You are on page 1of 104

‫خصوصية الجريمة الجمركية‬

‫في التشريع المغربي‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫تعتبر الجرائم االقتصادية‪ 1‬من أخطر التحديات التي يواجهها المجتمع الدولي‬
‫بأسره‪ ،‬وذلك لما تشكله هذه الجرائم من خطر على االقتصاديات الوطنية والدولية‪،‬‬
‫وعلى األموال العامة والخاصة‪.‬‬
‫وتتعدد صور الجرائم االقتصادية المتمثلة في جرائم االعتداء على المال العام‬
‫وجرائم الغش الضريبي والجمركي والغش التجاري التي تمثل انتهاكا للسياسة‬
‫االقتصادية‪.2‬‬
‫وتعد الجرائم الجمركية فرعا من فروع الجرائم االقتصادية‪ ،‬وذلك للطبيعة‬
‫التقنية التي تتميز بها‪ ،‬وكذلك إلى كونها جرائم تمس االقتصاد الوطني‪ ،‬بصفة مباشرة‬
‫عن طريق التهرب من الرسوم الجمركية‪.‬‬
‫ومن ثم تدخل المشرع بخلق قانون خاص لمحاربة هذا النوع من الجرائم يسمى‬
‫قانون الجمارك‪ 3‬والضرائب غير المباشرة‪ ،4‬ويعتبر هذا القانون اإلطار المرجعي‬
‫إلدارة الجمارك عند ممارستها لمهامها واختصاصاتها‪ ،‬وقد عرف المشرع المغربي‬
‫الجريمة الجمركية في المادة ‪ 204‬من مدونة الجمارك بنصه على أن المخالفة‬
‫الجمركية هي عمل أو امتناع مخالف للقوانين واألنظمة الجمركية‪.‬‬
‫وكما هو معلوم فالمجال الجمركي ذو ارتباط وثيق باالقتصاد الوطني‪،‬وذلك ألن‬
‫تعتبر‬ ‫المجال اإلقتصادي يشكل مجاال تنشط فيه إدارة الجمارك‪ ، 5‬فهذه األخيرة‬
‫العامل على تنشيط العمليات االقتصادية ‪،‬عالوة على دورها التقليدي المتمثل في‬

‫‪ 1‬الجريمة االقتصادية هي كل فعل أو امتناع يقع بالمخالفة للقانون العقابي أو القوانين العقابية الخاصة األخرى ويشكل‬
‫خطرا شديدا أو يسبب ضررا لالقتصاد الوطني ‪.‬منتصر سعيد حموده‪ ،‬الجرائم االقتصادية ‪ ،‬دار الجامعة الجديدة االسكندرية‪،‬‬
‫طبعة‪، 2010‬ص‪.52‬‬
‫‪ - 2‬سيد شوربجي عبد المولى‪ ،‬مواجهة الجرائم االقتصادية في الدول العربية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬الرياض ‪ ،2006‬ص ‪.5‬‬
‫‪ - 3‬إن كلمة جمركي ‪ Doune‬مشتقة من المصطلح الفارسي ديوان الذي يقصد به مكان اجتماع موظفي المالية وقد اقتبسه‬
‫العرب من الفرس بعد الفتح اإلسالمي فاستعمل للداللة على مرافق الدولة كديوان الخراج الذي يختص لتحصيل الضرائب‪.‬‬
‫راجع أحمد حافظ الجعويني‪ ،‬تطور اإلرادات العامة في مصر‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬دون تاريخ النشر‪ ،‬ص ‪.182‬‬
‫‪ - 4‬مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة المصادق عليها بالظهير الشريف بمثابة قانون رقم ‪ 1.77.339‬بتاريخ ‪25‬‬
‫شوال ‪ 9(1397‬أكتوبر ‪ )1977‬منشور بالجريدة الرسمية‪ ،‬عدد ‪ 3389‬مكرر‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪-Mohamed CHADI ," La douane marocaine face à Mondialisation ", Revue AL Milaf ,‬‬
‫‪N 8, P 6.‬‬

‫‪1‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫استخالص الضرائب الناتجة عن تداول السلع عبر الحدود‪ ،‬سواء باالستيراد أو‬
‫التصدير‪.‬‬
‫وترجع بوادر العمل الجمركي إلى المجتمعات البشرية القديمة‪ ،‬وقد عرفه‬
‫المغرب منذ القدم‪ ،‬ويمكن القول بأن النظام الجمركي المغربي لم ينبثق من ال شيء‪،‬‬
‫ولكنه جاء نتيجة للتطورات التي عرفها المغرب منذ أقدم العصور‪ ،‬فالموقع الجغرافي‬
‫للمغرب كان سببا في االنفتاح المبكر على الغرب‪ ،6‬مما جعل الرقابة الجمركية تترسخ‬
‫بشكل واضح بالمغرب‪ ،‬وقد ترسخت أكثر بعد الفتوحات اإلسالمية‪ ،‬وتتعزز الرقابة‬
‫بوا سطة فرض الرسوم الجمركية وتقديم إعانات التصدير ومراجعة قيمة العملة‬
‫الوطنية‪.7‬‬
‫فالعمل الجمركي يقوم بدور‪ 8‬هام في الحياة االقتصادية وذلك بإدخاله إلى مالية‬
‫الدولة متحصالت مهمة من الرسوم والجبايات‪ ،‬وبالتالي فإن السير العادي لعمل إدارة‬
‫الجمارك ال ينبغي أن يشوبه أي عائق‪ ،‬وفي حالة عرقلة عمل إدارة الجمارك عن‬
‫طريق مخالفة األنظمة والقوانين الجاري بها العمل في الميدان الجمركي يتدخل‬
‫التشريع الجنائي الجمركي للضرب بقوة على يدي مرتكب المخالفات‪ 9‬الجمركية‪.‬‬

‫وتشمل الجرائم الجمركية عدة مخالفات‪ ،‬إال أن أهم جريمة تقع مخالفة للقوانين‬
‫واألنظمة الجمركية هي جريمة التهريب‪ ،‬على اعتبار اتساع المجال الجغرافي لهذا‬
‫النوع من الجرائم‪ ،‬وكونها جريمة دولية‪ ،‬وكذلك إلى الطبيعة التقنية واالحترافية في‬

‫‪ - 6‬فاطمة الحمدان بحير‪ ،‬السياسة الجمركية المغربية وإشكالية المبادالت التجارية الدولية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء المغرب‪ ،‬طبعة ‪ ،2005‬ص ‪.36‬‬
‫‪ - 7‬حيث أن الزيادة في أسعار تلك الرسوم تهدف إلى تخفيض قيمة الواردات وحماية اإلنتاج الوطني من المنافسة األجنبية‬
‫من خالل تقييد استيراد السلع األجنبية إلى الداخل وأن فرض رسوم االستيراد ينعكس من جهة على أسعار المواد المستوردة‬
‫بحيث يتساوى أو يفوق تكاليف اإلنتاج الداخلي‪ ،‬ومن جهة أخرى على توزيع الدخل بين المنتجين والمستهلكين‪ .‬العباس‬
‫الوردي‪ ،‬األبعاد االقتصادية للنظام الجمركي المغربي‪ ،‬بحث لنيل شهادة الماستر في القانون العام‪ ،‬جامعة محمد الخامس‬
‫السويسي‪ ،2010-2009 ،‬ص ‪.1‬‬
‫‪ 8‬للمزيد أكثر حول دور ادارة الجمارك راجع‪Jean-cloude RENOUE ,La douane, Presse Universitaires de‬‬
‫‪France ,la rousse, 1er édition : 1989 , Paris, P 13-‬‬
‫‪ - 9‬تجب اإلشارة هنا إلى أن المخالفة الواردة في القانون الجمركي‪ ،‬ليست هي الواردة في القانون الجنائي‪ ،‬على اعتبار أن‬
‫هذا األخير في الفصل ‪ 111‬منه أن المخالفة هي تلك الجريمة المعاقب عليها باالعتقال لمدة تقل عن شهر وبغرامة من ‪30‬‬
‫إلى ‪ 1200‬درهم‪ ،‬في حين نجد أن المخالفة الجمركية على اختالف أنواعها تشكل جنحا بالنظر إلى العقوبات المقررة لها في‬
‫الفصول من ‪ 279‬إلى ‪ 299‬ويظهر أن المراد بالمخالفة هنا ليس االصطالح القانوني الوارد في القانون الجنائي بل المعنى‬
‫اللغوي‪ ،‬أي اإلخالل بالقوانين واألنظمة الجمركية‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫تنفيذها‪ ،‬يجعل من الصعب إثباتها ‪،‬وبالتالي قيام مسؤولية مرتكبها‪ .‬مما دفع المشرع‬
‫الجنائي الجمركي إلى سن مقتضيات زجرية تتناسب ‪،‬و طبيعة الجرائم الواردة على‬
‫الميدان الجمركي وإن كانت تتعارض في صميمها مع مجموعة من المبادئ القانونية‬
‫العامة‪ ،‬وتشكل استثناء عليها‪.‬‬

‫وإذا كان القانون الجمركي يوصف تقليديا بأنه تشريع ذو طبيعة تقنية‪ ،‬فإن هذه‬
‫الخاصية ال تخفي أنه يتوخى تحقيق أهداف مالية واقتصادية تتعلق بتحفيز االستثمار‬
‫وإنعاش التصدير من خالل األنظمة االقتصادية الجمركية‪ ،‬وحماية حق الدولة في‬
‫استخالص الرسوم‪.10‬‬

‫هذه األهداف‪ ،‬دفعت المشرع الجمركي إلى وضع قواعد خاصة بالجريمة‬
‫الجمركية‪ ،‬تختلف عن الجرائم الواردة في القانون الجنائي‪ 11‬العام‪.‬‬

‫وخصوصية الجريمة الجمركية تبرز من الناحية الموضوعية واإلجرائية‬


‫لقيامها‪ ،‬فمن حيث الخصوصية الموضوعية التي تميز الجريمة الجمركية‪ ،‬نجدها‬
‫تتجلى في قيام المسؤولية الجنائية باعتبارها أهم خصوصية موضوعية للجريمة‬
‫الجمركية‪ ،‬أما من حيث الخصوصية اإلجرائية فنجد اإلثبات الخاص بالجريمة‬
‫الجمركية‪ ،‬والذي يتميز بعدة خصوصيات عن اإلثبات الوارد على جرائم القانون‬
‫الجنائي‪.‬‬

‫وبالرجوع إلى تطور المسؤولية الجنائية باعتبارها خصوصية موضوعية‬


‫للجريمة الجمركية‪ ،‬نجد أن اإلنسانية لم تعرف المسؤولية الجنائية بالمفهوم الذي هي‬
‫عليه دفعة واحدة‪ ،‬وإنما كان ذلك عبر مراحل تطورية‪ ،‬وتطور المسؤولية يعتمد على‬

‫‪ - 10‬محمد حدوتي‪ "،‬المسؤولية واإلثبات في القانون الجمركي"‪ .،‬الجرائم المالية من خالل قرارات المجلس األعلى‪،‬‬
‫خمسون سنة من العمل القضائي‪ ،‬الندوة الجهوية السابعة‪ ،‬دار الطالبة وجدة ‪ 21‬ماي‪ ،‬فاتح يونيو ‪،2007‬ص‪301‬‬
‫‪ - 11‬الظهير الشريف رقم ‪ 1.59.413‬صادر في ‪ 28‬جمادى الثانية‪26(1382‬نونبر ‪ )1962‬بالمصادقة على مجموعة القانون‬
‫الجنائي ‪ ،‬منشور بالجريدة الرسمية عدد ‪ 2640‬مكرر بتاريخ ‪ 12‬محرم ‪5(1383‬يونيو‪،)1963‬ص ‪.1253‬‬

‫‪3‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫األساس الذي تنهض عليه‪ ،‬الذي يرتبط باألساس الفلسفي والفكري للعقاب‪ ،‬والغاية من‬
‫ذلك‪ ،‬ألن العقوبة في إقرارها وفرضها تعد مقياس لتقدم حضارة األمم‪.12‬‬

‫ويعتبر مفهوم المسؤولية المفهوم األساس من أجل ترتيب رد الفعل االجتماعي‬


‫تجاه األفعال المخالفة للقانون الجنائي‪ ،‬ولهذا المفهوم بعدا فلسفيا طرح منذ القدم‪ ،‬يرتبط‬
‫باإلرادة الحرة والتمييز‪ ،‬أي قابلية الشخص ألن يكون محل عقاب نظرا لتوفره على‬
‫إرادة حرة‪ ،‬وقدرة على التمييز‪ ،‬وله بعد آخر‪ ،‬يمكن أن نعتبره تقنيا‪ ،‬يرتبط بدور‬
‫الفاعل‪ ،‬بالعنصر المعنوي عنده‪ ،‬أي يسأل عن صدور أو عدم صدور خطأ منه‪.13‬‬

‫وبالرجوع إلى المسؤولية الجنائية عن الجريمة الجمركية‪ ،‬نجد أنها ال تعطي‬


‫أهمية أكبر للركن المعنوي‪ ،‬بل تكتفي في بعض األحيان بتوافر الركن المادي لقيام‬
‫الجريمة الجمركية‪ ،‬ما يجعل هذا النوع من الجرائم يقوم على أساس الخطأ المفترض‪،‬‬
‫وال تلزم النيابة العامة أو إدارة الجمارك ‪،‬إال بإثبات الركن القانوني والمادي للجريمة‬
‫الجمركية‪ ،‬بغض النظر عن توافر الركن المعنوي‪.‬‬

‫أما الخصوصية اإلجرائية للجريمة الجمركية والمتمثلة في اإلثبات‪ ،‬فإن هذا‬


‫األخير عرف بدوره تطورا‪ ،‬حيث كانت الحضارات القديمة تلجأ إلى وسائل مختلفة في‬
‫اإلثبات‪ ،‬كاإلثبات بالمبارزة‪ ،‬إلى أن تم الوصول إلى الوسائل الحالية في اإلثبات سواء‬
‫أكانت تقليدية‪ ،‬كالشهادة‪ ،‬والقرائن‪ ،‬واالعتراف أو كانت حديثة كالخبرة‪.‬‬

‫ويعتبر الميدان الجمركي مجال واسع لإلثبات‪ ،‬على اعتبار أن الجرائم التي يتم‬
‫ارتكابها‪ ،‬ال يمكن مساءلة مرتكبها‪ ،‬إال بإثبات نسبة الجريمة الجمركية إليه‪ ،‬وذلك ألن‬
‫تطبيق العقوبة على أي شخص مرتكب لجريمة كيفما كان نوعها‪ ،‬ال يستقيم إال بإثبات‬
‫ارتكابه لها‪ ،‬بصفة مباشرة أو غير مباشرة‪ ،‬بمختلف وسائل اإلثبات القانونية‪.‬‬

‫‪ - 12‬محمد حماد مرهج الهيتي‪ ،‬الخطأ المفترض في المسؤولية الجنائية‪ ،‬طبعة ‪ ،2005‬دار الثقافة‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫‪ - 13‬محمد الملياني‪ ،‬القانون الجنائي العام‪،‬مطبعة الجسور‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ، 2005‬ص ‪.195‬‬

‫‪4‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫ومن هنا تبرز لنا أهمية دراسة موضوع خصوصية الجريمة الجمركية‪ ،‬ال من‬
‫حيث الجانب الموضوعي أو اإلجرائي‪ ،‬على اعتبار الخصوصيات التي تميز كالهما‪،‬‬
‫مقارنة مع القواعد العامة المقررة في القانون الجنائي العام والمسطرة الجنائية‪،‬‬

‫كما تبرز أهمية دراسة هذا الموضوع‪ ،‬من خالل تسليط الضوء على موضوع‬
‫جدير بالبحث والتحليل ‪ ،‬يهم االقتصاد الوطني‪ ،‬وال نجد إقباال من طرف الباحثين على‬
‫هذا النوع من المواضيع‪ ،‬فهناك ندرة الدراسات واألبحاث المتعلقة به‪.‬‬

‫باإلضافة إلى ذلك فخصوصية الجريمة الجمركية‪ ،‬سواء الموضوعية أو‬


‫اإلجرائية‪ ،‬من حيث المسؤولية واإلثبات‪ ،‬تمثل خروجا عن المبادئ العامة المقررة في‬
‫القانون الجنائي‪ ،‬فنجد أن المسؤولية الجنائية عن الجريمة الجمركية‪ ،‬توسع من نطاق‬
‫المشمولين بأحكام المسؤولية‪ ،‬عن طريق إدخال مفاهيم جديدة للمسؤولية والتي تتجلى‬
‫من خالل المستفيدين من الغش والمسؤولية الجنائية المفترضة‪ ،‬باإلضافة إلى ذلك نجد‬
‫فيها إسناد الجريمة لغير مرتكبيها‪.‬‬

‫أما من حيث الخصوصية اإلجرائية فنجد في اإلثبات‪ ،‬خروجا عن المبادئ‬


‫العامة سواء من حيث عبء اإلثبات أو بتقدير أدلة اإلثبات‪ ،‬وتظهر كذلك هذه‬
‫الخصوصية من حيث طبيعة المحاضر الجمركية‪.‬‬

‫ودراسة هذا الموضوع تطرح عدة إشكاالت‪ ،‬فيجب البحث عن خصوصية‬


‫الجريمة الجمركية‪ ،‬من ناحية الموضوعية واإلجرائية ومعرفة مدى استقالليتها عن‬
‫القانون الجنائي العام‪ ،‬ومن ثمة نكون بصدد معالجة عالقة القانون الجنائي بالتشريع‬
‫الجمركي‪ ،‬وتحديد طبيعة هذه العالقة‪ ،‬هل هي عالقة استقالل أم عالقة تبعية‪ ،‬وبعبارة‬
‫أخرى سنحاول البحث في هذا الموضوع استقاللية القانون الجمركي‪ ،‬بمبادئ وأسس‬
‫تجعله يتميز عن القانون الجنائي‪ ،‬أما أن القانون الجنائي الجمركي ال يعدو أن يكون‬
‫نصا جنائيا خاصا تبعا في قواعد الموضوعية واإلجرائية للقانون الجنائي؟‬

‫‪5‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫كما نبحث من خالل الخصوصية التي تميز الجريمة الجمركية‪ ،‬مامدى‬


‫استطاعت المشرع المغربي من خالل مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة‬
‫التوفيق بين مصالح إدارة الجمارك والضمانات القانونية الخاصة بالمتهم؟‬

‫لهذا نقترح تخصيص بحث لدراسة خصوصية الجريمة الجمركية في التشريع‬


‫المغربي‪ ،‬وكذلك على ضوء االجتهادات القضائية التي تناولت هذا الموضوع‪.‬‬

‫وإذا كان موضوع البحث هو خصوصية الجريمة الجمركية‪ ،‬في التشريع‬


‫المغربي فإن تقسيمنا لهذا الموضوع سيكون منسجما وعنوانه‪ ،‬حيث سنتناول بالدراسة‬
‫المسؤولية الجنائية عن الجريمة الجمركية كخصوصية موضوعية في الفصل األول‪،‬‬
‫على أن نمر بعد ذلك إلى دراسة اإلثبات في الجريمة الجمركية كخصوصية إجرائية‬
‫(الفصل الثاني) معتمدين في ذلك على المنهجين التحليلي والنقدي‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫الفصل األول‪ :‬المسؤولية الجنائية كخصوصية موضوعية‬


‫للجريمة الجمركية‬
‫تعتبر المسؤولية الجنائية‪ ،‬هي أساس أية متابعة جنائية‪ ،‬فلكي نتابع أي شخص‬
‫ذاتي أو معنوي‪ ،‬البد من إثبات قيام مسؤوليته الجنائية‪ ،،‬وبالرجوع إلى القانون الجنائي‬
‫حصر دائرة المسؤولية في قيام الشخص ماديا بالفعل‬ ‫‪14‬‬
‫العام نجده في الفصل‪132‬‬
‫المجرم لقيام مسؤوليته الجنائية‪ ،‬مع إدراكه وتمييزه لكون األفعال التي يقوم بها‬
‫مجرمة‪ ،‬إال أننا في الفقرة األخيرة من نفس الفصل نجدها تنص "وال يستثنى من هذا‬
‫المبدأ إال الحاالت التي ينص فيها القانون صراحة على خالف ذلك"‪ ،‬فالمشرع هنا‬
‫ترك الباب مفتوحا للخروج عن هذه القاعدة العامة‪ ،‬وهذا االستثناء نجده ضمن القوانين‬
‫الخاصة وبالضبط في القوانين ذات الطابع االقتصادي‪.‬‬

‫ويعتبر القانون الجمركي أحد القوانين ذات الطابع االقتصادي ويأخذ فيه‪ ،‬مفهوم‬
‫المسؤولية الجنائية اتساعا وخروجا عن القواعد العامة الواردة في القانون الجنائي‬
‫المحددة لكيفية قيام المسؤولية الجنائية‪.‬‬

‫ويجد اتساع مفهوم المسؤولية الجنائية في النطاق الجمركي مبرره إلى كون‬
‫الميدان الجمركي ذو طبيعة تقنية‪ ،‬ومرنة على اعتبار الحركية التي يعرفها ميدان عمل‬
‫إدارة الجمارك‪ ،‬مما يجعل المسؤولية الجنائية هنا تتميز بعدة خصوصيات عن‬
‫المسؤولية الجنائية في إطار القواعد العامة‪.‬‬

‫فالمسؤولية الجنائية في المادة الجمركية‪ ،‬تقوم على القرائن واالفتراضات‪ ،‬وهو‬


‫ما يعرف بالمسؤولية الجنائية المفترضة‪ ،‬كذلك نجد فيها –المادة الجمركية‪ -‬المسؤولية‬
‫الجنائية عن فعل الغير‪ ،‬مما يوسع من نطاق األشخاص المشمولين بأحكام هذا القانون‪،‬‬
‫وتوسيع دائرة المسؤولون جنائيا‪ ،‬إضافة إلى ذلك فخصوصيات المسؤولية الجنائية في‬

‫‪14‬ينص الفصل ‪ 132‬من القانون الجنائي في باب المسؤولية الجنائية في فقرته األولى على أنه‪":‬كل شخص سليم العقل قادر‬
‫على التمييز يكون مسؤوال شخصيا‪"...‬‬

‫‪7‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫الما دة الجمركية تظهر من خالل الفئات المعنية بهذه المسؤولية وكيفية قيام مسؤوليهم‬
‫وأساسها وكيفية نفي هذه المسؤولية‪.‬‬

‫وإلبراز خصوصيات المسؤولة الجنائية في الجريمة الجمركية‪ ،‬سنعمل في هذا‬


‫الفصل على بحث وتحليل أساس هذه المسؤولية في (المبحث األول)‪ ،‬وذلك من خالل‬
‫التطرق إلى المسؤولية الجنائية المفترضة في المادة الجمركية‪ ،‬وإلى إسناد الجريمة‬
‫لغير مرتكبها‪.‬‬

‫وتماشيا مع الخصوصيات التي تتميز بها المسؤولية الجنائية عن الجريمة‬


‫الجمركية‪ ،‬فإننا سنخصص (المبحث الثاني) لحدود المسؤولية الجنائية في المادة‬
‫الجمركية‪ ،‬من خالل التطرق إلى المسؤولون جنائيا وكيفية نفي المسؤولية الجنائية‬
‫عنهم‪.‬‬

‫وعليه سيكون تقسيم هذا الفصل على الشكل التالي‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬أساس المسؤولية الجنائية الجمركية‬

‫المبحث الثاني‪ :‬حدود المسؤولية الجنائية الجمركية‬

‫‪8‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫المبحث األول‪ :‬أساس المسؤولية الجنائية الجمركية‬

‫تظهر خصوصية المسؤولية الجنائية الجمركية‪ ،‬كخصوصية موضوعية‬


‫للجريمة الجمركية من حيث أساس قيا مها ‪ ،‬فإذا كان وجود إرادة حرة وإدراك وتميز‬
‫لدى الجاني ‪ ،‬أساس قيام مسوؤليته الجنائية في القانون الجنائي العام كما حدد ذلك‬
‫الفصل ‪ 132‬من القانون الجنائي والتي تتسم بقيامها على مبدأ شخصية المسؤولية ‪.‬‬

‫فإننا في القانون الجمركي‪ ،‬نجد خروجا عن المبادئ العامة للقانون ‪ ،‬فأساس‬


‫المسؤولية الجنائية في التشريع الجمركي‪ ،‬يختلف عن القانون الجنائي ‪ ،‬مما يعطي‬
‫للمسؤولية الجنائية في المادة الجمركية خصوصية ‪.‬‬

‫فالمسؤولية الجنائية في المادة الجمركية تقوم على أساس الخطأ المفترض ‪،‬أي‬
‫افتراض الخطأ لدى بعض األشخاص بمقتضى قرينة قانونية ‪،‬فتقوم مسؤولية مرتكب‬
‫المخالفة الجمركية بغض النظر عن عنصر القصد‪،‬وذلك مايعرف بالمسؤولية الجنائية‬
‫المفترضة‪.‬‬

‫كما أنها تتميز من حيث أساسها ‪ ،‬بإسناد الجريمة الجمركية لغير مرتكبها من‬
‫خالل المسؤولية الجنائية عن فعل الغير والمسؤولية الجنائية لشخص المعنوي ‪.‬‬
‫وسنحاول في هذا المبحث التطرق إلى أساس المسؤولية الجنائية الجمركية‪،‬من خالل‬
‫الحديث عن المسؤولية الجنائية المفترضة (المطلب األول) ‪،‬وعن إسناد الجرائم لغير‬
‫مرتكبها(المطلب الثاني)‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫المطلب األول‪ :‬المسؤولية الجنائية المفترضة‬


‫تعتبر المسؤولية الجنائية‪ ،‬هي مناط المساءلة عن فعل مخالف للقانون الجنائي‬
‫وتقوم المسؤولية الجنائية بتوافر أركانها‪.‬‬

‫وبالرجوع إلى مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة‪ ،‬نجد أن المشرع في‬
‫هذه المدونة‪ ،‬خرج عن السياسة الجنائية العامة‪ ،‬المتبعة في ضبط الجرائم ومعاقبة‬
‫مرتكبيها‪ ،‬ومن بين تجليات هذا الخروج هو خلق مراكز قانونية جديدة‪ ،‬يمكن من‬
‫خاللها ضبط مرتكبي الجرائم الجمركية‪ ،‬وتوسيع نطاق األشخاص المعنيين بأحكام هذا‬
‫القانون‪.‬‬

‫فقد تفرعت عن السياسة الجنائية العامة‪ ،‬سياسة جنائية جمركية‪ ،‬وهذه األخيرة‬
‫أضحت بخروجها الدائم عن القواعد العامة الواردة في القانون الجنائي‪ ،‬تتميز‬
‫‪15‬‬
‫بخصوصيات‪.‬‬

‫وقد ترجع أسباب هذه الخصوصيات وهذا الخروج عن القواعد العامة‪ ،‬إلى‬
‫طبيعة عمل إدارة الجمارك‪ ،‬فنظرا للطبيعة الخاصة التي يتميز بها عمل إدارة‬
‫الجمارك‪ ،‬ألن اإلدارة تراقب حركية البضائع عبر الحدود الجمركية‪ ،‬وانطالقا من‬
‫األدوار المنوط بها‪ ،‬والتي منها الكشف عن الجرائم التي ترتكب أثناء حركية البضائع‬
‫في الحدود الجمركية‪.‬‬

‫األمر الذي دفع المشرع إلى توسيع دائرة المشمولين باألحكام الجنائية لهذه‬
‫المدونة‪ ،‬وخلق نصوص قانونية في هذه المدونة تجعل إلدارة الجمارك أثناء عملها‬
‫سهولة في إثبات المسؤولية الجنائية لمرتكب المخالفة الجمركية‪.‬‬

‫‪ 15‬الشلي محمد‪ .‬الحبيب الدقاق‪ ،‬المصالحة الجمركية في القانون المغربي‪ ،‬الطبعة األولى ص‪2010‘ 258‬‬

‫‪10‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫ومن بين هذه الخصوصيات التي تتميز بها مدونة الجمارك‪ ،‬نجد المسؤولية‬
‫الجنائية المفترضة في حق بعض األشخاص بحكم المهام المنوطة بهم أو األنشطة التي‬
‫يزاولونها كأساس لقيام مسؤوليتهم الجنائية‪.‬‬

‫وسنحاول في هذا المطلب التطرق إلى المسؤولية الجنائية المفترضة في الميدان‬


‫الجمركي‪ ،‬باعتبارها أحد األسس المهمة التي تقوم عليها المسؤولية الجنائية في هذا‬
‫الميدان‪ ،‬وذلك من خالل الحديث عن ماهية الخطأ المفترض (الفقرة األولى)‪ ،‬ثم بعد‬
‫ذلك الحديث عن الخطأ المفترض في الميدان الجمركي‬

‫الفقرة األولى‪ :‬ماهية الخطأ المفترض‬

‫الخطأ المفترض‪ ،‬إما أن يفترضه القضاء في الحاالت التي تقتضي طبيعة بعض‬
‫الجرائم ذلك في نطاق إثبات ركنها المعنوي‪ ،‬وإما أن يكون المشرع هو الجهة التي تقيم‬
‫هذه القرينة‪ ،‬وف ي الحالتين يترتب عليه اإلعفاء من إقامة الدليل على ثبوت الخطأ‬
‫بجانب الشخص المسؤول‪ ،‬مما يؤدي إلى القول بأن واقع الخطأ المفترض هو أن‬
‫االفتراض يجب أن يقتصر دوره على نقل عبء اإلثبات من الجهة المختصة أصال إلى‬
‫المتهم الذي عليه حينئذ أن ينفي ثبوت الخطأ في جانبه إن سمح القانون بذلك‪.16‬ونكون‬
‫أمام المسؤولية الجنائية المفترضة أو الموضوعية ما دام الركن المعنوي للجريمة‬
‫يفترض وجود قصد جنائي أثم لدى الجنائي‪ ،‬ويأخذ أحد الصورتين‪ ،‬العمد والخطأ غير‬
‫العمد‪ ،‬وأن يتوفر هذا القصد في اللحظة التي يباشر فيها الجاني ارتكابه لتصرف غير‬
‫مشر وع مما يجعل باإلمكان خضوعه للمساءلة الجنائية والعقاب‪ ،‬في الحاالت التي‬
‫يحددها القانون‪.‬‬

‫‪ - 16‬محمد حماد مرهج الهيتي‪ ،‬الخطأ المفترض في المسؤولية الجنائية‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،2005 ،‬ص ‪128‬‬
‫أورده عن أحمد فتحي سرور‪ ،‬الوسيط في قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة ‪ ،1981‬ص ‪.581‬‬

‫‪11‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫وهناك رأي في الفقه وجد أن انتفاء القصد الجنائي األتم لدى الجاني ال يحول‬
‫دون قيام المسؤولية الجنائية في بعض الجرائم‪ ،‬وذلك ألن الركن المعنوي إنما يشترط‬
‫لنوع معين من الجرائم هي التي تنطوي على اإلهمال وعدم التبصر‪.17‬‬

‫‪ -1‬الخطأ المفترض في الجرائم العمدية‬

‫استقر األمر في الفقه الجنائي على أن هناك بعض الجرائم من شأن السلوك‬
‫المرتكب فيها أن يكشف القصد المكون لها حتى أنه ال يمكن تصور ارتكابها دون أن‬
‫يكون كامنا فيها هذا القصد‪.18‬‬

‫ويتبين في نطاق إسناد العمد‪ ،‬أن طبيعة هذه الجرائم والسلوك المكون لها‪ ،‬وراء‬
‫لجوء القضاء إلى افتراض القصد الجنائي فيها‪ ،‬بل على القضاء أن يعد القصد الجرمي‬
‫متوفر بمجرد إسناد السلوك المكون لها‪.‬‬

‫فالخطأ المفترض في الجرائم العمدية‪ ،‬ينص على التجريم على مجرد السلوك‬
‫دون حصول نتيجة ضارة‪ ،‬فقد تقع النتيجة الضارة من الفعل وقد ال تقع‪ ،‬ورغم ذلك‬
‫فإن الجريمة قائمة لمجرد القيام بالفعل المجرم‪.‬‬

‫وعليه فمتى كان الفعل المعاقب عليها مجردا من النتيجة الضارة فإن العمد في‬
‫هذه الحالة متالزم مع ذات الفعل‪ ،‬ما دام الفعل صادر عن إرادة حرة وإدراك‪.19‬‬

‫‪ -2‬الخطأ المفترض في الجرائم الغير عمدية‬

‫بالنسبة للجرائم غير العمدية‪ ،‬فقيام ما يسمى بالمسؤولية المفترضة في هذا النوع‬
‫من الجرائم‪ ،‬قد ال يختلف كثيرا عما هو عليه األمر‪ ،‬في الجرائم العمدية‪ ،‬فهذا النوع‬
‫من الخطأ المفترض يقوم على أساس اإلهمال‪ ،‬ونجد له تطبيقا عمليا في مدونة‬
‫الجمارك‪ ،‬كما سنوضح فيما بعد‪:‬‬
‫‪17‬‬
‫‪- http://siencesjuridique.hlamantda.net/t6336-Topic‬‬
‫اطلع عليه يوم ‪ 21‬غشت ‪ 2011‬على الساعة ‪ 19.16‬مساء‪.‬‬
‫‪ - 18‬رمسيس بهنام‪" ،‬االتجاهات الحديثة في نظرية الفعل والفاعل"‪ ،‬مجلة الحقوق‪ ،‬العدد الثالث‪ ،1960- 1959 ،‬مطبعة‬
‫جامعة اإلسكندرية‪ ،‬ص ‪ 940‬أوردها محمد حماد مرهج الهيتي ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.120‬‬
‫‪ - 19‬محمد حماد مرهج الهيتي‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.121‬‬

‫‪12‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫فالعنصر األساسي للحديث عن الخطأ المفترض في الجرائم غير العمدية‪ ،‬هو‬


‫اإلهمال الذي يقوم به الفاعل‪ ،‬عند توجيه إرادته إلى جهة يخالف بموجبها أوامر‬
‫ونواهي المشرع‪ ،‬واقترافه الفعل المخالف هو العنصر الذي يقوم عليه الخطأ‬
‫المفترض‪.‬‬

‫فالتجريم في نطاق الجرائم غير العمدية ينص على نشاط مادي مجرد مع غياب‬
‫النتيجة بمدلولها المادي‪.20‬‬

‫وخالصة القول فالخطأ المفترض إما أن يكون بالصورة العمدية ويأخذ وصف‬
‫"العمد المفترض"‪ ،‬أو أن يكون بالصورة الغير عمدية‪ ،‬ويأخذ وصف "الخطأ غير‬
‫العمدي المفترض"‪ ،‬وحيث أن واقع الخطأ المفترض يتمثل بنقل عبء اإلثبات من على‬
‫عاتق الجهة المكلفة بإثباته إلى جهة المتهم‪.‬‬

‫فالخطأ المفترض يمكن أن نعرفه بأنه "ذات الخطأ بأحد صورتيه العمدية أو‬
‫غير العمدية غير أنه اتصف بهذا الوصف من افتراض ثبوته من جانب المتهم‪ ،‬وإعفاء‬
‫القضاء من إقامة الدليل عليه وإثباته‪ ،‬فالخطأ المفترض إذن خطأ قائم على افتراض‬
‫ثبوته من جهة مقترف الفعل بحيث ال يقام الدليل عليه من الجهة المكلفة أصال بذلك‪.21‬‬

‫وإذا كانت هذه هي ماهية الخطأ المفترض‪ ،‬فما هي تجليات الخطأ المفترض في‬
‫المادة الجمركية؟‬

‫سنقوم في الفقرة الموالية باستعراض تجليات المسؤولية الجنائية المفترضة في‬


‫نطاق المادة الجمركية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الخطأ المفترض الجمركي‬


‫تعتبر الجرائم الجمركية‪ ،‬فرع ضمن نطاق الجرائم االقتصادية‪ ،‬هذه األخيرة‬
‫تتميز بكونها جرائم مادية تقوم على أساس الخطأ المفترض ألن ماديات هذه الجرائم‬

