Professional Documents
Culture Documents
النوازل الفقهية ومناهج الفقهاء في التعامل معها
النوازل الفقهية ومناهج الفقهاء في التعامل معها
هذا الكتاب
يعتبر فقه النوازل من أهم ف روع الفق ه اإلس المي ،ل دوره الكب ير
في بيان أحك ام الش ريعة اإلس المية المرتبط ة بواق ع الحي اة في جمي ع
مجاالتها ،فدوره هو تنزيل أحكام الشريعة على الواقع الحياتي ليص بغه
بصبغتها ،ويجري عليه أحكامها.
انطالقا من هذا ،حاولن ا اس تقراء من اهج الفقه اء في الفت وى في
النوازل ،وقد رأينا أنه يمكن تقسيمها إلى ستة مناهج:
1ــ المنهج االستداللي.
2ــ المنهج المذهبي.
3ــ المنهج المذاهبي.
4ــ منهج التيسير.
5ــ منهج التشديد.
6ــ المنهج المقاصدي.
وقد حاولنا في هذه الدراسة أن نبين -باختصار -الخصائص التي
يتم يز به ا ك ل منهج ،م ع األعالم ال ذين تبن وه ،واآللي ات التنفيذي ة
المرتبطة بتحقيق المنهج في الواقع.
1
أحكام وحكم
()1
النوازل الفقهية
الطبعة الثانية
2015 – 1436
2
المقدمة
يعتبر فقه النوازل من أهم فروع الفقه اإلسالمي ،لدوره الكبير في بيان أحكام الشريعة اإلسالمية المرتبط::ة
بواقع الحياة في جميع مجاالتها ،فدوره هو تنزيل أحكام الشريعة على الواقع الحياتي ليصبغه بص::بغتها :،ويج::ري:
عليه أحكامها.
وهو لذلك المحك ال:ذي تع:رف من خالل:ه واقعي::ة الش:ريعة اإلس:المية وم:دى :مراعاته:ا ألح:وال المكلفين،
ومدى :انسجامها مع طبيعة البيئة الزمانية والمكانية الحادثة.
ويعتبر كذلك ،وبدرجة أهم ،هو المنهج الذي من خالله يستطيع :الفقيه أن يجعل الشريعة هي الحاكم في ك::ل
شؤون الحياة ،بالبحث عن األحكام والبدائل المتناسبة مع القيم التي جاءت الشريعة لتحقيقه:ا ،ول::ذلك ال يق:ف فقي:ه
النوازل منتظرا :أن يستفتى فيفتي ،بل يبادر فيبحث عن األحكام ،ويبحث في نفس الوقت عن الب::دائل الش::رعية في
حال الحاجة إليها.
ولهذه األهمية الكبيرة ،فإن تحصيل ملكة االجتهاد في:ه يتطلب – قب:ل ك:ل ش:يء -معرف:ة منهج البحث في:ه
خطوة خطوة ،حتى ال يقع الباحث فيما حذر من::ه الق::رآن الك::ريم من الفت::وى بغ::ير علم ،أو الك::ذب على هللا وعلى
ب هَ َذا َحاَل ٌل َوهَ َذا َح َرا ٌم لِتَ ْفتَرُوا َعلَى هَّللا ِ ْال َك ِذ َ
ب إِ َّن صفُ أَ ْل ِسنَتُ ُك ُ:م ْال َك ِذ َ
رسوله ،كما قال تعالىَ ﴿ :واَل تَقُولُوا لِ َما تَ ِ
ب اَل ي ُ ْفلِحُونَ ﴾()1الَّ ِذينَ يَ ْفتَرُونَ َعلَى هَّللا ِ ْال َك ِذ َ
وقال ( :إن هللا ال يقبض العلم انتزاعا ينتزع::ه من العب::اد ،ولكن يقبض العلم بقبض العلم::اء ،ح::تى إذا لم
يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا :جهاال ،فسئلوا :فأفتوا :بغير علم ،فضلوا :وأضلوا)()2
وقد حصل في الواقع بعض ما ذك:ره رس:ول هللا من تص:دي بعض من لم تت::وفر :فيهم الق:درات العلمي:ة
الكافية على الفتوى في مسائل خطيرة ،بناء على اجتهادات لم تستكمل أدواتها ،فشوهوا بذلك شريعة هللا الس::محة،
المبنية على العلم والحكمة والعدل والرحمة.
وقد أتاحت تلك الفتاوى :الشاذة الفرصة للعلمانيين والالدينيين للسخرية من الشريعة الربانية ،واستعمال هذه
الفتاوى ذريعة لذلك ،دون تفريق بين ما هو رباني في الشريعة ،وبين ما هو اجتهاد بشري :يقبل الخطأ والصواب:.
وقد رأينا أن السبب األكبر فيما نراه في واقع الفتوى هو المنهج الذي يعتمده الفقهاء والمفت:ون على الس:احة
اإلسالمية ،فالمنهج هو األصل الذي يعتمد علي::ه المف::تي ،وال يمكن أن ن::رقى ب::الفتوى في الن::وازل م::ا لم نتع::رف
على المنهج الصحيح الذي طلبت الشريعة التزامه.
انطالقا من هذا ،حاولنا استقراء مناهج الفقهاء في الفتوى في النوازل ،وقد رأينا أنه يمكن تقسيمها إلى ستة
مناهج:
1ــ المنهج االستداللي.
2ــ المنهج المذهبي.
3ــ المنهج المذاهبي.
4ــ منهج التيسير.
5ــ منهج التشديد.
6ــ المنهج المقاصدي.
4
التمهيد
مفهوم فقه النوازل وأهميته
أوال ـ مفهوم فقه النوازل:
لغة :النوازل على وزن فواعــل من :نزل ينزل نزوال فهي نازل::ة ،ج::اء في لس::ان الع::رب :ن::زل :ال::نزول:
الحلول ،وقد نزلهم ،ونزل عليهم ،ونزل بهم ،ينزل نزوالً :و َم ْنزَ الً و َم ْن ِزالً ،والنازلة :الشديدة تنزل بالقوم ،وجمعها
النوازل(.)1
اصطالحا :بما أن فقه الن::وازل لم يكن باب::ا من أب::واب الفق::ه المعتم::دة ،وإنم::ا ك::ان ض::من المب::احث الفقهي::ة
المختلفة ،ولهذا ال نجد له في تراثنا الفقهي تعريفا خاصا دقيقا مثلما نجد ذلك في س:ائر :المس:ائل واألب:واب ،وله::ذا
نذكر هنا بعض ما ذكره العلماء مما يمكن أن يستنتج من خالله تصورهم :له:
فقد عرفه معجم لغة الفقهاء بأنه( :الحادثة التي تحتاج إلى حكم شرعي)(.)2
وعرفه الشيخ بكر أب::و زي::د بأن::ه (الوق::ائع :والمس::ائل المس::تجدة ،والحادث::ة المش::هورة بلس::ان العص::ر باس::م
النظريات والظواهر)()3
ولعل إطالق النازلة على المسألة الواقعة يرجع إما لمالحظ::ة مع::نى الش::دة لم::ا يعاني::ه الفقي:ه في اس::تخراج
حكم هذه النازلة ،ولذا كان السلف يتحرجون من الفتوى ويسألون هل نزلت؟
(
أو أنها سميت نازلة لمالحظة معنى الحلول ،فهي مسألة نازلة يجهل حكمها تحل بالفرد أو الجماعة (.)4
ثانيا ـ مصطلحات أخرى:
من المصطلحات التي تطلق على هذا النوع من األحكام الفقهية:
الفتاوى:
وهي أشهر المصطلحات وأقدمها وأفضلها ،فقد ذكر في القرآن الكريم :في مواضع :مختلفة منها قوله تعالى:
ن﴾()5َك فِي النِّ َسا ِء قُ ِل هَّللا ُ يُ ْفتِي ُك ْم فِي ِه َّ
﴿ َويَ ْستَ ْفتُون َ:
وقد عرفه الحطاب من المالكية بقـوله( :هي اإلخبار بحكم شـرعي ال على وجه اإللـزام)()6
وعرّفه القرافي عند بيانه الفـرق بين الفتوى وبين الحكم فقال( :فأم::ا الفتـوى فهـي إخبـار عـن هللا تع::الى
وبيان ذلك أن المفتي مع هللا كالمترجم مع القاضي)()7
والعالقة بينها وبين فقه النوازل عالقة عم::وم وخص::وص ،ف::الفتوى :أعم من فق::ه الن::وازل ،ذل::ك أن المف::تي
يتعرض لكل المس:ائل س:واء م:ا ك:ان منه:ا حادث:ا أو م:ا لم يكن ،وله:ذا نج:د من أهم مص:ادر فق:ه الن:وازل الكتب
المختص::ة بالفت::اوى كفت::اوى :ابن تيمي::ة ،والفت::اوى :الهندي::ة ،وفت::اوى :ابن حج::ر الهيثمي ،وفت::اوى الش::يخ عليش،
وغيرها كثير.
المسائل ،أو األسئلة:
ك ع َِن اأْل َ ِهلَّ ِة قُ:لْ ِه َي
وهي مثل الفتاوى ،وقد :ذكرت في القرآن الكريم ك:ذلك كث:يرا كقول:ه تع:الى ﴿ :يَ ْس:أَلُونَ َ
7
المبحث األول
المنهج االستداللي
يمكن تعريف المنهج االستداللي :بما عرف به العلماء الفقه نفسه ،وهو أنه (العلم باألحكام الش::رعية العملي::ة
المكتسبة من أدلتها التفصيلية ،أو هو مجموعة من األحكام الشرعية العلمية المستفادة من أدلتها التفصيلية)()1
ففي هذا التعريف نالح::ظ أن األحك::ام الش::رعية تس::تنبط :من األدل::ة التفص::يلية ،وهي األدل::ة المس::تنبطة من
المصادر :الكبرى للتشريع اإلسالمي من الكتاب والسنة واإلجماع والقياس وغيرها.
يق::ول ال::دهلوي( :حقيق::ة االجته::اد -على م::ا يفهم من كالم العلم::اء -اس::تفراغ الجه::د في إدراك األحك::ام
الشرعية الفرعية من أدلتها التفصيلية الراجعة كلياتها إلى أربعة أقس::ام :الكت::اب والس::نة واإلجم::اع :والقي::اس ويفهم
من هذا أنه أعم من أن يكون استفراغا في إدراك حكم ما سبق التكلم فيه من العلماء السابقين أو ال وافقهم :في ذل::ك
أو خالف )()2
ولذلك فإن هذا المنهج يعتمد أصحابه في استنباط األحكام الش:رعية على تل::ك المص::ادر األص::لية والتبعي::ة
من غير نظر أو اهتمام لما توصل إليه غيرهم من الفقهاء من أص::حاب الم::ذاهب أو غ::يرهم ،ب::ل يعت::برون :التقي::د
بأقوال :الفقهاء وااللتزام :بها من غير نظر في األدلة بدعة حادثة في الملة ال يستحق :صاحبها أن يوصف بالمجته::د
وال الفقيه ،وال يحق له بالتالي أن يتصدر :لمنصب اإلفتاء إال على سبيل النقل لقول غيره.
وأصحاب هذا المنهج إذا عرضت لهم حادثة يبدؤون أوال بالنظر :فيما ورد حولها في المصدرين األساسيين
للدين من الكتاب والسنة.
وربما يكون هذا هو موضع :االتفاق الوحيد بينهم ( ،)3ذلك أن لكل منهم بعد ذلك مصادره الخاصة به ،والتي
يؤسس عليها رؤيته لالستنباط :من مصادر :الشريعة.
ويبدأ الخالف من اعتبار اإلجماع أو عدم اعتب::اره ،وفي :ح::ال اعتب::اره يحص::ل الخالف الطوي::ل أيض::ا في
كون المسألة التي ادعي فيها االجماع مجمع عليها حقيقة أم ال ،فال يهم أصحاب هذا المنهج أن يقفوا م::ع جم::اهير:
الفقهاء أو يخالفوهم ،ألن العبرة عندهم بالدليل ،ال بكثرة الفقهاء أو قلتهم. )4( :
ثم يتسلسل الخالف بعد ذلك في اعتبار ما يطلق عليه باألدلة المختلف فيه::ا كاالستحس::ان وش::رع من قبلن::ا،
وغيرها ،فإن أداهم االجتهاد إلى صحة شيء منها أفتوا به ،وإن تعارضت عندهم األدلة ف::إنهم :يفت::ون بم::ا ي::ترجح
لديهم منها.
وهذا المنهج ينتقد بشدة سائر المناهج ،وخاص::ة المن::اهج ال::تي تعتم::د التقلي::د ،أو تعتم::د ال::رأي المج::رد ،أو
تعتمد أحوال المكلفين من التيسير :والتشديد ومراعاة المصالح ونحو ذلك ،ألنها تعت::بر أن األص::ل في الفت::وى ه::و
اإلخبار عن مراد هللا من عباده ،وهذا المراد ال يمكن التعرف عليه إال من المصادر األصلية أو ما انبنى عليها.
انطالقا من هذه الخالصة المختصرة للرؤية العامة ألصحاب هذا المنهج ،نحاول هنا باختصار أن نتع::رف
على كبار ممثليه من أعالم الفقه::اء ،ثم على األدل::ة ال::تي يعتم::دون عليه::ا في التأس::يس لمنهجهم ،ثم على اآللي::ات
العملية التي يعتمدونها :في الفتوى.
أوال ـ أعالمه:
)(1علم أصول الفقه وخالصة تاريخ التشريع ،عبد الوهاب خالف ،مطبعة المدني ،المؤسسة السعودية بمصر ،ص.13
)(2عقد الجيد في أحكام االجتهاد والتقليد ،أحمد بن عبد الرحيم المعروف بـ «الشاه ولي هللا الدهلوي» ،تحقيق :محب ال::دين
الخطيب ،المطبعة السلفية -القاهرة (ص.)3 :
)(3بل هم يختلفون أيضا في هذا من حيث آليات االستنباط كم::ا ه:و مع:روف في مظان::ه من كتب أص:ول الفق:ه ،وكم:ا ذك:ر
العلماء ذلك بتفصيل في الكتب التي بينت أسباب خالف الفقه::اء ،ومن أهمه::ا :أس::باب اختالف الفقه::اء ،د .عب::د هللا بن عب::د المحس::ن
التركي ،تقديم :حسن بن عبد هللا آل الشيخ وعبد الرزاق عفيفي ،مؤسسة الرسالة ،بيروت ،ط 1431 ،3هـ 2010 /م.
)(4انظر تفاصيل الخالفات الواردة حول اإلجماع في كتب أصول الفقه ،وكمث:ال على ذل:ك :أص:ول الفق:ه ،محم:د بن مفلح،
أبو عبد هللا الصالحي الحنبلي (المتوفى763 :هـ) ،حققه وعلق عليه وقدم له :الدكتور فهد بن محمد َّ
الس:د ََحان ،مكتب::ة العبيك::ان ،ط،1
1420هـ 1999 -م ،ج ،2ص ،366فما بعدها.
8
ليس من الصعب التعرف على العلماء الذين يتبنون هذا المنهج ،ذلك أنهم جميعا كتبوا أو صرحوا بم::ا ي::دل
على ضرورة العودة إلى االجتهاد وعدم غلق بابه ،وعلى النهي عن التقليد وخاصة إذا تعارض التقليد م::ع النص،
ولكنا مع ذلك نذكر كبار من يتبنون هذا المنهج ابتداء من العصر األول إلى عصرنا:
أوال ـ أعالم القرون الفاضلة األولى من الصحابة والتابعين وت::ابعيهم وأئم::ة الم::ذاهب الفقهي::ة وغ::يرهم من
الفقهاء الذين لم يكن لهم من التالميذ من ينشر آراءهم ومذاهبهم ،ف::أبو :حنيف::ة ك::ان يق::ول( :إذا ص::ح الح::ديث فه::و
مذهبي) ()1
واإلمام أحمد كان يقول( :ال تقلدني وال تقلد مالكا وال الثوري :وال األوزاعي وخذ من حيث أخذوا) ()2
والشافعي :كان يقول( :إذا صح الحديث فاضربوا :بقولي الحائط ،وإذا رأيت الحجة موضوعة على الطري::ق
فهي قولي)(.)3
وقال الم::زني ص::احب الش::افعي في أول مختص::ره( :اختص::رت ه::ذا من علم الش::افعي ،ومن مع::نى قول::ه،
ألقربه على من أراده ،مع إعالمية نهيه عن تقليده وتقليد غيره ،لينظر :فيه لدينه ويحتاط فيه لنفسه)()4
أما ابن حزم ،وهو من أكبر أعالم المذهب الظاهري ،فقد كان من كبار المتشددين على المقل::دين ،وخاص::ة
مقلدي المذاهب األربعة ،وحصلت بينه وبينهم :مناظرات ،بل حصلت له بسبب ذلك محنة(.)5
وقد عاتب في كتابه (اإلحكام في أصول األحكام) المقل::دين ألئم::ة الم::ذاهب عتاب::ا ش::ديدا ،وعن::دما وص::لت
نوبة الحديث إلى الظاهرية ،قال ( :وأما أصحاب الظاهر فهم أبعد الناس من التقليد ،فمن قلد أح:دا مم:ا ي:دعي أن:ه
منهم فليس منهم ،ولم يعصم أحد من الخطأ ،وإنما يالم من اتبع قوال ال حجة عنده به ،وألوم من هذا من اتبع ق::وال
وضح البرهان على بطالنه ،فتمادى :ولج في غي:ه ،وباهلل تع::الى التوفي::ق ،وأل::وم من ه:ذين وأعظم جرم::ا من يقيم
على قول يقر أنه حرام ،وهم المقلدون الذين يقلدون ويقرون أن التقليد حرام ،ويتركون أوام:ر الن:بي ويق:رون
أنها صحاح ،وأنها حق ،فمن أضل من هؤالء ،نعوذ باهلل من الخذالن ونسأله الهدى والعص:مة فك::ل ش::يء بي::ده ال
إله إال هو) ()6
ثانيا -بعض أتباع المذاهب األربعة وغيرهم من الذين لم يمنعهم :انتماؤهم في الظاهر لمذاهبهم عن التش::دد
مع المقلدين ،ذلك أن اتباعهم للمذاهب ليس على سبيل التقليد ،وإنما على سبيل االتباع.
ومن األمثلة على ذلك ابن عبد البر المالكي (ت 364ه) ،وهو من كبار المتشددين على المقل::دين ،وإن ك::ان
مالكي الم::ذهب ،وق:د ض::من رأي::ه في التقلي::د قص::يدة في كتاب:ه (ج:امع بي:ان العلم وفض:له وم::ا ينبغي في روايت:ه
وحمله) جاء فيها:
)(1ابن عابدين ،رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير األبصار في فقه مذهب اإلم::ام األعظم أبي حنيف::ة النعم::ان ،دار
إحياء التراث العربي ،بيروت ،ج1ص.64
)(2محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد هللا ابن القيم الجوزي:ة ،إعالم الم:وقعين عن رب الع:المين ،تحقي:ق :ط:ه عب::د
الرؤوف سعد ،دار الجيل -بيروت ،1973 ،ج ،2ص.201
)(3المرجع السابق ،ج ،2ص .421
)(4نقال عن :الدرر السنية في األجوبة النجدية ،علماء نجد األعالم ،تحقيق :عبد الرحمن بن محمد بن قاسم ،ط 1417 ،6هـ/
1996م ،ج ،5ص .297
)(5يقول ابن حيان واصفا المحنة التي تع::رض له::ا ابن ح::زم( :اس::تهدف إلى فقه::اء وقت::ه ،فت::ألّبوا على بغض::ه ،ور ّد قول::ه،
وأجمعوا على تضليله ،وشنّعوا عليه ،وح:ّ :ذروا س::الطينهم من فتنت::ه ،ونه::وا أع::وامهم عن ال::دن ّو إلي::ه ،واألخ::ذ عن::ه ،فطف::ق المل::وك
يقصونه عن قربهم ،ويسيّرونه عن بالدهم ،إلى أن انتهوا به ،منقطع أثره بتربة بلده من بادي::ة لبل::ة ،وبه::ا ت::وفي غ::ير راج::ع إلى م::ا
يبث علمه فيمن ينتابه بباديته :من عا ّمة المقتبسين منه من أصاغر الطلبة الذين ال يحسّون في::ه المالم::ة بح::داثتهم ،ويفقّههم أرادوا ،به ّ
ويدرسهم ،وال يدع :المثابرة على العلم والمواظبة على التأليف واإلكث:ار من التص::نيف ح::تى كم::ل من مص:نّفاته في فن:ون العلم وق:ر
بعير ،حتى ألحرق بعضها بإشبيلية) (انظر :اإلحاطة في أخبار غرناطة ،محمد بن عبد هللا الغرناطي األندلس ،أبو عب::د هللا ،الش::هير
بلسان الدين ابن الخطيب ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،الطبعة :األولى 1424 ،هـ ،ج ،4ص .91
)(6اإلحكام في أصول األحكام ،أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم ألندلسي القرطبي الظاهري ،تحقيق :الشيخ أحم::د
محمد شاكر ،دار اآلفاق الجديدة ،بيروت ،ج ،2ص .120
9
خذ عني الج::واب بفهم لب يا سائلي عن موضع التقليد
حاضر:
واحف::::::ظ علي ب::::::وادري واص::::::غ إلى ق::::::ولي ودن
ون::::::::::::::::::::::::::::::::::::::وادري بنص::::::::::::::::::::::::::::::::::::::يحتي
تنق:::::::::اد بين جن:::::::::ادل ال ف::رق بين مقل::د وبهيم::ة
ودع::::::::::::::::::::::::::::::::::::اثر()1
ومنهم العز بن عبد السالم ،والذي كان شافعي المذهب ،ومع ذلك كان يتعجب من المقلدين الذين يعرضون
عن األدل::ة ،ويكتف::ون بم::ا ذهب إلي::ه أئمتهم ،ومن تص::ريحاته في ذل::ك قول::ه( :ومن العجب العجيب أن الفقه::اء
المقلدين يقف أحدهم على ضعف مأخذ إمامه بحيث ال يجد لضعفه مدفعا ومع ه::ذا يقل::ده في::ه ،وي::ترك من الكت::اب
والسنة واألقيسة الصحيحة لمذهبه جمودا على تقلي::د إمام::ه ،ب::ل يتحل::ل ل::دفع ظ::واهر الكت::اب والس::نة ،ويتأولهم::ا
بالتأويالت :البعيدة الباطلة نضاال عن مقلده ،وقد رأيناهم يجتمع::ون في المج::الس ف::إذا ذك::ر ألح::دهم في خالف م::ا
وظن نفسه عليه تعجب غاية التعجب من استرواح إلى دليل بل لما ألفه من تقليد إمامه حتى ظن أن الحق منحصر:
في مذهب إمامه أولى من تعجبه من مذهب غيره)()2
ثم ذكر حال الفقهاء في عصره وغيره ،فقال( :ف::البحث م::ع ه::ؤالء ض::ائع مفض إلى التق::اطع والت::دابر :من
غير فائدة يجديها ،وما رأيت أحدا رجع عن مذهب إمامه إذا ظهر له الح::ق في غ::يره ب::ل يص::ير :علي::ه م::ع علم::ه
بضعفه وبعده ،فاألولى ترك البحث مع هؤالء الذين إذا عج:ز أح:دهم عن تمش::ية م:ذهب إمام:ه ق::ال :لع::ل إم:امي
وقف :على دليل لم أقف عليه ولم أهتد إليه ،ولم يعلم المسكين أن ه:ذا مقاب:ل بمثل:ه ويفض:ل لخص:مه م:ا ذك:ره من
الدليل الواضح والبرهان الالئح ،فسبحان هللا ما أكثر من أعمى التقليد بصره حتى حمله على مثل م::ا ذك::ر ،وفقن::ا
هللا التباع الحق أين ما كان وعلى لسان من ظهر)()3
ثم قارن ذلك الوضع بما كان عليه السلف الص:الح ،فق:ال ( :وأين ه:ذا من من:اظرة الس:لف ومش:اورتهم في
األحكام ومسارعتهم إلى اتباع الحق إذا ظهر على لسان الخص::م ،وق::د نق::ل عن الش::افعي رحم::ه هللا أن::ه ق::ال :م::ا
ناظرت أحدا إال قلت اللهم أجر الحق على قلبه ولسانه ،فإن كان الحق معي اتبعني وإن كان الحق معه اتبعته) ()4
ثالثا -ظهر في العصور التي ترسخ فيه::ا التقلي::د بعض األعالم الكب::ار ال::ذين دع::وا إلى الع::ودة إلى ال::دليل
وترك :التقليد ،وقد كان من كبار هؤالء ابن تيمية ،فقد ألف الكتب والرسائل الكثيرة في الرد على التقليد ،بل ك::انت
له اجتهاداته الكثيرة في الفتوى ،والتي جعلته يواجه الكثير من فقهاء المذاهب بسببها.
وقد ذكر في الفتاوى :الكبرى بعض الجهد الذي بذله في ذل:ك ،واألق::وال ال::تي انف::رد به::ا عن أه:ل عص::ره،
فحصل له بسببها من المحن:ة م:ا حص:ل( :ومن أقوال:ه المعروف:ة المش:هورة ال:تي ج:رى بس:بب اإلفت:اء به:ا محن
وقالقل :قوله :بالتكفير في الحلف بالطالق ،وأن الطالق الثالث ال يقع إال واحدة ،وأن الطالق المحرم ال يق:ع ،ول:ه
في ذلك مصنفات ومؤلفات .منها قاعدة كبيرة سماها( :تحقيق الفرقان بين التطليق :واأليمان) .نحو أربعين كراسة.
