You are on page 1of 84

‫مقالة يف الرتبية‬

‫‪103‬‬
‫مجان ًا مع العدد (‪ )146‬من مج َّلة «الدوحة» ‪ -‬ديسمرب ‪2019 -‬‬
‫ُي َوزَّع ّ‬

‫عنوان الكتاب‪ :‬مقالة يف الرتبية‬


‫املراش‬
‫ّ‬ ‫املؤلف‪ :‬عبدالله‬

‫النارش‪ :‬وزارة الثّقافة والرياضة ‪ -‬دولة قطر‬


‫رقم اإليداع بدار الكتب القطرية‪:‬‬
‫الرتقيم الدويل (ردمك)‪:‬‬

‫الفن ّّي ‪ -‬مج ّلة الدوحة‬


‫اإلخراج والتصميم‪ :‬القسم َ‬
‫الغالف والرسومات الداخلية‪illustration: Natalia (appler) - Russia :‬‬

‫هذا الكتاب‪:‬‬
‫عب عن آراء مؤ ِّلفه‪ ،‬وال ُي ِّ‬
‫عب ‪-‬بالرضورة‪ -‬عن رأي وزارة الثّقافة والرياضة أو مج ّلة الدوحة‬ ‫ُي ِّ‬
‫مقـالـة‬
‫في التربية‬
‫عبداهلل الم ّراش‬
‫(‪)1900 - 1839‬‬

‫نشرت في مجلة «البيان»‬


‫لمنشئيها إبراهيم اليازجي وبشارة زلزل‬
‫مجلد السنة األولى (‪)1898-1897‬‬
‫مقـدِّ مة‬

‫أمـة برجالهـا‪ ،‬وال رجـال ّإل بالرتبيـة؛ ألنهـا هـي التـي تعين‬ ‫قـوام كلّ ّ‬
‫ٍ‬
‫صحة‪ ،‬وإرهاف ذهنه يف سـداد‪ ،‬وتقويم‬ ‫ٍ‬ ‫الطبيعـة على إمناء بـدن الولد يف َّ‬
‫له ألن يكـون رج ً‬
‫ال‬ ‫يؤه ُ‬
‫ـبه مـن صفـات الرجوليـة مـا ِّ‬‫كس ُ‬‫رشـاد‪ ،‬و ُت ِ‬
‫ٍ‬ ‫سيرته يف‬
‫شـب‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ح ّقاً‪ ،‬إذا‬
‫واملـراد بالرجـل‪ ،‬هنـا‪ ،‬ذاك الـذي عنـاه أحـد الفالسـفة بقولـه‪« :‬إنـه‬
‫أليسر عليـك أن تلقـى يف شـوارع أثينا إلهـ ًا من أن تلقى فيها رجلاً »‪ .‬والذي‬
‫يتطوف‬
‫ّ‬ ‫ؤي يف رابعة النهـار وبيده مصبـاح وهو‬ ‫عنـاه فيلسـوف آخـر‪ ،‬وقـد ُر َ‬
‫ُ‬
‫ـن يطلب شـيئ ًا ال يكاد‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫ف‬
‫ُّ َ ْ‬ ‫تطـو‬ ‫بالنـاس‪،‬‬ ‫ـة‬ ‫الغاص‬
‫ّ‬ ‫املدينـة‬ ‫تلـك‬ ‫شـوارع‬ ‫يف‬
‫عما يطلـب‪ ،‬فقـال‪ :‬أطلـب رجلاً ‪ .‬هـذا هـو املعنـى املـراد‬ ‫فسـئل َّ‬‫يـرى‪ُ ،‬‬
‫وأمـا الرجـال‪ ،‬باملعنى املتعـارف‪ ،‬فكثريون‪،‬‬ ‫بالرجـال هنـا‪ ،‬وقليـل ما هم‪ّ .‬‬
‫در القائـل‪ ،‬وإن بالـغ‪:‬‬
‫وللـه ّ‬

‫‪5‬‬
‫واللـه يعلـم إنـي لـم أقـل َف َندا‬ ‫مـا أكثـر الناس ال بل ما أق َّل ُ‬
‫هم‬
‫على كثيرٍ ‪ ،‬ولكن ما أرى أحدا‬ ‫ألغلـق عيني ثـم أفتحها‬ ‫إ ّنـي ُ‬

‫وكلّ مـن يتصفَّـح كتـب التأريـخ القديـم والتأريخ الحديث يجـد أنه قلَّام‬
‫أمـة عـن منزلتهـا ّإل ألنهـا عدمـت رجالهـا‪ ،‬وأنها ما عدمـت رجالها‬ ‫انحطَّ ـت ّ‬
‫حـق العنايـة برتبيتهـم صغـاراً‪ ،‬فلـم يكـن لها منهـم كبار ًا‬
‫ّإل ألنهـا مل ُت ْع َـن ّ‬
‫سـوى أشـخاص‪ ،‬ال يشء لهـم من الرجولية سـوى االسـم‪.‬‬
‫فـن الرتبيـة بحـر زاخـر اليـكاد يكـون لـه سـاحل وال قـرار؛‬ ‫وأعلـم أن ّ‬
‫فلذلـك ال ينتظـر م ّنـا أن نسـتقيص البحـث فيه‪ ،‬تفصيلاً ‪ ،‬يف مقالـة موجزة‬
‫مثـل هـذه‪ ،‬وإمنـا نجتـزئ بالغـوص على يشء مـن درره‪ ،‬ونكتفـي باإلملـاع‬
‫األوليـة يف مص َّنفـات‬
‫تفـرق مـن قواعـده الكل ِّّيـة وأركانـه َّ‬
‫إجماالً‪ ،‬إىل مـا َّ‬
‫يطبـق مـن أحكامهـا على‬ ‫علامئـه األفاضـل‪ .‬وعلى املطالـع الفطـن أن ّ‬
‫أحـوال عصره ومصره وأحوال نفسـه ومـن يلوذ به‪ ،‬مـا كان تطبيقـه ممكن ًا‬
‫أو سـهالً‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫األول)‬
‫(املطلب َّ‬

‫يف غاية الرتبية‬

‫فـن‪ ،‬غايتـه تأهيـل الولـد‬ ‫عـرف القدمـاء واملحدثـون الرتبيـة بأنهـا ّ‬ ‫قـد َّ‬
‫ألن يكـون رجلاً باملعنـى الـذي عرفتـه‪ ،‬وذلـك بـأن تبلـغ مـا ُر ِك َ‬
‫ـز يف ِ‬
‫ج ِبلَّته‬
‫مـن خصـال الخري وصفـات اإلنسـان إىل أقىص غاياتهـا‪ ،‬بقدر االسـتطاعة‪،‬‬
‫وتسـتأصل مـا ُر ِكـز فيهـا مـن جراثيـم وخلال البهيمـة‪ ،‬بقـدر الطاقـة‪،‬‬
‫شـب‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وتؤهلـه‪ -‬يف الجملـة‪ -‬ألن يكـون خليقـ ًا بـأن ُيدعـى رجلاً ‪ ،‬إذا‬
‫ِّ‬
‫بتتبـع ثالث طـرق متوازية‪ ،‬تفضي كلّها إىل تلـك الغاية‪:‬‬
‫يتـم ّ‬
‫وهـذا إمنـا ّ‬
‫الصحـة‪ .‬والثانيـة إرهـاف ذهنـه حتـى‬‫َّ‬ ‫أوالهـا تربيـة بدنـه بحسـب قوانين‬
‫ينفـذه نـور املعرفـة‪ ،‬وتنـزاح عنـه ظلمـة الغبـاوة‪ .‬والثالثـة تقويـم سيرته‬
‫العـي‬
‫ّ‬ ‫وهدايـة خطواتـه إىل السـبل املسـتقيمة والتنكيـب بهـا عـن سـبل‬
‫امللتويـة‪ ،‬ثـم تهذيـب أخالقـه بحسـب النواميـس األزليـة الفارقـة يف كلّ‬

‫‪9‬‬
‫والشر واإلحسـان واإلسـاءة(((‪ .‬ولعـلّ األحـرى‬
‫ّ‬ ‫عصر ومصر‪ ،‬بين الخير‬
‫النمـو الصالـح‪ ،‬بقـدر‬
‫ّ‬ ‫أن يقـال إن غايـة الرتبيـة إعانـة هـذه األشـياء على‬
‫االسـتطاعة‪.‬‬
‫مهمني‪:‬‬‫وأعلـم أن تربيـة الصغـار‪ ،‬كسياسـة الكبـار‪ ،‬قامئـة عىل ركنين ّ‬
‫املـرب‪ ،‬وثانيهما الطاعـة باإلضافـة‬‫ِّ‬ ‫أحدهما السـلطان باإلضافـة إىل‬
‫حـزم؛ أي‬
‫ٍ‬ ‫إىل الولـد‪ّ .‬إل أن السـلطان ينبغـي أن يكـون مقرتنـ ًا بالرفـق يف‬
‫من َّزهـاً عـن العنـف يف غير موضعـه‪ ،‬وعـن الرخصـة والتسـامح يف غير‬
‫مبربيه‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫موضعهما‪ ،‬كما أن الطاعـة ينبغـي أن تكـون ناشـئة عـن ثقة الولـد‬
‫املحبـة لـه‪ ،‬ال الخـوف مـن‬
‫ّ‬ ‫وعـن االحترام والهيبـة اللذيـن تبعثـه عليهما‬
‫عقابـه‪ .‬فـإن أُ ِ‬
‫همـل مـن الرتبيـة‪ ،‬واحـد ٌة مـن تلـك الطـرق أو ُعـدم منها أحد‬
‫هذيـن الركنين‪ ،‬فسـدت وفاتـت الخلّـة املقصـودة منهـا‪.‬‬
‫املتقـدم ذكرهـا‪ ،‬مـا كان منهـا كامنـ ًا يف‬
‫ّ‬ ‫ونعنـي بالخصـال والخلال‬
‫بـدن الولـد كمـون الشـجرة يف النـواة‪ ،‬ويف ذهنـه وأخالقـه كمـون النـار يف‬
‫الحجـر كما سـبقت إىل ذلـك اإلشـارة‪ .‬ونعني بالولـد كلّ صغري‪ ،‬ذكـر ًا كان‬
‫أو أنثـى‪ ،‬يف نشـأته األوىل‪ ،‬لتكـون الرتبيـة لـه مبنزلـة نشـأة أخـرى ينتقـل‬
‫ال لنشـأته‬‫بهـا مـن الحيوانيـة املحضة إىل اإلنسـانية‪ ،‬ولـك أن تدعوها تكمي ً‬
‫أمـر هـذا‬
‫يتميـز بـه عـن سـائر الحيـوان‪ .‬وقـد نـاط اللـه (سـبحانه) َ‬ ‫َّ‬ ‫األوىل‬
‫وحولهم من السـلطان‬ ‫َّ‬ ‫التكميـل باألبويـن أصالـةً ‪ ،‬ثم باملعلِّـم نيابةً عنهام‪،‬‬
‫والكفـاءة‪ ،‬مـا إذا أحسـنوا اسـتعامله أقدرهـم على القيـام مبـا نيـط بهـم‪.‬‬
‫للمـرب‪ ،‬إذاً‪ ،‬مـن السـلطان‪ ،‬وللولـد مـن الطاعـة؛ أي االنقيـاد‬
‫ّ‬ ‫فالبـد‬
‫ّ‬
‫مربيـه‪ ،‬واالمتثال للقوانين التي يفرضهـا عليه‪ ،‬ألن‬
‫ِّ‬ ‫بـه‬ ‫يأمـره‬ ‫ملـا‬ ‫واإلذعـان‬
‫املـرب والولـد‪ ،‬يف هـذا األمـر‪ ،‬كالفـارس وفرسـه‪ ،‬فالفـارس‪ -‬مهما كان‬ ‫ّ‬
‫بارعـ ًا يف الفروسـية‪ ،‬خبير ًا بتمريـن الخيل على الجري واقتحـام العقبات‪-‬‬
‫مل يسـتغنِ عـن اللجـام‪ ،‬ومل يسـتطع‪ -‬مـع ذلـك‪ -‬أن يفـوز بالسـبق يف‬

‫((( ‪ -‬كل فعل ينشأ عنه أو يرتتب عليه‪ ،‬يف الحال أو االستقبال‪ ،‬نفع ما‪ ،‬فهو خري وإحسان؛ وكل فعل ينشأ‬
‫عنه أو يرتتب عليه‪ ،‬يف الحال أو االستقبال‪ ،‬رضر ما‪ ،‬فهو رشّ وإساءة‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫امليـدان‪ ،‬مـا مل يكـن الفـرس نفسـه مطيع ًا لحركـة يده؛ فإن حـرن أو جمح‬
‫سـدى‪ .‬وكذلـك الولـد‪ ،‬إن مل يكـن سـلس القيـاد‪،‬‬ ‫سـعي الفـارس ً‬
‫ُ‬ ‫ذهـب‬
‫ال ناشـئ ًا عن تيقُّنـه بأنه ّ‬
‫يحبـه‪ ،‬وبأنه ال‬ ‫مربيه امتثا ً‬
‫ممت ّثلاً ملـا يحملـه عليـه ِّ‬
‫فن‬
‫مجـرد التحكم‪ ،‬سـقط مـن ّ‬ ‫ّ‬ ‫يأمـره بـه سـوى نجاحـه وفالحه ال‬
‫ُ‬ ‫يريـد مبـا‬
‫الرتبيـة أحـد ركنيـه‪ ،‬وفسـدت‪.‬‬
‫تعلـق بالجسـم والذهـن‪ ،‬معـاً‪ ،‬وجـب‪ -‬أوالً‪ -‬أن يكون‬ ‫ٌ‬ ‫وملّـا كان للرتبيـة‬
‫تدرج ًا كسير الطبيعة نفسـها؛ حتى تكون إحداهام معاونة لألخرى‬ ‫سيرها ُّ‬
‫تعانـد بينهما‪ ،‬ووجـب‪ -‬ثانيـاً‪ -‬أن تلازم الولـد مـن سـاعة يولد إىل‬ ‫ٍ‬ ‫عـن غير‬
‫منـو يديـه وذهنـه‪ .‬وهـذا البلـوغ يختلـف‬ ‫ـده‪ ،‬أي إىل أن يتكامـل ّ‬ ‫أش ّ‬‫أن يبلـغ ُ‬
‫أشـده إذا‬
‫ّ‬ ‫شـيئ ًا باختلاف البلاد ‪ ،‬ونحـن نفـرض‪ -‬هنـا‪ -‬أن الولـد م ّنـا يبلـغ‬
‫(((‬

‫مـدة الرتبيـة‪ -‬بهـذا االعتبـار‪-‬‬ ‫ناهـز الثماين عشرة مـن عمـره؛ ولـذا تقسـم ّ‬
‫تربيـة أبويـه‬
‫ُ‬ ‫أولهـا‬
‫الفـن‪ّ :‬‬
‫ّ‬ ‫قسـمها أكثر علماء هـذا‬ ‫إىل ثالثـة أدوار كما ّ‬
‫إيـاه‪ ،‬وذلـك مـن سـاعة يولـد إىل السـنة السادسـة أو السـابعة مـن عمـره‪.‬‬ ‫ّ‬
‫األم منهام‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ام‬ ‫سـي‬
‫َّ‬ ‫وال‬ ‫أبويه‪،‬‬ ‫باعتنـاء‬ ‫قائم‬ ‫الـدور‪،‬‬ ‫هـذا‬ ‫يف‬ ‫تربيتـه‪،‬‬ ‫ومعظـم‬
‫برتبيـة يديـه أي مبعاونـة الطبيعـة على إمناء قوى جسـمه بحسـب قوانني‬
‫الصحـة‪ ،‬غير غافلين‪ -‬مـع ذلـك‪ -‬طرفـةَ عين عـن إرهـاف ذهنـه وتقويـم‬ ‫ّ‬
‫السـن‪ .‬ثانيها‬
‫ّ‬ ‫تلك‬ ‫يف‬ ‫وهـو‬ ‫ذلك‪،‬‬ ‫يطيـق‬ ‫ما‬ ‫مبقـدار‬ ‫أخالقـه‬ ‫وتهذيـب‬ ‫سيرته‬
‫البـد منه مـن القـراءة والكتابة ومبـادئ املعارف البسـيطة‬ ‫دور تعليمـه مـا ّ‬
‫التـي تالئـم سـ ّنه‪ ،‬وتناسـب طبقـة أهلـه‪ ،‬والحرفـة التـي عسـاه أن يحرتفهـا‬
‫شـب‪ .‬وهـذه الرتبيـة تـدوم‪ ،‬يف الغالـب‪ ،‬إىل نحـو السـنة الثانيـة عرشة‬ ‫ّ‬ ‫إذا‬
‫مـن عمـره‪ ،‬وأمرهـا منـوط باملعلّـم سـواء أكان ذلـك يف الك ّتـاب أم كان‬
‫يـد فيهـا‪ ،‬واطِّ لاع عليها‪.‬‬ ‫يف البيـت‪ ،‬ويحسـن‪ -‬مـع ذلـك‪ -‬أن يكـون لألبويـن ٌ‬
‫الثالـث دور تربيتـه إذا خـرج مـن الك ّتـاب‪ ،‬وذلـك إىل نحـو السـنة الثامنـة‬

‫الحارة الهواء يعترب الولد بالغ ًا بني األربع عرشة والخمس عرشة من س ِّنه‪ ،‬وذلك رشع ًا ّ‬
‫إل‬ ‫ّ‬ ‫((( ‪ -‬يف البالد‬
‫وأما يف البالد الباردة الهواء فإنه يعترب بالغاً‪ ،‬رشع ًا وعرفاً‪ ،‬إذا تجاوز العرشين‪ .‬ويروى أن‬
‫غيه‪ّ .‬‬
‫أن العرف َّ‬
‫إل إذا بلغ العرشين من عمره‪ ،‬فقالت‪:‬‬ ‫األمهات من اإلفرنج قيل لها‪ :‬إن تربية الولد ال تنقطع وال تهمل ّ‬
‫بعض ّ‬
‫يا ويلتنا! هذا عناء طويل وتعب جزيل‪ ،‬فقالت جارتها‪ ،‬وكانت ذات عقل راجح وخاطر رسيع‪ :‬لقد وهمت‪ ،‬يا‬
‫سن العرشين‪ ،‬وك ّنا قد أهملنا تربيته‪.‬‬
‫سيديت‪ ،‬وإمنا يبتدئ عناؤنا إذا بلغ ولدنا ّ‬ ‫ِّ‬

‫‪11‬‬
‫عشرة مـن عمـره‪ ،‬وهـذه الرتبيـة تكـون وهـو يف إحـدى املـدارس العالية‪،‬‬
‫الخاصـة الذين ميكنهم‬
‫ّ‬ ‫يشـتغل باملعـارف الكامليـة؛ هـذا إن كان من أوالد‬
‫أن يسـتغنوا عـن اشـتغاله مبـا يكسـب بـه معاشـه‪ ،‬وت َّتسـع ذات يدهـم‪،‬‬
‫أيضـاً‪ ،‬للقيـام بالنفقـة التـي ترت َّتـب على إقامتـه بإحـدى تلـك املـدارس‪.‬‬
‫فـإن مل يكـن مـن تلـك الطبقة‪ ،‬فما سـنذكره مـن دور الرتبية الرابـع يبتدئ‬
‫بالنظـر إليـه بعـد الـدور الثـاين‪ .‬ولكن‪ ،‬يحسـن‪ -‬مـع ذلك‪ -‬أن يلتفـت إىل ما‬
‫اسـتعداد للتعلُّم‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫سـجيته‬
‫َّ‬ ‫فـوق القـراءة والكتابة من املعارف‪ ،‬إن كان يف‬
‫حلقـات‬
‫ُ‬ ‫َـم‪ ،‬يف البلاد التـي توفَّـر حظّ هـا مـن الحضـارة‪،‬‬
‫ورغبـة فيـه‪ ،‬فث َّ‬
‫ٍ‬
‫درس ُتقـام ليلاً ينتابهـا األسـاتذة‪ ،‬ويلقـون فيهـا دروسـ ًا يف أكثر املعـارف‬
‫ِ‬
‫تصدهـم صناعاتهـم أو ح َرفهـم‬ ‫ّ‬ ‫والعلـوم‪ ،‬على األحـداث والفتيـان الذيـن‬
‫التفـرغ‪ ،‬نهـاراً‪ ،‬لغري كسـب معاشـهم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫عـن‬
‫وإن كان الولـد مـن أهـل املـدارس العاليـة التـي أرشنا إليهـا‪ ،‬فال ينبغي‬
‫تتوهـم أنـه إذا بلـغ السـنة الثامنـة عشرة مـن عمـره‪ ،‬وأحكـم فيهـم آخر‬ ‫أن ّ‬
‫درس ألقـاه عليـه أسـتاذه‪ ،‬ونـال اإلجـازة أو الشـهادة مـن الفاحصين‪ ،‬فقد‬
‫أوالً‪ ،‬ألن أكثر مـا يتعلَّمـه األوالد‬
‫كل‪ّ .‬‬
‫متـت‪ -‬بذلـك‪ -‬تربيتـه‪ّ .‬‬
‫ـم تعليمـه‪ ،‬و َّ‬ ‫َت َّ‬
‫يف املدرسـة إمنـا هـو‪ -‬يف األغلـب‪ -‬طريقـة التعلُّـم بعـد خروجهـم منهـا‪،‬‬
‫يشء آخـر‪ ،‬كما يعلـم ذلـك كلّ مـن عانـاه‪ .‬ثانيـ ًا ألن الرتبيـة‪ -‬باملعنـى‬ ‫ٌ‬ ‫ال‬
‫حـد إذا بلغتـه‬ ‫ٌّ‬ ‫امل َّتسـع املـراد منهـا ههنـا‪ -‬ليـس لهـا‪ ،‬يف الحقيقـة‪،‬‬
‫وقفـت عنـده‪ ،‬ومل تتجـاوزه؛ ألنهـا ملّـا كانـت غايتهـا تبليـغ اإلنسـان‪ ،‬بقـدر‬
‫البـد‬
‫ّ‬ ‫بالحـق‪ ،‬كان‬
‫ّ‬ ‫االسـتطاعة‪ ،‬إىل أقصى مـدى غايتهـا حتـى يصير رجلاً‬
‫لهـا أن ترافقـه سـحابة عمـره‪ ،‬مـن الصبـوة إىل الكهولـة؛ عسى أن يتسـ ّنى‬
‫حـد الكمال املتعـارف املمكـن‬ ‫لـه بهـا أن يبلـغ درجـة ُتدنيـه شـيئ ًا مـن ّ‬
‫وجوده يف‬
‫َ‬ ‫تتصـور‬‫َّ‬ ‫وجـوده يف الخـارج‪ ،‬ألن الكمال‪ ،‬بإطلاق اللفـظ‪ ،‬وكما‬
‫تـدرك اليـوم‪ .‬وعىل فـرض أن أحد ًا من النـاس أدركها‪ ،‬فإنه‬ ‫الذهـن‪ ،‬غايـةٌ ال َ‬
‫ال يسـعد بهـا‪ ،‬بـل يشـقى ألنـه يكـون بهـا وحيـد ًا يف نوعـه‪ ،‬فيعيـش عيشـ ًا‬
‫منغصـاً ‪ ،‬ثـم ميـوت كمداً‪.‬‬
‫َّ‬
‫تدرجه؛ فكام‬
‫وقلنـا إن َس ْير الرتبيـة ينبغـي أن يرافـق َس ْير الطبيعـة يف ُّ‬

‫‪12‬‬
‫أن الطبيعـة سـ ّنت أن يكـون الولد‪ ،‬حني والده‪ ،‬ضعيـف البنية واإلدراك‪ ،‬ثم‬
‫تتـدرج تربيته‬
‫َّ‬ ‫ويتقـوى رويـد ًا رويد ًا وعلى التدريج‪ ،‬فكذلـك ينبغي أن‬
‫ّ‬ ‫ينشـأ‬
‫فيعـود يديـه‪ ،‬شـيئ ًا فشـيئاً‪ ،‬على مـا يصلـح لـه ويناسـبه‬ ‫ّ‬ ‫بتـدرج نشـوئه‪،‬‬
‫ُّ‬
‫الصحـة‪ ،‬ومـا يطيقـه ومييل إليه مـن صنـوف الرياضة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫قوانين‬ ‫مراعـاة‬ ‫مـن‬
‫مـواد التعليـم والتهذيـب مـا يالئـم طبعـه ويناسـب‬ ‫ّ‬ ‫ويلقـى إىل فهمـه مـن‬ ‫ُ‬
‫ترشبه‪ ،‬وخصوص ًا‬ ‫سـ ّنه‪ ،‬ويصلـح لتجريحه وإرهـاف ذهنه‪ ،‬ويقوى هو على ُّ‬
‫يحبـه مـن ذلـك جميعه‪ ،‬ومـا يجـد يف تعلّمه لـذّ ةً‪ ،‬أو مييـل إىل االطِّ الع‬ ‫مـا ّ‬
‫على حياتـه ميلاً غريزيـاً‪ ،‬من تلقـاء نفسـه‪ ،‬ال مكرهـ ًا عليه‪.‬‬
‫وقلنا إن الرتبية تبتدئ من سـاعة يولد؛ ألن الطفل إذا اسـتهلّ فسـكَّ تته‬
‫أمـه‪ ،‬أو طلـب الرضـاع فأرضعتـه‪ ،‬فذلـك تربيـة لـه‪ .‬ثـم إذا هدهدتـه ليكّ ـف‬ ‫ّ‬
‫قبلتـه‪ ،‬وهـو يف مهـده أو يف حجرهـا‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫أو‬ ‫ناغتـه‬ ‫أو‬ ‫البـكاء‬ ‫أو‬ ‫الصيـاح‬ ‫عـن‬
‫فذلـك‪ -‬أيضـاً‪ -‬تربية لـه‪ .‬وإذا العبته مرتعرع ًا أو ألهتـه بالحكايات والقصص‬
‫املمتعـة التـي ترتـاح إليها نفسـه‪ ،‬أو حذّ رته سـوء عواقب الخطـأ والحرام‪،‬‬
‫ربته‪،‬‬‫غريزيـان يف األوالد‪ ،‬فقـد ّ‬
‫ّ‬ ‫العتـو والبغـي اللذيـن هما‬
‫ّ‬ ‫أو كبحتـه عنـه‬
‫كما أن آخـر درس يلقيـه عليـه أسـتاذه هـو تربيـة لـه‪ .‬ويف الجملـة‪ ،‬كلّ مـا‬
‫حمـل هـو عىل فعلـه أو تركه أو يقال له من أمـر ونهي وتكليف‬ ‫ُيفعـل بـه أو ُي َ‬
‫وزجـر وتفقيـه وتهذيـب‪ ،‬سـواء أكان ذلـك يف بيـت أبويـه أو كان يف الك َّتاب‬
‫أولـه إىل آخـره‪ -‬تربية له وال ينـوى به‪ ،‬يف جاري‬‫أو يف املدرسـة‪ ،‬فهـو‪ -‬مـن َّ‬
‫يقصد به سـوى ترشـيحه‬ ‫العادة‪ ،‬سـوى صالحه وفالحه نفسـاً وجسـداً‪ ،‬وال َ‬
‫للدخـول يف الـدور الرابـع مـن أدوار الرتبيـة‪ ،‬ومعـه مـن اآللـة والسلاح ما‬
‫يؤهلـه للمقاومـة ويجعلـه عىل ثقـة من الفـوز والنجاح‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫وهـذا الـدور الرابـع ندعـوه دور تربيـة املـرء نفسـه بنفسـه‪ ،‬ولـك أن‬
‫تدعـوه‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬تربيـة مخالطـة النـاس أو تخريحـ ًا وتحنيـك ًا مبعـارشة أبنـاء‬
‫الجنـس‪ ،‬أو مبـا شـئت مـن األلفـاظ التـي تـدلّ على أن الرتبيـة فيـه تكـون‬
‫باملامرسـة لفـوات وقتهـا بالتلقين‪ ،‬وأن حقيقتهـا اسـتثامر مـا سـبق زرعـه‬
‫املتنوعة يف األدوار السـابقة‪ ،‬وإخراجها من‬‫ّ‬ ‫يف اإلنسـان مـن بذور الرتبيـة‬
‫القـوة إىل الفعـل‪ .‬إذا علمـت هذا علمت أن هذه الرتبية األخرية رضبة الزب‬ ‫ّ‬

‫‪13‬‬
‫املتوحش‬
‫ّ‬ ‫أحـد منهم ّإل‬
‫على كلّ البشر‪ ،‬ال ُيسـتغنى عنها‪ ،‬وال ُيعفى منها ٌ‬
‫أو الـذي يعتـزل النـاس ب ّتـةً ‪ ،‬وينقطـع يف رأس جبـل‪ .‬ولكن ال يسـتفيد منها‬
‫املتقدمـة عليهـا؛ ألن‬
‫ّ‬ ‫حـق االسـتفادة ّإل الـذي أُت ِقنـت تربيتـه يف األدوار‬
‫ّ‬
‫ترشـح ًا لهـا‪ ،‬وذلك إمنـا يكون‬
‫أعظـم النـاس انتفاعـ ًا بهـا مـن كان أحسـنهم ُ‬
‫قـوي‬
‫ّ‬ ‫مبـا اعتـاده واكتسـبه واسـتعاده يف الرتبيـات األخـرى حتـى أصبـح‬
‫متهيئاً‪ -‬يف‬
‫َّ‬ ‫البـدن والنفـس‪ ،‬مشـحوذ الذهـن والحجـى‪ ،‬بقـدر االسـتطاعة‪،‬‬
‫اللجـة‪ ،‬فيقتحمهـا وهو يرجـو‪ ،‬إذا وفّاهـا رشوطها‪،‬‬ ‫الجملـة‪ -‬القتحـام هـذه ّ‬
‫ومل يحجـم عـن أهوالهـا‪ ،‬أن يكـون خليقـاً‪ ،‬بعدهـا‪ ،‬بـأن يدعـى رجالً‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫(املطلب الثاين)‬

