Professional Documents
Culture Documents
احلكم حمل تعليقن ا ه و احلكم الص ادر من احملكم ة العام ة بالري اض اململك ة العربي ة الس عودية وال ذي ص ادقت علي ه حمكم ة التمي يز
والذي قضى بفسخ زواج إحدى الزوجات من زوجها العقيم-وخالصة هذا احلكم كما ورد يف صحيفة الرياض الصادرة بتاريخ
– 2سبتمرب 2013-م {{ أوال الدعوى واإلجابة :تقدمت امرأة أمام احملكمة بدعوى ضد زوجها مدعية بأهنا تزوجته منذ
مخسة عشر عاماً بوالية والدها ومنذ زواجها حىت تاريخ دعواها مل تنجب منه ،ولكونه رجالً عقيم اً طلبت من احملكمة فسخ عقد
نكاحها منه ،وبسؤال املدعى عليه أجاب بقوله ما ذكرته املدعية من ناحية الزواج بوالية والدها وأنين متزوج منها منذ مخس
عشرة سنة كل هذا صحيح أما طلبها الطالق فإنين لن أطلقها الن سبب طلبها الطالق هو حتريضها من قبل أهلها كما ان الزوج
ادعى بأهنا ام رأة عقيم ،وطلب الكش ف عليه ا ف وافقت املدعي ة على إج راء الكش ف عليه ا,وج رى س ؤال املدعى علي ه ه ل أخ رب
زوجته املدعية قبل زواجه منها بأنه عقيم؟ فقال :ال مل أخربها بذلك .مث جرى سؤال املدعية هل علمت بأن زوجها عقيم قبل
عقد النكاح أو بعده؟ فقالت :إنين ال أعلم إال بعد عقد النكاح والدخول بثالث سنوات,مث جرى سؤال املدعى عليه :هل سبق أن
تزوج قبل زواجه من املدعية؟ فقال نعم تزوجت بامرأة واستمر زواجي هبا سنتني مث طلقتها حيث تزوجت تلك املرأة بشخص
آخر وأجنبت منه وهي ابنة خاليت .مث جرى نصح الزوجة بأن تصرب على قضاء اهلل وقدره بزواجها باملدعى عليه وأهنا مأجورة
على صربها إن شاء اهلل ،فقالت املدعية :إن من حقي طلب الولد وإنين ال أرغب البقاء مع املدعي وإنين مستعدة إلعادة الصداق
الذي دفعه يل وقدره عشرة آالف رياال وهو املسمى يف العقد ،مث جرى نصح الزوج بأن يطلق امرأته املدعية مقابل ما بذلته وهو
املهر الذي فرضه هلا فقال :لن أطلقها.
ثاني اً التس بيب :فبن اء على م ا تق دم من ال دعوى واإلجاب ة وحيث ق رر املدعى علي ه بأن ه مل خيرب املدعي ة بأن ه رج ل عقيم وحيث
افادت املدعية بأهنا مل تعلم بأن املدعى عليه رجل عقيم إال بعد نكاحها بثالث سنني .وحيث أقر املدعى عليه بأنه سبق أن تزوج
بابن ة خالت ه وجلس معه ا س نتني ومل تنجب من ه وأن ه طلقه ا حيث ت زوجت برج ل آخ ر وأجنبت منه ،وبع د االطالع على التقري ر
الطيب املتضمن ((بأنه مت الكشف على املرأة ومت عمل حتليل هرموين ووجد أنه يف احلدود الطبيعية كما جرى هلا عمل أشعة صبغية
دلت هذه األشعة على أن حجم الرحم طبيعي وأن قناة فالوب اليمني والشمال غري مغلقة ،وعليه نستنتج بأن املرأة سليمة وميكن
أن حتمل بإذن اهلل ،وبعد االطالع على ما ذكره عبد الرزاق يف مصنفه ((أن عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه بعث رجالً على بعض
السعاية فتزوج امرأة وكان عقيماً فلما قدم على عمر ذكر ذلك له ،فقال عمر :هل أعلمتها أنك عقيم قال :ال ،قال عمر :فانطلق
فأعلمها مث خريها ((وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية :ولو ظهر أن الزوج عقيم فقياس قولنا بثبوت اخليار للمرأة ألن هلا حق يف الولد
وهلذا قلنا ال يعزل عن احلرة إال بإذهنا .وحيث إن املقرر يف الشريعة رفع الضرر عن املتضرر لقوله صلى اهلل عليه وسلم ((ال ضرر
وال ضرار)) وحيث إن من حق املرأة طلب الولد وحيث استعدت ببذل الصداق املسمى يف العقد.
