أن البينة على
من ادعى ،أي الجهة التي تحرك المتابعة - ،وفي الميدان الجمركي نجدها إدارة
الجمارك أو النيابة العامة -فإننا نجد خروج عن هذا المبدأ ،بحيث يصبح على المتهم
عبء اإلثبات براءته ،وذلك إما بالطعن بالزور قي المحاضر الجمركية أو إثبات
عكسها.
وإذا كان التشريع الجنائي الجمركي ،خول إمكانيات إثبات الجرائم الجمركية
بجميع الطرق القانونية ،فانه أعطى قيمة قانونية أهم بالنسبة للمحاضر الجمركية ضمن
وسائل اإلثبات ،كذلك بالنسبة للقرائن.173
فالمحاضر في القانون الجمركي تعتبر أهم وسيلة إثبات للجرائم الجمركية وذلك
للحجية المطلقة التي تتميز بها ،إذا ما تم تحريرها من طرف عونين أو أكثر لإلدارة
الجمارك.
وما يفسر هذه الحجية هو كون الجرائم الجمركية ذات طبيعة تقنية ،وال بد
إلثباتها من إعطاء صالحية ألعوان إدارة الجمارك حتى ال يفلت مخالف للقوانين
68
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
واألنظمة الجمركية من العقاب ،وذلك ألن أعوان إدارة الجمارك يكونوا أكثر احتكاكا
ومعرفة بالجرائم التي ترتكب وأكثر قدرة على اكتشافها.
مما يدعو بالمقابل إلى أن تكون المحاضر التي يحررونها بشأن المخالفات التي
يكتشفونها تتميز بحجية وذلك لكي ال يفلت مرتكب المخالفة الجمركية من المساءلة.
وارتأيت في هذا المبحث الطرق إلى المحاضر الجمركية وقوتها الثبوتية وذلك
ألن هذه المحاضر تعتبر من الخصوصيات المهمة التي تميز اإلثبات في الميدان
الجمركي ،وذلك بالنظر إلى القيمة القانونية التي يعطيها المشرع الجمركي لهذه
المحاضر وذلك في المطلب األول.
على أن أقوم بالحديث في المطلب الثاني أثر هذه المحاضر على سلطة التقديرية
للقاضي الزجري ،مع العلم أن السلطة التقديرية للقاضي الجنائي موسعة في األخذ
بوسائل اإلثبات ،إال أن الحجية المطلقة للمحاضر الجمركية قد تفرض على القاضي
الجنائي تقييد فيما يخص سلطته التقديرية.
69
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
فهذه المحاضر تلعب دورا بارزا في إثبات الجريمة الجمركية فهي أساس
ولها حجية مطلقة في حالة إنجازها من طرف عونين وأكثر لإلدارة 174
المتابعات
الجمارك.
وإذا كان اإلثبات يمكن بجميع الوسائل القانونية في المادة الجمركية ،فإننا نجد
للمحاضر الجمركية أهمية على وسائل اإلثبات ،مما يدفعنا للتساؤل عن مدى حجية هذه
المحاضر؟
70
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
والمشرع قبل أن ينص على أنه يجوز إثبات المخالفة الجمركية بجميع الطرق
القانونية األخرى أكد في الفصل 234من مدونة الجمارك على أنه تثبت المخالفات
الجمركية عن طريق الحجز أو عن طريق البحث.
وبذلك تبقى محاضر الحجز والبحث أهم وسائل اإلثبات في المادة الجمركية،
176
وحتى تتمتع هذه المحاضر بقوتها القانونية يلزم أن تتوفر فيها البيانات والشكليات
التي نص عليها المشرع في مدونة الجمارك وتختلف قوة حجية هذه المحاضر حسب
نوعها ،177وتثبت المخالفات الجمركية عن طريق الحجز أو عن طريق البحث ففي
الحالة األولى يسمى المحضر حجز وفي الثانية يسمى إثبات ،178وهذا ما أكده المجلس
الذي جاء فيه":يؤخذ بمحضر إدارة الجمارك بشأن حجية 179
األعلى في أحد قراراته
التصريح الكاذب لصنف البضائع المستوردة،بالرغم من كون هذا المحضر ال يتضمن
تصريحات المخالف ،ألنه ليس من الالزم في التشريع الجمركي االستماع دوما تحت
طائلة البطالن ،إذا لم تكتب المخالفة الجمركية والتي يمكن التثبت منها ،إما عن طريق
الحجز أو عن طريق البحث".
فمن خالل هذا القرار ،يتبين أن المسطرتين المذكورتين أعاله تسفران عن
وضع محاضر ،التي هي األداة األكثر استعماال في ثبات المخالفات الجمركية ،لما لها
من أهمية وقوة ثبوتية خاصة.
71
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
لذلك عين لها المشرع شكليات وقواعد حددها على سبيل الحصر في الفصل
240من مدونة الجمارك ،فالمحاضر المنجزة وفق الفصل المذكور من طرف عونين
فأكثر من أعوان إدارة الجمارك لها قوة ثبوتية مطلقة على خالف وسائل اإلثبات
األخرى المنصوص عليها في الفصل 242وما بعده من مدونة الجمارك.180
وسنحاول الخوض بتفصيل في كل نوع من أنواع المحاضر الجمركية
أوال :محضر الحجز
يخول قانون المسطرة الجنائية إمكانية حجز األشياء التي لها ارتباط بالجريمة،
أو تكون قد استعملت في ارتكاب الجريمة.
فالقانون العام يخول لمختلف األجهزة القضائية واإلدارية المكلفة بالبحث
والمتابعة عن الجرائم صالحية حجز مختلف األشياء والمستندات التي قد تكون مفيدة
في الكشف عن الحقيقة.