‫املربني‬
‫ّ‬ ‫يف‬

‫األبو ْين‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫فصل يف‬

‫َـع مـا وصـل إلينـا مـن كتـب التعليـم العربيـة‪ ،‬جـاز لـه‬ ‫ـن طال َ‬
‫كل َم ْ‬
‫أن يجـزم بـأن مص ِّنفيهـا كانـوا ُع َّزابـاً‪ ،‬وأنهـم إمنـا ص َّنفوهـا لتعليـم ُعـ ّزاب‬
‫فن‬
‫واألمهـات ّ‬
‫ّ‬ ‫مثلهـم؛ ألنـه ال يـكاد يـرى فيهـا شـيئ ًا مـن أمـر تعليم اآلبـاء‬
‫أهـم ما يجب عليهـم تعليمه وتعلُّمه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الفن من‬
‫ّ‬ ‫تربيـة األوالد‪ ،‬مـع أن هـذا‬
‫تأملنـا يف مـا قيـل لنا عن سـعة معارف األقدمني مـن مص ّنفي‬ ‫ونحـن‪ ،‬إذا َّ‬
‫علما وال ف ّنـ ًا معروفـ ًا يف ّأيامهـم ّإل ص ّنفوا فيه‬‫ً‬ ‫العـرب‪ ،‬وأنهـم مل يرتكـوا‬
‫الفـن عجيباً‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مص ّنفـات عديـدة‪ ،‬وجدنـا إغفالهـم هـذا‬
‫شـدة انصبابهـم‪،‬‬
‫وأعجـب منـه أن نـرى النـاس‪ ،‬يف ّأيامنـا هـذه‪ ،‬مـع ّ‬
‫شـبان‪ ،‬على تعلُّـم لغـات اإلفرنـج‪ ،‬وتهافتهـم على قـراءة مـا فيهـا‬
‫وهـم ّ‬

‫‪17‬‬
‫يعربـون شـيئ ًا‬
‫مـن القصـص املل ّفقـة‪ ،‬وتعريـب أكرثهـا‪ ،‬اليطالعـون وال ّ‬
‫يفيدهـم إذا صـاروا آبـاء‪ ،‬وهـذا مـع أن حيـاة األوالد الذيـن عسـاهم أو‬
‫ٌ‬
‫موقـوف عىل كيفية‬ ‫غيهـم‪ ،‬كلّ ذلك‬
‫يولـدوا لهـم‪ ،‬أو موتهـم ورشـادهم أو ّ‬
‫تربيتهـم‪.‬‬
‫أقـدم‪ -‬مثلاً ‪ -‬على تعاطـي التجـارة‪ ،‬وهـو ال‬‫َ‬ ‫فلـو أن أحـد ًا مـن النـاس‬
‫السـتحمقناه‪ ،‬وترقّبنـا‬
‫ُ‬ ‫يـدري مـن علـم الحسـاب ومسـك الدفاتـر شـيئاً‪،‬‬
‫نصـب‬ ‫الحجـام قـد ّ‬
‫ّ‬ ‫ال عليـه‪ .‬ولـو رأينـا جارنـا‬ ‫أن تكـون عاقبـة تجارتـه وبـا ً‬
‫لتعجبنـا‬‫ّ‬ ‫الطـب أو الترشيـح‪،‬‬
‫ّ‬ ‫جراحـ ًا مـن ق َْبـل أن يتعلّـم‬
‫نفسـه طبيبـ ًا أو ّ‬
‫عمل فيهـم مباضعـه‪ .‬لكننا إن‬ ‫مـن جرأتـه‪ ،‬ورثينـا لحـال املـرىض الذيـن ُي ِ‬
‫ويسـن سـنناً‪ ،‬ويشترع رشائع تجري‬ ‫ّ‬ ‫ينصب نفسـه لرتبية أوالده‪،‬‬ ‫رأينـا أبـ ًا ّ‬
‫أحكامهـا على أبدانهـم وأذهانهـم وأخالقهـم‪ ،‬وهـو ال يـدري شـيئ ًا من أمر‬
‫تهوره‪،‬‬
‫تتعجب مـن ُّ‬ ‫ّ‬ ‫الصحـة وتخريـج العقـل وتقويـم السيرة‪ ،‬مل‬ ‫ّ‬ ‫قوانين‬
‫وال رثينـا لحـال أوالده املسـاكني الذيـن أقـدم على تربيتهـم‪ ،‬وهـو على‬
‫هـذه الحال‪.‬‬
‫ألسـنا نـرى‪ ،‬كلّ يـوم‪ ،‬أن عـدد ًا وافـر ًا مـن األوالد ميوتون بسـبب جهل‬
‫الصحـة‪ ،‬وأن الذيـن ينجـون مـن املـوت منهـم‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬
‫والديْهـم بأبسـط قوانين‬
‫ِ‬
‫أيسر‬ ‫فإمنـا يعيشـون مسـاقيم ضعفـاء البنيـة‪ ،‬عاجزيـن عـن احتمال‬
‫املشـاق‪ ،‬محرومين التم ُّتـع مبـلء الهنـاء‪ ،‬قارصيـن عـن إدراك كثير‬ ‫ّ‬
‫مـن األوطـار واألمـاين التـي يدركهـا أترابهـم‪ ،‬وكانـوا جديريـن بإدراكهـا‪،‬‬
‫وصحـة أبدانهـم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫قوتهـم‬ ‫كغريهـم‪ ،‬لـوال مـا فاتهـم مـن ّ‬
‫ممراض‪ ،‬قـاال‪ :‬هذا رزء أب ُتلينا به‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫قصـع أو‬
‫ٌ‬ ‫وإن رأى األبـوان أن ولدهما‬
‫ونسـباه إىل سـوء بختهما‪ ،‬وكان الوجـه أن ينسـباه إىل سـوء تدبريهما؛‬
‫ألنـه مـا مـن معلـول طبيعـي ّإل ولـه طبيعـة‪ ،‬وعلّـة سـقم ولدهما‪ ،‬يف‬
‫أغلـب األمـر‪ ،‬جهلهما برتبيتـه‪ .‬ولـو قـال لهما الطبيـب إن وحيدهما قـد‬
‫فأيـة تعزيـة لهما يف أن األب‬ ‫صحتـه‪ّ ،‬‬
‫هلـك لعـدم معرفتهما مبـداراة َّ‬
‫منهما قـد قـرأ‪ -‬مثلاً ‪ -‬كتـاب «األغاين» مـن الدفّـة إىل الدفّـة‪ ،‬ويف أن ّ‬
‫األم‬
‫منهما قـد تفرنسـت‪ ،‬على جهـل منهـا بالفرنسـوية الحقيقيـة؟‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫نعم‪ .‬إن بعض أمراض األوالد موروثة كبعض مناقبهم وشوائبهم‪ ،‬فال‬
‫مسـبب عن جهل‬ ‫َّ‬ ‫مبجرد املداراة والتمريض‪ّ ،‬إل أن أكرثها‬
‫َّ‬ ‫ميكن شـفاؤها‬
‫أبـو ّي الولـد برتبيـة بدنـه؛ فهما‪ -‬لهـذه العلّـة‪ -‬مطالبـان بالتباعـة ألنهما‪،‬‬
‫َ‬
‫ملّـا اقرتنـا بعقـد الزواج‪ ،‬تعاهـدا بالتضمين (حتى ال نقـول بالترصيح) أن‬
‫يحسـنا القيـام على تربيـة مـن عسـاه أن يولـد لهما مـن األوالد‪ ،‬لكنهما‬
‫تقاعـدا أو كسلا أو عجـزا عـن تعلّـم مـا مـن شـأنه أن ميكِّ نهام مـن الوفاء‬
‫مبـا ضمنـا‪ ،‬فجهلهام بأبسـط قوانين الرتبيـة وأصولها‪ ،‬ذنـب ال ُيغتفر؛ إذ‬
‫عنـه تنشـأ أكثر أوامرهما ونواهيهام وسـننهام ورشائعهام السـخيفة التي‬
‫تهـدم‪ ،‬يومـ ًا فيومـاً‪ ،‬وسـاعة فسـاعة‪ ،‬بنيـةَ أوالدهما‪ ،‬بـل أوالد أوالدهام‪،‬‬
‫أيضاً‪.‬‬
‫وأمـا تربيـة الذهـن‪ ،‬أي إعانـة الطبيعـة‬ ‫هـذا مـن قبيـل تربيـة البـدن‪ّ ،‬‬
‫على شـحذه وإرهافـه فأنـت خبير بـأن ذلك ال يكـون كيفما جـرى وا َّتفق‪،‬‬
‫بـل مبقتضى نواميـس طبيعيـة‪ ،‬ال ينبغـي أن يجهـل األبـوان مبادئهـا عىل‬
‫األقـل‪ ،‬ألن كلّ والـد يجهلهـا ال يصلـح إلعانـة الطبيعة عىل إمتـام فعلها‪،‬‬ ‫ّ‬
‫أول ما‬‫ـرج ذهنه‪َّ ،‬‬
‫يتخ َّ‬‫بـل كثير ًا ما يعاندها‪ .‬وسـيجيء‪ ،‬بعد هذا‪ ،‬أن الولد َ‬
‫وتنبه له فطنتـه عفو ًا‬
‫ـرج‪ ،‬مبـا يعيـه‪ ،‬شـيئ ًا فشـيئاً‪ ،‬من تلقـاء نفسـه‪ّ ،‬‬ ‫يتخ َّ‬
‫َ‬
‫مـن الخواطـر البسـيطة واملعـاين املفـردة‪ ،‬حتـى إذا اجتمـع لـه طائفـة‬
‫تـذرع بهـا إىل معرفـة ذلـك الشيء‬ ‫ّ‬ ‫متجانسـة منهـا‪ ،‬يف يشء بعينـه‪،‬‬
‫يسـهال لذهنـه تحصيل‬ ‫ّ‬ ‫مبقـدار مـا يسـتطيع‪ .‬فمـن واجبات أبويـه‪ ،‬إذاً‪ ،‬أن‬
‫تلـك الخواطـر واملعـاين؛ وذلـك بـأن ُي ِع ّ‬
‫ـدا لـه‪ ،‬يومـ ًا فيومـاً‪ ،‬من األشـياء‬
‫تتنبـه لـه فطنتـه‪ ،‬ويفهم بعـض أمره‬ ‫حواسـه مـا َّ‬
‫ّ‬ ‫واألمـور التـي تقـع تحـت‬
‫بسـهولة‪ ،‬حتـى إذا أدرك شـيئ ًا مـن كنهـه‪ ،‬بالخبرة واملعاينـة واملالبسـة‬
‫بنفسـه‪ ،‬انتقـش معنـاه يف لـوح ذهنه‪ .‬فـإن كان األبوان أنفسـهام يجهالن‬
‫كيـف تتولّـد املعـاين املفـردة يف ذهـن ولدهما‪ ،‬وكيـف تخطـر الخواطـر‬
‫أول مـا تخطر‪ ،‬مل يصلحا إلعانـة الطبيعة عىل تنوير‬ ‫البسـيطة يف جنانـه‪َّ ،‬‬
‫بصريته‪.‬‬
‫أمـا جهـل األبوين ميـا يتعلَّق بتقويم سيرة الولد وتهذيـب أخالقه‪ ،‬فال‬
‫ّ‬

‫‪19‬‬
‫ينقـص عـن جهلهما مبـا يتعلَّـق برتبيـة بدنـه وإنـارة ذهنـه‪ ،‬حتـى ال نقول‬
‫السـن‪ ،‬فـإن األب منهام‬ ‫ّ‬ ‫إنـه يزيـد عليـه‪ .‬انظـر إىل هذيـن الوالدين حديثَي‬
‫بـاألم‪ ،‬يتعلّـم مـن قواعـد العلـوم الفلسـفية مـا ال يكاد‬ ‫ّ‬ ‫كان‪ ،‬قبـل اقرتانـه‬
‫مما‬ ‫يفهمـه أو مـا ال يجديـه نفعـ ًا كبير ًا أن فهمـه‪ ،‬لكنـه مل يتعلّـم شـيئ ًا ّ‬
‫وو ِلـد لـه ولـد‪ ،‬أن يفقـه على مـا يجـب عليـه فعلـه يف‬ ‫تـزوج ُ‬
‫عسـاه‪ ،‬إذا ّ‬
‫املدة‬
‫ّ‬ ‫تقويـم سيرته وتهذيـب أخالقـه‪ .‬ثم ملّـا خرج من املدرسـة‪ ،‬قضى‬
‫والتردد على املالعب‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫مـرت بين خروجـه منهـا وزواجـه‪ ،‬يف اللهو‬ ‫التـي ّ‬
‫األم منهما‪ ،‬فإنهـا‬ ‫األبـوة‪ .‬وكذلـك ّ‬
‫ّ‬ ‫وأهمـل كلّ يشء يقفـه على واجبـات‬ ‫َ‬
‫املدة‬‫ّ‬ ‫قضـت‬ ‫ثـم‬ ‫األعاجـم‪،‬‬ ‫ولغـات‬ ‫التطريـز‬ ‫ّـم‬‫ل‬ ‫تتع‬ ‫زواجهـا‪،‬‬ ‫قبـل‬ ‫كانـت‪،‬‬
‫التـي مضـت‪ ،‬بين خروجهـا مـن املدرسـة وزواجهـا‪ ،‬يف زيـارة أترابهـا أو‬
‫العـزف على البيانـو أو تطريـز مـا ال حاجـة بهـا إليـه أو قـراءة القصـص‬
‫امللفَّقـة بلغـات اإلفرنـج‪ ،‬بحيـث ال تغـادر منهـا سـوى القصـص التـي‬
‫موضوعهـا الرتبيـة‪ ،‬لكنهـا مل تلتفـت أقـلّ التفـات إىل واجبـات األمومـة‬
‫فلم‬
‫يهيئها لـه أحد‪ّ ،‬‬ ‫تهيئ لذلك نفسـها‪ ،‬ومل ِّ‬ ‫التـي هـي صائـرة إليهـا‪ ،‬ومل ِّ‬
‫اقرتنـت ببعلهـا ورزقهما اللـه أوالداً‪ ،‬وشـعرا مبـا أُ ِلقي على كاهليهام من‬
‫عـبء تربيتهم‪:‬‬

‫عي ــت ببيضته ــا النعا َم ــه‬


‫َّ‬ ‫َع ّيــــا بأمــرهــــم كــمــــا‬

‫لبهما منـه لقلّـة اسـتعدادهام لـه‪ ،‬وأقبلا‬ ‫فحـارا يف ذلـك‪ ،‬وطـاش ّ‬


‫يتعـرض لهـا سـوى املاهـر الخبير‪ ،‬ويأمـران‬ ‫ّ‬ ‫يتعرضـان ألمـور ال يليـق أن‬‫ّ‬
‫العـرام‬
‫ُ‬ ‫مـن‬ ‫بذلـك‪،‬‬ ‫الولـد‬ ‫يكسـبا‬ ‫حتـى‬ ‫هما؛‬ ‫ن‬
‫ِّ‬ ‫ف‬ ‫مـن‬ ‫ليـس‬ ‫مبـا‬ ‫وينهيـان‬
‫التربم وسـوء‬
‫ّ‬ ‫يف‬ ‫مثلـه‬ ‫يجعلهما‬ ‫أن‬ ‫األمـر‪-‬‬ ‫آخـر‬ ‫والشكاسـة‪ ،‬مـا ال يلبـث‪-‬‬
‫املحبـة‪ ،‬ثـم‬
‫ّ‬ ‫حـد يذهـب مبـا كان لهما يف قلـب الولـد مـن‬ ‫الخلـق‪ ،‬إىل ٍّ‬
‫يزينهـا لهما الهـوى أو الجهـل حتـى‬ ‫يجرئانـه على أفعـالٍ ّ‬ ‫إنهما كثير ًا مـا ّ‬
‫يزعما أنهما حسـنة مـن غير أن يع ِّنيـا أنفسـهام بالبحـث عـن األسـباب‬
‫التـي َح َدتهما إىل هـذا الزعـم‪ ،‬وإمنا يكفيهما أن يكون الفعـل مطابق ًا يف‬
‫الظاهـر ملـا يعتقـدان أنـه َح َسـن‪ ،‬سـواء أكان‪ ،‬يف الواقـع‪ ،‬كذلـك أم مل‬
‫مـكان‬
‫َ‬ ‫الخسـة أو األ َثـرة‬
‫ّ‬ ‫يكـن‪ .‬وهكـذا‪ ،‬يولّـدان يف قلـب ولدهما الريـاء أو‬

‫‪20‬‬
‫وربـا أمـراه بالصـدق يف أقوالـه‪ ،‬ثـم‬ ‫الخلـوص واألنفـة وظلـف النفـس‪َّ ،‬‬
‫فيجرئانه‪ ،‬بذلك‪ ،‬عىل اإلخالف‬
‫ِّ‬ ‫يعدانـه وال ينجـزان‪ ،‬أو يعدانه وال يفعلان‬
‫ِ‬
‫والنكـث والكـذب‪ ،‬ويصيران له فيهـا قـدوة‪ ،‬ويأمرانه بطول األنـاة والحلْم‬
‫مم ال يسـتوجب‬ ‫ـات و ُت ّر ٍ‬
‫هات لعلّها ّ‬ ‫والتاملـك ثـم يسـخطان عليه ألجل ه ّن ٍ‬
‫فيدربانـه‪ -‬بذلـك‪ -‬على الغضـب ورشاسـة األخلاق‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫السـخط‪،‬‬

‫ولـو ال أن يف ِج ِبلّـة األوالد مـا ّ‬


‫يردهـم‪ ،‬يف الغالـب‪ ،‬إىل النشـوء على‬
‫إياهم آفة‬
‫مـا فيهم من السـجايا الحسـنة املوروثة لكانـت تربية والديهـم ّ‬
‫وأي آفة!‪.‬‬ ‫على أخالقهـم‪ّ ،‬‬

‫‪21‬‬
‫فصل يف املعلِّم‬

‫إن القدمـاء واملحدثين‪ ،‬مـن أهـل البلاد التـي توفَّـر حظّ هـا مـن‬
‫املـؤدب‬
‫ِّ‬ ‫املـرب أو‬
‫ّ‬ ‫يقـدرون املعلِّـم أي‬
‫ِّ‬ ‫املدنيـة‪ ،‬كانـوا (وال يزالـون)‬
‫ّ‬
‫ويبجلونـه‪ ،‬وينزلونـه فـوق منزلـة الطبيـب بـل فـوق منزلـة‬ ‫ّ‬ ‫قـدره‪،‬‬ ‫حـق‬
‫ّ‬
‫الحاكـم؛ ألن الطبيـب إن داوى أسـقام البـدن وشـفاها وهيهـات‪ ،‬فلا‬
‫يقـدر أن يـداوي أسـقام النفـس ويشـفيها‪ ،‬بـل هـذا مـن واليـة املعلِّـم‪،‬‬
‫وألن الحاكـم إمنـا يعاقـب الجـاين إذا جنـى‪ ،‬ولكـن ليـس مـن واليتـه أن‬
‫خير ًا عزوفـ ًا مـن اقتراف الجرائـم‪ ،‬بـل هـذا منـوط باملعلّـم‪،‬‬ ‫يجعلـه ِّ‬
‫الرشيـر إذا أذنـب‪ ،‬وقـد يقصيـه أو يعتقلـه‬ ‫ّ‬ ‫الحـد على‬
‫ّ‬ ‫والحاكـم يقيـم‬
‫الجراح‬ ‫ّ‬ ‫رشه‪ ،‬حينـ ًا مـا‪ ،‬فمثلـه يف ذلك مثـل‬ ‫ليؤدبـه ويريـح النـاس مـن ّ‬ ‫ّ‬
‫إل أن‬ ‫الـذي يقطـع مـن أعضـاء الجسـم مـا كان مؤوفّـ ًا ليسـلم سـائرها‪ّ ،‬‬
‫الشر مـن جرثومتـه‪ ،‬وكثير ًا ما ينجـح يف ما‬ ‫ّ‬ ‫املعلِّـم يحـاول اسـتئصال‬
‫يتعهـد نفـس الولـد فضلاً‬ ‫َّ‬ ‫ـن كان يف واليتـه أن‬ ‫ـرم أن َم ْ‬ ‫يحاولـه‪ .‬ال َج َ‬
‫ويهتـم بلعبه ودرسـه بـل فرحه وترحـه‪ ،‬لجدير بـأن يكون‬ ‫ّ‬ ‫عـن جسـمه‪،‬‬
‫عـايل املنزلـة؛ ولـذا كان اليونـان يدعـون سـقراط وأفالطـون وأرسـطو‬
‫طاليـس وغريهـم من الفالسـفة‪ ،‬معلّمين وآباء‪ ،‬وال بـدع؛ ألن املعلّم‪-‬‬
‫أب ثـانٍ للولـد‪ ،‬وإن شـئت دعوتـه أبـاه الروحـاين‪ ،‬كما أن‬ ‫يف الحقيقـة‪ٌ -‬‬
‫أحـد يف الدنيـا َأ ْوىل مـن األبوين‬ ‫ٌ‬ ‫الوالـد أبـوه الجسماين‪ .‬وملّـا مل يكـن‬
‫يبجلهما الولـد ويحرتمهما‪ ،‬وكان املعلّـم نائبـ ًا عنهما يف تربيتـه‪،‬‬ ‫بـأن ّ‬
‫إذا غابـا‪ ،‬ورشيـك ًا لهام فيها‪ ،‬إذا حرضا‪ ،‬كان‪ -‬بحكم الرضورة‪ -‬مسـتح ّق ًا‬
‫لشيء مـن ذلـك التبجيـل عينه‪ .‬وإمنـا اسـتنابه األبوان عنهما يف تربية‬
‫ولدهما؛ ألنـه قـد ي َّتفـق أن ال يكـون لهما ِق َبـل بهـا أو كفـاءة لهـا‪ ،‬إذا‬
‫حـان دورهـا الثـاين‪ ،‬أو ال يسسـتطيعانها وحدهما ألن اهتاممهما بأمـر‬
‫يصدهما عنـه‬ ‫ّ‬ ‫املعـاش وتدبير املنـزل أو غير ذلـك مـن الشـؤون‪،‬‬
‫تنوعـ ًا مـن أن تكفيهـا‬ ‫أهـم وأكثر ّ‬ ‫ّ‬ ‫التفـرغ لهـا‪ .‬وأ نـت قـد عرفـت أنهـا‬ ‫ّ‬
‫يتولهـا أن يو ِّفـر أوقاته‬ ‫ممن ّ‬ ‫ّ‬ ‫تقتضي‬ ‫بـل‬ ‫النهـار‪،‬‬ ‫مـن‬ ‫سـاعتان‬ ‫أو‬ ‫سـاعة‬
‫كلّهـا عليهـا‪ ،‬وأن ال يكـون لـه شـغل غريهـا‪ ،‬وهـذا ال يسـتطيعه األبـوان‬

‫‪22‬‬
‫ب أنهام يسـتطيعانه‪ ،‬فقد ي َّتفق أن‬ ‫وه ْ‬
‫تقدم من شـواغلهام‪َ .‬‬ ‫دامئـاً ؛ ملـا ّ‬
‫قليلي الخبرة بتأديـب األوالد يف هـذا الدور‪ ،‬وإن كانا من أحسـن‬ ‫َ‬ ‫يكونـا‬
‫سـيام الرتبيـة الذهنيـة‪ ،‬يف هـذا‬ ‫فـن الرتبيـة‪ ،‬وال ِّ‬
‫تأدبـاً؛ ألن ّ‬‫النـاس ُّ‬
‫مسـت‬ ‫الـدور‪ ،‬أوسـع مـن أن يحيط بجميـع تفاصيله سـائر الناس؛ ولذا ّ‬
‫يتفرغ له‪ ،‬ودعـت الرضورة‪ ،‬أيضاً‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫مـرب ذي كفـاءة وخربة‬
‫ٍّ‬ ‫الحاجـة إىل‬
‫أن يسـتنيبه األبـوان عن أنفسـهام‪ ،‬يف ذلك‪ ،‬ليعينهما‪ ،‬ويعني الطبيعة‬
‫يحسـن أن‬
‫ُ‬ ‫املتقـدم أنـه‬
‫ّ‬ ‫نفسـها عليـه‪ .‬وهـذا سـبب قولنـا يف الفصـل‬
‫يكـون لألبويـن اطِّ لاع على تربية ولدهما‪ ،‬وهـو يف الك ّتـاب؛ أي إذا حان‬
‫دورهـا الثـاين‪ ،‬وذلـك ألنهـا ال تكـون يف هـذا الـدور كاملـة متقنـة‪ ،‬بقدر‬
‫إل إذا عـاون األبـوان املعلّـم عليها ألنهام أعلـم الناس مبا‬ ‫االسـتطاعة‪ّ ،‬‬
‫يالئـم ولدهما وأكرثهـم معرفـةً بسـجاياه وأخالقـه وشـوائبه ومعايبـه‪،‬‬
‫يتجشـمه مـن تهذيبهـا‬ ‫َّ‬ ‫وأوالهـم بإطلاع املعلِّـم عليهـا تسـهي ً‬
‫ال ملـا‬
‫وتثقيـف منآدهـا بالرتبيـة‪.‬‬
‫أب ثـانٍ للولـد؛ ولـذا قـال اإلسـكندر يومـ ًا إنه‪،‬‬
‫فصـح‪ ،‬إذاً‪ ،‬أن املعلـم ٌ‬
‫ّ‬
‫جسما فهـو ابـن أرسـطوطاليس نفسـاً؛‬ ‫ً‬ ‫وإن كان ابـن فيلبـس املكـدوين‬
‫ألنـه إن كان فيلبـس سـبب ًا لحياتـه فأرسـطوطاليس هـو الـذي علّمـه كيف‬
‫مكرمـاً‪ ،‬ومـا أحسـن مـا قال الشـاعر‪:‬‬‫يعيـش َّ‬
‫ْ‬
‫والشرف‬ ‫وإن كان لي من والدي الفخر‬ ‫أقدم ُأستاذي على فضل والدي‬
‫ّ‬
‫وذاك مربّي الجسم‪ ،‬والجسم من َص َد ْف‬ ‫فذاك مربّي الروح‪ ،‬والروح جوه ٌر‬

‫وال يكفـي أن يكـون املعلّـم ذا كفـاءة للرتبيـة وخبرة بها‪ ،‬بـل ينبغي‪،‬‬
‫محبـة للولـد تدفعـه إىل أن يعنـى بـه عنايـة الوالـد‬ ‫ّ‬ ‫أيضـاً‪ ،‬أن يكـون ذا‬
‫يسـتحق أن ُيدعـى أبـ ًا ثانيـ ًا لـه‪ّ .‬‬
‫وإنـا‬ ‫ّ‬ ‫بابنـه؛ ألنـه إن مل يكـن كذلـك مل‬
‫ـن يبـذل وسـعه يف اقتفـاء آثـار‬ ‫يسـتحق هـذا اللقـب‪ ،‬مـن املعلِّمين‪َ ،‬م ْ‬
‫ّ‬
‫أولئـك األفاضـل الذيـن سـبقت إليهـم اإلشـارة‪ ،‬وينسـج على منوالهم ما‬
‫أمـر عسير ال يسـتطيعه كلّ أحـد‪ ،‬بـل‬ ‫اسـتطاع‪ .‬نعـم‪ ،‬إن إدراك شـأوهم ٌ‬
‫ال يـكاد يـرام‪ ،‬ولكـن «ال يكلِّـف اللـه نفسـ ًا ّإل وسـعها»‪ .‬فعلى اإلنسـان‬

‫‪23‬‬
‫ينصـب نفسـه للتعليـم أن يسـعى يف أن يحذو حذوهـم‪ ،‬عىل قدر‬ ‫الـذي ّ‬
‫ـن يفعـل كلّ مـا يقـدر عليـه فقـد َف َعـل كلّ مـا يجـب عليـه‬‫طاقتـه؛ ألن َم ْ‬
‫ِ‬
‫تصـدى ملـا ال ق َبـل لـه‬
‫ّ‬ ‫وإل فليـدع أمـر التعليـم والرتبيـة لغيره؛ ألنـه إن‬
‫ّ‬
‫ينصـب نفسـه لتعليمهـم‪،‬‬ ‫بـه‪ ،‬ولما ليـس مـن أهلـه كان‪ ،‬هـو والذيـن ّ‬ ‫ِ‬
‫عمـى‪ ،‬يقتـاد عميانـاً‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫كقائـد ذي ً‬