ثالث اً الحكم :ق ررت احملكم ة فس خ عق د نك اح املدعي ة من زوجه ا املدعى علي ه على امله ر املس مى يف العق د وب ذلك حكمت
احملكمة وأفهمت املدعية بأن عليها العدة الشرعية وصادقت على احلكم حمكمة التمييز }}.
وسيكون تعليقنا على هذا احلكم حبسب األوجه اآلتية :
الوجه األول :صدرت يف اململكة العربية السعودية مؤخراً أنظمة كثرية جيب على القاضي هناك تطبيقها فقد صدر املرسوم امللكي
رقم ( )21بتاريخ 20/5/1421هـ باملوافقة على نظام املرافعات الشرعية واملرسوم امللكي رقم ( )78بتاريخ 19/9/1428هـ
باملوافقة على نظام القضاء وقرار وزير العدل رقم 4569باملوافقة على اللوائح التنفيذية لنظام املرافعات الشرعية ،إال أنه مل يصدر
بعد نظام عام لألحوال الشخصية يف السعودية ,ولذلك مل يشر احلكم حمل تعليقنا إىل نظام األحوال الشخصية ومل يستند يف قضائه
إىل هذا النظام ,حيث استند احلكم حمل تعليقنا إىل ما ورد يف كتاب املغين البن قدامة احلنبلي ,الن هناك مرسوم من امللك عبد
العزيز آل سعود كان قد حدد الكتب واملراجع الفقهية اليت جيب على القضاة االستناد إليها يف أحكامهم ومن هذه املراجع كتاب
املغين البن قدامة احلنبلي الذي استند إليه احلكم حمل تعليقنا .
الوج ه الث اني :احلكم حمل تعليقن ا ه و حكم هنائي ألن ه ص ادر من احملكم ة العام ة وق د ص ادقت علي ه حمكم ة التمي يز –والنظ ام
القضائي يف السعودية بأخذ بنظام التمييز القضائي التلقائي ألحكام القضاء بفسخ الزواج طبق اً لنظام املرافعات هناك ,حيث جيب
أن ترفع احملاكم العامة احكامها الصادرة بفسخ الزواج إىل حمكمة التمييز للمصادقة عليها أو تعديلها أو إلغائها حىت ولو مل يطعن
معمول به يف كثري من القوانني العربية
ٌ فيها أح ٌد من أطراف اخلصومة -ونظام التمييز أو التعقيب التلقائي ألحكام فسخ الزواج
ومنها القانون العراقي -ونظام التمييز والتعقيب التلقائي ألحكام فسخ الزواج نظام رشيد حيقق الرقابة املثلى من حمكمة التمييز أو
التعقيب على حماكم املوضوع للتأكد من صحة وسالمة إجراءات التقاضي وتطبيق القواعد الشرعية والقانونية نظراً لآلثار اخلطرية
املرتتبة على أحكام القضاء بفسخ الزواج وتعلقها بالنظام العام ،وبعض الدول تسلك مسلكاً آخرا يف ترشيد أحكام القضاء يف
فسخ الزواج وذلك عن طريق ضمان تدخل النيابة العامة يف قضايا فسخ الزواج ،ومما جيدر ذكره يف هذا الشأن أن احملاكم اليمنية
ال تسلك بأي من املسلكني.