وتعد إدارة الجمارك من بين هذه األجهزة اإلدارية المكلفة بمتابعة المخالفين
لتنظيماتها حيث يحق لهذه اإلدارة وضع يدها على الشيء المحجوز حتى تتمكن من
اإلثبات ال مادي للجريمة التي تدعى وجودها ،وتتمكن كذلك من اإلدالء أمام القضاء
بحسم الجريمة عند ما تكون طرفا في الدعوى.181
ويعتبر محضر الحجز األكثر استعماال إذ يمثل الدليل المادي الرتكاب الجريمة
الجمركية ومعرفة المتهم ،ويكون محضر الحجز إما في حالة حجز البضائع ووسائل
النقل أو حجز الوثائق ووسائل األداء.
وفيما يخص حجز الوثائق فإما أن يتدخل العون بمجهوده الخاص بتبسيط هذه
البيانات أو تلخيصها في إطار المحضر أو يلتزم الحياد ،بنقله البيانات كليا أو جزئيا من
الوثيقة إلى المحضر كما هي أو يأخذ نسخا من هذه الوثائق ويرفقها بالمحضر أو
حجزها عندما يكون االستدالل بأصل الوثيقة علمية ال غنى عنها.182
72
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
- 183راجع في هذا الصدد عبد الواحد العلمي ،شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية،الجزء األول ،مطبعة
النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،الطبعة األولى ،2006ص .376-373
- 184ينص الفصل 42من مدونة الجمارك على أنه ":يمكن ألعوان اإلدارة من رتبة مفتش مساعد على األقل وضباط
الجمارك و كذا األعوان الموكلين لهذا الغرض من طرف مدير اإلدارة أن يطالبوا بالحصول على السجالت والمستندات
والوثائق و الولوج إلى المعلومات كيفما كان نوعها المتعلقة بالعمليات التي تهم عملهم والموجودة في حوزة :
أ) شركات السكك الحديدية وشركات المالحة الجوية والبحرية والنهرية ومجهزي السفن والمؤتمنين عليها والسماسرة
البحريين ومؤسسات الشحن والتفريغ ومؤسسات النقل عبر الطرق والوكاالت بما فيها المدعوة "وكاالت النقل السريع"
المكلفة باستالم جميع الطرود وتجميعها وإرسالها بمختلف وسائل النقل (السكك الحديدية ،الطرق ،الماء ،الجو) وكذا
بتسليمها؛
ب) الوكالء بالعمولة أو المعشرين في الجمرك ؛
ت) أصحاب االمتياز في المستودعات و األحواض والمخازن العامة ؛
ث) شركات التأمين البحرية أو النهرية أو البرية أو الجوية ؛
ج) المرسل إليهم أو المرسلين الحقيقيين لبضائع مصرح بها في الجمرك ؛
ح) على العموم ،األشخاص الذاتيين أو المعنويين الذين تهمهم بصفة مباشرة أو غير مباشرة كل عملية قانونية أو غير
قانونية تدخل في اختصاص اإلدارة.
يمكن الحصول مسبقا ،وقبل المرور عن طريق الجمرك ،على السجالت والوثائق والمستندات وكذا الولوج إلى المعلومات.
و يتم الحصول على المعلومات السالفة الذكر وفقا لآلجال و الشكليات المحددة بقرار للوزير المكلف بالمالية.
- 2يجب أن يحتفظ المعنيون باألمر بجميع السجالت والمستندات والوثائق المتعلقة بعمليات استيراد وتصدير البضائع أو
بأنشطة في المغرب تخضع للمكوس الداخلية على االستهالك الراجعة لإلدارة وذلك طيلة خمس سنوات تبتدئ من تاريخ :
ـ إرسال الطرود بالنسبة للمرسلين ؛
ـ استالم الطرود بالنسبة للمرسل إليهم ؛
ـ تحرير الوثائق المتعلقة بإرسال أو نقل أو استالم أو تأمين البضائع لألشخاص أو الشركات األخرى المشار إليها في 1
أعاله.
- 3يمكن لألعوان المعينين في 1من هذا الفصل ،أن يقوموا خالل أعمال المراقبة والتحقق المنجزة لدى األشخاص أو
الشركات المشار إليها في نفس الفقرة بحجز كل أنواع الوثائق التي من شأنها أن تسهل القيام بمهمتهم مثل المحاسبة
والفاتورات ونسخ الرسائل ودفاتر الصكوك والسفاتج والحسابات البنكية.
ويحرر عند االقتضاء محضر بالحجز".
73
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
جريمة وحدده في مفتش مساعد على األقل والضابط الجمركي ،حيث لم يعد األمر يهم
الجميع.
وعلى العموم فإن البحث بإدارة الجمارك يستدعي بالضرورة خلق مصالح
متخصصة في معالجة المعلومات والحصول عليها بما يتطلب ذلك القيام بعملية البحث
في الوثائق وبجميع األدلة.185
وبعد التطرق إلى أنوع المحاضر الجمركية من حيث طبيعة التثبت ،هل هو
حجز أو بحث ،يظهر لنا جليا أن هذا النوع من المحاضر يعطي خصوصية لإلثبات في
الميدان الجمركي عن الميدان الجنائي بصفة عامة.
فرغم أن المشرع الجمركي تبنى مبدأ حرية اإلثبات وذلك باللجوء إلى كافة
وسائل اإلثبات القانونية إال أنه أعطي للمحاضر الجمركية مكان متميزة ضمن وسائل
اإلثبات وهو األمر الذي يدفعنا إلى التساؤل حول حجية هذه المحاضر.
في إطار ممارسة مهامهم ،يقوم أعوان الجمارك بإثبات ،المخالفات للتشريعات
والتنظيمات الجمركية ،التي تتكلف إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة بتطبيقها
ويتمتعون في هذ ا المجال باختصاصات واسعة يتعين ممارستها في توافق ومراعاة
لحريات األفراد ويجب التذكير أنه في إطار ممارسة هذه االختصاصات يقوم أعوان
الجمارك بأعمال ضباط الشرطة القضائية ومن هذه المهام إعداد المحاضر المتعلقة
بالجرائم الجمركية.
