You are on page 1of 71

0

‫هذا الكتاب‬
‫يعتبر فقه النوازل من أهم ف روع الفق ه اإلس المي‪ ،‬ل دوره الكب ير‬
‫في بيان أحك ام الش ريعة اإلس المية المرتبط ة بواق ع الحي اة في جمي ع‬
‫مجاالتها‪ ،‬فدوره هو تنزيل أحكام الشريعة على الواقع الحياتي ليص بغه‬
‫بصبغتها‪ ،‬ويجري عليه أحكامها‪.‬‬
‫انطالقا من هذا‪ ،‬حاولن ا اس تقراء من اهج الفقه اء في الفت وى في‬
‫النوازل‪ ،‬وقد رأينا أنه يمكن تقسيمها إلى ستة مناهج‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ المنهج االستداللي‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ المنهج المذهبي‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ المنهج المذاهبي‪.‬‬
‫‪ 4‬ــ منهج التيسير‪.‬‬
‫‪ 5‬ــ منهج التشديد‪.‬‬
‫‪ 6‬ــ المنهج المقاصدي‪.‬‬
‫وقد حاولنا في هذه الدراسة أن نبين ‪ -‬باختصار‪ -‬الخصائص التي‬
‫يتم يز به ا ك ل منهج‪ ،‬م ع األعالم ال ذين تبن وه‪ ،‬واآللي ات التنفيذي ة‬
‫المرتبطة بتحقيق المنهج في الواقع‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫أحكام وحكم‬

‫(‪)1‬‬

‫النوازل الفقهية‬

‫ومناهج الفقهاء في التعامل معها‬


‫دراسة علمية لمناهج الفتوى في التراث والواقع اإلسالمي‬

‫د‪ .‬نور الدين أبو لحية‬

‫الطبعة الثانية‬

‫‪2015 – 1436‬‬

‫دار األنوار للنشر والتوزيع‬



‫فهرس المحتويات‬
‫‪6‬‬ ‫المقدمة‬
‫‪9‬‬ ‫التمهيد‬
‫‪9‬‬ ‫مفهوم فقه النوازل وأهميته‬
‫‪9‬‬ ‫أوال ـ مفهوم فقه النوازل‪:‬‬
‫‪10‬‬ ‫ثانيا ـ مصطلحات أخرى‪:‬‬
‫‪10‬‬ ‫الفتاوى‪:‬‬
‫‪10‬‬ ‫المسائل‪ ،‬أو األسئلة‪:‬‬
‫‪11‬‬ ‫ثالثا ـ أهمية فقه النوازل‪:‬‬
‫‪15‬‬ ‫المبحث األول‬
‫‪15‬‬ ‫المنهج االستداللي‬
‫‪17‬‬ ‫أوال ـ أعالمه‪:‬‬
‫‪25‬‬ ‫ثانيا ـ أدلته‪:‬‬
‫‪26‬‬ ‫الدليل األول‪:‬‬
‫‪27‬‬ ‫الدليل الثاني‪:‬‬
‫‪29‬‬ ‫الدليل الثالث‪:‬‬
‫‪32‬‬ ‫الدليل الرابع‪:‬‬
‫‪34‬‬ ‫ثالثا ـ منهجه في الفتوى‪:‬‬
‫‪38‬‬ ‫المبحث الثاني‬
‫‪38‬‬ ‫المنهج المذهبي‬
‫‪41‬‬ ‫أوال ـ أعالمه‪:‬‬
‫‪45‬‬ ‫ثانيا ـ أدلته‪:‬‬
‫‪45‬‬ ‫الدليل األول‪:‬‬
‫‪48‬‬ ‫الدليل الثاني‪:‬‬
‫‪50‬‬ ‫الدليل الثالث‪:‬‬
‫‪50‬‬ ‫الدليل الرابع‪:‬‬
‫‪52‬‬ ‫ثالثا ـ منهجه في الفتوى‪:‬‬
‫‪59‬‬ ‫المبحث الثالث‬
‫‪59‬‬ ‫المنهج المذاهبي‬
‫‪59‬‬ ‫أوال ـ أعالمه‪:‬‬
‫‪61‬‬ ‫ثانيا ـ أدلته‪:‬‬
‫‪61‬‬ ‫الدليل األول‪:‬‬
‫‪64‬‬ ‫الدليل الثاني‪:‬‬
‫‪66‬‬ ‫الدليل الثالث‪:‬‬
‫‪70‬‬ ‫ثالثا ـ منهجه في الفتوى‪:‬‬
‫‪74‬‬ ‫المبحث الرابع‬
‫‪74‬‬ ‫منهج التيسير‬
‫‪74‬‬ ‫أوال ـ أعالمه‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫‪75‬‬ ‫األصل األول‪ :‬جواز تتبع الرخص‬
‫‪81‬‬ ‫األصل الثاني‪ :‬جواز التلفيق بين المذاهب‬
‫‪84‬‬ ‫األصل الثالث‪ :‬جواز‪ :‬الحيل الفقهية‬
‫‪87‬‬ ‫ثانيا ـ أدلته‪:‬‬
‫‪87‬‬ ‫الدليل األول‪:‬‬
‫‪89‬‬ ‫الدليل الثاني‪:‬‬
‫‪91‬‬ ‫الدليل الثالث‪:‬‬
‫‪92‬‬ ‫ثالثا ـ منهجه في الفتوى‪:‬‬
‫‪92‬‬ ‫الفريق األول‪:‬‬
‫‪94‬‬ ‫الفريق الثاني‪:‬‬
‫‪96‬‬ ‫المبحث الخامس‬
‫‪96‬‬ ‫منهج التشديد‬
‫‪96‬‬ ‫أوال ـ أعالمه‪:‬‬
‫‪96‬‬ ‫األصل األول‪ :‬ترجيح العزيمة على الرخصة‬
‫‪101‬‬ ‫األصل الثاني‪ :‬القول بسد الذرائع‬
‫‪104‬‬ ‫األصل الثالث‪ :‬مراعاة الخالف‬
‫‪107‬‬ ‫ثانيا ـ أدلته‪:‬‬
‫‪107‬‬ ‫الدليل األول‪:‬‬
‫‪108‬‬ ‫الدليل الثاني‪:‬‬
‫‪109‬‬ ‫ثالثا ـ منهجه في الفتوى‪:‬‬
‫‪112‬‬ ‫المبحث السادس‬
‫‪112‬‬ ‫المنهج المقاصدي‬
‫‪112‬‬ ‫أوال ـ أعالمه‪:‬‬
‫‪115‬‬ ‫الصنف األول‪:‬‬
‫‪118‬‬ ‫الصنف الثاني‪:‬‬
‫‪121‬‬ ‫ثانيا ـ أدلته‪:‬‬
‫‪121‬‬ ‫الدليل األول‪:‬‬
‫‪121‬‬ ‫الدليل الثاني‪:‬‬
‫‪122‬‬ ‫ثالثا ـ منهجه في الفتوى‪:‬‬
‫‪122‬‬ ‫المنهج األول‪:‬‬
‫‪124‬‬ ‫المنهج الثاني‪:‬‬
‫‪128‬‬ ‫خاتمة‬
‫‪128‬‬ ‫أوال‪ :‬النتائج‪:‬‬
‫‪130‬‬ ‫ثانيا‪ :‬التوصيات‪:‬‬
‫‪131‬‬ ‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫‪2‬‬
‫المقدمة‬
‫يعتبر فقه النوازل من أهم فروع الفقه اإلسالمي‪ ،‬لدوره الكبير في بيان أحكام الشريعة اإلسالمية المرتبط‪::‬ة‬
‫بواقع الحياة في جميع مجاالتها‪ ،‬فدوره هو تنزيل أحكام الشريعة على الواقع الحياتي ليصبغه بص‪::‬بغتها‪ :،‬ويج‪::‬ري‪:‬‬
‫عليه أحكامها‪.‬‬
‫وهو لذلك المحك ال‪:‬ذي تع‪:‬رف من خالل‪:‬ه واقعي‪::‬ة الش‪:‬ريعة اإلس‪:‬المية وم‪:‬دى‪ :‬مراعاته‪:‬ا ألح‪:‬وال المكلفين‪،‬‬
‫ومدى‪ :‬انسجامها مع طبيعة البيئة الزمانية والمكانية الحادثة‪.‬‬
‫ويعتبر كذلك‪ ،‬وبدرجة أهم‪ ،‬هو المنهج الذي من خالله يستطيع‪ :‬الفقيه أن يجعل الشريعة هي الحاكم في ك‪::‬ل‬
‫شؤون الحياة‪ ،‬بالبحث عن األحكام والبدائل المتناسبة مع القيم التي جاءت الشريعة لتحقيقه‪:‬ا‪ ،‬ول‪::‬ذلك ال يق‪:‬ف فقي‪:‬ه‬
‫النوازل منتظرا‪ :‬أن يستفتى فيفتي‪ ،‬بل يبادر فيبحث عن األحكام‪ ،‬ويبحث في نفس الوقت عن الب‪::‬دائل الش‪::‬رعية في‬
‫حال الحاجة إليها‪.‬‬
‫ولهذه األهمية الكبيرة‪ ،‬فإن تحصيل ملكة االجتهاد في‪:‬ه يتطلب – قب‪:‬ل ك‪:‬ل ش‪:‬يء ‪ -‬معرف‪:‬ة منهج البحث في‪:‬ه‬
‫خطوة خطوة‪ ،‬حتى ال يقع الباحث فيما حذر من‪::‬ه الق‪::‬رآن الك‪::‬ريم من الفت‪::‬وى بغ‪::‬ير علم‪ ،‬أو الك‪::‬ذب على هللا وعلى‬
‫ب هَ َذا َحاَل ٌل َوهَ َذا َح َرا ٌم لِتَ ْفتَرُوا َعلَى هَّللا ِ ْال َك ِذ َ‬
‫ب إِ َّن‬ ‫صفُ أَ ْل ِسنَتُ ُك ُ‪:‬م ْال َك ِذ َ‬
‫رسوله ‪ ،‬كما قال تعالى‪َ ﴿ :‬واَل تَقُولُوا لِ َما تَ ِ‬
‫ب اَل ي ُ ْفلِحُونَ ﴾(‪)1‬‬‫الَّ ِذينَ يَ ْفتَرُونَ َعلَى هَّللا ِ ْال َك ِذ َ‬
‫وقال ‪( :‬إن هللا ال يقبض العلم انتزاعا ينتزع‪::‬ه من العب‪::‬اد‪ ،‬ولكن يقبض العلم بقبض العلم‪::‬اء‪ ،‬ح‪::‬تى إذا لم‬
‫يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا‪ :‬جهاال‪ ،‬فسئلوا‪ :‬فأفتوا‪ :‬بغير علم‪ ،‬فضلوا‪ :‬وأضلوا)(‪)2‬‬
‫وقد حصل في الواقع بعض ما ذك‪:‬ره رس‪:‬ول هللا ‪ ‬من تص‪:‬دي بعض من لم تت‪::‬وفر‪ :‬فيهم الق‪:‬درات العلمي‪:‬ة‬
‫الكافية على الفتوى في مسائل خطيرة‪ ،‬بناء على اجتهادات لم تستكمل أدواتها‪ ،‬فشوهوا بذلك شريعة هللا الس‪::‬محة‪،‬‬
‫المبنية على العلم والحكمة والعدل والرحمة‪.‬‬
‫وقد أتاحت تلك الفتاوى‪ :‬الشاذة الفرصة للعلمانيين والالدينيين للسخرية من الشريعة الربانية‪ ،‬واستعمال هذه‬
‫الفتاوى ذريعة لذلك‪ ،‬دون تفريق بين ما هو رباني في الشريعة‪ ،‬وبين ما هو اجتهاد بشري‪ :‬يقبل الخطأ والصواب‪:.‬‬
‫وقد رأينا أن السبب األكبر فيما نراه في واقع الفتوى هو المنهج الذي يعتمده الفقهاء والمفت‪:‬ون على الس‪:‬احة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬فالمنهج هو األصل الذي يعتمد علي‪::‬ه المف‪::‬تي‪ ،‬وال يمكن أن ن‪::‬رقى ب‪::‬الفتوى في الن‪::‬وازل م‪::‬ا لم نتع‪::‬رف‬
‫على المنهج الصحيح الذي طلبت الشريعة التزامه‪.‬‬
‫انطالقا من هذا‪ ،‬حاولنا استقراء مناهج الفقهاء في الفتوى في النوازل‪ ،‬وقد رأينا أنه يمكن تقسيمها إلى ستة‬
‫مناهج‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ المنهج االستداللي‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ المنهج المذهبي‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ المنهج المذاهبي‪.‬‬
‫‪ 4‬ــ منهج التيسير‪.‬‬
‫‪ 5‬ــ منهج التشديد‪.‬‬
‫‪ 6‬ــ المنهج المقاصدي‪.‬‬

‫‪ )(1‬سورة النحل‪.116 :‬‬


‫‪ )(2‬رواه البخاري في كتاب العلم‪ ،‬باب كي‪::‬ف يقبض العلم رقم ( ‪( )100‬انظ‪::‬ر‪ :‬ص‪::‬حيح البخ‪::‬اري‪ ،‬محم‪::‬د بن إس‪::‬ماعيل أب‪::‬و‬
‫عبدهللا البخاري الجعفي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد زهير بن ناصر الناصر‪ ،‬دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم محم‪::‬د ف‪::‬ؤاد‬
‫عبد الباقي)‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1422 ،‬هـ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪)31‬‬
‫ورواه مسلم في كتاب العلم‪ ،‬باب رفع العلم وقبضه‪ ،‬وظهور الجهل والفتن في آخ‪::‬ر الزم‪::‬ان رقم ( ‪ ( )2673‬ص‪::‬حيح مس‪::‬لم‪،‬‬
‫مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد ف‪::‬ؤاد عب‪::‬د الب‪::‬اقي‪ ،‬دار إحي‪::‬اء ال‪::‬تراث الع‪::‬ربي – ب‪::‬يروت‪ ،‬ج‪ 4‬ص‬
‫‪)2058‬‬
‫‪3‬‬
‫وقد حاولنا في هذه الدراسة أن نبين ‪ -‬باختصار‪ -‬الخصائص التي يتم‪::‬يز به‪::‬ا ك‪::‬ل منهج‪ ،‬م‪::‬ع األعالم ال‪::‬ذين‬
‫تبنوه‪ ،‬واآلليات التنفيذية المرتبطة بتحقيق المنهج في الواقع‪.‬‬
‫وقد قسمنا الدراسة إلى ستة مباحث‪ ،‬باإلضافة إلى تمهيد وخاتمة‪ ،‬وهي على الشكل التالي‪:‬‬
‫التمهيد‪ :‬تناولنا‪ :‬فيه مفهوم فقه النوازل وأهميته‪.‬‬
‫المبحث األول‪ :‬تناولنا فيه المنهج االستداللي‪ :‬وأعالمه وأدلته ومنهج الفتوى فيه‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬تناولنا فيه المنهج المذهبي وأعالمه وأدلته ومنهج الفتوى فيه‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬تناولنا فيه المنهج المذاهبي وأعالمه وأدلته ومنهج الفتوى فيه‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬تناولنا فيه منهج التيسير‪ :‬وأعالمه وأدلته ومنهج الفتوى فيه‪.‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬تناولنا‪ :‬فيه منهج التشديد وأعالمه وأدلته ومنهج الفتوى فيه‪.‬‬
‫المبحث السادس‪ :‬تناولنا فيه المنهج المقاصدي‪ :‬وأعالمه وأدلته ومنهج الفتوى فيه‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫التمهيد‬
‫مفهوم فقه النوازل وأهميته‬
‫أوال ـ مفهوم فقه النوازل‪:‬‬
‫لغة‪ :‬النوازل على وزن فواعــل من‪ :‬نزل ينزل نزوال فهي نازل‪::‬ة‪ ،‬ج‪::‬اء في لس‪::‬ان الع‪::‬رب‪ :‬ن‪::‬زل‪ :‬ال‪::‬نزول‪:‬‬
‫الحلول‪ ،‬وقد نزلهم‪ ،‬ونزل عليهم‪ ،‬ونزل بهم‪ ،‬ينزل نزوالً‪ :‬و َم ْنزَ الً و َم ْن ِزالً‪ ،‬والنازلة‪ :‬الشديدة تنزل بالقوم‪ ،‬وجمعها‬
‫النوازل(‪.)1‬‬
‫اصطالحا‪ :‬بما أن فقه الن‪::‬وازل لم يكن باب‪::‬ا من أب‪::‬واب الفق‪::‬ه المعتم‪::‬دة‪ ،‬وإنم‪::‬ا ك‪::‬ان ض‪::‬من المب‪::‬احث الفقهي‪::‬ة‬
‫المختلفة‪ ،‬ولهذا ال نجد له في تراثنا الفقهي تعريفا خاصا دقيقا مثلما نجد ذلك في س‪:‬ائر‪ :‬المس‪:‬ائل واألب‪:‬واب‪ ،‬وله‪::‬ذا‬
‫نذكر هنا بعض ما ذكره العلماء مما يمكن أن يستنتج من خالله تصورهم‪ :‬له‪:‬‬
‫فقد عرفه معجم لغة الفقهاء بأنه‪( :‬الحادثة التي تحتاج إلى حكم شرعي)(‪.)2‬‬
‫وعرفه الشيخ بكر أب‪::‬و زي‪::‬د بأن‪::‬ه (الوق‪::‬ائع‪ :‬والمس‪::‬ائل المس‪::‬تجدة‪ ،‬والحادث‪::‬ة المش‪::‬هورة بلس‪::‬ان العص‪::‬ر باس‪::‬م‬
‫النظريات والظواهر)(‪)3‬‬
‫ولعل إطالق النازلة على المسألة الواقعة يرجع إما لمالحظ‪::‬ة مع‪::‬نى الش‪::‬دة لم‪::‬ا يعاني‪::‬ه الفقي‪:‬ه في اس‪::‬تخراج‬
‫حكم هذه النازلة‪ ،‬ولذا كان السلف يتحرجون من الفتوى ويسألون هل نزلت؟‬
‫(‬
‫أو أنها سميت نازلة لمالحظة معنى الحلول‪ ،‬فهي مسألة نازلة يجهل حكمها تحل بالفرد أو الجماعة (‪.)4‬‬
‫ثانيا ـ مصطلحات أخرى‪:‬‬
‫من المصطلحات التي تطلق على هذا النوع من األحكام الفقهية‪:‬‬
‫الفتاوى‪:‬‬
‫وهي أشهر المصطلحات وأقدمها وأفضلها‪ ،‬فقد ذكر في القرآن الكريم‪ :‬في مواضع‪ :‬مختلفة منها قوله تعالى‪:‬‬
‫ن﴾(‪)5‬‬‫َك فِي النِّ َسا ِء قُ ِل هَّللا ُ يُ ْفتِي ُك ْم فِي ِه َّ‬
‫﴿ َويَ ْستَ ْفتُون َ‪:‬‬
‫وقد عرفه الحطاب من المالكية بقـوله‪( :‬هي اإلخبار بحكم شـرعي ال على وجه اإللـزام)(‪)6‬‬
‫وعرّفه القرافي عند بيانه الفـرق بين الفتوى وبين الحكم فقال‪( :‬فأم‪::‬ا الفتـوى فهـي إخبـار عـن هللا تع‪::‬الى‬
‫وبيان ذلك أن المفتي مع هللا كالمترجم مع القاضي)(‪)7‬‬
‫والعالقة بينها وبين فقه النوازل عالقة عم‪::‬وم وخص‪::‬وص‪ ،‬ف‪::‬الفتوى‪ :‬أعم من فق‪::‬ه الن‪::‬وازل‪ ،‬ذل‪::‬ك أن المف‪::‬تي‬
‫يتعرض لكل المس‪:‬ائل س‪:‬واء م‪:‬ا ك‪:‬ان منه‪:‬ا حادث‪:‬ا أو م‪:‬ا لم يكن‪ ،‬وله‪:‬ذا نج‪:‬د من أهم مص‪:‬ادر فق‪:‬ه الن‪:‬وازل الكتب‬
‫المختص‪::‬ة بالفت‪::‬اوى كفت‪::‬اوى‪ :‬ابن تيمي‪::‬ة‪ ،‬والفت‪::‬اوى‪ :‬الهندي‪::‬ة‪ ،‬وفت‪::‬اوى‪ :‬ابن حج‪::‬ر الهيثمي‪ ،‬وفت‪::‬اوى الش‪::‬يخ عليش‪،‬‬
‫وغيرها كثير‪.‬‬
‫المسائل‪ ،‬أو األسئلة‪:‬‬
‫ك ع َِن اأْل َ ِهلَّ ِة قُ‪:‬لْ ِه َي‬
‫وهي مثل الفتاوى‪ ،‬وقد‪ :‬ذكرت في القرآن الكريم ك‪:‬ذلك كث‪:‬يرا كقول‪:‬ه تع‪:‬الى‪ ﴿ :‬يَ ْس‪:‬أَلُونَ َ‬

‫‪ )(1‬لسان العرب‪ ،‬ابن منظور‪ ،‬دار صادر – بيروت‪ ،‬ج‪ ،11‬ص‪.658‬‬


‫‪ )(2‬معجم لغة الفقهاء‪ ،‬محمد رواس قلعجي وحامد صادق قنيبي‪ ،‬دار النفائس للطباع‪:‬ة والنش‪:‬ر والتوزي‪:‬ع‪ ،‬ط‪ 1408 :،2‬هـ‪،‬‬
‫ص‪.471‬‬
‫‪ )(3‬بكر أبو زيد‪ ،‬فقه النوازل‪ ،‬بيروت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ص‪.8‬‬
‫‪ )(4‬سبل االستفادة من النوازل والعمل الفقهي في التطبيقات المعاصرة‪ ،‬الدكتور عبد هللا الشيخ المحفوظ بن بيه‪ ،‬مجلة مجمع‬
‫الفقه اإلسالمي التابع لمنظمة المؤتمر اإلسالمي بجدة‪ ،‬ع‪ 11‬ج‪ 2‬ص‪.533‬‬
‫‪ )(5‬سورة النساء‪.127 :‬‬
‫‪ )(6‬مواهب الجليل‪ ،‬الحطاب‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ط‪ ،1992 ،3‬ج ‪ ،1‬ص‪.32‬‬
‫‪ )(7‬الفروق‪ ،‬القرافي‪ ،‬بيروت‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص‪.89‬‬
‫‪5‬‬
‫َو ْال َح ِّ‬
‫ج﴾(‪)1‬‬ ‫يت لِلنَّ ِ‬
‫اس‬ ‫َم َواقِ ُ‬
‫وسميت بذلك ألنها أسئلة يطرحه‪:‬ا‪ :‬المس‪::‬تفتون على المف‪::‬تين‪ ،‬ومن المؤلف‪::‬ات في ه‪::‬ذا‪ :‬مس‪::‬ائل القاض‪::‬ي أبي‬
‫الوليد بن رشد‪.‬‬
‫وقد سميت كذلك في مراجع أخرى باألجوبة‪ ،‬أو الجوابات‪ ،‬وهي تسمية لبعض علماء األندلس ألنها مسائل‬
‫أجاب عنها العلماء بطلب من الناس‪.‬‬
‫ثالثا ـ أهمية فقه النوازل‪:‬‬
‫الشك في اعتبار فقه النوازل من أهم الفروع الفقهية وأشدها ص‪::‬عوبة‪ ،‬ذل‪::‬ك أنه‪:‬ا محاول‪:‬ة لتط‪:‬بيق‪ :‬الش‪:‬ريعة‬
‫اإلسالمية في حياة الناس‪ ،‬واإلجابة على اإلشكاالت التي تعرض لهم‪ ،‬بل هو فوق ذلك محاولة للبحث عن الب‪::‬دائل‬
‫المناسبة لتيسير ممارسة الحياة وفق الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫وقد ذكر الباحثون في هذا الباب الكثير من الفوائد المبينة ألهمية هذا الجانب‪ ،‬نذكر منها(‪:)2‬‬
‫‪ - 1‬البحث فيها يبرهن على صدق اإلسالم وخلوده وصالحيته للقيادة والريادة في هذه الحياة‪.‬‬
‫‪ - 2‬بيان ما يمتاز به الفقه اإلسالمي عن غيره من التش‪::‬ريعات البش‪::‬رية بثروت‪::‬ه الهائل‪::‬ة‪ ،‬وتنوع‪::‬ه الش‪::‬امل‪،‬‬
‫وقواعده المحكمة وعطائه المتواصل مما يستوجب‪ :‬االهتمام به علما وعمال‪ ،‬دراسة وتطبيقا‪.‬‬
‫‪ - 3‬بحثها يعطي إمكانية االطالع على الجهود الفقهية العظيمة في كل عصر من العصور‪ :‬اإلسالمية والتي‬
‫واجهت كل طارئ وجديد‪ ،‬وكيف‪ :‬أن الفقه اإلسالمي نجح في مواجهة تلك اإلشكاالت الواقعية‪ ،‬الميدانية‪ ،‬في حياة‬
‫الناس اليومية‪ ،‬وأنه لم يقف يوما جامدا عاجزاً عن مواجهة تطورات‪ :‬الحياة ومشاكلها‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن لفقه النوازل أهمية كبرى تتصل بصفة النوازل الواقعية التي تعرض لنا ص‪::‬ورا من المجتم‪::‬ع ال‪::‬ذي‬
‫وقعت فيه تلك النوازل من الناحية الفكرية واالجتماعية والسياسية واالقتصادية والتاريخية واألدبية(‪:)3‬‬
‫فمن الناحية الفكرية‪ :‬يعرفنا‪ :‬فقه النوازل بالعالقة بين المذاهب الفقهية‪ ،‬ويظه‪:‬ر‪ :‬ذل‪::‬ك من خالل المن‪::‬اظرات‬
‫والمناقشات العلمية التي كانت تدور بين علماء المذاهب في أثناء التعرض لنازلة من النوازل‪.‬‬
‫ومن الناحي ة االجتماعية‪ :‬تق‪::‬دم الن‪::‬وازل الكث‪::‬ير من اإلش‪::‬ارات إلى أح‪::‬وال المجتم‪::‬ع اإلس‪::‬المي في منطق‪::‬ة‬
‫النازلة‪ ،‬األمر الذي يجعل منها مصدرا وثيقا لعالم االجتماع مثلما هو للفقيه والعالم‪.‬‬
‫ل‪:‬ذا نج‪:‬د كث‪:‬يرا من الم‪:‬ؤرخين ق‪:‬د انص‪:‬رف‪ :‬إلى مص‪:‬نفات الن‪:‬وازل والفت‪:‬اوى‪ :‬لدراس‪:‬تها واس‪:‬تنباط ظ‪:‬واهر‪:‬‬
‫اجتماعي‪::‬ة منه‪:‬ا واس‪:‬تنتاج‪ :‬إف‪:‬ادات تاريخي‪:‬ة‪ ،‬ومن ه‪::‬ؤالء المستش‪::‬رق الفرنس‪::‬ي ج‪:‬اك ب‪:‬ارك ال‪::‬ذي اعت‪:‬نى بن‪::‬وازل‬
‫المازوني‪ -‬الذي استفاد كثيرا من كتب فقه النوازل إلبراز‪ :‬جوانب اجتماعية للمغرب في عصر هذه النوازل‪.‬‬
‫ومن الناحية األدبية‪ :‬فإن لفقه النوازل فوائد عظيمة‪ ،‬فقد تحتوي‪ :‬األس‪::‬ئلة واألجوب‪::‬ة عن تل‪::‬ك الن‪::‬وازل على‬
‫قطع أدبية بليغة أو شعر نادر استشهد به‪ ،‬كما أنها تحافظ‪ :‬لنا على لغة الفقه والفقهاء األدبية الرائعة‪.‬‬
‫ومن الناحية السياسية‪ :‬تنقل هذه النوازل صورة واقعية لحوادث تاريخية تمس ذلك المجتم‪::‬ع ال‪::‬ذي وقعت‬
‫فيه النازلة في السلم والحرب مما قد يفيد السياسي في دراسته ومما يعينه في فهم كثير من أحداث الزمان‪.‬‬
‫ومن الناحي ة االقتص ادية‪ :‬تق‪::‬دم الن‪::‬وازل جمل‪::‬ة من الص‪::‬ور‪ :‬عن الحال‪::‬ة االقتص‪::‬ادية ال‪::‬تي تم‪::‬ر به‪::‬ا البالد‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وعن الملكي‪::‬ة والتج‪::‬ارة والبن‪::‬وك وه‪::‬ذا كل‪::‬ه يمكن معرفت‪::‬ه من خالل تل‪::‬ك الن‪::‬وازل والمس‪::‬ائل المتعلق‪::‬ة‬
‫بالمواضيع‪ :‬االقتصادية‪ ،‬كطغيان البنوك الربوية على واقع المسلمين اليوم وكثرة األسئلة التي يطرحه‪:‬ا‪ :‬المس‪::‬لمون‬
‫ويطرحها الواقع المر الذي يتخبط‪ :‬فيه الج‪::‬انب االقتص‪::‬ادي في المجتمع‪::‬ات المس‪::‬لمة‪ ،‬ومش‪::‬كلة ال‪::‬ديون ال‪::‬تي تتعب‬
‫كاهل الدول اإلسالمية وغيره‪::‬ا من المواض‪::‬يع‪ :‬االقتص‪::‬ادية ال‪::‬تي تحت‪::‬اج إلى فق‪::‬ه واجته‪::‬اد في نوازله‪:‬ا‪ :‬وواقعاته‪::‬ا‬
‫المريرة‪.‬‬

‫‪ )(1‬سورة البقرة‪.189 :‬‬


‫‪ )(2‬انظر‪ :‬الضوابط الشرعية لبحث القضايا المعاصرة في الرسائل العلمية‪ ،‬مجموعة من الباحثين‪ ،‬بحث مقدم لمؤتمر (الدراس‪::‬ات‬
‫العليا ودورها في خدمة المجتمع)‪ ،‬والمنعقد بتاريخ ‪ 19/4/2011‬في الجامعة اإلسالمية – غزة‪ ،‬دت‪ ،‬دط‪ ،‬ص‪ ،7‬فما بعدها‪.‬‬
‫‪ )(3‬انظر هذه الفوائد وغيرها في‪ :‬د‪.‬عبد الحق بن أحمد حميش‪ ،‬مدخل إلى فقه النوازل‪ ،‬دت‪ ،‬دط‪ ،‬ص‪ ،15‬فما بعدها‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫ومن الناحية التاريخية‪ :‬تقدم النوازل أحداثا تاريخية وقعت لألمة اإلسالمية ونزلت بها وتم الجواب عنه‪::‬ا‪،‬‬
‫وتقدم أحيانا أحداثا أغفلها المؤرخون الذين ينصب اهتمامهم غالبا بالشؤون السياسية وما يتصل بالحكام واألم‪::‬راء‬
‫ومثال عن ذلك ما يحدث اليوم في أفغانستان من تقاتل بين الفصائل األفغانية‪ ،‬أو مث‪::‬ل الح‪::‬رب العراقي‪::‬ة اإليراني‪::‬ة‬
‫التي وقعت في الثمانينيات أو اجتياح العراق للك‪::‬ويت وم‪::‬ا ت‪::‬رتب علي‪::‬ه من اس‪::‬تعانة بالكف‪::‬ار‪ ،‬وم‪::‬ا ح‪::‬دث ويح‪::‬دث‬
‫إلخواننا‪ :‬المسلمين في يوغسالفيا من اضطهاد‪ :‬واغتصاب وما يستلزم‪ :‬ذلك من فقه واجتهاد يجيب عن تلك الش‪::‬دائد‬
‫والنوازل‪ :‬التي تنزل باألمة اإلسالمية في عصورها‪ :‬المتتالية‪.‬‬
‫‪ - 5‬ومن فوائد فقه النوازل ذلك األثر العلمي الذي تخلفه هذه اإلجابات ألنها تحفظ لنا مس‪::‬ائل واجته‪::‬ادات‬
‫العلماء بنصها لتكون سجال للفتوى والقضاء ومرجعا‪ :‬مهما للمهتمين بها من أهل االختص‪::‬اص ال يمكن االس‪::‬تغناء‬
‫عنها بحال‪.‬‬
‫‪ - 6‬كما أن فقه النوازل يعرفنا بأسماء المعة من العلماء المجتهدين المفتيين‪ ،‬الذين تصدوا‪ :‬له‪::‬ذه الن‪::‬وازل‪،‬‬
‫وكيف‪ :‬أنهم بذلوا الجهد والوسع للوصول إلى الحكم الشرعي وذلك باتباع أصول االجتهاد دون تعصب أو هوى‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫المبحث األول‬
‫المنهج االستداللي‬
‫يمكن تعريف المنهج االستداللي‪ :‬بما عرف به العلماء الفقه نفسه‪ ،‬وهو أنه (العلم باألحكام الش‪::‬رعية العملي‪::‬ة‬
‫المكتسبة من أدلتها التفصيلية‪ ،‬أو هو مجموعة من األحكام الشرعية العلمية المستفادة من أدلتها التفصيلية)(‪)1‬‬
‫ففي هذا التعريف نالح‪::‬ظ أن األحك‪::‬ام الش‪::‬رعية تس‪::‬تنبط‪ :‬من األدل‪::‬ة التفص‪::‬يلية‪ ،‬وهي األدل‪::‬ة المس‪::‬تنبطة من‬
‫المصادر‪ :‬الكبرى للتشريع اإلسالمي من الكتاب والسنة واإلجماع والقياس وغيرها‪.‬‬
‫يق‪::‬ول ال‪::‬دهلوي‪( :‬حقيق‪::‬ة االجته‪::‬اد ‪ -‬على م‪::‬ا يفهم من كالم العلم‪::‬اء ‪ -‬اس‪::‬تفراغ الجه‪::‬د في إدراك األحك‪::‬ام‬
‫الشرعية الفرعية من أدلتها التفصيلية الراجعة كلياتها إلى أربعة أقس‪::‬ام‪ :‬الكت‪::‬اب والس‪::‬نة واإلجم‪::‬اع‪ :‬والقي‪::‬اس ويفهم‬
‫من هذا أنه أعم من أن يكون استفراغا في إدراك حكم ما سبق التكلم فيه من العلماء السابقين أو ال وافقهم‪ :‬في ذل‪::‬ك‬
‫أو خالف )(‪)2‬‬
‫ولذلك فإن هذا المنهج يعتمد أصحابه في استنباط األحكام الش‪:‬رعية على تل‪::‬ك المص‪::‬ادر األص‪::‬لية والتبعي‪::‬ة‬
‫من غير نظر أو اهتمام لما توصل إليه غيرهم من الفقهاء من أص‪::‬حاب الم‪::‬ذاهب أو غ‪::‬يرهم‪ ،‬ب‪::‬ل يعت‪::‬برون‪ :‬التقي‪::‬د‬
‫بأقوال‪ :‬الفقهاء وااللتزام‪ :‬بها من غير نظر في األدلة بدعة حادثة في الملة ال يستحق‪ :‬صاحبها أن يوصف بالمجته‪::‬د‬
‫وال الفقيه‪ ،‬وال يحق له بالتالي أن يتصدر‪ :‬لمنصب اإلفتاء إال على سبيل النقل لقول غيره‪.‬‬
‫وأصحاب هذا المنهج إذا عرضت لهم حادثة يبدؤون أوال بالنظر‪ :‬فيما ورد حولها في المصدرين األساسيين‬
‫للدين من الكتاب والسنة‪.‬‬
‫وربما يكون هذا هو موضع‪ :‬االتفاق الوحيد بينهم (‪ ،)3‬ذلك أن لكل منهم بعد ذلك مصادره الخاصة به‪ ،‬والتي‬
‫يؤسس عليها رؤيته لالستنباط‪ :‬من مصادر‪ :‬الشريعة‪.‬‬
‫ويبدأ الخالف من اعتبار اإلجماع أو عدم اعتب‪::‬اره‪ ،‬وفي‪ :‬ح‪::‬ال اعتب‪::‬اره يحص‪::‬ل الخالف الطوي‪::‬ل أيض‪::‬ا في‬
‫كون المسألة التي ادعي فيها االجماع مجمع عليها حقيقة أم ال‪ ،‬فال يهم أصحاب هذا المنهج أن يقفوا م‪::‬ع جم‪::‬اهير‪:‬‬
‫الفقهاء أو يخالفوهم‪ ،‬ألن العبرة عندهم بالدليل‪ ،‬ال بكثرة الفقهاء أو قلتهم‪. )4( :‬‬
‫ثم يتسلسل الخالف بعد ذلك في اعتبار ما يطلق عليه باألدلة المختلف فيه‪::‬ا كاالستحس‪::‬ان وش‪::‬رع من قبلن‪::‬ا‪،‬‬
‫وغيرها‪ ،‬فإن أداهم االجتهاد إلى صحة شيء منها أفتوا به‪ ،‬وإن تعارضت عندهم األدلة ف‪::‬إنهم‪ :‬يفت‪::‬ون بم‪::‬ا ي‪::‬ترجح‬
‫لديهم منها‪.‬‬
‫وهذا المنهج ينتقد بشدة سائر المناهج‪ ،‬وخاص‪::‬ة المن‪::‬اهج ال‪::‬تي تعتم‪::‬د التقلي‪::‬د‪ ،‬أو تعتم‪::‬د ال‪::‬رأي المج‪::‬رد‪ ،‬أو‬
‫تعتمد أحوال المكلفين من التيسير‪ :‬والتشديد ومراعاة المصالح ونحو ذلك‪ ،‬ألنها تعت‪::‬بر أن األص‪::‬ل في الفت‪::‬وى ه‪::‬و‬
‫اإلخبار عن مراد هللا من عباده‪ ،‬وهذا المراد ال يمكن التعرف عليه إال من المصادر األصلية أو ما انبنى عليها‪.‬‬
‫انطالقا من هذه الخالصة المختصرة للرؤية العامة ألصحاب هذا المنهج‪ ،‬نحاول هنا باختصار أن نتع‪::‬رف‬
‫على كبار ممثليه من أعالم الفقه‪::‬اء‪ ،‬ثم على األدل‪::‬ة ال‪::‬تي يعتم‪::‬دون عليه‪::‬ا في التأس‪::‬يس لمنهجهم‪ ،‬ثم على اآللي‪::‬ات‬
‫العملية التي يعتمدونها‪ :‬في الفتوى‪.‬‬
‫أوال ـ أعالمه‪:‬‬
‫‪ )(1‬علم أصول الفقه وخالصة تاريخ التشريع‪ ،‬عبد الوهاب خالف‪ ،‬مطبعة المدني‪ ،‬المؤسسة السعودية بمصر‪ ،‬ص‪.13‬‬
‫‪ )(2‬عقد الجيد في أحكام االجتهاد والتقليد‪ ،‬أحمد بن عبد الرحيم المعروف بـ «الشاه ولي هللا الدهلوي»‪ ،‬تحقيق‪ :‬محب ال‪::‬دين‬
‫الخطيب‪ ،‬المطبعة السلفية ‪ -‬القاهرة (ص‪.)3 :‬‬
‫‪ )(3‬بل هم يختلفون أيضا في هذا من حيث آليات االستنباط كم‪::‬ا ه‪:‬و مع‪:‬روف في مظان‪::‬ه من كتب أص‪:‬ول الفق‪:‬ه‪ ،‬وكم‪:‬ا ذك‪:‬ر‬
‫العلماء ذلك بتفصيل في الكتب التي بينت أسباب خالف الفقه‪::‬اء‪ ،‬ومن أهمه‪::‬ا‪ :‬أس‪::‬باب اختالف الفقه‪::‬اء‪ ،‬د‪ .‬عب‪::‬د هللا بن عب‪::‬د المحس‪::‬ن‬
‫التركي‪ ،‬تقديم ‪ :‬حسن بن عبد هللا آل الشيخ وعبد الرزاق عفيفي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪ 1431 ،3‬هـ ‪ 2010 /‬م‪.‬‬
‫‪ )(4‬انظر تفاصيل الخالفات الواردة حول اإلجماع في كتب أصول الفقه‪ ،‬وكمث‪:‬ال على ذل‪:‬ك‪ :‬أص‪:‬ول الفق‪:‬ه‪ ،‬محم‪:‬د بن مفلح‪،‬‬
‫أبو عبد هللا الصالحي الحنبلي (المتوفى‪763 :‬هـ)‪ ،‬حققه وعلق عليه وقدم له‪ :‬الدكتور فهد بن محمد َّ‬
‫الس‪:‬د ََحان‪ ،‬مكتب‪::‬ة العبيك‪::‬ان‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪ 1420‬هـ ‪ 1999 -‬م‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ ،366‬فما بعدها‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫ليس من الصعب التعرف على العلماء الذين يتبنون هذا المنهج‪ ،‬ذلك أنهم جميعا كتبوا أو صرحوا بم‪::‬ا ي‪::‬دل‬
‫على ضرورة العودة إلى االجتهاد وعدم غلق بابه‪ ،‬وعلى النهي عن التقليد وخاصة إذا تعارض التقليد م‪::‬ع النص‪،‬‬
‫ولكنا مع ذلك نذكر كبار من يتبنون هذا المنهج ابتداء من العصر األول إلى عصرنا‪:‬‬
‫أوال ـ أعالم القرون الفاضلة األولى من الصحابة والتابعين وت‪::‬ابعيهم وأئم‪::‬ة الم‪::‬ذاهب الفقهي‪::‬ة وغ‪::‬يرهم من‬
‫الفقهاء الذين لم يكن لهم من التالميذ من ينشر آراءهم ومذاهبهم‪ ،‬ف‪::‬أبو‪ :‬حنيف‪::‬ة ك‪::‬ان يق‪::‬ول‪( :‬إذا ص‪::‬ح الح‪::‬ديث فه‪::‬و‬
‫مذهبي) (‪)1‬‬
‫واإلمام أحمد كان يقول‪( :‬ال تقلدني وال تقلد مالكا وال الثوري‪ :‬وال األوزاعي وخذ من حيث أخذوا) (‪)2‬‬
‫والشافعي‪ :‬كان يقول‪( :‬إذا صح الحديث فاضربوا‪ :‬بقولي الحائط‪ ،‬وإذا رأيت الحجة موضوعة على الطري‪::‬ق‬
‫فهي قولي)(‪.)3‬‬
‫وقال الم‪::‬زني ص‪::‬احب الش‪::‬افعي في أول مختص‪::‬ره‪( :‬اختص‪::‬رت ه‪::‬ذا من علم الش‪::‬افعي‪ ،‬ومن مع‪::‬نى قول‪::‬ه‪،‬‬
‫ألقربه على من أراده‪ ،‬مع إعالمية نهيه عن تقليده وتقليد غيره ‪،‬لينظر‪ :‬فيه لدينه ويحتاط فيه لنفسه)(‪)4‬‬
‫أما ابن حزم‪ ،‬وهو من أكبر أعالم المذهب الظاهري‪ ،‬فقد كان من كبار المتشددين على المقل‪::‬دين‪ ،‬وخاص‪::‬ة‬
‫مقلدي المذاهب األربعة‪ ،‬وحصلت بينه وبينهم‪ :‬مناظرات‪ ،‬بل حصلت له بسبب ذلك محنة(‪.)5‬‬
‫وقد عاتب في كتابه (اإلحكام في أصول األحكام) المقل‪::‬دين ألئم‪::‬ة الم‪::‬ذاهب عتاب‪::‬ا ش‪::‬ديدا‪ ،‬وعن‪::‬دما وص‪::‬لت‬
‫نوبة الحديث إلى الظاهرية‪ ،‬قال‪ ( :‬وأما أصحاب الظاهر فهم أبعد الناس من التقليد‪ ،‬فمن قلد أح‪:‬دا مم‪:‬ا ي‪:‬دعي أن‪:‬ه‬
‫منهم فليس منهم‪ ،‬ولم يعصم أحد من الخطأ‪ ،‬وإنما يالم من اتبع قوال ال حجة عنده به‪ ،‬وألوم من هذا من اتبع ق‪::‬وال‬
‫وضح البرهان على بطالنه‪ ،‬فتمادى‪ :‬ولج في غي‪:‬ه‪ ،‬وباهلل تع‪::‬الى التوفي‪::‬ق‪ ،‬وأل‪::‬وم من ه‪:‬ذين وأعظم جرم‪::‬ا من يقيم‬
‫على قول يقر أنه حرام‪ ،‬وهم المقلدون الذين يقلدون ويقرون أن التقليد حرام‪ ،‬ويتركون أوام‪:‬ر الن‪:‬بي ‪ ‬ويق‪:‬رون‬
‫أنها صحاح‪ ،‬وأنها حق‪ ،‬فمن أضل من هؤالء‪ ،‬نعوذ باهلل من الخذالن ونسأله الهدى والعص‪:‬مة فك‪::‬ل ش‪::‬يء بي‪::‬ده ال‬
‫إله إال هو) (‪)6‬‬
‫ثانيا ‪ -‬بعض أتباع المذاهب األربعة وغيرهم من الذين لم يمنعهم‪ :‬انتماؤهم في الظاهر لمذاهبهم عن التش‪::‬دد‬
‫مع المقلدين‪ ،‬ذلك أن اتباعهم للمذاهب ليس على سبيل التقليد‪ ،‬وإنما على سبيل االتباع‪.‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك ابن عبد البر المالكي (ت ‪364‬ه)‪ ،‬وهو من كبار المتشددين على المقل‪::‬دين‪ ،‬وإن ك‪::‬ان‬
‫مالكي الم‪::‬ذهب‪ ،‬وق‪:‬د ض‪::‬من رأي‪::‬ه في التقلي‪::‬د قص‪::‬يدة في كتاب‪:‬ه (ج‪:‬امع بي‪:‬ان العلم وفض‪:‬له وم‪::‬ا ينبغي في روايت‪:‬ه‬
‫وحمله) جاء فيها‪:‬‬

‫‪ )(1‬ابن عابدين‪ ،‬رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير األبصار في فقه مذهب اإلم‪::‬ام األعظم أبي حنيف‪::‬ة النعم‪::‬ان‪ ،‬دار‬
‫إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪1‬ص‪.64‬‬
‫‪ )(2‬محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد هللا ابن القيم الجوزي‪:‬ة‪ ،‬إعالم الم‪:‬وقعين عن رب الع‪:‬المين‪ ،‬تحقي‪:‬ق ‪ :‬ط‪:‬ه عب‪::‬د‬
‫الرؤوف سعد‪ ،‬دار الجيل ‪ -‬بيروت‪ ،1973 ،‬ج‪ ،2‬ص‪.201‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.421‬‬
‫‪ )(4‬نقال عن‪ :‬الدرر السنية في األجوبة النجدية‪ ،‬علماء نجد األعالم‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الرحمن بن محمد بن قاسم‪ ،‬ط ‪1417 ،6‬هـ‪/‬‬
‫‪1996‬م‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.297‬‬
‫‪ )(5‬يقول ابن حيان واصفا المحنة التي تع‪::‬رض له‪::‬ا ابن ح‪::‬زم‪( :‬اس‪::‬تهدف إلى فقه‪::‬اء وقت‪::‬ه‪ ،‬فت‪::‬ألّبوا على بغض‪::‬ه‪ ،‬ور ّد قول‪::‬ه‪،‬‬
‫وأجمعوا على تضليله‪ ،‬وشنّعوا عليه‪ ،‬وح‪:ّ :‬ذروا س‪::‬الطينهم من فتنت‪::‬ه‪ ،‬ونه‪::‬وا أع‪::‬وامهم عن ال‪::‬دن ّو إلي‪::‬ه‪ ،‬واألخ‪::‬ذ عن‪::‬ه‪ ،‬فطف‪::‬ق المل‪::‬وك‬
‫يقصونه عن قربهم‪ ،‬ويسيّرونه عن بالدهم‪ ،‬إلى أن انتهوا به‪ ،‬منقطع أثره بتربة بلده من بادي‪::‬ة لبل‪::‬ة‪ ،‬وبه‪::‬ا ت‪::‬وفي غ‪::‬ير راج‪::‬ع إلى م‪::‬ا‬
‫يبث علمه فيمن ينتابه بباديته‪ :‬من عا ّمة المقتبسين منه من أصاغر الطلبة الذين ال يحسّون في‪::‬ه المالم‪::‬ة بح‪::‬داثتهم‪ ،‬ويفقّههم‬ ‫أرادوا‪ ،‬به ّ‬
‫ويدرسهم‪ ،‬وال يدع‪ :‬المثابرة على العلم والمواظبة على التأليف واإلكث‪:‬ار من التص‪::‬نيف ح‪::‬تى كم‪::‬ل من مص‪:‬نّفاته في فن‪:‬ون العلم وق‪:‬ر‬
‫بعير‪ ،‬حتى ألحرق بعضها بإشبيلية) (انظر‪ :‬اإلحاطة في أخبار غرناطة‪ ،‬محمد بن عبد هللا الغرناطي األندلس‪ ،‬أبو عب‪::‬د هللا‪ ،‬الش‪::‬هير‬
‫بلسان الدين ابن الخطيب‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1424 ،‬هـ‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪.91‬‬
‫‪ )(6‬اإلحكام في أصول األحكام‪ ،‬أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم ألندلسي القرطبي الظاهري‪ ،‬تحقيق‪ :‬الشيخ أحم‪::‬د‬
‫محمد شاكر‪ ،‬دار اآلفاق الجديدة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.120‬‬
‫‪9‬‬
‫خذ عني الج‪::‬واب بفهم لب‬ ‫يا سائلي عن موضع التقليد‬
‫حاضر‪:‬‬
‫واحف‪::::::‬ظ علي ب‪::::::‬وادري‬ ‫واص‪::::::‬غ إلى ق‪::::::‬ولي ودن‬
‫ون‪::::::::::::::::::::::::::::::::::::::‬وادري‬ ‫بنص‪::::::::::::::::::::::::::::::::::::::‬يحتي‬
‫تنق‪:::::::::‬اد بين جن‪:::::::::‬ادل‬ ‫ال ف‪::‬رق بين مقل‪::‬د وبهيم‪::‬ة‬
‫ودع‪::::::::::::::::::::::::::::::::::::‬اثر(‪)1‬‬
‫ومنهم العز بن عبد السالم‪ ،‬والذي كان شافعي المذهب‪ ،‬ومع ذلك كان يتعجب من المقلدين الذين يعرضون‬
‫عن األدل‪::‬ة‪ ،‬ويكتف‪::‬ون بم‪::‬ا ذهب إلي‪::‬ه أئمتهم‪ ،‬ومن تص‪::‬ريحاته في ذل‪::‬ك قول‪::‬ه‪( :‬ومن العجب العجيب أن الفقه‪::‬اء‬
‫المقلدين يقف أحدهم على ضعف مأخذ إمامه بحيث ال يجد لضعفه مدفعا ومع ه‪::‬ذا يقل‪::‬ده في‪::‬ه‪ ،‬وي‪::‬ترك من الكت‪::‬اب‬
‫والسنة واألقيسة الصحيحة لمذهبه جمودا على تقلي‪::‬د إمام‪::‬ه‪ ،‬ب‪::‬ل يتحل‪::‬ل ل‪::‬دفع ظ‪::‬واهر الكت‪::‬اب والس‪::‬نة‪ ،‬ويتأولهم‪::‬ا‬
‫بالتأويالت‪ :‬البعيدة الباطلة نضاال عن مقلده‪ ،‬وقد رأيناهم يجتمع‪::‬ون في المج‪::‬الس ف‪::‬إذا ذك‪::‬ر ألح‪::‬دهم في خالف م‪::‬ا‬
‫وظن نفسه عليه تعجب غاية التعجب من استرواح إلى دليل بل لما ألفه من تقليد إمامه حتى ظن أن الحق منحصر‪:‬‬
‫في مذهب إمامه أولى من تعجبه من مذهب غيره)(‪)2‬‬
‫ثم ذكر حال الفقهاء في عصره وغيره‪ ،‬فقال‪( :‬ف‪::‬البحث م‪::‬ع ه‪::‬ؤالء ض‪::‬ائع مفض إلى التق‪::‬اطع والت‪::‬دابر‪ :‬من‬
‫غير فائدة يجديها‪ ،‬وما رأيت أحدا رجع عن مذهب إمامه إذا ظهر له الح‪::‬ق في غ‪::‬يره ب‪::‬ل يص‪::‬ير‪ :‬علي‪::‬ه م‪::‬ع علم‪::‬ه‬
‫بضعفه وبعده‪ ،‬فاألولى ترك البحث مع هؤالء الذين إذا عج‪:‬ز أح‪:‬دهم عن تمش‪::‬ية م‪:‬ذهب إمام‪:‬ه ق‪::‬ال‪ :‬لع‪::‬ل إم‪:‬امي‬
‫وقف‪ :‬على دليل لم أقف عليه ولم أهتد إليه‪ ،‬ولم يعلم المسكين أن ه‪:‬ذا مقاب‪:‬ل بمثل‪:‬ه ويفض‪:‬ل لخص‪:‬مه م‪:‬ا ذك‪:‬ره من‬
‫الدليل الواضح والبرهان الالئح‪ ،‬فسبحان هللا ما أكثر من أعمى التقليد بصره حتى حمله على مثل م‪::‬ا ذك‪::‬ر‪ ،‬وفقن‪::‬ا‬
‫هللا التباع الحق أين ما كان وعلى لسان من ظهر)(‪)3‬‬
‫ثم قارن ذلك الوضع بما كان عليه السلف الص‪:‬الح‪ ،‬فق‪:‬ال‪ ( :‬وأين ه‪:‬ذا من من‪:‬اظرة الس‪:‬لف ومش‪:‬اورتهم في‬
‫األحكام ومسارعتهم إلى اتباع الحق إذا ظهر على لسان الخص‪::‬م‪ ،‬وق‪::‬د نق‪::‬ل عن الش‪::‬افعي رحم‪::‬ه هللا أن‪::‬ه ق‪::‬ال‪ :‬م‪::‬ا‬
‫ناظرت أحدا إال قلت اللهم أجر الحق على قلبه ولسانه‪ ،‬فإن كان الحق معي اتبعني وإن كان الحق معه اتبعته) (‪)4‬‬
‫ثالثا ‪ -‬ظهر في العصور التي ترسخ فيه‪::‬ا التقلي‪::‬د بعض األعالم الكب‪::‬ار ال‪::‬ذين دع‪::‬وا إلى الع‪::‬ودة إلى ال‪::‬دليل‬
‫وترك‪ :‬التقليد‪ ،‬وقد كان من كبار هؤالء ابن تيمية‪ ،‬فقد ألف الكتب والرسائل الكثيرة في الرد على التقليد‪ ،‬بل ك‪::‬انت‬
‫له اجتهاداته الكثيرة في الفتوى‪ ،‬والتي جعلته يواجه الكثير من فقهاء المذاهب بسببها‪.‬‬
‫وقد ذكر في الفتاوى‪ :‬الكبرى بعض الجهد الذي بذله في ذل‪:‬ك‪ ،‬واألق‪::‬وال ال‪::‬تي انف‪::‬رد به‪::‬ا عن أه‪:‬ل عص‪::‬ره‪،‬‬
‫فحصل له بسببها من المحن‪:‬ة م‪:‬ا حص‪:‬ل‪( :‬ومن أقوال‪:‬ه المعروف‪:‬ة المش‪:‬هورة ال‪:‬تي ج‪:‬رى بس‪:‬بب اإلفت‪:‬اء به‪:‬ا محن‬
‫وقالقل‪ :‬قوله‪ :‬بالتكفير في الحلف بالطالق‪ ،‬وأن الطالق الثالث ال يقع إال واحدة‪ ،‬وأن الطالق المحرم ال يق‪:‬ع‪ ،‬ول‪:‬ه‬
‫في ذلك مصنفات ومؤلفات‪ .‬منها قاعدة كبيرة سماها‪( :‬تحقيق الفرقان بين التطليق‪ :‬واأليمان)‪ .‬نحو أربعين كراسة‪.‬‬
‫وقاعدة سماها‪( :‬الفرق بين الطالق واليمين)‪ .‬بق‪::‬در نص‪::‬ف ذل‪::‬ك‪ .‬وقاع‪::‬دة في (أن جمي‪::‬ع أيم‪::‬ان المس‪::‬لمين مكف‪::‬رة)‬
‫مجلد لطي‪:‬ف‪ .‬وقاع‪::‬دة في تقري‪::‬ر أن الحل‪::‬ف ب‪::‬الطالق من األيم‪:‬ان حقيق‪:‬ة‪ .‬وقاع‪::‬دة س‪::‬ماها‪( :‬التفص‪::‬يل بين التكف‪::‬ير‬
‫والتحليل)‪ .‬وقاعدة سماها‪( :‬اللمعة)‪ ،‬وغير ذلك من القواعد واألجوبة في ذلك ال تنحصر وال تنضبط) (‪)5‬‬
‫وقريب منه الشاطبي (ت ‪ )790‬الذي لم يمنعه انتماؤه للمذهب المالكي من التصريح بض‪::‬رورة الع‪::‬ودة إلى‬

‫‪ )(1‬جامع بيان العلم وفضله‪ ،‬أبو عمر يوسف عبد البر النمري القرطبي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أبي األش‪::‬بال الزه‪::‬يري‪ ،‬دار ابن الج‪::‬وزي‪،‬‬
‫المملكة العربية السعودية‪ ،‬ط‪ 1414 ،1‬هـ ‪ 1994 -‬م‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.988‬‬
‫‪ )(2‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السالم‪ ،‬راجعه وعلق عليه‪ :‬طه عب‪::‬د ال‪::‬رؤوف‬
‫سعد‪ ،‬مكتبة الكليات األزهرية ‪ -‬القاهرة‪ 1414 ،‬هـ ‪ 1991 -‬م‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.159‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،،‬ج‪ ،2‬ص‪.159‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،،‬ج‪ ،2‬ص‪.159‬‬
‫‪ )(5‬الفتاوى الكبرى‪ ،‬تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية‪ :،‬دار الكتب العلمي‪::‬ة‪ ،‬ط‪1408 : ،1‬هـ ‪1987 -‬م‪ ،‬ج‬
‫‪ ،4‬ص‪.161‬‬
‫‪10‬‬
‫الدليل وترك التقليد ألئمة المذاهب‪ ،‬يقول في (االعتصام)‪( :‬والرابع‪ :‬رأي المقلدة لمذهب إمام يزعمون أن إم‪::‬امهم‬
‫هو الشريعة‪ ،‬بحيث يأنفون أن تنسب إلى أحد من العلم‪::‬اء فض‪::‬يلة دون إم‪::‬امهم‪ ،‬وح‪::‬تى إذا ج‪::‬اءهم من بل‪::‬غ درج‪::‬ة‬
‫االجتهاد وتكلم في المسائل ولم يرتبط‪ :‬إلى إمامهم رموه بالنكير‪ ،‬وفوقوا‪ :‬إليه سهام النقد‪ ،‬وعدوه من الخارجين عن‬
‫الجادة‪ ،‬والمفارقين للجماعة‪ ،‬من غير استدالل منهم بدليل‪ ،‬بل بمجرد‪ :‬االعتياد العامي)(‪)1‬‬
‫وضرب مثاال لذلك بما حصل لبقي بن مخلد‪ ،‬فقال‪( :‬ولقد لقي اإلمام بقي بن مخل‪::‬د حين دخ‪::‬ل األن‪::‬دلس آتي‪::‬ا‬
‫من المشرق من هذا الصنف األمرين‪ ،‬حتى أصاروه مهجور‪ :‬الفناء‪ ،‬مهتضم‪ :‬الجانب‪ ،‬ألنه من العلم بما ال يدي لهم‬
‫به‪ ،‬إذ لقي بالمشرق‪ :‬اإلمام أحمد بن حنبل وأخذ عنه مصنفه وتفقه عليه‪ ،‬ولقي أيض‪::‬ا غ‪::‬يره‪ ،‬ح‪::‬تى ص‪::‬نف‪ :‬المس‪::‬ند‬
‫المصنف‪ :‬الذي لم يصنف‪ :‬في اإلسالم مثله‪ ،‬وكان هؤالء المقلدة ق‪::‬د ص‪::‬مموا‪ :‬على م‪::‬ذهب مال‪::‬ك‪ ،‬بحيث أنك‪::‬روا م‪::‬ا‬
‫عداه‪ ،‬وهذا تحكيم الرجال على الحق‪ ،‬والغلو في محبة المذهب‪ ،‬وعين اإلنصاف ت‪::‬رى أن الجمي‪::‬ع أئم‪::‬ة فض‪::‬الء‪،‬‬
‫فمن كان متبعا لمذهب مجتهد لكونه لم يبلغ درجة االجتهاد فال يضره مخالفة غير إمامه إلمامه‪ ،‬ألن الجميع سالك‬
‫على الطريق‪ :‬المكلف به‪ ،‬فقد يؤدي التغالي في التقليد إلى إنكار لما أجمع الناس على ترك إنكاره)(‪)2‬‬
‫رابعا ‪ -‬ظهر في القرون المتأخرة بعد ابن تيمية بعض األعالم الكبار ال‪::‬ذين أحي‪::‬وا ال‪::‬دعوة إلى فق‪:‬ه ال‪::‬دليل‪،‬‬
‫وكتبوا‪ :‬في ذلك المؤلفات الكثيرة‪ ،‬وتعرضوا‪ :‬لبعض المحن بسبب ذلك‪.‬‬
‫ومن كبار هذه الطبقة الشوكاني صاحب المؤلفات الكثيرة في نص‪:‬رة فق‪:‬ه االس‪:‬تدالل ب‪:‬دل فق‪:‬ه التقلي‪:‬د‪ ،‬ومن‬
‫تصريحاته في هذا الباب قوله بعد إيراده الخالف في (قول الصحابي‪ :‬هل هو حجة أم ال)‪( :‬والحق‪ :‬أنه ليس بحجة‬
‫(‪ ،)3‬فإن هللا سبحانه لم يبعث إلى هذه األمة إال نبينا محمدا ‪ ،‬وليس لنا إال رسول واحد‪ ،‬وكت‪::‬اب واح‪::‬د‪ ،‬وجمي‪::‬ع‬
‫األمة مأمورة باتباع كتابه‪ ،‬وسنة نبيه‪ ،‬وال فرق بين الصحابة وبين من بعدهم‪ ،‬في ذلك‪ ،‬فكلهم مكلف‪::‬ون بالتك‪::‬اليف‪:‬‬
‫الشرعية‪ ،‬وباتباع الكتاب والسنة‪ ،‬فمن قال‪ :‬إنها تقوم الحجة في دين هللا عز وجل بغير كت‪::‬اب هللا‪ ،‬وس‪::‬نة رس‪::‬وله‪،‬‬
‫وما يرجع إليهما‪ ،‬فقد قال في دين هللا بمالم يثبت‪ ،‬وأثبت في هذه الشريعة اإلسالمية ش‪::‬رعا لم ي‪::‬أمر هللا ب‪::‬ه‪ ،‬وه‪::‬ذا‬
‫أمر عظيم‪ ،‬وتقول بالغ‪ ،‬فمن حكم لفرد أو أفراد من عباد هللا بأن قوله‪ ،‬أو أقوالهم حجة على المسلمين يجب عليهم‬
‫العمل بها وتصير‪ :‬شرعا ثابتا متقررا تعم به البلوى‪ ،‬مما ال يدان هللا عز وجل ب‪::‬ه‪ ،‬وال يح‪::‬ل لمس‪::‬لم الرك‪::‬ون إلي‪::‬ه‪،‬‬
‫وال العمل عليه‪ ،‬فإن هذا المقام لم يكن إال لرسل هللا‪ ،‬ال‪::‬ذين أرس‪::‬لهم بالش‪::‬رائع إلى عب‪::‬اده ال لغ‪::‬يرهم‪ ،‬وإن بل‪::‬غ في‬
‫العلم والدين عظم المنزلة أي مبلغ)(‪)4‬‬
‫ثم ختم قوله‪( :‬فاعرف هذا‪ ،‬واحرص عليه‪ ،‬فإن هللا لم يجعل إليك وإلى سائر ه‪::‬ذه األم‪::‬ة رس‪::‬وال إال محم‪::‬دا‬
‫‪ ،‬ولم يأمرك باتباع غيره‪ ،‬وال شرع لك على لسان سواه من أمته حرفا واحدا‪ ،‬وال جعل شيئا من الحجة علي‪::‬ك‬
‫في قول غيره‪ ،‬كائنا من كان)(‪)5‬‬

