You are on page 1of 7

‫الفرقان‬ ‫ملف‬

‫القيم الفنية واجلمالية‬


‫من منظور إسالمي‬

‫ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﻟﻔﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﻣﻨﻈﻮﺭ ﺇﺳﻼﻣﻲ‬ ‫ﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ‪:‬‬


‫ﻣﺠﻠﺔ ﺍﻟﻔﺮﻗﺎﻥ‬ ‫ﺍﻟﻤﺼﺪﺭ‪:‬‬
‫ﺍﻣﺤﻤﺪ ﻃﻼﺑﻰ‬ ‫ﺍﻟﻨﺎﺷﺮ‪:‬‬
‫ﻳﺘﻴﻢ‪ ،‬ﻣﺤﻤﺪ‬ ‫ﺍﻟﻤؤﻟﻒ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ‪:‬‬
‫ﻉ‪64‬‬ ‫ﺍﻟﻤﺠﻠﺪ‪/‬ﺍﻟﻌﺪﺩ‪:‬‬
‫ﻻ‬ ‫ﻣﺤﻜﻤﺔ‪:‬‬
‫‪2010‬‬ ‫ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩﻱ‪:‬‬
‫األستاذ حممد يتيم‬
‫‪19 - 23‬‬ ‫ﺍﻟﺼﻔﺤﺎﺕ‪:‬‬
‫يصطنع البعض سواء من قصريي النظر من املسلمني أو من املتحاملني من خصوم اإلسالم تضادا موهوما وصراعا مزعوما بني‬
‫‪596152‬‬ ‫ﺭﻗﻢ ‪:MD‬‬
‫هذا على املستوى الفلسفي والنظري‪.‬‬ ‫الفن‪،‬‬
‫ﺑﺤﻮﺙ ﻭﻣﻘﺎﻻﺕ‬
‫وبني‬ ‫الدين‬ ‫بني‬ ‫اجلمالية‪،‬‬ ‫القيم‬
‫القيم الدينية و‬
‫ﻧﻮﻉ ﺍﻟﻤﺤﺘﻮﻯ‪:‬‬
‫‪ IslamicInfo‬تالقي بني اإلبداع الفين الذي هو جمال احلرية وبني الدين الذي هو جمال اإلميان‬
‫املستوى العملي فيزعمون أنه ال‬ ‫ﻗﻮﺍﻋﺪ على‬
‫ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ‪:‬‬ ‫أما‬
‫ﺍﻹﺳﻼﻣﻲاالعتبار أحاسيس اإلنسان اجلمالية‪ ،‬بل إهنا تكبلها بقيود أخالقية غليظة تكبت‬
‫ﺍﻟﻔﻦأتخذ بعني‬
‫ﻣﻮﺍﺿﻴﻊ‪ :‬ألحكام متعالية مفارقة ال‬
‫وجمال اخلضوع‬
‫جيتمعان وخصمان ال يصطلحان‪ ،‬وأنه حيثما‬ ‫الذوق‪ ،‬وأن الفن واإلبداع من جهة‪ ،‬والتدين واألخالق من جهة اثنية ضدان ال‬
‫‪http://search.mandumah.com/Record/596152‬‬ ‫ﺭﺍﺑﻂ‪:‬‬ ‫الفطرة و‬
‫قوي أحدمها ضعف اآلخر‪ ،‬وأن انتعاشة األول تكون على حساب الثاين‪.‬‬
‫ولعل البعض منها يستشهد مبقولة األصمعي‪" :‬أعذب الشعر أكذبه"‪ ،‬وبنظريته يف ضعف الشعر يف العصر اإلسالمي‪ ،‬كما أن‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫يمو َن (‪َ )002‬وأَنَّ ُه ْم يَ ُقولُو َن َما‬ ‫الش َع َراءُ يَتَّبعُ ُه ُم الْغَ ُاوو َن (‪ )006‬أَ ََلْ تَ َر أَنَّ ُه ْم ِِف ُك ِل َواد يَ ِه ُ‬
‫البعض اآلخر قد جيد يف قوله تعايل‪َ ( :‬و ُّ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ََل ي ْفعلُو َن (‪ )004‬إََِّل الَّ ِذين آَمنُوا و َع ِملُوا َّ ِ ِ‬
‫َي‬
‫ين ظَلَ ُموا أ َّ‬ ‫ص ُروا م ْن بَ ْعد َما ظُل ُموا َو َسيَ ْعلَ ُم الذ َ‬ ‫ريا َوانْتَ َ‬ ‫الصاِلَات َوذَ َك ُروا ا ََّّللَ َكث ً‬ ‫َ َ َ‬ ‫ََ‬
‫ب يَ ْن َق ِلبُو َن)‪.‬‬
‫ُم ْن َقلَ ٍ‬
‫وقد يستدل البعض اآلخر من بعض قصريي النظر من املسلمني ببعض املواقف الفقهية اليت ذهبت إىل حترمي الغناء واملعازف‬
‫والتصوير‪ ،‬وبعض اجلدل الذي ظهر حول مشروعية التمثيل وخاصة متثيل املرأة‪ ،‬كما قد يستدل خصوم اإلسالم أو بعض املسلمني‬
‫املستلبني بتلك املواقف الفقهية وبعدم احتضان احلضارة لفن املسرح أو وراثته عن اإلغريق ومن مث عدم تطويره على غرار غريه من العلوم‬
‫مثل الفلسفة واملنطق والطب والفلك والطبيعة‪.‬‬
‫والواقع أن أتمال بسيطا يف الرؤية اإلسالمية لإلنسان واحلياة من خالل القرآن والسنة‪ ،‬ولطبيعة تصورمها للعالقة بني الركائز‬
‫الكربى املؤسسة للقيم يف خطاطتها الكربى املعروفة يف التاريخ الفلسفي واليت استقرت على الثالثية القيمية‪ :‬قيمة احلق اليت اهتم هبا علم‬
‫املنطق‪ ،‬وقيمة اخلري اليت اهتم هبا علم األخالق‪ ،‬وقيمة اجلمال اليت اهتم هبا علم اجلمال أو اإلستطيقا‪ ،‬مث للممارسة احلضارية اإلسالمية‬
‫يف عصور النهضة اإلسالمية‪ ،‬إن ذلك التأمل سيكشف مركزية قيمة اجلمال ومن مث أمهية ودور الفنون كمدخل من مداخل إثبات‬
‫اخلطاب‬ ‫ﺍﻟﻤﺎﺩﺓأركان‬
‫ﻟﻼﺳﺘﺨﺪﺍﻡ‬ ‫ﻫﺬﻩأحد‬
‫العقيدة‪ ،‬و‬ ‫ﻳﻤﻜﻨﻚيف بناء‬
‫ﺗﺤﻤﻴﻞ ﺃﻭ ﻃﺒﺎﻋﺔ‬ ‫اإلسالم‬ ‫اعتمده‬
‫ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪.‬‬ ‫ﺟﻤﻴﻊالذي‬
‫ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ‬ ‫الفطري‬ ‫االستدالل‬
‫ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ‬ ‫ﺃﺻﺤﺎﺏواع‬
‫ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ‪،‬‬ ‫ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪.‬ﻣﻊأحد أن‬
‫هو‬ ‫اجلمايل‬
‫ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ‬ ‫ﺑﻨﺎﺀدليل‬
‫ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺗﻔﺎﻕ‬ ‫كون ال‬ ‫ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ و‬
‫ﻣﺘﺎﺣﺔ‬ ‫وبنائها‪،‬‬
‫العقيدة ﻫﺬﻩ‬
‫© ‪ 2022‬ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪ .‬ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ‬