الوجه الثالث :العقيم يف اللغة هو الذي ال يولد له ،ويطلق هذا املصطلح على الذكر واألنثى على حد سواء ،واالسم منه العقم
حسبما ذكر صاحب خمتار الصحاح وصاحب املصباح املنري يف مادة (عقم) أما عند األطباء فالعقم هو عدم قدرة الرجل على
اللقاح مع متكن الرجل من ممارسة العملية اجلنسية ،وقد اختلف الفقهاء املتقدمون بشأن فسخ الزواج بسبب العقم على قولني:
القول األول :ال يعد العقم عيباً من عيوب الزواج ,وبناء على ذلك ال حيق ألحد الزوجني فسخ النكاح بسبب عقم اآلخر،
وهذا هو قول الكمال بن اهلمام من احلنفية ،وهو قول املالكية إال احلطاب ،فقد جعله القول الظاهر عنده ،وكذلك فهو قول
الن ووي من الش افعية ،والش يباين من احلنابل ة ،وابن ح زم والش وكاين واإلباض ية يف الق ول املرج وح عن دهم ،ج اء عن الكم ال بن
اهلمام قوله { :ولو كان الزوج جيامع وال ينزل جلفاف مائه مل يكن هلا طلب التفريق} كما يقول الدردير من املالكية ....( :وال
يضر عدم النسل كالعقم) وجاء عن اخلرشي (وقيده-أي اخلصى – يف اجلواهر مبا إذا مل ينزل ألن اخليار إمنا هو بعدم متام اللذة ال
للوطء وكذلك ال ترجع العقيم) وقال احلطاب (وأما العقيم فالظاهر انه ال جيب عليه إخبارها به ألنه ليس بعيب) وأما النووي
فقد قال (وال خيار بكونه أو كوهنا عقيما ) كما جاء عن الشيباين من احلنابلة (وكون احدمها عقيماً فليس ذلك عيب اً ألن ذلك ال
مينع االستمتاع وال خيشي تعديه) قال يف شرح املقنع (وال نعلم يف هذا خالف اً بني أهل العلم إال احلسن فإنه قال إذا وجد اآلخر
عقيماً خيري)،وكذلك الظاهرية مل يعتربوا العقم عيب اً ،ألنه مل يثبت عندهم شيء من أدلة الفقهاء اليت استدلوا هبا على ثبوت اخليار
بالعيوب املعروفة ،وبناء عليه فالعقم ليس عيباً عندهم وكذلك األمر عند الشوكاين وأما اإلباضية فمنع الفسخ بالعقم عندهم قول
مرجوح حيث جاء يف شرح النيل (وقيل ال خيار هلا من العقيم).
إال أن هوالء الفقهاء مل يعللوا يف هذه األقوال سبب منعهم للفسخ إال ما جاء يف قويل اخلرشي والشيباين من أن العلة هي أن العقم
ال مينع من االستماع لذا ال حيق ألحد الزوجني الفسخ به ،وهذا بناء على أن املقصود من النكاح عندهم هو الوطء واالستمتاع،
ومع هذا فإن هذه العلة قد قصدها مجيع من ذكرناهم سابقاً من الفقهاء وان مل ينصوا على ذلك ،وهذا القول هو قول مجهور
الفقهاء حيث ورد يف املوسوعة الفقهية الكويتية (أ ّن مجهور الفقهاء ،اتفقوا على أ ّن العقم ليس عيباً يثبت به خيار طلب فسخ عقد
