You are on page 1of 6

‫فسخ عقد الزواج لعقم الزوج‬

‫أ‪.‬د عبد المؤمن شجاع الدين‬


‫األستاذ المشارك بكلية الشريعة والقانون‬
‫جــامــعــة صــنــعــاء‬

‫احلكم حمل تعليقن ا ه و احلكم الص ادر من احملكم ة العام ة بالري اض اململك ة العربي ة الس عودية وال ذي ص ادقت علي ه حمكم ة التمي يز‬
‫والذي قضى بفسخ زواج إحدى الزوجات من زوجها العقيم‪-‬وخالصة هذا احلكم كما ورد يف صحيفة الرياض الصادرة بتاريخ‬
‫‪– 2‬سبتمرب ‪2013-‬م {{ أوال الدعوى واإلجابة ‪ :‬تقدمت امرأة أمام احملكمة بدعوى ضد زوجها مدعية بأهنا تزوجته منذ‬
‫مخسة عشر عاماً بوالية والدها ومنذ زواجها حىت تاريخ دعواها مل تنجب منه‪ ،‬ولكونه رجالً عقيم اً طلبت من احملكمة فسخ عقد‬
‫نكاحها منه‪ ،‬وبسؤال املدعى عليه أجاب بقوله ما ذكرته املدعية من ناحية الزواج بوالية والدها وأنين متزوج منها منذ مخس‬
‫عشرة سنة كل هذا صحيح أما طلبها الطالق فإنين لن أطلقها الن سبب طلبها الطالق هو حتريضها من قبل أهلها كما ان الزوج‬
‫ادعى بأهنا ام رأة عقيم‪ ،‬وطلب الكش ف عليه ا ف وافقت املدعي ة على إج راء الكش ف عليه ا‪,‬وج رى س ؤال املدعى علي ه ه ل أخ رب‬
‫زوجته املدعية قبل زواجه منها بأنه عقيم؟ فقال‪ :‬ال مل أخربها بذلك ‪ .‬مث جرى سؤال املدعية هل علمت بأن زوجها عقيم قبل‬
‫عقد النكاح أو بعده؟ فقالت‪ :‬إنين ال أعلم إال بعد عقد النكاح والدخول بثالث سنوات‪,‬مث جرى سؤال املدعى عليه‪ :‬هل سبق أن‬
‫تزوج قبل زواجه من املدعية؟ فقال نعم تزوجت بامرأة واستمر زواجي هبا سنتني مث طلقتها حيث تزوجت تلك املرأة بشخص‬
‫آخر وأجنبت منه وهي ابنة خاليت ‪ .‬مث جرى نصح الزوجة بأن تصرب على قضاء اهلل وقدره بزواجها باملدعى عليه وأهنا مأجورة‬
‫على صربها إن شاء اهلل‪ ،‬فقالت املدعية ‪ :‬إن من حقي طلب الولد وإنين ال أرغب البقاء مع املدعي وإنين مستعدة إلعادة الصداق‬
‫الذي دفعه يل وقدره عشرة آالف رياال وهو املسمى يف العقد‪ ،‬مث جرى نصح الزوج بأن يطلق امرأته املدعية مقابل ما بذلته وهو‬
‫املهر الذي فرضه هلا فقال‪ :‬لن أطلقها‪.‬‬

‫ثاني اً التس بيب‪ :‬فبن اء على م ا تق دم من ال دعوى واإلجاب ة وحيث ق رر املدعى علي ه بأن ه مل خيرب املدعي ة بأن ه رج ل عقيم وحيث‬
‫افادت املدعية بأهنا مل تعلم بأن املدعى عليه رجل عقيم إال بعد نكاحها بثالث سنني‪ .‬وحيث أقر املدعى عليه بأنه سبق أن تزوج‬
‫بابن ة خالت ه وجلس معه ا س نتني ومل تنجب من ه وأن ه طلقه ا حيث ت زوجت برج ل آخ ر وأجنبت منه‪ ،‬وبع د االطالع على التقري ر‬
‫الطيب املتضمن ((بأنه مت الكشف على املرأة ومت عمل حتليل هرموين ووجد أنه يف احلدود الطبيعية كما جرى هلا عمل أشعة صبغية‬
‫دلت هذه األشعة على أن حجم الرحم طبيعي وأن قناة فالوب اليمني والشمال غري مغلقة‪ ،‬وعليه نستنتج بأن املرأة سليمة وميكن‬
‫أن حتمل بإذن اهلل‪ ،‬وبعد االطالع على ما ذكره عبد الرزاق يف مصنفه ((أن عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه بعث رجالً على بعض‬
‫السعاية فتزوج امرأة وكان عقيماً فلما قدم على عمر ذكر ذلك له‪ ،‬فقال عمر‪ :‬هل أعلمتها أنك عقيم قال‪ :‬ال‪ ،‬قال عمر‪ :‬فانطلق‬
‫فأعلمها مث خريها ((وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ :‬ولو ظهر أن الزوج عقيم فقياس قولنا بثبوت اخليار للمرأة ألن هلا حق يف الولد‬
‫وهلذا قلنا ال يعزل عن احلرة إال بإذهنا‪ .‬وحيث إن املقرر يف الشريعة رفع الضرر عن املتضرر لقوله صلى اهلل عليه وسلم ((ال ضرر‬
‫وال ضرار)) وحيث إن من حق املرأة طلب الولد وحيث استعدت ببذل الصداق املسمى يف العقد‪.‬‬