‫‪24‬‬
‫(املطلب الثالث)‬

‫يف تربية البدن‬

‫املتأخريـن‪ :‬لو ُع ِنـي بعض الوالديـن برتبية أوالدهـم عنايتهم‬


‫ِّ‬ ‫قـال أحـد‬
‫واملرتهلين وأصحـاب‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫برتبيـة أنعامهـم مل تجـد يف النـاس مـن الفصمين‬
‫مشـوهو‬
‫َّ‬ ‫العاهات ّإل عدد ًا قلي ً‬
‫ال بالنسـبة إىل ما نراه فيهم‪ ،‬وإمنا كَ ُث فيهم‬
‫الخلـق لقلّـة ال ِتفـات الوالديـن إىل االعتناء برتبية أبـدان األوالد كام ينبغي‪،‬‬
‫بالتأمـل فيـه أنـك تـرى فيهم من‬
‫ّ‬ ‫ومما هـو جديـر‬
‫يف الوقـت الـذي ينبغـي‪ّ .‬‬
‫يخـوض‪ ،‬بلا مبـاالة‪ ،‬يف حديـث تربيـة املـوايش أو تضمري خيل السـباق أو‬
‫قـس‬
‫ترضيـة كالب الصيـد‪ ،‬حتـى لتخالـه‪ ،‬مـن فصاحتـه وانطلاق لسـانه‪ّ ،‬‬
‫بـن سـاعدة‪ ،‬فـإذا جـرى الحديـث يف أمـر تربيـة األوالد‪ِ ،‬خلتـه مـن فهاهتـه‬
‫وعيـه باقلاً ‪ .‬وتـرى غيره‪ ،‬وقـد أُنعـم عليـه بثروة وافـرة مـن صامـت وناطق‬ ‫ّ‬
‫تعهد أسـطبله وعلف خيله‬ ‫ُّ‬ ‫على‬ ‫الناس‬ ‫أحـرص‬ ‫من‬ ‫فصـار‬ ‫وعقـار‪،‬‬ ‫ومنتقـل‬
‫تعهـد حجـرة أوالده‪ ،‬وعن‬‫واسـتغالل ضيعتـه‪ ،‬لكنـه بقـي مـن أغفلهـم عن ُّ‬

‫‪27‬‬
‫تفقُّـد غذائهـم وانتظـام أوقاتـه‪ ،‬وتـرى اآلخـر‪ ،‬وقد احترف الزراعـة أو تربية‬
‫السـامئة‪ ،‬فصـار من أدرى الناس بالسماد األصلح إلمناء الـزرع‪ ،‬وأعلمهم‬
‫بوجـوب إعفـاء ثـوره مـن الحـرث وكـرب األرض‪ ،‬على إثـر تناولـه العلـف‪،‬‬
‫وأعرفهـم بتسـمني العجـول والحملان‪ ،‬لكنـه بقـي مـن أجهلهـم وجـوب‬
‫إعفـاء ولـده من الدرس وسـائر األعمال العقلية‪ ،‬على إثر تناولـه الطعام‪،‬‬
‫وأقلّهـم معرفـة بالغـذاء األصلـح له‪.‬‬
‫فـإن لُمـت أحـد هـؤالء الرجال على إهامله من أمـر أوالده‪ ،‬مـا ال يهمله‬
‫تعهـد إسـطبل الخيـل ومـذود‬ ‫مـن أمـر أنعامـه‪ ،‬مل يعجـز أن يقـول لـك إن ُّ‬
‫البقـر وحظيرة الغنـم يغنيـه؛ ألنـه إن أحسـن القيـام على الفـرس أحرز به‬
‫سـمن العجـول والحملان باعهـا بأعلى‬ ‫قصبـات السـبق يف امليـدان‪ ،‬وإن ّ‬
‫األم أو الخادمـة‪.‬‬
‫أمـا تربيـة ولـده فلا تعنيـه‪ ،‬بـل هـي مـن واليـة ّ‬ ‫األمثـان‪ّ .‬‬
‫األم ال تـدري مـن أمـور الدنيـا سـوى التطريـز أو العـزف على‬ ‫ولعـلّ هـذه ّ‬
‫البيانـو‪ ،‬أو التكلُّـم باإلفرنجيـة‪ .‬ولعـلّ هـذه الخادمة ال تعرف مـن أمر تربية‬
‫األوالد سـوى مزاعـم وأوهـام تلقَّتهـا مـن أهـل طبقتهـا أو مـن جـارة جاهلـة‬
‫مثلهـا أو أجهـل منهـا‪ّ ،‬إل أن ها َت ْين املرأ َت ْين هما‪ ،‬يف نظـر األب‪ ،‬أكثر‬
‫كفـاء ًة منـه‪ ،‬وأصلـح لرتبيـة ولـده‪.‬‬
‫وال تعجـب مـن مقايسـتنا تربيـة اإلنسـان برتبيـة الحيـوان؛ فإنـا مل‬
‫العامـة التـي‬
‫ّ‬ ‫نفعـل ذلـك عـن مجازفـة بـل اسـتناد ًا إىل نواميـس الطبيعـة‬
‫تجـري أحكامهـا على أنـواع الحيـوان كافّـة‪ ،‬سـواء فيهـا الفرس واإلنسـان؛‬
‫مييـزه عـن‬
‫واحـد مـن تلـك األنـواع‪ ،‬وال يشء ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ألن اإلنسـان‪ -‬يف الحقيقـة‪-‬‬
‫سـائرها سـوى النطـق؛ ال النطـق الخـارج اللفظـي بـل الباطن العقلي الذي‬
‫ـد األخـرس ناطقـاً‪ ،‬وإن كان ال يسـتطيع أن يفـوه بلفظـة‪ .‬فـإن كان‬ ‫بـه ُي َع ّ‬
‫ليتقـوى فيـه هـذا النطـق‪ ،‬ويصير بـه إنسـاناً‪،‬‬
‫ّ‬ ‫البـد للولـد مـن تربيـة ذهنـه‬‫ّ‬
‫البـد مـن تربيـة بدنه كام َسـ َّنت الطبيعـة؛ ليكون‪ ،‬من هـذه الجهة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫فكذلـك‬
‫واملـرب‪،‬‬
‫ّ‬ ‫األبويـن‬ ‫على‬ ‫واجـب‬ ‫فـرض‬ ‫وذلـك‬ ‫الحقيقـة‪.‬‬ ‫على‬ ‫أيضـاً‪ ،‬رجلاً‬
‫أمـة وفالحهـا بـل اسـتقاللها‪ ،‬موقـوف‬‫ال يسـعهم إغفالـه؛ إذ إن نجـاح كلّ ّ‬
‫وجلَدهـم وضالعتهم؛ ألن مـن كانه ضعيـف البنية‬ ‫شـدة بـأس رجالهـا َ‬‫على ّ‬

‫‪28‬‬
‫مهمتـه‪ ،‬وال أن يقـدم على أمـر ٍ‬
‫واهـي القـوى ال يسـتطيع أن يقـوم بأعبـاء ّ‬
‫وصحة البـدن كاسـتخراج املعادن واألسـفار‬ ‫ّ‬ ‫مما ُيحتـاج فيـه إىل النشـاط‬ ‫ّ‬
‫وركـوب البحـار وحـرث األرض‪ ،‬وغير ذلك مـن األعامل الشـاقّة التـي كثري ًا‬
‫مـا تدعـو إليهـا الصناعـة أو التجـارة أو الزراعـة‪ .‬وزد على ذلـك أنـه إذا‬
‫األمـة إىل الدفع عن نفسـها يف ميدان الحرب؛ صيانةً السـتقاللها‬ ‫اضطـرت ّ‬
‫ّ‬
‫أو ذود ًا عـن حوزتهـا أو حاميـة لذمارهـا‪ ،‬فـإن مل يكـن رجالهـا ذوي بـأس‬
‫عدوهـم‪ ،‬وإن‬ ‫ّ‬ ‫ونجـدة خـارت قواهـم يف القتـال‪ ،‬وفشـلوا‪ ،‬وتغلّـب عليهـم‬
‫ـدداً‪.‬‬ ‫ـدد ًا ُ‬
‫وع َ‬ ‫كانـوا يفوقونـه َع َ‬
‫وقـد رسـخ يف أذهـان كثير من الناس أن ما يشـعر بـه األوالد بل الكبار‪،‬‬
‫والحـر والتعـب وغير ذلـك‪ ،‬ال‬
‫ّ‬ ‫مـس الجـوع والعطـش والبرد‬
‫ّ‬ ‫أيضـاً‪ ،‬مـن‬
‫ينبغـي االلتفـات إليـه وال االعتـداد بـه‪ ،‬وهـذا زعـم يرتتـب عليـه أن رضوب‬
‫فتأمـل‪.‬‬
‫الحـس إمنـا ُخلقـت‪ ،‬يف البشر‪ ،‬لتضلّهـم ال لتهديهـم‪َّ ،‬‬
‫ّ‬
‫وحقيقـة األمـر‪ ،‬يف هـذا الزعـم‪ ،‬أن الذيـن يزعمونـه إمنـا ينظـرون إىل‬
‫املعلـوالت‪ ،‬ويذهلـون مـن عللهـا‪ ،‬ولـو أنعـم أحدهم نظـره يف القضيـة لوجد‬
‫متعـددة ألنهـم يطيعـون مـا‬
‫ِّ‬ ‫يعرضـون أنفسـهم ألسـواء وأدواء‬ ‫أن البشر ال ّ‬
‫حسـهم‪ ،‬بـل ألنهـم يعصـون أمـره‪ .‬فهـم ال ميرضـون ألنهـم إذا‬ ‫يأمرهـم بـه ّ‬
‫يسـتمرون على األكل‬
‫ّ‬ ‫جاعـوا جاعـوا أكلـوا‪ ،‬وإذا عطشـوا رشبـوا‪ ،‬بـل ألنهـم‬
‫والـري‪ ،‬وال يسـقمون ألنهـم يستنشـقون هـذا النسـيم‬ ‫ّ‬ ‫والشرب بعـد الشـبع‬
‫األصحـاء‪ ،‬بـل ألنهـم يتن ّفسـون ذلـك الهـواء الفاسـد‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الـذي يسـتطيبه كلّ‬
‫مضر بالرئتين‪ .‬وال يعتلـون ألنهـم يطيعـون‬ ‫ٍ‬
‫مـع شـعورهم بأنـه مـؤذ للصـدر‪ّ ،‬‬
‫يكـدون‬
‫مـا تأمرهـم بـه‪ ،‬وتدفعهـم إليـه الطبيعـة مـن رياضـة الجسـم؛ ألنهـم ّ‬
‫كدهـا يف األعمال الشـاقّة‬ ‫أجسـامهم يف عمـل مـا‪ ،‬بـل ألنهـم يثابـرون على ّ‬
‫مـدة مديـدة‪ ،‬مـن غير رضورة‪ ،‬ومـن بعـد شـعورهم بأنهـم قـد نهكـوا وبـأن‬ ‫ّ‬
‫يلـد لهـم‬
‫ُّ‬ ‫مـا‬ ‫يف‬ ‫فكرهـم‬ ‫إعمال‬ ‫هـم‬ ‫يرض‬
‫ّ‬ ‫وال‬ ‫ً‪.‬‬
‫ا‬ ‫حينـ‬ ‫بالراحـة‪،‬‬ ‫تأمرهـم‬ ‫الطبيعـة‬
‫يرضهـم مثابرتهم عىل إعمال فكرهم وإجهـاد قريحتهم بعد‬ ‫البحـث عنـه‪ ،‬بل ّ‬
‫مـا يشـعرون به مـن الصداع وحـرارة الوجه واألذنين‪ ،‬وغري ذلك مـن اإلمارات‬
‫التـي تدلّهـم أن الطبيعـة تتقـاىض منهـم أن ميسـكوا عـن ذلـك‪ ،‬إىل حين‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫الحـس قـد تكون بالنظـر إىل بعض الناس غير صادقة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫نعـم‪ ،‬إن داللـة‬
‫املتقدمـة؛‬
‫ِّ‬ ‫دامئـاً ‪ّ ،‬إل أن هـذا مـن الشـذوذ الـذي ال تنقـض بـه القاعـدة‬
‫فـإن الـذي يقضي سـحابة يومـه منقطعـ ًا يف حجـرة مغلقـة النوافـذ‪ ،‬ال‬
‫يخـرج منهـا‪ ،‬وال يـكاد يبرح مكانـه‪ ،‬والـذي يكثر مـن إعمال فكـره ويقـلّ‬
‫ألـح عليـه‪ ،‬أو طاعـةً‬
‫مـن رياضـة بدنـه‪ ،‬والـذي يـأكل مجـارا ًة لصديقـه إذا ّ‬
‫ملـا يأمـره بـه أذان املـؤذِّ ن أو عقـرب السـاعة‪ ،‬ال ملـا تأمره به معدتـه‪ ..‬كلّ‬
‫حسـهم قـد فسـدت‪ ،‬حتـى صـارت تضلّهـم‬ ‫هـؤالء جائـز أن تكـون رضوب ّ‬
‫قررناهـا؛ ألنـه‬‫يخـل بالقاعـدة التـي َّ‬
‫يف كثير مـن األحـوال‪ّ .‬إل أ ن ذلـك ال ّ‬
‫ليـس‪ -‬يف الحقيقـة‪ -‬سـوى عاقبـة مـا جنـوه على أنفسـهم بعصيانهـم‬
‫نواميـس الطبيعـة‪ ،‬فلـوال أنهـم جعلـوا دأبهـم‪ ،‬منـذ صباهـم‪ ،‬أن يخالفـوا‬
‫صحتـه‪ ،‬دلي ً‬
‫ال‬ ‫حسـهم‪ ،‬بـل لبـث‪ ،‬وهو يف مـلء َّ‬ ‫تلـك النواميـس ملـا فسـد ّ‬
‫يرضهـم‪.‬‬
‫عما ّ‬ ‫صادقـ ًا يقودهـم إىل مـا ينفعهـم‪ ،‬وينكِّ ـب بهـم ّ‬

‫فصل يف الغذاء‬

‫اعتنـــاء‬
‫ً‬ ‫وثـــم أربعـــة أشـــياء‪ ،‬ينبغـــي أن ُيع َت َنـــى بهـــا يف تربيـــة البـــدن‬
‫ّ‬
‫خصوصيـــاً‪ ،‬هـــي‪ :‬الغـــذاء‪ ،‬والكســـوة‪ ،‬والســـكنى‪ ،‬والرياضـــة‪.‬‬
‫ويحكّ م‬ ‫الصحـة‪ُ ،‬‬
‫ّ‬ ‫وكيفيتـه قوانين‬
‫َّ‬ ‫كم َّيتـه‬
‫فالغـذاء ينبغـي أن تراعـى يف ِّ‬
‫دليـل الصـواب ال املزاعـم واألوهـام‪ .‬فمـن جملـة هـذه املزاعـم واألوهـام‬
‫كـف األوالد عن الطعـام كلّام قضينـا‪ -‬تحكُّ امً‪-‬‬ ‫مـا جـرت بـه عادة أكرثنـا من ّ‬
‫أنهـم قـد نالـوا منـه حاجتهـم‪ ،‬مع أنهم يسـتزيدون منـه‪ .‬وإمنـا نك ّفهم ألننا‬
‫البشـم إن أطلقنـا لهـم العنـان‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ـد‬
‫نزعـم أنهـم يشـطّ ون يف األكل‪ ،‬إىل َح ّ‬
‫الحجـة هـذه‪ ،‬إذ ليـس لنـا فيها من دليـل يدلّنا عىل الفـرق بني َح ّد‬
‫َّ‬ ‫وبئسـت‬
‫وحـد البشـم سـوى وهمنـا‪ ،‬وأوىل بنـا أن نسـتدلّ على شـبع األوالد‬ ‫ّ‬ ‫الشـبع‬
‫بالدليـل الطبيعـي وهـو زوال شـهوتهم للطعـام كلّما قضوا منه وطـراً‪ ،‬ألنه‬
‫صـادق يف أمرهـم كما هـو صـادق يف أمـر الرضيـع واملريـض‪ ،‬بـل‬ ‫ٌ‬ ‫دليـلٌ‬
‫كـف عـن الرضـاع مـن تلقـاء نفسـه‪،‬‬ ‫الحيـوان‪ ،‬أيضـاً‪ .‬فالرضيـع إذا شـبع ّ‬

‫‪30‬‬
‫كف عـن األكل‪ ،‬وكذلـك الحيوان إذا‬ ‫واملريـض إذا نـال حاجتـه مـن الغذاء ّ‬
‫اكتفـى مـن العلـف‪ّ .‬إل أن الذيـن يك ّفون الولـد عن الطعام‪ ،‬مع أنه يسـتزيد‬
‫مجرد زعمهـم أو وهمهم‬‫ّ‬ ‫منـه‪ ،‬ال دليـل لهـم عىل أنـه نال منه كفايته سـوى‬
‫كما قلنـا‪ ،‬فمـن أيـن يعرفون‪ -‬ياليـت شـعري‪ -‬أنه نـال حاجته مـن الغذاء‪،‬‬
‫وشـبع‪ ،‬وهـو يطلـب املزيـد؟ فهـل لهـم يف جوفـه جاسـوس يعلمهـم‬
‫ذلـك؟‪ .‬أمـا كان أجـدر بهـم أن يعلمـوا أنـه‪ -‬على صغـر جثَّته‪ -‬أحـوج منهم‬
‫إىل الغـذاء الـوايف؛ وذلـك ال تعويضـ ًا ملـا يفنـى‪ ،‬كلّ يـوم بـل كلّ سـاعة‪،‬‬
‫إمنـاء لبدنـه أيضـاً‪ .‬وإمنـا يفنـى يشء مـن أعضائه‬
‫ً‬ ‫مـن أعضائـه‪ ،‬فقـط‪ ،‬بـل‬
‫وأعضائنـا‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬لقيامهـا مبـا نيـط بهـا مـن األعمال مـن لـدن الـوالدة إىل‬
‫سـاعة املـوت‪ ،‬فالغـذاء هـو الـذي ُيخلـف عليهـا مـا يفنـى منها‪.‬‬
‫مضر‪ ،‬بـل هـذا‬
‫ّ‬ ‫وليـس مرادنـا‪ ،‬ههنـا‪ ،‬أن ننكـر أن اإلكثـار مـن األكل‬
‫متعـددة هي‬
‫ِّ‬ ‫مسـلَّم‪ ،‬ولكـن مرادنـا أن نقـول إن لإلقلال منـه‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬آفـات‬
‫شـفاء من‬
‫ً‬ ‫يسـببها الجوع أعرس‬‫ّ‬ ‫أشـد رضر ًا مـن اإلكثـار؛ ألن األمـراض التي‬
‫ّ‬
‫البشـم‪.‬‬
‫يسـببها َ‬ ‫ّ‬ ‫التـي‬
‫حـد ال ِكظّ ـة كما يفعـل‬
‫وبعـد‪ ،‬فـإن األوالد قلّما يتمادون يف األكل إىل ّ‬
‫الشره وأربـاب البطْ نـة مـن البالغين‪ .‬وهنـا‪ ،‬مجـال م َّتسـع لحكمـة‬ ‫َ‬ ‫أهـل‬
‫األبويـن واملعلّـم يف التمييـز بين الشـبع الطبيعـي‪ ،‬أي نيـل الحاجـة مـن‬
‫املضر‪،‬‬
‫ّ‬ ‫البشـم‬
‫املـؤدي إىل َ‬
‫ّ‬ ‫الطعـام؛ دليـل ذهـاب الشـهوة‪ ،‬وبين النهـم‬
‫ً‬
‫نهما َحذَّ روا الولد من سـوء عواقبـه‪ ،‬وك ّفوه‬ ‫فـإن تيق ّنـوا‪ ،‬بحكمتهـم‪ ،‬أن َث َّم‬
‫عـن التامدي‪ ،‬باملالطفـة والنصح واإلقناع ال بالفظاظـة والعنف‪ .‬وال ينبغي‬
‫النهم مثـرة الحرمان‪،‬‬
‫أن يغـرب عنهـم‪ ،‬يف هـذا املوطـن‪ ،‬أن أكرث ما يكـون َ‬
‫بـرد الفعل‪،‬‬
‫ونتيجـة املنـع‪ ،‬وذلـك مبقتىض النامـوس الطبيعـي املعروف ّ‬
‫الشـد ترخـي‪ ،‬وأن‬
‫ّ‬ ‫العامـة مـن أن كثرة‬
‫ّ‬ ‫حـد مـا جـاء يف أمثـال‬‫وهـذا على ّ‬
‫ـن كان صامئـ ًا فأفطـر‪،‬‬‫يفسر لـك نهـم َم ْ‬
‫املمنـوع محبـوب ومتبـوع؛ وهـذا ّ‬
‫ممـن مل يكـن صامئاً‪.‬‬ ‫فهـو أرشه على الطعـام َّ‬
‫كف‬
‫ومـن جملـة تلـك املزاعـم‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬اعتقـاد كثري مـن الناس أنـه يجب ّ‬
‫الولـد عـن أن يتنـاول مـن األطعمـة الحلـوة شـيئ ًا زائـد ًا على املقـدار الـذي‬

‫‪31‬‬
‫توهم بعض النـاس أن ميل‬ ‫أمـه أو حاضنتـه بأنـه ٍ‬
‫كاف له؛ وهذا سـببه ُّ‬ ‫قضـت ّ‬
‫رسـخ هـذا الوهـم يف‬‫األوالد إىل األشـياء الحلـوة محـض نهـم ورشه‪ ،‬وقـد ّ‬
‫األذهـان مـن قديـم الزمـان‪ ،‬والحقيقـة خالفـه؛ وذلـك أن طبيعـة الصغـار‪-‬‬
‫وهـي‪ ،‬يف هـذه القضيـة‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬صادقـة الداللـة على مـا يالمئهـم‪ -‬تدفعهم‬
‫املواد الحلوة أفضل األشـياء‪ ،‬بعد اللحم واملآكل‬
‫ّ‬ ‫إىل تطلُّـب الحلاوات ألن‬
‫الدسـمة‪ ،‬توليـد ًا للحـرارة الغريزيـة يف األبدان؛ وذلك ألنها تسـتحيل‪ -‬بفعل‬
‫الكبـد‪ -‬إىل عنصر مولّـد للحـرارة يخلـف على الجسـم مـا يتلـف مـن حرارتـه‬
‫للصحـة مثـل اللحـم‪ّ ،‬إل أن األوالد‪ -‬ألسـباب‬
‫ّ‬ ‫بالتشـمع؛ فهـي‪ -‬إذاً‪ -‬رضوريـة‬
‫ُّ‬
‫يبـق لتوليد الحـرارة يف أبدانهم‬
‫يحبـون اللحم كثيراً‪ ،‬فلم َ‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫رشحهـا‪-‬‬ ‫يطـول‬
‫املواد‬
‫ّ‬ ‫يشء أصلـح مـن األطعمـة التي يدخل يف تركيبها السـكّر أو غيره من‬
‫الحلوة كالعسـل والدبـس؛ لهذه العلّة صارت طبيعتهم تسـتدعيها‪ ،‬وصاروا‬
‫ظلـم فاحش‪ ،‬ألنه‬
‫ٌ‬ ‫حبـ ًا غريزيـاً‪َ ،‬‬
‫فم ْن ُعهـم عنهـا‪ ،‬متى أرادوهـا‪،‬‬ ‫يحبونهـا ّ‬
‫هـم ّ‬
‫ومنوهم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫لصحتهـم‬
‫َّ‬ ‫مبنزلـة حرمانهـم مـا هـو رضوري‬
‫يحبونهـا؛‬
‫ومـا قيـل عـن الحلاوات ُيقـال‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬عـن الفواكـه‪ ،‬فإنهـم ّ‬
‫ال ملـا فيهـا مـن عنصر الحلاوة‪ ،‬فقـط‪ ،‬بـل ملـا فيهـا‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬مـن عنصر‬
‫واألطبـاء كلّهم يقولون لـك إن الحامض‬
‫ّ‬ ‫الحموضـة مختلطـ ًا بتلـك الحلاوة‬
‫يقـوي الجسـم؛ لذا تسـتدعيه الطبيعة‪ ،‬فيجـب‪ -‬إذاً‪ -‬أن نطعـم األوالد‪ ،‬مع‬ ‫ّ‬
‫الطعـام‪ ،‬شـيئ ًا مـن يانـع الثمار‪ّ ،‬‬
‫وإل أكلـوا كلّ مـا تقـع عليـه أيديهـم منها‬
‫فجـ ًا كان أو يانعـاً‪ ،‬ويف غير أوقـات الطعـام‪.‬‬
‫ّ‬
‫التنوق يف مآكلهم‪ ،‬والشـطط يف أبازيرها‬
‫ّ‬ ‫شـدة‬
‫وكذلك يجب أن نجت َّنب ّ‬
‫الكم ّية‪ ،‬ميلأ جوفهم دون‬
‫وتوابلهـا‪ ،‬ونحـرص عىل أن يكـون طعامهم وايف ّ‬
‫جيـدة التغذيـة وسـهلة االنهضـام‬
‫مـواد ّ‬
‫ّ‬ ‫حـد الكظّ ـة‪ -‬وأن يكـون مركّ بـ ًا مـن‬
‫ّ‬
‫كاللحـم الغريـض والسـمك والبيض واللبن وبعض البقـول والقطاين؛ ألن‬
‫النمـو‪ ،‬وأن نخالـف لهم بين ألوانه كلّ يـوم‪ ،‬بل‬
‫ّ‬ ‫ذلـك أعـون ألبدانهـم على‬
‫يف كلّ وجبـة‪ ،‬منـه ليكـون أمـر ًا يف ذوقهـم‪ ،‬وأدعـى لهم إىل تناوله بشـهوة‬
‫فيصير‪ ،‬لهـذه العلّة‪ ،‬أسـهل انهضاماً‪.‬‬
‫ليحفـظ‪ ،‬بذلـك‪ ،‬حسـن‬
‫معينـة ُ‬
‫ّ‬ ‫ويحسـن أن تكـون أوقـات طعامهـم‬

‫‪32‬‬
‫تشـدد يف هـذا األمر‬
‫ّ‬ ‫النظـام يف البيـت والك ّتـاب واملدرسـة‪ ،‬ولكـن من غري‬
‫حـد منعهـم عـن تنـاول يشء يسير من الطعـام إذا جاعـوا وطلبوه يف‬ ‫إىل ّ‬
‫غير تلـك األوقات‪ ،‬كما أنه ال ينبغي أن نكرههم على األكل إذا مل يكن بهم‬
‫أمـا الولـد الـذي مل يتكامـل‬
‫يحبونـه مـن األلـوان‪ّ .‬‬
‫جـوع‪ ،‬وال على أكل مـا ال ّ‬
‫بعـد‪ ،‬على هضـم أجزائـه‬ ‫ُ‬ ‫تقـو معدتـه‪،‬‬
‫طلـوع أسـنانه ملضـغ اللحـم‪ ،‬ومل َ‬
‫الصلبـة فيجـب أن يكـون ما نغـذوه به منه قليلاً ‪ ،‬ومطبوخ ًا طبخ ًا مسـتويف‬
‫ِ‬
‫مرقـه‪ ،‬دون الثفـل‪.‬‬ ‫الشروط‪ ،‬حتـى يغتـذي بجوهـره أي بعصارتـه أو‬
‫ـوغها وخريهـا للأوالد‬ ‫فأس َ‬
‫أمـا األرشبـة ْ‬‫هـذا مـا كان مـن أمـر األطعمـة‪ّ .‬‬
‫املـاء القـراح الـزالل‪ُ ،‬ي ْسـقَ ونه كلّام عطشـوا وطلبـوا الرشب‪ ،‬اللهـم ّإل إذا‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫حينئـذ‪-‬‬ ‫كان عطشـهم على إثـر اللغـوب أي التعـب املفـرط؛ ألنـه يكـون‪-‬‬
‫عطشـ ًا كاذبـاً‪ ،‬وإذا صبروا عليـه هنيهـةً ‪ ،‬زال‪.‬‬

‫فصل يف الكسوة‬

‫وخطـأ بعـض الوالديـن‪ ،‬يف أمـر كسـوة األوالد‪ ،‬كخطئهـم يف أمـر‬


‫غذائهـم؛ وذلـك أنهـم يجعلونهـا‪ ،‬يف كثري من األحـوال‪ ،‬غري كافيـة لوقاية‬
‫الحـر والبرد‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مـس‬
‫أبدانهـم مـن ّ‬
‫ٍ‬
‫صـوف صفيـق النسـج‪ ،‬قاتـم اللـون؛‬ ‫وخير الثيـاب لهـم مـا كان مـن‬
‫ألن الثيـاب التـي هـذه صفتهـا أحفـظ لحـرارة البـدن الغريزيـة‪ ،‬وأبقـى عىل‬
‫للتخرق وغير ذلك من اآلفـات التي تعرض‬‫ّ‬ ‫تعرضـ ًا‬
‫الدعـك والتع ّفـر‪ ،‬وأقـلّ ّ‬
‫لثيـاب األوالد‪ ،‬على أثـر لعبهـم ورياضتهـم‪ .‬ويجـب‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬أن ال تكـون‬
‫ضيقـة‬
‫يتعثرون بأذيالهـم‪ ،‬ويرتبكـون بأكامهـم‪ ،‬وال ّ‬ ‫َّ‬ ‫جـداً‪ ،‬بحيـث‬
‫واسـعة ّ‬
‫ـوون‪ .‬وال بـأس يف‬‫يه ْ‬
‫تعوقهـم عـن الحركـة واللعـب كما َ‬ ‫كالقمـط‪ ،‬بحيـث ِّ‬
‫أن يكـون الشـعار حريـراً‪ ،‬والدثار وحده مـن الصـوف‪ ،‬ألن الحرير كالصوف‬
‫مسـاً‪ ،‬وأنعـم‪ ،‬فهـو‪ -‬لذلـك‪ -‬أكثر‬ ‫َ‬
‫يف حفـظ حـرارة البـدن‪ ،‬لكنـه أل َْين منـه ّ‬
‫البضـة‪.‬‬
‫مالءمـة لجلودهـم ّ‬
‫األمهـات على أن تكـون ثيـاب‬
‫ومـن جملـة العـادات السـمجة حـرص ّ‬