74
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
ولهذه المحاضر المنجزة من قبل أعوان إدارة الجمارك أو حتى ضباط الشرطة
القضائية في إطار التثبت من المخالفات الجمركية حجية تختلف عن المحاضر المنجزة
من قبل ضباط الشرطة القضائية في إطار التثبت من جرائم القانون العام.186
فالمحضر الجمركي يتوفر على أهمية خاصة في مجال اإلثبات ،فإذا كانت
القاعدة العامة في القانون الجنائي تفضي بأن القاضي يحكم بحسب قناعته ،وأنه غير
مقيد بوسيلة من وسائل اإلثبات شريطة التعليل ،فإن المقتضيات التي يخص بها
المشرع المغربي المحاضر الجمركية تشكل استثناء من القاعدة ،فالقاضي مقيد في حقل
إثبات المخالفات بالوقائع المادية المثبتة في محاضر الجمارك.187
أما المحاضر المحررة من طرف عون واحد لإلدارة فيعتمد عليها إلى أن
يثبت ما يخالفها وكذا الشأن بالنسبة للمحاضر المحررة من طرف األعوان محرري
المحاضر التابعين إلدارات أخرى ما لم تكن هناك نصوص خاصة".
- 186حجية محاضر ضباط الشرطة القضائية هي حجية نسبة حيث نص المشرع في المادة 290من المسطرة الجنائية
أن ":المحاضر والتقارير التي يحررها ضباط الشرطة القضائية في شأن التثبت من الجنح والمخالفات ،يوثق بمضمنها إلى
أن يثبت العكس بأي وسيلة من وسائل اإلثبات" .ما يستفاد من هذا النص إذن أن المشرع قد اعتبر ما ورد بالمحضر
المحرر من قبل ضباط الشرطة القضائية في شأن التثبت من الجنح والمخالفات صحيحا بمقتضى قرينة قانونية بسيطة ،وهذا
يعني أن المحكمة عليها واجب مراعاة ما ورد في المحضر واعتباره صحيحا إلى أن يثبت الذي يدعي خالف هذه القرينة
إدعاؤه بجميع وسائل اإلثبات األخرى كالشهادة و القرائن أو الخبرة التي يكون من شانها إقناع المحكمة بعدم صدق ما جاء
في المحضر .عبد الواحد العلمي ،الجزء الثاني،مرجع سابق ،ص .408
- 187محمد الشلي ،الحبيب الدقاق ،م س ،ص .418
75
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
ومن خالل استقراء هذا الفصل يتبين لنا أن المحاضر من حيث القوة الثبوتية
تنقسم لنوعين :محاضر يعتمد عليها إلى أن يطعن في حجيتها بالزور ،ومحاضر
يعتمد عليها إلى أن يثبت ما يخالفها.
وكما رأينا في الفصل 242من مدونة الجمارك فالنص صريح عدم وجوب
الطعن في صحة المحاضر المنجزة من قبل عونين فأكثر إال بالزور.
وهذا ما ذهب إليه المجلس األعلى في أحد قراراته188الذي جاء فيه ":اإلثباتات
المادية المنضمة في المحاضر المنجزة من طرف خمسة أعوان للجمرك ،بشأن
المخالفات الجمركية تكتسي حجية مطلقة ال يمكن دحضها إال بالطعن بالزور وفق
الكيفيات والشروط المنصوص عليها في الفصل 244من مدونة الجمارك ،تستوي في
ذلك اإلثباتات المادية الفنية وغيرها من اإلثباتات ما دام النص المقرر بمقتضاه هذه
الحجية جاء مطلقا وغير مقيد بأن تكون تلك اإلثباتات غير فنية أو تقنية".
وهنا يتبين في حالة إنجاز محضر خاص بجريمة جمركية من طرف عونين أو
أكثر ال يمكن الطعن في مضمون هذا المحضر إال بالزور كما نصت على ذلك المادة
244من مدونة الجمارك مما يوضح أن الطابع الزجري هو السائد في ميدان إثبات
الجنح والمخالفات الجمركية.189
- 188قرار رقم 2/216المؤرخ في 23/02/2005ملف عدد 15351/04مجلة قضاء المجلس األعلى ،عدد ،67ص370
- 189حسن البكري ،الطبيعة القانونية للغرامة الجمركية ،طبعة ،2008مطبعة السلمي الجديدة ،الدار البيضاء ،ص .18
76
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
وفي نفس االتجاه ذهبت المحكمة العليا الجزائرية في أحد قراراتها 190بأن قضاة
الموضوع ملزمون باألخذ بالمعاينات المادية المثبت في محاضر الحجز المحرر من
طرف أعوان إدارة الجمارك الغير مطعون في صحتها بالتزوير.
وهذا فالمحاضر المنجزة من طرف عونين لإلدارة سواء تعلق األمر بمحاضر
البحث أو الحجز لها قوة ثبوتية مطلقة إلى حين الطعن فيها بالزور.
ويقع على عاتق من يدعي عدم ارتكابه ألية مخالفة للقوانين واألنظمة لجمركية
في حالة الحجز على البضائع عبر إثبات ما يدعيه.191
واإلشكال الذي يطرح هنا أنه إذا كان المشرع الجمركي يعطي حجية مطلقة
بالنسبة للمحاضر المنجزة من طرف عونين أو أكثر فيما يخص اإلثباتات المادية،
وذلك بصريح الفصل 242من مدونة الجمارك ،فانه لم يحدد لنا طبيعة هذه المعاينات
المادية ،أي الوقائع المادية التي يمكن اعتبارها دليال ماديا له حجية مطلقة في حالة
تضمينه ضمن المحضر الجمركي.