النّك اح إذا وج ده أح د ال ّزوجني يف اآلخ ر ،حيث ق ال ابن قدام ة :ال نعلم يف ه ذا بني أه ل العلم خالف اً إالّ أ ّن احلس ن ق ال :إذا
فأم ا
وأحب أمحد تب يني أم ره ،وق ال :عس ى امرأت ه تري د الول د ،وه ذا يف ابت داء النّك احّ ،
ّ الزوجني اآلخر عقيم اً خُي رّي ،
وج د أح د ّ
اب ،مثّ يول د له وهو
الفس خ فال يثبت به ،ول و ثبت ب ه لثبت باآليسة؛ وأل ّن العقم ال يُعلم ،فإ ّن رج االً ال يول د ألح دهم وه و ش ّ
يستحب ملن فيه العقم أن يُعلم اآلخر قبل العقد ،وال جيب عليه ذلك). ّ شيخ ،ولكن
القول الثاني :ذهب بعض الفقهاء الى ان العقم يعد عيباً ،وبناء على ذلك يثبت ألحد الزوجني خيار فسخ النكاح إذا كان
ص احبه عقيم اً ،وه ذا ه و الق ول املرج وح عن د احلط اب من املالكي ة ،وق ول احلس ن من احلنابل ة ،والق ول ال راجح عن د اإلباض ية،
واملستحب عند اإلمام أمحد أن خيربها بالعقم قبل العقد ،فقد جاء عن احلطاب قوله (وأما العقم فالظاهر أنه ال جيب إخبارها به)
وهذا يعين أن القول املقابل هلذا الظاهر أنه جيب أخبار الزوجة بالعقم ،وبناء عليه حيق هلا أن ختتار فسخ النكاح أو إبقاؤه وإال ملا
كان لإلخبار بالعقم معىن ,وجاء يف املغين البن قدامة (وأحب أمحد تبيني أمره –أي العقيم -وقال :عسى امرأته تريد الولد ،وهذا
يف ابت داء النك اح ،فأم ا الفس خ فال يثبت ب العقم) أي أن اإلم ام أمحد -رمحه اهلل -أحب اإلخب ار ب العقم قب ل النك اح ،كي ختت ار
الزوجة بني اإلقدام عليه وعدمه ،فلرمبا تكون راغبة يف الولد ،أما بعد العقد فال فسخ بالعقم (ألن ذلك ال يُعلم ,فإن رجاالً ال
يولد ألحدهم وهو شاب ،مث يولد له وهو شيخ)
وعلى هذا المعنى فلو قطع علم الطب بعقم الرجل وعدم رجاء نسله بسبب تلف عضوي فيه كضمور اخلصية وجفاف احلبال
املنوية املكونة هلا فإن ذلك يثبت اخليار بناء على كالم اإلم ام أمحد رمحه اهلل ،حيث حكم بعدم الفسخ لعدم القطع بالعقم كما
قال( :وألن ذلك ال يُعلم) ألن عدم العلم الذي حتدث عنه إمنا هو راجع إىل عدم وجود الطب التشخيصي آنذاك حيث يقوم هذا
الطب ب دور تش خيص األم راض ومعرف ة نتائجه ا ،كم ا ج اء يف ني ل املآرب للش يباين احلنبلي ( :وال نعلم خالف اً يف ه ذا – أي يف
عدم الفسخ بالعقم بني أهل العلم إال احلسن فإنه قال إذا وجد اآلخر عقيم اً خيري) وجاء يف شرح النيل لإلباضية ( ويلزمه إخبارها
بعقمه ،لعلها تريد الولد وقيل :ال خيار هلا من العقيم إن أطاق اجلماع).
وعند التأمل يف احلكم حمل تعليقنا جند أنه قد أخذ بالقول الثاين من أقوال الفقهاء السابق ذكرها.
