‫المرأة ودورها التنموي ‪109‬‬

‫جود محمد الشدي‬

‫‪442201492‬‬
 ‫حقوق المرأة التي كفلها اإلسالم‬
‫عدل ال ّدين بين الرجال والنساء في مختلف مناحي‬ ‫جاء اإلسالم على أساس العدل بين الناس‪ ،‬ومن ذلك ْ‬
‫بشكل متساوي ال تمييز فيه‪ ،‬حيث قال هللا تعالى‪َ ( :‬منْ‬ ‫ٍ‬ ‫الحياة‪ ،‬فكانت واجباتهم‪ 8‬وحسابهم‪ 8‬أمام هللا ‪-‬تعالى‪-‬‬
‫صالِحً ا مِنْ َذ َك ٍر َأ ْو ُأ ْن َثى َوه َُو مُْؤ ِمنٌ َفلَ ُنحْ ِي َي َّن ُه َح َيا ًة َط ِّي َب ًة َولَ َنجْ ِز َي َّن ُه ْ‪8‬م َأجْ َر ُه ْم ِبَأحْ َس ِن َما َكا ُنوا‬
‫َع ِم َل َ‬
‫جال)‪ ،‬والمقصود من‬ ‫شقائق الرِّ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ون)‪ .‬وقد أ ّكد الرسول ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬ذلك بقوله‪( :‬إ َّنما هنَّ‬ ‫ّ‬ ‫َيعْ َملُ َ‬
‫أحكام مح ّدد ٍة بسبب‬‫ٍ‬ ‫الحديث السابق مساواة الرجل بالمرأة في األحكام الشرعيّة أمام هللا ‪-‬تعالى‪ -‬إاّل في‬
‫بعض الفوارق في طبيعة الذكر واختالفه عن األنثى‪.‬‬
‫الحقوق المالية للمرأة في اإلسالم‪:‬‬
‫أعطى اإلسالم المرأة عدداً من الحقوق المالية‪ ،‬ح ّرم على أيّ أحد سوا ًء أكان زوجها‪ 8‬أو والدها أن‬
‫بيع أو غير ذلك‪ .‬ومن هذه‬ ‫جبرها على اإلنفاق في حاج ٍة معيّنة أو منعها من اإلنفاق في حاج ٍة كهد ّي ٍة أو ٍ‬
‫الحقوق على سبيل المثال‪ :‬ح ّقها النفقة والمسكن‪ ،‬فهذه الحقوق تنتقل من األب إلى الزوج بمجرد‪ 8‬عقد‬
‫(و َعلَى ْال َم ْولُو ِد لَ ُه ِر ْزقُهُنَّ َوكِسْ َو ُتهُنَّ ِب ْال َمعْ رُوفِ )‬
‫الزواج الصحيح‪ ،‬فقد فقال هللا ‪-‬تعالى‪َ :-‬‬
‫من هذه الحقوق أيضا ً حق النفقة جعل اإلسالم النفقة على المرأة واجبا ً على وليّها‪ ،‬وتكون النفقة واجبة‬
‫على الزوج بمجرد انعقاد عقد الزواج الصحيح‪ ،‬ح َّتى وإن لم تنتقل إلى بيت الزوج؛ فالنفقة ٌ‬
‫حق لها‬
‫وواجب في ذمة الزوج‪ ،‬وفي حال كانت تعيش عند والدها وغير متزوجة‪ ،‬فتجب لها النفقة في ذمّته‪،‬‬
‫(و َعلَى ْال َم ْولُو ِد لَ ُه ِر ْزقُهُنَّ َوكِسْ َو ُتهُنَّ ِب ْال َمعْ رُوفِ )‪ ،‬فالمولود‪ 8‬له في هذه اآلية‬
‫وذلك بدليل قول هللا ‪-‬تعالى‪َ :-‬‬
‫هو األب‪.‬‬
‫ظ ٍلم محتمل‬‫حق المهر جعل اإلسالم للمرأة الحق في طلب المهر ِممَّن يريد الزواج بها‪ ،‬لتفادي وقوع‪ُ 8‬‬
‫عليها من هذا الزوج الذي أعطاه هللا حق الطالق‪ ،‬فأعطاها الحق بأخذ مبلغ من المال يسجّ ل في العقد‬
‫(وآ ُتوا‬