‫ثالث اً الحكم‪ :‬ق ررت احملكم ة فس خ عق د نك اح املدعي ة من زوجه ا املدعى علي ه على امله ر املس مى يف العق د وب ذلك حكمت‬
‫احملكمة وأفهمت املدعية بأن عليها العدة الشرعية وصادقت على احلكم حمكمة التمييز }}‪.‬‬
‫وسيكون تعليقنا على هذا احلكم حبسب األوجه اآلتية ‪:‬‬

‫الوجه األول‪ :‬صدرت يف اململكة العربية السعودية مؤخراً أنظمة كثرية جيب على القاضي هناك تطبيقها فقد صدر املرسوم امللكي‬
‫رقم (‪ )21‬بتاريخ ‪20/5/1421‬هـ باملوافقة على نظام املرافعات الشرعية واملرسوم امللكي رقم (‪ )78‬بتاريخ ‪19/9/1428‬هـ‬
‫باملوافقة على نظام القضاء وقرار وزير العدل رقم ‪ 4569‬باملوافقة على اللوائح التنفيذية لنظام املرافعات الشرعية‪ ،‬إال أنه مل يصدر‬
‫بعد نظام عام لألحوال الشخصية يف السعودية ‪,‬ولذلك مل يشر احلكم حمل تعليقنا إىل نظام األحوال الشخصية ومل يستند يف قضائه‬
‫إىل هذا النظام‪ ,‬حيث استند احلكم حمل تعليقنا إىل ما ورد يف كتاب املغين البن قدامة احلنبلي ‪,‬الن هناك مرسوم من امللك عبد‬
‫العزيز آل سعود كان قد حدد الكتب واملراجع الفقهية اليت جيب على القضاة االستناد إليها يف أحكامهم ومن هذه املراجع كتاب‬
‫املغين البن قدامة احلنبلي الذي استند إليه احلكم حمل تعليقنا ‪.‬‬

‫الوج ه الث اني‪ :‬احلكم حمل تعليقن ا ه و حكم هنائي ألن ه ص ادر من احملكم ة العام ة وق د ص ادقت علي ه حمكم ة التمي يز –والنظ ام‬
‫القضائي يف السعودية بأخذ بنظام التمييز القضائي التلقائي ألحكام القضاء بفسخ الزواج طبق اً لنظام املرافعات هناك‪ ,‬حيث جيب‬
‫أن ترفع احملاكم العامة احكامها الصادرة بفسخ الزواج إىل حمكمة التمييز للمصادقة عليها أو تعديلها أو إلغائها حىت ولو مل يطعن‬
‫معمول به يف كثري من القوانني العربية‬
‫ٌ‬ ‫فيها أح ٌد من أطراف اخلصومة‪ -‬ونظام التمييز أو التعقيب التلقائي ألحكام فسخ الزواج‬
‫ومنها القانون العراقي‪ -‬ونظام التمييز والتعقيب التلقائي ألحكام فسخ الزواج نظام رشيد حيقق الرقابة املثلى من حمكمة التمييز أو‬
‫التعقيب على حماكم املوضوع للتأكد من صحة وسالمة إجراءات التقاضي وتطبيق القواعد الشرعية والقانونية نظراً لآلثار اخلطرية‬
‫املرتتبة على أحكام القضاء بفسخ الزواج وتعلقها بالنظام العام ‪ ،‬وبعض الدول تسلك مسلكاً آخرا يف ترشيد أحكام القضاء يف‬
‫فسخ الزواج وذلك عن طريق ضمان تدخل النيابة العامة يف قضايا فسخ الزواج‪ ،‬ومما جيدر ذكره يف هذا الشأن أن احملاكم اليمنية‬
‫ال تسلك بأي من املسلكني‪.‬‬