وقاعدة سماها( :الفرق بين الطالق واليمين) .بق::در نص::ف ذل::ك .وقاع::دة في (أن جمي::ع أيم::ان المس::لمين مكف::رة)
مجلد لطي:ف .وقاع::دة في تقري::ر أن الحل::ف ب::الطالق من األيم:ان حقيق:ة .وقاع::دة س::ماها( :التفص::يل بين التكف::ير
والتحليل) .وقاعدة سماها( :اللمعة) ،وغير ذلك من القواعد واألجوبة في ذلك ال تنحصر وال تنضبط) ()5
وقريب منه الشاطبي (ت )790الذي لم يمنعه انتماؤه للمذهب المالكي من التصريح بض::رورة الع::ودة إلى
)(1جامع بيان العلم وفضله ،أبو عمر يوسف عبد البر النمري القرطبي ،تحقيق :أبي األش::بال الزه::يري ،دار ابن الج::وزي،
المملكة العربية السعودية ،ط 1414 ،1هـ 1994 -م ،ج ،2ص.988
)(2قواعد األحكام في مصالح األنام ،أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السالم ،راجعه وعلق عليه :طه عب::د ال::رؤوف
سعد ،مكتبة الكليات األزهرية -القاهرة 1414 ،هـ 1991 -م ،ج ،2ص.159
)(3المرجع السابق ،،ج ،2ص.159
)(4المرجع السابق ،،ج ،2ص.159
)(5الفتاوى الكبرى ،تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية :،دار الكتب العلمي::ة ،ط1408 : ،1هـ 1987 -م ،ج
،4ص.161
10
الدليل وترك التقليد ألئمة المذاهب ،يقول في (االعتصام)( :والرابع :رأي المقلدة لمذهب إمام يزعمون أن إم::امهم
هو الشريعة ،بحيث يأنفون أن تنسب إلى أحد من العلم::اء فض::يلة دون إم::امهم ،وح::تى إذا ج::اءهم من بل::غ درج::ة
االجتهاد وتكلم في المسائل ولم يرتبط :إلى إمامهم رموه بالنكير ،وفوقوا :إليه سهام النقد ،وعدوه من الخارجين عن
الجادة ،والمفارقين للجماعة ،من غير استدالل منهم بدليل ،بل بمجرد :االعتياد العامي)()1
وضرب مثاال لذلك بما حصل لبقي بن مخلد ،فقال( :ولقد لقي اإلمام بقي بن مخل::د حين دخ::ل األن::دلس آتي::ا
من المشرق من هذا الصنف األمرين ،حتى أصاروه مهجور :الفناء ،مهتضم :الجانب ،ألنه من العلم بما ال يدي لهم
به ،إذ لقي بالمشرق :اإلمام أحمد بن حنبل وأخذ عنه مصنفه وتفقه عليه ،ولقي أيض::ا غ::يره ،ح::تى ص::نف :المس::ند
المصنف :الذي لم يصنف :في اإلسالم مثله ،وكان هؤالء المقلدة ق::د ص::مموا :على م::ذهب مال::ك ،بحيث أنك::روا م::ا
عداه ،وهذا تحكيم الرجال على الحق ،والغلو في محبة المذهب ،وعين اإلنصاف ت::رى أن الجمي::ع أئم::ة فض::الء،
فمن كان متبعا لمذهب مجتهد لكونه لم يبلغ درجة االجتهاد فال يضره مخالفة غير إمامه إلمامه ،ألن الجميع سالك
على الطريق :المكلف به ،فقد يؤدي التغالي في التقليد إلى إنكار لما أجمع الناس على ترك إنكاره)()2
رابعا -ظهر في القرون المتأخرة بعد ابن تيمية بعض األعالم الكبار ال::ذين أحي::وا ال::دعوة إلى فق:ه ال::دليل،
وكتبوا :في ذلك المؤلفات الكثيرة ،وتعرضوا :لبعض المحن بسبب ذلك.
ومن كبار هذه الطبقة الشوكاني صاحب المؤلفات الكثيرة في نص:رة فق:ه االس:تدالل ب:دل فق:ه التقلي:د ،ومن
تصريحاته في هذا الباب قوله بعد إيراده الخالف في (قول الصحابي :هل هو حجة أم ال)( :والحق :أنه ليس بحجة
( ،)3فإن هللا سبحانه لم يبعث إلى هذه األمة إال نبينا محمدا ،وليس لنا إال رسول واحد ،وكت::اب واح::د ،وجمي::ع
األمة مأمورة باتباع كتابه ،وسنة نبيه ،وال فرق بين الصحابة وبين من بعدهم ،في ذلك ،فكلهم مكلف::ون بالتك::اليف:
الشرعية ،وباتباع الكتاب والسنة ،فمن قال :إنها تقوم الحجة في دين هللا عز وجل بغير كت::اب هللا ،وس::نة رس::وله،
وما يرجع إليهما ،فقد قال في دين هللا بمالم يثبت ،وأثبت في هذه الشريعة اإلسالمية ش::رعا لم ي::أمر هللا ب::ه ،وه::ذا
أمر عظيم ،وتقول بالغ ،فمن حكم لفرد أو أفراد من عباد هللا بأن قوله ،أو أقوالهم حجة على المسلمين يجب عليهم
العمل بها وتصير :شرعا ثابتا متقررا تعم به البلوى ،مما ال يدان هللا عز وجل ب::ه ،وال يح::ل لمس::لم الرك::ون إلي::ه،
وال العمل عليه ،فإن هذا المقام لم يكن إال لرسل هللا ،ال::ذين أرس::لهم بالش::رائع إلى عب::اده ال لغ::يرهم ،وإن بل::غ في
العلم والدين عظم المنزلة أي مبلغ)()4
ثم ختم قوله( :فاعرف هذا ،واحرص عليه ،فإن هللا لم يجعل إليك وإلى سائر ه::ذه األم::ة رس::وال إال محم::دا
،ولم يأمرك باتباع غيره ،وال شرع لك على لسان سواه من أمته حرفا واحدا ،وال جعل شيئا من الحجة علي::ك
في قول غيره ،كائنا من كان)()5
)(1االعتصام ،إبراهيم بن موس::ى بن محم::د اللخمي الغرن::اطي الش::هير بالش::اطبي ،تحقي::ق :س::ليم بن عي::د الهاللي ،دار ابن
عفان ،السعودية ،ط1412 ،1هـ 1992 -م.ج2ص.865
)(2المرجع السابق ،ج ،2ص..865
ك أن هذه مغاالة في ر ِّد أقوال الصحابة ،ومن ال::واجب )(3رد أبو زهرة بشدة على الشوكاني في هذه المسألة بقوله ( :وال ش َّ
إن األئمة األعالم عندما اتبعوا أقوال الصحابة لم يجعلوا رسالةً لغير محمد ، ولم يعت::بروا ح َّجةً في غ::ير الكت::اب علينا أن نقول َّ :
والكت:اب واحٌ :د ،ولكنهم َ والسنَّة ،فهم مع اقتباسهم من أقوال الصحابة مستمسكون أش َّد االستمس:اك ب:أن الن:بي واحٌ :د ،والس:نةَ واح::دة،
ٌ َّ
وجدوا أن هؤالء الصحابة هم الذين استحفظوا على كتاب هللا سبحانه وتعالى ،ونقلوا أقوال محمد إلى من بع::دهم ،فك::انوا أع::رف
الن::اس بش::رعه ،وأق::ربهم إلى هدي::ه ،وأق::والهم قبس:ةٌ نبوي:ةٌ :،وليس::ت ب::دعا ً ابت::دعوه ،وال اختراع:ا ً اخ::ترعوه ،ولكنه::ا تل ُّمسٌ للش::رع
اإلسالمي من ينابيعه :،وهم أعرفُ الناس بمصادرها ومواردها ،فمن اتبعهم فهو من الذين قال هللا تعالى فيهم َ { :والسَّابِقُونَ اأْل َ َّولُ::ونَ
ك ْالفَ::وْ زُت تَجِْ :ري تَحْ تَهَ::ا اأْل َ ْنهَ::ا ُر خَالِِ :دينَ فِيهَ::ا أَبَ:دًا َذلَِ : ار َوالَّ ِذينَ اتَّبَعُوهُ ْم بِإِحْ َسا ٍن َو َرضُوا َع ْنهُ َوأَ َع َّد لَهُ ْم َجنَّا ٍ
ص ِاج ِرينَ َواأْل َ ْن َ
ِمنَ ْال ُمهَ ِ
ْال َع ِظي ُم ([ } )100التوبة ( ]100:أصول الفقه ،محمد أبو زهرة ،دار الفكر العربي ،ص ،)218ونحب أن ننبه هنا بأن الشوكاني أيد
القول بحجية الصحابي في كتابه (التقليد واإلفتاء واالستفتاء)(انظر :التقليد واإلفتاء واالستفتاء (ج / 1ص )51فما بعدها)
)(4إرشاد الفحول إلى تحقيق الح::ق من علم األص::ول ،محم::د بن علي الش::وكاني اليم::ني ،تحقي::ق :الش::يخ أحم::د ع::زو ،دار
الكتاب العربي ،ط1419 ،1هـ 1999 -م ،ج ،2ص.188
)(5المرجع السابق ،ج ،2ص.189
11
باإلضافة إلى الش::وكاني :،فق::د ذك::ر الس::يوطي :في كتاب::ه المهم (ال::رد على من أخل::د إلى االرض وجه::ل أن
االجتهاد في كل عصر فرض)( )1الكثير من أقوال الفقهاء المتأخرين الذين دعوا إلى فتح باب االجتهاد والرج::وع
إلى المصادر األصلية مباشرة ،وأنه في اإلمكان أن يظهر المجتهدون في العصور المختلفة.
ومن العلماء الذين ذكرهم(:)2
( - 1الماوردي) في أول كتابه (الحاوي)
-2و(الروياني) في أول (البحر)
-3والقاضي( :حسين) في (تعليقه)
-4و(الزبيري) :في كتاب (المسكت)
-5و(ابن سراقة) في كتاب (األعداد)
-6و(إمام الحرمين) في كتاب السير من (النهاية)
-7و(الشهرستاني) في (الملل والنحل)
-8و(البغوي) في أوائل (التهذيب)
-9و(الغزالي) في (البسيط) ،و(الوسيط)
-10و(ابن الصالح) في (أدب الفتيا)
-11و(النووي) :في (شرح المهذب) و(شرح مسلم)
-12والشيخ (عز الدين بن عبد السالم) في (مختصر النهاية)
-13و(ابن الرفعة) في (المطلب)
-14و(الزركشي) في كتاب (القواعد) ،و(البحر)
وممن نص على ذلك من أئمة المالكية القاضي (عب::د الوه::اب) في (المق::دمات) ،و(ابن القص::ار) في كتاب::ه
في أصول الفقه ،ونقله عن م::ذهب (مال::ك) وجمه::ور :العلم::اء ،و(الق::رافي) في (التنقيح) ،و(ابن عب::د الس::الم) في
(ش::رح مختص::ر :ابن الح::اجب) ،و(أب::و محم::د بن س::تاري) في (المس::ائل المنث::ورة) و(ابن عرف::ة) في كتاب::ه
(المبسوط) في الفقه.
خامسا – نتيجة للدعوات السابقة إلى فقه الدليل ،فإن المنهج الغ::الب على الكث::ير من الب::احثين والفقه::اء في
عصرنا الحاضر هو هذا المنهج ،وإن كانوا يختلفون في امتالك اآلليات التي تتيح لهم ممارسته.
ثانيا ـ أدلته:
أف::رد أص::حاب ه::ذا المنهج أو ال::دعاة ل::ه الكث::ير من المؤلف::ات في نص::رته ،وال::رد على المخ::الفين لهم،
وخصوصا :من أصحاب المنهج المذهبي أو الم::ذاهبي ،ومن أهم تل::ك المؤلف::ات (المختص::ر المؤم::ل في ال::رد إلى
األمر األول) ألبي شامة المقدسي ،و(شرح قول المطلبي ،إذا صح الحديث فهو مذهبي) للسبكي ،و(جزء التمس::ك
بالسنن) للذهبي ،و(االتب::اع) البن أبي الع::ز ،و(فيض الش::عاع ،الكاش::ف للقن::اع ،عن أرك::ان االبت::داع) للحس::ن بن
أحمد الجالل اليماني ،و(الوجه الحسن ،المذهب للحزن ،لمن طلب السنة ومشى على الس::نن) إلس::حاق بن يوس:ف:
الصنعاني ،و(إرشاد :النق::اد إلى تيس::ير :االجته::اد) لألم::ير الص::نعاني ،و(إيق::اظ همم أولى األبص::ار لالقت::داء بس::يد
المهاجرين واألنصار) لصالح الفُالَّني ،و(إيقاظ الوسنان في العم::ل بالح::ديث والق::رآن) لمحم::د بن علي السنوس::ي
(مالكي) ،و(القول المفيد في أدلة االجتهاد والتقلي::د) و(أدب الطلب ،ومنتهى األرب) كالهم::ا للش::وكاني ،و(كش::ف
الغمة عن سبب اختالف األمة) و(االكتناف ألحكام االختالف) لألمير صديق حسن خان القنوجي ،و(القول السديد
في أدلة االجتهاد والتقليد) ألبي النصر علي بن حسن خان القنوجي ،و(الطريقة المثلى في ترك التقلي::د واتب::اع م::ا
.)(1طبع في دار الكتب لعلمية سنة 1403هـ في مجلد بتحقيق (خليل الميس) ،وأهمية هذه الرسالة تكمن في تتبع الس::يوطي
لكل أقوال العلماء الذين أيدوا هذا المنهج :،وقد ذكر أقوالهم ،وبعض المصادر التي اعتمد عليها مفقودة.
)(2انظر كتاب :الرد على من أخلد إلى األرض وجهل أن االجتهاد في كل عصر فرض ،تحقي::ق(:خلي::ل الميس ،دار الكتب
لعلمية 1403 ،هـ من (ص )68إلى (ص.)96
12
هو األولى) ألبي الخير نور الحسن بن حسن خان القنوجي ،وغيرهم كثير.
وبم::ا أن اس::تيعاب ك::ل م::ا ذك::روه يحت::اج إلى مجل::دات ض::حمة ،فسنقتص:ر :هن::ا على مج::امع األدل::ة دون
تفاصيلها:
الدليل األول:
ما ورد في النصوص الداعية إلى الرجوع إلى الكتاب والس:نة مطلق:ا أو في ح::ال ال:نزع ،وهي كث:يرة ج:دا
نقتصر منها على ما يلي:
من القرآن الكريم :وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم تدعو إلى العودة المباشرة إلى الكتاب والسنة ،منها
ُول َوأُولِي اأْل َ ْم ِر ِم ْن ُك ْم فَ:إِ ْن تَنَ::ازَ ْعتُ ْم فِي َشْ :ي ٍء فَُ :ر ُّدوهُ إِلَى قوله تعالى﴿ :يَاأَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا أَ ِطيعُوا هَّللا َ َوأَ ِطيعُوا :ال َّرس َ
ْ
وياًل ﴾()1 ُول إِ ْن ُك ْنتُ ْم تُ ْؤ ِمنُونَ بِاهَّلل ِ َو ْاليَوْ ِ:م اآْل ِخ ِر َذلِكَ خَ ْي ٌر َوأَحْ َسنُ تَأ ِ
هَّللا ِ َوال َّرس ِ
غ ْال ُمبِينُ ﴾ ﴿وأَ ِطيعُوا هَّللا َ َوأَ ِطيعُوا :ال َّرسُو َل َواحْ َذرُوا :فَإِ ْن ت ََولَّ ْيتُ ْم فَ::ا ْعلَ ُموا أَنَّ َم::ا َعلَى َر ُس:ولِنَا ْالبَاَل ُ وقال تعالىَ :
()2
ُول َواَل تُب ِْطلُوا أَ ْع َمالَ ُ
ك ْم﴾()3 وقال تعالى﴿ :يَا أَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا أَ ِطيعُوا هَّللا َ َوأَ ِطيعُوا :ال َّرس َ
من الحديث الشريف :وردت أحاديث كثيرة في الحث على العودة المباشرة إلى المصادر األصلية منه::ا م::ا
حدث به العرباض بن سارية ،قال :وعظنا رسول هللا موعظة ذرفت منها العيون ،ووجلت منها القلوب ،قلن::ا:
يا رسول هللا ،إن هذه لموعظة مودع ،فماذا تعهد إلينا؟ قال( :قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها :ال يزيغ عنه::ا
بعدي إال هال::ك ،ومن يعش منكم ،فس::يرى اختالف::ا كث::يرا ،فعليكم بم::ا ع::رفتم من س::نتي وس::نة الخلف::اء الراش::دين
المهديين ،وعليكم بالطاعة ،وإن عبدا حبشيا عضوا عليها بالنواجذ ،فإنما المؤمن كالجمل األنف حيثما انقيد انق::اد)
()4
الدليل الثاني:
ما ورد من األدلة الكثيرة من القرآن الكريم والسنة المطه::رة واآلث::ار :عن الص::حابة والت::ابعين على حرم::ة
التقليد ،وقد :جمع ابن عبد البر الكثير منها كتابه (جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمل::ه) في (ب::اب
فساد :التقليد ونفيه والفرق بين التقليد واالتباع)( ،)5ومن األدلة التي أوردها:
ت ْاليَهُ::و ُد عُزَ يٌْ :ر ابْنُ ﴿وقَالَ ِ
- 1ذم هللا تبارك وتعالى التقليد في غير موضع من القرآن الكريم ،كقوله تعالىَ :
ُض:ا ِهئُونَ قَ::وْ َل الَّ ِذينَ َكفَ:رُوا ِم ْن قَ ْبُ :ل قَ::اتَلَهُ ُ:م هَّللا ُ أَنَّى
ك قَ::وْ لُهُ ْم بِ::أ َ ْف َوا ِه ِه ْ:م ي َ
ارىْ :ال َم ِس:ي ُح ابْنُ هَّللا ِ َذلَِ : صَ :ت النَّ َهَّللا ِ َوقَ::الَ ِ
احدًا اَل ُ
ُون هَّللا ِ َو ْال َم ِسي َح ا ْبنَ َمرْ يَ َم َو َما أ ِمرُوا إِاَّل لِيَ ْعبُدُوا إِلَهًا َو ِ
ي ُْؤفَ ُكونَ ( )30اتَّ َخ ُذوا أَحْ بَا َرهُ ْم َو ُر ْهبَانَهُ ْم أَرْ بَابًا ِم ْن د ِ
ون ( ،)6(﴾ )31وقد :ورد في تفسير هذه اآلية عن عدي بن حاتم :أتيت رسول هللا إِلَهَ إِاَّل هُ َو ُسب َْحانَهُ َع َّما يُ ْش ِر ُك َ:
وفي :عنقي صليب فقال لي :يا عدي بن حاتم ،ألق هذا الوثن من عنقك) ،وانتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة حتى
ُون هَّللا ِ﴾( )7قال :قلت :يا رسول :هللا إنا لم نتخذهم أربابا، ارهُ ْم َو ُر ْهبَانَهُ ْم أَرْ بَابًا ِم ْن د ِ أتى على هذه اآلية ﴿اتَّخَ ُذوا أَحْ بَ َ
قال ( :بلى ،أليس يحلون لكم ما حرم عليكم فتحلونه ،ويحرم::ون عليكم م::ا أح::ل هللا لكم فتحرمون::ه؟) ،فقلت :بلى،
قال( :تلك عبادتهم)()8
وانظر :سنن الترمذي ،محمد بن عيسى بن َسوْ رة ،الترمذي ،أبو عيسى ،تحقيق وتعليق :أحمد محمد شاكر ومحمد فؤاد عبد
الباقي ،شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي – مصر ،ط 1395 ، 2هـ 1975 -م ،ج ،5ص.278
)(1سورة الزخرف.24 ،23 :
)(2سورة البقرة.168 - 166 :
)(3سورة التوبة.115 :
)(4جامع بيان العلم وفضله ،ج ،2ص .977
)(5سورة يونس.68 :
)(6نقال عن :البحر المحيط في أصول الفقه ،أبو عبد هللا بدر الدين محمد بن عبد هللا بن بهادر الزركش::ي ،دار الكت::بي ،ط،1
1414هـ 1994 -م ،ج ،8ص ،329وانظر :جامع بيان العلم وفض:له ج ،2ص ،992وانظ:ر :إعالم الم:وقعين عن رب الع:المين ج
14
ومثل ذلك ما روي :عن سحنون ،قال :كان مالك بن أنس ،وعبد العزي::ز بن أبي س::لمة ،ومحم::د بن إب::راهيم
بن دينار وغيرهم يختلفون إلى ابن هرمز ،وكان إذا سأله مالك وعبد العزيز أجابهم::ا وإذا س::أله ابن دين::ار وذووه
لم يجبهم ،فتعرض له ابن دينار يوما فقال له :يا أبا بكر لم تستحل مني ما ال يح::ل ل::ك؟ ق::ال ل::ه :ي::ا ابن أخي وم::ا
ذاك؟ قال :يسألك مالك وعبد العزي:ز فتجيبهم:ا :وأس:ألك أن:ا وذوي :فال تجيبن:ا؟ فق:ال ( :أوق:ع ذل:ك ي:ا ابن أخي في
قلبك؟) قال :نعم ،قال :إني قد كبر سني ورق عظمي ،وأنا أخاف أن يكون خ::الطني في عقلي مث::ل ال::ذي خ::الطني:
في بدني ،ومالك وعبد العزيز عالمان فقيهان إذا سمعا مني حقا قباله ،وإذا سمعا مني خط::أ ترك::اه ،وأنت وذووك:
ما أجبتكم به قبلتموه ،قال محمد بن حارث :هذا وهللا هو الدين الكامل والعقل الراجح ال كمن يأتي بالهذيان ،ويريد
أن ينزل من القلوب منزلة القرآن )()1
ومثل ذلك هذه المناظرة االفتراضية التي صاغها ابن عب::د ال::بر بقول::ه( :يق::ال لمن ق::ال بالتقلي::د :لم قلت ب::ه
وخالفت السلف في ذلك؟ فإنهم لم يقلدوا فإن قال :قلدت؛ ألن كتاب هللا عز وجل ال علم لي بتأويل::ه ،وس::نة رس::وله
لم أحصها والذي قلدته قد علم ذلك فقلدت من هو أعلم مني قيل له :أما العلم::اء إذا اجتمع::وا على ش::يء من تأوي::ل
الكتاب أو حكاية سنة عن رسول :هللا أو اجتمع رأيهم على شيء فهو الحق ال شك في::ه ،ولكن ق::د اختلف::وا فيم::ا
قلدت فيه بعضهم دون بعض ،فما حجتك في تقليد بعض دون بعض ،وكلهم عالم ولعل الذي رغبت عن قوله أعلم
من الذي ذهبت إلى مذهبه ،فإن قال :قلدته ألني علمت أنه صواب قيل له :علمت ذلك ب::دليل من كت::اب أو س::نة أو
إجماع ،فإن قال :نعم ،فقد أبطل التقليد وطولب بما ادعاه من الدليل وإن قال :قلدته ألنه أعلم مني ،قيل له :فقلد كل
من هو أعلم منك فإنك تجد من ذلك خلقا كثيرا وال يحصى :من قلدته إذ علتك فيه أن::ه أعلم من::ك وتج::دهم في أك::ثر
ما ي::نزل بهم من الس::ؤال مختلفين فلم قل::دت أح::دهم؟ ف::إن ق::ال :قلدت::ه ألن::ه أعلم الن::اس قي::ل ل::ه :فه::و إذا أعلم من
الصحابة وكفى بقول مثل هذا قبحا وإن قال :إنما قلدت بعض الص::حابة قي::ل ل::ه :فم::ا حجت::ك في ت::رك من لم تقل::د
منهم؟ ولعل من تركت قوله منهم أعلم وأفضل :ممن أخذت بقوله على أن القول ال يصح لفضل قائل::ه وإنم::ا يص::ح
بداللة الدليل عليه)()2
وكثيرا ما نرى أصحاب هذا المنهج يحاجون المخالفين لهم من المقلدين بما ذكره أئمتهم الذين يقت::دون بهم،
فاألئمة األربعة ،قد نهوا الناس عن تقليدهم في كل ما يقولونه كما رأينا ذلك سابقا.
بل يذكر ابن القيم أن غير المقلدين أكثر احتراما للعلماء من المقلدين ،فيقول في فص::ل بعن::وان (الف::رق بين
تجريد متابعة المعصوم وإهدار :أقوال العلماء وإلغائها)( :فمن عرض أقوال العلم::اء على النص::وص ووزنه::ا به::ا
وخالف :منها ما خالف النص لم يهدر أقوالهم ،ولم يهضم جانبهم ،بل اقتدى بهم ،ف:إنهم :كلهم أم:روا ب:ذلك ،فمتبعهم
حقا من امتثل ما أوصوا به ،ال من خ::الفهم ،فخالفهم في الق::ول ال::ذي ج::اء النص بخالف::ه أس::هل من مخ::الفتهم في
القاعدة الكلية التي أمروا ودعوا إليها من تقديم النص على أقوالهم ،ومن هنا يتبين الف::رق بين تقلي::د الع::الم في ك::ل
ما قال وبين االستعانة بفهمه واالستضاءة بنور علمه ،فاألول :يأخذ قول::ه من غ::ير نظ::ر في::ه ،وال طلب لدليل::ه من
الكتاب والسنة ،بل يجعل ذلك كالحبل الذي يلقيه في عنقه يقلده به ،ول::ذلك س::مي تقلي::دا بخالف م::ا اس::تعان بفهم::ه
واستضاء :بنور علمه في الوصول إلى الرسول صلوات هللا وسالمه عليه ،فإن::ه يجعلهم بمنزل::ة ال::دليل إلى ال::دليل
األول ،فإذا وصل إليه استغنى بداللته عن االستدالل بغيره ،فمن استدل بالنجم على القبلة فإن:ه إذا ش::اهدها لم يب:ق
الستدالله بالنجم معنى) ()3
الدليل الرابع:
الرد على ما استند إليه المخالفون من أدلة ،وأشهر ما انصب علي::ه اهتم::امهم م::ا يس::تدل ب::ه المخ::الفون من
،2ص .136
)(1إعالم الموقعين عن رب العالمين ،ج ،2ص .137
)(2جامع بيان العلم وفضله :ج ،2ص .994
)(3الروح في الكالم على أرواح األموات واألحياء بالدالئل من الكتاب والسنة ،محمد بن أبي بكر بن ابن قيم الجوزية ،دار
الكتب العلمية – بيروت ،ص.264
15
أصحاب المناهج المذهبية أو المذاهبية كثيرا ،وهو حديث (اختالف أم::تي رحم::ة)( ،)1فق::د جع::ل أص::حاب المنهج
المذهبي هذا الحديث شعارهم وقاع::دتهم ال::تي يحتم::ون بها( ،)2وق:د :رد ه::ؤالء على ه::ذا الح::ديث – أوال – ببي::ان
وضعه( ،)3و– ثانيا – بمعارضته الواضحة لما ورد في النصوص القطعية من الق::رآن والس::نة من ذم االختالف،
ص:ا ُك ْم بِِ :ه لَ َعلَّ ُك ْم
ق بِ ُك ْم ع َْن َس:بِيلِ ِه َذلِ ُك ْم َو َّ ﴿وأَ َّن هَ َذا ِ
ص َرا ِطيُ :م ْستَقِي ًما فَاتَّبِعُوهُ َواَل تَتَّبِ ُع::وا ُّ
الس:ب َُل فَتَفََّ :ر َ: كقوله تعالىَ :
َب ِري ُح ُك ْم﴾( ،)5وقول::ه ( : ال ترجع::وا :بع::دي كف::ارا ،يض::رب ْ ُ ْ
﴿واَل تَنَ::ازَ عُوا فَتَف َش:لوا َوتَ::ذه َ تَتَّقُ::ونَ ﴾( ،)4وقول::هَ :
بعضكم :رقاب بعض )()6
ومن السابقين من أصحاب هذا المنهج الذين اشتدوا في رد هذا الحديث ابن حزم ،فقد قال بعد أن أش::ار إلى
أنه ليس بحديث( :وهذا من أفسد قول يكون ،ألنه لو كان االختالف رحمة لكان االتفاق سخطا ،وه::ذا م::ا ال يقول::ه
مسلم ،ألنه ليس إال اتفاق أو اختالف ،وليس إال رحمة أو سخط)7()...
