Professional Documents
Culture Documents
تأليف
دكتورة
وفاء حممد كمال عبد اخلالق
أستاذ علم نفس النمو -قسم العلوم النفسية
كلية التربية للطفولة المبكرة -جامعة القاهرة
2018
الصفحة الموضوع
هـ المقدمة................................................................
245 التطبيقات..............................................................
نمو الطفل ومشكالته النفسية د
ه نمو الطفل ومشكالته النفسية
مقدمة
يهدف الكتاب في طبعته الحالية لتصحيح بعض المفاهيم السائدة التي شاعت
حتى أصبحت متعارفا ً عليها.
لتسهيل التغلب على المشكالت السلوكية واالجتماعية منذ مراحل الطفولة
الباكرة ،وحتى يمكن التدخل منذ المرحلة الجنينية لتجنبها؛ كي ال تتصاعد إلى
حد صعوبات التعلم النمائية وتبعاتها.
نرصد فيما يلي بعض المفاهيم الرئيسية التي يلزم إعادة الصياغة الكيفية
مضمونا ومحتوى لها.
لتحقيق الهدف المطلوب:
يهدف الكتاب للتعرف على أدوات المعرفة بخصائصها والمفاهيم المرتبطة
بها ،وبمن يقوم "بالعمليات" العقلية التي تنتج المعرفة وهو "اإلنسان" أو
"الشخصية ".
يتحقق هذا الهدف بالتعرف على عدد من المفاهيم الرئيسية التي يتناولها
هذا الكتاب لمعالجة القضايا العلمية التي يتعرض لشرحها ،من أهمها ما يلي:
-1مفهوم الشخصية.
-2مفهوم اللغة.
-3مفهوم األدوات.
-4مفهوم التعلم والتعليم.
-5الخصائص والصفات.
-6المعرفة.
-7التفكير.
نمو الطفل ومشكالته النفسية و
-8الذكاء.
-9النمو.
-11اللغة والمفاهيم اللغوية.
-11العامل المحدد والعوامل المؤثرة.
-12القدرات.
-13الدوافع الغريزية.
-14الدوافع والحاجات لرباعي الشخصية.
-15السلوك.
-16االستجابات.
-17األفعال الالإرادية
-18العمليات.
-19األداء.
-21النشاط.
-21التوظيف.
-22التدريب.
-23مفهوم الخبرة.
ترتبط المعرفة بنمو الشخصية "بالتعلم" وتوظيف "القدرات" العقلية في
صورة "عمليات" عقلية ،أولى هذه العمليات "اإلدراك" وستحظى هذه العملية
العقلية في هذا الكتاب باالهتمام والتوضيح والتعريف ،لتوضيح كيف "يدرك"
طفل المهد اللغة "بخصائصها" ويوظفها في التواصل االجتماعي في "الكالم".
يتعرف كيف يدرك الطفل خصائص "المفاهيم اللغوية" كمفهوم "الحرف"،
ز نمو الطفل ومشكالته النفسية
المؤلفة
وفاء محمد كمال
1 نمو الطفل ومشكالته النفسية
الفصل األول
إدراك املفاهيم األساسية
األهداف:
بعد دراسة هذا الفصل؛ ينبغي أن يكون الدارس ملمًّا بما يلي :
- 1المفاهيم الرئيسية (الخالفية) من حيث ماهيتها وخصائصها.
- 2المفاهيم والفرق بينها وبين الرموز.
- 3مفهوم التعلم والتعليم من وجهة نظر بعض المدارس السيكولوجية.
- 4مفهوم اللغة و" المفاهيم اللغوية " فيتعرف الدارس على خصائص كل
منهما ووظائفهما وأهدافهما ومجاالتهما.
- 5التعرف على عالقة التعلم والتعليم بأساسيات العلم وعالقتهما بنمو
الشخصية ككل والنمو المعرفي بوجه خاص.
- 6التعريف بمفهوم اإلدراك أولى العمليات العقلية وأنواعه "إدراك
حسي" (للغة المسموعة والمنطوقة) ،وإدراك المجردات كالمفاهيم
اللغوية – مفهوم " الحرف" و"الكلمة" و"الجملة".
- 7التعريف بأنواع اإلدراك "التلقائي" و"الواعي" بحسب المُدرَك
"صفات" أم "خصائص" اللغة والمفاهيم".
- 8التعرف على أهمية االتفاق على هذه المفاهيم وعدم الخلط بين الثروة
الكالمية وتعلم القراءة والكتابة ( اإلدراك للمفاهيم اللغوية) .
- 9شرح مفهوم القدرات العقلية والعمليات العقلية وأولها اإلدراك.
العناصر:
أساسيات العلم والمعرفة والتعلم. -
نمو الطفل ومشكالته النفسية 2
للمفاهيم اللغوية.
خصائص المفاهيم واللغة. -
ويت ناول هذا الف صل التعريف لخصائص اللغة وتوضيح استخدام الوليد للغة
منذ بداية مرحلة المهد وبعد "صرخة الميالد" التي تختلف اختالفًا جوهرياً عن
كونها " لغة ".
بالتعرف على خصائص المفاهيم بعامة والمفاهيم اللغوية بخاصة ،سيتم
تحديد تعريف المفهوم " "Conceptواللغة " "Languageواالدوات ""Tools
والتعلم والمعرفة " "Cognitionوالتفكير ""Thinking or Thought
وسيعرض الفصل لتعريف كل هذه المفاهيم من جوانب مختلفة.
أوالً -الماهية أو الجوهر.
ثانيًا -الوظيفة أو الفائدة واألهداف.
ثالثاً -التكوين ومراحل النمو للمفهوم ،وذلك من خالل التعرض لقضايا
رئيسية في مفهوم التعلم وأهدافه:
- 1الوعى والمعرفة.
- 2قضية األدوات واللغة.
- 3قضية التفاعل االجتماعي واستيعاب الخبرة البشرية.
- 4مناقشة مفاهيم القدرات العقلية والعمليات العقلية المعرفية.
كما يناقش مفهوم "التعلم التعاوني " الذى يتم بالممارسة والمحاكاة إلشباع
احتياجات اجتماعية ونفسية وتفاعلية ،وينتمى بشكل اكبر إلى تعلم الكالم والتعبير
عن االحتياجات والرغبات ونقل االفكار ،وقد تحدث فيه عيوب النطق والكالم،
ويفعله الطفل تلقائياً دون وعى بأنه يخرج كلمات ،وهذا ما نطلق عليه "لغة" الطفل
منذ إصداره "للنداء االجتماعي األول" أو البكاء بأصوات مختلفة تعبر عن احتياجه
للطعام بنغمة معينة ،او بكاء االلم والمغص مثالً بشكل خاص مصحوب بضم
األرج ل للبطن ،وينتج عن عدم االستجابة لهذا "النداء االجتماعي" االضطرابات
السلوكية التي تؤدي في النهاية إلى فقدان الرغبة في الحديث مع اآلخرين وفقدان
نمو الطفل ومشكالته النفسية 4
وهنا تلعب (اللغة) دورًا كبيرًا في تنمية المدركات الكلية ،وذلك ألن في
إمكان اللغة تكوين "تنظيم" "رمزي" مفصل كما أ نها تعمل على تكوين
اتصاالت رمزية ال حدود لها بين الفرد وبيئ ته ،وهنا تظهر أهمية اللغة في
العملية العقلية القائمة على الترميز للمفاهيم ،ويعرف قاموس التربية وعلم النفس
المفهوم بأنه " صورة ذهنية تمثل العنصر العام أو المسيرة العامة لجماعة ما ،أو
صنف ما دون اإلشارة إلى الصفات العارضة الخاصة بأفراد الجماعة".
ويعرف "ماكدونالد" المفهوم كما ورد في كتاب فؤاد أبو حطب وسيد
عثمان بأنه "تصنيف للمثيرات".
ويعرفه "ديسيكو" كما ذكره طلعت منصور بأنه "فئة من المثيرات بينها
خصائص مشتركة ،وهذه المثيرات قد تكون أشياء أو أشخاص أو أحداث ويمكن
في العادة تمي يز المفهوم بواسطة (اسمه).
كما يعرفه "تشايلد" بأنه تعميمات تنشأ من خالل تجريد الخصائص المميزة
واألساسية لبعض األحداث الحسية وتصنيفها".
ويعرف "استون" ( )Estonالمفهوم باعتباره تجريد للخصائص التي
ت شترك فيها األشياء أو المواقف أو األحداث ،بنفس المنطق يرى زكريا
الشربيني أن المفهوم هو "فكرة عامة نخرج بها نتيجة لخبرتنا بصنف معين من
األشياء ،ويشترك أفرادها في بعض الصفات".
كما يرى جابر عبد الحميد أن المفهوم " تجميع مجموعة من الوقائع أو
األشياء على أساس الخصائص التي تميز هذه المجموعة من األشياء عن
األشياء األخرى".
أشارت جميع التعاريف السابقة إلى "الخصائص" المشتركة ،و"الفكرة"
المجردة ،و"االسم" الذي يسمى به المفهوم أو "الكلمة" التي تطلق على المفهوم،
وتعتبر هذه الكلمة هي" الرمز " التي يطلقه اإلنسان على المفهوم ،في حين أن
الكلمة طريقة اصطنعها اإلنسان ليرمز بها لحدث أو واقعة ،أو مادة تختلف عن
الخبرة ،نجد أن المفاهيم أكثر من ذلك ،فهي تنوب عن جملة من الصفات
المشتركة بين مجموعة الرموز أو الصور.
9 نمو الطفل ومشكالته النفسية
وهكذا يتضح الفرق بين الرمز (الكلمة) والمفهوم (الفكرة) ،فاألول يقوم
مقام شيء محدد أو واقعة محددة ،في حين أن الثاني يمثل شيئًا ما تشترك فيه
عدة أشياء أو وقائع ،وعندما يتعلم الطفل القراءة ،فإنه في البداية يتصور،
األحرف كرموز وفي وقت الحق فقط (مع التع ليم الذي يهتم بالتكوين اإلرادي
للمفاهيم اللغوية) يكتسب المفاهيم الخاصة بالحروف ،ويعرف أن هناك مجموعة
من الرموز تجمعها فكرة واحدة وخصائص مشتركة تسمى هذه المجموعة
"الحروف األبجدية" فيتعرف بذلك بنا ًء على الخصائص الجوهرية لها على أي
من الحروف أينما وجده ،ويستخلص الحرف الذي عليه استخراجه من إحدى
ال سواء كان في
ا لكلمات بشكل صحيح ،فهو يتعرف على حرف (الدال) "د" مث ً
ال
أول الكلمة أو في م نتصفها أو في نهايتها سواء كان مسبوقًا بحرف أو متص ً
بحرف بعده ،سواء كان مكتوبًا أو مسموعًا وأيًا كانت طريقة كتابته.
وحينئذ فقط يكون قد تعرف على خصائص المفاهيم الخاصة بالحروف،
وتتوقف درجة امتالكه لهذه المعرفة على درجة "وعيه" للمفاهيم وطريقة
استيعابه لها ،هل هي "تلقائية" مباشرة قائمة على حفظ الخصائص المميزة
للمفهوم عن ظهر قلب ،أم هي مكونة طبقًا لخطة دراسية مقصودة ،استثارت
الوعي الكافي للطفل ،ليمتلك زمام هذه المفاهيم وتصير خططًا لحل مشكالت
جديدة ،بمعنى "التعلم" و " التعليم".
ويشرح قاموس علم النفس المفهوم أنه ذلك "النمط أو المستوى من العملية
ا لمعرفية الذي يتميز بالتفكير في الخصائص ،والمظاهر ،والعالقات بين
الموضوعات" ويتكو ن المفهوم من إجراء المقارنة ،والتعميم ،والتجريد ،ليصبح
بعد ذلك التحليل ممكنًا وأداته الرئيسية هي اللغة ،ويمثل المفهوم بالكلمة ،وهي
اسم المفهوم ،ولكي يستطيع الطفل امتالك ناصية اللغة األم ال بد أن يكّون
مفاهيم عن عناصر اللغة تنتهي بتكوين المدرك الكلي ،وال يتكون هذا المفهوم
إال بإعمال الفكر بطريقة "واعية" تقوم على أساس التفكير األكثر تركيبًا،
نمو الطفل ومشكالته النفسية 10
المعتمد على "الصيغ الرمزية" مثل; نسق اللغة أو نسق األرقام ،فإذا لم يستطع
اإلنسان تصنيف ما يحيط به من األشياء واألحداث ،فيكون من المستحيل عليه
أن يقوم بالعمليات العقلية شديدة التعقيد ،ويستطيع الفرد من خالل تصنيف ما
يدركه ويميزه أن يقدم العالم لنفسه من خالل تكوين مفاهيم الفئة (وهي ما يمثل
فئة من الموضوعات).
تكوين المفاهيم:
إن عملية تكوين المفهوم عملية ليست سهلة وتحتاج لدرجة كبيرة من
الخبرة والنمو العقلي إضافة إلى وجوب توافر شرطين لتكوينها:
أولهما :هو ضرورة إدراك الفرد للعناصر المشتركة للموضوعات; أو
األحداث وضرورة تجريده ،وذلك لتكوين تعميمات بناء على الخصائص وليس
بناءً على الصفات.
ثانيهما :ضرورة أن يكون الشخص قادرًا على "التمييز" بين العناصر
المتصلة بالمفهوم ،وتلك التي ال صلة لها بالتكوين الدقيق لمفاهيمه.
بمعنى أن يكون قادرًا على استخالص "الخصائص" دون "الصفات".
تتكو ن المفاهيم في المراحل المبكرة كصور ،ونطلق اسم الصورة الذهنية
Imageعن االستعادة الذهنية ألحد الموضوعات أو األحداث مما سبق التعرض
له كخبرة حسية معينة ،أيًا كانت الحاسة المستخدمة في إدراكه.
ومما تقدم تتضح أهمية العملية العقلية األولى التي ال بد من قيام الطفل بها
حتى يتمكن من تكوين وتفسير وتأويل ما تأتي به الحواس واستخالص
الخصائص المميزة للمفهوم مما يلزم بالضرورة التعرض بالتفصيل لعملية
اإلدراك.
حيث يرى الباحث ولش ( )Welshأن تكوين المفاهيم يتخذ طابعًا هرميًا
متدرجًا ،فيبدأ بإدراك (الخصائص) الصفات الحاسمة التي تنتمي إلى إحدى فئات
11 نمو الطفل ومشكالته النفسية
الموضوعات ،ثم تحديد الشروط األساسية لتوفرها ثم التوصل إلى فئات أشمل.
أوالً -اإلدراك:
يتضح من تحليل جميع التعريفات للمفهوم أنها قد أجمعت على وجود عملية
"اإلدراك" للخصائص المشتركة بين أفراد النوع ،ويعتبر اإلدراك انعكاس لعدد
من المؤثرات الخارجية ،إذ هو "المعرفة" الناتجة مباشرة عن هذه المؤثرات
الموجودة حولنا ،واألهم من ذلك أنه "ظاهرة نفسية" تجعلنا نشعر بما حولنا،
ونستوعبه في ظروفه الطبيعية ،كما أننا نعرف إدراكاتنا الحسية وما تمدنا به
من "معطيات" حسية و"أفكار" وأحالم "كمعرفتنا" للوجود المادي الخارجي في
استقاللها عنا ،كما أننا في النهاية "نعرف" القضايا التي نعبر بها عن مدركاتنا
ومش اعرنا وأفكارنا ،والموضوعات المادية ،أي أننا في النهاية نصب هذه
المعرفة في "قوالب لغوية" ،وهي ما تسمى "مفاهيم" وهي كما يراها (كلوزمير)
"وحدات البناء العقلي المعرفي للفرد" ،وهى البنية المعرفية األساسية للفرد ،كما
انها "األدوات" األساسية التي "يصنعها" العقل لتصبح أدواته التي يستخدمها في
"التفكير" و"التفاعل" فالفرد يدرك الخصائص المرتبطة بالموضوع ثم يجمعها
ثم يجردها ويضعها في قالب لغوى لتصبح الفكرة المحركة موضوعة في
"كلمة" تعبر عن الخصائ ص الجوهرية لهذا المدرك (مفهوم) المدرك.
ويقرر "جورج مور" أننا نعرف أوالً باإلدراك المباشر (المالحظة الذاتية)
ثم بالمالحظة بمعناها الواسع الذي يشمل كل من المالحظة والتجربة الذاتية
الخاصة بمشاعرنا وأفكارنا ،والمالحظة والتجربة بمشاعر وأفكار اآلخرين،
وأخيرًا نعرف باالستدالل العقلي الذي يقوم على "التعميم".
تعريف اإلدراك:
هو أولى العمليات العقلية التي نبدأ بها التفكير ،أدرك الشيء أي عرفه -
فهمه -فسره -ألم به -أحاط به علمًا ،ولقد اختلف العلماء في تناولهم لتعريف "
اإلدراك" ; تناوله فريق منهم بصفته انعكاس للواقع المادي المحسوس ،وترجمة
نمو الطفل ومشكالته النفسية 12
له في شعور المدرك ،في حين تناوله الفريق اآلخر بصفته عملية عقلية أكثر
تعقيداً من مجرد االنعكاس للواقع الخارجي ،وتتمثل في "التنظيم العقلي" القائم
على التصنيف والترميز والتعميم وتهدف لتكوين "المفاهيم العلمية" لكي تضمن
حل المشكالت بجميع أنواعها وإعادة التوافق بمعناه العام إلى حياة الفرد ككل.
وهكذا نرى فريق من العلماء توقف عند حد "تفسير" اإلدراك الحسي
وقوانينه وشروطه.
وفريق آخر درس اإلدراك في " تطوره كعملية عقلية عليا" ،تصل إلدراك
الكليات والمفاهيم ودراسة أنواع المدركات ومراحل نمو عملية اإلدراك ذاتها،
وشروط هذا النمو ووسائل ارتقاؤه وتنشيطه.