‫الوجه الثالث‪ :‬العقيم يف اللغة هو الذي ال يولد له‪ ،‬ويطلق هذا املصطلح على الذكر واألنثى على حد سواء‪ ،‬واالسم منه العقم‬
‫حسبما ذكر صاحب خمتار الصحاح وصاحب املصباح املنري يف مادة (عقم) أما عند األطباء فالعقم هو عدم قدرة الرجل على‬
‫اللقاح مع متكن الرجل من ممارسة العملية اجلنسية‪ ،‬وقد اختلف الفقهاء املتقدمون بشأن فسخ الزواج بسبب العقم على قولني‪:‬‬

‫القول األول‪ :‬ال يعد العقم عيباً من عيوب الزواج ‪,‬وبناء على ذلك ال حيق ألحد الزوجني فسخ النكاح بسبب عقم اآلخر‪،‬‬
‫وهذا هو قول الكمال بن اهلمام من احلنفية‪ ،‬وهو قول املالكية إال احلطاب‪ ،‬فقد جعله القول الظاهر عنده‪ ،‬وكذلك فهو قول‬
‫الن ووي من الش افعية‪ ،‬والش يباين من احلنابل ة‪ ،‬وابن ح زم والش وكاين واإلباض ية يف الق ول املرج وح عن دهم‪ ،‬ج اء عن الكم ال بن‬
‫اهلمام قوله ‪{ :‬ولو كان الزوج جيامع وال ينزل جلفاف مائه مل يكن هلا طلب التفريق} كما يقول الدردير من املالكية ‪ ....( :‬وال‬
‫يضر عدم النسل كالعقم) وجاء عن اخلرشي (وقيده‪-‬أي اخلصى – يف اجلواهر مبا إذا مل ينزل ألن اخليار إمنا هو بعدم متام اللذة ال‬
‫للوطء وكذلك ال ترجع العقيم) وقال احلطاب (وأما العقيم فالظاهر انه ال جيب عليه إخبارها به ألنه ليس بعيب) وأما النووي‬
‫فقد قال (وال خيار بكونه أو كوهنا عقيما ) كما جاء عن الشيباين من احلنابلة (وكون احدمها عقيماً فليس ذلك عيب اً ألن ذلك ال‬
‫مينع االستمتاع وال خيشي تعديه) قال يف شرح املقنع (وال نعلم يف هذا خالف اً بني أهل العلم إال احلسن فإنه قال إذا وجد اآلخر‬
‫عقيماً خيري)‪،‬وكذلك الظاهرية مل يعتربوا العقم عيب اً‪ ،‬ألنه مل يثبت عندهم شيء من أدلة الفقهاء اليت استدلوا هبا على ثبوت اخليار‬
‫بالعيوب املعروفة‪ ،‬وبناء عليه فالعقم ليس عيباً عندهم وكذلك األمر عند الشوكاين وأما اإلباضية فمنع الفسخ بالعقم عندهم قول‬
‫مرجوح حيث جاء يف شرح النيل (وقيل ال خيار هلا من العقيم)‪.‬‬

‫إال أن هوالء الفقهاء مل يعللوا يف هذه األقوال سبب منعهم للفسخ إال ما جاء يف قويل اخلرشي والشيباين من أن العلة هي أن العقم‬
‫ال مينع من االستماع لذا ال حيق ألحد الزوجني الفسخ به‪ ،‬وهذا بناء على أن املقصود من النكاح عندهم هو الوطء واالستمتاع‪،‬‬
‫ومع هذا فإن هذه العلة قد قصدها مجيع من ذكرناهم سابقاً من الفقهاء وان مل ينصوا على ذلك‪ ،‬وهذا القول هو قول مجهور‬
‫الفقهاء حيث ورد يف املوسوعة الفقهية الكويتية (أ ّن مجهور الفقهاء‪ ،‬اتفقوا على أ ّن العقم ليس عيباً يثبت به خيار طلب فسخ عقد‬
‫النّك اح إذا وج ده أح د ال ّزوجني يف اآلخ ر‪ ،‬حيث ق ال ابن قدام ة ‪ :‬ال نعلم يف ه ذا بني أه ل العلم خالف اً إالّ أ ّن احلس ن ق ال ‪ :‬إذا‬
‫فأم ا‬
‫وأحب أمحد تب يني أم ره‪ ،‬وق ال ‪ :‬عس ى امرأت ه تري د الول د‪ ،‬وه ذا يف ابت داء النّك اح‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫الزوجني اآلخر عقيم اً خُي رّي ‪،‬‬
‫وج د أح د ّ‬
‫اب‪ ،‬مثّ يول د له وهو‬
‫الفس خ فال يثبت به‪ ،‬ول و ثبت ب ه لثبت باآليسة؛ وأل ّن العقم ال يُعلم‪ ،‬فإ ّن رج االً ال يول د ألح دهم وه و ش ّ‬
‫يستحب ملن فيه العقم أن يُعلم اآلخر قبل العقد‪ ،‬وال جيب عليه ذلك)‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫شيخ‪ ،‬ولكن‬