‫‪33‬‬
‫الـزي الـذي ي َّتفـق‬
‫ّ‬ ‫مفصلـة بحسـب‬ ‫ّ‬ ‫أوالدهـن رقيقـة النسـج صافيـة اللـون‪،‬‬ ‫ّ‬
‫لزعمهـن‬
‫ّ‬ ‫رديـاً‪ ،‬وذلـك‬‫الـزي الـدارج‪ ،‬وإن كان ّ‬ ‫ّ‬ ‫أن يكـون عنـد تفصيلهـا هـو‬
‫مرضة‬‫ّ‬ ‫أن الثيـاب التـي هـذه صفتهـا تـروق النظـر‪ ،‬وتزيـد حسـناً‪ ،‬وإن كانـت‬
‫مضارهـا أن الولـد‪ ،‬إذا دفعـت بـه طبيعتـه إىل املـرح‬ ‫ّ‬ ‫بصحتـه‪ .‬فمـن أيسر‬ ‫َّ‬
‫أمـه أو ظئره أو‬ ‫ّ‬ ‫بـه‬ ‫صاحـت‬ ‫ً‪،‬‬
‫ا‬ ‫أيضـ‬ ‫التراب‪،‬‬ ‫يف‬ ‫غ‬ ‫التمـر‬
‫ّ‬ ‫بـل‬ ‫والقفـز‬ ‫واللعـب‬
‫تصده‬ ‫ّ‬ ‫يتخـرق قفطانـه‪ ،‬وهكـذا‬ ‫ّ‬ ‫أو‬ ‫جوربـه‬ ‫سـخ‬ ‫ت‬
‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫كـف؛ حتـى‬ ‫خادمتـه‪ :‬أن ّ‬
‫اسـتبقاء‬
‫ً‬ ‫وتعرضـه للقصـع وغيره مـن اآلفات‬ ‫ّ‬ ‫لنمـوه‪،‬‬
‫ّ‬ ‫عـن رياضـة رضوريـة‬
‫ست إىل‬ ‫وثـم‪ ،‬يف بلاد اإلفرنـج‪ ،‬عـاد ٌة أخـرى سـمجة‪ ،‬وقـد َ َ‬ ‫على ثيابـه‪ّ .‬‬
‫يحبون محـاكاة اإلفرنـج يف كلّ عاداتهم‪،‬‬ ‫بالدنـا‪ ،‬واحتذاهـا نفـر من الذيـن ّ‬
‫بحجـة أن تعريـض‬ ‫ّ‬ ‫وهـي تعريـة سـاقَي الولـد وذراعيـه وعضديـه‪ ،‬أحيانـاً‪،‬‬
‫حجة واهية بإقرار علامئهم أنفسـهم‪،‬‬ ‫يقويها‪ ،‬وهـذه ّ‬ ‫هـذه األعضـاء للهواء ّ‬
‫مضارهـا أن الولـد‪ ،‬إذا سـقط‪ ،‬يف أثنـاء لعبـه أو رياضتـه‪ ،‬على‬ ‫ّ‬ ‫ومـن أيسر‬
‫مما يقيهـا‪.‬‬ ‫لتعريهـا ّ‬‫ّ‬ ‫موضـع خشـن مـن األرض‪ ،‬انسـجحت برشتـه‬
‫أمـا األحذيـة‪ ،‬فأحسـنها لألوالد ما كانـت نعالها من السـحتيان الثخني‪،‬‬
‫ّ‬
‫ودروزهـا محكمـة اإللصـاق؛ حتـى ال تنفذهـا الرطوبـة‪ ،‬ويجـب أن ال تكـون‬
‫مـن السـعة بحيـث تغلـق فيهـا أقدامهـم‪ ،‬وال مـن الضيـق بحيـث تضغـط‬
‫شـدة الحـزق‪ ،‬ويف كال األمريـن تعويـق لهـم عـن‬
‫األقـدام وتعرصهـا مـن ّ‬
‫الصحـة يف أمـر‬
‫ّ‬ ‫الجـري واللعـب‪ .‬ويجـب‪ ،‬يف الجملـة‪ ،‬أن تراعـي قوانين‬
‫الحر‬
‫ّ‬ ‫كسـوتهم كما نراعيها يف أمر كسـوتنا‪ ،‬ألنهـم مثلنا يف الشـعور بلفح‬
‫صدهـم عـن االنتقـال‪ ،‬فجـأةً‪ ،‬مـن موضـع‬‫وقـرس البرد‪ ،‬وأن نحـرص على ّ‬
‫ٍ‬
‫بـارد‪ ،‬وهم عـراة أو يـكادون‪ ،‬وعن امليش حفـا ًة كام جرت‬ ‫حـار إىل موضـع‬
‫ٍّ‬
‫مسـامهم للبرد‪ ،‬وهـم‬
‫ّ‬ ‫تعريـض‬ ‫سـببها‬ ‫أمراضهـم‬ ‫أكثر‬ ‫ألن‬ ‫عادتهـم؛‬ ‫بـه‬
‫عـراة‪ ،‬وأقدامهـم للرطوبـة‪ ،‬وهـم حفـاة‪.‬‬

‫فصل يف السكنى‬
‫الجيـد‬
‫ّ‬ ‫«أول رشوط العافيـة الهـواء‬‫واحـد مـن مشـاهري األطبـاء‪َّ :‬‬
‫ٌ‬ ‫قـال‬
‫جيـد ًا ّ‬
‫نقيـاً‪ ،‬فإنهما يغنياين‬ ‫وهـواء ّ‬
‫ً‬ ‫مـاء زال ً‬
‫ال‬ ‫النقـي»‪ .‬وقـال آخـر‪« :‬أعطنـي ً‬

‫‪34‬‬
‫عـن سـائر األدويـة يف معالجـة األسـقام‪.‬‬
‫النقـي‬
‫ّ‬ ‫الجيـد‬
‫ّ‬ ‫نعـم‪ .‬ليـس بالهـواء وحـده يحيـا اإلنسـان‪ ،‬لكـن الهـواء‬
‫يسـهل هضـم‬ ‫ّ‬ ‫جيـد ًا‬ ‫أعظـم معين لـه على الحيـاة؛ ألنـه يولّـد فيـه دمـ ًا ّ‬
‫ويقويهـا‪ .‬فينبغـي أن يحـرص الوالـدون‬ ‫ّ‬ ‫الطعـام‪ ،‬ويقـوت أعضـاء الجسـم‬
‫وي َر َّب ْـون‪ ،‬وأن يفتحوا‬
‫تعهـد الحجرة التـي ينام فيهـا األوالد‪ُ ،‬‬‫واملربـون على ُّ‬
‫ّ‬
‫أشـعة‬
‫ّ‬ ‫وتنفذها‬ ‫السـاكن‪،‬‬ ‫هواؤها‬ ‫د‬ ‫ليتجد‬
‫َّ‬ ‫‪،‬‬ ‫قـلّ‬‫َ‬
‫أل‬‫ا‬ ‫عىل‬ ‫يـوم‪،‬‬ ‫كلّ‬ ‫ة‬‫مـر‬ ‫كواهـا‬
‫ّ‬
‫الشـمس‪ ،‬وأن يعنـوا‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬بتنظيفها وتعديل درجة الحـرارة فيها‪ ،‬وتقدير‬
‫ا ِّتسـاعها على نسـبة األوالد املقيمين بهـا‪.‬‬
‫أمـا الكتاتيـب واملـدارس‪ ،‬فيحسـن أن تكـون يف ضواحـي املـدن ال يف‬ ‫ّ‬
‫وسـطها‪ ،‬وأحسـن مـن ذلـك أن تكون يف األريـاف واألمكنة النزيهـة البعيدة‬
‫عـن عمـق امليـاه وأبخـرة املسـتنقعات‪ ،‬ومـا يرت َّتـب على ذلـك مـن فسـاد‬
‫الهـواء‪ ،‬وأن يكـون لهـا سـاحات وأقنيـة رحبـة‪ ،‬أو جنائـن م َّتسـعة؛ ليسـهل‬
‫جرا‪.‬‬
‫وهلـم ّ‬
‫َّ‬ ‫ـدو ًا وقفـزاً‪..‬‬
‫على األوالد أن يلعبـوا فيهـا َع ْ‬

‫فصل يف الرياضة‬

‫سـيام‬
‫لنمو الولد‪ ،‬وال َّ‬‫ّ‬ ‫أشـد األشـياء رضور ًة‬
‫ّ‬ ‫أما رياضة الجسـم فهي من‬ ‫ّ‬
‫كبـ ًا عىل‬
‫ُ ّ‬ ‫م‬ ‫النهـار‪،‬‬ ‫مـن‬ ‫سـاعات‬ ‫بضـع‬ ‫فيـه‬ ‫يقضي‬ ‫وصـار‬ ‫ـاب‪،‬‬ ‫ت‬
‫ّ‬ ‫الك‬ ‫دخـل‬ ‫إذا‬
‫يتـأت لـه معـه أن يبرح مكانـه‪ ،‬كلّما أراد؛ فلذلـك ينبغـي‬ ‫الـدرس إكبابـ ًا ال ّ‬
‫متعـددة‪ ،‬يقضيهـا األوالد بالرياضـة‬ ‫ّ‬ ‫أن يتخلّـل سـاعات الـدرس فترات‬
‫عـد لهـم أو يضـع بين أيديهـم مـا‬ ‫واللعـب‪ ،‬كما يجـب على املعلّـم أن ُي ّ‬
‫يسـتلفت أنظارهـم مـن فنـون اللعـب الـذي يقتضي الحركـة ومجانبـة‬
‫ويشـتد‬
‫ّ‬ ‫السـكون؛ حتـى يلعبـوا فتمـرن‪ -‬بذلـك‪ -‬أبدانهـم يف لين معاطـف‪،‬‬
‫عضلهـم وتصلـب أعضاؤهـم مـن غير ُجـأ ٍة‪ .‬ولكـن‪ ،‬يجـب عليـه‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬أن‬
‫صدهم عن‬ ‫يحبونـه‪ ،‬ومـن ّ‬ ‫يتفـادى مـن إكراههـم على صنـف من اللعـب ال ّ‬
‫يحبونـه؛ ألن أنفـع اللعـب لهـم مـا مي ِّتعهـم ومـا يلعبونـه مـن تلقاء‬ ‫صنـف ّ‬
‫أنفسـهم‪ ،‬ويجـدون فيـه لـذّ ة ورسوراً‪ .‬وفائـدة الرياضـة كلّها قامئـة يف هذا‬

‫‪35‬‬
‫األمـر‪ ،‬وهـو أن يلعـب األوالد اللعـب الـذي يغتبطونـه بـه‪ ،‬ويخرتعونـه أو‬
‫قترح عليهم؛ وهـذا بديهي ألنهم‬ ‫يختارونـه هـم ألنفسـهم ال اللعب الـذي ُي َ‬
‫يحبونـه‪ ،‬وال مي ِّتعهـم مل يجـدوا فيـه‬ ‫ُ‬
‫إن أكرهـوا على صنـف مـن اللعـب ال ّ‬
‫لـذّ ة وال لهـواً‪ ،‬بـل كان لهـم مبنزلـة مداومـة للـدرس مـن غير انقطـاع وال‬
‫فترة‪ ،‬فتفـوت‪ -‬بذلـك‪ -‬النكتـة املـرادة منـه؛ وهـي إعفاؤهـم مـن الـدرس‬
‫برهـةً ‪ ،‬لراحـة أذهانهـم وترويـح نفوسـهم ورشح صدورهـم‪ .‬وزد على ذلـك‬
‫أن اللعـب مبنزلـة جائـزة لهـم‪ ،‬ينالونهـا على مـا قاسـوه مـن املضـض يف‬
‫أحب‬
‫ّ‬ ‫إكبابهـم على القـراءة والكتابـة والـدرس‪ ،‬فكلَّما كانـت تلـك الجائـزة‬
‫إليهـم كانـوا على اكتسـابها أحـرص‪.‬‬
‫ومـن صنـوف الرياضـة التي تحسـن آثارها فيهـم‪ ،‬ال يف صباهم فقط بل‬
‫والتمشي إىل األريـاف واملنازه يف‬
‫ّ‬ ‫يف شـيبتهم‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬الرقـص والسـباحة‬
‫مما يفعله‬
‫األيـام املصحيـة‪ ،‬وكذلـك ركـوب الخيـل والتـزاوف‪ ،‬وهـو يشء ّ‬
‫ّ‬
‫البلهوان‪.‬‬
‫ثـم إنـه مـن البغـي أن يزجرهـم عريفهـم أو معلّمهـم عـن الضجيـج‬
‫بحجـة أنه يشـمئ ّز من‬
‫والضوضـاء والطقطقـة والقهقهـة يف أثنـاء اللعـب؛ ّ‬
‫ممن‬
‫ذلـك‪ ،‬فـإن هـذه أفعـال طبيعية لهـم‪ ،‬وترت ّتب على لعبهم‪ ،‬فلا أظلم َّ‬
‫يردعهـم عنهـا فـرار ًا مـن احتمال مشـ ّقة يسيرة بسـببها‪.‬‬
‫وكذلـك يحسـن أن يرشكهـم عريفهـم يف اللعـب؛ ترغيبـ ًا لهـم فيـه‪،‬‬
‫وتجرئـةً لهـم عليـه؛ ألنـه إن اعتـزل اللعب معهم شـعروا بأنـه رقيب عليهم‬
‫ال غير‪ ،‬فمقتـوه ألن كلّ رقيـب ممقـوت بغيـض‪.‬‬
‫ويحسـن‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬أن يكـون لعبهـم على رهـن أو جائـزة زهيـدة‪ ،‬من نحو‬
‫ـن كان أبرعهم يف فنـون اللعب؛‬ ‫كتـاب أو غيره ينالهـا‪ ،‬يف ختـام السـنة‪َ ،‬م ْ‬
‫يرغبهـم يف هـذا الضرب من الرياضـة‪ ،‬ويحملهم على املغايرة‪،‬‬ ‫ألن ذلـك ّ‬
‫شـبوا‪ ،‬ألنهم يعتادون‬
‫وينشـطهم عىل املباراة فتحسـن آثار ذلك فيهم إذا ّ‬ ‫ِّ‬
‫املضـار‪ ،‬واجتلاب‬
‫ّ‬ ‫البـد منهـا‪ ،‬يف هـذه الدنيـا‪ ،‬لدفـع‬
‫ّ‬ ‫بـه املغالبـة التـي‬
‫املنافع‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫(املطلب الرابع)‬

‫يف الرتبية الذهنية‬

‫قائـم بتلقينـك الولـد شـيئ ًا مـن‬


‫ٌ‬ ‫الفـرق بين التعليـم والرتبيـة أن ذاك‬
‫املعـارف‪ ،‬مبقـدار مـا ي َّتسـع لـه ذهنـه‪ ،‬بالنظـر إىل سـ ّنه ومزاجـه‪ ،‬وتلـك‬
‫ليتهيأ وي ّتسـع لقبـول ما سـتلقيه إليه‬
‫ّ‬ ‫قامئـة بإرهافـك ذهنـه‪ ،‬شـيئ ًا فشـيئاً‪،‬‬
‫خاص ألنـه مقصور على إمداد قريحـة الولد‬ ‫ٌّ‬ ‫مـن تلـك املعـارف‪ .‬والتعليـم‬
‫فمهمةَ ألنهـا تتناول‬
‫ّ‬ ‫أما الرتبيـة‬
‫مـواد املعـارف اإلنسـانية‪ّ .‬‬‫ّ‬ ‫مبـا يالمئهـا من‬
‫مـا فيـه إمنـاء بدنـه وتقويـم سيرته وتهذيـب أخالقـه‪ ،‬فضلاً عـن إرهـاف‬
‫القـوة إىل الفعل‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ربيتـه فقـد علّمته شـيئ ًا أو أخرجت‪ ،‬من‬ ‫ـن ّ‬
‫ذهنـه‪ .‬وكلّ َم ْ‬
‫مـا كان كامنـ ًا يف فطرتـه مـن القـوى العقليـة‪ ،‬وأيقظـت مـا كان مـن ذلـك‬
‫سـجيته‪ ،‬ولكـن ليـس كلّ مـن علَّمتـه شـيئ ًا فقـد ّ‬
‫ربيتـه‪ .‬فـإن قلنـا‬ ‫ّ‬ ‫راقـد ًا يف‬
‫هـذا غلام حسـن الرتبيـة‪ ،‬فقـد وصفنـاه‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬بـأن لـه إملامـ ًا بشيء من‬
‫غلام له إملام بشيء من املعـارف‪ ،‬مل ينتج‬ ‫ٌ‬ ‫املعـارف‪ ،‬ولكـن إن قلنـا هـذا‬
‫مـن ذلـك‪ -‬بحكـم الضرورة‪ -‬أنـه حسـن الرتبيـة‪ ،‬أيضـ ًا فالتعليـم‪ -‬إذاً‪ٌ -‬‬
‫فرع‬

‫‪39‬‬
‫مـن الرتبيـة‪ ،‬وذريعـة مـن ذرائعهـا ال الرتبيـة كلهـا كما يذهـب إليـه بعض‬
‫الناس‪.‬‬
‫التامـة‪ ،‬هـي عمـلٌ عظيـم‬‫ّ‬ ‫العامـة‬
‫ّ‬ ‫والرتبيـة‪ ،‬بإطلاق اللفـظ‪ ،‬أي الرتبيـة‬
‫السير واألدوار‪ ،‬مختلف‬ ‫متنوع الكيفيـات‪ ،‬متفاوت ّ‬
‫ّ‬ ‫متعدد األسـاليب‬
‫ّ‬ ‫مهـم‬
‫ّ‬
‫األغـراض ّإل أن جوهـره واحـد كما أن غايتـه واحـدة‪ ،‬وهـي إعانـة الطبيعـة‬
‫على إمنـاء بـدن الولـد‪ ،‬وتنويـر ذهنـه‪ ،‬وتقويـم سيرته‪ ،‬وتهذيـب أخالقـه‪،‬‬
‫وكلّ ذلـك بقـدر االسـتطاعة‪ ،‬وعلى الوجـه األصلـح لـه فيما سـيصري إليه‪،‬‬
‫املـرب‪ ،‬سـواء أكان أب ًا أم‬
‫ّ‬ ‫واألصلـح للجمهـور أيضـاً‪ .‬وهـذه الغايـة يدركهـا‬
‫متعـددة قد ارتبـط بعضها ببعـض‪ ،‬إلبراز‬ ‫ّ‬ ‫أمـ ًا أم معل ً‬
‫ّما أم أسـتاذاً‪ ،‬بذرائـع‬ ‫ّ‬
‫فعلهـا‪ ،‬ارتبـاط بعـض دواليـب السـاعة ببعـض حتـى أصبحـت وال غنـى‬
‫إلحداهـا عـن األخرى‪.‬‬
‫تقـدم منهـا يف موضعه مـا يغنينا عـن تكراره‪،‬‬ ‫فذرائـع تربيـة البـدن قـد َّ‬
‫أهمها مـا نحن بصـدده مـن التعليم‪ّ .‬إل‬ ‫أمـا ذرائـع تنويـر الذهن فمـن ّ‬ ‫هنـا‪ّ .‬‬
‫ـدأ فيـه باألشـياء‪ ،‬أي بتفهيـم الولـد معـاين‬ ‫أن هـذا التعليـم ينبغـي أن ُيب َت َ‬
‫الحي؛ أي بالتلقني‬
‫ّ‬ ‫حواسـه‪ ،‬وتفسيرها له بالصوت‬ ‫ّ‬ ‫األشـياء التي تقع تحت‬
‫الشـفاهي‪ ،‬ومبجاوبة األسـئلة التي ال يفرت عن طرحها باإلشـارة أو باللسان‪،‬‬
‫غريـزي قد فُطـر عليه األوالد كافّةً ‪ .‬انظـر إىل هذا الطفل‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ألن طلـب التعلُّـم‬
‫وهـو َب ْعـد يف مهـده‪ ،‬فـإن تحديقـه النظـر يف كلّ غريـب يدنو منـه‪ ،‬وتناوله‬
‫ويعض عليـه‪ ..‬كلّ ذلك اسـتفهام‬‫ّ‬ ‫كل مـا تقـع عليـه يـده ليحمله إىل فمـه‪،‬‬
‫تنـور عقلـه فيشرع يف‬ ‫غريـزي ورغبـة طبيعيـة يف االسـتطالع‪ ،‬بهـا يبتـدئ ُّ‬
‫وتفهمهـا باالختبـار واالمتحـان مـن تلقـاء نفسـه‪ ،‬وعلى‬ ‫ّ‬ ‫إدراك املـدركات‪،‬‬
‫قـدر اسـتطاعته‪ ،‬وهـذا أكثر أنـواع التعليـم والتعلّـم فائـدة‪ .‬وانظـر‪ ،‬أيضاً‪،‬‬
‫أمـه أو ظئره أو حاضنتـه إىل البسـتان أو‬ ‫إىل هـذا الصغير إذا ذهبـت بـه ّ‬
‫أحـد املنـازه‪ ،‬فإنـه قلّما يقطـف زهـرة أو يصطـاد فراشـة أو يلتقـط حصـاة‬
‫ـن يكـون معـه‪ ،‬ويف بريـق عينيـه وتهلُّـل وجهـه دليـل؛ ال‬ ‫ّإل جـاء بهـا إىل َم ْ‬
‫على اغتباطـه مبـا وجد‪ ،‬فقـط‪ ،‬بل عىل رغبتـه‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬يف معرفة يشء من‬
‫أمـره يطلـب ذلـك‪ -‬تارةً‪ -‬باإلشـارة والتلميح‪ ،‬وتـار ًة بالترصيـح بقوله‪ :‬ملاذا؟‬

‫‪40‬‬
‫ومـاذا؟‪ ،‬ومـا جـرى هـذا املجرى من األسـئلة التـي ال يكاد يفرت عـن طرحها‬
‫محتجني بأنـه ال يليـق مبن كان‬ ‫ِّ‬ ‫علينـا‪ ،‬وال نـكاد نحـن نفتر عـن زجـره عنهـا‬
‫متطـالً‪ ،‬حتـى أننـا إذا جاوبنـاه عليهـا‪ ،‬فكثير ًا‬ ‫ّ‬ ‫سـنه أن يكـون فضوليـ ًا‬ ‫يف ّ‬
‫إمـا جهلاً أو‬ ‫مـا نجعـل جوابنـا قليـل الفائـدة أو مخالفـ ًا للحقيقـة؛ وذلـك ّ‬
‫تؤهـل اإلنسـان‪،‬‬ ‫مـر بـك أن الرتبيـة غايتهـا أن ِّ‬ ‫كسلاً أو لعلّـة أخـرى‪ .‬وقـد ّ‬
‫شـب؛ وهـذا يقتضي مـن‬ ‫ّ‬ ‫بالحـق‪ ،‬إذا‬
‫ّ‬ ‫منـذ حداثـة سـ ّنه‪ ،‬ألن يكـون رجلاً ‪،‬‬
‫املـرب‪ ،‬كائنـاً مـن كان‪ ،‬أن ُيعنـى بإعانـة الطبيعـة على إمنـاء ذهـن الولـد‬ ‫ِّ‬
‫ـرام بالكرمـة؛ فكما أن الـزارع‬ ‫وتقويتـه عنايـةَ الـزارع بالـزرع وعنايـة الكَ ّ‬
‫يتعهـد الـزرع‪ ،‬ويقتلـع مـا ينبـت‪ ،‬يف خاللـه‪ ،‬مـن شـوك يخنقـه‪ ،‬وزؤان‬ ‫َّ‬
‫يتعهدهـا بالتقضيب‬ ‫َّ‬ ‫بـل‬ ‫لشـأنها‪،‬‬ ‫الكرمـة‬ ‫يترك‬ ‫ال‬ ‫ام‬‫ـر‬
‫ّ‬ ‫الكَ‬ ‫أن‬ ‫وكما‬ ‫يفسـده‪،‬‬
‫املـرب أن يحـرص على تقويـة‬ ‫ّ‬ ‫على‬ ‫يجـب‬ ‫فكذلـك‬ ‫والتعريـش والسـقي‪،‬‬
‫سـيلقى إليـه من املعـارف‪ ،‬وما َس ُـي َل ّقنه‬ ‫ذهـن الولـد وإرهافـه‪ ،‬وتهيئتـه ملا ُ‬
‫مـن التهذيـب‪ ،‬ألن الرتبيـة إمناء وتقويـة ال لبدنه‪ ،‬فقط‪ ،‬بل لذهنـه أيض ًا ّإل‬
‫أنهـا ينبغـي أن تكـون يف أمـر الذهن كام هـي يف أمر البدن‪ ،‬أي رويـد ًا رويد ًا‬
‫وبحسـب ترتيـب الطبيعـة‪ ،‬وتبعـ ًا ملجراهـا ال ابتسـار ًا ألن كلّ مـا ابترستـه‬
‫تحـب أن يربزها‪ ،‬فقـد أمنيته‬ ‫ّ‬ ‫تقـوه إلبـراز الثمار التـي‬ ‫أو أمنيتـه قسر ًا أو مل ّ‬
‫وعرضتـه لوشـيك الذبـول واليبـس ملخالفتـك فيـه مجـرى الطبيعة‪،‬‬ ‫عبثـاً‪َّ ،‬‬
‫طيبـة‪ ،‬بـل يف بيـت مـن‬ ‫وكنـت فيـه كالـذي يسـتنبت شـجرة ال يف أرض ّ‬
‫مـاء طبيعي ًا‬ ‫الزجـاج‪ ،‬ويغذوهـا سماد ًا كياموياً‪ ،‬ويسـقيها مـاء العقاقري ال ً‬
‫النمو بحـرارة النار‬‫ّ‬ ‫مـن مطـر الغمار أو ندى األسـحار‪ ،‬ويحملها على رسعة‬
‫الطيـب‪ ،‬ثـم يطمـع يف أن تثمـر مثر ًا‬ ‫ّ‬ ‫أو البخـار ال بأشـعة الشـمس والهـواء‬
‫زكيـاً‪ ،‬لكنهـا قلَّام تثمـر! وإن فعلت فثمرها يكـون‪ ،‬يف الغالب‪ ،‬تفه ًا‬ ‫صالحـ ًا ّ‬
‫ال يسـتلذّ ه أحـد‪ ،‬ثـم إنهـا‪ ،‬وإن سـمقت أغصانهـا‪ ،‬تبقـى ضعيفـة قلقة؛ ألن‬
‫أصولهـا غير راسـخة يف أرض تالمئهـا‪ ،‬فـإذا ُزعزعت أيرس زعزعـة انقلعت‪.‬‬
‫وهـذا الضرب من اإلمناء االبتسـاري القرسي ألذهـان األوالد هو عني ما‬
‫نـراه يف بالدنـا‪ ،‬بـل يف غريهـا مـن البلاد‪ ،‬أيضاً‪ ،‬فما أكرث املـدارس عندنا‪،‬‬
‫ُ‬
‫ولكـن مـا أقـلّ نفعهـا؛ وإمنـا قـلَّ نفعهـا ألن ّ‬
‫القيمين عليهـا ال يلتفتـون إىل‬
‫تربيـة األوالد فيهـا بحسـب مـا سـ َّنت الطبيعـة‪ ،‬وال يراعـون يف ذلـك مـا‬

‫‪41‬‬
‫تقتضيـه الحـال‪ ،‬بل بحسـب زعمهم أو وهمهم أو بحسـب مـا تحدوهم إليه‬
‫مصلحتهـم أو مـا يحدوهـم إليـه زهوهـم وزهـو الوالديـن‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬فيحشـون‬
‫رأس الولـد قواعـد علـوم ال تالئـم طبعـه‪ ،‬وال توافـق ميلـه واسـتعداده‪ ،‬وال‬
‫يرشـحوه لها من‬‫تناسـب سـ ّن ُه وطبقة أهله‪ ،‬وال يفهمها هو نفسـه ألنهم مل ِّ‬
‫يربونـه هكـذا يصبـح‪ -‬وهـو ابـن أربع عرشة سـنة‪-‬‬ ‫قبـل ذلـك‪ ،‬فالولـد الـذي ّ‬
‫أعجوبـة زمانـه نابغـة عصره‪َ ،‬ح ِفظ ًا ألنـواع البديـع وأبيات األلفية وأسماء‬
‫بحـور الشـعر وأصنـاف الزحـاف واصطالحـات املناطقـة‪ ،‬لكنـه يبقى‪ -‬طول‬
‫عمـره‪ -‬مائقـ ًا مغ َّفلاً بليـداً‪ ،‬إن اسـتكتبته بضعـة أسـط ٍر شـحنها تسـجيعاً‪،‬‬
‫لحـن فيهـا مـراراً‪ ،‬باعتبار اللفـظ وأخطأ املرمـى باعتبـار املعنى‪ .‬وإن‬ ‫لكنـه َ‬
‫استنشـدته بيتـ ًا مل ُيقـم وزنـه‪ ،‬وإن غالطتـه بقياس سوفسـطايئ مل يد ِر من‬
‫أيـن دخلـت عليـه املغالطة‪.‬‬
‫نتنوهـم أن تربيتهم‬
‫َّ‬ ‫وإمنـا كانـت هـذه حالة أكثر األوالد يف بالدنـا؛ ألننا‬
‫مبجـرد تدريسـهم بعـض قواعـد العلـوم‪ ،‬ف ُنكرههـم على تعلُّمهـا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫قامئـة‬
‫سـن ال تصلـح لهـا‪ ،‬وطبع‬ ‫واألوىل أن تقـول (على تحفظهـا غيبـاً)‪ ،‬وهـم يف ّ‬
‫نهيئهـم إلدراك مغزاها بالذرائع العملية البديهية‪،‬‬ ‫ينفـر منها‪ ،‬ومن قبل أن ِّ‬
‫أوالً‪ ،‬وتقويتهـا‪ ،‬شـيئ ًا فشـيئاً‪ ،‬وذلـك بالخطـاب قبـل‬ ‫أي بتنويـر أذهانهـم‪َّ ،‬‬
‫يرتشـحوا لقبـول الـدروس التـي سـ ُتلقى عليهـم بعـد ذلـك‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الكتـاب حتـى‬
‫ويترشبونهـا‪ ،‬ويبقـون أحكامهـا الكل ِّّيـة عىل ما يجـري كلّ يوم‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫فيتهمونهـا‪،‬‬
‫ّ‬
‫على مسـمع منهـم ومرأى مـن األحـوال والحـوادث الجزئيـة‪ ،‬ويكونون إىل‬
‫الجزئيـات‬
‫ّ‬ ‫أرسع‪ ،‬ألنهـم تيقَّنـوا انطباقهـا على‬ ‫َ‬ ‫صحـة تلـك األحـكام‬‫تحقُّـق ّ‬
‫أمـا القواعـد التـي نحملهم‬ ‫التـي البسـوها واختربوهـا بأنفسـهم‪ ،‬مـن قبـل‪ّ .‬‬
‫على تحفُّظهـا غيبـاً‪ ،‬ومـن غير فهـم عملي ملعانيهـا‪ ،‬فتكـون عندهـم مـن‬
‫قبيـل األلغـاز واألحاجـي‪ ،‬ويصير مثلهـم فيهـا «كمثـل الحمار يحمـل‬
‫تسـتقر يف ذاكرتهـم ّإل حينـاً‪ ،‬ثـم ينسـونها ب ّتـةً ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أسـفاراً»‪ ،‬وال‬
‫تبجحنـا إذا ختـم الولـد م ّنـا دروسـه هـذه‪ ،‬ونـال الشـهادة أو‬
‫ومـا أكثر ُّ‬
‫أشـد مباهاتنا مبا يسرده‪ ،‬يومئـذ‪ ،‬علينا‬
‫ّ‬ ‫حـاز اإلجـازة مـن الفاحصين! ومـا‬
‫وعلى أصدقائنـا‪ ،‬مـن ُجمـل مطنطنة ال يـدري معناها‪ ،‬ومـن قواعد عويصة‬