‫‪ )(1‬االعتصام‪ ،‬إبراهيم بن موس‪::‬ى بن محم‪::‬د اللخمي الغرن‪::‬اطي الش‪::‬هير بالش‪::‬اطبي‪ ،‬تحقي‪::‬ق‪ :‬س‪::‬ليم بن عي‪::‬د الهاللي‪ ،‬دار ابن‬
‫عفان‪ ،‬السعودية‪ ،‬ط‪1412 ،1‬هـ ‪1992 -‬م‪.‬ج‪2‬ص‪.865‬‬
‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪..865‬‬
‫ك أن هذه مغاالة في ر ِّد أقوال الصحابة‪ ،‬ومن ال‪::‬واجب‬ ‫‪ )(3‬رد أبو زهرة بشدة على الشوكاني في هذه المسألة بقوله‪ ( :‬وال ش َّ‬
‫إن األئمة األعالم عندما اتبعوا أقوال الصحابة لم يجعلوا رسالةً لغير محمد ‪ ، ‬ولم يعت‪::‬بروا ح َّجةً في غ‪::‬ير الكت‪::‬اب‬ ‫علينا أن نقول ‪َّ :‬‬
‫والكت‪:‬اب واح‪ٌ :‬د‪ ،‬ولكنهم‬ ‫َ‬ ‫والسنَّة‪ ،‬فهم مع اقتباسهم من أقوال الصحابة مستمسكون أش َّد االستمس‪:‬اك ب‪:‬أن الن‪:‬بي واح‪ٌ :‬د‪ ،‬والس‪:‬نةَ واح‪::‬دة‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫وجدوا أن هؤالء الصحابة هم الذين استحفظوا على كتاب هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬ونقلوا أقوال محمد ‪ ‬إلى من بع‪::‬دهم‪ ،‬فك‪::‬انوا أع‪::‬رف‬
‫الن‪::‬اس بش‪::‬رعه‪ ،‬وأق‪::‬ربهم إلى هدي‪::‬ه‪ ،‬وأق‪::‬والهم قبس‪:‬ةٌ نبوي‪:‬ةٌ‪ :،‬وليس‪::‬ت ب‪::‬دعا ً ابت‪::‬دعوه‪ ،‬وال اختراع‪:‬ا ً اخ‪::‬ترعوه‪ ،‬ولكنه‪::‬ا تل ُّمسٌ للش‪::‬رع‬
‫اإلسالمي من ينابيعه‪ :،‬وهم أعرفُ الناس بمصادرها ومواردها‪ ،‬فمن اتبعهم فهو من الذين قال هللا تعالى فيهم ‪َ { :‬والسَّابِقُونَ اأْل َ َّولُ‪::‬ونَ‬
‫ك ْالفَ‪::‬وْ زُ‬‫ت تَجْ‪ِ :‬ري تَحْ تَهَ‪::‬ا اأْل َ ْنهَ‪::‬ا ُر خَالِ‪ِ :‬دينَ فِيهَ‪::‬ا أَبَ‪:‬دًا َذلِ‪َ :‬‬ ‫ار َوالَّ ِذينَ اتَّبَعُوهُ ْم بِإِحْ َسا ٍن َو َرضُوا َع ْنهُ َوأَ َع َّد لَهُ ْم َجنَّا ٍ‬
‫ص ِ‬‫اج ِرينَ َواأْل َ ْن َ‬
‫ِمنَ ْال ُمهَ ِ‬
‫ْال َع ِظي ُم (‪[ } )100‬التوبة‪ ( ]100:‬أصول الفقه‪ ،‬محمد أبو زهرة‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬ص ‪ ،)218‬ونحب أن ننبه هنا بأن الشوكاني أيد‬
‫القول بحجية الصحابي في كتابه (التقليد واإلفتاء واالستفتاء)(انظر‪ :‬التقليد واإلفتاء واالستفتاء (ج ‪ / 1‬ص ‪ )51‬فما بعدها)‬
‫‪ )(4‬إرشاد الفحول إلى تحقيق الح‪::‬ق من علم األص‪::‬ول‪ ،‬محم‪::‬د بن علي الش‪::‬وكاني اليم‪::‬ني‪ ،‬تحقي‪::‬ق‪ :‬الش‪::‬يخ أحم‪::‬د ع‪::‬زو‪ ،‬دار‬
‫الكتاب العربي‪ ،‬ط‪1419 ،1‬هـ ‪1999 -‬م‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.188‬‬
‫‪ )(5‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.189‬‬
‫‪11‬‬
‫باإلضافة إلى الش‪::‬وكاني‪ :،‬فق‪::‬د ذك‪::‬ر الس‪::‬يوطي‪ :‬في كتاب‪::‬ه المهم (ال‪::‬رد على من أخل‪::‬د إلى االرض وجه‪::‬ل أن‬
‫االجتهاد في كل عصر فرض)(‪ )1‬الكثير من أقوال الفقهاء المتأخرين الذين دعوا إلى فتح باب االجتهاد والرج‪::‬وع‬
‫إلى المصادر األصلية مباشرة‪ ،‬وأنه في اإلمكان أن يظهر المجتهدون في العصور المختلفة‪.‬‬
‫ومن العلماء الذين ذكرهم(‪:)2‬‬
‫‪( - 1‬الماوردي) في أول كتابه (الحاوي)‬
‫‪ -2‬و(الروياني) في أول (البحر)‬
‫‪ -3‬والقاضي‪( :‬حسين) في (تعليقه)‬
‫‪ -4‬و(الزبيري)‪ :‬في كتاب (المسكت)‬
‫‪ -5‬و(ابن سراقة) في كتاب (األعداد)‬
‫‪ -6‬و(إمام الحرمين) في كتاب السير من (النهاية)‬
‫‪ -7‬و(الشهرستاني) في (الملل والنحل)‬
‫‪ -8‬و(البغوي) في أوائل (التهذيب)‬
‫‪ -9‬و(الغزالي) في (البسيط)‪ ،‬و(الوسيط)‬
‫‪ -10‬و(ابن الصالح) في (أدب الفتيا)‬
‫‪ -11‬و(النووي)‪ :‬في (شرح المهذب) و(شرح مسلم)‬
‫‪ -12‬والشيخ (عز الدين بن عبد السالم) في (مختصر النهاية)‬
‫‪ -13‬و(ابن الرفعة) في (المطلب)‬
‫‪ -14‬و(الزركشي) في كتاب (القواعد)‪ ،‬و(البحر)‬
‫وممن نص على ذلك من أئمة المالكية القاضي (عب‪::‬د الوه‪::‬اب) في (المق‪::‬دمات)‪ ،‬و(ابن القص‪::‬ار) في كتاب‪::‬ه‬
‫في أصول الفقه‪ ،‬ونقله عن م‪::‬ذهب (مال‪::‬ك) وجمه‪::‬ور‪ :‬العلم‪::‬اء‪ ،‬و(الق‪::‬رافي) في (التنقيح)‪ ،‬و(ابن عب‪::‬د الس‪::‬الم) في‬
‫(ش‪::‬رح مختص‪::‬ر‪ :‬ابن الح‪::‬اجب)‪ ،‬و(أب‪::‬و محم‪::‬د بن س‪::‬تاري) في (المس‪::‬ائل المنث‪::‬ورة) و(ابن عرف‪::‬ة) في كتاب‪::‬ه‬
‫(المبسوط) في الفقه‪.‬‬
‫خامسا – نتيجة للدعوات السابقة إلى فقه الدليل‪ ،‬فإن المنهج الغ‪::‬الب على الكث‪::‬ير من الب‪::‬احثين والفقه‪::‬اء في‬
‫عصرنا الحاضر هو هذا المنهج‪ ،‬وإن كانوا يختلفون في امتالك اآلليات التي تتيح لهم ممارسته‪.‬‬
‫ثانيا ـ أدلته‪:‬‬
‫أف‪::‬رد أص‪::‬حاب ه‪::‬ذا المنهج أو ال‪::‬دعاة ل‪::‬ه الكث‪::‬ير من المؤلف‪::‬ات في نص‪::‬رته‪ ،‬وال‪::‬رد على المخ‪::‬الفين لهم‪،‬‬
‫وخصوصا‪ :‬من أصحاب المنهج المذهبي أو الم‪::‬ذاهبي‪ ،‬ومن أهم تل‪::‬ك المؤلف‪::‬ات (المختص‪::‬ر المؤم‪::‬ل في ال‪::‬رد إلى‬
‫األمر األول) ألبي شامة المقدسي‪ ،‬و(شرح قول المطلبي‪ ،‬إذا صح الحديث فهو مذهبي) للسبكي‪ ،‬و(جزء التمس‪::‬ك‬
‫بالسنن) للذهبي‪ ،‬و(االتب‪::‬اع) البن أبي الع‪::‬ز‪ ،‬و(فيض الش‪::‬عاع‪ ،‬الكاش‪::‬ف للقن‪::‬اع‪ ،‬عن أرك‪::‬ان االبت‪::‬داع) للحس‪::‬ن بن‬
‫أحمد الجالل اليماني‪ ،‬و(الوجه الحسن‪ ،‬المذهب للحزن‪ ،‬لمن طلب السنة ومشى على الس‪::‬نن) إلس‪::‬حاق بن يوس‪:‬ف‪:‬‬
‫الصنعاني‪ ،‬و(إرشاد‪ :‬النق‪::‬اد إلى تيس‪::‬ير‪ :‬االجته‪::‬اد) لألم‪::‬ير الص‪::‬نعاني‪ ،‬و(إيق‪::‬اظ همم أولى األبص‪::‬ار لالقت‪::‬داء بس‪::‬يد‬
‫المهاجرين واألنصار) لصالح الفُالَّني‪ ،‬و(إيقاظ الوسنان في العم‪::‬ل بالح‪::‬ديث والق‪::‬رآن) لمحم‪::‬د بن علي السنوس‪::‬ي‬
‫(مالكي)‪ ،‬و(القول المفيد في أدلة االجتهاد والتقلي‪::‬د) و(أدب الطلب‪ ،‬ومنتهى األرب) كالهم‪::‬ا للش‪::‬وكاني‪ ،‬و(كش‪::‬ف‬
‫الغمة عن سبب اختالف األمة) و(االكتناف ألحكام االختالف) لألمير صديق حسن خان القنوجي‪ ،‬و(القول السديد‬
‫في أدلة االجتهاد والتقليد) ألبي النصر علي بن حسن خان القنوجي‪ ،‬و(الطريقة المثلى في ترك التقلي‪::‬د واتب‪::‬اع م‪::‬ا‬

‫‪ .)(1‬طبع في دار الكتب لعلمية سنة ‪ 1403‬هـ في مجلد بتحقيق (خليل الميس)‪ ،‬وأهمية هذه الرسالة تكمن في تتبع الس‪::‬يوطي‬
‫لكل أقوال العلماء الذين أيدوا هذا المنهج‪ :،‬وقد ذكر أقوالهم‪ ،‬وبعض المصادر التي اعتمد عليها مفقودة‪.‬‬
‫‪ )(2‬انظر كتاب‪ :‬الرد على من أخلد إلى األرض وجهل أن االجتهاد في كل عصر فرض‪ ،‬تحقي‪::‬ق‪(:‬خلي‪::‬ل الميس‪ ،‬دار الكتب‬
‫لعلمية‪ 1403 ،‬هـ من (ص‪ )68‬إلى (ص‪.)96‬‬
‫‪12‬‬
‫هو األولى) ألبي الخير نور الحسن بن حسن خان القنوجي‪ ،‬وغيرهم كثير‪.‬‬
‫وبم‪::‬ا أن اس‪::‬تيعاب ك‪::‬ل م‪::‬ا ذك‪::‬روه يحت‪::‬اج إلى مجل‪::‬دات ض‪::‬حمة‪ ،‬فسنقتص‪:‬ر‪ :‬هن‪::‬ا على مج‪::‬امع األدل‪::‬ة دون‬
‫تفاصيلها‪:‬‬
‫الدليل األول‪:‬‬
‫ما ورد في النصوص الداعية إلى الرجوع إلى الكتاب والس‪:‬نة مطلق‪:‬ا أو في ح‪::‬ال ال‪:‬نزع‪ ،‬وهي كث‪:‬يرة ج‪:‬دا‬
‫نقتصر منها على ما يلي‪:‬‬
‫من القرآن الكريم‪ :‬وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم تدعو إلى العودة المباشرة إلى الكتاب والسنة‪ ،‬منها‬
‫ُول َوأُولِي اأْل َ ْم ِر ِم ْن ُك ْم فَ‪:‬إِ ْن تَنَ‪::‬ازَ ْعتُ ْم فِي َش‪ْ :‬ي ٍء فَ‪ُ :‬ر ُّدوهُ إِلَى‬ ‫قوله تعالى‪﴿ :‬يَاأَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا أَ ِطيعُوا هَّللا َ َوأَ ِطيعُوا‪ :‬ال َّرس َ‬
‫ْ‬
‫وياًل ﴾(‪)1‬‬ ‫ُول إِ ْن ُك ْنتُ ْم تُ ْؤ ِمنُونَ بِاهَّلل ِ َو ْاليَوْ ِ‪:‬م اآْل ِخ ِر َذلِكَ خَ ْي ٌر َوأَحْ َسنُ تَأ ِ‬
‫هَّللا ِ َوال َّرس ِ‬
‫غ ْال ُمبِينُ ﴾‬ ‫﴿وأَ ِطيعُوا هَّللا َ َوأَ ِطيعُوا‪ :‬ال َّرسُو َل َواحْ َذرُوا‪ :‬فَإِ ْن ت ََولَّ ْيتُ ْم فَ‪::‬ا ْعلَ ُموا أَنَّ َم‪::‬ا َعلَى َر ُس‪:‬ولِنَا ْالبَاَل ُ‬ ‫وقال تعالى‪َ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ُول َواَل تُب ِْطلُوا أَ ْع َمالَ ُ‬
‫ك ْم﴾(‪)3‬‬ ‫وقال تعالى‪﴿ :‬يَا أَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا أَ ِطيعُوا هَّللا َ َوأَ ِطيعُوا‪ :‬ال َّرس َ‬
‫من الحديث الشريف‪ :‬وردت أحاديث كثيرة في الحث على العودة المباشرة إلى المصادر األصلية منه‪::‬ا م‪::‬ا‬
‫حدث به العرباض بن سارية‪ ،‬قال‪ :‬وعظنا رسول هللا ‪ ‬موعظة ذرفت منها العيون‪ ،‬ووجلت منها القلوب‪ ،‬قلن‪::‬ا‪:‬‬
‫يا رسول هللا‪ ،‬إن هذه لموعظة مودع‪ ،‬فماذا تعهد إلينا؟ قال‪( :‬قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها‪ :‬ال يزيغ عنه‪::‬ا‬
‫بعدي إال هال‪::‬ك‪ ،‬ومن يعش منكم‪ ،‬فس‪::‬يرى اختالف‪::‬ا كث‪::‬يرا‪ ،‬فعليكم بم‪::‬ا ع‪::‬رفتم من س‪::‬نتي وس‪::‬نة الخلف‪::‬اء الراش‪::‬دين‬
‫المهديين‪ ،‬وعليكم بالطاعة‪ ،‬وإن عبدا حبشيا عضوا عليها بالنواجذ‪ ،‬فإنما المؤمن كالجمل األنف حيثما انقيد انق‪::‬اد)‬
‫(‪)4‬‬
‫الدليل الثاني‪:‬‬
‫ما ورد من األدلة الكثيرة من القرآن الكريم والسنة المطه‪::‬رة واآلث‪::‬ار‪ :‬عن الص‪::‬حابة والت‪::‬ابعين على حرم‪::‬ة‬
‫التقليد‪ ،‬وقد‪ :‬جمع ابن عبد البر الكثير منها كتابه (جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمل‪::‬ه) في (ب‪::‬اب‬
‫فساد‪ :‬التقليد ونفيه والفرق بين التقليد واالتباع)(‪ ،)5‬ومن األدلة التي أوردها‪:‬‬
‫ت ْاليَهُ‪::‬و ُد عُزَ يْ‪ٌ :‬ر ابْنُ‬ ‫﴿وقَالَ ِ‬
‫‪ - 1‬ذم هللا تبارك وتعالى التقليد في غير موضع من القرآن الكريم‪ ،‬كقوله تعالى‪َ :‬‬
‫ُض‪:‬ا ِهئُونَ قَ‪::‬وْ َل الَّ ِذينَ َكفَ‪:‬رُوا ِم ْن قَ ْب‪ُ :‬ل قَ‪::‬اتَلَهُ ُ‪:‬م هَّللا ُ أَنَّى‬
‫ك قَ‪::‬وْ لُهُ ْم بِ‪::‬أ َ ْف َوا ِه ِه ْ‪:‬م ي َ‬
‫ارى‪ْ :‬ال َم ِس‪:‬ي ُح ابْنُ هَّللا ِ َذلِ‪َ :‬‬ ‫ص‪َ :‬‬‫ت النَّ َ‬‫هَّللا ِ َوقَ‪::‬الَ ِ‬
‫احدًا اَل‬ ‫ُ‬
‫ُون هَّللا ِ َو ْال َم ِسي َح ا ْبنَ َمرْ يَ َم َو َما أ ِمرُوا إِاَّل لِيَ ْعبُدُوا إِلَهًا َو ِ‬
‫ي ُْؤفَ ُكونَ (‪ )30‬اتَّ َخ ُذوا أَحْ بَا َرهُ ْم َو ُر ْهبَانَهُ ْم أَرْ بَابًا ِم ْن د ِ‬
‫ون (‪ ،)6(﴾ )31‬وقد‪ :‬ورد في تفسير هذه اآلية عن عدي بن حاتم‪ :‬أتيت رسول هللا ‪‬‬ ‫إِلَهَ إِاَّل هُ َو ُسب َْحانَهُ َع َّما يُ ْش ِر ُك َ‪:‬‬
‫وفي‪ :‬عنقي صليب فقال لي‪ :‬يا عدي بن حاتم‪ ،‬ألق هذا الوثن من عنقك)‪ ،‬وانتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة حتى‬
‫ُون هَّللا ِ﴾(‪ )7‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول‪ :‬هللا إنا لم نتخذهم أربابا‪،‬‬ ‫ارهُ ْم َو ُر ْهبَانَهُ ْم أَرْ بَابًا ِم ْن د ِ‬ ‫أتى على هذه اآلية ﴿اتَّخَ ُذوا أَحْ بَ َ‬
‫قال‪ ( :‬بلى‪ ،‬أليس يحلون لكم ما حرم عليكم فتحلونه‪ ،‬ويحرم‪::‬ون عليكم م‪::‬ا أح‪::‬ل هللا لكم فتحرمون‪::‬ه؟)‪ ،‬فقلت‪ :‬بلى‪،‬‬
‫قال‪( :‬تلك عبادتهم)(‪)8‬‬

‫‪ )(1‬سورة النساء‪.59 :‬‬


‫‪ )(2‬سورة المائدة‪..92 :‬‬
‫‪ )(3‬سورة محمد‪.33 :‬‬
‫‪ )(4‬مسند اإلمام أحمد بن حنبل‪ ،‬أبو عبد هللا أحمد بن محمد بن حنبل‪ ،‬تحقي‪::‬ق‪ :‬ش‪::‬عيب األرن‪::‬ؤوط وع‪::‬ادل مرش‪::‬د‪ ،‬وآخ‪::‬رون‪،‬‬
‫إشراف‪ :‬د عبد هللا بن عبد المحسن التركي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪ 1421 ،1‬هـ ‪ 2001 -‬م‪ ،‬ج‪ ،28‬ص‪.367‬‬
‫‪ )(5‬جامع بيان العلم وفضله‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.975‬‬
‫‪ )(6‬سورة التوبة‪.31 ،30 :‬‬
‫‪ )(7‬سورة التوبة‪.31 :‬‬
‫‪ )(8‬المعجم الكبير‪ ،‬س‪::‬ليمان بن أحم‪::‬د ‪ ،‬أب‪::‬و القاس‪::‬م الط‪::‬براني‪ ،‬تحقي‪::‬ق‪ :‬حم‪::‬دي بن عب‪::‬د المجي‪::‬د الس‪::‬لفي‪ ،‬مكتب‪::‬ة ابن تيمي‪::‬ة –‬
‫القاهرة‪ ،‬ط‪ ،2‬ج‪ ،17‬ص‪.92‬‬
‫‪13‬‬
‫‪:‬ال ُم ْت َرفُوهَ‪::‬ا إِنَّا َو َج‪ْ :‬دنَا آبَا َءنَ‪::‬ا َعلَى أُ َّم ٍة‬‫ير إِاَّل قَ‪َ :‬‬‫﴿و َك َذلِكَ َما أَرْ َس ْلنَا ِم ْن قَ ْبلِكَ فِي قَرْ يَ ٍة ِم ْن نَ ِذ ٍ‬ ‫‪ – 2‬قوله تعالى‪َ :‬‬
‫ال أَ َولَوْ ِج ْئتُ ُك ْم بِأ َ ْهدَى ِم َّما َو َج ْدتُ ْم َعلَ ْي ِه آبَ‪:‬ا َء ُك ْم قَ‪:‬الُوا إِنَّا بِ َم‪:‬ا أُرْ ِس‪ْ :‬لتُ ْم بِ‪ِ :‬ه َك‪:‬افِرُونَ (‬ ‫ار ِه ْم ُم ْقتَ ُدونَ (‪ )23‬قَ َ‬ ‫َوإِنَّا َعلَى آثَ ِ‬
‫‪ ،)1(﴾)24‬فمنعهم‪ :‬االقتداء بآبائهم من قبول االهتداء فقالوا‪ :‬إنا بما أرسلتم به كافرون‪.‬‬
‫ت بِ ِه ُم ا ْس‪:‬بَابُ (‪َ )166‬وقَ‪::‬ا َل‬ ‫َ‬ ‫أْل‬ ‫اب َوتَقَطَّ َع ْ‬
‫‪ – 3‬قوله تعالى‪﴿ :‬إِ ْذ تَبَرَّأَ الَّ ِذينَ اتُّبِعُوا ِمنَ الَّ ِذينَ اتَّبَعُوا َو َرأَ ُوا‪ْ :‬ال َع‪َ :‬ذ َ‬
‫ت َعلَ ْي ِه ْم َو َم‪::‬ا هُ ْم بِ َخ‪ِ :‬‬
‫‪:‬ار ِجينَ‬ ‫‪:‬ري ِه ُم هَّللا ُ أَ ْع َم‪::‬الَهُ ْم َح َس‪َ :‬را ٍ‬
‫الَّ ِذينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَ َّن لَنَا َك َّرةً فَنَتَبَرَّأَ ِم ْنهُ ْم َك َما تَبَ َّر ُءوا ِمنَّا َك َذلِكَ يُ‪ِ :‬‬
‫ين (‬ ‫ان إِنَّهُ لَ ُك ْم عَ‪ُ :‬د ٌّو ُمبِ ٌ‬ ‫ت َّ‬
‫الش‪ْ :‬يطَ ِ‬ ‫‪:‬وا ِ‬ ‫ض َحاَل اًل طَيِّبً‪:‬ا َواَل تَتَّبِعُ‪:‬وا‪ُ :‬خطُ َ‬ ‫ار (‪ )167‬يَاأَيُّهَا النَّاسُ ُكلُوا ِم َّما فِي اأْل َرْ ِ‬ ‫ِمنَ النَّ ِ‬
‫‪)2(﴾)168‬‬
‫وقد علق ابن عبد البر على هذه اآليات وغيرها بقوله‪( :‬وقد احتج العلماء بهذه اآليات في إبطال التقلي‪::‬د ولم‬
‫يمنعهم كفر أولئك من جهة االحتج‪:‬اج به‪:‬ا؛ ألن التش‪:‬بيه لم يق‪:‬ع من جه‪:‬ة كف‪:‬ر أح‪:‬دهما وإيم‪:‬ان اآلخ‪:‬ر وإنم‪:‬ا وق‪:‬ع‬
‫التشبيه بين التقليدين بغير حجة للمقلد كما لو قلد رجل فكف‪:‬ر وقل‪:‬د آخ‪:‬ر ف‪:‬أذنب وقل‪:‬د‪ :‬آخ‪:‬ر في مس‪:‬ألة دني‪:‬اه فأخط‪:‬أ‪:‬‬
‫وجهها‪ ،‬كان كل واحد ملوما على التقليد بغير حجة؛ ألن كل ذلك تقليد يشبه بعضه بعضا وإن اختلفت اآلث‪::‬ام في‪::‬ه‪،‬‬
‫ض َّل قَوْ ًما بَ ْع َد إِ ْذ هَدَاهُ ْم َحتَّى يُبَيِّنَ لَهُ ْم َما يَتَّقُونَ إِ َّن هَّللا َ بِ ُكلِّ َش ْي ٍء َعلِي ٌم ﴾(‪ ،)3‬وقد‪:‬‬ ‫وقال هللا عز وجل‪َ ﴿ :‬و َما َكانَ هَّللا ُ لِيُ ِ‬
‫ثبت االحتجاج بما قدمنا في الباب قبل هذا وفي ثبوته إبطال التقليد أيض‪:‬ا‪ ،‬ف‪:‬إذا بط‪:‬ل التقلي‪:‬د بك‪:‬ل م‪:‬ا ذكرن‪::‬ا وجب‬
‫التسليم لألصول التي يجب التسليم لها وهي الكتاب والسنة أو ما كان في معناهما بدليل جامع بين ذلك)(‪)4‬‬
‫الدليل الثالث‪:‬‬
‫االستدالالت العقلية‪ ،‬وكثير‪ :‬منها صيغ بشكل مناظرات‪ :‬وحوارات مع المخالفين من القائلين بالتقلي‪::‬د معامل‪::‬ة‬
‫لهم بالمناهج التي يعتمدون عليها في االستدالل‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك ما نقله الزركش‪::‬ي وغ‪::‬يره عن الم‪::‬زني من‬
‫قوله‪( :‬يقال لمن حكم بالتقليد‪ :‬هل لك من حجة فيما حكمت به؟ فإن قال‪ :‬نعم أبطل التقليد؛ ألن الحجة أوجبت ذل‪::‬ك‬
‫عنده ال التقليد‪ ،‬وإن قال‪ :‬حكمت فيه بغير حجة قيل له‪ :‬فلم أرقت الدماء وأبحت الفروج وأتلفت األموال وقد ح‪::‬رم‬
‫هللا ذلك إال بحجة؟ قال هللا عز وجل‪ ﴿ :‬إِ ْن ِع ْن َد ُك ْم ِم ْن س ُْلطَ ٍ‬
‫ان بِهَ َذا﴾(‪ )5‬أي من حجة بهذا‪ ،‬فإن قال‪ :‬أن‪::‬ا أعلم أني ق‪::‬د‬
‫أصبت وإن لم أعرف الحجة؛ ألني قلدت كبيرا من العلماء وهو ال يق‪::‬ول إال بحج‪::‬ة خفيت علي‪ ،‬قي‪::‬ل ل‪::‬ه‪ :‬إذا ج‪::‬از‬
‫تقليد معلم‪::‬ك ألن‪::‬ه ال يق‪::‬ول إال بحج‪::‬ة خفيت علي‪::‬ك فتقلي‪::‬د معلم معلم‪::‬ك أولى؛ ألن‪::‬ه ال يق‪::‬ول إال بحج‪::‬ة خفيت على‬
‫معلمك‪ ،‬كما لم يقل معلمك إال بحجة خفيت عليك‪ ،‬فإن قال‪ :‬نعم ترك تقليد معلم معلمه‪ ،‬وكذلك‪ :‬من ه‪::‬و أعلى ح‪::‬تى‬
‫ينتهي إلى أصحاب رسول هللا ‪ ،‬وإن أبى ذلك نقض قوله وقيل له‪ :‬كيف يجوز‪ :‬تقليد من هو أص‪::‬غر وأق‪::‬ل علم‪::‬ا‬
‫وال يجوز تقليد من هو أكبر وأكثر علما وهذا يتناقض‪ ،‬فإن قال‪ :‬ألن معلمي وإن كان أصغر فقد جمع علم من هو‬
‫فوقه إلى علمه‪ ،‬فهو أبصر بما أخذ وأعلم بما ترك قيل له‪ :‬وكذلك من تعلم من معلمك فق‪:‬د جم‪:‬ع علم معلم‪:‬ك وعلم‬
‫من فوقه إلى علمه؛ فيلزمك‪ :‬تقليده وترك تقليد معلمك‪ ،‬وك‪::‬ذلك‪ :‬أنت أولى أن تقل‪::‬د نفس‪::‬ك من معلم‪::‬ك؛ ألن‪::‬ك جمعت‬
‫علم معلمك وعلم من هو فوقه إلى علمك‪ ،‬فإن فاد قوله جعل األصغر‪ :‬ومن يحدث من صغار العلماء أولى بالتقلي‪::‬د‬
‫من أصحاب رسول هللا ‪ ‬وكذلك الصاحب عنده يلزم‪::‬ه تقلي‪::‬د الت‪::‬ابع‪ ،‬والت‪::‬ابع من دون‪::‬ه في قي‪::‬اس قول‪::‬ه واألعلى‬
‫األدنى أبدا وكفى بقول يؤول إلى هذا قبحا وفسادا)(‪)6‬‬

‫وانظر‪ :‬سنن الترمذي‪ ،‬محمد بن عيسى بن َسوْ رة ‪ ،‬الترمذي‪ ،‬أبو عيسى‪ ،‬تحقيق وتعليق‪ :‬أحمد محمد شاكر ومحمد فؤاد عبد‬
‫الباقي‪ ،‬شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي – مصر‪ ،‬ط‪ 1395 ، 2‬هـ ‪ 1975 -‬م‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.278‬‬
‫‪ )(1‬سورة الزخرف‪.24 ،23 :‬‬
‫‪ )(2‬سورة البقرة‪.168 - 166 :‬‬
‫‪ )(3‬سورة التوبة‪.115 :‬‬
‫‪ )(4‬جامع بيان العلم وفضله‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.977‬‬
‫‪ )(5‬سورة يونس‪.68 :‬‬
‫‪ )(6‬نقال عن‪ :‬البحر المحيط في أصول الفقه‪ ،‬أبو عبد هللا بدر الدين محمد بن عبد هللا بن بهادر الزركش‪::‬ي‪ ،‬دار الكت‪::‬بي‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1414‬هـ ‪1994 -‬م‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪ ،329‬وانظر‪ :‬جامع بيان العلم وفض‪:‬له ج‪ ،2‬ص ‪ ،992‬وانظ‪:‬ر‪ :‬إعالم الم‪:‬وقعين عن رب الع‪:‬المين ج‬
‫‪14‬‬
‫ومثل ذلك ما روي‪ :‬عن سحنون‪ ،‬قال‪ :‬كان مالك بن أنس‪ ،‬وعبد العزي‪::‬ز بن أبي س‪::‬لمة‪ ،‬ومحم‪::‬د بن إب‪::‬راهيم‬
‫بن دينار وغيرهم يختلفون إلى ابن هرمز‪ ،‬وكان إذا سأله مالك وعبد العزيز أجابهم‪::‬ا وإذا س‪::‬أله ابن دين‪::‬ار وذووه‬
‫لم يجبهم‪ ،‬فتعرض له ابن دينار يوما فقال له‪ :‬يا أبا بكر لم تستحل مني ما ال يح‪::‬ل ل‪::‬ك؟ ق‪::‬ال ل‪::‬ه‪ :‬ي‪::‬ا ابن أخي وم‪::‬ا‬
‫ذاك؟ قال‪ :‬يسألك مالك وعبد العزي‪:‬ز فتجيبهم‪:‬ا‪ :‬وأس‪:‬ألك أن‪:‬ا وذوي‪ :‬فال تجيبن‪:‬ا؟ فق‪:‬ال‪ ( :‬أوق‪:‬ع ذل‪:‬ك ي‪:‬ا ابن أخي في‬
‫قلبك؟) قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬إني قد كبر سني ورق عظمي‪ ،‬وأنا أخاف أن يكون خ‪::‬الطني في عقلي مث‪::‬ل ال‪::‬ذي خ‪::‬الطني‪:‬‬
‫في بدني‪ ،‬ومالك وعبد العزيز عالمان فقيهان إذا سمعا مني حقا قباله‪ ،‬وإذا سمعا مني خط‪::‬أ ترك‪::‬اه‪ ،‬وأنت وذووك‪:‬‬
‫ما أجبتكم به قبلتموه‪ ،‬قال محمد بن حارث‪ :‬هذا وهللا هو الدين الكامل والعقل الراجح ال كمن يأتي بالهذيان‪ ،‬ويريد‬
‫أن ينزل من القلوب منزلة القرآن )(‪)1‬‬
‫ومثل ذلك هذه المناظرة االفتراضية التي صاغها ابن عب‪::‬د ال‪::‬بر بقول‪::‬ه‪( :‬يق‪::‬ال لمن ق‪::‬ال بالتقلي‪::‬د‪ :‬لم قلت ب‪::‬ه‬
‫وخالفت السلف في ذلك؟ فإنهم لم يقلدوا فإن قال‪ :‬قلدت؛ ألن كتاب هللا عز وجل ال علم لي بتأويل‪::‬ه‪ ،‬وس‪::‬نة رس‪::‬وله‬
‫لم أحصها والذي قلدته قد علم ذلك فقلدت من هو أعلم مني قيل له‪ :‬أما العلم‪::‬اء إذا اجتمع‪::‬وا على ش‪::‬يء من تأوي‪::‬ل‬
‫الكتاب أو حكاية سنة عن رسول‪ :‬هللا ‪ ‬أو اجتمع رأيهم على شيء فهو الحق ال شك في‪::‬ه‪ ،‬ولكن ق‪::‬د اختلف‪::‬وا فيم‪::‬ا‬
‫قلدت فيه بعضهم دون بعض‪ ،‬فما حجتك في تقليد بعض دون بعض‪ ،‬وكلهم عالم ولعل الذي رغبت عن قوله أعلم‬
‫من الذي ذهبت إلى مذهبه‪ ،‬فإن قال‪ :‬قلدته ألني علمت أنه صواب قيل له‪ :‬علمت ذلك ب‪::‬دليل من كت‪::‬اب أو س‪::‬نة أو‬
‫إجماع‪ ،‬فإن قال‪ :‬نعم‪ ،‬فقد أبطل التقليد وطولب بما ادعاه من الدليل وإن قال‪ :‬قلدته ألنه أعلم مني‪ ،‬قيل له‪ :‬فقلد كل‬
‫من هو أعلم منك فإنك تجد من ذلك خلقا كثيرا وال يحصى‪ :‬من قلدته إذ علتك فيه أن‪::‬ه أعلم من‪::‬ك وتج‪::‬دهم في أك‪::‬ثر‬
‫ما ي‪::‬نزل بهم من الس‪::‬ؤال مختلفين فلم قل‪::‬دت أح‪::‬دهم؟ ف‪::‬إن ق‪::‬ال‪ :‬قلدت‪::‬ه ألن‪::‬ه أعلم الن‪::‬اس قي‪::‬ل ل‪::‬ه‪ :‬فه‪::‬و إذا أعلم من‬
‫الصحابة وكفى بقول مثل هذا قبحا وإن قال‪ :‬إنما قلدت بعض الص‪::‬حابة قي‪::‬ل ل‪::‬ه‪ :‬فم‪::‬ا حجت‪::‬ك في ت‪::‬رك من لم تقل‪::‬د‬
‫منهم؟ ولعل من تركت قوله منهم أعلم وأفضل‪ :‬ممن أخذت بقوله على أن القول ال يصح لفضل قائل‪::‬ه وإنم‪::‬ا يص‪::‬ح‬
‫بداللة الدليل عليه)(‪)2‬‬
‫وكثيرا ما نرى أصحاب هذا المنهج يحاجون المخالفين لهم من المقلدين بما ذكره أئمتهم الذين يقت‪::‬دون بهم‪،‬‬
‫فاألئمة األربعة‪ ،‬قد نهوا الناس عن تقليدهم في كل ما يقولونه كما رأينا ذلك سابقا‪.‬‬
‫بل يذكر ابن القيم أن غير المقلدين أكثر احتراما للعلماء من المقلدين‪ ،‬فيقول في فص‪::‬ل بعن‪::‬وان (الف‪::‬رق بين‬
‫تجريد متابعة المعصوم وإهدار‪ :‬أقوال العلماء وإلغائها)‪( :‬فمن عرض أقوال العلم‪::‬اء على النص‪::‬وص ووزنه‪::‬ا به‪::‬ا‬
‫وخالف‪ :‬منها ما خالف النص لم يهدر أقوالهم‪ ،‬ولم يهضم جانبهم‪ ،‬بل اقتدى بهم‪ ،‬ف‪:‬إنهم‪ :‬كلهم أم‪:‬روا ب‪:‬ذلك‪ ،‬فمتبعهم‬
‫حقا من امتثل ما أوصوا به‪ ،‬ال من خ‪::‬الفهم‪ ،‬فخالفهم في الق‪::‬ول ال‪::‬ذي ج‪::‬اء النص بخالف‪::‬ه أس‪::‬هل من مخ‪::‬الفتهم في‬
‫القاعدة الكلية التي أمروا ودعوا إليها من تقديم النص على أقوالهم‪ ،‬ومن هنا يتبين الف‪::‬رق بين تقلي‪::‬د الع‪::‬الم في ك‪::‬ل‬
‫ما قال وبين االستعانة بفهمه واالستضاءة بنور علمه‪ ،‬فاألول‪ :‬يأخذ قول‪::‬ه من غ‪::‬ير نظ‪::‬ر في‪::‬ه‪ ،‬وال طلب لدليل‪::‬ه من‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬بل يجعل ذلك كالحبل الذي يلقيه في عنقه يقلده به‪ ،‬ول‪::‬ذلك س‪::‬مي تقلي‪::‬دا بخالف م‪::‬ا اس‪::‬تعان بفهم‪::‬ه‬
‫واستضاء‪ :‬بنور علمه في الوصول إلى الرسول صلوات هللا وسالمه عليه‪ ،‬فإن‪::‬ه يجعلهم بمنزل‪::‬ة ال‪::‬دليل إلى ال‪::‬دليل‬
‫األول‪ ،‬فإذا وصل إليه استغنى بداللته عن االستدالل بغيره‪ ،‬فمن استدل بالنجم على القبلة فإن‪:‬ه إذا ش‪::‬اهدها لم يب‪:‬ق‬
‫الستدالله بالنجم معنى) (‪)3‬‬
‫الدليل الرابع‪:‬‬
‫الرد على ما استند إليه المخالفون من أدلة‪ ،‬وأشهر ما انصب علي‪::‬ه اهتم‪::‬امهم م‪::‬ا يس‪::‬تدل ب‪::‬ه المخ‪::‬الفون من‬

‫‪ ،2‬ص ‪.136‬‬
‫‪ )(1‬إعالم الموقعين عن رب العالمين‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.137‬‬
‫‪ )(2‬جامع بيان العلم وفضله‪ :‬ج‪ ،2‬ص ‪.994‬‬
‫‪ )(3‬الروح في الكالم على أرواح األموات واألحياء بالدالئل من الكتاب والسنة‪ ،‬محمد بن أبي بكر بن ابن قيم الجوزية‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية – بيروت‪ ،‬ص‪.264‬‬
‫‪15‬‬
‫أصحاب المناهج المذهبية أو المذاهبية كثيرا‪ ،‬وهو حديث (اختالف أم‪::‬تي رحم‪::‬ة)(‪ ،)1‬فق‪::‬د جع‪::‬ل أص‪::‬حاب المنهج‬
‫المذهبي هذا الحديث شعارهم وقاع‪::‬دتهم ال‪::‬تي يحتم‪::‬ون بها(‪ ،)2‬وق‪:‬د‪ :‬رد ه‪::‬ؤالء على ه‪::‬ذا الح‪::‬ديث – أوال – ببي‪::‬ان‬
‫وضعه(‪ ،)3‬و– ثانيا – بمعارضته الواضحة لما ورد في النصوص القطعية من الق‪::‬رآن والس‪::‬نة من ذم االختالف‪،‬‬
‫ص‪:‬ا ُك ْم بِ‪ِ :‬ه لَ َعلَّ ُك ْم‬
‫ق بِ ُك ْم ع َْن َس‪:‬بِيلِ ِه َذلِ ُك ْم َو َّ‬ ‫﴿وأَ َّن هَ َذا ِ‬
‫ص َرا ِطي‪ُ :‬م ْستَقِي ًما فَاتَّبِعُوهُ َواَل تَتَّبِ ُع‪::‬وا ُّ‬
‫الس‪:‬ب َُل فَتَفَ‪َّ :‬ر َ‪:‬‬ ‫كقوله تعالى‪َ :‬‬
‫َب ِري ُح ُك ْم﴾(‪ ،)5‬وقول‪::‬ه ‪( : ‬ال ترجع‪::‬وا‪ :‬بع‪::‬دي كف‪::‬ارا‪ ،‬يض‪::‬رب‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫﴿واَل تَنَ‪::‬ازَ عُوا فَتَف َش‪:‬لوا َوتَ‪::‬ذه َ‬ ‫تَتَّقُ‪::‬ونَ ﴾(‪ ،)4‬وقول‪::‬ه‪َ :‬‬
‫بعضكم‪ :‬رقاب بعض )(‪)6‬‬
‫ومن السابقين من أصحاب هذا المنهج الذين اشتدوا في رد هذا الحديث ابن حزم‪ ،‬فقد قال بعد أن أش‪::‬ار إلى‬
‫أنه ليس بحديث‪( :‬وهذا من أفسد قول يكون‪ ،‬ألنه لو كان االختالف رحمة لكان االتفاق سخطا‪ ،‬وه‪::‬ذا م‪::‬ا ال يقول‪::‬ه‬
‫مسلم‪ ،‬ألنه ليس إال اتفاق أو اختالف‪ ،‬وليس إال رحمة أو سخط‪)7()...‬‬
‫ومن الذين اشتدوا في بيان وضعه‪ ،‬ونشر ذل‪:‬ك بين الن‪:‬اس الش‪:‬يخ األلب‪::‬اني‪ ،‬ومن ردوده علي‪:‬ه م‪::‬ا ذك‪::‬ره في‬
‫تعليقه على هذا الحديث في الضعيفة‪( :‬ال أصل له‪ ،‬ولقد جهد المحدثون في أن يقفوا له على سند فلم يوفقوا) (‪)8‬‬
‫ثم ذكر اآلثار السيئة لهذا الحديث‪ ،‬فقال‪( :‬وإن من آثار هذا الح‪::‬ديث الس‪::‬يئة أن كث‪::‬يرا من المس‪::‬لمين يق‪::‬رون‬
‫بسببه االختالف الشديد الواقع بين المذاهب األربعة‪ ،‬وال يحاولون أبدا الرجوع بها إلى الكت‪:‬اب والس‪:‬نة الص‪:‬حيحة‬
‫كما أمرهم بذلك أئمتهم ‪ ،‬بل إن أولئك ليرون مذاهب هؤالء األئمة إنما هي كشرائع متعددة يقولون هذا م‪::‬ع علمهم‬
‫بما بينه‪:‬ا من اختالف وتع‪:‬ارض ال يمكن التوفي‪:‬ق‪ :‬بينه‪:‬ا إال ب‪::‬رد بعض‪:‬ها المخ‪::‬الف لل‪:‬دليل‪ ،‬وقب‪::‬ول البعض اآلخ‪::‬ر‬
‫الموافق‪ :‬له‪ ،‬وهذا ماال يفعلونه‪ ،‬وبذلك نسبوا إلى الش‪::‬ريعة التن‪::‬اقض‪ ،‬وه‪::‬و وح‪::‬ده دلي‪::‬ل على أن‪::‬ه ليس من هللا ع‪::‬ز‬
‫‪:‬ر هَّللا ِ لَ َو َج‪ :‬دُوا فِي‪ِ :‬ه‬‫وجل لو كانوا يتأملون قوله تعالى في حق الق‪:‬رآن ﴿أَفَاَل يَتَ‪َ :‬دبَّرُونَ ْالقُ‪:‬رْ آنَ َولَ‪::‬وْ َك‪:‬انَ ِم ْن ِع ْن‪ِ :‬د َغ ْي‪ِ :‬‬
‫اختِاَل فًا َكثِيرًا﴾(‪ ،)9‬فاآلية صريحة في أن االختالف ليس من هللا‪ ،‬فكي‪:‬ف يص‪::‬ح إذن جعل‪:‬ه ش‪::‬ريعة متبع‪::‬ة‪ ،‬ورحم‪:‬ة‬ ‫ْ‬
‫منزلة؟)(‪)10‬‬
‫ثالثا ـ منهجه في الفتوى‪:‬‬
‫كما عرفنا سابقا فإن هذا المنهج ينطلق من الدليل في أي مسألة يبحث فيها‪ ،‬وهذا ال يعني عدم اس‪::‬تفادته من‬
‫آراء الفقهاء السابقين‪ ،‬بل هو يستفيد منها‪ ،‬بل قد ينطلق‪ :‬منها في بحثه عن الج‪::‬واب الش‪::‬رعي في المس‪::‬ائل الحادث‪::‬ة‬
‫أو غير الحادثة‪ ،‬ولكنه ال يكتفي بذلك كم‪:‬ا يفع‪::‬ل المقل‪:‬دون‪ ،‬ب‪::‬ل يع‪::‬رض تل‪::‬ك الفت‪:‬اوى على المص‪::‬ادر األص‪::‬لية أو‬
‫التبعية للدين‪.‬‬
‫وبذلك فإن هذا المنهج يعتمد على مصدرين كبيرين‪:‬‬
‫األول‪ :‬ه‪::‬و النظ‪::‬ر في النص‪::‬وص واالجته‪::‬اد‪ :‬في فهمه‪::‬ا أو اس‪::‬تنباط الحكم الش‪::‬رعي من خالل منطوقه‪:‬ا‪ :‬أو‬
‫مفهومها‪ ،‬أو من خالل القياس عليها‪ ،‬ونحو‪ :‬ذلك‪ ،‬ويستدلون لهذا‪:‬‬

‫‪ )(1‬باعتبار هذا الحديث محل خالف بين المناهج‪ ،‬فسنتحدث عنه بتفصيل هنا‪ ،‬وفي محال أخرى من هذه الدراسة‪.‬‬
‫‪ )(2‬نظر على سبيل المثال‪ :‬شرح النووي على صحيح مسلم‪ ،‬النووي‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1392 : ،2‬هـ ‪،‬‬
‫ج ‪ 11‬ص ‪ ،91‬وفيض القدير‪ ،‬المناوي‪ ،‬المكتبة التجارية الكبرى‪ ،‬مصر‪ ،1356 ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.210‬‬
‫‪ )(3‬من المراجع التي حققت في بيان وض‪::‬عه‪ :‬سلس‪::‬لة األح‪:‬اديث الض‪::‬عيفة والموض‪:‬وعة وأثره‪:‬ا الس‪::‬يئ في األم‪::‬ة‪ ،‬أب‪::‬و عب‪:‬د‬
‫الرحمن محمد ناصر الدين األلباني‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬الرياض‪ ،‬الممكلة العربية الس‪::‬عودية‪ :،‬الطبع‪::‬ة‪ :‬األولى‪ 1412 ،‬هـ ‪ 1992 /‬م‪ ،‬ج‬
‫‪ ،1‬ص‪ ،141‬وصفة صالة النبي ‪ ،‬األلباني‪ ،‬السعودية مكتبة المعارف‪ ،‬د ت‪ : ،‬ص‪.49 :‬‬
‫‪ )(4‬سورة األنعام‪.153 :‬‬
‫‪ )(5‬سورة األنفال‪.46 :‬‬
‫‪ )(6‬صحيح مسلم (‪)81 /1‬‬
‫‪ )(7‬اإلحكام في أصول األحكام‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.64‬‬
‫‪ )(8‬سلسلة األحاديث الضعيفة والموضوعة ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.141‬‬
‫‪ )(9‬سورة النساء‪.82 :‬‬
‫‪ )(10‬سلسلة األحاديث الضعيفة والموضوعة ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.142‬‬
‫‪16‬‬
‫‪ 1‬ـ بما ورد في الحديث المشهور أن النبي ‪ ‬قال لمعاذ حين بعث‪::‬ه إلى اليمن‪ ( :،‬كي‪::‬ف تص‪::‬نع إن ع‪::‬رض‬
‫لك قضاء؟)‪ ،‬قال‪ :‬أقضي بما في كتاب هللا‪ .‬قال‪( :‬فإن لم يكن في كتاب هللا؟) قال‪ :‬فبسنة رسول‪ :‬هللا ‪ ،‬قال‪( :‬ف‪:‬إن‬
‫لم يكن في سنة رسول‪ :‬هللا ‪‬؟ قال‪ :‬أجتهد رأيي‪ ،‬ال آلو‪ .‬قال‪ :‬فضرب رسول هللا ‪ ‬صدري‪ ،‬ثم ق‪::‬ال‪( :‬الحم‪::‬د هلل‬
‫الذي وفق رسول رسول‪ :‬هللا لما يرضي رسول‪ :‬هللا)(‪)1‬‬
‫‪ 2‬ـ بما ورد عن الصحابة من منهجهم في الفتوى‪ ،‬ومن ذلك ما روي‪ :‬عن حريث بن ظه‪::‬ير‪ -‬ق‪::‬ال‪ :‬أحس‪::‬ب‪-‬‬
‫أن عبد هللا قال‪ :‬قد أتى علينا زمان وما نسأل‪ ،‬وم‪::‬ا نحن هن‪::‬اك‪ ،‬وإن هللا ق‪::‬در أن بلغت م‪::‬ا ت‪::‬رون‪ ،‬ف‪::‬إذا س‪::‬ئلتم عن‬
‫شيء فانظروا‪ :‬في كتاب هللا‪ ،‬فإن لم تجدوه في كتاب هللا ففي سنة رسول هللا ‪ ،‬فإن لم تجدوه في سنة رس‪::‬ول هللا‬
‫‪ ‬فما أجمع عليه المسلمون فإن لم يكن فيما أجمع عليه المسلمون فاجتهد‪ :‬رأيك وال تقل‪ :‬إني أخاف وأخشى‪ ،‬فإن‬
‫الحالل بين والحرام‪ :‬بين‪ ،‬وبين ذلك أمور مشتبهة‪ ،‬فدع ما يريبك إلى ما ال يريبك)(‪)2‬‬
‫ومثله ما روي‪ :‬عن شريح‪ ،‬أن عمر بن الخطاب كتب إلي‪:‬ه‪( :‬إن ج‪:‬اءك ش‪::‬يء في كت‪::‬اب هللا‪ ،‬ف‪:‬اقض ب‪:‬ه وال‬
‫تلفتك عنه الرجال‪ ،‬فإن جاءك ما ليس في كتاب هللا فانظر‪ :‬سنة رسول هللا ‪ ،‬فاقض بها‪ ،‬فإن ج‪::‬اءك م‪::‬ا ليس في‬
‫كتاب هللا ولم يكن فيه سنة من رسول هللا ‪ ،‬فانظر‪ :‬ما اجتمع عليه الناس فخذ به‪ ،‬ف‪::‬إن ج‪::‬اءك م‪::‬ا ليس في كت‪::‬اب‬
‫هللا ولم يكن في سنة رسول‪ :‬هللا ‪ ،‬ولم يتكلم فيه أحد قبلك‪ ،‬فاختر أي األمرين شئت‪ :‬إن شئت أن تجتهد برأيك ثم‬
‫تقدم فتقدم‪ ،‬وإن شئت أن تتأخر‪ ،‬فتأخر‪ ،‬وال أرى التأخر إال خيرا لك)(‪)3‬‬
‫الثاني‪ :‬هو االستفادة من اجتهادات المجتهدين من الفقهاء من أصحاب المذاهب وغيرهم من غير تقليد له‪::‬ا‪،‬‬
‫ولهذا فإن هذا المنهج ال ينكر التمذهب مطلقا‪ ،‬بل ينكر ت‪::‬رك ال‪::‬دليل ألج‪::‬ل الم‪::‬ذهب‪ ،‬كم‪::‬ا ج‪::‬اء في ال‪::‬درر الس‪::‬نية‪:‬‬
‫(ونحن أيضا في الفروع‪ ،‬على م‪::‬ذهب اإلم‪::‬ام أحم‪::‬د بن حنب‪::‬ل‪ ،‬وال ننك‪::‬ر على من قل‪::‬د أح‪::‬د األئم‪::‬ة األربع‪::‬ة‪ ،‬دون‬
‫غيرهم‪ ،‬لعدم ضبط مذاهب الغير‪ ،‬الرافض‪::‬ة‪ ،‬والزيدي‪::‬ة‪ ،‬واإلمامي‪::‬ة‪ ،‬ونح‪::‬وهم‪ ،‬وال نق‪::‬رهم ظ‪::‬اهرا على ش‪::‬يء من‬
‫مذاهبهم الفاسدة‪ ،‬بل نجبرهم على تقليد أحد األئمة األربعة‪ ..‬وال نس‪::‬تحق مرتب‪::‬ة االجته‪::‬اد المطل‪::‬ق‪ ،‬وال أح‪::‬د ل‪::‬دينا‬
‫يدعيها‪ ،‬إال أننا في بعض المسائل‪ ،‬إذا صح لنا نص جلي‪ ،‬من كت‪::‬اب‪ ،‬أو س‪::‬نة غ‪::‬ير منس‪::‬وخ‪ ،‬وال مخص‪::‬ص‪ ،‬وال‬
‫معارض بأقوى‪ :‬منه‪ ،‬وقال به أحد األئمة األربعة‪ :‬أخذنا به‪ ،‬وتركنا المذهب‪ ،‬كإرث الجد واإلخوة‪ ،‬فإنا نق‪::‬دم الج‪::‬د‬
‫باإلرث‪ ،‬وإن خالف مذهب الحنابلة‪ ..‬وال نفتش على أحد في مذهبه‪ ،‬وال نع‪::‬ترض علي‪::‬ه‪ ،‬إال إذا اطلعن‪::‬ا على نص‬
‫جلي‪ ،‬مخالف لمذهب أحد األئمة‪ ،‬وكانت المسألة مم‪::‬ا يحص‪::‬ل به‪::‬ا ش‪::‬عار‪ :‬ظ‪::‬اهر‪ ،‬كإم‪::‬ام الص‪::‬الة‪ ،‬فن‪::‬أمر الحنفي‪،‬‬
‫والمالكي‪ :‬مثال‪ ،‬بالمحافظة على نحو الطمأنينة في االعتدال‪ ،‬والجلوس بين السجدتين‪ ،‬لوضوح‪ :‬دليل ذل‪::‬ك‪ ،‬بخالف‬
‫جهر اإلمام الشافعي بالبسملة‪ ،‬فال نأمره باإلسرار‪ ،‬وشتان ما بين المسألتين‪ ،‬فإذا ق‪::‬وي ال‪::‬دليل أرش‪::‬دناهم‪ :‬ب‪::‬النص‪،‬‬
‫وإن خالف المذهب‪ ،‬وذلك يك‪:‬ون ن‪:‬ادرا ج‪::‬دا‪ .‬وال م‪:‬انع من االجته‪:‬اد في بعض المس‪::‬ائل دون بعض‪ ،‬فال مناقض‪::‬ة‬
‫لعدم دعوى االجتهاد‪ ،‬وقد‪ :‬سبق جمع من أئمة المذاهب األربع‪::‬ة‪ ،‬إلى اختي‪::‬ارات لهم في بعض المس‪::‬ائل‪ ،‬مخ‪::‬الفين‬
‫للمذهب‪ ،‬الملتزمين تقليد صاحبه)(‪)4‬‬