[أ] اإلدراك الحسي:
يرى العالم النفسي "وليم جيمس" أن "الشعور باألشياء المادية الخاصة
الحاضرة عند الحس هو ما نسميه في هذه األيام إدراكًا حسيًا ،والشعور بهذه
األشياء يختلف في الكمال والنقصان ،فقد يكون قاصرًا على اسم الشيء فقط أو
على خصائصه الجو هرية األخرى ويشمل ما تستدعيه هذه األشياء من معان
مختلفة وعالقات بعيدة ،إذا اإلحساس مضافًا إليه ما يتمثل في الذهن من المعاني
المتعلقة به هو ما يكون اإلدراك الحسي ،وهذا ما يدركه الطفل باالستماع للكالم
وإصدار أول صراخ بهدف النداء االجتماعي والتواصل االجتماعي.
أما "روستان" ( ،)Rostanفيرى أن "اإلدراك الحسي يتضمن شيئًا أكثر
من اإلحساس ،فهو يشمل ألفاً من الذكريات التي تضاف إلى المحسوس الظاهر
لتكمله ولتضبط معناه".
ومن ثم يعتبر اإلدراك الحسي شيء أكثر من "اإلحساس" األولى ،فهو
إدراك األشياء من حيث أشكالها وأحجامها وأعدادها ،ومن حيث حركتها
وسكونها.
13 نمو الطفل ومشكالته النفسية
واإلدراك هو العملية التي تتم فيما بين اإلحساس واالستجابة ،بمعنى أنه
مجموعة العمليات الداخلية المتمثلة في نشاط الخاليا العصبية الذي ينتقل من
الحواس التي أثيرت إلى المخ ،حيث يترجمها إلى معان ويجسمها في صورة
موضوعات وحوادث في ال بيئة الخاصة بالفرد ،وهذه العملية " الوسيطة" ال
توجد إال عند اإلنسان ،حيث أن جميع استجابات الحيوانات تتم مباشرة فور
اإلحساس بالمثير ترسل اإلشارات الخاصة بهذا المثير إلى الخاليا العصية بالمخ
ليرسل رد الفعل مباشرة ،فاإلحساس عند الحيوان يتم كحلقة مكونة من
عنصرين (المثير -االستجابة) ،وهذه العملية تسمى اإلحساس وهي تظهر عند
اإلنسان في حاالت الفعل المنعكس ورد الفعل الطبيعي.
ويبدأ اإلدراك بالمثير واإلحساس بهذا المثير ،ثم عملية وسيطة تنتهي
باالستجابة ،وهذا ما يسمى باإلدراك الحسي ،ويقصد به "قيام الفرد بتنظيم أو
تفسير ،أو تصنيف لما يرى أو يسمع أو يلمس ،فهو عملية "تأويل" لإلحساسات
تأويالً يزودنا بمعلومات عما في عالمنا الخارجي من األشياء ،وهو العملية التي
تتم بها "معرفتنا" لما حولنا من أشياء عن طريق الحواس " " ،فالمنبهات الحسية
حين تقرع حواسنا ينتقل اثر هذه المنبهات عن طريق أعصاب خاصة -هى
األعصاب الموردة -إلى مراكز عصبية في المخ ،وهناك تترجم هذه األشياء إلى
حاالت شعورية نوعية بسيطة هي ما تعرف باإلحساسات".
وتتأثر المدركات الحسية بمدى نضج الحواس المختلفة التي ترصد وتسجل
المثيرات الخارجية ،وتتأثر أيضا بمستوى نمو الجهاز العصبي المركزي الذي
يتلقى هذه الصور الحسية ويضفي عليها المعاني النفسية الصحيحة ،وهذا
يوضح أن اإلدراك الحسي ليس مجرد إحساس سمعي ،بصري ،شمي ،وبالتالي
فنحن ال نرى أو نسمع منبهات حسية أو سمعية ،بل نرى أشياء وأحداث
ومناظر ،ونسمع أصوات نميز منها صوت اإل نسان ،أو الحيوان ،ثم ندرك ما
وراء تلك اإلحساسات السمعية والبصرية ونعطيها "معنى خاص" بواسطة
نمو الطفل ومشكالته النفسية 14
أي عملية للتنظيم أو التفسير ،فقد ينتبه مجموعة من األفراد إلى شيء معين ثم
نالحظ أن كال منهم قد أدركه بطريقته الخاصة.
وذلك أن الفرد بما لديه من اتجاهات وخبرات وقيم وذكريات وأفكار ودوافع،
وهذه كلها حصيلة لتفاعل الفرد مع بيئته ،خاصة ببيئته االجتماعية يتأثر بها
إدراكه للمؤثرات وتفسيره للحوادث التي يقع عليها انتباهه ،أي أن اإلدراك يتوقف
على عوامل موجودة في البيئة ،أو في طبيعة المثير نفسه من حيث شدته ونوعه
ولونه وحجمه ،وأيضًا على التفاعل الذي يتم بين هذه العوامل.
وقد يكون الضرر أبلغ ،تتجلى في هذا المثال المرحلة الوسيطة التي تسمى
اإلدراك ،فقد تم إرسال الشعور بالحرارة إلى المخ وكان الرد الطبيعي أن أبعد
يداي عن مصدر األلم ،ولكن حدثت عمليات "تفسير" و"تأويل" للمثير ثم
"تصور ذهني" لما يمكن أن يحدث ،ثم "تقدير" و"مقارنة" بين استجابتين ،ثم
"اختيار" أقلهما ضررًا ،إذن العمليات العقلية التي تمت ،والتنبؤ بالنتائج،
واستعادة الخبرات ،كل هذه عمليات عقلية بالغة التعقيد ،تمت في لحظات تدخل
اإلدراك لمفهوم الحرارة في بدايتها حتى انتهت بالسلوك التكيفي النهائي.
[ب] اإلدراك كعملية عقلية:
وهكذا يتبين أن اإلدراك ليس مجرد استنساخ ما في البيئة من منبهات عن
طريق الحواس فق ط ،وإنما هو عملية معقدة يؤديها الدماغ تتضمن الغربلة
والتصنيف والتعليل والتفسير لطبيعة تلك المثيرات ،وما أدركه فيها هل أدرك
صفاتها أم أدرك خصائصها مثلما يحدث عند إدراك المفاهيم اللغوية ،إما أن
تتكون لدى "أشباه مفاهيم" مختلفة في حالة إدراكي "لصفات" الحروف
وا لكلمات المكتوبة أو المقروءة أو ينتج لدى "مفاهيم لغوية" واضحة
"بخصائصها" التي تميز صورة وصوت وشكل كل حرف مكتوب سواء كان
في أول الكلمة أو وسطها أو آخرها.
ويستطيع اإلنسان من خالل اإلدراك ان ينظم إحساساته ويلم بالواقع ،حيث
يعتبر اإلدراك إلمام وإحاطة بالعالم الخارجي بمساعدة الحواس ،أي بصفته
عملية تنظيمية لما تأتي به الحواس.
قال "بيبرون" ( " )Pebronاإلدراك هو اإللمام الحسي باألشياء واألحداث
الخارجية التي تولد إحساسات كثيرة ومعقدة ،وينظر بيبرون لإلدراك بوصفه
تفسيرًا وتحديدًا للداللة ،يبني على التجربة وتستند هذه التجربة بدورها على
ردود الفعل المنعكسة الناشئة عن المنبهات والمثيرات الخارجية المحيطة
بالفرد ف ي مستوى ما تحت قشرة الدماغ ،وإذا امتنعت هذه التجربة في المجال
نمو الطفل ومشكالته النفسية 18
التي تقع في محيط رؤية الطفل كالقطة والزهرة والطائر اسم التعريف
الظاهري ،حيث يسميها جميعًا باسم واحد تشترك بسببه في خاصية معينة،
فالطفل هنا ال يعطى الت سمية السليمة للمدرك ،وقد يطلق تسمية لمدرك ما من
عنده ،كما هو الحال حينما يرى الحرف المكتوب ويطلق اسم واحد على كل
من( :ب ت ث ،ج ح خ ...إلخ).
هذا وقد أيد "وتجنستين" ( )Wittgensteinما قاله "رسل" ومعنى ذلك أن
الطفل خلق أسماء لمدركات ويبقي عليه أن يغ ير هذه األسماء ويحل محلها
التسميات التي نستخدمها نحن الكبار ،لكن هذه العملية صعبة بالنسبة للطفل،
ومن المحتمل أن يختفي التعريف الظاهري عندما يبدأ الطفل فعالً تعلم اللغة،
وهذا التعلم والفهم يتضمن :أن تدرك ما أعني ،وأن تدركه إدراكًا صحيحًا ،ال
يمكن أن يكون هذا مجرد استجابات سلوكية ،وقد ال يعني أول تعلم للكلمات وما
يالزمها من تكوين المدركات والمعاني استخدامًا للغة ،فنحن نعلم الطفل تدريجيًا
كيف يتعرف على "الكرات" و"الزجاجات" و"قطع البسكويت" فنسمي الشيء -
في نفس الوقت الذي نتناوله ونتعامل معه العملية العقلية تسمى الترميز -وقد
يستطي ع الطفل تكوين بعض المدركات دون توجيه من اللغة ،بل إننا قد نميز بين
شيئ ين دون أن نستطيع التعبير الدقيق عن الفرق بينهما.
ويمكن أن نكون مدركات على مختلف مستويات الوعي ابتداء من مستوى
التعرف المتردد -عندما نرى شيئًا ما -إلى المستوى الذي نستطيع فيه أن
نستخدم مفهوم الفئة وبه نتعرف على شيء ما.
المستوى األول ملموس ومحسوس ،وهو بسيط في غير تعقيد ،والمستوى
األخير مبنى على تعريف معنوي ،وهو بهذا أكثر تعقيداً وأصعب في عملية
التعرف.
هذا ،وقد اعتبرت "مارجريت كورثي" ( )Margreret Cortheأن
"المدرك" أحد عناصر الخبرة المباشرة وأنه ذو القدرة على الترميز الوظيفي
نمو الطفل ومشكالته النفسية 20
ومن هذه األمثلة نستدل على أن الطفل يستطيع تكوين مدرك "الحرارة"
على الرغم من أنه قد يعممه بطري قة خاطئة في بعض األحيان ،فقد يتكون تبعًا
لكلمة "ساخن" لدى الطفل بعض الصفات غير الرئيسية في تعريف "ساخن"،
فالطفل يقوم بتعميم بعض الصفات التي الحظها أثناء الربط بين تحذير "ساخن"
وبين شكل أو لون الشيء الساخن ،لذلك فقد اعتبره "وارن" (" )Warenحالة
عقلية تشير إلى مجموعة من الموضوعات أو الخبرات أو إلى موضوع واحد
في عالقته بغيره من الموضوعات".
أما "انجليش" ( ،)Englishفقد نظر للمدرك بمعناه الواسع واعتبره "أي
موضوع شعوري يتضمن معنى وداللة ،فهي أي شيء يمكن أن يفكر فيه الفرد،
ويميزه عن غيره من األشياء األخرى ،.كما اعتبره "معنى عام أو كلي يمكن أن
يتنبأ به عدد من األفراد" ،وهو المعرفة التي ال تدرك مباشرة عن طريق اإلدراك
الحسي ،ولكن يكون نتيجة الستنتاج العالقة بين مجموعة من المدركات الحسية.
في حين يرى " فيرنبالك "( )Vernplankأن المدرك" استجابة لفظية أو
حركية تحدث بطريقة متميزة ومض بوطة لفئة محددة من المثيرات أو
الموضوعات البينية ،وقد تختلف أعضاء الفئة فيما بينها من جميع النواحي فيما
عدا خاصية واحدة قابلة للقياس".
وأغلب المدركات عبارة عن حاالت تشير إلى خاصية عامة مثل األرض،
الكلمة ،الجملة ،السرعة والطول ونحوها.
أما "أدكوك" ( )Adcockفيؤكد على أ همية الرموز في تكوين اإلدراك
فيقول " أنه من خالل محاوالتنا للوصول إلى حقائق نحاول ان نقيم الوحدة
والتكامل فيما بين وحدات متعددة وأجزاء كثيرة نتعرف عليها ،ومن أجل
مواجهة هذا الحشد من الحقائق ال بد أن نلجأ إلى رموز معينة بحيث يعبر الرمز
عن مجموعة من األشياء المتشابهة".
وباختصار ،فنحن ال ندرك الحقيقة في إجمالها ،وما محاولة تحليلها إلى
نمو الطفل ومشكالته النفسية 22
يصب في "قالب لغوي" حتى يمكن نقل أفكارنا إلى اآلخرين ،وحتى تتوارث
اإل نسانية التراث البشري ،وحتى ال تبدأ األجيال حياتها وحضارتها من الصفر.
مما تقدم ،يمكن استخالص ثمانية خصائص للمفاهيم:
- 1هي أدوات مصنعة.
- 2قصدية تم تصنيعها قصدًا بطريقة متعمدة.
- 3تسعى لتحقيق هدف عقلي نفسي اجتماعي وليس إلشباع احتياجات
فس يولوجية فقط ،كما هو الحال في عالم الكائنات األخرى التي تستخدم
ردود األفعال إلعادة االتزان الفسيولوجي.
- 4تتعدل وتتغير حتى يمكنها تحقيق الهدف.
- 5يمكن مراجعتها بعد فترة زمنية واستخالص مفاهيم جديدة تعمم لحل
مشكالت أخرى.
- 6اتفاقية.
- 7اجتماعية المنشأ.
- 8تعتمد على الخبرة السابقة.
مما تقدم يمكن أن نصل إلى أن اللغة لها نفس الخصائص ،وهي القوالب
الرمزية التي تحمل المفاهيم إلى أفراد المجتمع وباقي المجتمعات األخرى.
خالصة التعريف اإلجرائي للمفاهيم أي "اللغة" بكل صورها سواء "كالم"
أو إشارة ...إلخ.
من الخصائص السابق ذكرها للمفاهيم ،نخلص للتعريف التالي" :المفاهيم
هى أدوات للمعرفة ،اصطنعها العقل في المجتمع البشري معتمداً على الخبرة
اإلنسانية المتوارثة لتحقيق أهداف التواصل االجتماعي ،وإشباع حاجات
الشخصية ،وإعادة االتزان وإصالح أي خلل يحدث في نظام الفكر ،والتعبير
نمو الطفل ومشكالته النفسية 24
عن أفكار األفراد ونقلها لآلخرين في قوالب لغوية تصب فيها الخبرات وينقل
بها التراث الحضاري الذي تتوارثه األجيال ،فال يمكن أن يبدأ جيل من األجيال
البشرية في مجال الثقافة والعلم والخبر من الصفر ،فالتراث البشري محفوظ في
هذه القوالب اللغوية التي تسمى مفاهيم وما على األجيال إال أن تعمل على فهمه
وتتبع نمو مدلوله والتعرف على محتواه حتى تتضاعف الخبرة البشرية ،وتنمو
المجتمعات اإلنسانية ،فال وجود لألدوات إال في عالم اإلنسان ،بدليل اعتماد
البشرية على قضايا رئيسية ،أولها قضية المعرفة (الوعى) ،وثانيها قضية
األدوات ،تصنيعها ،واستخدامها ،وثالثها قضية التفاعل االجتماعي
أوالً -قضية المعرفة (الوعي):
فاإلنسان منذ خروجه للحياة يدفعه حب االستطالع لالستكشاف بهدف
المعرفة ،فهي حاجة ملحة ال تهدأ إال مع بداية إعمال العقل في العمليات العقلية التي
بدأ اإلدراك الحسي وتنتهي بإدراك المفاهيم ،وتحتوي هذه القضية على محاور عدة
كالتعلم ،والتعليم ،والعمليات العقلية ،والقدرات العقلية ،وتوظيفها ونموها من التلقائية
الحياتية إلي الوعي ،وتتحول المعلومات ومعطيات البيئة من خالل عمليات تكوين
المفاهيم ومراحل نموها إلي خبرات وأدوات لحل مشكالت مستخدمه.
ثانيًا -قضية األدوات -تصنيعها -واستخدامها:
- 1رموز اللغة (عند اإلنسان حتى في مرحلة المهد) ،والفرق الجوهري
بينهما وبين الصوت عند الحيوان الذى يستخدمه كما هو (مادة خام)
في عمليات ردود أفعال.
- 2التفكير وعالقته باللغة.
- 3تمثُ ل الخبرة االجتماعية واستدخالها.
- 4نمو الوعي بواسطة األدوات (اللغة) و(المفاهيم).
- 5نمو الشخصية البشرية في المجتمعات اإلنسانية.
25 نمو الطفل ومشكالته النفسية
الفصل الثاني
األساس النظري للتعرف على منو الشخصية
األهداف:
يتناول الكتاب في الفصل الثاني األساس النظري للتعرف على نمو
الشخصية ككل تعريفاً إجرائياً بهدف سهولة قياس النمو ،وتحديد مستواه وعالقة
النمو بالشخصية وخصائص الشخصية.
العفاصر:
- 1موضوع دراسات الطفولة والنمو وهو "الشخصية" والتعريف
اإلجرائي لها وخصائصها:
- 3التكامل. - 2التفاعل. - 1الكلية.
- 6التمايز. - 5الثبات النسبي. - 4الديناميكية.
- 2وتعريف النمو ومنهج الدراسة للشخصية ونموها.
- 3الدراسة العلمية المنظمة لسيكولوجية الطفولة.
- 4خصائص المنهج العلمي المتبع في الدراسة وخطواته.
- 5طرق الدراسة – الطولية والعرضية.
- 6أهمية دراسة علم نفس النمو.
حظيت دراسات الطفولة باهتمام خاص بفضل جهود العالم الفرنسي ستانلي
عام ، 1904األمر الذي دفع كثيراً من األخصائيين النفسيين والمربين وجميع
العاملين في مجال الطفولة إلى االهتمام بدراسة الطفل وتربيته تربية سليمة
قائمة على أساس إتاحة الفرصة للنمو الحر طبقاً لما يحتاجه الطفل من
احتياجات جسمية ونفسية وعقلية واجتماعية تنمو وتتطور تبعاً لمراحل النمو
نمو الطفل ومشكالهت الففية 30
فدراسة الشخصية من الدراسات العريقة التي بدأت منذ بدء التفكير في علم
النفس بفروعه جميعها ،وهو من المفاهيم الالزمة لكل فروع العلم ،فعلم نفس
النمو يتناولها في نموها وتطورها وعلم النفس المرضي والصحة النفسية
يتناولها في حالة اعتاللها وتكاملها واتزانها ...إلخ.