وبالرجوع إلى القضاء المغربي نجد هناك تطور فيما يخص التعامل مع هذه
اإلشكال ،ففي مرحلة أولى تعامل المجلس األعلى مع الفصل 242من مدونة الجمارك
بمنطق شمولي معتبرا أن المعاينة بكافة أجزائها ومحتوياته له نفس الدرجة من األهمية
وال يمكن الطعن فيه وإال بالزور ،192قبل أن يعمل يعد ذلك على تحديد طبيعة اإلثبات
المادية المعنية بصياغة هذا النص. 193
- 190قرار 127863بتاريخ 1996/12/03غرفة الجنح والمخالفات ،القسم الثالث ،العدد الخاص من المجلة القضائية،
الجزء الثاني ،ص .235
- 191امحمد برادة غزيول ،م.س ،ص .238
- 192قرار عدد 4/5302المؤرخ في ،1997/7/2مجلة قضاء المجلس األعلى ،عدد ،65-53ص .540
- 193نور الدين الغزواني الشرقاوي ،مدونة الجمارك وفق أخر تعديل ،م.س ،ص .50
77
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
وتجدر اإلشارة إلى ان صعوبة الطعن بالزور في هذه المحاضر عرضها بعض
االنتقادات ،خاصة أن المحاكم تفضل التعامل مع محاضر ضابط الشرطة القضائية
على محاضر الجمرك رغم أنها غالبا ما تكون ملحقة بالشكاية أو طلب المتابعة ألن
هذه ا لمحاضر التي تفترض فيها النزاهة والشفافية والدقة غالبا ما ال تحترم فيها
الشكليات القانونية كما أن محرريها في الواقع بعيدين عن اإلشراف القانوني الذي يجب
أن تمارس النيابة العامة على جميع أصناف الشرطة القضائية.195
وفي رأي أن هذه الحجية المطلقة ،رغم واجهة فرضها على اعتبار طبيعة عمل
اإلدارة الجمارك والجرائم الكثيرة التي يصعب إثباتها ،فإن هذه الحجية مبالغ فيها ،كما
أنها من الناحية العملية يصعب إثبات الزور في المحاضر،فإثبات الزور يستوجب أن
يقوم أحد أعوان إدارة الجمارك بالشهادة على زميله وهذا أمر يصعب تحققه.
تنقسم هذه المحاضر إلى ثالث أنواع ،وهي محاضر محرر من طرف عون
واحد لإلدارة ،وكذلك المحاضر المضمنة لإلقرارات والتصريحات المتلقاة سواء كانت
محررة من طرف عون واحد أو أكثر ،وأخيرا المحاضر المحررة من طرف األعوان
محرري المحاضر التابعين لإلدارات أخرى.
78
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
وإذا كان األصل أي عبء اإلثبات يقع على من ادعى فإن قانون الجمارك خرج
على هذه القاعدة بحيث جعل عبء اإلثبات في المواد الجمركية على المدعى عليه أي
على المتهم فليس لإلدارة الجمارك أو النيابة العامة إثبات نسبة الجريمة إلى المتهم
197
وإنما على المتهم إثبات براءته ،وفي هذا الصدد قضت المحكمة العليا الجزائرية
"ان المحاضر الجمركية تثبت صحة ما جاء فيها من اعترافات وتصريحات ما لم يثبت
العكس علما بأن العكس يقع على عاتق المتهم".
ويكون األمر كذلك إذا تعلق األمر باعترافات فإذا حدث أن المتهم المشرف في
محضر جمركي بارتكابه المخالفة الجمركية ،تم تراجع عن اعترافه المسجل في
المحضر ،وقدم إثباتا لبراءته دليال كتابيا كأن يقدم مثال جواز سفره ،يفيد بأنه في تاريخ
الوقائع كان مسافر إلى الخارج أو يقدم شهودا يؤكدون بأنه لم يكن حاضر يوم الوقائع
ففي مثل هذه الحالة يجوز الحكم ببراءته.198
وإذا كان عبء اإلثبات ينقل إلى المتهم ،فإن هذا النوع من المحاضر يمكن
للمتهم إثبات عكس ما ورد فيها بالوسائل القانونية.
وذل ك ألن المحاضر المحررة من طرف عون واحد إلدارة الجمارك أو غيرهم
ضباط الشرطة القضائية ليست لها نفس القوة الثبوتية للمحاضر المحررة من طرف
عونين أو أكثر وهو ما أشار إليه الفقرة الثالثة من الفصل 242من مدونة الجمارك
التي جاء فيها أنها يعتمد عليها إلى أن يثبت ما يخالفهما".199
أما بالنسبة لإلقرارات والتصريحات ،فالقاعدة أنها توثق بالمحضر إلى أن يثبت
ما يخالف ذلك سواء حرر المحضر من طرف عونين أو أعوان واحد.200
- 197قرار 1999/06/12غرفة جنائية ج ملف عدد ،73553ص .52أشار إليه أحسن بوسقيعة.م.س ،ص .201
- 198أحسن بوسقيعة ،المرجع نفسه ،ص .202
- 199محمد بادن ،م.س ،ص .313
- 200محمد محبوبي ،روشام الطاكي ،م.س ،ص .22
79
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
بقي أن نشير أن المدونة الجمارك المغربية جاءت بحقيقة مطلقة ،إذ أنها لم تبين
الوسائل التي يمكن أن يدحض بها مضمون المحضر ،ونفس الشيء يمكن قوله بالنسبة
لقانون الجمارك الجزائري ذلك أنه لم يوضح الكيفية التي يجب إثبات العكس إال في
حالة واحدة تتعلق بمراقبة السجالت وفي هذا المجال نصت المادة 3/254من قانون
الجمارك الجزائري ،ال يمكن إثبات العكس إال بواسطة وثائق يكون تاريخها األكيد
سابقا لتاريخ التحقيق الذي قام به محرر المحضر.