‫‪ )(1‬مسند أحمد‪ ،‬ج‪ ،36‬ص ‪ ،333‬قال محققه‪ :‬إسناده ضعيف إلبهام أصحاب معاذ وجهالة الحارث بن عمرو‪ ،‬لكن مال إلى‬
‫الق‪::‬ول بص‪::‬حته غ‪::‬ير واح‪::‬د من المحققين من أه‪::‬ل العلم‪ ،‬منهم أب‪::‬و بك‪::‬ر ال‪:‬رازي وأب‪::‬و بك‪::‬ر بن الع‪::‬ربي والخطيب البغ‪::‬دادي وابن قيم‬
‫الجوزية‪.‬‬
‫وقال ابن القيم‪( :‬حديث وإن كان عن غير مسمين فهم أصحاب معاذ فال يضره ذلك؛ ألنه يدل على ش‪:‬هرة الح‪:‬ديث وأن ال‪:‬ذي‬
‫حدث به الحارث بن عمرو عن جماعة من أصحاب معاذ ال واحد منهم‪ ،‬وهذا أبلغ في الشهرة من أن يكون عن واحد منهم لو سمي‪،‬‬
‫كيف وشهرة أصحاب مع‪::‬اذ ب‪::‬العلم وال‪::‬دين والفض‪::‬ل والص‪::‬دق بالمح‪::‬ل ال‪::‬ذي ال يخفى؟ وال يع‪::‬رف في أص‪::‬حابه متهم وال ك‪::‬ذاب وال‬
‫مجروح‪ ،‬بل أصحابه من أفاضل المسلمين وخيارهم‪ ،‬ال يشك أهل العلم بالنقل في ذلك‪ ،‬كيف وشعبة حام‪::‬ل ل‪::‬واء ه‪::‬ذا الح‪::‬ديث؟ وق‪::‬د‬
‫قال بعض أئمة الحديث‪ :‬إذا رأيت شعبة في إسناد حديث فاشدد يديك به) (إعالم الموقعين عن رب العالمين‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.155‬‬
‫‪ )(2‬مسند الدارمي المعروف بسنن الدارمي‪ ،‬أبو محمد عبد هللا بن عبد الرحمن الدارمي‪ ،‬التميمي الس‪::‬مرقندي‪ ،‬تحقي‪:‬ق‪ :‬نبي‪:‬ل‬
‫هاشم الغمري‪ ،‬دار البشائر (بيروت)‪ ،‬ط‪1434 ،1‬هـ ‪2013 -‬م‪ ،‬ص ‪.136‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.135‬‬
‫‪ )(4‬الدرر السنية في األجوبة النجدية‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪.227‬‬
‫‪17‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫المنهج المذهبي‬
‫ي‪:‬راد ب‪:‬المنهج الم‪:‬ذهبي(‪ )1‬في الفت‪:‬وى المنهج ال‪:‬ذي يعتم‪:‬د على م‪:‬ا أف‪:‬رزه التقلي‪:‬د الم‪:‬ذهبي لألئم‪:‬ة األربع‪:‬ة‬
‫خصوصا من تراث فقهي كبير مس جميع المجاالت من كتب التفسير وشروح الحديث‪ ،‬إلى متون الفقه وشروحها‪:‬‬
‫وحواشيها‪ ،‬باإلضافة إلى م‪:‬ا كتب في خص‪:‬وص الفت‪:‬وى في المتغ‪:‬يرات الحادث‪:‬ة في ك‪:‬ل عص‪:‬ر مم‪:‬ا يس‪:‬مى بفق‪:‬ه‬
‫النوازل‪.‬‬
‫وهذا المنهج بدأ متقدما على المذاهب األربعة‪ ،‬فقد كان لكل إمام من أئمة الفقه من يتبعه وي‪::‬ذهب مذهب‪::‬ه في‬
‫الفتوى‪ ،‬كما قال ابن عبد البر‪( :‬وقد كان العلماء ق‪::‬ديما ً وح‪::‬ديثاً‪ :‬يح‪::‬ذرون الن‪::‬اس من م‪::‬ذهب المك‪::‬يين أص‪::‬حاب ابن‬
‫عباس ومن سلك سبيلهم في المتعة والصرف‪ ،‬ويح‪::‬ذرون الن‪::‬اس من م‪::‬ذهب الكوف‪::‬يين أص‪::‬حاب ابن مس‪::‬عود ومن‬
‫سلك سبيلهم في النبيذ الشديد‪ ،‬ويحذرون الناس من مذهب أهل المدينة في الغناء)(‪)2‬‬
‫ولكنه بعد ذلك وألسباب كثيرة‪ ،‬سنذكر‪ :‬هنا بعضها‪ ،‬اقتصرت داللت‪::‬ه على أتب‪::‬اع الم‪::‬ذاهب األربع‪::‬ة‪ ،‬وال‪::‬تي‬
‫سرى إليها الخالف هي أيضا‪ ،‬فصار‪ :‬لكل مذهب فقهاؤه الكبار الذين توزع‪:‬وا على الم‪::‬دارس الفقهي‪::‬ة التقليدي‪::‬ة في‬
‫العالم اإلسالمية قرونا طويلة‪.‬‬
‫وقد اختلف أصحاب هذا المنهج في حكم االلتزام بهذه المذاهب بين متشدد ومتساهل‪:‬‬
‫فمن أمثال المتشددين ما عبر عن‪:‬ه ص‪::‬احب (الفواك‪::‬ه ال‪::‬دواني)‪ ،‬وه‪::‬و م‪::‬الكي الم‪::‬ذهب‪ ،‬بقول‪::‬ه‪( :‬وق‪::‬د انعق‪::‬د‬
‫إجماع المسلمين اليوم على وجوب متابعة واحد من األئمة األربع‪ :‬أبي حنيف‪::‬ة ومال‪::‬ك والش‪::‬افعي‪ :‬وأحم‪::‬د بن حنب‪::‬ل‬
‫وعدم جواز الخروج عن مذاهبهم‪ ،‬وإنما حرم تقليد غير هؤالء األربعة من المجتهدين‪ ،‬مع أن الجمي‪::‬ع على ه‪::‬دى‬
‫لعدم حفظ مذاهبهم لموت أصحابهم وعدم تدوينها‪ ،‬ولذا قال بعض المحققين‪ :‬المعتمد أنه يجوز تقليد األربعة‪ ،‬وكذا‬
‫من عداهم ممن يحفظ مذهبه في تلك المسألة ودون حتى عرفت ش‪::‬روطه وس‪::‬ائر‪ :‬معتبرات‪::‬ه‪ ،‬فاإلجم‪::‬اع‪ :‬ال‪::‬ذي نقل‪::‬ه‬
‫غير واحد كابن الصالح وإمام الحرمين والقرافي على منع تقليد الصحابة يحمل على ما فقد من‪::‬ه ش‪::‬رط من ذل‪::‬ك)‬
‫(‪)3‬‬
‫وقال الحطاب في (مواهب الجليل) معلال سبب االقتصار‪ :‬على المذاهب األربعة دون غيرها‪( :‬قال القرافي‪:‬‬
‫ورأيت للشيخ تقي الدين بن الص‪::‬الح م‪::‬ا معن‪::‬اه أن التقلي‪::‬د يتعين له‪::‬ذه األئم‪::‬ة األربع‪::‬ة دون غ‪::‬يرهم؛ ألن م‪::‬ذاهبهم‪:‬‬
‫انتشرت وانبسطت‪ :‬حتى ظهر فيها تقييد مطلقها وتخصيص‪ :‬عامها وشروط فروعها فإذا أطلقوا حكم‪::‬ا في موض‪::‬ع‬
‫وجد مكمال في موضع آخر ‪،‬وأما غيرهم فتنق‪::‬ل عن‪:‬ه الفت‪::‬اوى مج‪::‬ردة فلع‪::‬ل له‪::‬ا مكمال أو مقي‪::‬دا أو مخصص‪:‬ا‪ :‬ل‪::‬و‬
‫انضبط‪ :‬كالم قائله لظهر فيصير في تقليده على غير ثقة‪ ،‬بخالف هؤالء األربعة ق‪::‬ال‪ :‬وه‪::‬ذا توجي‪::‬ه حس‪::‬ن في‪::‬ه م‪::‬ا‬
‫ليس في كالم إمام الحرمين) (‪.)4‬‬

‫‪ )(1‬يطلق المذهب في اللغة‪ :‬على الطريق ومكان ال‪::‬ذهاب‪ ،‬يق‪::‬ال ذهب الق‪::‬وم م‪::‬ذاهب ش‪::‬تى إذا س‪::‬اروا طرائ‪::‬ق مختلف‪::‬ة‪ ،‬ق‪::‬ال‬
‫الزبيدي‪( :‬المذهب ‪ :‬المعتقد الذي يذهب إليه ‪ ..‬والمذهب الطريقة‪ ،‬يق‪::‬ال ‪ :‬ذهب فالن م‪::‬ذهبا ً حس‪::‬ناً‪ ،‬أي طريق‪::‬ة حس‪::‬نة) (انظ‪::‬ر‪ :‬ت‪::‬اج‬
‫العروس‪ ،‬الزبيدي‪ ،‬دار الرشاد‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ج‪1‬ص‪ ،752‬وانظر‪ :‬لسان العـرب‪)2/1081 ،‬‬
‫ويطلق في االصطالح‪ :‬على ما ذهب إليه إمام من األئمة في األحكام االجتهادية‪ ،‬ويطلق عند المتأخرين على ما ب‪::‬ه الفت‪::‬وى‪،‬‬
‫فيقولون المذهب في المسألة كـذا من باب إطالق الشيء على جزئه األهم‪ ،‬كإطالق الص‪:‬الة على الفاتح‪:‬ة‪ ،‬والحج عرف‪:‬ة‪ ،‬وبه‪:‬ذا ف‪:‬إن‬
‫(المذهب المالكي‪ :‬هو الطريق الذي س‪::‬لكه مال‪::‬ك في اس‪::‬تنباط األحك‪::‬ام االجتهادي‪::‬ة‪ .‬انظ‪::‬ر‪ :‬م‪::‬واهب الجلي‪::‬ل لشـرح مختص‪::‬ر خليـل‪،‬‬
‫الحطاب‪ ،‬دار الفكـر‪ ،‬ط‪.)1/24 ،1992 ،2:‬‬
‫‪ )(2‬التمهيد‪ :‬لما في الموطأ من المعاني واألسانيد‪ ،‬أبو عم‪::‬ر يوس‪::‬ف بن عب‪::‬د هللا بن عب‪::‬د ال‪::‬بر بن عاص‪::‬م النم‪::‬ري القرط‪::‬بي‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬مصطفى بن أحمد العلوي ‪ ,‬محمد عبد الكبير البكري‪ ،‬وزارة عموم األوقاف والشؤون اإلسالمية – المغ‪::‬رب‪ 1387 ،‬هـ‪ ،‬ج‬
‫‪ ،10‬ص‪.115‬‬
‫‪ )(3‬الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني‪ ،‬أحمد بن غانم (أو غنيم) بن س‪:‬الم ابن مهن‪::‬ا‪ ،‬ش‪::‬هاب ال‪::‬دين النف‪:‬راوي‬
‫األزهري المالكي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دط‪1415 ،‬هـ ‪1995 -‬م‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪.356‬‬
‫‪ )(4‬مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪.99‬‬
‫‪18‬‬
‫أما المتساهلون فهم الذين لم يحكموا‪ :‬بوجوب التزام هذه الم‪::‬ذاهب‪ ،‬ولم يحكم‪::‬وا بوج‪::‬وب االقتص‪::‬ار عليه‪::‬ا‪،‬‬
‫كما ورد في (البحر الرائق) وهو من كتب الحنفي‪::‬ة المعت‪::‬برة‪( :‬فص‪::‬ل‪ :‬يج‪::‬وز‪ :‬تقلي‪::‬د من ش‪::‬اء من المجته‪::‬دين‪ ،‬وإن‬
‫دونت المذاهب كاليوم‪ :‬وله االنتقال من مذهبه‪ ،‬لكن ال يتبع الرخص فإن تتبعها من المذاهب فهل يفسق وجهان)(‪)1‬‬
‫وقال النووي‪ ،‬وهو شافعي‪ :‬المذهب‪( :‬الذي يقتضيه الدليل أن‪::‬ه ال يلزم‪::‬ه التم‪::‬ذهب بم‪::‬ذهب‪ ،‬ب‪::‬ل يس‪::‬تفتي َمن‬
‫ط للرخص‪ ،‬ولعل َمن َمنَ َعه لم يثق بعدم تلقطه)(‪)2‬‬ ‫شاء‪ ،‬أو َم ِن اتَّفق من غير تلقُّ ٍ‬
‫ونقل ابن عابدين في حاشيته عن الشرنباللي‪ :‬قوله‪( :‬ليس على اإلنسان التزا ُم مذهب معين‪ ،‬وأن‪::‬ه يج‪::‬وز‪ :‬ل‪::‬ه‬
‫غ‪:‬ير إمام‪:‬ه مس‪:‬تجمعًا ش‪:‬روطه‪ ،‬ويعم‪:‬ل ب‪:‬أمرين متض‪:‬ادين في‬ ‫َ‬ ‫العمل بما يخالف ما عمل‪:‬ه على مذهب‪:‬ه مقل‪:‬دًا في‪:‬ه‬
‫حادثتين ال تعلق لواحدة منهما باألخرى‪ ،‬وليس له إبطال عين ما فعله بتقليد إمام آخر؛ ألن إمضاء الفعل كإمض‪::‬اء‬
‫القاضي ال ي ُنقَض)(‪)3‬‬
‫وهكذا نجد المتساهلين والمتش‪::‬ددين في ك‪::‬ل م‪::‬ذهب من الم‪::‬ذاهب‪ ،‬والمتس‪::‬اهلون ع‪::‬ادة يق‪::‬تربون من المنهج‬
‫السابق‪ ،‬أو ربما يميلون إلى المناهج األخرى‪ :‬التي سنعرض لها في المباحث الالحقة‪.‬‬
‫بناء على هذا سنعرض هنا – باختصار ش‪:‬ديد – لمث‪:‬ل م‪:‬ا عرض‪:‬نا إلي‪:‬ه في المبحث الس‪:‬ابق من أعالم ه‪:‬ذا‬
‫المنهج الذين يمثلونه‪ ،‬وأدلتهم‪ ،‬والمنهج أو اآلليات التنفيذية التي يعتمدون عليها في الفتوى‪.‬‬
‫أوال ـ أعالمه‪:‬‬
‫ليس من الصعوبة التعرف على أعالم هذا المنهج‪ ،‬والذين مثلوه طيلة التاريخ اإلسالمي‪ ،‬ذل‪:‬ك أنهم يك‪:‬ادون‬
‫يمثلون أكثر فقهاء هذه األمة‪ ،‬وتمثل كتبهم كثيرا من التراث الفقهي الضخم الذي وصل إلينا‪.‬‬
‫وهذا األمر غير مستغرب‪ ،‬ذلك أن الذين اعتمدوا فقه الدليل كانوا من النخبة‪ ،‬وهي مح‪::‬دودة ع‪::‬ادة‪ ،‬بخالف‬
‫الذين انتهجوا هذا المنهج فهم في أحسن أحوالهم مجتهدون في إطار المذهب ال يخرجون عنه‪.‬‬
‫وقد ساعد على هذه ال‪::‬وفرة في األعالم والمش‪::‬ايخ الفقه‪::‬اء أنهم رأوا أن م‪::‬ذاهبهم هي ال‪::‬تي تمث‪::‬ل الش‪::‬ريعة‪،‬‬
‫وبالتالي‪ :‬فإن نصرتها‪ :‬أو التعصب لها نصرة للشريعة نفسها‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك – ولسنا ندري‪ :‬مدى دقته ‪ -‬م‪::‬ا‬
‫ذكره تاج الدين السُبكي الشافعي(ت قرن‪8 :‬هـ) عن الحافظ عبد هللا األنصاري الهروي الحنبلي(ت ‪ 481‬هـ ) من‬
‫شدة تمسكه بالمذهب الحنبلي إلى درجة أنه كان ينشد على المنبر‪:‬‬
‫مت فوصيتي‪ :‬للناس أن يتحنبلوا‬‫حييت وإن ُ‬ ‫ُ‬ ‫أنا حنبلي ما‬
‫حتى أنه أيضا ترك الرواية عن شيخه القاضي أبي بكر الحيري لكونه أشعريا (‪.)4‬‬
‫ولم يكن أمر العلماء أو طلبة العلم قاصرا على تمسكهم بمذاهبهم‪ :‬أو تعصبهم‪ :‬لها فقط‪ ،‬وإنما ب‪::‬رز بن‪::‬وع من‬
‫العداوة للمخالفين لهم‪ ،‬وقد ساهم ذلك في تعميق هذا المنهج‪ ،‬ليصبح كل مذهب وكأنه شريعة من الش‪::‬رائع مس‪::‬تقال‬
‫عن غيره‪.‬‬
‫ومن األمثلة على هذا الفقيه الحنفي أبو عبد هللا محمد البالس‪::‬اغوني ال‪::‬تركي(ت ‪506‬ه)‪ ،‬وال‪::‬ذي ك‪::‬ان ش‪::‬ديد‬
‫التعصب للمذهب الحنفي‪ ،‬وش‪:‬ديد‪ :‬الع‪:‬داوة لمخالفي‪:‬ه‪ ،‬وخصوص‪::‬ا من الم‪:‬ذهب الش‪:‬افعي‪ ،‬وق‪:‬د‪ :‬حكي عن‪:‬ه – ولس‪:‬نا‬
‫ُ‬
‫ألخذت الجزية من الشافعية)(‪)5‬‬ ‫ندري مدى دقة ذلك‪ -‬أنه كان يقول‪( :‬لو كان لي والية‬

‫‪ )(1‬البحر الرائق شرح كنز الدقائق‪ ،‬زين الدين بن إبراهيم بن محمد‪ ،‬المعروف بابن نجيم المصري‪ ،‬دار الكتاب اإلس‪::‬المي‪،‬‬
‫ط‪ ،2‬ج‪ ،6‬ص‪.292‬‬
‫‪ )(2‬روضة الطالبين وعمدة المفتين‪ ،‬محيي الدين النووي‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثاني‪::‬ة‪1405 ،‬هـ‪ ،‬ج‪ ،11‬ص‬
‫‪.117‬‬
‫‪ )(3‬رد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين)‪ :،‬محمد أمين عابدين‪ :،‬دار إحي‪::‬اء ال‪::‬تراث الع‪::‬ربي (ب‪::‬يروت)‪ ،‬الطبع‪::‬ة‬
‫الثانية ‪1407‬هـ‪1987 ،‬م‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.51‬‬
‫‪ )(4‬طبقات الشافعية الكبرى‪ ،‬السبكي‪ ،‬حققه محمد الطناجي‪ ،‬ط ‪ ،2‬الجيزة‪ ،‬دار هجر‪ ،1992 ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪..473‬‬
‫‪ )(5‬معجم البلدان‪ ،‬شهاب الدين أبو عبد هللا ياقوت بن عبد هللا لرومي الحم‪::‬وي‪ ،‬دار ص‪::‬ادر‪ ،‬ب‪::‬يروت‪ ،‬ط‪ 1995 :،2‬م ج ‪،1‬‬
‫ص‪.476‬‬
‫‪19‬‬
‫ومن األمثلة الفقيه الشافعي‪ :‬أبو المظفر محمد بن محم‪::‬د ال‪::‬بروي‪( :‬ت ‪567‬ه )‪ ،‬وق‪::‬د ك‪::‬ان متعص‪::‬با‪ :‬للش‪::‬افعي‬
‫ُ‬
‫لوضعت على الحنابلة الجزية )‪ ،‬وق‪::‬د حص‪::‬ل ل‪::‬ه بس‪::‬بب ه‪::‬ذا أن‬ ‫مناوئا‪ :‬للحنابلة‪ ،‬وكان يقول عنهم‪( :‬لو أن لي أمر‬
‫دس له بعض الحنابلة من أهدى له شيئا فمات (‪. )1‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فإن التعصب الشديد ألصحاب المذاهب جعل فقهاء كل المذاهب يتنافسون في تكثير س‪::‬واد التالمي‪::‬ذ‬
‫وطلبة العلم على األسس التي تمسكوا‪ :‬بها‪ ،‬ليتمكنوا من نشر المذهب والحفاظ على وجوده‪ ،‬وق‪::‬د اس‪::‬تخدموا ألج‪::‬ل‬
‫هذا صنفين من الناس‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ الساسة والحكام‪ :‬باعتبارهم من أولي األم‪::‬ر ال‪::‬ذين تجب ط‪::‬اعتهم‪ ،‬وبالت‪::‬الي‪ :‬ف‪::‬إن الوص‪::‬ول‪ :‬إلى ه‪::‬ؤالء‬
‫يضمن للمذهب االنتشار الواسع‪.‬‬
‫وكمثال على ذلك دولة المرابطين (‪541-453‬ه) التي استطاعت أن تطبع المغرب الع‪::‬ربي بط‪::‬ابع الم‪::‬ذهب‬
‫المالكي(‪ ،)2‬في مقابل دولة الموح‪:‬دين (‪668-441‬ه) ال‪:‬تي ح‪:‬اربت التم‪:‬ذهب عام‪:‬ة‪ ،‬واش‪:‬تدت على ُخص‪:‬ومها‪ :‬من‬
‫المرابطين‪ ،‬فكفّرتهم واستباحت‪ :‬دماءهم(‪.)3‬‬
‫باإلضافة إلى م‪::‬ا له‪::‬ؤالء الحك‪::‬ام من ق‪::‬درة على بن‪::‬اء الم‪::‬دارس والمس‪::‬اجد ال‪::‬تي ترس‪::‬خ االنتم‪::‬اء الم‪::‬ذهبي‪،‬‬
‫وكمثال على ذلك الملك قطب الدين محمد بن الملك صاحب سنجار‪ :‬الزنكي(ت بعد‪594:‬ه) الذي كان حنفيا مناوئ‪::‬ا‬
‫للشافعية‪ ،‬وقد بنى ألجل هذا مدرسة للحنفية بمدينة سنجار‪ ،‬وجعل النظر فيها للحنفية‪ ،‬بل اشترط‪ :‬أن يك‪::‬ون ب‪::‬واب‬
‫المدرسة وفراشها على المذهب الحنفي(‪.)4‬‬
‫وألج‪::‬ل ه‪::‬ذا انتش‪::‬رت الم‪::‬دارس والمس‪::‬اجد المرتبط‪::‬ة بالم‪::‬ذاهب المختلف‪::‬ة‪ ،‬وال‪::‬تي ال يمكن ذكره‪::‬ا هن‪::‬ا‬
‫لكثرتها‪ ،)5(:‬وقد‪ :‬كان لها دور كبير في إمداد المذاهب الفقهية بالكثير من العلماء وطلبة العلم‪ ،‬وهذا ما كان سببا في‬
‫كثرتهم‪ :‬وكثرة مصنفاتهم‪:.‬‬
‫باإلضافة إلى هذا فقد كان الجهاز القضائي في الدولة بيد أصحاب المذاهب‪ ،‬وقد كان لذلك دوره الكب‪::‬ير في‬
‫انتشار‪ :‬هذه المذاهب‪.‬‬
‫يقول المقريزي‪( :‬فلما كانت سلطنة الملك الظاهر بيبرس البندقداريّ‪ ،‬ولي بمص‪::‬ر والق‪::‬اهرة أربع‪:‬ة قض‪:‬اة‪،‬‬
‫وهم ش‪::‬افع ّي وم‪::‬الك ّي وحنف ّي وحنبل ّي‪ .‬فاس‪::‬تم ّر ذل‪::‬ك من س‪::‬نة خمس وس‪::‬تين وس‪::‬تمائة‪ ،‬ح‪::‬تى لم يب‪::‬ق في مجم‪::‬وع‪:‬‬
‫أمصار‪ :‬اإلسالم مذهب يعرف من مذاهب أهل اإلسالم سوى ه‪::‬ذه الم‪::‬ذاهب األربع‪::‬ة‪ ،‬وعقي‪::‬دة األش‪::‬عريّ‪ ،‬وعملت‬
‫ألهلها المدارس والخوانك والزوايا‪ :‬والربط في سائر ممالك اإلسالم‪ ،‬وع‪:‬ودي من تم‪:‬ذهب بغيره‪:‬ا‪ ،‬وأنك‪::‬ر علي‪::‬ه‪،‬‬
‫ولم يو ّل قاض وال قبلت شهادة أحد وال ق ّدم للخطابة واإلمامة والتدريس أحد ما لم يكن مقلدا ألح‪::‬د ه‪::‬ذه الم‪::‬ذاهب‪،‬‬
‫وأفتى‪ :‬فقهاء هذه األمصار في طول هذه الم ّدة بوجوب اتباع هذه المذاهب وتحريم ما عداها‪ ،‬والعمل على هذا إلى‬
‫اليوم)(‪)6‬‬

‫‪ )(1‬طبقات الفقهاء الشافعيين‪ :،‬أبو الفداء إس‪::‬ماعيل بن عم‪::‬ر بن كث‪::‬ير القرش‪:‬ي البص‪::‬ري ثم الدمش‪::‬قي‪ ،‬تحقي‪::‬ق‪ :‬د أحم‪::‬د عم‪::‬ر‬
‫هاشم‪ ،‬د محمد زينهم محمد عزب‪ ،‬مكتبة الثقافة الدينية‪ 1413 ،‬هـ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪.671‬‬
‫‪ )(2‬العبر‪ ،‬الذهبي‪ ،‬حققه صالح الدين المنجد‪ ،‬ط‪ ،2‬الكويت‪ ،‬مطبعة حكومة الكويت‪ ،1984 ،‬ج ‪ 4‬ص‪ ،60 :‬ومم‪::‬ا رواه في‬
‫هذا ما حصل للفقيه المالكي محمد بن زرقون (ت ‪622‬ه)‪ ،‬ذلك أنه لما أمر الس‪::‬لطان الموح‪::‬دي يوس‪::‬ف بن يعق‪::‬وب بع‪::‬دم ق‪::‬راءة ُكتب‬
‫الفروع عامة والمالكية خاصة‪ ،‬استمر ابن زرقون في تدريس الفقه المالكي متحديا ألم‪::‬ر الس‪::‬لطان‪ ،‬فلم‪:‬ا ظُف‪:‬ر ب‪:‬ه يُ‪:‬درّس الفق‪:‬ه أُخ‪:‬ذ‬
‫للقتل صبرا (نحو سنة‪591‬ه)‪ ،‬ثم سُجن ولم يُقتل‪ ،‬فطال سجنه وأحرقت كتبه (سيّر أعالم النبالء‪ ،‬الذهبي‪ ،‬حققه بشار عواد‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫مؤسسة الرسالة ج ‪ 22‬ص‪) 311 :‬‬
‫‪ )(3‬االستقصاء ألخبار دول المغرب األقصى‪ ،‬الناصري احمد بن خالد‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬دار الكتاب‪ ،‬ط‪ 1997 :،1‬ج ‪ 1‬ص‪:‬‬
‫‪.125‬‬
‫‪ )(4‬وفيات األعيان‪ ،‬ابن خلكان‪ ،‬حققه إحسان عباس‪ ،‬دار الثقافة‪ .1968 ،‬ج ‪ 2‬ص‪.331 :‬‬
‫‪ )(5‬للتوسع في ذلك انظر ‪ :‬الدارس في تاريخ المدارس‪ ،‬عبد القادر النعيمي‪ ،‬حققه جعفر الحسيني‪ ،‬دمش‪::‬ق‪ ،‬المجم‪::‬ع العلمي‪،‬‬
‫‪.1951‬‬
‫‪ )(6‬المواعظ واالعتبار بذكر الخطط واآلثار‪ ،‬أحمد بن علي‪ ،‬تقي الدين المقريزي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1418 :،1‬‬
‫هـ‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪.390‬‬
‫‪20‬‬
‫وقد أشار الشوكاني‪ :‬إلى الدور الذي يمارسه القضاة في ترسيخ المذاهب‪ ،‬فقال‪( :‬وق‪::‬د امتحن هللا تل‪::‬ك ال‪::‬ديار‬
‫بقضاة من المالكية يتجرؤون على سفك الدماء‪ ،‬بما ال يحل ب‪::‬ه أدنى تعزي‪::‬ر‪ ،‬ف‪::‬أراقوا دم‪::‬اء جماع‪::‬ة من أه‪::‬ل العلم‬
‫جهالة وضاللة وجرأة على هللا‪ ،‬ومخالفة لشريعة رسول هللا‪ ،‬وتالعبا بدينه‪ ،‬بمجرد نُصوص فقهي‪::‬ة‪ ،‬واس‪::‬تنباطات‬
‫فروعية ليس عليها أثارة من علم‪ ،‬فإنا هلل وإنا إليه راجعون)(‪)1‬‬
‫‪ 2‬ـ العامة والدهماء‪ :‬والذين انتشر التعصب المذهبي بينهم‪ ،‬فجعلهم ال يهتمون وال يستفتون إال من يرون‬
‫فيه ما رسخ فيهم من تمسك بالمذهب وتعصب‪ :‬له‪ ،‬بل وصل األمر بهم إلى إيذاء المخالفين‪ ،‬وحصلت بس‪::‬بب ذل‪::‬ك‬
‫الفتن بين أتباع المذاهب المختلفة‪.‬‬
‫ومن األمثلة على هذا ما ذك‪::‬ره المؤرخ‪::‬ون في أح‪::‬داث س‪::‬نة ‪ 447‬هجري‪::‬ة حيث حص‪::‬لت فتن‪::‬ة بين الحنابل‪::‬ة‬
‫والشافعية ببغداد‪ ،‬كان من أسبابها جهر الشافعية بالبسملة في الصالة‪ ،‬فانقسمت العامة بين مؤيد ومخ‪::‬الف‪ :‬لهم‪ ،‬ثم‬
‫انحازت كل طائفة إلى الطرف‪ :‬الذي م‪::‬الت إلي‪::‬ه‪ ،‬ثم توج‪::‬ه الحنابل‪::‬ة إلى أح‪::‬د مس‪::‬اجد الش‪::‬افعية‪ ،‬ونه‪::‬وا إمام‪::‬ه عن‬
‫الجه‪::‬ر بالبس‪::‬ملة‪ ،‬ثم تط‪::‬ور ال‪::‬نزاع إلى االقتت‪::‬ال‪ ،‬فتق‪::‬وى ج‪::‬انب الحنابل‪::‬ة وتقهق‪::‬ر ج‪::‬انب الش‪::‬افعية‪ ،‬ح‪::‬تى أُلزم‪::‬وا‬
‫البيوت ‪،‬و لم يقدروا‪ :‬على حضور صالة الجمعة وال الجماعات‪ ،‬خوفا من الحنابلة(‪.)2‬‬
‫واألمثلة على هذا أكثر من أن تحصر‪ ،‬وقد‪ :‬ساهمت جميعا في ترسيخ المذاهب‪ ،‬واالهتم‪::‬ام‪ :‬بتك‪::‬وين الفقه‪::‬اء‬
‫فيها‪ ،‬حتى يتقوى كل طرف على األطراف األخرى‪.‬‬
‫ثانيا ـ أدلته‪:‬‬
‫يستند أصحاب هذا المنهج إلى أدلة كثيرة نلخص أهمها فيما يلي‪:‬‬
‫الدليل األول‪:‬‬
‫صعوبة االجتهاد‪ ،‬بل استحالته على العامة وطلب‪::‬ة العلم‪ ،‬ب‪::‬ل ال يص‪::‬ل إلى االجته‪::‬اد بحس‪::‬ب الش‪::‬روط ال‪::‬تي‬
‫قرروها إال الثلة القليلة من العلماء‪ ،‬والذين ال يعدون في تصورهم أصحاب المذاهب األربعة ونظراؤهم‪:.‬‬
‫وقد أجاب الشيخ عليش في فتاواه عن سؤال قال صاحبه‪( :‬ما قولكم فيمن كان مقلدا ألحد األئم‪::‬ة األربع‪::‬ة م‬
‫وترك‪ :‬ذلك زاعما أنه يأخذ األحكام من القرآن واألحاديث الصحيحة تاركا لكتب الفقه مائال لقول أحم‪::‬د بن إدريس‬
‫بذلك قائال‪ :‬إن كتب الفقه ال تخلو من الخطأ‪ ،‬وفيها أحكام كثيرة مخالفة لألحاديث الصحيحة‪ ،‬وكيف ت‪::‬ترك اآلي‪:‬ات‬
‫واألحاديث‪ :‬الصحيحة وتقلد األئمة في اجتهادهم المحتمل للخطأ‪ ،‬وقائال أيضا لمن تمسك بكالم األئمة ومقلديهم‪ :‬أن‪::‬ا‬
‫أقول لكم‪ :‬قال هللا أو ق‪::‬ال رس‪::‬ول هللا ‪ ‬وأنتم تقول‪::‬ون ق‪::‬ال مال‪::‬ك أو ابن القاس‪::‬م أو خلي‪::‬ل‪ ،‬فتق‪::‬ابلون كالم الش‪::‬ارع‬
‫المعصوم‪ :‬من الخطأ بكالم من يجوز عليهم الخطأ) (‪)3‬‬
‫فكتب في الجواب‪ ..( :‬ال يجوز‪ :‬لعامي أن يترك تقليد األئمة األربعة ويأخذ األحكام من الق‪::‬رآن واألح‪::‬اديث؛‬
‫ألن ذلك له شروط‪ :‬كثيرة مبينة في األصول ال توجد في أغلب العلماء وال سيما في آخر الزمان الذي عاد اإلسالم‬
‫فيه غريبا كما بدأ غريبا‪ ،‬وألن كثيرا من القرآن واألحاديث ما ظاهره صريح الكف‪::‬ر وال يعلم تأويل‪::‬ه إال هللا تع‪::‬الى‬
‫والراسخون في العلم)(‪)4‬‬
‫واستدل لهذا بما ورد‪ :‬عن السلف من خطورة الرجوع إلى الكتاب والسنة وحدهما من غير استناد إلى رؤية‬
‫المجتهدين من الفقهاء‪ ،‬فنقل عن ابن عيينه قوله‪( :‬الحديث مضلة إال للفقهاء)‪ ،‬وعلق عليه بقوله‪ ( :‬يريد أن غيرهم‬
‫قد يحمل الشيء على ظاهره وله تأويل من حديث غيره أو دلي‪::‬ل يخفى علي‪::‬ه أو م‪::‬تروك أوجب ترك‪::‬ه غ‪::‬ير ش‪::‬يء‬

‫‪ )(1‬البدر الط‪::‬الع بمحاس‪::‬ن من بع‪:‬د‪ :‬الق‪::‬رن الس‪::‬ابع‪ ،‬محم‪::‬د بن علي بن محم‪::‬د بن عب‪::‬د هللا الش‪::‬وكاني اليم‪::‬ني‪ ،‬دار المعرف‪::‬ة ‪-‬‬
‫بيروت‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪..21‬‬
‫‪ )(2‬أرخت الكثير من المراجع التاريخية ألمثال هذه األحداث‪ ،‬منها على سبيل المثال‪ :‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ابن األث‪::‬ير‪ ،‬حقق‪::‬ه‬
‫عبد هللا القاضي‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،1995 ،‬ج ‪ 8‬ص‪.73 :‬‬
‫‪ )(3‬فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب اإلمام مالك‪ ،‬محمد بن أحم‪::‬د بن محم‪::‬د عليش‪ ،‬أب‪::‬و عب‪::‬د هللا الم‪::‬الكي (المت‪::‬وفى‪:‬‬
‫‪1299‬هـ)‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪.85‬‬
‫‪ )(4‬فتح العلي المالك‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.90‬‬
‫‪21‬‬
‫وتفقه) (‪)1‬‬ ‫مما ال يقوم به إال من استبحر‪:‬‬
‫ونقل عن عبد الرحمن بن مهدي قوله‪( :‬السنة المتقدمة من سنة أهل المدينة خير من الحديث)‬
‫ونق‪::‬ل عن النخعي قول‪::‬ه‪( :‬ل‪::‬و رأيت الص‪::‬حابة يتوض‪::‬ئون إلى الك‪::‬وعين لتوض‪::‬أت‪ :‬ك‪::‬ذلك وأن‪::‬ا أقرؤه ‪:‬ا‪ :‬إلى‬
‫المرافق‪ :‬؛وذلك ألنهم ال يتهمون في ترك السنن وهم أرباب العلم وأحرص خلق هللا على اتب‪::‬اع رس‪::‬ول هللا ‪ ‬وال‬
‫يظن ذلك بهم أحد إال ذو ريبة في دينه) (‪)2‬‬
‫وقد رد أصحاب المنهج االس‪::‬تداللي‪ :‬على ه‪::‬ذا ببي‪::‬ان س‪::‬هولة االجته‪::‬اد‪ ،‬وأن‪::‬ه ليس بالص‪::‬عوبة ال‪::‬تي يعتق‪::‬دها‬
‫المقلدون‪ ،‬ومن الردود‪ :‬المفصلة في هذا م‪::‬ا رد ب‪::‬ه ابن ال‪::‬وزير‪( :‬ت‪840 :‬هـ) في كتاب‪::‬ه (العواص‪:‬م‪ :‬والقواص‪:‬م‪ :‬في‬
‫الذب عن سنة أبي القاسم)‪ ،‬فقد ذك‪:‬ر اآلث‪:‬ار الكث‪:‬يرة عن الس‪:‬لف‪ ،‬وال‪:‬تي ت‪:‬دل على أن االجته‪:‬اد ال يحت‪:‬اج إلى ك‪:‬ل‬
‫التعقيدات التي وضعها‪ :‬المذهبيون‪ ،‬يقول في ذلك‪( :‬إن اجتها َد أولئك يَ ‪:‬دُلُّ على ُس ‪:‬هولَ ِة االجته‪::‬اد‪ ،‬ألن الظ‪::‬ا ِه َر من‬
‫أحوالهم أنَّهم ما اشتغلوا‪ :‬بالعلم ِم ْث َل اشتغال المتأخرين‪ ،‬وال قريبا ً منه‪ ،‬وكان الواح ُد منهم يَحْ فَظُ ِمنَ ُّ‬
‫الس‪:‬نة م‪::‬ا اتف‪::‬ق‬
‫ق وال مبالغ‪ٍ :‬ة في طلب النص‪::‬وص ِمن س‪::‬ائر أص‪::‬حابه‪،‬‬ ‫غير درس لِما َس ِم َعهُ‪ ،‬وال تعلي‪ٍ :‬‬ ‫أنَّه َس ِم َعه من النب ِّي ‪ِ ‬من ِ‬
‫الج‪َّ :‬د ِة من الم‪::‬يراث‪ ،‬وأدنى‬ ‫َص‪:‬يبُ َ‬ ‫‪:‬ر م‪::‬ا درى َك ْم ن ِ‬
‫ث الحادثة عن األدلة‪ ،‬فهذا أب‪::‬و بك‪ٍ :‬‬ ‫وإنما كانوا يبحثون عن َد حدو ِ‬
‫ُس حتى ق‪::‬ا َم فيهم‪ :‬وس‪::‬ألهم‪ ،‬ول‪::‬و أن رجالً ممن يَ‪َّ :‬دعي االجته‪::‬ا َد في‬ ‫أن لَهَا ال ُّسد َ‬
‫العلم في زماننا ال يخفي عليه َّ‬ ‫طلب ِة ِ‬
‫‪:‬رفُ‬ ‫َّ‬
‫نصيب الجدة‪ ،‬لكثر عليه أه ُل التعسير‪ :‬لالجتهاد‪ ،‬وعَظ ُموا‪ :‬هذا عليه‪ ..‬وكذلك ُع َمر ما ك‪::‬ان يَ ْع‪ِ :‬‬‫َّ‬ ‫َ‬ ‫زماننا‪ :‬ما َع َرفَ‬
‫ث المرأه من ِدية زوجها وك‪::‬ذلك ابنُ عب‪::‬اس ق‪::‬ال‪ :‬ال رب‪::‬ا إِالُّ في النَّس‪::‬يئة ح‪::‬تى‬ ‫النصوص في ِديَ ِة األصابع‪ ،‬وتوري ِ‬
‫َ‬
‫رفَ أن ال ُم ْت َعةَ منسوخةٌ)(‪)3‬‬ ‫بلغه النص‪ ،‬وكذلك ما َع َ‬
‫ثم تتبع كل الشروط‪ :‬التي وضعها‪ :‬المذهبيون شرطا‪ :‬شرطا‪ ،‬وبين أنها ليست بالصورة ال‪::‬تي وض‪::‬عوها‪ ،‬وأن‬
‫قصدهم‪ :‬من ذلك ليس إال غلق باب االجتهاد‪.‬‬
‫الدليل الثاني‪:‬‬
‫أن وجود‪ :‬األدلة وعدمها سواء بالنسبة للعامة‪ ،‬وغير من توفرت فيهم ملكة االجتهاد‪ ،‬ول‪:‬ذلك ال مف‪::‬ر لهم من‬
‫اس‪:‬أَلُوا أَ ْه َ‬
‫‪:‬ل ال‪ِّ :‬ذ ْك ِر إِ ْن ُك ْنتُ ْم اَل تَ ْعلَ ُم‪:‬ونَ ﴾(‪ ،)4‬يق‪:‬ول الش‪:‬اطبي مبين‪:‬ا وج‪:‬ه‬ ‫التقليد‪ ،‬وقد‪ :‬استدلوا لذلك بقول‪:‬ه تع‪:‬الى‪﴿ :‬فَ ْ‬
‫االستدالل باآلية على جواز التقليد‪ ،‬بل وجوبه‪( :‬والدليل عليه أن وجود األدلة بالنسبة إلى المقلدين وعدمها سواء؛‬
‫إذ كانوا ال يستفيدون منها شيئا؛ فليس النظر في األدلة واالستنباط من ش‪::‬أنهم‪ ،‬وال يج‪::‬وز ذل‪::‬ك لهم ألبت‪::‬ة وق‪::‬د ق‪::‬ال‬
‫تعالى‪﴿ :‬فَاسْأَلُوا أَ ْه َل ال ِّذ ْك ِر إِ ْن ُك ْنتُ ْم اَل تَ ْعلَ ُمونَ ﴾(‪ ،)5‬والمقلد غير عالم؛ فال يصح ل‪::‬ه إال س‪::‬ؤال أه‪::‬ل ال‪::‬ذكر‪ ،‬وإليهم‬
‫مرجعه في أحكام الدين على اإلطالق‪ ،‬فهم إذن القائمون له مقام الشارع‪ ،‬وأقوالهم‪ :‬قائمة مقام أقوال الشارع)(‪)6‬‬
‫ويبين الشيخ محمد حسنين مخلوف أن أقوال المجتهدين ليست سوى‪ :‬ترجمة للمصادر الشرعية‪ ،‬ولذلك ف‪::‬إن‬
‫التلقي منها هو تلق من المصادر‪ :‬مباشرة‪ ،‬يقول في ذلك‪( :‬وقد اعت‪::‬بر األص‪::‬وليون وغ‪::‬يرهم أق‪::‬وال المجته‪::‬دين في‬
‫حق المقلدين القاصرين كاألدل‪:‬ة الش‪:‬رعية في ح‪:‬ق المجته‪:‬دين‪ ،‬ال ألن أق‪:‬والهم‪ :‬ل‪:‬ذاتها حج‪:‬ة على الن‪:‬اس تثبت به‪:‬ا‬
‫األحكام الشرعية كأقوال‪ :‬الرسل عليهم الص‪::‬الة والس‪::‬الم ف‪::‬إن ذل‪::‬ك ال يق‪::‬ول ب‪::‬ه أح‪::‬د؛ ب‪::‬ل ألنه‪::‬ا مس‪::‬تندة إلى مآخ‪::‬ذ‬
‫شرعية بذلوا جه‪::‬دهم في اس‪::‬تقرائها وتمحيص دالئله‪::‬ا م‪::‬ع ع‪::‬دالتهم وس‪::‬عة اطالعهم واس‪::‬تقامة أفه‪::‬امهم‪ :‬وعن‪::‬ايتهم‬
‫بضبط‪ :‬الش‪::‬ريعة وحف‪::‬ظ نصوص‪::‬ها‪ :،‬ول‪::‬ذلك ش‪::‬رطوا في المس‪::‬تثمر لألدل‪::‬ة المس‪::‬تنبط‪ :‬لألحك‪::‬ام الش‪::‬رعية من أدلته‪::‬ا‬
‫التفص‪::‬يلية ‪ -‬لكونه‪::‬ا ظني‪::‬ة ال تنتج إال ظن‪::‬ا ‪ -‬أن يك‪::‬ون ذا تأه‪::‬ل خ‪::‬اص وق‪::‬وة خاص‪::‬ة وملك‪::‬ة قوي‪::‬ة يتمكن به‪::‬ا من‬
‫‪ )(1‬فتح العلي المالك‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.90‬‬
‫‪ )(2‬فتح العلي المالك‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.90‬‬
‫‪ )(3‬العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم‪ ،‬ابن ال‪:‬وزير‪ ،‬محم‪:‬د بن إب‪:‬راهيم‪ ،‬تحقي‪::‬ق‪ :‬ش‪::‬عيب األرن‪::‬ؤوط‪ ،‬مؤسس‪::‬ة‬
‫الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ 1415 ،3‬هـ ‪ 1994 -‬م‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.27‬‬
‫‪ )(4‬سورة النحل‪.43 :‬‬
‫‪ )(5‬سورة النحل‪.43 :‬‬
‫‪ )(6‬الموافقات‪ ،‬إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرن‪:‬اطي الش‪:‬هير بالش‪:‬اطبي‪ ،‬تحقي‪:‬ق‪ :‬أب‪:‬و عبي‪:‬دة‪ :‬مش‪:‬هور بن حس‪:‬ن آل‬
‫سلمان‪ ،‬دار ابن عفان‪ ،‬ط‪1417 ،1‬هـ‪1997 /‬م ‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪.337‬‬
‫‪22‬‬
‫المستطاع) (‪)1‬‬ ‫تمحيص األدلة على وجه يجعل ظنونه بمثابة العلم القطعي صونا‪ :‬ألحكام الدين عن الخطأ بقدر‬
‫ومن هذا المنطلق بين أن التقليد على العوام واجب‪ ،‬كما أن االجتهاد‪ :‬على غ‪::‬يرهم ممن ت‪::‬وفرت فيهم أدوات‬
‫االجتهاد واجب‪ ،‬يقول في ذلك‪( :‬وكم‪::‬ا أم‪::‬ر هللا تع‪::‬الى ورس‪::‬وله المس‪::‬تعدِّين لالجته‪::‬اد بب‪::‬ذل الوس‪::‬ع في النظ‪::‬ر في‬
‫المآخذ الشرعية لتحصيل أحكامه تعالى‪ ،‬أم‪:‬ر القاص‪:‬رين عن رتب‪:‬ة االجته‪:‬اد من أه‪:‬ل العلم باتِّب‪:‬اعهم والس‪:‬عي‪ :‬في‬
‫تحصيل ما يؤهلهم لبلوغ هذا المنصب الشريف‪ ،‬أو ما ه‪::‬و دون‪::‬ه حس‪::‬ب اس‪::‬تعدادهم في العلم والفهم‪ ،‬وأم‪::‬ر العا َّمة‬
‫اس‪:‬أَلُوا‪ :‬أَ ْه‪َ :‬‬
‫‪:‬ل ال‪ِّ :‬ذ ْك ِر إِ ْن ُك ْنتُ ْم اَل‬ ‫الذين ليسوا من أهل العلم بالرجوع إلى العلماء واألخذ ب‪::‬أقوالهم‪ :‬كم‪::‬ا ق‪::‬ال تع‪::‬الى‪﴿ :‬فَ ْ‬
‫تَ ْعلَ ُمونَ ﴾(‪ ،)2‬أي‪ :‬بحكم النازل‪::‬ة ليخ‪::‬بروكم‪ :‬بم‪::‬ا اس‪::‬تنبطوه من أدل‪::‬ة الش‪::‬ريعة مقرونً‪:‬ا‪ :‬بدليل‪::‬ه من ق‪::‬ول هللا‪ ،‬أو ق‪::‬ول‬
‫رسوله‪ ،‬أو مجردا عنه‪ ،‬فإن ذكر الدليل من المجتهد أو العالم الموثوق به بالنسبة لـ َمن لم يعلم حكم هللا في النازل‪::‬ة‬
‫غير الزم خصوصًا إذا كان مـ َّمن ال يفهم وجه الداللة كأكثر عا َّمة األمة‪ ،‬أو كان الدليل ذا مق‪:‬دمات يتوق‪::‬ف فهمه‪:‬ا‬
‫وتقريب االستدالل بها على أمور ليس للعامي إلمام بها)(‪)3‬‬
‫الدليل الثالث‪:‬‬
‫أن هناك مصالح كثيرة ال تتحقق إال باتباع المذاهب األربعة خصوصا‪ ،‬يقول ال‪::‬دهلوي‪( :‬مم‪::‬ا يناس‪::‬بُ ه‪::‬ذا‬
‫أن ه‪:‬ذه الم‪:‬ذاهب األربع‪:‬ة‬ ‫المقام التنبيه على مسائل ضلت في بواديها األفها ُم ‪،‬وزلت األقدام‪ ،‬وطغت األقالم منه‪:‬ا َّ‬
‫ت األمةُ أو من يعت ُّد به منها على جواز تقليدها إلى بومنا هذا وفي ذلك من المص‪::‬الح م‪::‬ا ال يخفى‬
‫المدونة قد اجتمع ِ‬
‫وأعجب كلُّ ذي رأي برأيه) (‪)4‬‬
‫َ‬ ‫ت النفوسُ الهوى‪،‬‬
‫ال سيما في هذه األيام التي قصرت فيها الهمم‪،‬وأشرب ِ‬
‫الدليل الرابع‪:‬‬
‫ما ورد من األدلة على أنه يجوز خلو العصر‪ :‬عن المجته‪::‬د‪ ،‬ق‪::‬ال الزركش‪::‬ي ذاك‪::‬را ه‪::‬ذا‪ ،‬ومن ق‪::‬ال به‪::‬ا من‬
‫العلماء‪( :‬يجوز خلو العصر عن المجتهد عند األكثرين وجزم به في المحصول‪ ،‬وقال ال‪:‬رافعي ‪ :‬الخل‪:‬ق ك‪:‬المتفقين‬
‫على أنه ال مجتهد الي‪::‬وم ولعل‪::‬ه أخ‪::‬ذه من اإلم‪::‬ام ال‪::‬رازي‪ ،‬أو من ق‪::‬ول الغ‪::‬زالي في الوس‪::‬يط ‪ :‬ق‪::‬د خال العص‪::‬ر عن‬
‫المجتهد المستقل ونقل االتفاق فيه عجيب‪ ،‬والمسألة خالفية بيننا وبين الحنابلة‪ ،‬وساعدهم بعض أئمتنا‪ ،‬والح‪::‬ق أن‬
‫الفقيه الفطن القياس كالمجتهد‪ :‬في حق العامي‪ ،‬ال الناقل فقط) (‪)5‬‬
‫وق ‪:‬د‪ :‬أوردوا األدل‪::‬ة الكث‪::‬يرة على ه‪::‬ذا‪ ،‬وردوا‪ :‬بش‪::‬دة على من زعم لنفس‪::‬ه الق‪::‬درة على االجته‪::‬اد من أمث‪::‬ال‬
‫السيوطي وبقي بن مخلد وابن حزم وغيرهم‪.‬‬
‫ولهذا نرى عالما كالسيوطي‪ :‬يحاول بكل الوسائل أن يبرهن ألهل عصره أنه ق‪::‬د بل‪::‬غ مرتب‪::‬ة االجته‪::‬اد‪ ،‬وأن‬
‫ُ‬
‫بلغت وهلل الحمد والمنة‪ ،‬رُتبة‬ ‫دعوى غلق باب االجتهاد غير صحيحة‪ ،‬يقول في رسالته (التحدث بنعمة هللا)‪( :‬فقد‬
‫االجتهاد المطلق في األحكام الشرعية وفي‪ :‬الحديث النبوي‪ ،‬وفي العربية)(‪)6‬‬
‫بل إنه فوق ذلك يُصرح بأنهُ مجدد المائة التاسعة‪ ،‬يقول‪( :‬فإن ثم من ينفخ أشداقهُ ويدعي مناظرتي‪ ،‬ويُنك‪::‬ر‬
‫عل ّي دعوى االجتهاد والتفرد بالعلم على رأس هذ ِه المئة‪ ،‬ويزعم أنهُ يُعارضُني ويستجيش‪ :‬عل ّي بمن لو اجتمع ه‪::‬و‬
‫وه ُم في صعيد واح ٍد ونفخت عليهم نفخة صاروا‪ :‬هباءاً منثوراً)(‪)7‬‬
‫وألجل هذا كتب كتابه المعروف‪( :‬الرد على من أخلد إلى االرض وجهل أن االجتهاد في كل عصر فرض)‬

‫‪ )(1‬بلوغ السول في مدخل علم األصول‪ ،‬محمد حسنين محلوف‪ ،‬مطبعة مصطفى الحلبي‪ ،‬ص ‪.15‬‬
‫‪ )(2‬سورة النحل‪.43 :‬‬
‫‪ )(3‬بلوغ السول في مدخل علم األصول‪ ،‬محمد حسنين محلوف‪ ،‬مطبعة مصطفى الحلبي‪ ،‬ص ‪.15‬‬
‫‪ )(4‬حجة هللا البالغة‪ ،‬أحمد بن عبد الرحيم المعروف بـ «الشاه ولي هللا الدهلوي‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد سابق‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬ب‪::‬يروت –‬
‫لبنان‪ ،‬ط‪ 1426 ،1‬هـ ‪2005 -‬م‪ .‬ج ‪ ،1‬ص ‪.263‬‬
‫‪ )(5‬البحر المحيط في أصول الفقه‪ ،‬ج ‪ / 8‬ص ‪.240‬‬
‫‪ )(6‬التحدث بنعمة‪ :‬هللا‪ ،‬السيوطي‪ ،‬تحقيق‪:‬إليزابيث ماري سارتين‪ ،‬المطبعة العربية الحديثة‪ :،‬مصر‪1972 ،‬م‪ ،‬ص‪.205‬‬
‫‪ )(7‬الكشف عن مجاوزة هذ ِه األمة األلف‪ ،‬مطبوعة ضمن الحاوي للفتاوي‪ ،‬جالل الدين عبد الرحمن الس‪::‬يوطي‪ ،‬دار الفك‪::‬ر‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص‪.86‬‬
‫‪23‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وألجله أيضا كثرت كتبه ورسائله‪ ،‬ألنه كان يكتب في كل مسألة يختلف فيها مع المخالفين كتابا أو رس‪::‬الة‪،‬‬
‫مث‪::‬ل‪( :‬ط‪::‬رز العمام‪::‬ة في التفرق‪::‬ة بين المقام‪::‬ة والقمام‪::‬ة)‪ ،‬و(االستنص‪::‬ار بالواح‪ِ :‬د القه‪::‬ار)‪ ،‬و(الك‪::‬اوي في ت‪::‬اريخ‬
‫السخاوي)‬
‫‪:‬ألفت في ُك‪ِ :‬ل مس‪::‬ألة مؤلف‪:‬ا ً‬
‫(وخالفت أهل عص‪::‬ري في خمس‪::‬ين مس‪::‬ألة‪ ،‬ف‪ُ :‬‬ ‫ُ‬ ‫وقد نقل عنه بعض تالميذه قوله‪:‬‬
‫ُ‬
‫أثبت فيه وجه الحق)(‪)2‬‬
‫ثالثا ـ منهجه في الفتوى‪:‬‬
‫بناء على ما ذكرنا سابقا من كثرة أعالم هذا المنهج‪ ،‬وكثرة تصانيفهم في جميع العلوم الش‪:‬رعية‪ ،‬فإن‪:‬ه ليس‬
‫من الصعوبة التعرف على منهج الفتوى عندهم‪ ،‬فهم ينطلقون من اآلراء ال‪::‬تي اختاره‪::‬ا أئم‪::‬ة م‪::‬ذاهبهم أو أتب‪::‬اعهم‬
‫الكبار باعتبارها أصال يبنى عليه‪ ،‬وتفسر جميع النصوص على أساسه‪ ،‬بل وصل األمر إلى أن تصبح كالمصادر‪:‬‬
‫األصلية نفسها يقاس عليها ويستنبط منها‪ ،‬وهذا ما يسمى عندهم بمجتهد المذهب‪ ،‬أو مجتهد التخريج(‪.)3‬‬
‫وأدنى منه من كانت له القدرة على الترجيح بين أقوال إمامه المذكورة في الم‪::‬ذهب‪ ،‬ويطل ‪:‬ق‪ :‬عليه (مجته د‬
‫الترجيح)(‪)4‬‬
‫وأدنى منه (مجتهد الفتـوى)(‪ ،)5‬وهو من كانت له القدرة على فهـم فقه مـذهبه مـع حفـظه ل‪::‬ه‪ ،‬أو ألك‪::‬ثره‬
‫وفهمه لضـوابطه وتخريجـات‪ :‬أصحابه‪ ،‬ويستطيع‪ :‬الرجـوع إلى مص‪::‬ادر ه‪::‬ذا الم‪::‬ذهب؛ غ‪::‬ير أن عن‪::‬ده ض‪::‬عفا في‬
‫تقرير أدلته وتحـرير‪ :‬أقيستـه(‪.)6‬‬
‫وهذا التقسيم نجده عند جميع أتباع المذاهب األربعة‪ ،‬وإن اختلفت عباراتهم في ذلك‪.‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك هذا التقسيم ال‪::‬ذي ذك‪::‬ره الق‪::‬رافي في كتاب‪::‬ه (أن‪::‬وار ال‪::‬بروق في أن‪::‬واء الف‪::‬روق) تحت‬
‫عنوان‪( :‬الفرق بين قاعدة من يجوز له أن يفتي وبين قاعدة من ال يج‪::‬وز ل‪::‬ه أن يف‪::‬تي)(‪ )7‬فق‪::‬د قس‪::‬م األح‪::‬وال ال‪::‬تي‬
‫يكون عليها طلبة الفقه المالكي وعلماؤه إلى األحوال التالية‪:‬‬
‫الحالة األولى‪ :‬وهي من يشتغل بمختصر‪ :‬من مختصرات‪ :‬مذهب‪::‬ه في‪::‬ه مطلق‪::‬ات مقي‪::‬دة في غ‪::‬يره وعموم‪::‬ات‬
‫مخصوصة في غيره‬
‫والحكم في هذه الحالة ‪ -‬كما يقرر القرافي ‪ -‬هو أنه (متى كان الكتاب المعين حفظه وفهمه ك‪::‬ذلك‪ ،‬أو ج‪::‬وز‬
‫عليه أن يكون كذلك حرم عليه أن يفتي بما فيه وإن أج‪::‬اده حفظ‪::‬ا وفهم‪:‬ا‪ :‬إال في مس‪::‬ألة يقط‪::‬ع فيه‪::‬ا أنه‪::‬ا مس‪::‬توعبة‬
‫التقييد‪ ،‬وأنها ال تحتاج إلى معنى آخر من كتاب آخر‪ ،‬فيجوز‪ :‬له أن ينقلها لمن يحتاجها على وجهها من غير زيادة‬
‫وال نقصان‪ ،‬وتكون هي عين الواقعة المسئول عنها ال أنها تشبهها وال تخرج عليها بل هي هي حرفا بحرف‪ :‬ألن‪::‬ه‬
‫قد يكون هنالك فروق‪ :‬تمنع من اإللحاق أو تخصيص أو تقييد يمنع من الفتيا بالمحفوظ فيجب الوقف)(‪)8‬‬
‫الحالة الثانية‪ :‬أن يتسع تحصيل الطالب في المذهب بحيث يطلع من تفاصيل الشروحات‪ :‬والمط‪::‬والت على‬