‫ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻓﻘﻂ‪ ،‬ﻭﻳﻤﻨﻊ ﺍﻟﻨﺴﺦ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻋﺒﺮ ﺃﻱ ﻭﺳﻴﻠﺔ )ﻣﺜﻞ ﻣﻮﺍﻗﻊ ﺍﻻﻧﺘﺮﻧﺖ ﺃﻭ ﺍﻟﺒﺮﻳﺪ ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ( ﺩﻭﻥ ﺗﺼﺮﻳﺢ ﺧﻄﻲ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﺃﻭ‬
‫ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪.‬‬

‫‪11‬‬ ‫الفرقان – العدد‪0212 / 1641 – 46 :‬‬


‫الفرقان‬ ‫ملف‬

‫القيم الفنية واجلمالية‬


‫من منظور إسالمي‬

‫ﻟﻺﺳﺘﺸﻬﺎﺩ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻗﻢ ﺑﻨﺴﺦ ﺍﻟﺒﻴﺎﻧﺎﺕ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﺣﺴﺐ ﺇﺳﻠﻮﺏ ﺍﻹﺳﺘﺸﻬﺎﺩ ﺍﻟﻤﻄﻠﻮﺏ‪:‬‬

‫ﺇﺳﻠﻮﺏ ‪APA‬‬
‫ﻳﺘﻴﻢ‪ ،‬ﻣﺤﻤﺪ‪ .(2010) .‬ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﻟﻔﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﻣﻨﻈﻮﺭ ﺇﺳﻼﻣﻲ‪.‬ﻣﺠﻠﺔ ﺍﻟﻔﺮﻗﺎﻥ‪ ،‬ﻉ‪ .23 - 19 ،64‬ﻣﺴﺘﺮﺟﻊ‬
‫ﻣﻦ ‪596152/Record/com.mandumah.search//:http‬‬
‫ﺇﺳﻠﻮﺏ ‪MLA‬‬
‫ﻳﺘﻴﻢ‪ ،‬ﻣﺤﻤﺪ‪" .‬ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﻟﻔﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﻣﻨﻈﻮﺭ ﺇﺳﻼﻣﻲ‪".‬ﻣﺠﻠﺔ ﺍﻟﻔﺮﻗﺎﻥﻉ‪ .23 - 19 :(2010) 64‬ﻣﺴﺘﺮﺟﻊ ﻣﻦ‬
‫‪http://search.mandumah.com/Record/596152‬‬