‫‪ - 20‬محمد حماد مرهج الهيتي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.125‬‬


‫‪ - 21‬محمد حماد مرهج الهيتي‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.129‬‬

‫‪13‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫سريعة االندثار من جهة وصعبة اإلثبات من جهة أخرى‪ ،22‬كما أن نظام المسؤولية في‬
‫التشريع الجنائي الجمركي يقوم على نظام القرائن واالفتراضات‪ ،‬والذي يتبنى بدوره‬
‫مجرد وقائع مادية تتحقق بها المسؤولية الجنائية المفترضة‪.‬‬

‫ويتجلى األساس القانوني للمسؤولية الجنائية المفترضة في المادة الجمركية من‬


‫من مدونة الجمارك‪ ،‬وبفضل هذه القرينة يمكن لإلدارة أن تجد‬ ‫‪23‬‬
‫خالل الفصل ‪223‬‬
‫لكل مخالفة جمركية مسؤوال ما‪ ،‬وبكثير من السهولة‪ ،‬وفي نفس الوقت فإن إدارة‬
‫الجمارك ال تكون ملزمة بتقديم الدليل على ارتكاب المخالفة‪ ،‬وبالمقابل فإن المخالف ال‬
‫يمكنه أن يعرض إثبات معاكس إال في حاالت نادرة جدا‪ ،24‬ويرجع السبب في أخذ‬
‫المشرع المغربي هذا المنحى‪ ،‬هو محاولته شأنه في ذلك شأن المشرع الفرنسي أن يلزم‬
‫بعض األشخاص باتخاذ كافة التدابير الخاصة بالمراقبة وعدم اإلهمال‪ ،‬حتى يستطيع‬
‫أن يضمن نجاعة أكبر لهذا القانون‪ ،‬بأن جعله قانونا وقائيا‪ ،‬فيقرر أنه يقوم في حق‬
‫بعض األشخاص قرائن تجعلهم مسؤولين عن المخالفات التي تقع من طرفهم‪.25‬‬

‫وانطالقا من الفصل ‪ 223‬نجد أن المشرع الجمركي‪ ،‬حدد ثالث فئات افترض‬


‫فيهم قيام مسؤوليتهم الجنائية‪ ،‬إما بحكم قيامهم ببعض األنشطة‪ ،‬وإما بحكم قيامهم‬
‫بالمهام المنوطة بهم‪ ،‬وسنقوم بتفصيل في كل فئة على حدى‪:‬‬
‫‪ -1‬المسؤولية الجنائية المفترضة للحائز‬
‫ينص الفصل ‪ 223‬من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة "يفترض في‬
‫األشخاص اآلتي ذكرهم أنهم مسؤولون جنائيا‪:‬‬

‫‪ - 22‬أسماء حساني‪ ،‬اإلثبات في المادة الجمركية‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص‪ ،‬جامعة محمد األول‪،‬‬
‫كلية الحقوق وجدة‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،2008-2007‬ص ‪.105‬‬
‫‪ - 23‬ينص الفصل ‪ 223‬من مدونة الجمارك‪":‬يفترض في األشخاص اآلتي ذكرهم أنهم مسؤولون جنائيا‪:‬‬
‫أ‪-‬األشخاص الموجودة في حوزتهم البضائع المرتكب الغش بشأنها وناقلوها‬
‫ب‪-‬ربابنة البواخر والسفن والمراكب وقواد الطائرات فيما يخص اإلغفاالت والمعلومات غير الصحيحة المالحظة في‬
‫بياناتهم‪ ،‬وبصفة عامة فيما يخص الجنح أو المخالفات الجمركية المرتكبة على ظهر بواخرهم وسفنهم ومراكبهم‬
‫وطائراتهم‪."...‬‬
‫‪ - 24‬الجياللي القدومي‪ ،‬المنازعات الزجرية في القانون الجمركي المغربي‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم السلك العالي في المدرسة‬
‫الوطنية لإلدارة العمومية‪ ،‬الرباط ‪ ،1988‬ص ‪ .87‬أورده محمد الشلي‪ .‬الحبيب الدقاق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪308‬‬
‫‪ - 25‬عزيزة ريمان‪ ،‬المنازعات الجمركية‪ ،‬تقرير لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة‪ ،‬جامعة الحسن الثاني‪ ،‬كلية الحقوق‪،‬‬
‫الدار البيضاء ‪ ،2000-1999‬ص ‪.26‬‬

‫‪14‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫‪ -‬األشخاص الموجودة في حوزتهم البضائع المرتكب الغش بشأنها‪."...‬‬


‫ويعتبر مفهوم الحيازة في مدونة الجمارك مفهوم جد متسع‪ ،‬عكس ما هو عليه‬
‫األمر في القانون المدني‪ ،26‬فيكفي لقيام المسؤولية الجنائية في حق الحائز‪ ،‬أن توجد‬
‫البضاعة محل الغش بين يدي الحائز‪ ،‬وال حاجة إلثبات إدارة الجمارك مساهمة من‬
‫وجدت البضاعة المغشوشة بين يديه‪ 27‬في عملية الغش‪ ،‬فإدارة الجمارك والنيابة العامة‬
‫معفيان من إثبات قيام الحيازة شخصيا‪ ،‬أو أن هذه البضائع قد تم وضعها بمسكنه بدون‬
‫علمه أو بدون رضاه‪.28‬‬
‫فالمسؤولية الجنائية للحائز تنتج أو تقوم على افتراض الخطأ أو الجهل القائم‬
‫على النقص في الرقابة أو اإلشراف‪ 29‬وهي تثبت من مجرد الوضع المادي المتمثل في‬
‫مسك البضاعة المرتكب الغش بشأنها‪ ،‬وتقع هذه المسؤولية على كافة الحائزين كيفما‬
‫كانت ظروف وشروط الحيازة أو المسك‪ ،‬فليس من الضروري أن يكون الحائز هو‬
‫المالك‪.30‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن تزامن قيام مخالفة الحيازة غير المبررة للبضائع مع‬
‫جريمة من الجرائم الواردة في القانون الجنائي ال يعني بالضرورة صدور حكم واحد‬
‫في شأنها‪ ،‬فالبراءة في جرائم القانون الجنائي ال تعني بالضرورة قيام البراءة بالنسبة‬
‫لجريمة الحيازة غير المبررة التي تعتبر جريمة جمركية على اعتبار أن هذه األخيرة‬
‫مفترضة‪ ،‬فال يجب إثبات الخطأ من قبل المرتكب لها بل يكفي إثبات الفعل المادي لها‪،‬‬
‫بقوله أن "البراءة من التزوير‬ ‫‪31‬‬
‫وهذا ما ذهب إليه المجلس األعلى في أحد قراراته‬

‫‪ - 26‬يعرف بعض الفقهاء الحيازة في القانون المدني بأنها حالة مادية تتمثل في سيطرة شخص ماديا أو فعليا على شيء أو‬
‫حق‪ ،‬يستوي في ذلك أن يكو ن هو صاحب الحق أو ال يكون والحيازة قرينة بسيطة على الملكية يجوز إثبات عكسها‪ ،‬للمزيد‬
‫من التفصيل راجع عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني‪ ،‬القاهرة ‪ 1968‬الجزء التاسع‪ ،‬ص‪120‬‬
‫‪ - 27‬امحمد برادة غزيول‪ ،‬مدونة وتنظيمات الجمارك والضرائب غير المباشرة‪ ،‬دار النشر المعرفة‪ ،‬الطبعة الثانية ‪،2000‬‬
‫ص ‪.217‬‬
‫‪ - 28‬عبد الرزاق بلقسح‪ "،‬المنازعات الجمركية الزجرية‪ "،‬مجلة المحاكم المغربية‪ ،‬عدد ‪ ،87‬مارس‪ ،‬أبريل ‪ ،2000‬ص‬
‫‪.99‬‬
‫‪ - 29‬عبد الوهاب عافالني‪ ،‬القانون الجنائي الجمركي‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة‪ ،‬جامعة الحسن الثاني‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق الدار البيضاء‪ ،‬ص ‪.58‬‬
‫‪ - 30‬محمد حدوتي‪" ،‬المسؤولية واإلثبات في القانون الجمركي"‪ ،‬مرجع سابق ‪،‬ص ‪.330‬‬
‫‪ - 31‬قرار عدد ‪ 2/418‬المؤرخ في ‪ 2005/04/13‬الملف الجنحي عدد ‪ 04/154‬مجلة قضاء المجلس األعلى‪ ،‬عدد ‪،67‬‬
‫ص‪.377‬‬

‫‪15‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫واستعماله ال تقتضي بالضرورة بالتصريح بالبراءة من المخالفة الجمركية‪ ،‬طالما أن‬


‫المسؤولية الجنائية تبقى مفترضة في حائز البضاعة المرتكب الغش بشأنها طبقا للمادة‬
‫‪ 223‬من مدونة الجمارك"‪.‬‬
‫‪-2‬المسؤولية الجنائية للناقل‬
‫كثيرة هي الحاالت التي يتم فيها وقوف أعوان الجمارك على جرائم أو‬
‫محاوالت تهريب على الحدود بواسطة سيارات أو ناقالت بوجه عام وهي محملة‬
‫بأحجام ال يستهان بها‪.‬‬
‫وهنا ال يمكن توقع أية مشاكل أو صعوبات ما دام أنه ليس بوسع الناقل اإلدالء‬
‫بعدم علمه بوجود هذه البضائع على متن ناقلته‪ ،32‬لكن حينما يتعذر القول بوجود القصد‬
‫فإن المقتضيات الجنائية للمدونة تحيل إلى افتراض عنصر المسؤولية الجنائية‪.‬‬
‫ويفترض هنا قيام االستيراد أو التصدير عن طريق التهريب‪ ،‬إذا لم تحترم‬
‫مقتضيات مدونة الجمارك التي تلزم ناقلي البضائع المستوردة عن طريق البر أو‬
‫البحر‪ ،‬الحضور إلى أقرب مكتب للجمارك من مكان دخولها‪ ،‬أو مرورها من أجل‬
‫التصريح المفصل بالبضائع المراد تصديرها‪ ،33‬فال يمكن كما نص على ذلك الفصل‬
‫‪ 34170‬من مدونة الجمارك‪ ،‬لهذه البضائع أن تجتاز مكتب الجمارك بدون ترخيص‪.‬‬

‫فمسؤولية الناقل المفترض تقوم على أساس التزامه بمراقبة البضائع التي يقوم‬
‫بشحنها وتسليمها‪.‬‬

‫والسؤال المطروح هنا هل المسؤولية المفترضة للناقل تخص الناقل العمومي أو‬
‫الخصوصي؟‬

‫‪ - 32‬حفيظ الشرقي‪ ،‬جريمة التهريب‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق‪ ،‬الرباط‪ ،1985 ،‬ص ‪.300‬‬
‫‪ - 33‬أسماء حساني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.91‬‬
‫‪ - 34‬ينص الفصل ‪ 170‬من مدونة الجمارك‪ ،‬إن الماشية والمنتجات المفروض عليها المكوس الداخلية عن االستهالك‬
‫والمنتجات المحضورة بأية صفة من الصفات أو التي يكون دخولها أو خروجها خاضعا لقيود باستثناء المنتجات الصناعية‬
‫الخاضعة للمراقبة المعيارية المحدثة بالظهير الشريف رقم ‪ 157-70-1‬بتاريخ ‪ 26‬من جمادى األولى ‪ 30( 1320‬يوليوز‬
‫‪ ) 1970‬وكذا جميع البضائع األخرى المعينة بمرسوم يتخذ باقتراح من الوزير المكلف بالمالية بعد استشارة الوزير المكلف‬
‫بالداخلية ال يسمح بحركيتها في المنطقة البرية لدائرة الجمارك إال بموجب رخص مرور سلمها اإلدارة أو السلعات المحلية‬
‫في األماكن الواقعة داخل الدائرة وغير الممثلة فيها الجمارك‪."...‬‬

‫‪16‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫في اعتقادي ومن خالل الفصل ‪ 223‬من مدونة الجمارك الذي جاء بصيغة‬
‫عامة‪ ،‬ف المشرع الجمركي عندما نص على المسؤولية المفترضة للناقل‪ ،‬لم يفرق بين‬
‫الناقل العمومي أو الناقل الخصوصي‪ ،‬فالمهم إثبات هذه الصفة عند المرور بالحدود‬
‫الجمركية‪.‬‬

‫‪ -3‬المسؤولية الجنائية المفترضة لربابنة السفن والبواخر وقواد الطائرات‬

‫إن المسؤولية الجنائية تكون شخصية‪ ،‬وال تقوم هذه المسؤولية إال بارتكاب‬
‫الفعل المجرم‪ ،‬إال أنه في بعض الحاالت وخاصة ضمن الجرائم االقتصادية‪ ،‬نجد أن‬
‫هذه المسؤولية قد تقوم قبل ارتكاب الفعل المجرم‪ ،‬فتكون مسؤولية مفترضة‪ ،‬ومدونة‬
‫الجمارك تعتبر الميدان الواسع لتطبيق هذا النوع من المسؤولية‪.‬‬

‫وقد تكون هذ ه المسؤولية بحكم األنشطة التي يزاولها أو المهام المنوطة بهم‪،‬‬
‫وسنركز على هذه األخيرة‪.‬‬

‫فبالرجوع إلى الفقرة الثانية من الفصل ‪ 223‬نجدها تنص على أنه "يفترض في‬
‫األشخاص اآلتي ذكرهم أنهم مسؤولون جنائيا‪:‬‬

‫ب‪-‬ربابنة البواخر والسفن والمراكب وقواد الطائرات فيما يخص اإلغفاالت‬


‫والمعلومات غير الصحيحة المالحظة في بياناتهم‪ ،‬وبصفة عامة فيما يخص الجنح أو‬
‫المخالفات الجمركية المرتكبة على ظهر بواخرهم وسفنهم ومراكبهم وطائراتهم‪.‬‬

‫فقيام مسؤولية هؤالء األشخاص المذكورين في الفصل أعاله مرتبط بطبيعة‬


‫المهام المنوطة بهم‪.‬‬

‫وما يالحظ أن المسؤولية الجنائية المفترضة تحرم المتهم من الحماية‬


‫والضمانات التي توفرها له قرينة البراءة مما يضعه في موقف ضعيف أمام العدالة‬

‫‪17‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫الجنائية‪ ،‬كما تؤدي إلى قلب عبء اإلثبات حيث تصبح اإلدانة هي األصل والبراءة هي‬
‫واجبة اإلثبات‪.35‬‬

‫وما يالحظ من خالل استقراء هذا الفصل‪ ،‬أن أسلوبه قائم على التعميم واإلسناد‬
‫إلى المجهول‪ ،‬وهذا األسلوب يوسع من نطاق المسؤولية الجنائية المفترضة بالنسبة‬
‫للرؤساء الواردة أسماءهم أعاله‪.‬‬

‫فمسؤولية هؤالء الرؤساء تقوم بمقتضى قرينة قانونية‪ ،‬وسواء أكان الفعل‬
‫مرتكبا من طرف الرؤساء بصفة شخصية‪ ،‬أو من طرف الغير‪ ،‬فاإلغفاالت‬
‫والمعلومات غير الصحيحة المالحظة في البيانات تشكل جنحة من الطبقة الثانية حسب‬
‫الفقرتين الخامسة والسادسة من الفصل ‪ 36 281‬من مدونة الجمارك‪.‬‬

‫فاإل غفاالت والمعلومات غير الصحيحة في البيانات ينتج عنها نفس األثر‪ ،‬وتعد‬
‫بمثابة عدم إيداع لتلك البيانات‪ ،‬وهذا االلتزام الشكلي الملقى على عاتق الربان أو القائد‬
‫مستقل عن االلتزام بالتصريح بالبضاعة الملقى على عاتق المالك فال يعفيه من ذلك‪.37‬‬

‫وفي ختام هذه الفقرة تجدر اإلشارة إلى أن المسؤولية الجنائية المفترضة‬
‫باعتبارها أساس للمسؤولية الجنائية عن الجريمة الجمركية‪ ،‬تثير عدة إشكاالت على‬
‫اعتبار أن هذه المسؤولية تخالف المبادئ العامة للقانون الجنائي ومن بينها أن األصل‬
‫في المتهم هو البراءة‪ ،‬و النيابة العامة هي التي عليها إثبات قيام مسؤولية الشخص‬

‫‪ - 35‬سليمان عبد المنعم‪ ،‬النظرية العامة لقانون العقوبات‪ ،‬دار الجامعة الجديدة للنشر‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ،2000‬ص ‪ ،278‬أورده‬
‫محمد الشلي الحبيب الدقاق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.309‬‬
‫‪ -36‬ينص الفصل ‪ 281‬من مدونة الجمارك في الفقرتين الخامسة والسادسة على أنه‪ ":‬تشكل الجمركية من الطبقة الثانية‪..‬‬
‫‪...‬‬
‫‪-5‬خرق مقتضيات الفقرة ‪ 1‬من الفصل ‪ 46‬اعاله‪.‬‬
‫‪ -6‬كل خرق لمقتضيات الفصل ‪ 56‬أعاله‪"...‬‬
‫وتنص الفقرة ‪ 1‬من الفصل ‪ 46‬من م ج على أنه‪ ":‬ينبغي أن تكون البضائع التي ترد عن طريق البحر مسجلة بالبيان‬
‫التجاري للباخرة أو البيان العام لحمولتها"‪.‬‬
‫وينص الفصل ‪ 56‬من م ج"ينبغي أن تقيد البضاعة المنقولة بالطائرة في بيان البضائع‪ ،‬الموقع من طرف قائد الطائرة"‪.‬‬
‫‪37‬‬
‫‪-cass crim 06 juillet 1985, d p 99,5,265‬‬
‫‪Jh hayuet : Daunes, n 206, p17 encyclopedie dalloz, penal II, crim 21 aout 1989.‬‬
‫اورده عبد الوهاب عافالني‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.63‬‬

‫‪18‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫وليس العكس‪ ،‬وأن البينة على من ادعى‪ ،‬هذه األمور جعلت هذه المسؤولية تتعرض‬
‫لعدة انتقادات من طرف جانب كبير من الفقه‪.‬‬

‫وهذا ما يدفع إلى القول بأنه مع وجود افتراض اإلثم فثمة دائما احتمال إدانة‬
‫البريء‪ ،38‬مما دفع البعض إلى الدعوى للتخلي عن البناء غير المتجانس للجرائم‬
‫الجمركية‪ ،‬والعمل على تقريب قواعد الزجر في هذه المادة من القواعد الجنائية العامة‪،‬‬
‫بالتنصيص على اعتبار هذه الجرائم جرائم عمدية كأصل عام‪ ،‬مع مراعاة بعض‬
‫االستثناءات وجعل عبء اإلثبات على عاتق اإلدارة والنيابة العامة‪.39‬‬

‫وفي اعتقادنا فهذا التوجه صائب‪ ،‬وذلك ألنه إذا كانت مدونة الجمارك‬
‫والضرائب غير المباشرة أتت بالمسؤولية الجنائية المفترضة في حق بعض‬
‫األشخاص‪ ،‬وذلك لمجموعة من األسباب وبصفة أساسية‪ ،‬لتفادي تملص المهربين من‬
‫المسؤولية نظرا لخطورة هذا النوع من الجرائم على االقتصاد الوطني‪.‬‬

‫فإن ذلك ال يجب أن يكون مبررا للخروج عن القواعد العامة لقيام المسؤولية‬
‫الجنائية‪ ،‬والتي تراعي الضمانات القانونية أثناء إثبات نسبة الفعل الجرمي إلى مرتكبه‪.‬‬

‫لذلك ن رى أنه يجب على المشرع الجمركي إعطاء دور أكبر للركن المعنوي‬
‫والتقليص من الدور الكبير للركن المادي‪.‬‬

‫ونظرا لالنتقادات السالفة الذكر‪ ،‬فقد خفف المشرع المغربي من تطبيقاته‪ ،‬وميز‬
‫بين المخالفات والجنح‪ ،‬فبالنسبة للمخالفات الجمركية التي يعاقب عليها المشرع‬

‫‪ - 38‬أحمد عوض بالل‪ ،‬المذهب الموضوعي وتقلص الركن المعنوي للجريمة‪ ،‬دار النهضة العربية القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪ ،1988‬ص ‪ .208‬أورده محمد الشلي الحبيب الدقاق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.309‬‬
‫‪39‬‬
‫‪- BERR .J Claude, note sous cass crim, 10 octobre 1990, juris classeur juridiques, 1991,‬‬
‫‪p 102.‬‬
‫أشار إليه محمد الشلي‪/‬الحبيب الدقاق‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪309‬‬

‫‪19‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫بالجزاءات المالية فقط‪ ،‬فإنه ال يتم االلتفات إلى العنصر المعنوي‪ ،40‬وذلك ما أكده‬
‫المشرع في الفصل ‪ 41226‬من مدونة الجمارك‪.‬‬

‫وال تقتصر خصوصيات المسؤولية الجنائية في المادة الجمركية على عنصر‬


‫االفتراضات‪ ،‬بل تجد تجليات لها كذلك في إسناد الجريمة لغير مرتكبها‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬إسناد الجرائم لغير مرتكبها‬


‫إن اتساع اإلسناد المادي في الجرائم مقابل تراجع الدور المعنوي‪ ،‬أصبح يشكل‬
‫إخالال كبيرا بالمبادئ التقليدية العامة والراسخة في القانون على اعتبار أن التوسع في‬
‫اإلسناد المادي يؤدي إلى تغيب العنصر النفسي للمتهم‪ ،‬مما يؤدي إلى أن الشخص يجد‬
‫نفسه مسؤوال عن جريمة ليس له فعل واقعي في ارتكابها‪.‬‬

‫إال أنه ونظرا لخصوصيات المعامالت التي يعرفها الميدان الجمركي‬


‫وخصوصيات الجرائم التي ترتكب فيها من كونها جرائم خفية وتقنية‪ ،‬ورغبة من‬
‫المشرع في تحقيق الردع العام‪ ،‬فقد وسع في اإلسناد المادي وذلك عبر إسناد الجرائم‬
‫لغير مرتكبيها‪.‬‬

‫ويرجع بعض الفقه سبب توسيع المشرع من دائرة المسؤولية الجنائية إلى‬
‫المستجدات التي فرضها واقع العصر الحديث والذي يشجع فيه استخدام اآللة والعمل‬
‫لحساب الغير‪ ،‬سواء أكان هذا األخير فردا أم شخصا معنويا‪.42‬‬

‫وأ مام هذا الوضع‪ ،‬فقد كان لإلقرار المسؤوليتين سواء المسؤولية الجنائية عن‬
‫فعل الغير أو المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي كأساس للمسؤولية الجنائية عن‬
‫الجريمة الجمركية وقعا خاصا في الساحة القانونية‪ ،‬حيث عرف جدال واسعا بين مؤيد‬
‫ومعارض‪ ،‬على اعتبار أنهما يمثالن المسؤولية الجنائية بدون خطأ وعلى هذا األساس‬

‫‪ - 40‬محمد الشلي‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.310‬‬


‫‪ - 41‬ينص الفصل ‪ 226‬من مدونة الجمارك على أنه "ال تطبق عقوبات الحبس المنصوص عليها في هذه المدونة على‬
‫األشخاص المبينين في الفصل ‪ 223‬إال في حالة صدور خطأ متعمد"‪.‬‬
‫‪ - 42‬أحمد عوض بالل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 60‬أورده محمد الشلي‪/‬الحبيب الدقاق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.291‬‬

‫‪20‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫سنتناول في هذا المطلب المسؤولية الجنائية عن فعل الغير في (الفقرة األولى)‪ ،‬ثم‬
‫المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي في (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬المسؤولية الجنائية عن فعل الغير‬


‫األصل في المسؤولية الجنائية‪ ،‬أنها شخصية‪ ،‬فال يتم إيقاع الجزاء اال على‬
‫المرتكب الفعلي للجريمة أو المساهم أو المشتركة فيها‪ ،‬وهذا المبدأ من المبادئ‬
‫األساسية للمسؤولية الجنائية‪.‬‬

‫فمن المسلم به في التشريعات الجنائية المعاصرة أن اإلنسان ال يسأل بوصفه‬


‫فاعال أو شريكا‪ ،‬إال عما يكون لنشاطه دخل في وقوعه من األعمال التي نص عليها‬
‫القانون‪.43‬‬

‫وتطبيقا لذلك‪ ،‬ال يسأل الشخص جنائيا عن جريمة ارتكبها غيره‪ ،‬ألن العدالة‬
‫الجنائية تأبى أن يتحمل مسؤولية تلك الجريمة من هو أجنبي عنها تماما‪ ،‬ولهذا فإن‬
‫المبدأ العام هو أن القانون الجنائي ال يعرف المسؤولية عن فعل الغير‪ ،‬على عكس‬
‫القانون المدني الذي يقرر تلك المسؤولية‪ ،‬وإذا كانت هذه األخيرة لقيت قبوال في‬
‫القانون المدني‪ ،‬باعتبار المسؤولية المدنية‪ ،‬تعالج حالة ماضية‪ ،‬وتعمل على إعادة‬
‫الوضع إلى ما كان عليه قبل وقوع الضرر‪ ،‬فإن المسؤولية الجنائية على نقيض ذلك‬
‫حيث تواجه المستقبل وتسعى إلى حماية الجماعة من تكرار الجريمة‪.44‬‬

‫لكن في الوقت الحالي‪ ،‬أصبح الميدان الجنائي أيضا مجاال لتطبيق المسؤولية‬
‫عن فعل الغير‪ ،‬فإذا كان القانون الجنائي يقرر شخصية المسؤولية في الفصل ‪ ،132‬فقد‬
‫جاء في الفقرة األخيرة من نفس الفعل على أنه "وال يستثنى من هذا المبدأ إال الحاالت‬

‫‪ - 43‬كمال الدين إمام‪ ،‬المسؤولية الجنائية‪ ،‬أساسها وتطورها‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬في القانون الوضعي والشريعة اإلسالمية‪،‬‬
‫الطبعة الثانية ‪ ،1999‬المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬ص ‪.205‬ص ‪.205‬‬
‫‪ - 44‬عتيقة بوزيد‪ ،‬معضلة الركن المعنوي في جرائم الشركات التجارية‪ ،‬رسالة لنل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في العلوم‬
‫الجنائية‪ ،‬جامعة عبد المالك السعدي‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬طنجة‪ ،2006-2005 ،‬ص ‪.103‬‬

‫‪21‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫التي ينص فيها القانون صراحة على خالف ذلك" وبهذا االستثناء ترك الباب مفتوحا‬
‫للمسؤولية عن فعل الغير‪.45‬‬

‫وتجد المسؤولية الجنائية عن فعل الغير تطبيقا كبيرا لها في الميدان االقتصادي‪.‬‬

‫فإسناد المسؤولية إلى الغير في الجرائم االقتصادية يمثل الصورة التي يتم فيها‬
‫مساءلة شخص عن فعل قام به شخص آخر‪ ،‬وذلك لوجود عالقة بينهما تفرض أن‬
‫يكون الشخص األول مسؤوال عما يصدر عن الثاني‪.46‬‬

‫ويحصر بعض الفقه األسباب التي ساعدت على اتساع نطاق هذه المسؤولية في‬
‫قانون العقوبات االقتصادي إلى عدة عوامل منها حماية تنفيذ القوانين االقتصادية‪،‬‬
‫واتساع نطاق التجريم‪ ،‬وخطورة الجرائم االقتصادية‪ ،‬إضافة إلى ذاتية الركن المعنوي‬
‫في هذه الجرائم‪.47‬‬

‫وإذا كانت المسؤولية الجنائية عن فعل الغير تظهر إلى الوجود عندما تكون‬
‫الصلة بين الخطأ والنتيجة صلة غير مباشرة‪ ،‬أي أنها تنشأ في الحالة التي يؤدي فيها‬
‫خطأ شخص إلى تحريك نشاط شخص آخر‪ ،‬ونشاط الشخص الثاني هو الذي أدى إلى‬
‫وقوع النتيجة وليس خطأ الشخص األول مباشرة‪.48‬‬

‫فإن الفقه يختلف حول األساس القانوني الذي تقوم عليه المسؤولية الجنائية عن‬
‫فعل الغير‪ ،‬وقد تم اللجوء إلى عدة نظريات لتفسير المسؤولية الجنائية عن فعل الغير‪.‬‬

‫فقد ا ستند البعض إلى نظرية االشتراك‪ ،‬حيث يكون المسؤول عن فعل الغير‬
‫شريكا في جريمة هذا الغير‪ ،‬وتكون جريمته تبعية للفعل األصلي المجرم‪ ،‬وكمثال على‬
‫ذلك رب العمل الذي يعتبر شريكا لتابعه الذي ارتكب جريمة غير عمدية‪ ،‬فاالشتراك‬

‫‪ - 45‬أحمد الخمليشي‪" ،‬أساس المسؤولية الجنائية‪ ،‬ومسؤولية األشخاص االعتبارية"‪ ،‬مجلة األمن الوطني‪ ،‬العدد ‪،.50‬‬
‫ص‪.197‬‬
‫‪ - 46‬أنور محمد صدقي‪ ،‬المسؤولية الجنائية عن الجرائم االقتصادية‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع عمان‪ ،‬األردن‪ ،2007 ،‬ص‬
‫‪ 342‬أورده محمد الشلي ‪/‬الحبيب الدقاق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.293‬‬
‫‪ - 47‬محمد الهمشري‪ ،‬المسؤولية الجنائية عن فعل الغير‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،1969‬األردن‪ ،‬ص ‪.249‬‬
‫‪ - 48‬محمد حماد مرهج الهيتي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.257‬‬

‫‪22‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫إذن صورة من صور المساهمة الجنائية وهو بهذا المعنى مساهمة تبعية وثيقة الصلة‬
‫بالفعل األصلي الذي جرمه المشرع وتناوله بالعقاب‪.49‬‬

‫وفي اعتقادي أن نظرية المشاركة قد ال تستقيم لتفسير المسؤولية الجنائية عن‬


‫فعل الغير‪ ،‬على اعتبار أن المشارك يكون له علم مسبق بالجريمة‪ ،‬وقد ال يتوفر هذا‬
‫الشرط دائما في المسؤولية عن فعل الغير‪.‬‬

‫ويذهب البعض اآلخر إلى نظرية الفاعل المعنوي‪ ،‬حيث يرى أن المسؤول‬
‫جنائيا عن فعل الغير إنما يسأل جنائيا باعتباره فاعال معنويا فيوجد نوعان من‬
‫المسؤولية‪ ،‬مسؤولية التابع وهي مباشرة ومسؤولية المتبوع‪ ،‬وهو الشخص الذي ال‬
‫نستطيع أن ننسب إليه أي مساهمة في النشاط المادي‪ ،‬ويمكن القول بأنه ارتكب‬
‫الجريمة معنويا‪ ،‬حيث كان يتعين عليه أن يلزم تابعه بمراعاة القوانين التي كان عليه أن‬
‫يقوم بتنفيذها شخصيا‪.‬‬

‫ولذلك يمكن القول أنه يستعير الركن المادي عن النشاط المادي اإلجرامي الذي‬
‫صدر عن تابعه‪.50‬‬

‫وهذا الرأي يعيبه‪ ،‬أنه في نظرية الفاعل المعنوي‪ ،‬الفاعل المادي غير معاقب‬
‫‪51‬‬
‫أصال‪ ،‬وأن فعله قام به بتحريض من الفاعل المعنوي وذلك ما أكد عليه الفصل ‪131‬‬
‫من القانون الجنائي المغربي‪.‬‬

‫وتجد المسؤولية عن فعل الغير تطبيقها في المادة الجمركية من خالل الفصل‬


‫‪ 229‬والذي ينص على أنه "يعتبر األشخاص اآلتي ذكرهم مسؤولون مدنيا عن فعل‬
‫الغير فيما يخص الرسوم والمكوس والمصادرات والغرامات والمصاريف‪:‬‬
‫‪ - 49‬أحميدو أكريمي‪ "،‬المسؤولية الجنائية عن فعل الغير والجرائم االقتصادية"‪ ،‬مجلة القضاء والقانون‪ ،‬عدد ‪ ،138‬سنة‬
‫‪ ،1988‬ص ‪.111‬‬
‫‪ - 50‬مدحت رمضان‪ ،‬األساس القانوني للمسؤولية الجنائية لرئيس التحرير عن الجرائم التي تقع عن طريق الصحف‪ ،‬دراسة‬
‫مقارنة‪ ،‬دار النهضة العربية القاهرة ‪ ،1993‬بدون طبعة‪ ،‬ص ‪ ،28‬أورده عبد الرحيم القاضي‪ ،‬المسؤولية الجنائية للشخص‬
‫المع نوي عن الجريمة اإلرهابية‪ ،‬بحث نهاية التكوين في ماستر القانون الجنائي والعلوم الجنائية‪ ،‬جامعة محمد األول‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق وجدة‪ ،2009-2008 ،‬ص ‪.70‬‬
‫‪ - 51‬ينص الفصل ‪ 131‬من القانون الجنائي" من حمل شخصا غير معاقب بسبب ظروفه أوصفته الشخصية على ارتكاب‬
‫جريمة فانه يعاقب بعقوبة الجرية التي ارتكبها هذا الشخص"‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫أ‪ -‬األشخاص المبينون في الفصل ‪ 85‬من قانون االلتزامات والعقود‪.‬‬

‫ب‪ -‬مالكوا البضائع عن فعل مستخدميهم‪"...‬‬

‫وبالنسبة للفئة األولى المذكورة في الفصل ‪ 229‬والتي تخص األشخاص الوارد‬


‫ذكرهم في الفصل ‪ 85‬من قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬فإن المشرع الجمركي لم يحيل‬
‫على الفصل ‪ 85‬بالكامل‪ ،‬مما يفسر نية المشرع إلى ضمان أداء الغرامات‬
‫والمصادرات المحكوم بها ضد القصر ومختلي العقل‪.‬‬

‫أما الفئة الثانية‪ ،‬من المسؤولين عن فعل الغير وهم مالك البضائع ووسائل النقل‬
‫عن فعل مستخدميهم‪ ،‬فالمسؤولية التي يتحملها مالك البضاعة أو وسيلة النقل يمكن‬
‫إثارتها دون حاجة إلى إثبات أن المستخدم قد تصرف أثناء تأديته لوظيفته أو بمناسبة‬
‫ذلك‪ ،‬وبالمقابل فإن هذه المسؤولية ال يمكن أن تقع إال على المتبوع الذي هو في نفس‬
‫الوقت مالك البضاعة أو وسيلة النقل‪ ،‬فإذا اختفى هذا الشرط ال يمكن إجراء أية‬
‫متابعة‪.52‬‬

‫وباإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فقد نص المشرع الجمركي في الفصل ‪ 53230‬من مدونة‬


‫الجمارك على مسؤولية الكفيل‪ ،‬فهذا األخير يكون ملزما بدفع الحقوق والرسوم‬
‫والعقوبات المالية إلى المدينين الذين استفادو من كفالته‪ ،‬والسبب في ذلك أن القانون‬
‫الجمركي يبتغي استخالص أكبر قدر من مستحقات إدارة الجمارك والضرائب‬
‫المباشرة‪.54‬‬

‫‪ - 52‬عبد الرزاق بلقسح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.107‬‬


‫‪ - 53‬ينص الفصل ‪ 230‬من مدونة الجمارك‪":‬يلزم اإلدالء بقدر ما يلزم الملتزمون الرئيسيون بأداء الرسوم والمكوس‬
‫والعقوبات المالية وغيرها من المبالغ الواجبة على المدنيين الذين كفلوهم‪."...‬‬
‫غ ير أنه فيما يتعلق باألنظمة االقتصادية الخاصة بالجمارك‪ ،‬فإن لكفاالت الرسوم والمكوس الموقوفة وذلك في المبالغ‬
‫المكفولة طبقا للشروط المحددة بقرار للوزير المكلف بالمالية وتبقى على عاتق الملزم الرئيسي فوائد التأخير ومجموع‬
‫المبالغ المستحقة األخرى‪ ،‬وكذا العقوبات المالية المحتملة‪.‬‬
‫‪ - 54‬علي الجغنوني‪ ،‬المنازعات الجمركية الزجرية‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص‪ ،‬جامعة‬
‫محمد األول‪ ،‬كلية الحقوق وجدة‪ ،2007-2006 ،‬ص ‪.38‬‬