الوجه الرابع :اختلف الفقهاء املعاصرون بشأن فسخ عقد الزواج للعقم مثلما اختلف الفقهاء املتقدمون والسابق ذكر خالفهم،
وبيان خالف الفقهاء املعاصرين بشأن الفسخ للعقم على النحو اآليت:
القول األول :ال يفسخ الزواج بسبب العقم حيث صدرت فتوى دار اإلفتاء املصرية واليت ذهبت إىل أنه من ("املقرر شرعا أنه
مادام عضو الذكورة يف الرجل يصلح لالتصال اجلنسي فال حق للزوجة يف طلب التطليق لعدم النسل ألن هذا السبب مبجرده ليس
مربرا لطلب املرأة الطالق من زوجها طاملا أن الزوج صاحل للمعاشرة الزوجية مع ان الزوجة تقول بأنه غري صاحل لإلجناب وهذا
ليس مربرا لطلب الطالق ) كما ان الشيخ عطية صقر -رئيس جلنة الفتوى األسبق باألزهر – رمحه اهلل – قد قال يف فتوى له :إ ّن
الفقه اء حتدثوا عن العي وب ال يت تعطي ال زوج احلق يف فس خ النّك اح ،ومنه ا ال ربص واجلذام واجلن ون والرت ق ـ أي انس داد م دخل
الذكر من الفرج ـ والقرن شيء يربز يف الفرج كقرن الشاة ،أو غدة متنع املخالطة .وقال بذلك األئمة الثالثة دون أيب حنيفة،
واتفق الفقهاء على أن عُقم املرأة وعدم إجناهبا ،ليس عيبًا حيث أنه ال مينع استمتاع الزوج هبا ،فليس له خيار الفسخ؛ ألن اإلجناب
الز ْوجة ,ولكن له احلق يف طالقها ،وترتتب يرجع إىل إرادة اهلل سبحانه ,وأضاف أنه من هنا ال ينفسخ العقد بظهور عدم إجناب ّ
الزوج قد دخل هبا فلو طلَّقها كان هلا مُؤخر الصداق ،و َن َف َق ة العِ دة،
أحكام الطّالق يف هذه احلالة ،كأية حالة أخرى ،فما دام ْ
وليس له أن يلزمها بإبرائه أو التنازل عن شيء من حقوقها ،إال إذا طلبت هي الطالق ،فيُمكن التّفاهم على ما تتنازل عنه ،وهذا
ما جيري عليه العمل يف احملاكم املصرية طب ًق ا للقانون رقم 78لسنة 1931م,وقال :إنه إذا ظهر أ ّن بالّزوج عيب مينع اإلجناب.
كأن يكون جمبوبً ا ـ أي مقطوع الذكر ـ أو عنينا ـ أي غري قادر على اجلماع لضعف خلقي أو كرب السن مثالً ـ أو خص يًّا ـ أي
مقطوع اخلصيتني ـ فللزوجة أن ترفع األمر إىل القضاء لطلب التفريق بينه وبينها ،وإذا ثبت ذلك عند القاضي بأي طريق من طرق
منع ا للضرر الذي يلحقها ـ وهذا الطالق يكون بائنً ا اإلثباتُ ،أمر الزوج بتطليقها ،فإن مل يطلقها ناب عنه القاضي يف تطليقها ً
بينونة صغرى لكن التفريق مشروط بعدم علمها حبالته قبل الزواج ،وبأال يُوجد منها ما يفيد رضاها باملكث معه بعد الزواج
ُ
والعِلم حباله) ،ويف االجتاه ذاته تذهب الدكتورة سعاد صاحل أستاذ الفقه -جامعة األزهر إىل القول بأنه (مع أن مجهور العلماء
ي رون ج واز التفري ق بني ال زوجني إذا طلب أح دمها لوج ود عيب من عي وب خمصوص ة ذكره ا العلم اء هي اجلب والعن ة واخلص اء
واجلنون واجلذام والربص يف الرجل والرتق والقرن واجلنون واجلذام والربص يف املرأة ،إال أنه مل ينقل يف مبلغ علمي عن العلماء أهنم
قالوا بصحة طلب التفريق لعدم اإلجناب ،إال رأي اً فردا نقله بن قدامه يف كتابه املغىن وفيه يقول احلسن البصري :إذا وجد أحد
الزوجني اآلخر عقيما فيثبت له اخليار يف فسخ الزواج ،وأما رأي أمحد بن حنبل وهو إمام املذهب احلنبلي فال يرى هذا الرأي وأنه
قال :أحب أن أتبني أمر الزوج وقال عسى امرأته تريد الولد وهذا يف ابتداء الزواج فأما الفسخ فال يثبت به (أي بالعقم) وعلى
ذل ك ففتح الب اب للق ول ب أن ك ل عيب ميكن أن يقل ل من هن اء احلي اة الزوجي ة جييز التفري ق بني ال زوجني ،ف إن ذل ك ي ؤدي إىل
تص دع األس ر وإىل فتح الب اب للخالف ات والقض ايا ال يت يك ثر فيه ا ادع اء أح د ال زوجني أم را من األم ور يف االخ ر ينغص حي اة
اآلخر).