‫القول الثاني‪ :‬ذهب بعض الفقهاء الى ان العقم يعد عيباً‪ ،‬وبناء على ذلك يثبت ألحد الزوجني خيار فسخ النكاح إذا كان‬
‫ص احبه عقيم اً‪ ،‬وه ذا ه و الق ول املرج وح عن د احلط اب من املالكي ة‪ ،‬وق ول احلس ن من احلنابل ة‪ ،‬والق ول ال راجح عن د اإلباض ية‪،‬‬
‫واملستحب عند اإلمام أمحد أن خيربها بالعقم قبل العقد‪ ،‬فقد جاء عن احلطاب قوله (وأما العقم فالظاهر أنه ال جيب إخبارها به)‬
‫وهذا يعين أن القول املقابل هلذا الظاهر أنه جيب أخبار الزوجة بالعقم‪ ،‬وبناء عليه حيق هلا أن ختتار فسخ النكاح أو إبقاؤه وإال ملا‬
‫كان لإلخبار بالعقم معىن‪ ,‬وجاء يف املغين البن قدامة (وأحب أمحد تبيني أمره –أي العقيم‪ -‬وقال‪ :‬عسى امرأته تريد الولد‪ ،‬وهذا‬
‫يف ابت داء النك اح‪ ،‬فأم ا الفس خ فال يثبت ب العقم) أي أن اإلم ام أمحد‪ -‬رمحه اهلل‪ -‬أحب اإلخب ار ب العقم قب ل النك اح‪ ،‬كي ختت ار‬
‫الزوجة بني اإلقدام عليه وعدمه‪ ،‬فلرمبا تكون راغبة يف الولد‪ ،‬أما بعد العقد فال فسخ بالعقم (ألن ذلك ال يُعلم ‪ ,‬فإن رجاالً ال‬
‫يولد ألحدهم وهو شاب‪ ،‬مث يولد له وهو شيخ)‬

‫وعلى هذا المعنى فلو قطع علم الطب بعقم الرجل وعدم رجاء نسله بسبب تلف عضوي فيه كضمور اخلصية وجفاف احلبال‬
‫املنوية املكونة هلا فإن ذلك يثبت اخليار بناء على كالم اإلم ام أمحد رمحه اهلل‪ ،‬حيث حكم بعدم الفسخ لعدم القطع بالعقم كما‬
‫قال‪( :‬وألن ذلك ال يُعلم) ألن عدم العلم الذي حتدث عنه إمنا هو راجع إىل عدم وجود الطب التشخيصي آنذاك حيث يقوم هذا‬
‫الطب ب دور تش خيص األم راض ومعرف ة نتائجه ا‪ ،‬كم ا ج اء يف ني ل املآرب للش يباين احلنبلي ‪( :‬وال نعلم خالف اً يف ه ذا – أي يف‬
‫عدم الفسخ بالعقم بني أهل العلم إال احلسن فإنه قال إذا وجد اآلخر عقيم اً خيري) وجاء يف شرح النيل لإلباضية ( ويلزمه إخبارها‬
‫بعقمه‪ ،‬لعلها تريد الولد وقيل ‪ :‬ال خيار هلا من العقيم إن أطاق اجلماع)‪.‬‬

‫وعند التأمل يف احلكم حمل تعليقنا جند أنه قد أخذ بالقول الثاين من أقوال الفقهاء السابق ذكرها‪.‬‬

‫الوجه الرابع‪ :‬اختلف الفقهاء املعاصرون بشأن فسخ عقد الزواج للعقم مثلما اختلف الفقهاء املتقدمون والسابق ذكر خالفهم‪،‬‬
‫وبيان خالف الفقهاء املعاصرين بشأن الفسخ للعقم على النحو اآليت‪:‬‬