‫‪24‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫ونضيف أن مسؤولية الكفيل ال يمكن إثارتها إال في الحاالت التي تنتج فيها‬
‫المخالفة الرئيسية عن عدم تنفيذ التزامات المتعهد بها في األنظمة االقتصادية‬
‫الجمركية‪.55‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن بعض الفقه انتقد المسؤولية الجنائية عن فعل الغير على‬
‫اعتبار أنها تتعارض مع أكثر من مبدأ من مبادئ القانون الجنائي‪ ،‬وبالرغم من هذه‬
‫االنتقادات الوجيهة النابعة من المبادئ العامة للتشريع الجنائي‪ ،‬بقي أهم مبرر لهذا‬
‫التوسع هو حماية المصالح المالية لإلدارة وضمان تحصيل مستحقاتها‪.56‬‬

‫وفي األخير فإن المسؤولية الجنائية عن فعل الغير تعتبر من الخصوصيات التي‬
‫تميز المسؤولية في القانن الجمركي‪ ،‬ألنها تشكل خروجا عن المبادئ العامة للقانون‬
‫الجنائي‪ ،‬بإسناد الجريمة لغير فاعلها‪ ،‬وهذه الخصوصيات في المسؤولية ال تقتصر‬
‫على المسؤولية الجنائية عن فعل الغير‪ ،‬بل تذهب إلى المسؤولية الجنائية للشخص‬
‫المعنوي‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الشخص المعنوي‬


‫محل نقاش لمدة‬ ‫‪57‬‬
‫ظلت مسألة تقرير المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي‬
‫طويلة‪ ،‬بين رأي يعارضها ورأي يوافق عليها‪ ،58‬تعتبر نقطة تحول في القانون الجنائي‬
‫ويرجع ذلك إلى التحوالت االقتصادية واالجتماعية التي عرفها العالم‪.‬‬

‫فاالنتشار المتزايد لألشخاص االعتبارية حتى أصبحت تساهم بشكل فعال‬


‫وخطير في التوجه العام لحياة الجماعة غير نظرة الفقه إليها‪ ،‬كما نبه المشرع إلى‬
‫األخطار التي تهدد المجتمع إذ هو اقتصر على مساءلة األشخاص الطبيعيين‪.‬‬

‫‪ - 55‬عبد الرزاق بلقسح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.107‬‬


‫‪ - 56‬محمد الشلي‪/‬الحبيب الدقاق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.294‬‬
‫‪ 57‬الشخص المعنوي هو مجموعة من األشخاص أو مجموعة من األموال تتكاثف و تتعاون لتحقيق هدف معين يعترف لها‬
‫بالشخصية المعنوية‪.‬‬
‫‪ - 58‬محمد الملياني‪ ،‬القانون الجنائي العام‪ ،‬ص ‪.201‬‬

‫‪25‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫وقد تأكدت ضرورة مؤاخذة األشخاص المعنوية في فرنسا على الخصوص‬


‫أثناء الحرب العالمية الثانية‪ ،‬ولم يعد باإلمكان االقتصار على مسؤولية مديري الشخص‬
‫المعنوي أو مسيريه‪ ،‬ألن وجود هؤالء في الوقت الحاضر أصبح مجرد وجود مادي ال‬
‫يشخص من الناحية القانونية اإلرادة الخاصة للشخص االعتباري‪.59‬‬

‫والسؤال الذي يطرح هنا‪ ،‬ما هو األساس القانوني الذي تقوم عليه المسؤولية‬
‫الجنائية للشخص المعنوي؟‬

‫نجد أن هناك اختالف حول تأصيل أساس المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي‪.‬‬

‫فالبعض يؤسس المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي على أنها مسؤولية‬


‫مفترضة وليست مسؤولية جنائية عن فعل الغير‪ ،‬ذلك أن المشرع حينما ينص على‬
‫مسؤولية الشخص االعتبار في اإلشراف والمراقبة‪ ،‬وسع وقوع الفعل المؤثر قانونا‪،‬‬
‫فمسؤوليته ال تكون سوى مسؤولية شخصية‪.60‬‬

‫ويرى البعض اآلخر أن مسؤولية الشخص المعنوي الجنائية أساسها االعتراف‬


‫به كأحد أشخاص القانون الجنائي‪ ،‬وهو شخص يملك القدرة واالختيار مثل الشخص‬
‫الطبيعي سواء بسواء‪.‬‬

‫في حين يذهب بعض الفقهاء الفرنسيين أن مسؤولية الشخص المعنوي في فرع‬
‫من المسؤولية عن عمل الغير‪ ،‬ويؤسسها آخرون على أنها مسؤولية مادية تقوم على‬
‫تجريم شكلي ألفعال مجردة من الركن المعنوي‪.61‬‬

‫وفي رأيي أن المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي‪ ،‬هي مسؤولية شخصية‪ ،‬وال‬
‫يمكن اعتبارها مسؤولية عن فعل الغير‪ ،‬ألن المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي تقوم‬
‫على أساس الخطأ الذي ارتكبه ممثل أو ممثلوا الشخص المعنوي ولحساب هذا األخير‪.‬‬

‫‪- 59‬أحمد الخمليشي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.13‬‬


‫‪ - 60‬فتحي عبد الصبور‪ "،‬المسؤولية الجنائية للشخص االعتباري"‪ ،‬مجلة القضاة‪ ،‬العدد األول ‪ ،1968‬ص ‪ 68‬أورده كمال‬
‫الدين إمام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.204‬‬
‫‪ -61‬كمال الدين إمام‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ص ‪.205-204‬‬

‫‪26‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫بشكل صريح على مسؤولية الشخص‬ ‫‪62‬‬


‫قد نص المشرع في القانون الجنائي‬
‫المعنوي‪ 63‬الجنائية‪ ،‬ونفس األمر فعله في مدونة الجمارك في الفصل ‪ ،227‬والذي نص‬
‫على أنه "عندما ترتكب جنحة أو مخالفة جمركية من طرف المتصرفين أو المسيرين‬
‫أو المديرين لشخص معنوي أو من طرف أحدهم العامل باسم ولحساب الشخص‬
‫المعنوي‪ ،‬يمكن بصرف النظر عن المتابعات المجراة ضدهم أن يتابع الشخص‬
‫المعنوي نفسه وأن تفرض عليه العقوبات المالية‪ ،‬وعند االقتضاء التدابير االحتياطية‬
‫المنصوص عليها في ‪3‬و‪4‬و‪ 6‬من الفصل ‪.64220‬‬

‫ويتبين من خالل هذا الفصل أن المشرع الجمركي‪ ،‬أقر المسؤولية الجنائية‬


‫للشخص المعنوي‪ ،‬ولكن إقراره هذا يتميز بعدة خصوصيات‪ ،‬ويخضع لمجموعة من‬
‫القواعد‪.‬‬

‫فلقيام المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي البد من ارتكاب الجريمة من شخص‬


‫أو أشخاص ذاتيين باسم ولحساب الشخص المعنوي فال يمكن الحديث عن المسؤولية‬
‫الجنائية للشخص المعنوي‪ ،‬إذا ارتكب الفعل المخالف لمصلحة خاصة‪.‬‬

‫‪ - 62‬ينص الفصل ‪ 127‬من القانون الجنائي‪":‬ال يمكن أن يحكم على األشخاص المعنوية إال بالعقوبات المالية والعقوبات‬
‫اإلضافية الواردة في األرقام ‪5‬و‪6‬و‪ 7‬من الفصل ‪ 36‬ويجوز أيضا أن يحكم عليها بالتدابير الوقائية العينية الواردة في‬
‫الفصل‪.62‬‬
‫‪ - 63‬وفيما يخص التشريع الفرنسي‪ ،‬فإن أهم ما استحدثه قانون العقوبات الفرنسي الصادر سنة ‪ 1992‬والمعمول به منذ‬
‫أول مارس ‪ ،1994‬إقرار المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي‪ ،‬وهكذا نصت المادة ‪ 121‬في فقرتها الثانية على أنه‪":‬فيما‬
‫عدا الدولة تسأل األشخاص المعنوية جنائيا عن الجرائم التي ترتكب لحسابها بواسطة أجهزتها وممثليها وفقا للقواعد‬
‫الواردة في المواد ‪ 4-121‬إلى ‪ 7-121‬وذلك في الحاالت المنصوص عليها في القانون أو الالئحة ومع ذلك فإن المحليات‬
‫وتجمعاتها ال تسأل جنائيا‪ ،‬إال عن الجرائم التي ترتكب أثناء مزاولة األنشطة التي يمكن أن تكون محال للتفويض في إدارة‬
‫مرفق عام عن طريق االتفاق‪ ،‬والمسؤولية الجنائية لألشخاص المعنوية ال تستبعد معاقبة األشخاص الطبيعيين الفاعلين أو‬
‫الشركاء من نفس األفعال‪ .‬راجع عتيقة بوزيد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪126-123‬‬
‫‪ - 64‬ينص الفصل ‪ 220‬من مدونة الجمارك في الفقرات ‪3‬و‪4‬و‪ 6‬على أنه‪":‬التدابير االحتياطية الشخصية في ميدان الجمارك‬
‫هي‪:‬‬
‫‪-3‬سحب رخصة قبول المعترف الجمرك أو اإلذن في االستخالص الجمركي‪.‬‬
‫‪-4‬الحرمان من االستفادة من األنظمة االقتصادة الخاصة بالجمارك‪.‬‬
‫‪-6‬سحب رخصة استغالل مخازن وساحات االستخالص الجمركي‪."...‬‬

‫‪27‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫إضافة إلى ذلك فتقرير المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي ال يمنع من متابعة‬
‫األشخاص الذاتيين المرتكبين للجنحة أو المخالفة الجمركية‪ ،‬وهذا تطبيق واضح لقاعدة‬
‫الجمع بين المسؤوليتين‪.65‬‬

‫وهكذا يمكن القول أن المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي‪ ،‬تعتبر من بين أهم‬
‫الخصوصيات التي تميز المسؤولية الجنائية عن الجرائم الجمركية‪.‬‬

‫فإقرار المسؤولية الجنائية لألشخاص المعنوية يعتبر تجلي من تجليات توسيع‬


‫دائرة المسؤولية الجنائية التي تركز على الركن المادي دون المعنوي‪ ،‬كما جاء في‬
‫التوصيات الصادرة عن المؤتمر الدولي السادس لقانون العقوبات المنعقد في روما سنة‬
‫‪ ،1953‬أن خصوصيات الجرائم االقتصادية تتطلب فرض جزاءات على األشخاص‬
‫المعنوية‪.66‬‬

‫‪ - 65‬محمد حدوتي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.356‬‬


‫‪ - 66‬محمد الشلي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.298‬‬

‫‪28‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫المبحث الثاني‪ :‬حدود المسؤولية الجنائية الجمركية‬


‫يتعين أن تكون الجريمة ناشئة من تصرف المتهم سواء كان فاعال أصليا أو‬
‫شريكا أو متواطئا‪ ،‬فإذا لم يكن الشخص كذلك فإنه ال يسأل عن الجريمة المرتكبة‪ ،‬ألن‬
‫العقوبات تبقى دائما شخصية‪ ،‬تصيب المتهم عندما يتحول إلى جان دون أن تطال غيره‬
‫حيث ال يسأل عن الجرم إال من اقترفه أو شارك فيه أو تواطأ مع عليه‪ ،‬كما هو الشأن‬
‫بالنسبة للمخالفات بصفة عامة‪.67‬‬

‫ورغم أن قواعد المسؤولية الجنائية المقررة في القانون الجنائي العام تطبق على‬
‫الجرائم الجمركية‪ ،‬سواء تعلق األمر بمبدأ شخصية العقاب أو بتفريده‪ ،‬وتبعا لذلك‬
‫يطبق الجزاء على من ساهم مساهمة مباشرة أو غير مباشرة في ارتكابه‪ ،‬غير أن‬
‫نطاق المسؤولية الجزائية التقليدية ال يتسع الستعاب كامل الجزاءات الجمركية‪ ،68‬وهو‬
‫األمر الذي دفع المشرع الجمركي إلى توسيع دائرة المسؤولية‪ ،‬وذلك باستيعاب أصناف‬
‫جديدة من المسؤولية لم تكن موجودة في القانون الجنائي العام‪ ،‬ومثال ذلك مسؤولية‬
‫المستفيد من الغش‪ ،‬على اعتبار أن طبيعة المعامالت الجمركية‪ ،‬تحتم التوسيع من‬
‫دائرة المسؤولية لكي تشمل كل من له ارتباط بجريمة جمركية‪.‬‬

‫وهو األمر الذي يدفعنا إلى التساؤل إلى أي حد توفق المشرع في المادة‬
‫الجمركية توسيع دائرة المسؤولون جنائيا عن المخالفات الجمركية؟‬

‫وفي هذا األساس سنحاول الحديث عن المسؤولون جنائيا في المطلب األول‪ ،‬من‬
‫خالل التطرق إلى الفاعلون األصليون وكذا المشاركون والمستفيدون من الغش‪ ،‬على‬
‫أن نخصص المطلب الثاني لكيفية نفي المسؤولية الجنائية عنهم‪.‬‬

‫‪ - 67‬محمد زاليجي‪" ،‬جريمة التهريب الجمركي بين مشروعية أدلتها ومالءمة جزاءاته"ا‪ ،‬مجلة المناظرة‪ ،‬العدد ‪ ،4‬يونيو‬
‫‪ ،1999‬ص ‪.142‬‬
‫‪ - 68‬أحسن بوسقيعة‪ ،‬المنازعات الجمركية‪ ،‬طبعة ‪ ،2005‬دار هومه بوزريعة‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ص ‪.407‬‬

‫‪29‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫المطلب األول‪ :‬المسؤولون جنائيا‬


‫إذا كان القانون الجنائي يميز في تحديد األشخاص المسؤولين عن الجريمة بين‬
‫الفاعلين والمساهمين والمشاركي ن‪ ،‬فإن القانون الجمركي أدخل مفاهيم خاصة متعلقة‬
‫بنظام الجريمة الجمركية‪ ،69‬وذلك راجع لكون الجريمة الجمركية ذات طابع خاص‬
‫بالنظر إلى ارتباطها الوثيق بحياة الدولة المالية واالقتصادية‪ ،‬مما استلزم تخصيص‬
‫جزاءات تتناسب وخطورة هذه الجريمة‪.70‬‬

‫فالجرائم الجمركية غالبا ما تتم عن طريق عصابات منظمة‪ ،‬وهو ما يدفع‬


‫القانون الجنائي الجمركي إلى عدم الوقوف عند حدود مساءلة الفاعل األصلي‪ ،‬بل‬
‫يحرص على تمديد مختلف العقوبات الجمركية إلى كافة األشخاص المعنيين‬
‫والمستفيدين بشكل مباشر وغير مباشر‪ ،71‬من الجرائم الجمركية‪.‬‬

‫إضافة إلى ذلك فالفاعلين األصليين أو المستفيدين من الجريمة غالبا ما يسخرون‬


‫أشخاصا آخرين للقيام باألعمال المخالفة للقوانين الجمركية‪ ،‬وبالتالي فإن المشرع‬
‫يسعى إلى معاقبة الفاعلين األصليين‪ ،‬وإلى معاقبة المستفيدين من الجريمة لكي اليبقون‬
‫في حل من العقاب‪ ،‬وهذا ما دفع المشرع إلى اعتماد قواعد لتجريم تختلف عن تلك‬
‫القواعد الواردة في المبادئ العامة‪ ،72‬فقد أوردت مدونة الجمارك والضرائب غير‬
‫المباشرة مجموعة من النصوص التي تحمل المسؤولية لعدة أشخاص سواء كانوا‬
‫فاعلين أو مستفيدين‪.73‬‬

‫أما فيما يخص المشاركة في الجريمة الجمركية‪ ،‬فقد خرج المشرع في مدونة‬
‫الجمارك عن النطاق التقليدي الوارد في المادة ‪ 129‬من القانون الجنائي‪ ،‬وذلك بتوسيع‬

‫‪ - 69‬محمد حدوتي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.325‬‬


‫‪ - 70‬علي الجغنوني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.26‬‬
‫‪ - 71‬حفيظي الشرقي‪ ،‬جريمة التهريب‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.284‬‬
‫‪ - 72‬محمد الشلي‪/‬الحبيب الدقاق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.290‬‬
‫‪ - 73‬امحمد برادة غزيول‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.216‬‬

‫‪30‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫مفهوم المشاركة‪ ،‬وإدخال المستفيدين من الغش ضمن المسؤولون جنائيا عن المخالفة‬


‫الجمركية‪.‬‬

‫وتأسيسا على ما سبق‪ ،‬سنحاول الحديث في هذا المطلب عن المسؤولون جنائيا‬


‫من خالل التطرق إلى الفاعلون األصليون في الجريمة الجمركية في الفقرة األولى‪،‬‬
‫على أن ندرس في الفقرة الثانية المشاركون والمستفيدون من الغش‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬الفاعلون األصليون‬


‫تقوم المسؤولية الجنائية للفاعلين األصليين للمخالفة الجمركية‪ ،‬وذلك أمام حكم‬
‫قيامهم ببعض األنشطة وإما على أساس قرينة قانونية‪.‬‬

‫فلما كان موضوع القانون الجمركي هو وضع نظام يحدد قواعد نقل البضائع‬
‫المختلفة عبر الحدود‪ ،‬فإنه من الطبيعي أن يكون المعني األول بالمتابعة هو الشخص‬
‫الذي يقوم ماديا بتنظيم هذا النقل‪ ،74‬وقد عرفت فصول مدونة الجمارك المقصود‬
‫بمرتكب كل مخالفة أو جنحة جمركية وكذلك التدابير الزجرية الواجب اتخاذها في‬
‫مواجهة كل شخص يعتبر مرتبطا بمخالفة منصوص عليها في القوانين والتنظيمات‪.75‬‬

‫بالرجوع إلى المادة ‪ 222‬من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة نجدها‬
‫حصرت المسؤولين جنائيا‪ ،76‬والمسؤولية الجنائية تقوم للفاعلين األصليين إما بحكم‬
‫قيامهم ببعض المهن‪ ،‬وإما على أساس اإلهمال‪.‬‬

‫‪ - 74‬محمد حدوتي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.325‬‬


‫‪ - 75‬امحمد برادة غزيول‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.216‬‬
‫‪ - 76‬الفصل ‪ 222‬من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة‪:‬‬
‫"المسؤولون جنائيا هم‪:‬‬
‫‪-1‬موقعوا التصريحات فيما يخص اإلغفاالت والبيانات غير الصحيحة والجنح أو المخالفات الجمركية األخرى المالحظة في‬
‫تصريحاتهم‪.‬‬
‫‪-2‬المؤتمنون عن عمل مستخدميهم فيما يخص العمليات الجمركية المنجزة بتعليمات منهم‪.‬‬
‫‪-3‬المتعهدون في حالة عدم تنفيذ االلتزامات الموقعة من طرفهم‪."...‬‬

‫‪31‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫أوال‪ :‬موقعو التصريحات‬

‫تعتمد إدارة الجمارك على تقنية التصريح بالبضائع سواء عند التصدير أو‬
‫االستيراد‪ ،‬وذلك لتحديد قيمة الرسوم والمكوس‪ ،‬وتعيين النظام الجمركي الذي تخضع‬
‫له البضائع‪ ،‬وكذا في تطبيق األنظمة والمعامالت التي تتطلبها تدابير المراقبة‬
‫الجمركية‪ ،‬وتحقق هذه التقنية إيجابيات كثيرة سواء لفائدة الخزينة‪ ،‬أو لفائدة التجارة‬
‫والتجار‪ ،‬أو لفائدة اإلدارة نفسها باستغالل الوقت والجهد‪.77‬‬

‫ويشكل إغفال التصريح جريمة جمركية تترتب عنها مساءلة المصرح وهذا ما‬
‫أكدته الفقرة األولى من المادة ‪ 222‬من مدونة الجمارك "المسؤولون جنائيا هم‪:‬‬

‫‪ -1‬موقعو التصريحات فيما يخص اإلغفاالت والبيانات غير الصحيحة والجنح‬


‫أو المخالفات األخرى المالحظة في تصريحاتهم…"‪.‬‬

‫فالمشرع الجمركي هنا ال يميز من حيث المسؤولية بين عدم إجراء التصريح‬
‫كلية أو تقديم تصريح غير صحيح أو مطابق للبضائع المقدمة‪ ،‬وهنا يثار التساؤل حول‬
‫من هم األشخاص المؤهلين لتقديم التصريح عن البضائع؟‬

‫وقد أجاب المشرع في مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة في المادة ‪67‬‬
‫عن األشخاص المؤهلين لتقديم التصريح‪ ،‬وهم حسب نفس الفصل‪ ،‬مالكوا البضائع‬
‫المقبولون‪ ،‬واألشخاص الحاصلين على إذن خاص الستخالص‬ ‫‪78‬‬
‫والمعشرون‬
‫البضائع‪.79‬‬

‫وباستقراء الفقرة األولى من الفصل ‪ ،222‬السالفة الذكر نجد أن المشرع‬


‫الجمركي ترك الباب مفتوحا إلدخال أية جنحة أو مخالفة يمكن أن تظهر من خالل‬
‫التصريحات التي يدلى بها المصرحون عن البضائع‪ ،‬من غير اإلغفاالت والبيانات‬

‫‪ - 77‬محمد الشلي‪/‬الحبيب الدقاق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.319‬‬


‫‪ - 78‬المعشرون‪ :‬جمع معشر وهو كل شخص ذاتي أو معنوي يزاول مهنة القيام لفائدة الغير باإلجراءات الجمركية المتعلقة‬
‫بالتصريح المفصل‪.‬‬
‫‪ - 79‬ورد في الفصل ‪ 67‬األشخاص الذين يمكن لهم الحصول على إذن خاص لالستخالص البضائع‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫غير الصحيحة في تصريحاتهم‪ ،‬فالمشرع هنا كان بإمكانه االقتصار على اإلغفاالت‬
‫والبيانات غير الصحيحة الواردة في التصريحات‪ ،‬إال أنه ورغبة منهم في اإلحاطة‬
‫بجميع الجرائم التي يمكن أن تظهر أثناء التصريح بالبضائع‪ ،‬لم يقم بحصرها وترك‬
‫الباب مفتوحا‪.‬‬

‫والحقيق ة أنه كثيرا ما يدلي المصرحون بتصريحات خاطئة‪ ،‬ويستهدفون من‬


‫وراء ذلك تحقيق ربح ما‪ ،‬ولذلك تتقرر مسؤوليتهم الجزائية مع اإلشارة إلى أنه تقوم‬
‫قرينة على سوء نيتهم لمجرد التصريح‪ ،‬بل إن المسؤولية تتقرر حقا ولو لم يتحقق أي‬
‫ربح‪ ،80‬فالموقع على التصريح يسأل جنائيا ولو صرح بناء على وكالته حيث ال يمكن‬
‫للموقع أن يدفع بوكالة تخالف النظام العام‪ ،‬فالوكيل وهو المعشر غالبا ما يجب عليه‬
‫التأكد من صحة التصريحات والتأكد من سالمة بياناتها‪.81‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن إدارة الجمارك ليست ملزمة بالقيام بمراقبة التصريح‬
‫ومطابقته مع الواقع‪ ،‬وقت تقديمه حتى ولو طلب المتعامل معها ذلك‪ ،‬بل يمكنها القيام‬
‫بالمراقبة في وقت الحق على المعاملة الجمركية سواء بالتصدير أو االستيراد‪.‬‬

‫وهكذا فإن تفتيش ومراقبة مدى مطابقة التصريح مع الواقع ال يعفي المصرح‬
‫من المسؤولية في اكتشاف مخالفات في وقت الحق‪.82‬‬

‫ونخلص مما سبق أن الشخص المسؤول جنائيا عن عدم التصريح أو تقديم‬


‫تصريح غير صحيح أو غير مطابق للبضاعة صنفا ومنشأ وقيمة‪ ،‬أي أن الفاعل في‬
‫الجريمة الجمركية‪ ،‬هو الذي قام ماديا بإجراء التصريح أو كان عليه القيام باعتباره‬
‫المتحمل ماديا لنقل البضاعة‪.‬‬

‫‪ - 80‬بهيجة فردوس‪ ،‬مسؤولية المعشر في القانون المغربي والمقارن‪ ،‬أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص في‬
‫الحقوق‪ ،‬جامعة الحسن الثاني‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،2003/2002‬ص ‪.241‬‬
‫‪ - 81‬إشراق اإلدريسي‪ ،‬التهريب الجمركي‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص‪ ،‬جامعة عبد المالك السعدي‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق بطنجة‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،2008-2007‬ص‪86‬‬
‫‪ - 82‬محمد الشلي‪/‬الحبيب الدقاق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.319‬‬

‫‪33‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫ثانيا‪ :‬المؤتمنون‬

‫من تجليات توسيع نطاق المسؤولية في المادة الجمركية‪ ،‬متابعة من أطلق عليهم‬
‫المشرع في الفصل ‪ 222‬من مدونة الجمارك بالمؤتمنين عن عمل مستخدميهم‪ ،‬فيما‬
‫يتعلق بالعمليات الجمركية المنجزة بتعليمات منهم‪.‬‬

‫هي الوجه المقابل لمسؤولية المصرح‪ ،‬فقد يكون‬ ‫‪83‬‬


‫وتعتبر مسؤولية المؤتمنين‬
‫المؤتمن هو مالك البضاعة الذي يوكل غيره للقيام نيابة عنه بالعمليات الجمركية‪ ،‬سواء‬
‫كان مستوردا أو مصدرا‪.‬‬

‫وفي هذه الحالة إذا أثبت بأن المالك أعطى تعليماته إلى أحد األشخاص للتصريح‬
‫والقيام باإلجراءات الجمركية بناء على هذه التعليمات‪ ،‬وكانت تستضمن خرقا وخروجا‬
‫عن األنظمة الجمركية‪ ،‬فإنه يعتبر مسؤوال مسؤولية جنائية في مواجهة مستخدمة‪.84‬‬

‫وقد يكون المعشر مؤتمنا ألنه يقوم اليوم بكافة األعمال والتصريحات القانونية‬
‫والمادية‪ ،‬وتقوم في حقه مسؤولية مزدوجة‪ ،‬األولى تجاه إدارة الجمارك التي تحاسبه‪،‬‬
‫على كافة ما يقوم به من عمليات جمركية لفائدة الغير‪ ،‬ولو كان يطبق معلومات تملى‬
‫عليه‪ ،‬حتى ال يدفع مسؤولية بكون ال يعتبر إال مستخدما منفذا ألوامر مؤتمنيه اتجاه من‬
‫عهدوا له بهذه العمليات في كل حالة ثبت تقصيره بشأنها‪.85‬‬

‫وما يمكن الخالصة إليه هنا‪ ،‬أن المسؤولية الجنائية للمؤتمن عن عمل مستخدمه‬
‫يشكل خروجا عن المبدأ العام في القانون الجنائي‪ ،‬وهو شخصية المسؤولية‪ ،‬في اتجاه‬
‫بروز المسؤولية الجنائية عن فعل الغير‪ ،‬والتي لم يكن لها دور أساسي سوى في‬
‫القانون المدني في إطار ما يعرف بالمسؤولية المدنية عن فعل الغير‪.‬‬

‫‪ - 83‬المؤتمن‪ :‬هو الشخص الذي يكلفه غيره بالسهر على مصالحه وقد يكون مالك البضاعة أو مستوردها‪ ،‬وقد يكون هو‬
‫المصرح باعتبار أن هذه العملية تتم باسم المعشر وتوقع باسم أحد مستخدميه‪ ،‬العامل بمقتضى وكالة‪.‬‬
‫‪ - 84‬محمد الشلي‪ /‬الحبيب الدقاق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.323:‬‬
‫‪ - 85‬بهيجة فردوس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.242:‬‬

‫‪34‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫ثالثا‪ :‬المتعهدون‬

‫يقصد بالمتعهد لدى إدارة الجمرك "الشخص الذي يحرر التعهد باسمه ويهدف‬
‫هذا التعهد إلى ضمان الوفاء بااللتزامات التي تقع على عاتق مستفيد من نظام من النظم‬
‫االقتصادية الجمركية‪.86‬‬

‫ويسأل المتعهدون عن عدم تنفيذ االلتزامات الموقعة من طرفهم (م‪/222‬ج‪)3‬‬


‫ويتعلق األمر بمستغلي مخازن وساحات االستخالص الجمركي الذين يوقعون تعهدا‬
‫عاما مكفوال يضمن االلتزام بتقديم البضائع وأداء الرسوم والمكوس طبقا للفصل ‪،8763‬‬
‫وكذا المستفيدين من األنظمة االقتصادية الموقعة‪ ،‬الذين يقدمون سندا لإلعفاء مقابل‬
‫كفالة يتضمن التصريح‪ ،88‬المفصل بالبضائع‪ ،‬وكذلك التزام المتعهد وكفيله باالمتثال‬
‫للقوانين واألنظمة الجمركية الخاصة بالنظام الذي تم على أساس التصريح‪.‬‬

‫ويعتبر هذا التعهد بمثابة عقد عمومي‪ ،‬لذلك فأساس المسؤولية هنا هو اإلخالل‬
‫بالتزام عقدي‪ ،‬ويبقى للمتعهدين حق الرجوع على األشخاص الذين صدر التعهد‬
‫لصالحهم في إطار القواعد العامة للقانون المدني‪.89‬‬

‫فالمسؤولية الجنائية للمتعهد عن المخالفات الجمركية‪ ،‬بمقتضى الفصل ‪،222‬‬


‫تقوم في حالة عدم تنفيذ االلتزامات التي يوقعها عادة المتعهد‪ ،‬خصوصا المستفيد من‬
‫األنظمة االقتصادية بمقتضى سند اإلعفاء المشار إليه في الفصل ‪ 116‬من مدونة‬
‫الجمارك ويتضمن التصريح باالمتثال لمقتضيات القوانين الخاصة في هذا الشأن‪،‬‬
‫واإلخالل بهذه االلتزامات يترتب عنه مسؤولية المتعهد جنائيا‪.‬‬

‫‪ - 86‬أحسن بوسقيعة ‪ ،‬مرجع سابق‪.429 ،‬‬


‫‪ - 87‬الفصل ‪ : 63‬يتوقف استغالل مخازن وساحات االستخالص الجمركي على توقيع المستغل تعهدا عاما مكفوال وأي ضمانة‬
‫أخرى مقبولين من طرف اإلدارة‪"....‬‬
‫‪ - 88‬ورد هذا السند ضمن المادة ‪ 116‬والتي تنص على "ان البضائع الجاري عليها أحد األنظمة الموقفة يجب أن تضمن‬
‫بسند له عفاء مقابل كفالة يحرر في نموذج التصريح المفصل المنصوص عليه في الفصل ‪ 74‬أو إذا استلزمت ذلك ضرورة‬
‫اقتصادية‪ ،‬في نموذج التصريح المبسط المنصوص عليه في ‪ 3‬من الفصل ‪76‬المكرر أو بوثائق دولية مطابقة للنماذج‬
‫المقررة باالتفاقيات الدولية المنظم المغرب إليها ‪ ...‬ويعتبر سند اإلعفاء مقابل كفالة بمثابة عقد عمومي صحيح يعتمد على‬
‫بنوده حق يضمن في صحتها‪."..‬‬
‫‪ - 89‬عبد الوهاب عافالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.56:‬‬

‫‪35‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن المحاولة في نطاق القانون الجمركي تختلف عن‬


‫المحاولة الواردة في المادة ‪ 114‬من القانون الجنائي‪،‬‬

‫فبالرجوع إلى القانون الجنائي نجد أن العقاب على محاولة ارتكاب جريمة‪،‬‬
‫يختلف حسب نوع هذه األخيرة‪ ،‬وذلك كما هو وارد في الفصول ‪،91115 ،90114‬‬
‫‪ ،92116‬فمحاولة الجناية يعاقب عليها دائما كالجريمة التامة‪ ،‬أما محاولة الجنحة فال‬
‫عقاب عليها إال بنص خاص‪ ،‬في حين أن محاولة المخالفة ال عقاب عليها‪.‬‬

‫في حين نجد من خالل استقراء الفصل ‪ ،93206‬من مدونة الجمارك أن المشرع‬
‫الجمركي قد عاقب على محاولة المخالفة الجمركية كالمخالفة التامة‪ ،‬فهنا محاولة‬
‫المخالفة معاقب عليها‪ ،‬مما يظهر خروج عن المبادئ العامة المعمول بها في إطار‬
‫القانون الجنائي فيما يخص المحاولة‪ ،‬ورغم هذا االختالف‪ ،‬فالمشرع الجمركي‪ ،‬لم‬
‫يح دد عناصر المحاولة في المخالفة الجمركية في الفصل ‪ 206‬من القانون الجمركي‪،‬‬
‫لذا يجب الرجوع إلى القانون الجنائي العام الذي حدد هذه العناصر في الفصل ‪ 114‬من‬
‫القانون الجنائي‪.94‬‬

‫وإذا كان هذا ما يخص الفاعلون األصليون في الجريمة الجمركية‪ ،‬فكيف تعامل‬
‫المشرع الجمركي مع المشاركون والمستفيدون من الغش في الجريمة الجمركية؟‬

‫‪ - 90‬ينص الفصل ‪ 114‬من القانون الجنائي "كل محاولة ارتكاب جناية بدت في الشروع في تنفيذها أو بأعمال ال لبس فيها‬
‫تهدف مباشرة إلى ارتكابها إذا لم يوقف عن تنفيذها أو لم يحصل األثر المتوخى منها إال لظروف خارجة عن إرادة مرتكبيها‬
‫تعتبر كالجناية التامة ويعاقب عليها بهذه الصفة‪.‬‬
‫‪ - 91‬الفصل ‪ 115‬من القانون الجنائي‬
‫ال يعاقب على محاولة الجنحة إال بمقتضى نص خاص في القانون‪.‬‬
‫‪ - 92‬الفصل ‪ 116‬من القانون الجنائي‬
‫محاولة المخالفة ال يعاقب عليها مطلقا‪.‬‬
‫‪ - 93‬ينص الفصل ‪ 206‬من مدونة الجمارك "كل محاولة لخرق القوانين واألنظمة الجمركية‪ ،‬تعتبر بمثابة الخرق لهذه‬
‫القوانين واألنظمة الجمركية‪ ،‬ويعاقب عنها بهذه الصفة ولو كانت األفعال التي تتصف بها بداية التنفيذ قد ارتكبت خارج‬
‫التراب الخاضع‪.‬‬
‫‪ - 94‬نور الدين الشروقاوي الغزواني‪" ،‬الطبيعة الجنائية لمدونة الجمارك"‪ ،‬مجلة الملف‪ ،‬العدد ‪ 6‬ماي ‪ ،2005‬ص‪.172:‬‬

‫‪36‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬المشاركون والمستفيدون من الغش‬


‫إن قيام المسؤولية الجنائية عن الجريمة الجمركية ال تقتصر فقط على المساهمة‬
‫المادية في الجريمة‪ ،‬بل تقوم كذلك من خالل المشاركة في المخالفة الجمركية ‪ ،‬كما قد‬
‫تقوم المسؤولية الجنائية من خالل االستفادة من الغش‪.‬‬

‫وتعتبر المسؤولية الجنائية على أساس المشاركة من أهم المبادئ الكالسيكية‬


‫للعقاب‪ ،‬فهي في الواقع وجدت لعقاب الذي يتوقع أن يستفيد من عملية‬
‫الغش‪،95‬والمشاركة‪ ،96‬في الجريمة الجمركية في مساعدة الفاعل على إخراج البضاعة‬
‫محل الغش من الحدود الجمركية دون المرور على المكتب الجمركي‪.97‬‬