ومن الذين اشتدوا في بيان وضعه ،ونشر ذل:ك بين الن:اس الش:يخ األلب::اني ،ومن ردوده علي:ه م::ا ذك::ره في
تعليقه على هذا الحديث في الضعيفة( :ال أصل له ،ولقد جهد المحدثون في أن يقفوا له على سند فلم يوفقوا) ()8
ثم ذكر اآلثار السيئة لهذا الحديث ،فقال( :وإن من آثار هذا الح::ديث الس::يئة أن كث::يرا من المس::لمين يق::رون
بسببه االختالف الشديد الواقع بين المذاهب األربعة ،وال يحاولون أبدا الرجوع بها إلى الكت:اب والس:نة الص:حيحة
كما أمرهم بذلك أئمتهم ،بل إن أولئك ليرون مذاهب هؤالء األئمة إنما هي كشرائع متعددة يقولون هذا م::ع علمهم
بما بينه:ا من اختالف وتع:ارض ال يمكن التوفي:ق :بينه:ا إال ب::رد بعض:ها المخ::الف لل:دليل ،وقب::ول البعض اآلخ::ر
الموافق :له ،وهذا ماال يفعلونه ،وبذلك نسبوا إلى الش::ريعة التن::اقض ،وه::و وح::ده دلي::ل على أن::ه ليس من هللا ع::ز
:ر هَّللا ِ لَ َو َج :دُوا فِيِ :هوجل لو كانوا يتأملون قوله تعالى في حق الق:رآن ﴿أَفَاَل يَتََ :دبَّرُونَ ْالقُ:رْ آنَ َولَ::وْ َك:انَ ِم ْن ِع ْنِ :د َغ ْيِ :
اختِاَل فًا َكثِيرًا﴾( ،)9فاآلية صريحة في أن االختالف ليس من هللا ،فكي:ف يص::ح إذن جعل:ه ش::ريعة متبع::ة ،ورحم:ة ْ
منزلة؟)()10
ثالثا ـ منهجه في الفتوى:
كما عرفنا سابقا فإن هذا المنهج ينطلق من الدليل في أي مسألة يبحث فيها ،وهذا ال يعني عدم اس::تفادته من
آراء الفقهاء السابقين ،بل هو يستفيد منها ،بل قد ينطلق :منها في بحثه عن الج::واب الش::رعي في المس::ائل الحادث::ة
أو غير الحادثة ،ولكنه ال يكتفي بذلك كم:ا يفع::ل المقل:دون ،ب::ل يع::رض تل::ك الفت:اوى على المص::ادر األص::لية أو
التبعية للدين.
وبذلك فإن هذا المنهج يعتمد على مصدرين كبيرين:
األول :ه::و النظ::ر في النص::وص واالجته::اد :في فهمه::ا أو اس::تنباط الحكم الش::رعي من خالل منطوقه:ا :أو
مفهومها ،أو من خالل القياس عليها ،ونحو :ذلك ،ويستدلون لهذا:
)(1باعتبار هذا الحديث محل خالف بين المناهج ،فسنتحدث عنه بتفصيل هنا ،وفي محال أخرى من هذه الدراسة.
)(2نظر على سبيل المثال :شرح النووي على صحيح مسلم ،النووي ،دار إحياء التراث العربي ،بيروت ،ط1392 : ،2هـ ،
ج 11ص ،91وفيض القدير ،المناوي ،المكتبة التجارية الكبرى ،مصر ،1356 ،ج 1ص .210
)(3من المراجع التي حققت في بيان وض::عه :سلس::لة األح:اديث الض::عيفة والموض:وعة وأثره:ا الس::يئ في األم::ة ،أب::و عب:د
الرحمن محمد ناصر الدين األلباني ،دار المعارف ،الرياض ،الممكلة العربية الس::عودية :،الطبع::ة :األولى 1412 ،هـ 1992 /م ،ج
،1ص ،141وصفة صالة النبي ،األلباني ،السعودية مكتبة المعارف ،د ت : ،ص.49 :
)(4سورة األنعام.153 :
)(5سورة األنفال.46 :
)(6صحيح مسلم ()81 /1
)(7اإلحكام في أصول األحكام ،ج ،5ص.64
)(8سلسلة األحاديث الضعيفة والموضوعة ،ج ،1ص.141
)(9سورة النساء.82 :
)(10سلسلة األحاديث الضعيفة والموضوعة ،ج ،1ص.142
16
1ـ بما ورد في الحديث المشهور أن النبي قال لمعاذ حين بعث::ه إلى اليمن ( :،كي::ف تص::نع إن ع::رض
لك قضاء؟) ،قال :أقضي بما في كتاب هللا .قال( :فإن لم يكن في كتاب هللا؟) قال :فبسنة رسول :هللا ،قال( :ف:إن
لم يكن في سنة رسول :هللا ؟ قال :أجتهد رأيي ،ال آلو .قال :فضرب رسول هللا صدري ،ثم ق::ال( :الحم::د هلل
الذي وفق رسول رسول :هللا لما يرضي رسول :هللا)()1
2ـ بما ورد عن الصحابة من منهجهم في الفتوى ،ومن ذلك ما روي :عن حريث بن ظه::ير -ق::ال :أحس::ب-
أن عبد هللا قال :قد أتى علينا زمان وما نسأل ،وم::ا نحن هن::اك ،وإن هللا ق::در أن بلغت م::ا ت::رون ،ف::إذا س::ئلتم عن
شيء فانظروا :في كتاب هللا ،فإن لم تجدوه في كتاب هللا ففي سنة رسول هللا ،فإن لم تجدوه في سنة رس::ول هللا
فما أجمع عليه المسلمون فإن لم يكن فيما أجمع عليه المسلمون فاجتهد :رأيك وال تقل :إني أخاف وأخشى ،فإن
الحالل بين والحرام :بين ،وبين ذلك أمور مشتبهة ،فدع ما يريبك إلى ما ال يريبك)()2
ومثله ما روي :عن شريح ،أن عمر بن الخطاب كتب إلي:ه( :إن ج:اءك ش::يء في كت::اب هللا ،ف:اقض ب:ه وال
تلفتك عنه الرجال ،فإن جاءك ما ليس في كتاب هللا فانظر :سنة رسول هللا ،فاقض بها ،فإن ج::اءك م::ا ليس في
كتاب هللا ولم يكن فيه سنة من رسول هللا ،فانظر :ما اجتمع عليه الناس فخذ به ،ف::إن ج::اءك م::ا ليس في كت::اب
هللا ولم يكن في سنة رسول :هللا ،ولم يتكلم فيه أحد قبلك ،فاختر أي األمرين شئت :إن شئت أن تجتهد برأيك ثم
تقدم فتقدم ،وإن شئت أن تتأخر ،فتأخر ،وال أرى التأخر إال خيرا لك)()3
الثاني :هو االستفادة من اجتهادات المجتهدين من الفقهاء من أصحاب المذاهب وغيرهم من غير تقليد له::ا،
ولهذا فإن هذا المنهج ال ينكر التمذهب مطلقا ،بل ينكر ت::رك ال::دليل ألج::ل الم::ذهب ،كم::ا ج::اء في ال::درر الس::نية:
(ونحن أيضا في الفروع ،على م::ذهب اإلم::ام أحم::د بن حنب::ل ،وال ننك::ر على من قل::د أح::د األئم::ة األربع::ة ،دون
غيرهم ،لعدم ضبط مذاهب الغير ،الرافض::ة ،والزيدي::ة ،واإلمامي::ة ،ونح::وهم ،وال نق::رهم ظ::اهرا على ش::يء من
مذاهبهم الفاسدة ،بل نجبرهم على تقليد أحد األئمة األربعة ..وال نس::تحق مرتب::ة االجته::اد المطل::ق ،وال أح::د ل::دينا
يدعيها ،إال أننا في بعض المسائل ،إذا صح لنا نص جلي ،من كت::اب ،أو س::نة غ::ير منس::وخ ،وال مخص::ص ،وال
معارض بأقوى :منه ،وقال به أحد األئمة األربعة :أخذنا به ،وتركنا المذهب ،كإرث الجد واإلخوة ،فإنا نق::دم الج::د
باإلرث ،وإن خالف مذهب الحنابلة ..وال نفتش على أحد في مذهبه ،وال نع::ترض علي::ه ،إال إذا اطلعن::ا على نص
جلي ،مخالف لمذهب أحد األئمة ،وكانت المسألة مم::ا يحص::ل به::ا ش::عار :ظ::اهر ،كإم::ام الص::الة ،فن::أمر الحنفي،
والمالكي :مثال ،بالمحافظة على نحو الطمأنينة في االعتدال ،والجلوس بين السجدتين ،لوضوح :دليل ذل::ك ،بخالف
جهر اإلمام الشافعي بالبسملة ،فال نأمره باإلسرار ،وشتان ما بين المسألتين ،فإذا ق::وي ال::دليل أرش::دناهم :ب::النص،
وإن خالف المذهب ،وذلك يك:ون ن:ادرا ج::دا .وال م:انع من االجته:اد في بعض المس::ائل دون بعض ،فال مناقض::ة
لعدم دعوى االجتهاد ،وقد :سبق جمع من أئمة المذاهب األربع::ة ،إلى اختي::ارات لهم في بعض المس::ائل ،مخ::الفين
للمذهب ،الملتزمين تقليد صاحبه)()4
)(1مسند أحمد ،ج ،36ص ،333قال محققه :إسناده ضعيف إلبهام أصحاب معاذ وجهالة الحارث بن عمرو ،لكن مال إلى
الق::ول بص::حته غ::ير واح::د من المحققين من أه::ل العلم ،منهم أب::و بك::ر ال:رازي وأب::و بك::ر بن الع::ربي والخطيب البغ::دادي وابن قيم
الجوزية.
وقال ابن القيم( :حديث وإن كان عن غير مسمين فهم أصحاب معاذ فال يضره ذلك؛ ألنه يدل على ش:هرة الح:ديث وأن ال:ذي
حدث به الحارث بن عمرو عن جماعة من أصحاب معاذ ال واحد منهم ،وهذا أبلغ في الشهرة من أن يكون عن واحد منهم لو سمي،
كيف وشهرة أصحاب مع::اذ ب::العلم وال::دين والفض::ل والص::دق بالمح::ل ال::ذي ال يخفى؟ وال يع::رف في أص::حابه متهم وال ك::ذاب وال
مجروح ،بل أصحابه من أفاضل المسلمين وخيارهم ،ال يشك أهل العلم بالنقل في ذلك ،كيف وشعبة حام::ل ل::واء ه::ذا الح::ديث؟ وق::د
قال بعض أئمة الحديث :إذا رأيت شعبة في إسناد حديث فاشدد يديك به) (إعالم الموقعين عن رب العالمين ،ج ،1ص .155
)(2مسند الدارمي المعروف بسنن الدارمي ،أبو محمد عبد هللا بن عبد الرحمن الدارمي ،التميمي الس::مرقندي ،تحقي:ق :نبي:ل
هاشم الغمري ،دار البشائر (بيروت) ،ط1434 ،1هـ 2013 -م ،ص .136
)(3المرجع السابق ،ص.135
)(4الدرر السنية في األجوبة النجدية ،ج ، 1ص .227
17
المبحث الثاني
المنهج المذهبي
ي:راد ب:المنهج الم:ذهبي( )1في الفت:وى المنهج ال:ذي يعتم:د على م:ا أف:رزه التقلي:د الم:ذهبي لألئم:ة األربع:ة
خصوصا من تراث فقهي كبير مس جميع المجاالت من كتب التفسير وشروح الحديث ،إلى متون الفقه وشروحها:
وحواشيها ،باإلضافة إلى م:ا كتب في خص:وص الفت:وى في المتغ:يرات الحادث:ة في ك:ل عص:ر مم:ا يس:مى بفق:ه
النوازل.
وهذا المنهج بدأ متقدما على المذاهب األربعة ،فقد كان لكل إمام من أئمة الفقه من يتبعه وي::ذهب مذهب::ه في
الفتوى ،كما قال ابن عبد البر( :وقد كان العلماء ق::ديما ً وح::ديثاً :يح::ذرون الن::اس من م::ذهب المك::يين أص::حاب ابن
عباس ومن سلك سبيلهم في المتعة والصرف ،ويح::ذرون الن::اس من م::ذهب الكوف::يين أص::حاب ابن مس::عود ومن
سلك سبيلهم في النبيذ الشديد ،ويحذرون الناس من مذهب أهل المدينة في الغناء)()2
ولكنه بعد ذلك وألسباب كثيرة ،سنذكر :هنا بعضها ،اقتصرت داللت::ه على أتب::اع الم::ذاهب األربع::ة ،وال::تي
سرى إليها الخالف هي أيضا ،فصار :لكل مذهب فقهاؤه الكبار الذين توزع:وا على الم::دارس الفقهي::ة التقليدي::ة في
العالم اإلسالمية قرونا طويلة.
وقد اختلف أصحاب هذا المنهج في حكم االلتزام بهذه المذاهب بين متشدد ومتساهل:
فمن أمثال المتشددين ما عبر عن:ه ص::احب (الفواك::ه ال::دواني) ،وه::و م::الكي الم::ذهب ،بقول::ه( :وق::د انعق::د
إجماع المسلمين اليوم على وجوب متابعة واحد من األئمة األربع :أبي حنيف::ة ومال::ك والش::افعي :وأحم::د بن حنب::ل
وعدم جواز الخروج عن مذاهبهم ،وإنما حرم تقليد غير هؤالء األربعة من المجتهدين ،مع أن الجمي::ع على ه::دى
لعدم حفظ مذاهبهم لموت أصحابهم وعدم تدوينها ،ولذا قال بعض المحققين :المعتمد أنه يجوز تقليد األربعة ،وكذا
من عداهم ممن يحفظ مذهبه في تلك المسألة ودون حتى عرفت ش::روطه وس::ائر :معتبرات::ه ،فاإلجم::اع :ال::ذي نقل::ه
غير واحد كابن الصالح وإمام الحرمين والقرافي على منع تقليد الصحابة يحمل على ما فقد من::ه ش::رط من ذل::ك)
()3
وقال الحطاب في (مواهب الجليل) معلال سبب االقتصار :على المذاهب األربعة دون غيرها( :قال القرافي:
ورأيت للشيخ تقي الدين بن الص::الح م::ا معن::اه أن التقلي::د يتعين له::ذه األئم::ة األربع::ة دون غ::يرهم؛ ألن م::ذاهبهم:
انتشرت وانبسطت :حتى ظهر فيها تقييد مطلقها وتخصيص :عامها وشروط فروعها فإذا أطلقوا حكم::ا في موض::ع
وجد مكمال في موضع آخر ،وأما غيرهم فتنق::ل عن:ه الفت::اوى مج::ردة فلع::ل له::ا مكمال أو مقي::دا أو مخصص:ا :ل::و
انضبط :كالم قائله لظهر فيصير في تقليده على غير ثقة ،بخالف هؤالء األربعة ق::ال :وه::ذا توجي::ه حس::ن في::ه م::ا
ليس في كالم إمام الحرمين) (.)4
)(1يطلق المذهب في اللغة :على الطريق ومكان ال::ذهاب ،يق::ال ذهب الق::وم م::ذاهب ش::تى إذا س::اروا طرائ::ق مختلف::ة ،ق::ال
الزبيدي( :المذهب :المعتقد الذي يذهب إليه ..والمذهب الطريقة ،يق::ال :ذهب فالن م::ذهبا ً حس::ناً ،أي طريق::ة حس::نة) (انظ::ر :ت::اج
العروس ،الزبيدي ،دار الرشاد ،الدار البيضاء ،ج1ص ،752وانظر :لسان العـرب)2/1081 ،
ويطلق في االصطالح :على ما ذهب إليه إمام من األئمة في األحكام االجتهادية ،ويطلق عند المتأخرين على ما ب::ه الفت::وى،
فيقولون المذهب في المسألة كـذا من باب إطالق الشيء على جزئه األهم ،كإطالق الص:الة على الفاتح:ة ،والحج عرف:ة ،وبه:ذا ف:إن
(المذهب المالكي :هو الطريق الذي س::لكه مال::ك في اس::تنباط األحك::ام االجتهادي::ة .انظ::ر :م::واهب الجلي::ل لشـرح مختص::ر خليـل،
الحطاب ،دار الفكـر ،ط.)1/24 ،1992 ،2:
)(2التمهيد :لما في الموطأ من المعاني واألسانيد ،أبو عم::ر يوس::ف بن عب::د هللا بن عب::د ال::بر بن عاص::م النم::ري القرط::بي،
تحقيق :مصطفى بن أحمد العلوي ,محمد عبد الكبير البكري ،وزارة عموم األوقاف والشؤون اإلسالمية – المغ::رب 1387 ،هـ ،ج
،10ص.115
)(3الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني ،أحمد بن غانم (أو غنيم) بن س:الم ابن مهن::ا ،ش::هاب ال::دين النف:راوي
األزهري المالكي ،دار الفكر ،دط1415 ،هـ 1995 -م ،ج ، 2ص .356
)(4مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل ،ج ، 1ص .99
18
أما المتساهلون فهم الذين لم يحكموا :بوجوب التزام هذه الم::ذاهب ،ولم يحكم::وا بوج::وب االقتص::ار عليه::ا،
كما ورد في (البحر الرائق) وهو من كتب الحنفي::ة المعت::برة( :فص::ل :يج::وز :تقلي::د من ش::اء من المجته::دين ،وإن
دونت المذاهب كاليوم :وله االنتقال من مذهبه ،لكن ال يتبع الرخص فإن تتبعها من المذاهب فهل يفسق وجهان)()1
وقال النووي ،وهو شافعي :المذهب( :الذي يقتضيه الدليل أن::ه ال يلزم::ه التم::ذهب بم::ذهب ،ب::ل يس::تفتي َمن
ط للرخص ،ولعل َمن َمنَ َعه لم يثق بعدم تلقطه)()2 شاء ،أو َم ِن اتَّفق من غير تلقُّ ٍ
ونقل ابن عابدين في حاشيته عن الشرنباللي :قوله( :ليس على اإلنسان التزا ُم مذهب معين ،وأن::ه يج::وز :ل::ه
غ:ير إمام:ه مس:تجمعًا ش:روطه ،ويعم:ل ب:أمرين متض:ادين في َ العمل بما يخالف ما عمل:ه على مذهب:ه مقل:دًا في:ه
حادثتين ال تعلق لواحدة منهما باألخرى ،وليس له إبطال عين ما فعله بتقليد إمام آخر؛ ألن إمضاء الفعل كإمض::اء
القاضي ال ي ُنقَض)()3
وهكذا نجد المتساهلين والمتش::ددين في ك::ل م::ذهب من الم::ذاهب ،والمتس::اهلون ع::ادة يق::تربون من المنهج
السابق ،أو ربما يميلون إلى المناهج األخرى :التي سنعرض لها في المباحث الالحقة.
بناء على هذا سنعرض هنا – باختصار ش:ديد – لمث:ل م:ا عرض:نا إلي:ه في المبحث الس:ابق من أعالم ه:ذا
المنهج الذين يمثلونه ،وأدلتهم ،والمنهج أو اآلليات التنفيذية التي يعتمدون عليها في الفتوى.
أوال ـ أعالمه:
ليس من الصعوبة التعرف على أعالم هذا المنهج ،والذين مثلوه طيلة التاريخ اإلسالمي ،ذل:ك أنهم يك:ادون
يمثلون أكثر فقهاء هذه األمة ،وتمثل كتبهم كثيرا من التراث الفقهي الضخم الذي وصل إلينا.
وهذا األمر غير مستغرب ،ذلك أن الذين اعتمدوا فقه الدليل كانوا من النخبة ،وهي مح::دودة ع::ادة ،بخالف
الذين انتهجوا هذا المنهج فهم في أحسن أحوالهم مجتهدون في إطار المذهب ال يخرجون عنه.
وقد ساعد على هذه ال::وفرة في األعالم والمش::ايخ الفقه::اء أنهم رأوا أن م::ذاهبهم هي ال::تي تمث::ل الش::ريعة،
وبالتالي :فإن نصرتها :أو التعصب لها نصرة للشريعة نفسها ،ومن األمثلة على ذلك – ولسنا ندري :مدى دقته -م::ا
ذكره تاج الدين السُبكي الشافعي(ت قرن8 :هـ) عن الحافظ عبد هللا األنصاري الهروي الحنبلي(ت 481هـ ) من
شدة تمسكه بالمذهب الحنبلي إلى درجة أنه كان ينشد على المنبر:
مت فوصيتي :للناس أن يتحنبلواحييت وإن ُ ُ أنا حنبلي ما
حتى أنه أيضا ترك الرواية عن شيخه القاضي أبي بكر الحيري لكونه أشعريا (.)4
ولم يكن أمر العلماء أو طلبة العلم قاصرا على تمسكهم بمذاهبهم :أو تعصبهم :لها فقط ،وإنما ب::رز بن::وع من
العداوة للمخالفين لهم ،وقد ساهم ذلك في تعميق هذا المنهج ،ليصبح كل مذهب وكأنه شريعة من الش::رائع مس::تقال
عن غيره.
ومن األمثلة على هذا الفقيه الحنفي أبو عبد هللا محمد البالس::اغوني ال::تركي(ت 506ه) ،وال::ذي ك::ان ش::ديد
التعصب للمذهب الحنفي ،وش:ديد :الع:داوة لمخالفي:ه ،وخصوص::ا من الم:ذهب الش:افعي ،وق:د :حكي عن:ه – ولس:نا
ُ
ألخذت الجزية من الشافعية)()5 ندري مدى دقة ذلك -أنه كان يقول( :لو كان لي والية
)(1البحر الرائق شرح كنز الدقائق ،زين الدين بن إبراهيم بن محمد ،المعروف بابن نجيم المصري ،دار الكتاب اإلس::المي،
ط ،2ج ،6ص.292
)(2روضة الطالبين وعمدة المفتين ،محيي الدين النووي ،المكتب اإلسالمي ،بيروت ،الطبعة الثاني::ة1405 ،هـ ،ج ،11ص
.117
)(3رد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين) :،محمد أمين عابدين :،دار إحي::اء ال::تراث الع::ربي (ب::يروت) ،الطبع::ة
الثانية 1407هـ1987 ،م ،ج ،1ص.51
)(4طبقات الشافعية الكبرى ،السبكي ،حققه محمد الطناجي ،ط ،2الجيزة ،دار هجر ،1992 ،ج ،2ص ..473
)(5معجم البلدان ،شهاب الدين أبو عبد هللا ياقوت بن عبد هللا لرومي الحم::وي ،دار ص::ادر ،ب::يروت ،ط 1995 :،2م ج ،1
ص.476
19
ومن األمثلة الفقيه الشافعي :أبو المظفر محمد بن محم::د ال::بروي( :ت 567ه ) ،وق::د ك::ان متعص::با :للش::افعي
ُ
لوضعت على الحنابلة الجزية ) ،وق::د حص::ل ل::ه بس::بب ه::ذا أن مناوئا :للحنابلة ،وكان يقول عنهم( :لو أن لي أمر
دس له بعض الحنابلة من أهدى له شيئا فمات (. )1
وهكذا ،فإن التعصب الشديد ألصحاب المذاهب جعل فقهاء كل المذاهب يتنافسون في تكثير س::واد التالمي::ذ
وطلبة العلم على األسس التي تمسكوا :بها ،ليتمكنوا من نشر المذهب والحفاظ على وجوده ،وق::د اس::تخدموا ألج::ل
هذا صنفين من الناس:
1ـ الساسة والحكام :باعتبارهم من أولي األم::ر ال::ذين تجب ط::اعتهم ،وبالت::الي :ف::إن الوص::ول :إلى ه::ؤالء
يضمن للمذهب االنتشار الواسع.
وكمثال على ذلك دولة المرابطين (541-453ه) التي استطاعت أن تطبع المغرب الع::ربي بط::ابع الم::ذهب
المالكي( ،)2في مقابل دولة الموح:دين (668-441ه) ال:تي ح:اربت التم:ذهب عام:ة ،واش:تدت على ُخص:ومها :من
المرابطين ،فكفّرتهم واستباحت :دماءهم(.)3
باإلضافة إلى م::ا له::ؤالء الحك::ام من ق::درة على بن::اء الم::دارس والمس::اجد ال::تي ترس::خ االنتم::اء الم::ذهبي،
وكمثال على ذلك الملك قطب الدين محمد بن الملك صاحب سنجار :الزنكي(ت بعد594:ه) الذي كان حنفيا مناوئ::ا
للشافعية ،وقد بنى ألجل هذا مدرسة للحنفية بمدينة سنجار ،وجعل النظر فيها للحنفية ،بل اشترط :أن يك::ون ب::واب
المدرسة وفراشها على المذهب الحنفي(.)4
وألج::ل ه::ذا انتش::رت الم::دارس والمس::اجد المرتبط::ة بالم::ذاهب المختلف::ة ،وال::تي ال يمكن ذكره::ا هن::ا
لكثرتها ،)5(:وقد :كان لها دور كبير في إمداد المذاهب الفقهية بالكثير من العلماء وطلبة العلم ،وهذا ما كان سببا في
كثرتهم :وكثرة مصنفاتهم:.
باإلضافة إلى هذا فقد كان الجهاز القضائي في الدولة بيد أصحاب المذاهب ،وقد كان لذلك دوره الكب::ير في
انتشار :هذه المذاهب.