وفي غياب نص صريح يحكم كيفية إثبات العكس في الحاالت األخرى يكون
االحتكام إلى القواعد العامة.202
وقد تدخل القضاء المغربي إلجالء هذا الغموض فقرر مبدأ حرية إثبات ما
يخالف ما ضمن بالمحضر ،حيث جاء في قرار للمجلس األعلى أن المحاضر
"المستوفية لما يشترطه القانون يقوم حجة ال يمكن دحضها إال بقيام الدليل القاطع في
مخالفتها للواقع بواسطة حجة تماثلها في قوة اإلثبات كشهادة الشهود واستمع إليهم بعد
أدائهم لليمين ،وكاإلدالء بمحاضر أخرى وتقارير خبراء أو مشابه ذلك من مستندات
- 201حميد الوالي ،م.س ،ص .93
- 202أحسن بوسقيعة ،م.س ،ص .201
80
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
موثوق بصحتها قانونا ،وعليه فإن مجرد االدعاءات العارية من كل برهان ال يسوغ
يحال أن يعتبر حجة مضادة.203
وال ترتبط قوة المحضر الجمركي بموضوعه أو محله ،وإنما بعدد األعوان
الموقعين عليه فسواء تعلق األمر بجنحة أو مخالفة ،وسواء تعلق األمر بمحضر الحجز
أو محضر البحث ،فإن المحضر الموقع من طرف عونين أو أكثر من أعوان الجمارك
يوثق بمضمونه إلى أن يتم الطعن فيه بالزور ،أما المحضر الموقع من طرف عون
واحد فيوثق بمضمونه ويمكن دحضه بإثبات العكس.204
وحجية هذه المحاضر تفرض بالمقابل على القاضي الزجري التعامل معها
بكيفية تضمن لها المكانة التي خولها المشرع لها .
وت عامل القاضي مع هذه المحاضر يكون حسب نوعية هذه المحاضر أهي
محاضر ذات حجية مطلقة أم محاضر ذات حجية نسبية.
مما يجعلنا نتساءل حول سلطة القاضي الزجري في تقدير وسائل اإلثبات
الجمركية ،هل هي نفس السلطة التي يتمتع بها في الميدان الجنائي العام ،أم هناك
خصوصية ترتبط أساس بالخصوصية التي تتميز بها المحاضر الجمركية؟
- 203قرار عدد 366لسنة ،1963أورده محمد بادن ،م.س ،ص .313
- 204محمد الشلي ،الحبيب الدقاق ،م.س ،ص .418
81
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
وال يأتي ذلك إال بعد تفحص وسائل اإلثبات المعروضة عليه وأهم وسائل
اإلثبات كم ا في الميدان الجمركي هي المحاضر ،وكما هو معلوم فإن القاضي
الزجري له سلطة تقديرية موسعة مقارنة بالقاضي المدني ،إال انه وتبعا للخصوصية
اإلجرائية التي يتميز بها اإلثبات في الميدان الجمركي ،فإن المحاضر التي تعرض
على القاضي الزجرية لها حجية مطلقة إذا تم .تحريرها من طرف عونين أو أكثر،
وحجية نسبية إذا حررت من طرف عون واحد .
مما يؤثر بالمقابل في السلطة التقديرية للقاضي الزجري بين التقيد واإلطالق
حسب نوع المحاضر المعروضة عليه.
وإذا كان المشرع الجمركي أضفى على المحاضر المتضمنة العترافات
والتصريحات حجية نسبية ،إلى حين إقامة الدليل العكسي عن طريق الكتابة أو شهادة
الشهود ،فقد أضفى على المحاضر الجمركية المنجزة من قبل عونين فأكثر لإلدارة
الجمارك حجية مطلقة ،وال يمكن الطعن فيها إال بالزور ،فإن لكال النوعين من
المحاضر أثر على السلطة التقديرية للقاضي.
وعليه سنحاول في هذا المطلب التفصيل في أثر المحاضر الجمركية على
السلطة التقديرية للقاضي ،في فقرتين ،نتناول في األولى الدور المقيد للقاضي الزجري
والثانية الدور التقديري للقاضي الزجري.
- 205ليدودة ليندة ،دور إدارة الجمارك في متابعة الجرائم الجمركية ،مذكرة بحث لنيل إجازة المعهد الوطني للقضاء -2003
،2004ص.48:
82
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
- 206لتفصيل أكثر راجع عبد الواحد العلمي ،الجزء الثاني ،مرجع سابق ،ص 388وما بعدها.
- 207تنص المادة 286من ق.م.ج ":يمكن اثبات الجرائم بأية وسيلة من وسائل االثبات ماعدا في األحوال التي يقرر فيها
ال قانون بخالف ذلك ويحكم القاضي حسب اقتناعه الصميم ويجب أن يتضمن المقرر ميبرر اقتناع القاضي وفقا للبند 8من
المادة"...365
- 208تنص المادة 292من ق.م.ج ":اذا نص قانون خاص على أنه ال يمكن الطعن في مضمون بعض المحاضر أو التقارير
إال بالزور فال يمكن تحت طائلة البطالن إثبات عكسيها بغير هذه الوسيلة"
- 209ينص الفصل 242من مدونة الجمارك " :ان المحاضر المحررة بشأن الجنحة أو المخالفة ألحكام هذه المدونة من
طرف عونين لالدارة أو أكثر يعتمد عليها في االثباتات المادية المضمنة في المحاضر الى أن يطعن في صحتها.".....
83
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
- 210سعادنه الع يد العايش ،اإلثبات في المواد الجمركية ،بحث لنيل شهادة الدكتوراه في القانون جامعة باتنة كلية الحقوق
والعلوم السياسية قسم الحقوق ،،2006ص 80.
- 211قرار عدد 87المؤرخ في 11نونبر .1991
- 212قرار المجلس األعلى عدد 3/53بتاريخ 2002/02/16ملف جحي عدد 99/16866أورد عبد الرحمان بركات"،
المنازعات اإلداري في دعوى اإللغاء من أجل الشطط في استعمال السلطة ضد قرارات اإلدارة" .أشغال اليوم الدراسي حول
موضوع التشريعات والتقنيات الجمركية المنظمة بالمعهد الوطني للدراسات القضائية ،الرباط 14نونبر ،2006ص .39
84
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
من طرف أعوان الجمارك ،ال يمكن دحضها عن طريق االستنتاج والخبرة وقد كان
على المحكمة األخذ بمقتضيات المحضر الجمركي اعتبار لقوته الثبوتية.