‫األستاذ حممد يتيم‬


‫يصطنع البعض سواء من قصريي النظر من املسلمني أو من املتحاملني من خصوم اإلسالم تضادا موهوما وصراعا مزعوما بني‬
‫القيم الدينية والقيم اجلمالية‪ ،‬بني الدين وبني الفن‪ ،‬هذا على املستوى الفلسفي والنظري‪.‬‬
‫أما على املستوى العملي فيزعمون أنه ال تالقي بني اإلبداع الفين الذي هو جمال احلرية وبني الدين الذي هو جمال اإلميان‬
‫وجمال اخلضوع ألحكام متعالية مفارقة ال أتخذ بعني االعتبار أحاسيس اإلنسان اجلمالية‪ ،‬بل إهنا تكبلها بقيود أخالقية غليظة تكبت‬
‫الفطرة والذوق‪ ،‬وأن الفن واإلبداع من جهة‪ ،‬والتدين واألخالق من جهة اثنية ضدان ال جيتمعان وخصمان ال يصطلحان‪ ،‬وأنه حيثما‬
‫قوي أحدمها ضعف اآلخر‪ ،‬وأن انتعاشة األول تكون على حساب الثاين‪.‬‬
‫ولعل البعض منها يستشهد مبقولة األصمعي‪" :‬أعذب الشعر أكذبه"‪ ،‬وبنظريته يف ضعف الشعر يف العصر اإلسالمي‪ ،‬كما أن‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫يمو َن (‪َ )002‬وأَنَّ ُه ْم يَ ُقولُو َن َما‬ ‫الش َع َراءُ يَتَّبعُ ُه ُم الْغَ ُاوو َن (‪ )006‬أَ ََلْ تَ َر أَنَّ ُه ْم ِِف ُك ِل َواد يَ ِه ُ‬
‫البعض اآلخر قد جيد يف قوله تعايل‪َ ( :‬و ُّ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ََل ي ْفعلُو َن (‪ )004‬إََِّل الَّ ِذين آَمنُوا و َع ِملُوا َّ ِ ِ‬
‫َي‬
‫ين ظَلَ ُموا أ َّ‬ ‫ص ُروا م ْن بَ ْعد َما ظُل ُموا َو َسيَ ْعلَ ُم الذ َ‬ ‫ريا َوانْتَ َ‬ ‫الصاِلَات َوذَ َك ُروا ا ََّّللَ َكث ً‬ ‫َ َ َ‬ ‫ََ‬
‫ب يَ ْن َق ِلبُو َن)‪.‬‬
‫ُم ْن َقلَ ٍ‬
‫وقد يستدل البعض اآلخر من بعض قصريي النظر من املسلمني ببعض املواقف الفقهية اليت ذهبت إىل حترمي الغناء واملعازف‬
‫والتصوير‪ ،‬وبعض اجلدل الذي ظهر حول مشروعية التمثيل وخاصة متثيل املرأة‪ ،‬كما قد يستدل خصوم اإلسالم أو بعض املسلمني‬
‫املستلبني بتلك املواقف الفقهية وبعدم احتضان احلضارة لفن املسرح أو وراثته عن اإلغريق ومن مث عدم تطويره على غرار غريه من العلوم‬
‫مثل الفلسفة واملنطق والطب والفلك والطبيعة‪.‬‬
‫والواقع أن أتمال بسيطا يف الرؤية اإلسالمية لإلنسان واحلياة من خالل القرآن والسنة‪ ،‬ولطبيعة تصورمها للعالقة بني الركائز‬
‫الكربى املؤسسة للقيم يف خطاطتها الكربى املعروفة يف التاريخ الفلسفي واليت استقرت على الثالثية القيمية‪ :‬قيمة احلق اليت اهتم هبا علم‬
‫املنطق‪ ،‬وقيمة اخلري اليت اهتم هبا علم األخالق‪ ،‬وقيمة اجلمال اليت اهتم هبا علم اجلمال أو اإلستطيقا‪ ،‬مث للممارسة احلضارية اإلسالمية‬
‫يف عصور النهضة اإلسالمية‪ ،‬إن ذلك التأمل سيكشف مركزية قيمة اجلمال ومن مث أمهية ودور الفنون كمدخل من مداخل إثبات‬
‫اخلطاب‬ ‫ﺍﻟﻤﺎﺩﺓأركان‬
‫ﻟﻼﺳﺘﺨﺪﺍﻡ‬ ‫ﻫﺬﻩأحد‬
‫العقيدة‪ ،‬و‬ ‫ﻳﻤﻜﻨﻚيف بناء‬
‫ﺗﺤﻤﻴﻞ ﺃﻭ ﻃﺒﺎﻋﺔ‬ ‫اإلسالم‬ ‫اعتمده‬
‫ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪.‬‬ ‫ﺟﻤﻴﻊالذي‬
‫ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ‬ ‫الفطري‬ ‫االستدالل‬
‫ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ‬ ‫ﺃﺻﺤﺎﺏواع‬
‫ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ‪،‬‬ ‫ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪.‬ﻣﻊأحد أن‬
‫هو‬ ‫اجلمايل‬
‫ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ‬ ‫ﺑﻨﺎﺀدليل‬
‫ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺗﻔﺎﻕ‬ ‫كون ال‬ ‫ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ و‬
‫ﻣﺘﺎﺣﺔ‬ ‫وبنائها‪،‬‬
‫العقيدة ﻫﺬﻩ‬
‫© ‪ 2022‬ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪ .‬ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ‬

‫ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻓﻘﻂ‪ ،‬ﻭﻳﻤﻨﻊ ﺍﻟﻨﺴﺦ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻋﺒﺮ ﺃﻱ ﻭﺳﻴﻠﺔ )ﻣﺜﻞ ﻣﻮﺍﻗﻊ ﺍﻻﻧﺘﺮﻧﺖ ﺃﻭ ﺍﻟﺒﺮﻳﺪ ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ( ﺩﻭﻥ ﺗﺼﺮﻳﺢ ﺧﻄﻲ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﺃﻭ‬
‫ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪.‬‬