‫كحق للمرأة في ذمة الزوج‪ ،‬وليمنعه من استرداده وظلمها‪ 8،‬ودليل هذا الحق قول هللا ‪-‬تعالى‪َ :-‬‬
‫ص ُد َقات ِِهنَّ نِحْ لَ ًة)‪.‬‬
‫ال ِّن َسا َء َ‬
‫حق الميراث جعل اإلسالم للمرأة حق الميراث ممَّن تستطيع أن ترث منهم‪ ،‬بنا ًء على درجة القرابة‬
‫وترتيبها‪ 8‬بين باقي‪ 8‬القرابات؛ سواء كانت ابنة أو زوجة أو حفيدة وغير ذلك‪ ،‬أما الدليل على أنَّ للمرأة‬
‫ِدَان َواَأْل ْق َرب َ‬
‫ُون َولِل ِّن َسا ِء َنصِ يبٌ‬ ‫ك ْال َوال ِ‬ ‫الحق في الميراث فهو قول هللا ‪-‬تعالى‪( :-‬لِّلرِّ َج ِ‬
‫ال َنصِ يبٌ ِّممَّا َت َر َ‬
‫ُون ِممَّا َق َّل ِم ْن ُه َأ ْو َك ُث َر َنصِ ي ًبا‪َّ 8‬م ْفرُوضً ا)‪ ،‬فقد بيّنت هذه اآلية أنَّ للمرأة ّ‬
‫حق‬ ‫َان َواَأْل ْق َرب َ‬
‫ك ْال َوالِد ِ‬
‫ِّممَّا َت َر َ‬
‫حق للرجل‪.‬‬ ‫الميراث كما هو ٌ‬
‫الحقوق االجتماعية للمرأة في اإلسالم‪:‬‬
‫ضمِن اإلسالم للمرأة إشباع غريزتها بالزواج إذا طلبت‬ ‫كفل اإلسالم للمرأة حقوقها‪ 8‬وعرّفها‪ 8‬إيّاها‪ ،‬منها‪َ :‬‬
‫ذلك‪ ،‬وعدم منعها من ذلك إذا كانت قادر ًة على أداء واجباتها‪ 8‬كما هو مطلوب منها‪ .‬شرع اإلسالم‬
‫أضرار لها وأرادت‬
‫ٍ‪8‬‬ ‫للزوجة أن تفسخ عقد زواجها من زوجها إذا لم يستطع أداء حقوقها أو تسبّب في‬ ‫ّ‬
‫االنفصال عنه‪ .‬جعل اإلسالم لألرامل والعجائز‪ 8‬من النساء ح ّقا ً في بيت مال المُسلمين‪ ،‬فيُنفق عليهنّ منه‬
‫ضمِن اإلسالم للمرأة ح ّقها في اختيار الزوج الذي ترتضيه‬ ‫وال يُتركن يتك ّففن الناس وينتظرن الصدقات‪َ .‬‬
‫رجل ال ترغب باالرتباط‪ 8‬به‪ ،‬وفي حال أجبر الوليّ الفتاة‬ ‫ٍ‬ ‫لها وال يجوز ألح ٍد إجبارها على الزواج من‬
‫رجل ال تريده‪ ،‬فلها أن تفسخ العقد ويتحمّل الوليّ تكاليف الفسخ‪ .‬صان‬ ‫ٍ‬ ‫الب ْكر أو الثيّب أن تتزوج‪ 8‬من‬
‫ِ‬
 ‫اإلسالم كرامة المرأة وهيبتها في نفوس من حولها فح ّرم عليها االبتذال والسّماح لألجنبي أن يستمتع‬
‫بجسدها‪ ،‬وقد‪ 8‬شرّ ع لذلك المُباعدة بين الرجال والنساء في ك ّل شيء وحتى في أداء العِبادات‪ ،‬حيث قال‬
‫الرجال أولُها‪ ،‬وشرُّ ها آخرُها‪ ،‬وخي ُر صفوفِ النسا ِء آخرُها‪،‬‬
‫ِ‬ ‫الرسول صلّى هللا عليه وسلّم‪( :‬خي ُر صفوفِ‬
‫وشرُّ ها أولُها)‪ ،‬وذلك توجيها ً من اإلسالم للمباعدة بين صفوف الرجال والنساء خالل الصالة‪.‬‬
‫راعى اإلسالم ظروف‪ 8‬المرأة الخاصّة حيث إ ّنه خ ّفف عنها بعض التكاليف كال ّنفقة‪ ،‬وأسقط عنها بعضها‬