وهكذا يتبين أن المحاضر المحررة من طرف عونين أو أكثر شكل قيد على
سلطة القاضي ،وتجعل المتهم في مركز حرج تجاه إدارة الجمارك ،وهذا ما يساعدها
على إدارة المفاوضات المفضية إلى المصالحة بطريقة تخدم مصالحها ،وقد تعرض
هذه المسألة لمجموعة من االنتقادات منها أن تقيد سلطات القضاء في تكوين قناعته،ألن
المحاضر بقدر مالها من فائدة في ميدان اإلثبات ،لها نفس مقدار الضرر على سير
العدالة وعلى قواعد العدل واإلنصاف .
ولهذا يجب على المشرع المغربي أن يعيد النظر في هذه القوة الثبوتية
للمحاضر الجمركية ،وأن يجد صيغة وسطية معتدلة تحفظ للمحاضر فائدتها في
اإلثبات ،وتجنب العدالة الضرر الذي يمكن أن ينتج عن القوة الثبوتية المقيدة لسلطة
،هذه السلطة التي يجب أال تكون مجال ألي تقيد في 213
التقديرية للقضاء الزجري
الميدان الجنائي وذلك القاضي الجنائي يجب عليه مراجعة جميع وسائل اإلثبات ،ألن
حكمه قد يصل إلى حد سلب الحرية ،وبالتالي ال يمكن تقيد حريته ،قصد الوصول إلى
حكم تكون فيه للمتهم ضمانات المحاكمة العادلة.
وإذا كانت هذه المحاضر تشكل قيد على السلطة التقديرية للقاضي ،فبالمقابل
تشكل قيد على المتهم ،ألن هذه األخير ال يمكن إثبات عكسها ،وال يمكنه الطعن فيها
باعتماد مسطرة الزور وهي مسطرة جد دقيقة ومعقدة.
- 213إدريس لكريني" ،السلطة التقديرية للقاضي الزجري ومقترحات التعديل" ،مجلة االشعاع ،عدد ،26ص.75
85
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
وال شك أن هذا األمر فيه عبء كلي على المتابع ،ويمس بحقوق الدفاع و قاعدة
المتهم برئ إلى أن تثبت إدانته.
الفقرة الثانية :الدور التقديري للقاضي الزجري
يعتبر الميدان الجنائي ،مكان تظهر فيه السلطة التقديرية للقاضي بصيغة
موسوعة في األخذ بوسائل اإلثبات وتقدير حجيتها ،وقيمتها اإلثباتية،فالقاضي الجنائي
يحكم إنطالقا من اقتناعه الصميم.
وإذا كانت هذه السلطة التقدير يرد عليها تقيد في الميدان الجمركي.
فإن هذا القاضي من يمكن أنه أن يسترجع سلطة التقدير في بعض الحاالت
الميدان الجمركي حين نظر في المنازعات الجمركية ،في جميع األحوال مقيدا ،بل إنه
يسترجع سلطته التقديرية ،سواء من خالل المحاضر التي قد يتم إنجازها من طرف
عون واحد ،أو من خالل ما ينظمه المحضر من اعترافات وتصريحات ،والتي تعد
شانها شان باقي طرق اإلثبات أخرى ضمن نطاق السلطة التقديرية للقاضي أو عن
طريق اإلثبات عن طريق الوثائق والمستندات األجنبية.
- 214إذ كان لتحقيق النهائي أمام المحكمة أمر ضروريا وال غنى عنه كقاعدة عامة في المواد الجزائية ،فإن هناك حاالت
استثنائية ال يكون فيها التحقيق النهائي وجوبيا ،ومن بينها الحاالت التي يعتبر فيها المشرع بعض المحاضر حجة بالنسبة
للوقائع التي أثبتها المأمور المختص فيها إلى أن يثبت عكس ما ينفيها ،كمحاضر المخالفات والجنح المعاقب عليها في
القوانين الخاصة ،ومن ضمنها المحاضر الجمركية ذات الحجية إلى غاية إثبات العكس وعند ذلك يجوز االكتفاء بالمحضر
المك توب وال يجوز أي تحقيق في الموضوع إال إذا أردا المتهم إثبات عكس ما ورد في المحضر من بيانات .رؤوف عبيد"،
مبادئ اإلجراءات الجنائية في القانون المصري" طبعة ،12القاهرة ،1978ص .123
86
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
فبيانات المحاضر الجمركية التي تتمتع بحجية إلى غاية إثبات العكس تلزم
القاضي ،وإن كان يمكن دحضها من قبل المتهم ،لكي يتمكن من تبرئة نفسه ،عن
طريق اإلثبات بأدلة عكسية .فإن لم يتمكن من ذلك ،توجب عندئذ على القاضي اعتبار
المعاينات المدونة في هذه المحاضر ثابت ضد المتهم وصحيحة ،وال يمكنه تبريئة
المتهم لمجرد إنكاره للواقع ،دون أن يثبت العكس كما ال يمكن استبعاد اعتراف المتهم
الوارد بمحضر الجمارك.
ومن ناحية أخرى فإن إذا كان تقديم الدليل العكسي ضد هذه المحاضر يقع على
عاتق المتهم ،فإنه ال يجوز للقاضي ،من تلقاء نفسه ،إبعاد المحضر إال إذا تبين له عدم
جدوى الدليل الذي تضمنه ،على أن يشير إلى ذلك في حكمه ،غير أنه إذ رأى وجود
نقص في المحضر يستوجب تداركه أو التأكد من صحة البيانات المدونة فيه فله في هذه
- 215قرار المجلس األعلى عدد 306سنة 1963أورده محمد بادن ،م.س ،ص .315
216قرار عدد 9648مؤرخ في 1991/12/26الملف الجنحي رقم ،90/27143منشور بمجلة قضاء المجلس األعلى العدد
48السنة الثانية عشر يناير ،1996ص .255
87
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
الحالة أن يأمر تلقاء نفسه باتخاذ كافة إجراءات التحقيق التي يراها ضرورية إلنارة
عقيدته حول قيمه البيانات التي تضمنها المحضر للتأكد من مدى صحتها وإبعادها عن
االقتضاء ،وذلك حتى يتمكن من الفصل في موضوع اإلدانة بكل اقتناع ،دون أن يكون
مجبرا في ذلك.217
ورغم أن المحاضر التي تم إعدادها من طرف عون واحد ذات حجية نسبية،
فهي ملزمة للقاضي بما ورد فيها من معاينات مادية إلى أن يثبت عكسها.