وهو نتاج عمليات التنشئة االجتماعية ،كما أنها مجموعة الصفات
والخصائص االجتماعية والعقلية والبدنية والنفسية التي يقدر لكل فرد أن ينميها
بتفاعله الداخلية والخارجي" ،وقد جاءت كلمة الشخصية في اللغة العربية بمعنى
خرج من موضع إلى غيره" ألنها مشتقة من كلمة شخص مثل شخص يشخص
شخوصاً وبمعنى آخر شخص شخوصاً أي ارتفع.
هذا المعنى قريبة من الكلمة الالتينية Personالتي اشتق منها لفظ
Personalityباللغة اإلنجليزية ،بالفرنسية Personalitiéوهو ذلك القناع الذي
يلبسه الممثل أثناء تأدية دوره على المسرح.
وقد اهتم عدد كبير من العلماء بتعريف الشخصية مثل ألبورت Allport
الذي عرفها بأنها التنظيم الديناميكي في نفس الفرد لتلك االستعدادات النفسية
التي تحدد طريقته الخاصة في التكيف مع البيئة ،وهذا المعنى الذي اتخذه
ألبورت يأخذ اتجاهين:
االهتجاه األول :وهو تعبير عن جوهر اإلنسان أو الطبيعة الداخلية.
االهتجاه الثاني :الذي يتخذه اللفظ كتعبير عن المظهر السطحي الخارجي.
إن كال االتجاهين في النظر إلى الشخصية بينهما خالف كبير؛ ذلك أن
التعريف المظهري للشخصية مستمد من المعنى األصلي ،Personaأما االتجاه
اآلخر وهو الذي يشير إلى التعريف الجوهري للشخصية فإنه يقوم على أساس
االهتمام بجوهر الفرد وطبيعته الداخلية التي كانت تفترض وجودها إلى جانب
المظهر الخارجي للشخص.
نمو الطفل ومشكالهت الففية 32
يستطيع أن يخرج على هذه القاعدة بأن أي مبدأ نظرياً قد أصبح متفقاً عليه فيما
يتعلق بأي ظاهرة من الظواهر التي تخضع للدراسة العلمية ذلك هو المبدأ الذي
يقرر أن تعريف أي ظاهرة ال يكون مفيداً من الناحية العلمية ما يُصغ بعبارات
"إجرائية" أي بعبارات تسمح بمالحظة الظاهرة وإعادة خلقها لكي يتسنى
دراستها دراسة تجريبية ،مبنية على المالحظة والقياس.
ويعرف هذا النوع من التعريف "بالتعريف اإلجرائي" ،ألنه يقتصر على
العمليات أو اإلجراءات التي يقوم بها الباحث للحصول على الظاهرة التي
يدرسها ،بمعنى أن هذا التعريف يحدد الظاهرة المعنية عن طريق تحديد
العمليات أو اإلجراءات التي تؤدي إلى مالحظة أو قياس تلك الظاهرة .بعد هذا
العرض يحق للقارئ السؤال:
ما هو التعريف اإلجرائي للشخصة وما هي خصائص هذا التعريف؟
لإلجابة على هذا السؤال ال بُدَّ لنا أوالً أن نذكر أن التعريف السليم يجب أن
يكون تعريفاً جامعاً مانعاً ،أي يجم ع كل مكونات وخصائص الشيء المعرف
ويمنع أي خصائص أو مكونات غريبة "لمعرف آخر" أن تندرج تحت تعريف
هذا الشيء.
فالشخصية كما ندرسها حالياً هي ذلك الكل ،بمعنى الكل أنه تركيبه خاصة
ال تتحقق إال بوجود كل األجزاء معاً في وقت واحد ومكان واحد فمن منا رأى
نصف الشخصية في مكان والنصف الثاني في مكان آخر؟!
كذلك يعني أن هذا الكل ال يمكن فصله أو تجزئته وإال انفك ذلك المفهوم
الرباعي ،يقصد به أنه ذو أربع زوايا أو اتجاهات ال يكتمل المفهوم إال بهم،
وأولهم ذلك القالب المادي البادي للعيان تلك اآللة بالغة التعقيد بما يظهر منها من
مك ونات وأجزاء وعمليات فسيولوجية وما يختفي ورائها من دوافع واحتياجات
فسيولوجية متعددة ،وهو ما يسمى بالجسم ،ثم نجد الجزء العقلي الذي يتمثل في
العمليات العقلية المختلفة من تفكير وتصور وتخيل وإدراك متعدد األنواع
نمو الطفل ومشكالهت الففية 34
والدرجات إلى آخر هذه العمليات ومفهوم هذا الجزء يزيد حتماً عن ما يعرف
بالمخ ولكن تصدر هذه العمليات عنه ودوافع هذه العمليات هي الحاجة للمعرفة
وحب االستطالع والرغبة في حل المشكالت التي تتيح في النهاية للعقل حالة
إزالة التوتر الناشئ عن وجود مشكلة ليس لها حل وتعيد للشخصية ككل حالة
االتزان التي تعتبر هدفا أسمى لكل عمل الشخصية بكل جوانبها.
ثم الجزء النفسي ،وهو ال يُرى بذاته وإنما يظهر في االستجابات النمطية
للشخصية أثناء تفاعلها نفسياً مع باقي مكوناتها ومع المجتمع ،ويلعب مفهوم الحاجة
دوراً أساسياً في دراسة الجزء النفسي من الشخصية ،فلكي يتم إشباع الحاجات
النفسية ي نبغي أن يتهيأ الموقف المناسب ،والوسيط الذي يسمح بهذا اإلشباع.
وإذا وجدت الحاجة وسيط إشباعها يظهر لدى الفرد االستعداد إلنجاز
العمل ،وهذا االستعداد يتمثل في الحالة التي تشمل الفرد أثناء القيام بهذا العمل
أو ذاك ،وكذلك تظهر هذه الحالة في االتجاهات والميول والعواطف بصفتها
طاقات للدوافع ،وتعتبر الحاجات العاطفية والميول واالتجاهات دوافع للعمل
النفسي والوظائف النفسية.
وأخيراً الجزء االجتماعي من الشخصية في تفاعله الداخلي مع باقي جوانب
الشخصية ،ويتميز الجزء االجتماعي للشخصية بالدور الحاسم الذي يلعبه نظام
الحاجات و األهداف الذي يحدد سلوك الفرد وخصائصه االجتماعية والنفسية
والنمائية ،وفي نفس الوقت تتحدد الحاجات واألهداف بالوضع االجتماعي للفرد
وليس بطريقة فورية مباشرة ،ولكن حسب الطريقة التي يفهم بها الفرد وضعه
االجتماعي ،وبخبرته والطريقة التي يحدد بها عالقته باآلخرين وتقييمه
لشخصيته ومستوى طموحه ،وهنا تعمل األسباب الخارجية من خالل الشروط
الداخلية للفرد نفسه ويدرك الفرد نفسه وتأثيره على اآلخرين.
وأول هذه االحتياجات االجتماعية هي احتياجه ألن يكون فرداً في جماعة،
وينمو نظام األهداف والحاجات االجتماعية والنفسية حتى تصير حاجات الفرد
35 نمو الطفل ومشكالهت الففية
في العمليات العقلية ،كذلك ال يخفى أثر بعض الدوافع الجسمية على العمليات
المعرفية ،كذلك من الواضح جداً أثر العواطف على عمل الجسم وأجهزته ،هنا
يحمر الوجه خجالً ويدق القلب بسرعة وتعمل بشدة الغدد العرقية ،حيث ال ترى
العين إال جانباً واحداً من جوانب الموضوع ،في حين أنها قادرة على الرؤية
التامة الشاملة لكل الجوانب إلى آخر ما هو معروف في حاالت الحب
والعواطف الجياشة.
الديفامةكة :التغير الدائم ،وهذه الخاصية التي تميز الشخصية توحد
بينها في نفس الوقت وبين مفهوم النمو ،فالشخصية في حالة حركة دائمة
وتغير وانتقال مستمر في حدود إطارها المميز مثلها في ذلك مثل النمو
الذي هو عملية مستمرة من التغير واالرتقاء.
وال تناقض الديناميكية صفة الثبات النسبي للشخصية ،فهي في حالة
ديناميكية وحركة مستمرة من التغير الكمي والكيفي والشكلي والمضموني،
ولكن لكل شخصية حدودها واإلطار الخارجي الكلي الضامن لحركتها في
حدوده وعدم الخروج عنه ،وإال ما تمكن العالم من تحديد أنماط عامة
للشخصية ،ولما أمكنه التنبؤ بما ستقوم به بعض الشخصيات في مواقف بعينها،
ولما تمكن من تحديد مسئولية بعض الشخصيات عن نوع معين من األعمال.
مما تقدم تكون الشخصية دائمة التطور والتغير والحركة ،أي في نمو دائم
ال يتوقف ،حيث النمو هو التغير المستمر الذي يحتمل الزيادة والنقصان كماً
وكيفاً.
وذلك الثبات الفيبي الذي يتحدد باإلطار العام المميز للشخصية الذي ال
تخرج عنه والمحدد لنمطها هو الضامن لتمايز الشخصيات فال توجد
شخصيتان متطابقتان تطابقاً تاماً ،ولكن يمكن أن يجمع نسق خاص
بعض الشخصيات وتجمع بينهم صفات مشتركة ومن هنا نجد الخاصية
الخامسة للشخصية وهي التمايز ،لذلك يمكن أن نصف بعض
37 نمو الطفل ومشكالهت الففية
الشخصيات بأنها ملتزمة ،أو علمية التفكير ،أو خيالية ،أو واقعية أو
متحيزة ،وذلك تبع النمط السائد الذي يحدد اإلطار العام لحركتها ،وهكذا
يتبين لنا موضوع علم نفس النمو وهو" :الشخصية في نموها وتطورها
وانتقالها من مرحلة إلى الالحقة عليها".
تع رفنا على الشخصية بمفهومها وخصائصها الجوهرية ،ويتبقى التعرف
على النمو وقوانينه.
أوالً -هتعريف الفمو:
عولجت مسائل النمو بأشكال مختلفة نبعت من المنطلقات النظرية (المنطلق
المادي ،المنطلق المثالي ،)...إال أن أكثر مسائل النمو اتفاقاً بين النظريات
المختلفة هي مسألة تعريفه أو معناه ،في حين كانت مسألة العوامل المؤثرة على
النمو وعالقة البيئة والوراثة به من أشد المسائل اختالفاً وتناقضاً بين النظريات
المختلفة ،فقد اتفقت جميع المدارس السيكولوجية على أن النمو هو حركة دائمة
وتغير متصل يسعى لغاية نهائية وهي االكتمال تتوالى هذه الحركة في التسلسل
قدماً لألمام وتتابع في سياق منسق تنتقل فيه الشخصية من مرحلة سابقة إلى
مرحلة الحقة دون تخط ألي من المراحل ،وتنتقل العمليات العقلية والوظائف
النفسية من عمليات دنيا مباشرة تلقائية إلى عمليات عليا واعية غير مباشرة
وإليه واعية (فيجوتسكي .)1996
ويتعلق النمو بزيادة الحجم وطول القامة والوزن إلى آخر ما يالحظ في
التطور الفسيولوجي ،كما يتعلق بالتعقيد والتركيب وكافة التغيرات الكيفية
المصاحبة للتطور الكمي الجسمي ،كأن يزداد الجنيين مع النمو تعقيداً دون أن
يزداد حجمه ،ويمكن أن تتناقص بعض األنسجة م ع مراحل النمو المتقدمة
كنقص اللوزتين والغدة التيموسية ونقص السعرات الحرارية التي يستهلكها
الفرد بالنسبة لوحدة الوزن كلما زادت سنه (جون كونجر ،)1981في مقابل
هذا النمو الجسمي التكويني نجد هناك نمواً وظيفياً ينحو بالفرد نحو التكيف
نمو الطفل ومشكالهت الففية 38
والتوافق االجتماعي ،وهو النمو الذي يطرأ على قدرات الفرد وعلى تفاعله
االجتماعي من أخذ وعطاء وتأجيل للرغبات أو القيام بأدوار اجتماعية معينة
يحصل عن طريقها على رضاء المجتمع واستحسانه وهذا هو النمو االجتماعي،
كما تنمو قدرات الفرد على االتزان والتحكيم اإلرادي في التعبير عن عواطفه
وانفعاال ته ،وهذا ما يعرف بالنمو االنفعالي "النفسي" ،وهناك النمو العقلي
المتمثل في نمو قدرات الفرد بدءاً باألعمال الذهنية القائمة على ما تأتي به
الحواس مباشرة والتفكير المادي المصاحب بالواقع كما هو ،وانتهاءً إلى التفكير
المجرد والرمزية الممثلة في استخدام اللغة وال تحصيل واكتساب المهارات
والقدرة على أعمال الفكر فيما هو مجرد وغير محسوس ،فالنمو بهذه الطريقة
يشتمل على المجاالت اآلتية:
- 2نمو اجتماعي. - 1نمو جسمي.
- 4نمو نفسي. - 3نمو عقلي.
وهناك تكامل وتوحد بين هذه المظاهر األربعة في ترابطها لتكوين
الشخصية الكل ية التي تدرس في وحدة ديناميكية ال تسمح بتفتيت النمو وتقسيمه
إلى هذه المجاالت إال بغرض الدراسة فقط ،وقد ينمو أحد المجاالت نمواً طبيعياً
دون إعاقة وال تأزم ،وقد يعاق مجال آخر أثناء النمو وتحدث أزمة اجتماعية أو
أزمة نفسية وهكذا.
من هنا نصل إلى نتيجة منطقية ثابتة هي أنه إذا تدخلت البيئة بالتعليم
والمران في الوقت المناسبة (في حالة النضج واكتمال االستعداد) يمكنها بذلك
أن تسرع في خطى النمو واالنتقال عبر مراحل النمو المختلفة ،وتنمية القدرات
بتوظيفها في أوج استعدادها للتوظف ،أما إذا جاء التعليم والتدريب قبل الوقت
المناسب أو بعده ،أدى ذلك إلى إعاقة النمو وظهور األزمات التي سنفرد
الحديث عنها فيما بعد (هنري قالون .)1978
وينشط أثناء النمو عامال التعليم والنضج ،والخبرات التي تزود الطفل
39 نمو الطفل ومشكالهت الففية
باإلحساس الالزم للتعليم ضرورية للنمو السوي ،ولكن ال يتمكن التدريب وحده
من أن يفضي إلى تغيرات في القدرة والعمل كتلك التي تحدث بشكل طبيعي
أثناء عملية النمو ،ومن المهم في تدريب األطفال أن يؤخذ بعين االعتبار عامل
النضج ومالئمة مطالب التعليم الستعداد الطفل وال يحتمل أن تثمر الجهود التي
تبذل لدفع عمليات النمو إلى إسراع عن طريق التدريب مادام الطفل ال يملك
االستعداد الذي يعينه على االستفادة من هذا التدريب ،ويبدو أن كثيراً من
التوافق الحركي لألطراف يعتمد بصورة أساسية على عامل النضج وعلى التعلم
وليس التعليم (أي التدريب العرضي الذاتي للطفل نفسه) ،وهكذا يبدو أن تأثير
التدريب يتناسب مع مرحلة نمو الطفل و يتحسن األداء بازدياد النمو والنضج
(جان بياجيه والهيلدر ولوبلنسكايا ص.)84
كةف هتدرس الشخصة ومظاهر نموها (المفهج المتبع في الدراس )؟
الدراس المفظم ليةكولوجة الطفول :
يحدد عمل ستانلي هول بداية الدراسة المنظمة لسيكولوجية الطفولة في
الواليات المتحدة ،حينما حاول أن يحدد العالقات بين خصائص الشخصية
ومشكالت التوافق والخبرات األولية ،ولتحديد هذه العالقات استخدم منهج جديد
للبحث هو منهج االستخبار الذي يتألف من سلسلة من األسئلة وضعت للحصول
على المعلومات عن سلوك األطفال والمراهقين واتجاهاتهم واهتمامهم.
ولذلك كان منهج "هل" أول من استخدم المنهج التجريبي الموضوعي في
دراسات سيكولوجية الطفولة حتى صار علماً موضوعياً قائماً على أساس من
التجريب العلمي ،فقد صار علم سيكولوجية الطفولة يحظى بعبارات قابلة للفهم،
وقائمة على اتفاق موضوعي على المفاهيم المستخدمة في هذا العلم ،ويمكن
مراجعة هذه المفاهيم ومراجعة ما وصلت إليه الدراسات من حقائق ،واستخدمت
وحدات القياس التي يمكن للباحثين المتعددين استخدامها ،كما أمكن تحويل
مالحظات هذا العلم إلى كميات وأرقام باستخدام الوسائل اإلحصائية المتعددة
نمو الطفل ومشكالهت الففية 40
الحديثة ،كما أصبحت حقائق هذا العلم في مقام النظر يات التي تسمح بتفسيرها
تفسيراً منطقياً ،كما تساعد على التنبؤ بحدوث بعض الظواهر النفسية الخاصة
لبعض األعمار أو ببعض الظروف البيئية المعينة ثم اتخاذ اإلجراءات الوقائية
الالزمة للنمو السليم بناءً على هذا التنبؤ العلمي السليم ،وحينما تتناول علماً من
العلوم بالدراسة أو المقار نة بغيره من العلوم نتعرض لجانبين:
- 1موضوع العلم.
- 2منهج العلم والطرق الدراسية المستخدمة في الكشف عن ظواهره.
وهنا يتضح الفرق الشاسع بين الظواهر النفسية في نمائها وتطورها وبين
الظواهر الطبيعية أو الفلكية أو الكيميائية ،من واقع هذه االختالفات تظهر
صعوبة وصول سيكولوجية الطفولة كعلم لنتائج ثابتة ومتفق عليها بشكل مطلق.