‫القول األول‪ :‬ال يفسخ الزواج بسبب العقم حيث صدرت فتوى دار اإلفتاء املصرية واليت ذهبت إىل أنه من ("املقرر شرعا أنه‬
‫مادام عضو الذكورة يف الرجل يصلح لالتصال اجلنسي فال حق للزوجة يف طلب التطليق لعدم النسل ألن هذا السبب مبجرده ليس‬
‫مربرا لطلب املرأة الطالق من زوجها طاملا أن الزوج صاحل للمعاشرة الزوجية مع ان الزوجة تقول بأنه غري صاحل لإلجناب وهذا‬
‫ليس مربرا لطلب الطالق ) كما ان الشيخ عطية صقر‪ -‬رئيس جلنة الفتوى األسبق باألزهر – رمحه اهلل – قد قال يف فتوى له‪ :‬إ ّن‬
‫الفقه اء حتدثوا عن العي وب ال يت تعطي ال زوج احلق يف فس خ النّك اح‪ ،‬ومنه ا ال ربص واجلذام واجلن ون والرت ق ـ أي انس داد م دخل‬
‫الذكر من الفرج ـ والقرن شيء يربز يف الفرج كقرن الشاة‪ ،‬أو غدة متنع املخالطة‪ .‬وقال بذلك األئمة الثالثة دون أيب حنيفة‪،‬‬
‫واتفق الفقهاء على أن عُقم املرأة وعدم إجناهبا‪ ،‬ليس عيبًا حيث أنه ال مينع استمتاع الزوج هبا‪ ،‬فليس له خيار الفسخ؛ ألن اإلجناب‬
‫الز ْوجة‪ ,‬ولكن له احلق يف طالقها‪ ،‬وترتتب‬ ‫يرجع إىل إرادة اهلل سبحانه ‪,‬وأضاف أنه من هنا ال ينفسخ العقد بظهور عدم إجناب ّ‬
‫الزوج قد دخل هبا فلو طلَّقها كان هلا مُؤخر الصداق‪ ،‬و َن َف َق ة العِ دة‪،‬‬
‫أحكام الطّالق يف هذه احلالة‪ ،‬كأية حالة أخرى‪ ،‬فما دام ْ‬
‫وليس له أن يلزمها بإبرائه أو التنازل عن شيء من حقوقها‪ ،‬إال إذا طلبت هي الطالق‪ ،‬فيُمكن التّفاهم على ما تتنازل عنه‪ ،‬وهذا‬
‫ما جيري عليه العمل يف احملاكم املصرية طب ًق ا للقانون رقم ‪ 78‬لسنة ‪1931‬م‪,‬وقال‪ :‬إنه إذا ظهر أ ّن بالّزوج عيب مينع اإلجناب‪.‬‬
‫كأن يكون جمبوبً ا ـ أي مقطوع الذكر ـ أو عنينا ـ أي غري قادر على اجلماع لضعف خلقي أو كرب السن مثالً ـ أو خص يًّا ـ أي‬
‫مقطوع اخلصيتني ـ فللزوجة أن ترفع األمر إىل القضاء لطلب التفريق بينه وبينها‪ ،‬وإذا ثبت ذلك عند القاضي بأي طريق من طرق‬
‫منع ا للضرر الذي يلحقها ـ وهذا الطالق يكون بائنً ا‬ ‫اإلثبات‪ُ ،‬أمر الزوج بتطليقها‪ ،‬فإن مل يطلقها ناب عنه القاضي يف تطليقها ً‬
‫بينونة صغرى لكن التفريق مشروط بعدم علمها حبالته قبل الزواج‪ ،‬وبأال يُوجد منها ما يفيد رضاها باملكث معه بعد الزواج‬
‫ُ‬
‫والعِلم حباله)‪ ،‬ويف االجتاه ذاته تذهب الدكتورة سعاد صاحل أستاذ الفقه ‪ -‬جامعة األزهر إىل القول بأنه (مع أن مجهور العلماء‬
‫ي رون ج واز التفري ق بني ال زوجني إذا طلب أح دمها لوج ود عيب من عي وب خمصوص ة ذكره ا العلم اء هي اجلب والعن ة واخلص اء‬
‫واجلنون واجلذام والربص يف الرجل والرتق والقرن واجلنون واجلذام والربص يف املرأة‪ ،‬إال أنه مل ينقل يف مبلغ علمي عن العلماء أهنم‬
‫قالوا بصحة طلب التفريق لعدم اإلجناب‪ ،‬إال رأي اً فردا نقله بن قدامه يف كتابه املغىن وفيه يقول احلسن البصري‪ :‬إذا وجد أحد‬
‫الزوجني اآلخر عقيما فيثبت له اخليار يف فسخ الزواج‪ ،‬وأما رأي أمحد بن حنبل وهو إمام املذهب احلنبلي فال يرى هذا الرأي وأنه‬
‫قال‪ :‬أحب أن أتبني أمر الزوج وقال عسى امرأته تريد الولد وهذا يف ابتداء الزواج فأما الفسخ فال يثبت به (أي بالعقم) وعلى‬
‫ذل ك ففتح الب اب للق ول ب أن ك ل عيب ميكن أن يقل ل من هن اء احلي اة الزوجي ة جييز التفري ق بني ال زوجني‪ ،‬ف إن ذل ك ي ؤدي إىل‬
‫تص دع األس ر وإىل فتح الب اب للخالف ات والقض ايا ال يت يك ثر فيه ا ادع اء أح د ال زوجني أم را من األم ور يف االخ ر ينغص حي اة‬
‫اآلخر)‪.‬‬