‫‪ )(1‬طبع في دار الكتب لعلمية ‪ ،1403‬هـ في مجلد بتحقيق (خليل الميس)‬


‫صغرى‪ ،‬عبد الوهاب الشعراني‪ ،‬تحقيق‪:‬عبدالقادراحمد عطا‪ ،‬مكتبة القاهرة‪ ،‬مصر‪1970 ،‬م‪ ،‬ص‪.20‬‬ ‫‪ )(2‬الطبقات ال ُ‬
‫‪ )(3‬معنى التخريج في االصطالح الفقهي‪ :‬بناء فرع على أصل بجامع مشترك‪ ،‬وله طريقان‪ :‬األول يكون من القواعد الكلية‪،‬‬
‫والثاني‪ :‬يسمى التخ‪:‬ريج بالنق‪::‬ل‪ ،‬ب‪:‬أن يجع‪::‬ل نص اإلم‪:‬ام أص‪::‬ال‪ ،‬ويق‪:‬اس علي‪::‬ه‪.‬انظـر‪ :‬ن‪::‬وار بن الش‪:‬لي‪ ،‬التخ‪:‬ريج الم‪::‬ذهبي أصـوله‬
‫ومناهجـه‪ ،‬الرباط‪ ،1997،‬ص‪.52‬‬
‫‪ )(4‬انظر‪ :‬يعقوب بن عبد الوهاب الباحسين‪ ،‬التخريج عند الفقهاء واألصوليين‪ ،‬الرياض‪ ،‬مكتبة‪ :‬الرشاد‪1414،‬هـ‪ ،‬ص‪.313‬‬
‫‪ )(5‬الرد على من أخلد إلى االرض وجهل أن االجتهاد في ك‪::‬ل عص‪::‬ر ف‪:‬رض‪ ،‬الس‪::‬يوطي‪ ،‬تحقي‪::‬ق‪ :‬خلي‪::‬ل الميس‪ ،‬دار الكتب‬
‫لعلمية ‪ 1403‬هـ‪ ،‬ص‪.116‬‬
‫‪ )(6‬أدب الفتوى وشروط المفتي وصفة المستفتي وأحكامه وكيفية الفتوى واالس‪::‬تفتاء‪ ،‬ابن الص‪::‬الح الش‪::‬هر زوري‪ ،‬تحقي‪::‬ق‪:‬‬
‫فوزي عبد المطلب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة الخانجي‪ ،‬ط‪ ،.1992 ،1‬ص‪..47‬‬
‫‪ )(7‬أنوار البروق في أنواء الفروق‪ ،‬أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن المالكي الشهير بالقرافي‪ ،‬عالم‬
‫الكتب‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.107‬‬
‫‪ )(8‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.107‬‬
‫‪24‬‬
‫تقييد المطلقات وتخصيص العمومات‪ ،‬ولكنه مع ذلك لم يضبط‪ :‬مدارك إمامه ومس‪:‬نداته في فروع‪:‬ه ض‪:‬بطا‪ :‬متقن‪:‬ا‪،‬‬
‫بل سمعها من حيث الجملة من أفواه الطلبة والمشايخ‪.‬‬
‫والحكم في هذه الحالة كما يقرر القرافي‪ ،‬هو أنه (يج‪::‬وز ل‪::‬ه أن يف‪::‬تي بجمي‪::‬ع م‪::‬ا ينقل‪::‬ه ويحفظ‪::‬ه في مذهب‪::‬ه‬
‫اتباعا لمشهور‪ :‬ذلك المذهب بشروط‪ :‬الفتيا‪ ،‬ولكنه إذا وقعت له واقعة ليست في حفظه ال يخرجها على محفوظاته‪،‬‬
‫وال يقول هذه تشبه المسألة الفالنية ألن ذلك إنما يصح ممن أحاط بمدارك إمامه وأدلته وأقيسته وعلله التي اعتم‪::‬د‬
‫عليها مفصلة ومعرفة رتب تلك العلل ونسبتها إلى المصالح الشرعية‪ ،‬وهل هي من باب المص‪::‬الح الض‪::‬رورية أو‬
‫الحاجية أو التتميمية‪ ،‬وهل هي من باب المناسب الذي اعتبر نوعه في نوع الحكم أو جنسه في جنس الحكم‪ ،‬وه‪:‬ل‬
‫هي من باب المصلحة المرسلة التي هي أدنى رتب المصالح أو من قبيل ما شهدت لها أصول الشرع باالعتبار أو‬
‫هي من باب قي‪:‬اس الش‪:‬به أو المناس‪:‬ب أو قي‪:‬اس الدالل‪:‬ة أو قي‪:‬اس اإلحال‪::‬ة أو المناس‪::‬ب الق‪::‬ريب إلى غ‪::‬ير ذل‪:‬ك من‬
‫تفاصيل األقيسة ورتب العلل في نظر الشرع عند المجتهدين)(‪)1‬‬
‫ثم علل هذه المحدودية بما ذكرناه عن أصحاب هذا المنهج من أنهم يعتبرون أقوال األئم‪::‬ة أص‪::‬ال يمكن أن‬
‫يتعامل معه الفقيه كما يتعامل مع المصادر‪ :‬األصلية نفس‪:‬ها‪ ،‬يق‪:‬ول‪( :‬وس‪:‬بب ذل‪:‬ك أن الن‪:‬اظر في مذهب‪:‬ه والمخ‪:‬رج‬
‫على أصول إمامه نسبته إلى مذهبه وإمامه كنسبة إمامه إلى صاحب الشرع في اتب‪::‬اع نصوص‪::‬ه‪ ،‬والتخ‪::‬ريج على‬
‫مقاصده‪ ،‬فكما أن إمامه ال يجوز له أن يقيس مع قيام الفارق ألن الفارق مبط‪:‬ل للقي‪:‬اس والقي‪:‬اس الباط‪:‬ل ال يج‪:‬وز‬
‫االعتماد عليه‪ ،‬فكذلك هو أيضا ال يجوز‪ :‬له أن يخرج على مقاصد إمامه فرعا على فرع نص عليه إمامه مع قي‪::‬ام‬
‫الفارق بينهما لكن الفروق إنما تنشأ عن رتب العلل وتفاصيل أحوال األقيس‪:‬ة ف‪:‬إذا ك‪:‬ان إمام‪:‬ه أف‪:‬تى في ف‪:‬رع ب‪:‬ني‬
‫على علة اعتبر فرعها في نوع الحكم ال يجوز له هو أن يخرج على أصل إمامه فرعا مثل ذل‪::‬ك الف‪::‬رع لكن علت‪::‬ه‬
‫من قبيل ما شهد جنسه لجنس الحكم فإن النوع على النوع مقدم على الجنس في النوع وال يلزم من اعتبار األق‪::‬وى‬
‫اعتبار األضعف)(‪)2‬‬
‫الحال ة الثالثة‪ :‬وهي أن يتحقق ط‪::‬الب العلم ب‪::‬التمكن من الم‪::‬ذهب أص‪::‬وله وفروع‪::‬ه‪ ،‬وحكم ه‪::‬ذا كم‪::‬ا ي‪::‬ذكر‬
‫القرافي هو أنه (يجوز له أن يفتي في مذهبه نقال وتخريجا ويعتمد‪ :‬على ما يقوله في جميع ذلك)(‪)3‬‬
‫وقد نقل ابن فرحـون عن المـازري ‪ :‬أن الـذي يتصـدى للفت‪::‬وى‪ ،‬أقـل مراتب‪::‬ه أن يكــون ق‪::‬د اس‪::‬تبحر‪ :‬في‬
‫االطــالع على روايات الــمذهب‪ ،‬وتأوي‪:‬ل األش‪:‬ياخ لــها‪ ،‬وت‪:‬وجيههم لم‪:‬ا وقـع من االختـالف فيهـا وتشبيههـم‬
‫مسائــل بمسائل سبق إلى الذهن تباعدها‪ ،‬وتفريـعهم‪ :‬بين مسائــل يقــع فـي النـفـس تقــاربهــا(‪.)4‬‬
‫وبهذا فإن الفتيا في هذا المنهج ال تعتمد المصادر األصلية إال على سبيل التبعية‪ ،‬ف‪::‬النص عن‪::‬دهم ه‪::‬و ال‪::‬ذي‬
‫ينقاد للمذهب‪ ،‬ال المذهب ينقاد للنص‪ ،‬كما هو عليه الحال في المنهج السابق‪.‬‬
‫وبناء على هذا ألفت التفاسير وشروح الحديث الكثيرة‪ ،‬والتي تختلف الفه‪::‬وم فيه‪::‬ا ب‪::‬اختالف الم‪::‬ذاهب ال‪::‬تي‬
‫يتبعها أصحاب تلك الكتب‪ ،‬وقد برز التعصب المذهبي وآثاره على تلك المصنفات‪ ،‬حيث أص‪::‬بحت اآلي‪::‬ات تفس‪::‬ر‬
‫على قواعد المذهب في استنباط‪ :‬األحكام‪ ،‬وأخرجت للناس تفاسير ال نكاد نجد بينه‪::‬ا وبين أمه‪::‬ات كتب الفق‪::‬ه كب‪::‬ير‬
‫فارق‪ ،‬وخالط‪ :‬بعضها تعصب للمذهب مذموم‪ ،‬وجاء بعضها‪ :‬اآلخر محموداً‪)5( :‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك الفقيه المالكي ابن الع‪::‬ربي ص‪::‬احب (حك‪::‬ام الق‪::‬رآن) ال‪::‬ذي يق‪::‬ول عن‪::‬ه محم‪::‬د حس‪::‬ين‬
‫الذهبي‪ ( :‬إن الكت‪::‬اب يعت‪::‬بر‪ :‬مرجع‪:‬ا ً مهم‪:‬ا ً للتفس‪::‬ير الفقهى عن‪::‬د المالكي‪::‬ة‪ ،‬وذل‪::‬ك ألن مؤلف‪::‬ه م‪::‬الكى ت‪::‬أثر بمذهب‪::‬ه‪،‬‬
‫فظهرت‪ :‬عليه فى تفسيره روح التعصب له‪ ،‬والدفاع عنه‪ ،‬غير أنه لم يشتط فى تعصبه إلى الدرجة ال‪::‬تي يتغاض‪::‬ى‬
‫فيها عن كل زَ لَّة علمية تصدر من مجتهد مالكي‪ ،‬ولم يبلغ به التعسف إلى الحد ال‪::‬ذى يجعل‪::‬ه يفن‪::‬د كالم مخالف‪::‬ه إذا‬
‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.107‬‬
‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.108‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.110‬‬
‫‪ )(4‬تبصرة الحكام‪ ،‬ابن فرحون‪ ،‬مكتبة الكليات األزهرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،1986 ،1‬ج‪ ،1‬ص‪.76‬‬
‫‪ )(5‬انظر‪ :‬اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر‪ ،‬د‪ .‬فهد الرومي‪ ،‬طبع بإشراف إدارة البحوث العلمية‪ ،‬الري‪::‬اض‪ ،‬الطبع‪::‬ة‬
‫األولى‪ ،1407،‬ج‪ ،2‬ص‪.714‬‬
‫‪25‬‬
‫كان وجيها ً ومقبوالً‪ ،‬والذى يتصفح هذا التفس‪:‬ير يلمس من‪::‬ه روح اإلنص‪:‬اف لمخالفي‪::‬ه أحيان‪:‬اً‪ ،‬م‪:‬ا يلمس من‪:‬ه روح‬
‫التعصب المذهبي التي تستولى‪ :‬على صاحبها فتجعله أحيانا ً كثيرة يرمى مخالفه وإن كان إماما ً ل‪::‬ه قيمت‪::‬ه ومرك‪::‬زه‬
‫بالكلمات المقذعة الالذعة‪ ،‬تارة بالتصريح‪ ،‬وتارة بالتلويح‪ .‬ويظهر‪ :‬لن‪:‬ا أن الرج‪:‬ل ك‪:‬ان يس‪:‬تعمل عقل‪:‬ه الح‪:‬ر‪ ،‬م‪:‬ع‬
‫تسلط روح التعصب عليه‪ ،‬فأحيانا ً يتغلب العقل على التعصب‪ ،‬فيص‪::‬در حكم‪::‬ه ع‪::‬ادالً ال تك‪::‬دره ش‪::‬ائبة التعص‪::‬ب‪،‬‬
‫وأحياناً‪ - :‬وهو الغالب ‪ -‬تتغلب العصبية المذهبية على العقل‪ ،‬فيصدر حكمه مشوباً‪ :‬بالتعسف‪ ،‬بعيداً عن اإلنصاف)‬
‫(‪)1‬‬
‫وق‪::‬د خص‪::‬ص أص‪::‬حاب ه‪::‬ذا المنهج للمتغ‪::‬يرات الحاص‪::‬لة في ك‪::‬ل عص‪::‬ر م‪::‬ا يس‪::‬مونه بكتب (الن‪::‬وازل) ‪،‬‬
‫والمؤلفات فيها كثيرة جدا‪ ،‬ومعظمها ال يكاد يخرج عن المذهب الذي اعتمده‪.‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك في المذهب الحنفي الفتاوى العالمكيري‪::‬ة‪ ،‬المش‪::‬هورة باس‪::‬م (الفت‪::‬اوى الهندي‪::‬ة)‪ ،‬وهي‬
‫منسوبة إلى الملك محمد أورنك زيب‪ ،‬ويلقب بعالمكير‪ ،‬أي فاتح الع‪:‬الم‪ ،‬وق‪:‬د‪ :‬بس‪:‬ط س‪:‬لطانه على الهن‪:‬د من س‪:‬نة [‬
‫‪ 1029‬إلى ‪1119‬هـ ‪1707 -1608 /‬م] وقد جمع هذا الملك لتأليف هذا الكتاب فقهاء الحنفية في عصره‪ ،‬برئاسة‬
‫الش‪::‬يخ (نظ‪:‬ام ال‪::‬دين) وأج‪::‬رى عليهم النفق‪:‬ات‪ ،‬ثم انتخب‪:‬وا من جم‪::‬ع كتب الم‪::‬ذهب الحنفي أص‪::‬ح م‪:‬ا قي‪:‬ل فيه‪:‬ا من‬
‫األحكام وصاغوها في هذا المؤلَف مع عزو كل حكم إلى مصدره‪ ،‬فاحتوى على ما ال يوجد في سواه‪ ،‬طبعت هذه‬
‫الفتاوى ألول مـرة سنة ‪1282‬هـ بمصـر في ستة مجلـدات ضخمـة(‪.)2‬‬
‫ومن أهمها في المذهب الشافعي (فتاوى‪ :‬اإلمام الن‪::‬ووي)‪ ،‬واس‪:‬مه (المنث‪::‬ورات وعي‪:‬ون المس‪:‬ائل المهم‪::‬ات)‬
‫درسه وحققه‪ ،‬أحمد عطاء وطبعه بمؤسسة الكتب الثقافي‪::‬ة في ج‪::‬زء واح‪::‬د فق‪::‬ط‪ ،‬يق‪::‬ول الن‪::‬ووي في المقدم‪::‬ة‪( :‬وال‬
‫ألتزم فيها ترتيب‪::‬ا‪ ،‬لكونه‪::‬ا حس‪::‬ب الوق‪::‬ائع ف‪::‬إن كملت ي‪::‬رجى ترتيبه‪::‬ا‪ :..‬وأل‪::‬تزم فيه‪::‬ا اإليض‪::‬اح وتقريبه‪:‬ا‪ :‬إلى أفه‪::‬ام‬
‫المبتدئين ممن ال اختالط لهم بالفقهاء‪ ،‬لتكون أعم نفعا)(‪)3‬‬
‫ومنها الحاوي للفتاوى للسيوطي‪ ،‬وفتاوى‪ :‬شيخ اإلسالم زكريا األنصاري‪ :‬الشافعي‪ ،‬والفت‪::‬اوى‪ :‬الك‪::‬برى البن‬
‫حجر الهيثمي(‪.)4‬‬
‫وفي الفقه الحنبلي نجد (فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية)‪( :‬وقد طبعت عدة م‪::‬رات وآخره‪::‬ا تل‪::‬ك المجموع‪::‬ة‬
‫التي استلها جامعها من مختلف المكتبات والكتب‪ ،‬وطبعها‪ :‬بالمملكة السعودية في س‪::‬بعة وثالثين مجل‪::‬دا‪ ،‬المجل‪::‬دان‬
‫األخيران فهارس للفتاوى)(‪)5‬‬
‫أما في الفقه الم الكي‪ ،‬فهي كث‪::‬يرة ج‪::‬دا‪ ،‬وأهمه‪:‬ا‪( :‬المعي‪:‬ار‪ :‬المع‪:‬رب والج‪:‬امع المغ‪::‬رب عن فت‪::‬اوى‪ :‬علم‪::‬اء‬
‫إفريقية واألندلس والمغرب) ألبي العباس الونشريس‪::‬ي‪ :،‬وق‪::‬د جم‪::‬ع في‪::‬ه فت‪::‬اوى المتق‪::‬دمين والمت‪::‬أخرين من علم‪::‬اء‬
‫المغرب واألندلس‪ ،‬وزاد فيه فتاويه الخاصة‪.‬‬

‫‪ )(1‬التفسير والمفسرون‪ ،‬الدكتور محمد السيد حسين الذهبي‪ ،‬مكتبة وهبة‪ ،‬القاهرة ج‪ ،2‬ص ‪.331‬‬
‫‪ )(2‬المدخل الفقهي العام‪ ،‬مصطفى أحمد الزرقا‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪ ،1998 ،9‬ج‪ ،1‬ص‪.190‬‬
‫‪ )(3‬الفتاوى‪ ،‬النــووي‪ ،‬تحقيق‪:‬عبد القـادر أحمد عطاء‪ ،‬لبنان‪ ،‬مـؤسسة الكتب الثقافية‪ ،‬ط‪ ،1988 ،2‬ص‪.17‬‬
‫‪ )(4‬تاريخ الفقه اإلسالمي‪ ،‬عمر سليمان األشقر‪ ،‬الجزائر‪ ،‬قصر الكتاب‪ ،1990 ،‬ص‪.135‬‬
‫‪ )(5‬ابن تيمية‪ :،‬أبو زهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،1991 ،‬ص‪ 433‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫المنهج المذاهبي‬
‫نريد بالمنهج المذاهبي المنهج الذي يتميز أصحابه بثالث خصائص‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أنهم ال يرون ضرورة االلتزام بالمذهب الواحد‪ ،‬على عكس أصحاب المنهج المذهبي‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أنهم يرون صعوبة االجتهاد أو سد باب‪::‬ه‪ ،‬وله‪::‬ذا ال ي‪::‬رون ض‪::‬رورة الع‪::‬ودة إلى النص‪::‬وص مباش‪::‬رة‬
‫الستنباط‪ :‬األحكام منها‪ ،‬على خالف المنهج االستداللي‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬وهي التي على أساسها اكتسبوا هذا الوصف‪ ،‬وهي أنهم يرون أن كل ما كتب‪::‬ه الفقه‪::‬اء س‪::‬واء ك‪::‬انوا‬
‫من أتباع المذاهب األربعة أو غيرهم‪ ،‬يمكن االعتماد عليه والرجوع‪ :‬إليه‪ ،‬إما العتبارهم أن كل مجتهد في الفروع‪:‬‬
‫مصيب‪ ،‬أو أن المصيب واحد ولكن ال نستطيع أن نعينه‪.‬‬
‫وبناء على هذا فإن المفتي على حسب هذا المنهج يبحث في كل التراث الفقهي عن المسألة التي سئل عنها‪،‬‬
‫ويورد األقوال فيها ليترك للمستفتي حرية االختيار‪ :‬بينها‪.‬‬
‫بناء على هذا سنعرض هنا – باختصار شديد – لمثل ما عرضنا إليه في المبح‪::‬ثين الس‪::‬ابقين من أعالم ه‪::‬ذا‬
‫المنهج الذين يمثلونه وأدلتهم والمنهج أو اآلليات التنفيذية التي يعتمدون عليها في الفتوى‪.‬‬
‫أوال ـ أعالمه‪:‬‬
‫على عكس ما ذكرنا في المنهج السابق‪ ،‬فإن عدد المتبنين لهذا المنهج في الواق‪::‬ع اإلس‪::‬المي‪ ،‬طيل‪::‬ة الت‪::‬اريخ‬
‫اإلسالمي محدود‪ :‬جدا‪ ،‬ألنه ال ينطبق إال على القائلين بأن كل مجته‪::‬د في الف‪::‬روع مص‪::‬يب‪ ،‬وع‪::‬دد ه‪::‬ؤالء مح‪::‬دود‬
‫جدا‪.‬‬
‫وقد ذكر السيوطي‪ :‬في رس‪::‬الته ال‪:‬تي وض‪:‬عها‪ :‬لنص‪:‬رة ه‪:‬ذا المنهج‪ ،‬وال‪::‬تي أس‪:‬ماها بـ (جزي‪::‬ل الم‪::‬واهب في‬
‫اختالف المذاهب) أن (ترجيح القول بأن كل مجتهد مصيب‪ ،‬وأن حكم هللا في ك‪:‬ل واقع‪::‬ة ت‪::‬ابع لظن المجته‪::‬د‪ ،‬ه‪::‬و‬
‫أحد القولين لألئمة األربعة‪ ،‬ورجحه القاضي أبو بكر‪ ،‬وقال في (التق‪::‬ريب)‪ :‬األظه‪::‬ر من كالم الش‪::‬افعي‪ ،‬واألش‪::‬به‬
‫بمذهبه ومذهب أمثاله من العلماء القول بأن كل مجتهد مصيب‪ ،‬وقال به من أصحابنا‪ :‬ابن س‪::‬ريج‪ ،‬والقاض‪:‬ي‪ :‬أب‪::‬و‬
‫حامد‪ ،‬والداركي‪ ،‬وأكثر العراقيين‪ ،‬ومن الحنفية‪ :‬أبو يوسف‪ ،‬ومحمد بن الحسن‪ ،‬وأب‪:‬و‪ :‬زي‪::‬د الدبوس‪::‬ي‪ :،‬ونقل‪::‬ه عن‬
‫علمائهم جميعاً)(‪)1‬‬
‫ولكن مع ذلك‪ ،‬وفي‪ :‬الفروع الفقهية المختلفة يمكن أن نجد الكثير من الفقهاء المتبنين لهذا المنهج‪:‬‬
‫فالشيخ عبد الوهاب الشعراني ‪ -‬مثال – مع كونه شافعي المذهب‪ ،‬يمكن اعتباره من أعالم ه‪:‬ذا المنهج‪ ،‬فق‪:‬د‬
‫سلك مسلكا في إرجاع مسائل الخالف الفقهي إلى الوفاق‪ ،‬بأن حم‪::‬ل ك‪::‬ل ق‪::‬ول من أق‪::‬وال المختلفين على ح‪::‬ال من‬
‫أحوال المكلفين‪ ،‬وقد‪ :‬بنى كتابه (الميزان) على هذا المبدأ الذي عبر عنه بقوله‪( :‬إن الش‪::‬ريعة المطه‪::‬رة ق‪::‬د ج‪::‬اءت‬
‫من حيث االمر والنهي‪ :‬على مرتبتين‪ :‬تخفيف وتشديد‪ ،‬ال على مرتبة واحدة‪ ،‬كما يظن‪::‬ه غ‪::‬الب الن‪::‬اس‪ ،‬ولك‪::‬ل من‬
‫المرتبتين رج‪::‬ال في ح‪::‬ال مباش‪::‬رتهم‪ :‬للتك‪::‬اليف‪ ،‬فمن ق‪::‬وي منهم خ‪::‬وطب بالعزيم‪::‬ة والتش‪::‬ديد ال‪::‬وارد في الش‪::‬ريعة‬
‫ص‪::‬ريحا‪ ،‬أو المس‪::‬تنبط منه‪::‬ا في مذهب‪::‬ه أو غ‪::‬يره‪ ،‬ومن ض‪::‬عف منهم‪ :‬خ‪::‬وطب بالرخص‪::‬ة والتحقي‪::‬ق ال‪::‬وارد في‬
‫الشريعة صريحا أو مستنبطا منها في مذهبه أو غيره ‪ .‬فال يؤمر القوي بالنزول إلى مرتب‪::‬ة الرخص‪::‬ة‪ ،‬م‪::‬ع قدرت‪::‬ه‬
‫على فعل العزيمة‪ ،‬وال يكلف الضعيف‪ :‬بالصعود إلى مرتبة العزيمة‪ ،‬م‪::‬ع عج‪::‬زه عنه‪::‬ا‪ ،‬فالمرتبت‪::‬ان على ال‪::‬ترتيب‬
‫الوجودي‪ ،‬ال على التخيير)(‪)2‬‬
‫ومثله ابن القيم‪ ،‬فمع كونه من علماء‪ ،‬بل من أعيان المنهج االستداللي إال أنه في بعض المسائل يمي‪::‬ل إلى‬

‫‪ )(1‬جزيل المواهب فى اختالف المذاهب‪ ،‬عبد الرحمن بن أبي بكر‪ ،‬جالل الدين السيوطي‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد القي‪::‬وم محم‪::‬د ش‪::‬فيع‬
‫البستوي‪ ،‬دار االعتصام‪ ،‬ص‪.35‬‬
‫‪ )(2‬كتاب الميزان‪ ،‬أبو المواهب عبد الوهاب بن أحمد الشعراني‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور عب‪::‬د ال‪::‬رحمن عم‪::‬يره‪ ،‬ع‪::‬الم الكتب‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1409‬هـ ‪1989 -‬م‪ ،‬ص‪.8‬‬
‫‪27‬‬
‫هذا المنهج‪ ،‬وقد‪ :‬أشار إلى هذا‪ ،‬بل اعتمده ـ مع قوله بعدم صحة اعتبار أن كل مجتهد مصيب ـ عند بيانه لمخ‪::‬ارج‬
‫الطالق‪ ،‬فقد عقد فصوال مهمة للمخارج من الوقوع‪ :‬في التحلي‪::‬ل‪ ،‬ق‪::‬ال في مق‪::‬دمتها‪(:‬أي ق‪::‬ول من أق‪::‬وال المس‪::‬لمين‬
‫خرج به من لعنة رسول هللا ‪ ‬كان أعذر عند هللا ورسوله ومالئكته وعباده المؤمنين من ارتكابه لم‪::‬ا يلعن علي‪::‬ه‬
‫ومباءته باللعنة)(‪)1‬‬
‫ثم ذكر مصدره الذي اعتمده الستنباط‪ :‬هذه المخارج‪ ،‬فقال‪( :‬فإن هذه المخ‪::‬ارج ال‪::‬تي ن‪::‬ذكرها دائ‪::‬رة بين م‪::‬ا‬
‫دل عليه الكتاب والسنة أو أحدهما أو أفتى به الصحابة بحيث ال يعرف عنهم فيه خالف‪ ،‬أو أف‪::‬تى ب‪::‬ه بعض‪::‬هم‪ ،‬أو‬
‫هو خارج عن أقوالهم‪ ،‬أو هو قول جمهور األمة أو بعضهم‪ :‬أو إمام من األئمة األربعة‪ ،‬أو أتب‪::‬اعهم أو غ‪::‬يرهم من‬
‫علماء اإلسالم‪ ،‬وال تخرج هذه القاعدة التي نذكرها عن ذلك‪ ،‬فال يكاد يوصل إلى التحليل بعد مجاوزة جميعه‪::‬ا إال‬
‫في أندر النادر‪ ،‬وال ريب أن من نصح هلل ورسوله وكتابه ودينه‪ ،‬ونصح نفس‪::‬ه ونص‪:‬ح عب‪:‬اده أن أي‪:‬ا منه‪:‬ا ارتكب‬
‫فهو أولى من التحليل)(‪)2‬‬
‫ثانيا ـ أدلته‪:‬‬
‫يستند أصحاب هذا المنهج إلى أدلة كثيرة نلخص أهمها فيما يلي‪:‬‬
‫الدليل األول‪:‬‬
‫اعتبار أن الخالف الفقهي الحاصل في األمة خالف رحم‪::‬ة وتوس‪::‬عة على عكس م‪::‬ا ي‪::‬رى أص‪::‬حاب المنهج‬
‫األول‪ ،‬يقول الس‪::‬يوطي‪ :‬في كتاب‪::‬ه (جزي‪::‬ل الم‪::‬واهب في اختالف الم‪::‬ذاهب)‪( :‬اعلم أن اختالف الم‪::‬ذاهب في المل‪::‬ة‬
‫نعمة كبيرة‪ ،‬وفضيلة عظيمة‪ ،‬وله سر لطيف أدركه العالمون‪ ،‬وعمي عنه الجاهلون‪ ،‬حتى س‪::‬معت بعض الجه‪::‬ال‬
‫يق‪::‬ول‪ :‬الن‪::‬بي ‪ ‬ج‪::‬اء بش‪::‬رع واح‪::‬د‪ ،‬فمن أين م‪::‬ذاهب أربع‪::‬ة؟ ! ومن العجب أيض ‪:‬ا ً من يأخ‪::‬ذ في تفض‪::‬يل بعض‬
‫المذاهب على بعض تفضيالً يؤدي‪ ،‬إلى تنقيص المفض‪::‬ل علي‪:‬ه وس‪::‬قوطه‪ ،‬وربم‪::‬ا أدى إلى الخص‪::‬ام بين الس‪:‬فهاء‪،‬‬
‫ص‪::‬ارت عص‪::‬بية وحمي‪::‬ة الجاهلي‪::‬ة‪ ،‬والعلم‪::‬اء م‪::‬نزهون عن ذل‪::‬ك‪ .‬وق‪:‬د‪ :‬وق‪::‬ع االختالف في الف‪::‬روع بين الص‪::‬حابة‬
‫(رضى هللا عنهم وأرضاهم)‪ ،‬وهم خير األمة‪ ،‬فما خاصم‪ :‬أحد منهم أحداً‪ ،‬وال عادى أحد أحداً‪ ،‬وال نسب أحد أحداً‬
‫إلى خطأ وال قصور)‪)3(:‬‬
‫ولهذا نرى أعيان هذا المنهج– على عكس المنهج األول – يدافعون عن حديث (اختالف أم‪::‬تي رحم‪::‬ة)(‪،)4‬‬
‫وقد‪ :‬نقل النووي‪ :‬عن الخطابي قوله‪( :‬وقد اعترض على ح‪::‬ديث‪ :‬اختالف أم‪::‬تي رحم‪::‬ة رجالن‪ :‬أح‪::‬دهما مغم‪::‬وض‬
‫علي‪::‬ه في دين‪::‬ه‪ ،‬وه‪::‬و عم‪::‬ر بن بح‪::‬ر الجاح‪::‬ظ‪ ،‬واآلخ‪:‬ر‪ :‬مع‪::‬روف بالس‪::‬خف‪ :‬والخالع‪::‬ة‪ ،‬وه‪::‬و إس‪::‬حاق بن إب‪::‬راهيم‬
‫الموصلي؛ فإنه لما وضع كتابه في األغاني‪ ،‬وأمكن في تلك األباطي‪::‬ل لم ي‪::‬رض بم‪::‬ا ت‪::‬زود من إثمه‪::‬ا ح‪::‬تى ص‪::‬در‪:‬‬
‫كتابه بذم أصحاب الحديث‪ ،‬وزعم أنهم يروون ما ال يدرون‪ ،‬وقال هو والجاحظ ‪ :‬ل‪::‬و ك‪::‬ان االختالف رحم‪::‬ة لك‪::‬ان‬
‫االتفاق عذابا‪ ،‬ثم زعم أنه إنما كان اختالف األمة رحمة في زمن النبي ‪ ‬خاصة؛ فإذا اختلف‪::‬وا س‪::‬ألوه‪ ،‬ف‪::‬بين لهم‬
‫والجواب عن هذا االعتراض الفاسد‪ :‬أنه ال يل‪::‬زم من ك‪::‬ون الش‪::‬يء رحم‪::‬ة أن يك‪::‬ون ض‪::‬ده ع‪::‬ذابا‪ ،‬وال يل‪::‬تزم ه‪::‬ذا‬
‫﴿و ِم ْن َرحْ َمتِ ِه َج َع َل لَ ُك ُم اللَّي َْل َوالنَّهَ‪َ :‬‬
‫‪:‬ار لِت َْس‪ُ :‬كنُوا فِي‪ِ :‬ه َولِتَ ْبتَ ُغ‪::‬وا ِم ْن‬ ‫ويذكره إال جاهل أو متجاهل ‪ .‬وقد قال هللا تعالى‪َ :‬‬
‫فَضْ لِ ِه َولَ َعلَّ ُك ْم تَ ْش ُكرُونَ ﴾(‪ ، )5‬فسمى‪ :‬الليل رحمة‪ ،‬ولم يل‪:‬زم من ذل‪:‬ك أن يك‪::‬ون النه‪::‬ار ع‪:‬ذابا‪ ،‬وه‪:‬و ظ‪::‬اهر ال ش‪::‬ك‬
‫فيه ‪ .‬قال الخطابي‪ :‬واالختالف‪ :‬في الدين ثالثة أقس‪::‬ام‪ :‬أح‪::‬دها‪ :‬في إثب‪::‬ات الص‪::‬انع ووحدانيت‪::‬ه‪ ،‬وإنك‪::‬ار‪ :‬ذل‪::‬ك كف‪::‬ر‪،‬‬
‫والثاني ‪ :‬في صفاته ومشيئته‪ ،‬وإنكارها‪ :‬بدعة‪ ،‬والثالث في أحكام الفروع المحتمل‪::‬ة وجوه‪::‬ا‪ ،‬فه‪::‬ذا جعل‪::‬ه هللا تع‪::‬الى‬
‫رحمة وكرامة للعلماء‪ ،‬وهو المراد بحديث‪ :‬اختالف أمتي رحمة)(‪)6‬‬

‫‪ )(1‬إعالم الموقعين‪.4/47 :‬‬


‫‪ )(2‬إعالم الموقعين‪.4/47 :‬‬
‫‪ )(3‬جزيل المواهب في اختالف المذاهب‪ ،‬ص ‪.25‬‬
‫‪ )(4‬انظر على سبيل المثال‪ :‬فيض القدير‪ ،‬المناوي‪ ،‬مصر‪ ،‬المكتبة التجارية الكبرى‪ ،1356 ،‬ج ‪ 1‬ص‪.210 :‬‬
‫‪ )(5‬سورة القصص‪.73 :‬‬
‫‪ )(6‬شرح النووي على صحيح مسلم‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.258‬‬
‫‪28‬‬
‫ومثل ذلك ما استدل به السيوطي في رسالته (جزيل المواهب) بقوله‪( :‬روى البيهقي في المدخل بس‪::‬نده عن‬
‫ابن عباس ‪ ،- -‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‪( :‬مهما أوتيتم‪ :‬من كتاب هللا تعالى‪ ،‬فالعمل به ال َ‬
‫عذر ألح ٍد في ترك‪::‬ه‪ ،‬ف‪::‬إن‬
‫لم يكن في كتاب هللا تعالى‪ ،‬فسنة م‪::‬ني ماض‪::‬ية‪ ،‬ف‪::‬إن لم يكن س‪::‬نة م‪::‬ني‪ ،‬فم‪::‬ا ق‪::‬ال أص‪::‬حابي‪ .‬إن أص‪::‬حابي بمنزل‪::‬ة‬
‫النجوم في السماء‪ ،‬فأيما‪ :‬أخذتم به اهتديتم‪ ،‬واختالف أصحابي‪ :‬لكم رحمة)(‪)1‬‬
‫ثم علق عليه بقول‪:‬ه‪( :‬في ه‪:‬ذا الح‪:‬ديث فوائ‪:‬د ‪ :‬إخب‪:‬اره ‪ ‬ب‪:‬اختالف الم‪:‬ذاهب بع‪:‬ده في الف‪:‬روع‪ ،‬وذل‪:‬ك من‬
‫معجزاته؛ ألنه من اإلخبار بالمغيبات‪ ،‬ورض‪::‬اه ب‪::‬ذلك‪ ،‬وتقري‪::‬ره علي‪::‬ه‪ ،‬ومدح‪::‬ه ل‪::‬ه حيث جعل‪::‬ه رحم‪::‬ة‪ ،‬والتخي‪::‬ير‬
‫للمكلف في األخذ بأيها شاء من غير تعيين ألحدها‪ ،‬واستنبط‪ :‬منه أن ك‪::‬ل المجته‪::‬دين على ه‪::‬دي‪ ،‬فكلهم على ح‪::‬ق‪،‬‬
‫فال لوم على أحد منهم‪ ،‬وال ينسب إلى أح‪::‬د منهم تخطئ‪::‬ة‪ ،‬لقول‪::‬ه‪( :‬فأيم‪::‬ا أخ‪::‬ذتم ب‪::‬ه اهت‪::‬ديتم )‪ ،‬فل‪::‬و ك‪::‬ان المص‪::‬يب‬
‫واحداً‪ ،‬والباقي‪ :‬خطأ‪ ،‬لم تحصل الهداية باألخذ بالخطأ)(‪)2‬‬
‫وذكر في موضع آخر بعض وجوه الرحمة في الخالف الفقهي الحاصل في األمة‪ ،‬فق‪::‬ال‪( :‬فع‪::‬رف ب‪::‬ذلك أن‬
‫اختالف المذاهب في هذه األمة خصيصة فاضلة لهذه األم‪::‬ة‪ ،‬وتوس‪::‬يع في ه‪::‬ذه الش‪::‬ريعة الس‪::‬محة الس‪::‬هلة‪ ،‬فك‪::‬انت‬
‫األنبياء قبل النبي ‪ ‬يبعث أحدهم بشرع واحد‪ ،‬وحكم واحد‪ ،‬حتى إنه من ضيق ش‪::‬ريعتهم‪ :‬لم يكن فيه‪::‬ا تخي‪::‬ير في‬
‫كثير من الف‪:‬روع ال‪:‬تي ش‪:‬رع فيه‪:‬ا التخي‪:‬ير في ش‪:‬ريعتنا؛ كتح‪:‬ريم‪ :‬القص‪:‬اص في ش‪:‬ريعة اليه‪:‬ود‪ ،‬وتحتم الدي‪:‬ة في‬
‫شريعة النصارى‪ ،‬ومن ضيقها أيضاً‪ :‬لم يجتمع فيها الناسخ والمنسوخ‪ :‬ليعمل بهما مع‪:‬ا ً في ه‪::‬ذه المل‪::‬ة في الجمل‪::‬ة‪،‬‬
‫فكأنه عمل فيها بالشرعين معاً‪ ،‬ووقع‪ :‬فيها التخيير بين أمرين شرع كل منهما في ملة‪ ،‬كالقصاص والدي‪::‬ة‪ ،‬فكأنه ‪:‬ا‪:‬‬
‫جمعت الش‪::‬رعين مع‪:‬اً‪ ،‬وزادت حس‪::‬نا ً بش‪::‬رع ث‪::‬الث‪ ،‬وه‪::‬و التخي‪::‬ير ال‪::‬ذي لم يكن في أح‪::‬د الش‪::‬ريعتين‪ .‬ومن ذل‪::‬ك‪:‬‬
‫مشروعية االختالف بينهم في الفروع‪ .‬فكانت الم‪::‬ذاهب على اختالفه‪::‬ا كش‪:‬رائع متع‪::‬ددة‪ ،‬ك‪::‬ل م‪:‬أمور‪ :‬به‪:‬ا في ه‪::‬ذه‬
‫الشريعة‪ ،‬فصارت هذه الشريعة كأنها عدة شرائع بعث النبي ‪ ‬بجميعه‪::‬ا‪ .‬وفي ذل‪::‬ك توس‪::‬عة زائ‪::‬دة له‪::‬ا‪ ،‬وفخام‪:‬ة‬
‫عظيمة لقدر النبي ‪ ،‬وخصوصية ل‪::‬ه على س‪::‬ائر األنبي‪::‬اء‪ ،‬حيث بعث ك‪::‬ل منهم بحكم واح‪::‬د‪ ،‬وبعث ه‪::‬و ‪ ‬في‬
‫األمر الواحد بأحكام متنوعة‪ ،‬يحكم بكل منها وينفّذ‪ ،‬ويصوب‪ :‬قائله‪ ،‬ويؤجر عليه‪ ،‬ويهدي‪ :‬به) (‪)3‬‬
‫الدليل الثاني‪:‬‬
‫ما ورد من اآلثار من اعتبار الخالف توسعة ورحمة ومن ذلك ما ذكره الحافظ ابن عبد البر عن رج‪::‬اء بن‬
‫جميل قال‪ :‬اجتمع عمر بن عب‪::‬د العزي‪::‬ز‪ ،‬والقاس‪::‬م بن محم‪::‬د‪ ،‬فجعال يت‪::‬ذاكران الح‪::‬ديث‪ ،‬ق‪::‬ال‪ :‬فجع‪::‬ل عم‪::‬ر يجيء‬
‫بالشيء يخالف فيه القاسم قال‪ :‬وجعل ذلك يشق على القاسم حتى تبين فيه فقال له عمر‪( :‬ال تفع‪::‬ل فم‪::‬ا يس‪::‬رني أن‬
‫لي باختالفهم حمر النعم)(‪)4‬‬
‫وروى‪ :‬عن عبد الرحمن بن القاسم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬أنه قال‪ :‬لقد أعجبني قول عمر بن عبد العزي‪:‬ز ‪( :‬م‪:‬ا أحب أن‬
‫أصحاب رسول هللا ‪ ‬لم يختلفوا؛ ألنه لو كان قوال واحدا كان الناس في ضيق‪ :‬وإنهم أئم‪::‬ة يقت‪::‬دى بهم‪ ،‬ول‪::‬و أخ‪::‬ذ‬
‫رجل بقول أحدهم كان في سعة)(‪)5‬‬
‫وروى‪ :‬عن أسامة بن زيد قال‪ :‬سألت القاسم بن محمد‪ ،‬عن القراءة خلف اإلمام فيما لم يجهر فيه فق‪::‬ال‪( :‬إن‬
‫قرأت فلك في رجال من أصحاب رسول هللا ‪ ‬أسوة حسنة‪ ،‬وإذا لم تقرأ فلك في رج‪::‬ال من أص‪::‬حاب رس‪::‬ول‪ :‬هللا‬
‫‪ ‬أسوة حسنة)(‪)6‬‬
‫وروى‪ :‬عن يحيى بن سعيد قال‪( :‬ما برح المستفتون يستفتون فيحل ه‪::‬ذا ويح‪::‬رم‪ :‬ه‪::‬ذا‪ ،‬فال ي‪::‬رى المح‪::‬رم أن‬
‫المحلل هلك لتحليله‪ ،‬وال يرى المحلل أن المحرم هلك لتحريمه)(‪)7‬‬

‫‪ )(1‬جزيل المواهب‪ ،‬ص‪.19‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.20‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.28‬‬
‫‪ )(4‬جامع بيان العلم وفضله‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.901‬‬
‫‪ )(5‬المرجع السابق ‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.902‬‬
‫‪ )(6‬المرجع السابق ‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.902‬‬
‫‪ )(7‬المرجع السابق ‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.902‬‬
‫‪29‬‬
‫ونحب ‪ -‬من باب األمانة العلمية ‪ -‬أن ننب‪:‬ه هن‪:‬ا إلى أن ابن عب‪:‬د ال‪:‬بر م‪:‬ع روايت‪:‬ه له‪:‬ذه اآلث‪:‬ار إال أن‪:‬ه رجح‬
‫خالفها‪ ،‬باعتباره كان يدعو الى المنهج االستداللي‪ ،‬فقد قال تعقيبا عليها بعد روايته له‪::‬ا‪ ( :‬ه‪::‬ذا م‪::‬ذهب القاس‪::‬م بن‬
‫محمد ومن تابعه وقال‪ :‬به قوم‪ ،‬وأما مالك والشافعي‪ :‬ا‪ ،‬ومن سلك سبيلهما من أصحابهما وهو قول الليث بن س‪::‬عد‪،‬‬
‫واألوزاعي‪ ،‬وأبي ثور‪ :‬وجماعة أهل النظ‪:‬ر أن االختالف إذا ت‪:‬دافع فه‪:‬و خط‪:‬أ وص‪:‬واب‪ ،‬وال‪:‬واجب عن‪:‬د اختالف‬
‫العلماء طلب الدليل من الكتاب والسنة واإلجماع والقياس على األصول على الص‪::‬واب منه‪::‬ا وذل‪::‬ك ال يع‪::‬دم‪ ،‬ف‪::‬إن‬
‫استوت األدلة وجب الميل مع األشبه بما ذكرنا بالكتاب والسنة‪ ،‬فإذا لم يبن ذلك وجب التوقف ولم يج‪::‬ز القط‪::‬ع إال‬
‫بيقين‪ ،‬فإن اضطر أحد إلى استعمال شيء من ذلك في خاصة نفسه جاز له ما يج‪::‬وز للعام‪::‬ة من التقلي‪::‬د واس‪::‬تعمل‪:‬‬
‫عند إفراط‪ :‬التشابه والتشاكل وقيام‪ :‬األدلة على كل قول بما يعضده قوله ‪( :‬البر ما اطمأنت إليه النفس واإلثم م‪::‬ا‬
‫حاك في الصدر فدع ما يريبك إلى ما ال يريبك)(‪ )1‬هذا حال من ال ينعم النظر وال يحسنه وه‪::‬و ح‪::‬ال العام‪::‬ة ال‪::‬تي‬
‫يجوز‪ :‬لها التقليد فيما نزل بها وأفتاها‪ :‬بذلك علماؤها‪ ،‬وأما المفتون فغير جائز عند أح‪::‬د ممن ذكرن‪::‬ا قول‪::‬ه ألح‪::‬د أن‬
‫يفتي وال يقضي إال حتى يتبين له وج‪::‬ه م‪::‬ا يف‪::‬تي ب‪::‬ه من الكت‪::‬اب أو الس‪::‬نة أو اإلجم‪::‬اع أو م‪::‬ا ك‪::‬ان في مع‪::‬نى ه‪::‬ذه‬
‫األوجه)(‪)2‬‬
‫الدليل الثالث‪:‬‬
‫هو ما ذكره القائلون بأن كل مجتهد مصيب من أدلة‪ ،‬وقد بسط الغ‪:‬زالي الق‪:‬ول فيه‪:‬ا‪ ،‬وأج‪:‬اب عن الش‪:‬بهات‬
‫التي أوردها المخالفون‪ ،‬وقد قال بعد ذك‪::‬ره للخالف في المس‪::‬ألة‪( :‬والمخت‪::‬ار عن‪::‬دنا وه‪::‬و ال‪::‬ذي نقط‪::‬ع ب‪::‬ه ونخطئ‬
‫المخالف فيه أن كل مجتهد في الظنيات مصيب‪ ،‬وأنها ليس فيها حكم معين هلل تعالى)(‪)3‬‬
‫وقد أجاب على ما يورده المخالفون من أصحاب المن‪::‬اهج األخ‪::‬رى من (أن ه‪::‬ذا الم‪::‬ذهب في نفس‪::‬ه مح‪::‬ال‪،‬‬
‫ألنه يؤدي إلى الجمع بين النقيضين‪ ،‬وهو أن يكون قليل النبيذ مثال حالال حراما والنكاح بال ولي صحيحا ب‪::‬اطال‪،‬‬
‫والمسلم‪ :‬إذا قتل كافرا‪ :‬مهدرا ومقادا إذ ليس في المسألة حكم معين وكل واح‪::‬د من المجته‪::‬دين مص‪::‬يب)(‪ )4‬بالتنبي‪::‬ه‬
‫إلى نوع الخطاب بالحكم الش‪::‬رعي‪ ،‬فه‪:‬و‪ :‬ليس ‪ -‬كم‪::‬ا يعتق‪::‬ده الكث‪::‬ير من الن‪::‬اس ‪ -‬من أن‪::‬ه يتعل‪::‬ق باألعي‪::‬ان‪ ،‬ب‪::‬ل إن‬
‫الشرع علقه بأفعال المكلفين‪ ،‬فلذلك ال يتناقض أن يحل لزيد م‪:‬ا يح‪:‬رم على عم‪:‬رو‪ ،‬ف‪:‬المرأة تح‪:‬ل لل‪:‬زوج وتح‪:‬رم‬
‫على األجنبي‪ ،‬والميتة تحل للمضطر دون المختار‪ ،‬والصالة تجب على الطاهر وتحرم على الحائض‪.‬‬
‫والتناقض الحقيقي ليس في هذا‪ ،‬وإنما هو أن يجتمع التحليل والتح‪::‬ريم في حال‪::‬ة واح‪::‬دة لش‪::‬خص واح‪::‬د في‬
‫فعل واحد من وجه واحد‪ ،‬فإذا تطرق‪ :‬التعدد واالنفص‪::‬ال‪ :‬إلى ش‪::‬يء من ه‪::‬ذه الجمل‪::‬ة انتفى التن‪::‬اقض‪ ،‬فالص‪::‬الة في‬
‫الدار المغص‪::‬وبة ح‪::‬رام قرب‪::‬ة في حال‪::‬ة واح‪::‬دة لش‪::‬خص واح‪::‬د لكن من وج‪::‬ه دون وج‪::‬ه‪ ،‬ف‪::‬اختالف األح‪::‬وال ينفي‬
‫التناقض‪.‬‬
‫وه‪:‬ذا ع‪:‬ام في األح‪:‬وال المختلف‪:‬ة واألس‪:‬باب المختلف‪:‬ة‪ ،‬وال ف‪:‬رق‪ :‬بين أن يك‪:‬ون اختالف األح‪:‬وال ب‪:‬الحيض‬
‫والطهر‪ :‬والسفر والحضر أو بالعلم والجهل أو غلبة الظن‪ ،‬فالصالة حرام على المحدث إذا علم أنه مح‪::‬دث واجب‪::‬ة‬
‫عليه إذا جهل كونه محدثا‪.‬‬
‫وبناء على هذا نص الغزالي على وجه الورع في التزام األقوال‪ ،‬فليس الورع فيها بمراعاة أعيانه‪::‬ا‪ ،‬وإنم‪::‬ا‬
‫بالقناعة التي ينطلق صاحبها‪ :‬منها‪ ،‬وال‪::‬تي تختل‪::‬ف ب‪::‬اختالف األح‪::‬وال‪ ،‬يق‪::‬ول الغ‪::‬زالي‪( :‬ول‪::‬و ق‪::‬ال الش‪::‬ارع‪ :‬يح‪::‬ل‬
‫رك‪::‬وب البح‪::‬ر لمن غلب على ظن‪::‬ه الس‪::‬المة‪ ،‬ويح‪::‬رم على من غلب على ظن‪::‬ه الهالك‪ ،‬فغلب على ظن الجب‪::‬ان‬
‫الهالك‪ ،‬وعلى ظن الجسور السالمة حرم على الجبان وحل للجسور الختالف حالهما‪ ،‬وكذلك لو ص‪::‬رح الش‪::‬ارع‬
‫وقال‪ :‬من غلب على ظنه أن النبيذ بالخمر أشبه فقد حرمت‪::‬ه علي‪:‬ه‪ ،‬ومن غلب على ظن‪::‬ه أن‪:‬ه بالمباح‪::‬ات أش‪:‬به فق‪::‬د‬

‫‪ )(1‬مسند أحمد‪ ،‬ج‪ ،29‬ص ‪.533‬‬


‫‪ )(2‬جامع بيان العلم ‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.902‬‬
‫‪ )(3‬المستصفى في علم األصول‪ ،‬أبو حامد محمد بن محمد الغ‪::‬زالي الطوس‪::‬ي‪ ،‬تحقي‪::‬ق‪ :‬محم‪::‬د بن س‪:‬ليمان األش‪::‬قر‪ ،‬مؤسس‪::‬ة‬
‫الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪1417 ،‬هـ‪1997/‬م‪ ،‬ص‪.352‬‬
‫‪ )(4‬المستصفى‪.1/355 :‬‬
‫‪30‬‬
‫يتناقض)(‪)1‬‬ ‫حللته له لم‬
‫وبناء على هذا المثال يتوجه ما ذكرن‪:‬ا‪ :‬من اعتب‪::‬ار األح‪::‬وال المختلف‪::‬ة ال‪::‬تي ال يج‪::‬دي معه‪::‬ا التعص‪::‬ب لق‪::‬ول‬
‫بعينه‪.‬‬
‫ثم إن الغ‪::‬زالي ‪ -‬بأس‪::‬لوبه الج‪::‬دلي على طريق‪::‬ة المتكلمين ‪ -‬س‪::‬لم للمخ‪::‬الفين م‪::‬ا أوردوه من اعتب‪::‬ار الح‪::‬ل‬
‫والحرمة وصفا لألعيان‪ ،‬ورد بأن القول بذلك أيضا ال يتناقض مع ما ذكره‪ ،‬ألنه يكون من األوص‪::‬اف‪ :‬اإلض‪:‬افية‪،‬‬
‫فال يتناقض عقال أن يكون الشخص الواحد أبا ابنا لكن لشخصين‪ ،‬وأن يكون الشيء مجهوال ومعلوما‪ :‬لكن الثنين‪،‬‬
‫وتكون الم‪::‬رأة حالال حرام‪::‬ا ل‪:‬رجلين‪ ،‬كالمنكوح‪::‬ة ح‪:‬رام لألجن‪::‬بي‪ ،‬حالل لل‪::‬زوج‪ ،‬والميت‪::‬ة ح‪::‬رام للمخت‪:‬ار‪ ،‬حالل‬
‫للمضطر‪:.‬‬
‫وعلى هذا المنوال نجد السيوطي‪ :‬يدافع عن هذه المقول‪::‬ة في كتب‪::‬ه ورس‪::‬ائله المختلف‪::‬ة‪ ،‬ب‪::‬ل إن‪:‬ه ق‪::‬رر‪ :‬أن‪:‬ه من‬
‫الناحية العملية‪ ،‬ولو مع عدم القول بهذا‪ ،‬فقد نص كثير من العلماء على أنه ال اإلنكار في المسائل المختل‪::‬ف فيه‪::‬ا‪،‬‬
‫فال يصح اإلنكار على من أخذ بقول من األقوال ألي قناعة من القناعات‪.‬‬
‫وقد نقل عن الزركشي‪ :‬قوله في المسألة‪(:‬اإلنكار من المنكر إنما يكون فيما اجتمع عليه‪ ،‬فأم‪::‬ا المختل‪::‬ف في‪::‬ه‬
‫فال إنكار فيه‪ ،‬ألن كل مجتهد مصيب‪ ،‬أو المصيب واحد وال نعلمه‪ ،‬ولم يزل الخالف بين الس‪::‬لف في الف‪::‬روع وال‬
‫ينكر أحد على غيره مجتهدا فيه‪ ،‬وإنما ينكرون ما خالف نصا أو إجماعا قطعيا أو قياسا)(‪)2‬‬
‫ومثلهما ابن عليش الذي لم يكتف باألدلة العقلية أو النقلي‪::‬ة‪ ،‬ب‪::‬ل راح – بمنهج‪::‬ه الص‪::‬وفي‪ -‬ي‪::‬ذكر عن بعض‬
‫الصوفية كالشعراني وغيره ما يؤيد هذا القول عن طريق‪ :‬المكاشفة‪ ،‬فقال‪( :‬وس‪:‬معت(‪)3‬بعض أه‪:‬ل الكش‪:‬ف يق‪:‬ول‪:‬‬
‫إنما يعبد هللا تعالى المجتهدون باالجتهاد‪ :‬ليحصل لهم نصيب من التشريع‪ :‬وتثبت لهم في‪::‬ه الق‪::‬دم الراس‪::‬خة فال يتق‪::‬دم‬
‫عليهم في اآلخرة سوى نبيهم محمد ‪ ‬فيحشر علماء هذه األمة وحفاظ أدلة الشريعة المطهرة الع‪::‬ارفون بمعانيه‪::‬ا‬
‫في صفوف األنبياء والرسل ال في صفوف األمم‪ ،‬فما من نبي أو رسول إال وبجانبه عالم من علماء ه‪::‬ذه األم‪::‬ة أو‬
‫اثنان أو ثالثة أو أكثر وكل عالم نهم له درجة األستاذية في علم األحكام واألحوال والمقامات والمنزالت إلى ختام‬
‫الدنيا ‪ ..‬ومن هنا يعلم أن جميع المجتهدين تابعون للشارع في التخفيف والتشديد‪ ،‬في‪::‬ا س‪::‬عادة من أطلع‪::‬ه هللا تع‪::‬الى‬
‫على عين الشريعة األولى كما أطلعنا‪ ،‬ورأى أن كل مجتهد مصيب ويا فوزه وكثرة سروره إذا رآه جميع العلم‪::‬اء‬
‫يوم القيامة وأخذوا بيده وتبسموا في وجهه‪ ،‬وصار‪ :‬كل واحد يبادر إلى الشفاعة فيه ويزاحم غيره على ذلك ويقول‬
‫ما يشفع فيه إال أنا ويا ندامة من ق‪:‬ال المص‪:‬يب واح‪:‬د والب‪:‬اقي مخطئ ف‪:‬إن جمي‪:‬ع من خط‪:‬أهم يعبس‪:‬ون في وجه‪:‬ه‬
‫لتخطئته لهم وتجريحهم بالجهل وسوء األدب وفهمه السقيم)(‪)4‬‬
‫ثم رد على ما يورده المخالفون من االستدالل بقوله ‪( :‬إذا حكم الح‪::‬اكم فاجته‪::‬د ثم أص‪::‬اب‪ ،‬فل‪::‬ه أج‪::‬ران‪،‬‬
‫وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ‪ ،‬فله أجر )(‪ )5‬بقوله‪( :‬الجواب أن المراد بالخطأ هنا هو خطأ المجتهد في ع‪::‬دم مص‪::‬ادفة‬
‫الدليل في تلك المسألة ال الخطأ الذي يخرج به عن الشريعة؛ ألن‪::‬ه إذا خ‪::‬رج عن الش‪::‬ريعة فال أج‪::‬ر ل‪::‬ه لقول‪::‬ه ‪:‬‬
‫(من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد)(‪ ،)6‬وق‪:‬د‪ :‬أثبت الش‪::‬ارع ل‪:‬ه األج‪::‬ر فم‪::‬ا بقي إال أن مع‪::‬نى الح‪::‬ديث أن‬
‫الحاكم إذا اجتهد وصادف‪ :‬نفس الدليل الوارد في ذلك عن الشارع فله أجران‪ :‬أجر التتب‪::‬ع وأج‪::‬ر مص‪::‬ادفة ال‪::‬دليل‪،‬‬
‫وإن لم يصادف عين الدليل‪ ،‬وإنما صادف حكمه‪ ،‬فل‪::‬ه أج‪::‬ر واح‪::‬د وه‪::‬و أج‪::‬ر التتب‪::‬ع‪ ،‬ف‪::‬المراد‪ :‬بالخط‪::‬أ هن‪::‬ا الخط‪::‬أ‬
‫اإلضافي‪ :،‬ال الخطأ المطلق)(‪)7‬‬

‫‪ )(1‬المستصفى‪.1/355 :‬‬
‫‪ )(2‬المنثور في القواعد الفقهية‪ ،‬أبو عبد هللا بدر الدين الزركشي‪ ،‬وزارة األوقاف الكويتية‪ ،‬ط‪1405 :،2‬هـ ‪1985 -‬م‪ :‬ج ‪،2‬‬
‫ص‪.140‬‬
‫‪ )(3‬هو ينقل الكالم هنا عن الشيخ عبد الوهاب الشعراني‪.‬‬
‫‪ )(4‬فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب اإلمام ‪ ،‬مالك ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.97‬‬
‫‪ )(5‬صحيح البخاري‪ ،‬ج‪ ،9‬ص ‪ ،108‬صحيح مسلم‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪َ .1342‬‬
‫‪ )(6‬صحيح البخاري‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪ ،184‬صحيح مسلم ‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪.1343‬‬
‫‪ )(7‬فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب اإلمام مالك‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.98‬‬
‫‪31‬‬
‫ثم ختم فت‪::‬واه فيه‪::‬ا ببي‪::‬ان المنطلق‪::‬ات العقدي‪::‬ة ال‪::‬تي ينطل‪::‬ق منه‪::‬ا أص‪::‬حاب ه‪::‬ذا المنهج‪ ،‬فق‪::‬ال – ن‪::‬اقال عن‬
‫الشعراوي ‪( :-‬فإن اعتقادنا أن سائر أم‪:‬ة المس‪:‬لمين على ه‪:‬دى من ربهم في جمي‪:‬ع أق‪:‬والهم‪ ،‬وم‪:‬ا ثم إال ق‪:‬ريب من‬
‫عين الشريعة وأقرب وبعيد‪ :‬عنها وأبعد بحسب طول السند وقصره‪ ،‬وكما يجب علينا اإليمان بصحة جميع شرائع‬
‫األنبياء قبل نسخها مع اختالفها ومخالفة أشياء فيها لظاهر شريعتنا‪ ،‬فكذلك يجب على المقلدين اعتقاد صحة جميع‬
‫مذاهب المجتهدين وإن خالف كالمهم ظاهر كالم إمامهم‪ ،‬ف‪::‬إن اإلنس‪::‬ان كلم‪::‬ا بع‪::‬د عن ش‪::‬عاع ن‪::‬ور الش‪::‬ريعة خفي‬
‫مدركه ونوره وظن غيره أن كالمه خ‪::‬ارج عن الش‪::‬ريعة‪ ،‬وليس ك‪::‬ذلك‪ ،‬ولع‪::‬ل ذل‪::‬ك س‪::‬بب تض‪::‬عيف العلم‪::‬اء كالم‬
‫بعضهم‪ :‬بعضا في سائر‪ :‬األدوار إلى عصرنا هذا فتجد أهل كل دور‪ :‬يطعن في صحة قول بعض األدوار التي قبل‪::‬ه‬
‫وأين من يخ‪::‬رق بص‪::‬ره في ه‪::‬ذا الزم‪::‬ان جمي‪::‬ع األدوار ال‪::‬تي مض‪::‬ت قبل‪::‬ه ح‪::‬تى يص‪::‬ل إلى ش‪::‬هود اتص‪::‬الها بعين‬
‫الشريعة األولى التي هي كالم رسول هللا ‪ ‬ممن هو محجوب عن ذلك‪ ،‬فإن بين المقلدين اآلن وبين الدور األول‬
‫من الصحابة نحو خمسة عشر دورا من العلماء فاعلم ذلك)(‪)1‬‬
‫ثالثا ـ منهجه في الفتوى‪:‬‬
‫يعتمد أصحاب هذا المنهج على النظر في التراث الفقهي لكل المذاهب‪ ،‬لغرضين‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬انتقاء ما يرونه مناسبا من األقوال للحادثة التي يستفتون فيها‪ ،‬وكمث‪::‬ال على ذل‪:‬ك م‪:‬ا فعل‪:‬ه ابن القيم‬
‫عند ذكره لمخارج الطالق‪ ،‬فقد حاول أن يستفيد من كل الخالفات الموجودة ليسد باب الطالق‪ ،‬وقد نص على أن‪::‬ه‬
‫إذا حلف بالطالق أال يكلم فالنا أو ال يدخل داره‪ ،‬فأفتاه مفت بعدم وقوع‪ :‬الطالق في هذه اليمين‪ ،‬اعتقادا لقول علي‬
‫وطاوس‪ :‬وشريح‪ ،‬أو اعتق‪:‬ادا لق‪:‬ول أبي حنيف‪:‬ة والقف‪:‬ال في ص‪:‬يغة االل‪:‬تزام دون ص‪:‬يغة الش‪:‬رط‪ ،‬أو اعتق‪:‬ادا لق‪:‬ول‬
‫أشهب أنه إذا علق الطالق بفعل الزوج‪::‬ة أن‪::‬ه لم يحنث بفعله‪::‬ا‪ ،‬أو اعتق‪::‬ادا لق‪::‬ول أبي عب‪::‬د ال‪::‬رحمن الش‪::‬افعي أج‪::‬ل‬
‫أصحاب الشافعي إن الطالق المعلق ال يصح كما ال يصح النكاح والبيع والوقف المعلق‪ ،‬وهو م‪::‬ذهب جماع‪::‬ة من‬
‫أهل الظاهر‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪(:‬لم يحنث في ذلك كله‪ ،‬ولم يقع الطالق‪ ،‬ول‪::‬و ف‪::‬رض فس‪::‬اد ه‪::‬ذه األق‪::‬وال كله‪::‬ا فإن‪::‬ه إنم‪::‬ا فع‪::‬ل‬
‫المحلوف‪ :‬عليه متأوال مقلدا ظانا أنه ال يحنث به‪ ،‬فهو أولى بعدم الحنث من الجاهل والناس‪::‬ي‪ ،‬وغاي‪::‬ة م‪::‬ا يق‪::‬ال في‬
‫الجاهل إنه مفرط حيث لم يستقص‪ ،‬ولم يسأل غير من أفتاه‪ ،‬وهذا بعينه يقال في الجاهل إنه مفرط حيث لم يبحث‪،‬‬
‫ولم يسأل عن المحلوف عليه‪ ،‬فلو صح هذا الفرق لبطل عذر الجاهل ألبتة‪ ،‬فكيف‪ :‬والمتأول مطي‪::‬ع هلل م‪::‬أجور‪ :‬إم‪::‬ا‬
‫أجرا واحدا أو أجرين؟)(‪)2‬‬
‫ثانيهما‪ :‬ذكر األقوال للمستفتي ليختار ما يتناسب مع حاجته‪ ،‬أو ليختارها‪ :‬جميعا إن كان يمكن الجمع بينها‪،‬‬
‫ومن ذلك ما روى‪ :‬ابن أبي شيبة عن إبراهيم‪ ،‬قال‪ :‬أدرك مسروق وجندب ركعة من المغرب‪ ،‬فلما سلم اإلم‪::‬ام ق‪::‬ام‬
‫مسروق فأضاف‪ :‬إليها ركعة‪ ،‬ثم جلس وقام جن‪::‬دب فيهم‪::‬ا جميع‪::‬ا‪ ،‬ثم جلس في آخره‪:‬ا ف‪:‬ذكر‪ :‬ذل‪:‬ك لعب‪:‬د هللا‪ ،‬فق‪::‬ال‪:‬‬
‫كالهما قد أحسن وأفعل كما فعل مسروق‪ :‬أحب إلي(‪.)3‬‬
‫وكما أشرنا سابقا‪ ،‬فإن أصحاب هذا المنهج ال يكتفون بالمذاهب األربع‪::‬ة‪ ،‬ب‪::‬ل يرجع‪::‬ون إلى أق‪::‬وال غ‪::‬يرهم‬
‫من الصحابة والتابعين ومن بعدهم‪ ،‬ولو لم يقل بها إمام من أئمة المذاهب األربعة‪ ،‬وذل‪::‬ك خالف‪::‬ا لمنهج الم‪::‬ذهبيين‬
‫الذين يتعاملون مع المذاهب األربعة فقط‪ ،‬وكأن اتفاقها إجماع يحرم خرقه‪ ،‬ويعتبر شاذا من ال يقول به‪ ،‬ثم ينتقون‬
‫من أقوال هذه المذاهب ما يرونه معتمدا أو مشهورا أو عليه العمل‪ ،‬ويعتبرون ما عداه ضعيفا أو مهجورا‪ :‬مع أن‪::‬ه‬
‫قد يهجر في زمان ليحيا في غيره‪ ،‬أو يضعف‪ :‬مع شخص ليقوى مع غيره‪.‬‬
‫وقد عقد ابن القيم لهذا فصال في اإلعالم قال فيه ‪(:‬فصل‪ :‬القول في جواز الفتوى باآلث‪::‬ار الس‪::‬لفية والفت‪::‬اوي‬
‫الصحابية‪ ،‬وأنها أولى باألخذ بها من آراء المتأخرين وفتاويهم‪ ،‬وأن قربه‪:‬ا‪ :‬إلى الص‪::‬واب بحس‪::‬ب ق‪::‬رب أهله‪:‬ا من‬
‫‪ )(1‬فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب اإلمام مالك‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.98‬‬
‫‪ )(2‬إعالم الموقعين‪ :‬ج ‪ ،4‬ص‪.89‬‬
‫‪ )(3‬الكتاب المصنف في األحاديث واآلثار‪ ،‬أبو بكر بن أبي شيبة‪ ،‬تحقيق‪ :‬كمال يوسف الحوت‪ ،‬مكتبة الرشد – الري‪::‬اض‪ ،‬ط‬
‫‪ ،1409 ،1‬ج‪ ،2‬ص‪.234‬‬
‫‪32‬‬
‫عصر الرسول ‪ ‬وأن فتاوى‪ :‬الصحابة أولى أن يؤخذ‪ :‬بها من فتاوى التابعين‪ ،‬وفت‪::‬اوى‪ :‬الت‪::‬ابعين أولى من فت‪::‬اوى‬
‫تابعي التابعين‪ ،‬وهلم جرا وكلم‪:‬ا ك‪:‬ان العه‪:‬د بالرس‪:‬ول‪ :‬أق‪:‬رب ك‪:‬ان الص‪:‬واب أغلب‪ ،‬وه‪:‬ذا حكم بحس‪:‬ب الجنس ال‬
‫بحسب كل فرد فرد من المسائل‪ ،‬كما أن عصر الت‪::‬ابعين‪ ،‬وإن ك‪::‬ان أفض‪::‬ل من عص‪::‬ر ت‪::‬ابعيهم فإنم‪::‬ا ه‪::‬و بحس‪::‬ب‬
‫الجنس ال بحس‪::‬ب ك‪::‬ل ش‪::‬خص ش‪::‬خص‪ ،‬ولكن المفض‪::‬لون في العص‪::‬ر المتق‪::‬دم أك‪::‬ثر من المفض‪::‬لين في العص‪::‬ر‬
‫المتأخر‪ ،‬وهكذا الصواب في أقوالهم أكثر من الصواب في أق‪::‬وال من بع‪::‬دهم ; ف‪::‬إن التف‪::‬اوت بين عل‪::‬وم المتق‪::‬دمين‬
‫والمتأخرين كالتفاوت الذي بينهم في الفضل والدين)(‪)1‬‬
‫ثم بين خطأ االقتصار‪ :‬في الفتوى على مذاهب المتأخرين وهجر‪ :‬أق‪::‬وال المتق‪::‬دمين م‪::‬ع كونه‪::‬ا أق‪::‬رب ل‪::‬زمن‬
‫الوحي‪ ،‬فقال‪(:‬ولعله ال يسع المفتي والحاكم عن‪::‬د هللا أن يف‪::‬تي ويحكم‪ :‬بق‪::‬ول فالن وفالن من المت‪::‬أخرين من مقل‪::‬دي‬
‫األئمة ويأخذ‪ :‬برأيه وترجيحه ويترك الفتوى والحكم بقول البخاري‪ ،‬وإسحاق بن راهويه وعلي بن المديني ومحمد‬
‫بن نصر المروزي‪ :،‬وأمثالهم‪ ،‬بل يترك قول ابن المبارك‪ :‬واألوزاعي‪ :‬وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وحماد‪ :‬بن‬
‫زيد وحماد بن سلمة‪ ،‬وأمثالهم‪ ،‬بل ال يلتفت إلى قول ابن أبي ذئب والزهري‪ :‬والليث بن سعد‪ ،‬وأمثالهم‪ ،‬بل ال يع‪::‬د‬
‫قول سعيد بن المسيب والحسن والقاسم وسالم وعط‪::‬اء وط‪::‬اوس وج‪::‬ابر‪ :‬بن زي‪::‬د وش‪::‬ريح‪ ،‬وأبي وائ‪::‬ل وجعف‪::‬ر بن‬
‫محمد‪ ،‬وأضرابهم‪ :‬مما يسوغ األخذ ب‪::‬ه‪ ،‬ب‪::‬ل ي‪::‬رى تق‪::‬ديم ق‪::‬ول المت‪::‬أخرين من أتب‪::‬اع من قل‪::‬ده على فت‪::‬وى‪ :‬أبي بك‪::‬ر‬
‫الصديق‪ :‬وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود‪ :‬وأبي بن كعب وأبي الدرداء وزيد بن ثابت وعبد هللا بن عب‪::‬اس وعب‪::‬د‬
‫هللا بن عمر وعبد هللا بن الزبير‪ :‬وعبادة بن الصامت‪ ،‬وأبي موسى األشعري‪ ،‬وأضرابهم‪ ،‬فال يدري ما عذره غ‪::‬دا‬
‫عند هللا إذا سوى بين أقوال أولئك وفتاويهم‪ :،‬وأق‪::‬وال ه‪::‬ؤالء وفت‪::‬اويهم‪ ،‬فكي‪::‬ف إذا رجحه‪::‬ا عليه‪::‬ا؟ فكي‪::‬ف إذا عين‬
‫األخذ بها حكما‪ ،‬وإفتاء‪ ،‬ومن‪:‬ع األخ‪:‬ذ بق‪:‬ول الص‪:‬حابة‪ ،‬واس‪:‬تجاز عقوب‪:‬ة من خ‪:‬الف المت‪:‬أخرين له‪:‬ا‪ ،‬وش‪:‬هد علي‪:‬ه‬
‫بالبدعة والضاللة ومخالفة أهل العلم) (‪)2‬‬