وحيث إن موضوع الدراسة وهو الطفل في تفاعل دائم مع غيره من
األشخاص وهذا التفاعل متشعب وطبيعة العالقة بين الدارس وموضوع الدراسة
دائم األخذ والعطاء ،والتفاعل القائم بينهما ال يمكن تحديده أو عرقلة تأثيره
المتبادل على الطرفين ،فهل يعوق طبيعة هذه الظواهر دراستها بالطريقة
العلمية واالعتماد على المناهج الموضوعية والطرق التجريبية المعروفة في
الدراسات الطبيعية؟
اإلجابة على هذا السؤال بالنفي ،فطالما سميت دراسات الطفولة علماً ال بد
من إتباعها للطرق العلمية المتعارف عليها ،حيث إن العلم هو أسلوب في عمل
األشياء وأسلوب في مالحظة الظواهر محل الدراسة يقوم هذا األسلوب على عدد
من المبادئ والخطوات المعينة التي يتصف بها ،من بين هذه المبادئ األساسية:
- 1االهتفاق على المفاهةم :ينبغي أن يستخدم العلم مفاهيم خاصة به يتم
االتفاق على تحديد معانيها بين العلماء في كل مجال حتى ال يكون
هناك مجاالً للبس بسبب عدم موضوعية المفاهيم المستخدمة أو
اختالف مدلوالتها لدى فرد من أفراد العمل العلمي.
41 نمو الطفل ومشكالهت الففية
- 5التأكد من صدق الفرض :يعمد الباحث في هذه الخطوة إلى ما يؤكد له
صدق أو خطأ هذا التنبؤ أو االفتراض بأن يجمع مجموعتين من
المراهقين الذين تعرضوا لألزمات والمراهقين الذين لم يتعرض
لألزمات على أن يراعى أن يكونوا متفقين فيما بينهم في كل العوامل
(أي أفراد العينة في المجموعتين متوحدين إلى حد كبير في كافة
الظروف) فيما عدا االتجاهات الوالدية القائمة على أساسها التنشئة
االجتماعية ،ثم تفحص كل مجموعة عن طريق االختبارات النفسية
والمقابالت والمقارنة بينهما (أي باستخدام الطرق العلمية التي
يستخدمها علم النفس بوجه عام) ،فإذا أكدت البيانات التي حصلنا عليها
من الطرق السابقة أن االختالف الوحيد بينهما فعالً في االتجاهات
الوالدية ،تبين لنا أن الفرض صحيح ويتم التأكد من صدقه إحصائياً،
وبذلك نستطيع أن نصيغه في صورة نظرية أو قاعدة عامة.
- 6ثم هتفتقل هذه القاعدة العام إلى مجال التطبةق العملي لنستفيد منها
في حل مشكالت المراهقين وتنبيه اآلباء إلى خطورة االتجاهات
السائدة في التنشئة االجتماعية للمراهقين وأثرها على ظهور المشكالت
في هذه المرحلة إلى آخر ما يمكن أن يفيد في حل هذه المشكالت
االجتماعية.
لو نظرنا إلى هذه الخطوات العلمية التي تستخدمها بمهارة وتتبعها بدقة
العلوم كافة وقارناً بين استخدامها في هذه العلوم واستخدامها في دراسة الظواهر
النفسية ومظاهر النمو النفسي في سيكولوجية الطفولة لت بين أننا ال نستخدمها
بنفس التسلسل والتركيز على كل خطوة منها ،وألتضح لنا أن اعتماد العلوم
اإلنسانية على المالحظة أكبر بكثير من اعتماد العلوم األخرى على هذه
الخطوة ،إال أن هذا ال ينفي علمية العلوم اإلنسانية بقدر ما يتناسب بينها وبين
المناهج األكثر شيوعاً فيها ،والتي تعتبر أكثر صالحية ومناسبة للموضوع محل
نمو الطفل ومشكالهت الففية 44
الدراسة فال يعتبر هذا عيباً أو قصوراً وإنما الدراسات في سيكولوجية الطفولة
مازالت في طور التقدم والنماء إلى أن تستطيع تطبيق كل خطوات البحث
العلمي بنفس القدر واالهتمام في هذا المجال.
وهكذا يتبين لنا أن علم نفس النمو وسيكولوجية الطفولة موضوعاً
(موضوعاً ومنهجاً) قد أثبت كيانه في مجال العلوم وال يقل كفاءة عند مقارنته
بعلوم الطبيعة والكيمياء ...إلخ ،ولكنه يكثر من استخدام طريقة التتبع
والمالحظة بنوعيها في معظم بحوثه.
فهناك الطريقة التتبعية الطولية وهناك الطريقة التتبعية العرضية.
أوالً -الطريق الطولة :
تعمد إلى دراسة نفس المجموعة من األطفال مرة ومرات على فترة طويلة
من الزمن قد تصل إلى عشر سنوات مالحظة فيها شهر بعد شهر وعاماً بعد
عاماً ،وقد بدأت هذه الطريقة عندما اهتم العلماء بأطفالهم فكانوا يسجلون
مالحظاتهم الدقيقة عن مظاهر التغير السلوكي عند أوالدهم خالل مراحل
نموهم ،ومن هؤالء العلماء "يستالوتزي" الذي كتب مذكراته عن حياة طفله
البالغ ثالثة سنوات ونصف ،وتعتبر تلك المذكرات أول ما نشر في العالم عن
تراجم األطفال.
كذلك دراسة العالم "بنية" عن أبنته التي وجهت االهتمام إلى النمو العقلي
مما أدى إلى اكتشاف أول مقياس علمي للذكاء.
وهذه الطريقة لها قيمتها في األبحاث التي تدرس التغيرات التي تطرأ على
بعض الخصائص والسمات خالل فترة طويلة من الزمن ،كذلك ال بُدَّ من
استخدام هذه الطريقة في دراسة آثار الخبرات المبكرة أو بعض أنماط التنشئة
االجتماعية على نمو الشخصية في مراحل العمر المتقدمة ،مثالً إذا أريد معرفة
أثر نبذ األم للطفل في سنواته األولى على تطوره ونمو شخصيته في العمر
المتقدم ،ال بُدَّ من المتابعة الطولية لهؤالء األفراد حتى نكتشف أثر هذا النبذ
45 نمو الطفل ومشكالهت الففية
وآثار هذه األنماط من التربية األسرية في شخصية الطفل أثناء نموها ،ولعل من
أهم عيوب هذه الطريقة أنها تستغرق وقتاً طويالً وجهداً كبيراً وإنها كثيرة
التكلفة ثم أنها تعلق الوصول إلى النتائج والتحقق من صدق الفروض طوال مدة
البحث والتي قد تطول إلى أعوام كثيرة.
ثانةاً -الطريق العرضة :
وفيها يعمد الباحث إلى دراسة مجموعات كبيرة من األطفال تمثل كل
مجموعة سنين معينة أو مرحلة من مراحل العمر المراد التعرف على
خصائصها وسماتها وظواهر نموها ويقوم الباحث بمالحظة هذه المجموعات
مختلفي األعمار لفترة زمنية محدودة كأن يتخير الباحث مجموعات من األطفال
المجموعة األو لى مثالً سنها سنتين وعددها عشرة أو عشرين طفالً ،والمجموعة
الثانية وهي مكونة أيضاً من عشرة أو عشرين طفالً مثلها في ذلك مثل
المجموعة األولى ولكنها مختلفة معها في العمر فيكون عمرها مثالً أربع سنوات
والثالثة عمرها ست سنوات والرابعة عمرها 8سنوات وعشرة وهكذا حتى
تشمل الدراسة األعمار المراد تحديد سماتها أو خصائص نموها ،ثم نخرج
بنتائج بعد معالجتها إحصائياً يمكن جعلها نتائج عامة فنقول يتصف أطفال العمر
الزمني سنتين بكذا وكذا وتتغير هذه الصفات عند أطفال العمر أربعة سنوات
وتحل محلها صفات جديدة عند سن ست سنوات ...إلخ.
وتعتمد الطريقة العرضية "المستعرضة" على االختبارات الجماعية
واالستفتاءات وطرق القياس النفسي للكشف عن المظاهر الرئيسية لكل مرحلة
من مراحل الحياة ،ومن الذين استخدموا هذه الطريقة "جان بياجيه" عندما درس
تطور اللغة عند األطفال في األعمار المختلفة ،وهذه الطريقة من أهم ميزاتها أنه
تظهر النتائج بسرعة وال تستغرق المدة وال الجهد الذي تستغرقه الطريقة الطولية
إال أن الباحث يستطيع أن يستخدم كلتا الطريقتين في دراسة نفس الظواهر ونفس
الموضوع فتكمل كل منهما األخرى في دراسة وتتبع موضوعاً واحداً،
نمو الطفل ومشكالهت الففية 46
ودرجة نموهم العقلي ،كذلك تصميم المنهج يجب أن يتالءم مع حاجات التالميذ
واستعدادهم ودرجة وعيهم ومستوى استعداداتهم ونضجهم ،كل ذلك ال بد أن
يعتمد على فهم خصائص النمو في كل مرحلة حتى ال يسيء المدرس تفسير
بعض الظو اهر السلوكية التي قد تبدو لغير الدارسين شاذة ،ولكنها في الحقيقة
تعتبر طبيعية بالنسبة للمرحلة المعينة التي يعايشها الطفل وال شك أن العناية
باألطفال جزء من الطبيعة البشرية السليمة.
ودراسة سيكولوجية الطفولة ال تقتصر على تفسير سلوك األطفال فقط ،وإنما
تزودنا باألساس الالزم لفهم سلوك الراشدين أيضاً ،ذلك أن الدراسات قد أكدت أن
سوء التكيف الذي يالحظ لدى الراشدين يعود بصفة دائمة إلى الخبرات المبكرة
التي يلقاها الفرد في طفولته ،ومشاعر النقص والقصور ال تفهم إال عن طريق
دراسة تاريخ نمو الفرد في المراحل المبكرة ،كذلك ا تجاهات الفرد وميوله وآماله
وصحته النفسية واتجاهاته النفسية وميوله المهنية تمتد جذورها في الماضي البعيد
في طفولة الفرد ،وعن طريق هذه الدراسة نتفهم المشكالت االجتماعية وأسبابها
وطرق عالجها.
نمو الطفل ومشكالهت الففية 48
س - 1ضع عالم ( )أمام العبارات الصحةح وعالم (×) أمام العبارات -
الفمو اإلجرائي للشخصة :
عملية حادثة ال محالة.
عملية قد تحدث وقد ال تحدث.
كل ما سبق صحيح.
س - 2هتوظةف القدرات ......وعدم هتوظةفها يؤدي إلى......
س - 3ضع عالم ( )أمام العبارات الصحةح وعالم (×) أمام العبارات :
يمضي التعليم أمام النمو ويجره وراءه.
يتعلم الطف ل حينما ينضج وينمو.
يتعلم الطفل حينما يبلغ سن السادسة.
كل ما سبق صحيح.
س - 4صل (أ) مع (ب) في المجموعتةن:
الفصل الثالث
اللغة أدوات التعلم والتعليم واملعرفة
األهداف:
يهدف الفصل الثالث لتعريف المتعلم بخصائص اللغة عند اإلنسان ونشأتها
منذ مرحلة المهد ،واإلشارات " المنبئة" بصعوبات النطق والكالم لدى األطفال
وصعوبات استخدام الكالم "كأدوات" للتفاعل االجتماعي ويهدف لتعليم الدارس
بالحاجات والدوافع وراء استخدام الكالم وكيفية التفرقة بينها وبين صراخ
الحيوانات في الغابة ،كما يهدف لتعليم الدارس المقارنة بين عملية "التعلم" عند
اإلنسان والتعلم عند الحيوان -والمقارنة بين الكالم كمظهر من مظاهر اللغة
وباقي مظاهر اللغة وخصائصها كما يوضح للمتعلم كيف يعُلم الطفل المقارنة
بين معانى الكلمات بمدلوالتها واإلدراك الحسي واإلدراك المجرد ،ويتعلم
الدارس العالقة بين الفكر واللغة والتفكير والكالم وعالقة اللغة وتعلمها بقضية
"الوعى" البشرى.
العفاصر:
-مقدمة الفصل.
-تعريف اللغة.
-أنواع اللغة.
-وظائف اللغة.
-نمو اللغة عند الطفل.
-اللغة والكالم.
-عالقة الفكر باللغة والكالم.
نمو الطفل ومشكالهت الففية 52
-مفهوم األدوات.
-عالقة األدوات بقضية الوعي.
-عالقة اللغة بالتفاعل االجتماعي.
مقدم :
بعد اإلشارة إلى المفاهيم الرئيسة التي تناولها الكتاب الحالي في مقدمة
الطبعة الثانية سيتم االستعانة بها في شرح عالقتها ببعض المتغيرات في
الفصول القادمة للكتاب ،مثل :التعلم والتعليم في عالقته بالتفكير والمعرفة ،ونمو
الشخصية والعوامل المحددة لهذا النمو وعالقتها بالذكاء المتعدد في مراحل
النمو المختلفة.
يهدف الفصل الثالث لتوضيح مفهوم التعلم والتعليم لدى الحيوان والطفل
وتوضيح الفرق بين "المخ" و"العقل" واإلفادة من التجارب التي أجريت على
الحيوان (الفئران)؛ لتوضيح التشريح لمخ الحيوانات التي تعيش في بيئات غنية
بالمثيرات ومخ الحيوانات األخرى التي تعيش في بيئات فقيرة ،ثم اإلفادة من
هذه الفروق في إمكانية التنمية لإلنسان ،وإ ثبات وجود العقل بكل خصائصه
الذى هو وظيفة للمخ بمختلف مستوياته ،واستخدام "هرم السلوك" لتوضيح
المستويات المشتركة بين جميع الكائنات التي لديها "مخ"؛ ولكن ليس لديها
"عقل" ،واإلنسان الذى لديه المخ ويسكنه العقل بوظائفه ،وطرق االستدالل على
وجود العقل بصفة الكمون في المرحلة الجنينية وبصفة "الفعل" في سلوك طفل
المهد وما يتبعه من خطوات التفكير "بالمنهج العلمي" منذ الشهور األولى.
اللغ أدوات:
التعلم والتعلةم والتفكةر والمعرف :
يبدأ هذا الفصل بالحديث عن المرحلة الجنينية وكنا نظن أنها أبعد ما تكون
عن تأثير البيئة الخارجية ،وأن ما يهيمن عليها ويؤثر بقوة فيها هي المورثات
53 نمو الطفل ومشكالهت الففية
الجنينية وأن أهم ما في هذه المرحلة هو تكوين الجنين الجسمي بداية "المخ"،
ولكن انطالقًا من ا لنظرية االجتماعية التاريخية "لفيجوتسكى" التي كانت تؤمن
بأن "نشاط االمتصاص" الذى يهيمن ويضمن نمو الجنين وشخصيته هو نشاط
بكل الخصائص المعروفة عن هذه الدرجة في "الهرم السلوكي" ،وهى الدرجة
"السادسة"؛ أي قسم هذا الهرم ،وبعد ربطها بالدراسات التي أجريت بواسطة
مجموعة من العلماء لفهم نمو المخ وارتقائه في عالم الحيوان (الفئران)
واكتشاف خاصية مرونة وايالستيكية ودينامية "خاليا المخ" وتفريعاته بعكس ما
كان سائدا حينئذ بأن المخ ال ينمو وال يتغير بالمفهوم الكمي والكيفي.
أدت هذه النتائج إلى فتح آفاق واسعة لآلمال في إمكانية التنمية واإلثراء
والتدخل بتحسين بيئة األم الحامل وإتاحة الفرصة لمخ الجنين البشرى من استخدام
"نشاط االمتصاص" بأعلى طاقاته لدعم "القدرات العقلية" الموجودة كوظيفة للمخ
(العقل) ودعم االستعداد و"الطاقة" الموجودة في المخ بصفة "الكمون" وتهيئة بيئة
غنية تؤدى لتقوية دور "المكانة االجتماعية" للمخ البشرى في هذه المرحلة تحقيقاً
للمقولة ( ما هو بيئي لألم وراثي للجنين) بعد ما كان يتبادر للذهن للوهلة األولى
(بحكم المعلومات التي كانت سائدة عن تكوين المخ وأن "ستاتيكى الوجود" أن
المرحلة الجنينية هي أ بعد ما تكون عن محدد "المكانة االجتماعية" لنمو الشخصية،
ما هي خالصة هذه التجارب العظيمة التي قام بها العلماء وعلى رأسهم "ماريان
دياموند" أحد رواد علم التشريح العصبي ومؤلفة كتاب "العقل وأشجاره السحرية"
والذى ترجمه كوكبة من علماء النفس المصريين أ.د /صفاء األعسر أ.د /نادية
الشريف أ.د /عزه خليل ونشرت الترجمة في دار الفكر العربي.
وتناول الكتاب عرضاً دقيقاً لعمليات نمو المخ تشريحياً منذ تكوين الجنين
وحتى مرحلة المراهق ،ومتطلبات اإلثراء في كل مرحلة ،والعوامل التي تهدد
اإلثراء ،وأثبتت هذه التجارب ان المخ يمكن أن ينمو كما إذا عاش الحيوان في بيئة
منشطة ومثيرة ،وان المخ البشرى يمكن أن ينمو "كما" و "كيفا" إذا عاش اإلنسان
في بيئة منشطة ومثيرة ويمكن ان تنكمش وتذبل إذا كانت البيئة مملة وغير مثيرة.
نمو الطفل ومشكالهت الففية 54
ويأتي قبل شرح هذا الهرم مفهوم التعليم والتعلم الذى يهدف للمعرفة،
والتعليم الذى يهدف لتعديل السلوك فقط.
ثم شرح تفصيلي لمفهوم األدوات وأهمها اللغة والمقارنة بين الكالم للببغاء
وصراخ طفل المهد الذى يعتبر لغة بكل خصائصها الثمانية السابقة ذكرها في
الفصل األول ثم العمليات العقلية الالزمة للتعلم والتعليم وأولها اإلدراك.
ما يمكن اإلفادة منه من كتاب (العقل وأشجاره السحرية) حينما نربطه بما
نتج عن نظرية فيجوتسكى في "النمو والتعليم" وخاصة مرحلة "النمو الوشيك".
ويجيب على األسئلة اآلتية إجابة مدعمة بالنتائج التطبيقية في مجاالت علم
النفس التربوي والمعرفي وعلم نفس النمو والشخصية.