‫وينص الفصل ‪ 221‬من مدونة الجمارك على "أن الشركاء والمتواطئين في‬
‫ارتكاب جنحة أو مخالفة جمركية تطبق عليهم‪ ،‬وفق شروط الحق العام نفس العقوبات‬
‫المطبقة على المرتكبين الرئيسيين للجنحة أو المخالفة الجمركية‪ ،‬ويمكن أن تطبق‬
‫التدابير االحتياطية المنصوص على ‪.220‬‬

‫كما تطبق هذه العقوبات والتدابير االحتياطية على األشخاص الذاتيين أو‬
‫المعنويين الذين لهم مصلحة في الغش‪.‬‬

‫وفي غير الحاالت المنصوص عليها في القانون الجنائي يعتبر المتواطئون في‬
‫ارتكاب الجنحة أو المخالفة الجمركية األشخاص الذين قاموا على علم بما يلي‪:‬‬

‫‪95‬‬
‫‪-BERR .J Claude et Henri TREMEAU, le droit douanier communautaire et national,‬‬
‫‪4éme édition, économica , 1997 Paris. P : 56.‬‬
‫‪ - 96‬عرف القانون الجنائي المشاركة في الفصل ‪ 129‬الذي ينص "يعتبر مشاركا في الجناية أو الجنحة من لم يساهم‬
‫مباشرة في تنفيذها ولكن أتى أحد األفعال اآلتية‪.‬‬
‫‪ -1‬أمر بارتكاب الفعل وحرض على ارتكابه‪ ،‬وذلك بهبة أو عمد أو تهديد أو إساءة استغالل سلطة‪ ،‬أو والية أو تحايل أو‬
‫تدليس إجرامي‪.‬‬
‫‪-2‬قدم أسلحة أو أدوات أو آلية وسيلة أخرى استعملت في ارتكاب الفعل مع علمه أنها تستعمل لذلك‪.‬‬
‫‪-3‬ساعدا أو أعان الفاعل أو الفاعلين للجريمة في األعمال التحضيرية أو األعمال المسهلة لالرتكاب ومع علمه بذلك‪.‬‬
‫‪-4‬تعود على تقديم مسكن أو محل أو مكان لالجتماع لواحد أو أكثر من األشرار الذين يمارسون اللصوصية أو العنف ضد‬
‫أمن الدولة أو األمن العام أو ضد األشخاص أو األموال مع علمه بسلوكهم اإلجرامي‪.‬‬
‫‪ - 97‬أحسن بوسفيعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.411:‬‬

‫‪37‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫‪ -1‬حرضوا مباشرة على ارتكاب الغش أو سهلوا ارتكابه بأية وسيلة من‬
‫الوسائل‪.‬‬

‫‪ -2‬اشتروا أو حازوا ولو خارج الدائرة بضائع ارتكب الغش بشأنها‪.‬‬

‫‪ -3‬ستروا تصرفات مرتكبي الغش أو حاولوا جعلهم في مأمن من العقاب"‪.‬‬

‫يتبين من خالل استقراء هذا الفصل‪ ،‬أن المشرع الجمركي أعطى مفهوما جديدا‬
‫للمشاركة‪ ،‬وذلك بالتوسيع من نطاقها لتشمل حاالت أخرى‪ ،‬إضافة إلى الحاالت الواردة‬
‫ف الفصل ‪ 129‬من القانون الجنائي‪.‬‬

‫باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬يعتمد المشرع على تقنية تشريعية مختلفة عن تلك المعتمدة‬
‫في التقنين الجنائي في صياغة وتحديد مفهوم المشاركة في المادة الجمركية‪ ،‬فإذا كان‬
‫القانون الجنائي ينص على قاعدة عامة ومجردة تحد مسؤولية المشاركة انطالقا من‬
‫توافر شروط معينة‪ ،‬فإن مدونة الجمارك تتضمن تحديد لحاالت المشاركة على سبيل‬
‫الحصر‪ ،98‬وسنقوم بالتفصيل في هذه الحاالت‪.‬‬

‫‪ -1‬التحريض المباشر على ارتكاب الغش أو تسهيل ارتكابه‬

‫يعتبر التحريض صورة من صور المشاركة المنصوص عليها في الفصل ‪129‬‬


‫من القانون الجنائي‪ ،‬وكذا في الفصل ‪ 221‬من مدونته الجمارك‪ ،‬وقد كان هنا بإمكان‬
‫المشرع االكتفاء بالتحريض الوارد في الفصل ‪ 129‬وذلك باإلحالة عليه‪ ،‬دون تكرار‬
‫في مدونة الجمارك‪.‬‬

‫لكن التنصيص صراحة على التحريض المباشر يوحي بأنه يختلف عن‬
‫التحريض الذي يشكل صورة من صور المشاركة المنصوص عليها في المبادئ‬
‫العامة‪ ،‬ذلك أن القانون الجنائي يشترط أن تم التحريض بوسائل حددها على سبيل‬

‫‪- 98‬محمد الشيلي‪/‬الحبيب الدقاق‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.336‬‬

‫‪38‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫الحصر ال يجوز الخروج عنها‪ ،‬أما هنا فتم التنصيص على التحريض المباشر‪ ،‬وبذلك‬
‫يكون المشرع قد وسع من مفهوم التحريض‪.99‬‬

‫وبالنسبة لتسهيل‪ ،‬فإن مسألة تسهيل ارتكاب الغش بأية وسيلة من الوسائل‪ ،‬هي‬
‫عبارة عامة‪ ،‬تجعلها تستغرق ليس فقط األشخاص الذين ساهمو ماديا في عملية الغش‪،‬‬
‫بل حتى أولئك الذين ظلوا بمنأى عن هذه الصفة‪ ،‬ويرجع ذلك إلى رغبة المشرع في‬
‫عدم إفالت كل من له ارتباط بالجريمة الجمركية من العقاب‪ ،‬على اعتبار أن بعض‬
‫الجرائم الجمركية قد تكون مقبولة اجتماعيا‪.‬‬

‫ومثال ذلك جريمة التهريب‪ ،‬فوصول البضائع المهربة إلى الناس يجعلها‬
‫مقبولة‪ ،‬وذلك عكس الجرائم األخرى‪ ،‬الشيء الذي دفع المشرع خلق القطيعة مع‬
‫الجريمة الجمركية ومحاربة كافة أشكالها عن طريق توسيع دائرة المشمولين بأحكام‬
‫المشاركة‪ ،‬وذلك لحماية االقتصاد الوطني من البضائع التي يرتكب الغش بشأنها‬
‫وتصل إلى بر األمان‪.‬‬

‫‪ -2‬شراء أو حيازة بضائع ارتكب الغش بشأنها ولو خارج الدائرة الجمركية‬

‫تعتبر هذه الحالة‪ ،‬من بين الحاالت التي نص المشرع الجمركي عليها ضمن‬
‫الحاالت الخاصة بالمشاركة‪ ،‬واألصل أن المشاركة في القانون الجنائي ال تتناول إال‬
‫األفعال السابقة أو المرافقة الرتكاب الجريمة‪ ،‬لذلك فهذه الحالة غير مألوفة في النظام‬
‫العام للمشاركة فمجرد شراء بضائع مهربة أو حيازتها‪ ،‬يؤدي الى قيام جريمة‬
‫المشاركة في المخالفة الجمركية‪.‬‬

‫‪- 99‬محمد الشلي‪/‬الحبيب الدقاق‪ ،‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.342‬‬

‫‪39‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫وقد نص عليها أيضا القانون الجمركي الفرنسي في الفقرة ‪ 2‬من الفصل‬


‫واعتبرها من قبيل حاالت المصلحة في الغش كتعديل للفصل المذكور‪ ،‬إال أن‬ ‫‪100‬‬
‫‪399‬‬
‫هذه المقتضيات الجديدة خلقت صعوبات فيما يتعلق بالحيازة‪ ،‬والتي تتم وصاحبها يعلم‬
‫أن مصدرها التهريب‪.101‬‬

‫وإذا كان الفصل ‪ 221‬يشترط صراحة لقيام المشاركة العلم بواقعة الغش في‬
‫من مدونة الجمارك ال يفترض المسؤولية‬ ‫‪102‬‬
‫البضاعة‪ ،‬في حين أن الفصل ‪223‬‬
‫الجنائية الحائز‪ ،‬ففي هذه الحالة األخيرة ال يتعين إثبات سوء النية‪ ،‬على اعتبار أن‬
‫مسؤوليته مفترضة‪ ،‬ويبدو أن الحيازة المعاقبة هنا تقتصر على الحالة التي يكون فيها‬
‫واضع اليد على البضاعة هو غير مرتكبا الغش‪.103‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن هذه الحالة ‪ ،‬تجد مكان لها ضمن مجموعة القانون‬
‫الجنائي ليس باعتبارها حالة من حاالت المشاركة المشار إليها في الفصل ‪ 129‬من‬
‫القانون الجنائي‪ ،‬ولكن باعتبارها جريمة قائمة بذاتها في الفصل ‪ 571‬من القانون نفسه‪.‬‬

‫‪- 100‬ينص الفصل ‪ 399‬من قانون الجمارك الفرنسي على مايلي ‪:‬‬
‫‪-1‬ان كل من ساهم في الجريمة باعتباره مستفيدا بأي شكل من األشكال في جنحة التهريب أو جنحة التصدير و االستيراد‬
‫بدون تصريح تطبق عليهم نفس العقوبات المطبقة على الفاعل االصلي باالضافة الى الجزاءات السالبة للحرية المنصوص‬
‫عليها في المادة ‪.432‬‬
‫‪ 2‬تفترض في األصناف التالية أن لهم مصلحة في الغش ‪:‬‬
‫أ‪ -‬مسير مقاولة ا لغش‪،‬أعضاء مقاولة الغش‪،‬مؤمنو مقاولة الغش‪،‬الممول‪،‬مالكو البضائع ‪،‬وبصفة عامة كل من لهم‬
‫مصلحة مباشرة في الغش‬
‫ب‪ -‬كل من ساعد بأية وسيلة في مجموعة من األفعال تم القيام بها من طرف مجموعة من األشخاص يتصرفون على‬
‫شكل عصابة انطالقا من مخطط للجريمة محدد من أ جل ضمان تحقيق النتيجة المتفق عليها ‪.‬‬
‫ج‪ -‬الذين قاموا عن قصد إما بالتستر عن تصرفات مرتكبي الغش أو حاولوا جعلهم في مأمن من العقاب وإما اشتروا‬
‫أوحازو ولو خارج الدائرة الجمركية بضائع متحصلة من جنحة التهريب أو االستيراد بدون تصريح‬
‫‪ – 3‬يمكن المتابعة عن طريق المصلحة في الغش كل من تصرف في اطار جالة الضرورة والغلط المبرر "‪ .‬أورده ‪.‬محمد‬
‫الشلي‪/‬الحبيب الدقاق‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪.336‬‬
‫‪- 101‬نور الدين الغزواني الشرقاوي‪ ،‬مدونة الجمارك وفق أخر التعديالت‪ ،‬الطبيعة الجنائية والجبائية لمدونة الجمارك‪ ،‬طبعة‬
‫‪ ،2003‬مكتبة دار السالم الرباط‪ ،‬ص ‪.36‬‬
‫‪- 102‬تنص الفقرة األولى من الفصل ‪ 223‬على ما يلي"يفترض في األشخاص األتي ذكرهم أنهم مسؤولون جنائيا‪:‬‬
‫األشخاص الموجودة في حوزتهم البضائع المرتكب الغش بشأنها‪"....‬‬
‫‪- 103‬محمد حدوتي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.341‬‬

‫‪40‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫‪ -3‬التستر على مرتكبي الغش‬

‫هذه الحالة من المشاركة خاصة بالمادة الجمركية‪ ،‬ألنها تقرر مسؤولية هذه‬
‫الطائفة نظرا الرتكابها أفعال بعد تمام الجريمة واستنفاذها لكافة أركانها‪.104‬‬

‫والتستر على تصرفات مرتكب الغش يعد عمال من أعمال المشاركة‬


‫الالحقة‪ ،105‬والتي تعتبر من الخصوصيات التي تميز حاالت المشاركة في المادة‬
‫الجمركية‪.‬‬

‫كما أن التستر على تصرفات مرتكب الغش مساءلة تتعلق بضرورة توافر سوء‬
‫النية‪ ،‬ويمكن إثبات سوء النية من خالل إثبات العلم‪ ،‬ألن المشرع المغربي يتطلب‬
‫عنصر العلم في جميع حاالت المشاركة وهو أمر مختلف كما سار عليه نظيره‬
‫الفرنسي الذي قصر هذا العنصر على حالة الشراء أو الحيازة‪.106‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن هذه الحالة من حاالت المشاركة‪ ،‬تشكل في القانون‬


‫الجنائي‪ ،‬جريمة تقديم إعانة أو مكان لالجتماع أو اسكن أو االختباء المنصوص عليها‬
‫في الفصل ‪ ،107295‬وكذلك إخفاء األشخاص أو تهريبهم طبقا لمقتضيات الفصل‬
‫‪ 108297‬من نفس القانون‪.109‬‬

‫وارتباط بما سبق‪ ،‬فمن حيث األساس القانوني لتجريم مسؤولية المشاركة نجد‬
‫اختالف فقهي‪ ،110‬لكن في إطار القواعد العامة المنصوص عليها في الفصول ‪129‬و‬

‫‪- 104‬محمد الشيلي الحبيب الدقاق‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.345‬‬


‫‪- 105‬عبد الرزاق بلقسح‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.87‬‬
‫‪- 106‬نور الدين الغزواني الشرقاوي‪ "،‬الطبيعة الجنائية لمدونة الجمارك" م‪.‬س‪ ،‬ص ‪".175‬‬
‫‪- 107‬ينص الفصل ‪ 295‬من القانون الجنائي" في غير حاالت المشاركة المنصوص عليها في الفصل ‪ 129‬يعاقب ‪...‬كل‬
‫شخص يقدم عمدا وعن علم للمساهمين في العصابة أو االتفاق إما أسلحة أو دفاتر أو أدوات تنفيذ الجناية‪ ،‬وإما مساعدات‬
‫تقديمية أو وسائل تعيش أو تراسل أو نقل وإما مكان لالجتماع أو السكن أو االختباء وكذلك كل من يعينهم على التصرف‬
‫فيما يحصلو عليه بأعمالهم اإلجرامية وكل من يقدم لهم مساعدة بأية صورة أخرى‪"...‬‬
‫‪- 108‬ينص الفصل ‪ 297‬من القانون الجنائي" في غير الحاالت المشار إليها في الفصول ‪129 196‬و ‪ 295‬يعاقب ‪...‬كل من‬
‫يخفي عمدا أحد األشخاص مع علمه بارتكابه جناية أو بان العدالة تبحث عنه بسبب جناية‪ ،‬وكذلك من يقوم عن علم بتهريب‬
‫مجرم او محاولة تهريبية من االعتقال أو البحث أو من يساعده على االختفاء أو الهروب‪"....‬‬
‫‪- 109‬عبد القادر ختيم‪" ،‬الجريمة الجمركية"‪ ،‬مجلة المرافعة‪ ،‬العدد ‪ 7‬دجنبر ‪ ،1997‬ص ‪.15‬‬
‫‪- 110‬لتوسع في هذه النقطة راجع عبد الوهاب عافالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.64‬‬

‫‪41‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫‪130‬و ‪ 132‬من القانون الجنائي‪ ،‬فإن المشاركة من حيث قيام المسؤولية فيها تبقى‬
‫مرتبطة بالجريمة األصلية‪ ،‬فال يسأل المشاركا إال بوجود جريمة معاقب عليها‪ ،‬وكذا‬
‫عنصر العلم‪.‬‬

‫لكن التشدد في ضرورة توافر هذه الشروط لقيام المشاركة بالمفهوم الضيق‪ ،‬قد‬
‫يجع ل بعض األشخاص في مأمن من العقاب‪ ،‬لذلك تدخل المشرع المغربي في تعديل‬
‫‪ ،1112000‬ونص على مسؤولية المستفيد من الغش في الفصل ‪ 221‬من مدونة‬
‫الجمارك‪ ،‬نقالعن المشرع الفرنسي في المادة ‪ 399‬من قانون الجمارك الفرنسي‪ ،‬وإن‬
‫كان المشرع الفرنسي قد توسع في تحديد المستفيدين من الغش‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬المستفيدون من الغش‬

‫غريب على القانون العام فهو خاص بقانون‬ ‫‪112‬‬


‫إن مفهوم المستفيد من الغش‬
‫الجمارك وحده يتضمن هذا المفهوم في أن واحد االشتراك بدون نية إجرامية وكذلك‬
‫االشتراك مع توافر نية إجرامية‪ ،‬ولكنه أوسع من اشتراك القانون العام ألنه يمتد إلى‬
‫السلوك الالحق لتمام الجريمة‪.113‬‬

‫إال أن الغرض من إحداث مفهوم جديد للمشاركة‪ ،‬وهو المستفيد من الغش‪،‬‬


‫كسالح لمواجهة األشخاص الذين تنطبق عليهم شروط المشاركة بمفهومها الضيق‪،‬‬
‫وذلك إلخضاعهم للمتابعة في إطار مدونة الجمارك‪ ،‬حيث نصت الفقرة الثانية من‬
‫الفصل ‪ 221‬من مدونة الجمارك على ما يلي"كما تطبق العقوبات والتدابير االحتياطية‬
‫على األشخاص الدائنين أو المعنويين‪ ،‬الذين له مصلحة في الغش‪"...‬‬

‫وأضاف المشرع الجمركي في الفقرة األخيرة من نفس الفصل بأنه "يعتبر‬


‫شخصا ذاتيا أو معنويا له مصلحة في الغش‪.‬‬

‫‪ - 111‬تم تعديل مدونة الجمارك سنة ‪ 2000‬بظهير الشريف رقم ‪ 1.00.222‬الصادر في ربيع األول ‪5( 1421‬يونيو‬
‫‪(2000‬بتنفيد القانون رقم ‪02.99‬المغيرة والمتممة بموجبه مدونة الجمارك و الضرائب غير المباشرة‪.‬‬
‫‪- 112‬يطلق الغش في القانون الجمركي‪ ،‬على المخالفات للقوانين واألنظمة المكلفة إدارة الجمارك بالسهر على احترامها‪.‬‬
‫‪- 113‬أحسن بوسقيعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.413‬‬

‫‪42‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫أ‪ -‬الذين قاموا على علم بتمويل عملية الغش‬

‫ب‪ -‬مالكو البضائع المرتكب الغش بشأنها‪.‬‬

‫وباستقراء الفقرة أعاله يتبين لنا أن المشرع الجمركي‪ ،‬حصر دائرة المستفيدين‬
‫من الغش‪ ،‬في صنفين‪ ،‬الصنف األول يخص من قاموا بتمويل عملية الغش‪ ،‬والصنف‬
‫الثاني مالكو البضائع المرتكب الغش بشأنها‪ ،‬وسنقوم بالحديث عن كل صنف على‬
‫حدى‪:‬‬

‫‪ -1‬ممولوا عملية الغش‪:‬‬

‫بالنسبة لهذه الفئة فإن مسؤوليتهم تتوقف على شرطين‪:‬‬

‫أ‪ -‬أن يقوموا بتمويل عملية الغش‪ ،‬حيت يعتبر هذا التمويل قرينة على أن هؤالء‬
‫األشخاص قد اتجهت إرادتهم نحو حصول النتيجة اإلجرامية من الغش‪.114‬‬

‫ب‪ -‬أن يتم التمويل بقصد‪ ،‬فالمشرع يشترط ضرورة توفر العلم لدى الممول‬
‫بنصه في الفقرة األخيرة من الفصل ‪..." 221‬الذين قاموا على علم بتمويل عمل‬
‫الغش‪ ،"..‬فشرط العلم هنا ضروري‪ ،‬وبالتالي يمكن درء المسؤولية بإثبات عدم العلم‬
‫بأن التمويل سيستعمل في عملية غش‪ ،‬ألن جريمة التمويل عمدية‪.‬‬

‫‪ -2‬مالكو البضائع المرتكب الغش بشأنها‬

‫يعتبر ذلك مالكو البضائع حسب مدونة الجمارك من المستفيدين من الغش‪ ،‬وما‬
‫يالحظ أن المشرع الجمركي في هذه الحالة يشترط العلم‪ ،‬بل افترض في مالكي‬
‫البضائع المرتكب الغش بشأنها‪ ،‬بكونهم على علم بعدم شرعية هذه البضائع‪.‬‬

‫وبالتالي فالقاضي الزجري ليس ملزم بإثبات علم مالكي البضاعة‪ ،‬على اعتبار‬
‫أن هذا الخير العلم فيه مفترض بنص القانون وتقوم مسؤوليته على هذا األساس‪.‬‬

‫‪- 114‬إشراف اإلدريسي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.94‬‬

‫‪43‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫المطلب الثاني‪ :‬موانع المسؤولية الجنائية‬


‫إن موانع المسؤولية الجنائية‪ ،‬هي األسباب التي في حالة توفرها في الشخص‪،‬‬
‫تمنع مساءلته جنائيا‪ ،‬وتكون هذه الموانع حائال بين الشخص وبين عقابه‪.‬‬

‫وقد حدد المشرع المغربي في القانون الجنائي في الفصول ‪ 141-134‬موانع‬


‫المسؤولية والتي تتميز باتساعها‪.‬‬

‫إال أننا في القانون الجمركي نجد أن المشرع في المادة الجمركية رغم تشبته‬
‫بالموانع العامة الوارد في القانون الجنائي‪ ،‬فقد حدد بعض الموانع والتي تعتبر من بين‬
‫الخصوصيات التي يتميز بها القانون الجمركي‪.‬‬

‫فرغم أن القانون الجمركي تشدد في إثبات المسؤولية‪ ،‬وذلك بتوسيع نطاق‬


‫المشمولين بأحكام هذه المسؤولية‪ ،‬بغية عدم إفالت أي أحد له عالقة بالمخالفات‬
‫الجمركية‪ ،‬فقد فتح الباب أمام األشخاص لنفي هذه المسؤولية عنهم‪.‬‬

‫وتبرز أهم موانع المسؤولية الجنائية في المادة الجمركية‪ ،‬في القوة القاهرة‪،‬‬
‫وكذلك في مسؤولية المستخدم‪.‬‬

‫وسنحاول في هذا المطلب الحديث عن مواقع المسؤولية الجنائية في المادة‬


‫الجمركية‪ ،‬بالتطرق أوال للقوة القاهرة(الفقرة األولى) ثم بعد ذلك الحديث عن مسؤولية‬
‫المستخدم(الفقر الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬القوة القاهرة‬


‫بقصد بالقوة القاهرة‪ ،‬كل أمر ال يستطيع اإلنسان توقعه أو دفعه وأن ال يكون‬
‫السبب المكون لها ناتج عن خطأ سابق‪ ،115‬وحسب القواعد العامة فإنه ال يمكن قيام‬

‫‪- 115‬الفصل ‪ 269‬من ظهير االلتزامات والعقود المغربي‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫حالة القوة القاهرة‪ ،‬إال عبر وقائع ال يمكن توقعها وال دفعها بالقدر الذي يكون فيه‬
‫المسؤول جنائيا في وضعية استحال عليه معها تجنب الجريمة الحاصلة‪.116‬‬

‫وتعد المادة الجمركية مجاال خصبا لتطبيق قاعدة أو مبدأ القوة القاهرة‪ ،‬نظر ألن‬
‫عملية االستخالص الجمركي تتعلق بالبضائع ‪ ،‬كما ترتبط بميدان النقل وما يعرفه من‬
‫مخاطر يستحيل دفعها‪.117‬‬

‫وقد نص المشرع الجمركي على القوة القاهرة في الفصل ‪ ،118224‬وما يالحظ‬


‫من خالله‪ ،‬أن المشرع اشتراط إثبات القوة القاهرة بكيفية دقيقة‪.‬‬

‫وأعتقد أن غرض المشرع في الفصل ‪ 224‬باإلثبات الدقيق‪ ،‬هو توجيه القاضي‬


‫الزجري في الميدان الجمركي‪ ،‬نحو فحص اإلثباتات‪ ،‬التي تدعى القوة القاهرة‪ ،‬فرغم‬
‫فتح المشرع لباب دحض القرائن القانونية بالقوة القاهرة‪ ،‬لنفي المسؤولية الجنائية‪ ،‬فقد‬
‫تشدد في اتباثها‪.‬‬

‫المؤرخ في ‪2005 /04/13‬‬ ‫‪119‬‬


‫وهذا ما أكده المجلس األعلى في أحد قراراته‬
‫الذي جاء فيه "يفترض في األشخاص الموجودة في حوزتهم البضائع المرتكب الغش‬
‫بشأنها‪ ،‬أنهم مسؤولون جنائيا عن ذلك الغش‪ ،‬وهذا االفتراض ال يمكن دحضه إال‬
‫بإثبات الدقيق لحالة القوة القاهرة عمال بمقتضيات الفصل ‪ 224‬من مدونة الجمارك"‪.‬‬

‫وهكذا يتعين على الشخص المتابع من أجل جريمة جمركية لنفي المسؤولية‪،‬‬
‫إثبات أمر غير متوقع وغير ممكن الدفع‪ ،‬غير ناتج عن خطأه‪ ،‬بمعنى أن يكون األمر‬
‫خارجيا‪ ،‬وهو ال يتحقق بمجرد حسن النية‪.‬‬

‫‪- 116‬حفيظ الشرقي‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.298‬‬


‫‪- 117‬عبد الوهاب عافالني‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.69‬‬
‫‪- 118‬ينص الفصل ‪ 224‬من مدونة الجمارك"‪.‬مع مراعاة الفصل ‪223‬أعاله اليدحض القرائن القانونية في ميدان الجمارك‬
‫والضرائب غير المباشرة إال اإلثبات التحقيق لحالة القوة القاهرة"‪.‬‬
‫‪- 119‬قرار عدد ‪ 2/427‬بتاريخ ‪ 2005/04/13‬في الملف الجنحي عدد‪ ،04/24065 :‬مجلة قضاء المجلس األعلى‪ ،‬عدد ‪،67‬‬
‫ص ‪.380‬‬

‫‪45‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫ألن حسن النية‪ ،‬إذا كان يجيز منح الشخص المتابع ظروف التخفيف طبقا‬
‫للفصل ‪ 120257‬مكرر من مدونة الجمارك‪ ،‬فهو ال ينفي المسؤولية وبالتالي فثبوت عدم‬
‫العلم وانعدام القصد الجرمي‪ ،‬ال يكفيان لدحض قرينة المسؤولية الجنائية‪ ،‬وبذلك يكون‬
‫القانون الجمركي قد أخد منحى شد متشدد يجعل قرينة المسؤولية شبه مطلقة‪.121‬‬

‫ما‬ ‫‪122‬‬
‫وجاء في حكم للمحكمة االبتدائية بالناظور مؤرخ في ‪2006/1/5‬‬
‫يلي"حيث انه بمقتضى الفصلين ‪223‬و ‪ 224‬من مدونة الجمارك‪ ،‬فإنه يفترض في‬
‫الشخص الموجودة في حوزته البضاعة المرتكب الغش بشأنها انه مسؤول جنائيا وال‬
‫يدحض هذه القرنية إال باإلثبات الدقيق لحالة قوة القاهرة‪.‬‬

‫وحيث حالة القوة القاهرة تتحقق إذا كان الحائز يحوز البضاعة بمقتضى سند‬
‫يعتقد بكيفية مشروعة أنه مطابق‪ ،‬وقام بما يفرضه عليه القانون من إلتزامات‪.‬‬

‫وحيث يتبين من وقائع القضية أن الظنيين اشتري سيارة محجوزة وأخضعها‬


‫للفحص التقني بتاريخ ‪ 2005/12/22‬فحصل على الشهادة المتطلبة قانونا‪ ،‬ثم سجل‬
‫عقد البيع وحصل على الورقة الرمادية في اسمه بتاريخ ‪.2006/12/26‬‬

‫وحيث أن الظنيين ينكر في جميع المراحل علمه بإتالف اإلطار الحديد للسيارة‬
‫لذل فإن ما عاينه أعوان الجمارك من أخير هذا الرقم يشكل بالنسبة له حالة قوة قاهرة‬
‫غير متوقعة‪ ،‬لذلك وجب الحكم ببراءته من الجنحة الجمركية المنسوب إليه‪.‬‬

‫وبعد الطعن في هذا الحكم ألغت محكمة االستئناف بالناظور بمقتضى قرارها‬
‫المؤرخ في ‪ ،1232006/16‬على اعتبار "أن الظنين يفترض في حسب مقتضيات‬
‫الفصل ‪ 223‬من مدونة الجمارك على أنه مسؤول جنائيا عند حيازته للسيارة المزورة‬

‫‪- 120‬ينص الفصل ‪ 257‬مكرر من مدونة الجمارك على أنه "إذا تبين للمحكمة وجود عناصر تثبت حسن نية مرتكب‬
‫المخالفات للقوانين واألنظمة الجمركية أمكنها منح ظروف التخفيف‪"...‬‬
‫‪- 121‬محمد حدوتي‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.345‬‬
‫‪- 122‬حكم عدد ‪ 46‬بتاريخ ‪ 2006/1/05‬في الملف الجنحي عدد ‪ 06/2‬غير منشور أورده محمد حدوتي‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‬
‫‪.345‬‬
‫‪ - 123‬قرار عدد ‪ 1474‬بتاريخ ‪ 2006/11/26‬في الملف الجنحي عدد ‪ 06/51‬غير منشور ذكره محمد حدوتي‪ ،‬المرجع نفسه‬
‫‪ ،‬ص‪346:‬‬

‫‪46‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫والمرتكب الغش بشأنها وأن ادعاء المحكمة االبتدائية بأن اكتشاف التزوير في السيارة‬
‫يشكل قوة قاهرة هو ادعاء غير سليم باعتبار أن الملف ال يتوفر على أية قوة قاهرة‬
‫إلبعاد المسؤولية الجنائية عن المتهم بشأن حيازة للسيارة المزورة‪."..‬‬

‫وما يمكن مالحظته من خالل الحكمين أعاله‪ ،‬أن هناك اختالف خالل تحديد‬
‫عناصر القوة القاهرة‪ .‬فالمشرع أعطى لنا مفهوم مبهم عن القوة القاهرة‪ ،‬مما جعل‬
‫هناك تضاربا في االجتهاد القضائي حول تحديد عناصر المكونة للقوة القاهرة‪ ،‬لذلك‬
‫أرى أنه يجب على المشرع تدارك هذا النقص‪ ،‬بتحديد حاالت القوة القاهرة‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬المسؤولية الشخصية للمستخدم‬


‫إن القانون الجمركي‪ ،‬وضع مبادئ تعتبر استثناء على القانون الجنائي العام‪،‬‬
‫ولذلك نجد المسؤولية المفترضة في المشغل ومالك وسيلة النقل عن فعل مستخدميهم‪،‬‬
‫إال أن هذه المسؤولية يمكن أن تنتفي في حالة إثبات للمسؤولية الشخصية للمستخدم‪.‬‬

‫وقد أفراد المشرع المغربي الفصول ‪212‬و‪ 293‬و‪ 229‬من مدونة الجمارك‬
‫لتنظيم المسؤولية الشخصية للمستخدم وكيفية نفيها عن المشغل حيث ينص الفصل‬
‫‪ 212‬على ما يلي "يحكم وجوبا بمصادرة وسائل النقل التي استخدمت في ارتكاب‬
‫جنحة أو مخالفة جمركية إذا كان يملكها من شاركوا في الغش أو محاولة الغش أو كان‬
‫مرتكب الغش هو المكلف بسياقتهم ما عدا إذا كان بإمكان مالك وسيلة النقل أن يثبت‬
‫بأن المكلف بالسياقة الذي قام بهذا العمل بدون إذن‪ ،‬قد انصرف خارج إطار الوظائف‬
‫الموكولة إليه"‪.‬‬

‫وباستقراء الفصل أعاله نستنتج أن المشرع رغم افتراضه لمسؤولية مالك‬


‫وسيلة النقل المستخدمة في ارتكاب الجريمة الجمركية وذلك بإمكانية مصادرتها‪ ،‬إال‬
‫أنه فتح الباب أمام المشغل لنفي مسؤوليته‪ ،‬وذلك بإثبات‪ ،‬أن المكلف بالسياقة قام بهذه‬
‫الجريمة دون إذن منه‪ ،‬وقد تصرف خارج إطار المهام الموكولة إليه‪ ،‬ففي هذا الحالة‬
‫يمكن مصادرة وسيلة النقل‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫وينص الفصل ‪ 223‬في فترته الثالثة على ما يلي"يفترض في األشخاص اآلتي‬


‫أنهم مسؤولون جنائيا ‪ ...‬غير أنه ال يتحمل هذه المسؤولية‪:‬‬

‫‪-‬الناقلون الذين يبرهنون على أنهم أود بصفة قانونية واجباتهم المهنية بإثباتهم‬
‫أن البضائع المرتكب الغش بشأنها أخفاها الغير في أماكن ال تجري عليها عادة‬
‫مراقبتهم‪ ،‬أو أنها أرسلت بحكم إرسالية يظهر أنها مشروعة وقانونية‪ ،‬وعندما يمكنون‬
‫اإلدارة من متابعة مرتكب الغش الرئيسي‪ ،‬وعلى الخصوص عن طريقة الكشف عن‬
‫هوية المرسل أو المرسل إليه البضائع التي قاموا بنقلها‪."...‬‬

‫وما يتبين من خالل هذا الفصل‪ ،‬أنه رغم المسؤولية المفترضة في الناقل‪ ،‬فإن‬
‫هذه المسؤولية يمكن أن تنفي‪ ،‬بإثبات قيام إحدى الحاالت الواردة في هذا الفصل‪.‬‬

‫وتطبيقا لذلك ال ترتكب شركة النقل البحري أية مخالفة إذا تسلمت بمقتضى‬
‫اتفاقية مع إدارة البريد أشياء مغلقة أو عمدت إلى نقلها دون معرفة محتواها‪ ،‬وكانت‬
‫متضمنة ألشياء محظورة على اعتبار‪ ،‬أن هذه االتفاقيات‪ ،‬تجعل من المستحيل على‬
‫شركة النقل فتحها والتأكد من مضمناتها‪.124‬‬

‫أوضح أن‬ ‫‪125‬‬


‫وارتباط بما سبق نجد أن المشرع الجمركي في الفصل ‪229‬‬
‫المسؤولية المدنية لمالك وسيلة النقل ال تكون قائمة إذا أثبت المسؤولية الشخصية‬
‫للمستخدم‪ ،‬في حين نص على المسؤولية المطلقة لمالك البضاعة‪.‬‬

‫ورغم ذلك فأن مسؤولية المشغل تنتفي بإثباته أن المستخدم قام بالمخالفة‬
‫الجمركية خارج إطار المهام المنوطة به‪.‬‬

‫‪- 124‬عبد الوهاب عافالني‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.72‬‬


‫‪- 125‬ينص الفصل ‪ 229‬من مدونة الجمارك "يعتبر األشخاص األتي ذكرهم مسؤولين مدنيا من فعل الغير فيما يخص الرسوم‬
‫والمكوس والمصادرات والغرامات والمصاريف‪:‬‬
‫أ‪-‬األشخاص المبينون في الفصل ‪ 85‬من قانون االلتزامات والعقود‪.‬‬
‫ب‪-‬مالكوا البضائع عن فعل مستخدميهم‪.‬‬
‫ت‪-‬مالكو وسائل النقل عن فعل مستخدميهم‪ ،‬إال إذا أثبت المسؤولية الشخصية للمستخدم المكلف بالسياقة"‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫وهذا ما أكد المجلس األعلى في أحد قراراته‪ ،126‬بالقول " إذا كان الفصل ‪229‬‬
‫من مدونة الجمارك يعتبر المشغل وكذا مالك النافلة مسؤوال مدنيا عن فعل مستخدميه‬
‫فيما يخص الرسوم والمكوس والمصادرات والغرامات والمصاريف‪ ،‬فإن ذلك مشروط‬
‫بارتكا ب المستخدم للمخالفة الجمركية في نطاق المهام واألعمال التي كلف بها‪ ،‬وتبعا‬
‫فإن المحكمة المطعون في قرارها لما أخرجت المطلوب ضده في النقض من الدعوى‬
‫بعلة أن مسؤولية المخدومين و من يكلفون غيرهم برعاية مصالحهم ال تقوم إال في‬
‫نطاق الفصل ‪ 85‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ ،‬وذلك متى كان عمل مستخدميهم الغير المشروع قد‬
‫صدر عنهم في حالة تأدية المهام التي كلفهم بها مشغلوهم‪ ،‬ولما كان السائق في النازلة‬
‫قد عاد من العمل المكلف به من طرف مشغله وارتكب أفعاال ال عالقة لها بمالك الناقلة‬
‫بإقراره فإنه أصبح مسؤوال عن تبعات أفعاله وال يمكن تحميل وزرها لمالك الناقلة‬
‫تكون قد طبقت مقتضيات الفصل ‪ 229‬المشار إليه تطبيقا سليما"‬