‫‪ )(1‬إعالم الموقعين‪.4/118 :‬‬


‫‪ )(2‬إعالم الموقعين‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.118‬‬
‫‪33‬‬
‫المبحث الرابع‬
‫منهج التيسير‬
‫وهو المنهج الذي يعتمد التيسير‪ :‬على المستفتي بأن يختار له من أقوال الفقهاء أو يس‪:‬تنبط ل‪:‬ه من النص‪:‬وص‬
‫مباشرة ما يراعي حاجته‪ ،‬وييسر عليه تنفيذ التكاليف‪ ،‬ولو بأدنى مراتبها‪.‬‬
‫وهذا المنهج يتبنى المنهج السابق من حيث اعتقاده بإمكاني‪::‬ة االس‪::‬تفادة من جمي‪::‬ع ال‪::‬تراث الفقهي‪ ،‬ويض‪::‬يف‬
‫إليه بعد التيسير‪ ،‬العتقاده أن التيسير على المكلفين مقصد من مقاصد الشريعة ال يصح تجاوزه‪.‬‬
‫إال أن هذا المنهج‪ ،‬ومن خالل الواقع‪ ،‬ن‪::‬راه ينش‪::‬ئ في المتب‪::‬نين ل‪:‬ه‪ ،‬وخاص‪::‬ة في أوس‪::‬اط العام‪::‬ة‪ ،‬نوع‪::‬ا من‬
‫التحرر من أحكام الشريعة‪ ،‬وذلك ع‪::‬بر بعض الظ‪::‬واهر‪ :‬ال‪::‬تي تح‪::‬دث عنه‪::‬ا الفقه‪::‬اء‪ ،‬واختلف‪::‬وا في م‪::‬واقفهم منه‪::‬ا‪،‬‬
‫وهي‪ :‬ظاهرة التلفيق‪ ،‬وظاهرة تتبع الرخص‪ ،‬وظاهرة الحيل الشرعية‪ ،‬والتي سنتحدث عنها هنا في هذا المبحث‪.‬‬
‫بناء على هذا سنعرض هنا – باختصار– لمثل ما عرضنا إلي‪::‬ه في المب‪::‬احث الس‪::‬ابقة من أعالم ه‪::‬ذا المنهج‬
‫الذين يمثلونه وأدلتهم والمنهج أو اآلليات التنفيذية التي يعتمدون عليها في الفتوى‪.‬‬
‫أوال ـ أعالمه‪:‬‬
‫ليس من السهولة أن نجد أعالما خاصين بهذا المنهج ال يتجاوزونه أو ال يخالفونه مطلقا‪ ،‬ولكن‪::‬ا ومن خالل‬
‫تتبع الفتاوى ال‪:‬تي يجنح أص‪:‬حابها‪ :‬إلى التيس‪:‬ير ورف‪:‬ع‪ :‬ثق‪:‬ل التك‪:‬اليف‪ :‬عن المس‪:‬تفتي نج‪:‬د ثالث‪:‬ة أص‪:‬ول ك‪:‬برى من‬
‫اعتقدها جميعا‪ ،‬أو اعتقد ببعضها‪ ،‬يمكن أن نطلق عليه أنه من أصحاب هذا المنهج‪ ،‬وهذه األصول هي‪:‬‬
‫األصل األول‪ :‬جواز تتبع الرخص‪.‬‬
‫األصل الثاني‪ :‬جواز التلفيق بين المذاهب‪.‬‬
‫األصل الثالث‪ :‬جواز‪ :‬الحيل الفقهية‪.‬‬
‫وسنتحدث عن هذه األصول ومواقف الفقهاء منها في هذا المطلب‪.‬‬
‫األصل األول‪ :‬جواز تتبع الرخص‬
‫ليس المراد ب‪:‬الرخص(‪ )1‬هن‪:‬ا م‪:‬ا يقاب‪::‬ل العزيمة(‪ ،)2‬باعتب‪::‬ار أن كليهم‪::‬ا من أقس‪::‬ام الحكم الش‪:‬رعي‪ ،‬ألن‪:‬ه ال‬
‫خالف بأن هذا النوع من الرخص مشروع‪ :‬بالكتاب والسنة‪ ،‬ومعلوم من الدين بالضرورة‪ ،‬وال حرج على من أخذ‬
‫به‪ .‬وإنما المراد به رخص المذاهب الفقهية‪ ،‬فكل مذهب قد ييسر في محل‪ ،‬ويشدد‪ :‬في محل آخر‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ركشي ال َّش ُّ‬
‫افعي بأنه‪::‬ا (اختي‪::‬ا ُر‬ ‫ُّ‬ ‫وقد عرف هذا النوع من الرخص تعريفات كثيرة منها تعريف‪ :‬بد ُر الدِّين ال َّز‬
‫ل مذهب ما هو األهون عليه) (‪)3‬‬ ‫المرء من ك ِّ‬
‫َّ‬ ‫الفقهي ال‪َّ :‬د ُّ‬
‫ولي بأنه‪( :‬م‪::‬ا ج‪::‬اء من االجته‪::‬ادات المذهبيَّة مبي ًح‪::‬ا ألم‪::‬ر في مقابل‪::‬ة اجته‪::‬ادات‬ ‫ُّ‬ ‫وعرفه المجم‪::‬ع‬
‫أخرى تحظره) (‪)4‬‬
‫ومع كون أكثر الفقهاء ينكرون تتبع الرخص‪ ،‬إال أنه ظهر وال يزال يظه‪::‬ر من الفقه‪::‬اء من ال ي‪::‬رى حرج‪::‬ا‬
‫في تتبع الرخص‪ ،‬ويفتي على أساسها‪ ،‬وقد‪ :‬ذكر الشاطبي‪ :‬مدى انتشار ذلك في زمانه‪ ،‬فقال‪ (:‬وق‪:‬د‪ :‬زاد ه‪::‬ذا األم‪::‬ر‬
‫على قدر الكفاية؛ حتى صار‪ :‬الخالف في المسائل معدودا في حجج اإلباح‪::‬ة‪ ،‬ووق‪::‬ع فيم‪::‬ا تق‪::‬دم وت‪::‬أخر من الزم‪::‬ان‬
‫االعتماد في جواز الفعل على كونه مختلفا فيه بين أهل العلم‪ ،‬ال بمعنى مراعاة الخالف(‪)5‬؛ فإن له نظرا آخر‪ ،‬ب‪::‬ل‬
‫في غير ذلك‪ ،‬فربما‪ :‬وقع اإلفتاء في المسألة بالمنع؛ فيقال‪ :‬لم تمنع والمسألة مختلف فيها‪ ،‬فيجعل الخالف حجة في‬

‫‪ )(1‬من التعاريف التي عرفت بها الرخص المتفق على جواز األخ‪:‬ذ به‪:‬ا‪( :‬الحكم الث‪:‬ابت على خالف ال‪::‬دليل لع‪::‬ذر م‪:‬ع كون‪:‬ه‬
‫حراما في حق غير المعذور) (البحر المحيط في أصول الفقه‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪)32‬‬
‫‪ )(2‬من التعاريف ال‪::‬تي ع‪::‬رفت به‪::‬ا العزيم‪::‬ة‪ :‬أنه‪::‬ا (عب‪::‬ارة عن الحكم األص‪::‬لي الس‪::‬الم موجب‪::‬ه عن المع‪::‬ارض)‪ ،‬كالص‪::‬لوات‬
‫الخمس من العبادات‪ ،‬ومشروعية البيع وغيرها من التكاليف‪( .‬انظر‪ :‬البحر المحيط في أصول الفقه‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪)30‬‬
‫‪ )(3‬البحر المحيط‪ :‬ج‪ ،6‬ص‪.325‬‬
‫‪ )(4‬قرارات وتوصيات مجمع الفقه اإلسالمي الدولي‪ ،)160-159( :‬قرار رقم (‪.)70‬‬
‫‪ )(5‬سنتحدث عنه في منهج التشديد‪:.‬‬
‫‪34‬‬
‫الجواز لمجرد كونها‪ :‬مختلفا فيها‪ ،‬ال ل‪::‬دليل ي‪::‬دل على ص‪::‬حة م‪::‬ذهب الج‪::‬واز‪ ،‬وال لتقلي‪::‬د من ه‪::‬و أولى بالتقلي‪::‬د من‬
‫القائل بالمنع‪ ،‬وهو عين الخطأ على الشريعة حيث جعل ما ليس بمعتمد متعمدا‪ ،‬وما ليس بحجة حجة)(‪)1‬‬
‫وقد اعتبر الشاطبي‪ :‬هذا من تتبع الهوى‪ ،‬ومتنافيا‪ :‬مع االس‪::‬تقامة والتق‪::‬وى‪ :‬ال‪::‬تي أم‪::‬رت به‪::‬ا الش‪::‬ريعة‪ ،‬فق‪::‬ال‪:‬‬
‫(والقائل بهذا راجع إلى أن يتبع ما يشتهيه‪ ،‬ويجعل القول الموافق حجة له ويدرأ‪ :‬بها عن نفسه‪ ،‬فهو قد أخ‪::‬ذ الق‪::‬ول‬
‫وسيلة إلى اتباع هواه‪ ،‬ال وسيلة إلى تقواه‪ ،‬وذلك أبعد له من أن يكون ممتثال ألمر الشارع‪ ،‬وأق‪::‬رب إلى أن يك‪::‬ون‬
‫ممن اتخذ إلهه هواه)(‪)2‬‬
‫واألمر األخطر في هذا الباب هو ما أشار إليه الشاطبي من قيام بعض المفتين باالنتق‪::‬اء في الفت‪::‬وى‪ ،‬فيف‪::‬تي‬
‫لكل شخص بحسبه في المسألة الواحدة‪ ،‬ال مراعاة لحاله‪ ،‬وإنما مراعاة ألمور‪ :‬أخرى عبر عنها بقول‪::‬ه‪( :‬وق‪::‬د أدى‬
‫إغفال هذا األصل إلى أن صار‪ :‬كثير من مقلدة الفقهاء يفتي قريب‪::‬ه أو ص‪::‬ديقه بم‪::‬ا ال يف‪::‬تي ب‪::‬ه غ‪::‬يره من األق‪::‬وال؛‬
‫اتباعا لغرضه وشهوته‪ ،‬أو لغرض ذلك القريب وذل‪::‬ك الص‪::‬ديق‪ :..‬ولق‪::‬د وج‪::‬د ه‪::‬ذا في األزمن‪::‬ة الس‪::‬الفة فض‪::‬ال عن‬
‫زماننا‪ :‬كما وجد فيه تتبع رخص المذاهب اتباعا للغرض والشهوة)(‪)3‬‬
‫وقد أشار إلى هذا أيضا ابن حزم‪ ،‬فقد وصف‪ :‬بعض الفقهاء في زمانه‪ ،‬فقال‪( :‬قد يحمل اسم التق‪::‬دم في الفق‪::‬ه‬
‫في بلد ما عند العامة من ال خير فيه‪ ،‬ومن ال علم عنده‪ ،‬ومن غيره أعلم منه‪ ،‬وقد ش‪::‬هدنا‪ :‬نحن قوم‪:‬ا‪ :‬فس‪::‬اقا حمل‪::‬وا‬
‫اسم التقدم في بلدنا وهم ممن ال يحل لهم أن يفتوا في مسألة من الديانة‪ ،‬وال يج‪:‬وز قب‪:‬ول‪ :‬ش‪:‬هادتهم‪ ،‬وق‪:‬د رأيت أن‪:‬ا‬
‫بعضهم‪ ،‬وكان ال يقدم عليه في وقتنا‪ :‬هذا أح‪::‬د في الفتي‪::‬ا‪ ،‬وه‪::‬و يتغطى ال‪::‬ديباج ال‪::‬ذي ه‪::‬و الحري‪::‬ر المحض لحاف‪::‬ا‪،‬‬
‫ويتخذ‪ :‬في منزله الصور ذوات األوراح من النح‪::‬اس والحدي‪::‬د تق‪::‬ذف الم‪::‬اء أمام‪::‬ه‪ ،‬ويف‪::‬تي ب‪::‬الهوى للص‪::‬ديق فتي‪::‬ا‪،‬‬
‫وعلى العدو فتيا ضدها‪ ،‬وال يستحي من اختالف فتاويه على قدر ميله إلى من أفتى‪ ،‬وانحرافه عليه‪ ،‬ش‪::‬اهدنا‪ :‬نحن‬
‫هذا منه عيانا‪ ،‬وعليه جمهور أهل بلدنا‪ ،‬إلى قبائح مستفيضة ال نستجيز‪ :‬ذكرها؛ ألننا لم نشاهدها)(‪)4‬‬
‫وأشار الشاطبي‪ :‬إلى أمر أخطر من الفتوى‪ ،‬وهو القضاء‪ ،‬حيث ذكر أن بعض القضاة يتخير في الفتوى م‪::‬ا‬
‫يتناسب مع هواه في الحكم بين الخصوم‪ ،‬مع أن (القصد من نصب الحك‪::‬ام رف‪::‬ع التش‪::‬اجر والخص‪::‬ام‪ :‬على وج‪::‬ه ال‬
‫يلحق فيه أحد الخصمين ضرر‪ ،‬مع عدم تطرق التهمة للح‪::‬اكم‪ ،‬وه‪::‬ذا الن‪::‬وع من التخي‪::‬ير في األق‪::‬وال مض‪::‬اد له‪::‬ذا‬
‫كله)(‪)5‬‬
‫ونقل في هذا عن ابن عبد البر أن قاضيا‪ :‬من قضاة قرطبة كان كثير االتباع ليحيى بن يح‪:‬يى‪ ،‬ال يع‪:‬دل عن‬
‫رأيه إذا اختلف عليه الفقهاء‪ ،‬فوقعت قضية تفرد فيها يحيى وخالف‪ :‬جميع أهل الش‪:‬ورى؛ فأرج‪:‬أ‪ :‬القاض‪:‬ي القض‪:‬اء‬
‫فيها حياء من جماعتهم‪ ،‬وردفته قضية أخرى كتب بها إلى يحيى‪ ،‬فصرف‪ :‬يحيى رسوله‪ ،‬وقال له‪ :‬ال أش‪::‬ير علي‪::‬ه‬
‫بشيء؛ إذ توقف على القضاء لفالن بما أشرت عليه‪ .‬فلما انصرف‪ :‬إليه رسوله وعرفه بقوله قلق من‪::‬ه‪ ،‬وركب من‬
‫فوره إلى يحيى وقال له‪ :‬لم أظن أن األمر وقع منك هذا الموقع‪ ،‬وسوف‪ :‬أقضي له غدا إن شاء هللا‪ .‬فقال له يح‪::‬يى‪:‬‬
‫وتفعل ذلك صدقا؟‪ :‬قال‪ :‬نعم‪ .‬قال له‪ :‬فاآلن هيجت غيظي؛ فإني‪ :‬ظننت إذ خالفني أصحابي أنك توقفت مستخيرا‪ :‬هلل‬
‫متخيرا في األقوال‪ ،‬فأما إذ صرت تتبع الهوى وتقضي‪ :‬برضى مخلوق ضعيف؛ فال خ‪:‬ير فيم‪::‬ا تجيء ب‪:‬ه‪ ،‬وال في‬
‫إن رضيته منك‪ ،‬فاستعف‪ :‬من ذلك فإنه أستر لك‪ ،‬وإال رفعت في عزلك)‪ ،‬فرفع يستعفي فعزل(‪.)6‬‬
‫وذكر حادثة أخرى عن بعضهم‪ :‬أنه (اكترى جزءا من أرض على اإلشاعة‪ ،‬ثم إن رجال آخ‪::‬ر اك‪::‬ترى ب‪::‬اقي‬
‫األرض‪ ،‬فأراد‪ :‬المكتري األول أن يأخذ بالشفعة وغاب عن البلد‪ ،‬فأفتى‪ :‬المكتري الثاني بإحدى الروايتين عن مالك‬
‫أن ال شفعة في اإلجارات‪ ،‬قال لي‪ :‬فوردت من سفري‪ ،‬فسألت أولئك الفقهاء ‪-‬وهم أهل حفظ في المسائل وصالح‬
‫في الدين‪ -‬عن مسألتي؛ فقالوا‪ :‬ما علمنا أنها لك؛ إذ كانت لك المسألة أخذنا ل‪::‬ك برواي‪::‬ة أش‪::‬هب عن مال‪::‬ك بالش‪::‬فعة‬
‫‪ )(1‬الموافقات‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.92‬‬
‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.92‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.84‬‬
‫‪ )(4‬اإلحكام في أصول األحكام البن حزم‪ ،‬ج‪ ،6‬ص ‪.167‬‬
‫‪ )(5‬الموافقات‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.86‬‬
‫‪ )(6‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.86‬‬
‫‪35‬‬
‫بها) (‪)1‬‬ ‫فيها‪ .‬فأفتاني جميعهم بالشفعة‪ ،‬فقضي لي‬
‫بل وصل األمر ببعضهم – كما يذكر الشاطبي‪ -‬إلى الى أن يعتبر ذلك من حقوق الص‪::‬داقة‪ ،‬ق‪::‬ال‪( :‬أخ‪::‬برني‬
‫رجل عن كبير من فقهاء هذا المصنف مشهور بالحفظ والتقدم أنه كان يقول معلنا غير مستتر ‪ :‬إن ال‪::‬ذي لص‪::‬ديقي‬
‫علي إذا وقعت له حكومة أن أفتيه بالرواية التي توافقه) (‪)2‬‬
‫ثم ذكر الشاطبي‪ :‬مدى انتشار‪ :‬هذه الظاهرة في عصره‪ ،‬وموقفه منها‪ ،‬فقال‪( :‬وكثيرا م‪::‬ا يس‪::‬ألني من تق‪::‬ع ل‪::‬ه‬
‫مسألة من األيمان ونحوها ‪ :‬لعل فيها رواية؟ أم لعل فيها رخصة؟ وهم يرون أن هذا من األمور‪ :‬الش‪::‬ائعة الج‪::‬ائزة‪،‬‬
‫ولو كان تكرر عليهم إنكار الفقهاء لمثل هذا لما طولبوا‪ :‬به وال طلبوه مني وال من سواي‪ ،‬وهذا مم‪::‬ا ال خالف بين‬
‫المسلمين ممن يعتد به في اإلجماع أنه ال يجوز وال يسوغ‪ :‬وال يحل ألحد أن يفتي في دين هللا إال بالحق الذي يعتقد‬
‫أنه حق‪ ،‬رضي بذلك من رضيه‪ ،‬وسخطه من سخطه‪ ،‬وإنما المفتي مخبر عن هللا تع‪::‬الى في حكم‪::‬ه؛ فكي‪:‬ف يخ‪::‬بر‬
‫عنه إال بما يعتقد أنه حكم به وأوجبه‪ ،‬وهللا تعالى يقول لنبيه عليه الصالة والسالم‪َ ﴿ :‬وأَ ِن احْ ُك ْم بَ ْينَهُ ْم بِ َم‪:‬ا أَ ْن‪َ :‬ز َل هَّللا ُ‬
‫ْض َم‪:‬ا أَ ْن‪َ :‬ز َل هَّللا ُ إِلَ ْي‪:‬كَ فَ‪:‬إِ ْن ت ََولَّوْ ا فَ‪:‬ا ْعلَ ْم أَنَّ َم‪:‬ا ي ُِري‪ُ :‬د هَّللا ُ أَ ْن ي ِ‬
‫ُص‪:‬يبَهُ ْم‬ ‫َواَل تَتَّبِ ْع أَ ْه‪َ :‬وا َءهُ ْم َواحْ‪َ :‬ذرْ هُْ‪:‬م أَ ْن يَ ْفتِنُ‪:‬وكَ ع َْن بَع ِ‬
‫اس لَفَا ِسقُونَ ﴾‪3‬؛ فكيف‪ :‬يجوز لهذا المفتي أن يفتي بما يشتهي‪ ،‬أو يفتي زي‪::‬دا بم‪::‬ا ال‬ ‫ْض ُذنُوبِ ِه ْم َوإِ َّن َكثِيرًا ِمنَ النَّ ِ‬ ‫بِبَع ِ‬
‫يفتي به عمرا لصداقة تكون بينهما أو غير ذلك من األغ‪::‬راض؟ وإنم‪::‬ا يجب للمف‪::‬تي أن يعلم أن هللا أم‪::‬ره أن يحكم‬
‫بما أنزل هللا من الحق‪ ،‬فيجتهد‪ :‬في طلبه‪ ،‬ونهاه أن يخالفه وينحرف‪ :‬عنه‪ ،‬وكيف ل‪::‬ه ب‪::‬الخالص م‪::‬ع كون‪::‬ه من أه‪::‬ل‬
‫العلم واالجتهاد إال بتوفيق هللا وعونه وعصمته؟!)(‪)4‬‬
‫ولكن مع هذا نجد من العلماء من أباح هذا وبرره‪ ،‬وذكر أن للمقلِّد أن يختار م‪::‬ا ش‪::‬اء مم‪::‬ا يج‪::‬د في‪::‬ه س‪::‬هولة‬
‫ويسراً‪ :‬على نفسه من التكاليف الشرعية‪ ،‬ألن ذلك من متطلبات الشريعة‪ ،‬مشددين على أن ال يكون في ذلك تهرب‪:‬ا ً‬
‫من التكليفات الشرعية أو تشهّيا ً من المكلف‪ ،‬أو عودةً منه عن تقليد التزمه في المسألة)(‪)5‬‬
‫ويقول العطار في حاشيته‪ ( :‬يجوز اتباع رخص المذاهب‪ ،‬وال يمنع منه مانع ش‪::‬رعي‪ ...‬ال أدري م‪::‬ا يمن‪::‬ع‬
‫منه عقالً وشرعاً)(‪)6‬‬
‫ولعل أك‪::‬ثر من اهتم بتتب‪::‬ع ال‪::‬رخص‪ ،‬وح‪::‬اول أن يس‪::‬وغها ش‪::‬رعا بعض علم‪::‬اء الم‪::‬ذهب الحنفي‪ ،‬وه‪::‬ذا م‪::‬ا‬
‫رجحه الكمال بن الهمام في (فتح القدير)‪ ،‬حيث يقول‪ ( :‬وأنا ال أدري ما يمنع هذا؟ النقل أو العقل؟ وكون اإلنسان‬
‫يتبع ما هو أخف على نفسه من قول مجتهد مسوغ له االجتهاد‪ ،‬ما علمت من الشرع ذمةً عليه‪ ،‬وكان ‪ ‬يحب ما‬
‫خفف عن أمته)(‪)7‬‬
‫بل روي أن من الفقهاء من صنف في ه‪::‬ذا‪ ،‬ق‪::‬ال إس‪::‬ماعيل القاض‪::‬ي‪ :‬دخلت على المعتض‪::‬د ف‪::‬دفع إلي كتاب‪::‬ا‬
‫نظرت فيه وقد‪ :‬جمع فيه الرخص من زلل العلم‪::‬اء وم‪::‬ا احتج ب‪::‬ه ك‪::‬ل منهم‪ ،‬فقلت‪ :‬مص‪::‬نف ه‪::‬ذا زن‪::‬ديق‪ ،‬فق‪::‬ال‪ :‬لم‬
‫تصح هذه األحاديث؟ قلت‪ :‬األحاديث على ما رويت‪ ،‬ولكن من أب‪::‬اح المس‪::‬كر لم يبح المتع‪::‬ة‪ ،‬ومن أب‪::‬اح المتع‪::‬ة لم‬
‫يبح المسكر‪ ،‬وما من عالم إال وله زلة‪ ،‬ومن جمع زلل العلماء ثم أخذ بها ذهب دينه‪ ،‬فأمر المعتضد ب‪::‬إحراق ذل‪::‬ك‬
‫الكتاب(‪.)8‬‬
‫ونحب أن ننبه هنا إلى أنه ليس كل تتبع للرخص أنكره الفقهاء الكبار‪ ،‬فمنه ما جوزوه‪ ،‬بل دعوا إلي‪::‬ه‪ ،‬كم‪::‬ا‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.90‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.90‬‬
‫‪ )(3‬سورة المائدة‪.49 :‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.91‬‬
‫‪ )(5‬انظر ‪ :‬موقع دار اإلفتاء المصرية على االنترنت‪ ،‬الموضوع ( ‪ ،) 1103‬التلفيق للتقليد فى مسألة واحدة باط‪::‬ل‪ ،‬منش‪::‬ور‬
‫بتاريخ ‪1954 / 2 /10 :‬م‪ ،‬جواب للشيخ حسنين محمد مخلوف على الرابط التالي‪)www.dar-alifta.com( :‬‬
‫‪ )(6‬حاشية العطار على شرح الجالل المحلي على جمع الجوامع‪ ،‬حس‪::‬ن بن محم‪::‬د بن محم‪::‬ود العط‪::‬ار الش‪::‬افعي‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.442‬‬
‫‪ )(7‬فتح القدير‪ ،‬كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي المعروف بابن الهمام‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.258‬‬
‫‪ )(8‬البحر المحيط في أصول الفقه‪ ،‬ج‪ ،8‬ص ‪.383‬‬
‫‪36‬‬
‫ذكرنا ذلك في المنهج السابق‪.‬‬
‫ومن ذلك ما روي أن اإلمام أحم‪::‬د س‪::‬ئل عن مس‪::‬ألة في الطالق فق‪::‬ال‪ ( :‬إن فع‪::‬ل حنث) فق‪::‬ال الس‪::‬ائل‪ ( :‬إن‬
‫أفتاني‪ :‬إنسان‪ :‬ال أحنث ) فقال‪ ( :‬تع‪::‬رف حلق‪::‬ة الم‪::‬دنيين؟ ) قلت‪ ( :‬ف‪::‬إن أفت‪::‬وني ح‪ّ :‬ل )‪ ،‬ق‪::‬ال ( نعم )‪ ،‬وروي‪ :‬عن‪::‬ه‬
‫روايات أنه سئل عن الرجل يسأل عن المسألة فدله على إنسان‪ ،‬هل علي شيء؟ قال‪ ( :‬إن كان متبعا ً أو معين‪::‬ا ً فال‬
‫بأس‪ ،‬وال يعجبني رأي أحد)(‪)1‬‬
‫وقال ابن عقيل‪ :‬يستحب إعالم المستفتي بمذهب غيره إن ك‪::‬ان أهال للرخص‪::‬ة‪ .‬كط‪::‬الب التخلص من الرب‪::‬ا‪،‬‬
‫فيدله على من يرى التحيل للخالص منه‪ ،‬والخلع بعدم وقوع الطالق(‪.)2‬‬
‫وذك‪:‬ر‪ :‬القاض‪::‬ي أب‪::‬و الحس‪::‬ين في فروع‪::‬ه في كت‪::‬اب الطه‪::‬ارة عن أحم‪::‬د‪ :‬أنهم ج‪::‬اءوه بفت‪::‬وى‪ ،‬فلم تكن على‬
‫مذهبه‪ .‬فقال‪ :‬عليكم بحلقة المدنيين‪( ،‬ففي هذا دليل على أن المفتي إذا جاءه المستفتي‪ ،‬ولم يكن عنده رخصة له أن‬
‫يدله على مذهب من له فيه رخصة)(‪)3‬‬
‫األصل الثاني‪ :‬جواز التلفيق بين المذاهب‬
‫بناء على االعتبارين اللذين يراعيهما أصحاب هذا المنهج بشدة‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫‪ .1‬جواز األخذ من أي مذهب من المذاهب الفقهية وغيرها‪ ،‬بل والتنقل بينها بحرية‪.‬‬
‫‪ .2‬أن التيسير مقصد من مقاصد الشريعة‪ ،‬وال حرج في استعماله في أي موضع‪.‬‬
‫فقد ظهر في الواقع اإلسالمي ما يسمى بالتلفيق‪ ،‬أو تلفي‪::‬ق المقلد(‪ ،)4‬ويقص‪::‬دون ب‪::‬ه (أخ‪::‬ذ ص‪::‬حة الفع‪::‬ل من‬
‫مذهبين معا ً بعد الحكم ببطالنه على كل واحد منهما بمفرده )(‪ )5‬أو هو (اإلتيان بكيفية ال يقول بها المجتهد)(‪)6‬‬
‫ومعنى هذا أن الفقيه أو المفتي أو طالب العلم الذي ترسخت لديه المفاهيم الس‪::‬ابقة يأخ‪::‬ذ من ك‪::‬ل م‪::‬ذهب م‪::‬ا‬
‫يتناسب مع مصالحه‪ ،‬ولو أدى ذلك إلى أن يقوم بعمل يحكم الجميع بحرمته‪.‬‬
‫س امرأة أجنبية بال حائ‪::‬ل‪ ،‬وخ‪::‬رجت‬ ‫ومن األمثلة التي يذكرها الفقهاء لهذا في أبواب العبادات (متوضئ‪ :‬لَ َم َ‬
‫منه نجاسة – كالدم – من غير السبيلين‪ ،‬فإن هذا الوضوء باطل باللمس عند الش‪::‬افعية‪ ،‬وباط‪::‬ل بخ‪:‬روج ال‪::‬دم عن‪::‬د‬
‫الحنفية‪ ،‬وال ينتقض بخروج الدم من غير السبيلين عند الشافعية‪ ،‬وال ينقض كذلك بلمس المرأة عند الحنفي‪::‬ة‪ ،‬ف‪::‬إذا‬
‫صلى بهذا الوضوء فإن صحة صالته ملفقة بين المذهبين معاً)‬
‫ومن األمثلة في باب النكاح (أن يتزوج الرجل امرأة بال ولي وال صداق وال شهود‪ ،‬مقلداً كل م‪::‬ذهب يق‪::‬ول‬
‫بواحدة من هذه لوحدها‪ ،‬كتقليد أبي حنيفة في عدم اشتراط الولي‪ ،‬وبعدم اشتراط الش‪:‬هود‪ :‬مقل‪:‬داً المالكي‪:‬ة‪ ..‬وهك‪:‬ذا)‬
‫(‪)7‬‬
‫أو (أن يطلق زوجته ثالثاً‪ ،‬ثم تتزوج بابن تسع سنين بقصد التحليل‪ ،‬مقلداً في زواجها في صحة النكاح عند‬
‫الشافعي‪ ،‬فأصابها‪ ،‬ثم طلقها مقلداً في صحة الطالق وعدم العدة لإلمام أحمد‪ ،‬ليج‪::‬وز لزوجه‪::‬ا األول العق‪::‬د عليه‪::‬ا‬

‫‪ )(1‬انظر ‪ :‬شرح الكوكب المنير‪ ،‬تقي الدين أبو البقاء محمد بن أحمد المعروف بابن النجار الحنبلي ‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد الزحيلي‬
‫ونزيه حماد‪ ،‬مكتبة العبيكان‪ ،‬ط‪1418 ،2‬هـ ‪ 1997 -‬مـ‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.589‬‬
‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.589‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.589‬‬
‫‪ )(4‬ويقابله التلفيق في االجتهاد‪ ،‬ويسمى‪ :‬االجتهاد المركب‪ :‬هو أن يجتهد اثنان أو أكثر في موضوع‪ ،‬فيكون لهم فيه ق‪::‬والن‪،‬‬
‫ثم يأتي من بعدهم من يجتهد في الموضوع نفسه‪ ،‬ويؤدي اجتهاده إلى األخذ من ك‪::‬ل ق‪::‬ول ببعض‪::‬ه‪ ،‬ويك‪::‬ون مجم‪::‬وع ذل‪::‬ك مذهب‪::‬ه في‬
‫الموضوع‪ ،‬فيكون اجتهاده هذا اجتهادا مركب‪:‬ا ب‪:‬النظر إلى م‪:‬ا س‪:‬بقه من اجته‪:‬اد‪ ،‬انظ‪:‬ر‪ :‬التلفي‪:‬ق ورأي الفقه‪:‬اء في‪:‬ه‪ ،‬مص‪:‬طفى كم‪:‬ال‬
‫التارزي‪ ،‬مجلة مجمع الفقه اإلسالمي التابع لمنظمة المؤتمر اإلسالمي بجدة‪ ،‬منظمة المؤتمر االسالمي بجدة‪ ،‬ع‪ ،8‬ض‪.277‬‬
‫‪ )(5‬انظر‪ :‬أصول الفقه اإلسالمي‪ ،‬محمد سالم مدكور‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،1‬ص ‪. 351‬‬
‫‪ )(6‬الرخصة الشرعية في األصول والقواعد الفقهية‪ ،‬د‪ .‬عمر عبد هللا الكامل‪ ،‬دار ابن حزم للطباعة والنشر‪ ،‬ب‪::‬يروت‪ ،‬ط‪(1‬‬
‫‪1999‬م )‪.‬ص ‪.216 – 215‬‬
‫‪ )(7‬الفتاوى الكبرى‪ ،‬أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي الشافعي‪ ،‬منشورات المكتبة اإلسالمية‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪. 289‬‬
‫‪37‬‬
‫وذاك)(‪)1‬‬ ‫تلفيقا ً بين هذا المذهب‬
‫والمسألة – كما نرى – ترجع إلى ما طرحه المتشددون من أصحاب المنهج المذهبي من ضرورة االل‪::‬تزام‬
‫بالمذاهب‪ ،‬وعدم الخروج عنه‪::‬ا‪ ،‬وبالت‪::‬الي ف‪::‬إن من ي‪::‬رى ه‪::‬ذا ي‪::‬رى حرم‪::‬ة التلفي‪::‬ق‪ ،‬ومن ي‪::‬رى ج‪::‬واز التنق‪::‬ل بين‬
‫المذاهب‪ ،‬ولو في القضية الواحدة‪ ،‬يرى جواز التلفيق‪.‬‬
‫وقد أشار إلى هذا‪ ،‬والخالف الوارد‪ :‬فيه‪ ،‬الزركشي‪ ،‬فقال‪( :‬فلو التزم مذهبا معينا‪ ،‬كمالك والشافعي‪ ،‬واعتقد‬
‫رجحانه من حيث اإلجمال فهل يجوز أن يخالف إمامه في بعض المسائل ويأخذ‪ :‬بقول غيره من مجتهد آخ‪::‬ر؟ في‪::‬ه‬
‫مذاهب‪( :‬أحدها)‪ :‬المنع‪ ،‬وبه جزم الجيلي في اإلعجاز‪ ،‬ألن قول كل إمام مستقل بآحاد الوق‪::‬ائع‪ ،‬فال ض‪::‬رورة إلى‬
‫االنتقال إال التشهي‪ ،‬ولما فيه من اتباع الترخص والتالعب بالدين‪ .‬و(الث‪::‬اني) يج‪::‬وز‪ ،‬وه‪::‬و األص‪::‬ح في ال‪::‬رافعي‪،‬‬
‫ألن الصحابة لم يوجبوا على الع‪::‬وام تع‪::‬يين المجته‪::‬دين‪ ،‬ألن الس‪::‬بب ‪ -‬وه‪::‬و أهلي‪:‬ة المقل‪::‬د للتقلي‪::‬د ع‪:‬ام بالنس‪::‬بة إلى‬
‫أقواله‪ ،‬وعدم أهلية المقلد مقتض لعموم هذا الجواب ووجوب االقتصار على مفت واحد بخالف سيرة األولين)(‪)2‬‬
‫ثم ذكر الزركشي‪ :‬صورتين لجواز التلفيق‪:‬‬
‫(إحداهما)‪ :‬إذا كان مذهب غير إمامه يقتض‪::‬ي تش‪:‬ديدا ك‪::‬الحلف ب‪:‬الطالق الثالث على فع‪::‬ل ش‪:‬يء‪ ،‬ثم فعل‪:‬ه‬
‫ناسيا أو جاهال‪ ،‬وكان مذهب مقلده عدم الحنث فخرج منه لقول من أوقع الطالق‪ ،‬فإنه يستحب له األخذ باالحتياط‬
‫والتزام‪ :‬الحنث قطعا‪ ،‬ولهذا قال الشافعي ‪ :‬إن القصر في سفر جاوز‪ :‬ثالثة أيام أفضل من اإلتمام‪.‬‬
‫و(الثانية)‪ :‬إذا رأى للقول المخالف لمذهب إمامه دليال صحيحا‪ :‬ولم يجد في مذهب إمامه دليال قويا عنه وال‬
‫معارضا‪ :‬راجحا عليه‪ ،‬فال وجه لمنعه من التقليد حينئذ محافظة على العمل بظاهر الدليل(‪.)3‬‬
‫ونقل العطار الشافعي‪ :‬أقوال عدد من العلماء أجازوا التلفيق لغرض األخذ بالرخصة واأليس‪::‬ر‪ ،‬فق‪::‬ال‪( :‬نق‪::‬ل‬
‫الشرنباللي‪ :‬الحنفي عن السيد أمير باد شاه في شرح التجريد‪ :‬يج‪::‬وز‪ :‬اتب‪::‬اع رخص الم‪::‬ذاهب‪ ،‬وال يمن‪::‬ع من‪::‬ه م‪::‬انع‬
‫شرعي‪ ،‬إذ لإلنسان أن يسلك المسلك األخف عليه من مذهب إلى مذهب‪ ،‬إذا كان له إليه س‪::‬بيل‪ ،‬ب‪::‬أن لم يكن عم‪::‬ل‬
‫بقول آخر مخالف لذلك األخف‪ ..‬وقال ابن أمير الحاج إن مثل هذه التشديدات التي ذكروها‪ :‬في المتنق‪::‬ل من م‪:‬ذهب‬
‫إلى مذهب إلزامات منهم لكف الناس عن تتبع الرخص‪ ،‬وإال فأخ‪:‬ذ الع‪:‬امي بك‪:‬ل مس‪:‬ألة بق‪:‬ول مجته‪:‬د يك‪:‬ون قول‪:‬ه‬
‫أخف عليه فال أدري ما يمنع منه عقالً وشرعاً)(‪)4‬‬
‫ونحب أن ننبه هنا فقط إلى أن التلفيق الذي أجازه هؤالء العلماء ال عالقة له بم‪::‬ا ذك‪::‬ره بعض المتحللين من‬
‫أحكام الشريعة المتالعبين بها‪ ،‬والذين عبر ابن الرومي‪ :‬عنهم‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫وق‪::‬ال الحرام‪::‬ان المدام‪::‬ة‬ ‫أباح العراقي‪ :‬النبي‪::‬ذ وش‪::‬ربه‬
‫والس‪::::::::::::::::::::::::::::::::::::::‬كر‪:‬‬
‫فحلت لن‪::::::::::::‬ا من بين‬ ‫وق‪::‬ال الحج‪::‬ازي ‪ :‬الش‪::‬رابان‬
‫اختالفهم‪::::::::::::::::::::::::‬ا الخمر‬ ‫واح‪:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::‬د‬
‫وأشربها ال فارق‪ :‬ال‪::‬وازر‪:‬‬ ‫س‪::‬آخذ من قوليهم‪::‬ا‪ :‬طرفيهما‪:‬‬
‫ال‪:::::::::::::::::::::::::::::::::::‬وزر‪)5(:‬‬
‫األصل الثالث‪ :‬جواز الحيل الفقهية‬
‫ومعناها – كما يذكر ابن القيم‪( -‬سلوك الطرق الخفية التي يتوصل‪ :‬بها الرجل إلى حص‪::‬ول غرض‪::‬ه‪ ،‬بحيث‬

‫‪ )(1‬أصول الفقه اإلسالمي‪ ،‬د‪ .‬وهبة الزحيلي‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت ‪ ،‬الطبعة األولى ( ‪ 1986‬م) ج‬
‫‪ ،2‬ص ‪.1142‬‬
‫‪ )(2‬البحر المحيط في أصول الفقه‪ ،8 ،‬ص ‪.375‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،8‬ص ‪.376‬‬
‫‪ )(4‬حاشية العطار على شرح الجالل المحلي‪ ،‬حسن بن محمد بن محمود العطار الشافعي‪ ،‬دار الكتب العلمي‪::‬ة – ب‪::‬يروت‪ ،‬ج‬
‫‪ ،2‬ص ‪442‬‬
‫‪ )(5‬محاضرات األدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء‪ ،‬أبو القاسم الحسين بن محم‪::‬د المع‪:‬روف ب‪:‬الراغب األص‪:‬فهاني‪ ،‬ش‪:‬ركة‬
‫دار األرقم بن أبي األرقم – بيروت‪ ،‬ط‪ 1420 ، ،1‬هـ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.769‬‬
‫‪38‬‬
‫ال يتفطن له إال بنوع من ال‪:‬ذكاء والفطن‪:‬ة ‪ ..‬وأخص من ه‪:‬ذا اس‪:‬تعمالها في التوص‪::‬ل إلى الغ‪::‬رض الممــنوع‪ :‬من‪:‬ه‬
‫شرعا ً أو عقالً أو عادةً‪ ،‬فهذا هو الغالب عليها في عرف الناس)(‪)1‬‬
‫وقد ذكر ابن تيمية بداية نشوء ه‪:‬ذه الظ‪:‬اهرة‪ ،‬فق‪:‬ال‪( :‬أم‪:‬ا اإلفت‪:‬اء به‪:‬ا وتعليمه‪:‬ا‪ :‬للن‪:‬اس وإنفاذه‪:‬ا في الحكم‪،‬‬
‫واعتقاد جوازها فأول ما حدث في اإلسالم في أواخر عصر صغار التابعين بعد المئة األولى بسنين كث‪:‬يرة‪ ،‬وليس‬
‫فيها وهلل الحمد حيلة واحدة تؤثر عن أصحاب رس‪:‬ول‪ :‬هللا ‪ ،‬ب‪::‬ل المس‪::‬تفيض عن الص‪::‬حابة أنهم ك‪:‬انوا إذا ُس‪:‬ئلوا‬
‫عن فعل شيء من ذلك أعظموا وزجروا عنه)(‪)2‬‬
‫ومن المش‪::‬هور في ت‪::‬اريخ التش‪::‬ريع‪ :‬اإلس‪::‬المي أن الحنفي‪::‬ة من أك‪::‬ثر من اهتم به‪::‬ذا الج‪::‬انب‪ ،‬وأن لهم فيه‪::‬ا‬
‫مؤلفات‪ ،‬منها (المخارج في الحيل) لإلمام محمد بن الحسن الشيباني‪ :‬الحنفي‪ ،‬وقد حص‪::‬ل خالف في نس‪::‬بة الكت‪::‬اب‬
‫إليه‪ ،‬ومنها (الحيل والمخارج) للخصاف‪ :‬الحنفي‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫وتروى‪ :‬عن أبي حنيفة الكثير من القصص في هذا‪ ،‬منها ما رواه محمد بن الحس‪::‬ن‪ ،‬ق‪::‬ال‪ :‬دخ‪::‬ل على رج‪::‬ل‬
‫اللصوص‪ ،‬فأخذوا متاعه واستحلفوه بالطالق ثالث‪:‬ا أن ال يعلم أح‪:‬دا‪ ،‬ق‪:‬ال‪ :‬فأص‪:‬بح الرج‪:‬ل وه‪:‬و ي‪:‬رى اللص‪:‬وص‬
‫يبيعون متاعه‪ ،‬وليس يقدر يتكلم من أجل يمينه‪ ،‬فجاء الرجل يشاور‪ :‬أبا حنيفة‪ ،‬فقال له أبو حنيفة‪( :‬أحضرني‪ :‬إم‪::‬ام‬
‫حيك والمؤذن والمستورين منهم)‪ ،‬فأحضرهم‪ :‬إياه‪ ،‬فقال لهم أبو حنيفة‪( :‬هل تحبون أن يرد هللا على ه‪::‬ذا متاع‪::‬ه؟)‬
‫قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪( :‬فاجمعوا كل داعر وكل متهم فأدخلوهم في دار‪ ،‬أو في مسجد‪ ،‬ثم أخرجوهم واحدا واحدا‪ ،‬فقولوا‬
‫له‪ :‬هذا لصك‪ ،‬فإن كان ليس بلصه قال‪ :‬ال‪ ،‬وإن كان لصه‪ ،‬فليسكت‪ ،‬فإذا سكت فاقبضوا عليه)‪ ،‬ففعلوا ما أم‪::‬رهم‬
‫به أبو حنيفة‪ ،‬فرد هللا عليه جميع ما سرق منه(‪. )3‬‬
‫ومنها ما رواه عن وكيع قال‪ :‬كان لنا ج‪::‬ار من خي‪::‬ار الن‪::‬اس‪ ،‬وك‪::‬ان من الحف‪::‬اظ للح‪::‬ديث‪ ،‬فوق‪:‬ع‪ :‬بين‪::‬ه وبين‬
‫امرأته شيء وكان بها معجبا‪ ،‬فق‪::‬ال له‪::‬ا‪ :‬أنت ط‪::‬الق إن س‪::‬ألتيني الطالق الليل‪::‬ة‪ ،‬إن لم أطلق‪::‬ك الليل‪::‬ة ثالث‪::‬ا‪ ،‬فق‪::‬الت‬
‫المرأة‪ :‬عبيدها أحرار‪ ،‬وكل م‪::‬ال له‪::‬ا ص‪::‬دقة إن لم أس‪::‬ألك الطالق الليل‪::‬ة‪ ،‬فج‪::‬اءني ه‪::‬و والم‪::‬رأة في اللي‪::‬ل‪ ،‬فق‪::‬الت‬
‫المرأة‪ :‬إني بليت بكذا‪ ،‬وقال الرجل‪ :‬إني بليت بكذا‪ ،‬فقلت م‪::‬ا عن‪::‬دي في ه‪::‬ذا ش‪::‬يء‪ ،‬ولكن‪::‬ا نص‪::‬ير إلى الش‪::‬يخ أبي‬
‫حنيفة فإني أرجو أن يكون لنا عنده فرج‪ ،‬وكان الرجل يكثر الوقيعة في أبي حنيفة وبلغه ذلك عنه‪ ،‬فقال‪ :‬أس‪::‬تحيي‬
‫منه‪ ،‬فقلت‪ :‬امض بنا إليه‪ ،‬فأبى‪ ،‬فمضيت‪ :‬معه إلى ابن أبي ليلى وسفيان‪ ،‬فقاال‪ :‬م‪::‬ا عن‪::‬دنا في ه‪::‬ذا ش‪::‬يء‪ ،‬فمض‪::‬ينا‪:‬‬
‫إلى أبي حنيفة‪ ،‬فدخلنا عليه‪ ،‬وقصصنا عليه القصة وأخبرته أنا مضينا إلى سفيان وابن أبي ليلى‪ ،‬فع‪::‬زب الج‪::‬واب‬
‫عنهما‪ ،‬فقال‪ :‬إني وهللا ما أجد الفرض إال جوابك‪ ،‬وإن كنت لي عدوا‪ ،‬فسأل الرج‪:‬ل‪ :‬كي‪:‬ف حل‪:‬ف؟ وس‪:‬أل الم‪:‬رأة‪:‬‬
‫كيف حلفت؟ وقال‪ :‬وأنتما تريدان الخالص من هللا في أيمانكما وال تحبان الفرقة‪ ،‬فقالت‪ :‬نعم‪ ،‬وق‪::‬ال‪ :‬الرج‪::‬ل‪ :‬نعم‪،‬‬
‫قال‪ :‬سليه أن يطلقك‪ ،‬فقالت‪ :‬طلقني‪ ،‬فقال للرجل‪ :‬قل لها أنت ط‪:‬الق ثالث‪:‬ا إن ش‪:‬ئت‪ ،‬فق‪:‬ال له‪:‬ا ذل‪:‬ك‪ ،‬فق‪:‬ال للم‪:‬رأة‬
‫قولي ‪ :‬ال أشاء‪ ،‬فقالت‪ :‬ال أشاء‪ ،‬فقال‪ :‬قد بررتما وخرجتما من طلبة هللا لكما‪ ،‬فقال للرجل‪ :‬تب إلى هللا من الوقيعة‬
‫في كل من حمل إليك ش‪:‬يئا من العلم " ق‪:‬ال وكي‪:‬ع‪ :‬فك‪:‬ان الرج‪:‬ل بع‪:‬د ذل‪:‬ك ي‪:‬دعو ألبي حنيف‪:‬ة في دب‪:‬ر الص‪:‬لوات‪،‬‬
‫وأخبرني أن المرأة تدعو له كلما صلت(‪.)4‬‬
‫ولكن هذا وإن اشتهر به الحنفي‪::‬ة‪ ،‬فليس خاص‪::‬ا بهم‪ ،‬حيث نج‪::‬د من فقه‪::‬اء الم‪::‬ذاهب األخ‪::‬رى من أخ‪::‬ذ به‪::‬ذا‬
‫األصل أيضا‪.‬‬
‫يقول النووي ‪( :‬ومن التساهل أن تحمله األغراض الفاسدة على تتبع الحيل المحرّمة أو المكروهة والتمس‪::‬ك‬
‫بالشبه طلبا ً للترخيص لمن يروم نفعه‪ ،‬أو التغلي‪::‬ظ على من يري‪::‬د ض‪:‬رّه وأم‪::‬ا من ص‪ّ :‬ح قص‪::‬ده فاحتس‪::‬ب في طلب‬
‫حيلة ال شبهة فيها لتخليص من ورطة يمين ونحوها‪ :،‬فذلك حسن جميل‪ ،‬وعلي‪:‬ه يحم‪:‬ل م‪:‬ا ج‪:‬اء عن بعض الس‪:‬لف‬

‫‪ )(1‬عالم الموقعين‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.188‬‬


‫‪ )(2‬بيان الدليل على بطالن التحليل‪ ،‬ابن تيمية‪ ،‬تحقيق‪ :‬حمدي عبد المجيد السلفي‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬ص‪.121‬‬
‫‪ )(3‬الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي‪ :،‬ج‪ ،2‬ص ‪.413‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.413‬‬
‫‪39‬‬
‫أحد)(‪)1‬‬
‫من نحو هذا كقول سفيان‪( :‬إنما العلم عندنا الرخصة من ثقة‪ ،‬فأما التشديد فيحسنه كل‬
‫ثانيا ـ أدلته‪:‬‬
‫ال يمكن استيعاب األدلة التي يستند إليها أصحاب هذا المنهج‪ ،‬ولكن يمكن أن نجمعها في المجامع التالية‪:‬‬
‫الدليل األول‪:‬‬
‫ما ورد في القرآن الكريم والسنة المطهرة من بيان س‪::‬ماحة الش‪::‬ريعة اإلس‪::‬المية ويس‪::‬رها‪ :،‬وأن من مقاص‪::‬د‬
‫الشرع الحكيم التيسير والتخفيف على المكلفين‪ ،‬كقوله تعالى تعقيبًا على أحكام الص‪::‬يام ‪ ﴿ :‬ي ُِري ‪ُ :‬د هَّللا ُ بِ ُك ُم ْالي ُْس ‪َ :‬ر َواَل‬
‫ج َولَ ِك ْن ي ُِري‪ُ :‬د لِيُطَه َِّر ُك ْ‪:‬م َولِيُتِ َّم نِ ْع َمتَ‪:‬هُ َعلَ ْي ُك ْم‬ ‫‪:‬ل َعلَ ْي ُك ْم ِم ْن َح‪َ :‬‬
‫‪:‬ر ٍ‬ ‫ي ُِري ُد بِ ُك ُم ْال ُعس َْر﴾(‪ ،)2‬وقوله تعالى‪َ ﴿ :‬ما ي ُِري‪ُ :‬د هَّللا ُ لِيَجْ َع‪َ :‬‬
‫ض ِعيفًا ﴾(‪)4‬‬ ‫ق اإْل ِ ْن َسانُ َ‬ ‫لَ َعلَّ ُك ْم تَ ْش ُكرُونَ ﴾(‪ ،)3‬وقوله‪ ﴿ :‬ي ُِري ُد هَّللا ُ أَ ْن يُ َخفِّفَ َع ْن ُك ْم َو ُخلِ َ‬
‫ومن الحديث قوله ‪ ( :‬إن الدين يسر‪ ،‬ولن يش‪::‬اد ه‪::‬ذا ال‪::‬دين أح‪::‬د إال غلب‪::‬ه‪ ،‬فس‪::‬ددوا‪ ،‬وق‪::‬اربوا‪ :،‬وأبش‪::‬روا‪:‬‬
‫واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة)(‪)5‬‬
‫وقوله ‪( :‬يا أيها الناس‪ ،‬خذوا من األعمال ما تطيقون‪ ،‬ف‪::‬إن هللا ال يم‪::‬ل ح‪::‬تى تمل‪::‬وا ‪ .‬وإن أحب األعم‪::‬ال‬
‫إلى هللا أدومها وإن قل)(‪)6‬‬
‫وقوله ‪( :‬أحب الدين إلى هللا الحنيفية السمحة)(‪)7‬‬
‫ُ‬
‫ولذا أوصى الرسول ‪ ‬معاذ بن جبل وأبا موسى‪ :‬األشعري حين بعثهما إلى اليمن فقال‪( :‬يَسّرا وال ت َعسّرا‪،‬‬
‫شرا‪ :‬وال تُنَفّرا)(‪)8‬‬ ‫وبَ ِّ‬
‫ولهذا‪ ،‬فإن أصحاب هذا المنهج يرون في التشديد مخالف‪::‬ة لم‪::‬ا ورد‪ :‬في ه‪::‬ذه النص‪::‬وص وغيره‪::‬ا من األم‪::‬ر‬
‫بمراعاة التيسير‪:.‬‬
‫وقد استنبط الفقه‪::‬اء –بمختل‪::‬ف من‪::‬اهجهم ‪-‬من تل‪::‬ك النص‪::‬وص وغيره‪::‬ا الكث‪::‬ير من القواع‪::‬د الش‪::‬رعية ال‪::‬تي‬
‫استنبطوها من النصوص وغيرها‪ ،‬وال‪::‬تي ت‪::‬دل على أن التيس‪::‬ير غ‪::‬رض ش‪::‬رعي مح‪::‬ترم ال جن‪::‬اح على الفقي‪::‬ه أن‬
‫يعتمده‪ ،‬بل يجب عليه أن يعتمده في فتاواه‪.‬‬
‫ومن هذه القواعد‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ قاعدة‪( :‬المشقة تجلب التيسير) المستنبطة من قوله تعالى‪ ﴿ :‬ي ُِري ُد هَّللا ُ بِ ُك ُم ْاليُ ْس َر َواَل ي ُِري ُد بِ ُك ُم ْال ُع ْس َر‬
‫ج ﴾(‪،)11‬‬ ‫ِّين ِم ْن َح‪َ :‬ر ٍ‬ ‫‪:‬ل َعلَ ْي ُك ْم فِي ال‪:‬د ِ‬ ‫ج ﴾(‪ ،)10‬وقول‪:‬ه‪َ ﴿:‬و َم‪:‬ا َج َع َ‬ ‫﴾(‪ ،)9‬وقوله‪َ ﴿ :‬م‪:‬ا ي ُِري‪ُ :‬د هَّللا ُ لِيَجْ َع َ‬
‫‪:‬ل َعلَ ْي ُك ْم ِم ْن َح‪َ :‬ر ٍ‬
‫وقوله‪ ﴿:‬اَل يُ َكلِّفُ هَّللا ُ نَ ْفسًا إِاَّل ُو ْس َعهَا‪:‬‬
‫﴾(‪)12‬‬
‫‪ 2‬ـ قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات) وهي مستنبطة من قوله تعالى‪ ﴿ :‬فَ َم ِن اضْ طُ َّر فِي َم ْخ َم َ‬
‫ص‪ٍ :‬ة َغ ْي‪َ :‬‬
‫‪:‬ر‬
‫حي ٌم ﴾(‪)13‬‬ ‫ف إِل ِ ْث ٍم فَإِ َّن هَّللا َ َغفُو ٌر َر ِ‬
‫ُمت ََجانِ ٍ‪:‬‬