األسئلة هي:
- 1كيف يمكن ألنسجة المخ ان تتغير كما وكيفاً وفى أي مرحلة؟
- 2ما الذى نعرفه وما الذى ال نعرفه عند تأثير (البيئة الثرية والبيئة
الفقيرة) في الخاليا العصبية في المخ البشرى؛ بحيث تؤدى إلى
انتشارها أو انكماشها؟
- 3كيف ينمو ويتطور المخ البشرى منذ المرحلة الجنينية وحتى المراهقة
والرشد وما عالقته بالعقل والذكاءات المتعددة ودور الخبرة والممارسة
والتعلم والتعليم في ذلك؟
- 4ما حجم الدور الذى تلعبه الوراثة والبيئة في الذكاء والمعرفة وحل
المشكالت؟
- 5كيف يمكن أن نحدد ما إذا كان مستوى االستثارة (البيئة المجتمعية)
مناسباً لطفل مرحلة نمائية ما أو أنه دون المستوى المناسب أو أعلى
من المستوى؟ وهو المعروف لدى فيجوتسكى بمستوى التوظيف
للقدرات وقدره الذى تتشكل "المكانة االجتماعية" بناء عليه؟ وما يمكن
نمو الطفل ومشكالهت الففية 56
تتحدد مكانة الفرد االج تماعية بقدر ما لديه من معارف وخبرات ،والخبرة
ما هي إال مجموعة من المفاهيم في قالب لغوى يحيط بها اإلنسان في عقله
كصورة مختزلة عن العالم والبيئة .وتمثل المفاهيم واللغة في عالم اإلنسان
(أدوات للمعرف وحل المشكالت).
يستخدم اإلنسان األصوات "كأدوات" لغوية يحقق بها إشباع كافة
االحتياجات وال بد من المقارنة بين استخدام اإلنسان لألصوات كأدوات لغوية
واستخدام الحيوان األصوات بطريقة فطرية مباشرة إلشباع حاجاته الفسيولوجية
والمحافظة على حياته وضمان بقاء النوع وإشباع الغرائز.
اللغ :
سنعرض اآلن للتعاريف التي أوردها العلماء للغة ونخضعها لنفس المعايير
التي اخضعنا لها المفاهيم في الفصل السابق .وهذه المعايير هي التعرف على
خصائص اللغة دون صفاتها .حتى نعطى التعريف الجامع المانع للغة.
عرفها ابن جنى "اللغة" أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم.
ويقصر هذا التعريف اللغة على الكالم ويعتبر الكالم أرقى أنواع التعبيرات
الصوتية وهو ظاهرة اختص اهلل عز وجل بها اإلنسان وحده وفضله على سائر
المخلوقات ،وقد حدد هذا التعريف للغة (هدفها) الذى يقصد إليه القوم حين قال:
(يعبر بها كل قوم عن أغراضهم) فهي اهتفاقة بين القوم الذ ين اصطلحوا على
هذه األصوات ،لتحق يق غرض وغاية من وراء استخدامهم لها ،فهي وسيلة
التصال الفرد بغيره ليعبر عن احتياجاته ،ويعبر عن آالمه وآماله وعواطفه
ويترجم بها ما في نفسه من خواطر وانفعاالت ،ويتفاهم مع أفراد أسرته وبيئته
فهي (وسيلة تر بط الفرد بالجماعة ،والجماعة بالفرد ،وتربط كل منهما بالحياة).
وتتضح في تعريف بن جنى الوظيفة االجتماعية للغة ،وهى نقل الفكرة في
إطار البيئة اللغوية فهي "أصوات تعبر عن أغراض قوم وتؤدى وظيفتها في
مجتمع معين".
59 نمو الطفل ومشكالهت الففية
وقد حاول تعريف هيردوك Hurlokأن يجمع صور اللغة غير الصوتية
فعرفها "اللغة شاملة لكل صور التعبير ،أما الكالم فما هو أال أحد أشكال اللغة)..
أما عن عالقتها بعملية الترمةز والمفاهةم واألفكار فقد عرفها جيوم
" Guiaumeاللغة هي مجموعة من العالمات المستأنسة ،وأن العالمة أو الرمز
يستمدان الشيء المرموز له من العقل الذى يعلم داللته".
اتسع هذ ا التعريف ليشمل العمليات العقلية التي تنتج الرموز والمفاهيم ،كما
أشار التعريف إلى مفهوم بالغ األهمية وهو "الداللة" فالداللة مرتبطة بعمليات
االستدالل العقلية واالستدخال ومراحل تكوين المفاهيم اللغوية والعلمية التي
سيرد تفصيلها فيما بعد.
كما أوضح نشأتها االجتماعية فوصفها بأنها "ميتأني " أي القت قبول من
المجتمع الذى نشأت فيه فأنس بها في عمليات التفاعل االجتماعي ،واكتسبت
مدلوالتها من خالل خبرات أفراد هذا المجتم ع .وقد ركز التعريف على الفروق
الجوهرية بين مدلول المفهوم والرمز وبين معاني الكلمات...
كما ظهر الفصل بين اللغة والكالم في تعريف دى سوسير De Saussur
"اللغة مجموعة من العالمات تعبر عن األفكار .كما يرتبط هذا النظام من العالمات
بمعانيها وتعبر هي ومعانيها عن مدركات نفسية ،ويقصد بالعالمات الرموز أي
تستخدم في خلق اتصال بين شخصين ،وما دامت أنواع هذه الرموز متعددة فمن
الواضح أن هناك لغات متعددة كلغة العيون ولغة اإلشارات ولغة الموسيقى.
ولقد تعددت اآلراء والتعاريف الفاصلة بين هذ ين المفهومين اللغة والكالم
على اعت بار أن الكالم فردى وأن اللغة اجتماعية .فاللغة رموز توجد في المجتمع
الناطق المفكر أما الكالم فهو وظيفة الفرد (المتكلم) واللغة نظام من الكلمات
والصيغ والعالمات والرموز النحوية في مجتمع ما ،أما الكالم فهو التنفيذ
الفردي واالستخدام الذاتي ويشتمل على ما ينطقه الفرد أو يكتبه ويتوقف حدوث
الكالم على شرطين:
61 نمو الطفل ومشكالهت الففية
تخرج من فم اإلنسان بقصد التخاطب مع إنسان آخر) وهذه النظم والدالالت ال بُدَّ
أن تكون موحدة بين المتكلم والسامع .ونقول األصوات وليس الحروف؛ ذلك ألن
الحروف في لغتنا العربية 28حرفًا أما األصوات ذات الداللة فأكثر من ذلك
بكثير ،ويكفى أن نذكر الحركات "الكسرة ،والفتحة ،والضمة" ،ولنضرب مثاالً
الختالف الترتيب في األصوات ،فاألصوات "ع ،ر ،ف" والفتحة تعطينا "عرف،
عفر ،وفرع ،رفع".
وظائف اللغ :
تقوم اللغة عادة بوظيفين رئيسيتين هما:
( - 1التواصل االجتماعي) بصفتها وسيلة وأداة للتواصل.
( - 2تسهيل العمليات العقلية) باعتبارها نظاما رمزيا؛ لتسهيل عملية
التنظيم الفكري.
وإذا أردنا أن نتناول الجانب اآلخر فنالحظ اللغة في دورها االجتماعي
وذلك باعتبارها الوسيلة الممكنة لصاحبها من التعبير عن كافة أفكاره
واحتياجاته ،يتفاعل الفرد اجتماعيا عن طريق اللغة ويتم تكيفه داخل المجتمع
الذى يحيا فيه خاصة إذا كانت لغة ذلك المجتمع واحدة ومتطابقة.
واللغة كأداة تواصل اجتماعي يتم من خالل التعبير عن الرغبات واآلراء
ونقل كل ما يريد الفرد أن يوصله من أفكار ومبادئ فنجد أنها مدفوعة
بالحاجات ،وتهدف إلى تحقيق التكيف مع المجتمع وال يجد الطفل صعوبة في
هذا فنجدها في وظيفتها هذه تلقائية وينجح فيها الطفل في وقت مبكر للغاية.
أما الجانب األخر؛ والذى يمثل في أن اللغة أداة ونظام رمزي يسهل الفكر
فهو مجال البحث في هذا الكتاب وهو الذى عن طريقه نتبين متى ينتقل الطفل
من مرحلة التعامل مع اللغة كأداة تواصل اجتماعي إلى التعامل معها كأداة
ورمز مجرد من ارتباطاته الحياتية ،أي يركز اهتمامه بوعي على األدوات
63 نمو الطفل ومشكالهت الففية
المستخدمة في أثناء تفاعله االجتماعي كما سيظهر هذا حين التعرض إلى
التنظيم العقلي أثناء تكوين المفاهيم اللغوية.
وهى ظاهرة اجتماعية تالزم البشر وتحيا حياتهم وتساير تطورهم ،خالصة
القول أن لغة اإلنسان أدوات ناتجة من عمليات عقلية ،وصانع هذه األدوات هو
العقل الذى يقوم باستخدامها بعد ذلك في وظائف مختلفة ،ومن هنا تظهر أنواع
اللغة بحسب الظواهر التي تعبر عنها فنجد:
أوالً -األصوات االنفعالة :
التي تظهر عند الطفل في أصوات التعبير الطبيعي عن االنفعاالت؛ كالتعبير
عن الخوف واأللم والجوع والفرح ومختلف أنواع الصراخ الوجداني وهو "فطرى
عند الطفل بدون سابق تجربة وال تعليم وال تقليد" وليس أدل على فطريتها وعدم
توقفها على المحاكاة من أنها تظهر حتى عند الطفل الذى يولد أصم.
ثانةًا -األصوات الوجدانة اإلرادي :
وهى نفسها أصوات النوع األول ولكنها تختلف عن األول؛ حيث يتم
استخدامها إرادياً فهو يدرك أن هذه األصوات قادرة على جعل الكبار يحققون
رغباته ويشبعون احتياجاته التي غالبا ما تكون نفسية اجتماعية.
ثالثا -أصوات اإلثارة اليمعة :
وهى أصوات تلقائية غير تقليدية تصدر من الطفل في شهوره األولى بينما
يسمع بعض األصوات العالية من حوله أو صوت موسيقى معينة أو عندما
يناغيه المحيطون به وكأنه يجيبهم فيرد عليهم.
تتشابه هذه األصوات مع ما يسمى "العدوى الصوتية "فحينما يبكى طفل
في وسط أطفال في مكان ما يبكى اآلخرون.
وهذه األصوات ليست إرادية وال تحاكى أصوات المجموعة األولى ولكنها
ت شبه األصوات الوجدانية فيما عدا أن الوجدانية دوافعها طبيعية داخلية
نمو الطفل ومشكالهت الففية 64
في حين أن الطفل كان يعدل دائمًا من وضع يده مع الملعقة إلى أن تحقق
الهدف ،وكان يسعى لتحقيق النجاح في استخدام أدوات المائدة بصرف النظر
عن كمية الطعام التي يحصل عليها بها.
لذلك إذا احتجز الطفل عند مرحلة معينة من مراحل نمو اللغة يعد ذلك
مؤشراً لضرورة البحث والفحص الطبي أوالً لهذا الطفل.
كما ظهرت نفس خصائص سلوك الحيوان السابقة في تجربة "كهلر" حينما
علق في أعلى القفص مع الشمبانزي الموز ،ظل الشمبانزي ساكنا ال يهتم
بالحصول على الموز إلى أن اشتد به الجوع وبدأ يقفز قفزات متالية بنفس
االرتفاع في كل مرة ،بالرغم من فشل عملية القفز في الوصول للموز ،إال أنه
كان يكررها ،حتى يتعب ثم يستريح ثم يكرر نفس القفزات ،ومن هنا يتضح
غياب االست بصار وغياب عملية التقييم لألداء عند الحيوان ،إلى أن أدخل
الفاحص للقفص عدد من العصى بعضها أجوف وبعضها مصمت وهنا فقط أخذ
الشمبانزي ليحاول الوصول للموز بالعصى إلى أن ت بين بالصدفة إمكانية إدخال
العصى المصمتة في المجوفة فأصبح طولهما معا يصل إلى الموز المعلق في
أعلى القفص.
بتحليل الموقف يتبين أنه لم يعمد إلى استخدام العصى إال حينما وضعت في
مجال بصره .في حين أن الطفل قام بخلع العصا من القفص ثم وضع صندوق
تحت الموز وأسقط الموز بالعصا ،ولم يقم بأكلها ،بمعنى أنه لم يتم بالمحاولة
بدافع الجوع وإذا كان دافع الطفل الوصول لحل المشكلة وهى الحصول على
الموز دون أكله فلم يكن لديه دافع فسيولوجي.
أما بواق ع الحيوان كانت الحاجة للطعام بدليل أنه لم يقم بالمحاوالت إال
عندما اشتد به الجوع ،كذلك الحيوان استخدم العصي عندما أصبحت في مجال
بصره الستطالة اليد حتى وصل إلى الموز.
أما الطفل قد قام بنزعها من القفص مما يد ل على أن الطفل فكر في حل
67 نمو الطفل ومشكالهت الففية
المشكلة بتصنيع األدوات من المواد الخام المتاحة كما أن الطفل أخذ يكرر حل
المشكلة مستمتعا بنجاحه.
ولم يكن الحصول على الموز بغرض أكله وإشباع دافع فسيولوجي
(الجوع) ،وهكذا يمكن اعتبار الطفل الذى تنمو لديه اللغة في مراحلها سابقة
الذكر يستمتع باستخدام اللغة و اللعب باألصوات في صورة مناغاة مع نفسه.
نجد الطفل إذا أراد إشباع احتياج معين يحاول توصيل الفكرة لآلخرين
بشتى الطرق سواء كان باإلشارة أو استخدام مقاطع األصوات ثم تغيير هذه
األدوات على أن ينجح في الحصول على ما يريد ولذلك نجد أن الطفل الذى
يشبع احتياجاته بدون اللغة يتأخر في التواصل اللغوي وإذا تأخر الكبار في
إشباع حاجات الطفل فسيضطر الطفل إلى توصيل ما يريده في صورة التواصل
اللغوي سواء بالكلمات أو اإلشارات أو الرموز التي غالباً ما يصطنعها الطفل
ككلمات خاصة به لها داللة معينة حتى يحصل على ما يريد.
وهذه هي الصورة الكاملة الستخدام الرموز أو ما يسمى بالمفاهيم اللغوية
كأدوات كما أنه يستخدمها قبل أن يتمكن من تصنيعها بنفسه للتعبير عن أفكاره
بزمن طويل جداً.
وهذا يفسر لماذا يجب اال تخدعنا الطالقة اللفظية للطفل كما سيظهر ذلك
في البحث بعنوان" :تصميم مقياس لإلدراك اللغوي لدى الحلقة األولى من
التعليم األساسي".
عالق الفكر باللغ والكالم:
مما سبق تتضح أصول ما قبل النشاط العقلي للكالم في نمو الطفل منذ فترة
مبكرة جدا ،كما ال يمكن ألحد أن ينكر وجود نوع معين من التفكير الذى
يستخدم األدوات والرموز والمفاهيم اللغوية بل ويخترعها أو يصنعها ،فاللغة
أدوات مصنعة من المادة الخام وهى األصوات فقبل ظهور الكالم واستخدام
المفاهيم اللغوية كان األداء قائما على المعنى الذاتي لهذه المفاهيم في داخل عقل
نمو الطفل ومشكالهت الففية 68
اإلنسان ولذلك نجد الطفل احياناً يبتكر كلمات ليست موجودة في لغة الكبار أو
حتى إشارات معينة يرمز بها إلى احتياج بعينه.
فهو بذلك يصنع أدواته ويربط بين اإلشارات واالحتياج وأن كان في كثير
من األحيان يعتمد على بعض االرتباط الشرطي اال انه يربط بين رموزه
ومدلولها ومعناها هذا ما ييمى بالكالم الداخلي.
وبالرغم من التباين بين العلماء في طبيعة العالقة بين اللغة والفكر والكالم
إال أنه يمكننا استعراض نتائج بعض الدراسات في هذا المجال .وقد أكد بعض
العلماء على أن الفكر واللغة وجهان لعملة واحدة.
العالق بةن اللغ والفكر:
الواقع أن العالقة بين اللغة والفكر وطيدة ،فاللغة تقدم للفكر تعاريف جاهزة
وتصنف األش ياء بخصائصها حتى ال تتداخل مع غيرها وتساعد الفكر في عمله،
وبحسب قول الدوزهكسلى" :إن الثقافة البشرية ،والسلوك االجتماعي والتفكير
ال توجد في غياب اللغة".
هكذا تجد أن العلماء لم ينتهوا إلى تحديد نهاية مقنعة حول عالقة اللغة
بالفكر؛ ألن كل ما لدينا هو مجموعة من وجهات النظر والتأمالت التي تقوم
على نتائج البحوث والنظريات المتباينة التي يصعب جمعها في إطار واحد؛
حيث اختلف ت تعاريف اللغة التي يستخدمها كل من واضعي النظريات.
يصور كل من براون وور ف "اللغة" كعامل يصور االشياء ويجمعها في
فصائل وأنواع " أما كندلر فيعرفها "بأنها تعريف وسيط لألشياء".
ويعرفها فيجوتسكى "بأنها حديث جهري وعملية رمزية مجردة".
باإلضافة إلى تن وع تعاريف اللغة فإن هؤالء الباحثين استخدموا العمليات
المختلفة واألداء لقياس مدى اإلدراك والمعرفة حيث استخدم كندلر االستقراء
واالستدالل والتمثل والتعبير في أشكال السلوك أما فيجوتسكى فاستخدم عمليات
69 نمو الطفل ومشكالهت الففية
أن القدرة على التفكير تنمو منفصلة عن اللغة ،ولكن وجه بعض الباحثين نقد
لفورت؛ حيث إن الصم يمتلكون طريقتهم في التعبير الرمزى أو التشبيهى.
هتفاعل اللغ مع الفكر:
يرى فيجوتسكى أن كال من اللغة والتفكير صادران من جذور مختلفة ففى
البداية يوجد ما يمكن وصفه بأنه فكر ما قبل اللغة ،وكالم ما قبل العمليات وكل
منهما يندمج في اآلخر بالتدريج كلما اقترب الطفل من مرحلة ما قبل العمليات،
ومع هذا فإن اندماج كل من اللغة والفكر ال يكون تاما حيث تشير بعض الدالئل إلى
أن فكر ما قبل اللغة في مرحلة النشاط الحسى الحركى ويستمر بعد هذه المرحلة
استخدام كل من "الصور الذهنية" والمهارات الحركية في األداءات العملية.
ويرى "لوريا " Luriaتأكيد دور ووظيفة اللغة في ضبط أفعال الطفل
والتحكم فيها ،فهي الوسيلة لتنظيم الخبرات السابقة وتنسيقها وعندما يفمو الطفل
ويكون صالت جديدة بين لغ ته ،أفعاله وأفكاره تكون وظيفة اللغة إضافة جديدة
لتنظيم ح ياة الطفل العقلية.