‫القول الثاني‪ :‬ذهب بعض الفقهاء املعاصرين إىل جواز فسخ عقد الزواج بسبب العقم‪ ،‬حيث يقول الدكتور شعبان إمساعيل أستاذ‬
‫الفق ه جبامع ة األزه ر‪(( :‬إن اإلجناب ه و إح دى مثرات ال زواج‪ ،‬فمن ح ق الزوج ة أن تش عر بنعم ة األموم ة ال يت تس عد فطرهتا‬
‫وطبيعتها‪ ..‬ومن حق الزوج كذلك أن حتقق له نعمة البنوة‪ ..‬بأن يكون أبا ويرى امتداد حياته وذكراه يف أبنائه‪ ..‬فاهلل سبحانه‬
‫وتعاىل يقول‪{:‬هلل ملك السماوات واألرض خيلق ما يشاء يهب ملن يشاء إناثا ويهب ملن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا‬
‫وجيعل من يشاء عقيم ا إن ه عليم قدير} فهذه اآلي ة الكرمية تشري إىل أن اهلل تعاىل قسم الن اس إىل أربع ة أصناف‪ ..‬صنف يوهب‬
‫اإلناث وليس معهم ذكر‪ ..‬وصنف يوهب الذكور وليس معهم أناث‪ ..‬وصنف يوهب اإلناث والذكور معا‪ ..‬وصنف رابع ال‬
‫يهب ه ش يئا حلكم ة يعلمه ا اخلالق ج ل و عال‪ ..‬ول ذلك ختمت اآلي ة الكرمية مبا يؤك د العقي دة الس ليمة يف نفس املس لم بأن ه ينبغي‬
‫التسليم ملشيئة اهلل تعاىل وإرادته ألنه أحاط بكل شئ علما‪ ..‬وعدم إجناب هذا اإلنسان ليس ناشئا عن عجز القدرة اإلهلية وإمنا‬
‫ألمور أخ رى اهلل أعلم هبا‪ ،‬واإلسالم حيث املسلم على أن يبحث عن السبب الذي ميكن أن حيول بينه وبني اإلجناب‪ ..‬خاصة يف‬
‫هذه األيام اليت تقدم فيها العلم‪ ..‬ولذلك يقول الرسول صلى اهلل عليه وسلم‪ ":‬إن اهلل تعاىل مل خيلق داء إال خلق له دواء" فيجوز‬
‫لإلنسان أن يبحث عن السبب وعن العالج له سواء كان السبب من ناحية الزوج أو من ناحية الزوجة‪ ,‬فإذا كانت الزوجة غري‬
‫صاحلة لإلجناب حق للزوج أن يتزوج بأخرى دون إضرار بالزوجة األوىل‪ ..‬خاصة يف حالة استمرارها يف عدم اإلجناب فعليه أن‬
‫حيس ن عش رهتا‪ ..‬وأن يع دل بينه ا وبني الزوج ة األخ رى وهلا ح ق الطالق إذا رغبت يف ذل ك‪ .‬ول ه أن يوافقه ا على ذل ك أو أن‬
‫يرفض‪ ،‬فليس العقم سببا يف انفصال الزوجني أما إذا كان الزوج هو الذي ال ينجب وثبت ذلك بعد الفحوص الطبية‪ ،‬وثبت أن‬
‫الزوجة صاحلة لإلجناب‪ ..‬فالزوجة يف هذه احلالة خمتارة‪ ,‬إما أن تبقى على عشرهتا مع هذا الزوج صابرة حمتسبة مسلمة أمرها إىل‬
‫اهلل تع اىل‪ ..‬ال ذي يعلم الس ر وم ا أخفى وإم ا أن تطلب الطالق وه و ح ق ش رعي هلا يف أن تنجب من رج ل آخ ر ق ال اهلل تع اىل‪:‬‬
‫{فإمساك مبعروف أو تسريح بإحسان}))‪.‬‬