‫‪ - 126‬قرار عدد ‪ 8/2717‬بتاريخ ‪ ،2000/10/19‬ملف جنحي عدد ‪ ،29/20978‬مجلة قضاء المجلس األعلى‪ ،‬العدد ‪60 ،59‬‬
‫ص ص‪.386-385:‬‬

‫‪49‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫الفصل الثاني‪ :‬اإلثبات كخصوصية إجرائية للجريمة الجمركية‬


‫إذا كانت الخصوصية الموضوعية للجريمة الجمركية تتمثل في المسؤولية‬
‫الجنائية ‪،‬وذلك باختالفها عن المسؤولية الجنائية في القانون الجنائي العام‪ ،‬وبإدخالها‬
‫مفاهيم جديدة خاصة بها تطبق في الميدان الجمركي‪.‬‬

‫فإن المسطرة اإلجرائية –للجريمة‪ -‬الجمركية تتميز في بخصوصية تتجلى في‬


‫اإلثبات الجمركي‪ ،‬فإن كانت القواعد اإلجرائية المطبقة في الجريمة الجمركية‪ ،‬تتعلق‬
‫بتطبيق القواعد المسطرية المنظمة لرد فعل المجتمع ضد هذه المخالفات الجمركية‪،‬‬
‫والتي تكتسي أهمية بالغة باعتبارها القناة الرسمية لتفعيل المقتضيات الموضوعية‪،‬‬
‫فإنها تتميز بخصوصية وتتجلى في اإلثبات الخاص بالجريمة الجمركية‪.‬‬

‫ويعتبر اإلثبات في المادة الجنائية من أهم األعمدة التي يقوم عليها صرح العدالة‬
‫الجنائية برم ته‪ ،‬إذ بواسطته تتحصل القناعة لدى المحكمة من خالل األدلة التي توفرت‬
‫في الدعوى على حصول واقعة مجرمة ومن نسبتها للمتابع أمامها من عدمه‪ ،127‬لذلك‬
‫اهتم المشرع المغربي بتنظيم القواعد القانونية لإلثبات الجنائي حتى يسهل عمل‬
‫القاضي يقربه من الوصول إلى حقائق الوقائع المعروضة عليه‪.128‬‬

‫وتحكم اإلثبات في الميدان الجنائي مجموعة من المبادئ العامة وهي حرية‬


‫اإلثبات ومبدأ االقتناع الصميم للقاضي‪ ،‬وقرينة البراءة‪.‬‬

‫ويقصد بمبدأ حرية اإلثبات أن الجريمة تثبت بكل الوسائل الممكنة كما نصت‬
‫على ذلك المادة ‪129 286‬من المسطرة الجنائية‪ ،‬وهذه الحرية مخولة لجميع أطراف‬
‫الدعوى الجنائية‪ ،‬ولهذا فإن هذا المبدأ هو من أهم الخصائص المميزة لنظام اإلثبات‬

‫‪ - 127‬عبد الواحد العلمي‪ ،‬شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬الطبعة األولى ‪،2009‬‬
‫ص‪.380‬‬
‫‪ - 128‬لطيفة الداودي‪ ،‬دراسة في قانون المسطرة الجنائية الجديد‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،2005 ،‬المطبعة الوطنية الحي المحمدي‪،‬‬
‫الدوديات‪ ،‬مراكش‪ ،‬ص ‪.359‬‬
‫‪ - 129‬تنص المادة ‪ 286‬من قانون المسطرة الجنائية "يمكن إثبات الجرائم بأية وسيلة من وسائل اإلثبات ما عدا في األحول‬
‫التي يقضي فيها القانون خالف ذلك‪"...‬‬

‫‪50‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫الجنائي‪ ،‬وذلك خالف لما هو عليه األمر في المادة المدنية‪ ،‬حيث اإلثبات مفيد لكونه‬
‫يتعلق بتصرفات قانونية‪.130‬‬

‫أما مبدأ االقتناع الصميم لدى القاضي‪ ،‬فبمقتضاه يحرر القاضي الجنائي من‬
‫التقيد سلفا بوسيلة محددة في إثبات الوقائع المعروضة أمامه كما يترك له الحرية كاملة‬
‫في تقدير قيمة الدليل بحيث ال رقيب عليه في تكوين اقتناعه‪.131‬‬

‫وبخصوص مبدأ قرينة البراءة فهو مبدأ في غاية األهمية في المادة الجنائية ألنه‬
‫يشكل ضمانة أساسية لحقوق األفراد‪ ،‬وقد نصت على هذا المبدأ المادة األولى من‬
‫المسطرة الجنائية‪.132‬‬

‫وإذا كان المشرع قد اهتم باإلثبات في الميدان الجنائي ‪ ،‬فان األمر ال يختلف‬
‫بالنسبة لإلثبات في الميدان الجمركي ‪ ،‬فقد منحه عناية خاصة ‪ ،‬بشكل يخول إلدارة‬
‫الجمارك ممارسة المهام الموكولة إليها ‪،‬وذلك بالوقوف على المخالفات الجمركية‪.‬‬

‫ويعتبر مجال اإلثبات المجال الذي تظهر فيه الخصوصية اإلجرائية للجريمة‬
‫الجمركية بصفة أساسية‪ ،‬وقد وضعت مدونة الجمارك قواعد خاصة لإلثبات منظمة في‬
‫الفصول ‪ 233‬إلى ‪ ،247‬فضال عن األحكام الخاصة بتفتيش األماكن والمحالت‬
‫المهنية‪ ،‬ووسائل النقل وتفتيش األشخاص‪ ،‬والكشف الطبي عليهم‪.‬‬

‫وبالنظر إلى طبيعة الجرائم الجمركية‪ ،‬فإنه يتم االعتماد بصفة أساسية على‬
‫المحاضر في اإلثبات‪ ،‬التي تتجلى فيها خصوصيات اإلثبات‪ ،‬باإلضافة إلى القرائن‪.‬‬

‫وإذا كانت المحاضر في الميدان الجمركي تتميز بخصوصيات في مجال اإلثبات‬


‫الجمركي‪ ،‬فما هي هذه الخصوصيات؟ وما هي األحكام العامة المنظمة لها؟ وما هو‬
‫أثر هذه المحاضر على السلطة التقديرية للقاضي الجنائي في الميدان الجمركي؟‬

‫‪ - 130‬الحبيب بيهي‪ ،‬شرح قانون المسطرة الجنائية الجديد‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬منشورات المجلة المغربية لإلدارة المحلية‬
‫والتنمية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬مطبعة المعارف الجديدة‪ ،‬الرباط‪ ،2004 ،‬ص ‪.283‬‬
‫‪ - 131‬عبد الواحد العلمي‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.388‬‬
‫‪ - 132‬تنص المادة األولى من ق م ج "كل متهم أو مشتبه فيه بارتكاب جريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانونا بمقرر‬
‫مكتسب لقوة الشيء المقضي به‪."...‬‬

‫‪51‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫وسنحاول من خالل هذا الفصل اإلجابة على هذه اإلشكاالت من خالل مبحثين‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬األحكام العامة لإلثبات الجمركي‬

‫المبحث الثاني‪ :‬خصوصيات اإلثبات الجمركي‬

‫‪52‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫المبحث األول‪ :‬األحكام العامة لإلثبات الجمركي‬


‫يعتبر اإلثبات في الميدان الجمركي حلقة مهمة في مسلسل معاقبة المخالف‬
‫لألنظمة والقوانين الجمركية‪ ،‬وذلك ألن المساءلة القانونية عن ارتكاب الجرائم‬
‫الجمركية ال يمكن أن تكون إال بإثبات نسبة الفعل الجمركي إلى المتهم‪.‬‬

‫وقد أخذ المشرع الجمركي من القانون الجنائي العام‪ ،‬مبدأ حرية اإلثبات‪ ،‬أي أن‬
‫اإلثبات في المادة الجمركية يتم بجميع الوسائل القانونية‪ ،133‬إال أنه –اإلثبات الجمركي‪-‬‬
‫يعتمد على المحاضر بصفة أساسية في إثبات المخالفة الجمركية‪.‬‬

‫ف اإلثبات في المادة الجمركية يتميز بعدة خصوصيات‪ ،‬وذلك راجع باألساس إلى‬
‫الطابع الخاص الذي يميز الجرائم الجمركية‪.‬‬

‫ولكن قبل التعرف على هذه الخصوصيات‪ ،‬البد من الحديث عن األحكام العامة‬
‫لإلثبات الجمركي‪.‬‬

‫فاألحكام العامة لإلثبات تشكل االنطالقة الرئيسية التي إذا لم تستقيم ال يكون‬
‫هناك اتهام على أساس قانوني‪ ،‬وبالتالي فالبد قبل البدء في إعداد وسائل اإلثبات‪ ،‬ونحن‬
‫هنا في المادة الجمركية سنقتصر على المحاضر التي تشكل أهم وسيلة إثبات‪ ،‬البد من‬
‫التعرف على طرق اإلثبات من خالل الحديث عن نطاق هذا اإلثبات واألشخاص‬
‫المكلفون باإلثبات‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس سنحاول في هذا المبحث التعرف على األحكام العامة‬
‫لإلثبات من خالل الحديث عن ماهية اإلثبات الجمركي (المطلب األول)‪ ،‬ثم بعد ذلك‬
‫التطرق إلى طرق إثبات الجريمة الجمركية (المطلب الثاني)‪.‬‬

‫‪ - 133‬ينص الفصل ‪ 247‬من مدونة الجمارك "بغض النظر عن إثبات األفعال التي تشكل خرقا للقوانين واألنظمة الجمركية‬
‫يمكن إثبات هذه األفعال بجميع الطرق القانون األخرى حتى ولو لم تبد أية مالحظة بخصوص البضائع المصرح بها"‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫المطلب األول‪ :‬ماهية اإلثبات في الميدان الجمركي‬

‫إذا كانت الجرائم في الميدان الجمركي تتميز بالدقة والبساطة‪ ،‬وعدم التعرض‬
‫الكبير للكشف عنها‪ ،‬فإن المشرع الجمركي‪ ،‬ورغبة منه في التقليل إلى حد كبير من‬
‫الجرائم الجمركية‪ ،‬وضع مجموعة من النصوص القانونية تخص إثبات الجرائم‬
‫الجمركية‪ ،‬هذه النصوص الخاصة باإلثبات‪ ،‬وإذا كانت في ظاهرها تأخذ عن القانون‬
‫العام الخاص باإلثبات‪ ،‬فإنها في باطنها تتميز بعدة خصوصيات‪ ،‬تجعل منها استثناء‬
‫على القواعد العامة لإلثبات‪.‬‬

‫ومن هنا تصبح ماهية اإلثبات في الميدان الجمركي أمرا ضروريا البد من‬
‫التطرق إليه‪ ،‬وذلك لتحديد هذا اإلثبات الجمركي‪ ،‬وتعرف على مميزاته‪ ،‬إذا ما قارنها‬
‫مع القانون الجنائي العام‪.‬‬

‫وسنحاول من خالل هذا المطلب التفصيل في ماهية اإلثبات في الميدان‬


‫الجمركي‪ ،‬من خالل الحديث بصفة أولى عن مفهوم اإلثبات (الفقرة األولى)‪ ،‬حيث أن‬
‫المفهوم هو المنطلق األول لتحديد ماهية الشيء‪ ،‬والشك ما لعنصر لمكان من أهمية في‬
‫تحديد عمل إدارة الجمارك‪ ،‬وهذا التحديد هو الذي يعطي الشرعية لعنصر اإلثبات‪،‬‬
‫الذي نحن بصدد تحديد ماهيته‪ ،‬والذي ال يمكن استكمال تحديد ماهيته دون تحديد نطاقه‬
‫المكاني‪ ،‬ولذلك سنحاول في محطة ثانية الحديث عن النطاق المكاني لإلثبات (الفقرة‬
‫الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬مفهوم اإلثبات‬


‫يعرف اإلثبات في المواد الجنائية بأنه إقامة الدليل على وقوع الجرم وعلى‬
‫نسبته لشخص معين فاعال كان أو شريكا‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫ويعرف أيضا بأنه كل ما يؤدي إلى إظهار الحقيقة وألجل الحكم على المتهم في‬
‫المسائل الجنائية يجب ثبوت وقوع الجريمة ذاتها‪ ،‬وأن المتهم هو المرتكب لها‪.134‬‬

‫وقد درج الفقه على استخدام كلمة اإلثبات للتعبير بها عن الدليل وكلمة الدليل‬
‫للتعبير بها عن اإلثبات‪ ،‬بحيث يبدو وكأنهما كلمتان مترادفتان‪.135‬‬

‫كما يقسم شراح القانون‪ 136‬مذاهب اإلثبات إلى ثالثة أنواع‪:‬‬

‫أ‪ -‬مذهب اإلثبات القانوني أو المقيد‪ ،‬وفيه يرصد القانون أدلة معينة ال يجوز‬
‫اإلثبات إال عن طريقها‪.‬‬

‫ب‪ -‬مذهب اإلثبات المكلف أو المعنوي‪ ،‬وفيه ال يقيد المشرع القاضي بأدلة‬
‫معينة‪ ،‬وإنما يكون له أن يستقي اقتناعه من أي دليل شاء‪.‬‬

‫ج‪ -‬مذهب اإلثبات المختلط ونجد فيه المشرع يجمع بين المذهبين السابقين في‬
‫اإلثبات‪ ،‬تارة يقتضي دليال قانونيا ال يثبت الحق إال به‪ ،‬وأخرى يترك اإلثبات حرا من‬
‫كل قيد‪.‬‬

‫وقد أخذ المشرع المغربي بالنظام المختلط على غرار المشرع الفرنسي‪.137.‬‬

‫ونشير أن لقواعد اإلثبات طبيعة مزدوجة‪ ،‬أي أن بعضها موضوعي أي يستخدم‬


‫الدليل في إثبات الوقائع‪ ،‬وبعضها شكلي يبين الطرق والكيفية التي تستخدم بها تلك‬
‫الوقائع كأدلة أمام المحكمة‪ .138‬كما أن أهمية اإلثبات في الميدان الجنائي واضحة‪ ،‬إذ أن‬
‫الحق وهو موضوع التقاضي يتجرد من كل قيمة إذا لم يقم الدليل على الحادث الذي‬
‫يسند إليه‪.139‬‬

‫‪ - 134‬مروك نصر الدين‪ ،‬محاضرات في اإلثبات الجنائي‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬النظرية العامة لإلثبات الجنائي‪ ،‬طبعة ‪ ،2003‬دار‬
‫هومه ‪ 34‬حي االبرويار بوزريعة‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ص ‪.167‬‬
‫‪ - 135‬محمد أحمد محمود‪ ،‬الوسيط في اإلثبات في المواد الجنائية‪ ،‬المكتب الفني لإلصدارات القانونية‪ ،‬بدون طبعة‪ ،‬ص ‪.8‬‬
‫‪ - 136‬عبد الحميد الشورابي‪ ،‬اإلثبات الجنائي في ضوء القضاء والفقه النظرية والتطبيق‪ ،‬الناشر منشأة المعارف‬
‫باإلسكندرية‪ ،‬طبعة ‪ ،1987‬ص ‪.10‬‬
‫‪ - 137‬أسماء حساني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.13‬‬
‫‪ - 138‬عبد الحميد الشورابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫‪ - 139‬محمد أحمد محمود‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.9‬‬

‫‪55‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫ولإلثبات في الميدان الجمركي أهمية ال تقل عن تلك التي يحظى بها في المادة‬
‫الجنائية بصفة عامة‪ ،‬فقد اعتنى به المشرع الجمركي عناية خاصة بشكل يوفر لإلدارة‬
‫الجمركية تحقيق هدفها بالشكل المطلوب وذلك بالوقوف على المخالفة الجمركية‪.‬‬

‫وتعتبر المخالفة الجمركية حجر الزاوية الذي يدور حوله موضوع اإلثبات في‬
‫الميدان الجمركي‪ ،‬فقد عرفها المشرع المغربي في الفصل ‪ 204‬من مدونة الجمارك‬
‫بأنها‪":‬عمل أو امتناع عن عمل مخالف للقوانين واألنظمة الجمركية ومعاقب عليها‬
‫بمقتضى هذه النصوص"‪.140‬‬

‫ونشير إلى أن المشرع الجمركي لم يقيد اإلثبات بوسائل معينة بل صرح في‬
‫الفصل ‪247‬من مدونة الجمارك بأنه يتم إثبات األفعال المخالفة للقوانين واألنظمة‬
‫الجمركية بكل الطرق القانونية‪.‬ورغم ذلك فقد أعطى للمحاضر الجمركية أهمية أكبر‬
‫ضمن وسائل االثبات‪.‬‬

‫لكن التساؤل الذي يطرح حول حدود النطاق المكاني لإلثبات؟‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬النطاق المكاني لإلثبات‬


‫النطاق الجمركي كما عرفه ‪ 141Edouard Pouset‬هو "ذلك الحيز من اإلقليم‬
‫الجمركي الذي يخضع للرقابة الجمركية الخاصة والصارمة‪ ،‬وذلك قصد ضمان‬
‫الحماية الالزمة للحدود السياسية للدولة والتصدي للجرائم المرتكبة في هذه المناطق‬
‫المعزولة وتحصيل الحقوق والرسوم الجمركية‪ ،‬وهو ما يمكن إدارة الجمارك من القيام‬
‫بدورها المزدوج الحمائي والجبائي"‪.‬‬

‫وتنقسم الجرائم الجمركية إلى جرائم حدودية وجرائم مكتبية‪ ،‬فالمراقبة‬


‫الجمركية إما أن تتم داخل المكاتب‪ ،‬وإما أن تتم خارج هذه المكاتب‪.‬‬

‫‪ - 140‬محمد محبوبي‪/‬روشام الطاكي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.15‬‬


‫‪- Edouard POUSET ,Rayon des douanes ,Police des frontières de terre , Université‬‬
‫‪141‬‬

‫‪Bordeaux, Année universitaire 1992-1993,p9‬‬


‫أوردته أسماء حساني ‪,‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.19‬‬

‫‪56‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫أوال‪ :‬المراقبة المكتبية‬

‫تعتبر المكاتب الجمركية المكان العادي للقيام بالعمليات الجمركية من تفتيش‬


‫للبضائع والمسافرين وأمتعتهم كما نص على ذلك الفصل ‪ 1-38‬من مدونة الجمارك‬
‫ألجل تطبيق هذه المدونة ورغبة في البحث عن الغش‪ ،‬يجوز ألعوان اإلدارة أن يقوموا‬
‫بمعاينة البضائع ووسائل النقل وتفتيش األشخاص"‪.‬‬

‫وعالوة على ذلك يجوز ألعوان الجمارك القيام بزيارات منزلية قصد التفتيش‪،‬‬
‫وال يمكن بدء التفتيش ومعاينة المساكن قبل الساعة ‪ 6‬صباحا وبعد ‪ 9‬ليال وهذا مبدأ‬
‫عام ورد النص عليه في المادة ‪ 14262‬من قانون المسطرة الجنائية‪.‬‬

‫إال أنه أثناء القيام بالتفتيش قد يالقي أعوان الجمارك صعوبة مادية راجعة في‬
‫أساسها إلى مواقف األشخاص وفي بعض األحيان يواجهون خصوصيات قانونية‬
‫راجعة في معظمها إلى القانون‪.‬‬

‫فيما يخص الصعوبات المادية يمكن أن تأتي في صورة رفض فتح أبواب‬
‫المسكن من طرف المشكوك في ارتكابه الغش ففي هذه الحالة فال جرم في فتح األبواب‬
‫بالقوة بحضور ضابط الشرطة القضائية الذي يلزمه القانون بالحضور إذا ما توصل‬
‫بذلك‪.‬‬

‫أما عن الصعوبات القانونية فتتحقق حين تلبس بجريمة ويكون العامل في حالة‬
‫فرار ويواجه األعوان بإقفال أبواب المسكن حيث تجد فراغا قانونيا يتمثل في غياب‬
‫تنظيم لإلجراء قانوني يخص هاته الحالة‪.143‬‬

‫وتبرز أهمية هذا النوع من المراقبة‪ ،‬أنه رغم تجاوز البضائع المهربة الحدود‬
‫الجمركية دون ضبطها فإنه يمكن ضبطها بعد ذلك‪.‬‬

‫‪ - 142‬تنص المادة ‪ 62‬من قانون المسطرة الجنائية على أنه "ال يمكن الشروع في تفتيش المنازل أو معاينتها قبل الساعة‬
‫السادسة صباحا وبعد الساعة التاسعة ليال‪ ،‬إال إذا طلب ذلك رب المنزل أو جهة استغاثة من داخله‪."...‬‬
‫‪ - 143‬محمد محبوبي‪/‬روشام الطاكي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.18‬‬

‫‪57‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫ونشير أن هناك جانب من الفقه‪ 144‬يشترط لصحة ضبط البضائع خارج النطاق‬
‫الجمركي أن تكون هناك مطاردة أو متابعة لهذه البضائع أوال‪ ،‬وأن تكون على مرآى‬
‫العين استنادا إلى نصوص القانون التي تشترط ذلك‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬المراقبة خارج المكاتب‬

‫تتم هذه المراقبة وتشمل كل التراب الخاضع‪ 145‬على كل البضائع ووسائل النقل‬
‫التي تعبر الحدود الجمركية من أجل الكشف عن البضائع المرتكب الغش بشأنها‪.146‬‬

‫واألصل أنه متى اجتازت البضائع نطاق الرقابة الجمركية ال يكون لمصلحة‬
‫الجمارك حق التعرض لها احتراما لوضع اليد عليها‪ ،‬إن تنتهي سلطات الجمارك‬
‫االستثنائية خارج حدود هذا النطاق خارج حدود هذا النطاق‪.‬‬

‫ونظرا لصعوبة وضع حد لحركة التهريب عبر المراقبة الروتينية داخل النطاق‬
‫الجمركي أيا كانت الوسائل الموضوعة رهن إشارة السلطات الجمركية‪ ،‬أدت‬
‫بالتشريعات الجمركية عبر العالم بمنح أعوان الجمارك خارج المناطق الحدودية‬
‫مجموع من الصالحيات‪ ،‬وهو ما استلزم وضع قواعد خاصة تسمح بالعقاب على‬
‫الجرائم الجمركية فيما وراء النطاق الجمركي‪.147‬‬

‫باإلضافة إلى ذلك فإذا كانت الجريمة الجمركية ترتكب عموما على الحدود‬
‫السياسية للدولة‪ ،‬فإن هناك من أفعال التهريب ما ال يرتكب ال في المنطقة البرية وال في‬
‫المنطقة البحرية من النطاق الجمركي‪ ،‬وال في التراب الجمركي للدولة‪ ،‬بل يرتكب‬
‫بمقربة من الحدود في البلد المجاور‪.148‬‬

‫‪ - 144‬عبد الرحمان فريد‪ ،‬التهريب الجمركي‪ ،‬القاهرة بدون دار النشر‪ ،‬ص ‪ 257‬أوردته أسماء حساني‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫ص‪.30‬‬
‫‪ - 145‬يقصد بالتراب الخاضع حسب الفصل األول من مدونة الجمارك" بأنه الجزء األرضي من التراب الجمركي‪ ،‬بما فيه‬
‫الموانئ والفرضات والمسطحات العائمة أوف شور وكذا الجرافات القعرية والتجهيزات المماثلة المتواجدة بالمياه اإلقليمية‬
‫وغيرها من المنشآت الواقعة بالمياه اإلقليمية والمحددة بمرسوم‪.‬‬
‫‪ - 146‬عبد الوهاب عافالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.153‬‬
‫‪ - 147‬أسماء حساني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.29‬‬
‫‪ - 148‬أسماء حساني‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.31‬‬

‫‪58‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫المطلب الثاني‪ :‬طرق إثبات الجريمة الجمركية‬


‫تخضع الجرائم الجمركية كغيرها من الجرائم إلى طرق اإلثبات العامة‪ ،‬التي‬
‫يتعين اللجوء إليها في حالة قيام مخالفة جمركية‪.‬‬

‫فإثبات الجرائم الجمركية يتم بوسيلتين‪ ،‬المحاضر الجمركية وطرق إثبات‬


‫القانون العام‪.‬‬

‫وتشكل المحاضر الجمركية الوسيلة المثلى لإلثبات لما تتضمنه من معاينات‬


‫تسهل عملية اإلثبات‪.149‬‬

‫وإذا كان المشرع جعل إمكانية إثبات الجرائم الجمركية بالطرق العامة لإلثبات‪،‬‬
‫فيعني ذلك أن األشخاص الوارد النص عليهم في القانون العام بكونهم المكلفون بإثبات‬
‫الجرائم يحق لهم التثبت من وقوع الجرائم الجمركية‪ ،‬والتساؤل المطروح هنا هل خول‬
‫المشرع لبعض األشخاص األخرى حق التثبت من الجرائم الجمركية؟ وذلك في ترابط‬
‫مع الخصوصيات التي تميز الميدان الجمركي‪ ،‬وفي هذا المطلب‪.‬‬

‫سنحاول في هذا المطلب اإلجابة على هذا التساؤل من خالل الحديث عن‬
‫األشخاص المكلفون باإلثبات (الفقرة األولى)‪ ،‬ثم بعد ذلك الحديث عن شكليات‬
‫المحاضر الخاصة باإلثبات (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬األشخاص المكلفون باإلثبات‬


‫منح المشرع الجمركي حق التثبت من وقوع المخالفات الجمركية لكل من‬
‫أعوان إدارة الجمارك وكذلك ضباط الشرطة القضائية وكل األعوان محررو المحاضر‬
‫التابعة للقوة العمومية‪ ،‬حيث نص الفصل ‪ 233‬من مدونة الجمارك على أنه "يقوم‬
‫بإثبات األفعال المخ الفة للقوانين واألنظمة الجمركية أعوان اإلدارة الذين أدو اليمين‬
‫طبقا للشروط المحددة في الفصل ‪ 233‬من هذه المدونة وضباط الشرطة القضائية‬

‫‪ - 149‬أحسن بوسقيعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.177‬‬

‫‪59‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫وكذلك كل األعوان محرر المحاضر التابعون لقوة العمومية القضائية وكذلك كل‬
‫األعوان محرر المحاضر التابعون للقوة العمومية‪.‬‬

‫وبقراء ة متأنية لهذا الفصل نجد أن المشرع هنا جعل ألعوان إدارة الجمارك‬
‫الحق في التثبت من المخالفات الجمركية بأسبقية على ضباط الشرطة القضائية‪ ،150‬كما‬
‫منح هذا الحق إلى األعوان محررو المحاضر التابعون للقوة العمومية‪.‬‬

‫وذلك في اعتقادي راجع باألساس إلى كون أعوان إدارة الجمارك أكثر معرفة‬
‫بالميدان الجمركي والجرائم التي يمكن أن تظهر في هذا الميدان‪ ،‬بحكم ممارستهم‪ ،‬على‬
‫عكس ضباط الشرطة القضائية الذين قد يفتقدون الخبرة في هذا الميدان‪.‬‬

‫ويقصد باألعوان محرري المحاضر التابعين للقوة العمومية‪ ،‬رجال الشرطة‬


‫والدرك الملكي الذين أثبتوا جريمة جمركية صادفوها أثناء قيامهم بالبحث في قضية من‬
‫قضايا القانون العام‪ ،‬وهذا يعني أنه ينبغي أن يكون هنالك تعاون بين أعوان القوة‬
‫العمومية وأعوان إدارة الجمارك‪.151‬‬

‫باإلضافة إلى ذلك فأعوان إدارة الجمارك مؤهلون بل ومكلفون بمعاينة الجرائم‬
‫ذات الطبيعة الجمركية وإثباتها بشتى طرق اإلثبات القانونية‪ ،‬ومن بينها المحاضر التي‬
‫يكلفون بتحريرها عند ضبط أية مخالفة لنصوص القانون الجمركي‪.152‬‬

‫ولكن لكي يزاول أعوان الجمارك مهامهم البد لهم من التوفر على مجموعة من‬
‫الشروط نص عليها الفصل ‪ 33‬من مدونة الجمارك بنصه‪":‬‬
‫‪ -1‬يعمل أعوان اإلدارة المدعون لتحرير المحاضر وكالة (ينبغي لهم أن يدلو‬
‫بها كلما طلبت منهم‪.‬‬

‫‪ - 150‬نصت المادة ‪ 20‬من المسطرة الجنائية‪":‬يحمل صفة‪ .‬ضابط للشرطة القضائية‪.‬‬


‫‪-‬المدير العام لألمن الوطني ووالة األمن والمراقبون العامون للشرطة وعمداء الشرطة وضباطها‪.‬‬
‫‪-‬ضباط الدرك الملكي وذو الرتب فيه وكذا الدركيون الذين يتولون قيادة فرقة أو مركز للدرك الملكي مدة هذه القيادة‪.‬‬
‫‪-‬الباشوات والقواد‪."...‬‬
‫‪ - 151‬علي الجغنوني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.55‬‬
‫‪ - 152‬محمد محبوبي‪/‬روشام الطاكي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.17‬‬

‫‪60‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫‪ -2‬يجب عليهم أداء اليمين طبق الكيفيات والشروط المنصوص عليها في‬
‫التنظيم المتعلق بيمين األعوان محرري المحاضر‪."...‬‬
‫أوال‪ :‬التوفر على وكالة عمل‬
‫يتضح من النص أعاله أن أعوان إدارة الجمارك يحملون صفة وكالء عن إدارة‬
‫الجمارك أثناء قيامهم بمهامهم‪ ،‬وتجد هذه الصفة أساسها القانوني في القواعد العامة في‬
‫الميدان المدني وبالضبط في قانون االلتزامات والعقود‪.153‬‬
‫ويجب على أعوان إدارة الجمارك أثناء ممارستهم لمهامهم التقيد وتنفيذ المهمة‬
‫الذي كلفها بها‪ ،‬طبقا لصفة الوكالة‪ ،‬وذلك ما أكد الفصل ‪ 895‬من ق ل ع‪.154‬‬
‫ثانيا‪ :‬أداء اليمين القانونية‬
‫يجب على إدارة الجمارك قبل مباشرة المهام المنوطة بها أداء اليمين القانونية‪،‬‬
‫هذا االلتزام القانوني نجد أساسا له قبل صدور مدونة الجمارك وبالضبط في المادة ‪3‬‬
‫من ظهير ‪ 16‬دجنبر ‪.1551918‬‬
‫وقد نصت على هذا المقتضى الفقرة الثانية من الفصل ‪ 33‬من مدونة الجمارك‬
‫السالف الذكر‪ ،‬ويقتصر أداء اليمين على المكلفين بتحرير المحاضر‪ ،‬وهذا اليمين يتعين‬
‫أداؤها أمام السلطة القضائية المختصة وذلك قبل البدء في مباشرة مهامهم‪.156‬‬
‫وبتوفر أعوان إدارة الجمارك على هذه الشروط‪ ،‬فإنهم يمكن لهم مزاولتهم‬
‫سلطاتهم‪ ،‬فحق ألعوان اإلدارة أن يحجزوا جميع البضائع الخاضعة للمصادرة‬
‫والوثائق المتعلق بها‪ ،‬ووسائل النقل‪ ،‬بل وحتى منها ما هو غير قابل للمصادرة‪.157‬‬
‫وبالرجوع إلى المادة ‪ 234‬من مدونة الجمارك نجدها تنص على وسيلتين‬
‫لإلثبات‪":‬المخالفات الجمركية عن طريق الحجز أو عن طريق البحث"‪.‬‬

‫‪ - 153‬ينص الفصل ‪ 879‬من ق ل ع‪ ":‬الوكالة عقد بمقتضاه يكلف شخص شخصا أخر بإجراء عمل مشروع لحسابه ويسوغ‬
‫إعطاء الوكالة أيضا لمصلحة الموكل والوكيل أو لمصلحة الموكل والغير أو لمصلحة الغير وحده "‪.‬‬
‫‪ - 154‬ينص الفصل ‪ 895‬من ق ل ع‪":‬على الوكيل أن ينفذ بالضبط المهمة التي كلف بها‪ ،‬فال يسوغ أن يجري أي عمل‬
‫يتجاوز أو يخرج من الوكالة"‪.‬‬
‫‪155‬‬
‫‪-Moulay Labri EL ALAOUI , Le Droit Douanier du Maroc , edition 2006,ibnsina,P265‬‬
‫‪ - 156‬حفيظ الشرقي‪ ،‬الطبيعة القانونية للمحاضر الجمركية‪ ،‬أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص‪ ،‬جامعة محمد‬
‫الخامس‪ ،‬كلية الحقوق أكدال‪ ،‬الرباط‪ ،1992/1991 ،‬ص ‪.54‬‬
‫‪- 157‬عبد القادر ختيم ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.23‬‬

‫‪61‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫بالنسبة للوسيلة األولى في اإلثبات عن طريق الحجز‪ ،‬فمسطرة الحجز كانت‬


‫هي الوسيلة الوحيدة المعترف بها من طرف المشرع الجمركي‪ ،‬وهي مسطرة بسيطة‬
‫وفعالة ما دامت جل المخالفات الجمركية تكتشف بمعاينة البضائع سواء في إطار‬
‫التفتيش أم بتقديم البضاعة للمراقبة‪ ،158‬وإذا كان يحق ألعوان إدارة الجمارك أن‬
‫يحجزوا جميع البضائع الخاضعة للمصادرة والوثائق المتعلقة بها ووسائل النقل‪ ،‬فإن‬
‫هذا الحجز يتم بالنسبة لحالة التلبس أو بعد البحث المجرى من طرف إدارة الجمارك أو‬
‫من طرف ضباط الشرطة القضائية‪ ،159‬على اعتبار أنهم من خصهم المشرع بالتثبت‬
‫من المخالفات المتعلقة بخرق األنظمة القانونية الخاص بالجمارك‪.‬‬
‫وتتم هذه المسطرة بوضع اليد على العنصر المادي للجريمة الجمركية ويمر‬
‫اإلثبات عن طريق الحجز بمرحلتين مهمتين‪ ،‬وهما المعاينة والحجز‪.160‬‬
‫وبالنسبة للوسيلة الثانية وهي اإلثبات عن طريق البحث‪ ،‬فهذه الوسيلة تعتمد في‬
‫إثبات المخالفة الغير متلبس بها‪ ،‬إذ يمكن اتخاذ سائر اإلجراءات الالزمة للتثبت من‬
‫جريمة جمركية‪ ،‬والتعرف على مرتكبيها‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة لألبحاث المنجزة في‬
‫جرائم الحق العام‪ ،‬ومن ثم يمكن ألعوان اإلدارة تفتيش المنازل واالطالع على أية‬
‫وثيقة كتابية كيفما كان نوعها‪.161‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن مسطرة البحث أو اإلثبات بواسطة محاضر االستماع لم‬
‫يبدأ العمل بها في فرنسا إال بعد سنة ‪ 1995‬عندما أباح المشرع إثبات المخالفات‬
‫الجمركية بجميع وسائل اإلثبات‪ ،‬ولو لم يكن هناك أي حجز‪.162‬‬