‫‪11‬‬ ‫الفرقان – العدد‪0212 / 1641 – 46 :‬‬


‫الفرقان‬ ‫ملف‬

‫القيم الفنية واجلمالية‬


‫من منظور إسالمي‬

‫األستاذ حممد يتيم‬


‫يصطنع البعض سواء من قصريي النظر من املسلمني أو من املتحاملني من خصوم اإلسالم تضادا موهوما وصراعا مزعوما بني‬
‫القيم الدينية والقيم اجلمالية‪ ،‬بني الدين وبني الفن‪ ،‬هذا على املستوى الفلسفي والنظري‪.‬‬
‫أما على املستوى العملي فيزعمون أنه ال تالقي بني اإلبداع الفين الذي هو جمال احلرية وبني الدين الذي هو جمال اإلميان‬
‫وجمال اخلضوع ألحكام متعالية مفارقة ال أتخذ بعني االعتبار أحاسيس اإلنسان اجلمالية‪ ،‬بل إهنا تكبلها بقيود أخالقية غليظة تكبت‬
‫الفطرة والذوق‪ ،‬وأن الفن واإلبداع من جهة‪ ،‬والتدين واألخالق من جهة اثنية ضدان ال جيتمعان وخصمان ال يصطلحان‪ ،‬وأنه حيثما‬
‫قوي أحدمها ضعف اآلخر‪ ،‬وأن انتعاشة األول تكون على حساب الثاين‪.‬‬
‫ولعل البعض منها يستشهد مبقولة األصمعي‪" :‬أعذب الشعر أكذبه"‪ ،‬وبنظريته يف ضعف الشعر يف العصر اإلسالمي‪ ،‬كما أن‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫يمو َن (‪َ )002‬وأَنَّ ُه ْم يَ ُقولُو َن َما‬ ‫الش َع َراءُ يَتَّبعُ ُه ُم الْغَ ُاوو َن (‪ )006‬أَ ََلْ تَ َر أَنَّ ُه ْم ِِف ُك ِل َواد يَ ِه ُ‬
‫البعض اآلخر قد جيد يف قوله تعايل‪َ ( :‬و ُّ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ََل ي ْفعلُو َن (‪ )004‬إََِّل الَّ ِذين آَمنُوا و َع ِملُوا َّ ِ ِ‬
‫َي‬
‫ين ظَلَ ُموا أ َّ‬ ‫ص ُروا م ْن بَ ْعد َما ظُل ُموا َو َسيَ ْعلَ ُم الذ َ‬ ‫ريا َوانْتَ َ‬ ‫الصاِلَات َوذَ َك ُروا ا ََّّللَ َكث ً‬ ‫َ َ َ‬ ‫ََ‬
‫ب يَ ْن َق ِلبُو َن)‪.‬‬
‫ُم ْن َقلَ ٍ‬
‫وقد يستدل البعض اآلخر من بعض قصريي النظر من املسلمني ببعض املواقف الفقهية اليت ذهبت إىل حترمي الغناء واملعازف‬
‫والتصوير‪ ،‬وبعض اجلدل الذي ظهر حول مشروعية التمثيل وخاصة متثيل املرأة‪ ،‬كما قد يستدل خصوم اإلسالم أو بعض املسلمني‬
‫املستلبني بتلك املواقف الفقهية وبعدم احتضان احلضارة لفن املسرح أو وراثته عن اإلغريق ومن مث عدم تطويره على غرار غريه من العلوم‬
‫مثل الفلسفة واملنطق والطب والفلك والطبيعة‪.‬‬
‫والواقع أن أتمال بسيطا يف الرؤية اإلسالمية لإلنسان واحلياة من خالل القرآن والسنة‪ ،‬ولطبيعة تصورمها للعالقة بني الركائز‬
‫الكربى املؤسسة للقيم يف خطاطتها الكربى املعروفة يف التاريخ الفلسفي واليت استقرت على الثالثية القيمية‪ :‬قيمة احلق اليت اهتم هبا علم‬
‫املنطق‪ ،‬وقيمة اخلري اليت اهتم هبا علم األخالق‪ ،‬وقيمة اجلمال اليت اهتم هبا علم اجلمال أو اإلستطيقا‪ ،‬مث للممارسة احلضارية اإلسالمية‬
‫يف عصور النهضة اإلسالمية‪ ،‬إن ذلك التأمل سيكشف مركزية قيمة اجلمال ومن مث أمهية ودور الفنون كمدخل من مداخل إثبات‬
‫العقيدة وبنائها‪ ،‬وكون ال دليل اجلمايل هو أحد أنواع االستدالل الفطري الذي اعتمده اإلسالم يف بناء العقيدة‪ ،‬وأحد أركان اخلطاب‬