يقول المقريزي( :فلما كانت سلطنة الملك الظاهر بيبرس البندقداريّ ،ولي بمص::ر والق::اهرة أربع:ة قض:اة،
وهم ش::افع ّي وم::الك ّي وحنف ّي وحنبل ّي .فاس::تم ّر ذل::ك من س::نة خمس وس::تين وس::تمائة ،ح::تى لم يب::ق في مجم::وع:
أمصار :اإلسالم مذهب يعرف من مذاهب أهل اإلسالم سوى ه::ذه الم::ذاهب األربع::ة ،وعقي::دة األش::عريّ ،وعملت
ألهلها المدارس والخوانك والزوايا :والربط في سائر ممالك اإلسالم ،وع:ودي من تم:ذهب بغيره:ا ،وأنك::ر علي::ه،
ولم يو ّل قاض وال قبلت شهادة أحد وال ق ّدم للخطابة واإلمامة والتدريس أحد ما لم يكن مقلدا ألح::د ه::ذه الم::ذاهب،
وأفتى :فقهاء هذه األمصار في طول هذه الم ّدة بوجوب اتباع هذه المذاهب وتحريم ما عداها ،والعمل على هذا إلى
اليوم)()6
)(1طبقات الفقهاء الشافعيين :،أبو الفداء إس::ماعيل بن عم::ر بن كث::ير القرش:ي البص::ري ثم الدمش::قي ،تحقي::ق :د أحم::د عم::ر
هاشم ،د محمد زينهم محمد عزب ،مكتبة الثقافة الدينية 1413 ،هـ ،ج ، 2ص .671
)(2العبر ،الذهبي ،حققه صالح الدين المنجد ،ط ،2الكويت ،مطبعة حكومة الكويت ،1984 ،ج 4ص ،60 :ومم::ا رواه في
هذا ما حصل للفقيه المالكي محمد بن زرقون (ت 622ه) ،ذلك أنه لما أمر الس::لطان الموح::دي يوس::ف بن يعق::وب بع::دم ق::راءة ُكتب
الفروع عامة والمالكية خاصة ،استمر ابن زرقون في تدريس الفقه المالكي متحديا ألم::ر الس::لطان ،فلم:ا ظُف:ر ب:ه يُ:درّس الفق:ه أُخ:ذ
للقتل صبرا (نحو سنة591ه) ،ثم سُجن ولم يُقتل ،فطال سجنه وأحرقت كتبه (سيّر أعالم النبالء ،الذهبي ،حققه بشار عواد ،بيروت،
مؤسسة الرسالة ج 22ص) 311 :
)(3االستقصاء ألخبار دول المغرب األقصى ،الناصري احمد بن خالد ،الدار البيضاء ،دار الكتاب ،ط 1997 :،1ج 1ص:
.125
)(4وفيات األعيان ،ابن خلكان ،حققه إحسان عباس ،دار الثقافة .1968 ،ج 2ص.331 :
)(5للتوسع في ذلك انظر :الدارس في تاريخ المدارس ،عبد القادر النعيمي ،حققه جعفر الحسيني ،دمش::ق ،المجم::ع العلمي،
.1951
)(6المواعظ واالعتبار بذكر الخطط واآلثار ،أحمد بن علي ،تقي الدين المقريزي ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،ط1418 :،1
هـ ،ج 3ص .390
20
وقد أشار الشوكاني :إلى الدور الذي يمارسه القضاة في ترسيخ المذاهب ،فقال( :وق::د امتحن هللا تل::ك ال::ديار
بقضاة من المالكية يتجرؤون على سفك الدماء ،بما ال يحل ب::ه أدنى تعزي::ر ،ف::أراقوا دم::اء جماع::ة من أه::ل العلم
جهالة وضاللة وجرأة على هللا ،ومخالفة لشريعة رسول هللا ،وتالعبا بدينه ،بمجرد نُصوص فقهي::ة ،واس::تنباطات
فروعية ليس عليها أثارة من علم ،فإنا هلل وإنا إليه راجعون)()1
2ـ العامة والدهماء :والذين انتشر التعصب المذهبي بينهم ،فجعلهم ال يهتمون وال يستفتون إال من يرون
فيه ما رسخ فيهم من تمسك بالمذهب وتعصب :له ،بل وصل األمر بهم إلى إيذاء المخالفين ،وحصلت بس::بب ذل::ك
الفتن بين أتباع المذاهب المختلفة.
ومن األمثلة على هذا ما ذك::ره المؤرخ::ون في أح::داث س::نة 447هجري::ة حيث حص::لت فتن::ة بين الحنابل::ة
والشافعية ببغداد ،كان من أسبابها جهر الشافعية بالبسملة في الصالة ،فانقسمت العامة بين مؤيد ومخ::الف :لهم ،ثم
انحازت كل طائفة إلى الطرف :الذي م::الت إلي::ه ،ثم توج::ه الحنابل::ة إلى أح::د مس::اجد الش::افعية ،ونه::وا إمام::ه عن
الجه::ر بالبس::ملة ،ثم تط::ور ال::نزاع إلى االقتت::ال ،فتق::وى ج::انب الحنابل::ة وتقهق::ر ج::انب الش::افعية ،ح::تى أُلزم::وا
البيوت ،و لم يقدروا :على حضور صالة الجمعة وال الجماعات ،خوفا من الحنابلة(.)2
واألمثلة على هذا أكثر من أن تحصر ،وقد :ساهمت جميعا في ترسيخ المذاهب ،واالهتم::ام :بتك::وين الفقه::اء
فيها ،حتى يتقوى كل طرف على األطراف األخرى.
ثانيا ـ أدلته:
يستند أصحاب هذا المنهج إلى أدلة كثيرة نلخص أهمها فيما يلي:
الدليل األول:
صعوبة االجتهاد ،بل استحالته على العامة وطلب::ة العلم ،ب::ل ال يص::ل إلى االجته::اد بحس::ب الش::روط ال::تي
قرروها إال الثلة القليلة من العلماء ،والذين ال يعدون في تصورهم أصحاب المذاهب األربعة ونظراؤهم:.
وقد أجاب الشيخ عليش في فتاواه عن سؤال قال صاحبه( :ما قولكم فيمن كان مقلدا ألحد األئم::ة األربع::ة م
وترك :ذلك زاعما أنه يأخذ األحكام من القرآن واألحاديث الصحيحة تاركا لكتب الفقه مائال لقول أحم::د بن إدريس
بذلك قائال :إن كتب الفقه ال تخلو من الخطأ ،وفيها أحكام كثيرة مخالفة لألحاديث الصحيحة ،وكيف ت::ترك اآلي:ات
واألحاديث :الصحيحة وتقلد األئمة في اجتهادهم المحتمل للخطأ ،وقائال أيضا لمن تمسك بكالم األئمة ومقلديهم :أن::ا
أقول لكم :قال هللا أو ق::ال رس::ول هللا وأنتم تقول::ون ق::ال مال::ك أو ابن القاس::م أو خلي::ل ،فتق::ابلون كالم الش::ارع
المعصوم :من الخطأ بكالم من يجوز عليهم الخطأ) ()3
فكتب في الجواب ..( :ال يجوز :لعامي أن يترك تقليد األئمة األربعة ويأخذ األحكام من الق::رآن واألح::اديث؛
ألن ذلك له شروط :كثيرة مبينة في األصول ال توجد في أغلب العلماء وال سيما في آخر الزمان الذي عاد اإلسالم
فيه غريبا كما بدأ غريبا ،وألن كثيرا من القرآن واألحاديث ما ظاهره صريح الكف::ر وال يعلم تأويل::ه إال هللا تع::الى
والراسخون في العلم)()4
واستدل لهذا بما ورد :عن السلف من خطورة الرجوع إلى الكتاب والسنة وحدهما من غير استناد إلى رؤية
المجتهدين من الفقهاء ،فنقل عن ابن عيينه قوله( :الحديث مضلة إال للفقهاء) ،وعلق عليه بقوله ( :يريد أن غيرهم
قد يحمل الشيء على ظاهره وله تأويل من حديث غيره أو دلي::ل يخفى علي::ه أو م::تروك أوجب ترك::ه غ::ير ش::يء
)(1البدر الط::الع بمحاس::ن من بع:د :الق::رن الس::ابع ،محم::د بن علي بن محم::د بن عب::د هللا الش::وكاني اليم::ني ،دار المعرف::ة -
بيروت ،ج ،1ص..21
)(2أرخت الكثير من المراجع التاريخية ألمثال هذه األحداث ،منها على سبيل المثال :الكامل في التاريخ ،ابن األث::ير ،حقق::ه
عبد هللا القاضي ،ط ،2بيروت ،دار الكتب العلمية ،1995 ،ج 8ص.73 :
)(3فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب اإلمام مالك ،محمد بن أحم::د بن محم::د عليش ،أب::و عب::د هللا الم::الكي (المت::وفى:
1299هـ) ،دار المعرفة ،ج ، 1ص .85
)(4فتح العلي المالك ،ج ،1ص.90
21
وتفقه) ()1 مما ال يقوم به إال من استبحر:
ونقل عن عبد الرحمن بن مهدي قوله( :السنة المتقدمة من سنة أهل المدينة خير من الحديث)
ونق::ل عن النخعي قول::ه( :ل::و رأيت الص::حابة يتوض::ئون إلى الك::وعين لتوض::أت :ك::ذلك وأن::ا أقرؤه :ا :إلى
المرافق :؛وذلك ألنهم ال يتهمون في ترك السنن وهم أرباب العلم وأحرص خلق هللا على اتب::اع رس::ول هللا وال
يظن ذلك بهم أحد إال ذو ريبة في دينه) ()2
وقد رد أصحاب المنهج االس::تداللي :على ه::ذا ببي::ان س::هولة االجته::اد ،وأن::ه ليس بالص::عوبة ال::تي يعتق::دها
المقلدون ،ومن الردود :المفصلة في هذا م::ا رد ب::ه ابن ال::وزير( :ت840 :هـ) في كتاب::ه (العواص:م :والقواص:م :في
الذب عن سنة أبي القاسم) ،فقد ذك:ر اآلث:ار الكث:يرة عن الس:لف ،وال:تي ت:دل على أن االجته:اد ال يحت:اج إلى ك:ل
التعقيدات التي وضعها :المذهبيون ،يقول في ذلك( :إن اجتها َد أولئك يَ :دُلُّ على ُس :هولَ ِة االجته::اد ،ألن الظ::ا ِه َر من
أحوالهم أنَّهم ما اشتغلوا :بالعلم ِم ْث َل اشتغال المتأخرين ،وال قريبا ً منه ،وكان الواح ُد منهم يَحْ فَظُ ِمنَ ُّ
الس:نة م::ا اتف::ق
ق وال مبالغٍ :ة في طلب النص::وص ِمن س::ائر أص::حابه، غير درس لِما َس ِم َعهُ ،وال تعليٍ : أنَّه َس ِم َعه من النب ِّي ِ من ِ
الجَّ :د ِة من الم::يراث ،وأدنى َص:يبُ َ :ر م::ا درى َك ْم ن ِ
ث الحادثة عن األدلة ،فهذا أب::و بكٍ : وإنما كانوا يبحثون عن َد حدو ِ
ُس حتى ق::ا َم فيهم :وس::ألهم ،ول::و أن رجالً ممن يََّ :دعي االجته::ا َد في أن لَهَا ال ُّسد َ
العلم في زماننا ال يخفي عليه َّ طلب ِة ِ
:رفُ َّ
نصيب الجدة ،لكثر عليه أه ُل التعسير :لالجتهاد ،وعَظ ُموا :هذا عليه ..وكذلك ُع َمر ما ك::ان يَ ْعِ :َّ َ زماننا :ما َع َرفَ
ث المرأه من ِدية زوجها وك::ذلك ابنُ عب::اس ق::ال :ال رب::ا إِالُّ في النَّس::يئة ح::تى النصوص في ِديَ ِة األصابع ،وتوري ِ
َ
رفَ أن ال ُم ْت َعةَ منسوخةٌ)()3 بلغه النص ،وكذلك ما َع َ
ثم تتبع كل الشروط :التي وضعها :المذهبيون شرطا :شرطا ،وبين أنها ليست بالصورة ال::تي وض::عوها ،وأن
قصدهم :من ذلك ليس إال غلق باب االجتهاد.
الدليل الثاني:
أن وجود :األدلة وعدمها سواء بالنسبة للعامة ،وغير من توفرت فيهم ملكة االجتهاد ،ول:ذلك ال مف::ر لهم من
اس:أَلُوا أَ ْه َ
:ل الِّ :ذ ْك ِر إِ ْن ُك ْنتُ ْم اَل تَ ْعلَ ُم:ونَ ﴾( ،)4يق:ول الش:اطبي مبين:ا وج:ه التقليد ،وقد :استدلوا لذلك بقول:ه تع:الى﴿ :فَ ْ
االستدالل باآلية على جواز التقليد ،بل وجوبه( :والدليل عليه أن وجود األدلة بالنسبة إلى المقلدين وعدمها سواء؛
إذ كانوا ال يستفيدون منها شيئا؛ فليس النظر في األدلة واالستنباط من ش::أنهم ،وال يج::وز ذل::ك لهم ألبت::ة وق::د ق::ال
تعالى﴿ :فَاسْأَلُوا أَ ْه َل ال ِّذ ْك ِر إِ ْن ُك ْنتُ ْم اَل تَ ْعلَ ُمونَ ﴾( ،)5والمقلد غير عالم؛ فال يصح ل::ه إال س::ؤال أه::ل ال::ذكر ،وإليهم
مرجعه في أحكام الدين على اإلطالق ،فهم إذن القائمون له مقام الشارع ،وأقوالهم :قائمة مقام أقوال الشارع)()6
ويبين الشيخ محمد حسنين مخلوف أن أقوال المجتهدين ليست سوى :ترجمة للمصادر الشرعية ،ولذلك ف::إن
التلقي منها هو تلق من المصادر :مباشرة ،يقول في ذلك( :وقد اعت::بر األص::وليون وغ::يرهم أق::وال المجته::دين في
حق المقلدين القاصرين كاألدل:ة الش:رعية في ح:ق المجته:دين ،ال ألن أق:والهم :ل:ذاتها حج:ة على الن:اس تثبت به:ا
األحكام الشرعية كأقوال :الرسل عليهم الص::الة والس::الم ف::إن ذل::ك ال يق::ول ب::ه أح::د؛ ب::ل ألنه::ا مس::تندة إلى مآخ::ذ
شرعية بذلوا جه::دهم في اس::تقرائها وتمحيص دالئله::ا م::ع ع::دالتهم وس::عة اطالعهم واس::تقامة أفه::امهم :وعن::ايتهم
بضبط :الش::ريعة وحف::ظ نصوص::ها :،ول::ذلك ش::رطوا في المس::تثمر لألدل::ة المس::تنبط :لألحك::ام الش::رعية من أدلته::ا
التفص::يلية -لكونه::ا ظني::ة ال تنتج إال ظن::ا -أن يك::ون ذا تأه::ل خ::اص وق::وة خاص::ة وملك::ة قوي::ة يتمكن به::ا من
)(1فتح العلي المالك ،ج ،1ص.90
)(2فتح العلي المالك ،ج ،1ص.90
)(3العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم ،ابن ال:وزير ،محم:د بن إب:راهيم ،تحقي::ق :ش::عيب األرن::ؤوط ،مؤسس::ة
الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع ،بيروت ،ط 1415 ،3هـ 1994 -م ،ج ،2ص .27
)(4سورة النحل.43 :
)(5سورة النحل.43 :
)(6الموافقات ،إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرن:اطي الش:هير بالش:اطبي ،تحقي:ق :أب:و عبي:دة :مش:هور بن حس:ن آل
سلمان ،دار ابن عفان ،ط1417 ،1هـ1997 /م ،ج ،5ص .337
22
المستطاع) ()1 تمحيص األدلة على وجه يجعل ظنونه بمثابة العلم القطعي صونا :ألحكام الدين عن الخطأ بقدر
ومن هذا المنطلق بين أن التقليد على العوام واجب ،كما أن االجتهاد :على غ::يرهم ممن ت::وفرت فيهم أدوات
االجتهاد واجب ،يقول في ذلك( :وكم::ا أم::ر هللا تع::الى ورس::وله المس::تعدِّين لالجته::اد بب::ذل الوس::ع في النظ::ر في
المآخذ الشرعية لتحصيل أحكامه تعالى ،أم:ر القاص:رين عن رتب:ة االجته:اد من أه:ل العلم باتِّب:اعهم والس:عي :في
تحصيل ما يؤهلهم لبلوغ هذا المنصب الشريف ،أو ما ه::و دون::ه حس::ب اس::تعدادهم في العلم والفهم ،وأم::ر العا َّمة
اس:أَلُوا :أَ ْهَ :
:ل الِّ :ذ ْك ِر إِ ْن ُك ْنتُ ْم اَل الذين ليسوا من أهل العلم بالرجوع إلى العلماء واألخذ ب::أقوالهم :كم::ا ق::ال تع::الى﴿ :فَ ْ
تَ ْعلَ ُمونَ ﴾( ،)2أي :بحكم النازل::ة ليخ::بروكم :بم::ا اس::تنبطوه من أدل::ة الش::ريعة مقرونً:ا :بدليل::ه من ق::ول هللا ،أو ق::ول
رسوله ،أو مجردا عنه ،فإن ذكر الدليل من المجتهد أو العالم الموثوق به بالنسبة لـ َمن لم يعلم حكم هللا في النازل::ة
غير الزم خصوصًا إذا كان مـ َّمن ال يفهم وجه الداللة كأكثر عا َّمة األمة ،أو كان الدليل ذا مق:دمات يتوق::ف فهمه:ا
وتقريب االستدالل بها على أمور ليس للعامي إلمام بها)()3
الدليل الثالث:
أن هناك مصالح كثيرة ال تتحقق إال باتباع المذاهب األربعة خصوصا ،يقول ال::دهلوي( :مم::ا يناس::بُ ه::ذا
أن ه:ذه الم:ذاهب األربع:ة المقام التنبيه على مسائل ضلت في بواديها األفها ُم ،وزلت األقدام ،وطغت األقالم منه:ا َّ
ت األمةُ أو من يعت ُّد به منها على جواز تقليدها إلى بومنا هذا وفي ذلك من المص::الح م::ا ال يخفى
المدونة قد اجتمع ِ
وأعجب كلُّ ذي رأي برأيه) ()4
َ ت النفوسُ الهوى،
ال سيما في هذه األيام التي قصرت فيها الهمم،وأشرب ِ
الدليل الرابع:
ما ورد من األدلة على أنه يجوز خلو العصر :عن المجته::د ،ق::ال الزركش::ي ذاك::را ه::ذا ،ومن ق::ال به::ا من
العلماء( :يجوز خلو العصر عن المجتهد عند األكثرين وجزم به في المحصول ،وقال ال:رافعي :الخل:ق ك:المتفقين
على أنه ال مجتهد الي::وم ولعل::ه أخ::ذه من اإلم::ام ال::رازي ،أو من ق::ول الغ::زالي في الوس::يط :ق::د خال العص::ر عن
المجتهد المستقل ونقل االتفاق فيه عجيب ،والمسألة خالفية بيننا وبين الحنابلة ،وساعدهم بعض أئمتنا ،والح::ق أن
الفقيه الفطن القياس كالمجتهد :في حق العامي ،ال الناقل فقط) ()5
وق :د :أوردوا األدل::ة الكث::يرة على ه::ذا ،وردوا :بش::دة على من زعم لنفس::ه الق::درة على االجته::اد من أمث::ال
السيوطي وبقي بن مخلد وابن حزم وغيرهم.
ولهذا نرى عالما كالسيوطي :يحاول بكل الوسائل أن يبرهن ألهل عصره أنه ق::د بل::غ مرتب::ة االجته::اد ،وأن
ُ
بلغت وهلل الحمد والمنة ،رُتبة دعوى غلق باب االجتهاد غير صحيحة ،يقول في رسالته (التحدث بنعمة هللا)( :فقد
االجتهاد المطلق في األحكام الشرعية وفي :الحديث النبوي ،وفي العربية)()6
بل إنه فوق ذلك يُصرح بأنهُ مجدد المائة التاسعة ،يقول( :فإن ثم من ينفخ أشداقهُ ويدعي مناظرتي ،ويُنك::ر
عل ّي دعوى االجتهاد والتفرد بالعلم على رأس هذ ِه المئة ،ويزعم أنهُ يُعارضُني ويستجيش :عل ّي بمن لو اجتمع ه::و
وه ُم في صعيد واح ٍد ونفخت عليهم نفخة صاروا :هباءاً منثوراً)()7
وألجل هذا كتب كتابه المعروف( :الرد على من أخلد إلى االرض وجهل أن االجتهاد في كل عصر فرض)
)(1بلوغ السول في مدخل علم األصول ،محمد حسنين محلوف ،مطبعة مصطفى الحلبي ،ص .15
)(2سورة النحل.43 :
)(3بلوغ السول في مدخل علم األصول ،محمد حسنين محلوف ،مطبعة مصطفى الحلبي ،ص .15
)(4حجة هللا البالغة ،أحمد بن عبد الرحيم المعروف بـ «الشاه ولي هللا الدهلوي ،تحقيق :السيد سابق ،دار الجيل ،ب::يروت –
لبنان ،ط 1426 ،1هـ 2005 -م .ج ،1ص .263
)(5البحر المحيط في أصول الفقه ،ج / 8ص .240
)(6التحدث بنعمة :هللا ،السيوطي ،تحقيق:إليزابيث ماري سارتين ،المطبعة العربية الحديثة :،مصر1972 ،م ،ص.205
)(7الكشف عن مجاوزة هذ ِه األمة األلف ،مطبوعة ضمن الحاوي للفتاوي ،جالل الدين عبد الرحمن الس::يوطي ،دار الفك::ر،
بيروت ،ج ،2ص.86
23
()1
وألجله أيضا كثرت كتبه ورسائله ،ألنه كان يكتب في كل مسألة يختلف فيها مع المخالفين كتابا أو رس::الة،
مث::ل( :ط::رز العمام::ة في التفرق::ة بين المقام::ة والقمام::ة) ،و(االستنص::ار بالواحِ :د القه::ار) ،و(الك::اوي في ت::اريخ
السخاوي)
:ألفت في ُكِ :ل مس::ألة مؤلف:ا ً
(وخالفت أهل عص::ري في خمس::ين مس::ألة ،فُ : ُ وقد نقل عنه بعض تالميذه قوله:
ُ
أثبت فيه وجه الحق)()2
ثالثا ـ منهجه في الفتوى:
بناء على ما ذكرنا سابقا من كثرة أعالم هذا المنهج ،وكثرة تصانيفهم في جميع العلوم الش:رعية ،فإن:ه ليس
من الصعوبة التعرف على منهج الفتوى عندهم ،فهم ينطلقون من اآلراء ال::تي اختاره::ا أئم::ة م::ذاهبهم أو أتب::اعهم
الكبار باعتبارها أصال يبنى عليه ،وتفسر جميع النصوص على أساسه ،بل وصل األمر إلى أن تصبح كالمصادر:
األصلية نفسها يقاس عليها ويستنبط منها ،وهذا ما يسمى عندهم بمجتهد المذهب ،أو مجتهد التخريج(.)3
وأدنى منه من كانت له القدرة على الترجيح بين أقوال إمامه المذكورة في الم::ذهب ،ويطل :ق :عليه (مجته د
الترجيح)()4
وأدنى منه (مجتهد الفتـوى)( ،)5وهو من كانت له القدرة على فهـم فقه مـذهبه مـع حفـظه ل::ه ،أو ألك::ثره
وفهمه لضـوابطه وتخريجـات :أصحابه ،ويستطيع :الرجـوع إلى مص::ادر ه::ذا الم::ذهب؛ غ::ير أن عن::ده ض::عفا في
تقرير أدلته وتحـرير :أقيستـه(.)6
وهذا التقسيم نجده عند جميع أتباع المذاهب األربعة ،وإن اختلفت عباراتهم في ذلك.
ومن األمثلة على ذلك هذا التقسيم ال::ذي ذك::ره الق::رافي في كتاب::ه (أن::وار ال::بروق في أن::واء الف::روق) تحت
عنوان( :الفرق بين قاعدة من يجوز له أن يفتي وبين قاعدة من ال يج::وز ل::ه أن يف::تي)( )7فق::د قس::م األح::وال ال::تي
يكون عليها طلبة الفقه المالكي وعلماؤه إلى األحوال التالية:
الحالة األولى :وهي من يشتغل بمختصر :من مختصرات :مذهب::ه في::ه مطلق::ات مقي::دة في غ::يره وعموم::ات
مخصوصة في غيره
والحكم في هذه الحالة -كما يقرر القرافي -هو أنه (متى كان الكتاب المعين حفظه وفهمه ك::ذلك ،أو ج::وز
عليه أن يكون كذلك حرم عليه أن يفتي بما فيه وإن أج::اده حفظ::ا وفهم:ا :إال في مس::ألة يقط::ع فيه::ا أنه::ا مس::توعبة
التقييد ،وأنها ال تحتاج إلى معنى آخر من كتاب آخر ،فيجوز :له أن ينقلها لمن يحتاجها على وجهها من غير زيادة
وال نقصان ،وتكون هي عين الواقعة المسئول عنها ال أنها تشبهها وال تخرج عليها بل هي هي حرفا بحرف :ألن::ه
قد يكون هنالك فروق :تمنع من اإللحاق أو تخصيص أو تقييد يمنع من الفتيا بالمحفوظ فيجب الوقف)()8
الحالة الثانية :أن يتسع تحصيل الطالب في المذهب بحيث يطلع من تفاصيل الشروحات :والمط::والت على
)(1التفسير والمفسرون ،الدكتور محمد السيد حسين الذهبي ،مكتبة وهبة ،القاهرة ج ،2ص .331
)(2المدخل الفقهي العام ،مصطفى أحمد الزرقا ،دار الفكر ،دمشق ،ط ،1998 ،9ج ،1ص.190
)(3الفتاوى ،النــووي ،تحقيق:عبد القـادر أحمد عطاء ،لبنان ،مـؤسسة الكتب الثقافية ،ط ،1988 ،2ص.17
)(4تاريخ الفقه اإلسالمي ،عمر سليمان األشقر ،الجزائر ،قصر الكتاب ،1990 ،ص.135
)(5ابن تيمية :،أبو زهرة ،مصر ،دار الفكر العربي ،1991 ،ص 433وما بعدها.
26
المبحث الثالث
المنهج المذاهبي
نريد بالمنهج المذاهبي المنهج الذي يتميز أصحابه بثالث خصائص:
األولى :أنهم ال يرون ضرورة االلتزام بالمذهب الواحد ،على عكس أصحاب المنهج المذهبي.