‫‪42‬‬
‫مسـاكني هم األوالد الذين‬
‫ٌ‬ ‫مسـت الحاجة!‪.‬‬ ‫ال يقدر أن يبني عليها شـيئ ًا إذا َّ‬
‫هـذه حالهـم؛ فهم ينشـؤون وينمـون‪ ،‬ولكن تفوتهـم الرتبيـة الحقيقية؛ أي‬
‫املنبـه والعقـل املسـتنري‪ ،‬وغري ذلك مـن صفات‬ ‫َّ‬ ‫املخـرج والفهـم‬
‫ِّ‬ ‫الذهـن‬
‫الـذكاء التـي‪ ،‬بهـا ال بسـواها‪ ،‬ميكنهـم أن يتعلَّمـوا كلّ مـا يصلـح لهـم ومـا‬
‫يؤهلهـم ألن يكونـوا رجاالً‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪43‬‬
‫(املطلب الخامس)‬

‫يف ابتداء تنوير الذهن‬

‫مبجـرد تدريسـه‬‫ّ‬ ‫أكثر النـاس يعتقـدون أن تنويـر ذهـن الولـد قائـم‬


‫أول يرت َّتـب عليـه خطـأ ثـانٍ ‪ ،‬هـو أنهـم‬
‫تقـدم‪ ،‬وهـذا خطـأ ّ‬
‫ّ‬ ‫بالكتـب‪ ،‬كما‬
‫يرسعـون بوضـع الولـد يف الك َّتـاب‪ ،‬وهـو ابـن أربـع سـنني على الكثير ‪،‬‬
‫(((‬

‫التهجي‪ ،‬حتـى إذا حفظ أسماء حروف‬ ‫ّ‬ ‫ويحملونـه‪ -‬بـادئ بـدء‪ -‬على تعلُّـم‬
‫سـن ال تصلـح‬
‫ٍّ‬ ‫الهجـاء أخـذوا يف تعليمـه القـراءة بالكتـب‪ ،‬وهـو بعـد يف‬
‫لذلـك‪ .‬ولـو كانـت الكتـب التـي يحملونـه على تعلُّـم القـراءة بهـا‪ ،‬قريبـة‬
‫املأخـذ سـهلة العبـارة تشـتمل عىل قصص يسـتلذّ ها ويرتـاح ملعرفتها‪ ،‬أو‬
‫على فوائـد بسـيطة تشـفي ما يف صـدره من غليل االسـتطالع واالسـتعالم‪،‬‬
‫لـكان الخطـب أهـون‪ ،‬لكنهـم يحملونـه عىل قراءة كتـب‪ ،‬اليـكاد يفهم أكرث‬
‫ترب َم الزنجـي إذا حملته عىل‬
‫فيتبرم الولـد بتلك الكتـب وبقراءتها ُّ‬
‫ّ‬ ‫معانيهـا‪،‬‬
‫رسد ألفـاظ بلغـة اليونـان أو بلغـة أهل الصين‪ ،‬ويفيض به ذلـك إىل كراهة‬

‫وإلقاء‬
‫ً‬ ‫((( ‪ -‬كام يفعل أكرث الناس يف بالدنا‪ ،‬وذلك تخلُّص ًا من عرام الولد يف أثناء بضع ساعات من النهار‪،‬‬
‫لهذا العبء عىل كاهل املعلّم‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫القراءة والكتب والعلوم بأرسها‪.‬‬
‫املتمدنـة‪ ،‬يعلـم أنـه ال‬
‫ِّ‬ ‫وكلّ مـن عـاىن أمـر تعليـم األوالد يف البلاد‬
‫جـداً‪ ،‬وأنه إذا حـان وقت وضعه‬ ‫ينبغـي وضـع الولـد يف الك َّتـاب وهو صغري ّ‬
‫ألقـل‪ ،‬فلا ينبغـي أن‬ ‫فيـه‪ ،‬أي إذا بلـغ السـنة السادسـة مـن عمـره‪ ،‬على ا َ‬
‫نحملـه‪ -‬بـادئ بـدء‪ -‬على التعلُّـم بالكتـب‪ ،‬بـل ينبغـي أن نـداوم على مـا‬
‫ك ّنـا نفعلـه بـه وهـو‪ ،‬بعـد‪ ،‬يف البيـت؛ أي على تعليمـه باألشـياء‪ ،‬واملـراد‬
‫حواسـه أو تخطـر ببالـه أو تسـتلفت نظـره‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بذلـك األشـياء التـي تقـع تحـت‬
‫فيسـأل عنهـا‪ ،‬سـواء أكانـت يف البيـت أم يف السـوق أم يف يف البسـتان أم‬
‫يف الك ّتـاب‪ ،‬أم كانـت مـن أعضـاء جسـمه أو ثيابـه أو مـن قماش البيـت أو‬
‫جـرا‪ .‬وال نفتـح الكتب ّإل‬ ‫مـن أنـواع الطير والحيـوان أو مـن أفعالهـا‪ ،‬وهلَّم ّ‬
‫وأشـد رسـوخ ًا‬
‫ّ‬ ‫أحب إليه‬ ‫إذا نفـذت هـذه األشـياء ألن مـا يتعلَّمه هكذا يكون َّ‬
‫تنبه له‪ ،‬وسـعى يف تحصيلـه‪ ،‬وانتقل‬ ‫وتأصلاً يف ذهنـه‪ ،‬إذ يكـون هـو الذي ّ‬
‫ُّ‬
‫إليـه فكـره‪ ،‬وصـار‪ -‬لهـذه العلّـة‪ -‬صاحبه‪ ،‬فـكان أوىل أن يحتفظ بـه‪ ،‬ويغار‬
‫مما لـو تلقَّنـه مـن الكتـب أو أخـذه عنهـا حفظ ًا عـن ظهر القلـب‪ ،‬من‬ ‫عليـه ّ‬
‫يحصلـه هكذا ال يلبث‬
‫ِّ‬ ‫غير فهـم ملعنـاه‪ ،‬وال عناء بـه‪ ،‬وال رغبة فيه‪ ،‬ألن ما‬
‫أن ينسـاه رسيعاً‪.‬‬

‫يه ــون علي ــه تس ــليم الب ــاد‬ ‫حرب‬


‫ٍ‬ ‫و َمــن أخــذ البالد بغير‬

‫وفضلاً عـن هذا‪ ،‬فـإن التعلُّم باألشـياء إمنا يكون باملبارشة واملالبسـة‬
‫يـد؛ فهـو‪ -‬لذلـك‪ -‬أفضل مـن التعلُّم‬ ‫واالمتحـان واالختبـار بالنفـس‪ ،‬ال عـن ٍ‬
‫أول األمـر‪ -‬تسـليم‬
‫بالكتـب ألن ذاك تي ّقـن بالخبرة الشـخصية‪ ،‬وهـذا‪ -‬يف َّ‬
‫مبـا يقولـه الغري‪ ،‬وشـ ّتان ما بينهما‪ .‬وأضف إىل ذلك أن العبـارات واأللفاظ‬
‫التـي يف الكتـب‪ ،‬مهما كانـت قريبـة املأخـذ سـهلة اإلشـارة مألوفـة‪ ،‬ال‬
‫متتد إليـه معرفته‬
‫ّ‬ ‫تولّـد يف ذهـن الولـد شـيئ ًا مـن الخواطـر ّإل عىل قدر مـا‬
‫باألشـياء واألفعـال واملعـاين التي ُو ِضعت تلـك األلفاظ للداللـة عليها‪ .‬ثم‬
‫العامـة العويصـة التـي تتعب‬
‫ّ‬ ‫إن تعليمـه بالكتـب‪ ،‬ومبـا فيهـا مـن القواعـد‬
‫البالغين أنفسـهم‪ ،‬يجـري على خلاف مجـرى الطبيعـة يف تنويـر الذهـن‬

‫‪46‬‬
‫يتنـور؛ وبذلـك يقـع التعاند بني فعـل املعلِّم وفعلهـا‪ .‬ألن التعليم‬ ‫َّ‬ ‫أول مـا‬ ‫ّ‬
‫الجزئيـات التـي تؤلّفهـا‪ ،‬وسير الطبيعـة‬ ‫ّ‬ ‫قبـل‬ ‫ـات‬ ‫ّي‬
‫ّ‬ ‫ل‬ ‫بالكُ‬ ‫فيـه‬ ‫ـدأ‬ ‫ت‬
‫َ‬ ‫ب‬ ‫ي‬
‫ُ‬ ‫بالكتـب‬
‫بالجزئيـات ثـم االنتقـال منهـا‪ ،‬رويـد ًا رويداً‪،‬‬
‫ّ‬ ‫االبتـداء‬ ‫أي‬ ‫العكـس؛‬ ‫يقتضي‬
‫تقـدم العلـل‬‫تتقـدم على املركَّ بـات ُّ‬
‫ّ‬ ‫حـق البسـائط أن‬‫إىل الكل ّّيـات ألن مـن ّ‬
‫واملقدمات على نتائجها‪ .‬والعلامء الذيـن وضعوا قواعد‬ ‫ّ‬ ‫على معلوالتهـا‪،‬‬
‫يتوصلوا إىل وضعها ّإل بعد اسـتقرائهم املفردات الداخلة‬ ‫ّ‬ ‫العلوم كلّها مل‬
‫يتوصـل إىل وضـع قواعـد املنطلق ّإل بعد‬ ‫ّ‬ ‫يف حكمهـا‪ .‬فأرسـطوطاليس مل‬
‫اسـتقرائه طـرق النـاس يف التعليـل والربهـان واالسـتدالل ورضب األقيسـة‬
‫واسـتنتاج النتائـج‪ .‬وأبـو األسـود الـدؤيل (أو سـيبويه) مل يضـع أحدهما‬
‫قواعـد النحـو ّإل اسـتناد ًا إىل مـا اسـتقرأه مـن أسـاليب العـرب يف التعبير‬
‫عما يف أنفسـها‪ ،‬وتغيريهـا أحـوال الكلـم تبعـ ًا للمعنى الذي تريـده‪ ،‬ال عن‬ ‫ّ‬
‫والجـار واملجـرور والفاعـل واملفعـول‪ .‬والخليل مل‬ ‫ّ‬ ‫علـم منهـا بالترصيـف‬
‫يضـع قواعـد العـروض ّإل اسـتناد ًا إىل مـا اسـتقرأه من األشـعار التي كانت‬
‫العـرب تنظمهـا موزونـة مطَّ ـردة الـرؤى والقافيـة‪ ،‬على غير معرفـة منهـا‬
‫جـرا‪ .‬فالقواعـد‪ ،‬إذاً‪ ،‬نتيجـة‬‫باألسـباب واألوتـاد والعلـل والزحـاف‪ ..‬وهلّـم ّ‬
‫البين أن‬
‫اسـتقراء األحـوال املفـردة‪ ،‬وتلخيـص لهـا؛ لـذا كان مـن الغلـط ِّ‬
‫نشرع يف تعليـم الولـد قواعـد العلـوم كعلـم النحـو‪ ،‬مثلاً ‪ ،‬مـن قبـل أن‬
‫املتنوعـة التـي يرتكَّ ـب منهـا الـكالم يف اصطلاح‬ ‫ّ‬ ‫يعـرف شـيئ ًا مـن الجمـل‬
‫النحـاة‪ ،‬بـل مـن قبـل أن يعـرف معـاين األلفـاظ املفـردة التـي تتألَّـف منهـا‬
‫العامـة التـي تخاطبـه بها‬
‫ّ‬ ‫تلـك الجمـل؛ إذا إنـه ال يعـرف‪ ،‬بعـد‪ ،‬سـوى لغـة‬
‫أمـه أو ظئره أو خادمتـه‪ ،‬وهـي لغـة تـكاد تكـون مالطيـة؛ لكثرة مـا دخـل‬ ‫ّ‬
‫متعـددة‪ ،‬على مـا‬‫ِّ‬ ‫وجـوه‬ ‫مـن‬ ‫فسـادها‬ ‫ولكثرة‬ ‫األخـرى‪،‬‬ ‫اللغـات‬ ‫مـن‬ ‫فيهـا‬
‫بلغـة تـكاد تكـون‪ ،‬للبالغين‬‫ٍ‬ ‫أمـا عبـارة الكتـب‪ ،‬فهـي‪ -‬غالبـاً‪-‬‬ ‫هـو معلـوم‪ّ .‬‬
‫أنفسـهم‪ ،‬مبنزلـة اللغـة الالتينيـة أو اليونانيـة القدمية لإلفرنـج املحدثني‪.‬‬
‫ومهما يكـن مـن هـذا‪ ،‬فـإن الولـد ال يفهـم عبارة كتـب العلـوم؛ ألنهـا بلغة‬
‫العاميـة التـي ال يعـرف‪ ،‬بعـد‪ ،‬سـواها‪ .‬وقـد أسـلفنا أن تعليمـه‬ ‫ّ‬ ‫غير لغتـه‬
‫سـن‬
‫القواعـد‪ ،‬بالكتـب‪ ،‬يبتـدئ عندنـا قبـل ّإبانـه؛ أي حينما يكون الولد يف ٍّ‬
‫العامة التـي تحمله على تعلُّمها؛ لعدم‬ ‫ّ‬ ‫ال يسـتطيع معهـا أن يـدرك األمـور‬

‫‪47‬‬
‫الخاصـة التـي تتألَّـف تلـك األمـور منهـا‪ ،‬فكأننـا نحملـه على‬
‫ّ‬ ‫علمـه باألمـور‬
‫تعلُّـم الرمـوز قبـل أن يعرف األشـياء املرموز إليها‪ ،‬والدالالت قبل األشـياء‬
‫املدلـول عليهـا‪ ،‬ويكـون مثلـه يف ذلك كمثـل الب ّنـاء الذي يحـاول أن يعقد‬
‫سـقف البيـت مـن قبـل أن يقيـم الجـدران التـي ُتقلّـه‪ .‬وهـذه الطريقـة مـن‬
‫التعليـم تجعـل ذاكرتـه كمعجـم ُتقَ َّيد فيه ألفـاظ بعض اللغـات املامتة أو‬
‫حصلَـه غريه مـن الباحثين‪ ،‬وكان‬ ‫كدفتر ُتجمـع فيـه خواطـر اآلخريـن ومـا ّ‬
‫واملحصـل لها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫األحـرى أن يكـون هـو نفسـه الباحـث عـن الخواطـر‬
‫فلا بـدع‪ ،‬والحالـة هـذه‪ ،‬أن كثير ًا مـن األوالد إذا خرجـوا مـن الك ّتـاب‬
‫أو املدرسـة ينسـون كلّ القواعـد التـي أتعبناهـم يف تح ّفظهـا‪ ،‬وإن مل‬
‫يترشبوها‬
‫َّ‬ ‫ينسـوها كلّهـا فالتـي يذكرونهـا منهـا ال تفيدهـم شـيئاً؛ ألنهـم مل‬
‫صحتهـا بأنفسـهم‪ ،‬وال انطبقـت أحكامهـا عندهـم‬ ‫كما ينبغـي‪ ،‬والختبروا َّ‬
‫على معلومـات بسـيطة تعلَّموهـا صغـاراً‪ ،‬وسـبق رسـوخها يف أذهانهـم‪،‬‬
‫بحيـث إذا انضافـت إليهـا تلـك القواعـد امتزجـت بهـا وارتبطـت‪ ،‬ولـذا تبقى‬
‫ـم‪ُ -‬يقلّهـا‪ ،‬ومنفـردة غريبـة ألنـه‬‫يف أذهانهـم متقلقلـة ألنـه ال يشء‪ -‬مـن َث َّ‬
‫وتنضـم إليه‪ ،‬وهم أنفسـهم ال يقـدرون أن‬ ‫ّ‬ ‫ال يشء‪َ -‬ث َّـم‪ -‬مـن جنسـها تألفـه‬
‫مسـت إىل ذلك الحاجة؛ ألنهم‪ -‬يف الغالب‪-‬‬ ‫يسـتعملوها يف مواضعها إذا ّ‬
‫توصلـوا‪ ،‬بعـد العناء الطويـل وإجهـاد القريحة‪،‬‬ ‫ـب أنهـم َّ‬‫وه ْ‬
‫مل يفهموهـا‪َ .‬‬
‫إىل إدراك معناهـا وهـم‪ ،‬بعـد‪ ،‬يف املدرسـة‪ ،‬فكثير ًا مـا ي َّتفـق أنهـم إذا‬
‫إياهـا‪ ،‬وتـرك العـادة يـورث البلادة‪.‬‬ ‫خرجـوا تركـوا اسـتعاملها؛ ملقتهـم ّ‬

‫‪48‬‬
‫(املطلب السادس)‬

‫ِ‬
‫والح َرف‬ ‫يف الرتبية‪ ،‬باعتبار الصناعات‬

‫أوالً‪ ،‬ثـم املعلّـم‪ ،‬ثانيـاً ‪ ،‬أن‬


‫املربين أي على األبويـن‪َّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫يجـب على‬
‫شـب‪،‬‬
‫َّ‬ ‫يلتفتـوا يف تربيـة الولـد إىل مـا يـراد بـه‪ ،‬ومـا عسـاه أن يصري إليه إذا‬
‫أي إىل الصناعـة أو الحرفـة التـي عسـاه أن يعانيهـا أو يحرتفهـا‪ ،‬وذلـك بـأن‬
‫ترصفاتـه حتـى يعرفـوا‪ ،‬بعـد طـول املراقبة‪ّ ،‬أيـة صناعة‬ ‫يراقبـوه يف سـائر ُّ‬
‫أو حرفـة مييـل إليهـا‪ ،‬وتالئـم طبعـه‪ ،‬وتناسـب الطبقـة التـي أو أبـواه مـن‬
‫فريشـحونه لهـا منذ دخولـه يف الدور الثـاين مـن أدوار الرتبية‪ ،‬وهذا‬ ‫ِّ‬ ‫أهلهـا‬
‫مـا ندعـوه تربيـة الصناعـات والحـرف‪ّ .‬إل أن الحصـول على يشء مـن تلـك‬
‫حصلوهـا مل‬ ‫املعرفـة‪ ،‬يقتضي منهـم إنعـام نظـر وطـول مراقبـة‪ ،‬فـإذا ّ‬
‫يضيعـوا الزمـان والتعـب بعدهـا‪ ،‬بتفقيـه الولـد الـذي سـيكون‪ ،‬يف غالـب‬ ‫ِّ‬
‫ظ ّنهـم‪ ،‬تاجـر ًا يف فنـون‪ ،‬قلّما يحتـاج إليهـا سـوى الـذي سـيكون‪ ،‬يف‬
‫يرتجـح عندهـم أنـه سـيكون‬ ‫ّ‬ ‫فلحـاً‪ ،‬وال بتدريـس الولـد‪ ،‬الـذي‬ ‫الغالـب‪ّ ،‬‬
‫يرتشـح للهندسـة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫حائـك ًا أو ّ‬
‫نجـاراً‪ ،‬دروسـاً‪ ،‬قلَّما يفتقـر إليهـا سـوى الـذي‬

‫‪51‬‬
‫وقلنـا الصناعـة أو الحرفـة التـي مييـل إليهـا الولـد وتالئـم طبعـه؛ ألننـا‬
‫حمـل الولـد على معانـاة صناعـة أو احتراف حرفـة‬ ‫نـرى مـن الخطـأ أن ُي َ‬
‫سـجيته اسـتعداد لهـا‪ ،‬أو على ا ّتبـاع حرفـة أبيـه‪ ،‬وإن‬ ‫ّ‬ ‫ميقتهـا أو ليـس يف‬
‫نجار ًا أو حائـك ًا وفقيه ًا وطبيبـاً؛ ال لعلّة‬
‫كان مزاجـه ال يصلـح لهـا‪ ،‬فنجعلـه ّ‬
‫قتسر‬ ‫أخـرى ّإل ألن أبـاه كان كذلـك؛ فـإن هـذا اقتسـار للطبـع‪ .‬وكلّ مـن ُي َ‬
‫طبعـه هكـذا‪ ،‬ال ميكنـه أن ميهـر يف صناعـة أو يبرع يف حرفـة‪ ،‬كائنـةً مـا‬
‫كانـت‪ .‬ولـذا كان األقدمـون‪ ،‬مـن اليونـان وغريهـم‪ ،‬كثير ًا مـا يذهبـون‬
‫ليتجولوا‬
‫ّ‬ ‫بأوالدهـم إىل املتاحـف ودور الصناعـات‪ ،‬ويطلقـون لهـم العنـان‬
‫فيهـا‪ ،‬وينظـروا إىل مـا تشـتمل عليه مـن صنوف الفنـون املختلفـة وأدوات‬
‫املتعـددة‪ ،‬ويراقبونهـم عـن بعـد حتـى إذا عرفـوا‪ ،‬بعـد طـول‬ ‫ِّ‬ ‫الصناعـات‬
‫أي يشء هـو أكثر اسـتيقان ًا للولد‪ ،‬واسـتلفات ًا لنظـره‪ ،‬ا َّتخذوا من‬ ‫املراقبـة‪ّ ،‬‬
‫يرجـح عندهـم أن يف طبعـه ميلاً خصوصيـ ًا إىل ذلـك الشيء‪،‬‬ ‫ذلـك دليلاً ّ‬
‫فرشـحوه لتعلُّـم مـا ي ّتصل بـه أو يكون منه بسـبب‪.‬‬ ‫واسـتعداد ًا غريزيـ ًا لـه‪ّ ،‬‬
‫املربـون إىل الوالـد مـن‬
‫ّ‬ ‫وكذلـك‪ ،‬يجـب يف هـذه الرتبيـة أن يلتفـت‬
‫األمـة التـي ينتمـي إليهـا‪ ،‬وأن ال يذهلـوا عـن‬
‫حيـث هـو ذكـر أو أنثـى‪ ،‬وإىل ّ‬
‫أمـر بلاده وأمـر النـاس الذين عسـاه أن يقيم بين ظهرانيهم؛ حتـى ال تكون‬
‫كيفياتهـا وأعراضهـا‪ ،‬وإن كان‬
‫ّ‬ ‫تربيـة الغلام‪ -‬مثلاً ‪ -‬كرتبيـة الجاريـة يف كلّ‬
‫جوهرهـا واحـداً‪ ،‬وال تربيـة املصري كرتبيـة اإلفرنسي‪ ،‬وال تربيـة الهنـدي‬
‫الصقلي‪ ،‬وال تربيـة ابـن القريـة كرتبيـة ابـن املدينـة الكبيرة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫كرتبيـة‬
‫عامية‪،‬‬ ‫مر‪ ،‬تقسـم هـذه الرتبيـة إىل ّ‬
‫ولزيـادة إيضـاح مرادنـا مـن كلّ مـا َّ‬
‫العـوام‪ ،‬وغلـب على ظ ِّننـا‬
‫ّ‬ ‫ومتوسـطة‪ ،‬وعاليـة‪ .‬فـإن كان الولـد مـن طبقـة‬
‫ّ‬
‫أن سـيكون عاملاً بيـده لكسـب معاشـه فلا ينبغي أن يغـرب ع ّنـا أن الرتبية‬
‫العام ّيـة وهـي التـي موضوعهـا‪ ،‬بهذا االعتبـار‪ ،‬وصناعات اليـد أكرث مالءمةً‬‫ّ‬
‫يرتجـح عندنـا‪ ،‬بعـد طـول‬ ‫َّ‬ ‫التـي‬ ‫الصناعـة‬ ‫إىل‬ ‫وننظـر‬ ‫إليهـا‬ ‫فنلتفـت‬ ‫لـه‪،‬‬
‫فرنشـحه لها؛ وذلك بـأن نعلِّمه من أصولها‬ ‫َّ‬ ‫املراقبـة‪ ،‬أنـه أهل ألن يعاينها‪،‬‬
‫التفـرغ‪ ،‬بعـد ذلـك‪ ،‬لتعلّمهـا باملامرسـة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ومـا يتعلّـق بهـا مـا يقـدره على‬
‫التمـرن فيهـا عمالً‪ ،‬حتـى إذا حـان له أن يعانيها لكسـب‬
‫ّ‬ ‫وتوفير زمانـه على‬

‫‪52‬‬
‫معاشـه كان يف وسـعه أن يوفّيهـا ح ّقهـا مـن اإلتقـان واإلحـكام‪ ،‬ويصير‪-‬‬
‫نجـار ًا أو حائـك ًا ماهـر ًا يف صناعتـه‪ .‬وال بـأس أن يصحـب‬
‫حـداد ًا أو ّ‬
‫مثلاً ‪ّ -‬‬
‫التعليـم العقلي يشء مـن التعليـم العملي أي املامرسـة االبتدائيـة؛ ألن‬
‫هـذا‪ -‬باإلضافـة إىل ذاك‪ -‬كالشرح باإلضافـة إىل املتن‪.‬‬
‫وإن كانـه الولـد مـن أهـل الطبقة املرتفعـة عن هذه‪ ،‬وغلـب وعىل ظ ِّننا‬
‫أنـه سـيكون مـن أربـاب الفنـون أو التجـارة أو مـا يشـاكل ذلـك‪ ،‬فيجـب أن‬
‫نجعـل هـذا األمـر نصـب أعيننـا‪ ،‬ونصرف شـيئ ًا مـن اهتاممنـا إىل الرتبيـة‬
‫ترجـح عندنـا أنه‬
‫باملتوسـطة‪ ،‬وننظـر إىل تلـك الحرفـة التـي ّ‬
‫ِّ‬ ‫التـي دعوناهـا‬
‫مما ي ّتصل بها‪ ،‬ما يقـدره‪ ،‬بعد‬ ‫سـيكون‪ ،‬يف الغالـب‪ ،‬مـن أهلهـا‪ ،‬فنعلّمـه‪ّ ،‬‬
‫ذلـك‪ ،‬على تعلّمهـا باملامرسـة فـإن غلـب على ظ ّننـا‪ -‬مثلاً ‪ -‬أنـه سـيكون‬
‫تاجـراً‪ ،‬نعلّمـه مـن املعـارف التجاريـة‪ ،‬كالحسـاب ومسـك الدفاتـر‪ ،‬مـا‬
‫يؤهلـه لتعاطـي التجـارة‪ ،‬وبيـده يشء مـن أدواتهـا‪.‬‬
‫ِّ‬
‫ونرشـح ذهنه‬‫ّ‬ ‫وإن كان مـن أهـل الطبقـة العاليـة فرتبيته بحسـب ذلك‪،‬‬
‫ملـا سـيقدم على درسـه‪ ،‬يف املـدارس‪ ،‬مـن لغـات األعاجـم والعلـوم‬
‫يتـوله‪ ،‬يومـ ًا ما‪ ،‬من‬
‫ّ‬ ‫العاليـة أو الكامليـة التـي بهـا يصير أه ً‬
‫ال ملـا عىس أن‬
‫السـفارة أو الرئاسـة أو القضـاء أو واليـة األعمال أو قيـادة الجنـد أو تسـيري‬
‫الطب أو البحث‬‫ّ‬ ‫شـق األنهار والترع‪ ،‬أو فتح الطرق أو تعاطـي‬
‫األسـاطيل أو ّ‬
‫أمـا الصناعات ِ‬
‫والح َرف‬ ‫املهمة‪ّ .‬‬
‫ّ‬ ‫عـن طبائـع األشـياء أو غري ذلك من األمـور‬
‫خاصـة‪ ،‬فهـي معروفـة وال حاجة بنـا إىل ذكرهـا هنا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫التـي تالئـم اإلنـاث‪،‬‬