‫كما يذهب الدكتور عبد املعطي بيومي عميد كلية أصول الدين جبامعة االزهر إىل (إن الفقهاء مل يرتكوا أمرا ميس حياة املسلمني‬
‫إال ووضعوا له احلكم الشرعي الواضح الصريح ألن احلياة الزوجية أساسها املودة والرمحة‪ .‬فإذا كان هناك أمر جيردها من املودة‬
‫والرمحة فإن اإلسالم يقدم احللول الكفيلة جبعل كل من الرجل واملرأة يعيش حياة بعيدة عن القلق و االضطراب‪ ,‬واحلالة املعروضة‬
‫أمامن ا هي أن الرج ل به عيب مينع ه من اإلجناب وق د عرضت مث ل ه ذه احلال ة على عم ر بن اخلط اب رض ي اهلل عن ه‪ ،‬حني ت زوج‬
‫رجل عقيم امرأة‪ ،‬ومل خيربها حبالته قبل الزواج‪ ،‬وملا عرض األمر على عمر‪ ،‬قال للرجل‪ :‬أأعلمتها؟ فأجاب الرجل بالنفي‪ ،‬فقال‬
‫له‪ :‬أعلمها‪ .‬مث خريها‪ ..‬وما دام قد ثبت طبيا أن هذا الرجل ال يصلح لإلجناب‪ ،‬ومادام قد أعلن زواجه ثالث سنوات‪ ،‬وهي مدة‬
‫كافي ة‪ ،‬إذ أن الفقه اء اش رتطوا يف الع نني‪ ،‬أي الع اجز عن االتص ال اجلنس ي إمهال ه ملدة س نة واح دة‪ ..‬مث حيق المرأت ه أن تطلب‬
‫الطالق‪ ..‬إذن فمن ح ق زوج ة ه ذا الرج ل أن تطلب الطالق‪ ،‬ألن العيب الفط ري املوج ود عن ده ال خيتل ف يف نتائج ه عن العيب‬
‫الذي كان عند اخلصي‪ .‬واإلسالم كله إنسانية‪ ..‬فمن واجب هذا الرجل أن خيري امرأته بني االنفصال والبقاء يف احلياة الزوجية‪.‬‬
‫وإذا بقيت برضاها فال بأس‪ .‬أما إذا طلبت الطالق لتحقيق أمومتها فمن حقها ذلك)‪.‬‬

‫وت رى ال دكتورة عبل ة الكحالوي أن ه (إذا ق رر األطب اء أن هن اك عقم ا يف الرج ل ال ي رجى عالج ه وتض ررت الزوج ة من ج راء‬
‫حرماهنا من األمومة بسبب عقم زوجها ومل جتد ما يعوضها عن ذلك من حنان الزوج وحبه أو من تربيته اليتامى من الفقراء أو‬
‫حنو ذلك‪ ،‬فإن من حقها أن تثبت للقضاء تضررها وتطلب الطالق لثبوت الضرر)‪.‬‬

‫وعند إمعان النظر يف احلكم حمل تعليقنا جند أنه قد أخذ بالقول الثاين للفقهاء املعاصرين الذين ذهبوا إىل جواز فسخ عقد الزواج‬
‫إذا كان الزوج عقيماً‪.‬‬