‫‪ )(1‬المجموع شرح المهذب (مع تكملة السبكي والمطيعي)‪ ،‬أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ج ‪،1‬‬
‫ص ‪.46‬‬
‫‪ )(2‬سورة البقرة‪.185 :‬‬
‫‪ )(3‬سورة المائدة‪.6 :‬‬
‫‪ )(4‬سورة النساء‪.28 :‬‬
‫‪ )(5‬صحيح البخاري‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.16‬‬
‫‪ )(6‬صحيح البخاري‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪..17‬‬
‫‪ )(7‬صحيح البخاري‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.16‬‬
‫‪ )(8‬صحيح البخاري ‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪.65‬‬
‫‪ )(9‬سورة البقرة‪.185 :‬‬
‫‪ )(10‬سورة المائدة‪.6 :‬‬
‫‪ )(11‬سورة الحج‪.78 :‬‬
‫‪ )(12‬سورة البقرة‪.286 :‬‬
‫‪ )(13‬سورة المائدة‪.3 :‬‬
‫‪40‬‬
‫‪ 3‬ـ قاع‪::‬دة (كلم ا ض اق األم ر اتسع) وهي مس‪::‬تنبطة من قول‪::‬ه تع‪::‬الى‪ ﴿ :‬ي ُِري ‪ُ :‬د هَّللا ُ أَ ْن يُخَ فِّفَ َع ْن ُك ْم َو ُخلِ ‪َ :‬‬
‫ق‬
‫ْر ي ُْس‪:‬رًا‬ ‫ْر يُ ْسرًا (‪ )5‬إِ َّن َم َع ْال ُعس ِ‬ ‫ْر يُ ْسرًا﴾(‪ ،)2‬وقوله‪ ﴿ :‬فَإِ َّن َم َع ْال ُعس ِ‬ ‫ض ِعيفًا﴾(‪)1‬وقوله‪َ ﴿ :‬سيَجْ َع ُل هَّللا ُ بَ ْع َد ُعس ٍ‬ ‫اإْل ِ ْن َسانُ َ‬
‫(‪)3(﴾ )6‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫‪ 4‬ـ قاعدة (الميسور ال يسقط بالمعسور) المستنبطة من قوله تعالى‪َ ﴿ :‬ربَّنَا َواَل تُ َح ِّملنَ‪:‬ا َم‪::‬ا اَل طاقَ‪:‬ةَ لَنَ‪::‬ا بِ‪ِ :‬ه﴾‬
‫َت َعلَ ْي ِه ْم﴾(‪،)6‬‬ ‫ص‪َ :‬رهُ ْم َواأْل َ ْغاَل َل الَّتِي َك‪::‬ان ْ‬ ‫(‪ ،)4‬وقوله‪ ﴿ :‬اَل يُ َكلِّفُ هَّللا ُ نَ ْفسًا إِاَّل َم‪::‬ا آَتَاهَا﴾(‪ ،)5‬وقول‪::‬ه‪َ ﴿ :‬ويَ َ‬
‫ض‪ُ :‬ع َع ْنهُ ْم إِ ْ‬
‫ج ﴾(‪)7‬‬ ‫يض َح َر ٌ‬ ‫ج َح َر ٌج َواَل َعلَى ْال َم ِر ِ‬ ‫ْس َعلَى اأْل َ ْع َمى َح َر ٌج َواَل َعلَى اأْل َ ْع َر ِ‬ ‫وقوله‪ ﴿ :‬لَي َ‬
‫الدليل الثاني‪:‬‬
‫أنه كان من سنة رسول هللا ‪ ‬وهو المفتي األول في اإلسالم مراعاة التيس‪::‬ير‪ ،‬والنهي عن التش‪::‬دد‪ ،‬ول‪::‬ذلك‬
‫فإن الفقيه الذي يميل إلى التيسير إنما يطبق سنة رسول هللا ‪ ‬في الفتوى‪.‬‬
‫ففي الحديث عن عائشة أنها قالت‪ ( :‬ما خير رسول هللا ‪ ‬بين أمرين إال أخذ أيسرهما ما لم يكن إث ًما‪ ،‬فإن‬
‫كان إثما كان أبعد الناس منه‪ .‬وما انتقم رسول هللا ‪ ‬لنفسه إال أن تنتهك حرمة هللا‪ ،‬فينتقم هلل بها)(‪)8‬‬
‫ره ُم من األَع َمال بما ي ُطيقُون)(‪)9‬‬‫وعنها قالت‪ :‬كان رسول هللا ‪ ( :‬إذا أَ َم َرهُم أَ َم َ‬
‫وعن عمار بن ياسر قال‪ :‬بعثنا رس‪::‬ول‪ :‬هللا ‪ ‬في حاج‪::‬ة ف‪::‬أجنبْت فلم أج‪::‬د م‪::‬ا ًء‪ ،‬فم‪::‬رغت في الص‪::‬عيد كم‪::‬ا‬
‫تمرّغ الدابة‪ ،‬ثم أتيت النبي ‪ ‬فأخبرته فقال‪ « :‬إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هك ذا » ثم ض‪::‬رب بيدي‪::‬ه األرض‬
‫ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر‪ :‬كفيه ووجهه(‪.)10‬‬
‫ق على أمتي ألمرتهم بالسواك مع كل صالة)(‪)11‬‬ ‫وعن أبي هريرة أن رسول هللا ‪ ‬قال‪( :‬لوال أن أش ّ‬
‫وكان ‪ ‬ال يشق على أصحابه في أمر حتى في أوقات تعليمهم‪ ،‬فقد روى ابن مسعود أنه قال‪( :‬كان النبي‬
‫‪ ‬يتخولنا‪ :‬بالموعظة في األيام كراهة السآمة علينا)(‪)12‬‬
‫وعن أنس‪ ،‬قال‪ ( :‬ما صليت وراء إمام قط أخف صالة وال أتم من النبي ‪ ،‬وإن كان ليسمع بكاء الص‪::‬بي‬
‫فيخفف مخافة أن تفتن أمه)(‪)13‬‬
‫وهكذا كان الصحابة المنتجبون‪ ،‬وهم أدرى الناس بسنة رس‪::‬ول هللا ‪ ،‬فق‪::‬د ح‪::‬دث عم‪::‬ر بن إس‪::‬حاق‪( :‬لم‪::‬ا‬
‫ل تشديداً منهم)(‪)14‬‬‫أدركت من أصحاب رسول‪ :‬هللا ‪ ‬أكثر ممن سبقني منهم؛ فما رأيت قوما ً أيسر سيرة وال أق ّ‬
‫الدليل الثالث‪:‬‬
‫ما ورد من النصوص في النهي عن التشدد في الدين‪ ،‬وهي كثيرة جدا‪ ،‬منه‪::‬ا م‪::‬ا ح‪::‬دث ب‪::‬ه ابن مس‪::‬عود أن‬

‫‪ )(1‬سورة النساء‪.28 :‬‬


‫‪ )(2‬سورة الطالق‪.7 :‬‬
‫‪ )(3‬سورة االنشراح‪.6 -5 :‬‬
‫‪ )(4‬سورة البقرة‪.286 :‬‬
‫‪ )(5‬سورة الطالق‪.7 :‬‬
‫‪ )(6‬سورة األعراف‪.157 :‬‬
‫‪ )(7‬سورة النور‪.61 :‬‬
‫‪ )(8‬صحيح البخاري (‪)189 /4‬‬
‫‪ )(9‬صحيح البخاري‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪ ،13‬صحيح مسلم‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.540‬‬
‫‪ )(10‬صحيح البخاري‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،75‬وصحيح مسلم‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.280‬‬
‫‪ )(11‬صحيح البخاري‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.4‬‬
‫‪ )(12‬صحيح البخاري ج ‪ ،8‬ص ‪.88‬‬
‫‪ )(13‬صحيح البخاري‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.143‬‬
‫‪ )(14‬مسند الدارمي المعروف بسنن الدارمي‪ ،‬أبو محمد عبد هللا الدارمي‪ ،‬التميمي السمرقندي‪ ،‬تحقيق‪ :‬نبيل هاشم الغم‪::‬ري‪،‬‬
‫دار البشائر (بيروت)‬
‫ط‪1434 ،1‬هـ ‪2013 -‬م‪ ،‬ص‪.128‬‬
‫‪41‬‬
‫النبي ‪ ‬قال‪( :‬هلك المتنطعون) (قالها ثالثًا) وفي رواية‪ ( :‬أال هلك المتنطع‪::‬ون)(‪ ،)1‬والمتنطع‪::‬ون هم المتعمق‪:‬ون‬
‫والمتشددون في غير موضع التشديد‪.‬‬
‫وفي الحديث عن عائشة‪ :‬أن النبي ‪ ‬دخل عليه‪::‬ا وعن‪::‬دها ام‪::‬رأة‪ ،‬فق‪::‬ال‪ :‬من ه‪::‬ذه؟ ق‪::‬الت‪ :‬فالن‪::‬ة ت‪::‬ذكر من‬
‫صالتها‪ ،‬فقال ‪( : ‬مه عليكم بما تطيقون ! فوهللا ال يمل هللا حتى تملوا‪ ،‬وكان أحب ال‪::‬دين إلى هللا م‪::‬ا دوام علي‪::‬ه‬
‫صاحبه)(‪)2‬‬
‫وعن أبي هريرة ‪ ،‬قال‪ :‬قام أعرابي فبال في المسجد‪ ،‬فتناوله الناس‪ ،‬فق‪::‬ال لهم الن‪::‬بي ‪( :‬دع‪::‬وه وهريق‪::‬وا‬
‫على بوله سجال من ماء‪ ،‬أو ذنوبا من ماء‪ ،‬فإنما بعثتم ميسرين‪ ،‬ولم تبعثوا معسرين)(‪)3‬‬
‫ثالثا ـ منهجه في الفتوى‪:‬‬
‫يمكن تقسيم الفقهاء الذين اعتمدوا هذا المنهج إلى فريقين‪:‬‬
‫الفريق األول‪:‬‬
‫وهم الذين اعت‪::‬بروا التيس‪:‬ير‪ :‬مقص‪:‬دا ش‪:‬رعيا مطلق‪::‬ا غ‪:‬ير منض‪:‬بط‪ :‬بالض‪:‬وابط األخ‪::‬رى‪ ،‬وله‪::‬ذا أج‪:‬ازا تتب‪:‬ع‬
‫الرخص مطلقا‪ ،‬بل أجازوا ما يسمونه بالحيل الفقهية على اعتبار أنها تحقق مقصد التيسير‪:.‬‬
‫وقد ذكر من كتبوا في الرد على الحيل كابن تيمي‪::‬ة وابن القيم الكث‪::‬ير من المن‪::‬اهج ال‪::‬تي يعتم‪::‬دها ه‪::‬ؤالء في‬
‫مراعاة حاجات وأهواء المستفتين‪ ،‬ومن ذلك ما ورد‪ :‬في الحي‪::‬ل المرتبط‪::‬ة ب‪::‬التهرب من الزك‪::‬اة وهي كث‪::‬يرة ج‪::‬دا‪،‬‬
‫وتصطدم مع ما ورد في الشرع من مقاصد الزكاة‪.‬‬
‫ومن األمثلة التي ذكرها ابن القيم‪ ،‬وهي لألسف منتشرة بين الناس‪ :‬أن يك‪::‬ون على من وجبت علي‪::‬ه الزك‪::‬اة‬
‫على رجل مال‪ ،‬وقد أفلس غريمه وأيس من أخذه منه‪ ،‬وأراد أن يحس‪::‬به من الزك‪::‬اة‪ ،‬فيعطي‪::‬ه من الزك‪::‬اة بق‪::‬در م‪::‬ا‬
‫عليه‪ ،‬ومن ثم يطالبه بالوفاء‪ ،‬فإذا أوفاه برئ وسقطت الزك‪::‬اة عن ال‪::‬دافع‪ ،‬وق‪::‬د ذك‪::‬ر ابن القيم ه‪::‬ذه الحيل‪::‬ة‪ ،‬وق‪::‬ال‪:‬‬
‫(وهذه حيلة باطلة‪ ،‬سواء شرط‪ :‬عليه الوفاء أو منعه من التصرف‪ :‬فيما دفعه إليه أو ملكه إي‪::‬اه بني‪::‬ة أن يس‪::‬توفيه من‬
‫دينه فكل هذا ليسقط عنه الزكاة وال يعد مخرجا ً لها شرعا ً وال عرفاً)(‪)4‬‬
‫ومن الحيل المنتشرة في هذا الباب إسقاط الدين على المعسر قائالً‪ :‬الدينُ الذي لي علي‪::‬ك ه‪::‬و ل‪::‬ك‪ ،‬ويحس‪::‬به‬
‫من الزكاة‪ ،‬وقد سئل الش‪:‬يخ ابن ع‪:‬ثيمين – رحم‪:‬ه هللا – عن ه‪:‬ذه المس‪:‬ألة فأج‪:‬اب بقول‪:‬ه‪( :‬ه‪:‬ذا ال يج‪:‬وز؛ ألن هللا‬
‫ص َدقَةً تُطَهِّ ُرهُ ْم﴾‪ ، )5(:‬واألخذ‪ :‬ال بد أن يكون بب‪::‬ذل من الم‪::‬أخوذ‪ :‬من‪::‬ه‪ ،‬وق‪::‬ال الن‪::‬بي ‪:‬‬ ‫تعالى قال‪ُ ﴿:‬خ ْذ ِم ْن أَ ْم َوالِ ِه ْ‪:‬م َ‬
‫(أعلمهم أن هللا افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد)(‪ ،)6‬فقال‪( :‬تؤخذ من أغنيائهم فترد)‪ ،‬فالب‪::‬د من أخ‪::‬ذ‬
‫ورد‪ ،‬واإلسقاط ال يوجد فيه ذلك؛ وألن اإلنسان إذا أسقط الدين عن زكاة العين التي في يده‪ ،‬فكأنما أخرج الرديء‬
‫عن الطيب‪ ،‬ألن قيمة الدين في النفس ليست كقيمة العين‪ ،‬فإن العين ملكه وفي ي‪::‬ده‪ ،‬وال‪::‬دين في ذم‪::‬ة اآلخ‪::‬رين ق‪::‬د‬
‫يأتي وقد ال يأتي‪ ،‬فصار‪ :‬الدين دون العين‪ ،‬وإذا كان دونها فال يصح أن يخرج زكاة عنها لنقصه‪ ،‬وقد‪ :‬قال تع‪::‬الى‪:‬‬
‫ض َوال تَيَ َّم ُم‪::‬وا ْالخَ بِ َ‬
‫يث ِم ْن‪:‬هُ تُ ْنفِقُ‪::‬ونَ‬ ‫ت َم‪::‬ا َك َس‪ْ :‬بتُ ْم َو ِم َّما أَ ْخ َرجْ نَ‪::‬ا لَ ُك ْم ِمنَ اأْل َرْ ِ‬
‫﴿ يَا أَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُ‪::‬وا أَ ْنفِقُ‪::‬وا ِم ْن طَيِّبَ‪::‬ا ِ‬
‫ح ِمي ٌد﴾(‪)7‬‬ ‫آخ ِذي ِه إِاَّل أَ ْن تُ ْغ ِمضُوا فِي ِه َوا ْعلَ ُموا أَ َّن هَّللا َ َغنِ ٌّي َ‬ ‫َولَ ْستُْ‪:‬م بِ ِ‬
‫وهك‪::‬ذا أف‪::‬تى ابن القيم فيمن (ك‪::‬ان ل‪::‬ه على رج‪::‬ل م‪::‬ال‪ ،‬وق‪:‬د‪ :‬أفلس غريم‪::‬ه‪ ،‬وأيس من أخ‪::‬ذه من‪::‬ه‪ ،‬وأراد أن‬
‫يحسبه من الزكاة‪ ،‬فيعطيه من الزكاة بقدر ما عليه‪ ،‬ومن ثم يطالبه بالوفاء‪ ،‬ف‪::‬إذا أوف‪::‬اه ب‪::‬رئ وس‪::‬قطت الزك‪::‬اة عن‬
‫الدافع)‬

‫‪ )(1‬صحيح مسلم ج‪ ،4‬ص ‪.2055‬‬


‫‪ )(2‬صحيح البخاري‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪ ،54‬وصحيح مسلم‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.540‬‬
‫‪ )(3‬صحيح البخاري‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.54‬‬
‫‪ )(4‬إعالم الموقعين‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص‪.240‬‬
‫‪ )(5‬سورة التوبة‪ :‬من اآلية‪.103‬‬
‫‪ )(6‬صحيح البخاري ‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪ ،104‬صحيح مسلم ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.50‬‬
‫‪ )(7‬سورة البقرة‪.267:‬‬
‫‪42‬‬
‫فقد أجاب على هذا بقوله‪( :‬وهذه حيلة باطلة‪ ،‬سواء شرط عليه الوفاء أو منعه من التصرف‪ :‬فيما دفع‪::‬ه إلي‪::‬ه‬
‫أو ملكه إياه بنية أن يستوفيه من دينه فكل هذا ل يسقط عنه الزكاة وال يعد مخرجا ً لها شرعا ً وال عرفاً)(‪)1‬‬
‫وهكذا نجد العلماء المحققين يشتدون على هذا النوع من الحيل‪ ،‬باعتباره تملص‪::‬ا من الش‪::‬ريعة‪ ،‬وال يختل‪::‬ف‬
‫عما فعله أصحاب السبت من بني إسرائيل‪ ،‬يقول الشاطبي‪( :‬وقد أذكر في هذا المعني جملة مم‪:‬ا في اتب‪:‬اع رخص‬
‫المذاهب من المفاسد سوى ما تقدم ذكره في تضاعيف المسألة كاالنسالخ من ال‪:‬دين ب‪:‬ترك اتب‪:‬اع ال‪:‬دليل إلى اتب‪:‬اع‬
‫الخالف‪ ،‬وكاالستهانة بالدين؛ إذ يصير‪ :‬بهذا االعتبار سياالً ال ينضبط‪ ،‬وكترك ما هو معلوم إلى ما ليس بمعل‪::‬وم‪..‬‬
‫وكانخرام قانون السياسة الشرعية بترك االنضباط إلى أمر معروف‪ ،‬وكإفض‪:‬ائه إلى الق‪:‬ول بتلفي‪:‬ق الم‪:‬ذاهب على‬
‫وجه يخرق‪ :‬إجماعهم وغير ذلك من المفاسد التي يكثر تعدادها)(‪)2‬‬
‫وقال ابن القيم‪( :‬وقد استقرت سنة هللا في خلقه ش‪::‬رعا ً وق‪::‬درا‪ :‬على معاقب‪::‬ة العب‪::‬د بنقيض قص‪::‬ده‪ ،‬كم‪::‬ا ُح‪ِ :‬‬
‫‪:‬ر َم‬ ‫ً‬
‫َّث ال ُمطلَّقة في مرض الموت‪ ،‬وكذلك الفار من الزكاة ال يس‪::‬قطها عن‪::‬ه ف‪::‬راره وال يع‪::‬ان على‬ ‫القات ُل الميراث‪ ،‬وور َ‬
‫ُ‬
‫قصده الباطل فيت ُم مقصُودُه ويسقط مقصو ُد الرب تعالى‪ ،‬وكذلك عامة الحيل إنما يُسا ِع ُد فيه‪::‬ا ال ُمتحي ‪ُ :‬ل على بل‪::‬وغ‬
‫غرضه ويبطل غرض الشارع)(‪)3‬‬
‫الفريق الثاني‪:‬‬
‫وهم الذين احترموا ما ورد‪ :‬في النصوص من اعتبار التيس‪::‬ير والتس‪::‬هيل على المكلفين‪ ،‬وله‪::‬ذا راع‪::‬وا رف‪::‬ع‬
‫الحرج في التكاليف من غير أن يصطدموا مع مقاصد الش‪::‬رع ال‪::‬تي راعاه‪::‬ا في التك‪::‬اليف المختلف‪::‬ة‪ ،‬وه‪::‬ذا المنهج‬
‫يقبل الرخص الفقهية‪ ،‬وقد يتبعها‪ ،‬ولكن بشرط عدم أدائها لتساهل المكلف في أحكام الشريعة‪.‬‬
‫يق‪::‬ول الخطيب البغ‪::‬دادي في كتاب‪::‬ه (الفقي‪::‬ه والمتفق‪::‬ه) في ب‪::‬اب التمح‪::‬ل في الفت‪::‬وى ذاك‪::‬را ه‪::‬ذا الن‪::‬وع من‬
‫التيسيرات التي يحتاج المفتي إلى مراعاتها‪ (:‬متى وج‪::‬د المف‪::‬تي للس‪::‬ائل مخرج‪:‬ا ً في مس‪:‬ألته‪ ،‬وطريق‪:‬ا ً يتخلص ب‪:‬ه‬
‫أرشده إليه ونبهه عليه‪ ،‬كرجل حلف أن ال ينفق على زوجته وال يطعمها شهراً‪ ،‬أو شبه هذا‪ ،‬فإنه يفتي‪::‬ه بإعطائه‪::‬ا‬
‫من صداقها‪ ،‬أو دين له‪::‬ا علي‪:‬ه‪ ،‬أو يقرض‪::‬ها‪ :‬ثمن بيوته‪::‬ا‪ ،‬أو يبيعه‪::‬ا س‪::‬لعة وينويه‪:‬ا‪ :‬من الثمن‪ ،‬وق‪:‬د‪ :‬ق‪::‬ال هللا تع‪::‬الى‬
‫َث﴾‪)5()4‬‬‫ب بِ ِه َواَل تَحْ ن ْ‬ ‫أليوب عليه السالم لما حلف أن يضرب زوجته مئة ﴿ َو ُخ ْذ بِيَ ِدكَ ِ‬
‫ض ْغثًا فَاضْ ِر ْ‪:‬‬
‫ثم ساق الخطيب آثاراً كثيرة في هذا المعنى‪ ،‬منها ما رواه عن علي‪ :‬في رج‪:‬ل حل‪:‬ف‪ ،‬فق‪:‬ال‪ :‬امرأت‪::‬ه ط‪::‬الق‬
‫ثالثا إن لم يطأها في شهر رمضان نهارا‪ ،‬قال‪( :‬يسافر‪ :‬بها ثم ليجامعها نهارا) (‪)6‬‬
‫ومنها ما رواه عن حماد قال‪ :‬قلت إلبراهيم ‪ :‬أمر على العاشر فيستحلفني‪ :‬بالمشي إلى بيت هللا‪ ،‬قال‪( :‬احلف‬
‫له‪ ،‬وانو‪ :‬مسجد حيك)(‪)7‬‬

‫‪ )(1‬إعالم الموقعين‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص‪.240‬‬


‫‪ )(2‬الموافقات‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪.102‬‬
‫‪ )(3‬إعالم الموقعين ‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.193‬‬
‫‪ )(4‬سورة ص‪.44 :‬‬
‫‪ )(5‬الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي‪ :،‬ج‪ ،2‬ص ‪.411‬‬
‫‪ )(6‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.411‬‬
‫‪ )(7‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.412‬‬
‫‪43‬‬
‫المبحث الخامس‬
‫منهج التشديد‬
‫وهو المنهج الذي يعتمد التشديد‪ :‬على المستفتي بأن يختار له من أقوال الفقهاء أو يس‪::‬تنبط‪ :‬ل‪::‬ه من النص‪::‬وص‬
‫مباشرة ما يشدد عليه تنفيذ التكاليف‪ ،‬أو يختار له أشدها وأكثرها احتياطا‪.‬‬
‫وهذا المنهج يرى إمكانية االستفادة من جميع التراث الفقهي‪ ،‬ويضيف إليه بُعد التشديد واالحتياط وال‪::‬ورع‪،‬‬
‫العتقاده أن التشديد‪ :‬واالحتياط مقصد من مقاصد الشريعة ال يصح تجاوزه‪.‬‬
‫بناء على هذا سنعرض هنا – باختصار شديد – لمثل ما عرض‪::‬نا إلي‪::‬ه في المب‪::‬احث الس‪::‬ابقة من أعالم ه‪::‬ذا‬
‫المنهج الذين يمثلونه‪ ،‬وأدلتهم‪ ،‬والمنهج أو اآلليات التنفيذية التي يعتمدون عليها في الفتوى‪.‬‬
‫أوال ـ أعالمه‪:‬‬
‫من خالل تتبع الفتاوى‪ :‬التي يجنح أصحابها إلى التشديد‪ :‬على المستفتين نجد ثالثة أصول كبرى من اعتقدها‬
‫جميعا‪ ،‬أو اعتقد بأحدها‪ ،‬يمكن أن نطلق عليه أنه من أصحاب هذا المنهج‪ ،‬وهذه األصول هي‪:‬‬
‫األصل األول‪ :‬ترجيح العزيمة على الرخصة‬
‫األصل الثاني‪ :‬القول بسد الذرائع‬
‫األصل الثالث‪ :‬مراعاة الخالف‬
‫وسنتحدث عن هذه األصول ومواقف الفقهاء منها في هذا المطلب‪.‬‬
‫األصل األول‪ :‬ترجيح العزيمة على الرخصة‬
‫أو ما يسمى في األصول بمبحث االحتياط(‪ ،)1‬أو األخذ باألحوط‪ ،‬أو التحرز‪ ،‬أو التح‪::‬ري (‪ ،)2‬أو التوق ‪:‬ف‪:‬‬
‫(‪ ،)3‬أو التورع‪.)4(:‬‬
‫وهو منهج اعتمده الكثير من العلماء مقابل المنهج السابق‪ ،‬يقول ابن تيمية‪( :‬وس‪::‬لك كث‪::‬ير من الفقه‪::‬اء دلي‪::‬ل‬
‫االحتي‪::‬اط في كث‪::‬ير من األحك‪::‬ام بن‪::‬اء على ه‪::‬ذا‪ ،‬وأم‪::‬ا االحتي‪::‬اط‪ :‬في الفع‪::‬ل فك‪::‬المجمع‪ :‬على حس‪::‬نه بين العقالء في‬
‫الجملة)(‪)5‬‬
‫ومثله صرح الشاطبي بأن الشريعة (مبنية على االحتياط‪ :‬واألخ‪::‬ذ ب‪::‬األحزم‪ ،‬والتح‪::‬رز‪ :‬مم‪::‬ا عس‪::‬ى أن يك‪::‬ون‬
‫طريقا إلى مفسدة‪ ،‬فإذا كان هذا معلوما على الجملة والتفصيل‪ ،‬فليس العمل عليه ببدع في الشريعة‪ ،‬بل ه‪::‬و أص‪::‬ل‬
‫من أصولها)(‪)6‬‬
‫ومثلهما ابن العربي الذي ذكر أن (للشريعة طرفين‪ :‬أحدهما‪ :‬طرف التخفيف في التكليف‪ ،‬واآلخ‪::‬ر‪ :‬ط‪::‬رف‪:‬‬

‫‪ )(1‬عرفه الجرجاني بأن‪::‬ه (حف‪::‬ظ النفس عن الوق‪::‬وع في الم‪::‬آثم) (كت‪::‬اب التعريف‪:‬ات‪ ،‬علي بن محم‪:‬د بن علي ال‪:‬زين الش‪:‬ريف‬
‫الجرجاني‪ ،‬دار الكتب العلمية بيروت –لبنان‪ ،‬ط‪1403 :،1‬هـ ‪1983-‬م ‪ ،‬ص‪ ،)12‬وعرفه ابن عبد البر بأنه (الكف عن إيجاب ما لم‬
‫يأذن هللا بإيجابه)( التمهيد‪ :‬لما في الموطأ من المعاني واألسانيد‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ ،)63‬وعرفه ابن تيمية‪ :‬بأنه (اتقاء ما يخاف أن يك‪::‬ون س‪::‬ببا‬
‫للذم والعذاب عند عدم المعارض الراجح) (مجم‪:‬وع الفت‪:‬اوى‪ ،‬تقي ال‪:‬دين أب‪::‬و العب‪::‬اس أحم‪:‬د بن عب‪::‬د الحليم بن تيمي‪::‬ة ‪ ،‬تحقي‪:‬ق‪ :‬عب‪:‬د‬
‫الرحمن بن محمد بن قاسم‪ ،‬مجمع المل‪:‬ك فه‪:‬د لطباع‪:‬ة المص‪:‬حف الش‪:‬ريف‪ ،‬المدين‪:‬ة النبوي‪:‬ة‪ ،‬المملك‪:‬ة العربي‪:‬ة الس‪:‬عودية‪1416 ،‬هـ‪/‬‬
‫‪1995‬م ‪ ،‬ج ‪ ،20‬ص‪.138‬‬
‫‪ . )(2‬عرفه السرخسي بأنه (عبارة عن طلب الشيء بغالب الرأي عند تعذر الوقوف على حقيقته)( المبسوط‪ ،‬محمد بن أحم‪::‬د‬
‫بن أبي سهل شمس األئمة السرخسي ‪ ،‬دار المعرفة – بيروت‪1414 ،‬هـ ‪1993 -‬م ‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪)185‬‬
‫‪ )(3‬عرفت‪:‬ه الموس‪:‬وعة الكويتي‪:‬ة‪ :‬بأن‪::‬ه (ع‪::‬دم إب‪:‬داء ق‪::‬ول في المس‪:‬ألة االجتهاديّ‪::‬ة لع‪:‬دم ظه‪::‬ور وج‪:‬ه ّ‬
‫الص‪:‬واب فيه‪::‬ا للمجته‪::‬د)‬
‫(الموسوعة الفقهية الكويتية‪ ،‬وزارة األوقاف والشئون اإلسالمية – الك‪::‬ويت‪ ،‬دارالسالس‪::‬ل ‪ -‬الك‪::‬ويت ‪ 1427 :- 1404 ،‬هـ‪ ،‬ج‪،14‬‬
‫ص‪)176‬‬
‫‪ )(4‬عرف بأنه (اجتناب الشبهات خوفا من الوقوع في المحرمات) (التعريفات‪ ،‬ص ‪)346‬‬
‫‪ )(5‬مجموع الفتاوى‪ ،‬ج ‪ ،20‬ص‪.262‬‬
‫‪ )(6‬الموافقات‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.85‬‬
‫‪44‬‬
‫بالبعض)(‪)1‬‬ ‫االحتياط‪ :‬في العبادات‪ ،‬فمن احتاط استوفى‪ :‬الكل‪ ،‬ومن خفف أخذ‬
‫ومثلهم جميعا العز بن عبد الس‪:‬الم ال‪:‬ذي اعت‪:‬بر االحتي‪:‬اط أص‪:‬ال من األص‪:‬ول المهم‪:‬ة ال‪:‬تي ال يمكن تحق‪:‬ق‬
‫مقاصد الشريعة من دونها‪:.‬‬
‫وقد قسمه إلى قسمين(‪:)2‬‬
‫االحتياط المندوب‪ :‬وهو المعبر عنه بالورع‪ ،‬ومثل له بأمثلة كثيرة منها‪ :‬غسل اليدين ثالثا إذا قام من الن‪::‬وم‬
‫قبل إدخالهما اإلناء‪ ،‬وكالخروج‪ :‬من خالف العلماء عند تقارب المأخذ‪ ،‬وكإصالح الحكام بين الخص‪::‬وم‪ :‬في مس‪::‬ائل‬
‫الخالف‪ ،‬وكاجتناب كل مفسدة موهمة‪ ،‬وفعل كل مصلحة موهمة؛ فمن شك في عقد من العق‪::‬ود‪ ،‬أو في ش‪::‬رط من‬
‫شروطه‪ ،‬أو في ركن من أركان‪::‬ه‪ ،‬فليع‪::‬ده بش‪::‬روطه وأركان‪::‬ه‪ ،‬وك‪::‬ذلك‪ :‬من ف‪::‬رغ من عب‪::‬ادة‪ ،‬ثم ش‪::‬ك في ش‪::‬يء من‬
‫أركانها‪ ،‬أو شرائطها بعد زمن طويل‪ ،‬فالورع‪ :‬أن يعيدها‪.‬‬
‫االحتياط الواجب‪ :‬لكونه وسيلة إلى تحصيل ما تحقق تحريمه‪ ،‬فإذا دارت المص‪::‬لحة بين اإليج‪::‬اب والن‪::‬دب‪،‬‬
‫واالحتي‪::‬اط‪ ،‬حمله‪::‬ا على اإليج‪::‬اب؛ لم‪::‬ا في ذل‪::‬ك من تحق‪::‬ق ب‪::‬راءة الذم‪::‬ة‪ ،‬ف‪::‬إن ك‪::‬انت عن‪::‬د هللا واجب‪::‬ة فق‪::‬د حص‪::‬ل‬
‫مصلحتها‪ ،‬وإن كانت مندوبة فقد حص‪:‬ل على مص‪:‬لحة الن‪:‬دب وعلى ث‪:‬واب ني‪:‬ة الج‪::‬واب‪ ،‬ف‪:‬إن من هم بحس‪:‬نة ولم‬
‫يعملها كتبت له حسنة‪ ،‬وإذا دارت المفسدة بين الكراهة والتحريم‪ :‬فاالحتياط‪ :‬حملها على التحريم‪ ،‬فإن كانت مفس‪::‬دة‬
‫التحريم‪ :‬محققة‪ ،‬فق‪::‬د ف‪::‬از باجتنابه‪::‬ا‪ ،‬وإن ك‪::‬انت منفي‪::‬ة فق‪::‬د ان‪::‬دفعت مفس‪::‬دة المكروه‪::‬ة‪ ،‬وأثيب على قص‪::‬د اجتن‪::‬اب‬
‫المحرم‪ ،‬فإن اجتناب المحرم أفضل من اجتناب المكروه‪ ،‬كما أن فعل الواجب أفضل من فعل المندوب(‪.)3‬‬
‫وكما كان الحنفية من أكثر المذاهب ميال إلى منهج التيسير في الفتوى‪ ،‬فإن الذهب المالكي من أكثره‪::‬ا ميال‬
‫إلى منهج التشديد مراعاة لالحتياط‪ ،‬يقول ابن عبد البر عن اإلمام مالك‪( :‬وكان رحمه هللا متحفظا كث‪::‬ير االحتي‪::‬اط‬
‫للدين)(‪)4‬‬
‫ويقول ابن العربي‪( :‬فإن اللفظ إذا كان غريبا لم يخرج عند مالك أو كان احتياطا لم يعدل عنه)(‪)5‬‬
‫وقال الحطاب‪( :‬ومذهبه (أي مالك) مبني على سد الذرائع واتقاء الشبهات‪ ،‬فهو‪ :‬أبع‪::‬د الم‪::‬ذاهب عن الش‪::‬به)‬
‫(‪)6‬‬
‫وهذا ال يعني أن سائر الفقهاء لم يأخذوا به‪ ،‬ولكن درجاتهم‪ :‬أخذهم به ك‪::‬انت أخ‪::‬ف من درج‪::‬ة أخ‪::‬ذ المالكي‪::‬ة‬
‫به‪.‬‬
‫أصل)(‪)7‬‬ ‫يقول السرخسي‪ :‬عن أصول المذهب الحنفي‪( :‬األخذ باالحتياط في العبادات‬
‫ويقول الزركشي‪( :‬فإن الشافعي‪ :‬يرى تقديم األحوط‪ ،‬ألنه أقرب إلى مقصود الشارع)(‪)8‬‬
‫ولع‪::‬ل من أك‪::‬بر المغ‪::‬الين في األخ‪::‬ذ ب‪::‬ه بعض الص‪::‬وفية‪ ،‬كم‪::‬ا ذك‪::‬ر ذل‪::‬ك الس‪::‬يوطي‪ :‬والش‪::‬عراني والمن‪::‬اوي‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫فهم ي‪::‬رون أن (يؤخ‪::‬ذ من ك‪::‬ل م‪::‬ذهب باألش‪::‬د واألح‪::‬وط‪ :‬واألورع‪ ،‬ف‪::‬إذا ك‪::‬ان في م‪::‬ذهب الش‪::‬افعي ‪ -‬مثال ‪-‬‬
‫الجواز في مسألة‪ ،‬والتح‪::‬ريم في أخ‪::‬رى‪ ،‬وم‪::‬ذهب غ‪::‬يره ب‪::‬العكس‪ ،‬يأخ‪::‬ذون ب‪::‬التحريم‪ :‬احتياط‪::‬ا‪ ،‬وإذا ك‪::‬ان مذهب‪::‬ه‬

‫‪ )(1‬أحكام القرآن‪ ،‬القاضي محمد بن عبد هللا أبو بكر بن العربي المعافري االشبيلي المالكي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عبد القادر عطا‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت – لبنان‪ ،‬ط‪ 1424 ،2‬هـ ‪ 2003 -‬م ‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.63‬‬
‫‪ )(2‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.18‬‬
‫‪ )(3‬قواعد األحكام في مصالح األنام ‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.20‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ )(4‬االستذكار‪ ،‬أبو عمر يوسف بن عبد هللا بن محمد بن عبد البر بن عاصم النم‪:‬ري القرط‪:‬بي ‪ ،‬تحقي‪:‬ق‪ :‬س‪:‬الم محم‪:‬د عط‪:‬ا‪،‬‬
‫محمد علي معوض‪ ،‬دار الكتب العلمية – بيروت‪ ،‬ط‪ ،2000 – 1421 ،1‬ج‪ ،3‬ص‪.380‬‬
‫‪ )(5‬أحكام القرآن‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.558‬‬
‫‪ )(6‬مواهب الجليل‪ ،‬للحطاب‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.37‬‬
‫‪ )(7‬أصول السرخسي‪ ،‬محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس األئمة السرخسي‪ ،‬دار المعرفة – بيروت‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.52‬‬
‫‪ )(8‬البحر المحيط‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص‪.177‬‬
‫‪45‬‬
‫الوجوب في مسألة‪ ،‬واالستحباب في أخرى‪ ،‬ومذهب غ‪:‬يره ب‪:‬العكس‪ ،‬يأخ‪:‬ذون ب‪:‬الوجوب‪ :‬في المس‪:‬ألتين احتياط‪:‬ا‪،‬‬
‫فيقولون بنقض الوضوء بلمس النساء‪ ،‬ومس الفرج‪ ،‬وبالقيء‪ ،‬والدم‪ :‬السائل‪ ،‬ويقولون بوجوب النية في الوض‪::‬وء‪،‬‬
‫ومسح كل الرأس‪ ،‬ووجوب‪ :‬الوتر‪ ،‬إلى غير ذلك)(‪)1‬‬
‫وقد خرج التشدد ببعضهم‪ :‬إلى الوقوع‪ :‬في الحرج المنهي عنه شرعا‪ ،‬وقد‪ :‬ذكر هؤالء ابن القيم‪ ،‬فق‪::‬ال‪( :‬وق‪:‬د‪:‬‬
‫بلغ الشيطان منهم أن عذبهم في الدنيا قبل اآلخرة‪ ،‬وأخ‪::‬رجهم‪ :‬عن اتب‪::‬اع الرس‪::‬ول وأدخلهم في جمل‪::‬ة أه‪::‬ل التنط‪::‬ع‬
‫والغلو‪ ،‬وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا)(‪)2‬‬
‫وبين الفرق بين ال‪::‬ورع المستحس‪::‬ن ش‪::‬رعا والوسوس‪::‬ة ال‪::‬تي هي نت‪::‬اج المبالغ‪::‬ة في االحتي‪::‬اط بعي‪::‬د عن فهم‬
‫مقاصد الشارع‪ ،‬فقال‪( :‬والفرق بين االحتياط والوسوسة أن االحتي‪::‬اط االستقص‪::‬اء والمبالغ‪::‬ة في اتب‪::‬اع الس‪::‬نة وم‪::‬ا‬
‫كان عليه رسول‪ :‬هللا ‪ ‬وأصحابه من غير غلو ومجاوزة وال تقصير وال تفريط‪ ،‬فهذا هو االحتياط ال‪:‬ذي يرض‪:‬اه‬
‫هللا ورسوله‪ .‬وأما الوسوسة فهي ابتداع ما لم تأت به السنة‪ ،‬ولم يفعله رسول هللا ‪ ‬وال أحد من الص‪::‬حابة زاعم‪::‬ا‬
‫أنه يصل بذلك إلى تحصيل المشروع‪ :‬وضبطه كمن يحت‪::‬اط بزعم‪::‬ه ويغس‪::‬ل أعض‪::‬اءه في الوض‪::‬وء‪ :‬ف‪::‬وق الثالث‪::‬ة‪،‬‬
‫فيسرف في صب الماء في وضوئه وغسله‪ ،‬ويصرح بالتلفظ بنية الصالة مرارا أو مرة واحدة‪ ،‬ويغسل ثياب‪::‬ه مم‪::‬ا‬
‫ال يتيقن نجاسته احتياطا‪ ،‬ويرغب عن الصالة في نعله احتياط‪::‬ا إلى أض‪::‬عاف ه‪::‬ذا مم‪::‬ا اتخ‪::‬ذه الموسوس‪::‬ون دين‪::‬ا‪،‬‬
‫وزعموا أنه احتياط‪ ،‬وقد‪ :‬كان االحتياط باتباع هدى رسول هللا ‪ ‬وما كان عليه أولى بهم‪ ،‬فإنه االحتياط‪ :‬الذي من‬
‫خرج عنه فقد فارق‪ :‬االحتياط وعدل عن سواء الصراط‪ :.‬واالحتياط كل االحتياط‪ :‬الخ‪:‬روج عن خالف الس‪:‬نة‪ ،‬ول‪::‬و‬
‫خالفت أكثر أهل األرض‪ ،‬بل كلهم)(‪)3‬‬
‫األصل الثاني‪ :‬القول بسد الذرائع‬
‫بما أن المذهب المالكي هو أمي‪::‬ل الم‪::‬ذاهب إلى ه‪::‬ذا المنهج‪ ،‬فق‪::‬د ك‪::‬ان من أكثره‪::‬ا عمال بس‪::‬د ال‪::‬ذرائع‪ ،‬ق‪::‬ال‬
‫القرطبي‪( :‬وسد الذرائع ذهب إليه مالك وأصحابه وخالفه أك‪::‬ثر الن‪::‬اس تأص‪::‬يال‪ ،‬وعمل‪::‬وا علي‪::‬ه في أك‪::‬ثر ف‪::‬روعهم‬
‫تفصيال)(‪)4‬‬
‫ثم حرر معناه عند المالكية‪ ،‬ومواضع‪ :‬الخالف بينهم في‪::‬ه‪ ،‬فق‪::‬ال‪( :‬ح‪::‬رر موض‪::‬ع الخالف فق‪::‬ال‪ :‬اعلم أن م‪::‬ا‬
‫يفضي إلى الوقوع في المحظور‪ :‬إما أن يلزم منه الوقوع‪ :‬قطعا أو ال‪ ،‬واألول‪ :‬ليس من هذا الباب‪ ،‬بل من باب ما ال‬
‫خالص من الحرام إال باجتنابه ففعله حرام من ب‪::‬اب م‪::‬ا ال يتم ال‪::‬واجب إال ب‪::‬ه فه‪::‬و واجب‪ .‬وال‪::‬ذي ال يل‪::‬زم إم‪::‬ا أن‬
‫يفضي إلى المحظور غالبا أو ينفك عنه غالبا أو يتساوى األمران وهو المسمى ب (الذرائع) عن‪::‬دنا‪ :‬ف‪::‬األول ال ب‪::‬د‬
‫من مراعاته‪ ،‬والثاني والثالث اختلف األصحاب فيه‪ ،‬فمنهم من يراعيه‪ ،‬ومنهم من ال يراعيه‪ ،‬وربما‪ :‬يسميه التهمة‬
‫البعيدة والذرائع الضعيفة)(‪)5‬‬
‫وألجل مبالغة مالك في سد الذرائع ك ّره بعض المندوبات لئال يعتق‪::‬د في وجوبه‪::‬ا أو س‪:‬ننها‪ ،‬وذل‪:‬ك ش‪::‬أنه في‬
‫الس‪:‬تة أي‪:‬ام من ش‪:‬هر‬ ‫كراهة ُك ّل النَّوافل‪ :‬التي تتخذ على طريقة الورد في أيام معلومات‪ ،‬ومن ذل‪:‬ك أنَّه ك‪::‬ره ص‪:‬يام ِّ‬
‫ً‬
‫ضانَ ثُ َّم أَ ْتبَ َعهُ ِستّا ِم ْن َش َّوا ٍل‪،‬‬ ‫شوال‪ ،‬لئال يعتقد العا ّمة أنَّها كصيام‪ :‬رمضان واجبة(‪ ،)6‬وأ َّول الحديث‪َ ( :‬م ْن َ‬
‫صا َم َر َم َ‬
‫أن المقصود بشوال طول السَّـنة أي ما يقاب‪::‬ل رمض‪::‬ان‪ ،‬فاس‪::‬تحب ص‪::‬يام‪ :‬النَّافل‪::‬ة دون‬ ‫صيَ ِ‪:‬ام ال َّد ْه ِر)(‪ ،)7‬على َّ‬
‫َكانَ َك ِ‬

‫‪ )(1‬جزيل المواهب‪ ،‬السيوطي‪ ،‬ص‪.32‬‬


‫‪ )(2‬إغاثة اللهفان من مص‪::‬ايد الش‪::‬يطان‪ ،‬محم‪::‬د بن أبي بك‪::‬ر بن أي‪::‬وب ابن قيم الجوزي‪::‬ة‪ ،‬تحقي‪::‬ق‪ :‬محم‪::‬د حام‪::‬د الفقي‪ ،‬مكتب‪:‬ة‪:‬‬
‫المعارف‪ ،‬الرياض‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.135‬‬
‫‪ )(3‬الروح‪ ،‬البن القيم‪ ،‬ص ‪.249‬‬
‫‪ )(4‬نقال عن‪ :‬البحر المحيط في أصول الفقه‪ ،‬ج‪ ،8‬ص ‪.90‬‬
‫‪ )(5‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،8‬ص ‪.90‬‬
‫‪ )(6‬يقول الشاطبي في االعتصام مبررا رأي مالك في هذه المسألة‪( :‬فكالم مالك هنا ليس فيه دليل على أنه لم يحف‪::‬ظ الح‪::‬ديث‬
‫كما توهم بعضهم‪ ،‬بل لعل كالمه مشعر بأنه يعلمه‪ ،‬لكنه لم ير العمل عليه وإن كان مستحبا في األصل؛ لئال يك‪::‬ون ذريع‪::‬ة لم‪::‬ا ق‪::‬ال‪،‬‬
‫كما فعل الصحابة في األضحية‪ ،‬وعثمان في اإلتمام في السفر) (االعتصام‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪)492‬‬
‫‪ )(7‬صحيح مسلم‪ ،2 ،‬ص ‪.822‬‬
‫‪46‬‬
‫تحديد يوم أو أيّام معيّن‪::‬ة من السَّـنة‪ ،‬ق‪::‬ال مال‪::‬ك في الموط‪::‬أ ‪( :‬م‪::‬ا رأيت أح‪::‬داً من أه‪::‬ل العلم والفق‪::‬ه يص‪::‬ومها‪ ،‬ولم‬
‫وأن يلح‪::‬ق برمض‪::‬ان م‪::‬ا ليس من‪::‬ه أه‪::‬ل‬ ‫وإن أهل العلم يكره‪::‬ون ذل‪::‬ك مخاف‪::‬ة بدعت‪::‬ه‪ْ ،‬‬ ‫يبلغني عن أحد من ال َّسلَف‪َّ ،‬‬
‫الجهالة والجفاء لو رأوا في ذلك رخصة عند أهل العلم أو هم يعلمون ذلك)(‪)1‬‬
‫الص‪:‬ريح‪ ،‬إذا ثبتت‬ ‫الص‪:‬حيح َّ‬‫على خالف هذا نجد الشافعي‪ :‬يؤكد استحباب ص‪::‬ومها‪ ،‬فيق‪::‬ول‪( :‬ه‪::‬ذا الح‪::‬ديث َّ‬
‫السُّـنَّة فال تُترك لترك بعض النَّاس أو أكثرهم‪ :‬أو ُكلّهم لها‪ ،‬وقوله‪ :‬قد يظن وجوبها‪ ،‬ينتقص يوم عرفة وعاش‪::‬وراء‪،‬‬
‫وغيرهما من الصَّوم المندوب)(‪)2‬‬
‫ومن األمثلة على ه‪::‬ذا أيض‪::‬ا موق‪:‬ف‪ :‬اإلم‪::‬ام مال‪::‬ك من مجموع‪::‬ة من بي‪::‬وع اآلج‪::‬ال س‪::‬دا لذريع‪::‬ة الرب‪::‬ا‪ ،‬ففي‬
‫الموطأ‪( :‬قال مالك في الذي يشتري الطعام فيَ ْكتَالُه‪ ،‬ثم يأتيه من يشتريه منه‪ ،‬فيخبر الذي يأتيه أنه قد اكتال‪::‬ه لنفس‪::‬ه‬
‫واستوفاه‪ ،‬فيريد المبتاع أن يصدقه ويأخذه بكيله‪ :‬إن ما بِي َع على هذه الصفة بنقد‪ ،‬فال بأس به‪ ،‬وم‪::‬ا بِي ‪َ :‬ع على ه‪::‬ذه‬
‫الصفة إلى أجل‪ ،‬فإنه مكروه حتى يكتاله المشتري اآلخر لنفسه‪ ،‬وإنما كره الذي إلى أجل‪ ،‬ألنه ذريع‪::‬ة إلى الرب‪::‬ا‪،‬‬
‫وتخوف أن يدار ذلك على هذا الوجه بغير كيل وال وزن‪ ،‬فإن كان إلى أجل‪ ،‬فهو‪ :‬مكروه‪ ،‬وال اختالف فيه عن‪::‬دنا)‬
‫(‪)3‬‬
‫لكن المبالغة في هذا األصل جعلت بعض الفقهاء يقابلون النص بسد الذرائع‪ ،‬وهو ما لقي النكير الش‪::‬ديد من‬
‫أصحاب المنهج األول‪ ،‬وقد‪ :‬بدأت هذه الظاهرة في العصر األول‪ ،‬وتصدى‪ :‬له‪:‬ا الص‪:‬حابة ‪ ،‬وكمث‪::‬ال على ذل‪:‬ك م‪:‬ا‬
‫روي‪ :‬أن عبد هللا بن عمر قال‪ :‬سمعت رسول هللا ‪ ‬يقول ‪ (:‬ال تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها) ‪ .‬فق‪::‬ال‬
‫بالل بن عبد هللا‪ :‬وهللا لنمنعهن ‪ .‬قال‪ :‬فأقبل عليه عبد هللا فسبه سبا سيئا ما سمعته سبه مثله قط‪ ،‬وقال‪ :‬أخبرك عن‬
‫رسول هللا ‪ ‬وتقول وهللا لنمنعهن)(‪)4‬‬
‫وهذا القول لم يبق قول بالل بن عبد هللا وحده‪ ،‬بل صار قوال فقهيا له جمه‪::‬وره الع‪::‬ريض‪ ،‬ق‪::‬ال الش‪::‬وكاني ‪:‬‬
‫(وفرق‪ :‬كثير من الفقهاء المالكية وغيرهم بين الشابة وغيرها وفيه نظر ألنها إذا عرت مم‪::‬ا ذك‪::‬ر وك‪::‬انت متس‪::‬ترة‬
‫حصل األمن عليها وال سيما إذا كان ذلك بالليل)(‪)5‬‬
‫األصل الثالث‪ :‬مراعاة الخالف‬
‫وهو من األصول الكبرى التي اعتبرها أصحاب هذا المنهج‪ ،‬وخصوصا‪ :‬المالكي‪::‬ة منهم(‪ ،)6‬وق ‪:‬د‪ :‬عرف‪::‬ه ابن‬
‫عرفة بأنه (إعمال دليل في الزم مدلول الذي أعمل في نقيضه دليل آخر)(‪)7‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك ما جاء في الموط‪:‬أ في (مس‪:‬ألة في افتت‪:‬اح الص‪:‬الة)‪ ،‬حيث ورد في‪:‬ه‪ :‬س‪:‬ئل مال‪:‬ك عن‬
‫رجل دخل مع اإلمام‪ ،‬فنسي تكبيرة االفتتاح‪ ،‬وتكبيرة الركوع‪ ،‬حتى صلى ركعة‪ ،‬ثم ذكر أن‪::‬ه لم يكن ك‪::‬بر تكب‪::‬يرة‬
‫االفتتاح‪ ،‬وال عند الركوع‪ ،‬وكبر في الركعة الثاني‪::‬ة‪ ،‬فق‪::‬ال‪ :‬يبت‪::‬دئ ص‪::‬الته أحب إلي‪ ،‬ول‪::‬و نس‪::‬يها م‪::‬ع اإلم‪::‬ام عن‪::‬د‬

‫‪ )(1‬الموطأ‪ ،‬مالك بن أنس بن مالك بن عامر األصبحي المدني‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد مصطفى األعظمي‪ ،‬مؤسسة زاي‪::‬د بن س‪::‬لطان‬
‫آل نهيان لألعمال الخيرية واإلنسانية ‪ -‬أبو ظبي – اإلمارات‪ ،‬ط‪ 1425 ،1‬هـ ‪ 2004 -‬م‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.447‬‬
‫‪ )(2‬شرح مسلم للنَّوويّ‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.56‬‬
‫‪ )(3‬موطأ مالك ج‪ ،4‬ص ‪.974‬‬
‫‪ )(4‬مسند أحمد ج‪ ،4‬ص ‪ ،486‬صحيح مسلم‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.327‬‬
‫‪ )(5‬نيل األوطار‪ ،‬محمد بن علي بن محم‪::‬د بن عب‪::‬د هللا الش‪:‬وكاني اليم‪::‬ني‪ ،‬تحقي‪::‬ق‪ :‬عص‪::‬ام ال‪::‬دين الص‪::‬بابطي‪ ،‬دار الح‪::‬ديث‪،‬‬
‫مصر‪ ،‬ط‪1413 ،1‬هـ ‪1993 -‬م‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.157‬‬
‫‪ )(6‬هناك خالف في اعتبار المالكية لهذا األصل‪ ،‬ق‪::‬ال الونشريس‪::‬ي‪( :‬إن مراع‪::‬اة الخالف ق‪::‬د عاب‪::‬ه جماع‪::‬ة من الفقه‪::‬اء منهم‬
‫اللخمي وعياض وغيرهما من المحققين‪ ،‬حتى قال عياض‪( :‬القول بمراع‪::‬اة الخالف ال يعض‪::‬ده القي‪::‬اس‪ ،‬وكي‪::‬ف ي‪::‬ترك الع‪::‬الم مذهب‪::‬ه‬
‫الصحيح عنده ويفتي بمذهب غيره المخالف لمذهب هذا ال يسوغ إال عند الترجيح وفوت فوات النازلة فيسوغ له التقليد ويس‪::‬قط عن‪::‬ه‬
‫التكليف في تلك الحادثة)( إيضاح المسالك إلى قواعد اإلمام مالك‪ ،‬أبو العباس الونشريسي‪ ،‬تحقيق‪ :‬الصادق الغرياني‪ ،‬دار ابن حزم‪،‬‬
‫‪ 1427‬هـ ‪ ،‬ص‪.160 :‬‬
‫‪ )(7‬شرح حدود ابن عرفة‪ ،‬تحقيق محمد أبو األجفان والطاهر المعموري‪ .‬دار الغ‪::‬رب اإلس‪::‬المي‪ ،‬الطبع‪::‬ة األولى‪1993 ،‬م‪،‬‬
‫ج‪ ،1‬ص‪.263‬‬
‫‪47‬‬
‫االفتتاح)(‪)1‬‬ ‫تكبيرة االفتتاح وكبر في الركوع األول‪ ،‬رأيت ذلك مجزيا عنه‪ ،‬إذا نوى بها تكبيرة‬
‫ومن األمثلة على ذلك إعمال المالكية دليل المخ‪::‬الفين لهم القائ‪::‬ل بع‪::‬دم فس‪::‬خ نك‪::‬اح الش‪::‬غار في الزم مدلول‪::‬ه‬
‫الذي هو ثبوت اإلرث بين الزوجين المتزوجين بالشغار‪ :‬فيما إذا مات أح‪::‬دهما‪ .‬فالم‪::‬دلول ه‪::‬و ع‪::‬دم الفس‪:‬خ وأعم‪::‬ل‬
‫مالك في نقيضه وهو الفسخ دليل آخر فمذهب مالك وجوب الفسخ وثبوت اإلرث إذا مات أحدهما(‪.)2‬‬
‫وقد أخذ بهذا األصل أيضا أصحاب هذا المنهج من أتباع المذاهب األخرى‪ ،‬وخصوصا الم‪::‬ذهب الش‪::‬افعي‪:،‬‬
‫كالشعراني والسيوطي وغيرهما‪ ،‬كما عرفنا سابقا‪.‬‬
‫وقد ذكر العز بن عبد السالم تقسيما جيدا لكيفية مراعاة الخالف في المسائل المختلفة‪ ،‬ق‪:‬دم ل‪:‬ه بقول‪:‬ه‪( :‬وق‪:‬د‬
‫أطلق بعض أكابر أصحاب الشافعي ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬أن الخروج من الخالف حيث وقع أفضل من التورط‪ :‬فيه وليس‬
‫كما أطلق‪ ،‬بل الخالف على أقسام)(‪)3‬‬
‫ثم ذكر هذه األقسام‪ ،‬ونذكرها‪ :‬هنا باختصار ‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬أن يكون الخالف في التحريم والجواز فالخروج‪ :‬من االختالف باالجتناب أفضل‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬أن يكون الخالف في االستحباب أو اإليجاب‪ ،‬فالفعل أفضل‪.‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬أن يكون الخالف في الشرعية‪ ،‬كقراءة البسملة في الفاتحة‪ ،‬فإنها مكروهة عند مالك‪ ،‬واجب‪::‬ة‬
‫عند الشافعي‪ ،‬فالفعل أفضل‪ ،،‬وكذلك رفع اليدين في التكبيرات فإن أبا حنيفة ال يراه من الس‪::‬نن‪ ،‬وك‪::‬ذلك مال‪::‬ك في‬
‫إحدى الروايتين عنه‪ ،‬وهو عند الشافعي سنة لالتفاق على صحة األح‪::‬اديث وكثرته‪:‬ا‪ :‬في‪:‬ه‪ ،‬وص‪:‬الة الكس‪::‬وف على‬
‫الهيئة المنقولة عن رسول هللا ‪ ‬فإنها سنة عند الشافعي‪ ،‬وأبو حنيفة ال يراها‪ ،‬والسنة أن يفعل ما خالف في‪::‬ه أب‪::‬و‬
‫حنيفة وغيره من ذلك وأمثاله‪.‬‬
‫ثم ذكر الضابط له‪:‬ذا‪ ،‬فق‪:‬ال‪( :‬والض‪:‬ابط في ه‪:‬ذا أن مأخ‪:‬ذ المخ‪:‬الف إن ك‪:‬ان في غاي‪:‬ة الض‪:‬عف والبع‪:‬د من‬
‫الصواب فال نظر إليه‪ ..‬وال سيما إذا ك‪::‬ان مأخ‪::‬ذه مم‪::‬ا ينقض الحكم بمثل‪::‬ه‪ ،‬وإن تق‪::‬اربت األدل‪::‬ة في س‪::‬ائر الخالف‬
‫بحيث ال يبعد قول المخالف كل البعد فهذا مم‪::‬ا يس‪::‬تحب الخ‪::‬روج من الخالف في‪::‬ه‪ ،‬ح‪::‬ذرا من ك‪::‬ون الص‪::‬واب م‪::‬ع‬
‫الخصم‪ ،‬والشرع يحتاط لفعل الواجبات والمندوبات‪ ،‬كما يحتاط لترك المحرمات والمكروهات)(‪)4‬‬
‫وذكر زكريا بن غالم قادر‪ :‬الباكستاني أن مراعاة الخالف معتبر عند أهل الح‪::‬ديث‪ ،‬فق‪::‬د ذك‪::‬ر تحت عن‪::‬وان‬
‫(القاعدة السادسة‪ :‬الخروج من الخالف مستحب)‪( :‬األدلة متكاثرة في االعتصام وعدم التفرق واالتفاق على كلم‪::‬ة‬
‫واحدة فهي دالة على استحباب الخروج من الخالف) (‪)5‬‬
‫لكنه قيد ذلك بشرطين‪:‬‬
‫الشرط األول‪ :‬أن ال يكون في ذلك طرح لدليل من األدلة‪.‬‬
‫الشرط الثاني‪ :‬أن ال يوقع‪ :‬الخروج من ذلك الخالف في الوقوع‪ :‬في خالف آخر)(‪)6‬‬
‫ويدل لهذا قول ابن تيمية في (شرح عمدة الفقه)‪( :‬أما الخروج من اختالف العلماء‪ ،‬فإنما يفع‪::‬ل احتياط ‪:‬ا‪ :‬إذا‬
‫لم تعرف السنة ولم يتبين الحق‪ ،‬ألن من اتقى الشبهات استبرأ لعرضه ودينه‪ ،‬فإذا زالت الشبهة وتبينت السنة‪ ،‬فال‬
‫مع‪::‬نى لمطلب الخ‪::‬روج من الخالف‪ ،‬وله‪::‬ذا ك‪::‬ان اإليت‪::‬ار بثالث مفص‪::‬ولة أولى من الموص‪::‬ولة‪ ،‬م‪::‬ع الخالف في‬
‫جوازهما‪ :‬من غير عكس‪ ،‬والعقيقة مستحبة أو واجبة مع الخالف في كراهتها‪ ،‬وإشعار الهدي سنة مع الخالف في‬