‫‪11‬‬ ‫الفرقان – العدد‪0212 / 1641 – 46 :‬‬


‫ملف‬

‫القرآين إىل اإلنسان‪ ،‬وأن ذلك يكشف أن املكون اجلمايل مكون فطري‪ ،‬وأن الذوق الفين واحلاجة اجلمالية ال يقالن عن احلاجات‬
‫البيولوجية األساسية وعن احلاجات الروحية‪ ،‬وأن اإلسالم قد عين ابالستجابة هلا عنايته ابالستجابة لغريها من احلاجات‪.‬‬
‫إن اإلسالم يربط ربطا كبريا بني اِلق وبني اجلمال‪ ..‬إن هللا هو اِلق املبني وهو مجيل حيب اجلمال‪ ..‬والتأمل ِف القرآن‬
‫أيضاً يؤكد هذا التصور إذ أن اإلسالم َل يثر اَلنتباه فقط إىل اجلمال ِف الكون واإلنسان بل إنه ربط اجلمال ابألخالق فتحدث‬
‫عن‪ :‬الصرب اجلميل‪ ،‬وعن اهلجر اجلميل‪..‬‬
‫وإلبراز ذلك أييت هذا املقال إسهاما يف إبراز دور القضية اجلمالية ومن مث دور الفنون يف الرؤية اإلسالمية للكون واحلياة‪.‬‬
‫ونوطئ لعرض ذلك كله للتصور اإلسالمي لإلنسان ومداخل اإلدراك واملعرفة عنده‪.‬‬
‫ثنائية الدليل اجلمايل والدليل اجلاليل خصوصية فريدة يف االستدالل القرآني‬
‫تبدو احلاجة أكيدة إىل مزيد من احلفر ويف البحث يف خصوصية املنهج القرآين علي مستوي مناهج االستدالل‪ .‬وتبدو إحدى‬
‫كربى اخلصوصيات إضافة إيل تكاملية منهج االستدالل يف القرآن ا لكرمي يف اعتماد الدليل اجلمايل أو الربهان اجلمايل جبانب أنواع‬
‫الربهان األخرى اليت ميكن تصنيفها يف خانة الدليل أو الربهان اجلاليل‪.‬‬
‫لكن االستنباطي‪ ،‬بل لقد متيز املنطق القرآين – إضافة إىل ما أشار إليه ابن تيمية – أي قياس األوىل ابعتباره أقرب إىل الفطرة‬
‫اإلنسانية – الدليل الوجداين اجلمايل أو الربهان الوجداين اجلمايل‪.‬‬
‫وفيما يتعلق ابجلانب اجلمايل مل يقف اإلسالم عند حدود التنويه بقيمة اجلمال بل انه اختذ من اجلمال آية دالة على هللا داللة‬
‫آايت اجلالل عليه‪ .‬وهكذا فكما تعبدان ابلنظر يف جالل الكون تعبدان أيضاً ابلنظر يف اماله‪ ،‬فتجلى سبحانه وتعاىل على خلقه يآايت‬
‫اجلالل كما جتلى عليهم يآايت اجلمال‪.‬‬
‫وهكذا فكما أن هللا أيمر ابلنظر العقلي يف الكون فإنه أيمر ابلتفاعل الوجداين مع اجلمال كما يف قوله تعايل‪( :‬أَفَ لَ ْم يَ ْنظُُروا‬
‫اس َي َوأَنْبَ ْت نَا ِف َيها ِم ْن ُك ِل َزْو ٍج ََبِ ٍ‬
‫يج‬ ‫وج (‪ )4‬و ْاألَرض م َد ْد ََنها وأَلْ َقي نَا فِيها رو ِ‬
‫َ ْ َ َ َ َ ْ َ ََ‬ ‫َّاها َوَما َهلَا ِم ْن فُ ُر ٍ‬
‫اها َوَزيَّن َ‬ ‫الس َم ِاء فَ ْوقَ ُه ْم َك ْي َ‬
‫ف بَنَ ْي نَ َ‬ ‫إِ َىل َّ‬
‫يد (‪ )1‬والنَّ ْخل اب ِس َق ٍ‬ ‫صِ‬ ‫ب ا ِْل ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫يب (‪ )8‬ونَ َّزلْنا ِمن َّ ِ‬ ‫ص َرًة َو ِذ ْك َرى لِ ُك ِل َع ْب ٍد ُمنِ ٍ‬ ‫(‪ )7‬تَ ْب ِ‬
‫ات َهلَا‬ ‫َ ََ‬ ‫اء ُمبَ َارًكا فَأَنْ بَ ْت نَا بِه َجنَّات َو َح َّ َ‬
‫الس َماء َم ً‬ ‫َ َ َ‬
‫ضي ٌد)‪.‬‬ ‫ْع نَ ِ‬
‫طَل ٌ‬
‫وهكذا فكما أن يف القرآن تنبيها إىل عظمة الكون واتساع أبعاده كما جند مثال يف قسم احلق سبحانه وتعاىل يف سورة الواقعة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْسم ِِبواقِ ِع الن ِ‬
‫ِ‬
‫يم) ‪.‬‬ ‫ُّجوم (‪َ )72‬وإنَّهُ لََق َ‬
‫س ٌم لَ ْو تَ ْعلَ ُمو َن َعظ ٌ‬ ‫ُ‬ ‫حينما يقول‪( :‬فَ َال أُق ُ ََ‬
‫وهو ما جيعل النظر العقلي فيه واالعتبار بداللة ذلك على اخلالق‪ ،‬فإن احلق سبحانه وتعاىل جيعل النظر يف آايت اجلمال سلما‬
‫حنو درجات عليا من العبودية والتبصري والتذكري ألهلها‪.‬‬
‫فليس جمال النظر يف جنومها ومشوسها وأقمارها وأفالكها وأبراجها ومواقعها فحسب أي وظائفها يف النظام الكوين أو وظائفها‬
‫يف الناظم الكوين أو وظائفها العملية كما يف قوله تعاىل‪( :‬و َع َالم ٍ‬
‫ات َوِابلن ْ‬
‫َّج ِم ُه ْم يَ ْهتَ ُدو َن)‪.‬‬ ‫َ َ‬
‫ولكن أيضاً وظائفها اجلمايل حيث يقول احلق سبحانه‪( :‬وَزيَّن ِ ِ‬
‫ين) ‪.‬‬ ‫َّاها للنَّاظ ِر َ‬
‫َ َ‬
‫الدنْ يَا بِ ِزينَ ٍة الْ َك َواكِ ِ‬
‫ب) ‪.‬‬ ‫اء ُّ‬ ‫ويقول‪( :‬إِ ََّن َزيَّنَّا َّ‬
‫الس َم َ‬
‫يح) ‪.‬‬ ‫الدنْيَا ِِبَ َ ِ‬ ‫اء ُّ‬
‫صاب َ‬ ‫الس َم َ‬
‫ويقول‪َ ( :‬ولََق ْد َزيَّنَّا َّ‬