‫الوجه الخامس‪ :‬اغلب قوانني األحوال الشخصية يف الدول العربية ال تصرح بفسخ الزواج بسبب عقم الزوج‪ ،‬حيث مل تصرح‬
‫بفسخ الزواج بسبب عقم الزوج إال قوانني األحوال الشخصية يف اإلمارات والعراق وفلسطني و قانون األحوال الشخصية األردين‬
‫اجلديد‪ ،‬حيث ذكرت املادة (‪ )114‬من قانون األحوال الشخصية باإلمارات احلاالت اليت جيوز فيها فسخ عقد الزواج ومنها ما‬
‫ورد يف الفقرة(‪ )2‬من املادة املشار إليها اليت نصت على أنه حيق ألي من الزوجني طلب فسخ عقد الزواج (إذا ثبت بتقرير طيب‬
‫عقم الزوج األخر بعد زواج دام مخس سنوات وبعد العالج الطيب وشرط عدم وجود أوالد لطالب الفسخ وأن ال يتجاوز عمره‬
‫أربعني سنة) وقد تناول قانون األحوال الشخصية يف اإلمارات العقم ضمن العيوب اليت جيوز طلب فسخ الزواج إذا حتققت – يف‬
‫حني نصت املادة(‪ )43‬من قانون األحوال الشخصية العراقي على أن العقم سبب من األسباب اليت حيق للزوجة فقط أن تطلب‬
‫فسخ زواجها إذا كان زوجها عقيم اً فقد نصت املادة املشار إليها يف الفقرة (‪ )5‬على أنه للزوجة طلب التفريق(إذا كان الزوج‬
‫عقيم اً أو ابتلي بالعقم بعد الزواج ومل يكن للزوجة ولد منه على قيد احلياة) وقد تضمن مشروع قانون األحوال الشخصية يف‬
‫فلسطني واملنظور أمام اجمللس التشريعي الفلسطيين وذلك يف املادة(‪ )163‬واليت نصت على أنه (للزوجة طلب التفريق من زوجها‬
‫إذا أثبتت عقمه بتقريرين قطعيني من طبيبني خمتصني ثقتني معتمدين من اجلهات املختصة بوزارة الصحة)‪.‬‬
‫الوج ه الس ادس‪ :‬العي وب ال يت حيق لل زوج أو الزوج ة فس خ عق د ال زواج اذا م ا وج دت ليس ت حمص ورة يف ق واتني االح وال‬
‫الشخص ية يف ال دول العربي ة كاف ة ‪,‬حيث اخ ذت ه ذه الق وانني مبا ذهب الي ه ابن تيمي ة وتلمي ذه ابن القيم من ع دم حص ر عي وب‬
‫ال زوجني حبيث حيق الي من ال زوجني طلب فس خ عق د نكاح ه من ال زوج املعيب ب أي من العي وب او االم راض ال يت حتول دون‬
‫املعاش رة او كم ال االس تمتاع او تل ك ال يت ت ؤدي اىل انتش ار الع دوى اىل ال زوج الس ليم او انتق ال املرض او العيب اىل االوالد‬
‫شريطة ان يكون العيب او املرض منفراً للزوج السليم و ان يكون املرض او العيب مستحكماً يستغرق عالجه وقت اً طويالً يزيد‬
‫عن السنة ‪ ,‬يف حني ان القوانني العربية وان اخذت مبذهب ابن تيمية السابق ذكره اال اهنا مل تاخذ بضوابط العيوب اال فيما يتعلق‬
‫باالستحكام و العدوى واحليلولة دون املعاشرة ‪,‬ومن هذه القوانني قانون االحوال الشخصية اليمين الذي نصت املادة (‪)47‬منه‬
‫على انه (لكل من الزوجني طلب الفسخ اذا وجد بزوجه عيبا منفردا سواء كان العيب قائما قبل العقد او طرا بعده ‪ .‬ويعترب عيبا‬
‫يف الزوجني معا ‪( .‬اجلنون واجلذام والربص) ويعترب عيبا يف الزوجة (القرن والرتق والعفل) ‪ .‬ويسقط احلق يف طلب الفسخ بالرضاء‬
‫بالعيب صراحة او ضمنا اال يف اجلنون واجلذام والربص وغريها من االمراض املعدية املستعصي عالجها فانه يتجدد اخليار فيها وان‬
‫سبق الرضاء ‪ .‬ويثبت العيب اما باالقرار ممن هو موجود به او بتقرير من طبيب خمتص) ‪.‬وعند استقراء هذا النص جند ان العيوب‬
‫اليت حيق الزوج فسخ عقد الزواج عند وجوده ليست حمصورة ‪ ,‬الن العيوب املذكورة يف النص مذكورة على سبيل املثال وليس‬
‫احلص ر ‪,‬كم ا يظه ر من خالل مطالع ة النص الس ابق ان ض وابط العي وب هي ان يك ون العيب منف رداً أي يك ون يف اح د ال زوجني‬
‫فقط وليس عيب اً مشرتكاً يف الزوجني مع اً وان يكون العيب عصياً على العالج او مستعصياً ‪ ,‬وعند تطبيق هذين الضابطني على‬
‫عقم ال زوج جند ان ه يس تحكم عالج ه او يستعص ي عالج ه يف ح االت كث رية كم ا ان العقم اذا ك ان يف ال زوج فق ط فه و عيب‬
‫منفرد ‪ ,‬ولذلك يستطيع القاضي يف اليمن ويف غريها من الدول العربية اليت مل تصرح بذكر العقم ضمن العيوب اليت جيوز فسخ‬
‫ال زواج عن د حتققه ا يس تطيع القاض ي ان يفس خ ال زواج اذا طلبت الزوج ة فس خ عق د نكاحه ا من زوجه ا العقيم إال ان االمانة‬
‫العلمية تقتضي القول بان القضاة يف اليمن ويف غريها من الدول العربية اليت مل تنص قوانينها صراحة على الفسخ للعقم يتحرج‬
‫القض اة كث ريا عن احلكم بفس خ عق د ال زواج لعقم ال زوج ب ل ان بعض القض اة يف احملاكم االبتدائي ة حينم ا حكم وا بالفس خ لعقم‬
‫الزوج قامت حماكم االستئناف بالغاء تلك االحكام سواء يف اليمن او مصر او العراق وغريها ‪.‬‬

You might also like