القول الثاني :ذهب بعض الفقهاء املعاصرين إىل جواز فسخ عقد الزواج بسبب العقم ،حيث يقول الدكتور شعبان إمساعيل أستاذ
الفق ه جبامع ة األزه ر(( :إن اإلجناب ه و إح دى مثرات ال زواج ،فمن ح ق الزوج ة أن تش عر بنعم ة األموم ة ال يت تس عد فطرهتا
وطبيعتها ..ومن حق الزوج كذلك أن حتقق له نعمة البنوة ..بأن يكون أبا ويرى امتداد حياته وذكراه يف أبنائه ..فاهلل سبحانه
وتعاىل يقول{:هلل ملك السماوات واألرض خيلق ما يشاء يهب ملن يشاء إناثا ويهب ملن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا
وجيعل من يشاء عقيم ا إن ه عليم قدير} فهذه اآلي ة الكرمية تشري إىل أن اهلل تعاىل قسم الن اس إىل أربع ة أصناف ..صنف يوهب
اإلناث وليس معهم ذكر ..وصنف يوهب الذكور وليس معهم أناث ..وصنف يوهب اإلناث والذكور معا ..وصنف رابع ال
يهب ه ش يئا حلكم ة يعلمه ا اخلالق ج ل و عال ..ول ذلك ختمت اآلي ة الكرمية مبا يؤك د العقي دة الس ليمة يف نفس املس لم بأن ه ينبغي
التسليم ملشيئة اهلل تعاىل وإرادته ألنه أحاط بكل شئ علما ..وعدم إجناب هذا اإلنسان ليس ناشئا عن عجز القدرة اإلهلية وإمنا
ألمور أخ رى اهلل أعلم هبا ،واإلسالم حيث املسلم على أن يبحث عن السبب الذي ميكن أن حيول بينه وبني اإلجناب ..خاصة يف
هذه األيام اليت تقدم فيها العلم ..ولذلك يقول الرسول صلى اهلل عليه وسلم ":إن اهلل تعاىل مل خيلق داء إال خلق له دواء" فيجوز
لإلنسان أن يبحث عن السبب وعن العالج له سواء كان السبب من ناحية الزوج أو من ناحية الزوجة ,فإذا كانت الزوجة غري
صاحلة لإلجناب حق للزوج أن يتزوج بأخرى دون إضرار بالزوجة األوىل ..خاصة يف حالة استمرارها يف عدم اإلجناب فعليه أن
حيس ن عش رهتا ..وأن يع دل بينه ا وبني الزوج ة األخ رى وهلا ح ق الطالق إذا رغبت يف ذل ك .ول ه أن يوافقه ا على ذل ك أو أن
يرفض ،فليس العقم سببا يف انفصال الزوجني أما إذا كان الزوج هو الذي ال ينجب وثبت ذلك بعد الفحوص الطبية ،وثبت أن
الزوجة صاحلة لإلجناب ..فالزوجة يف هذه احلالة خمتارة ,إما أن تبقى على عشرهتا مع هذا الزوج صابرة حمتسبة مسلمة أمرها إىل
اهلل تع اىل ..ال ذي يعلم الس ر وم ا أخفى وإم ا أن تطلب الطالق وه و ح ق ش رعي هلا يف أن تنجب من رج ل آخ ر ق ال اهلل تع اىل:
{فإمساك مبعروف أو تسريح بإحسان})).