‫‪ - 158‬حميد الوالي‪" ،‬المنازعات الجمركية بين القواعد الجزئية العامة ومدونة الجمارك"‪،‬مجلة المعيار‪،‬عدد‪33‬‬
‫‪،‬يوينو‪،2005‬ص ‪.92‬‬
‫‪ - 159‬محمد بادن‪"،‬جرائم التهريب من خالل العمل القضائي"‪ ،‬مقال منشور‪ ،‬الجرائم المالية من خالل قرارات المجلس‬
‫األعلى‪ ،‬خمسون سنة من العمل القضائي‪ ،‬الندوة الجهوية السابعة‪ ،‬دار الطالبة وجدة ‪ 31‬ماي فاتح يونيو ‪ ،2007‬ص ‪.308‬‬
‫‪ - 160‬حنان الرمضاني‪ "،‬المنازعات الجمركية الزجرية بين التسوية القضائية والصلحية"‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في‬
‫القانون الجنائية والعلوم الجنائية‪ ،‬جامعة محمد األول وجدة‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،2008-2007‬ص ‪.10‬‬
‫‪ - 161‬محمد بادن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.308‬‬
‫‪ - 162‬حميد الوالي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.92‬‬

‫‪62‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫وإذا كان في المادة الجمركية يتم بجميع وسائل اإلثبات القانونية‪ ،‬فإنه ونظرا‬
‫للخصوصية التي يتميز بها عمل إدارة الجمارك والجرائم المرتكبة في هذا الميدان‪ ،‬فقد‬
‫أعطى المشرع الجمركي للمحاضر الجمركية أفضلية فيما يخص وسائل اإلثبات وهذا‬
‫ما يدفعنا للتساؤل حول شكليات المحاضر الخاصة باإلثبات‪.‬‬

‫هل لها نفس الشكليات المعتمدة في المحاضر بصفة عامة‪ ،‬أم أن لها بعض‬
‫الخصوصيات على اعتبار الخصوصية التي تميز اإلثبات في الميدان الجمركي؟‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬شكليات المحاضر الخاصة باإلثبات‬


‫تعتبر المحاضر من أهم وسائل اإلثبات في الميدان الجمركي‪ ،‬حيث أنه من‬
‫خالل ه ذه المحاضر يتم تدوين كل ما قام به أعوان إدارة الجمارك أثناء معاينتهم‬
‫وبحثهم بخصوص جريمة جمركية‪.‬‬

‫وما يضفي على هذه المحاضر خصوصية‪ ،‬هو قوتها الثبوتية في النطاق‬
‫الجمركي‪ ،‬إال أن هذه القيمة اإلثباتية ال يمكن التوفر عليها إال باحترام المساطر‬
‫القانونية أو الشكليات الخاصة بإعداد المحاضر‪.‬‬

‫فتحرير أي محضر يتطلب حتما احترام بعض اإلجراءات الجوهرية‬


‫واالحترازية التي تضفي على العمليات المنجزة طابع الشرعية من حيث الشكل‪،163‬‬
‫بحيث يترتب على عدم مراعاتها بطالن هذه المحاضر‪ ،‬ولكن قبل الخوض في هذه‬
‫النقطة‪ ،‬البد من التعرف على مفهوم المحاضر‪.‬‬

‫أوال‪ :‬مفهوم المحاضر‬

‫بالرجوع إلى القانون الجمركي نجد أنه لم يتطرق للمقصود بالمحاضر ونفس‬
‫الشيء في قانون المسطرة الجنائية القديم ‪ ،‬إال أنه من بين المستجدات التي أتى بها‬

‫‪ - 163‬حفيظ بنهاشم‪ "،‬تحرير المساطر والمحاضر القانونية"‪ ،‬مذكرة إدارية‪ ،‬األمن الوطني‪ ،‬ميلودي حمدوشي‪ ،‬منشورات‬
‫المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‪ ،‬العدد ‪ ،2002/34‬ص ‪.45‬‬

‫‪63‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫قانون المسطرة الجنائية‪ ،164‬هو تعريف المحضر حيث نصت المادة ‪ 24‬منه‪":‬المحضر‬
‫هو الوثيقة ال مكتوبة التي يحررها ضباط الشرطة القضائية أثناء ممارسة مهامه‬
‫ويضمنها ما عاينه وما تلقاه من تصريحات ومخالفات أو ما قام به من عمليات ترجع‬
‫الختصاصه"‪.165‬‬

‫يرى البعض أن المحضر هو ورقة رسمية ال يمكن الطعن فيها إال بحسب ما‬
‫يقرره القانون‪ ،‬ينجز من قبل موظف مختص هو ضابط أو شرطة‪ ،‬يضمنه ما عاينه‬
‫من وقائع محترما في ذلك مجموعة من الشكليات‪.166‬‬

‫ويمكن تعريفه أيضا بالوثيقة الرسمية التي يحررها ضباط الشرطة القضائية‬
‫إلثبات التحريات التي قام بها خالل البحث التمهيدي بمعناه الواسع أو في حالة التلبس‬
‫أو تنفيذ اإلنابة القضائية‪ ،‬فهو بالتالي اإلطار القانوني الذي يعكس كل العمليات التي‬
‫يباشرها ضابط الشرطة القضائية‪.167‬‬

‫أما بالنسبة للمحاضر الجمركية‪ ،‬فيقصد بها األوراق التي يحررها أعوان‬
‫الجمارك وكذا الموظفون المؤهلون لذلك لإلثبات ما يقفوا عليه من أمر جريمة جمركية‬
‫وظروفها وأدلتها ومرتكبها‪.168‬‬

‫ومن التعارف السابق ذكرها نخلص إلى أن المحضر الجمركي هو العرض‬


‫الرسمي في صك مكتوب للوقائع التي تكون مخالفة للقوانين واألنظمة الجمركية‪.‬‬

‫‪ - 164‬تعديل المسطرة الجنائية بالقانون ‪ 22-01‬تم تعديله بالقانون ‪ 03-03‬وهو القانون المعروف بقانون اإلرهاب المنشور‬
‫بالجريدة الرسمية‪ ،‬عدد ‪ 5112‬بتاريخ ‪ 27‬ربيع األول ‪.)2003/5/29( 1424‬‬
‫‪ - 165‬وقد عرف قانون الدرك الملكي في الفصل ‪ 70‬المحضر بأنه "الوثيقة التي يضمن فيها جنود الدرك ما عاينوه من‬
‫مخالفات وما قامو به من عمليات أو تلقوه من معلومات"‪.‬‬
‫‪ - 166‬الحسن هوداية‪ ،‬محاضر الضابطة القضائية‪ ،‬مكتبة دار السالم الرباط‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2000‬ص ‪.11‬‬
‫‪ - 167‬أمال صدوق المزخلدي‪ ،‬محضر الضابطة القاضئية في ظل قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬صفحة ‪ ،2‬منشور بالموقع‬
‫االلكتروني‪ www.droitcivile.over-bloge.com..‬بتاريخ ‪ ،25/10/2007‬أوردته أسماء حساني‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫ص‪.53‬‬
‫‪168‬‬
‫‪-J.Denizard ,La charge de preuve en matière pénal, Thèse, Université Lille , Année‬‬
‫‪universitaire 1956 ,P127.‬‬
‫أورده أحسن بوسقيعة ‪.‬مرجع سابق ‪.‬ص ‪.177‬‬

‫‪64‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫إال أنه هناك بعض الحاالت ال يحرر بشأنها أي محضر عندما تقع مراقبة‬
‫البضائع التي وقع بشأنها تصريح مفصل‪ ،‬إذ يمكن ما لم تكتب المخالفة أن يعقد‬
‫مصالحة‪ ،‬وهذه المصالحة تقوم مقام المحضر‪.‬‬

‫وكذلك إذا تعلق األمر ببضاعة ذات قيمة بسيطة تسجل هذه البضاعة المحجوزة‬
‫في سجل األشياء التافهة يضمن فيه يوم تاريخ وساعة الحجز وطبيعة البضاعة‬
‫وقيمتها‪ ،‬وهنالك حاالت أخرى يكفي فيها تسليم أيضا إيصال الحجز للمعني باألمر‪.169‬‬

‫ثانيا‪ :‬البيانات الواجب توفرها في المحاضر الجمركية‬

‫تناول المشرع الجمركي الشروط الشكلية الواجب إتباعها في إنجاز المحاضر‬


‫الجمركية الخاصة بمخالفة األنظمة والقوانين الجمركية‪ ،‬بكل دقة ورتب البطالن على‬
‫عدم مراعاة هذه الشروط‪.‬‬

‫ويجد هذا التشدد من قبل المشرع الجمركي تفسيره ‪،‬في كون المحاضر التي يتم‬
‫إعدادها من قبل أعوان إدارة الجمارك أو ضباط الشرطة القضائية‪ ،‬فيما يخص‬
‫المخالفات الجمركية‪ ،‬لها قوة ثبوتية‪ ،‬لذلك أحاط المشرع الجمركي إعداد هذه المحاضر‬
‫بتوافر مجموعة من الشروط‪.‬‬

‫وينص الفصل ‪ 243‬من مدونة الجمارك على أنه‪":‬ال يسوغ للمحاكم أن تقبل‬
‫ضد محاضر الجمرك وجه البطالن غير الناتجة عن إغفال اإلجراءات المنصوص‬
‫عليها في الفصل ‪."240‬‬

‫وبالرجوع إلى الفصل ‪ 260‬من مدونة الجمارك يتبين أن المشرع قد أوجب‬


‫تضمين المحاضر مجموعة من البيانات وهي كالتالي‪:‬‬

‫‪ -‬تاريخ ومكان تحريرها واختتامها‪.‬‬

‫‪ -‬أسماء وصفات ومساكن األعوان محرري المحاضر‪.‬‬

‫‪ - 169‬أسماء حساني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.54‬‬

‫‪65‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫‪ -‬التصريحات التي قد يدلي بها مرتكب أو مرتكبو الفعل الذي يكون خرقا‬
‫للقوانين واألنظمة الجمركية‪.‬‬

‫ويجب أن توقع هذه المحاضر من طرف محرريها ومن طرف مرتكبي الفعل‬
‫إذا كانوا حاضرين‪ ،‬وفي حالة استحالة توقيع مرتكبي األفعال أو رفضهم هذا ينص‬
‫على ذلك في الوثائق المذكورة‪.‬‬

‫وتسلم نسخة هذه المحاضر إلى مرتكبي األفعال الحاضرين‪.‬‬

‫ويجب عالوة على ذلك أن ينص في محاضر الحجز على‪:‬‬

‫‪ -‬أسباب الحجز‪.‬‬

‫‪ -‬وصف األشياء المحجوزة مع بيان نوعها وجودتها وكميتها‪.‬‬

‫‪ -‬التدابير المتخذة لضمان إيداعها أو حراستها أو حفظها‬

‫‪ -‬هوية الحارس المعين عند االقتضاء مع موافقته وتوقيعه‬

‫‪ -‬حضور أو غياب مرتكبي األفعال عند وصف األشياء المحجوزة والمالحظات‬


‫التي قد يقدمها‪.‬‬

‫‪ -‬السماح عند االقتضاء باستالم البضائع غير المحظورة أو وسائل النقل مقابل‬
‫كفالة أو وديعة‪.‬‬

‫وهنا نطرح التساؤل التالي‪ :‬في حالة إغفال البيانات السالفة الذكر ما هو الجزاء‬
‫المترتب عن ذلك؟‬

‫إن بطالن المحضر يكون مطلقا في حالة عدم احترام الشكليات المنصوص‬
‫عليها في الفقرات الخمس األولى من هذا الفصل ‪ ،240‬أما البيانات األخرى التي‬
‫يستوجب الفصل أعاله توفرها في محضر الحجز‪ ،‬فإن إغفالها ال يؤثر إال على محضر‬

‫‪66‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫الحجز‪ .170‬وذلك ألن المشرع في ختام الفقرة الخامسة من نفس الفصل أضاف‪":‬ويجب‬
‫عالوة على ذلك أن ينص في محاضر الحجز‪ "...‬هنا المشرع انتقل إلى نوع آخر من‬
‫البيانات‪ ،‬وقد نستطيع القول أنها بيانات خاصة مقارنة مع البيانات األخرى الواردة في‬
‫الفقرات الخمس األولى‪ ،‬التي يمكن اعتبارها بيانات عامة للمحضر الجمركي‪.‬‬

‫باإلضافة إلى ذلك فقد أكد الفصل ‪ 243‬السالف الذكر أن ال يسوغ للمحاكم أن‬
‫تقبل ضد محاضر الجمرك وجوه بطالن غير الناتجة عن إغفال اإلجراءات المنصوص‬
‫عليها في الفصل ‪ ،240‬وبمفهوم المخالفة فإن المحاضر غير المتوفرة على أحد‬
‫البيانات الواردة في الفصل ‪ 240‬نصبح باطلة‪.‬‬

‫ولكن يظل اإلشكال قائم بما أن الفصل ‪ 243‬من المدونة يحصر أوجه البطالن‬
‫في الحالتين المذكورتين معا‪ ،‬فهل معنى ذلك أنه ال يمكن التمسك بأوجه بطالن أخرى‬
‫خارج الحالتين السابقتين‪ ،‬وأنهما بالتالي قد وردتا على سبيل الحصر ال على سبيل‬
‫المثال؟‬

‫إننا ال نعتقد ذلك‪ ،‬بالنظر إلى أن هناك حاالت أخرى تقع فيها مثل هذه المحاضر‬
‫باطلة كما لو كان عون الجمارك غير مؤهل قانونا إلعداد المحاضر أو القيام بالبحث‪،‬‬
‫فيما لم يؤدي اليمين القانونية مثال‪.171‬‬

‫ومما سبق يتضح أن المشرع الجمركي ونظرا للخصوصيات التي يتسير بها‬
‫هذا الميدان‪ ،‬فقد أحاط محاضر الحجز والبحث بمجموعة من اإلجراءات والشكليات‬
‫وتشدد في الجزاء على عدم مراعاتها وذلك بغية إضفاء القوة اإلثباتية على تلك‬
‫المحاضر‪.‬‬

‫فما هي الخصوصيات التي تميز اإلثبات الجمركي؟‬

‫‪ - 170‬محمد بادن‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.310‬‬


‫‪ - 171‬محمد زاليجي‪ "،‬مبدأ مشروعية وسائل اإلثبات ومالئمة العقوبة(القسم الثاني) " ‪ ،‬مجلة المناظرة‪ ،‬العدد ‪ ،5‬يونيو‬
‫‪ ،2000‬ص ‪.11‬‬

‫‪67‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫المبحث الثاني‪ :‬خصوصيات اإلثبات الجمركي‬

‫اإلثبات هو عملية اإلقناع بأن واقعة حصلت بناء على حصول واقعة أو وقائع‬
‫مادية‪.‬‬

‫وإثبات الجريمة هو جمع أدلة وجودها وعناصر تكوينها‪ ،172‬وإذا كان األصل‬
‫هو حرية اإلثبات في المادة الجنائية‪ ،‬وهو األمر الذي تبناه المشرع الجمركي في المادة‬
‫‪.247‬‬

‫ورغم ذلك فإن إشكالية إثبات الجريمة الجمركية تكتسي أهمية خاصة في‬
‫القانون الجمركي ‪ ،‬فالمعلوم أنه من المبادئ األساسية في القانون الجنائي أن البينة على‬
‫من ادعى‪ ،‬أي الجهة التي تحرك المتابعة‪ - ،‬وفي الميدان الجمركي نجدها إدارة‬
‫الجمارك أو النيابة العامة‪ -‬فإننا نجد خروج عن هذا المبدأ‪ ،‬بحيث يصبح على المتهم‬
‫عبء اإلثبات براءته‪ ،‬وذلك إما بالطعن بالزور قي المحاضر الجمركية أو إثبات‬
‫عكسها‪.‬‬

‫وإذا كان التشريع الجنائي الجمركي‪ ،‬خول إمكانيات إثبات الجرائم الجمركية‬
‫بجميع الطرق القانونية‪ ،‬فانه أعطى قيمة قانونية أهم بالنسبة للمحاضر الجمركية ضمن‬
‫وسائل اإلثبات‪ ،‬كذلك بالنسبة للقرائن‪.173‬‬

‫فالمحاضر في القانون الجمركي تعتبر أهم وسيلة إثبات للجرائم الجمركية وذلك‬
‫للحجية المطلقة التي تتميز بها‪ ،‬إذا ما تم تحريرها من طرف عونين أو أكثر لإلدارة‬
‫الجمارك‪.‬‬

‫وما يفسر هذه الحجية هو كون الجرائم الجمركية ذات طبيعة تقنية‪ ،‬وال بد‬
‫إلثباتها من إعطاء صالحية ألعوان إدارة الجمارك حتى ال يفلت مخالف للقوانين‬

‫‪ - 172‬عبد الحميد الشورابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.9‬‬


‫‪ - 173‬بالنسبة للقرائن كوسيلة لإلثبات تمت مناقشتها في الفصل األول‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫واألنظمة الجمركية من العقاب‪ ،‬وذلك ألن أعوان إدارة الجمارك يكونوا أكثر احتكاكا‬
‫ومعرفة بالجرائم التي ترتكب وأكثر قدرة على اكتشافها‪.‬‬

‫مما يدعو بالمقابل إلى أن تكون المحاضر التي يحررونها بشأن المخالفات التي‬
‫يكتشفونها تتميز بحجية وذلك لكي ال يفلت مرتكب المخالفة الجمركية من المساءلة‪.‬‬

‫وارتأيت في هذا المبحث الطرق إلى المحاضر الجمركية وقوتها الثبوتية وذلك‬
‫ألن هذه المحاضر تعتبر من الخصوصيات المهمة التي تميز اإلثبات في الميدان‬
‫الجمركي‪ ،‬وذلك بالنظر إلى القيمة القانونية التي يعطيها المشرع الجمركي لهذه‬
‫المحاضر وذلك في المطلب األول‪.‬‬

‫على أن أقوم بالحديث في المطلب الثاني أثر هذه المحاضر على سلطة التقديرية‬
‫للقاضي الزجري‪ ،‬مع العلم أن السلطة التقديرية للقاضي الجنائي موسعة في األخذ‬
‫بوسائل اإلثبات‪ ،‬إال أن الحجية المطلقة للمحاضر الجمركية قد تفرض على القاضي‬
‫الجنائي تقييد فيما يخص سلطته التقديرية‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫المطلب األول‪ :‬هيمنة المحاضر على وسائل اإلثبات الجمركية‬


‫تعتبر المحاضر الجمركية أهم وسيلة يتم بها إثبات الجرائم الجمركية‪ ،‬وتعتبر‬
‫هذه المحاضر من الخصوصيات المميزة للقانون الجنائي الجمركي‪ ،‬على اعتبار أن‬
‫هذه المحاضر تفوق قوته ا اإلثباتية المحاضر التي ينجزها ضباط الشرطة القضائية‬
‫حين التثبت من الجرائم العادية‪.‬‬

‫ولعل أهم ما يميز المنازعات الجزائية الجمركية مقارنة بالمنازعات الجزائية‬


‫بوجه عام هو ما أضفاه المشرع على المحاضر التي تحرر طبقا ألحكام قانون الجمارك‬
‫من قوة إثباتية بحيث أعفى إدارة الجمارك من عبء اإلثبات وجعله على عاتق‬
‫المخالف‪.‬‬

‫فهذه المحاضر تلعب دورا بارزا في إثبات الجريمة الجمركية فهي أساس‬
‫ولها حجية مطلقة في حالة إنجازها من طرف عونين وأكثر لإلدارة‬ ‫‪174‬‬
‫المتابعات‬
‫الجمارك‪.‬‬

‫وإذا كان اإلثبات يمكن بجميع الوسائل القانونية في المادة الجمركية‪ ،‬فإننا نجد‬
‫للمحاضر الجمركية أهمية على وسائل اإلثبات‪ ،‬مما يدفعنا للتساؤل عن مدى حجية هذه‬
‫المحاضر؟‬

‫وسنحاول في هذا المطلب الحديث عن هيمنة المحاضر الجمركية على وسائل‬


‫اإلثبات من خالل التطرق إلى القوة إلى حجية المحاضر الجمركية(الفقرة الثانية) وقبل‬
‫ذلك الحديث عن أنواع المحاضر الجمركية(الفقرة األولى)‪.‬‬

‫‪ - 174‬أحسن بوسقيعة‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.176‬‬

‫‪70‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫الفقرة األولى‪ :‬أنواع المحاضر الجمركية‬


‫يمكن تعريف المحضر الجمركي بأنه وسيلة قانونية هدفها إثبات جريمة ارتكبت‬
‫أو هي في طور االرتكاب يتم تحريرها من طرف موظف مختص ومؤهل للقيام بعملية‬
‫اإلثبات‪.175‬‬

‫والمشرع قبل أن ينص على أنه يجوز إثبات المخالفة الجمركية بجميع الطرق‬
‫القانونية األخرى أكد في الفصل ‪ 234‬من مدونة الجمارك على أنه تثبت المخالفات‬
‫الجمركية عن طريق الحجز أو عن طريق البحث‪.‬‬

‫وبذلك تبقى محاضر الحجز والبحث أهم وسائل اإلثبات في المادة الجمركية‪،‬‬
‫‪176‬‬
‫وحتى تتمتع هذه المحاضر بقوتها القانونية يلزم أن تتوفر فيها البيانات والشكليات‬
‫التي نص عليها المشرع في مدونة الجمارك وتختلف قوة حجية هذه المحاضر حسب‬
‫نوعها‪ ،177‬وتثبت المخالفات الجمركية عن طريق الحجز أو عن طريق البحث ففي‬
‫الحالة األولى يسمى المحضر حجز وفي الثانية يسمى إثبات‪ ،178‬وهذا ما أكده المجلس‬
‫الذي جاء فيه‪":‬يؤخذ بمحضر إدارة الجمارك بشأن حجية‬ ‫‪179‬‬
‫األعلى في أحد قراراته‬
‫التصريح الكاذب لصنف البضائع المستوردة‪،‬بالرغم من كون هذا المحضر ال يتضمن‬
‫تصريحات المخالف‪ ،‬ألنه ليس من الالزم في التشريع الجمركي االستماع دوما تحت‬
‫طائلة البطالن‪ ،‬إذا لم تكتب المخالفة الجمركية والتي يمكن التثبت منها‪ ،‬إما عن طريق‬
‫الحجز أو عن طريق البحث"‪.‬‬
‫فمن خالل هذا القرار‪ ،‬يتبين أن المسطرتين المذكورتين أعاله تسفران عن‬
‫وضع محاضر‪ ،‬التي هي األداة األكثر استعماال في ثبات المخالفات الجمركية‪ ،‬لما لها‬
‫من أهمية وقوة ثبوتية خاصة‪.‬‬

‫‪ - 175‬محمد محبوبي‪ ،‬روشام الطاكي‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.19‬‬


‫‪ - 176‬راجع في هذا الصدد صص ‪ ، 65.66‬من هذا البحث‪.‬‬
‫‪- 177‬عبد الوهاب عافالني‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.106‬‬
‫‪ - 178‬عبد الرزاق بلقسح‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.44‬‬
‫‪ - 179‬قرار المجلس األعلى عدد ‪ 10/2083‬الصادر بتاريخ ‪ 3‬دجنبر ‪ 2008‬في ملف عدد ‪ ،/6/576‬نشرة قرارات المجلس‬
‫األعلى المتخصصة‪ ،‬الغرفة الجنائية‪ ،‬السلسلة‪ ، 1‬الجزء ‪.2‬ص ‪ 58‬أشار إليه جواد الطالب‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.32‬‬

‫‪71‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫لذلك عين لها المشرع شكليات وقواعد حددها على سبيل الحصر في الفصل‬
‫‪ 240‬من مدونة الجمارك ‪،‬فالمحاضر المنجزة وفق الفصل المذكور من طرف عونين‬
‫فأكثر من أعوان إدارة الجمارك لها قوة ثبوتية مطلقة على خالف وسائل اإلثبات‬
‫األخرى المنصوص عليها في الفصل ‪ 242‬وما بعده من مدونة الجمارك‪.180‬‬
‫وسنحاول الخوض بتفصيل في كل نوع من أنواع المحاضر الجمركية‬
‫أوال‪ :‬محضر الحجز‬
‫يخول قانون المسطرة الجنائية إمكانية حجز األشياء التي لها ارتباط بالجريمة‪،‬‬
‫أو تكون قد استعملت في ارتكاب الجريمة‪.‬‬
‫فالقانون العام يخول لمختلف األجهزة القضائية واإلدارية المكلفة بالبحث‬
‫والمتابعة عن الجرائم صالحية حجز مختلف األشياء والمستندات التي قد تكون مفيدة‬
‫في الكشف عن الحقيقة‪.‬‬
‫وتعد إدارة الجمارك من بين هذه األجهزة اإلدارية المكلفة بمتابعة المخالفين‬
‫لتنظيماتها حيث يحق لهذه اإلدارة وضع يدها على الشيء المحجوز حتى تتمكن من‬
‫اإلثبات ال مادي للجريمة التي تدعى وجودها‪ ،‬وتتمكن كذلك من اإلدالء أمام القضاء‬
‫بحسم الجريمة عند ما تكون طرفا في الدعوى‪.181‬‬
‫ويعتبر محضر الحجز األكثر استعماال إذ يمثل الدليل المادي الرتكاب الجريمة‬
‫الجمركية ومعرفة المتهم‪ ،‬ويكون محضر الحجز إما في حالة حجز البضائع ووسائل‬
‫النقل أو حجز الوثائق ووسائل األداء‪.‬‬
‫وفيما يخص حجز الوثائق فإما أن يتدخل العون بمجهوده الخاص بتبسيط هذه‬
‫البيانات أو تلخيصها في إطار المحضر أو يلتزم الحياد‪ ،‬بنقله البيانات كليا أو جزئيا من‬
‫الوثيقة إلى المحضر كما هي أو يأخذ نسخا من هذه الوثائق ويرفقها بالمحضر أو‬
‫حجزها عندما يكون االستدالل بأصل الوثيقة علمية ال غنى عنها‪.182‬‬

‫‪ - 180‬حميد الوالي‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.91‬‬


‫‪ - 181‬محمد محبوبي‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫‪ - 182‬أسماء حساني‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.56‬‬

‫‪72‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫ثانيا‪ :‬محضر البحث‬


‫بالرجوع إلى قانون المسطرة الجنائية نجده ينص في المادة ‪ 18‬على أنه‪ ":‬يعهد‬
‫إلى الشرطة القضائية تبعا للبيانات المقررة في هذا القسم بالتثبت من وقوع الجرائم‬
‫وجمع األدلة عنها والبحث عن مرتكبيها"‪.‬‬
‫وتنصيص المشرع على جميع األدلة يكون ضمن محضر يسمى محضر‬
‫البحث‪ ،183‬وهذه السلطة مخولة لهم كذلك في إطار البحث في المخالفات الجمركية على‬
‫اعتبار أنهم أيضا لهم الحق في التثبت من وقوع جرائم جمركية باإلضافة إلى أعوان‬
‫إدارة الجمارك‪.‬‬
‫وفي هذا اإلطار يمكن حجز جميع األشياء والمستندات التي قد تكون مفيدة‬
‫للكشف عن الحقيقة حيث يكون الحجز مجرد إجراء تقتضيه ضرورة البحث‪ ،‬ولهذا‬
‫عين الفصل‪ 42 184‬وخاصة في فقرته األولى األشخاص الذين يجوز لهم القيام بأبحاث‬

‫‪ - 183‬راجع في هذا الصدد عبد الواحد العلمي‪ ،‬شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية‪،‬الجزء األول‪ ،‬مطبعة‬
‫النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2006‬ص ‪.376-373‬‬
‫‪ - 184‬ينص الفصل ‪ 42‬من مدونة الجمارك على أنه‪ ":‬يمكن ألعوان اإلدارة من رتبة مفتش مساعد على األقل وضباط‬
‫الجمارك و كذا األعوان الموكلين لهذا الغرض من طرف مدير اإلدارة أن يطالبوا بالحصول على السجالت والمستندات‬
‫والوثائق و الولوج إلى المعلومات كيفما كان نوعها المتعلقة بالعمليات التي تهم عملهم والموجودة في حوزة ‪:‬‬
‫أ) شركات السكك الحديدية وشركات المالحة الجوية والبحرية والنهرية ومجهزي السفن والمؤتمنين عليها والسماسرة‬
‫البحريين ومؤسسات الشحن والتفريغ ومؤسسات النقل عبر الطرق والوكاالت بما فيها المدعوة "وكاالت النقل السريع"‬
‫المكلفة باستالم جميع الطرود وتجميعها وإرسالها بمختلف وسائل النقل (السكك الحديدية‪ ،‬الطرق‪ ،‬الماء‪ ،‬الجو) وكذا‬
‫بتسليمها؛‬
‫ب) الوكالء بالعمولة أو المعشرين في الجمرك ؛‬
‫ت) أصحاب االمتياز في المستودعات و األحواض والمخازن العامة ؛‬
‫ث) شركات التأمين البحرية أو النهرية أو البرية أو الجوية ؛‬
‫ج) المرسل إليهم أو المرسلين الحقيقيين لبضائع مصرح بها في الجمرك ؛‬
‫ح) على العموم‪ ،‬األشخاص الذاتيين أو المعنويين الذين تهمهم بصفة مباشرة أو غير مباشرة كل عملية قانونية أو غير‬
‫قانونية تدخل في اختصاص اإلدارة‪.‬‬
‫يمكن الحصول مسبقا‪ ،‬وقبل المرور عن طريق الجمرك‪ ،‬على السجالت والوثائق والمستندات وكذا الولوج إلى المعلومات‪.‬‬
‫و يتم الحصول على المعلومات السالفة الذكر وفقا لآلجال و الشكليات المحددة بقرار للوزير المكلف بالمالية‪.‬‬
‫‪ - 2‬يجب أن يحتفظ المعنيون باألمر بجميع السجالت والمستندات والوثائق المتعلقة بعمليات استيراد وتصدير البضائع أو‬
‫بأنشطة في المغرب تخضع للمكوس الداخلية على االستهالك الراجعة لإلدارة وذلك طيلة خمس سنوات تبتدئ من تاريخ ‪:‬‬
‫ـ إرسال الطرود بالنسبة للمرسلين ؛‬
‫ـ استالم الطرود بالنسبة للمرسل إليهم ؛‬
‫ـ تحرير الوثائق المتعلقة بإرسال أو نقل أو استالم أو تأمين البضائع لألشخاص أو الشركات األخرى المشار إليها في ‪1‬‬
‫أعاله‪.‬‬
‫‪ - 3‬يمكن لألعوان المعينين في ‪ 1‬من هذا الفصل‪ ،‬أن يقوموا خالل أعمال المراقبة والتحقق المنجزة لدى األشخاص أو‬
‫الشركات المشار إليها في نفس الفقرة بحجز كل أنواع الوثائق التي من شأنها أن تسهل القيام بمهمتهم مثل المحاسبة‬
‫والفاتورات ونسخ الرسائل ودفاتر الصكوك والسفاتج والحسابات البنكية‪.‬‬
‫ويحرر عند االقتضاء محضر بالحجز"‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫جريمة وحدده في مفتش مساعد على األقل والضابط الجمركي‪ ،‬حيث لم يعد األمر يهم‬
‫الجميع‪.‬‬
‫وعلى العموم فإن البحث بإدارة الجمارك يستدعي بالضرورة خلق مصالح‬
‫متخصصة في معالجة المعلومات والحصول عليها بما يتطلب ذلك القيام بعملية البحث‬
‫في الوثائق وبجميع األدلة‪.185‬‬
‫وبعد التطرق إلى أنوع المحاضر الجمركية من حيث طبيعة التثبت‪ ،‬هل هو‬
‫حجز أو بحث‪ ،‬يظهر لنا جليا أن هذا النوع من المحاضر يعطي خصوصية لإلثبات في‬
‫الميدان الجمركي عن الميدان الجنائي بصفة عامة‪.‬‬
‫فرغم أن المشرع الجمركي تبنى مبدأ حرية اإلثبات وذلك باللجوء إلى كافة‬
‫وسائل اإلثبات القانونية إال أنه أعطي للمحاضر الجمركية مكان متميزة ضمن وسائل‬
‫اإلثبات وهو األمر الذي يدفعنا إلى التساؤل حول حجية هذه المحاضر‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬حجية المحاضر الجمركية‬

‫في إطار ممارسة مهامهم ‪،‬يقوم أعوان الجمارك بإثبات‪ ،‬المخالفات للتشريعات‬
‫والتنظيمات الجمركية ‪،‬التي تتكلف إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة بتطبيقها‬
‫ويتمتعون في هذ ا المجال باختصاصات واسعة يتعين ممارستها في توافق ومراعاة‬
‫لحريات األفراد ويجب التذكير أنه في إطار ممارسة هذه االختصاصات يقوم أعوان‬
‫الجمارك بأعمال ضباط الشرطة القضائية ومن هذه المهام إعداد المحاضر المتعلقة‬
‫بالجرائم الجمركية‪.‬‬

‫‪ - 185‬محمد محبوبي‪ ،‬روشام الطاكي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.21‬‬

‫‪74‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫ولهذه المحاضر المنجزة من قبل أعوان إدارة الجمارك أو حتى ضباط الشرطة‬
‫القضائية في إطار التثبت من المخالفات الجمركية حجية تختلف عن المحاضر المنجزة‬
‫من قبل ضباط الشرطة القضائية في إطار التثبت من جرائم القانون العام‪.186‬‬

‫فالمحضر الجمركي يتوفر على أهمية خاصة في مجال اإلثبات‪ ،‬فإذا كانت‬
‫القاعدة العامة في القانون الجنائي تفضي بأن القاضي يحكم بحسب قناعته‪ ،‬وأنه غير‬
‫مقيد بوسيلة من وسائل اإلثبات شريطة التعليل‪ ،‬فإن المقتضيات التي يخص بها‬
‫المشرع المغربي المحاضر الجمركية تشكل استثناء من القاعدة‪ ،‬فالقاضي مقيد في حقل‬
‫إثبات المخالفات بالوقائع المادية المثبتة في محاضر الجمارك‪.187‬‬

‫وبالرجوع إلى الفصل ‪ 242‬من م ج ض غ م نجده تطرق إلى القوة الثبوتية‬


‫للمحاضر الجمركية حيث جاء فيه ‪ ":‬إن المحاضر المحررة بشأن الجنحة أو المخالفة‬
‫ألحكام هذه المدونة من طرف عونين لإلدارة أو أكثر يعتمد عليها في اإلثباتات المادية‬
‫المضمنة في المحاضر إلى أن يطعن في صحتها‪.‬‬

‫ويعتمد عليها في صحة وصدق اإلقرارات والتصريحات المتلقاة إلى أن يثبت‬


‫ما يخالفها ‪.‬‬

‫أما المحاضر المحررة من طرف عون واحد لإلدارة فيعتمد عليها إلى أن‬
‫يثبت ما يخالفها وكذا الشأن بالنسبة للمحاضر المحررة من طرف األعوان محرري‬
‫المحاضر التابعين إلدارات أخرى ما لم تكن هناك نصوص خاصة"‪.‬‬

‫‪ - 186‬حجية محاضر ضباط الشرطة القضائية هي حجية نسبة حيث نص المشرع في المادة ‪ 290‬من المسطرة الجنائية‬
‫أن‪ ":‬المحاضر والتقارير التي يحررها ضباط الشرطة القضائية في شأن التثبت من الجنح والمخالفات‪ ،‬يوثق بمضمنها إلى‬
‫أن يثبت العكس بأي وسيلة من وسائل اإلثبات"‪ .‬ما يستفاد من هذا النص إذن أن المشرع قد اعتبر ما ورد بالمحضر‬
‫المحرر من قبل ضباط الشرطة القضائية في شأن التثبت من الجنح والمخالفات صحيحا بمقتضى قرينة قانونية بسيطة‪ ،‬وهذا‬
‫يعني أن المحكمة عليها واجب مراعاة ما ورد في المحضر واعتباره صحيحا إلى أن يثبت الذي يدعي خالف هذه القرينة‬
‫إدعاؤه بجميع وسائل اإلثبات األخرى كالشهادة و القرائن أو الخبرة التي يكون من شانها إقناع المحكمة بعدم صدق ما جاء‬
‫في المحضر‪ .‬عبد الواحد العلمي‪ ،‬الجزء الثاني‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.408‬‬
‫‪ - 187‬محمد الشلي‪ ،‬الحبيب الدقاق‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.418‬‬