‫‪53‬‬
‫(املطلب السابع)‬

‫يف طريقة ابتداء التعليم‬

‫إذا حـان وقـت وضـع الولـد يف الك ّتـاب‪ ،‬أو آن لـه أن يتعلّـم القـراءة‬
‫والكتابـة يف البيـت‪ ،‬فابـدأ بتعليمـه حـروف الهجـاء بالطريقـة الجديـدة‬
‫املصطلـح عليهـا‪ ،‬اآلن‪ ،‬ال بالطريقـة القدميـة التـي اعتادهـا آباؤنـا‪،‬‬
‫وأوشـكت‪ -‬والحمدللـه‪ -‬أن تبطـل ب َّتـةً ‪ .‬فـإذا أحكـم معرفـة صـور الحـروف‬
‫رسما ومخارجهـا نطقـاً‪ ،‬فانتقـل بـه إىل الكلمات املفـردة التـي ترتكَّ ـب‬‫ً‬
‫الهـر والكلـب والفـرس‪ ،‬وغير ذلـك من‬ ‫ّ‬ ‫اسـم‬
‫مـن حرفين أو ثالثـة أحـرف كَ ْ‬
‫حواسـه‪ ،‬ويعرفهـا‪ ،‬أو مـن األفعـال‬
‫ّ‬ ‫مسـمياتها تحـت‬
‫ّ‬ ‫األسماء التـي تقـع‬
‫املألوفـة التـي يفعلهـا هـو‪ ،‬أو يـراك تفعلهـا كقولـك‪ :‬أكل‪ ،‬رشب‪ ،‬نـام‪..‬‬
‫تـرق بـه إىل الجمـل القصيرة التـي ترتكّ ـب مـن أمثـال هـذه‬
‫جـرا‪ .‬ثـم َّ‬
‫وهلّـم َّ‬
‫الصبـي ‪ -‬نبح الكلب‬
‫ّ‬ ‫األسماء واألفعـال أو مـا يجـري مجراها‪ ،‬كقولـك‪ :‬قفز‬
‫الهـرة فـأرة ‪ .‬ثـم تجـاوز ذلـك إىل قصـص قصرية‬‫ّ‬ ‫‪ -‬عـدا الفـرس ‪ -‬اصطـادت‬
‫ومما يجـد يف قراءتـه لذّ ة‪،‬‬
‫سـهلة املأخـذ‪ ،‬مركَّ بـة مـن األلفـاظ املأنوسـة ّ‬

‫‪55‬‬
‫مجـرد القـراءة‪ ،‬فقط‪ ،‬بـل األلفـاظ الكتابية‪،‬‬
‫َّ‬ ‫ـون على تعليمـه؛ ال‬ ‫أع َ‬
‫فذلـك ْ‬
‫الحـد‪،‬‬
‫ّ‬ ‫العاميـة التـي مل يتعلّـم‪ ،‬إىل هـذا‬
‫ّ‬ ‫فستهـا لـه باللُّغـة‬
‫أيضـاً‪ ،‬إذا ّ‬
‫غريهـا‪ .‬وهكـذا‪ ،‬ترتقّـى بـه درجـة فدرجـة‪ ،‬حتـى ُتب ِلغـه ذروة عاليـة‪.‬‬
‫فـإن رمـت أن تعلّمـه شـيئ ًا مـن أركان علـم الحسـاب‪ ،‬فلا تهجـم عليـه‬
‫تربص قليلاً وانتهز فرصة‬
‫أول وهلة‪ ،‬بجـداول فيثاغورس‪ ،‬بل ّ‬ ‫دفعـةً ‪ ،‬ومـن ّ‬
‫فراغـه مـن اللعـب بالجـوز‪ ،‬مثلاً ‪ ،‬لتعلّمـه الجمع والطـرح بـأن تجعله ّ‬
‫يعد‬
‫جوزاتـه‪ ،‬ويضيـف إليهـا أو ُيسـقط منهـا شـيئاً‪ ،‬ليعـرف عـدد مـا يجتمـع لـه‬
‫يتوصـل‪ -‬تدريجيـاً‪ -‬إىل تعلّم علم الحسـاب كلّه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫منهـا أو مـا يبقـى؛ فبذلـك‬
‫وال بـأس يف أن تجعـل تلـك الجـوزات أو الكـرات التـي يلعـب بهـا‪،‬‬
‫ويرمـي بإحداهـا إىل جانـب األخرى‪ ،‬ذريعـة لتمرينه عىل تقدير املسـافات‬
‫واألبعـاد ونسـبة قـايص األشـياء إىل دانيها‪ ،‬فهـذا أصل علم املسـاحة وما‬
‫عـرف‪ ،‬عنـد أربابـه‪ ،‬بـذراع املثلَّثـات‪ ،‬بـل هـذا أصـل علـم الفلـك‪.‬‬
‫ُي َ‬
‫ّمـه مبـادئ الجغرافيـا؛ أي رسـم األرض مـن حيـث‬ ‫مـت أن تعل ُ‬ ‫وأن ُر َ‬
‫مجسـمةً مـن هذه الكرات‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫يديه كر ًة‬ ‫شـكلها ووضعهـا يف الفلـك‪ ،‬فضع بني‬
‫احـد فإنهـا متثِّـل‪ ،‬لنظـر ِه‬
‫ٍ‬ ‫ـهل اقتناؤهـا على كلّ‬ ‫وس ُ‬
‫التـي كثرت يف ّأيامنـا‪َ ،‬‬
‫وذهنـه‪ ،‬كـرة األرض دائـر ًة على محورهـا املائـل‪ ،‬ومرسـوم ًا فيهـا درجـات‬
‫وخـط امليـل وغير ذلك مـن اصطالحات‬ ‫ّ‬ ‫وخـط االسـتوآء‬
‫ّ‬ ‫الطـول والعـرض‬
‫الجغرافيين والفلكيين‪ ،‬ثـم مواقـع البحـار والجـ ُزر والبرور والجبـال‬
‫واألوديـة وتخـوم املاملـك ومواضـع البلـدان‪ ،‬فذلـك مـن أسـهل األشـياء‬
‫لتـه‪ ،‬وانتقاشـ ًا يف لـوح ذه ِنـه‪.‬‬
‫مخي ِ‬ ‫ّ‬ ‫رسـوخ ًا يف‬
‫ِّمـه شـيئ ًا مـن األشـكال الهندسـية ونسـبة بعضهـا إىل‬ ‫ـت أن تعل ُ‬‫وأن ُر ْم َ‬
‫بعـض فليكـن ذلـك بقطـع مـن الخشـب وبأسلاك مـن املعـدن ونحوهـا‬
‫مكعباً‪،‬‬
‫مربعـاً‪ ،‬أو َّ‬
‫كرويا أو أسـطوانياً‪ ،‬أو َّ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬
‫لنظـره مـا كان من األشـكال‬ ‫متثِّـل‬
‫محنيـ ًا أو غير ذلـك؛ فـإن‬
‫ّ‬ ‫ام أو‬ ‫إهليلجيـاً‪ ،‬ومـن الخطـوط مـا كان مسـتقي ً‬
‫ّ‬ ‫أو‬
‫فهمـه مـن قواعـد إقليـدس ورشوح‬ ‫ِ‬ ‫هـذه الطريقـة مـن التعليـم أقـرب إىل‬
‫ٍ‬
‫وصـف مهما كان مدقَّقـ ًا بليغـاً‪.‬‬ ‫الطـويس‪ ،‬بـل مـن كلّ‬

‫‪56‬‬
‫التمـدن عنـد الكلـدان‬
‫ّ‬ ‫وإمنـا كان هكـذا ابتـداء العلـوم كلّهـا‪ ،‬وابتـداء‬
‫واملرصيين واليونـان وغريهـم من األقدمني‪ ،‬بـل هكذا كان ابتـداء أمر هذا‬
‫توصـل‪ ،‬اليوم‪ ،‬إىل االطّ الع على أرسار الطبيعة حتى‬ ‫العلمـة الذي ّ‬ ‫العا ِلـم ّ‬
‫فيتأمل يف سـعة األفلاك‪ ،‬ويرصد ما‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫بتلسـكوبه إىل السماء‪،‬‬ ‫صـار يصعـد‬
‫فيهـا مـن شـموس وكواكـب ال تحصى‪ ،‬ثـم يعـود إىل هـذه الكـرة الصغيرة‬
‫التـي نحـن عليهـا‪ ،‬فينحـدر بفكـر ِه إىل أعامقهـا‪ ،‬ويسبر غورهـا‪ ،‬ويكشـف‬
‫خفاياهـا‪ ،‬ثـم يتصفَّـح مـا على سـطحها مـن اآلثـار القدميـة‪ ،‬ويسـتحرض‬
‫عمـن مضى مـن أهلهـا‪ ،‬ثـم يـزورك يف‬ ‫مـا غبر مـن أزمنتهـا‪ ،‬ويسـتخربها َّ‬
‫منـه ذلـك‪ ،‬فيرى ‪-‬بآلتـهِ‬
‫طرفـه رائـد ًا يف حجرتـك‪ ،‬إن أردت ُ‬ ‫ُ‬ ‫بيتـك‪ ،‬ويرسـل‬
‫أودعتـه بطون‬
‫ُ‬ ‫حجبـه خشـب الصنـدوق من كنـوزك‪ ،‬وما‬ ‫ُ‬ ‫الفوتوغرافيـة‪ -‬مـا‬
‫ـه بين د َّف َت ْين مـن كراريسـك‪ ،‬بـل ماغطّ ُ‬
‫ـاه‬ ‫األوراق مـن أرسارك‪ ،‬ومـا أحرز َت ُ‬
‫الجلـد والعضـل مـن عظـام بدنك‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫(املطلب الثامن)‬

‫يف تقويم سرية الولد وتهذيب أخالقه‬

‫ِ‬
‫ذهنه‪،‬‬ ‫املربين أن يع َنـوا بإمناء بـدن الولـد‪ ،‬وتنويـر‬
‫ّ‬ ‫كما يجـب على‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كذلـك يجـب عليهـم أن ُيعنـوا بتقويـم سيرته وتهذيب أخالقـه وإمناء ما‬
‫فيـه مـن املناقـب‪ ،‬واسـتئصال مـا فيه مـن الشـوائب واملعايـب؛ وذلك‬
‫ويحملـوه على مالزمتهـا‪،‬‬
‫ُ‬ ‫لـه الفضائـل وحميـد الخصـال‪،‬‬ ‫يحسـنوا ُ‬
‫ِّ‬ ‫بـأن‬
‫وه‬
‫ويحض ُ‬
‫ّ‬ ‫لـه الرذائـل وقبيـح الخلال‪ ،‬ويحـذّ روه مـن عواقبهـا‪،‬‬ ‫ويهجنـوا ُ‬
‫ِّ‬
‫محبـة‬
‫ّ‬ ‫ضـوه ‪-‬باملشـورة واإلرشـاد واملثـال‪ -‬على‬ ‫ُ‬ ‫ويحر‬
‫ّ‬ ‫على مجانبتهـا‪،‬‬
‫الشر واإلسـاءة(((‪ ،‬بقـدر االسـتطاعة؛ ألن‬ ‫ّ‬ ‫الخير واإلحسـان وكراهـة‬
‫العامـة‪ ،‬ومرتبـط بها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫مهـم من الرتبيـة‬
‫ٌّ‬ ‫فـرع‬
‫ٌ‬ ‫هـذا الضرب مـن التهذيـب‬

‫((( قد عرفت أن كلّ فعل نشأ عنه أو يرت َّتب عليه‪ ،‬يف الحال أو االستقبال‪ ،‬نفع ما‪ ،‬فهو خري وإحسان‪ ،‬وأن كلّ‬
‫رش وإساءة‪.‬‬ ‫فعل يرتتب عليه رضر ما فهو ّ‬

‫‪59‬‬
‫املربين الذين‬ ‫ّ‬ ‫أجـلّ أغراضهـا‪ ،‬ومـن أوىل األشـياء بعناية‬ ‫ومعـدود مـن َ‬
‫ٌ‬
‫أهملنـاه منهـا فكأننـا أهملنـا أنفـع يشء فيهـا للولـد يف‬ ‫ُ‬ ‫يتولّونهـا‪ ،‬فـإن‬
‫له وزينـةً ‪ .‬ولكن يجب أن نحرص‬ ‫ِ‬
‫معاشـه ومعـاده‪ ،‬فضلاً عن كونه حليةً ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫أخالقـه‬ ‫كلّ الحـرص على أن يكـون تلييننـا لعريكـة الولـد‪ ،‬وإزالـة مـا يف‬
‫َّتـه من املعايب‪،‬‬ ‫مـن الرشاسـة الغريزيـة‪ ،‬وإصالح ما هـو مركوز يف جبل ِ‬
‫بالرفـق واملالطفـة‪ ،‬كلّما كان ذلـك مسـتطاعاً‪ ،‬وأن ال نلجـأ إىل القهـر‬
‫واإلجبـار ّإل بعـد أن نتيقَّـن أن الرفـق ال ينجـع‪ .‬وكما أن الجوهـري يأخـذ‬
‫القطعـة مـن األملـاس الخـام فيجلوها ويصقلهـا‪ ،‬مـن دون أن يكرسها‪،‬‬
‫يشـتد به بريقهـا وألالؤهـا‪ ،‬فتنقلب بذلك‬ ‫ّ‬ ‫ثـم يجعـل لها مـن الخانات ما‬
‫رصـع بهـا تيجـان امللـوك‪ ،‬بعـد أن كانـت قطعـة بلّـو ٍر ال‬ ‫جوهـرة مثينـة ُت ّ‬
‫املـرب أن يتلطَّ ـف يف إزالـة‬ ‫ّ‬ ‫يـكاد يحفـل بهـا أحـد‪ ،‬فكذلـك يجـب على‬
‫أخالقـه‪ ،‬ويعين الطبيعـة نفسـها‬ ‫ُ‬ ‫يدمـث‬ ‫خشـونة الولـد الغريزيـة‪ ،‬وأن ّ‬
‫َّتـه مـن الوداعـة واالسـتقامة وغير ذلـك من‬ ‫على إمنـاء مـا ُر ِكـز يف جبل ِ‬
‫الخصـال الحميـدة‪ ،‬واسـتئصال ما ُر ِكز فيها من جراثيم القسـوة والبغي‬
‫سيرته‬
‫ُ‬ ‫ويقـوم ‪-‬يف الجملـة‪-‬‬ ‫ّ‬ ‫والغـدر وغير ذلـك مـن الخلال الذميمـة‪،‬‬
‫ولكـن بالرفـق واملالينـة‪ ،‬مـا أمكـن‪ ،‬ال بالعنـف واملحاشـنة‪ .‬وهـذا إمنـا‬
‫غض‬ ‫بعد‪ ،‬رخـص البنية ّ‬ ‫لـه والولد‪ ،‬وهو‪ُ ,‬‬ ‫تصدى ُ‬ ‫ّ‬ ‫لـه‪ ،‬بسـهولة‪ ،‬إذا‬ ‫يتـأت ُ‬ ‫ّ‬
‫فيحبه‬ ‫ّ‬ ‫مربيه‪،‬‬
‫ـاه ِّ‬
‫إي ُ‬
‫ده ّ‬ ‫العـود قابـلٌ ألن يعتـاد‪ ،‬بطبيعة نفس‪ ،‬كلّ ما ّ‬
‫يعو ُ‬
‫ويشـب عليـه حتـى يصير‪ ،‬مـن هـذه الجهـة‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬خليقـ ًا بـأن يدعـى‬ ‫ّ‬
‫عرفـت مـن صفـات اإلنسـانية يف مخالطـة‬ ‫َ‬ ‫مبـا‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫صفـ‬ ‫ت‬
‫َّ‬ ‫م‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫إنسـان‬ ‫أي‬ ‫رجلاً ‪،‬‬
‫طبقته بينهم؛ ألن التهـذُّ ب والصالح‬ ‫ُ‬ ‫غيره مـن أبناء جنسـه‪ ،‬مهام كانـت‬
‫واجب على الناس كافّـةً ‪ ،‬ال فرق‬ ‫ٌ‬ ‫فـرض‬
‫ٌ‬ ‫واال ِّتصـاف بسـائر تلـك الصفـات‬
‫ـم فرقـ ًا بين مهذَّ ب‬ ‫والعامـة‪ ،‬فـإن رأيـت َث َّ‬ ‫ّ‬ ‫الخاصـة‬
‫ّ‬ ‫يف جوهـر ذلـك بين‬
‫وأعراضـه‪ ،‬فقـط‪ ،‬ال يف جوهـر ِه؛ إذ‬ ‫ِ‬ ‫كيفيـات التهـذّ ب‬ ‫ّ‬ ‫وآخـر فهـو يف‬
‫والفتـوة وسالسـة األخلاق ورقّـة الحـوايش‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫والحروريـة‬
‫ّ‬ ‫ليسـت األمانـة‬
‫مثلاً ‪ ،‬مـن خصائص األكابر وحدهم‪ ،‬وال االحتشـام والتاملـك والتواضع‬
‫مـن مواجـب السـوقة وحدهـم‪ .‬ونعنـي بالتواضـع‪ ،‬هنـا‪ ،‬تلـك الخصلـة‬
‫الحميـدة املنـدوب إليهـا‪ ،‬وهي معرفـة املرء مقدار غريه مـن غري جهلٍ‬

‫‪60‬‬
‫يدعوه النـاس بالرضاعة والتصاغـر‪ ،‬وإن كان يجب‬ ‫ُ‬ ‫ملقـدار نفسـه‪ ،‬ال مـا‬
‫على ذوي املقامـات العاليـة أن يكونـوا َورِعين نزهـاء النفـوس أمنـاء‬
‫محبين للخير مـا اسـتطاعوا‪ ،‬ونافرين عن‬‫ّ‬ ‫مجاملين ذوي مـرؤ ٍة ونخـو ٍة‬
‫الشر مـا اسـتطاعوا‪ ،‬فـكلّ ذلك واجـب‪ ،‬أيضاً‪ ،‬على غريهم مـن الناس؛‬ ‫ّ‬
‫أرشافهـم فيـه كسـوقتهم‪ ،‬واإلسـكايف كاملهنـدس‪ ،‬والفلاح كالتاجر‪.‬‬
‫َّقنـه‬‫وهـذا الضرب مـن التهـذُّ ب ال يصير يف اإلنسـان ملكـةً ّإل إذا تل ُ‬
‫ِ‬
‫عليـه‬ ‫منـذ حداثـة سـ ّن ِه‪ ،‬حتـى ميتـزج بطبعـه رويـد ًا رويـداً‪ ،‬وترسـخ‬
‫عليـه‪ ،‬ويأتيه عفو ًا ال تكلُّفـاً‪ ،‬والكرهاً‪ ،‬والتص ُّنعاً‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ويشـب‬‫ّ‬ ‫فيحب ُه‬‫ّ‬ ‫أخالقـه‪،‬‬
‫الكيـس املهـذّ ب‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫مييـز الولـد النجيـب‪ ،‬أي الحسـن الرتبيـة‬ ‫وهـذا مـا ّ‬
‫السـيئ الرتبيـة‪ .‬نعـم‪ ،‬ليـس كلّ النـاس‪ ،‬يف‬ ‫ِّ‬ ‫ح ّقـاً‪ ،‬عـن الولـد الداعـر‬
‫كيفيـات هـذا الضرب مـن التهـذّ ب‪ ،‬سـواء‪ .‬والبلـوغ إىل أرفـع درجاتـه‬ ‫ّ‬
‫واجـب‬
‫ٌ‬ ‫جوهـره‬
‫ُ‬ ‫أن‬ ‫إل‬
‫ّ‬ ‫ـة‬ ‫العام‬
‫ّ‬ ‫أوالد‬ ‫على‬ ‫منـه‬
‫ُ‬ ‫األعيـان‬ ‫أوالد‬ ‫على‬ ‫أسـهل‬
‫واحـد‪ ،‬كام عرفـت‪ ،‬وإن‬ ‫ُ‬ ‫ألنـه‬
‫ُ‬ ‫طبقتهـم؛‬ ‫كانـت‬ ‫على النـاس كافّـةً ‪ ،‬مهما‬
‫وأسـاليبه باختلاف األمكنـة واألزمنـة واألشـخاص‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫اتـه‬
‫كيفي ُ‬ ‫ّ‬ ‫اختلفـت‬
‫فلاح سـاذج بسـيط يلقـاك فيجلّـك‪ ،‬ويتلطّ ـف بـك على طريقتـه‬ ‫ٍ‬ ‫ب‬ ‫فـر َّ‬‫ُ‬
‫ألنـه قـد اعتـاد ذلـك حتـى صار فيـه ملَكـة يعرفها‬ ‫ُ‬ ‫ّـة؛‬‫ل‬ ‫والتج‬ ‫ـف‬ ‫التلطُّ‬ ‫يف‬
‫ضحـك باألسـلوب الـذي يحتذيـه يف الحفـاوة‬ ‫أنـه ُي ِ‬ ‫منـه كلّ معارفـه‪ّ ،‬إل ُ‬ ‫ُ‬
‫أنـه ال يـدري شـيئ ًا‬ ‫ُ‬ ‫تعلـم‬ ‫أنـك‬ ‫لـوال‬ ‫آخـرق‪،‬‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ّـ‬
‫ف‬ ‫جا‬ ‫تخالـه‬
‫ُ‬ ‫تـكاد‬ ‫حتـى‬ ‫بـك‪،‬‬
‫وأنـه قليـل املعرفة‬ ‫ُ‬ ‫طبقتـك‪،‬‬ ‫وأهـل‬ ‫أنـت‬ ‫ألفتهـا‬ ‫قـد‬ ‫مـن األسـاليب التـي‬
‫بفـن الترشيفـات‪ .‬يريد أن يسـلِّم عليـك ويحتفي بك‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫مبـا ُيدعـى عندكـم‬
‫لكنـه ال يـدري كيـف يسـلِّم‪ ،‬وال كيـف يتكلَّم بأسـلوب يرضيـك‪ ،‬وهو ‪-‬مع‬ ‫ُ‬
‫الكيـس الظريـف الـذي يلقاك‬ ‫ِّ‬ ‫الشـاب‬
‫ّ‬ ‫ذاك‬ ‫مثـل‬ ‫ب‬ ‫ّ مهـذّ‬ ‫حـر‬ ‫ـى‬ ‫ت‬
‫ً‬ ‫ف‬ ‫ذلـك‪-‬‬
‫‪-‬ربـا‪ -‬كان يف وجه ذاك‬ ‫ٍ‬
‫فيحتفـي بـك بأسـلوب رشـيق ولفـظ رقيـق‪ ،‬بـل َّ‬
‫الفلاح‪ ،‬مـن البشاشـة والب ِْشر والتهلُّـل بلقـاك‪ ،‬واالبتهـاج برؤيتـك‪ ،‬مـا‬ ‫ّ‬
‫وربـا كان يف عينـي‬ ‫طويتـه‪ ،‬يف حفاوتـه بـك‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫يشـهد إلخالصـه وصفـاء‬ ‫ِ‬
‫تحل غري شـيمتهِ‬ ‫مامذق قد ّ‬ ‫ٌ‬ ‫أنـه‬
‫ذلـك الغرنـوق الطريـف ما يثبت عندك ُ‬
‫ليستر مـا فيـه مـن الشـوائب‪ ،‬أو لرياعـي مـا يليـق بالطبقـة التـي ينتمـي‬
‫اسـتنمت إليه‬
‫َ‬ ‫فيـه‪ ،‬حتى إذا‬ ‫ليغـرك أو ُيغريـك باعتقـاد األمانـة ِ‬ ‫ّ‬ ‫إليهـا‪ ،‬أو‬

‫‪61‬‬
‫مبرضتـك‪ .‬ومهما‬
‫ّ‬ ‫ائتمنتـه خانـك‪ ،‬أو ركنـت إليـه كان أدرى‬ ‫ُ‬ ‫غـدر بـك‪ ،‬أو‬
‫ِ‬
‫يكـن مـن إخالصـه أو مامذقتـه فالشـيم الحميـدة التـي تراها فيـه‪ ،‬إن مل‬ ‫ِ‬
‫ته‪،‬‬‫سـجي ِ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫بفطرتـه‪ ،‬ومنـا يف‬ ‫ومما امتـزج‬‫ّ‬ ‫اعتـاده منـذ صغـر ِه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫مما‬
‫تكـن ّ‬
‫بشـق النفـس‪ ،‬وتكلُفـاً؛ و«ليـس‬
‫ّ‬ ‫منـه ّإل‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫بنمـو جسـمه‪ ،‬فإنهـا ال تبـدو‬ ‫ّ‬
‫الفلاح السـاذج خير ًا‬‫ّ‬ ‫التكحـل يف العينين كالكّ حـل»‪ .‬ويبقـى ذلـك‬ ‫ُّ‬
‫ألنـه قد اكتسـب تلك الشمائل وهـو صغري‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫إيـاه؛‬‫منـه‪ ،‬وأوىل بتكرمينـا ّ‬ ‫ُ‬
‫وشـب عليهـا حتى أصبحـت مفاعيلها تـأيت عفو ًا من‬ ‫َّ‬ ‫فصـارت فيـه َملَكة‪،‬‬
‫مما‬ ‫ِ‬
‫عما يف جنانـه ّ‬ ‫ِ‬
‫صميـم فـؤاده‪ ،‬وليسـت لجلجـة لسـانه يف التعبير ّ‬
‫تأد ِ‬
‫بـه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫أمانتـه أو ُّ‬ ‫ِ‬
‫فتوتـه أو‬ ‫يقـدح يف‬

‫كالعــود يُســقى الماء في غرسِ ـ ِه‬ ‫أدبتــه فــي ِ ّ‬


‫الصبا‬ ‫وان مــن َّ‬
‫عاينت من يبسِ ـ ِه‬
‫َ‬ ‫بعد الذي‬ ‫حتــى تــرا ُه ناضــر ًا مورقـ ًا‬

‫‪62‬‬
‫(املطلب التاسع)‬

‫يف شوائب األوالد‪ ،‬وعيوبهم‪ ،‬وطريقة إصالحهم‪،‬‬


‫وعقابهم عليها‬

‫إما خير ًا أو رشيـراً‪ ،‬وا َ‬


‫أل ْوىل أن ُيقال‬ ‫ـم أن الولد يولَد ّ‬
‫زع َ‬ ‫ـن َ‬
‫ـط َم ْ‬‫أش َّ‬
‫لقـد َ‬
‫ٍ‬
‫معرفـة‬ ‫الشر‪ ،‬عـن غير‬ ‫ّ‬ ‫اسـتعداد لفعـل الخير أو‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫فطرتـه‬ ‫إنـه يولـد ويف‬
‫ُ‬
‫رش‪،‬‬
‫لـه‪ ،‬فـإن رأيـت أكثر األوالد يفعلـون مـا هـو عندنـا ٌّ‬ ‫ٍ‬
‫تعمـد ُ‬
‫بذلـك‪ ،‬وال ُّ‬
‫وتوحشـاً؛‬
‫ُّ‬ ‫قويهـم‪ -‬مثلاً ‪ -‬يبغـي على ضعيفهـم‪ ،‬وأن فيهـم قسـاوة‬ ‫وأن َّ‬
‫علـم‬
‫ٍ‬ ‫ناشـئ عـن تغلُّـب الغريـزة الحيوانيـة على طباعهـم ال عـن‬
‫ٌ‬ ‫فذلـك‬
‫لـه‪.‬‬
‫بالشر وإرادة ُ‬
‫ّ‬
‫كبرييْن؛ أحدهام‬
‫َ‬ ‫ثـم إن شـوائب البشر وعيوبهم كلّها ترجع إىل أصل َْين‬
‫معنـوي ينضاف إىل‬
‫ٌ‬ ‫حب الشـهوات‪ ،‬واآلخر‬ ‫حسي ينضـاف إىل البدن‪ ،‬وهو ّ‬ ‫ّ‬