الثانية :أنهم يرون صعوبة االجتهاد أو سد باب::ه ،وله::ذا ال ي::رون ض::رورة الع::ودة إلى النص::وص مباش::رة
الستنباط :األحكام منها ،على خالف المنهج االستداللي.
الثالثة :وهي التي على أساسها اكتسبوا هذا الوصف ،وهي أنهم يرون أن كل ما كتب::ه الفقه::اء س::واء ك::انوا
من أتباع المذاهب األربعة أو غيرهم ،يمكن االعتماد عليه والرجوع :إليه ،إما العتبارهم أن كل مجتهد في الفروع:
مصيب ،أو أن المصيب واحد ولكن ال نستطيع أن نعينه.
وبناء على هذا فإن المفتي على حسب هذا المنهج يبحث في كل التراث الفقهي عن المسألة التي سئل عنها،
ويورد األقوال فيها ليترك للمستفتي حرية االختيار :بينها.
بناء على هذا سنعرض هنا – باختصار شديد – لمثل ما عرضنا إليه في المبح::ثين الس::ابقين من أعالم ه::ذا
المنهج الذين يمثلونه وأدلتهم والمنهج أو اآلليات التنفيذية التي يعتمدون عليها في الفتوى.
أوال ـ أعالمه:
على عكس ما ذكرنا في المنهج السابق ،فإن عدد المتبنين لهذا المنهج في الواق::ع اإلس::المي ،طيل::ة الت::اريخ
اإلسالمي محدود :جدا ،ألنه ال ينطبق إال على القائلين بأن كل مجته::د في الف::روع مص::يب ،وع::دد ه::ؤالء مح::دود
جدا.
وقد ذكر السيوطي :في رس::الته ال:تي وض:عها :لنص:رة ه:ذا المنهج ،وال::تي أس:ماها بـ (جزي::ل الم::واهب في
اختالف المذاهب) أن (ترجيح القول بأن كل مجتهد مصيب ،وأن حكم هللا في ك:ل واقع::ة ت::ابع لظن المجته::د ،ه::و
أحد القولين لألئمة األربعة ،ورجحه القاضي أبو بكر ،وقال في (التق::ريب) :األظه::ر من كالم الش::افعي ،واألش::به
بمذهبه ومذهب أمثاله من العلماء القول بأن كل مجتهد مصيب ،وقال به من أصحابنا :ابن س::ريج ،والقاض:ي :أب::و
حامد ،والداركي ،وأكثر العراقيين ،ومن الحنفية :أبو يوسف ،ومحمد بن الحسن ،وأب:و :زي::د الدبوس::ي :،ونقل::ه عن
علمائهم جميعاً)()1
ولكن مع ذلك ،وفي :الفروع الفقهية المختلفة يمكن أن نجد الكثير من الفقهاء المتبنين لهذا المنهج:
فالشيخ عبد الوهاب الشعراني -مثال – مع كونه شافعي المذهب ،يمكن اعتباره من أعالم ه:ذا المنهج ،فق:د
سلك مسلكا في إرجاع مسائل الخالف الفقهي إلى الوفاق ،بأن حم::ل ك::ل ق::ول من أق::وال المختلفين على ح::ال من
أحوال المكلفين ،وقد :بنى كتابه (الميزان) على هذا المبدأ الذي عبر عنه بقوله( :إن الش::ريعة المطه::رة ق::د ج::اءت
من حيث االمر والنهي :على مرتبتين :تخفيف وتشديد ،ال على مرتبة واحدة ،كما يظن::ه غ::الب الن::اس ،ولك::ل من
المرتبتين رج::ال في ح::ال مباش::رتهم :للتك::اليف ،فمن ق::وي منهم خ::وطب بالعزيم::ة والتش::ديد ال::وارد في الش::ريعة
ص::ريحا ،أو المس::تنبط منه::ا في مذهب::ه أو غ::يره ،ومن ض::عف منهم :خ::وطب بالرخص::ة والتحقي::ق ال::وارد في
الشريعة صريحا أو مستنبطا منها في مذهبه أو غيره .فال يؤمر القوي بالنزول إلى مرتب::ة الرخص::ة ،م::ع قدرت::ه
على فعل العزيمة ،وال يكلف الضعيف :بالصعود إلى مرتبة العزيمة ،م::ع عج::زه عنه::ا ،فالمرتبت::ان على ال::ترتيب
الوجودي ،ال على التخيير)()2
ومثله ابن القيم ،فمع كونه من علماء ،بل من أعيان المنهج االستداللي إال أنه في بعض المسائل يمي::ل إلى
)(1جزيل المواهب فى اختالف المذاهب ،عبد الرحمن بن أبي بكر ،جالل الدين السيوطي ،تحقيق :عبد القي::وم محم::د ش::فيع
البستوي ،دار االعتصام ،ص.35
)(2كتاب الميزان ،أبو المواهب عبد الوهاب بن أحمد الشعراني ،تحقيق :الدكتور عب::د ال::رحمن عم::يره ،ع::الم الكتب ،ط،1
1409هـ 1989 -م ،ص.8
27
هذا المنهج ،وقد :أشار إلى هذا ،بل اعتمده ـ مع قوله بعدم صحة اعتبار أن كل مجتهد مصيب ـ عند بيانه لمخ::ارج
الطالق ،فقد عقد فصوال مهمة للمخارج من الوقوع :في التحلي::ل ،ق::ال في مق::دمتها(:أي ق::ول من أق::وال المس::لمين
خرج به من لعنة رسول هللا كان أعذر عند هللا ورسوله ومالئكته وعباده المؤمنين من ارتكابه لم::ا يلعن علي::ه
ومباءته باللعنة)()1
ثم ذكر مصدره الذي اعتمده الستنباط :هذه المخارج ،فقال( :فإن هذه المخ::ارج ال::تي ن::ذكرها دائ::رة بين م::ا
دل عليه الكتاب والسنة أو أحدهما أو أفتى به الصحابة بحيث ال يعرف عنهم فيه خالف ،أو أف::تى ب::ه بعض::هم ،أو
هو خارج عن أقوالهم ،أو هو قول جمهور األمة أو بعضهم :أو إمام من األئمة األربعة ،أو أتب::اعهم أو غ::يرهم من
علماء اإلسالم ،وال تخرج هذه القاعدة التي نذكرها عن ذلك ،فال يكاد يوصل إلى التحليل بعد مجاوزة جميعه::ا إال
في أندر النادر ،وال ريب أن من نصح هلل ورسوله وكتابه ودينه ،ونصح نفس::ه ونص:ح عب:اده أن أي:ا منه:ا ارتكب
فهو أولى من التحليل)()2
ثانيا ـ أدلته:
يستند أصحاب هذا المنهج إلى أدلة كثيرة نلخص أهمها فيما يلي:
الدليل األول:
اعتبار أن الخالف الفقهي الحاصل في األمة خالف رحم::ة وتوس::عة على عكس م::ا ي::رى أص::حاب المنهج
األول ،يقول الس::يوطي :في كتاب::ه (جزي::ل الم::واهب في اختالف الم::ذاهب)( :اعلم أن اختالف الم::ذاهب في المل::ة
نعمة كبيرة ،وفضيلة عظيمة ،وله سر لطيف أدركه العالمون ،وعمي عنه الجاهلون ،حتى س::معت بعض الجه::ال
يق::ول :الن::بي ج::اء بش::رع واح::د ،فمن أين م::ذاهب أربع::ة؟ ! ومن العجب أيض :ا ً من يأخ::ذ في تفض::يل بعض
المذاهب على بعض تفضيالً يؤدي ،إلى تنقيص المفض::ل علي:ه وس::قوطه ،وربم::ا أدى إلى الخص::ام بين الس:فهاء،
ص::ارت عص::بية وحمي::ة الجاهلي::ة ،والعلم::اء م::نزهون عن ذل::ك .وق:د :وق::ع االختالف في الف::روع بين الص::حابة
(رضى هللا عنهم وأرضاهم) ،وهم خير األمة ،فما خاصم :أحد منهم أحداً ،وال عادى أحد أحداً ،وال نسب أحد أحداً
إلى خطأ وال قصور))3(:
ولهذا نرى أعيان هذا المنهج– على عكس المنهج األول – يدافعون عن حديث (اختالف أم::تي رحم::ة)(،)4
وقد :نقل النووي :عن الخطابي قوله( :وقد اعترض على ح::ديث :اختالف أم::تي رحم::ة رجالن :أح::دهما مغم::وض
علي::ه في دين::ه ،وه::و عم::ر بن بح::ر الجاح::ظ ،واآلخ:ر :مع::روف بالس::خف :والخالع::ة ،وه::و إس::حاق بن إب::راهيم
الموصلي؛ فإنه لما وضع كتابه في األغاني ،وأمكن في تلك األباطي::ل لم ي::رض بم::ا ت::زود من إثمه::ا ح::تى ص::در:
كتابه بذم أصحاب الحديث ،وزعم أنهم يروون ما ال يدرون ،وقال هو والجاحظ :ل::و ك::ان االختالف رحم::ة لك::ان
االتفاق عذابا ،ثم زعم أنه إنما كان اختالف األمة رحمة في زمن النبي خاصة؛ فإذا اختلف::وا س::ألوه ،ف::بين لهم
والجواب عن هذا االعتراض الفاسد :أنه ال يل::زم من ك::ون الش::يء رحم::ة أن يك::ون ض::ده ع::ذابا ،وال يل::تزم ه::ذا
﴿و ِم ْن َرحْ َمتِ ِه َج َع َل لَ ُك ُم اللَّي َْل َوالنَّهََ :
:ار لِت َْسُ :كنُوا فِيِ :ه َولِتَ ْبتَ ُغ::وا ِم ْن ويذكره إال جاهل أو متجاهل .وقد قال هللا تعالىَ :
فَضْ لِ ِه َولَ َعلَّ ُك ْم تَ ْش ُكرُونَ ﴾( ، )5فسمى :الليل رحمة ،ولم يل:زم من ذل:ك أن يك::ون النه::ار ع:ذابا ،وه:و ظ::اهر ال ش::ك
فيه .قال الخطابي :واالختالف :في الدين ثالثة أقس::ام :أح::دها :في إثب::ات الص::انع ووحدانيت::ه ،وإنك::ار :ذل::ك كف::ر،
والثاني :في صفاته ومشيئته ،وإنكارها :بدعة ،والثالث في أحكام الفروع المحتمل::ة وجوه::ا ،فه::ذا جعل::ه هللا تع::الى
رحمة وكرامة للعلماء ،وهو المراد بحديث :اختالف أمتي رحمة)()6
)(1المستصفى.1/355 :
)(2المنثور في القواعد الفقهية ،أبو عبد هللا بدر الدين الزركشي ،وزارة األوقاف الكويتية ،ط1405 :،2هـ 1985 -م :ج ،2
ص.140
)(3هو ينقل الكالم هنا عن الشيخ عبد الوهاب الشعراني.
)(4فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب اإلمام ،مالك ،ج ،1ص .97
)(5صحيح البخاري ،ج ،9ص ،108صحيح مسلم ،ج ،3ص َ .1342
)(6صحيح البخاري ،ج ،3ص ،184صحيح مسلم ،ج ،3ص .1343
)(7فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب اإلمام مالك ،ج ،1ص .98
31
ثم ختم فت::واه فيه::ا ببي::ان المنطلق::ات العقدي::ة ال::تي ينطل::ق منه::ا أص::حاب ه::ذا المنهج ،فق::ال – ن::اقال عن
الشعراوي ( :-فإن اعتقادنا أن سائر أم:ة المس:لمين على ه:دى من ربهم في جمي:ع أق:والهم ،وم:ا ثم إال ق:ريب من
عين الشريعة وأقرب وبعيد :عنها وأبعد بحسب طول السند وقصره ،وكما يجب علينا اإليمان بصحة جميع شرائع
األنبياء قبل نسخها مع اختالفها ومخالفة أشياء فيها لظاهر شريعتنا ،فكذلك يجب على المقلدين اعتقاد صحة جميع
مذاهب المجتهدين وإن خالف كالمهم ظاهر كالم إمامهم ،ف::إن اإلنس::ان كلم::ا بع::د عن ش::عاع ن::ور الش::ريعة خفي
مدركه ونوره وظن غيره أن كالمه خ::ارج عن الش::ريعة ،وليس ك::ذلك ،ولع::ل ذل::ك س::بب تض::عيف العلم::اء كالم
بعضهم :بعضا في سائر :األدوار إلى عصرنا هذا فتجد أهل كل دور :يطعن في صحة قول بعض األدوار التي قبل::ه
وأين من يخ::رق بص::ره في ه::ذا الزم::ان جمي::ع األدوار ال::تي مض::ت قبل::ه ح::تى يص::ل إلى ش::هود اتص::الها بعين
الشريعة األولى التي هي كالم رسول هللا ممن هو محجوب عن ذلك ،فإن بين المقلدين اآلن وبين الدور األول
من الصحابة نحو خمسة عشر دورا من العلماء فاعلم ذلك)()1
ثالثا ـ منهجه في الفتوى:
يعتمد أصحاب هذا المنهج على النظر في التراث الفقهي لكل المذاهب ،لغرضين:
أولهما :انتقاء ما يرونه مناسبا من األقوال للحادثة التي يستفتون فيها ،وكمث::ال على ذل:ك م:ا فعل:ه ابن القيم
عند ذكره لمخارج الطالق ،فقد حاول أن يستفيد من كل الخالفات الموجودة ليسد باب الطالق ،وقد نص على أن::ه
إذا حلف بالطالق أال يكلم فالنا أو ال يدخل داره ،فأفتاه مفت بعدم وقوع :الطالق في هذه اليمين ،اعتقادا لقول علي
وطاوس :وشريح ،أو اعتق:ادا لق:ول أبي حنيف:ة والقف:ال في ص:يغة االل:تزام دون ص:يغة الش:رط ،أو اعتق:ادا لق:ول
أشهب أنه إذا علق الطالق بفعل الزوج::ة أن::ه لم يحنث بفعله::ا ،أو اعتق::ادا لق::ول أبي عب::د ال::رحمن الش::افعي أج::ل
أصحاب الشافعي إن الطالق المعلق ال يصح كما ال يصح النكاح والبيع والوقف المعلق ،وهو م::ذهب جماع::ة من
أهل الظاهر.
قال ابن القيم(:لم يحنث في ذلك كله ،ولم يقع الطالق ،ول::و ف::رض فس::اد ه::ذه األق::وال كله::ا فإن::ه إنم::ا فع::ل
المحلوف :عليه متأوال مقلدا ظانا أنه ال يحنث به ،فهو أولى بعدم الحنث من الجاهل والناس::ي ،وغاي::ة م::ا يق::ال في
الجاهل إنه مفرط حيث لم يستقص ،ولم يسأل غير من أفتاه ،وهذا بعينه يقال في الجاهل إنه مفرط حيث لم يبحث،
ولم يسأل عن المحلوف عليه ،فلو صح هذا الفرق لبطل عذر الجاهل ألبتة ،فكيف :والمتأول مطي::ع هلل م::أجور :إم::ا
أجرا واحدا أو أجرين؟)()2
ثانيهما :ذكر األقوال للمستفتي ليختار ما يتناسب مع حاجته ،أو ليختارها :جميعا إن كان يمكن الجمع بينها،
ومن ذلك ما روى :ابن أبي شيبة عن إبراهيم ،قال :أدرك مسروق وجندب ركعة من المغرب ،فلما سلم اإلم::ام ق::ام
مسروق فأضاف :إليها ركعة ،ثم جلس وقام جن::دب فيهم::ا جميع::ا ،ثم جلس في آخره:ا ف:ذكر :ذل:ك لعب:د هللا ،فق::ال:
كالهما قد أحسن وأفعل كما فعل مسروق :أحب إلي(.)3
وكما أشرنا سابقا ،فإن أصحاب هذا المنهج ال يكتفون بالمذاهب األربع::ة ،ب::ل يرجع::ون إلى أق::وال غ::يرهم
من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ،ولو لم يقل بها إمام من أئمة المذاهب األربعة ،وذل::ك خالف::ا لمنهج الم::ذهبيين
الذين يتعاملون مع المذاهب األربعة فقط ،وكأن اتفاقها إجماع يحرم خرقه ،ويعتبر شاذا من ال يقول به ،ثم ينتقون
من أقوال هذه المذاهب ما يرونه معتمدا أو مشهورا أو عليه العمل ،ويعتبرون ما عداه ضعيفا أو مهجورا :مع أن::ه
قد يهجر في زمان ليحيا في غيره ،أو يضعف :مع شخص ليقوى مع غيره.
وقد عقد ابن القيم لهذا فصال في اإلعالم قال فيه (:فصل :القول في جواز الفتوى باآلث::ار الس::لفية والفت::اوي
الصحابية ،وأنها أولى باألخذ بها من آراء المتأخرين وفتاويهم ،وأن قربه:ا :إلى الص::واب بحس::ب ق::رب أهله:ا من
)(1فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب اإلمام مالك ،ج ،1ص .98
)(2إعالم الموقعين :ج ،4ص.89
)(3الكتاب المصنف في األحاديث واآلثار ،أبو بكر بن أبي شيبة ،تحقيق :كمال يوسف الحوت ،مكتبة الرشد – الري::اض ،ط
،1409 ،1ج ،2ص.234
32
عصر الرسول وأن فتاوى :الصحابة أولى أن يؤخذ :بها من فتاوى التابعين ،وفت::اوى :الت::ابعين أولى من فت::اوى
تابعي التابعين ،وهلم جرا وكلم:ا ك:ان العه:د بالرس:ول :أق:رب ك:ان الص:واب أغلب ،وه:ذا حكم بحس:ب الجنس ال
بحسب كل فرد فرد من المسائل ،كما أن عصر الت::ابعين ،وإن ك::ان أفض::ل من عص::ر ت::ابعيهم فإنم::ا ه::و بحس::ب
الجنس ال بحس::ب ك::ل ش::خص ش::خص ،ولكن المفض::لون في العص::ر المتق::دم أك::ثر من المفض::لين في العص::ر
المتأخر ،وهكذا الصواب في أقوالهم أكثر من الصواب في أق::وال من بع::دهم ; ف::إن التف::اوت بين عل::وم المتق::دمين
والمتأخرين كالتفاوت الذي بينهم في الفضل والدين)()1
ثم بين خطأ االقتصار :في الفتوى على مذاهب المتأخرين وهجر :أق::وال المتق::دمين م::ع كونه::ا أق::رب ل::زمن
الوحي ،فقال(:ولعله ال يسع المفتي والحاكم عن::د هللا أن يف::تي ويحكم :بق::ول فالن وفالن من المت::أخرين من مقل::دي
األئمة ويأخذ :برأيه وترجيحه ويترك الفتوى والحكم بقول البخاري ،وإسحاق بن راهويه وعلي بن المديني ومحمد
بن نصر المروزي :،وأمثالهم ،بل يترك قول ابن المبارك :واألوزاعي :وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وحماد :بن
زيد وحماد بن سلمة ،وأمثالهم ،بل ال يلتفت إلى قول ابن أبي ذئب والزهري :والليث بن سعد ،وأمثالهم ،بل ال يع::د
قول سعيد بن المسيب والحسن والقاسم وسالم وعط::اء وط::اوس وج::ابر :بن زي::د وش::ريح ،وأبي وائ::ل وجعف::ر بن
محمد ،وأضرابهم :مما يسوغ األخذ ب::ه ،ب::ل ي::رى تق::ديم ق::ول المت::أخرين من أتب::اع من قل::ده على فت::وى :أبي بك::ر
الصديق :وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود :وأبي بن كعب وأبي الدرداء وزيد بن ثابت وعبد هللا بن عب::اس وعب::د
هللا بن عمر وعبد هللا بن الزبير :وعبادة بن الصامت ،وأبي موسى األشعري ،وأضرابهم ،فال يدري ما عذره غ::دا
عند هللا إذا سوى بين أقوال أولئك وفتاويهم :،وأق::وال ه::ؤالء وفت::اويهم ،فكي::ف إذا رجحه::ا عليه::ا؟ فكي::ف إذا عين
األخذ بها حكما ،وإفتاء ،ومن:ع األخ:ذ بق:ول الص:حابة ،واس:تجاز عقوب:ة من خ:الف المت:أخرين له:ا ،وش:هد علي:ه
بالبدعة والضاللة ومخالفة أهل العلم) ()2
)(1من التعاريف التي عرفت بها الرخص المتفق على جواز األخ:ذ به:ا( :الحكم الث:ابت على خالف ال::دليل لع::ذر م:ع كون:ه
حراما في حق غير المعذور) (البحر المحيط في أصول الفقه ،ج ،2ص )32
)(2من التعاريف ال::تي ع::رفت به::ا العزيم::ة :أنه::ا (عب::ارة عن الحكم األص::لي الس::الم موجب::ه عن المع::ارض) ،كالص::لوات
الخمس من العبادات ،ومشروعية البيع وغيرها من التكاليف( .انظر :البحر المحيط في أصول الفقه ،ج ،2ص )30
)(3البحر المحيط :ج ،6ص.325
)(4قرارات وتوصيات مجمع الفقه اإلسالمي الدولي ،)160-159( :قرار رقم (.)70
)(5سنتحدث عنه في منهج التشديد:.