‫‪75‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫ومن خالل استقراء هذا الفصل يتبين لنا أن المحاضر من حيث القوة الثبوتية‬
‫تنقسم لنوعين‪ :‬محاضر يعتمد عليها إلى أن يطعن في حجيتها بالزور‪ ،‬ومحاضر‬
‫يعتمد عليها إلى أن يثبت ما يخالفها‪.‬‬

‫أوال‪ :‬محاضر ذات حجية مطلقة‬

‫أعطى المشرع أهمية خاصة للمحاضر التي ينجزها الموظفون واألعوان‬


‫المكلفون ببعض مهام الشرطة القضائية بنص في المادة ‪ 292‬من قانون المسطرة‬
‫الجنائية أنه‪ ":‬إذا نص قانون خاص على أنه ال يمكن الطعن في مضمون بعض‬
‫المحاضر أو التقارير إال بالزور‪ ،‬فال يمكن ‪ -‬تحت طائلة البطالن‪ -‬إثبات عكسها بغير‬
‫هذه الوسيلة"‪.‬‬

‫وكما رأينا في الفصل ‪ 242‬من مدونة الجمارك فالنص صريح عدم وجوب‬
‫الطعن في صحة المحاضر المنجزة من قبل عونين فأكثر إال بالزور‪.‬‬

‫وهذا ما ذهب إليه المجلس األعلى في أحد قراراته‪188‬الذي جاء فيه ‪":‬اإلثباتات‬
‫المادية المنضمة في المحاضر المنجزة من طرف خمسة أعوان للجمرك‪ ،‬بشأن‬
‫المخالفات الجمركية تكتسي حجية مطلقة ال يمكن دحضها إال بالطعن بالزور وفق‬
‫الكيفيات والشروط المنصوص عليها في الفصل ‪ 244‬من مدونة الجمارك‪ ،‬تستوي في‬
‫ذلك اإلثباتات المادية الفنية وغيرها من اإلثباتات ما دام النص المقرر بمقتضاه هذه‬
‫الحجية جاء مطلقا وغير مقيد بأن تكون تلك اإلثباتات غير فنية أو تقنية"‪.‬‬

‫وهنا يتبين في حالة إنجاز محضر خاص بجريمة جمركية من طرف عونين أو‬
‫أكثر ال يمكن الطعن في مضمون هذا المحضر إال بالزور كما نصت على ذلك المادة‬
‫‪ 244‬من مدونة الجمارك مما يوضح أن الطابع الزجري هو السائد في ميدان إثبات‬
‫الجنح والمخالفات الجمركية‪.189‬‬

‫‪ - 188‬قرار رقم ‪ 2/216‬المؤرخ في ‪ 23/02/2005‬ملف عدد ‪ 15351/04‬مجلة قضاء المجلس األعلى‪ ،‬عدد ‪ ،67‬ص‪370‬‬
‫‪ - 189‬حسن البكري‪ ،‬الطبيعة القانونية للغرامة الجمركية‪ ،‬طبعة ‪ ،2008‬مطبعة السلمي الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ص ‪.18‬‬

‫‪76‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫وفي نفس االتجاه ذهبت المحكمة العليا الجزائرية في أحد قراراتها ‪190‬بأن قضاة‬
‫الموضوع ملزمون باألخذ بالمعاينات المادية المثبت في محاضر الحجز المحرر من‬
‫طرف أعوان إدارة الجمارك الغير مطعون في صحتها بالتزوير‪.‬‬

‫وهذا فالمحاضر المنجزة من طرف عونين لإلدارة سواء تعلق األمر بمحاضر‬
‫البحث أو الحجز لها قوة ثبوتية مطلقة إلى حين الطعن فيها بالزور‪.‬‬

‫ويقع على عاتق من يدعي عدم ارتكابه ألية مخالفة للقوانين واألنظمة لجمركية‬
‫في حالة الحجز على البضائع عبر إثبات ما يدعيه‪.191‬‬

‫واإلشكال الذي يطرح هنا أنه إذا كان المشرع الجمركي يعطي حجية مطلقة‬
‫بالنسبة للمحاضر المنجزة من طرف عونين أو أكثر فيما يخص اإلثباتات المادية‪،‬‬
‫وذلك بصريح الفصل ‪ 242‬من مدونة الجمارك‪ ،‬فانه لم يحدد لنا طبيعة هذه المعاينات‬
‫المادية‪ ،‬أي الوقائع المادية التي يمكن اعتبارها دليال ماديا له حجية مطلقة في حالة‬
‫تضمينه ضمن المحضر الجمركي‪.‬‬

‫وبالرجوع إلى القضاء المغربي نجد هناك تطور فيما يخص التعامل مع هذه‬
‫اإلشكال‪ ،‬ففي مرحلة أولى تعامل المجلس األعلى مع الفصل ‪ 242‬من مدونة الجمارك‬
‫بمنطق شمولي معتبرا أن المعاينة بكافة أجزائها ومحتوياته له نفس الدرجة من األهمية‬
‫وال يمكن الطعن فيه وإال بالزور‪ ،192‬قبل أن يعمل يعد ذلك على تحديد طبيعة اإلثبات‬
‫المادية المعنية بصياغة هذا النص‪. 193‬‬

‫‪- 190‬قرار ‪ 127863‬بتاريخ ‪ 1996/12/03‬غرفة الجنح والمخالفات‪ ،‬القسم الثالث‪ ،‬العدد الخاص من المجلة القضائية‪،‬‬
‫الجزء الثاني‪ ،‬ص ‪.235‬‬
‫‪- 191‬امحمد برادة غزيول‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.238‬‬
‫‪- 192‬قرار عدد ‪ 4/5302‬المؤرخ في ‪ ،1997/7/2‬مجلة قضاء المجلس األعلى‪ ،‬عدد ‪ ،65-53‬ص ‪.540‬‬
‫‪- 193‬نور الدين الغزواني الشرقاوي‪ ،‬مدونة الجمارك وفق أخر تعديل‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.50‬‬

‫‪77‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫والمقصود باإلثباتات المادية مشاهده أو عاينه أعوان الجمارك فوقائع المخالفة‬


‫وأثارها وكيفية ضبطها ومكان ارتكاب الجنحة ونوع البضاعة وظروف إلقاء القبض‬
‫إلى غير من الوقائع المادية‪.194‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى ان صعوبة الطعن بالزور في هذه المحاضر عرضها بعض‬
‫االنتقادات‪ ،‬خاصة أن المحاكم تفضل التعامل مع محاضر ضابط الشرطة القضائية‬
‫على محاضر الجمرك رغم أنها غالبا ما تكون ملحقة بالشكاية أو طلب المتابعة ألن‬
‫هذه ا لمحاضر التي تفترض فيها النزاهة والشفافية والدقة غالبا ما ال تحترم فيها‬
‫الشكليات القانونية كما أن محرريها في الواقع بعيدين عن اإلشراف القانوني الذي يجب‬
‫أن تمارس النيابة العامة على جميع أصناف الشرطة القضائية‪.195‬‬

‫وفي رأي أن هذه الحجية المطلقة‪ ،‬رغم واجهة فرضها على اعتبار طبيعة عمل‬
‫اإلدارة الجمارك والجرائم الكثيرة التي يصعب إثباتها‪ ،‬فإن هذه الحجية مبالغ فيها‪ ،‬كما‬
‫أنها من الناحية العملية يصعب إثبات الزور في المحاضر‪،‬فإثبات الزور يستوجب أن‬
‫يقوم أحد أعوان إدارة الجمارك بالشهادة على زميله وهذا أمر يصعب تحققه‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬محاضر ذات حجية نسبية‬

‫تنقسم هذه المحاضر إلى ثالث أنواع‪ ،‬وهي محاضر محرر من طرف عون‬
‫واحد لإلدارة‪ ،‬وكذلك المحاضر المضمنة لإلقرارات والتصريحات المتلقاة سواء كانت‬
‫محررة من طرف عون واحد أو أكثر‪ ،‬وأخيرا المحاضر المحررة من طرف األعوان‬
‫محرري المحاضر التابعين لإلدارات أخرى‪.‬‬

‫ومحاضر الشرطة القضائية المنجزة في إطار التثبت من المخالفات الجمركية‪،‬‬


‫تلحق بالنوع الثالث من المحاضر وذلك تطبيقا للمادة ‪ 290‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪.196‬‬

‫‪- 194‬عبد الرزاق بلقسح‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.8‬‬


‫‪- 195‬عبد الوهاب عافالني‪ ،.‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.175‬‬
‫‪- 196‬تنص المادة‪ 290‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪": .‬المحاضر والتقارير التي يحررها ضباط الشرطة القضائية في شان التثبت من الجنح‬
‫والمخالفات يوثق بمضمونها إلى أن يثبت العكس بأي وسيلة من وسائل اإلثبات "‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫وإذا كان األصل أي عبء اإلثبات يقع على من ادعى فإن قانون الجمارك خرج‬
‫على هذه القاعدة بحيث جعل عبء اإلثبات في المواد الجمركية على المدعى عليه أي‬
‫على المتهم فليس لإلدارة الجمارك أو النيابة العامة إثبات نسبة الجريمة إلى المتهم‬
‫‪197‬‬
‫وإنما على المتهم إثبات براءته‪ ،‬وفي هذا الصدد قضت المحكمة العليا الجزائرية‬
‫"ان المحاضر الجمركية تثبت صحة ما جاء فيها من اعترافات وتصريحات ما لم يثبت‬
‫العكس علما بأن العكس يقع على عاتق المتهم"‪.‬‬

‫ويكون األمر كذلك إذا تعلق األمر باعترافات فإذا حدث أن المتهم المشرف في‬
‫محضر جمركي بارتكابه المخالفة الجمركية‪ ،‬تم تراجع عن اعترافه المسجل في‬
‫المحضر‪ ،‬وقدم إثباتا لبراءته دليال كتابيا كأن يقدم مثال جواز سفره ‪،‬يفيد بأنه في تاريخ‬
‫الوقائع كان مسافر إلى الخارج أو يقدم شهودا يؤكدون بأنه لم يكن حاضر يوم الوقائع‬
‫ففي مثل هذه الحالة يجوز الحكم ببراءته‪.198‬‬

‫وإذا كان عبء اإلثبات ينقل إلى المتهم ‪ ،‬فإن هذا النوع من المحاضر يمكن‬
‫للمتهم إثبات عكس ما ورد فيها بالوسائل القانونية‪.‬‬

‫وذل ك ألن المحاضر المحررة من طرف عون واحد إلدارة الجمارك أو غيرهم‬
‫ضباط الشرطة القضائية ليست لها نفس القوة الثبوتية للمحاضر المحررة من طرف‬
‫عونين أو أكثر وهو ما أشار إليه الفقرة الثالثة من الفصل ‪ 242‬من مدونة الجمارك‬
‫التي جاء فيها أنها يعتمد عليها إلى أن يثبت ما يخالفهما"‪.199‬‬

‫أما بالنسبة لإلقرارات والتصريحات‪ ،‬فالقاعدة أنها توثق بالمحضر إلى أن يثبت‬
‫ما يخالف ذلك سواء حرر المحضر من طرف عونين أو أعوان واحد‪.200‬‬

‫ويجب أن نفرق في هذا الصدد بين وجود التصريحات في حد ذاتها ومضمونها‪.‬‬

‫‪- 197‬قرار ‪ 1999/06/12‬غرفة جنائية ج ملف عدد ‪ ،73553‬ص ‪ .52‬أشار إليه أحسن بوسقيعة‪.‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.201‬‬
‫‪- 198‬أحسن بوسقيعة‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.202‬‬
‫‪- 199‬محمد بادن‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.313‬‬
‫‪- 200‬محمد محبوبي‪ ،‬روشام الطاكي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.22‬‬

‫‪79‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫فمضمون تلك االعترافات أو التصريحات بإمكان األطراف مناقشتها وإثبات‬


‫عكسها‪ ،‬وقد نص المشرع الجمركي صراحة في الفقرة الثانية من الفصل ‪ 242‬من‬
‫مدونة الجمارك على أنه ال يعتمد عليه في صحة وصدق اإلقرارات والتصريحات إلى‬
‫أن يثبت ما يخالفها‪ ،‬وبذلك فإن المشرع أضفى عليها القوة الثبوتية المنصوص عليها‬
‫في الفصل ‪ 290‬من قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬حيث جعلها حجة نحو صاحبها ما لم‬
‫يثبت ما يخالفها‪.‬‬

‫و تجدر اإلشارة إلى أن االجتهاد القضائي استقر على أن التراجع عن االعتراف‬


‫ال ينال من قيمة الثبوتية‪ ،‬بل على المتراجع أن يدلي بحجة تقنع المحكمة أن ما صدر‬
‫عنه أمام أعوان إدارة الجمارك لم يكن هو الحقيقة‪.201‬‬

‫بقي أن نشير أن المدونة الجمارك المغربية جاءت بحقيقة مطلقة‪ ،‬إذ أنها لم تبين‬
‫الوسائل التي يمكن أن يدحض بها مضمون المحضر‪ ،‬ونفس الشيء يمكن قوله بالنسبة‬
‫لقانون الجمارك الجزائري ذلك أنه لم يوضح الكيفية التي يجب إثبات العكس إال في‬
‫حالة واحدة تتعلق بمراقبة السجالت وفي هذا المجال نصت المادة ‪ 3/254‬من قانون‬
‫الجمارك الجزائري‪ ،‬ال يمكن إثبات العكس إال بواسطة وثائق يكون تاريخها األكيد‬
‫سابقا لتاريخ التحقيق الذي قام به محرر المحضر‪.‬‬

‫وفي غياب نص صريح يحكم كيفية إثبات العكس في الحاالت األخرى يكون‬
‫االحتكام إلى القواعد العامة‪.202‬‬

‫وقد تدخل القضاء المغربي إلجالء هذا الغموض فقرر مبدأ حرية إثبات ما‬
‫يخالف ما ضمن بالمحضر‪ ،‬حيث جاء في قرار للمجلس األعلى أن المحاضر‬
‫"المستوفية لما يشترطه القانون يقوم حجة ال يمكن دحضها إال بقيام الدليل القاطع في‬
‫مخالفتها للواقع بواسطة حجة تماثلها في قوة اإلثبات كشهادة الشهود واستمع إليهم بعد‬
‫أدائهم لليمين‪ ،‬وكاإلدالء بمحاضر أخرى وتقارير خبراء أو مشابه ذلك من مستندات‬
‫‪- 201‬حميد الوالي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.93‬‬
‫‪- 202‬أحسن بوسقيعة‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.201‬‬

‫‪80‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫موثوق بصحتها قانونا‪ ،‬وعليه فإن مجرد االدعاءات العارية من كل برهان ال يسوغ‬
‫يحال أن يعتبر حجة مضادة‪.203‬‬

‫وخالصة القول فالمحاضر في الميدان الجمركي تتميز بحجية مطلقة‪ ،‬بتوافر‬


‫شروطها‪ ،‬على عكس المحاضر األخرى‪.‬‬

‫وال ترتبط قوة المحضر الجمركي بموضوعه أو محله‪ ،‬وإنما بعدد األعوان‬
‫الموقعين عليه فسواء تعلق األمر بجنحة أو مخالفة‪ ،‬وسواء تعلق األمر بمحضر الحجز‬
‫أو محضر البحث‪ ،‬فإن المحضر الموقع من طرف عونين أو أكثر من أعوان الجمارك‬
‫يوثق بمضمونه إلى أن يتم الطعن فيه بالزور‪ ،‬أما المحضر الموقع من طرف عون‬
‫واحد فيوثق بمضمونه ويمكن دحضه بإثبات العكس‪.204‬‬

‫وحجية هذه المحاضر تفرض بالمقابل على القاضي الزجري التعامل معها‬
‫بكيفية تضمن لها المكانة التي خولها المشرع لها ‪.‬‬

‫وت عامل القاضي مع هذه المحاضر يكون حسب نوعية هذه المحاضر أهي‬
‫محاضر ذات حجية مطلقة أم محاضر ذات حجية نسبية‪.‬‬

‫مما يجعلنا نتساءل حول سلطة القاضي الزجري في تقدير وسائل اإلثبات‬
‫الجمركية‪ ،‬هل هي نفس السلطة التي يتمتع بها في الميدان الجنائي العام‪ ،‬أم هناك‬
‫خصوصية ترتبط أساس بالخصوصية التي تتميز بها المحاضر الجمركية؟‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أثر المحاضر على سلطة القاضي الزجري‬


‫للقاضي في الميدان الجنائي‪ ،‬سلطة تقديرية واسعة‪ ،‬في األخذ بوسائل اإلثبات‬
‫المعروضة عليه‪ ،‬وتقدير أهميتها في القضية المعروضة عليه‪ ،‬حسب قناعته‪.‬‬

‫‪- 203‬قرار عدد ‪ 366‬لسنة ‪ ،1963‬أورده محمد بادن‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.313‬‬
‫‪- 204‬محمد الشلي‪ ،‬الحبيب الدقاق‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.418‬‬

‫‪81‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫ونعلم أن القضاء يقاسم مؤسسات الجمارك مهمة الدفاع عن االقتصاد الوطني‬


‫وحمايته هو أن اغلب المخالفات لقانون الجمارك تطرح على القضاء الذي له‬
‫االختصاص في الفصل المنازعات ومعالجتها وإصدار األحكام وقرارات‪.205‬‬

‫وال يأتي ذلك إال بعد تفحص وسائل اإلثبات المعروضة عليه وأهم وسائل‬
‫اإلثبات كم ا في الميدان الجمركي هي المحاضر ‪ ،‬وكما هو معلوم فإن القاضي‬
‫الزجري له سلطة تقديرية موسعة مقارنة بالقاضي المدني‪ ،‬إال انه وتبعا للخصوصية‬
‫اإلجرائية التي يتميز بها اإلثبات في الميدان الجمركي‪ ،‬فإن المحاضر التي تعرض‬
‫على القاضي الزجرية لها حجية مطلقة إذا تم ‪.‬تحريرها من طرف عونين أو أكثر‪،‬‬
‫وحجية نسبية إذا حررت من طرف عون واحد ‪.‬‬

‫مما يؤثر بالمقابل في السلطة التقديرية للقاضي الزجري بين التقيد واإلطالق‬
‫حسب نوع المحاضر المعروضة عليه‪.‬‬
‫وإذا كان المشرع الجمركي أضفى على المحاضر المتضمنة العترافات‬
‫والتصريحات حجية نسبية ‪،‬إلى حين إقامة الدليل العكسي عن طريق الكتابة أو شهادة‬
‫الشهود‪ ،‬فقد أضفى على المحاضر الجمركية المنجزة من قبل عونين فأكثر لإلدارة‬
‫الجمارك حجية مطلقة‪ ،‬وال يمكن الطعن فيها إال بالزور‪ ،‬فإن لكال النوعين من‬
‫المحاضر أثر على السلطة التقديرية للقاضي‪.‬‬
‫وعليه سنحاول في هذا المطلب التفصيل في أثر المحاضر الجمركية على‬
‫السلطة التقديرية للقاضي‪ ،‬في فقرتين‪ ،‬نتناول في األولى الدور المقيد للقاضي الزجري‬
‫والثانية الدور التقديري للقاضي الزجري‪.‬‬

‫‪ - 205‬ليدودة ليندة‪ ،‬دور إدارة الجمارك في متابعة الجرائم الجمركية‪ ،‬مذكرة بحث لنيل إجازة المعهد الوطني للقضاء ‪-2003‬‬
‫‪ ،2004‬ص‪.48:‬‬

‫‪82‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫الفقرة األولى‪ :‬الدور المقيد للقاضي الزجري‬


‫يقوم اإلثبات في المواد الجنائية على نظام اإلثبات الحر ونظام اإلثبات المعنوي‬
‫أو االقتناع القضائي‪ ،‬أو االقتناع الشخصي للقاضي بدون قيد عليه‬
‫هذا النظام في اإلثبات القانوني يحرر بمقتضاه القاضي الجنائي من التقيد سلفا‬
‫بوسيلة محددة في الوقائع المعروضة أمامه كما يترك السلطة الكاملة في تقرير‬
‫جهة الدليل بحيث ال رقيب عليه في تكوين اقتناعه سوى ضميره‪ ،‬فمن حسنات هذا‬
‫النظام تمكين القاضي من إعالن الحقيقة كما اقتنع بها وجدانيا‪.206‬‬
‫ونجد أن المشرع المغربي قد أخذ باإلثبات القضائي‪ ،‬الذي يعطي الحكم للقاضي‬
‫من‬ ‫‪207‬‬
‫حسب اقتناعه‪ ،‬وتقدير وسائل اإلثبات‪ ،‬كما نصت على ذلك المادة ‪286‬‬
‫المسطرة الجنائية‪ ،‬ويمر هذا المبدأ على جميع وسائل اإلثبات القانونية بما في ذلك‬
‫المحاضر‪.‬‬
‫لكن المشرع في القانون الجمركي أضفى على المحاضر الجمركية حجية‬
‫خاصة في اإلثبات‪ ،‬بحيث تشكل القيمة اإلثباتية الممنوحة للمحاضر التي يعاين‬
‫محرروها الجرائم الجمركية‪ ،‬قيد حقيقيا على حرية القاضي في االقتناع‪.‬‬
‫فإذا كان القاضي في الميدان الجنائي الحكم الذي له سلطة تقديرية واسعة في‬
‫تقييم وسائل اإلثبات‪ ،‬فانه في الميدان الجمركي يتم الحد من سلطته التقديرية‪ ،.‬عن‬
‫طريق إعطاء حجية مطلقة للمحاضر الجمركية‪.‬‬
‫من المسطرة الجنائية‬ ‫‪208‬‬
‫وتجد هذا المحاضر أساسها القانوني في المادة ‪292‬‬
‫وكذلك في المادة ‪ 209 242‬من مدونة الجمارك‪.‬‬

‫‪- 206‬لتفصيل أكثر راجع عبد الواحد العلمي‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ 388‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪- 207‬تنص المادة ‪ 286‬من ق‪.‬م‪.‬ج ‪":‬يمكن اثبات الجرائم بأية وسيلة من وسائل االثبات ماعدا في األحوال التي يقرر فيها‬
‫ال قانون بخالف ذلك ويحكم القاضي حسب اقتناعه الصميم ويجب أن يتضمن المقرر ميبرر اقتناع القاضي وفقا للبند ‪ 8‬من‬
‫المادة‪"...365‬‬
‫‪ - 208‬تنص المادة ‪ 292‬من ق‪.‬م‪.‬ج ‪":‬اذا نص قانون خاص على أنه ال يمكن الطعن في مضمون بعض المحاضر أو التقارير‬
‫إال بالزور فال يمكن تحت طائلة البطالن إثبات عكسيها بغير هذه الوسيلة"‬
‫‪- 209‬ينص الفصل‪ 242‬من مدونة الجمارك ‪ " :‬ان المحاضر المحررة بشأن الجنحة أو المخالفة ألحكام هذه المدونة من‬
‫طرف عونين لالدارة أو أكثر يعتمد عليها في االثباتات المادية المضمنة في المحاضر الى أن يطعن في صحتها‪.".....‬‬

‫‪83‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫وللمحاضر الجمركية المتضمنة للمعاينات المادية أثر في قلب اإلثبات‪،‬كما تبعد‬


‫تطبيق قاعدة تفسير الشك لفائدة المتهم‪ ،‬ثم إنها تقيد القاضي وتمنعه من تبرئة المتهم‬
‫على أساس الشك‪ ،‬بل وأكثر من ذلك‪ ،‬فهي ال تسمح للقاضي بإعطاء الفرصة على‬
‫ألن المادة ‪ 242‬من مدونة‬ ‫‪210‬‬
‫األقل للمتهم إلثبات الدليل العكسي قصد إثبات براءته‬
‫الجمارك أضفت على هذه المحاضر التي تم انجازها من طرف عونين أو أكثر إلدارة‬
‫الجمارك حجية مطلقة إلى غاية الطعن فيها بالزور‪ ،‬مما يعني أنه ال يمكن التقديم دليل‬
‫العكسي في هذا النوع من المحاضر‪.‬‬
‫وإذا كانت القاعدة في المادة الجنائية أن القاضي يحكم حسب اقتناعه الصميم‬
‫بحرية مطلقة‪،‬في وقائع الجريمة وإثباتها فإنه في ظل مدونة الجمارك‪ ،‬تستبعد هذه‬
‫القاعدة فيما يخص المحاضر الجمركية المحررة من طرف عونين إلدارة الجمارك أو‬
‫أكثر‪ ،‬إذا على القاضي أن يأخذ بما جاء في المحضر‪ ،‬إذ كان صحيا في الشكل رغم‬
‫من عدم اقتناعه به‪ ،‬ما لم يطعن فيه بالزور‪ ،‬مما يوضح لنا الخصوصية التي يمتاز بها‬
‫اإلثبات في المادة الجمركية في هذا اإلطار‪،‬وتأثيرها على سلطة القاضي الجنائي‪.‬‬
‫الذي جاء فيه "أن المحاضر‬ ‫‪211‬‬
‫وهذا ما أكده المجلس األعلى في أحد قراراته‬
‫التي تحرر من طرف شخصين على األقل من رجال الجمارك والمتعلقة باإلثباتات‬
‫المادية‪ ،‬يوثق بها إلى أن يدعي بها الزور‪ ،‬ولهذا يتعرض الحكم الذي اعتبر محضرا‬
‫هذا النوع بإطالع استنادا إلى إثبات ما يخالفه عن طريق المشاهدة‪.‬‬
‫حينما نقض قرار صادرا عن استئنافية الدار البيضاء‬ ‫‪212‬‬
‫و في قرار آخر‬
‫بتخفيض الغرامة المحكوم بها لفائدة إدارة الجمارك اعتمادا على تقرير الخبرة المنجزة‬
‫في النازلة‪ ،‬وقد علل المجلس األعلى قراراه بكون اإلثباتات المادية التي تمت معاينتها‬

‫‪- 210‬سعادنه الع يد العايش‪ ،‬اإلثبات في المواد الجمركية‪ ،‬بحث لنيل شهادة الدكتوراه في القانون جامعة باتنة كلية الحقوق‬
‫والعلوم السياسية قسم الحقوق ‪ ،،2006‬ص ‪80.‬‬
‫‪- 211‬قرار عدد ‪ 87‬المؤرخ في ‪ 11‬نونبر ‪.1991‬‬
‫‪- 212‬قرار المجلس األعلى عدد ‪ 3/53‬بتاريخ ‪ 2002/02/16‬ملف جحي عدد ‪ 99/16866‬أورد عبد الرحمان بركات‪"،‬‬
‫المنازعات اإلداري في دعوى اإللغاء من أجل الشطط في استعمال السلطة ضد قرارات اإلدارة"‪ .‬أشغال اليوم الدراسي حول‬
‫موضوع التشريعات والتقنيات الجمركية المنظمة بالمعهد الوطني للدراسات القضائية‪ ،‬الرباط ‪ 14‬نونبر ‪ ،2006‬ص ‪.39‬‬

‫‪84‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫من طرف أعوان الجمارك‪ ،‬ال يمكن دحضها عن طريق االستنتاج والخبرة وقد كان‬
‫على المحكمة األخذ بمقتضيات المحضر الجمركي اعتبار لقوته الثبوتية‪.‬‬

‫فالتشريع الجنائي الجمركي يخرج عن القواعد العامة المنصوص عليها في‬


‫المسطرة الجنائية‪ ،‬فيما يخص القواعد الخاصة باإلثبات وحجيتها‪ ،‬وذلك بإعطاء هذه‬
‫المحاضر حجية مطلقة تشكل قيد على سلطة القاضي‪ ،‬وذلك راجع باألساس إلى طبيعة‬
‫عمل إدارة الجمارك‪.‬‬

‫وهكذا يتبين أن المحاضر المحررة من طرف عونين أو أكثر شكل قيد على‬
‫سلطة القاضي‪ ،‬وتجعل المتهم في مركز حرج تجاه إدارة الجمارك‪ ،‬وهذا ما يساعدها‬
‫على إدارة المفاوضات المفضية إلى المصالحة بطريقة تخدم مصالحها ‪،‬وقد تعرض‬
‫هذه المسألة لمجموعة من االنتقادات منها أن تقيد سلطات القضاء في تكوين قناعته‪،‬ألن‬
‫المحاضر بقدر مالها من فائدة في ميدان اإلثبات‪ ،‬لها نفس مقدار الضرر على سير‬
‫العدالة وعلى قواعد العدل واإلنصاف ‪.‬‬

‫ولهذا يجب على المشرع المغربي أن يعيد النظر في هذه القوة الثبوتية‬
‫للمحاضر الجمركية‪ ،‬وأن يجد صيغة وسطية معتدلة تحفظ للمحاضر فائدتها في‬
‫اإلثبات‪ ،‬وتجنب العدالة الضرر الذي يمكن أن ينتج عن القوة الثبوتية المقيدة لسلطة‬
‫‪،‬هذه السلطة التي يجب أال تكون مجال ألي تقيد في‬ ‫‪213‬‬
‫التقديرية للقضاء الزجري‬
‫الميدان الجنائي وذلك القاضي الجنائي يجب عليه مراجعة جميع وسائل اإلثبات‪ ،‬ألن‬
‫حكمه قد يصل إلى حد سلب الحرية‪ ،‬وبالتالي ال يمكن تقيد حريته‪ ،‬قصد الوصول إلى‬
‫حكم تكون فيه للمتهم ضمانات المحاكمة العادلة‪.‬‬

‫وإذا كانت هذه المحاضر تشكل قيد على السلطة التقديرية للقاضي ‪ ،‬فبالمقابل‬
‫تشكل قيد على المتهم‪ ،‬ألن هذه األخير ال يمكن إثبات عكسها‪ ،‬وال يمكنه الطعن فيها‬
‫باعتماد مسطرة الزور وهي مسطرة جد دقيقة ومعقدة‪.‬‬

‫‪ - 213‬إدريس لكريني‪" ،‬السلطة التقديرية للقاضي الزجري ومقترحات التعديل" ‪،‬مجلة االشعاع ‪ ،‬عدد ‪،26‬ص‪.75‬‬

‫‪85‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫وال شك أن هذا األمر فيه عبء كلي على المتابع‪ ،‬ويمس بحقوق الدفاع و قاعدة‬
‫المتهم برئ إلى أن تثبت إدانته‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الدور التقديري للقاضي الزجري‬

‫يعتبر الميدان الجنائي‪ ،‬مكان تظهر فيه السلطة التقديرية للقاضي بصيغة‬
‫موسوعة في األخذ بوسائل اإلثبات وتقدير حجيتها‪ ،‬وقيمتها اإلثباتية‪،‬فالقاضي الجنائي‬
‫يحكم إنطالقا من اقتناعه الصميم‪.‬‬

‫وإذا كانت هذه السلطة التقدير يرد عليها تقيد في الميدان الجمركي‪.‬‬

‫فإن هذا القاضي من يمكن أنه أن يسترجع سلطة التقدير في بعض الحاالت‬
‫الميدان الجمركي حين نظر في المنازعات الجمركية‪ ،‬في جميع األحوال مقيدا‪ ،‬بل إنه‬
‫يسترجع سلطته التقديرية‪ ،‬سواء من خالل المحاضر التي قد يتم إنجازها من طرف‬
‫عون واحد‪ ،‬أو من خالل ما ينظمه المحضر من اعترافات وتصريحات‪ ،‬والتي تعد‬
‫شانها شان باقي طرق اإلثبات أخرى ضمن نطاق السلطة التقديرية للقاضي أو عن‬
‫طريق اإلثبات عن طريق الوثائق والمستندات األجنبية‪.‬‬

‫فإذا كانت للمحاضر الجمركية المحررة من طرف عونين أو أكثر لإلدارة‬


‫الجمارك حجية مطلقة‪،‬ال يطعن فيها إال بادعاء الزور‪ ،‬فإن المحاضر التي تم إنجازها‬
‫من طرف عون واحد لإلدارة تكتسي حجية نسبية بحيث تكون صحيحة‪،‬إلى حين إثبات‬
‫عكسها‪،‬وفي حالة إثبات عكسها فإن القاضي يكون له كامل السلطة التقدير في تقدير‬
‫الدليل العكسي أمامه‪ ،‬وقد ال يأمر بإجراء تحقيق نهائي‪.214‬‬

‫‪ - 214‬إذ كان لتحقيق النهائي أمام المحكمة أمر ضروريا وال غنى عنه كقاعدة عامة في المواد الجزائية‪ ،‬فإن هناك حاالت‬
‫استثنائية ال يكون فيها التحقيق النهائي وجوبيا‪ ،‬ومن بينها الحاالت التي يعتبر فيها المشرع بعض المحاضر حجة بالنسبة‬
‫للوقائع التي أثبتها المأمور المختص فيها إلى أن يثبت عكس ما ينفيها‪ ،‬كمحاضر المخالفات والجنح المعاقب عليها في‬
‫القوانين الخاصة‪ ،‬ومن ضمنها المحاضر الجمركية ذات الحجية إلى غاية إثبات العكس وعند ذلك يجوز االكتفاء بالمحضر‬
‫المك توب وال يجوز أي تحقيق في الموضوع إال إذا أردا المتهم إثبات عكس ما ورد في المحضر من بيانات ‪.‬رؤوف عبيد‪"،‬‬
‫مبادئ اإلجراءات الجنائية في القانون المصري" طبعة ‪ ،12‬القاهرة ‪ ،1978‬ص ‪.123‬‬

‫‪86‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫فبيانات المحاضر الجمركية التي تتمتع بحجية إلى غاية إثبات العكس تلزم‬
‫القاضي‪ ،‬وإن كان يمكن دحضها من قبل المتهم ‪،‬لكي يتمكن من تبرئة نفسه ‪،‬عن‬
‫طريق اإلثبات بأدلة عكسية‪ .‬فإن لم يتمكن من ذلك‪ ،‬توجب عندئذ على القاضي اعتبار‬
‫المعاينات المدونة في هذه المحاضر ثابت ضد المتهم وصحيحة‪ ،‬وال يمكنه تبريئة‬
‫المتهم لمجرد إنكاره للواقع‪ ،‬دون أن يثبت العكس كما ال يمكن استبعاد اعتراف المتهم‬
‫الوارد بمحضر الجمارك‪.‬‬

‫أن المحضر‬ ‫‪215‬‬


‫وفي هذا الصدد قضى المجلس األعلى في احد قراراته‬
‫المستوفى لما يشترطه القانون يقوم حجة ال يمكن دحضها إال بقيام الدليل القاطع على‬
‫مخالفتها للوقائع بواسطة حجة تماثلها في قوة اإلثبات كشهادة الشهود والمستمع إليهم‪،‬‬
‫بعد أدائهم اليمين القانونية‪ ،‬أو اإلدالء بمحاضر أخرى أو تقارير خبراء أو ما شابه من‬
‫المستندات الموثوق بصحتها قانونا‪ ،‬وعليه فإن مجرد االدعاءات العارية من كل برهان‬
‫ال يسوغ بحال أن تعتبر حجة مضادة‪.‬‬

‫أخر أيد محكمة االستئناف لدحض محضر الجمارك بشهادة‬ ‫‪216‬‬


‫وفي قرار‬
‫الشهود "وحيث أن تصريحات الشهود منسجمة ومتوافقة مع تصريحات الظنيين أمام‬
‫المحكمة وبالتالي فشهادة الشهود هذه أثبتت ما يخالف ما ورد في محضر أعوان‬
‫الجمارك الذين لم يضبطوا الظنيين‪ ،‬وإما سجلوا بجلسة تصريحاته فقط‪ ،‬التي يمكن‬
‫إثبات ما يخالفها"‪.‬‬