‫‪ )(1‬موطأ مالك‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.105‬‬


‫‪ )(2‬الجواهر الثمينة في بيان أدلة عالم المدينة‪ :،‬حس‪::‬ن مش‪:‬اط‪ ،‬دراس‪::‬ة وتحقي‪::‬ق د عب‪::‬د الوه‪::‬اب بن إب‪::‬راهيم أب‪::‬و س‪::‬ليمان‪ .‬دار‬
‫الغرب اإلسالمي‪ ،‬ط‪ ،1‬ص‪.235 :‬‬
‫‪ )(3‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.253‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.253‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ )(5‬من أص‪::‬ول الفق‪::‬ه على منهج أه‪::‬ل الح‪::‬ديث‪ ،‬زكري‪::‬ا بن غالم ق‪::‬ادر الباكس‪::‬تاني‪ ،‬دار الخ‪::‬راز‪ ،‬الطبع‪::‬ة االولى ‪1423‬هـ‪-‬‬
‫‪2002‬م‪ ،‬ص‪.182‬‬
‫‪ )(6‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪..182‬‬
‫‪48‬‬
‫كراهته‪ ،‬واإلجماع‪ :‬على جواز‪ :‬تركه‪ ،‬وفسخ الحج إلى العمرة لمن يري‪::‬د التمت‪::‬ع أولى من البق‪::‬اء علي‪::‬ه اتباع‪::‬ا ألم‪::‬ر‬
‫رسول هللا ‪ ‬مع الخالف الشائع في جواز ذلك)(‪)1‬‬
‫ثانيا ـ أدلته‪:‬‬
‫ال يمكن استيعاب أدلة القائلين بهذا هنا‪ ،‬ولكن يمكن أن نجمعها في المجامع التالية‪:‬‬
‫الدليل األول‪:‬‬
‫ما ورد من النصوص الدالة على وج‪::‬وب االحتي‪::‬اط وال‪::‬ورع‪ ،‬ومنه‪::‬ا قول‪::‬ه ‪( :‬الحالل بين والح‪::‬رام بين‪،‬‬
‫وبينهما‪ :‬مشبهات ال يعلمها كثير من الن‪:‬اس‪ ،‬فمن اتقى المش‪:‬بهات اس‪:‬تبرأ لدين‪:‬ه وعرض‪:‬ه‪ ،‬ومن وق‪:‬ع فى الش‪:‬بهات‬
‫كراع يرعى حول الحمى‪ ،‬يوشك‪ :‬أن يواقعه ‪ .‬أال وإن لكل ملك حمى‪ ،‬أال إن حمى هللا فى أرضه محارمه‪ ،‬أال وإن‬
‫فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله‪ ،‬وإذا فسدت فسد الجسد كله ‪ .‬أال وهى القلب)(‪)2‬‬
‫وقوله ‪( :‬دع ما يريبك إلى ما ال يريبك فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة)(‪)3‬‬
‫وقوله ‪( :‬ال يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يَدَع ما ال بأس به حذراً لما به بأس)(‪)4‬‬
‫وقوله ‪( ( :‬البرُّ حسن الخلق‪ ،‬واإلثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس)(‪)5‬‬
‫وقد استخرج العلماء من هذه النصوص وغيرها الكثير من القواعد الفقهية‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪ -‬درء المفاسد مقدم على جلب المصالح‪.‬‬
‫‪ -‬الخروج من الخالف مستحب‪.‬‬
‫‪ -‬إذ اجتمع المانع والمقتضي ُغلب المانع‪.‬‬
‫‪ -‬األخذ بأقل ما قيل‪.‬‬
‫‪ -‬الشبهة تقوم مقام الحقيقة فيما يُبني على االحتياط‪.‬‬
‫الدليل الثاني‪:‬‬
‫ما جاء في الشريعة من األمر بالوقوف مع مقتضى األمر والنهي مجردًا‪ ،‬والص‪::‬بر‪ :‬على حل‪::‬وه وم‪::‬ره‪ ،‬وإن‬
‫اخ َش‪:‬وْ هُ ْم ﴾(‪،)6‬‬ ‫اس قَ‪ْ :‬د َج َمعُ‪:‬وا لَ ُك ْم فَ ْ‬‫‪:‬ال لَهُ ُم النَّاسُ إِ َّن النَّ َ‬‫انتقض موجب الرخصة‪ ،‬ومن ذل‪:‬ك قول‪:‬ه تع‪:‬الى‪ ﴿ :‬الَّ ِذينَ قَ َ‬
‫فهذا مظنة التخفيف‪ ،‬فأقاموا‪ :‬على الصبر والرجوع‪ :‬إلى هللا‪ ،‬فأثنى عليهم بقوله‪ ﴿ :‬فَ‪:‬زَا َدهُْ‪:‬م إِي َمانً‪::‬ا َوقَ‪::‬الُوا َح ْس‪:‬بُنَا هَّللا‬
‫ل ﴾(‪)7‬‬ ‫َونِ ْع َم ْال َو ِكي ُ‬
‫ت ْالقُلُوبُ ْال َحنَ‪::‬ا ِج َر﴾(‪،)8‬‬ ‫ْصا ُر َوبَلَ َغ ِ‬ ‫ت اأْل َب َ‬
‫ومنه قوله تعالى‪ ﴿ :‬إِ ْذ َجا ُءو ُك ْم ِم ْن فَوْ قِ ُك ْم َو ِم ْن أَ ْسفَ َل ِم ْن ُك ْم َوإِ ْذ زَ ا َغ ِ‬
‫ص‪َ :‬دقُوا َم‪::‬ا عَاهَ‪:‬دُوا هَّللا َ َعلَيْ‪ِ :‬ه فَ ِم ْنهُْ‪:‬م‬ ‫وبعد أن ذكر المشهد كامالً مدح الصابرين على هذا كله بقوله تعالى‪ِ ﴿ :‬ر َجا ٌل َ‬
‫ر َو َما بَ َّدلُوا تَ ْب ِدياًل ﴾(‪)9‬‬ ‫ضى نَحْ بَهُ َو ِم ْنهُْ‪:‬م َم ْن يَ ْنت َِظ ُ‪:‬‬ ‫َم ْن قَ َ‬
‫وقد علق الشاطبي على هذه اآليات بقوله‪ ( :‬فمدحهم بالصدق‪ :‬مع حصول الزلزال الشديد واألح‪::‬وال الش‪::‬اقة‬
‫ال‪::‬تي بلغت القل‪::‬وب فيه‪::‬ا الحن‪:‬اجر‪ ،‬وق‪:‬د‪ :‬ع‪:‬رض الن‪:‬بي ‪ ‬على أص‪:‬حابه أن يعط‪::‬وا األح‪::‬زاب من ثم‪:‬ار المدين‪::‬ة؛‬
‫‪ )(1‬شرح عمدة الفقه (من كتاب الطهارة والحج)‪ ،‬تقي ال‪:‬دين أب‪:‬و العب‪:‬اس أحم‪:‬د بن عب‪:‬د الحليم ابن تيمي‪:‬ة‪ :،‬تحقي‪:‬ق‪ :‬د‪ .‬س‪:‬عود‬
‫صالح العطيشان‪ ،‬مكتبة العبيكان – الرياض‪ ،‬ط‪ ،1413 ،1‬ج‪ ،1‬ص‪.417‬‬
‫‪ )(2‬صحيح البخاري‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪ ،53‬وصحيح مسلم‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪.1221‬‬
‫‪ )(3‬سنن الترمذي ‪ ،‬محمد بن عيسى بن َسوْ رة الترمذي‪ ،‬تحقي‪::‬ق وتعلي‪::‬ق‪ :‬إب‪:‬راهيم عط‪::‬وة ش‪:‬ركة مكتب‪::‬ة ومطبع‪::‬ة مص‪:‬طفى‬
‫البابي الحلبي – مصر‪ ،‬ط‪ 1395 ، 2‬هـ ‪ 1975 -‬م ‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪.668‬‬
‫‪ )(4‬سنن ابن ماجه‪ ،‬ابن ماجة أبو عبد هللا محمد بن يزيد القزويني‪ ،‬تحقيق‪ :‬ش‪::‬عيب األرن‪::‬ؤوط ‪ -‬ع‪::‬ادل مرش‪::‬د ‪ -‬مح َّمد كام‪::‬ل‬
‫قره بللي ‪ -‬عَبد اللّطيف حرز هللا‪ ،‬دار الرسالة العالمية‪ ،‬ط‪ 1430 ،1‬هـ ‪ 2009 -‬م ‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪.298‬‬
‫‪ )(5‬مسند أحمد‪ ،‬ج‪ ،29‬ص ‪.528‬‬
‫‪ )(6‬سورة آل عمران‪.173 :‬‬
‫‪ )(7‬سورة آل عمران‪.173 :‬‬
‫‪ )(8‬سورة األحزاب‪.10 :‬‬
‫‪ )(9‬سورة األحزاب‪.23 :‬‬
‫‪49‬‬
‫لينصرفوا‪ :‬عنهم فيخف عليهم األمر؛ ف‪::‬أبوا‪ :‬من ذل‪::‬ك‪ ،‬وتع‪::‬ززوا‪ :‬باهلل وباإلس‪::‬الم؛ فك‪::‬ان ذل‪::‬ك س‪::‬ببا لم‪::‬دحهم والثن‪::‬اء‬
‫عليهم)(‪)1‬‬
‫وضرب األمثلة الكثيرة على ذلك من فعل الصحابة ‪ ،‬ومن ذل‪::‬ك تط‪::‬بيق الص‪::‬حابة لقول‪::‬ه ‪( :‬ألن يحتطب‬
‫أحدكم حزمة على ظهره‪ ،‬خير له من أن يسأل أحدا‪ ،‬فيعطيه أو يمنعه)(‪)2‬‬
‫وقد علق الشاطبي على هذا الحديث بقوله‪( :‬فحمله الصحابة ‪ --‬على عمومه‪ ،‬وال بد أن يلحق من التزم هذا‬
‫العقد مشقات كثيرة فادحة‪ ،‬ولم يأخذوه إال على عمومه)(‪)3‬‬
‫ثالثا ـ منهجه في الفتوى‪:‬‬
‫بناء على ما سبق‪ ،‬فإن المنهج المتبع للفتوى لدى هذا الفريق يعتمد على ما يلي‪:‬‬
‫أوال – مراع اة الخالف الفقهي‪ :‬وله‪::‬ذا فإن‪::‬ه يمكن اعتب‪::‬ارهم من ه‪::‬ذه الناحي‪::‬ة من الم‪::‬ذاهبيين‪ ،‬أي أنهم ال‬
‫يلتزمون مذهبا بعينه‪ ،‬ب‪:‬ل يتخ‪:‬يرون من أق‪:‬وال الفقه‪:‬اء أش‪:‬دها‪ ،‬وأكثره‪:‬ا احتياط‪:‬ا‪ ،‬وق‪:‬د ب‪:‬نى الش‪:‬يخ عب‪:‬د الوه‪:‬اب‬
‫الشعراني‪ :‬كتابه الميزان على هذا المبدأ الذي عبر عن‪:‬ه بقول‪::‬ه‪( :‬إن الش‪:‬ريعة المطه‪::‬رة ق‪::‬د ج‪::‬اءت من حيث االم‪:‬ر‬
‫والنهي‪ :‬علي مرتبتين‪ :‬تخفيف وتشديد‪ ،‬ال علي مرتبة واحدة‪ ،‬كما يظنه غالب الناس ‪ .‬ولكل من المرتب‪::‬تين رج‪::‬ال‬
‫في حال مباشرتهم للتكاليف‪ ،‬فمن قوي‪ :‬منهم خوطب بالعزيمة والتشديد‪ :‬الوارد في الشريعة ص‪::‬ريحا‪ ،‬او المس‪::‬تنبط‬
‫منها في مذهبه او غيره‪ ،‬ومن ضغف منهم‪ :‬خوطب بالرخصة والتحقيق الوارد في الشريعة ص‪::‬ريحا او مس‪::‬تنبطا‪:‬‬
‫منها في مذهبه او غيره ‪ .‬فال يؤمر القوي بالنزول‪ :‬الي مرتبة الرخصة‪ ،‬مع قدرته علي فع‪:‬ل العزيم‪:‬ة ‪ .‬وال يكل‪::‬ف‬
‫الضعيف‪ :‬بالصعود الي مرتبة العزيمة‪ ،‬مع عجزه عنها ‪ .‬فالمرتبتان‪ :‬علي الترتيب الوجودي‪ :،‬ال علي التخيير)(‪)4‬‬
‫ثانيا ـ مراعاة سد الذريعة‪ ،‬فله‪::‬ذا ن‪::‬رى أص‪::‬حاب ه‪::‬ذا المنهج ال يكتف‪::‬ون بم‪::‬ا ورد من النص‪::‬وص أو أق‪::‬وال‬
‫الفقهاء‪ ،‬بل ينظرون أيضا في إمكانية تحايل المكلفين على األحكام الشرعية‪ ،‬فلهذا يعتبرون نياتهم ويسدونها على‬
‫خالف المنهج السابق‪.‬‬
‫الذرائع على قصد ال َّشارع‪ :‬إلى النَّظر في مآالت األفعال سواء أكانت موافقة‬ ‫وقد ذكر ال َّشاطب ّي أن قاعدة س ّد َّ‬
‫الص‪:‬ادرة عن المكلّفين باإلق‪::‬دام أو اإلحج‪::‬ام إالَّ بع‪::‬د النَّظ‪::‬ر‬
‫ألن المجتهد ال يحكم على فعل من األفع‪::‬ال َّ‬ ‫أو مخالفة؛ َّ‬
‫إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل‪ ،‬فقد يكون مشروعا ً لمصلحة فيه تستجلب أو لمفسدة تُ‪::‬درأ‪ ،‬ولكن ل‪::‬ه م‪::‬آل على خالف‬
‫ما قصد فيه‪ .‬وقد يكون غير مشروع لمفسدة تنشأ عنه أو مصلحة تندفع ب‪::‬ه‪ ،‬ولكن ل‪::‬ه م‪::‬آل على خالف ذل‪::‬ك‪ .‬ف‪ْ :‬‬
‫‪:‬إن‬
‫أُطلق القول في األ َّول بالمشروعيّة فربما أ َّدى استجالب المصلحة فيه إلى مفسدة تساوي‪ :‬المصلحة أو تزيد عليه‪::‬ا‪،‬‬
‫فيكون هذا مانعا ً من إطالق القول بالمشروعيّة‪ ،‬وكذلك إذا أطل‪::‬ق الق‪::‬ول في الثَّاني بع‪::‬دم المش‪::‬روعيّة وه‪::‬و مج‪::‬ال‬
‫جار على مقاصد ال َّشريعة(‪.)5‬‬‫للمجتهد صعب المورد إالَّ أنَّه عذب المذاق‪ ،‬محمود الغيب‪ٍ ،‬‬

‫‪ )(1‬الموافقات‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.499‬‬


‫‪ )(2‬صحيح البخاري‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪.57‬‬
‫‪ )(3‬الموافقات‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.501‬‬
‫‪ )(4‬كتاب الميزان للشعراني‪ ،‬ص‪.8‬‬
‫‪ )(5‬الموافقات‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.195‬‬
‫‪50‬‬
‫المبحث السادس‬
‫المنهج المقاصدي‬
‫وهو المنهج الذي يعتمد ما يفهمه من مقاصد الشارع في األحكام التفص‪::‬يلية‪ ،‬باعتب‪::‬ار أن األحك‪::‬ام الش‪::‬رعية‬
‫مح َّمد الط‪::‬اهر ابن عاش‪::‬ور‪( :‬مقاص‪::‬د التش‪::‬ريع‪ :‬ال َعا َّمة‬
‫ليست تعبدية محضة‪ ،‬بل هي مفهومة المعنى‪ ،‬يق‪::‬ول الش‪::‬يخ َ‬
‫هي‪ :‬المعاني وال ِحكم الملحوظة للشارع‪ :‬في جميع أحوال التشريع‪ :‬أو معظمها‪ ،‬بحيث ال تختصُّ مالحظتها ب‪::‬الكون‬
‫في نوع خاصٍّ من أحكام الش‪::‬ريعة ‪ ..‬في‪::‬دخل في هَ‪َ :‬ذا أوص‪:ُ :‬‬
‫‪:‬اف الش‪::‬ريعة وغايته‪::‬ا ال َعا َّمة والمع‪::‬اني ال‪::‬تي ال يخل‪::‬و‬
‫الحكم ليس‪::‬ت ملحوظ‪::‬ة في س‪::‬ائر أن‪::‬واع األحك‪::‬ام َولَ ِكنَّهَ‪::‬ا‬ ‫التشريع عن مالحظتها‪ .‬ويدخل في هَ‪َ :‬ذا أَ ً‬
‫يض‪:‬ا مع‪::‬ا ٍن من ِ‬
‫ملحوظة في أنواع كثيرة منها)(‪)1‬‬
‫وقد عرفها بعض المحدثين‪ ،‬فقال‪( :‬هي القيم العليا التي تكمن وراء الصيغ والنص‪::‬وص يس‪::‬تهدفها التش‪::‬ريع‬
‫كليات وجزئيات)(‪)2‬‬
‫بناء على هذا التعريف‪ :‬سنعرض هنا – باختصار‪ :‬ش‪::‬ديد – لمث‪::‬ل م‪::‬ا عرض‪::‬نا إلي‪::‬ه في المب‪::‬احث الس‪::‬ابقة من‬
‫أعالم هذا المنهج الذين يمثلونه وأدلتهم‪ :‬والمنهج أو اآلليات التنفيذية التي يعتمدون عليها في الفتوى‪.‬‬
‫أوال ـ أعالمه‪:‬‬
‫يتفق جميع أعالم األمة – من الناحية النظرية ‪ -‬على أن الشريعة اإلسالمية مبنية على مقاصد واضحة البد‬
‫على الفقيه والمفتي أن يالحظها في فتاواه‪.‬‬
‫يقول ابن القيم‪( :‬إن الشريعة مبناه‪:‬ا وأساس‪::‬ها على الحكم ومص‪:‬الح العب‪::‬اد في المع‪::‬اش والمع‪::‬اد وهي ع‪:‬دل‬
‫كلها‪ ،‬ورحم‪::‬ة كله‪::‬ا ومص‪::‬الح كله‪::‬ا وحكم‪::‬ة كله‪::‬ا فك‪::‬ل مس‪::‬ألة خ‪::‬رجت عن الع‪::‬دل إلى الج‪::‬ور‪ ،‬وعن الرحم‪::‬ة إلى‬
‫ضررها‪ :‬وعن المصلحة إلى المفسدة‪ ،‬وعن الحكمة إلى العبث فهي ليست من الشريعة)(‪)3‬‬
‫ولهذا فإن الشاطبي – بناء على أهمية المقاصد‪ -‬ال يرى حصول درجة االجتهاد إال (لمن اتصف بوصفين‪:‬‬
‫الوصف األول‪ :‬فهم مقاصد الشريعة على كمالها‪ .‬ألن اإلنسان إذا بلغ مبلغا ً فهم عن الشارع قص‪::‬ده في ك‪::‬ل مس‪::‬ألة‬
‫من مسائل الشريعة‪ ،‬وفي كل باب من أبوابه‪::‬ا؛ فق‪::‬د حص‪::‬ل ل‪::‬ه وص‪::‬ف ينَ ّزل‪::‬ه منزل‪::‬ة الخليف‪::‬ة للن‪::‬بي ‪ ‬في التعليم‬
‫والفُتيا والحكم بما أراه هللا‪ ..‬والوصف الثاني‪ :‬التم ّكن من االستنباط‪ :‬بنا ًء على فهمه فيها‪ ،‬بواسطة مع‪::‬ارف‪ :‬محت‪::‬اج‬
‫إليها في فهم الشريعة أوالً‪ ،‬وفي استنباط األحكام ثانياً)(‪)4‬‬
‫أن المجتهد محتا ٌج إلى معرفة المقاصد وفهمها في كل األنحاء ال‪::‬تي‬ ‫ويرى الشيخ محمد الطاهر بن عاشور َّ‬
‫يقع بها تصرفهم‪ :‬في الشريعة‪ ،‬سوا ٌء في فهم أقوال الشريعة واستفادة مدلوالت تلك األقوال بحسب الوضع اللُّغ‪::‬وي‬
‫واالس‪::‬تعمال الش‪::‬رعي‪ ،‬أو في البحث ع ّم‪::‬ا يع‪::‬ارض األدل‪::‬ة فيم‪::‬ا يل‪::‬وح للمجته‪::‬د وق‪::‬د اس‪::‬تكمل نظ‪::‬ره في اس‪::‬تفادة‬
‫مدلوالتها‪ :‬ليستيقن سالمة تلك األدلة مما يبطل داللتها‪ ،‬أو عند قياس ما لم يرد حكم‪::‬ه في أق‪::‬وال الش‪::‬ارع على حكم‬
‫ما ورد حكمه فيه على ضوء العلل‪ ،‬أو عند تلقّي األحكام التعبُّدي‪::‬ة ال‪::‬تي ال يع‪::‬رف علله‪::‬ا وال حكم‪::‬ة الش‪::‬ارع فيه‪::‬ا‬
‫متهما ً نفسه بالقصور عن إدراك الحكمة فيها‪ ،‬وغير ذلك مما يتصرّف المجتهد بفقهه في الشريعة(‪.)5‬‬
‫ويبين عبد الوهاب خالف ضرورة التعرف على المقاص‪:‬د ودوره‪:‬ا‪ :‬في ح‪::‬ل اإلش‪::‬كاالت ال‪::‬تي ق‪::‬د يق‪:‬ع فيه‪::‬ا‬
‫المجته‪::‬د‪ ،‬فيق‪::‬ول‪( :‬ومعرف‪::‬ة المقص‪::‬د الع‪::‬ام من التش‪::‬ريع من أهم م‪::‬ا يس‪::‬تعان ب‪::‬ه على فهم نصوص‪::‬ه ح‪::‬ق فهمه‪::‬ا‪،‬‬
‫وتطبيقها‪ :‬على الوقائع‪ ،‬واستنباط‪ :‬الحكم فيما ال نص فيه‪ ،‬ألن دالل‪::‬ة األلف‪::‬اظ والعب‪::‬ارات‪ :‬على المع‪::‬اني‪ ،‬ق‪::‬د تحتم‪::‬ل‬

‫مح َّمد الطاهر ابن عاشور‪ ،‬الشركة التونسية للتوزيع‪ ،‬تـونس‪ ،‬ط‪ ،1‬ص‪.51‬‬ ‫‪ )(1‬مقاصد الشريعة ا ِإلسالَ ِميَّة‪َ ،‬‬
‫‪ )(2‬هو الدكتور فتحي الدريني‪ .‬في كتاب‪::‬ه خص‪:‬ائص التش‪:‬ريع اإلس‪::‬المي‪ ،‬مؤسس‪::‬ة الرس‪:‬الة‪ ،‬ب‪:‬يروت ‪ ،‬ط ‪ 1434 :، 2‬هـ ‪-‬‬
‫‪ 2013‬م‪ ،‬ص‪.194‬‬
‫‪ )(3‬إعالم الموقعين‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص‪.3‬‬
‫‪ )(4‬الموافقات ‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪.41‬‬
‫‪ )(5‬مقاصد الشريعة اإلسالمية البن عاشور‪ ،‬ص ‪.17 –15‬‬
‫‪51‬‬
‫عدة وج‪::‬وه‪ ،‬وال‪::‬ذي ي‪::‬رجح واح‪::‬داً من ه‪::‬ذه الوج‪::‬وه ه‪::‬و الوق‪::‬وف‪ :‬على مقص‪::‬د الش‪::‬ارع‪ ،‬ألن بعض النص‪::‬وص ق‪::‬د‬
‫تتعارض ظواهرها‪ ،‬والذي يرفع هذا التعارض ويوفق بينها أو يرجح أحدها هو الوقوف على مقصد الشارع‪ .‬ألن‬
‫كثيراً من الوقائع التي تحدث ربما ال تتناولها عبارات النصوص‪ ،‬وتمس الحاجة إلى معرفة أحكامها بأي دليل من‬
‫األدلة الشرعية بنصوصه وروحه ومعقوله‪ .‬وكذلك نصوص األحكام التشريعية ال تفهم على وجهه‪::‬ا الص‪::‬حيح إال‬
‫إذا عرف المقص‪:‬د الع‪::‬ام للش‪::‬ارع من تش‪:‬ريع األحك‪::‬ام‪ ،‬وع‪::‬رفت الوق‪:‬ائع‪ :‬الجزئي‪:‬ة ال‪::‬تي من أجله‪::‬ا ن‪::‬زلت األحك‪::‬ام‬
‫القرآنية‪ ،‬أو وردت السنة القولية أو الفعلية)(‪)1‬‬
‫ولكنهم – من الناحية التطبيقية – يختلفون اختالفا شديدا‪ ،‬وبناء على هذا‪ ،‬فإنا نري‪::‬د بأتب‪::‬اع ه‪::‬ذا المنهج هن‪::‬ا‬
‫ليس من يص‪::‬رح فق‪::‬ط بكون‪::‬ه يقب‪::‬ل ب‪::‬أن للش‪::‬ريعة مقاص‪::‬د وغاي‪::‬ات‪ ،‬وإنم‪::‬ا من يعتبره‪:‬ا‪ :‬في الفت‪::‬وى‪ ،‬وخاص‪::‬ة في‬
‫المتغيرات الحادثة في الواقع‪.‬‬
‫وبناء على هذا يمكننا أن نتتبع الفتاوى لنجد من يراعي هذا‪ ،‬ومن يقصر فيه‪ ،‬وال يهمنا تنظيره للمقاص‪:‬د أو‬
‫وحكمة كلها)(‪)2‬‬‫اعتقاده بها‪ ،‬ألن كل مسلم يعتقد بأن الشريعة – كما يذكر ابن القيم – (عدل كلها‪ ،‬ورحمة كلها‪ِ ،‬‬
‫وبناء على هذا‪ ،‬ومن خالل النظر في واقع الفتوى نجد صنفين ممن يمكن اعتبارهم من أعالم هذا المنهج‪:‬‬
‫الصنف األول‪:‬‬
‫ويمثلهم الكثير من الفقهاء من المدارس السابقة‪ ،‬حتى المدارس التي تؤمن بالتمذهب‪ ،‬حيث نجد لها في فق‪::‬ه‬
‫النوازل أحيانا ما تراعى فيه مقاصد الشريعة‪.‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك‪:‬‬
‫المثال األول‪ :‬استفتي الشاطبي عن (بيع األشياء التي منع العلماء بيعها من أهل الحرب كالسالح وغ‪::‬يره‪،‬‬
‫لكون أهل األندلس محتاجين إلى النصـارى‪ :‬في أشياء أخـرى كاألكـل واللبـاس وغيـرها‪...‬وس‪::‬ؤاله عن الشمـع‪،‬‬
‫وهل يتن ّزل منـزلة ما ُذ ِكر سابقا في بيعـه‪...‬؟ وهل هناك ف‪::‬رق بين أه‪::‬ل األن‪::‬دلس وغ‪::‬يرهم من أرض اإلس‪::‬الم في‬
‫بيع مثل هذه األشياء؟)(‪)3‬‬
‫فأجاب بالمنع ولم يلتفت إلى الضرورة التي تعلل بها المستفتي؛ ألنه رأى أن حماية المسلمين من العدو وما‬ ‫ّ‬
‫تقتضيه تلك الحماية من عدم تمكين‪::‬ه بم‪::‬ا يعين‪::‬ه على أم‪::‬ر أه‪::‬ل األن‪::‬دلس‪ ،‬وه‪::‬ذا أولى من حاج‪::‬ة بعض الن‪::‬اس إلى‬
‫الطعام‪ ..‬وبيع السـالح والطعـام إلى أهـل الحـرب داخـل فيما يكون أداؤه إلى المفسـدة كثيـرا ال نـادرا‪ ،‬ورأى أن‪::‬ه‬
‫ليس هناك موجب لتسويغ البيع منهم مستدال بقوله تعالى‪ ﴿ :‬إِنَّ َما ْال ُم ْش ِر ُكونَ ن ََجسٌ فَاَل يَ ْق َربُ‪::‬وا ْال َم ْس‪ِ :‬ج َد ْال َح‪َ :‬را َم بَ ْع‪َ :‬د‬
‫أن الحاج‪::‬ة إليهم في جلب الطع‪::‬ام إلى مك‪::‬ة ال ت‪::‬ر ّخص لهم في انته‪::‬اك حرم‪::‬ة‬ ‫عَا ِم ِه ْم هَ َذا ﴾(‪( ،)4‬فاآلية نبّهت على ّ‬
‫خص في استـباحة اإلضـرار بالمسلمين)(‪)5‬‬ ‫الحرم‪ ،‬فكذلك األمر هنا‪ :‬ال تـر ُ‬
‫وبين أنه سار في هذا على خطى سلفه الفقيه المـازري‪ :‬المالكي الذي منـع بيع كل ما يكـون ألهل الحرب به‬
‫ق‪::‬وة على المس‪::‬لمين كالطع‪::‬ام والس‪::‬الح وح‪::‬تى الش‪::‬مع؛ ألنهم – كم‪::‬ا بيّن الش‪::‬اطبي‪ – :‬يس‪::‬تعينون‪ :‬ب‪::‬ه في اإلض‪::‬رار‪:‬‬
‫بالمسلمين‪.‬‬
‫قال الشاطبي ‪( :‬و أما صنع الشمع للنصارى‪ :‬فإن كان ألنهم يستعينون به علينا فـيُمنع كما ُذك‪::‬ر في بيع‪::‬ه من‬
‫النصارى‪ :،‬وأما ما يعلم أنهم يصنعونه آللهتهم فينبغي‪ :‬أال يصنع لهم‪ ،‬وال يب‪::‬اع منهم نظ‪::‬ير م‪::‬ا قال‪::‬ه ابن القاس‪::‬م في‬
‫بيع الشاة منهم مع العلم بأنهم يذبحونها‪ :‬ألعيادهم‪ ،‬فإنه يُك ِّرهه كراهية تنـزيه وأن ال‪::‬بيع إن وق‪::‬ع لم يفس‪::‬خ وه‪::‬و في‬
‫العتبية)(‪)6‬‬

‫‪ )(1‬علم أصول الفقه‪ ،‬ص‪.197‬‬


‫‪ ) )((2‬إعالم الموقعين‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.3‬‬
‫‪ )(3‬الفتاوى‪ ،‬الشاطبي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد أبو األجفان‪ ،‬مطبعة االتحاد العام التـونسي ‪ ،‬تونس‪ ،‬ط‪.1984 ،1‬ص ‪.145 ،144‬‬
‫‪ )(4‬سورة التوبة‪.28 :‬‬
‫‪ )(5‬الفتاوى‪ ،‬ص ‪.145‬‬
‫‪ )(6‬الفتاوى‪ ،‬ص ‪.146‬‬
‫‪52‬‬
‫المث ال الث اني‪ :‬ذك‪:‬ر الش‪:‬يخ ابن عاش‪:‬ور أمثل‪:‬ة كث‪:‬يرة عن رعاي‪:‬ة المف‪:‬تين في الن‪:‬وازل خصوص‪:‬ا لمقاص‪:‬د‬
‫الشريعة‪ ،‬ولو بمخالفة مذاهبهم‪ :‬التي يقلدونها‪ ،‬وذلك عند ذكره للضرورة العامة المؤقتة‪ ،‬كأن يع‪::‬رض االض‪::‬طرار‬
‫لألمة أو طائفة عظيمة منها يستدعي اإلقدام على الفعل الممنوع لتحقيق مقصد ش‪::‬رعي من س‪::‬المة األم‪:‬ة أو إبق‪:‬اء‬
‫قوتها‪ :‬أو نحو ذلك‪.‬‬
‫وال شك أن اعتبار هذه الضرورة عند حلولها أولى وأجدر من اعتب‪::‬ار الض‪::‬رورة الخاصة(‪)1‬وأنه‪::‬ا تقتض‪::‬ي‬
‫تغيي ًرا لألحكام الشرعية المقررة لألحوال التي طرأت عليها تلك الضرورة‪ .‬ومن األمثلة التي ذكرها لهذا‪:‬‬
‫الكراء المؤبد في أرض الوقف حين زهد الناس في كرائها للزرع‪ :‬لم‪::‬ا تحتاج‪::‬ه األرض من ق‪::‬وة الخدم‪::‬ة‪،‬‬
‫ووفرة المصاريف لطول تبويرها؛ وزهدوا في كرائها للغرس والبناء‪ ،‬لقصر المدة التي تكترى‪ :‬أرض الوقف لها‪،‬‬
‫والمتناع‪ :‬الغارس أو الباني من أن يغرس أو يبني لمدة قصيرة ثم يجبر على أن يقلع ما أحدثه في األرض‪.‬‬
‫في مثل هذه الحالة ج‪::‬رت فت‪::‬وى البن الس‪::‬راج وابن منظ‪::‬ور‪ :‬من علم‪::‬اء األن‪::‬دلس في أواخ‪::‬ر الق‪::‬رن التاس‪::‬ع‬
‫بجواز‪ :‬الكراء على التأبيد‪ ،‬واعتبروا‪ :‬هذا الكراء المؤبد ال غ‪::‬رر في‪::‬ه‪ ،‬ألن األرض باقي‪::‬ة غ‪::‬ير زائل‪::‬ة‪ ،‬وألن ط‪::‬ول‬
‫المدة من شأنه أن يحقق مص‪::‬لحة عام‪::‬ة منج‪::‬رة من وف‪::‬رة إنتاجه‪::‬ا‪ ،‬وهي راجح‪::‬ة على م‪::‬ا يمكن أن يخال‪::‬ط اآلم‪::‬اد‬
‫الطويلة من خطر(‪ .)2‬وكراء أرض الحبس على التأبيد قد أجازه التسولي إلى م‪::‬ا ش‪::‬اء هللا من الس‪::‬نين‪ .‬وق‪::‬د ج‪::‬رى‬
‫العمل بكراء أرض الحبس على التأبيد في المغرب ومصر والبالد التونسية‪ ،‬وه‪::‬و المع‪::‬روف‪ :‬ب‪::‬اإلنزال في ت‪::‬ونس‬
‫في اصطالح المالكية‪ ،‬والكردار‪ :‬في اصطالح الحنفية‪.‬‬
‫الترخيص في تغيير الحبس الذي تعطلت منفعته تحصيالً للمنفعة من وجه آخر‪ ،‬وقد ذكره الونشريسي‪ :‬في‬
‫المعيار(‪)3‬فقال‪ :‬أما مسألة دار الوضوء‪ ،‬ف‪:‬إن بطلت منفعته‪:‬ا‪ ،‬وتع‪:‬ذر‪ :‬إص‪:‬الحها‪ ،‬ولم ت‪:‬رج عودته‪:‬ا في المس‪:‬تقبل‪،‬‬
‫وجاز‪ :‬أن تتخذ فندقًا‪ .‬ولذلك جاز للناظر أن يستغلها في أي شأن يعود على المسجد الجامع بالنفع البين‪.‬‬
‫وكذلك أجازوا أن يستغل ناظر‪ :‬الوقف غالت الحبس الذي يتعطل عمله فيحقق بها مصلحة أخرى مش‪::‬ابهة‪.‬‬
‫ويعتبر‪ :‬هذا العمل من اإلقدام على الفعل الممنوع ضرورة‪ ،‬لتحقيق مقصد شرعي فيه سالمة األمة‪.‬‬
‫وكذلك أجازوا للن‪::‬اظر أن يص‪::‬رف من أم‪::‬وال األحب‪::‬اس على المس‪::‬اجد‪ ،‬إذا ك‪::‬انت زائ‪::‬دة على الحاج‪::‬ة‪ ،‬في‬
‫بعض وج‪::‬وه ال‪::‬بر كالت‪::‬دريس‪ ،‬وإعان‪::‬ة طلب‪::‬ة العلم‪ ،‬وتحفي‪::‬ظ الق‪::‬رآن العظيم‪ ،‬لنفس الرخص‪::‬ة المتقدم‪::‬ة‪ ،‬ولنفس‬
‫الضرورة‪.‬‬
‫وأجازوا‪ :‬أيضا بيع العقار الحبس وتعويضه بآخر‪ .‬وجاء في المعيار للونشريس‪::‬ي ‪ :‬وفي ن‪::‬وازل س‪::‬حنون‪ :‬لم‬
‫يجز أصحابنا بيع الحبس‪ ،‬إال دارًا جوار مسجد ليوسع بها‪ ،‬ويشترى‪ :‬بثمنها دارا مثلها تكون حبسًا‪ .‬وق‪::‬د أدخ‪::‬ل في‬
‫مسجده ‪ ‬دورًا كانت محبسة)(‪)4‬‬
‫الصنف الثاني‪:‬‬
‫ويمثلهم بعض من المحدثين ممن تشربوا الثقافة الغربي‪::‬ة‪ ،‬أو ت‪::‬أثروا به‪::‬ا‪ ،‬ولم يدرس‪::‬وا‪ :‬الش‪::‬ريعة أو يتفقه‪::‬وا‬
‫فيها‪ ،‬وتصوروا‪ :‬أنهم بما لديهم من أفكار‪ :‬حديثة يستطيعون أن يحددوا مقاصد الشارع‪ ،‬ويس‪::‬تطيعوا من خالله‪::‬ا أن‬
‫يفتوا على أساسها‪.‬‬
‫ومع أنه ال يمكن اعتبار هؤالء من الفقهاء‪ ،‬ولكن مع ذل‪::‬ك نج‪::‬د أن هن‪::‬اك من يق‪::‬وم بنش‪::‬ر آرائهم وأفك‪::‬ارهم‪:‬‬
‫تحت شعارات التجديد واإلصالح ونحو‪ :‬ذلك‪.‬‬
‫‪:‬وفي (ت‪716 :‬هـ) مث‪:‬اال لهم في فقهائن‪::‬ا الق‪:‬دامى(‪ ،)5‬فق‪:‬د‬ ‫ي الط‪ُّ :‬‬‫وربما يكون نجم الدين سليمان بن عبد القو ِّ‬
‫‪ )(1‬مقاصد الشريعة‪ :‬ص ‪.133‬‬
‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.134‬‬
‫‪ )(3‬المعيار المعرب‪ ،‬الونشريسي‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي ‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص‪.149‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪.245‬‬
‫‪ )(5‬نس‪::‬بت ل‪::‬ه رس‪::‬الة في ش‪::‬رح األربعين النووي‪::‬ة تكلم في أثنائه‪::‬ا على ح‪::‬ديث‪( :‬ال ض‪::‬رر وال ض‪::‬رار)‪ ،‬وق‪::‬ال فيه‪::‬ا بتق‪::‬ديم‬
‫المصلحة على النص بطريق التخصيص والبيان بشرط أن يك‪:‬ون الحكم من أحك‪:‬ام المع‪:‬امالت أو الع‪:‬ادات أو السياس‪:‬ات الدنيوي‪:‬ة أو‬
‫شبهها‪ ،‬ال أن يكون من أحكام العبادات أو المقدرات ونحوها‪ ،‬ألن العبادات حق للشارع خاص به‪ ،‬وال يمكن معرفة حق‪::‬ه كم‪::‬ا وكيف‪::‬ا‬
‫‪53‬‬
‫بالغ في مراعاة المصلحة‪ ،‬إذ اعتبرها َدلِيالً شرعيًّا مستقالًّ عن النصوص‪ ،‬بل اعتبرها أقوى أَ ِدلَّة الشرع ‪ ،‬وق َّدمها‬
‫َعلَى النصِّ واإلجماع من باب التخصيص والبيان(‪ ،)1‬ال من باب اإلبطال لهما وعدم اعتبارهما‪.‬‬
‫وقد رد ابن تيمية على هذا المنهج في مواضع كثيرة من كتب‪::‬ه‪ ،‬منه‪::‬ا قول‪::‬ه في مع‪::‬رض رده على من أج‪::‬از‬
‫نكاح التحليل بحجّة أن رجوع الزوجين لبعضهما عمل صالح يُث‪::‬اب علي‪::‬ه المحل‪::‬ل‪ ( :‬وق‪::‬ولهم إن قص‪:‬د‪ :‬تراجعهم‪:‬ا‪:‬‬
‫قصد‪ :‬صالح لما فيه من المنفعة‪ ،‬قلنا هذه مناسبة شهد الشارع لها باإللغاء واإلهدار‪ ،‬ومثل هذا القياس والتعليل هو‬
‫الذي يحل‪:‬ل الح‪:‬رام ويح‪:‬رم‪ :‬الحالل‪ ،‬والمص‪:‬الح والمناس‪:‬بات ال‪:‬تي ج‪:‬اءت الش‪:‬ريعة بم‪:‬ا يخالفه‪:‬ا إذا اعت‪:‬برت فهي‬
‫مراغمة بَيّنة للشرع مصدرها‪ :‬عدم مالحظة حكم‪::‬ة التح‪::‬ريم‪ ،‬ومورده‪::‬ا ع‪::‬دم مقابلت‪::‬ه بالرض‪::‬ا والتس‪::‬ليم‪ ،‬وهي في‬
‫الحقيقة ال تكون مصالح وإن ظنّها الناس مصالح‪ ،‬وال تكون مناسبة للحكم وإن اعتقدها معتقد مناسبة‪ ،‬ب‪::‬ل ق‪::‬د علم‬
‫هللا ورسوله ومن شاء من خلقه خالف ما رآه هذا القاصد في نظره؛ ولهذا كان الواجب على كل م‪::‬ؤمن طاع‪::‬ة هللا‬
‫ورسوله فيما ظهر له حسنه وما لم يظهر‪ ،‬وتحكيم‪ :‬علم هللا وحكمه على علم‪::‬ه وحكم‪::‬ه؛ ف‪::‬إن خ‪::‬ير ال‪::‬دنيا واآلخ‪::‬رة‬
‫وصالح المعاش والمعاد في طاعة هللا ورسوله) (‪)2‬‬
‫وقال في موضع آخر‪( :‬القول الجامع‪ :‬أن الشريعة ال تهمل مصلحة ق‪:‬ط‪ ،‬ب‪:‬ل هللا تع‪::‬الى ق‪:‬د أكم‪:‬ل لن‪:‬ا ال‪::‬دين‬
‫وأتم النعمة‪ ،‬فما من شيء يقرب إلى الجنة إال حدثنا ب‪::‬ه الن‪::‬بي ‪ ،‬وتركن‪:‬ا‪ :‬على البيض‪::‬اء ليله‪::‬ا كنهاره‪::‬ا ال يزي‪::‬غ‬
‫عنها بعده إال هالك‪ ،‬لكن ما اعتقده العقل مصلحة وإن كان الشرع لم يرد بها فأحد أمرين الزم ل‪::‬ه‪ :‬إم‪::‬ا أن الش‪::‬رع‬
‫دل علي‪::‬ه من حيث لم يعلم ه‪::‬ذا الن‪::‬اظر‪ ،‬أو أن‪::‬ه ليس بمص‪::‬لحة وإن اعتق‪::‬ده مص‪::‬لحة‪ ،‬ألن المص‪::‬لحة هي المنفع‪::‬ة‬
‫الحاصلة أو الغالبة وكثيرا‪ :‬ما يتوهم الناس أن الشيء ينفع في الدين والدنيا‪ :‬ويكون فيه منفعة مرجوح‪::‬ة بالمض‪::‬رة‪،‬‬
‫اس َوإِ ْث ُمهُ َما أَ ْكبَ ُر ِم ْن نَ ْف ِع ِه َما ﴾ (‪ )3‬وكثير‪ :‬مما ابتدعه الناس من العقائد‬
‫كما قال تعالى‪ ﴿ :‬قُلْ فِي ِه َما إِ ْث ٌم َكبِي ٌر َو َمنَافِ ُع لِلنَّ ِ‬
‫واألعمال من بدع أهل الكالم وأهل التصوف‪ :‬وأه‪::‬ل ال‪::‬رأي وأه‪::‬ل المل‪::‬ك‪ ،‬حس‪::‬بوه منفع‪::‬ة أو مص‪::‬لحة نافع‪:‬ا‪ :‬وحق‪::‬ا‬
‫وصوابا وليس كذلك فإذا كان اإلنسان يرى حسنا م‪::‬ا ه‪::‬و س‪::‬يئ ك‪::‬ان استحس‪::‬انه أو استص‪::‬الحه ق‪::‬د يك‪::‬ون من ه‪::‬ذا‬
‫الباب)(‪)4‬‬
‫ومثله قال الدكتور عبد هللا بن عبد المحس‪::‬ن ال‪::‬تركي – بع‪::‬د أن ع‪::‬رف المص‪::‬لحة ثم ذك‪::‬ر أقس‪::‬امها‪ :‬وحص‪:‬ر‪:‬‬
‫الخالف في المصلحة المرسلة ‪( -‬والذي أرجح وأراه أخيرا أن بناء األحك‪::‬ام على المص‪::‬لحة ليس مقص‪::‬ورا‪ :‬عليه‪::‬ا‬
‫فقط‪ ،‬بل ال بد أن يكون الشارع اعتبر جنس هذه المصالح فال يترك تحديد ما هو مص‪::‬لحة أو مفس‪::‬دة للبش‪::‬ر فهم ال‬
‫يستطيعون ذلك استقالال دون سند من شرع هللا‪ ،‬ولو قلنا أن البشر يستطيعون تحديد المص‪::‬الح والمفاس‪:‬د‪ :‬ثم يبن‪::‬ون‬
‫عليها األحكام وتك‪::‬ون تش‪:‬ريعا‪ :‬في حقهم ألجزن‪:‬ا‪ :‬لهم وض‪::‬ع التش‪:‬ريعات‪ ،‬ثم إن الق‪:‬ول ب‪:‬أن هن‪::‬اك مص‪::‬الح أغفلته‪::‬ا‬
‫الشريعة طعن في كمالها وشمولها‪ :‬وعمومها وقد دلت األدل‪::‬ة القاطع‪::‬ة على إكم‪::‬ال هللا لل‪::‬دين‪ ،‬وحفظ‪::‬ه من التغي‪::‬ير‬
‫وزمانا ومكانا إال من جهته فيأتي به العبد‪ :‬بما رسم ل‪:‬ه‪ ،‬فأحك‪::‬ام العب‪::‬ادات والمق‪::‬درات ال مج‪:‬ال للعق‪::‬ل في فهم معانيه‪::‬ا على التفص‪::‬يل‬
‫(انظر‪ :‬رسالة في رعاية المصلحة‪ ،‬نجم الدين سليمان بن عبد القوي الط‪::‬وفي‪ ،‬تحقي‪::‬ق‪ :‬أحم‪::‬د عب‪::‬د ال‪::‬رحيم الس‪::‬ايح‪ ،‬ال‪::‬دار المص‪::‬رية‬
‫اللبنانية‪ ،‬ط‪1413 ،1‬هـ ‪1993 /‬م)‬
‫‪ )(1‬وقد ذهب بعض الباحثين المعاصرين إلى خالف هذا‪ ،‬فحمل كالم الط‪::‬وفي على ج‪::‬ادة عم‪::‬وم األص‪::‬وليين في الموض‪::‬وع‬
‫بعض‪:‬ه‬
‫َ‬ ‫كالباحث أيمن جبريل األيوبي في رسالته القيمة (مقاصد الشريعة في تخصيص النص بالمصلحة)؛ حيث جم‪::‬ع كالم الط‪::‬وفي‬
‫إلى بعض فجعله ال يخرج عن المنهجية األصولية‪ ،‬غير أنه في تقرير الطوفي من العب‪::‬ارات المش‪::‬تبهة والمجمل‪::‬ة والملتبس‪::‬ة م‪::‬ا دف‪::‬ع‬
‫بأكثرية المعاصرين إلى مخالفة هذا الرأي وحمل كالم‪::‬ه على تق‪::‬ديم المص‪::‬لحة العقلي‪::‬ة على النص أو تق‪::‬ديمها على النص القطعي أو‬
‫نحو هذا مما يعد فيه الطوفي شاذاً عن الطريق األصولي‪ ،‬ومن هؤالء ‪ -‬على سبيل المثال ‪ -‬مصطفى زيد في المص‪:‬لحة في التش‪:‬ريع‬
‫اإلسالمي ونجم الدين الطوفي‪ ،‬ومحمد سعيد رمضان البوطي في ضوابط المص‪::‬لحة في الش‪::‬ريعة االس‪::‬المية‪ ،‬وأحم‪::‬د الريس‪::‬وني في‬
‫نظرية المقاصد عند االمام الشاطبي‪ ،‬حسين حامد حسان في نظرية المصلحة في الفقه اإلسالمي‪ ،‬وغيرهم كثير‪( .‬انظر‪ :‬م‪::‬ع نظري‪::‬ة‬
‫المصلحة عند نجم الدين الطوفي‪ ،‬د‪ .‬فهد بن صالح العجالن‪ ،‬مجلة البيان‪ ،‬العدد ‪) 290 :‬‬
‫‪ )(2‬بيان الدليل على بطالن التحليل‪ ،‬ابن تيمية‪ :،‬تحقيق‪ :‬حمدي عبد المجي‪::‬د الس‪::‬لفي‪ ،‬المكتب اإلس‪::‬المي‪، 1998 :- 1418 ،‬‬
‫ص ‪. 250‬‬
‫‪ )(3‬سورة البقرة‪.219 :‬‬
‫‪ )(4‬مجموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيميّة‪ :،‬ج‪ ،11‬ص ‪.342‬‬
‫‪54‬‬
‫والتبديل‪ ،‬وعليه فإذا كان جنس المصلحة قد اعتبره الشارع جاز بناء الحكم عليها إذا لم يوجد أي دلي‪:‬ل آخ‪:‬ر مق‪:‬دم‬
‫عليها‪ ،‬وال يجوز للمسلم أن يتصرف في تش‪:‬ريع م‪:‬ا لم يجع‪:‬ل هللا ل‪:‬ه ذل‪:‬ك الح‪:‬ق‪ ،‬وكث‪:‬ير‪ :‬من األم‪:‬ور‪ :‬المبني‪:‬ة على‬
‫المص‪::‬الح كالسياس‪::‬ة الش‪::‬رعية والوالي‪::‬ات العام‪::‬ة والخاص‪::‬ة واألنظم‪::‬ة ك‪::‬ل ه‪::‬ذه ق‪::‬د أعطى هللا أص‪::‬حابها حقوق‪::‬ا‬
‫يتصرفون في دائرتها وإن لم ينص على جزئيات التصرف)(‪)1‬‬
‫ثانيا ـ أدلته‪:‬‬
‫ال يمكن استيعاب أدلة القائلين بهذا هنا‪ ،‬ولكن يمكن أن نجمعها في المجامع التالية‪:‬‬
‫الدليل األول‪:‬‬
‫ما جاء في الشريعة من النصوص الكثيرة الدالة على أن أحكام الشريعة اإلس‪::‬المية – في جملته‪::‬ا – معلل‪::‬ه‬
‫كما ذكرنا بعض األمثلة على ذلك سابقا‪.‬‬
‫باإلضافة إلى أن أن خلو الشريعة من المقاصد يثير شبهة العبث ال‪::‬ذي ت‪::‬نزه عن‪::‬ه الب‪::‬ارئ س‪::‬بحانه وتع‪::‬الى‪،‬‬
‫يقول ابن القيم‪( :‬إنه س‪::‬بحانه حكيم ال يفع‪::‬ل ش‪::‬يئا ً عبث‪:‬ا ً وال لغ‪::‬ير مع‪::‬نى ومص‪::‬لحة وحكم‪::‬ة‪ ،‬هي الغاي‪::‬ة المقص‪::‬ودة‬
‫بالفعل‪ ،‬بل أفعاله سبحانه صادرة عن حكمة بالغة ألجلها فعل‪ ،‬كما هي ناشئة عن أسباب بها فعل‪ ،‬وق‪::‬د دل كالم‪::‬ه‬
‫وكالم رسوله على هذا‪ ،‬وهذا في مواضع ال تكاد تحصى وال سبيل إلى استيعاب أفرادها)(‪)2‬‬
‫وقال ابن تيمية‪( :‬إن العقل الصريح يعلم أن من فع‪::‬ل فعال ال لحكم‪::‬ة‪ ،‬فه‪::‬و أَولى ب‪::‬النقص ممن فع‪::‬ل لحكم‪::‬ة‬
‫لح ْكم‪::‬ة تس‪::‬تلزم‪:‬‬
‫كانت معدومة‪ ،‬ثم صارت موجودة في الوقت الذي أحب كونها في‪::‬ه ‪ .‬فكي‪::‬ف يج‪::‬وز‪ :‬أن يق‪::‬ال فعل‪::‬ه ِ‬
‫النقص وفعله ال لحكمة ال نقص فيه)(‪)3‬‬
‫الدليل الثاني‪:‬‬
‫أنه ال يمكن للفقيه أن ينزل أحكام الش‪::‬ريعة للواق‪::‬ع والمتغ‪::‬يرات الحاص‪::‬لة في‪::‬ه إال من خالل فهم‪::‬ه لمقاص‪::‬د‬
‫الشريعة‪ ،‬وإال تخلفت الشريعة عن الواقع‪ ،‬وألجل هذا يرى أصحاب هذا المنهج أنه ال تحصل درجة االجته‪::‬اد إال‬
‫لمن اتصف بوصفين(‪:)4‬‬
‫ً‬
‫األول‪ :‬فهم مقاصد الشريعة على كمالها ألن اإلنسان إذا بلغ مبلغا فهم عن الشارع قصده في كل مسألة من‬
‫مسائل الشريعة‪ ،‬وفي‪ :‬كل باب من أبوابها؛ فقد حصل له وصف ينَ ّزل‪::‬ه منزل‪::‬ة الخليف‪:‬ة للن‪::‬بي ‪ ‬في التعليم والفُتي‪::‬ا‬
‫والحكم بما أراه هللا ‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬التم ّكن من االستنباط بنا ًء على فهم‪::‬ه فيه‪::‬ا‪ ،‬بواس‪::‬طة مع‪::‬ارف محت‪::‬اج إليه‪::‬ا في فهم الش‪::‬ريعة أوال‪ً،‬‬
‫وفي‪ :‬استنباط األحكام ثانياً‪.‬‬
‫ثالثا ـ منهجه في الفتوى‪:‬‬
‫بن‪:‬اء على التص‪:‬نيف الس‪:‬ابق ألعالم ه‪:‬ذا المنهج‪ ،‬فإن‪:‬ه يمكن أن ن‪:‬رى منهجين للفت‪:‬وى ق‪:‬د يتفق‪:‬ان في بعض‬
‫الغايات‪ ،‬ولكن يختلفان اختالفا شديدا في آليات التنفيذ‪:‬‬
‫المنهج األول‪:‬‬
‫وهو يعتمد على اعتبار الدليل الشرعي ه‪:‬و األس‪:‬اس في التع‪:‬رف على مقاص‪:‬د الش‪:‬ريعة – أوال ‪ -‬ثم يطب‪:‬ق‬
‫هذا المبدأ على الفروع المختلفة‪ ،‬مع مراعاة ما ورد فيها من النصوص الخاصة‪.‬‬
‫ولهذا‪ ،‬فإن أول ما ينطلق‪ :‬منه أص‪::‬حاب ه‪::‬ذا المنهج لتحدي‪::‬د المقاص‪::‬د الش‪::‬رعية والوس‪::‬ائل‪ :‬المحقق‪::‬ة له‪::‬ا هي‬
‫المصادر‪ :‬األصلية من القرآن الكريم والسنة المطهرة‪.‬‬
‫‪ )(1‬أصول مذهب اإلمام أحمد‪ ،‬د‪ .‬عبد هللا بن عبد المحسن التركي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ 1410 ،‬هـ ‪ ،‬ص‪ ،469‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ )(2‬شفاء العليل في مس‪:‬ائل القض‪:‬اء والق‪:‬در والحكم‪::‬ة والتعلي‪:‬ل‪ ،‬محم‪::‬د بن أبي بك‪::‬ر بن أي‪:‬وب بن س‪::‬عد ش‪:‬مس ال‪:‬دين ابن قيم‬
‫الجوزية‪ ،‬تحقيق‪ :‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪1398 ،‬هـ‪1978/‬م‪ ،‬ص‪.190‬‬
‫‪ )(3‬شرح العقيدة األصفهانية‪ ،‬تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم ابن تيمية‪ :،‬تحقي‪::‬ق‪ :‬محم‪::‬د بن ري‪::‬اض‬
‫األحمد‪ ،‬المكتبة العصرية – بيروت‪ ،‬ط‪1425 ،1‬هـ‪ ،‬ص‪.362‬‬
‫‪ )(4‬الموافقات ‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪.41‬‬
‫‪55‬‬
‫الشرعية)(‪)1‬‬ ‫يقول الشاطبي‪( :‬نصوص الشارع مفهمة لمقاصده بل هي أول ما يتلقى منه فهم المقاصد‬
‫ويقول الدكتور محمد سعد اليوبي‪( :‬إذا كان من المعلوم أن القرآن هو أساس الش‪::‬ريعة اإلس‪::‬المية وأص‪::‬لها‪،‬‬
‫فإنه من الضروري‪ :‬للباحث عن مقاصدها‪ ،‬الط‪::‬الب أله‪::‬دافها أن يبحث عن المقاص‪::‬د ال‪::‬تي اش‪::‬تمل عليه‪::‬ا أص‪::‬لها‪،‬‬
‫وتضمنها ينبوعها أال وهو كتاب هللا)(‪)2‬‬
‫وقد ذكر في كتابه (مقاصد الشريعة وعالقته‪::‬ا باألدل‪::‬ة الش‪::‬رعية) بعض األمثل‪::‬ة على المقاص‪::‬د ال‪::‬واردة في‬
‫القرآن الكريم نذكر بعضها هنا (‪ )3‬من باب المثال‪:‬‬
‫ر﴾(‪)4‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫صاَل ةَ تَ ْنهَى ع َِن الفَحْ َشاء َوال ُمن َك ِ‬ ‫فقد ذكر هللا تعالى مقاصد الصالة‪ ،‬فقال‪﴿ ::‬إِ َّن ال َّ‬
‫ص‪:‬الَتَكَ َس‪َ :‬ك ٌن‬ ‫ص‪:‬لِّ َعلَ ْي ِه ْم إِ َّن َ‬ ‫ص َدقَة تُطَهِّ ُرهُ ْم َوتُ‪::‬زَ ِّكي ِهم‪ :‬بِهَ‪:‬ا َو َ‬‫ً‬ ‫وذكر مقاصد الزكاة‪ ،‬فقال‪ُ ﴿ :‬خ ْذ ِم ْن أَ ْم َوالِ ِه ْم َ‬
‫لَّه ُ ْم ﴾(‪)5‬‬
‫ق‬‫ضا ِم ٍ‪:‬ر يَ‪::‬أْتِينَ ِمن ُك‪ِّ :‬ل فَ ٍّج َع ِمي ‪ٍ :‬‬ ‫ك ِر َجااًل َو َعلَى ُكلِّ َ‬ ‫اس بِ ْال َحجِّ يَأْتُو َ‬‫وذكر مقاصد الحج‪ ،‬فقال‪َ ﴿ :‬وأَ ِّذن فِي النَّ ِ‬
‫ام ﴾(‪)6‬‬ ‫ت َعلَى َما َر َزقَهُم‪ِّ :‬من بَ ِهي َم ِة األَ ْن َع ِ‬ ‫لِيَ ْشهَدُوا‪َ :‬منَافِ َع لَهُ ْم َويَ ْذ ُكرُوا ا ْس َم هَّللا ِ فِي أَي ٍَّام َّم ْعلُو َما ٍ‬
‫ب َعلَى الَّ ِذينَ ِمن قَ ْبلِ ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم‬ ‫الص‪:‬يَا ُم َك َم‪::‬ا ُكتِ َ‬ ‫ب َعلَ ْي ُك ُم ِّ‬ ‫‪:‬وا ُكتِ َ‬‫وذكر مقاصد الصيام‪ ،‬فق‪::‬ال‪ ﴿:‬يَ‪::‬ا أَيُّهَ‪::‬ا الَّ ِذينَ آ َمنُ‪ْ :‬‬
‫تَتَّقُونَ ﴾(‪)7‬‬
‫ج َولَـ ِكن ي ُِري‪ُ :‬د لِيُطَه ََّر ُك ْ‪:‬م َولِيُتِ َّم نِ ْع َمتَ‪:‬هُ َعلَ ْي ُك ْم‬ ‫هّللا‬
‫وذكر مقاصد الوضوء‪ ،‬فقال‪َ ﴿:‬ما ي ُِري ُد ُ لِيَجْ َع َل َعلَ ْي ُكم ِّم ْن َح‪َ :‬‬
‫‪:‬ر ٍ‬
‫كرُونَ ﴾(‪)8‬‬ ‫لَ َعلَّ ُك ْم تَ ْش ُ‬
‫ك ْم تَتَّقُونَ ﴾(‪)9‬‬ ‫اص َحيَاةٌ يَاْ أُولِ ْي األَ ْلبَا ِ‬
‫ب لَ َعلَّ ُ‬ ‫ص ِ‬ ‫وذكر مقاصد القصاص‪ ،‬فقال‪َ ﴿ ::‬ولَ ُك ْم فِي ْالقِ َ‬
‫ُوا أَيْ‪ِ :‬ديَهُ َما َج‪َ :‬زاء بِ َما َك َس‪:‬بَا نَ َك‪:‬االً ِّمنَ هَّللا ِ َوهَّللا ُ‬ ‫ارقَةُ فَ‪:‬ا ْقطَع ْ‬ ‫الس‪ِ :‬‬ ‫ق َو َّ‬ ‫ار ُ‪:‬‬
‫الس‪ِ :‬‬ ‫وذكر مقاصد حد السرقة‪ ،‬فقال‪َ ﴿ :‬و َّ‬
‫كي ٌم ﴾(‪)10‬‬ ‫َزي ٌز َح ِ‬ ‫ع ِ‬
‫وهكذا وض‪:‬حت الس‪:‬نة المطه‪:‬رة مقاص‪:‬د الش‪:‬ريعة اإلس‪:‬المية‪ ،‬كم‪:‬ا ق‪:‬ال الش‪:‬اطبي‪( :‬وإذا نظرن‪:‬ا إلى الس‪:‬نّة‬
‫وجدناها‪ :‬ال تزيد على تقرير هذه األمور‪ :‬فالكتاب أتى بها أصوالً يرجع إليها‪ ،‬والسنّة أتت به‪::‬ا تفريع‪:‬ا ً على الكت‪::‬اب‬
‫تأص‪:‬لت في‬ ‫وبياناً‪ :‬لما فيه منها فال تج‪::‬د في الس‪:‬نّة إال م‪::‬ا ه‪::‬و راج‪::‬ع إلى تل‪::‬ك األقس‪::‬ام‪ :‬فالض‪::‬روريات الخمس كم‪::‬ا ّ‬
‫الكتاب تفصّلت في السنّة)(‪)11‬‬
‫المنهج الثاني‪:‬‬
‫وهو يعتمد على م‪::‬ا يتص‪::‬وره أو يتوهم‪::‬ه من المص‪::‬الح‪ ،‬ثم يح‪::‬اول أن يفس‪::‬ر الش‪::‬ريعة على أساس‪::‬ها‪ ،‬فيق‪::‬دم‬
‫المصلحة المتوهمة على النص القطعي‪.‬‬
‫بل إن بعض الفقهاء تصوروا أن لهم مطلق الحري‪::‬ة في ابت‪::‬داع الوس‪::‬ائل ال‪::‬تي تحق‪::‬ق المقاص‪::‬د ال‪::‬تي ي‪::‬رون‬
‫شرعيتها‪ ،‬حتى لو خالفت الظاهر من النصوص‪.‬‬
‫ومن األمثلة المشهورة على ذلك ما فعله يحيى بن يحيى الليثي عميد الفقهاء المالكية باألن‪::‬دلس‪ ،‬ال‪::‬ذي أف‪::‬تى‬