وهكذا يتبن لنا أن المحاضر المحرر من طرف عون واحد لإلدارة ال تقيد سلطة
القاضي التقديري ،فالقاضي يمكنه مناقشتها ،إذا قدم المتهم الدليل العكسي الذي يثبت
خالف ماورد بالمحضر ،وهذه المحاضر ليس لها حجية مطلقة تقيد سلطة القاضي
كالمحاضر الجمركية المحررة من طرف عونين أو أكثر.
وما يمكن قوله أن أثر المحاضر الجمركية على سلطة القاضي الزجري
تتأرجح بي ن التقيد واإلطالق حسب نوع المحضر وهذا النوع ال يرتبط بموضوعه أو
محله ،وإنما يعدد األعوان الموقعين عليه.
في الميدان الجمركي في اعتقادي أنه إذ كان اإلثبات كخصوصية إجرائية
يتميز بهيمنة المحاضر ذات حجية المطلقة ،فأرى أن يجب على المشرع الجمركي
التخفيف من قو ة هذه المحاضر في اتجاه إعطاء سلطة تقديرية أوسع للقاضي الزجري
وذلك بغية إعطائه الفرصة الكاملة لمناقشة وسائل اإلثبات بكل حرية ،للوصول
للمحاكمة العادلة.
88
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
خاتمة:
تعتبر الجريمة الجمركية من الجرائم االقتصادية ،وتتميز بعدة خصوصيات،
وذلك بالنظر إلى طبيعة الجرائم المرتكبة في الميدان الجمركي.
وقد حاولنا االطالع كذلك من خالل هذا الموضوع على عالقة القانون الجنائي
بالقانون الجمركي ،و تبين لنا أن المقتضيات الجنائية الواردة في مدونة الجمارك يمكن
أن تمهد الطريق إلى خلق قانون جنائي جمركي ،مستقل في جميع فصوله عن القانون
الجنائي العام ،وذلك ألن مدونة الجمارك تتميز بعدة خصوصيات تعتبر خروجا عن
المبادئ العامة.
وهذا يمثل في رأيي خروجا عن المبادئ العامة للقانون وهي أن المتهم برئ إلى
أن تثبت إدانته ،ويمثل اهمال لركن أساسي من األركان العامة لقيام أية جريمة ،بغض
النظر عن الخصوصية المميزة لها ،وهو الركن المعنوي.
89
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
وذلك لضمان استخالص حقوقها ،فإنها بالمقابل تخالف مبدأ أساسي لقيام المسؤولية
الجنائية ،وهو شخصية المسؤولية الجنائية.
وإذا كانت هذه الحجية تجد مبررها ،في كون أعوان إدارة الجمارك يعرفون
الميدان الجمركي والجرائم الواردة عليه ،ولكي ال يفلت مرتكب جريمة جمركية من
العقاب ،كما أنهم يجدون صعوبة في إيجاد وسائل اإلثبات في الواقع العملي ،مما دفع
المشرع في مدونة الجمارك إلى اعتماد هذا النوع من اإلثبات وكذلك اللجوء إلى
القرائن القانونية لتسهيل عمل إدارة الجمارك،ووصولها إلى الهدف المرجو منها ،وهو
بصفة أساسية حماية االقتصاد الوطني.
وبالمقابل فإن حجية هذه اإلثباتات تشكل خروجا عن المبادئ العامة لإلثبات،
كالبينة على من ادعى ،وتفسير الشك لصالح المتهم ،واالقتناع الصميم للقاضي ،فهي
تشكل قيد على حرية القاضي في تقييم وسائل اإلثبات ،مما قد يجعل حكمه معرضة
للخطأ ،وهذا أمر ال يستقيم مع ضمانات المحاكمة العادلة.
وفي اعتقادي أنه إذا كانت الجريمة الجمركية تتميز بهذه الخصوصيات على
المستوى الموضوعي واإلجرائي ،وذلك لضمان حماية االقتصاد الوطني وتسهيل عمل
أعوان إدارة الجمارك ،في اكتشاف هذه الجرائم ،فإنه بالمقابل يجب مراعاة مبادئ
القانون األساسية الخاصة بحرية األفراد والضمانات القانونية الخاصة بالمتهم.
90
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
إذا كانت مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة أتت بالمسؤولية الجنائية
المفترضة في حق بعض األشخاص ،وذلك لمجموعة من األسباب وبصفة أساسية،
لتفادي تملص المهربين من المسؤولية نظرا لخطورة هذا النوع من الجرائم على
االقتصاد الوطني.
لذلك أرى ومن خالل دراسة لهذا الموضوع أنه يجب على المشرع المغربي
اعتماد ما يلي :
اذا كانت إدارة الجمارك تهدف إلى حماية مصالحها ،فإن ذلك ال يجب أن -
يكون مبررا للخروج عن القواعد العامة لقيام المسؤولية الجنائية ،التي تراعي
الضمانات القانونية أثناء إثبات نسبة الفعل الجرمي إلى مرتكبه .لذلك أقترح أنه يجب
على المشرع الجمركي إعطاء دور أكبر للركن المعنوي والتقليص من الدور الكبير
للركن المادي.
وإذا كانت القوة القاهرة الحالة التي يمكن بها نفي المسؤولية الجنائية -
،فيجب على المشرع تدارك النقص الخاص بها ،ولدلك بتحديد حاالت القوة القاهرة.
توفير الضمانات القانونية الخاصة بالمتهم ودلك بالحد من قوة القرائن -
القانونية في المادة الجمركية ،وتمكين المتهم من الدفاع عن نفسه بجميع وسائل
اإلثبات.