‫ومن ناحية أخرى فإن إذا كان تقديم الدليل العكسي ضد هذه المحاضر يقع على‬
‫عاتق المتهم‪ ،‬فإنه ال يجوز للقاضي‪ ،‬من تلقاء نفسه‪ ،‬إبعاد المحضر إال إذا تبين له عدم‬
‫جدوى الدليل الذي تضمنه‪ ،‬على أن يشير إلى ذلك في حكمه‪ ،‬غير أنه إذ رأى وجود‬
‫نقص في المحضر يستوجب تداركه أو التأكد من صحة البيانات المدونة فيه فله في هذه‬

‫‪- 215‬قرار المجلس األعلى عدد ‪ 306‬سنة ‪ 1963‬أورده محمد بادن‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.315‬‬
‫‪ 216‬قرار عدد ‪ 9648‬مؤرخ في ‪ 1991/12/26‬الملف الجنحي رقم ‪ ،90/27143‬منشور بمجلة قضاء المجلس األعلى العدد‬
‫‪ 48‬السنة الثانية عشر يناير ‪ ،1996‬ص ‪.255‬‬

‫‪87‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫الحالة أن يأمر تلقاء نفسه باتخاذ كافة إجراءات التحقيق التي يراها ضرورية إلنارة‬
‫عقيدته حول قيمه البيانات التي تضمنها المحضر للتأكد من مدى صحتها وإبعادها عن‬
‫االقتضاء‪ ،‬وذلك حتى يتمكن من الفصل في موضوع اإلدانة بكل اقتناع‪ ،‬دون أن يكون‬
‫مجبرا في ذلك‪.217‬‬

‫ورغم أن المحاضر التي تم إعدادها من طرف عون واحد ذات حجية نسبية‪،‬‬
‫فهي ملزمة للقاضي بما ورد فيها من معاينات مادية إلى أن يثبت عكسها‪.‬‬

‫تجدر اإلشارة كذلك إلى أن المحاضر المتضمنة لإلقرارات والتصريحات هي‬


‫األخرى ال تشكل قيد على سلطة القاضي ألنه يكفي لدحضها إثبات ما يخالفها بكل‬
‫وسائل النفي كالشهود والخبرة والقرائن وغيرها من الوسائل القانونية‪.‬‬

‫وهكذا يتبن لنا أن المحاضر المحرر من طرف عون واحد لإلدارة ال تقيد سلطة‬
‫القاضي التقديري‪ ،‬فالقاضي يمكنه مناقشتها ‪،‬إذا قدم المتهم الدليل العكسي الذي يثبت‬
‫خالف ماورد بالمحضر‪ ،‬وهذه المحاضر ليس لها حجية مطلقة تقيد سلطة القاضي‬
‫كالمحاضر الجمركية المحررة من طرف عونين أو أكثر‪.‬‬

‫وما يمكن قوله أن أثر المحاضر الجمركية على سلطة القاضي الزجري‬
‫تتأرجح بي ن التقيد واإلطالق حسب نوع المحضر وهذا النوع ال يرتبط بموضوعه أو‬
‫محله‪ ،‬وإنما يعدد األعوان الموقعين عليه‪.‬‬

‫في الميدان الجمركي‬ ‫في اعتقادي أنه إذ كان اإلثبات كخصوصية إجرائية‬
‫يتميز بهيمنة المحاضر ذات حجية المطلقة‪ ،‬فأرى أن يجب على المشرع الجمركي‬
‫التخفيف من قو ة هذه المحاضر في اتجاه إعطاء سلطة تقديرية أوسع للقاضي الزجري‬
‫وذلك بغية إعطائه الفرصة الكاملة لمناقشة وسائل اإلثبات بكل حرية‪ ،‬للوصول‬
‫للمحاكمة العادلة‪.‬‬

‫‪- 217‬سعدانه العيد العايش‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.80‬‬

‫‪88‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫خاتمة‪:‬‬
‫تعتبر الجريمة الجمركية من الجرائم االقتصادية‪ ،‬وتتميز بعدة خصوصيات‪،‬‬
‫وذلك بالنظر إلى طبيعة الجرائم المرتكبة في الميدان الجمركي‪.‬‬

‫ولهذا حاولنا في هذا الموضوع اإللمام بالخصوصيات الموضوعية واإلجرائية‬


‫للجريمة الجمركية‪ ،‬والتطرق إلى جل اإلشكاالت التي يثيرها هذا الموضوع‪.‬‬

‫ومن خالل دراستنا لهذا الموضوع حاولنا الحديث عن الخصوصية الموضوعية‬


‫للجريمة الجمركية‪ ،‬والتي تتمثل في المسؤولية الجنائية وعن الخصوصية اإلجرائية‬
‫التي تظهر في اإلثبات الجمركي‪.‬‬

‫وقد حاولنا االطالع كذلك من خالل هذا الموضوع على عالقة القانون الجنائي‬
‫بالقانون الجمركي‪ ،‬و تبين لنا أن المقتضيات الجنائية الواردة في مدونة الجمارك يمكن‬
‫أن تمهد الطريق إلى خلق قانون جنائي جمركي‪ ،‬مستقل في جميع فصوله عن القانون‬
‫الجنائي العام‪ ،‬وذلك ألن مدونة الجمارك تتميز بعدة خصوصيات تعتبر خروجا عن‬
‫المبادئ العامة‪.‬‬

‫فالمسؤولية الجنائية الجمركية ‪ ،‬التي أتت بمفاهيم جديدة لقيام مسؤولية‪،‬‬


‫المرتكب للمخالف الجمركية‪ ،‬عن طريق افتراض الخطأ في الفاعل‪ ،‬وهو ما يعرف‬
‫بالمسؤولية الجنائية المفترض‪.‬‬

‫وهذا يمثل في رأيي خروجا عن المبادئ العامة للقانون وهي أن المتهم برئ إلى‬
‫أن تثبت إدانته‪ ،‬ويمثل اهمال لركن أساسي من األركان العامة لقيام أية جريمة‪ ،‬بغض‬
‫النظر عن الخصوصية المميزة لها‪ ،‬وهو الركن المعنوي‪.‬‬

‫كما نجد في المسؤولية الجنائية عن الجريمة الجمركية‪ ،‬إسناد الجرائم لغير‬


‫مرتكبها‪ ،‬من خالل المسؤولية الجنائية عن فعل الغير‪ ،‬فإذا كانت هذه المسؤولية تجد‬
‫مبررها‪ ،‬أن إدارة الجمارك ال تعرف الجريمة المجهولة‪ ،‬أي أن لكل جريمة فاعل‪،‬‬

‫‪89‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫وذلك لضمان استخالص حقوقها‪ ،‬فإنها بالمقابل تخالف مبدأ أساسي لقيام المسؤولية‬
‫الجنائية‪ ،‬وهو شخصية المسؤولية الجنائية‪.‬‬

‫وبالنسبة لإلثبات كخصوصية إجرائية‪ ،‬فإن مدونة الجمارك والضرائب غير‬


‫المباشرة‪ ،‬أعطت حجية مطلقة بالنسبة للمحاضر الجمركية‪ ،‬المحررة من طرف عونين‬
‫أو أكثر إلدارة الجمارك بصريح الفصل ‪ ،242‬وال يمكن الطعن في هذه المحاضر إال‬
‫بالزور‪ ،‬فقط أعطت حجية لهذه المحاضر تفوق الحجية التي منحها المشرع للمحاضر‬
‫المنجزة من قبل ضباط الشرطة القضائية في إطار التثبت من جرائم القانون الجنائي‬
‫العام‪.‬‬

‫وإذا كانت هذه الحجية تجد مبررها‪ ،‬في كون أعوان إدارة الجمارك يعرفون‬
‫الميدان الجمركي والجرائم الواردة عليه‪ ،‬ولكي ال يفلت مرتكب جريمة جمركية من‬
‫العقاب‪ ،‬كما أنهم يجدون صعوبة في إيجاد وسائل اإلثبات في الواقع العملي‪ ،‬مما دفع‬
‫المشرع في مدونة الجمارك إلى اعتماد هذا النوع من اإلثبات وكذلك اللجوء إلى‬
‫القرائن القانونية لتسهيل عمل إدارة الجمارك‪،‬ووصولها إلى الهدف المرجو منها‪ ،‬وهو‬
‫بصفة أساسية حماية االقتصاد الوطني‪.‬‬

‫وبالمقابل فإن حجية هذه اإلثباتات تشكل خروجا عن المبادئ العامة لإلثبات‪،‬‬
‫كالبينة على من ادعى‪ ،‬وتفسير الشك لصالح المتهم‪ ،‬واالقتناع الصميم للقاضي‪ ،‬فهي‬
‫تشكل قيد على حرية القاضي في تقييم وسائل اإلثبات‪ ،‬مما قد يجعل حكمه معرضة‬
‫للخطأ‪ ،‬وهذا أمر ال يستقيم مع ضمانات المحاكمة العادلة‪.‬‬

‫وفي اعتقادي أنه إذا كانت الجريمة الجمركية تتميز بهذه الخصوصيات على‬
‫المستوى الموضوعي واإلجرائي‪ ،‬وذلك لضمان حماية االقتصاد الوطني وتسهيل عمل‬
‫أعوان إدارة الجمارك‪ ،‬في اكتشاف هذه الجرائم‪ ،‬فإنه بالمقابل يجب مراعاة مبادئ‬
‫القانون األساسية الخاصة بحرية األفراد والضمانات القانونية الخاصة بالمتهم‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫إذا كانت مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة أتت بالمسؤولية الجنائية‬
‫المفترضة في حق بعض األشخاص‪ ،‬وذلك لمجموعة من األسباب وبصفة أساسية‪،‬‬
‫لتفادي تملص المهربين من المسؤولية نظرا لخطورة هذا النوع من الجرائم على‬
‫االقتصاد الوطني‪.‬‬

‫لذلك أرى ومن خالل دراسة لهذا الموضوع أنه يجب على المشرع المغربي‬
‫اعتماد ما يلي ‪:‬‬

‫اذا كانت إدارة الجمارك تهدف إلى حماية مصالحها ‪،‬فإن ذلك ال يجب أن‬ ‫‪-‬‬
‫يكون مبررا للخروج عن القواعد العامة لقيام المسؤولية الجنائية‪ ،‬التي تراعي‬
‫الضمانات القانونية أثناء إثبات نسبة الفعل الجرمي إلى مرتكبه‪ .‬لذلك أقترح أنه يجب‬
‫على المشرع الجمركي إعطاء دور أكبر للركن المعنوي والتقليص من الدور الكبير‬
‫للركن المادي‪.‬‬

‫وإذا كانت القوة القاهرة الحالة التي يمكن بها نفي المسؤولية الجنائية‬ ‫‪-‬‬
‫‪ ،‬فيجب على المشرع تدارك النقص الخاص بها ‪ ،‬ولدلك بتحديد حاالت القوة القاهرة‪.‬‬

‫توفير الضمانات القانونية الخاصة بالمتهم ودلك بالحد من قوة القرائن‬ ‫‪-‬‬
‫القانونية في المادة الجمركية ‪،‬وتمكين المتهم من الدفاع عن نفسه بجميع وسائل‬
‫اإلثبات‪.‬‬

‫إذ كان اإلثبات كخصوصية إجرائية في الميدان الجمركي يتميز بهيمنة‬ ‫‪-‬‬
‫المحاضر ذات حجية المطلقة‪ ،‬فأرى أن يجب على المشرع الجمركي التخفيف من قوة‬
‫هذه المحاضر في اتجاه إعطاء سلطة تقديرية أوسع للقاضي الجنائي وذلك بغية إعطائه‬
‫الفرصة الكاملة لمناقشة وسائل اإلثبات بكل حرية‪ ،‬للوصول للمحاكمة العادلة‬

‫‪91‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫الئحة المراجع‬
‫‪ ‬باللغة العربية‬

‫‪ ‬الكتب‪:‬‬

‫‪ -‬أحمد محمود محمد ‪ ،‬الوسيط في اإلثبات في المواد الجنائية‪ ،‬المكتب الفني‬


‫لإلصدارات القانونية‪ ،‬بدون طبعة‪.‬‬

‫‪ -‬أحمد حافظ الجعويني ‪ ،‬تطور اإلرادات العامة في مصر‪ ،‬دار الفكر العربي‪،‬‬
‫دون تاريخ النشر‬

‫‪ -‬إمام كمال الدين ‪ ،‬المسؤولية الجنائية‪ ،‬أساسها وتطورها‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬في‬
‫القانون الوضعي والشريعة اإلسالمية‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ ،1999‬المؤسسة الجامعية‬
‫للدراسات والنشر والتوزيع‪.‬‬

‫‪ -‬البكري حسن ‪ ،‬الطبيعة القانونية للغرامة الجمركية‪ ،‬طبعة ‪ ،2008‬مطبعة‬


‫السلمي الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء ‪.‬‬

‫‪ -‬بوسقيعة أحسن ‪ ،‬المنازعات الجمركية‪ ،‬طبعة ‪ ،2005‬دار هومه بوزريعة‪،‬‬


‫الجزائر‪.‬‬

‫‪ -‬بيهي الحبيب ‪ ،‬شرح قانون المسطرة الجنائية الجديد‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬منشورات‬
‫المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬مطبعة المعارف الجديدة‪،‬‬
‫الرباط‪.2004 ،‬‬

‫‪ -‬برادة غزيول امحمد ‪ ،‬مدونة وتنظيمات الجمارك والضرائب غير المباشرة‪،‬‬


‫دار النشر المعرفة‪ ،‬الطبعة الثانية ‪.2000‬‬

‫‪ -‬الحمدان بحير فاطمة ‪ ،‬السياسة الجمركية المغربية وإشكالية المبادالت‬


‫التجارية الدولية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء المغرب‪ ،‬طبعة ‪.2005‬‬

‫‪92‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫‪ -‬السنهوري عبد الرزاق ‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني‪ ،‬القاهرة ‪1968‬‬


‫الجزء التاسع‪.‬‬

‫‪ -‬سيد شوربجي عبد المولى‪ ،‬مواجهة الجرائم االقتصادية في الدول العربية‪،‬‬


‫الطبعة األولى‪ ،‬الرياض ‪.2006‬‬

‫‪ -‬الشلي محمد‪ .‬الحبيب الدقاق‪ ،‬المصالحة الجمركية في القانون المغربي‪،‬‬


‫الطبعة األولى ‪.2010‬‬

‫‪ -‬عبد المنعم سليمان ‪ ،‬النظرية العامة لقانون العقوبات‪ ،‬دار الجامعة الجديدة‬
‫للنشر‪ ،‬اإلسكندرية ‪.2000‬‬

‫‪ -‬عبيد رؤوف ‪ "،‬مبادئ اإلجراءات الجنائية في القانون المصري" طبعة ‪،12‬‬


‫القاهرة ‪.1978‬‬

‫‪ -‬عوض بالل أحمد ‪ ،‬المذهب الموضوعي وتقلص الركن المعنوي للجريمة‪،‬‬


‫دار النهضة العربية القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى‪.1988 ،‬‬

‫‪ -‬العلمي عبد الواحد ‪ ،‬شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة‬


‫الجنائية‪،‬الجزء األول‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى ‪2006‬‬

‫‪ -‬العلمي عبد الواحد ‪ ،‬شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية‪،‬‬


‫الجزء الثاني‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2009‬‬

‫‪ -‬الغزواني الشرقاوي نور الدين ‪ ،‬مدونة الجمارك وفق أخر التعديالت‪ ،‬الطبيعة‬
‫الجنائية والجبائية لمدونة الجمارك‪ ،‬طبعة ‪ ،2003‬مكتبة دار السالم الرباط‬

‫‪ -‬فريد عبد الرحمان ‪ ،‬التهريب الجمركي‪ ،‬القاهرة بدون دار النشر‪.‬‬

‫‪ -‬فتحي سرور أحمد ‪ ،‬الوسيط في قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬دار النهضة‬
‫العربية‪ ،‬القاهرة ‪.1981‬‬

‫‪93‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫‪ -‬محمد صدقي أنور ‪ ،‬المسؤولية الجنائية عن الجرائم االقتصادية‪ ،‬دار الثقافة‬


‫للنشر والتوزيع عمان‪ ،‬األردن‪.2007 ،‬‬

‫‪ -‬الملياني محمد ‪ ،‬القانون الجنائي العام‪ ،‬مطبعة الجسور‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬وجدة‬
‫‪.2005‬‬

‫‪ -‬مرهج الهيتي محمد حماد ‪ ،‬الخطأ المفترض في المسؤولية الجنائية‪ ،‬دار‬


‫الثقافة للنشر والتوزيع‪.2005 ،‬‬

‫‪ -‬منتصر سعيد حموده‪،‬الجرائم االقتصادية ‪ ،‬دار الجامعة الجديدة االسكندارية‬


‫‪،‬طبعة‪. 2010‬‬

‫‪ -‬رمضان مدحت ‪ ،‬األساس القانوني للمسؤولية الجنائية لرئيس التحرير عن‬


‫الجرائم التي تقع عن طريق الصحف‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬دار النهضة العربية القاهرة‬
‫‪ ،1993‬بدون طبعة‪.‬‬

‫‪ -‬الداودي لطيفة ‪ ،‬دراسة في قانون المسطرة الجنائية الجديد‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬


‫‪ ،2005‬المطبعة الوطنية الحي المحمدي‪ ،‬الدوديات‪ ،‬مراكش‪.‬‬

‫‪ -‬نصر الدين مروك ‪ ،‬محاضرات في اإلثبات الجنائي‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬النظرية‬


‫العامة لإلثبات الجنائي‪ ،‬طبعة ‪ ،2003‬دار هومه ‪ 34‬حي االبرويار بوزريعة‪ ،‬الجزائر‪.‬‬

‫‪ -‬الهمشري محمد ‪ ،‬المسؤولية الجنائية عن فعل الغير‪ ،‬دار الفكر العربي‪،‬‬


‫الطبعة األولى ‪ ،1969‬األردن‪.‬‬

‫‪ -‬هوداية الحسن ‪ ،‬محاضر الضابطة القضائية‪ ،‬مكتبة دار السالم الرباط‪،‬‬


‫الطبعة األولى ‪.2000‬‬

‫‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫‪ ‬األطروحات والرسائل‪:‬‬

‫*األطروحات‬

‫‪ -‬الشرقي حفيظ ‪ ،‬الطبيعة القانونية للمحاضر الجمركية‪ ،‬أطروحة لنيل دكتوراه‬


‫الدولة في القانون الخاص‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬كلية الحقوق أكدال‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫‪.1992/1991‬‬

‫‪ -‬فردوس بهيجة ‪ ،‬مسؤولية المعشر في القانون المغربي والمقارن‪ ،‬أطروحة‬


‫لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص في الحقوق‪ ،‬جامعة الحسن الثاني‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2003/2002‬‬

‫‪ -‬العيد العايش سعادنه‪" ،‬اإلثبات في المواد الجمركية" بحث لنيل شهادة‬


‫الدكتوراه في القانون جامعة باتنة كلية الحقوق والعلوم السياسية قسم الحقوق ‪.2006‬‬

‫*الرسائل‪:‬‬

‫‪ -‬اإلدريسي إشراق ‪ ،‬التهريب الجمركي‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون‬


‫الخاص‪ ،‬جامعة عبد المالك السعدي‪ ،‬كلية الحقوق بطنجة‪ ،‬السنة الجامعية ‪-2007‬‬
‫‪.2008‬‬

‫‪ -‬بوزيد عتيقة ‪ ،‬معضلة الركن المعنوي في جرائم الشركات التجارية‪ ،‬رسالة‬


‫لنل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في العلوم الجنائية‪ ،‬جامعة عبد المالك السعدي‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق‪ ،‬طنجة‪.2006-2005 ،‬‬

‫‪ -‬الجغنوني علي ‪ ،‬المنازعات الجمركية الزجرية‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات‬


‫العليا المعمقة في القانون الخاص‪ ،‬جامعة محمد األول‪ ،‬كلية الحقوق وجدة‪-2006 ،‬‬
‫‪.2007‬‬

‫‪95‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫‪ -‬حساني أسماء ‪ ،‬اإلثبات في المادة الجمركية‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات‬


‫العليا في القانون الخاص‪ ،‬جامعة محمد األول‪ ،‬كلية الحقوق وجدة‪ ،‬السنة الجامعية‬
‫‪.2008-2007‬‬

‫‪ -‬ريمان عزيزة ‪ ،‬المنازعات الجمركية‪ ،‬تقرير لنيل دبلوم الدراسات العليا‬


‫المعمقة‪ ،‬جامعة الحسن الثاني‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬الدار البيضاء ‪.2000-1999‬‬

‫‪ -‬الرمضاني حنان ‪ ،‬المنازعات الجمركية الزجرية بين التسوية القضائية‬


‫والصلحية ‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الجنائية والعلوم الجنائية‪ ،‬جامعة‬
‫محمد األول وجدة‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2008-2007‬‬

‫‪ -‬الشرقي حفيظ ‪ ،‬جريمة التهريب‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في‬
‫القانون الخاص‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬الرباط‪1985 ،‬‬

‫‪ -‬عافالني عبد الوهاب ‪ ،‬القانون الجنائي الجمركي‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات‬
‫العليا المعمقة‪ ،‬جامعة الحسن الثاني‪ ،‬كلية الحقوق الدار البيضاء‪.‬‬

‫‪ -‬القدومي الجياللي ‪ ،‬المنازعات الزجرية في القانون الجمركي المغربي‪،‬‬


‫رسالة لنيل دبلوم السلك العالي في المدرسة الوطنية لإلدارة العمومية‪ ،‬الرباط ‪.1988‬‬

‫‪ -‬القاضي عبد الرحيم ‪ ،‬المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي عن الجريمة‬


‫اإلرهابية‪ ،‬بحث نهاية التكوين في ماستر القانون الجنائي والعلوم الجنائية‪ ،‬جامعة‬
‫محمد األول‪ ،‬كلية الحقوق وجدة‪.2009-2008 ،‬‬

‫‪ -‬الوردي العباس ‪ ،‬األبعاد االقتصادية للنظام الجمركي المغربي‪ ،‬بحث لنيل‬


‫شهادة الماستر في القانون العام‪ ،‬جامعة محمد الخامس السويسي‪2010-2009 ،‬‬

‫‪ -‬ليندة ليدودة ‪ ،‬دور إدارة الجمارك في متابعة الجرائم الجمركية‪ ،‬مذكرة بحث‬
‫لنيل إجازة المعهد الوطني للقضاء ‪.2004-2003‬‬

‫‪96‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫‪ ‬المقاالت‪:‬‬

‫‪ -‬أكريمي أحميدو ‪ "،‬المسؤولية الجنائية عن فعل الغير والجرائم االقتصادية"‪،‬‬


‫مجلة القضاء والقانون‪ ،‬عدد ‪ ،138‬سنة ‪.1988‬‬

‫‪ -‬بنهاشم حفيظ ‪ "،‬تحرير المساطر والمحاضر القانونية"‪ ،‬مذكرة إدارية‪ ،‬األمن‬


‫الوطني‪ ،‬ميلودي حمدوشي‪ ،‬منشورات المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‪ ،‬العدد‬
‫‪.2002/34‬‬

‫‪ -‬بهنام رمسيس ‪" ،‬االتجاهات الحديثة في نظرية الفعل والفاعل"‪ ،‬مجلة‬


‫الحقوق‪ ،‬العدد الثالث‪ ،1960- 1959 ،‬مطبعة جامعة اإلسكندرية‬

‫‪ -‬بلقسح عبد الرزاق ‪ "،‬المنازعات الجمركية الزجرية‪ "،‬مجلة المحاكم‬


‫المغربية‪ ،‬عدد ‪ ،87‬مارس‪ ،‬أبريل ‪.2000‬‬

‫‪ -‬حميد الوالي‪" ،‬المنازعات الجمركية بين القواعد الجزئية العامة ومدونة‬


‫الجمارك"‪،‬مجلة المعيار‪،‬عدد‪، 33‬يوينو‪.2005‬‬

‫‪ -‬ختيم عبد القادر ‪" ،‬الجريمة الجمركية"‪ ،‬مجلة المرافعة‪ ،‬العدد ‪ 7‬دجنبر‬
‫‪.1997‬‬

‫‪ -‬الخمليشي أحمد ‪" ،‬أساس المسؤولية الجنائية‪ ،‬ومسؤولية األشخاص‬


‫االعتبارية"‪ ،‬مجلة األمن الوطني‪ ،‬العدد ‪.50‬‬

‫‪ -‬عبد الصبور فتحي ‪ "،‬المسؤولية الجنائية للشخص االعتباري"‪ ،‬مجلة القضاة‪،‬‬


‫العدد األول ‪.1968‬‬

‫‪ -‬زاليجي محمد ‪" ،‬جريمة التهريب الجمركي بين مشروعية أدلتها ومالئمة‬
‫جزاءاتها"‪ ،‬مجلة المناظرة‪ ،‬العدد ‪ ،4‬يونيو ‪.1999‬‬

‫‪ -‬زاليجي محمد ‪ "،‬مبدأ مشروعية وسائل اإلثبات ومالئمة العقوبة(القسم‬


‫الثاني) " ‪ ،‬مجلة المناظرة‪ ،‬العدد ‪ ،5‬يونيو ‪.2000‬‬

‫‪97‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫‪ -‬الشروقاوي الغزواني نور الدين ‪" ،‬الطبيعة الجنائية لمدونة الجمارك"‪ ،‬مجلة‬
‫الملف‪ ،‬العدد ‪ 6‬ماي ‪.2005‬‬

‫‪ -‬لكريني إدريس ‪"،‬السلطة التقديرية للقاضي الزجري ومقترحات التعديل"‪،‬‬


‫مجلة اإلشعاع‪ ،‬عدد ‪.26‬‬

‫‪ ‬الظهائر و القوانين ‪:‬‬

‫‪ -‬الظهير الشريف بمثابة قانون الجمارك والضرائب غير المباشرة رقم‬


‫‪ 1.77.339‬بتاريخ ‪ 25‬شوال ‪ 9(1397‬أكتوبر ‪ )1977‬منشور بالجريدة الرسمية‪ ،‬عدد‬
‫‪ 3389‬مكرر‪.‬‬
‫‪ -‬بظهير الشريف رقم ‪ 1.00.222‬الصادر في ربيع األول ‪5( 1421‬يونيو‬
‫‪(2000‬بتنفيد القانون رقم ‪ 02.99‬المغيرة والمتممة بموجبه مدونة الجمارك و‬
‫الضرائب غير المباشرة‪.‬‬

‫‪ -‬الظهير الشريف رقم ‪ 1.04.255‬المعدل لقانون الجمارك والضرائب غير‬


‫المباشرة‪ ،‬الصادر في‪ 16‬ذي القعدة ‪ 29(1425‬دسمبر‪ )2004‬بتنفيد قانون المالية رقم‬
‫‪ 26.04‬لسنة المالية ‪.2005‬‬

‫جمادى‬ ‫‪28‬‬ ‫في‬ ‫صادر‬ ‫‪1.59.413‬‬ ‫رقم‬ ‫الشريف‬ ‫الظهير‬ ‫‪-‬‬


‫الثانية‪26(1382‬نونبر ‪ )1962‬بالمصادقة على مجموعة القانون الجنائي ‪ ،‬منشور‬
‫بالجريدة الرسمية عدد ‪ 2640‬مكرر بتاريخ ‪ 12‬محرم ‪5(1383‬يونيو‪.)1963‬‬

‫‪ -‬القانون ‪ 22-01‬المتعلق بالمسطرة الجنائية‪ ،‬الذي تم تعديله بالقانون ‪03-03‬‬


‫وهو القانون المعروف بقانون اإلرهاب المنشور بالجريدة الرسمية‪ ،‬عدد ‪ 5112‬بتاريخ‬
‫‪ 27‬ربيع األول ‪.)2003/5/29( 1424‬‬

‫‪98‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫‪ ‬القرارات واألحكام‪:‬‬

‫‪ -‬قرار عدد ‪ 2/418‬المؤرخ في ‪ 2005/04/13‬الملف الجنحي عدد ‪04/154‬‬


‫مجلة قضاء المجلس األعلى‪ ،‬عدد ‪.67‬‬

‫‪ -‬قرار عدد ‪ 2/427‬بتاريخ ‪ 2005/04/13‬في الملف الجنحي عدد‪:‬‬


‫‪ ،04/24065‬مجلة قضاء المجلس األعلى‪ ،‬عدد ‪.67‬‬

‫‪ -‬قرار عدد ‪ 1474‬بتاريخ ‪ 2006/11/26‬في الملف الجنحي عدد ‪ 06/51‬غير‬


‫منشور‪.‬‬

‫‪ -‬قرار عدد ‪ 8/2717‬بتاريخ ‪ ،2000/10/19‬ملف جنحي عدد ‪،29/20978‬‬


‫مجلة قضاء المجلس األعلى‪ ،‬العدد ‪.60 ،59‬‬

‫‪ -‬قرار المجلس األعلى عدد ‪ 10/2083‬الصادر بتاريخ ‪ 3‬دجنبر ‪ 2008‬في‬


‫ملف عدد ‪ ،/6/576‬نشرة قرارات المجلس األعلى المتخصصة‪ ،‬الغرفة الجنائية‪،‬‬
‫السلسلة‪ ، 1‬الجزء ‪.2‬‬

‫‪ -‬قرار رقم ‪ 2/216‬المؤرخ في ‪ 23/02/2005‬ملف عدد ‪ 15351/04‬مجلة‬


‫قضاء المجلس األعلى‪ ،‬عدد ‪.67‬‬

‫‪ -‬قرار ‪ 127863‬بتاريخ ‪ 1996/12/03‬غرفة الجنح والمخالفات‪ ،‬القسم الثالث‪،‬‬


‫العدد الخاص من المجلة القضائية‪ ،‬الجزء الثاني‪.‬‬

‫‪ -‬قرار عدد ‪ 4/5302‬المؤرخ في ‪ ،1997/7/2‬مجلة قضاء المجلس األعلى‪،‬‬


‫عدد ‪.65-53‬‬

‫‪ -‬قرار ‪ 1999/06/12‬غرفة جنائية ج ملف عدد ‪.73553‬‬

‫‪ -‬قرار عدد ‪ 87‬المؤرخ في ‪ 11‬نونبر ‪.1991‬‬

‫‪99‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫‪ -‬قرار المجلس األعلى عدد ‪ 3/53‬بتاريخ ‪ 2002/02/16‬ملف جحي عدد‬


‫‪ 99/16866‬أورد عبد الرحمان بركات‪ "،‬المنازعات اإلداري في دعوى اإللغاء من‬
‫أجل الشطط في استعمال السلطة ضد قرارات اإلدارة"‪ .‬أشغال اليوم الدراسي حول‬
‫موضوع التشريعات والتقنيات الجمركية المنظمة بالمعهد الوطني للدراسات القضائية‪،‬‬
‫الرباط ‪ 14‬نونبر ‪.2006‬‬

‫‪ -‬قرار عدد ‪ 9648‬مؤرخ في ‪ 1991/12/26‬الملف الجنحي رقم ‪،90/27143‬‬


‫منشور بمجلة قضاء المجلس األعلى العدد ‪ 48‬السنة الثانية عشر يناير ‪.1996‬‬

‫‪ -‬حكم عدد ‪ 46‬بتاريخ ‪ 2006/1/05‬في الملف الجنحي عدد ‪ 06/2‬غير منشور‬

‫‪ ‬الندوات‪:‬‬

‫‪ -‬محمد حدوتي‪ ،‬المسؤولية واإلثبات في القانون الجمركي‪ ،‬الندوة الجهوية‬


‫السابعة للذكرى الخمسينية لتأسيس المجلس األعلى حول موضوع‪ ،‬الجرائم المالية من‬
‫خالل قرارات المجلس األعلى‪ .‬بمدينة وجدة‪ ،‬يومي ‪14‬و‪ 15‬جمادى األولى (‪ 31‬ماي‬
‫وفاتح يونيو ‪ )2007‬والمنشورة بمجلة المجلس األعلى للقضاء‪ ،‬الرباط ‪.2007‬‬

‫‪ -‬بادن محمد ‪،‬جرائم التهريب من خالل العمل القضائي‪ ،‬الندوة الجهوية السابعة‬
‫للذكرى الخمسينية لتأسيس المجلس األعلى حول موضوع‪ ،‬الجرائم المالية من خالل‬
‫قرارات المجلس األعلى‪ ،‬خمسون سنة من العمل القضائي‪ ،‬الندوة الجهوية السابعة‪،‬‬
‫دار الطالبة وجدة ‪ 31‬ماي فاتح يونيو ‪ .2007‬والمنشورة بمجلة المجلس األعلى‬
‫للقضاء‪ ،‬الرباط ‪.2007‬‬

‫‪100‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

:‫ باللغة الفرنسية‬

OUVRAGES

- Moulay Larbi EL Aaloui , Le Droit Douanier au


Maroc Genèse et évolution , édition 2006, Imprimerie Ibnsina.

- Jean-cloude RENOUE, La douane, Presses


Universitaires de France , la rousse, 1er édition, Année
1989, Paris.

- BERR. J Claude et Henri TREMEAU, le droit


douanier communautaire et national, 4éme édition,
économica, 1997, Paris.

MEMOIRES

- Edouard Pouset ,rayon des douanes ,Police des frontières


de terre, Thèse, Université Bordeaux, Année Universitaire 1992-
1993.

-J.Denizard ,La charge de preuve en matière pénal, Thèse,


Université Lille ,1956.

ARTICLE

-Mohamed CHADI , ."La douane marocaine face à


Mondialisation" Revue AL Milaf , N 8

101
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫ المواقع االلكترونية‬

http://siences juridique, hlamantda,net/t6336-Topic.

-www.droitcivile.over-bloge.com .

102
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫الفهرس‪:‬‬
‫مقدمة‪1 ............................................................................................................... :‬‬
‫الفصل األول‪ :‬المسؤولية الجنائية كخصوصية موضوعية للجريمة الجمركية‪7 ..........................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬أساس المسؤولية الجنائية الجمركية‪9 ......................................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬المسؤولية الجنائية المفترضة ‪10 .......................................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬ماهية الخطأ المفترض ‪11 .............................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الخطأ المفترض الجمركي ‪13 ..........................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬إسناد الجرائم لغير مرتكبها ‪20 ..........................................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬المسؤولية الجنائية عن فعل الغير ‪21 ................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الشخص المعنوي ‪25 ....................................................................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬حدود المسؤولية الجنائية الجمركية ‪29 ....................................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬المسؤولون جنائيا‪30 ......................................................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬الفاعلون األصليون ‪31 .................................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬المشاركون والمستفيدون من الغش ‪37 ...............................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬موانع المسؤولية الجنائية‪44 .............................................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬القوة القاهرة ‪44 ..........................................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬المسؤولية الشخصية للمستخدم‪47 .....................................................‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬اإلثبات كخصوصية إجرائية للجريمة الجمركية ‪50 .........................................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬األحكام العامة لإلثبات الجمركي ‪53 .......................................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬ماهية اإلثبات في الميدان الجمركي ‪54 ................................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬مفهوم اإلثبات ‪54 ........................................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬النطاق المكاني لإلثبات ‪56 .............................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬طرق إثبات الجريمة الجمركية ‪59 .....................................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬األشخاص المكلفون باإلثبات ‪59 ......................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬شكليات المحاضر الخاصة باإلثبات ‪63 ..............................................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬خصوصيات اإلثبات الجمركي ‪68 .........................................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬هيمنة المحاضر على وسائل اإلثبات الجمركية ‪70 ..................................‬‬

‫‪103‬‬
‫خصوصية الجريمة الجمركية‬
‫في التشريع المغربي‬

‫الفقرة األولى‪ :‬أنواع المحاضر الجمركية ‪71 .........................................................‬‬


‫الفقرة الثانية‪ :‬حجية المحاضر الجمركية ‪74 ..........................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬أثر المحاضر على سلطة القاضي الزجري‪81 .......................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬الدور المقيد للقاضي الزجري ‪83 .....................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الدور التقديري للقاضي الزجري ‪86 ..................................................‬‬
‫خاتمة‪89 ............................................................................................................. :‬‬
‫الئحة المراجع ‪92 ...................................................................................................‬‬
‫الفهرس‪103 ........................................................................................................ :‬‬

‫‪104‬‬

You might also like