34
الجواز لمجرد كونها :مختلفا فيها ،ال ل::دليل ي::دل على ص::حة م::ذهب الج::واز ،وال لتقلي::د من ه::و أولى بالتقلي::د من
القائل بالمنع ،وهو عين الخطأ على الشريعة حيث جعل ما ليس بمعتمد متعمدا ،وما ليس بحجة حجة)()1
وقد اعتبر الشاطبي :هذا من تتبع الهوى ،ومتنافيا :مع االس::تقامة والتق::وى :ال::تي أم::رت به::ا الش::ريعة ،فق::ال:
(والقائل بهذا راجع إلى أن يتبع ما يشتهيه ،ويجعل القول الموافق حجة له ويدرأ :بها عن نفسه ،فهو قد أخ::ذ الق::ول
وسيلة إلى اتباع هواه ،ال وسيلة إلى تقواه ،وذلك أبعد له من أن يكون ممتثال ألمر الشارع ،وأق::رب إلى أن يك::ون
ممن اتخذ إلهه هواه)()2
واألمر األخطر في هذا الباب هو ما أشار إليه الشاطبي من قيام بعض المفتين باالنتق::اء في الفت::وى ،فيف::تي
لكل شخص بحسبه في المسألة الواحدة ،ال مراعاة لحاله ،وإنما مراعاة ألمور :أخرى عبر عنها بقول::ه( :وق::د أدى
إغفال هذا األصل إلى أن صار :كثير من مقلدة الفقهاء يفتي قريب::ه أو ص::ديقه بم::ا ال يف::تي ب::ه غ::يره من األق::وال؛
اتباعا لغرضه وشهوته ،أو لغرض ذلك القريب وذل::ك الص::ديق :..ولق::د وج::د ه::ذا في األزمن::ة الس::الفة فض::ال عن
زماننا :كما وجد فيه تتبع رخص المذاهب اتباعا للغرض والشهوة)()3
وقد أشار إلى هذا أيضا ابن حزم ،فقد وصف :بعض الفقهاء في زمانه ،فقال( :قد يحمل اسم التق::دم في الفق::ه
في بلد ما عند العامة من ال خير فيه ،ومن ال علم عنده ،ومن غيره أعلم منه ،وقد ش::هدنا :نحن قوم:ا :فس::اقا حمل::وا
اسم التقدم في بلدنا وهم ممن ال يحل لهم أن يفتوا في مسألة من الديانة ،وال يج:وز قب:ول :ش:هادتهم ،وق:د رأيت أن:ا
بعضهم ،وكان ال يقدم عليه في وقتنا :هذا أح::د في الفتي::ا ،وه::و يتغطى ال::ديباج ال::ذي ه::و الحري::ر المحض لحاف::ا،
ويتخذ :في منزله الصور ذوات األوراح من النح::اس والحدي::د تق::ذف الم::اء أمام::ه ،ويف::تي ب::الهوى للص::ديق فتي::ا،
وعلى العدو فتيا ضدها ،وال يستحي من اختالف فتاويه على قدر ميله إلى من أفتى ،وانحرافه عليه ،ش::اهدنا :نحن
هذا منه عيانا ،وعليه جمهور أهل بلدنا ،إلى قبائح مستفيضة ال نستجيز :ذكرها؛ ألننا لم نشاهدها)()4
وأشار الشاطبي :إلى أمر أخطر من الفتوى ،وهو القضاء ،حيث ذكر أن بعض القضاة يتخير في الفتوى م::ا
يتناسب مع هواه في الحكم بين الخصوم ،مع أن (القصد من نصب الحك::ام رف::ع التش::اجر والخص::ام :على وج::ه ال
يلحق فيه أحد الخصمين ضرر ،مع عدم تطرق التهمة للح::اكم ،وه::ذا الن::وع من التخي::ير في األق::وال مض::اد له::ذا
كله)()5
ونقل في هذا عن ابن عبد البر أن قاضيا :من قضاة قرطبة كان كثير االتباع ليحيى بن يح:يى ،ال يع:دل عن
رأيه إذا اختلف عليه الفقهاء ،فوقعت قضية تفرد فيها يحيى وخالف :جميع أهل الش:ورى؛ فأرج:أ :القاض:ي القض:اء
فيها حياء من جماعتهم ،وردفته قضية أخرى كتب بها إلى يحيى ،فصرف :يحيى رسوله ،وقال له :ال أش::ير علي::ه
بشيء؛ إذ توقف على القضاء لفالن بما أشرت عليه .فلما انصرف :إليه رسوله وعرفه بقوله قلق من::ه ،وركب من
فوره إلى يحيى وقال له :لم أظن أن األمر وقع منك هذا الموقع ،وسوف :أقضي له غدا إن شاء هللا .فقال له يح::يى:
وتفعل ذلك صدقا؟ :قال :نعم .قال له :فاآلن هيجت غيظي؛ فإني :ظننت إذ خالفني أصحابي أنك توقفت مستخيرا :هلل
متخيرا في األقوال ،فأما إذ صرت تتبع الهوى وتقضي :برضى مخلوق ضعيف؛ فال خ:ير فيم::ا تجيء ب:ه ،وال في
إن رضيته منك ،فاستعف :من ذلك فإنه أستر لك ،وإال رفعت في عزلك) ،فرفع يستعفي فعزل(.)6
وذكر حادثة أخرى عن بعضهم :أنه (اكترى جزءا من أرض على اإلشاعة ،ثم إن رجال آخ::ر اك::ترى ب::اقي
األرض ،فأراد :المكتري األول أن يأخذ بالشفعة وغاب عن البلد ،فأفتى :المكتري الثاني بإحدى الروايتين عن مالك
أن ال شفعة في اإلجارات ،قال لي :فوردت من سفري ،فسألت أولئك الفقهاء -وهم أهل حفظ في المسائل وصالح
في الدين -عن مسألتي؛ فقالوا :ما علمنا أنها لك؛ إذ كانت لك المسألة أخذنا ل::ك برواي::ة أش::هب عن مال::ك بالش::فعة
)(1الموافقات ،ج ،5ص.92
)(2المرجع السابق ،ج ،5ص.92
)(3المرجع السابق ،ج ،5ص.84
)(4اإلحكام في أصول األحكام البن حزم ،ج ،6ص .167
)(5الموافقات ،ج ،5ص.86
)(6المرجع السابق ،ج ،5ص.86
35
بها) ()1 فيها .فأفتاني جميعهم بالشفعة ،فقضي لي
بل وصل األمر ببعضهم – كما يذكر الشاطبي -إلى الى أن يعتبر ذلك من حقوق الص::داقة ،ق::ال( :أخ::برني
رجل عن كبير من فقهاء هذا المصنف مشهور بالحفظ والتقدم أنه كان يقول معلنا غير مستتر :إن ال::ذي لص::ديقي
علي إذا وقعت له حكومة أن أفتيه بالرواية التي توافقه) ()2
ثم ذكر الشاطبي :مدى انتشار :هذه الظاهرة في عصره ،وموقفه منها ،فقال( :وكثيرا م::ا يس::ألني من تق::ع ل::ه
مسألة من األيمان ونحوها :لعل فيها رواية؟ أم لعل فيها رخصة؟ وهم يرون أن هذا من األمور :الش::ائعة الج::ائزة،
ولو كان تكرر عليهم إنكار الفقهاء لمثل هذا لما طولبوا :به وال طلبوه مني وال من سواي ،وهذا مم::ا ال خالف بين
المسلمين ممن يعتد به في اإلجماع أنه ال يجوز وال يسوغ :وال يحل ألحد أن يفتي في دين هللا إال بالحق الذي يعتقد
أنه حق ،رضي بذلك من رضيه ،وسخطه من سخطه ،وإنما المفتي مخبر عن هللا تع::الى في حكم::ه؛ فكي:ف يخ::بر
عنه إال بما يعتقد أنه حكم به وأوجبه ،وهللا تعالى يقول لنبيه عليه الصالة والسالمَ ﴿ :وأَ ِن احْ ُك ْم بَ ْينَهُ ْم بِ َم:ا أَ ْنَ :ز َل هَّللا ُ
ْض َم:ا أَ ْنَ :ز َل هَّللا ُ إِلَ ْي:كَ فَ:إِ ْن ت ََولَّوْ ا فَ:ا ْعلَ ْم أَنَّ َم:ا ي ُِريُ :د هَّللا ُ أَ ْن ي ِ
ُص:يبَهُ ْم َواَل تَتَّبِ ْع أَ ْهَ :وا َءهُ ْم َواحَْ :ذرْ هُْ:م أَ ْن يَ ْفتِنُ:وكَ ع َْن بَع ِ
اس لَفَا ِسقُونَ ﴾3؛ فكيف :يجوز لهذا المفتي أن يفتي بما يشتهي ،أو يفتي زي::دا بم::ا ال ْض ُذنُوبِ ِه ْم َوإِ َّن َكثِيرًا ِمنَ النَّ ِ بِبَع ِ
يفتي به عمرا لصداقة تكون بينهما أو غير ذلك من األغ::راض؟ وإنم::ا يجب للمف::تي أن يعلم أن هللا أم::ره أن يحكم
بما أنزل هللا من الحق ،فيجتهد :في طلبه ،ونهاه أن يخالفه وينحرف :عنه ،وكيف ل::ه ب::الخالص م::ع كون::ه من أه::ل
العلم واالجتهاد إال بتوفيق هللا وعونه وعصمته؟!)()4
ولكن مع هذا نجد من العلماء من أباح هذا وبرره ،وذكر أن للمقلِّد أن يختار م::ا ش::اء مم::ا يج::د في::ه س::هولة
ويسراً :على نفسه من التكاليف الشرعية ،ألن ذلك من متطلبات الشريعة ،مشددين على أن ال يكون في ذلك تهرب:ا ً
من التكليفات الشرعية أو تشهّيا ً من المكلف ،أو عودةً منه عن تقليد التزمه في المسألة)()5
ويقول العطار في حاشيته ( :يجوز اتباع رخص المذاهب ،وال يمنع منه مانع ش::رعي ...ال أدري م::ا يمن::ع
منه عقالً وشرعاً)()6
ولعل أك::ثر من اهتم بتتب::ع ال::رخص ،وح::اول أن يس::وغها ش::رعا بعض علم::اء الم::ذهب الحنفي ،وه::ذا م::ا
رجحه الكمال بن الهمام في (فتح القدير) ،حيث يقول ( :وأنا ال أدري ما يمنع هذا؟ النقل أو العقل؟ وكون اإلنسان
يتبع ما هو أخف على نفسه من قول مجتهد مسوغ له االجتهاد ،ما علمت من الشرع ذمةً عليه ،وكان يحب ما
خفف عن أمته)()7
بل روي أن من الفقهاء من صنف في ه::ذا ،ق::ال إس::ماعيل القاض::ي :دخلت على المعتض::د ف::دفع إلي كتاب::ا
نظرت فيه وقد :جمع فيه الرخص من زلل العلم::اء وم::ا احتج ب::ه ك::ل منهم ،فقلت :مص::نف ه::ذا زن::ديق ،فق::ال :لم
تصح هذه األحاديث؟ قلت :األحاديث على ما رويت ،ولكن من أب::اح المس::كر لم يبح المتع::ة ،ومن أب::اح المتع::ة لم
يبح المسكر ،وما من عالم إال وله زلة ،ومن جمع زلل العلماء ثم أخذ بها ذهب دينه ،فأمر المعتضد ب::إحراق ذل::ك
الكتاب(.)8
ونحب أن ننبه هنا إلى أنه ليس كل تتبع للرخص أنكره الفقهاء الكبار ،فمنه ما جوزوه ،بل دعوا إلي::ه ،كم::ا
)(1انظر :شرح الكوكب المنير ،تقي الدين أبو البقاء محمد بن أحمد المعروف بابن النجار الحنبلي ،تحقيق :محمد الزحيلي
ونزيه حماد ،مكتبة العبيكان ،ط1418 ،2هـ 1997 -مـ ،ج ،4ص.589
)(2المرجع السابق ،ج ،4ص.589
)(3المرجع السابق ،ج ،4ص.589
)(4ويقابله التلفيق في االجتهاد ،ويسمى :االجتهاد المركب :هو أن يجتهد اثنان أو أكثر في موضوع ،فيكون لهم فيه ق::والن،
ثم يأتي من بعدهم من يجتهد في الموضوع نفسه ،ويؤدي اجتهاده إلى األخذ من ك::ل ق::ول ببعض::ه ،ويك::ون مجم::وع ذل::ك مذهب::ه في
الموضوع ،فيكون اجتهاده هذا اجتهادا مركب:ا ب:النظر إلى م:ا س:بقه من اجته:اد ،انظ:ر :التلفي:ق ورأي الفقه:اء في:ه ،مص:طفى كم:ال
التارزي ،مجلة مجمع الفقه اإلسالمي التابع لمنظمة المؤتمر اإلسالمي بجدة ،منظمة المؤتمر االسالمي بجدة ،ع ،8ض.277
)(5انظر :أصول الفقه اإلسالمي ،محمد سالم مدكور ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،ط ،1ص . 351
)(6الرخصة الشرعية في األصول والقواعد الفقهية ،د .عمر عبد هللا الكامل ،دار ابن حزم للطباعة والنشر ،ب::يروت ،ط(1
1999م ).ص .216 – 215
)(7الفتاوى الكبرى ،أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي الشافعي ،منشورات المكتبة اإلسالمية ،ج ،3ص . 289
37
وذاك)()1 تلفيقا ً بين هذا المذهب
والمسألة – كما نرى – ترجع إلى ما طرحه المتشددون من أصحاب المنهج المذهبي من ضرورة االل::تزام
بالمذاهب ،وعدم الخروج عنه::ا ،وبالت::الي ف::إن من ي::رى ه::ذا ي::رى حرم::ة التلفي::ق ،ومن ي::رى ج::واز التنق::ل بين
المذاهب ،ولو في القضية الواحدة ،يرى جواز التلفيق.
وقد أشار إلى هذا ،والخالف الوارد :فيه ،الزركشي ،فقال( :فلو التزم مذهبا معينا ،كمالك والشافعي ،واعتقد
رجحانه من حيث اإلجمال فهل يجوز أن يخالف إمامه في بعض المسائل ويأخذ :بقول غيره من مجتهد آخ::ر؟ في::ه
مذاهب( :أحدها) :المنع ،وبه جزم الجيلي في اإلعجاز ،ألن قول كل إمام مستقل بآحاد الوق::ائع ،فال ض::رورة إلى
االنتقال إال التشهي ،ولما فيه من اتباع الترخص والتالعب بالدين .و(الث::اني) يج::وز ،وه::و األص::ح في ال::رافعي،
ألن الصحابة لم يوجبوا على الع::وام تع::يين المجته::دين ،ألن الس::بب -وه::و أهلي:ة المقل::د للتقلي::د ع:ام بالنس::بة إلى
أقواله ،وعدم أهلية المقلد مقتض لعموم هذا الجواب ووجوب االقتصار على مفت واحد بخالف سيرة األولين)()2
ثم ذكر الزركشي :صورتين لجواز التلفيق:
(إحداهما) :إذا كان مذهب غير إمامه يقتض::ي تش:ديدا ك::الحلف ب:الطالق الثالث على فع::ل ش:يء ،ثم فعل:ه
ناسيا أو جاهال ،وكان مذهب مقلده عدم الحنث فخرج منه لقول من أوقع الطالق ،فإنه يستحب له األخذ باالحتياط
والتزام :الحنث قطعا ،ولهذا قال الشافعي :إن القصر في سفر جاوز :ثالثة أيام أفضل من اإلتمام.
و(الثانية) :إذا رأى للقول المخالف لمذهب إمامه دليال صحيحا :ولم يجد في مذهب إمامه دليال قويا عنه وال
معارضا :راجحا عليه ،فال وجه لمنعه من التقليد حينئذ محافظة على العمل بظاهر الدليل(.)3
ونقل العطار الشافعي :أقوال عدد من العلماء أجازوا التلفيق لغرض األخذ بالرخصة واأليس::ر ،فق::ال( :نق::ل
الشرنباللي :الحنفي عن السيد أمير باد شاه في شرح التجريد :يج::وز :اتب::اع رخص الم::ذاهب ،وال يمن::ع من::ه م::انع
شرعي ،إذ لإلنسان أن يسلك المسلك األخف عليه من مذهب إلى مذهب ،إذا كان له إليه س::بيل ،ب::أن لم يكن عم::ل
بقول آخر مخالف لذلك األخف ..وقال ابن أمير الحاج إن مثل هذه التشديدات التي ذكروها :في المتنق::ل من م:ذهب
إلى مذهب إلزامات منهم لكف الناس عن تتبع الرخص ،وإال فأخ:ذ الع:امي بك:ل مس:ألة بق:ول مجته:د يك:ون قول:ه
أخف عليه فال أدري ما يمنع منه عقالً وشرعاً)()4
ونحب أن ننبه هنا فقط إلى أن التلفيق الذي أجازه هؤالء العلماء ال عالقة له بم::ا ذك::ره بعض المتحللين من
أحكام الشريعة المتالعبين بها ،والذين عبر ابن الرومي :عنهم ،فقال:
وق::ال الحرام::ان المدام::ة أباح العراقي :النبي::ذ وش::ربه
والس::::::::::::::::::::::::::::::::::::::كر:
فحلت لن::::::::::::ا من بين وق::ال الحج::ازي :الش::رابان
اختالفهم::::::::::::::::::::::::ا الخمر واح:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::د
وأشربها ال فارق :ال::وازر: س::آخذ من قوليهم::ا :طرفيهما:
ال:::::::::::::::::::::::::::::::::::وزر)5(:
األصل الثالث :جواز الحيل الفقهية
ومعناها – كما يذكر ابن القيم( -سلوك الطرق الخفية التي يتوصل :بها الرجل إلى حص::ول غرض::ه ،بحيث
)(1أصول الفقه اإلسالمي ،د .وهبة الزحيلي ،دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت ،الطبعة األولى ( 1986م) ج
،2ص .1142
)(2البحر المحيط في أصول الفقه ،8 ،ص .375
)(3المرجع السابق ،ج ،8ص .376
)(4حاشية العطار على شرح الجالل المحلي ،حسن بن محمد بن محمود العطار الشافعي ،دار الكتب العلمي::ة – ب::يروت ،ج
،2ص 442
)(5محاضرات األدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء ،أبو القاسم الحسين بن محم::د المع:روف ب:الراغب األص:فهاني ،ش:ركة
دار األرقم بن أبي األرقم – بيروت ،ط 1420 ، ،1هـ ،ج ،1ص.769
38
ال يتفطن له إال بنوع من ال:ذكاء والفطن:ة ..وأخص من ه:ذا اس:تعمالها في التوص::ل إلى الغ::رض الممــنوع :من:ه
شرعا ً أو عقالً أو عادةً ،فهذا هو الغالب عليها في عرف الناس)()1
وقد ذكر ابن تيمية بداية نشوء ه:ذه الظ:اهرة ،فق:ال( :أم:ا اإلفت:اء به:ا وتعليمه:ا :للن:اس وإنفاذه:ا في الحكم،
واعتقاد جوازها فأول ما حدث في اإلسالم في أواخر عصر صغار التابعين بعد المئة األولى بسنين كث:يرة ،وليس
فيها وهلل الحمد حيلة واحدة تؤثر عن أصحاب رس:ول :هللا ،ب::ل المس::تفيض عن الص::حابة أنهم ك:انوا إذا ُس:ئلوا
عن فعل شيء من ذلك أعظموا وزجروا عنه)()2
ومن المش::هور في ت::اريخ التش::ريع :اإلس::المي أن الحنفي::ة من أك::ثر من اهتم به::ذا الج::انب ،وأن لهم فيه::ا
مؤلفات ،منها (المخارج في الحيل) لإلمام محمد بن الحسن الشيباني :الحنفي ،وقد حص::ل خالف في نس::بة الكت::اب
إليه ،ومنها (الحيل والمخارج) للخصاف :الحنفي ،وغيرها.
وتروى :عن أبي حنيفة الكثير من القصص في هذا ،منها ما رواه محمد بن الحس::ن ،ق::ال :دخ::ل على رج::ل
اللصوص ،فأخذوا متاعه واستحلفوه بالطالق ثالث:ا أن ال يعلم أح:دا ،ق:ال :فأص:بح الرج:ل وه:و ي:رى اللص:وص
يبيعون متاعه ،وليس يقدر يتكلم من أجل يمينه ،فجاء الرجل يشاور :أبا حنيفة ،فقال له أبو حنيفة( :أحضرني :إم::ام
حيك والمؤذن والمستورين منهم) ،فأحضرهم :إياه ،فقال لهم أبو حنيفة( :هل تحبون أن يرد هللا على ه::ذا متاع::ه؟)
قالوا :نعم ،قال( :فاجمعوا كل داعر وكل متهم فأدخلوهم في دار ،أو في مسجد ،ثم أخرجوهم واحدا واحدا ،فقولوا
له :هذا لصك ،فإن كان ليس بلصه قال :ال ،وإن كان لصه ،فليسكت ،فإذا سكت فاقبضوا عليه) ،ففعلوا ما أم::رهم
به أبو حنيفة ،فرد هللا عليه جميع ما سرق منه(. )3
ومنها ما رواه عن وكيع قال :كان لنا ج::ار من خي::ار الن::اس ،وك::ان من الحف::اظ للح::ديث ،فوق:ع :بين::ه وبين
امرأته شيء وكان بها معجبا ،فق::ال له::ا :أنت ط::الق إن س::ألتيني الطالق الليل::ة ،إن لم أطلق::ك الليل::ة ثالث::ا ،فق::الت
المرأة :عبيدها أحرار ،وكل م::ال له::ا ص::دقة إن لم أس::ألك الطالق الليل::ة ،فج::اءني ه::و والم::رأة في اللي::ل ،فق::الت
المرأة :إني بليت بكذا ،وقال الرجل :إني بليت بكذا ،فقلت م::ا عن::دي في ه::ذا ش::يء ،ولكن::ا نص::ير إلى الش::يخ أبي
حنيفة فإني أرجو أن يكون لنا عنده فرج ،وكان الرجل يكثر الوقيعة في أبي حنيفة وبلغه ذلك عنه ،فقال :أس::تحيي
منه ،فقلت :امض بنا إليه ،فأبى ،فمضيت :معه إلى ابن أبي ليلى وسفيان ،فقاال :م::ا عن::دنا في ه::ذا ش::يء ،فمض::ينا:
إلى أبي حنيفة ،فدخلنا عليه ،وقصصنا عليه القصة وأخبرته أنا مضينا إلى سفيان وابن أبي ليلى ،فع::زب الج::واب
عنهما ،فقال :إني وهللا ما أجد الفرض إال جوابك ،وإن كنت لي عدوا ،فسأل الرج:ل :كي:ف حل:ف؟ وس:أل الم:رأة:
كيف حلفت؟ وقال :وأنتما تريدان الخالص من هللا في أيمانكما وال تحبان الفرقة ،فقالت :نعم ،وق::ال :الرج::ل :نعم،
قال :سليه أن يطلقك ،فقالت :طلقني ،فقال للرجل :قل لها أنت ط:الق ثالث:ا إن ش:ئت ،فق:ال له:ا ذل:ك ،فق:ال للم:رأة
قولي :ال أشاء ،فقالت :ال أشاء ،فقال :قد بررتما وخرجتما من طلبة هللا لكما ،فقال للرجل :تب إلى هللا من الوقيعة
في كل من حمل إليك ش:يئا من العلم " ق:ال وكي:ع :فك:ان الرج:ل بع:د ذل:ك ي:دعو ألبي حنيف:ة في دب:ر الص:لوات،
وأخبرني أن المرأة تدعو له كلما صلت(.)4
ولكن هذا وإن اشتهر به الحنفي::ة ،فليس خاص::ا بهم ،حيث نج::د من فقه::اء الم::ذاهب األخ::رى من أخ::ذ به::ذا
األصل أيضا.
يقول النووي ( :ومن التساهل أن تحمله األغراض الفاسدة على تتبع الحيل المحرّمة أو المكروهة والتمس::ك
بالشبه طلبا ً للترخيص لمن يروم نفعه ،أو التغلي::ظ على من يري::د ض:رّه وأم::ا من صّ :ح قص::ده فاحتس::ب في طلب
حيلة ال شبهة فيها لتخليص من ورطة يمين ونحوها :،فذلك حسن جميل ،وعلي:ه يحم:ل م:ا ج:اء عن بعض الس:لف
)(1المجموع شرح المهذب (مع تكملة السبكي والمطيعي) ،أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي ،دار الفكر ،ج ،1
ص .46
)(2سورة البقرة.185 :
)(3سورة المائدة.6 :
)(4سورة النساء.28 :
)(5صحيح البخاري ،ج ،1ص .16
)(6صحيح البخاري ،ج ،1ص ..17
)(7صحيح البخاري ،ج ،1ص .16
)(8صحيح البخاري ،ج ،4ص .65
)(9سورة البقرة.185 :
)(10سورة المائدة.6 :
)(11سورة الحج.78 :
)(12سورة البقرة.286 :
)(13سورة المائدة.3 :
40
3ـ قاع::دة (كلم ا ض اق األم ر اتسع) وهي مس::تنبطة من قول::ه تع::الى ﴿ :ي ُِري ُ :د هَّللا ُ أَ ْن يُخَ فِّفَ َع ْن ُك ْم َو ُخلِ َ :
ق
ْر ي ُْس:رًا ْر يُ ْسرًا ( )5إِ َّن َم َع ْال ُعس ِ ْر يُ ْسرًا﴾( ،)2وقوله ﴿ :فَإِ َّن َم َع ْال ُعس ِ ض ِعيفًا﴾()1وقولهَ ﴿ :سيَجْ َع ُل هَّللا ُ بَ ْع َد ُعس ٍ اإْل ِ ْن َسانُ َ
()3(﴾ )6
َ ْ
4ـ قاعدة (الميسور ال يسقط بالمعسور) المستنبطة من قوله تعالىَ ﴿ :ربَّنَا َواَل تُ َح ِّملنَ:ا َم::ا اَل طاقَ:ةَ لَنَ::ا بِِ :ه﴾
َت َعلَ ْي ِه ْم﴾(،)6 صَ :رهُ ْم َواأْل َ ْغاَل َل الَّتِي َك::ان ْ ( ،)4وقوله ﴿ :اَل يُ َكلِّفُ هَّللا ُ نَ ْفسًا إِاَّل َم::ا آَتَاهَا﴾( ،)5وقول::هَ ﴿ :ويَ َ
ضُ :ع َع ْنهُ ْم إِ ْ
ج ﴾()7 يض َح َر ٌ ج َح َر ٌج َواَل َعلَى ْال َم ِر ِ ْس َعلَى اأْل َ ْع َمى َح َر ٌج َواَل َعلَى اأْل َ ْع َر ِ وقوله ﴿ :لَي َ
الدليل الثاني:
أنه كان من سنة رسول هللا وهو المفتي األول في اإلسالم مراعاة التيس::ير ،والنهي عن التش::دد ،ول::ذلك
فإن الفقيه الذي يميل إلى التيسير إنما يطبق سنة رسول هللا في الفتوى.
ففي الحديث عن عائشة أنها قالت ( :ما خير رسول هللا بين أمرين إال أخذ أيسرهما ما لم يكن إث ًما ،فإن
كان إثما كان أبعد الناس منه .وما انتقم رسول هللا لنفسه إال أن تنتهك حرمة هللا ،فينتقم هلل بها)()8
ره ُم من األَع َمال بما ي ُطيقُون)()9وعنها قالت :كان رسول هللا ( :إذا أَ َم َرهُم أَ َم َ
وعن عمار بن ياسر قال :بعثنا رس::ول :هللا في حاج::ة ف::أجنبْت فلم أج::د م::ا ًء ،فم::رغت في الص::عيد كم::ا
تمرّغ الدابة ،ثم أتيت النبي فأخبرته فقال « :إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هك ذا » ثم ض::رب بيدي::ه األرض
ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر :كفيه ووجهه(.)10
ق على أمتي ألمرتهم بالسواك مع كل صالة)()11 وعن أبي هريرة أن رسول هللا قال( :لوال أن أش ّ
وكان ال يشق على أصحابه في أمر حتى في أوقات تعليمهم ،فقد روى ابن مسعود أنه قال( :كان النبي
يتخولنا :بالموعظة في األيام كراهة السآمة علينا)()12
وعن أنس ،قال ( :ما صليت وراء إمام قط أخف صالة وال أتم من النبي ،وإن كان ليسمع بكاء الص::بي
فيخفف مخافة أن تفتن أمه)()13
وهكذا كان الصحابة المنتجبون ،وهم أدرى الناس بسنة رس::ول هللا ،فق::د ح::دث عم::ر بن إس::حاق( :لم::ا
ل تشديداً منهم)()14أدركت من أصحاب رسول :هللا أكثر ممن سبقني منهم؛ فما رأيت قوما ً أيسر سيرة وال أق ّ
الدليل الثالث:
ما ورد من النصوص في النهي عن التشدد في الدين ،وهي كثيرة جدا ،منه::ا م::ا ح::دث ب::ه ابن مس::عود أن
)(1عرفه الجرجاني بأن::ه (حف::ظ النفس عن الوق::وع في الم::آثم) (كت::اب التعريف:ات ،علي بن محم:د بن علي ال:زين الش:ريف
الجرجاني ،دار الكتب العلمية بيروت –لبنان ،ط1403 :،1هـ 1983-م ،ص ،)12وعرفه ابن عبد البر بأنه (الكف عن إيجاب ما لم
يأذن هللا بإيجابه)( التمهيد :لما في الموطأ من المعاني واألسانيد ،ج ،2ص ،)63وعرفه ابن تيمية :بأنه (اتقاء ما يخاف أن يك::ون س::ببا
للذم والعذاب عند عدم المعارض الراجح) (مجم:وع الفت:اوى ،تقي ال:دين أب::و العب::اس أحم:د بن عب::د الحليم بن تيمي::ة ،تحقي:ق :عب:د
الرحمن بن محمد بن قاسم ،مجمع المل:ك فه:د لطباع:ة المص:حف الش:ريف ،المدين:ة النبوي:ة ،المملك:ة العربي:ة الس:عودية1416 ،هـ/
1995م ،ج ،20ص.138
. )(2عرفه السرخسي بأنه (عبارة عن طلب الشيء بغالب الرأي عند تعذر الوقوف على حقيقته)( المبسوط ،محمد بن أحم::د
بن أبي سهل شمس األئمة السرخسي ،دار المعرفة – بيروت1414 ،هـ 1993 -م ،ج ،10ص)185
)(3عرفت:ه الموس:وعة الكويتي:ة :بأن::ه (ع::دم إب:داء ق::ول في المس:ألة االجتهاديّ::ة لع:دم ظه::ور وج:ه ّ
الص:واب فيه::ا للمجته::د)
(الموسوعة الفقهية الكويتية ،وزارة األوقاف والشئون اإلسالمية – الك::ويت ،دارالسالس::ل -الك::ويت 1427 :- 1404 ،هـ ،ج،14
ص)176
)(4عرف بأنه (اجتناب الشبهات خوفا من الوقوع في المحرمات) (التعريفات ،ص )346
)(5مجموع الفتاوى ،ج ،20ص.262
)(6الموافقات ،ج ،3ص.85
44
بالبعض)()1 االحتياط :في العبادات ،فمن احتاط استوفى :الكل ،ومن خفف أخذ
ومثلهم جميعا العز بن عبد الس:الم ال:ذي اعت:بر االحتي:اط أص:ال من األص:ول المهم:ة ال:تي ال يمكن تحق:ق
مقاصد الشريعة من دونها:.