‫‪65‬‬
‫يتفرع‬ ‫ٍ‬
‫واحـد من هذين األصلين َّ‬ ‫حـب النفـس‪ .‬وكلّ‬ ‫الذهـن‪ ،‬وهـو األثـرة أي ّ‬
‫متعـددة‪ ،‬تضيـق هـذه املقالـة عـن اسـتيفائها‪ ،‬وليـس ذلك من‬ ‫ّ‬ ‫عنـه فـروع‬
‫ُ‬
‫يتفـرع عنه‬‫ّ‬ ‫حب الشـهوات‬‫غرضنـا‪ ،‬ولكـن نقـول ‪-‬على سـبيل االجمال‪ -‬إن ّ‬
‫يتفرع عنها الحسـد والحقد والفظاظة‬ ‫ّ‬ ‫الكسـل والنهم والدعارة‪ ،‬وأن األثرة‬
‫والكـذب والبخـل‪ ،‬ولكـن مـا من خل ٍّة مـن هذه الخلال الذميمـة ّإل وبازائها‬
‫عدلتها‪،‬‬ ‫تنىي بإمنائها يف الصغر الشـت تلك الخلّة أو َّ‬
‫اع َ‬ ‫خصلةٌ حميدةٌ‪ ،‬إذا ُ‬
‫حتـى تجعلهـا مـن املناقـب املمدوحة‪ .‬كما أن الخصال الحميدة نفسـها‪،‬‬
‫حد ُه‬
‫حـد االعتـدال انقلبـت معايـب؛ ألن كلّ يشء جـاوز َّ‬ ‫إذا ُخـرِج بهـا عـن ّ‬
‫ضـد ُه‪ .‬وهـذا مـا حـدا ببعـض الفضلاء إىل أن يقـول إن الشـوائب‬ ‫َّ‬ ‫جانـس‬
‫تدخـل يف تركيـب املناقب دخول السـموم يف تركيب األدويـة‪ ،‬وإن الحازم‬
‫مـن الصيادلـة هـو الـذي يحسـن مزجهـا وتعديـل مقاديرهـا‪ ،‬حتـى يصنـع‬
‫منهـا عالجـ ًا نافعاً‪.‬‬
‫ألنـه أقـدر‬
‫ُ‬ ‫املـرب الحكيـم؛‬
‫ّ‬ ‫يل الحـازم يف هـذا املوطـن هـو‬ ‫فالصيـد ّ‬
‫النـاس على تربيـة جراثيـم الصلاح واسـتئصال جراثيـم الطلاح يف الولـد‪،‬‬
‫أنه كلّام اطّ لَع عىل‬
‫إرساف وال شـطط‪ ،‬بل بالتي هي أحسـن؛ وذلك ُ‬ ‫ٍِ‬ ‫من غري‬
‫وحملـه ‪-‬بالرفـق واملالطفة‪ -‬عىل اإلقلاع عنها‬
‫ُ‬ ‫بين لـه رضرها‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫نقيصـة فيـه ّ‬
‫تضادهـا بقدر االسـتطاعة‪ ،‬ومل يجنـح إىل معاقبته‬ ‫ّ‬ ‫ومالزمـة الخصلـة التـي‬
‫سـتعرفه ّإل بعـد نفـاد ذرائـع التحذيـر‬
‫ُ‬ ‫عليهـا بالعقـاب االصطناعـي الـذي‬
‫سـتعرفه‪ ،‬أيضاً‪،‬‬
‫ُ‬ ‫مـن سـوء عواقبها‪ ،‬وبعد تي ّقنـه أن العقاب الطبيعي الذي‬
‫إنـه يجب إطـراح العقاب‬ ‫ال يؤ ِّثـر أو ال يكفـي‪ .‬وليـس مرادنـا أن نقـول‪ ،‬هنـا‪ُ ،‬‬
‫االصطناعـي ب ّتـةً ‪ ،‬وإمنـا نريـد أن نقـول إن هذا العقـاب ال ينبغـي أن يوضع‪،‬‬
‫تتـول‬
‫ّ‬ ‫الحـد الـذي‬
‫ّ‬ ‫موضـع العقـاب الطبيعـي أي‬
‫َ‬ ‫دامئـاً ‪ ،‬ويف كلّ النـوازل‪،‬‬
‫مسـد ُه يف كلّ األحوال‪،‬‬
‫ّ‬ ‫يسـد‬
‫ّ‬ ‫ألنه ال‬
‫إقامتـه على الجاين؛ ُ‬
‫ُ‬ ‫الطبيعـة نفسـها‬
‫كام سـتعلم‪.‬‬
‫أي يف‬
‫وعقابـه فيه‪ْ ،‬‬
‫ُ‬ ‫رش أو خطأ ّإل‬
‫إنه ما مـن ّ‬ ‫تقـرر هـذا‪ ،‬فنقـول ُ‬‫وإذ قـد ّ‬
‫أنـه مـا من خير ّإل وثوابه فيه «سـ ّنة اللـه يف الذيـن خلوا من‬‫عاقبتـه‪ ،‬كما ُ‬
‫قبـلُ ‪ ،‬ولـن تجد لسـ ّنة اللـه تبديلاً »‪ّ .‬إل أن أنجع أنـواع العقـاب‪ ،‬وأعدلها ما‬

‫‪66‬‬
‫كـب؛ ومـا ذلـك ّإل ألن الطبيعـة نفسـها‬ ‫ينشـأ‪ ،‬طبعـاً‪ ،‬عـن الخطـأ الـذي ار ُت َ‬
‫ّمه‪،‬‬
‫تقيمـه عىل املخطـئ لتعل ُ‬‫ُ‬ ‫ومقـدار ُه‪ ،‬وهـي التي‬
‫َ‬ ‫جنسـه‬
‫ُ‬ ‫تعي‬
‫هـي التـي ّ‬
‫فالشـاب الـذي يواعـد‬
‫ّ‬ ‫وعوقـب‪.‬‬ ‫أحـد ّإل ُ‬
‫ٌ‬ ‫تعـدى نواميسـها‬‫ّ‬ ‫أنـه مـا‬
‫بالخبرة‪ُ ،‬‬
‫يفوتـه مـا كان مي ّنـي بـه‬
‫ُ‬ ‫أصحابـه إىل مجلـس أنـس أو لهـو‪ ،‬ثـم ال يأتيهـم‪،‬‬‫ُ‬
‫ِّمه‪،‬‬
‫لـه يعل ُ‬
‫قصـاص ُ‬
‫ٌ‬ ‫نفسـه مـن األنـس بلقائهـم واللهـو مبفاكهتهـم‪ .‬وهـذا‬ ‫ُ‬
‫منـه‬
‫تكـرر ُ‬ ‫بالخبرة‪ ،‬أن يكـون بعدهـا أوىف مبواعيـده‪ ،‬فـإن مل يتعلّـم‪ ،‬بـل ّ‬
‫تكـرر عليـه القصـاص‪ ،‬وأُضيـف إليـه تيقُّـن أصحابـه ُ‬
‫أنـه‬ ‫ّ‬ ‫إخلاف الوعـد‪،‬‬
‫ِ‬
‫يعتـدون بقولـه‪ ،‬الب ّتة‪ ،‬ثم‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫مخلاف‪ ،‬فلا يثقـون ‪-‬بعـد ذلـك‪ -‬مبواعيـده‪ ،‬وال‬
‫باملـرة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ال يلبـث أن يسـقط مـن أعينهـم‬
‫ورب العيـال الـذي ينـال‪ ،‬بعـد الجهـد الجاهـد‪ ،‬وظيفـةً أو عملاً لكسـب‬ ‫ّ‬
‫قص ِ‬
‫فيه‬ ‫َّ‬ ‫أن‬ ‫أو‬ ‫العمـل‬ ‫من‬ ‫بـه‬ ‫نيط‬ ‫مبا‬ ‫القيـام‬ ‫حـق‬
‫ّ‬ ‫يقـم‬ ‫مل‬ ‫إن‬ ‫فإنـه‬
‫ُ‬ ‫‪،‬‬ ‫ِ‬
‫معاشـه‬
‫لـه على‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫عقابـ‬ ‫‪،‬‬ ‫رزقـه‬
‫ُ‬ ‫م‬‫حـر‬
‫ُ َ‬ ‫وي‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫مدحـور‬ ‫د‬ ‫طـر‬ ‫وي‬
‫ُ َ ُ َ‬ ‫ل‬ ‫عـز‬ ‫ي‬ ‫أن‬ ‫يلبـث‬ ‫أو تـواىن‪ ،‬فلا‬
‫بالء شـديداً‪ .‬والسمسـار‬ ‫توانيـه‪ ،‬فيقـايس مـن الفاقة‪ ،‬واإلضاقة ً‬ ‫ِ‬ ‫تقصير ِه أو‬
‫الـذي يواعـد التاجر أن يأتيـه ليتفاوضا يف بيع سـلعة أو رشائها‪ ،‬ثم ال يأتيه‪،‬‬
‫لـه‬‫فـإن السـلعة ُتبـاع أو تشترى على يـد غير ِه‪ ،‬ويحـرم السـمرسة؛ عقابـ ًا ُ‬
‫ـوم بضائعـه؛ طمع ًا يف زيـادة الربح‪،‬‬ ‫على اإلخلاف‪ .‬والتاجـر الـذي ُيغيل َس ْ‬
‫ِ‬
‫طمعه‬ ‫بضائعه ثم تتلف‪ ،‬وتكـون عاقبة‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫عليـه‬ ‫يجتنبونـه حتى تكسـد‬ ‫ُ‬ ‫فالنـاس‬
‫عهد‬ ‫خسران األصـل والربـح‪ .‬والعميل الـذي ال يبذل جهد الحريـص يف ما ُي َ‬
‫حـرم هـو العاملـة‪ ،‬فـإن‬ ‫وي َ‬ ‫غيره‪ُ ،‬‬‫ُ‬ ‫إليـه مـن بيـع أو رشاء‪ ،‬فالنـاس يراسـلون‬
‫حانوتـه‪ .‬والطبيب‬ ‫ُ‬ ‫واضطـر أن يغلق‬ ‫َّ‬ ‫يعاملـه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫لـه َم ْن‬‫يبـق ُ‬
‫منـه مل َ‬ ‫تكـرر ذلـك ُ‬ ‫ّ‬
‫مرضاه؛ كسلاً أو قلّة مبـاالة بأمرهم‪ ،‬فإنهم ينرصفون‬ ‫ُ‬ ‫زيارة‬ ‫عن‬ ‫يغفـل‬ ‫الـذي‬
‫والفلح‬ ‫ّ‬ ‫سـاباط‪.‬‬ ‫ام‬‫حج‬
‫ّ‬ ‫مـن‬ ‫أفرغ‬ ‫وهو‬ ‫يصبـح‬ ‫حتی‬ ‫ٍ‬
‫واحـد‪،‬‬ ‫عنـه‪ ،‬واحـد ًا بعـد‬
‫منـه شـيئ ًا يسـاوي العنـاء‪ ،‬وال‬ ‫ُ‬ ‫فإنـه ال يـكاد يسـتغلّ‬ ‫ُ‬ ‫زرعـه‬
‫ُ‬ ‫يتعهـد‬‫َّ‬ ‫الـذي ال‬
‫يلبـث أن يصير إىل فقـر مدقـع‪ .‬لقـد رأيـت أن يف عاقبة كلّ واحـدة من هذه‬
‫له ناشـئاً‪-‬‬ ‫تردعـه الـروادع الطبيعية‪ ،‬وقصاص ًا ُ‬ ‫ُ‬ ‫جـزاء وفاقـ ًا ملن ال‬ ‫ً‬ ‫النقائـص‬
‫َّ‬
‫تتـول‬ ‫ارتكبـه‪ ،‬وأن الطبيعـة نفسـها هـي التـي‬ ‫ُ‬ ‫بالطبـع‪ -‬عـن الخطـأ الـذي‬
‫تحاكمـه‪ ،‬من غري حيـف وال محابـاة‪ ،‬وتقيض‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫الحـد عليـه‪ ،‬وهـي التـي‬ ‫ّ‬ ‫إقامـة‬
‫أي بشـهادة نفسـه‪ ،‬ومتضي قضاءهـا صامتـةً ؛ ألنهـا‬ ‫ِ‬ ‫عليـه بشـهادة عـدلٍ ْ‬ ‫ِ‬

‫‪67‬‬
‫تفـرط وال تقبـل شـفاعة‬ ‫تتمهـل يف ذلـك وال تعجـل وال ّ‬‫َّ‬ ‫قوالـة‪ ،‬وال‬
‫فعالـةٌ ال ّ‬
‫يتعـدى حدودها مـن البالغني‪،‬‬‫ّ‬ ‫حـق مـن‬
‫وال عـذراً‪ .‬فـإن كان هـذا فعلهـا يف ّ‬
‫حـق األوالد الذيـن يعصـون نواميسـها‪ ،‬جهلاً أو عمـداً‪ ،‬فما‬ ‫فهـو كذلـك يف ّ‬
‫أحرانـا ‪-‬والحالـة هـذه‪ -‬بـأن ُنلقـي عليهـا عـبء معاقتبهـم إذا اخطـأوا‪ ،‬كلَّام‬
‫نتـول ُه بأنفسـنا أو نقـوم فيه مقامهـا‪ ،‬فإن مل‬
‫ّ‬ ‫وجدنـا إىل ذلـك سـبيالً‪ ،‬وأن ال‬
‫نتـول ُه نحـن‪ ،‬فما أحرانـا‪ ،‬أيضاً‪،‬‬
‫ّ‬ ‫نجـد إىل ذلـك سـبيالً‪ ،‬ودعـت الضرورة أن‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫بـأن نقتـدي بهـا يف تعيين جنـس القصـاص وتقديـره‪ ،‬مـن غير حيـف وال‬
‫ِ‬
‫وإمضائـه مـن غير ريـث وال عجل!‪.‬‬ ‫تسـامح‪،‬‬
‫ٍ‬
‫يفعله‬
‫ُ‬ ‫وال نعنـي بالولـد‪ ،‬هنا‪ ،‬الطفل الـذي ال يدرك وال تكليف عليه يف ما‬
‫حد الطفوليـة حتى صار يدرك‬ ‫الشر‪ ،‬جاهلاً ‪ ،‬بل نعني الولد الـذي جاوز ّ‬ ‫ّ‬ ‫مـن‬
‫خطيئتـه‪ ،‬وبالعقـاب‬ ‫ِ‬ ‫الشر واألمـر والنهـي‪ ،‬ويفهـم مـا ُيـراد بعاقبـة‬ ‫ّ‬ ‫معنـى‬
‫إصغائـه إىل التحذيـر منهـا‪ .‬فالطفـل الـذي يكسر‬ ‫ِ‬ ‫الـذي يرت َّتـب على عـدم‬
‫ألنـه ال يعـرف مـا الخطيئـة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫فعلـه خطيئـةً‬
‫ُ‬ ‫لعبتـه‪ ،‬مثلاً ‪ ،‬ال يكـون‬
‫ُ‬ ‫داحتـه أو‬
‫ُ‬
‫منه‬‫ُ‬ ‫رغبـةً‬ ‫ذلـك؛‬ ‫إىل‬ ‫دفعتـه‬
‫ُ‬ ‫الطبيعـة‬ ‫ألن‬ ‫إل‬
‫ّ‬ ‫الغالـب‪-‬‬ ‫‪-‬يف‬ ‫لعبتـه‬
‫ُ‬ ‫يكسر‬ ‫ومل‬
‫جوفهـا‪ ،‬وطلب ًا للتعلُّم‪ ،‬كما عرفت‪ .‬لكـن الولد الذي‬ ‫يف االطّ لاع على مـا يف ّ‬
‫أختـه عمـداً‪ ،‬ليؤذيها‪ ،‬أو ليتشـفَّى منها‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫حـد الطفوليـة‪ ،‬إن كسر لعبة‬ ‫جـاوز َّ‬
‫ألنه أقدم‬ ‫عتب خطيئـة ُ‬ ‫فعله ُي َ‬‫ُ‬ ‫العرام‪ ،‬فـإن‬
‫مجرد ُ‬ ‫َّ‬ ‫التلهـي‪ ،‬أو عـن‬ ‫ّ‬ ‫أو ملحـض‬
‫عقابه ينبغي‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫عليـه‪ّ ،‬إل أن‬ ‫عاقب‬
‫َ‬ ‫رش؛ فلذلـك يجب أن ُي‬ ‫أنه ٌّ‬ ‫ِ‬
‫معرفتـه ُ‬ ‫عليـه مـع‬
‫أن يكـون مجانسـ ًا لخطيئتـه‪ ،‬وناشـئ ًا عنهـا نشـوء ًا طبيعيـ ًا أي مقلِّـد ًا به فعل‬
‫عامـ ًا لسـائر‬ ‫أمثالـه‪ ،‬ال اصطناعيـ ًا أو غير مجانـس للخطيئـة أو ّ‬ ‫ِ‬ ‫الطبيعـة يف‬
‫أي‬ ‫داحتـه أو ّ‬
‫ُ‬ ‫منـه‬
‫الخطايـا‪ ،‬كائنـةً مـا كانـت‪ .‬والطريقـة‪ ،‬يف ذلـك‪ ،‬أن تؤخـذ ُ‬
‫يعـوض عليهـا ما‬ ‫عنـده معـ َّزةً‪ ،‬ويعطـى ألختـه حتـى َّ‬ ‫ُ‬ ‫لـه يسـاويها‬ ‫يشء آخـر ُ‬
‫عقوبته‬
‫ُ‬ ‫أتلفـه لهـا‪ ،‬ويـذوق هـو‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬يف نوبتـه‪ ،‬مـرارة الفقـدان‪ ،‬ويذكـر أن‬ ‫ُ‬
‫وخاصة بـه ال كَ حالِ‬ ‫ّ‬ ‫له‪،‬‬
‫عنـه‪ ،‬بالطبع‪ ،‬ومجانسـة ُ‬ ‫مسـببة عـن ذنبه‪ ،‬وناشـئة ُ‬ ‫َّ‬
‫سـواء‪ ،‬يف معاقبتـه على كلّ ذنـب‬‫ِ‬ ‫ً‬ ‫التعزيـز أو الضرب اللذيـن نسـتعملهام‬
‫منـه‪ ،‬كائنـ ًا مـا كان‪ ،‬بحيـث ال يسـتطيع هـذا املسـكني أن يـدرك‪ ،‬يف‬ ‫يصـدر ُ‬
‫أكثر األحـوال‪ ،‬نسـبة العقوبـة إىل الخطيئـة‪ ،‬ولـو قلَّدنـا يف معاقبتـه فعـل‬
‫وأقـر بعـدل العقوبـة‪ ،‬وتحـذَّ ر مـن حلولهـا ِ‬
‫به‬ ‫َّ‬ ‫الطبيعـة ألدرك تلـك النسـبة‪،‬‬

‫‪68‬‬
‫تعديه ناموسـها‪ :‬إن َح َمله‬ ‫ثانيـةً ‪ .‬وهـاك أمثلـة من معاقبة الطبيعـة ّإياه عىل ْ‬
‫املحماة‪ ،‬فأصاب‬ ‫ّ‬ ‫املحمـي أو املكـواة‬
‫ّ‬ ‫العـرام حتـى قبـض على ملقـط النار‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫الحـرق‪ ،‬أو ل َِعـب مبغلاة املـاء حتـى انكفـأت وأريـق مـا فيهـا مـن‬ ‫َ‬ ‫أمل‬ ‫يـده‬
‫ُ‬
‫املـاء السـخن على عضو من أعضائـه‪ ،‬فالتذَع أو عدا كاملجنون حتى سـقط‬
‫رجلـه حجـراً‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫موضـع محجـ ٍر مـن األرض‪ ،‬فانسـحج جلـده أو صدمـت‬ ‫ٍ‬ ‫على‬
‫يصيبـه مـن ذلـك هـو‬ ‫ُ‬ ‫فانشـج‪ ،‬فـكلّ مـا‬ ‫َّ‬ ‫جسما صلبـ ًا‬
‫ً‬ ‫رأسـه‬
‫ُ‬ ‫قـرع‬‫فأملـت‪ ،‬أو َ‬
‫ـد تقيمـه الطبيعة نفسـها عليه ملخالفتـه رشعها‬ ‫وح ٌّ‬ ‫ِ‬
‫عرامـه‪َ ،‬‬ ‫لـه على‬ ‫عقـاب ُ‬
‫املرة‬
‫منه‪ -‬بالخبرة َّ‬ ‫وعـدم إصغائـه إىل التحذيـر مـن سـوء العواقب‪ ،‬يتعلَّـم ُ‬
‫املـذاق‪ -‬أن يجت َّنـب‪ ،‬يف املسـتقبل‪ ،‬تلـك األفعـال التـي جلبـت عليـه هـذه‬
‫رغبتـه غايـة الرتغيـب يف معاودتهـا‪ ،‬مل يفعـل‪ .‬فما‬ ‫العقوبـات‪ ،‬حتـى لـو ّ‬
‫أحرانـا بـأن نقتـدي بالطبيعـة كلَّما أمكـن ذلـك‪ ،‬ونجعـل عقوبـة الولـد‪ -‬إذا‬
‫تعـدى نواميسـنا‪ -‬مجانسـةً لخطيئتـه وناشـئة‪ ،‬بالطبـع‪ ،‬عنهـا كما فعلنا يف‬ ‫ّ‬
‫ً‬
‫أمـر اللعبـة!‪ .‬ولزيـادة إيضاح ذلك نقـول لألب‪ :‬إن أعطيت ابنك سـكّينا ليربي‬
‫اسـتعامله يف نجـر الخشـب‪ ،‬أو نحـت‬ ‫ُ‬ ‫قلمـه‪ ،‬فلـم يحتفـظ بـه أو أسـاء‬ ‫ُ‬ ‫بـه‬
‫دعه يـذوق مرارة‬ ‫غريه‪ ،‬بـل ُ‬ ‫ُ‬ ‫ضـه‬
‫تعو ُ‬ ‫حـد ُه‪ ،‬فال تسرع بأن ّ‬ ‫الحجـر حتـى تثلَّـم ّ‬
‫له عىل قلّـة اعتنائه‪ ،‬وناشـئ‪ ،‬بالطبع‪،‬‬ ‫مـدةً؛ ليشـعر بأن ذلـك قصاص ُ‬ ‫فقـده ّ‬
‫ِّينه‪ ،‬بعـد ذلك‪ ،‬كان‬ ‫عوضـت عليه سـك ُ‬ ‫عـن خطيئتـه ومجانـس لهـا‪ ،‬حتـى إذا َّ‬
‫العـرام حتـى لطَّ ـخ‬ ‫أكثر احتفاظـ ًا بـه وحرصـ ًا عليـه‪ .‬وكذلـك إن متـادى يف ُ‬
‫ِ‬
‫فعله‪،‬‬ ‫فبصه سـوء‬ ‫احرتاسـه عليهـا ِّ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ثيابـه بالوحـل أو القـذر‪ ،‬أو م َّزقهـا لقلّـة‬ ‫ُ‬
‫فدعه يلبسـها‬ ‫ْ‬ ‫وإل‬
‫ّ‬ ‫ً‪،‬‬
‫ا‬ ‫ممكن‬ ‫ذلك‬ ‫كان‬ ‫إن‬ ‫‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بنفسـه‬ ‫يرفأها‬ ‫أو‬ ‫فها‬ ‫ينظِّ‬ ‫أن‬ ‫ِّفه‬
‫ثم ك ُ‬
‫ل‬
‫نفسـه منها‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ويتعي هو‬ ‫َّ‬ ‫ويـزدروه ألجلها‪،‬‬
‫ُ‬ ‫أترابه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫م ّتسـخةً أو مم َّزقـة ليهزأ بـه‬
‫فذلـك‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬قصـاص لـه ُمشـا ِكل لخطيئتـه‪ ،‬وناشـئ‪ -‬بالطبع‪ -‬عنهـا‪ .‬ولكن‬
‫لـه‪ ،‬مل يكن‬ ‫إن رضبتـه مـن أجلهـا فأوجعتـه‪ ،‬ثـم أرسعـت بشراء ثياب جـدد ُ‬
‫القصـاص مـن جنـس الخطيئـة‪ ،‬وال ناشـئاً‪ ،‬بالطبـع‪ ،‬عنهـا؛ فلذلـك ال يفهـم‬
‫ـب أنه ركـن أو أدرك‬ ‫وه ْ‬ ‫بينـه وبينهـا مـن العالقـة‪َ .‬‬ ‫ُ‬ ‫معنـاه‪ ،‬وال يـكاد يـدرك مـا‬ ‫ُ‬
‫ينسـاه وشـيكاً‪ ،‬ثـم يعـاود الذنـب‪ ،‬بخلاف مـا لـو كان‬ ‫ُ‬ ‫فإنـه‬ ‫ذلـك‬ ‫مـن‬ ‫شـيئ ًا‬
‫وبابـه مـن يـد الطبيعـة العميـاء فإنـه‬ ‫ُ‬ ‫القصـاص طبيعيـ ًا ناشـئ ًا عـن الذنـب‪،‬‬
‫لـه‪ ،‬بعـد‬ ‫عنـه حتـى إذا اشتريت ُ‬ ‫ـم مبقارفـة الذنـب‪ ،‬فريتـدع ُ‬ ‫ذكـره كلَّما َه ّ‬ ‫ُ‬ ‫َي‬

‫‪69‬‬
‫أنـه لطَّ خهـا أو م َّزقهـا‬
‫ـب ُ‬ ‫وجدتـه أكثر احرتاسـ ًا عليهـا‪َ .‬‬
‫وه ْ‬ ‫ُ‬ ‫ذلـك‪ ،‬ثيابـ ًا جـدد ًا‬
‫عينه مـن الطبيعـة‪ ،‬كام قلنـا‪ ،‬وكنت أنت‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫تجـدد عليـه ذلـك القصـاص‬ ‫َّ‬ ‫ثانيـةً ‪،‬‬
‫عنده‬
‫ُ‬ ‫مبعـزل عـن أن ينسـبك إىل القسـاوة أو يحقد عليك أو يحنـق‪ ،‬بل بقيت‬
‫ره سـوء العواقـب ال عـدو ًا بغيضـ ًا متحك ً‬
‫ِّما‬ ‫أبـ ًا شـفيق ًا وصديقـ ًا نصيحـ ًا يحـذّ ُ‬
‫له‪.‬‬
‫ويقب ُ‬
‫ّ‬ ‫ّلـه‬
‫ويوجعـه‪ ،‬بعـد أن كان يدل ُ‬ ‫ُ‬ ‫يرضبـه‬
‫عنـه مـن الخطايـا اليسيرة والهنـات‬ ‫ُ‬ ‫العـرام ومـا يصـدر‬ ‫هـذا يف أمـر ُ‬
‫حـد الغلظـة أو ارتكـب‬ ‫رتهـات الزهيـدة‪ ،‬فـإن تجـاوز الولـد ذلـك إىل ّ‬ ‫وال ّ‬
‫حـد طبيعـي مـن جنسـها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫خطيئـة ال ُيسـتطاع أن ُيقـام عليـه‪ ،‬مـن أجلهـا‪ّ ،‬‬
‫الحـد عليـه يحـاىك فيهـا فعـل الطبيعـة‪ ،‬على‬ ‫ّ‬ ‫َـم ذرائـع أخـرى إلقامـة‬ ‫فث َّ‬
‫ـه‪ ،‬وأن‬
‫قصاص ُ‬
‫َ‬ ‫غلطتـه هـي التـي أوجبـت‬
‫ُ‬ ‫قـدر اإلمـكان‪ ،‬ويزكـن منهـا أن‬
‫يـده على‬
‫ُ‬ ‫لسـانه أو رفـع‬
‫ُ‬ ‫هـذا القصـاص عاقبـة تلـك الغلطـة‪ .‬إن أطـال‬
‫ويسـتغفره‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ئـه‪ ،‬ولـو بالقهـر‪ ،‬أن يعتـذر إىل مـن أخطـأ يف ح ّق ِ‬
‫ـه‬ ‫أحـد فأل ِْج ُ‬‫ٍ‬
‫يـراه مـن‬
‫ُ‬ ‫فعلتـه تلـك هـي التـي جنـت عليـه مـا‬ ‫ُ‬ ‫مـد ًة ليزكـن أن‬
‫باعـده ّ‬
‫ُ‬ ‫ثـم‬
‫َّ‬
‫يحبـك كما ينبغـي‪ ،‬لتيقُّنـه‪ ،‬يف غير‬ ‫فانـه إن كان ّ‬ ‫ُ‬ ‫امتعاضـك وسـخطك‪،‬‬
‫تحب ُه وتنصـح له‪ ،‬وتحذّ ره سـوء العواقـب‪ ،‬وتدفع‬ ‫ذلـك مـن األحـوال‪ ،‬أنـك ّ‬
‫ِ‬
‫ـاه وموجدتـك عليـه‪ ،‬يف هـذه الحـال‪،‬‬ ‫إي ُ‬
‫عنـه املوبقـات‪ ،‬كانـت مباعدتـك ّ‬ ‫ُ‬
‫عليـه‪ ،‬وأنجـع فيـه مـن تأديبـك ّايـاه بالضرب‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أشـد مضضـ ًا‬ ‫َّ‬
‫فـإن ارتكـب خطايـا أعظـم مـن هـذه‪ ،‬وترقّـى‪ ،‬مثلاً ‪ ،‬إىل اقتراف ذنـب‬
‫رد الرسقـة أو‬ ‫ألجئـه إىل ّ‬
‫ُ‬ ‫أوالً‪ ،‬بالعقـاب الطبيعـي؛ أي‬ ‫ـه‪َّ ،‬‬ ‫فعاقب ُ‬
‫ْ‬ ‫الرسقـة‬
‫لـه مـال‪ ،‬أو كنـت تعطيـه فلوسـاً‪ ،‬مـن وقـت‬ ‫تعويضهـا مـن مالـه‪ ،‬إن كان ُ‬
‫ليدخرهـا‪ ،‬كما جـرت عـادة بعـض اآلبـاء‪ ،‬ثـم أقـم عليـه‪ ،‬ثانيـاً‪،‬‬ ‫إىل وقـت‪ّ ،‬‬
‫مـد ًة ما‪،‬‬
‫وباعـده أو احبسـه يف حجرته ّ‬‫ُ‬ ‫ِّبـه‪،‬‬
‫الحـد االصطناعـي‪ ،‬أي عـ ِّزره وأن ُ‬ ‫ّ‬
‫ترضبـه رضب ًا‬
‫ُ‬ ‫ال‬ ‫ولكـن‬ ‫ً‪،‬‬
‫ا‬ ‫أيضـ‬ ‫بالضرب‪،‬‬ ‫التأديـب‬ ‫فـزده‬
‫ُ‬ ‫الجرميـة‬ ‫عـاود‬ ‫فـإن‬
‫مربحـاً مـن غير رضورة‪ ،‬بـل اجعـل القصـاص على مقـدار ذنبـه‪ ،‬ال على‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫هلكته أو‬ ‫مقـدار سـخطك‪ .‬فـإن ارتكب خطايـا ُيخىش أن تفيض عواقبهـا إىل‬
‫هم‬ ‫بجسـمه‪ ،‬أي أن ل َِعـب بالسلاح‪ ،‬أو حـاول القفـز من شـاهقٍ ‪ ،‬أو َّ‬ ‫ِ‬ ‫اإلرضار‬
‫تصـدى لغير ذلـك مـن األفعـال التـي عاقبتهـا (أعنـي‬ ‫َّ‬ ‫سـام أو‬
‫ٍّ‬ ‫بتنـاول يشء‬