‫ت فترة الحيض والنفاس‪ ،‬كالصّالة والصيام‪ .‬حق‬ ‫بشكل مؤق ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كالجهاد‪ ،‬وأسقط عنها بعض الفرائض‬
‫المساواة وهو حق أصلي ثابت‪ ،‬فجميع النفوس البشرية عند هللا تستوي‪ 8‬باألصل الواحد‪ ،‬والذي ال يكون‬
‫فيه تفريق بين الذكر أو األنثى‪ ،‬ووجودهم في هذه الحياة إنما هو تنوع ضروري‪ 8‬تقتضيه الطبيعة‬
‫البشرية لكي تتمكن من االستمرار في العيش في هذه الحياة‪ ،‬قال هللا ‪-‬عز وجل‪( :-‬يا َأ ُّي َها ال َّناسُ ا َّتقُو ْا‬
‫ث ِم ْن ُه َما ِر َجااًل َك ِثيرً ا َو ِن َسا َء)‪.‬‬
‫وخلَ َ‪8‬ق ِم ْن َها َز ْو َج َها َو َب َّ‬ ‫َر َّب ُك ُم الَّذِي َخلَ َق ُكم مِّن َّن ْف ٍ‬
‫س َوا ِح َد ٍة َ‬
‫الحقوق الدينية‪:‬‬
‫تمتلك المرأة األهليَّة الكاملة لل ّتكاليف ال َّشرعية مثلها مثل الرَّ جل تماماً؛ حيث يجب على وليِّ أمرها أن‬
‫يُعوِّ دها على العبادات منذ صغرها ويعلمها إيَّاها‪ ،‬كما جاء في الحديث الشريف‪( :‬مروا أوالدَكم بالصال ِة‬
‫المضاجع)‪ ،‬والبنت األنثى تدخل‬
‫ِ‬ ‫عشر وفرِّ قوا بينهُم في‬
‫ٍ‬ ‫سنين واضربو ُهم‪ 8‬عليها وه ْم أبنا ُء‬
‫َ‬ ‫سبع‬
‫وهم أبنا ُء ِ‬
‫في الحديث بال خالف كما قال ال َّنووي‪ .‬كما أ َّنها مُكلَّفة بك ِّل العبادات التي تجب عليها بعد البلوغ‪ ،‬وال‬
‫يملك أح ٌد منعها من مُمارسة العبادات‪ ،‬فك ُّل العبادات المُخاطبة فيها المرأة عليها أداؤها وسُتحاسب‪ 8‬عليها‬
‫كما الرَّ جل تماماً‪.‬‬
‫بحق ال َّتفكير واالعتقاد‪ ،‬بل‬ ‫وللمرأة العديد من الحقوق الفكريَّة وال ِّدينية؛ حيث تك َّفل اإلسالم للمرأة ِّ‬
‫وأوجب ال َّتفكير وال َّنظر‪ 8‬في الكون والتف ُّكر في مظاهر قُدرة هللا ‪-‬تعالى‪ -‬عليها‪ ،‬لما لذلك من فائد ٍة عظيم ٍة‬
‫بحق االعتقاد‪ ،‬و َم َنع‬ ‫على قوة اإليمان باهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬وقدرته ووحدانيته‪ ،‬كما تك َّفل اإلسالم للمرأة ِّ‬
‫ين َقد َّت َبي ََّن الرُّ ْش ُد م َِن‬
‫ف على تغيير مُعتقدها‪ ،‬قال هللا ‪-‬تعالى‪( :-‬اَل ِإ ْك َرا َه فِي ال ِّد ِ‬ ‫إكراهها من قِبل أي طر ٍ‬
‫َّ‬
‫وتركن أزواجهنُّ من الكفار وهاجرن مع‬ ‫َ‬ ‫أسلمن‬
‫َ‬ ‫ْال َغيِّيّ ) وهناك العديد من النماذج من الصَّحابيَّات‪ 8‬ال تي‬
‫اَّل‬ ‫ّ‬
‫رن في أزواجهنّ فدخلوا اإلسالم بسببهنُّ ‪ ،‬مثل أ ُّم سليم زوجة أبي طلحة‬ ‫بقية المسلمين‪ ،‬بل وبعضهنُّ َّأث َ‬
‫األنصاري‪.‬‬