وقد يؤدى التعلم "عن طريق الحفظ عن ظهر قلب "دون استيعاب للمعنى
إلى كالم ما قبل العمليات الفكرية ،وقد ينتج عنه غرس سالسل لفظية في
الذاكرة دون أي استدالل منطقي لما وراء المضمون ،وهذا نوع من الكالم
ال يخضع للعمليات العقلية (الحفظ والتسميع دون فهم للروابط).
اللغ عملة هتيهل الفكر:
ويمثل هذا اإلطار السلوكيون حيث يفترضون أن اللغة كحديث جهري
وعلني ،تستطيع أن تسهل عمليات الفكر بأن تؤدى دور الوسيط.
والوسيط هو رد أو عدة ردود تتداخل وتتوسط بين منبه خارجي وإجابة
جهرية لكى تزودنا بتنبيه يؤثر في طريقه السلوك ،وعليه فأن تعمل على مزيد
من تطور الفكرة والسلوك المعقد.
71 نمو الطفل ومشكالهت الففية
في حل آخر لفرض جديد آخر لمعالجة عيوب الفرض األول فيصدر الطفل
"المتغير المستقل" نداءً اجتماعيا بشكل أعلى وبصورة مستمرة إلى أن يتحقق
الهدف ويتم اإلشباع للتفاعل االجتماعي.
إذن الفرض قابل لالخت بار ويحتمل تحقيقه للهدف وهكذا يختار الطفل
الصوت العالي المستمر ليحقق حل للمشكلة.
ومن خصائص المعرفة العقلية للطفل أنه ال يعود مرة ثانية الستخدام
الصوت المنخفض وال يتوقف عن النداء (الصراخ) قب ل ظهور (األم) الطرف
اآلخر في عملية التفاعل االجتماعي ،بل ويعمم بعد ذلك النتيجة التي وصل إليها
حتى تصبح نمطا اجتماعيا لسلوكه فيما بعد.
وتتمايز شخصيات األطفال بحسب ميولهم نحو استخدام أساليب معينة
لسلوكهم االجتماعي أثناء التفاعل االجتماعي فمنهم من يميل إلى أساليب العنف
والصراخ والصراع حتى يشبع حاجته للتفاعل م ع أطراف المجتمع في معظم
مواقفه.
ومنهم من يفضل عالقات التعاون مع األطراف األخرى إلشباع حاجاته
االجتماعية ...إلخ.
وبتحليل الموقف السابق نجد الطفل قد مارس التجربة والتفاعل للتحقق من
صحة الفروض التي أفترضها لح ل مشكلته في الموقف االجتماعي وحينما تحقق
من صحة الفرض األخير تم استدخاله ليصبح خيطا في نسيج الخبرة االجتماعية
لهذا الطفل .ومن الواضح أن الخبرة ليست مجرد تراكم كمي للمعلومات
ومعطيات البيئة .فال يمكن لإلنسان أن يجمع كل معطيات البيئة ويحتفظ بها في
صورتها الموجودة بل نجده يحولها إلى (مفاهيم ،ويضعها في قالب لغوي
ليستدخلها ويطبعها بطابعه الشخصي ثم يستخرجها كأدوات لحل مشكالت أخرى.
ويعدل سلوكه بفضل هذه المعرفة والخبرة ،وتختلف المفاهيم باختالف
نمو الطفل ومشكالهت الففية 74
موضوعها فهناك المفاهةم العلمة التي تساعده على اكتشاف الظواهر الطبيعية
وك خواص الحرارة مثال من حيث بقاء الحرارة وانتقالها والعالمات المميزة
لأل جسام الساخنة .فيتعلم تعديل سلوكه وتعميم سلوكيات تتناسب مع المتغيرات
الطبيعية.
ونجد لديه المفاهةم اللغوي التي يبتكرها لحل مشكالت التواصل االجتماعي
فتصبح لبعض األطفال لغة خاصة بهم يفهمها الذين يعيشون معهم فقط.
فالطفل في المثال السابق عد ل وغير صوته وطوره لكى يحقق هدفه في
التفاع ل االجتماعي مع الطرف اآلخر .فقد استخدم الصوت كلغ وهي في هذه
الحالة نشاط اجتماعي نشأ عند احتياج الطفل للتفاعل مع آخر .ثم يوظف الطفل
اللغة في هذا النشاط االجتماعي ويبتكر أساليب لغوية أخرى ليحقق التوافق
االجتماعي .وهذا يؤكد أن اللغة اجتماعية المنشأ.
يدرك الطفل عناصر الموقف إدراكاً حسياً كما سمع ورأى ،فقد فهم ما أتت
به الحواس في المرحلة (الحسية الحركية) من سن صفر إلى سنتين ثم ينتقل إلى
مرحلة الذكاء التصوري المتصل بالمفاهيم والمدركات وعند هذه المرحلة من
سنتين إلى الرشد ولكن المهم طالما هي مرحلة ما قبل المفاهيم من سنتين إلى
أربعة سنوات ثم مرحلة الحدس من أربع سنوات إلى سبع سنوات يبدأ النشاط
"الرمزي" في مرحلة ما قبل المفاهيم باستجابة الطفل للمثير بعد إدراك معناه،
وخصائصه.
ثم ي بدأ في بناء صور أكثر تعقيدا حينما يصفها في صورة مفاهيم
فيستجيب للجملة بإدراك الحدث الكلي لها.
والموقف السابق دليل آخر يثب ت أن الطفل يستعمل اإلدراك الحسي ثم
يحوله إلى نمط لغوي مؤثر في اآلخرين لتحقيق أهداف شخصيته ،ووسيلة
للتنميط االجتماعي وتحديد سمات شخصية الطفل أشاء التفاعل االجتماعي في
شتى المواقف بواسطة استخدام الصوت أدوات وبداية كالمه ومناغاته لآلخرين
كمفاهيم لغوية ذات داللة.
75 نمو الطفل ومشكالهت الففية
الفصل الرابع
إ دراك املفاهيم اللغوية وعالقته بالتعلم
ومنو الشخصية وحمددات عملية النمو
األهداف:
يهدف الفصل الرابع إلى تبصير المتعلم بأ نواع المفاهيم وخصائص اإلدراك
اللغوي لدى الطفل ،وعالقته بالتعلم التوظيفي للقدرات ،بحيث يكُّون الطفل
المفاهيم الرئيسية للحروف والكلمات والجمل ويمنع حدوث "أشباه المفاهيم" التي
تؤدى إلى ظهور صعوبات التعلم النمائية الخاصة بعملية اإلدراك ،كما يعُرف
المتعلم على نظرية النمو المرحلي لألداء العقلي (جالبيرون).
العفاصر:
-مقدمة الفصل.
-خصائص اإلدراك اللغوي لدى األطفال.
-المفاهيم التلقائية والمفاهيم الواعية.
-عالقة النمو بالتعلم.
-فيجوتسكى وتكوين المفهوم.
-نظرية النمو المرحلي لألداء العقلى (جالبيرن).
-المفاهيم العلمية والعامة ومقاييس اإلدراك اللغوي.
نمو الطفل ومشكالهت الففية 80
مقدم :
عرضت الفصول السابقة للغة :تعريفها ،وظيفتها ،نشأتها ،مراحل نموها،
إدراكها التلقائي والواعي.
وبعدما تم إلقاء الضوء على بعض المصطلحات التي تناولها الفصالن
السابقان كمفهوم الرمز ،والمعنى .المفهوم والداللة .مفهوم األصوات الخام التي
يستعملها الحيوان لحفظ حياته ومفهوم اللغة التي يصنعها طف ل المهد في مهده
كأدوات للتفاعل االجتماعي وإشباع حاجاته الشخصية.
يلزم توضيح طبيعة إدراك المفاهيم اللغوية من جانبها الكيفي ،ومراحل نمو
هذا اإلدراك ،وأنواع المفاهيم وعالقتها بالتعلم وخصائص عملية التعلم وما يلزم
لتحقيق أهدافها وتحقيق المعرفة اللغوية لقواعد اللغة وأصول النحو والصرف
بها ،وبما يقي الطفل من التعرض للمشكالت السلوكية ومشكالت اإلدراك.
يرى بعض العلماء أن النمو اللغوي لدى األطفال يبدو حينما يستخدمون
أكبر عدد من الكلمات في تعاملهم مع البيئة المحيطة بهم لذلك اهتم العلماء
بقياس الثروة اللغوية لدى األطفال أو الطالقة اللغوية إلى آخر هذه المظاهر
الكمية التي تدل على الرقي اللغوي لألطفال ومن وجهة نظر هؤالء العلماء.
في حين يرى البعض اآلخر أن هذا الحصر يمثل جانباً كمياً للنمو اللغوي
في حين يجب االهتمام بالجانب الكيفي في المقام األول ذلك الجانب الذي يتمثل
في تحديد طبيعة إدراك الطفل لهذه العناصر اللغوية ،وكيف يدركها هل يدركها
إدراكاً تلقائيا ً أم إدراكاً واعياً ؟ ،وهل يستخدمها ترديدا وإعادة دون وعي أم
يستخدمها كأدوات للفكر والتعبير؟ وهل يستطيع أن يخضعها لتفكيره الواعي
فيصنفها ويحل لها ..إلخ هذه العمليات العقلية الواعية؟
81 نمو الطفل ومشكالهت الففية
- 2المفاهةم المجردة:
يرتبط اإلدراك العقلي للغة بالعمليات التي تتجرد فيها المفاهيم اللغوية من
سياقاتها المختلف ة ،ومعناها ،ومدلولها ،ووظيفتها االجتماعية كوسيلة تواصل
اجتماعي.
ويتم فحصها بوصفها مفاهيم رمزية مجردة وتراكيب محددة كأن يقوم
الفرد بتقسيم الكلمة وتحليلها إلى مكوناتها األولية مز الحروف أو المقاطع .أو
تحليل القواعد النحوية وقواعد الصرف أو كتابة الكلمات المسموعة ،حيث إن
عملية الكتابة تستل زم قدر أكبر من التركيز العقلي .كما يلزم إخضاع ؛ عناصر
اللغة للتفكير الواعي وإدراك الحروف والكلمات ،بوصفها مفاهيم لها وجود
رمزي يختلف تماما عن معناها ومدلوالتها االجتماعية.
بذلك القدر من الوعي والتفكير المجرد يمكن أن ت تم عملية تعليم اللغ .
فالتعلم لعناصر اللغة وقواعدها ال يتم في غيبة الوعي بمجردات اللغة والمفاهيم
اللغوية كالحرف والكلمة والعبارة .فيلزم المعرفة بأن الحرف رمز مجرد له اسم
يسمى به ،وله رسم يكتب به ،وله صوت ينطق به ،عندئذ فقط يمكن ،تحليل
الكلمة إلى عناصرها األولية ،وتجريد حروفها وتبديل وضع هذه الحروف
إلنتاج مزيد من الكلمات بنفس هذه الحروف.
كيف يدرك الطفل اللغة وعناصرها أو ما يسمى بالمفاهيم اللغوية؟ وما هو
القدر من الوعي بهذه المفاهيم الذي يمكن أن نراه في كالم األطفال؟
ولماذا يراعي الطفل قواعد اللغة األم أثناء الحديث فيتبع الصفة الموصوف
ويعجز عن استخراج او تجريد حروف الكلمة .أو يعجز عن اإلجابة عن أسئلة
مثل هات كلمة تبدأ بحرف الميم مثالً؟.
يجيب عن هذه األسئلة جان بياجيه وفيجوتسكي برأيهما في تكوين المفهوم
لدى الطفل ومراحل نمو المفاهيم.
83 نمو الطفل ومشكالهت الففية
"فالطفل في نظر "شتيرن" يتمتع بفهم العالقة بين الرمز والمعنى ،وبإدراك
الوظيفة الرمزية للغة وبالوعي بمعنى اللغة ،وباكتساب اإلرادة "وبالوعي
بوجود قاعدة أو فكرة عامة.
وهكذا يتضح تسرع شتيرن (وتعقيله) للطفل في مرحلة مبكرة للغاية.
بمعنى أنه يعتقد (خطأ) أن الطفل حينما يستعمل قواعد اللغة استعماال
صحيحا في توا صله االجتماعي فهو يستعملها بوعي ويعرف أنه يصنع أدواته
اللغوية ولكن يدحض هذه الفكرة ويوضح مغاالتها في تعقيل الطفل عجز الطفل
عن تغ يير حروف الكلمة أو تجرير بعض حروفها.
حيث إنه حينما يدرك إدراكا حسيا للخطأ الذي يقع فيه زميله حينما يقول
على الشمس (سمس) فهو يضحك على زميله ويتبين الخطأ الذي ارتكبه لكن
ال يمكن أن يقول إن الزمي ل نطق حرف السين بدل حرف الشين ولكنه يظل
يردد أن الزميل أخطأ؛ ألنه قال سمس ولم يقل شمس ،هذا الترديد يعنى أنه
يدرك صوت الكلمة ويتبين الخطأ في نطق الزميل سماعيا لكنه ال يرى في
الكلمة حروف أو مقاطع معي نة وال يخضع الكلمة بعناصرها للتفكير الواعي
الفاحص أبدا إال في سن متقدمة.
وتوضح الدراسات التجريبية ،بأن فهم العالقة بين الرمز والمعنى،
واالستخدام الوظيفي للرمز ال يظهران لدى الطفل إال في مرحلة متأخرة نسبيا،
وال تكون متوفرة بيسر للطفل في هذه السن المبكرة.
وتكشف الدراسات التجريبية المنظمة أيضا أن إدراك الطفل العالقة بين
الرمز والمعنى ،واالنتقال إلى التعامل بالرموز ،ال ينتج أبدا من االكتشاف أو
االبتداع الفجائي الذي يقوم به الطفل بنفسه ،وإنما يلزمه لهذه العملية طرق
معقدة تعتمد على نضج الوظيفة الرمزية والرأي األكثر واقعية هو رأي
Wallonيقول " :إن الكلمة تبدو بالنسبة للطفل لفترة طويلة كصفة أو خاصية
للشيء أكثر مما تبدو كرمز محدد يكت ب ويقرأ ويحلل.
نمو الطفل ومشكالهت الففية 86
يرد "روبنشتين" على هذه النظرية العقالنية لكلمات الطفل ونظام تسميته
لألشياء قائال" :ان االستخدام الفعلي للطفل للكلمات والمسميات استخداماً عمليا
تلقائيا قائم على المحاكاة وبدون وعي من الطفل .أما فهم الطفل لالسم المسمى
به الشيء يستمر ولمدة طويلة بدائي تلقائي ،ويتصور الطفل أن الكلمة تعتبر
جزء من صفات الش يء وال يستطيع أن يفصل االسم عن الشيء المسمى به
إطالقا حيث يعتبر االسم جزءا من المسمى.
في حين ينظر "كوفكا" Kofkaللكلمة باعتبارها جزءا من تركيب
الموضوع على قدم المساواة م ثل غيرها من األجزاء األخرى وهي ال تكون
بالنسبة للطفل لبعض الوقت رمز ولكن مجرد أحد خصائص الموضوع الذي
ينبغي أن تتوفر الستكماله وكل موضوع جديد يضع الطفل في موقف مشكل
يسعى إلى حله بواسطة تسمية الشيء وحينما يعجز فإنه يلجأ للكبار.
كذلك نرى أن "لوريا" يؤكد حقيقة (أن الطفل بالرغم من استعماله الكلمات
في وضعها الصرفي الصحيح في الجمل إال أنه يستمر ولمدة طويلة عاجزا عن
وضع هذه الكلمات محل تفكيره الواعي .فهو ال يرى لها وجود مستقل عن
المعنى والسياق االجتماعي الذي نشأت فيه وتنمو من خالله في هذه المرحلة
الثماني ة يمكن للطفل أن يستخدم الكلمة ،ولكنها تمثل الزجاج الذي من خالله
ينظر الطفل للعالم المحيط به دون إدراك منه لهذا الزجاج ذاته ،لذلك ال يمكن
للطفل أن يرى للكلمة حياة أو أن لها خصائصها التركيبة الخاصة بها.
فهو ال يرى لها وجود بدون معناها أو بدون سياقها االجتماعي الذي نشأت
فيه واكتس ب مدلولها منه لذلك لو طلبت من الطفل أن يكرر ما قاله لك سيقول
لك الواقعة بكلمات أخرى فهو يريد أن يوصل لك الواقعة وال يدري أنه يستخدم
كلمات لها خصائصها التكوينية لذلك حينما تسأ ل الطفل ما هي الكلمة التي بين
السماء واألرض سيقول (الهواء) أو (الطيور) فهو ال يرى في كالمه رموز
لغوية وإنما يرى واقع تنقله هذه الكلمات.
87 نمو الطفل ومشكالهت الففية
التلقائي مع عناصر اللغة وبين اإلدراك الواعي لها الذي يلزم بالضرورة لعملية
التعلم المقصود.
وقد أثب تت بعض الدراسات األثر السيئ المعوق لهذا التعامل التلقائي مع
عناصر اللغة ،إذا ما استمر الطفل عليه دون توجيه منظم للوجهة الثانية للعملية
التي يتعام ل بها األطفال ،فنظر إليه البعض كأنه حشائش برية تنمو تلقائياً في
األرض الزراعية.
وتأخذ غذاء ها من المزروعات المقصود زرعها .من هنا رأت هذه الفئة
من العلماء ضرورة تنحيته جانبا وخلعه من األرض ،إذا ما أردنا "للتعليم" أو
الزرع الجديد المقصود النماء بسهولة ويسر ،لكن فيجوتسكي له نظرة خاصة
في هذا الجانب ،وسنعرض هذه الفكرة بشي ،من التوسع ألهميتها بالنسبة
ألهداف تعليم المفاهيم اللغوية وعالقة التعلم بالنمو.
ويرى جالبيرن وزمالؤه ومساعد يه إمكانية االستفادة من هذه الطرق
البدائية التلقائية في اإلدراك ،بوضعها كأساس للتعليم ،وبوصفها مراحل بدائية
تساعد الطفل في االنتقال على الدرجات الالحقة للنمو بشكل أكثر ثباتا ورسوخا.