‫‪ )(1‬الموافقات‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪.125‬‬


‫‪ )(2‬مقاصد الشريعة اإلسالمية وعالقتها باألدلة الشرعية‪ ،‬محمد سعد بن أحمد بن مسعود اليوبي‪ ،‬دار الهجرة‪ ،‬ط ‪1418 :،1‬‬
‫– ‪ ،1998‬ص‪.417‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.424‬‬
‫‪ )(4‬سورة العنكبوت‪.45 :‬‬
‫‪ )(5‬سورة التوبة‪.103 :‬‬
‫‪ )(6‬سورة الحج‪.28 ،27 :‬‬
‫‪ )(7‬سورة البقرة‪.183 :‬‬
‫‪ )(8‬سورة المائدة‪.6 :‬‬
‫‪ )(9‬سورة البقرة‪.179 :‬‬
‫‪ )(10‬سورة المائدة‪.38 :‬‬
‫‪ )(11‬الموافقات‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪.346‬‬
‫‪56‬‬
‫األمير عبد الرحمن بن الحكم بما يخالف النص‪ ،‬بل بما يخالف مذهبه أيضا(‪.)1‬‬
‫وقد ذكر المقري وقائع النازلة قائالً‪( :‬جمع األمير عب‪:‬د ال‪::‬رحمن بن الحكم الفقه‪::‬اء في عص‪::‬ره‪ ،‬وك‪:‬ان وق‪:‬ع‬
‫على جارية يحبها في رمضان‪ ،‬ثم ندم أشد الندم‪ ،‬فسألهم‪ :‬عن التوب‪::‬ة والكف‪::‬ارة‪ ،‬فق‪::‬ال يح‪::‬يى‪ :‬تكفِّر بص‪::‬وم‪ :‬ش‪::‬هرين‬
‫متت‪:‬ابعين‪ ،‬فلم‪:‬ا ب‪:‬ادر يح‪:‬يى به‪:‬ذه الفتي‪:‬ا س‪:‬كت الفقه‪:‬اء ح‪:‬تى خرج‪:‬وا‪ ،‬ق‪:‬ال بعض‪:‬هم لـه‪ :‬لِ َم لم تفت بم‪:‬ذهب مال‪:‬ك‬
‫بالتخيير؟‪ ،‬فقال‪ :‬لو فتحنا له هذا الباب سهل عليه أن يطأ كل يوم ويعتق‪ :‬رقبة‪ ،‬ولكن حملت‪::‬ه على أص‪::‬عب األم‪::‬ور‬
‫لئال يعود)(‪)2‬‬
‫فقد رأي يحيى إلزام األمير عبد الرحمن بصيام شهرين متتابعين‪ ،‬فخالف‪ :‬مالكا في التخيير‪ ،‬وآث‪::‬ر تق‪::‬ديم م‪::‬ا‬
‫توهمه من مصلحة الزجر والردع‪ ،‬إال أن المصلحة التي تركها‪ ،‬والتي دل عليه‪::‬ا النص أولى باالعتب‪::‬ار والنظ‪::‬ر؛‬
‫ذلك أن المصلحة المترتبة إذا ما أفطر األمير وأعتق كل يوم رقبة‪ ،‬أعظم من صومه بكثير‪ ،‬فمن مقاصد الش‪::‬ريعة‬
‫العناية بالحرية‪ ،‬وقد جعل لذلك العتق أحد الوس‪::‬ائل لتحقيقه‪::‬ا‪ ،‬ومثل‪::‬ه اعت‪::‬نى بإطع‪::‬ام‪ :‬المس‪::‬اكين‪ ،‬ول‪::‬و بش‪::‬ق تم‪::‬رة‪،‬‬
‫فإطعام ستين مسكينا ً مصلحة أعظم في ميزان الشرع من صومه‪ ..‬هذا إن صامه‪.‬‬
‫وقد وصف الحجوي‪ :‬فتوى يح‪::‬يى بأنه‪::‬ا ش‪:‬اذة؛ ألخ‪::‬ذه بالمص‪:‬لحة في مقاب‪:‬ل النص‪( ،‬وذل‪::‬ك ال يج‪::‬وز؛ ألن‪:‬ه‬
‫يؤدي‪ :‬إلى تغيير حدود الشريعة بتغير األحـوال‪ ،‬فتنح‪:‬ل رابط‪:‬ة ال‪:‬دين وتنفص‪:‬م العـرى في معن‪:‬اه من أف‪:‬تى أم‪:‬يرًا‬
‫مترفهًا‪ :‬سافر من المجاورة للبحر في سفينة أمينة بع‪::‬دم قص‪:‬ر‪ :‬الص‪::‬الة لع‪::‬دم المش‪::‬قة‪ ،‬وليس بص‪::‬حيح؛ ألن الش‪::‬رع‬
‫علَّق القص‪::‬ر على الس‪::‬فر‪ ,‬فيكفي أن‪:‬ه مظن‪::‬ة المش‪::‬قة وهي غ‪::‬ير منض‪:‬بطة‪ ،‬ومث‪::‬ل ذل‪::‬ك الس‪::‬فر في الس‪::‬كة الحديدي‪:‬ة‬
‫فيسن القصر في مسافته ولو قطعها‪ :‬في جزء يوم وأدركته الصالة وهو في السفر)(‪)3‬‬ ‫ُّ‬ ‫والسيارة والمناطيد الجوية‪,‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك أيضا ما نقله ابن القيم عن ابن عقيل في الفنون أنه قال‪( :‬ج‪::‬رى في ج‪::‬واز‪ :‬العم‪::‬ل في‬
‫السلطنة بالسياسة الشرعية أنه ه‪::‬و الح‪::‬زم‪ ،‬وال يخل‪::‬و من الق‪::‬ول ب‪:‬ه إم‪::‬ام‪ ،‬فق‪::‬ال الش‪::‬افعي‪ :‬ال سياس‪::‬ة إال م‪::‬ا واف‪::‬ق‬
‫الشرع‪ ..‬فقال ابن عقيل‪ :‬السياسة ما كان فعال يكون معه الناس أقرب إلى الصالح وأبعد عن الفساد وإن لم يضعه‬
‫الرسول‪ .‬فإن أردت بقولك إال ما وافق‪ :‬الشرع أي لم يخالف ما نطق به الشرع فص‪::‬حيح‪ ،‬وإن أردت ال سياس‪::‬ة إال‬
‫ما نطق به الشرع فغلط وتغليط‪ :‬للصحابة‪ ،‬فقد جرى من الخلفاء الراش‪::‬دين من القت‪::‬ل والتمثي‪::‬ل م‪::‬ا ال يجح‪::‬ده ع‪::‬الم‬
‫بالسنن‪ ،‬ولو لم يكن إال تحريق عثمان المصاحف‪ ،‬فإنه كان رأيا اعتمدوا‪ :‬فيه على مصلحة األمة(‪.)4‬‬
‫ونرى أن هذا قد يفتح المجال واسعا نح‪::‬و مض‪::‬اهاة الش‪::‬ارع‪ ،‬وله‪::‬ذا نحت‪::‬اج إلى التش‪::‬دد في‪::‬ه‪ ،‬ألن هن‪::‬اك من‬
‫صار يعمد إلى بعض المقاصد الشرعية المعتبرة‪ ،‬لكن‪::‬ه يخ‪::‬ترع‪ :‬له‪::‬ا من الوس‪::‬ائل م‪::‬ا ين‪::‬اقض ب‪::‬ه مقاص‪::‬د ش‪::‬رعية‬
‫أخرى‪ ،‬وكمثال على ذلك مخالفة بعض الباحثين لما ورد في النصوص القطعية من ض‪::‬رورة الوح‪::‬دة اإلس‪::‬المية‪،‬‬
‫ويخالفون ما يظهر‪ :‬في الواقع من دور األحزاب السياسية في تقطيعه‪::‬ا‪ ،‬ونش‪:‬ر‪ :‬الفرق‪::‬ة‪ ،‬ليقول‪::‬وا بش‪::‬رعية التعددي‪::‬ة‬
‫السياسية في اإلسالم تأثرا بما يرونه في الغرب‪ ،‬ال انفع‪::‬اال لم‪::‬ا ورد في النص‪::‬وص الش‪::‬رعية‪ ،‬وكمث‪::‬ال على ذل‪::‬ك‬
‫يقول الدكتور صالح الصاوي‪( :‬أصبح من الصعب التعرف على من يجب مشاورتهم‪ ،‬ومن هم أهل لذلك‪ ،‬وم‪::‬تى‬
‫وكيف‪ :‬تتم عملية مشاورتهم‪ :،‬كما أصبح من الصعب قيام معارضة منظمة وجادة وقادرة وهادفة‪ ،‬ب‪::‬دون تنظيم‪::‬ات‬
‫سياسية لها من اإلمكانيات والوسائل‪ :‬ما تقدر به على التعبير عن الرأي ونشره وحمايته والدفاع عنه‪ ،‬األم‪::‬ر ال‪::‬ذي‬
‫ال يتوافر حديثا ً إال في صورة األحزاب السياسية‪ ،‬المفيدة في أهدافها ومبادئها بأصول‪ :‬الشريعة اإلس‪::‬المية المتف‪::‬ق‬
‫‪ )(1‬مذهب مالك في كفارة من أفطر متعم‪::‬دا في رمض‪::‬ان على التخي‪::‬ير بين العت‪::‬ق وص‪::‬وم ش‪::‬هرين متت‪::‬ابعين وإطع‪::‬ام س‪::‬تين‬
‫مسكيناً‪ ،‬واستحب مالك اإلطعام (الكافي في فقه أهل المدينة‪ :،‬أبو عمر يوسف بن عبد هللا بن محم‪::‬د بن عب‪::‬د ال‪::‬بر بن عاص‪::‬م النم‪::‬ري‬
‫القرطبي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد محمد أحي‪:‬د ول‪:‬د مادي‪:‬ك الموريت‪:‬اني‪ ،‬مكتب‪:‬ة الري‪:‬اض الحديث‪:‬ة‪ :،‬الري‪:‬اض‪ ،‬المملك‪:‬ة العربي‪:‬ة الس‪:‬عودية‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪1400‬هـ‪1980/‬م ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪).342‬‬
‫‪ )(2‬نفح الطيب من غصن األندلس الرطيب‪ ،‬وذكر وزيرها لسان الدين بن الخطيب‪ ،‬ش‪:‬هاب ال‪:‬دين أحم‪:‬د بن محم‪::‬د المق‪:‬ري‬
‫التلمساني‪ ،‬تحقيق‪ :‬إحسان عباس‪ ،‬دار صادر‪ -‬بيروت – لبنان‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.11‬‬
‫‪ )(3‬الفكر السامي في تاريخ الفقه اإلسالمي‪ ،‬محمد بن الحس‪:‬ن بن الع‪:‬رب ّي الفاس‪:‬ي‪ ،‬دار الكتب العلمي‪:‬ة ‪-‬ب‪:‬يروت‪-‬لبن‪:‬ان‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1416‬هـ‪1995 -‬م‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.159‬‬
‫‪ )(4‬الطرق الحكمية‪ ،‬محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية‪ ،‬مكتبة‪ :‬دار البيان‪ ،‬ص‪.13‬‬
‫‪57‬‬
‫عليها)(‪)5‬‬

‫‪ )(5‬التعددية السياسية في الدولة اإلسالمية‪ ،‬صالح الصاوي‪ ،‬دار اإلعالم الدولي‪ ،‬ط‪ ،1992 ،1‬ص‪.653‬‬
‫‪58‬‬
‫خاتمة‬
‫نختم هذه الدراسة بتلخيص ألهم النت‪::‬ائج ال‪::‬تي وص‪::‬لنا إليه‪::‬ا‪ ،‬م‪::‬ع بعض التوص‪::‬يات‪ :‬ال‪::‬تي ن‪::‬رى الحاج‪::‬ة إلى‬
‫تحقيقها في واقع الفتوى‪.‬‬
‫أوال‪ :‬النتائج‪:‬‬
‫يعتبر فقه النوازل من أهم فروع‪ :‬الفقه اإلسالمي‪ ،‬لدوره الكبير في بيان أحكام الشريعة اإلسالمية المرتبط‪::‬ة بواق‪::‬ع‬
‫الحياة في جميع مجاالتها‪ ،‬فدوره هو تنزيل أحكام الشريعة على الواق‪::‬ع الحي‪::‬اتي ليص‪::‬بغه بص‪::‬بغتها‪ ،‬ويج‪::‬ري‪:‬‬
‫عليه أحكامها‪.‬‬
‫من خالل اس‪::‬تقراء من‪::‬اهج الفقه‪::‬اء في الفت‪::‬وى في الن‪::‬وازل‪ ،‬رأين‪::‬ا أن‪::‬ه يمكن تقس‪::‬يمها إلى س‪::‬تة من‪::‬اهج‪ :‬المنهج‬
‫االستداللي‪ ،‬والمنهج المذهبي‪ ،‬والمنهج المذاهبي‪ ،‬ومنهج التيسير‪ ، :‬ومنهج التشديد‪ ،‬والمنهج المقاصدي‪.‬‬
‫المنهج االستداللي‪ :‬هو المنهج الذي يعتمد أصحابه في استنباط‪ :‬األحكام الشرعية على المص‪::‬ادر‪ :‬األص‪::‬لية والتبعي‪::‬ة‬
‫من غير نظر أو اهتمام لما توصل إليه غ‪:‬يرهم من الفقه‪:‬اء من أص‪:‬حاب الم‪:‬ذاهب أو غ‪:‬يرهم‪ ،‬وهم ي‪:‬رون أن‬
‫التقيد بأقوال الفقهاء وااللتزام‪ :‬بها من غير نظر في األدلة بدعة حادثة في الملة ال يستحق صاحبها أن يوصف‬
‫بالمجتهد‪ :‬وال الفقيه‪ ،‬وال يحق له بالتالي أن يتصدر لمنصب اإلفتاء إال على سبيل النقل لقول غيره‪.‬‬
‫المنهج المذهبي في الفتوى هو المنهج الذي يعتم‪::‬د على م‪::‬ا أف‪::‬رزه التقلي‪::‬د الم‪::‬ذهبي لألئم‪:‬ة األربع‪::‬ة خصوص‪::‬ا من‬
‫ت‪::‬راث فقهي كب‪::‬ير مس جمي‪::‬ع المج‪::‬االت من كتب التفس‪::‬ير وش‪::‬روح الح‪::‬ديث‪ ،‬إلى مت‪::‬ون الفق‪::‬ه وش‪::‬روحها‪:‬‬
‫وحواشيها‪ ،‬باإلضافة إلى ما كتب في خصوص الفتوى في المتغيرات الحادثة في كل عصر مم‪::‬ا يس‪::‬مى بفق‪::‬ه‬
‫النوازل‪.‬‬
‫اقتصر‪ :‬المنهج المذهبي على أتباع المذاهب األربع‪::‬ة‪ ،‬وال‪::‬تي س‪::‬رى إليه‪::‬ا الخالف هي أيض‪::‬ا‪ ،‬فص‪::‬ار لك‪::‬ل م‪::‬ذهب‬
‫فقهاؤه الكبار الذين توزعوا على المدارس الفقهي‪::‬ة التقليدي‪::‬ة في الع‪::‬الم اإلس‪::‬المية قرون‪:‬ا‪ :‬طويل‪::‬ة‪ ،‬وق‪::‬د اختل‪::‬ف‬
‫أصحاب هذا المنهج في حكم االلتزام بهذه المذاهب بين متشدد ومتساهل‪:.‬‬
‫المنهج المذاهبي هو المنهج الذي يتم‪::‬يز أص‪::‬حابه بك‪::‬ونهم ال ي‪::‬رون ض‪::‬رورة االل‪::‬تزام بالم‪::‬ذهب الواح‪::‬د‪ ،‬وك‪::‬ونهم‬
‫يرون أن كل ما كتبه الفقهاء سواء كانوا من أتباع المذاهب األربعة أو غيرهم‪ ،‬يمكن االعتماد عليه والرج‪::‬وع‬
‫إليه‪ ،‬إما العتبارهم أن كل مجتهد في الفروع مصيب‪ ،‬أو أن المصيب واحد ولكن ال نستطيع أن نعينه‪ ،‬وبن‪::‬اء‬
‫على هذا فإن المفتي على حسب هذا المنهج يبحث في كل التراث الفقهي عن المسألة التي سئل عنه‪::‬ا‪ ،‬وي‪::‬ورد‬
‫األقوال فيها ليترك للمستفتي حرية االختيار‪ :‬بينها‪.‬‬
‫منهج التيسير‪ :‬هو المنهج الذي يعتم‪::‬د التيس‪::‬ير على المس‪::‬تفتي ب‪::‬أن يخت‪::‬ار ل‪::‬ه من أق‪::‬وال الفقه‪::‬اء أو يس‪::‬تنبط ل‪::‬ه من‬
‫النصوص مباشرة ما يراعي حاجته‪ ،‬وييسر عليه تنفيذ التكاليف‪ ،‬ولو بأدنى مراتبها‪.‬‬
‫وقعت بعض االنحرافات‪ :‬في منهج التيسير‪ ،‬وخاص‪::‬ة في أوس‪::‬اط‪ :‬العام‪::‬ة‪ ،‬ألن‪::‬ه أنش‪::‬أ نوع‪::‬ا من التح‪::‬رر من أحك‪::‬ام‬
‫الشريعة‪ ،‬وذلك عبر بعض الظ‪::‬واهر ال‪::‬تي تح‪::‬دث عنه‪::‬ا الفقه‪::‬اء‪ ،‬واختلف‪::‬وا في م‪::‬واقفهم‪ :‬منه‪::‬ا‪ ،‬وهي‪ :‬ظ‪::‬اهرة‬
‫التلفيق‪ ،‬وظاهرة تتبع الرخص‪ ،‬وظاهرة الحيل الشرعية‪.‬‬
‫منهج التشديد‪ :‬هو المنهج ال‪:‬ذي يعتم‪:‬د التش‪:‬ديد على المس‪:‬تفتي ب‪:‬أن يخت‪:‬ار ل‪:‬ه من أق‪:‬وال الفقه‪:‬اء أو يس‪:‬تنبط ل‪:‬ه من‬
‫النصوص مباشرة ما يشدد عليه تنفيذ التكاليف‪ ،‬أو يختار له أشدها وأكثرها احتياطا‪.‬‬
‫المنهج المقاصدي‪ :‬هو المنهج الذي يعتمد ما يفهمه من مقاصد الشارع في األحكام التفصيلية‪ ،‬باعتب‪::‬ار أن األحك‪::‬ام‬
‫الشرعية ليست تعبدية محضة‪ ،‬بل هي مفهومة المعنى‪.‬‬
‫استغل بعض المحدثين ممن تشربوا‪ :‬الثقافة الغربية‪ ،‬أو ت‪::‬أثروا‪ :‬به‪::‬ا‪ ،‬ولم يدرس‪::‬وا‪ :‬الش‪::‬ريعة أو يتفقه‪::‬وا فيه‪::‬ا المنهج‬
‫المقاصدي‪ ،‬وتصوروا‪ :‬أنهم بما لديهم من أفكار حديثة يستطيعون‪ :‬أن يحددوا مقاصد الش‪::‬ارع‪ ،‬ويس‪::‬تطيعوا من‬
‫خاللها أن يفتوا على أساسها‪ ،‬ومع أنه ال يمكن اعتب‪::‬ار ه‪::‬ؤالء من الفقه‪::‬اء‪ ،‬ولكن م‪::‬ع ذل‪::‬ك نج‪::‬د أن هن‪::‬اك من‬
‫يقوم بنشر آرائهم وأفكارهم تحت شعارات التجديد واإلصالح ونحو‪ :‬ذلك‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬التوصيات‪:‬‬
‫‪59‬‬
‫من خالل الكثير من المشاكل الواقعية التي تحدثها‪ :‬بعض الفتاوى‪ :‬غير المسؤولة‪ ،‬والتي ال تستند إلى علم‪ ،‬وال إلى‬
‫حكمة‪ ،‬ندعو إلى حجر الفت‪::‬وى في القض‪::‬ايا الخط‪:‬يرة إال على الجه‪::‬ات المكلف‪:‬ة ب‪::‬ذلك‪ ،‬ووض‪:‬ع‪ :‬الق‪:‬وانين ال‪::‬تي‬
‫تحول بين غير المهيئين‪ ،‬وممارسة هذه الوظيفة الخطيرة‪.‬‬
‫ضرورة مراجعة الفتاوى الموجودة‪ ،‬والتي لها تأثير في الواقع اإلسالمي‪ ،‬وبيان الحكم الش‪::‬رعي الص‪::‬حيح‪ ،‬ح‪::‬تى‬
‫ال يقع العوام ضحية للفتاوى‪ :‬الخاطئة‪.‬‬
‫ضرورة تشجيع المجامع العلمية‪ ،‬واعتبارها الهيئات الوحيدة التي يحق لها الفتوى في النوازل المعاصرة‪.‬‬
‫ضرورة العودة إلى المصادر‪ :‬األصلية باعتبارها هي أصل التشريع اإلسالمي‪ ،‬ومحاولة تنزيل م‪::‬ا ورد‪ :‬فيه‪::‬ا على‬
‫الواقع‪ ،‬مع عدم إهمال ما ورد في التراث الفقهي اإلسالمي‪ ،‬ولكن ال ينبغي أن نقدمه على المصادر األصلية‪.‬‬
‫ضرورة مراعاة المقاصد الش‪:‬رعية‪ ،‬ومحاول‪:‬ة تحقيقه‪:‬ا في الواق‪:‬ع‪ ،‬وتوض‪:‬يح المف‪:‬تي لتل‪:‬ك المقاص‪:‬د أثن‪:‬اء تبليغ‪:‬ه‬
‫للفتوى‪ ،‬ليراعي المكلف الحكم الشرعي مع مقاصده‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬
‫رتبت المراجع والمصادر التي اعتمدت عليها في هذا البحث ترتيبا ألفبائيا بحسب عنوان الكتاب‪:‬‬
‫القرآن الكريم‬
‫‪ .1‬ابن تيمية‪ ،‬أبو زهرة‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬مصر‪.1991 ،‬‬
‫‪ .2‬الفتاوى‪ ،‬النــووي‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد القـادر أحمد عطاء‪ ،‬لبنان‪ ،‬مـؤسسة الكتب الثقافية‪ ،‬ط‪.2‬‬
‫‪ .3‬المدخل الفقهي العام‪ ،‬مصطفى أحمد الزرقا‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪.1998 ،9‬‬
‫‪ .4‬تاريخ الفقه اإلسالمي‪ ،‬عمر سليمان األشقر‪ ،‬الجزائر‪ ،‬قصر‪ :‬الكتاب‪.1990 ،‬‬
‫‪ .5‬محاض‪::‬رات‪ :‬األدب‪::‬اء ومح‪::‬اورات‪ :‬الش‪::‬عراء والبلغ‪::‬اء‪ ،‬أب‪::‬و القاس‪::‬م الحس‪::‬ين بن محم‪::‬د المع‪::‬روف‪ :‬ب‪::‬الراغب‬
‫األصفهاني‪ ،‬شركة دار األرقم‪ :‬بن أبي األرقم – بيروت‪ ،‬ط‪ 1420 ، ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .6‬أصول الفقه اإلسالمي‪ ،‬د‪ .‬وهبة الزحيلي‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزي‪:‬ع‪ – :‬ب‪::‬يروت ‪ ،‬الطبع‪::‬ة األولى (‬
‫‪ 1986‬م)‪.‬‬
‫‪ .7‬اتجاهات التفسير في القرن الرابع عش‪:‬ر‪ ،‬د‪ .‬فه‪:‬د ال‪:‬رومي‪ :،‬طب‪:‬ع بإش‪:‬راف‪ :‬إدارة البح‪:‬وث العلمي‪:‬ة‪ ،‬الري‪::‬اض‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪.1407،‬‬
‫‪ .8‬اإلحاطة في أخبار غرناط‪:‬ة‪ ،‬محم‪:‬د بن عب‪:‬د هللا الغرن‪:‬اطي‪ :‬األن‪:‬دلس‪ ،‬أب‪:‬و عب‪:‬د هللا‪ ،‬الش‪:‬هير بلس‪:‬ان ال‪:‬دين ابن‬
‫الخطيب‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1424 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .9‬أحكام القرآن‪ ،‬القاضي محمد بن عبد هللا أبو بكر بن العربي المعافري‪ :‬االشبيلي الم‪:‬الكي‪ ،‬تحقي‪:‬ق‪ :‬محم‪:‬د عب‪:‬د‬
‫القادر عطا‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت – لبنان‪ ،‬ط‪ 1424 ،2‬هـ ‪ 2003 -‬م‪.‬‬
‫‪ .10‬اإلحكام في أصول األحكام‪ ،‬أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم ألندلسي القرط‪::‬بي‪ :‬الظ‪::‬اهري‪ ،‬تحقي‪::‬ق‪:‬‬
‫الشيخ أحمد محمد شاكر‪ ،‬دار اآلفاق الجديدة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ .11‬أدب الفتوى وشروط المفتي وصفة المستفتي وأحكامه وكيفية الفتوى واالستفتاء‪ ،‬ابن الصالح الشهر زوري‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬فوزي‪ :‬عبد المطلب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة الخانجي‪ ،‬ط‪.1992 ،1‬‬
‫‪ .12‬أسباب اختالف الفقهاء‪ ،‬د‪ .‬عبد هللا بن عبد المحسن التركي ‪ ،‬تقديم‪ :‬حسن بن عبد هللا آل الشيخ و عبد ال‪::‬رزاق‬
‫عفيفي ‪ ،‬مؤسسة الرسالة ‪ ،‬بيروت‪ ، :‬ط ‪ 1431 ، 3‬هـ ‪ 2010 /‬م‪.‬‬
‫‪ .13‬االستذكار‪ :،‬أبو عمر يوسف‪ :‬بن عبد هللا بن محم‪::‬د بن عب‪::‬د ال‪::‬بر بن عاص‪::‬م النم‪::‬ري القرط‪::‬بي ‪ ،‬تحقي‪::‬ق‪ :‬س‪::‬الم‬
‫محمد عطا‪ ،‬محمد علي معوض‪ ،‬دار الكتب العلمية – بيروت‪ ،‬ط‪.2000 – 1421 ،1‬‬
‫‪ .14‬االستقص‪::‬اء ألخب‪::‬ار دول المغ‪::‬رب األقص‪::‬ى‪ :،‬الناص‪::‬ري احم‪::‬د بن خال‪::‬د‪ ،‬ال‪::‬دار البيض‪::‬اء‪ ،‬دار الكت‪::‬اب‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪.1997‬‬
‫‪ .15‬أصول السرخسي‪ ،‬محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس األئمة السرخسي‪ ،‬دار المعرفة – بيروت‪.‬‬
‫‪ .16‬أصول الفقه اإلسالمي‪ ،‬محمد سالم مدكور‪ :،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫‪ .17‬أصول الفقه‪ ،‬محمد أبو زهرة‪ ،‬دار الفكر العربي‪.‬‬
‫‪ .18‬أصول الفقه‪ ،‬محمد بن مفلح ‪ ،‬أبو عبد هللا الص‪::‬الحي الحنبلي ‪ ،‬حقق‪:‬ه وعل‪::‬ق علي‪:‬ه وق‪:‬دم‪ :‬ل‪:‬ه‪ :‬ال‪:‬دكتور‪ :‬فه‪:‬د بن‬
‫محمد ال َّس َد َحان‪ ،‬مكتبة العبيكان‪ ،‬ط‪ 1420 ،1‬هـ ‪ 1999 -‬م‪.‬‬
‫‪ .19‬أصول مذهب اإلمام أحمد‪ ،‬د‪ .‬عبد هللا بن عبد المحسن التركي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ 1410 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .20‬االعتصام‪ ،‬إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي‪ :‬الشهير بالش‪::‬اطبي‪ ،‬تحقي‪::‬ق‪ :‬س‪::‬ليم بن عي‪::‬د الهاللي‪،‬‬
‫دار ابن عفان‪ ،‬السعودية‪ ،‬ط‪1412 ،1‬هـ ‪1992 -‬م‪.‬‬
‫‪ .21‬إعالم الموقعين عن رب العالمين‪ ،‬محمد بن أبي بك‪::‬ر أي‪::‬وب ابن القيم الجوزي‪::‬ة‪ ،‬تحقي‪::‬ق ‪ :‬ط‪::‬ه عب‪::‬د ال‪::‬رؤوف‬
‫سعد‪ ،‬دار الجيل ‪ -‬بيروت‪.1973 ،‬‬

‫‪61‬‬
‫‪ .22‬إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان‪ ،‬محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية‪ ،‬تحقي‪::‬ق‪ :‬محم‪::‬د حام‪::‬د الفقي‪،‬‬
‫مكتبة المعارف‪ ،‬الرياض‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪.‬‬
‫‪ .23‬أنوار البروق‪ :‬في أنواء الفروق‪ ،‬أبو العباس شهاب ال‪::‬دين أحم‪::‬د بن إدريس بن عب‪::‬د ال‪::‬رحمن الم‪::‬الكي الش‪::‬هير‬
‫بالقرافي‪ ،‬عالم الكتب‪.‬‬
‫‪ .24‬إيضاح المسالك إلى قواعد اإلمام مالك‪ ،‬أبو العباس الونشريس‪:‬ي‪ ،‬تحقي‪:‬ق‪ :‬الص‪:‬ادق الغري‪:‬اني‪ ،‬دار ابن ح‪:‬زم‪،‬‬
‫‪ 1427‬هـ‪.‬‬
‫‪ .25‬البحر الرائق شرح كنز الدقائق‪ :،‬زين الدين بن إبراهيم‪ :‬بن محمد‪ ،‬المعروف بابن نجيم المصري‪ ،‬دار الكت‪::‬اب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ط‪.2‬‬
‫‪ .26‬البحر المحيط في أصول الفقه‪ ،‬أبو عبد هللا بدر الدين محمد بن عبد هللا بن بهادر الزركشي‪ :،‬دار الكتبي‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫‪1414‬هـ ‪1994 -‬م‪.‬‬
‫‪ .27‬الب‪::‬در الط‪::‬الع بمحاس‪::‬ن من بع‪::‬د الق‪::‬رن الس‪::‬ابع‪ ،‬محم‪::‬د بن علي بن محم‪::‬د بن عب‪::‬د هللا الش‪::‬وكاني اليم‪::‬ني‪ ،‬دار‬
‫المعرفة – بيروت‪.‬‬
‫‪ .28‬بكر أبو زيد‪ ،‬فقه النوازل‪ ،‬بيروت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬
‫‪ .29‬بلوغ السول في مدخل علم األصول‪ ،‬محمد حسنين محلوف‪ ،‬مطبعة مصطفى‪ :‬الحلبي‪.‬‬
‫‪ .30‬بيان الدليل على بطالن التحليل‪ ،‬ابن تيمية‪ ،‬تحقيق‪ :‬حمدي عبد المجيد السلفي‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ .31‬بيان الدليل على بطالن التحليل‪ ،‬ابن تيمية‪ ،‬تحقيق‪ :‬حمدي عبد المجيد السلفي‪ ،‬المكتب اإلس‪::‬المي‪– 1418 ،‬‬
‫‪.1998‬‬
‫‪ .32‬تاج العروس‪ ،‬الزبيدي‪ ،‬دار الرشاد‪ ،‬الدار البيضاء‪.‬‬
‫‪ .33‬تبصرة الحكام‪ ،‬ابن فرحون‪ ،‬مكتبة الكليات األزهرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪.1986 ،1‬‬
‫‪ .34‬التحدث بنعمة هللا‪ ،‬السيوطي‪ ،‬تحقيق‪:‬إليزابيث ماري سارتين‪ ،‬المطبعة العربية الحديثة‪ ،‬مصر‪1972 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .35‬التعددية السياسية في الدولة اإلسالمية‪ ،‬صالح الصاوي‪ ،‬دار اإلعالم الدولي‪ ،‬ط‪.1992 ،1‬‬
‫‪ .36‬التفسير والمفسرون‪ ،‬الدكتور‪ :‬محمد السيد حسين الذهبي‪ ،‬مكتبة وهبة‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ .37‬التمهيد لما في الموطأ‪ :‬من المعاني واألسانيد‪ ،‬أب‪::‬و عم‪::‬ر يوس‪::‬ف بن عب‪::‬د هللا بن عب‪::‬د ال‪::‬بر بن عاص‪::‬م النم‪::‬ري‪:‬‬
‫القرطبي‪ ،‬تحقيق‪ :‬مصطفى بن أحمد العلوي ‪ ,‬محمد عبد الكبير البكري‪ ،‬وزارة عموم األوقاف‪ :‬والش‪:‬ؤون‬
‫اإلسالمية – المغرب‪ 1387 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .38‬جامع بيان العلم وفضله‪ ،‬أبو عمر يوسف عبد البر النمري القرطبي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أبي األشبال الزه‪::‬يري‪ ،‬دار ابن‬
‫الجوزي‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬ط‪ 1414 ،1‬هـ ‪ 1994 -‬م‪.‬‬
‫‪ .39‬جزيل المواهب فى اختالف المذاهب‪ ،‬عبد الرحمن بن أبي بكر‪ ،‬جالل ال‪::‬دين الس‪:‬يوطي‪ :،‬تحقي‪:‬ق‪ :‬عب‪::‬د القي‪:‬وم‬
‫محمد شفيع البستوي‪ ،‬دار االعتصام‪.‬‬
‫‪ .40‬الجواهر الثمينة في بي‪::‬ان أدل‪:‬ة ع‪:‬الم المدين‪:‬ة‪ ،‬حس‪::‬ن مش‪:‬اط‪ ،‬دراس‪::‬ة وتحقي‪::‬ق د عب‪:‬د الوه‪::‬اب بن إب‪::‬راهيم أب‪:‬و‬
‫سليمان‪ .‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫‪ .41‬حاشية العطار على شرح الجالل المحلي على جمع الجوامع‪ ،‬حس‪::‬ن بن محم‪::‬د بن محم‪::‬ود العط‪::‬ار‪ :‬الش‪::‬افعي‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪ .42‬حاشية العطار على شرح الجالل المحلي‪ ،‬حسن بن محمد بن محمود العط‪::‬ار الش‪::‬افعي‪ ،‬دار الكتب العلمي‪::‬ة –‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ .43‬حجة هللا البالغة‪ ،‬أحمد بن عبد الرحيم المعروف‪ :‬بـ «الشاه ولي هللا الدهلوي‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد سابق‪ ،‬دار الجي‪::‬ل‪،‬‬
‫بيروت – لبنان‪ ،‬ط‪ 1426 ،1‬هـ ‪2005 -‬م‪.‬‬
‫‪ .44‬خصائص التشريع اإلسالمي‪ ،‬فتحي الدريني‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط ‪ 1434 ، 2‬هـ ‪ 2013 -‬م‪.‬‬
‫‪62‬‬
‫‪ .45‬الدارس في تاريخ المدارس‪ ،‬عبد القادر النعيمي‪ ،‬حققه جعفر الحسيني‪ ،‬دمشق‪ ،‬المجمع العلمي‪.1951 ،‬‬
‫‪ .46‬ال‪::‬درر الس‪::‬نية في األجوب‪::‬ة النجدي‪::‬ة‪ ،‬علم‪::‬اء نج‪::‬د األعالم‪ ،‬تحقي‪::‬ق‪ :‬عب‪::‬د ال‪::‬رحمن بن محم‪::‬د بن قاس‪::‬م‪ ،‬ط‪،6‬‬
‫‪1417‬هـ‪1996/‬م‪.‬‬
‫‪ .47‬الرخصة الشرعية في األصول والقواعد الفقهي‪::‬ة‪ ،‬د‪ .‬عم‪::‬ر عب‪::‬د هللا الكام‪::‬ل‪ ،‬دار ابن ح‪::‬زم للطباع‪::‬ة والنش‪::‬ر‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪1999 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ .48‬رد المحتار على الدر المختار ش‪:‬رح تن‪:‬وير‪ :‬األبص‪:‬ار في فق‪:‬ه م‪:‬ذهب اإلم‪:‬ام األعظم أبي حنيف‪:‬ة النعم‪:‬ان‪ ،‬ابن‬
‫عابدين‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ .49‬الرد على من أخلد إلى االرض وجهل أن االجتهاد في ك‪:‬ل عص‪:‬ر ف‪:‬رض‪ ،‬الس‪::‬يوطي‪ ،‬تحقي‪::‬ق‪ :‬خلي‪::‬ل الميس‪،‬‬
‫دار الكتب لعلمية ‪ 1403‬هـ‪.‬‬
‫‪ .50‬روضة الطالبين وعمدة المفتين‪ ،‬محيي الدين النووي‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية‪1405 ،‬هـ‬
‫‪ .51‬سبل االستفادة من النوازل والعمل الفقهي في التطبيقات المعاصرة‪ ،‬الدكتور عبد هللا الشيخ المحف‪::‬وظ بن بي‪::‬ه‪،‬‬
‫مجلة مجمع الفقه اإلسالمي التابع لمنظمة المؤتمر اإلسالمي بجدة‪ ،‬ع‪.11‬‬
‫‪ .52‬سلسلة األحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في األمة‪ ،‬أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين األلباني‪،‬‬
‫دار المعارف‪ ،‬الرياض‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬ط‪ 1412 ،1‬هـ ‪ 1992 /‬م‪.‬‬
‫‪ .53‬سنن ابن ماجه‪ ،‬ابن ماجة أبو عبد هللا محمد بن يزي‪::‬د القزوي‪::‬ني‪ ،‬تحقي‪::‬ق‪ :‬ش‪::‬عيب األرن‪::‬ؤوط ‪ -‬ع‪::‬ادل مرش‪::‬د ‪-‬‬
‫مح َّمد كامل قره بللي ‪ -‬عَبد اللّطيف حرز هللا‪ ،‬دار الرسالة العالمية‪ ،‬ط‪ 1430 ،1‬هـ ‪ 2009 -‬م‪.‬‬
‫‪ .54‬سنن الترمذي‪ ، :‬محمد بن عيسى بن َسوْ رة الترمذي‪ ،‬تحقي‪::‬ق وتعلي‪::‬ق ‪ :‬إب‪::‬راهيم عط‪::‬وة ش‪::‬ركة مكتب‪::‬ة ومطبع‪::‬ة‬
‫مصطفى البابي الحلبي – مصر‪ ،‬ط‪ 1395 ، 2‬هـ ‪ 1975 -‬م ‪.،‬‬
‫‪ .55‬سيّر أعالم النبالء‪ ،‬الذهبي‪ ،‬حققه بشار عواد‪ ،‬بيروت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬
‫‪ .56‬شرح العقيدة األصفهانية‪ ،‬تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم ابن تيمي‪::‬ة‪ ،‬تحقي‪::‬ق‪ :‬محم‪::‬د‬
‫بن رياض األحمد‪ ،‬المكتبة العصرية – بيروت‪ ،‬ط‪1425 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .57‬شرح الكوكب المنير‪ ،‬تقي الدين أبو البق‪::‬اء محم‪::‬د بن أحم‪::‬د المع‪::‬روف‪ :‬ب‪::‬ابن النج‪::‬ار الحنبلي ‪ ،‬تحقي‪::‬ق‪ :‬محم‪::‬د‬
‫الزحيلي ونزيه حماد‪ ،‬مكتبة العبيكان‪ ،‬ط‪1418 ،2‬هـ ‪ 1997 -‬م‪.‬‬
‫‪ .58‬شرح النووي على صحيح مسلم‪ ،‬النووي‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1392 ،2‬هـ ‪.‬‬
‫‪ .59‬شرح حدود ابن عرفة‪ ،‬تحقيق محمد أبو األجفان والطاهر‪ :‬المعموري‪ :.‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬الطبع‪::‬ة األولى‪،‬‬
‫‪1993‬م‪.‬‬
‫‪ .60‬شرح عمدة الفقه (من كتاب الطهارة والحج)‪ ،‬تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية‪ ،‬تحقي‪::‬ق‪ :‬د‪.‬‬
‫سعود‪ :‬صالح العطيشان‪ ،‬مكتبة العبيكان – الرياض‪ ،‬ط‪.1413 ،1‬‬
‫‪ .61‬شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل‪ ،‬محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن‬
‫قيم الجوزية‪ ،‬تحقيق‪ :‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪1398 ،‬هـ‪1978/‬م‪.‬‬
‫‪ .62‬صحيح البخاري‪ ،‬محمد بن إسماعيل أبو عبدهللا البخاري الجعفي‪ ،‬تحقي‪::‬ق‪ :‬محم‪::‬د زه‪::‬ير بن ناص‪::‬ر الناص‪::‬ر‪،‬‬
‫دار ط‪::‬وق النج‪::‬اة (مص‪::‬ورة عن الس‪::‬لطانية بإض‪::‬افة ت‪::‬رقيم محم‪::‬د ف‪::‬ؤاد عب‪::‬د الب‪::‬اقي)‪ ،‬الطبع‪::‬ة‪ :‬األولى‪،‬‬
‫‪1422‬هـ‪.‬‬
‫‪ .63‬صحيح مسلم‪ ،‬مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري ‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد فؤاد عبد الب‪::‬اقي‪ ،‬دار إحي‪::‬اء‬
‫التراث العربي – بيروت‪.‬‬
‫‪ .64‬صفة صالة النبي‪ ،‬ناصر‪ :‬الدين األلباني‪ ،‬مكتبة المعارف‪ ،‬السعودية ‪ ،‬د ت‪.‬‬
‫‪ .65‬الضوابط‪ :‬الشرعية لبحث القضايا المعاصرة في الرسائل العلمية‪ ،‬مجموعة من الب‪::‬احثين‪ ،‬بحث مق‪::‬دم لم‪::‬ؤتمر‪:‬‬

‫‪63‬‬
‫(الدراسات العليا ودورها في خدمة المجتمع)‪ ،‬والمنعق‪::‬د بت‪::‬اريخ ‪ 19/4/2011‬في الجامع‪::‬ة اإلس‪::‬المية –‬
‫غزة‪ ،‬دت‪ ،‬دط‪.‬‬
‫‪ .66‬طبقات الشافعية الكبرى‪ ،‬السبكي‪ ،‬حققه محمد الطناجي‪ ،‬ط ‪ ،2‬الجيزة‪ ،‬دار هجر‪.1992 ،‬‬
‫‪ .67‬الطبقات الصُغرى‪ ،‬عبد الوهاب الشعراني‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد القادر أحمد عطا‪ ،‬مكتبة القاهرة‪ ،‬مصر‪1970 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .68‬طبقات الفقهاء الشافعيين‪ ،‬أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري‪ :‬ثم الدمشقي‪ ،‬تحقيق‪ :‬د أحم‪::‬د‬
‫عمر هاشم‪ ،‬د محمد زينهم محمد عزب‪ ،‬مكتبة الثقافة الدينية‪ 1413 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .69‬الطرق‪ :‬الحكمية‪ ،‬محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية‪ ،‬مكتبة دار البيان‪.‬‬
‫‪ .70‬العبر‪ ،‬الذهبي‪ ،‬حققه صالح الدين المنجد‪ ،‬الكويت‪ ،‬مطبعة حكومة الكويت‪ ،‬ط‪.1984 ،2‬‬
‫‪ .71‬عقد الجيد في أحكام االجتهاد والتقليد‪ ،‬أحمد بن عبد الرحيم المعروف‪ :‬بـالشاه ولي هللا الدهلوي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محب‬
‫الدين الخطيب‪ ،‬المطبعة السلفية ‪ -‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ .72‬علم أصول الفقه وخالصة تاريخ التشريع‪ ،‬عبد الوهاب خالف‪ ،‬مطبعة المدني ‪ ،‬المؤسسة السعودية بمصر‪.‬‬
‫‪ .73‬العواصم‪ :‬والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم‪ ،‬ابن الوزير‪ ،‬محمد بن إبراهيم‪ ،‬تحقي‪::‬ق‪ :‬ش‪::‬عيب األرن‪::‬ؤوط‪،‬‬
‫مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر‪ :‬والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ 1415 ،3‬هـ ‪ 1994 -‬م‪.‬‬
‫‪ .74‬الفتاوى الكبرى‪ ،‬أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي الشافعي‪ ،‬منشورات‪ :‬المكتبة اإلس‪::‬المية‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص‬
‫‪. 289‬‬
‫‪ .75‬الفتاوى الكبرى‪ ،‬تقي الدين أبو العباس أحمد بن عب‪::‬د الحليم ابن تيمي‪::‬ة‪ ،‬دار الكتب العلمي‪::‬ة‪ ،‬ط‪1408 :،1‬هـ ‪-‬‬
‫‪1987‬م‪.‬‬
‫‪ .76‬الفتاوى‪ ،‬الشاطبي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد أبو األجفان‪ ،‬مطبعة االتحاد العام التـونسي‪ ، :‬تونس‪ ،‬ط‪.1984 ،1‬‬
‫‪ .77‬فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب اإلمام مالك‪ ،‬محمد بن أحمد بن محم‪::‬د عليش‪ ،‬أب‪::‬و عب‪::‬د هللا الم‪::‬الكي‪،‬‬
‫دار المعرفة‪.‬‬
‫‪ .78‬فتح القدير‪ ،‬كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي المعروف‪ :‬بابن الهمام‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪ .79‬الفروق‪ ،‬القرافي‪ ،‬بيروت‪ ،‬عالم الكتب‪.‬‬
‫‪ .80‬الفكر السامي في تاريخ الفقه اإلسالمي‪ ،‬محم‪::‬د بن الحس‪::‬ن بن الع‪::‬رب ّي الفاس‪::‬ي‪ ،‬دار الكتب العلمي‪::‬ة ‪-‬ب‪::‬يروت‪-‬‬
‫لبنان‪ ،‬ط‪1416 ،1‬هـ‪1995 -‬م‪.‬‬
‫‪ .81‬الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني‪ ،‬أحمد بن غانم (أو غنيم) بن سالم ابن مهن‪::‬ا‪ ،‬ش‪::‬هاب ال‪::‬دين‬
‫النفراوي األزهري‪ :‬المالكي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دط‪1415 ،‬هـ ‪1995 -‬م‪.‬‬
‫‪ .82‬فيض القدير‪ ،‬المناوي‪ ،‬المكتبة التجارية الكبرى‪ ،‬مصر‪.1356 ،‬‬
‫‪ .83‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عب‪::‬د الس‪::‬الم‪ ،‬راجع‪::‬ه وعل‪::‬ق علي‪::‬ه‪ :‬ط‪::‬ه‬
‫عبد الرؤوف سعد‪ ،‬مكتبة الكليات األزهرية ‪ -‬القاهرة‪ 1414 ،‬هـ ‪ 1991 -‬م ‪.‬‬
‫‪ .84‬الكافي في فقه أهل المدينة‪ ،‬أبو عمر يوسف بن عبد هللا بن محمد بن عب‪::‬د ال‪::‬بر بن عاص‪::‬م النم‪::‬ري القرط‪::‬بي‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬محمد محمد أحيد ول‪::‬د مادي‪::‬ك الموريت‪::‬اني‪ ،‬مكتب‪::‬ة الري‪::‬اض الحديث‪::‬ة‪ ،‬الري‪::‬اض‪ ،‬المملك‪::‬ة العربي‪::‬ة‬
‫السعودية‪ ،‬ط‪1400 ،2‬هـ‪1980/‬م‪.‬‬
‫‪ .85‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ابن األثير‪ ،‬حققه عبد هللا القاضي‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪.1995 ،‬‬
‫‪ .86‬كتاب التعريفات‪ ،‬علي بن محمد بن علي الزين الشريف‪ :‬الجرجاني‪ ،‬دار الكتب العلمية ب‪::‬يروت‪– :‬لبن‪::‬ان‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1403‬هـ ‪1983-‬م‪.‬‬
‫‪ .87‬الكتاب المصنف في األحاديث واآلثار‪ :،‬أبو بكر بن أبي شيبة‪ ،‬تحقيق‪ :‬كمال يوس‪:‬ف الح‪:‬وت‪ ،‬مكتب‪:‬ة الرش‪:‬د –‬
‫الرياض‪ ،‬ط‪.1409 ،1‬‬
‫‪ .88‬كتاب الميزان‪ ،‬أبو المواهب عبد الوهاب بن أحم‪::‬د الش‪::‬عراني‪ ،‬تحقي‪::‬ق‪ :‬ال‪::‬دكتور‪ :‬عب‪::‬د ال‪::‬رحمن عم‪::‬يره‪ ،‬ع‪::‬الم‬

‫‪64‬‬
‫الكتب‪ ،‬ط‪1409 ،1‬هـ ‪1989 -‬م‪.‬‬
‫‪ .89‬الكشف عن مجاوزة هذ ِه األمة األلف‪ ،‬مطبوعة ضمن الحاوي للفتاوي‪ ،‬جالل الدين عب‪::‬د ال‪::‬رحمن الس‪::‬يوطي‪،‬‬
‫دار الفكر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ .90‬لسان العرب‪ ،‬ابن منظور‪ :،‬دار صادر‪ – :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ .91‬المبسوط‪ :،‬محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس األئمة السرخسي ‪ ،‬دار المعرفة – بيروت‪1414 ،‬هـ ‪1993 -‬م‪.‬‬
‫‪ .92‬مجموع الفتاوى‪ ،‬تقي الدين أبو العب‪::‬اس أحم‪::‬د بن عب‪::‬د الحليم بن تيمي‪::‬ة ‪ ،‬تحقي‪::‬ق‪ :‬عب‪::‬د ال‪::‬رحمن بن محم‪::‬د بن‬
‫قاسم‪ ،‬مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف‪ ،‬المدينة النبوية‪ ،‬المملكة العربية الس‪::‬عودية‪1416 ،‬هـ‪/‬‬
‫‪1995‬م‪.‬‬
‫‪ .93‬المجموع شرح المهذب (مع تكملة السبكي والمطيعي)‪ ،‬أبو زكريا محيي الدين يحيى بن ش‪::‬رف الن‪::‬ووي‪ ،‬دار‬
‫الفكر‪.‬‬
‫‪ .94‬المستصفى‪ :‬في علم األصول‪ ،‬أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محم‪::‬د بن س‪::‬ليمان األش‪::‬قر‪،‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪1417 ،‬هـ‪1997/‬م‪.‬‬
‫‪ .95‬مسند اإلمام أحمد بن حنبل‪ ،‬أبو عبد هللا أحمد بن محمد بن حنبل‪ ،‬تحقي‪::‬ق‪ :‬ش‪::‬عيب األرن‪::‬ؤوط‪ - :‬ع‪::‬ادل مرش‪::‬د‪،‬‬
‫وآخرون‪ ،‬إشراف‪ :‬د عبد هللا بن عبد المحسن التركي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪ 1421 ،1‬هـ ‪ 2001 -‬م‪.‬‬
‫‪ .96‬مسند الدارمي المعروف بسنن الدارمي‪ ،‬أبو محمد عب‪::‬د هللا بن عب‪::‬د ال‪::‬رحمن ال‪::‬دارمي‪ ،‬التميمي الس‪::‬مرقندي‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬نبيل هاشم الغمري‪ ،‬دار البشائر (بيروت)‪ ،‬ط‪1434 ،1‬هـ ‪2013 -‬م‪.‬‬
‫‪ .97‬معجم البلدان‪ ،‬شهاب الدين أبو عبد هللا ياقوت‪ :‬بن عبد هللا لرومي‪ :‬الحموي‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1995 :،2‬‬
‫م‪.‬‬
‫‪ .98‬المعجم الكبير‪ ،‬سليمان بن أحمد ‪ ،‬أبو القاس‪::‬م الط‪::‬براني‪ :،‬تحقي‪::‬ق‪ :‬حم‪::‬دي بن عب‪::‬د المجي‪::‬د الس‪::‬لفي‪ ،‬مكتب‪::‬ة ابن‬
‫تيمية – القاهرة‪ ،‬ط‪.2‬‬
‫‪ .99‬معجم لغة الفقهاء‪ ،‬محمد رواس قلعجي وحامد صادق قني‪::‬بي‪ ،‬دار النف‪::‬ائس للطباع‪::‬ة والنش‪:‬ر‪ :‬والتوزي‪::‬ع‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪ 1408‬هـ‪.‬‬
‫‪ .10‬من أص‪::‬ول الفق‪::‬ه على منهج أه‪::‬ل الح‪::‬ديث‪ ،‬زكري‪::‬ا بن غالم ق‪::‬ادر الباكس‪::‬تاني‪ ،‬دار الخ‪::‬راز‪ ،‬الطبع‪::‬ة االولى‬
‫‪1423‬هـ‪2002-‬م‪.‬‬
‫‪ .10‬المنثور‪ :‬في القواعد الفقهية‪ ،‬أب‪:‬و عب‪:‬د هللا ب‪::‬در ال‪:‬دين الزركش‪::‬ي‪ ،‬وزارة األوق‪:‬اف الكويتي‪::‬ة‪ ،‬ط‪1405 :،2‬هـ ‪-‬‬
‫‪1985‬م‪.‬‬
‫‪ .10‬المواعظ واالعتبار بذكر الخطط واآلثار‪ ،‬أحمد بن علي‪ ،‬تقي ال‪:‬دين المقري‪:‬زي‪ ،‬دار الكتب العلمي‪:‬ة‪ ،‬ب‪:‬يروت‪،‬‬
‫ط‪ 1418 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .10‬الموافقات‪ ،‬إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي‪ :‬الشهير بالش‪::‬اطبي‪ ،‬تحقي‪::‬ق‪ :‬أب‪::‬و عبي‪::‬دة مش‪::‬هور بن‬
‫حسن آل سلمان‪ ،‬دار ابن عفان‪ ،‬ط‪1417 ،1‬هـ‪1997 /‬م‪.‬‬
‫‪ .10‬مواهب الجليل‪ ،‬الحطاب‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ط‪.1992 ،3‬‬
‫‪ .10‬الموسوعة الفقهية الكويتية‪ ،‬وزارة األوقاف والشئون اإلسالمية – الكويت‪ ،‬دارالسالسل ‪ -‬الكويت ‪- 1404 ،‬‬
‫‪ 1427‬هـ‪.‬‬
‫‪ .10‬الموطأ‪ ،‬مالك بن أنس بن مالك بن عامر األصبحي المدني‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد مصطفى األعظمي‪ ،‬مؤسس‪::‬ة زاي‪::‬د‬
‫بن سلطان آل نهيان لألعمال الخيرية واإلنسانية ‪ -‬أبو ظبي – اإلمارات‪ ،‬ط‪ 1425 ،1‬هـ ‪ 2004 -‬م‪.‬‬
‫‪ .10‬نفح الطيب من غصن األندلس الرطيب‪ ،‬وذكر وزيرها‪ :‬لسان الدين بن الخطيب‪ ،‬شهاب الدين أحمد بن محم‪::‬د‬
‫المقري التلمساني‪ ،‬تحقيق‪ :‬إحسان عباس‪ ،‬دار صادر‪ -‬بيروت – لبنان‪.‬‬
‫‪ .10‬التخريج المذهبي أصـوله ومناهجـه‪ ،‬نوار بن الشلي‪ ،‬الرباط‪1997،‬‬
‫‪65‬‬
‫‪ .10‬نيل األوطار‪ ،‬محمد بن علي بن محمد بن عبد هللا الش‪::‬وكاني‪ :‬اليم‪::‬ني‪ ،‬تحقي‪::‬ق‪ :‬عص‪::‬ام ال‪::‬دين الص‪::‬بابطي‪ ،‬دار‬
‫الحديث‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪1413 ،1‬هـ ‪1993 -‬م‪.‬‬
‫‪ .11‬سنن الترمذي‪ ،‬محمد بن عيسى بن َسوْ رة ‪ ،‬الترمذي‪ ،‬أبو عيسى‪ ،‬تحقيق وتعليق‪ :‬أحم‪::‬د محم‪::‬د ش‪::‬اكر ومحم‪::‬د‬
‫فؤاد‪ :‬عبد الباقي‪ ،‬شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪ 1395 ، 2‬هـ ‪ 1975 -‬م‪.‬‬
‫‪ .11‬وفيات األعيان‪ ،‬ابن خلكان‪ ،‬حققه إحسان عباس‪ ،‬دار الثقافة‪.1968 ،‬‬
‫‪ .11‬يعقوب بن عبد الوهاب الباحسين‪ ،‬التخريج عند الفقهاء واألصوليين‪ ،‬الرياض‪ ،‬مكتبة الرشاد‪1414،‬هـ‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫هذا الكتاب‬
‫يعتبر فقه النوازل من أهم فروع الفقه اإلسالمي‪ ،‬لدوره الكبير في بيان أحكام الشريعة اإلسالمية المرتبط‪::‬ة‬
‫بواقع الحياة في جميع مجاالتها‪ ،‬فدوره هو تنزيل أحكام الشريعة على الواقع الحياتي ليصبغه بص‪::‬بغتها‪ :،‬ويج‪::‬ري‪:‬‬
‫عليه أحكامها‪.‬‬
‫انطالقا من هذا‪ ،‬حاولنا استقراء مناهج الفقهاء في الفتوى في النوازل‪ ،‬وقد رأينا أنه يمكن تقسيمها إلى ستة‬
‫مناهج‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ المنهج االستداللي‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ المنهج المذهبي‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ المنهج المذاهبي‪.‬‬
‫‪ 4‬ــ منهج التيسير‪.‬‬
‫‪ 5‬ــ منهج التشديد‪.‬‬
‫‪ 6‬ــ المنهج المقاصدي‪.‬‬
‫وقد حاولنا في هذه الدراسة أن نبين ‪ -‬باختصار‪ -‬الخصائص التي يتم‪::‬يز به‪::‬ا ك‪::‬ل منهج‪ ،‬م‪::‬ع األعالم ال‪::‬ذين‬
‫تبنوه‪ ،‬واآلليات التنفيذية المرتبطة بتحقيق المنهج في الواقع‪.‬‬

‫‪67‬‬

You might also like