‫الفرقان – العدد‪0212 / 1641 – 46 :‬‬ ‫‪02‬‬


‫ملف‬
‫ويلفت احلق سبحانه وتعايل نظران االعتباري يف آايت اجلمال فيما خلق من أنعام إضافة إىل وظائفها النفعية حينما يقول‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ءء ومنافِع وِم ْن ها ْأْ ُكلُو َن (‪ )2‬ولَ ُكم فِيها َمج ٌ ِ‬
‫ني تَ ْس َر ُحو َن (‪َ )4‬وََتْ ِم ُل‬ ‫ني تُ ِرحيُو َن َوح َ‬ ‫ال ح َ‬ ‫َ ْ َ َ‬ ‫ام َخلَ َق َها لَ ُك ْم فِ َيها ِد ْ ٌ َ َ َ ُ َ َ َ‬‫( َو ْاألَنْ َع َ‬
‫ِ‬ ‫س إِ َّن ربَّ ُكم لَرء ٌ ِ‬ ‫ِِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫ال َوا ِْلَ ِم َري لتَ ْرَكبُ َ‬
‫وها َوِزينَةً َوََيْلُ ُق َما ََل‬ ‫اْلَْي َل َوالْبِغَ َ‬
‫يم (‪َ )7‬و ْ‬
‫وء َرح ٌ‬‫أَثْ َقالَ ُك ْم إ َىل بَلَد ََلْ تَ ُكونُوا َابلغيه إ ََّل بش ِق ْاألَنْ ُف ِ َ ْ َ ُ‬
‫تَ ْعلَ ُمو َن)‪.‬‬
‫فأشار سبحانه إيل منافعها وفائدهتا لإلنسان‪ ،‬ومنها ما يستخرجه من صوفها من ألبسه ومن وبرها من خيام ومن حلمها من‬
‫طعام ومن لبنها من شراب‪ ،‬وإىل تسخريها يف لمل أثقال اإلنسان مسافات طويلة‪.‬‬
‫كما أشار إىل اماهلا وقت رجوعها من املرعى حيث تكون ممدودة اخلواصر مملوءة الضروع مرتفعة األنسمة فتزداد اماال إىل‬
‫اماهلا األصلي حني سراحها ويزداد تعلق القلب وسروره هبا‪.‬‬
‫وهذا املعىن اجلمايل ال يزال ساراي يف كل وسائل النقل املعاصرة‪ ،‬إذ إن اإلنسان ال يقف فقط عند منافعها العملية‪ ،‬بل أيضاً‬
‫عند اماليتها‪ ،‬مما جيعل من هندسة شكل السيارات (‪ )DESIGN‬فنا قائما بذاته‪ .‬يف حدود علمي فإن قليال من الباحثني من انتبه‬
‫إىل متييز االستدالل القرآين وتفرده ابستخدام ما اصطلح عليه ابلدليل الوجداين اجلمايل أو الربهان الوجداين اجلمايل‪.‬‬
‫فاخلطاب القرآين سيلحظ أن اخلطاب القرآين مل يتوقف يف بنائه للمعرفة أو توليد احلقيقة يف النفس البشرية على بناء املعرفة‬
‫على أساس التجريب واالستقراء أو على أساس القياس واالستنباط‪ ،‬وبعض األدلة املنطقية الصورية من قبيل الربهان ابخللف‪ ،‬أو على‬
‫أساس املنهج الفرضي‪.‬‬
‫قيمة اجلمال وأنسنة احلاجات البيولوجية والفسيولوجية‬
‫البعد اجلمايل إذن بعد أساسي يف تكوين اإلنسان ويف مطالب اإلنسان‪ ،‬واحلاجة الذوقية والفنية واجلمالية ال تقل عن حاجات‬
‫الطعام والشراب‪ ..‬وغريها من احلاجيات‪ ،‬بل إن أهم ما مييز هذه احلاجات األولية عند اإلنسان‪ ،‬وما يضفي عليها طابعها اإلنساين هو‬
‫اقرتاهنا ابالستجابة حلاجة ذوقية وفنية وامالية‪.‬‬
‫فاإلنسان ال يكتفي ابألكل والشرب‪ ،‬بل إنه يسعى دوما إىل االستجابة هلا ضمن قالب امايل‪.‬‬
‫واحلاجة الفطرية اجلنسية عند اإلنسان ال تقف عند املباشرة اجلسدية الصرفية بل إهنا أتيت‪ ،‬وينبغي أن يستجاب هلا ضمن قالب‬
‫إنساين‪ ،‬ومن مكوانت هذا القالب اإلنسان‪ ،‬ابإلضافة إىل القصد والغاية‪ ،‬اليت هي العفاف واإلحصان والتناسل والتكاثر إدامة للنوع‬
‫اإلنساين‪ ،‬وهناك اجلانب اجلمايل املتمثل يف رقة الكلمة وإرهاف العاطفة واالستعداد ابلتزين اجلسدي واخللقي‪.‬‬
‫الرسول والرتبية اجلمالية‬
‫وعىن النيب صلى هللا عليه وسلم بتقرير قيمة اجلمال وترسيخها يف سلوك الصحابة رضي هللا عنه‪ ،‬ويف اهلندام واملظهر العام ويف‬
‫غري ذلك من اجملاالت ومن ذلك ما ورد يف حديث عبد اله بن مسعود رضي هللا عنه عن النيب صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪:‬‬
‫"ال يدخل اجلنة من كان يف قلبه مثقال ذرة من كرب‪ ،‬فقال رجل‪ :‬إن الرجل جيب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا" قال‪" :‬إن‬
‫هللا اميل حيب اجلمال" الكرب بطر احلق وغمط الناس" رواه مسلم‪.‬‬
‫كما كان يوجه صحابته إىل العناية ابملظهر ابالمتشاط والتطيب وليس اجلديد يف غري خيالء وال تكرب‪ ،‬كما كان أيمر ابختيار‬
‫أحسن األمساء‪ ،‬ويغري املنكر أو القبيح منها‪ ..‬إىل غري ذلك من مظاهر الرتبية اجلمالية اليت عىن هبا النيب صلى هللا عليه وسلم أميا عناية‪.‬‬