كما يذهب الدكتور عبد املعطي بيومي عميد كلية أصول الدين جبامعة االزهر إىل (إن الفقهاء مل يرتكوا أمرا ميس حياة املسلمني
إال ووضعوا له احلكم الشرعي الواضح الصريح ألن احلياة الزوجية أساسها املودة والرمحة .فإذا كان هناك أمر جيردها من املودة
والرمحة فإن اإلسالم يقدم احللول الكفيلة جبعل كل من الرجل واملرأة يعيش حياة بعيدة عن القلق و االضطراب ,واحلالة املعروضة
أمامن ا هي أن الرج ل به عيب مينع ه من اإلجناب وق د عرضت مث ل ه ذه احلال ة على عم ر بن اخلط اب رض ي اهلل عن ه ،حني ت زوج
رجل عقيم امرأة ،ومل خيربها حبالته قبل الزواج ،وملا عرض األمر على عمر ،قال للرجل :أأعلمتها؟ فأجاب الرجل بالنفي ،فقال
له :أعلمها .مث خريها ..وما دام قد ثبت طبيا أن هذا الرجل ال يصلح لإلجناب ،ومادام قد أعلن زواجه ثالث سنوات ،وهي مدة
كافي ة ،إذ أن الفقه اء اش رتطوا يف الع نني ،أي الع اجز عن االتص ال اجلنس ي إمهال ه ملدة س نة واح دة ..مث حيق المرأت ه أن تطلب
الطالق ..إذن فمن ح ق زوج ة ه ذا الرج ل أن تطلب الطالق ،ألن العيب الفط ري املوج ود عن ده ال خيتل ف يف نتائج ه عن العيب
الذي كان عند اخلصي .واإلسالم كله إنسانية ..فمن واجب هذا الرجل أن خيري امرأته بني االنفصال والبقاء يف احلياة الزوجية.
وإذا بقيت برضاها فال بأس .أما إذا طلبت الطالق لتحقيق أمومتها فمن حقها ذلك).
وت رى ال دكتورة عبل ة الكحالوي أن ه (إذا ق رر األطب اء أن هن اك عقم ا يف الرج ل ال ي رجى عالج ه وتض ررت الزوج ة من ج راء
حرماهنا من األمومة بسبب عقم زوجها ومل جتد ما يعوضها عن ذلك من حنان الزوج وحبه أو من تربيته اليتامى من الفقراء أو
حنو ذلك ،فإن من حقها أن تثبت للقضاء تضررها وتطلب الطالق لثبوت الضرر).
وعند إمعان النظر يف احلكم حمل تعليقنا جند أنه قد أخذ بالقول الثاين للفقهاء املعاصرين الذين ذهبوا إىل جواز فسخ عقد الزواج
إذا كان الزوج عقيماً.
الوجه الخامس :اغلب قوانني األحوال الشخصية يف الدول العربية ال تصرح بفسخ الزواج بسبب عقم الزوج ،حيث مل تصرح
بفسخ الزواج بسبب عقم الزوج إال قوانني األحوال الشخصية يف اإلمارات والعراق وفلسطني و قانون األحوال الشخصية األردين
اجلديد ،حيث ذكرت املادة ( )114من قانون األحوال الشخصية باإلمارات احلاالت اليت جيوز فيها فسخ عقد الزواج ومنها ما
ورد يف الفقرة( )2من املادة املشار إليها اليت نصت على أنه حيق ألي من الزوجني طلب فسخ عقد الزواج (إذا ثبت بتقرير طيب
عقم الزوج األخر بعد زواج دام مخس سنوات وبعد العالج الطيب وشرط عدم وجود أوالد لطالب الفسخ وأن ال يتجاوز عمره
أربعني سنة) وقد تناول قانون األحوال الشخصية يف اإلمارات العقم ضمن العيوب اليت جيوز طلب فسخ الزواج إذا حتققت – يف
حني نصت املادة( )43من قانون األحوال الشخصية العراقي على أن العقم سبب من األسباب اليت حيق للزوجة فقط أن تطلب
فسخ زواجها إذا كان زوجها عقيم اً فقد نصت املادة املشار إليها يف الفقرة ( )5على أنه للزوجة طلب التفريق(إذا كان الزوج
عقيم اً أو ابتلي بالعقم بعد الزواج ومل يكن للزوجة ولد منه على قيد احلياة) وقد تضمن مشروع قانون األحوال الشخصية يف
فلسطني واملنظور أمام اجمللس التشريعي الفلسطيين وذلك يف املادة( )163واليت نصت على أنه (للزوجة طلب التفريق من زوجها
إذا أثبتت عقمه بتقريرين قطعيني من طبيبني خمتصني ثقتني معتمدين من اجلهات املختصة بوزارة الصحة).