وقد قسمه إلى قسمين(:)2
االحتياط المندوب :وهو المعبر عنه بالورع ،ومثل له بأمثلة كثيرة منها :غسل اليدين ثالثا إذا قام من الن::وم
قبل إدخالهما اإلناء ،وكالخروج :من خالف العلماء عند تقارب المأخذ ،وكإصالح الحكام بين الخص::وم :في مس::ائل
الخالف ،وكاجتناب كل مفسدة موهمة ،وفعل كل مصلحة موهمة؛ فمن شك في عقد من العق::ود ،أو في ش::رط من
شروطه ،أو في ركن من أركان::ه ،فليع::ده بش::روطه وأركان::ه ،وك::ذلك :من ف::رغ من عب::ادة ،ثم ش::ك في ش::يء من
أركانها ،أو شرائطها بعد زمن طويل ،فالورع :أن يعيدها.
االحتياط الواجب :لكونه وسيلة إلى تحصيل ما تحقق تحريمه ،فإذا دارت المص::لحة بين اإليج::اب والن::دب،
واالحتي::اط ،حمله::ا على اإليج::اب؛ لم::ا في ذل::ك من تحق::ق ب::راءة الذم::ة ،ف::إن ك::انت عن::د هللا واجب::ة فق::د حص::ل
مصلحتها ،وإن كانت مندوبة فقد حص:ل على مص:لحة الن:دب وعلى ث:واب ني:ة الج::واب ،ف:إن من هم بحس:نة ولم
يعملها كتبت له حسنة ،وإذا دارت المفسدة بين الكراهة والتحريم :فاالحتياط :حملها على التحريم ،فإن كانت مفس::دة
التحريم :محققة ،فق::د ف::از باجتنابه::ا ،وإن ك::انت منفي::ة فق::د ان::دفعت مفس::دة المكروه::ة ،وأثيب على قص::د اجتن::اب
المحرم ،فإن اجتناب المحرم أفضل من اجتناب المكروه ،كما أن فعل الواجب أفضل من فعل المندوب(.)3
وكما كان الحنفية من أكثر المذاهب ميال إلى منهج التيسير في الفتوى ،فإن الذهب المالكي من أكثره::ا ميال
إلى منهج التشديد مراعاة لالحتياط ،يقول ابن عبد البر عن اإلمام مالك( :وكان رحمه هللا متحفظا كث::ير االحتي::اط
للدين)()4
ويقول ابن العربي( :فإن اللفظ إذا كان غريبا لم يخرج عند مالك أو كان احتياطا لم يعدل عنه)()5
وقال الحطاب( :ومذهبه (أي مالك) مبني على سد الذرائع واتقاء الشبهات ،فهو :أبع::د الم::ذاهب عن الش::به)
()6
وهذا ال يعني أن سائر الفقهاء لم يأخذوا به ،ولكن درجاتهم :أخذهم به ك::انت أخ::ف من درج::ة أخ::ذ المالكي::ة
به.
أصل)()7 يقول السرخسي :عن أصول المذهب الحنفي( :األخذ باالحتياط في العبادات
ويقول الزركشي( :فإن الشافعي :يرى تقديم األحوط ،ألنه أقرب إلى مقصود الشارع)()8
ولع::ل من أك::بر المغ::الين في األخ::ذ ب::ه بعض الص::وفية ،كم::ا ذك::ر ذل::ك الس::يوطي :والش::عراني والمن::اوي
وغيرهم.
فهم ي::رون أن (يؤخ::ذ من ك::ل م::ذهب باألش::د واألح::وط :واألورع ،ف::إذا ك::ان في م::ذهب الش::افعي -مثال -
الجواز في مسألة ،والتح::ريم في أخ::رى ،وم::ذهب غ::يره ب::العكس ،يأخ::ذون ب::التحريم :احتياط::ا ،وإذا ك::ان مذهب::ه
)(1أحكام القرآن ،القاضي محمد بن عبد هللا أبو بكر بن العربي المعافري االشبيلي المالكي ،تحقيق :محمد عبد القادر عطا،
دار الكتب العلمية ،بيروت – لبنان ،ط 1424 ،2هـ 2003 -م ،ج ،2ص.63
)(2قواعد األحكام في مصالح األنام ،ج ،2ص .18
)(3قواعد األحكام في مصالح األنام ،ج ،2ص .20
.
)(4االستذكار ،أبو عمر يوسف بن عبد هللا بن محمد بن عبد البر بن عاصم النم:ري القرط:بي ،تحقي:ق :س:الم محم:د عط:ا،
محمد علي معوض ،دار الكتب العلمية – بيروت ،ط ،2000 – 1421 ،1ج ،3ص.380
)(5أحكام القرآن ،ج ،1ص.558
)(6مواهب الجليل ،للحطاب ،ج ،1ص.37
)(7أصول السرخسي ،محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس األئمة السرخسي ،دار المعرفة – بيروت ،ج ،1ص.52
)(8البحر المحيط ،ج ،6ص.177
45
الوجوب في مسألة ،واالستحباب في أخرى ،ومذهب غ:يره ب:العكس ،يأخ:ذون ب:الوجوب :في المس:ألتين احتياط:ا،
فيقولون بنقض الوضوء بلمس النساء ،ومس الفرج ،وبالقيء ،والدم :السائل ،ويقولون بوجوب النية في الوض::وء،
ومسح كل الرأس ،ووجوب :الوتر ،إلى غير ذلك)()1
وقد خرج التشدد ببعضهم :إلى الوقوع :في الحرج المنهي عنه شرعا ،وقد :ذكر هؤالء ابن القيم ،فق::ال( :وق:د:
بلغ الشيطان منهم أن عذبهم في الدنيا قبل اآلخرة ،وأخ::رجهم :عن اتب::اع الرس::ول وأدخلهم في جمل::ة أه::ل التنط::ع
والغلو ،وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا)()2
وبين الفرق بين ال::ورع المستحس::ن ش::رعا والوسوس::ة ال::تي هي نت::اج المبالغ::ة في االحتي::اط بعي::د عن فهم
مقاصد الشارع ،فقال( :والفرق بين االحتياط والوسوسة أن االحتي::اط االستقص::اء والمبالغ::ة في اتب::اع الس::نة وم::ا
كان عليه رسول :هللا وأصحابه من غير غلو ومجاوزة وال تقصير وال تفريط ،فهذا هو االحتياط ال:ذي يرض:اه
هللا ورسوله .وأما الوسوسة فهي ابتداع ما لم تأت به السنة ،ولم يفعله رسول هللا وال أحد من الص::حابة زاعم::ا
أنه يصل بذلك إلى تحصيل المشروع :وضبطه كمن يحت::اط بزعم::ه ويغس::ل أعض::اءه في الوض::وء :ف::وق الثالث::ة،
فيسرف في صب الماء في وضوئه وغسله ،ويصرح بالتلفظ بنية الصالة مرارا أو مرة واحدة ،ويغسل ثياب::ه مم::ا
ال يتيقن نجاسته احتياطا ،ويرغب عن الصالة في نعله احتياط::ا إلى أض::عاف ه::ذا مم::ا اتخ::ذه الموسوس::ون دين::ا،
وزعموا أنه احتياط ،وقد :كان االحتياط باتباع هدى رسول هللا وما كان عليه أولى بهم ،فإنه االحتياط :الذي من
خرج عنه فقد فارق :االحتياط وعدل عن سواء الصراط :.واالحتياط كل االحتياط :الخ:روج عن خالف الس:نة ،ول::و
خالفت أكثر أهل األرض ،بل كلهم)()3
األصل الثاني :القول بسد الذرائع
بما أن المذهب المالكي هو أمي::ل الم::ذاهب إلى ه::ذا المنهج ،فق::د ك::ان من أكثره::ا عمال بس::د ال::ذرائع ،ق::ال
القرطبي( :وسد الذرائع ذهب إليه مالك وأصحابه وخالفه أك::ثر الن::اس تأص::يال ،وعمل::وا علي::ه في أك::ثر ف::روعهم
تفصيال)()4
ثم حرر معناه عند المالكية ،ومواضع :الخالف بينهم في::ه ،فق::ال( :ح::رر موض::ع الخالف فق::ال :اعلم أن م::ا
يفضي إلى الوقوع في المحظور :إما أن يلزم منه الوقوع :قطعا أو ال ،واألول :ليس من هذا الباب ،بل من باب ما ال
خالص من الحرام إال باجتنابه ففعله حرام من ب::اب م::ا ال يتم ال::واجب إال ب::ه فه::و واجب .وال::ذي ال يل::زم إم::ا أن
يفضي إلى المحظور غالبا أو ينفك عنه غالبا أو يتساوى األمران وهو المسمى ب (الذرائع) عن::دنا :ف::األول ال ب::د
من مراعاته ،والثاني والثالث اختلف األصحاب فيه ،فمنهم من يراعيه ،ومنهم من ال يراعيه ،وربما :يسميه التهمة
البعيدة والذرائع الضعيفة)()5
وألجل مبالغة مالك في سد الذرائع ك ّره بعض المندوبات لئال يعتق::د في وجوبه::ا أو س:ننها ،وذل:ك ش::أنه في
الس:تة أي:ام من ش:هر كراهة ُك ّل النَّوافل :التي تتخذ على طريقة الورد في أيام معلومات ،ومن ذل:ك أنَّه ك::ره ص:يام ِّ
ً
ضانَ ثُ َّم أَ ْتبَ َعهُ ِستّا ِم ْن َش َّوا ٍل، شوال ،لئال يعتقد العا ّمة أنَّها كصيام :رمضان واجبة( ،)6وأ َّول الحديثَ ( :م ْن َ
صا َم َر َم َ
أن المقصود بشوال طول السَّـنة أي ما يقاب::ل رمض::ان ،فاس::تحب ص::يام :النَّافل::ة دون صيَ ِ:ام ال َّد ْه ِر)( ،)7على َّ
َكانَ َك ِ
)(1الموطأ ،مالك بن أنس بن مالك بن عامر األصبحي المدني ،تحقيق :محمد مصطفى األعظمي ،مؤسسة زاي::د بن س::لطان
آل نهيان لألعمال الخيرية واإلنسانية -أبو ظبي – اإلمارات ،ط 1425 ،1هـ 2004 -م ،ج ،3ص.447
)(2شرح مسلم للنَّوويّ ،ج ،8ص.56
)(3موطأ مالك ج ،4ص .974
)(4مسند أحمد ج ،4ص ،486صحيح مسلم ،ج ،1ص .327
)(5نيل األوطار ،محمد بن علي بن محم::د بن عب::د هللا الش:وكاني اليم::ني ،تحقي::ق :عص::ام ال::دين الص::بابطي ،دار الح::ديث،
مصر ،ط1413 ،1هـ 1993 -م ،ج ،3ص.157
)(6هناك خالف في اعتبار المالكية لهذا األصل ،ق::ال الونشريس::ي( :إن مراع::اة الخالف ق::د عاب::ه جماع::ة من الفقه::اء منهم
اللخمي وعياض وغيرهما من المحققين ،حتى قال عياض( :القول بمراع::اة الخالف ال يعض::ده القي::اس ،وكي::ف ي::ترك الع::الم مذهب::ه
الصحيح عنده ويفتي بمذهب غيره المخالف لمذهب هذا ال يسوغ إال عند الترجيح وفوت فوات النازلة فيسوغ له التقليد ويس::قط عن::ه
التكليف في تلك الحادثة)( إيضاح المسالك إلى قواعد اإلمام مالك ،أبو العباس الونشريسي ،تحقيق :الصادق الغرياني ،دار ابن حزم،
1427هـ ،ص.160 :
)(7شرح حدود ابن عرفة ،تحقيق محمد أبو األجفان والطاهر المعموري .دار الغ::رب اإلس::المي ،الطبع::ة األولى1993 ،م،
ج ،1ص.263
47
االفتتاح)()1 تكبيرة االفتتاح وكبر في الركوع األول ،رأيت ذلك مجزيا عنه ،إذا نوى بها تكبيرة
ومن األمثلة على ذلك إعمال المالكية دليل المخ::الفين لهم القائ::ل بع::دم فس::خ نك::اح الش::غار في الزم مدلول::ه
الذي هو ثبوت اإلرث بين الزوجين المتزوجين بالشغار :فيما إذا مات أح::دهما .فالم::دلول ه::و ع::دم الفس:خ وأعم::ل
مالك في نقيضه وهو الفسخ دليل آخر فمذهب مالك وجوب الفسخ وثبوت اإلرث إذا مات أحدهما(.)2
وقد أخذ بهذا األصل أيضا أصحاب هذا المنهج من أتباع المذاهب األخرى ،وخصوصا الم::ذهب الش::افعي:،
كالشعراني والسيوطي وغيرهما ،كما عرفنا سابقا.
وقد ذكر العز بن عبد السالم تقسيما جيدا لكيفية مراعاة الخالف في المسائل المختلفة ،ق:دم ل:ه بقول:ه( :وق:د
أطلق بعض أكابر أصحاب الشافعي -رحمه هللا -أن الخروج من الخالف حيث وقع أفضل من التورط :فيه وليس
كما أطلق ،بل الخالف على أقسام)()3
ثم ذكر هذه األقسام ،ونذكرها :هنا باختصار :
القسم األول :أن يكون الخالف في التحريم والجواز فالخروج :من االختالف باالجتناب أفضل.
القسم الثاني :أن يكون الخالف في االستحباب أو اإليجاب ،فالفعل أفضل.
القسم الثالث :أن يكون الخالف في الشرعية ،كقراءة البسملة في الفاتحة ،فإنها مكروهة عند مالك ،واجب::ة
عند الشافعي ،فالفعل أفضل ،،وكذلك رفع اليدين في التكبيرات فإن أبا حنيفة ال يراه من الس::نن ،وك::ذلك مال::ك في
إحدى الروايتين عنه ،وهو عند الشافعي سنة لالتفاق على صحة األح::اديث وكثرته:ا :في:ه ،وص:الة الكس::وف على
الهيئة المنقولة عن رسول هللا فإنها سنة عند الشافعي ،وأبو حنيفة ال يراها ،والسنة أن يفعل ما خالف في::ه أب::و
حنيفة وغيره من ذلك وأمثاله.
ثم ذكر الضابط له:ذا ،فق:ال( :والض:ابط في ه:ذا أن مأخ:ذ المخ:الف إن ك:ان في غاي:ة الض:عف والبع:د من
الصواب فال نظر إليه ..وال سيما إذا ك::ان مأخ::ذه مم::ا ينقض الحكم بمثل::ه ،وإن تق::اربت األدل::ة في س::ائر الخالف
بحيث ال يبعد قول المخالف كل البعد فهذا مم::ا يس::تحب الخ::روج من الخالف في::ه ،ح::ذرا من ك::ون الص::واب م::ع
الخصم ،والشرع يحتاط لفعل الواجبات والمندوبات ،كما يحتاط لترك المحرمات والمكروهات)()4
وذكر زكريا بن غالم قادر :الباكستاني أن مراعاة الخالف معتبر عند أهل الح::ديث ،فق::د ذك::ر تحت عن::وان
(القاعدة السادسة :الخروج من الخالف مستحب)( :األدلة متكاثرة في االعتصام وعدم التفرق واالتفاق على كلم::ة
واحدة فهي دالة على استحباب الخروج من الخالف) ()5
لكنه قيد ذلك بشرطين:
الشرط األول :أن ال يكون في ذلك طرح لدليل من األدلة.
الشرط الثاني :أن ال يوقع :الخروج من ذلك الخالف في الوقوع :في خالف آخر)()6
ويدل لهذا قول ابن تيمية في (شرح عمدة الفقه)( :أما الخروج من اختالف العلماء ،فإنما يفع::ل احتياط :ا :إذا
لم تعرف السنة ولم يتبين الحق ،ألن من اتقى الشبهات استبرأ لعرضه ودينه ،فإذا زالت الشبهة وتبينت السنة ،فال
مع::نى لمطلب الخ::روج من الخالف ،وله::ذا ك::ان اإليت::ار بثالث مفص::ولة أولى من الموص::ولة ،م::ع الخالف في
جوازهما :من غير عكس ،والعقيقة مستحبة أو واجبة مع الخالف في كراهتها ،وإشعار الهدي سنة مع الخالف في
مح َّمد الطاهر ابن عاشور ،الشركة التونسية للتوزيع ،تـونس ،ط ،1ص.51 )(1مقاصد الشريعة ا ِإلسالَ ِميَّةَ ،
)(2هو الدكتور فتحي الدريني .في كتاب::ه خص:ائص التش:ريع اإلس::المي ،مؤسس::ة الرس:الة ،ب:يروت ،ط 1434 :، 2هـ -
2013م ،ص.194
)(3إعالم الموقعين ،ج ،3ص.3
)(4الموافقات ،ج ،5ص .41
)(5مقاصد الشريعة اإلسالمية البن عاشور ،ص .17 –15
51
عدة وج::وه ،وال::ذي ي::رجح واح::داً من ه::ذه الوج::وه ه::و الوق::وف :على مقص::د الش::ارع ،ألن بعض النص::وص ق::د
تتعارض ظواهرها ،والذي يرفع هذا التعارض ويوفق بينها أو يرجح أحدها هو الوقوف على مقصد الشارع .ألن
كثيراً من الوقائع التي تحدث ربما ال تتناولها عبارات النصوص ،وتمس الحاجة إلى معرفة أحكامها بأي دليل من
األدلة الشرعية بنصوصه وروحه ومعقوله .وكذلك نصوص األحكام التشريعية ال تفهم على وجهه::ا الص::حيح إال
إذا عرف المقص:د الع::ام للش::ارع من تش:ريع األحك::ام ،وع::رفت الوق:ائع :الجزئي:ة ال::تي من أجله::ا ن::زلت األحك::ام
القرآنية ،أو وردت السنة القولية أو الفعلية)()1
ولكنهم – من الناحية التطبيقية – يختلفون اختالفا شديدا ،وبناء على هذا ،فإنا نري::د بأتب::اع ه::ذا المنهج هن::ا
ليس من يص::رح فق::ط بكون::ه يقب::ل ب::أن للش::ريعة مقاص::د وغاي::ات ،وإنم::ا من يعتبره:ا :في الفت::وى ،وخاص::ة في
المتغيرات الحادثة في الواقع.
وبناء على هذا يمكننا أن نتتبع الفتاوى لنجد من يراعي هذا ،ومن يقصر فيه ،وال يهمنا تنظيره للمقاص:د أو
وحكمة كلها)()2اعتقاده بها ،ألن كل مسلم يعتقد بأن الشريعة – كما يذكر ابن القيم – (عدل كلها ،ورحمة كلهاِ ،
وبناء على هذا ،ومن خالل النظر في واقع الفتوى نجد صنفين ممن يمكن اعتبارهم من أعالم هذا المنهج:
الصنف األول:
ويمثلهم الكثير من الفقهاء من المدارس السابقة ،حتى المدارس التي تؤمن بالتمذهب ،حيث نجد لها في فق::ه
النوازل أحيانا ما تراعى فيه مقاصد الشريعة.
ومن األمثلة على ذلك:
المثال األول :استفتي الشاطبي عن (بيع األشياء التي منع العلماء بيعها من أهل الحرب كالسالح وغ::يره،
لكون أهل األندلس محتاجين إلى النصـارى :في أشياء أخـرى كاألكـل واللبـاس وغيـرها...وس::ؤاله عن الشمـع،
وهل يتن ّزل منـزلة ما ُذ ِكر سابقا في بيعـه...؟ وهل هناك ف::رق بين أه::ل األن::دلس وغ::يرهم من أرض اإلس::الم في
بيع مثل هذه األشياء؟)()3
فأجاب بالمنع ولم يلتفت إلى الضرورة التي تعلل بها المستفتي؛ ألنه رأى أن حماية المسلمين من العدو وما ّ
تقتضيه تلك الحماية من عدم تمكين::ه بم::ا يعين::ه على أم::ر أه::ل األن::دلس ،وه::ذا أولى من حاج::ة بعض الن::اس إلى
الطعام ..وبيع السـالح والطعـام إلى أهـل الحـرب داخـل فيما يكون أداؤه إلى المفسـدة كثيـرا ال نـادرا ،ورأى أن::ه
ليس هناك موجب لتسويغ البيع منهم مستدال بقوله تعالى ﴿ :إِنَّ َما ْال ُم ْش ِر ُكونَ ن ََجسٌ فَاَل يَ ْق َربُ::وا ْال َم ْسِ :ج َد ْال َحَ :را َم بَ ْعَ :د
أن الحاج::ة إليهم في جلب الطع::ام إلى مك::ة ال ت::ر ّخص لهم في انته::اك حرم::ة عَا ِم ِه ْم هَ َذا ﴾(( ،)4فاآلية نبّهت على ّ
خص في استـباحة اإلضـرار بالمسلمين)()5 الحرم ،فكذلك األمر هنا :ال تـر ُ
وبين أنه سار في هذا على خطى سلفه الفقيه المـازري :المالكي الذي منـع بيع كل ما يكـون ألهل الحرب به
ق::وة على المس::لمين كالطع::ام والس::الح وح::تى الش::مع؛ ألنهم – كم::ا بيّن الش::اطبي – :يس::تعينون :ب::ه في اإلض::رار:
بالمسلمين.
قال الشاطبي ( :و أما صنع الشمع للنصارى :فإن كان ألنهم يستعينون به علينا فـيُمنع كما ُذك::ر في بيع::ه من
النصارى :،وأما ما يعلم أنهم يصنعونه آللهتهم فينبغي :أال يصنع لهم ،وال يب::اع منهم نظ::ير م::ا قال::ه ابن القاس::م في
بيع الشاة منهم مع العلم بأنهم يذبحونها :ألعيادهم ،فإنه يُك ِّرهه كراهية تنـزيه وأن ال::بيع إن وق::ع لم يفس::خ وه::و في
العتبية)()6
)(5التعددية السياسية في الدولة اإلسالمية ،صالح الصاوي ،دار اإلعالم الدولي ،ط ،1992 ،1ص.653
58
خاتمة
نختم هذه الدراسة بتلخيص ألهم النت::ائج ال::تي وص::لنا إليه::ا ،م::ع بعض التوص::يات :ال::تي ن::رى الحاج::ة إلى
تحقيقها في واقع الفتوى.
أوال :النتائج:
يعتبر فقه النوازل من أهم فروع :الفقه اإلسالمي ،لدوره الكبير في بيان أحكام الشريعة اإلسالمية المرتبط::ة بواق::ع
الحياة في جميع مجاالتها ،فدوره هو تنزيل أحكام الشريعة على الواق::ع الحي::اتي ليص::بغه بص::بغتها ،ويج::ري:
عليه أحكامها.
من خالل اس::تقراء من::اهج الفقه::اء في الفت::وى في الن::وازل ،رأين::ا أن::ه يمكن تقس::يمها إلى س::تة من::اهج :المنهج
االستداللي ،والمنهج المذهبي ،والمنهج المذاهبي ،ومنهج التيسير ، :ومنهج التشديد ،والمنهج المقاصدي.
المنهج االستداللي :هو المنهج الذي يعتمد أصحابه في استنباط :األحكام الشرعية على المص::ادر :األص::لية والتبعي::ة
من غير نظر أو اهتمام لما توصل إليه غ:يرهم من الفقه:اء من أص:حاب الم:ذاهب أو غ:يرهم ،وهم ي:رون أن
التقيد بأقوال الفقهاء وااللتزام :بها من غير نظر في األدلة بدعة حادثة في الملة ال يستحق صاحبها أن يوصف
بالمجتهد :وال الفقيه ،وال يحق له بالتالي أن يتصدر لمنصب اإلفتاء إال على سبيل النقل لقول غيره.
المنهج المذهبي في الفتوى هو المنهج الذي يعتم::د على م::ا أف::رزه التقلي::د الم::ذهبي لألئم:ة األربع::ة خصوص::ا من
ت::راث فقهي كب::ير مس جمي::ع المج::االت من كتب التفس::ير وش::روح الح::ديث ،إلى مت::ون الفق::ه وش::روحها:
وحواشيها ،باإلضافة إلى ما كتب في خصوص الفتوى في المتغيرات الحادثة في كل عصر مم::ا يس::مى بفق::ه
النوازل.
اقتصر :المنهج المذهبي على أتباع المذاهب األربع::ة ،وال::تي س::رى إليه::ا الخالف هي أيض::ا ،فص::ار لك::ل م::ذهب
فقهاؤه الكبار الذين توزعوا على المدارس الفقهي::ة التقليدي::ة في الع::الم اإلس::المية قرون:ا :طويل::ة ،وق::د اختل::ف
أصحاب هذا المنهج في حكم االلتزام بهذه المذاهب بين متشدد ومتساهل:.
المنهج المذاهبي هو المنهج الذي يتم::يز أص::حابه بك::ونهم ال ي::رون ض::رورة االل::تزام بالم::ذهب الواح::د ،وك::ونهم
يرون أن كل ما كتبه الفقهاء سواء كانوا من أتباع المذاهب األربعة أو غيرهم ،يمكن االعتماد عليه والرج::وع
إليه ،إما العتبارهم أن كل مجتهد في الفروع مصيب ،أو أن المصيب واحد ولكن ال نستطيع أن نعينه ،وبن::اء
على هذا فإن المفتي على حسب هذا المنهج يبحث في كل التراث الفقهي عن المسألة التي سئل عنه::ا ،وي::ورد
األقوال فيها ليترك للمستفتي حرية االختيار :بينها.
منهج التيسير :هو المنهج الذي يعتم::د التيس::ير على المس::تفتي ب::أن يخت::ار ل::ه من أق::وال الفقه::اء أو يس::تنبط ل::ه من
النصوص مباشرة ما يراعي حاجته ،وييسر عليه تنفيذ التكاليف ،ولو بأدنى مراتبها.
وقعت بعض االنحرافات :في منهج التيسير ،وخاص::ة في أوس::اط :العام::ة ،ألن::ه أنش::أ نوع::ا من التح::رر من أحك::ام
الشريعة ،وذلك عبر بعض الظ::واهر ال::تي تح::دث عنه::ا الفقه::اء ،واختلف::وا في م::واقفهم :منه::ا ،وهي :ظ::اهرة
التلفيق ،وظاهرة تتبع الرخص ،وظاهرة الحيل الشرعية.
منهج التشديد :هو المنهج ال:ذي يعتم:د التش:ديد على المس:تفتي ب:أن يخت:ار ل:ه من أق:وال الفقه:اء أو يس:تنبط ل:ه من
النصوص مباشرة ما يشدد عليه تنفيذ التكاليف ،أو يختار له أشدها وأكثرها احتياطا.
المنهج المقاصدي :هو المنهج الذي يعتمد ما يفهمه من مقاصد الشارع في األحكام التفصيلية ،باعتب::ار أن األحك::ام
الشرعية ليست تعبدية محضة ،بل هي مفهومة المعنى.