‫‪01‬‬ ‫الفرقان – العدد‪0212 / 1641 – 46 :‬‬


‫ملف‬

‫اجلمالية يف احلضارة اإلسالمية‬


‫ولقد ظهر الطابع اجلمايل وطبع بطابعه احلضارة اإلسالمية يف اميع جوانبها‪ .‬واملثال الصارخ لذلك هو العمارة اإلسالمية‪ ،‬وما‬
‫أبدعه الفنانون املسلمون فيها‪ ،‬وما أفرغوه على منتجاهتا من إحساس مرهف وذوق رفيع‪ ،‬حىت كان البيت اإلسالمي واجلامع اإلسالمي‬
‫والشارع اإلسالمي حتفا فنية تسر الناظرين‪ .‬وحيس الواحد منا ممن ابتلي ابلعيش يف املدينة املعاصرة ويف مدننا املزيفة‪ ،‬ويف أرايفها اليت‬
‫غزها "العمران العشوائي"‪ ،‬ابحلسرة واألمل هلذا الواقع‪ ،‬كما متتلكه مشاعر الغبطة ملن سبق من أجدادان وأسالفنا ممن عاشوا يف املدن‬
‫اإلسالمية اليت ال تزال املدن العتيقة شاهدة على اماليتها الرابعة‪.‬‬
‫وحيس اإلنسان ابحلسرة واألمل وهو يشاهد مناذج من اهنيار الذوق العام‪ ،‬إذ أصبح كثري من الناس ال يبالون ابلفضاءات العامة‬
‫واملمرات ومداخل املنازل واحلدائق العمومية وغريها من السلوكات كرمي النفاايت وعدم االهتمام بواجهات املنازل وغياب العناية ابملنظر‬
‫العام للمدين ة‪ ،‬نتيجة غياب أو عدم االلتزام بتصاميم التهيئة والتصاميم املديرية‪ ،‬لكننا من حني آلخر نكتشف أن اإلحساس املرهف‬
‫والذوق اجلميل ال يزال هلما أوفياء خملصون صامدون اثبتون على هذا امللمح األصيل يف ثقافتنا اإلسالمية وحضارتنا املغربية‪.‬‬
‫مجالية احلق واخلري‬
‫هناك قضية أساسية وجب التأكيد عليها وتتعلق بتكامل املباحث القيمية الكربى الثالث مباحث أي قيم احلق واخلري واجلمال‪.‬‬
‫يف املنظور اإلسالمي كما من املنظور الفلسفي الصرف ال ميكن وال جيوز أن نتصور تعارضا أو تناقضا بني قيمة احلق وقيمة اجلمال‪ ،‬أو‬
‫بني هذه وبني قيمة اخلري‪ ،‬وأن احل ق امال‪ ،‬وأن اخلري امال‪ ،‬وأن اجلمال منقطعا عن احلق واخلري يتحول إىل قبح وشر‪ .‬وأنه إذا كان‬
‫األمر كذلك فإن أعظم التعبريات الفنية هي التعبريات اليت تتعانق فيها القيم الثالثة وتتساند‪ ،‬وأنه حني تتعارض هذه القيم أو تتنازع فإهنا‬
‫تفقد جاذبيتها وقيمتها‪ ،‬وتفقد وظيفتها يف احلياة‪.‬‬
‫يشهد هلذا أن اإلسالم يربط ربطا كبريا بني احلق وبني اجلمال‪ .‬إن هللا هو احلق املبني وهو اميل حيب اجلمال‪ .‬والتأمل يف‬
‫القرآن أيضاً يؤكد هذا التصور إذ أن اإلسالم مل يثر االنتباه فقط إىل اجلمال يف الكون واإلنسان بل إنه ربط اجلمال ابألخالق فتحدث‬
‫عن‪" :‬الصرب اجلميل" وعن "اهلجر اجلميل"‪.‬‬
‫خالصات‪:‬‬
‫من خالل ما سبق فيمكن أن تقف عند اخلالصات التالية اليت نضعها خمتصرة على أمل التوسع فيها يف مقاالت أخرى‪:‬‬
‫‪ .1‬القضية اجلمالية قضية أصيلة يف التصور اإلسالمي بل إن املدخل اجلمايل هو أحد املداخل املنهجية يف بناء العقيدة من‬
‫خالل ما مسيته ابلدليل أو الربهان اجلمايل إىل جانب الدليل أو الربهان اجلاليل‪ ،‬واعتماد الدليل اجلمايل هو جزء من‬
‫تكاملية املنهج املعتمد يف القرآن الكرمي انطالقا من رؤية تكاملية لإلنسان وكون العقل ال يقوم يف اإلنسان وحده‪.‬‬
‫‪ .2‬وجد البعد اجلمايل مكانة واسعة يف احلضا رة اإلسالمية‪ ،‬حيث طورت منظورا اماليا متقدما عربت عنه خمتلف الفنون‬
‫اإلسالمية األدبية واملعمارية والتشكيلية وإن كانت الثقافة اإلسالمية قد بلورت بعض التحفظات اجلزئية من بعض‬
‫التعبريات الفنية مثل الرسم والنحث والغناء واملوسيقى أحياان‪ ،‬وهي حتفظات أما أهنا مرتبطة ابلرؤية اإلسالمية للكون‬
‫واحلياة‪ ،‬ذلك أن كل جمتمع ينتج معايريه الثقافية واجلمالية والفنية ابالستناد إىل مرجعيته ورؤيته للكون‪.‬‬