‫‪70‬‬
‫عقوبـة الطبيعـة عليهـا) ذات خط ٍر على حياته‪ ،‬فحذّ ره سـوء العقبى منها‪،‬‬
‫تعين عليك‪ ،‬حينئـذ‪ ،‬أن تك ّف ُه‬ ‫بالكـف عنهـا‪ ،‬فإن مل َي ْر َعـوِ‪ ،‬ومل ِ‬
‫ينته‪َ َّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ـر ُه‬
‫وم ْ‬
‫ُ‬
‫بالقـوة املجربة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫عنهـا‬
‫أول هـذا الفصل‪ ،‬أن‬
‫أمـا الشـوائب والعيـوب الطبيعية‪ ،‬فقـد ذكرنا‪ ،‬يف َّ‬ ‫ّ‬
‫طريقـة إصالحهـا حمـل الولد‪ ،‬بالرفـق واملالينة‪ ،‬عىل اإلقلاع عنها مبالزمة‬
‫تضادها‪ ،‬فال حاجـة إىل اإلعادة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫املناقـب التـي‬
‫املتقدمـة تدلّك عىل الطريقة التي يجب عليك أن تحتذيها‬ ‫ّ‬ ‫وكلّ االمثلـة‬
‫يف تقويـم سيرة األوالد‪ ،‬وتدميـث أخالقهـم‪ ،‬ومعاقبتهـم على الخطـأ‪،‬‬
‫ـس عليهـا نظائرها‪ ،‬ولكن‬ ‫وحملهـم على اإلقلاع عن العـادات الذميمة‪ ،‬ف ِق ْ‬
‫فعـاالً‪ ،‬ال يكـذب يف حـال مـن األحـوال‪.‬‬ ‫ال تسـتنتج أن يف ذلـك عالجـاً ّ‬
‫فلعمـري‪ ،‬إن بعـض الخلال املسـتهجنة قـد تكـون موروثـة مـن اآلبـاء بـل‬
‫مـن الجـدود فيتعـذَّ ر إصالحهـا حتى ال نقـول (يسـتحيل)‪ ،‬وبعضها‪ -‬وإن مل‬
‫تكـن موروثـة‪ -‬قـد يحـول‪ ،‬دون إصالحهـا‪ ،‬حائـل طبيعـي مـن بنيـة الولـد أو‬
‫مـن مزاجـه‪ .‬وكثير ًا مـا نشـاهد أوالداً‪ ،‬تتسـاوى رشوط تربيتهـم‪ ،‬وتتفاوت‪-‬‬
‫املـرب‪ ،‬يف هذا‬
‫ّ‬ ‫يسـتطيعه‬
‫ُ‬ ‫وقصـارى ما‬
‫َ‬ ‫مـع ذلـك‪ -‬أخالقهـم؛ لتلـك العلّة‪.‬‬
‫يقـوي مـا ُر ِكـز يف جبلّـة الولـد مـن جراثيم الصلاح‪ ،‬بقدر‬
‫املوطـن‪ ،‬هـو أن ّ‬
‫الطاقـة‪ ،‬لعلَّهـا تتغلَّـب على مـا فيـه مـن جراثيـم الطالح‪.‬‬
‫إنـه مـن املحـال أن نرتقَّـب أن يكـون الولـد اليافـع أو ابـن العرشيـن‬ ‫ثـم ُ‬
‫ـب أن ذلـك ممكن فال‬ ‫وه ْ‬ ‫ِ‬
‫وخلقـه‪ ،‬كالكهـل أو ابـن السـ ّتني‪َ .‬‬ ‫ِ‬
‫كاملاً يف َخلقـه ُ‬
‫تيسر؛ ألن الولد الـذي يبلغ من درجة الكمال ما يبلغه‬ ‫تتم َّن ُـه‪ ،‬بـل اقنـع مبا َّ‬
‫قامتـه قبل الوقـت‪ ،‬فإنه كثري ًا‬
‫ُ‬ ‫تشـب‬
‫َّ‬ ‫الكهـل املح ّنـك هـو مبنزلة الولد الذي‬
‫محتضراً‪ ،‬وإن عـاش عـاش سـقيامً‪ .‬وكذلـك الولـد الـذي يسرع‬ ‫َ‬ ‫مـا ميـوت‬
‫ِ‬
‫فإنـه ُيفـرِغ مـا يف وطابه وهـو َح َد ٌث‪ ،‬ثـم يقف‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نضـج ذهنـه‪ ،‬قبـل إبانـه‪،‬‬
‫أحـد مـن‬
‫ٌ‬ ‫حـد الكمال املطلَـق‬
‫تـرج أن يبلـغ َّ‬
‫ُ‬ ‫وبعـد هـذا وذاك‪ ،‬فلا‬
‫النـاس‪ ،‬ألن ذلـك غير ممكـن يف ّأيامنـا هـذه‪.‬‬

‫رمـت الشطَ ْط‬


‫َ‬ ‫ت َّ‬
‫مهذبـ ًا‪،‬‬ ‫َ‬ ‫واعـــلـ ــم بـأ ّنـ ــك إن أرد‬

‫‪71‬‬
‫خامتة‬

‫متضـادات‪ ،‬ال تفتر عن‬


‫ّ‬ ‫قـال أحـد الفالسـفة‪ :‬إن فطـرة الولـد مركّ بـة مـن‬
‫نفسـه وجسـد ِه‪ ،‬وان شـئت قلـت بين مـا فيه مـن صفات‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫معترك بين‬ ‫إثـارة‬
‫امللـك وصفـات الحيـوان‪ ،‬أو الطبائـع السماوية والطبائـع األرضيـة‪ ،‬وإن‬
‫جهتيـه هاتين ال تـزال راجحـة‪ ،‬تـارةً‪ ،‬ومرجوحـة أخـرى‪ ،‬حتـى إذا‬ ‫ِ‬ ‫احـدى‬
‫وإما يف‬
‫إما يف الصلاح ّ‬‫بين ًا رسـخ هـو؛ ّ‬
‫تغلَّبـت إحداهما على األخـرى تغلُّب ًا ِّ‬
‫ِ‬
‫أفعاله‪ ،‬بعـد ذلك‪ ،‬على الركن الذي‬ ‫الطلاح‪ ،‬رسـوخ ًا نهائيـاً‪ ،‬وانبنـت سـائر‬
‫عليـه‪ .‬وان غايـة الرتبية أن تظاهـر جهة الصالح حتى يكـون لها الغلب‬ ‫ِ‬ ‫رسـخ‬
‫على جهـة الطالح‪.‬‬
‫أول‬
‫وقـال آخـر‪ :‬إن غرائـز الولـد الحيوانيـة هـي التـي تسـتويل عليـه‪ ،‬يف َّ‬
‫حواسـه‪ ،‬بحيـث‬
‫ّ‬ ‫وتصـد ُه عـن أن يشـعر بشيء غير مـا يقـع تحـت‬ ‫ّ‬ ‫األمـر‪،‬‬
‫خواطـره اآلخـدة يف‬
‫ُ‬ ‫املاد ّيـة‪ ،‬وفيهـا تجـول‬
‫ّ‬ ‫ال يـدرك سـوى املحسوسـات‬

‫‪73‬‬
‫له‬‫النشـوء بحثـ ًا واسـتقصاء‪ ،‬حتـى ال يرى يف غريها علّة وال معلـوالً‪ ،‬وتكون ُ‬
‫هـي غايـة املنـى ومنتهى السـؤل‪ .‬ولكـن‪ ،‬إذا أعانتـه الرتبية فانبلـج له صبح‬
‫ِ‬
‫نفسـه بعـد أن كانت‬ ‫عنـه غياهب الجهل‪ ،‬واسـتنارت قوى‬ ‫العقـل‪ ،‬ومت َّزقـت ُ‬
‫له‬ ‫وتـأت ُ‬
‫ّ‬ ‫املـادة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ـة‪ ،‬انعكـس األمـر فنشـط هـو مـن عقـال‬ ‫مدلهم ٍ‬
‫ّ‬ ‫يف ظلمـة‬
‫ِ‬
‫أن يـدرك املعقـوالت‪ ،‬وأصبـح يفهـم معنـى وجـوده يف عـامل اإلنسـانية‪،‬‬
‫بـه‪ ،‬ال بسـواه‪ ،‬قـوام هـذا الوجود‪،‬‬‫لـه‪ ،‬قبيـل ذلـك‪ ،‬أن ِ‬
‫يخيـل ُ‬‫بـل إن مـا كان َّ‬
‫أنـه مل يكـن‪ ،‬باإلضافـة إىل‬
‫مـه‪ ،‬وتيقَّـن ُ‬
‫يتوه ُ‬
‫رآه‪ ،‬بنظـر العقـل‪ ،‬غير مـا كان َّ‬
‫وأنـه هـو نفسـه كان منخدعـ ًا‬
‫ُ‬ ‫اللـب‪،‬‬
‫الحقيقـة‪ّ ،‬إل كالقشر ‪ ،‬باإلضافـة إىل ّ‬
‫بحلـم باطـل أو خيـال زائـل ‪.‬‬
‫أخالقه الخسيسـة على الرشيفة‪،‬‬‫ُ‬ ‫وقـال ثالـث‪ :‬إن اإلنسـان الذي تتغلَّب‬
‫يكـون منحطّ ـ ًا يف درجـة اإلنسـانية‪ ،‬وإن الـذي يسـتويل عليه الهـوى ال يبقى‬
‫تسترقه الشـهوات ُيحجـب عن نفسـه نـور العقل حتى‬ ‫ُ‬ ‫ـدى‪ ،‬وإن الـذي‬‫لـه ُه ً‬
‫ُ‬
‫بزغ العقل‬ ‫تنغمـس يف الظلام‪ ،‬فإذا زحزحـت الربية ذاك الحجـاب الكثيف َ‬
‫نفسـه كام تبزغ الشـمس على الدنيا مـن وراء الغامم‪ ،‬وتنري سـاكنيها‬ ‫ِ‬ ‫على‬
‫وجهـه‪ ،‬وتلاىش الهـوى كما‬‫ُ‬ ‫عنـه‬
‫يحـول ُ‬
‫ّ‬ ‫عمـن‬
‫بنـور ال يخبـو‪ ،‬وال ينقطـع ّإل َّ‬
‫عر ُف‬
‫يتلاىش الشـهاب الـذي يسـطع يف الليـل طرفـةَ عين‪ ،‬ثـم يغيـب فلا ُي َ‬
‫لـه حركـة مطّ ـردة‪ ،‬وال لسير ِه‬
‫ـدرى ُ‬
‫مـن أيـن أىت‪ ،‬وال إىل أيـن مضى‪ ،‬وال ُي َ‬
‫ا ِّتجـاه معلوم‪.‬‬
‫ِ‬
‫عقلـه‪ ،‬ومن‬ ‫هـواه عىل‬
‫ُ‬ ‫الرتبيـة مـن تغلُّب‬
‫ُ‬ ‫وقالـوا جميعـاً‪ :‬إن الـذي تقيـه‬
‫لـه أن يقمـع‬‫صفاتـه الحيوانيـة على صفاتـه اإلنسـانية‪ ،‬يتسـ َّنى ُ‬ ‫ِ‬ ‫رجحـان‬
‫يعدلهـا بحيـث ال يبقـى معهـا عبـد ًا للخـوف الـكاذب‪ ،‬وال‬ ‫ِ‬
‫شـهواته كافّـة‪ ،‬أو ّ‬
‫الحسـاد‪ ،‬وال يفجعـه الحـزن‪ ،‬وال‬ ‫ّ‬ ‫ميضـه حسـد‬‫زبونـ ًا لألمـل الخائـب‪ ،‬وال ّ‬
‫يسـتطريه الفـرح‪ ،‬بـل يسير ‪-‬بسـكينة‪ -‬يف سـبيل العمـر‪ ،‬وهـو غير مبـالٍ‬ ‫ُ‬
‫بالوجـدان‪ ،‬وال مكترث بالحرمـان‪ ،‬كما تسير الشـمس يف مدارهـا‪ ،‬ال تبايل‬
‫بالريـح عصفـت أم ركـدت‪ ،‬وال تعبـأ بالغيـوم تراكمـت أم انقشـعت‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫الفهرس‬

‫‪5‬‬ ‫مقـدمة ‪......................................................‬‬


‫ِّ‬

‫‪9‬‬ ‫األول) يف غاية الرتية ‪...............................‬‬


‫(املطلب َّ‬

‫‪17‬‬ ‫املربني ‪..................................‬‬


‫ّ‬ ‫(املطلب الثاين) يف‬
‫األبويْن‪ -‬فصل يف املعلِّم)‬
‫َ‬ ‫(فصلٌ يف‬
‫‪27‬‬ ‫(املطلب الثالث) يف تربية البدن ‪..............................‬‬
‫(فصل يف الغذاء‪ -‬فصل يف الكسوة‪ -‬فصل يف السكنى‪ -‬فصل يف الرياضة)‬
‫‪39‬‬ ‫(املطلب الرابع) يف الرتبية الذهنية ‪..........................‬‬

‫‪45‬‬ ‫(املطلب الخامس) يف ابتداء تنوير الذهن ‪....................‬‬

‫‪51‬‬ ‫ِ‬
‫والح َرف ‪...‬‬ ‫(املطلب السادس) يف الرتبية‪ ،‬باعتبار الصناعات‬

‫‪55‬‬ ‫(املطلب السابع) يف طريقة ابتداء التعليم ‪...................‬‬

‫‪59‬‬ ‫(املطلب الثامن) يف تقويم سرية الولد وتهذيب أخالقه ‪.......‬‬

‫‪65‬‬ ‫(املطلب التاسع) يف شوائب األوالد‪ ،‬وعيوبهم‪ ،‬وطريقة إصالحهم‪،‬‬


‫وعقابهم عليها ‪................................................‬‬
‫‪73‬‬ ‫خامتة ‪.......................................................‬‬
‫صدر يف سلسلة‬

‫‪2011‬‬
‫عبد الرحمن الكواكبي‬ ‫طبائع االستبداد‬ ‫‪1‬‬
‫غسان كنفاين‬ ‫برقوق نيسان‬ ‫‪2‬‬
‫سليامن فياض‬ ‫األمئة األربعة‬ ‫‪3‬‬
‫عمر فاخوري‬ ‫الفصول األربعة‬ ‫‪4‬‬
‫عيل عبدالرازق‬ ‫اإلسالم وأصول الحكم ‪ -‬بحث يف الخالفة والحكومة يف اإلسالم‬ ‫‪5‬‬
‫نبي‬
‫مالك بن ّ‬ ‫رشوط النهضة‬ ‫‪6‬‬
‫محمد بغدادي‬ ‫صالح جاهني ‪ -‬أمري شعراء العامية‬ ‫‪7‬‬
‫‪2012‬‬
‫أبو القاسم الشايب‬ ‫نداء الحياة ‪ -‬مختارات شعرية ‪ -‬الخيال الشعري عند العرب‬ ‫‪8‬‬
‫سالمة موىس‬ ‫حرية الفكر وأبطالها يف التاريخ‬
‫ّ‬ ‫‪9‬‬
‫ميخائيل نعيمة‬ ‫الغربال‬ ‫‪10‬‬
‫الشيخ محمد عبده‬ ‫واملدنية‬
‫ّ‬ ‫اإلسالم بني العلم‬ ‫‪11‬‬
‫بدر شاكر السياب‬ ‫أصوات الشاعر املرتجم ‪ -‬مختارات من قصائده وترجامته‬ ‫‪12‬‬
‫الطاهر حداد‬ ‫امرأتنا يف الرشيعة واملجتمع‬ ‫‪13‬‬
‫طه حسني‬ ‫الشيخان‬ ‫‪14‬‬
‫محمود درويش‬ ‫ورد أكرث ‪ -‬مختارات شعرية ونرثية‬ ‫‪15‬‬
‫توفيق الحكيم‬ ‫يوميات نائب يف األرياف‬ ‫‪16‬‬
‫عباس محمود العقاد‬ ‫عبقرية عمر‬ ‫‪17‬‬
‫عباس محمود العقاد‬ ‫الصديق‬
‫ّ‬ ‫عبقرية‬ ‫‪18‬‬
‫عيل أحمد الجرجاوي‪/‬صربي حافظ‬ ‫رحلتان إىل اليابان‬ ‫‪19‬‬
‫‪2013‬‬
‫ميخائيل الصقال‬ ‫لطائف السمر يف سكان ال ُّزهرة والقمر أو (الغاية يف البداءة والنهاية)‬ ‫‪20‬‬
‫محمد حسني هيكل‬ ‫ثورة األدب‬ ‫‪21‬‬
‫ريجيس دوبريه‬ ‫يف مديح الحدود‬ ‫‪22‬‬
‫اإلمام محمد عبده‬ ‫السياسية‬
‫ّ‬ ‫الكتابات‬ ‫‪23‬‬
‫عبد الكبري الخطيبي‬ ‫نحو فكر مغاير‬ ‫‪24‬‬
‫روحي الخالدي‬ ‫تاريخ علم األدب‬ ‫‪25‬‬
‫عباس محمود العقاد‬ ‫عبقرية خالد‬ ‫‪26‬‬
‫خمسون قصيدة من الشعر العاملي‬ ‫أصوات الضمري‬ ‫‪27‬‬
‫يحيى حقي‬ ‫مرايا يحيى حقي‬ ‫‪28‬‬
‫عباس محمود العقاد‬ ‫عبقرية محمد‬ ‫‪29‬‬
‫حوار أجراه محمد الداهي‬ ‫عبدالله العروي من التاريخ إىل الحب‬ ‫‪30‬‬
‫مجموعة مؤلفني‬ ‫العربية‬
‫ّ‬ ‫فتاوى كبار الك ّتاب واألدباء يف مستقبل اللّغة‬ ‫‪31‬‬
‫‪2014‬‬
‫ترجمة‪ :‬رشف الدين شكري‬ ‫عام جديد بلون الكرز (مختارات من أشعار ونصوص مالك حداد)‬ ‫‪32‬‬
‫خالد النجار‬ ‫عامليني)‬
‫ّ‬ ‫ِساج ُّ‬
‫الرعاة (حوارات مع كُ تاب‬ ‫‪33‬‬
‫ترجمة‪ :‬مصطفى صفوان‬ ‫مقالة يف العبودية املختارة (إيتيان دي البويسيه)‬ ‫‪34‬‬
‫بنسامل ِح ّميش‬ ‫سريت ابن بطوطة وابن خلدون‬
‫َ‬ ‫عن‬ ‫‪35‬‬
‫ابن طفيل‬ ‫حي بن يقظان ‪ -‬تحقيق‪ :‬أحمد أمني‬ ‫‪36‬‬
‫ميشيل سار‬ ‫اإلصبع الصغرية ‪ -‬ترجمة‪ :‬د‪.‬عبدالرحمن بوعيل‬ ‫‪37‬‬
‫محمد إقبال‬ ‫محمد إقبال ‪ -‬مختارات شعرية‬ ‫‪38‬‬
‫ترجمة‪ :‬محمد الجرطي‬ ‫(تأمالت يف الحضارة‪ ،‬والدميوقراطية‪ ،‬والغريية)‬
‫تزفيتان تودوروف ُّ‬ ‫‪39‬‬
‫أحمد رضا حوحو‬ ‫مناذج برشية‬ ‫‪40‬‬
‫زيك نجيب محمود‬ ‫الرشق الف ّنان‬ ‫‪41‬‬
‫ترجمة‪ :‬يارس شعبان‬ ‫تشيخوف ‪ -‬رسائل إىل العائلة‬ ‫‪42‬‬
‫مختارات شعرية‬ ‫إلياس أبو شبكة «العصفور الصغري»‬ ‫‪43‬‬
‫‪2015‬‬
‫األمري شكيب أرسالن‬ ‫ملاذا تأخر املسلمون؟ وملاذا تقدم غريهم؟‬ ‫‪44‬‬
‫عيل املك‬ ‫مختارات من األدب السوداين‬ ‫‪45‬‬
‫جرجي زيدان‬
‫ُ‬ ‫رحلة إىل أوروبا‬ ‫‪46‬‬
‫عبدالدين حمروش‬ ‫عباد يف سنواته األخرية باألرس‬
‫بن َّ‬
‫ُعتمد ُ‬
‫ُ‬ ‫امل‬ ‫‪47‬‬
‫سالمة موىس‬ ‫تاريخ الفنون وأشهر الصور‬ ‫‪48‬‬
‫إيدوي بلينيل ‪ -‬ترجمة‪ :‬عبداللطيف القريش‬ ‫من أجل املسلمني‬ ‫‪49‬‬
‫يوسف ذَ نّون‬ ‫زِينة املعنى (الكتابة‪ ،‬الخط‪ ،‬الزخرفة)‬ ‫‪50‬‬
‫أحمد فارس الشدياق‬ ‫الواسطة يف معرفة أحوال مالطة‬ ‫‪51‬‬
‫ُمحسن املوسوي‬ ‫النخبة الفكرية واالنشقاق‬ ‫‪52‬‬
‫إيزابيل إيربهاردت‬ ‫ياسمينة وقصص أخرى‬ ‫‪53‬‬
‫ترجمة وتقديم‪ :‬بوداود عمري‬ ‫آباي (كتاب األقوال)‬ ‫‪54‬‬
‫ترجمة‪ :‬عبدالسالم الغرياين‬ ‫مأساة واق الواق‬ ‫‪55‬‬
‫‪2016‬‬
‫مي زيادة‬ ‫والفن والحضارة)‬
‫ّ‬ ‫واملد (صفحات يف اللّغة واآلداب‬
‫ّ‬ ‫بني الج ْزر‬ ‫‪56‬‬
‫(حوارات ونصوص من أرشيف «الدوحة»)‬ ‫ظلّ الذّ اكرة‬ ‫‪57‬‬
‫تعريب‪ :‬عبد الكريم أبو علو ‪ -‬تحقيق‪ :‬رشيد العفاقي‬ ‫املرصية‬
‫ّ‬ ‫أليكيس شوتان‪ ..‬الرحلة الف ّنية إىل الديار‬ ‫‪58‬‬
‫إسامعيل مظهر‬ ‫قيرص وكليوبرتا‬ ‫‪59‬‬
‫زيك محمود حسن‬ ‫الصني وفنون اإلسالم‬ ‫‪60‬‬
‫ترجمة‪ :‬مي عاشور‬ ‫(مختارات ِش ْع ّ‬
‫رية للكاتب الصيني وانغ جو جن)‬ ‫براعم األمل ُ‬
‫ُ‬ ‫‪61‬‬
‫محمد العرويس املطوي‬ ‫ال ّتوت امل ُّر‬ ‫‪62‬‬
‫غونار إيكليوف‬ ‫درب الغريب‬ ‫‪63‬‬
‫أحمد حافظ بك‬ ‫من والد إىل ولده‬ ‫‪64‬‬
‫بول ُبورجيه‬ ‫التلــــميذ‬ ‫‪65‬‬
‫تقديم وترجمة‪ :‬طه باقر‬ ‫ِ‬
‫جلجامش‬ ‫ملحمة‬
‫َ‬ ‫‪66‬‬
‫الشيخ مصطفى الغالييني‬ ‫أريج ال ّزهر‬
‫ُ‬ ‫‪67‬‬
‫‪2017‬‬
‫محمد فريد سيالة‬
‫ّ‬ ‫اعرتافات إنسان‬ ‫‪68‬‬
‫الطيب صالح‬ ‫مريود‬ ‫‪69‬‬
‫عبدالله كنون‬ ‫املقاالت الصحفية‬ ‫‪70‬‬
‫نجيب محفوظ‬ ‫قصص قصرية‬ ‫‪71‬‬
‫إبراهيم الخطيب‬ ‫بول بولز ‪ -‬يوميات طنجة‬ ‫‪72‬‬
‫سالمة موىس‬ ‫الحياة‬ ‫فن َ‬ ‫ّ‬ ‫‪73‬‬
‫خري الدين التونيس‬ ‫ك ِف َم ْع ِر َف ِة َأ ْح َوالِ ال َْم َم ِل ِ‬
‫ك‬ ‫َأق َْو ُم ال َْم َسا ِل ِ‬ ‫‪74‬‬
‫أحمد أمني‬ ‫َ‬
‫األخلق‬ ‫كتاب‬ ‫‪75‬‬
‫فدوى طوقان‬ ‫ر ِْح َلةٌ َج َب ِل َّيةٌ ر ِْح َلةٌ َص ْع َبة‬ ‫‪76‬‬
‫مجموعة من الكتاب‬ ‫ريةُ ِف قَطَ ر)‬ ‫صةُ ا ْلق ِ‬
‫َص َ‬ ‫ارات ِمن َا ْل ِق َّ‬
‫(مخ َت َ‬ ‫ِق ْ‬
‫ـطاف ُ‬ ‫‪77‬‬
‫الرحلة الجوية يف املركبة الهوائية (من رشقي إفريقية إىل غربيها) ج‪ 1 :‬جول غابرييل فرين‪ ،‬ترجمة‪ :‬يوسف اليان رسكيس‬ ‫‪78‬‬
‫جول غابرييل فرين‪ ،‬ترجمة‪ :‬يوسف اليان رسكيس‬ ‫الرحلة الجوية يف املركبة الهوائية‪ .‬ج‪2 :‬‬ ‫‪79‬‬
‫‪2018‬‬
‫إسحق موىس الحسيني‬ ‫مذكرات دجاجة‬ ‫‪80‬‬
‫نورمان ج‪ .‬فينكلستاين‪ -‬ترجمة‪ :‬أحمد زراقي‬ ‫ماذا يقول غاندي عن الالعنف واملقاومة والشجاعة؟‬ ‫‪81‬‬
‫نزار شقرون‬ ‫نشأة اللوحة املسندية يف الوطن العريب‬ ‫‪82‬‬
‫إس‪ .‬إس‪ .‬بيو ‪ -‬ترجمة‪ :‬يعقوب رصوف ‪ -‬فارس منر‬ ‫والعظَ َم ِء الق َُدماء‬
‫ُ‬ ‫ِمن ِس َي ا َ‬
‫ألبْطَ ال‬ ‫‪83‬‬
‫إغناطيوس كراتشكوفسيك‬ ‫العريب‬
‫ّ‬ ‫مقاالت ِف األدب‬ ‫ٌ‬ ‫‪84‬‬
‫صوف‬
‫صموئيل ساميلز ‪ -‬ترجمة‪َ :‬يعقُوب َ ُّ‬ ‫س ال َّن َج ِ‬
‫اح‬ ‫ِ ُّ‬ ‫‪85‬‬
‫ُم َعاو َِية ُم َح َّمد نُور‬ ‫ِم ْن آ َثا ِر ُم َعاو َِية ُم َح َّمد نُور‬ ‫‪86‬‬
‫أحمد الهاشمي‬ ‫الع ْ ِ‬
‫ص َّية‬ ‫ات َ‬ ‫اء املُكَ ات ََب ِ‬
‫ِنش ُ‬
‫إ َ‬ ‫‪87‬‬
‫ترجمة‪ :‬عبدالرحمن الخمييس وآخرين‬ ‫السوفْيي ِّتي‬
‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫ر‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫الش‬
‫ِّ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫ارات‬
‫ٌ‬ ‫ت‬
‫َ‬ ‫خ‬‫ْ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫‪-‬‬ ‫أكتوبر‬ ‫أجراس‬ ‫‪88‬‬
‫اختارها وترجمها‪ :‬جربا إبراهيم جربا‬ ‫حكايات من الفونتني‬ ‫‪89‬‬
‫ألبريطو مانْغيل ‪ -‬ترجمة ‪ :‬إبراهيم الخطيب‬ ‫مع بورخيس‬ ‫‪90‬‬
‫لوسيان جولدمان‪ ،‬ناتايل ساروت‪ ،‬آالن روب‬ ‫الرواية الجديدة والواقع‬ ‫‪91‬‬
‫غرييه‪ ،‬جينفياف مويلو‪ .‬ترجمة‪ :‬رشيد بنحدو‬
‫‪2019‬‬

‫إميل الوست ‪ -‬ترجمة‪ :‬إدريس امللياين‬ ‫أمازيغية)‬


‫َّ‬ ‫شعبية‬
‫َّ‬ ‫(حكايات‬
‫ٌ‬ ‫غزالن الليل‬ ‫‪92‬‬
‫املؤلف‪ :‬جورج النغالن ‪ -‬ترجمة‪ :‬خليفة ه ّزاع‬ ‫الذُّ َب َ‬
‫ابةُ‬ ‫‪93‬‬
‫عبد اللطيف الوراري‬ ‫ترجمة النفس (السرية الذاتية عند العرب)‬ ‫‪94‬‬
‫أحمد الصفريوي ‪ -‬ترجمة‪ :‬رشيد مرون‬ ‫صندوق العجائب‬ ‫‪95‬‬
‫كارلوين وفيلو ‪ -‬ترجمة‪ :‬كيتي سامل‬ ‫النقد األديب‬ ‫‪96‬‬
‫ترجمة‪ :‬خالد الريسوين‬ ‫شعرية)‬
‫ّ‬ ‫خوان مانويل روكا‪َ ..‬صا ِن ُع امل ََر َايا (مختارات‬ ‫‪97‬‬
‫ميشيل بوتور‪-‬ترجمة‪ :‬فريد أنطونيوس‬ ‫الجديدة‬
‫الر َواية َ‬
‫بحوث يف ّ‬ ‫‪98‬‬
‫حسن املودن‬ ‫األدب والتحليل النفيس‬ ‫‪99‬‬
‫تقديم‪ :‬خالد بلقاسم‬ ‫‪ 100‬حكايات السندباد‬
‫روالن بارت ‪ -‬ترجمة‪ :‬انطوان أبوزيد‬ ‫‪ 101‬النقد البنيوي للحكايــة‬
‫إدغار موران ‪ -‬ترجمة‪ :‬يوسف تيبس‬ ‫الجامليات‬
‫ّ‬ ‫‪ 102‬يف‬
‫من إصدارات سلسلة كتاب الدوحة‬

You might also like