أي ال يلزم نزع هذه الحشائش وتنظيف التربة منها ،بل يمكن تنظيمها حتى تفيد
التر بة وتقوى الزرع المقصود.
لذلك استخدم بعض علماء النفس كصوفيا -ن يكاالفيا ومعاونيها ،وجالبيرن
وتالميذ ه العناصر المادية من مكعبات أو دوائر ،أو مواد يمكن التعامل الحسي
معها بصفتها معينات مادية يحدد الطفل على أساسها عدد عناصر الكلمة ،أو
كلمات الجملة ما دام هذا التعامل الحسي مع المواد المحسوسة يسهل للطفل
عمل ية العد أو الجمع أو التحليل على آخر هذه العمليات العقلية ،التي ال تستطيع
جعلها في المرحلة الحالية "مستدخله أو ذاتية في إطار التفكير المجرد عن اللغة
أو الصوت في الكالم المسموع.
ويعتبر حالبيرن صاحب اتجاه خاص في التعليم والنمو يستثير بدراسات
89 نمو الطفل ومشكالهت الففية
متعددة تنطلق من نظريته المعروفة بنظرية "الفمو المرحلي لألداءات العقلة "
وهى تقوم على مبدأ استدخال األداءات أثناء عملية اكتسابها".
لذلك أصبح لزاما لينجح الطفل في تعلم اللغة ،أن يكون للتركيبات اللغوية
والقواعد وعناصر اللغة من جمل وكلمات وحروف وأصوات ..حياة خاصة
ويدركهم الطفل إدراكا واعيا "فيتعامل مع الكلمات من جانبيها :من جانب معنى
الكلمة لذي ينمو ويتطور حسب مراحل النمو الخاصة كما اثبت ذلك فيجوتسكي،
ومن جانب مكوناتها وتركيباتها فيخضعها للتحليل والتركيب والترتيب والعد
والمقارنة :الكتشاف المتشبهات والمختلفات في الجمل من عناصر وأجزاء إلى
آخر هذه العمليات التي تدل على درجة وعى الطفل بالمادة التي يتعامل معها.
وقد أثبت الكثير من علماء النفس والتربويون إمكانية توجيه وعى الطفل،
وتكوين اإلدراك الواعي لديه بعناصر اللغة حتى في سن ما قبل المدرسة.
وهكذا نرى أن اإلدراك التلقائي ينتج عنه المفاهيم العامة واإلدراك الواعي
بالطرق المقترحة التكوينية (جالبيرن وغيره) يفترض تكوين المفاهيم العلمية
بخصائصها المدروسة ،ويلزم لتكوينها أن ت تعدل العالقة بين الطفل وبين المدركات
اللغوية ويمكن أن يعمل فيها فكرة تحليال وتركيبا وتشابها وتصنيفا...إلخ.
عالق الفمو بالتعلم:
يتضم ن النمو معنى الزيادة الكمية والكيفية ،مثال النباتات تطرأ عليها
تغيرات في حجمها ووزنها إضافة إلى انتقالها من مرحلة إلى مرحلة أخرى أي
تتغ ير نوعيا وهذا مثال بسيط نراه دائما أثناء نمو النباتات ،كذلك نمو الطفل
بوجه عام ونمو العمليات بوجه خاص وهكذا نجد أن النمو سلسلة متتابعة
ومتكاملة من التغيرات التي تسعى بالفرد إلى اكتمال النضج واستمراره.
والنمو هو العملية التي تتفتح خاللها إمكانيات الفرد الكامنة وتوظف قدراته
العقلية في صورة عمليات لها عائد نمائي ،وهو عملية مستمرة متدرجة تتضمن
نواحي التغير الكمي وا لكيفي والعضوي ،وكل مرحلة من مراحل النمو تتوقف
نمو الطفل ومشكالهت الففية 90
على ما قبلها وتؤثر فيما بعدها ،إال أن هذا النمو بيسير في مراحل تتميز كل
منها بسمات وخصائص واضحة ولكنها ت تداخل مع بعضها البعض حتى أنه
يصعب التمييز بين نهاية كل مرحلة وبين بداية التي تليها.
ويمكننا القول بأن كل مرحلة من مراحل النمو لها خصائصها النفسية
الخاصة ،والنمو مظهر عام معقد ومظاهرة متداخلة تداخال وثيقا ومترابطة
ترابطا موجبا ،ونجد ان مظاهرة الجزئية الخاصة منه ،متداخلة بحيث ال يمكن
فهم أي مظهر من مظاهر النمو إال عن طريق دراسته في عالقاته مع المظاهر
األخرى ،فمثال النمو العقلي مظهر من مظاهر النمو مرتبط ارت باطا وثيقا بالنمو
الجسمي واالنفعالي واالجتماعي ،وإذا كنا نفصل في الحديث بين مظاهر النمو
العديدة فإن هذا يتم من أجل الدراسة وهي تجزئة لتسير البحث العلمي وال يمكن
أن يكون حقيقيا ،حيث إن مظاهر النمو تنمو متكاملة متماسكة في انسجام
وتوافق عام؛ ألن الفرد كائن حي واحد متكامل ،وليس مجرد مجموعة من
الوظائف المختلفة المميزة.
ويرى العالم النفسي شتيرن في نظريته التوفيقية التي وضعها أن نمو الطفل
يتم بفعل عاملين:
- 1العامل البيولوجى (النضج) الذي يضمن نضج الصفات الموروثة
ومالمح الطبع.
- 2عامل البيئة الخارجية أي المحيط القريب من الطفل ،ويتقاطع هذان
العامالن في مكان ما ويحصل االئتالف والتوافق.
ويعد العامالن البيولوجي والبيئي متكاملين في النمو المعرفي بوجه عام
وت تضح العالقة بين الجانب التلقائي القائم على أساس النضج وبين الجانب
التعليمي بتأثير البيئة االجتماعية بمعناها الواسع في مشكلة وثيقة الصلة بالبحث
الحالي وهي :عالق الفمو بالتعلم.
91 نمو الطفل ومشكالهت الففية
وتنظر البيولوجيا المعاصرة إلى الوراثة كقدرة مختزنة ومثبتة يتمتع بها
الكائ ن الحي لبضعة أجيال ،وتتطلب من البيئة شروطا معينة لضمان وجودها
وتوظيفها.
وفهم الور اثة وفقا لعلم الوراثة المعاصر ،على أنها قدرة الكائن على الحياة
والنمو ضمن شروط معينة ،وتنتقل هذه القدرة من األجيال السابقة إلى األجيال
الالحقة على شكل تنظيم فيزبيوكيميائي محدد.
أم ا البيئة فهي الشرط الذي يضمن تأثير العامل البيولوجي في النضج
ويتضمن مفهوم ال بيئة مجمل الشروط التي يتم فيها النمو العضوي ،وتلعب البيئة
التي يعيش فيها الطفل دورا في نموه فالبيئة األسرية هي المنظمة األولى ذات
التأثير الواضح وعناصر البيئة ليست متساوية التأثير فهي ال تؤثر بدرجة واحدة
على الطفل في شتى مراحل نموه ،فاألسرة تؤثر تأثيرا حاسما في الطفل في
مرحلة ما قبل المدرسة وتستمر إلي ما بعد المدرسة في حين يتأثر بشكل أكبر
تلميذ المدرسة برفاقه وبالمربين والمدرسين المحيطين به فهم الجماعة المرجعية
التي يتعلم منها كثيرا من المعارف والمبادئ ،وتؤثر الظروف االقتصادية
والمعيشة االجتماعية بصورة متفاوتة على نمو الطفل في مراحل حياته المختلفة
وهذا ما أكده فيجوتسكي ولكن طالما أن البيئة توجد في حالة من التغير الدائم،
فإن كل كائن حي جديد مضطر للتكيف مع هذه المتغيرات ومن خالل ذلك
تتعدل أو تتغ ير بعض المالمح والصفات الموروثة ،وتظهر لدى الكائن الحي
مالمح وخصائص جديدة .فنجد أن البيئة لها تأثير في تعديل بعض المالمح أو
انحالل بعضها.
في الواقع أن العمليات الوراثية والمتعلمة شديدة االرتباط ببعضها ،ولذا فإن
كل انسان يخضع لكال النوعين وألن العمليات الوراث ية هي الخلفية التي تمكن
الشخص من بيئته ومجتمعه فهي التي تعطيه الطاقة ،واما البيئة والمجتمع
فيصوغها ويكفيها حسب متطلبات الجماعة ونفرق في النمو بين العمليات
نمو الطفل ومشكالهت الففية 92
من هذ ه المعلومات المنقولة لهم بواسطة هذا المدرس ،ومن هنا نالحظ أن
التعليم يتم تلقائيا والتعليم يتم بواسطة (معلم أو أسرة).
فمثال طفل دخل المدرسة ليتعلم طرق القراءة فيبدأ المدرس بتعليمه
وتوجيهه ن حو أفضل طرق القراءة ويبحث له عن وسائل إيضاحية ويبسط له
المعلومات لتتما شى مع مداركه وتفكيره ،والطفل وهو يتعلم ذلك يتلقى تلك
المعلومات مع مجموعة من التالميذ ،بعد أن يتعلم هذا الطفل ،نجده يخزن هذه
المعلومات في ذاكرته وخبرته ويبدأ يستفيد منهما تلقائيا في مواقف جديدة،
ويستدعيها إراديا وبمجهوده الذاتي ،هنا تستطيع أن نقول إن ا الطفل تعلم؛ ألنه
امتلك القدرة على االستفادة مما علم له ،بعكس؛ طفل لم يستطع أن يوظف ما تم
في العملية التعليمية في مواقف جديدة طارئة.
وهكذا نالحظ أن التعلم والتعليم يسيران مرادفين للنمو ،كون الهدف منها
هو الزيادة واالستمرار والتوسع وقد يكونان مختلفان ،لكون أحدهما يتم بصورة
طبيعية ففي النمو نجد األفراد جميعهم ينمون بصورة واحده وأما ثانيهما
(التعليم) فيختلف باختالف األشخاص واختالف المواقف والخبرات ،وقد يتعلم
فرد ،وآخر ال يتعلم تعلم ه نظرا لتفاوت الخبرات والمعلومات فيتأخر التعليم تبعا
لنوع المفاهيم التي تكونت عند كل منهما ،ويتأ ثر النمو أكثر ما يتأثر باإلنسان
الذي يربي الطفل فالمربون واآلباء والمدرسون هم الذين ينظمون نشاط الطفل
ويقودونه إلى االتجاه المرسوم بإعطائه المعلومات الصحيحة ،وكما يقول
"بياجيه" إن الطفل ال يتعلم هذه الخبرات جاهزة وإنما ينشط إعادة صياغتها.
ويهيئ المجتمع والبيئة ،أحسن الظروف المالئمة بقدر اإلمكان لنمو الطفل
ويتحدد هدف المربين في توجيه نشاط الطفل ،والعمل على عدم وجود تناقض
فكل تناقض خارجي يكون نتيجة لتناقض داخلي.
هذا وقد عا لج العلماء مسالة العالقة بين التعليم والنمو؛ حيث يرى
السلوكيان " :ثورنديك ،واتسون" أن النمو نتيجة للتعلم ويرون النمو والتعلم
نمو الطفل ومشكالهت الففية 94
وهو يتلقى التربية والتعلم ،وهذه بدورها توجه النمو فإما يستمر بشكل تلقائي
وهذا قد يعوق العمليات العقلية العليا.
وإما أن يتحول الحشد النفسي إلى اإلدراك الواعي للمتغيرات المحيطة
بالفرد وتتجلى خال ل ذلك كله مفاهيم األطفال ونشاطه ،حيث يتحول تأثير البيئة
والتعلم على الطفل إلى عملية معقدة ذات وجهين من التأثير المتبادل على اإلنسان
والبيئة ويفضل فاعلية الطفل ونشاطه ،يستوعب المعارف والخبرات التي جمعتها
األجيال العديدة من الناس الذ ين عاشوا قبله ،وعليه أن يتمث ل عددا كبيرا من
المفاهيم التي تراكمت خالل خبراتهم؛ حيث يتلقى الطفل هذه المعارف جاهزة من
الراشدين مباشرة أو من الكتب والثقافة ووسائل االتصال المختلفة كما يستوعب
القوانين والقواعد والتي ينبغي أن يخضع لها ويتعلم استخدامها في حياته ،ثم
يستخدمها ويصبغها بصبغته الشخصية كما سبق اإلشارة في مثالنا السابق إلى
إمكانية االستفادة من الحشائش البدائية (التلقائية)؛ وذلك إلثراء التربية الزراعية
بدال من خلعها التي نتوقف على الطريقة التربوية التي توجهها.
كيف يمكن توظيف هذه المعلومات عن خصائص اإلدراك اللغوي للطفل
في حل مشكالت التعليم حتى نعجل بنمو الطفل وتوظف قدراته ونصل إلى
أقصى إمكانيات الطفل ليعي وينمو عقليا ومعرفيا قبل اإلجابة عن هذه األسئلة
ال بُدَّ أن نعرض برأي كل من :جان بياجيه وفيجوتسكي بشيء من التفصيل
لتكوين المفاهيم ونموها.
تعددت اآلراء المعاصرة التي تدور حول عملية تكوين المفهوم وتحديد
خصائص هذه العملية وقد اتب ع بياجيه وفيجوتسكى منحى خاصا في سبيل هذا
التحديد.
مما تقدم يتضح ان االتفاق على المفاهيم والمصطلحات المستخدمة في أي
من البحوث الخطوة األولى الالزمة لتحقيق وحدة االنطالق من أرض واحدة
ليتم التعرف على باقي عناصر الموضوع المفحوص ويستخدم هذا الفصل كثيراً
نمو الطفل ومشكالهت الففية 96
من المصطلحات منها القديم الذي تم االتفاق عليه ومنها المستحدث من نتائج
العالقات التي تقيمها الدراسة الحالية بين بعض مقدمات النظرية واالجتماعية
التاريخية.
وهتمثل مصطلحات الفوع األول:
النمو.
مراحل النمو وليس التقسيم.
وهتمثل مصطلحات الفوع الثانى:
محددات النمو.
تعريف المحدد ودوره بوجه عام.
التعريف بالمحددات:
أوال :النشاط المهيمن.
ثانةاً :المكانة االجتماعية.
ثالثا :الطفرة.
رابعاً :األزمة.
أوالً -أ -هتعريف الفمو:
عولجت مسائل النمو بأشكال مختلفة تبعاً الختالف المنطلقات النظرية
(المنطلق المادي ـ المنطلق المثالي ) ...إال أن أكثر مسائل النمو اتفاقًا بين
النظريات المختلفة هي مسائل تعريفه أو معناه في حين كانت مسألة العوامل
المؤثرة على النمو وعالقة البيئة والوراثة به من أشد المسائل اختالفا وتناقضاً
بين النظريات المختلفة.
فقد اتفقت جميع المدارس السيكولوجية على أن النمو هو حركة دائمة
وتغير متصل يسعى لغاية نهائية وهي االكتمال تتوالى هذه الحركة في التسلسل
97 نمو الطفل ومشكالهت الففية
قدما إلى اإلمام وتتابع في سياق منسق ينتقل الفرد فيه من مرحلة سابقة إلى
مرحلة الحقة دون تخط ألي من المراحل وتنتقل العمليات العقلية والوظائف
النفسية من عمليات دنيا مباشرة تلقائية إلى عمليات واعية غ ير مباشرة وآلية
راقية (فيجوتسكي 1960ص.)198
ويتعلق النمو بزيادة الحجم وطول القامة والوزن إلى آخر ما يالحظ في
التطور الفسيولوجي ،كما يتعلق بالتعقيد والتركيب وكافة التغيرات الكيفية
المصاحبة للتطور الكمي الجسمي ،كأن يزداد الجنين مع النمو تعقيدًا دون أن
يزداد حجما ،يمكن أن تتناقص بعض األنسجة مع مراحل النمو المتقدمة كنقص
اللوزتين والغدة التيموسية ،ونقص السعرات الحرارية التي يستهلكها الفرد
بالنسبة لوحدة الوزن كلما زادت سنة (جون كونجر )1981في مقابل هذا النمو
الجسمي التكوينى نجد هناك نمواً وظيفيًا ينحو بالفرد نحو التكيف والتوافق
االجتماعي ،وهو النمو الذي يطرأ على قدرات الفرد وعلى تفاعله االجتماعي
من أخذ وعطاء وتأجيل الرغبات أو القيام بأدوار اجتماعية معينة يحصل عن
طريقها على رضاء المجتمع واستحسانه.
وهذا هو النمو االجتماعي ،كما تنمو قدرات الفرد على االتزان والتحكم
اإلرادي في التعبير عن عواطفه وانفعاالته وها هو النمو االنفعالي ،وهناك النمو
العقلي المتمثل في نمو قدرات الفرد بدءًا من األعمال الذهنية القائمة على ما
تأتي به الحواس مباشرة والتفكير المادي المصاحب للواقع كما هو ،وانتهاء إلى
التفكير المجرد والرمزية الممثلة في استخدام اللغة ،والتحصيل واكتساب
المهارات والقدرة على أعمال الفكر فيما هو مجرد وغير محسوس.
فالنمو بهذه الطريقة يشتمل على المجاالت اآلتية:
- 1نمو جسمي.
- 2نمو اجتماعي.
نمو الطفل ومشكالهت الففية 98
- 3نمو عقلي.
- 4نمو نفسي.
وهناك تكامل وتوحد بين هذه المظاهر األربعة في ترابطها لتكوين
الشخصية الكلية التي تدرس في وحدة وديناميكية ال تمكنان من تفتيت النمو إلى
هذه المجاالت إال بغرض الدراسة فقط ،وقد ينمو أحد المجاالت نمواً طبيعياً
دون إعاقة وال تأزم وقد يعاق مجال آخر أثناء النمو فتحدث أزمة اجتماعية أو
أزمة انفعالية وهكذا.