‫الفرقان – العدد‪0212 / 1641 – 46 :‬‬ ‫‪00‬‬


‫ملف‬
‫وفيما يتعلق بقضية الغناء واملوسيقى اليت ظهرت بعض املواقف املتشددة جتاهها نسجل أن تلك املواقف مل متنع من تطور‬
‫فنون املوسيقى والغناء والرقص والفنون الشعبية والعاملة وأن الغالب فيها ظل يف نطاق الرؤية اإلسالمية للحياة‪ ،‬ومؤطرا‬
‫ابلقيم الدينية واحلضارية‪ ،‬يف حني كان القليل فيها هو املتمرد عنها‪.‬‬
‫‪ .3‬أن ذلك التمرد قد توسع تدرجييا حني "تورع" العلماء والصاحلون عن ميدان الفن مما أفسح اجملال للفصام بني قيمة اجلمال‬
‫وقيم احلق وقيم اخلري وأن قضية املواقف الفقهية اليت عمدت إىل حترمي املوسيقى مل تؤد إىل امتناع املسلمني عن التعاطي مع‬
‫خمتلف الفنون وتوسعها سواء يف الدائرة املشروعة أو الدائرة غري املشروعة‪.‬‬
‫‪ .4‬املالحظة الرابعة تتعلق بوظيفية القيم الفنية واجلمالية‪ ،‬وأنه ال توجد فنون من أجل الفنون‪ ،‬وال قيم امالية بدون وظيفة‬
‫اجتماعية‪ ،‬أنه مادامت كل ممارسة فنية تنطلق من رؤية خاصة للحياة وتعرب عن منظور قيمي معني‪ ،‬وانطالقا من أن القيم‬
‫ينبغي أن تتكامل وال تتعارض‪ ،‬فإن القيم اجلمالية والفنية ينبغي أن ال تكون على حساب قيم احلق واخلري‪.‬‬
‫تتأكد هذه الوظيفي ة يف اعتماد القرآن الكرمي على الدليل اجلمايل أو الربهان اجلمايل كدليل معتمد يف بناء العقيدة حني‬
‫جعل من آايت اجلمال دليال على هللا‪ ،‬ويف اعتبار أن من اجلمال اماال يف األخالق كما رأينا يف حديث القرآن عن الصرب‬
‫اجلميل واهلجر اجلميل‪.‬‬
‫‪ .5‬املالحظة اخلامسة أن ذلك كله ال يعين إنتاج فنون دينية من قبيل فنون السماع واملديح أو إنتاج أفالم اترخيية ودينية فقط‬
‫بل أن تكون اميع األغراض واملواضيع مبا يف ذلك املواضيع اإلنسانية اليومية بل أن يكون اإلبداع الفين منضبطة مبرجعية‬
‫قيم اخلري واحلق أو على األقل أن ال تكون املمارسة متعارضة مع قيم احلق واخلري‪.‬‬

‫‪04‬‬ ‫الفرقان – العدد‪0212 / 1641 – 46 :‬‬

‫)‪Powered by TCPDF (www.tcpdf.org‬‬

You might also like