إذ كان اإلثبات كخصوصية إجرائية في الميدان الجمركي يتميز بهيمنة -
المحاضر ذات حجية المطلقة ،فأرى أن يجب على المشرع الجمركي التخفيف من قوة
هذه المحاضر في اتجاه إعطاء سلطة تقديرية أوسع للقاضي الجنائي وذلك بغية إعطائه
الفرصة الكاملة لمناقشة وسائل اإلثبات بكل حرية ،للوصول للمحاكمة العادلة
91
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
الئحة المراجع
باللغة العربية
الكتب:
-أحمد حافظ الجعويني ،تطور اإلرادات العامة في مصر ،دار الفكر العربي،
دون تاريخ النشر
-إمام كمال الدين ،المسؤولية الجنائية ،أساسها وتطورها ،دراسة مقارنة ،في
القانون الوضعي والشريعة اإلسالمية ،الطبعة الثانية ،1999المؤسسة الجامعية
للدراسات والنشر والتوزيع.
-بيهي الحبيب ،شرح قانون المسطرة الجنائية الجديد ،الجزء األول ،منشورات
المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،الطبعة األولى ،مطبعة المعارف الجديدة،
الرباط.2004 ،
92
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
-عبد المنعم سليمان ،النظرية العامة لقانون العقوبات ،دار الجامعة الجديدة
للنشر ،اإلسكندرية .2000
-الغزواني الشرقاوي نور الدين ،مدونة الجمارك وفق أخر التعديالت ،الطبيعة
الجنائية والجبائية لمدونة الجمارك ،طبعة ،2003مكتبة دار السالم الرباط
-فتحي سرور أحمد ،الوسيط في قانون العقوبات ،القسم العام ،دار النهضة
العربية ،القاهرة .1981
93
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
-الملياني محمد ،القانون الجنائي العام ،مطبعة الجسور ،الطبعة األولى ،وجدة
.2005
.
94
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
األطروحات والرسائل:
*األطروحات
*الرسائل:
95
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
-الشرقي حفيظ ،جريمة التهريب ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في
القانون الخاص ،جامعة محمد الخامس ،كلية الحقوق ،الرباط1985 ،
-عافالني عبد الوهاب ،القانون الجنائي الجمركي ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات
العليا المعمقة ،جامعة الحسن الثاني ،كلية الحقوق الدار البيضاء.
-ليندة ليدودة ،دور إدارة الجمارك في متابعة الجرائم الجمركية ،مذكرة بحث
لنيل إجازة المعهد الوطني للقضاء .2004-2003
96
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
المقاالت:
-ختيم عبد القادر " ،الجريمة الجمركية" ،مجلة المرافعة ،العدد 7دجنبر
.1997
-زاليجي محمد " ،جريمة التهريب الجمركي بين مشروعية أدلتها ومالئمة
جزاءاتها" ،مجلة المناظرة ،العدد ،4يونيو .1999
97
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
-الشروقاوي الغزواني نور الدين " ،الطبيعة الجنائية لمدونة الجمارك" ،مجلة
الملف ،العدد 6ماي .2005
98
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
القرارات واألحكام:
99
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
الندوات:
-بادن محمد ،جرائم التهريب من خالل العمل القضائي ،الندوة الجهوية السابعة
للذكرى الخمسينية لتأسيس المجلس األعلى حول موضوع ،الجرائم المالية من خالل
قرارات المجلس األعلى ،خمسون سنة من العمل القضائي ،الندوة الجهوية السابعة،
دار الطالبة وجدة 31ماي فاتح يونيو .2007والمنشورة بمجلة المجلس األعلى
للقضاء ،الرباط .2007
100
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
: باللغة الفرنسية
OUVRAGES
MEMOIRES
ARTICLE
101
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
المواقع االلكترونية
-www.droitcivile.over-bloge.com .
102
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
الفهرس:
مقدمة1 ............................................................................................................... :
الفصل األول :المسؤولية الجنائية كخصوصية موضوعية للجريمة الجمركية7 ..........................
المبحث األول :أساس المسؤولية الجنائية الجمركية9 ......................................................
المطلب األول :المسؤولية الجنائية المفترضة 10 .......................................................
الفقرة األولى :ماهية الخطأ المفترض 11 .............................................................
الفقرة الثانية :الخطأ المفترض الجمركي 13 ..........................................................
المطلب الثاني :إسناد الجرائم لغير مرتكبها 20 ..........................................................
الفقرة األولى :المسؤولية الجنائية عن فعل الغير 21 ................................................
الفقرة الثانية :الشخص المعنوي 25 ....................................................................
المبحث الثاني :حدود المسؤولية الجنائية الجمركية 29 ....................................................
المطلب األول :المسؤولون جنائيا30 ......................................................................
الفقرة األولى :الفاعلون األصليون 31 .................................................................
الفقرة الثانية :المشاركون والمستفيدون من الغش 37 ...............................................
المطلب الثاني :موانع المسؤولية الجنائية44 .............................................................
الفقرة األولى :القوة القاهرة 44 ..........................................................................
الفقرة الثانية :المسؤولية الشخصية للمستخدم47 .....................................................
الفصل الثاني :اإلثبات كخصوصية إجرائية للجريمة الجمركية 50 .........................................
المبحث األول :األحكام العامة لإلثبات الجمركي 53 .......................................................
المطلب األول :ماهية اإلثبات في الميدان الجمركي 54 ................................................
الفقرة األولى :مفهوم اإلثبات 54 ........................................................................
الفقرة الثانية :النطاق المكاني لإلثبات 56 .............................................................
المطلب الثاني :طرق إثبات الجريمة الجمركية 59 .....................................................
الفقرة األولى :األشخاص المكلفون باإلثبات 59 ......................................................
الفقرة الثانية :شكليات المحاضر الخاصة باإلثبات 63 ..............................................
المبحث الثاني :خصوصيات اإلثبات الجمركي 68 .........................................................
المطلب األول :هيمنة المحاضر على وسائل اإلثبات الجمركية 70 ..................................
103
خصوصية الجريمة الجمركية
في التشريع المغربي
104