الوج ه الس ادس :العي وب ال يت حيق لل زوج أو الزوج ة فس خ عق د ال زواج اذا م ا وج دت ليس ت حمص ورة يف ق واتني االح وال
الشخص ية يف ال دول العربي ة كاف ة ,حيث اخ ذت ه ذه الق وانني مبا ذهب الي ه ابن تيمي ة وتلمي ذه ابن القيم من ع دم حص ر عي وب
ال زوجني حبيث حيق الي من ال زوجني طلب فس خ عق د نكاح ه من ال زوج املعيب ب أي من العي وب او االم راض ال يت حتول دون
املعاش رة او كم ال االس تمتاع او تل ك ال يت ت ؤدي اىل انتش ار الع دوى اىل ال زوج الس ليم او انتق ال املرض او العيب اىل االوالد
شريطة ان يكون العيب او املرض منفراً للزوج السليم و ان يكون املرض او العيب مستحكماً يستغرق عالجه وقت اً طويالً يزيد
عن السنة ,يف حني ان القوانني العربية وان اخذت مبذهب ابن تيمية السابق ذكره اال اهنا مل تاخذ بضوابط العيوب اال فيما يتعلق
باالستحكام و العدوى واحليلولة دون املعاشرة ,ومن هذه القوانني قانون االحوال الشخصية اليمين الذي نصت املادة ()47منه
على انه (لكل من الزوجني طلب الفسخ اذا وجد بزوجه عيبا منفردا سواء كان العيب قائما قبل العقد او طرا بعده .ويعترب عيبا
يف الزوجني معا ( .اجلنون واجلذام والربص) ويعترب عيبا يف الزوجة (القرن والرتق والعفل) .ويسقط احلق يف طلب الفسخ بالرضاء
بالعيب صراحة او ضمنا اال يف اجلنون واجلذام والربص وغريها من االمراض املعدية املستعصي عالجها فانه يتجدد اخليار فيها وان
سبق الرضاء .ويثبت العيب اما باالقرار ممن هو موجود به او بتقرير من طبيب خمتص) .وعند استقراء هذا النص جند ان العيوب
اليت حيق الزوج فسخ عقد الزواج عند وجوده ليست حمصورة ,الن العيوب املذكورة يف النص مذكورة على سبيل املثال وليس
احلص ر ,كم ا يظه ر من خالل مطالع ة النص الس ابق ان ض وابط العي وب هي ان يك ون العيب منف رداً أي يك ون يف اح د ال زوجني
فقط وليس عيب اً مشرتكاً يف الزوجني مع اً وان يكون العيب عصياً على العالج او مستعصياً ,وعند تطبيق هذين الضابطني على
عقم ال زوج جند ان ه يس تحكم عالج ه او يستعص ي عالج ه يف ح االت كث رية كم ا ان العقم اذا ك ان يف ال زوج فق ط فه و عيب
منفرد ,ولذلك يستطيع القاضي يف اليمن ويف غريها من الدول العربية اليت مل تصرح بذكر العقم ضمن العيوب اليت جيوز فسخ
ال زواج عن د حتققه ا يس تطيع القاض ي ان يفس خ ال زواج اذا طلبت الزوج ة فس خ عق د نكاحه ا من زوجه ا العقيم إال ان االمانة
العلمية تقتضي القول بان القضاة يف اليمن ويف غريها من الدول العربية اليت مل تنص قوانينها صراحة على الفسخ للعقم يتحرج
القض اة كث ريا عن احلكم بفس خ عق د ال زواج لعقم ال زوج ب ل ان بعض القض اة يف احملاكم االبتدائي ة حينم ا حكم وا بالفس خ لعقم
الزوج قامت حماكم االستئناف بالغاء تلك االحكام سواء يف اليمن او مصر او العراق وغريها .