استغل بعض المحدثين ممن تشربوا :الثقافة الغربية ،أو ت::أثروا :به::ا ،ولم يدرس::وا :الش::ريعة أو يتفقه::وا فيه::ا المنهج
المقاصدي ،وتصوروا :أنهم بما لديهم من أفكار حديثة يستطيعون :أن يحددوا مقاصد الش::ارع ،ويس::تطيعوا من
خاللها أن يفتوا على أساسها ،ومع أنه ال يمكن اعتب::ار ه::ؤالء من الفقه::اء ،ولكن م::ع ذل::ك نج::د أن هن::اك من
يقوم بنشر آرائهم وأفكارهم تحت شعارات التجديد واإلصالح ونحو :ذلك.
ثانيا :التوصيات:
59
من خالل الكثير من المشاكل الواقعية التي تحدثها :بعض الفتاوى :غير المسؤولة ،والتي ال تستند إلى علم ،وال إلى
حكمة ،ندعو إلى حجر الفت::وى في القض::ايا الخط:يرة إال على الجه::ات المكلف:ة ب::ذلك ،ووض:ع :الق:وانين ال::تي
تحول بين غير المهيئين ،وممارسة هذه الوظيفة الخطيرة.
ضرورة مراجعة الفتاوى الموجودة ،والتي لها تأثير في الواقع اإلسالمي ،وبيان الحكم الش::رعي الص::حيح ،ح::تى
ال يقع العوام ضحية للفتاوى :الخاطئة.
ضرورة تشجيع المجامع العلمية ،واعتبارها الهيئات الوحيدة التي يحق لها الفتوى في النوازل المعاصرة.
ضرورة العودة إلى المصادر :األصلية باعتبارها هي أصل التشريع اإلسالمي ،ومحاولة تنزيل م::ا ورد :فيه::ا على
الواقع ،مع عدم إهمال ما ورد في التراث الفقهي اإلسالمي ،ولكن ال ينبغي أن نقدمه على المصادر األصلية.
ضرورة مراعاة المقاصد الش:رعية ،ومحاول:ة تحقيقه:ا في الواق:ع ،وتوض:يح المف:تي لتل:ك المقاص:د أثن:اء تبليغ:ه
للفتوى ،ليراعي المكلف الحكم الشرعي مع مقاصده.
60
قائمة المصادر والمراجع
رتبت المراجع والمصادر التي اعتمدت عليها في هذا البحث ترتيبا ألفبائيا بحسب عنوان الكتاب:
القرآن الكريم
.1ابن تيمية ،أبو زهرة ،دار الفكر العربي ،مصر.1991 ،
.2الفتاوى ،النــووي ،تحقيق :عبد القـادر أحمد عطاء ،لبنان ،مـؤسسة الكتب الثقافية ،ط.2
.3المدخل الفقهي العام ،مصطفى أحمد الزرقا ،دار الفكر ،دمشق ،ط.1998 ،9
.4تاريخ الفقه اإلسالمي ،عمر سليمان األشقر ،الجزائر ،قصر :الكتاب.1990 ،
.5محاض::رات :األدب::اء ومح::اورات :الش::عراء والبلغ::اء ،أب::و القاس::م الحس::ين بن محم::د المع::روف :ب::الراغب
األصفهاني ،شركة دار األرقم :بن أبي األرقم – بيروت ،ط 1420 ، ،1هـ.
.6أصول الفقه اإلسالمي ،د .وهبة الزحيلي ،دار الفكر للطباعة والنشر والتوزي:ع – :ب::يروت ،الطبع::ة األولى (
1986م).
.7اتجاهات التفسير في القرن الرابع عش:ر ،د .فه:د ال:رومي :،طب:ع بإش:راف :إدارة البح:وث العلمي:ة ،الري::اض،
الطبعة األولى.1407،
.8اإلحاطة في أخبار غرناط:ة ،محم:د بن عب:د هللا الغرن:اطي :األن:دلس ،أب:و عب:د هللا ،الش:هير بلس:ان ال:دين ابن
الخطيب ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،الطبعة :األولى 1424 ،هـ.
.9أحكام القرآن ،القاضي محمد بن عبد هللا أبو بكر بن العربي المعافري :االشبيلي الم:الكي ،تحقي:ق :محم:د عب:د
القادر عطا ،دار الكتب العلمية ،بيروت – لبنان ،ط 1424 ،2هـ 2003 -م.
.10اإلحكام في أصول األحكام ،أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم ألندلسي القرط::بي :الظ::اهري ،تحقي::ق:
الشيخ أحمد محمد شاكر ،دار اآلفاق الجديدة ،بيروت.
.11أدب الفتوى وشروط المفتي وصفة المستفتي وأحكامه وكيفية الفتوى واالستفتاء ،ابن الصالح الشهر زوري،
تحقيق :فوزي :عبد المطلب ،القاهرة ،مكتبة الخانجي ،ط.1992 ،1
.12أسباب اختالف الفقهاء ،د .عبد هللا بن عبد المحسن التركي ،تقديم :حسن بن عبد هللا آل الشيخ و عبد ال::رزاق
عفيفي ،مؤسسة الرسالة ،بيروت ، :ط 1431 ، 3هـ 2010 /م.
.13االستذكار :،أبو عمر يوسف :بن عبد هللا بن محم::د بن عب::د ال::بر بن عاص::م النم::ري القرط::بي ،تحقي::ق :س::الم
محمد عطا ،محمد علي معوض ،دار الكتب العلمية – بيروت ،ط.2000 – 1421 ،1
.14االستقص::اء ألخب::ار دول المغ::رب األقص::ى :،الناص::ري احم::د بن خال::د ،ال::دار البيض::اء ،دار الكت::اب ،ط،1
.1997
.15أصول السرخسي ،محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس األئمة السرخسي ،دار المعرفة – بيروت.
.16أصول الفقه اإلسالمي ،محمد سالم مدكور :،دار النهضة العربية ،القاهرة ،ط.1
.17أصول الفقه ،محمد أبو زهرة ،دار الفكر العربي.
.18أصول الفقه ،محمد بن مفلح ،أبو عبد هللا الص::الحي الحنبلي ،حقق:ه وعل::ق علي:ه وق:دم :ل:ه :ال:دكتور :فه:د بن
محمد ال َّس َد َحان ،مكتبة العبيكان ،ط 1420 ،1هـ 1999 -م.
.19أصول مذهب اإلمام أحمد ،د .عبد هللا بن عبد المحسن التركي ،مؤسسة الرسالة 1410 ،هـ.
.20االعتصام ،إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي :الشهير بالش::اطبي ،تحقي::ق :س::ليم بن عي::د الهاللي،
دار ابن عفان ،السعودية ،ط1412 ،1هـ 1992 -م.
.21إعالم الموقعين عن رب العالمين ،محمد بن أبي بك::ر أي::وب ابن القيم الجوزي::ة ،تحقي::ق :ط::ه عب::د ال::رؤوف
سعد ،دار الجيل -بيروت.1973 ،
61
.22إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان ،محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية ،تحقي::ق :محم::د حام::د الفقي،
مكتبة المعارف ،الرياض ،المملكة العربية السعودية.
.23أنوار البروق :في أنواء الفروق ،أبو العباس شهاب ال::دين أحم::د بن إدريس بن عب::د ال::رحمن الم::الكي الش::هير
بالقرافي ،عالم الكتب.
.24إيضاح المسالك إلى قواعد اإلمام مالك ،أبو العباس الونشريس:ي ،تحقي:ق :الص:ادق الغري:اني ،دار ابن ح:زم،
1427هـ.
.25البحر الرائق شرح كنز الدقائق :،زين الدين بن إبراهيم :بن محمد ،المعروف بابن نجيم المصري ،دار الكت::اب
اإلسالمي ،ط.2
.26البحر المحيط في أصول الفقه ،أبو عبد هللا بدر الدين محمد بن عبد هللا بن بهادر الزركشي :،دار الكتبي ،ط ،1
1414هـ 1994 -م.
.27الب::در الط::الع بمحاس::ن من بع::د الق::رن الس::ابع ،محم::د بن علي بن محم::د بن عب::د هللا الش::وكاني اليم::ني ،دار
المعرفة – بيروت.
.28بكر أبو زيد ،فقه النوازل ،بيروت :مؤسسة الرسالة.
.29بلوغ السول في مدخل علم األصول ،محمد حسنين محلوف ،مطبعة مصطفى :الحلبي.
.30بيان الدليل على بطالن التحليل ،ابن تيمية ،تحقيق :حمدي عبد المجيد السلفي ،المكتب اإلسالمي.
.31بيان الدليل على بطالن التحليل ،ابن تيمية ،تحقيق :حمدي عبد المجيد السلفي ،المكتب اإلس::المي– 1418 ،
.1998
.32تاج العروس ،الزبيدي ،دار الرشاد ،الدار البيضاء.
.33تبصرة الحكام ،ابن فرحون ،مكتبة الكليات األزهرية ،القاهرة ،ط.1986 ،1
.34التحدث بنعمة هللا ،السيوطي ،تحقيق:إليزابيث ماري سارتين ،المطبعة العربية الحديثة ،مصر1972 ،م.
.35التعددية السياسية في الدولة اإلسالمية ،صالح الصاوي ،دار اإلعالم الدولي ،ط.1992 ،1
.36التفسير والمفسرون ،الدكتور :محمد السيد حسين الذهبي ،مكتبة وهبة ،القاهرة.
.37التمهيد لما في الموطأ :من المعاني واألسانيد ،أب::و عم::ر يوس::ف بن عب::د هللا بن عب::د ال::بر بن عاص::م النم::ري:
القرطبي ،تحقيق :مصطفى بن أحمد العلوي ,محمد عبد الكبير البكري ،وزارة عموم األوقاف :والش:ؤون
اإلسالمية – المغرب 1387 ،هـ.
.38جامع بيان العلم وفضله ،أبو عمر يوسف عبد البر النمري القرطبي ،تحقيق :أبي األشبال الزه::يري ،دار ابن
الجوزي ،المملكة العربية السعودية ،ط 1414 ،1هـ 1994 -م.
.39جزيل المواهب فى اختالف المذاهب ،عبد الرحمن بن أبي بكر ،جالل ال::دين الس:يوطي :،تحقي:ق :عب::د القي:وم
محمد شفيع البستوي ،دار االعتصام.
.40الجواهر الثمينة في بي::ان أدل:ة ع:الم المدين:ة ،حس::ن مش:اط ،دراس::ة وتحقي::ق د عب:د الوه::اب بن إب::راهيم أب:و
سليمان .دار الغرب اإلسالمي ،ط.1
.41حاشية العطار على شرح الجالل المحلي على جمع الجوامع ،حس::ن بن محم::د بن محم::ود العط::ار :الش::افعي،
دار الكتب العلمية.
.42حاشية العطار على شرح الجالل المحلي ،حسن بن محمد بن محمود العط::ار الش::افعي ،دار الكتب العلمي::ة –
بيروت.
.43حجة هللا البالغة ،أحمد بن عبد الرحيم المعروف :بـ «الشاه ولي هللا الدهلوي ،تحقيق :السيد سابق ،دار الجي::ل،
بيروت – لبنان ،ط 1426 ،1هـ 2005 -م.
.44خصائص التشريع اإلسالمي ،فتحي الدريني ،مؤسسة الرسالة ،بيروت ،ط 1434 ، 2هـ 2013 -م.
62
.45الدارس في تاريخ المدارس ،عبد القادر النعيمي ،حققه جعفر الحسيني ،دمشق ،المجمع العلمي.1951 ،
.46ال::درر الس::نية في األجوب::ة النجدي::ة ،علم::اء نج::د األعالم ،تحقي::ق :عب::د ال::رحمن بن محم::د بن قاس::م ،ط،6
1417هـ1996/م.
.47الرخصة الشرعية في األصول والقواعد الفقهي::ة ،د .عم::ر عب::د هللا الكام::ل ،دار ابن ح::زم للطباع::ة والنش::ر،
بيروت ،ط1999 ،1م.
.48رد المحتار على الدر المختار ش:رح تن:وير :األبص:ار في فق:ه م:ذهب اإلم:ام األعظم أبي حنيف:ة النعم:ان ،ابن
عابدين ،دار إحياء التراث العربي ،بيروت.
.49الرد على من أخلد إلى االرض وجهل أن االجتهاد في ك:ل عص:ر ف:رض ،الس::يوطي ،تحقي::ق :خلي::ل الميس،
دار الكتب لعلمية 1403هـ.
.50روضة الطالبين وعمدة المفتين ،محيي الدين النووي ،المكتب اإلسالمي ،بيروت ،الطبعة الثانية1405 ،هـ
.51سبل االستفادة من النوازل والعمل الفقهي في التطبيقات المعاصرة ،الدكتور عبد هللا الشيخ المحف::وظ بن بي::ه،
مجلة مجمع الفقه اإلسالمي التابع لمنظمة المؤتمر اإلسالمي بجدة ،ع.11
.52سلسلة األحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في األمة ،أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين األلباني،
دار المعارف ،الرياض ،المملكة العربية السعودية ،ط 1412 ،1هـ 1992 /م.
.53سنن ابن ماجه ،ابن ماجة أبو عبد هللا محمد بن يزي::د القزوي::ني ،تحقي::ق :ش::عيب األرن::ؤوط -ع::ادل مرش::د -
مح َّمد كامل قره بللي -عَبد اللّطيف حرز هللا ،دار الرسالة العالمية ،ط 1430 ،1هـ 2009 -م.
.54سنن الترمذي ، :محمد بن عيسى بن َسوْ رة الترمذي ،تحقي::ق وتعلي::ق :إب::راهيم عط::وة ش::ركة مكتب::ة ومطبع::ة
مصطفى البابي الحلبي – مصر ،ط 1395 ، 2هـ 1975 -م .،
.55سيّر أعالم النبالء ،الذهبي ،حققه بشار عواد ،بيروت ،مؤسسة الرسالة.
.56شرح العقيدة األصفهانية ،تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم ابن تيمي::ة ،تحقي::ق :محم::د
بن رياض األحمد ،المكتبة العصرية – بيروت ،ط1425 ،1هـ.
.57شرح الكوكب المنير ،تقي الدين أبو البق::اء محم::د بن أحم::د المع::روف :ب::ابن النج::ار الحنبلي ،تحقي::ق :محم::د
الزحيلي ونزيه حماد ،مكتبة العبيكان ،ط1418 ،2هـ 1997 -م.
.58شرح النووي على صحيح مسلم ،النووي ،دار إحياء التراث العربي ،بيروت ،ط1392 ،2هـ .
.59شرح حدود ابن عرفة ،تحقيق محمد أبو األجفان والطاهر :المعموري :.دار الغرب اإلسالمي ،الطبع::ة األولى،
1993م.
.60شرح عمدة الفقه (من كتاب الطهارة والحج) ،تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية ،تحقي::ق :د.
سعود :صالح العطيشان ،مكتبة العبيكان – الرياض ،ط.1413 ،1
.61شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل ،محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن
قيم الجوزية ،تحقيق :دار المعرفة ،بيروت ،لبنان1398 ،هـ1978/م.
.62صحيح البخاري ،محمد بن إسماعيل أبو عبدهللا البخاري الجعفي ،تحقي::ق :محم::د زه::ير بن ناص::ر الناص::ر،
دار ط::وق النج::اة (مص::ورة عن الس::لطانية بإض::افة ت::رقيم محم::د ف::ؤاد عب::د الب::اقي) ،الطبع::ة :األولى،
1422هـ.
.63صحيح مسلم ،مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري ،تحقيق :محمد فؤاد عبد الب::اقي ،دار إحي::اء
التراث العربي – بيروت.
.64صفة صالة النبي ،ناصر :الدين األلباني ،مكتبة المعارف ،السعودية ،د ت.
.65الضوابط :الشرعية لبحث القضايا المعاصرة في الرسائل العلمية ،مجموعة من الب::احثين ،بحث مق::دم لم::ؤتمر:
63
(الدراسات العليا ودورها في خدمة المجتمع) ،والمنعق::د بت::اريخ 19/4/2011في الجامع::ة اإلس::المية –
غزة ،دت ،دط.
.66طبقات الشافعية الكبرى ،السبكي ،حققه محمد الطناجي ،ط ،2الجيزة ،دار هجر.1992 ،
.67الطبقات الصُغرى ،عبد الوهاب الشعراني ،تحقيق :عبد القادر أحمد عطا ،مكتبة القاهرة ،مصر1970 ،م.
.68طبقات الفقهاء الشافعيين ،أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري :ثم الدمشقي ،تحقيق :د أحم::د
عمر هاشم ،د محمد زينهم محمد عزب ،مكتبة الثقافة الدينية 1413 ،هـ.
.69الطرق :الحكمية ،محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية ،مكتبة دار البيان.
.70العبر ،الذهبي ،حققه صالح الدين المنجد ،الكويت ،مطبعة حكومة الكويت ،ط.1984 ،2
.71عقد الجيد في أحكام االجتهاد والتقليد ،أحمد بن عبد الرحيم المعروف :بـالشاه ولي هللا الدهلوي ،تحقيق :محب
الدين الخطيب ،المطبعة السلفية -القاهرة.
.72علم أصول الفقه وخالصة تاريخ التشريع ،عبد الوهاب خالف ،مطبعة المدني ،المؤسسة السعودية بمصر.
.73العواصم :والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم ،ابن الوزير ،محمد بن إبراهيم ،تحقي::ق :ش::عيب األرن::ؤوط،
مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر :والتوزيع ،بيروت ،ط 1415 ،3هـ 1994 -م.
.74الفتاوى الكبرى ،أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي الشافعي ،منشورات :المكتبة اإلس::المية ،ج ،3ص
. 289
.75الفتاوى الكبرى ،تقي الدين أبو العباس أحمد بن عب::د الحليم ابن تيمي::ة ،دار الكتب العلمي::ة ،ط1408 :،1هـ -
1987م.
.76الفتاوى ،الشاطبي ،تحقيق :محمد أبو األجفان ،مطبعة االتحاد العام التـونسي ، :تونس ،ط.1984 ،1
.77فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب اإلمام مالك ،محمد بن أحمد بن محم::د عليش ،أب::و عب::د هللا الم::الكي،
دار المعرفة.
.78فتح القدير ،كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي المعروف :بابن الهمام ،دار الفكر.
.79الفروق ،القرافي ،بيروت ،عالم الكتب.
.80الفكر السامي في تاريخ الفقه اإلسالمي ،محم::د بن الحس::ن بن الع::رب ّي الفاس::ي ،دار الكتب العلمي::ة -ب::يروت-
لبنان ،ط1416 ،1هـ1995 -م.
.81الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني ،أحمد بن غانم (أو غنيم) بن سالم ابن مهن::ا ،ش::هاب ال::دين
النفراوي األزهري :المالكي ،دار الفكر ،دط1415 ،هـ 1995 -م.
.82فيض القدير ،المناوي ،المكتبة التجارية الكبرى ،مصر.1356 ،
.83قواعد األحكام في مصالح األنام ،أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عب::د الس::الم ،راجع::ه وعل::ق علي::ه :ط::ه
عبد الرؤوف سعد ،مكتبة الكليات األزهرية -القاهرة 1414 ،هـ 1991 -م .
.84الكافي في فقه أهل المدينة ،أبو عمر يوسف بن عبد هللا بن محمد بن عب::د ال::بر بن عاص::م النم::ري القرط::بي،
تحقيق :محمد محمد أحيد ول::د مادي::ك الموريت::اني ،مكتب::ة الري::اض الحديث::ة ،الري::اض ،المملك::ة العربي::ة
السعودية ،ط1400 ،2هـ1980/م.
.85الكامل في التاريخ ،ابن األثير ،حققه عبد هللا القاضي ،ط ،2بيروت ،دار الكتب العلمية.1995 ،
.86كتاب التعريفات ،علي بن محمد بن علي الزين الشريف :الجرجاني ،دار الكتب العلمية ب::يروت– :لبن::ان ،ط،1
1403هـ 1983-م.
.87الكتاب المصنف في األحاديث واآلثار :،أبو بكر بن أبي شيبة ،تحقيق :كمال يوس:ف الح:وت ،مكتب:ة الرش:د –
الرياض ،ط.1409 ،1
.88كتاب الميزان ،أبو المواهب عبد الوهاب بن أحم::د الش::عراني ،تحقي::ق :ال::دكتور :عب::د ال::رحمن عم::يره ،ع::الم
64
الكتب ،ط1409 ،1هـ 1989 -م.
.89الكشف عن مجاوزة هذ ِه األمة األلف ،مطبوعة ضمن الحاوي للفتاوي ،جالل الدين عب::د ال::رحمن الس::يوطي،
دار الفكر ،بيروت.
.90لسان العرب ،ابن منظور :،دار صادر – :بيروت.
.91المبسوط :،محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس األئمة السرخسي ،دار المعرفة – بيروت1414 ،هـ 1993 -م.
.92مجموع الفتاوى ،تقي الدين أبو العب::اس أحم::د بن عب::د الحليم بن تيمي::ة ،تحقي::ق :عب::د ال::رحمن بن محم::د بن
قاسم ،مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف ،المدينة النبوية ،المملكة العربية الس::عودية1416 ،هـ/
1995م.
.93المجموع شرح المهذب (مع تكملة السبكي والمطيعي) ،أبو زكريا محيي الدين يحيى بن ش::رف الن::ووي ،دار
الفكر.
.94المستصفى :في علم األصول ،أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي ،تحقيق :محم::د بن س::ليمان األش::قر،
مؤسسة الرسالة ،بيروت ،لبنان ،الطبعة األولى1417 ،هـ1997/م.
.95مسند اإلمام أحمد بن حنبل ،أبو عبد هللا أحمد بن محمد بن حنبل ،تحقي::ق :ش::عيب األرن::ؤوط - :ع::ادل مرش::د،
وآخرون ،إشراف :د عبد هللا بن عبد المحسن التركي ،مؤسسة الرسالة ،ط 1421 ،1هـ 2001 -م.
.96مسند الدارمي المعروف بسنن الدارمي ،أبو محمد عب::د هللا بن عب::د ال::رحمن ال::دارمي ،التميمي الس::مرقندي،
تحقيق :نبيل هاشم الغمري ،دار البشائر (بيروت) ،ط1434 ،1هـ 2013 -م.
.97معجم البلدان ،شهاب الدين أبو عبد هللا ياقوت :بن عبد هللا لرومي :الحموي ،دار صادر ،بيروت ،ط1995 :،2
م.
.98المعجم الكبير ،سليمان بن أحمد ،أبو القاس::م الط::براني :،تحقي::ق :حم::دي بن عب::د المجي::د الس::لفي ،مكتب::ة ابن
تيمية – القاهرة ،ط.2
.99معجم لغة الفقهاء ،محمد رواس قلعجي وحامد صادق قني::بي ،دار النف::ائس للطباع::ة والنش:ر :والتوزي::ع ،ط،2
1408هـ.
.10من أص::ول الفق::ه على منهج أه::ل الح::ديث ،زكري::ا بن غالم ق::ادر الباكس::تاني ،دار الخ::راز ،الطبع::ة االولى
1423هـ2002-م.
.10المنثور :في القواعد الفقهية ،أب:و عب:د هللا ب::در ال:دين الزركش::ي ،وزارة األوق:اف الكويتي::ة ،ط1405 :،2هـ -
1985م.
.10المواعظ واالعتبار بذكر الخطط واآلثار ،أحمد بن علي ،تقي ال:دين المقري:زي ،دار الكتب العلمي:ة ،ب:يروت،
ط 1418 ،1هـ.
.10الموافقات ،إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي :الشهير بالش::اطبي ،تحقي::ق :أب::و عبي::دة مش::هور بن
حسن آل سلمان ،دار ابن عفان ،ط1417 ،1هـ1997 /م.
.10مواهب الجليل ،الحطاب ،دار الفكر ،ط.1992 ،3
.10الموسوعة الفقهية الكويتية ،وزارة األوقاف والشئون اإلسالمية – الكويت ،دارالسالسل -الكويت - 1404 ،
1427هـ.
.10الموطأ ،مالك بن أنس بن مالك بن عامر األصبحي المدني ،تحقيق :محمد مصطفى األعظمي ،مؤسس::ة زاي::د
بن سلطان آل نهيان لألعمال الخيرية واإلنسانية -أبو ظبي – اإلمارات ،ط 1425 ،1هـ 2004 -م.
.10نفح الطيب من غصن األندلس الرطيب ،وذكر وزيرها :لسان الدين بن الخطيب ،شهاب الدين أحمد بن محم::د
المقري التلمساني ،تحقيق :إحسان عباس ،دار صادر -بيروت – لبنان.
.10التخريج المذهبي أصـوله ومناهجـه ،نوار بن الشلي ،الرباط1997،
65
.10نيل األوطار ،محمد بن علي بن محمد بن عبد هللا الش::وكاني :اليم::ني ،تحقي::ق :عص::ام ال::دين الص::بابطي ،دار
الحديث ،مصر ،ط1413 ،1هـ 1993 -م.
.11سنن الترمذي ،محمد بن عيسى بن َسوْ رة ،الترمذي ،أبو عيسى ،تحقيق وتعليق :أحم::د محم::د ش::اكر ومحم::د
فؤاد :عبد الباقي ،شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي ،مصر ،ط 1395 ، 2هـ 1975 -م.
.11وفيات األعيان ،ابن خلكان ،حققه إحسان عباس ،دار الثقافة.1968 ،
.11يعقوب بن عبد الوهاب الباحسين ،التخريج عند الفقهاء واألصوليين ،الرياض ،مكتبة الرشاد1414،هـ.
66
هذا الكتاب
يعتبر فقه النوازل من أهم فروع الفقه اإلسالمي ،لدوره الكبير في بيان أحكام الشريعة اإلسالمية المرتبط::ة
بواقع الحياة في جميع مجاالتها ،فدوره هو تنزيل أحكام الشريعة على الواقع الحياتي ليصبغه بص::بغتها :،ويج::ري:
عليه أحكامها.
انطالقا من هذا ،حاولنا استقراء مناهج الفقهاء في الفتوى في النوازل ،وقد رأينا أنه يمكن تقسيمها إلى ستة
مناهج:
1ــ المنهج االستداللي.
2ــ المنهج المذهبي.
3ــ المنهج المذاهبي.
4ــ منهج التيسير.
5ــ منهج التشديد.
6ــ المنهج المقاصدي.
وقد حاولنا في هذه الدراسة أن نبين -باختصار -الخصائص التي يتم::يز به::ا ك::ل منهج ،م::ع األعالم ال::ذين
تبنوه ،واآلليات التنفيذية المرتبطة بتحقيق المنهج في الواقع.
67