ومن هنا نصل إلى نتيجة منطقية ثابتة هي أنه إذا تدخلت البيئة بالتعليم
والمران في الوقت المناسب (في حالة النضج واكتمال االستعداد) يمكنها بذلك
أن تسرع في خطي النمو واالنتقال عبر مراحل النمو المختلفة ،وتنمية القدرات
بتوظيفها في أوج استعدادها للتوظيف أما إذا جاء التعليم والتدريب قبل الوقت
المناس ب أو بعده أدي ذلك إلى إعاقة النمو وظهور األزمات التي سنفرد الحديث
عنها فيما بعد (هنرى فالون سن .)1978
وينشط أثناء النمو عامال التعليم والنضج ،فالخبرات التي تزود الطفل باألساس
الالزم للتعليم ضرورة للنمو السوي ولكن ال يتمكن التدريب وحده من أن يفضي
إلى تغيرات في القدرة والعمل كتلك التي تحدث بشكل طبيعي أثناء عملية النمو.
ومن المهم في تدريب األطفال أن يؤخذ بعين االعتبار عامل النضج
ومالء مة مطالب التعليم الستعداد الطفل ،وال يحتمل أن تثمر الجهود التي تبذل
لدفع عمليات النمو إلى اإلسراع عن طريق التدريب مادام الطفل ال يملك
االستعداد الذي يعينه على االستفادة من هذا التدريب ويبدو أن كثيرًا من التوافق
الحركي لألطراف يعتمد بصورة أساسية على عامل النضج ،وعلى التعلم وليس
التعليم (أي التدريب العرضي الذاتي للطفل نفسه) وهكذا يبدو أن تأثير التدريب
يتناسب مع مرحلة نمو الطفل ويتحسن األداء بزدياد النمو والنضج (جان بياجيه
وانهليدر) في (لومانسكايا ص.)84
99 نمو الطفل ومشكالهت الففية
المقصود بالمحدد:
هو هذا العامل الفعال الدافع الذي يلزم بالضرورة لعملية النمو ويؤثر عليها
بحيث يعجل بها ويدفعها أو يعوقها ويبطئ خطاها ويوقف خطاها ويمنع انتقال
الشخصية للمرحلة التالية.
فتتحدد عملية النمو تبعاً لطبيعة هذا المحدد ومدي قيامه بوظائفه أو تقاعسه
عن القيام بها أو بعضها مما يجعل نتائج عملية النمو غير متكاملة.
ومحدد النمو هو الدافع لفعالية الشخصية ونشاطها وتفاعلها مع البيئة
المحيطة ،وهو الذي يدفعها لممارسة الخبرة واستيعابها ويشكل الخبرة ويطبعها
بطابعة الخاص ،فيجعل الطفل عضوا فعاال في المجتمع وليس مجرد مستقبل
للمثيرات االجتماعية بل هو مشكل لها بفعاليته الخاصة "نشاطه الذاتي" فالطفل
ال يستوعب خبرات جاهزة ،بل يعيطها هو مفهوما ويطبعها بطابعة الخاص
"بياجيه"؛ إذ يتلقاها من خالل محددات النمو فتصطبغ بالصبغة الخاصة بهذا
المحدد وهذا ما يجعل استجابات األطفال على نفس المثير في مراحل النمو
المختلفة متفاوته وكذا فإن نفس المثير الخارجى ال يؤثر على الطفل في مراحل
نموه المختلفة تأثيراً متساويًا ،ألن الشرط الخارجي يؤثر دائما عبر الشروط
الداخلية" روبنشتين" سنة ،1959ص .)251
تعد التربية والنمو وجهي ن لعملة واحدة أظهر أبحاث أ.ن .ليونتيف
أ .جالبيرون وأ.ف زاباروجيتش وأ.أ لوبلنييتسكيا أن فعالية الطفل تلعب دوراً
حاسماً في أي عملية معرفية وتنمو هذه الفعالية بمستويات مختلفة وتتخذ أشكاالً
متباينة باختالف مراحل النمو ،وتعتبر شرطا للنمو بأكمله (فالتعلم يسبق النمو
ويحدد مساره).
وأول محددات هذه الفعالية ومن ثم أول محددات النمو بوجه عام هو ما
يسمى "بالنشاط المهيمن" ،ولكى نوجه عملية نمو الطفل ال بُدَّ من التعرف على
تلك الشروط أو المحددا ت التي تجعل من التربية قوة "تطوير وتنمية" (لوبنسكايا
ص ) 85عن طريق استخدام قوانين النمو ومنشطاته وتوصيلها للشخصية من
خالل هذه المحددات.
نمو الطفل ومشكالهت الففية 102
فلو حاول المجتمع توصيل ما يريد من معارف بشتى الوسائل دون علم
بهذه المنافذ الرئيسية ذات القوة السحرية لوجد من الطفل الجمود والتبلد الذي
يعطي صورة مناقضة تماما الحتمال وجود ما يسمي بالفعالية الذاتية النشطة
للطفل والتي أثبتت الدراسات أنها خطوات تسير وفق خطوات النمو التالية:
(لوبلنسكايا ص 90 :89سنة .)1980
- 1تصبح األفعال االنعكاسية أفعاالً أكثر إرادية ،فيكُّف عن القيام ببعض
األفعال ويقوم باألخري حسب رغباته واحتياجاته وتكتسب الفعالية هنا
طابعاً إبداعياً.
- 2تتحول الحركات البسيطة "ردود األفعال" إلى نشاط كامل ومعقد
يخضع لدافع معينه وبهدف لغاية محددة ويتخذ طابعاً أكثر انتظاماً
وتوجيها.
- 3تكتسب فعالية الطفل طابعاً عقالنياً ،إذ تتضمن التفكير والبحث عن
طريق تنفيذ المهمات العملية "في إطار اللعب االجتماعي" ويمكن أن
تتخذ الفاعلية شكل النشاط الذهني في نهاية مرحلة ما قبل المدرسة.
- 4وتتجلى فعالية الطفل في جميع مستويات النمو فيما يلى:
في األعمال التقليدية والمماثلة (الكلمات ـ األلعاب).
في األفعال التنفيذية لتحقيق مطالب الكبار حيث تتكون المهارات.
في التعرف على األشياء الجديدة عليه بالفحص والتركيب والفك في
شكل إبداعي يتمثل في كثرة النشاط والحركة على كل المستويات.
- 5إ ن فعالية الطفل تتجه نحو استثارة الراشد فبالرغم من احتياج الطفل
للراشد إلشباع حاجاته األساسية كحاجته للمعرفة إال أنه حينما يعبث أو
يتصرف حسب أهوائه ينتظر رد فعل الراشد وأحكامه وتقويماته.
- 6يوجه طفل مرحلة الحضانة فعاليته نحو تحسين ذاته وتربية نفسه فهو
يبتغى اعتراف اآلخرين بجدارته.
103 نمو الطفل ومشكالهت الففية
- 7تتخذ فعالية الطفل أشكاال مختلفة وتتبدل مواقعها في عملية النمو فيقلد
طفل الحضانة سلوك األم ويتعدى تلميذ المدرسة تقليد السلوك إلى
محاكاة إصدار األحكام وطريقة الحديث وتقويم األفعال .كما يحدث
نفس الشيء بالنسبة فعالية الطفل في إدراك ـ السلوكيات.
- 8يستوعب طفل الثالثة والرابعة األفعال البسيطة وتثبت بالتكرار ويتمثل
التالميذ الصغار األفعال العملية األكثر تعقداً ويمتلكون مهارات الكتابة
والتصميم ،فالطفل بنمو فعاليته يخضع األفعال التي يستوعبها للوعي،
ويقيمها بصورة موضوعية وبذلك يفهم أثر البيئة كسبب من أسباب
النمو بوجه عام والنمو النفسي بوجه خاص لدى األطفال وتنظيم أثر
هذه البيئة هو ما يد عي بالنشاط التربوي أو التربية ويفضل فعالية
الطفل تظهر اللمسات التي ال يعرف مصدرها من سلوكه وميوله
وأحكامه كما أن ليس كل ما يريده الراشد "المربى" يتكون لدى الطفل
فقد ال يستثير ما يريد الراشد تكوينه لدى الطفل فعاليته ونشاطه الذاتي.
لغرض الكتاب أربعة محددات للنمو تتمثل في:
ثانياً :طفرة النمو. أوالً -النشاط المهيمن.
رابعاً :أزمة النمو ثالثًا -المكانة االجتماعية.
وسيسوق الحديث عن كل محدد أدلة جدارته بأن يعتبر محدداً للنمو حسب
ما سبقت اإلشارة إليه من خصائص.
ما هو الفشاط المهةمن؟
تحديد مفهوم النشاط المهيمن يجب أال يكون تحديدًا كميا حيث إنه ليس هو
النشاط الذي يحدث بكثرة فقط في مرحلة من مراحل النمو ويغلب على سلوك
الفرد في هذه المرحلة بعينها ،كما أنه ال يتحدد بعدد الساعات التي يستغرقها من
اليوم في مرحلة ما وإنما هو المهيمن بمضمونه وأثاره الكيفية وتشكيله
نمو الطفل ومشكالهت الففية 104
للشخصية ،وهو مصدر الخبرة االجتماعية وهو السبب في اكتسابها ولذلك فهو
يتميز بثالث خصائص (ليوتيف ص 520- 509سنة .)1972
أوالً -هو ذلك النشاط الذي تتكون بداخله وتتبلور في إطاره أشكال جديدة
من النشاط الذاتي التي تعبر عن فعاليته الطفل.
هو هذا الباب الذي تطرقه المؤثرات البيئية فتستجب من ورائه كل طاقات
وقدرات المرحلة بالفعالية الحماسية التي يعاد بها تفهم واستيعاب الخبرات
المحيطة ومن ثم فهو يختلف من مرحلة لمرحلة فليس الباب الذي يجب طرقه
في مرحلة المهد (النشاط المهيمن لهذه المرحلة) هو نفسه الذي يجب طرقه في
مرحلة ما ق بل المدرسة "النشاط اللعبي".
باإلضافة لذلك فهو النشاط الذي يُربى ويُحضر النشاط الذي سيحتل القمة
في المرحلة الالحقة فهو بجانب ما يفعله للشخصية من تنمية عن طريق
استيعاب الخبرات المحيطة يربى من سيحتل مكانه في المرحلة الالحقة حينما
تنمو الشخصية وتنتقل من المرحلة الحالية إلى مرحلة الحقة ال تستمر فيها
صالحية النشاط الحالي لتحتل قمة األنشطة ،فهو يعد خليفته في قيادة الشخصية
حينما يشيح وينضم لألنشطة التابعة التي تعمل في خدمة النشاط المهيمن في
المرحلة الالحقة.
فالنشاط اللعبي مثال المهيمن في مرحلة ما قبل المدرسة بجانب أعبائه في
تكوين الشخصية بكل عناصرها الجسيمة ـ النفسية ـ العقلية ـ االجتماعية ـ يعد"
النشاط التعليمي "الذي سيكون مهيمناً في المرحلة التالية مرحلة الطفولة
المدرسية من 12 – 6سنة "فالطفل يبدأ في التعليم لعبا" ليونتيف ص 506سنة
.1972
ثانةاً -تتكون بداخل النشاط المهيمن بعض "العمليات النفسية" أو يعاد
بناؤها فمثال تتكون في "النشاط اللعبي " عمليات التخيل النشط والتصور وفى
أثناء "النشاط التعليمي" تتكون عمليات التفكير المجرد.
105 نمو الطفل ومشكالهت الففية
من محددات النمو ما دمنا اتفقنا فيما سلف على أن النمو ال يتم إال باستيعاب
الخبرة االجتماعية.
ومما يؤكد أن النشاط المهيمن هو المحدد األول لعملية النمو أن عناصر
البيئة ومؤسساتها المختلفة كثيراً ما تحاول نقل الخبرة للطفل وعرضها له
وتكرار تعريفه بها حتى يستوعبها ،ولكن يبدو كما لو كان يعيش في عالم آخر
بعيد كل البعد عما تستعرضه له البيئة من الخبرة الالزمة للنمو وهذا يعني أن
المؤثرات البيئة ال يلزم عنها لدى األطفال في مختلف المراحل استجابة من
نموذج واحد وأن الطفل ليس مجرد مستجيب وإنما هو ذات مؤثرة على البيئة
نفسها وهو يزداد تأثراً بالبيئة وتأثيراً فيها بما تعلمه أثناء عمليات التفاعل
االجتماعي في العديد من المواقف الحياتية التي يوظف فيها قدراته وتظهر في
صورة عمليات ومهارات مختلفة تكتسب وتنمو أثناء نشاطه التفاعلي كما تتغير
استجاباته مع مراحل نموه المختلفة فما كان يثير انتباهه في الماضي بشدة
يصبح عديم التأثير عل يه اآلن كما تفقد الطلبات التي كان يكلف بها فيقوم بتنفيذها
بكل دقة واهتمام تأثيرها تماماً عليه (لوبلنسكايا ص.)87 ،86
يُظهر كثير من اآلباء اهتمامهم بتنشيط الطفل ودفعه للتفاعل عن "طريق
شراء اللعب الغالية وتكديسها أمامه ،كما يحاولون جاهدين استثارة فاعليته
ونشا طه بتعدد المؤثرات الخارجية لكنهم ال يجنون من وراء هذا كله سوى
جمود الطفل وقد ترى الطفل يتسلل ليجمع أغطية الزجاجات ويلعب بها تاركاً
هذا الحشد الهائل من اللعب التي تمثل أدوات يستخدمها الكبار وقد كان اآلباء
يتصورون أنه محتاج إليها في ألعابه.
يثير هذا كله االنتباه إلى أن هناك مداخل خاصة وأبواباً معينة تُطرق بشكل
خاص وفي وقت معين فتستجيب جميع القدرات بكل طاقاتها المنتظرة المحتشدة وراء
هذه المداخل بالذات وهذا يؤكد أنه (إذا تدخلت البيئة بالشكل المناسب في الوقت
المناسب أدى ذلك لإلسراع بالنمو)؛ حيث تقدم المثيرات بالشكل الدافع للتوظيف.
نمو الطفل ومشكالهت الففية 108
ثم يؤدي التوظيف للتنمية بزيادة القدرات ومن هذا يعتبر النشاط المهيمن
أبواباً متغيرة تبعاً لمراحل النمو المختلفة ويجب أن يطرق كل باب في حينه
لتنشيط عملية استيعاب الخبرة االجتماعية ،وعدم الخلط بين األبواب المختلفة
أي يجب الحرص حتى ال تطرق باباً ال توجد وراءه القدرات في هذه المرحلة
لتوظيف قدرات طفل ما قبل المدرسة ال يجب أن نعطيه ما يتحسسه ليتعرف
عليه أو نعطيه من المثيرات الضوئية ،أو نعطيه من المثيرات الضوئية ما يجعله
يوظف عينه وينشطها ألن هذه المثيرات كانت مناسبة في المرحلة السابقة حيث
المهيمن هو "النشاط الحاسي" ولكن إذا ما وجد الطفل نفسه مضطلعاً بمهمة
رجل المطافي في لعبة مع أصحابه نجده يبذل كل الجهد للقيام بواجبات الدور
ملتزماً تماماً بما تمليه عليه القيم والضمير عامالً بكل جد واجتهاد إلنجاز ما
يجب إنجازه فهل هناك باب آخر أوسع من هذا الباب يفتح أمام طفل المرحلة
مسئوليات وأعباء عالم الكبار في أدوارهم المختلفة؟
بالطبع ال يمكن القطع بأن النشاط المهيمن هو الباب الوحيد للمعرفة والنمو في
مرحلة بعينها؛ حيث إن باقي األنشطة األخرى ال تموت وال تنتهي لمجرد االنتقال
من القمة إلى عالم األنشطة التابعة ولكنها تعمل في خدمة هذا النشاط المهيمن،
فبدون النشاط "الحاسي الحركي" ال يستطيع الطفل اللعب ولكن اللعب الذي يبدأ
تحسيساً تكرارياً لبعض الحركات التي يراها الطفل تجرى معه ينتهي لعباً ذا قاعدة
ملزمة لنفس الطفل بالتحكم في إشباع رغباته وتأجيل بعضها حتى يتمتع بالقيام
بواجبات الدور الذي يقوم به في حين ال يمكن إقناع الطفل نفسه بالحوار الجاد مع
الكبار بتأجيل أي من رغباته فالصبر واالنتظار ليس لهما في قاموس طفل هذه
المرحلة مكان طالما يتم عرضهم عليه من باب الحوار الجاد ويطلب منه استيعابهما
إرادياً ،ولكن نراهم ملزمين للطفل ذاته في أدوار اللعب الذي هو مهيمن في هذه
المرحلة لذلك فهو الباب األوسع الذي يتلقى منه الطفل كل مثيراته بصفتها دوافع
لتوظيف قدراته التي تنمو في الوقت نفسه بفعل هذا التوظيف.
ولكن كل ما يمكن للبيئة عمله هو ترتيب التراث الذي نريد توصيله للطفل
109 نمو الطفل ومشكالهت الففية
بالشكل المناسب وتمده به في إطار مثيرات معينة "مناسبة للنشاط المهيمن" في
الوقت المناسب وقت هيمنه النشاط المعين "لتستثير فاعلية الطفل وتستحث
دوافعه للنمو.
الطفـــرة:
تم االتفاق على أن النمو هو عملية تغيير مستمرة متتابعة تنتقل بالشخصية
ككل من مرحلة سابقة إلى مرحلة الحقة على سلم االرتقاء والتطور بفعل
عمليات التفاعل االجتماعي التي تعمل على تشغيل األعضاء وتوظيف القدرات
وبالتالي على تنميتها.
فهل يسير النمو هادئاً في خط مستقيم وعلى وتيرة واحدة طوال مراحل
النمو المختلفة؟ يجيب فالون على هذا السؤال بأن (عملية البناء "النمو" تستمر
في ما يشبه "التناوب" فتصل كل مرحلة من مراحل النمو بالمرحلة التي تليها
بوقائع من النضج تنتج ما يشبه الثورات في السلوك ويتفق معه بياجيه في "أن
النمو يسير في بعض األحيان بهدوء ثم ال يلبث أن تحدث فيه قفزات".
(وهكذا تتدرج التناوبات التي تستتبع النمو ،وال يبدو التغيير محسوساً إال
بعد أمد طويل من النمو الهادئ ويبدو هذا التغيير دفعة واحدة وبصورة عنيفة
نتيجة استيعاب الشخصية للخبرة االجتماعية واتساع العالم الخارجي فلحظات
النمو "القفزات" أو ما نفضل تسميته "بالطفرة" مسبوقة باكتسابات كثيرة تتيح
للشخصة سعة أفق فتستحدث حالة ثورية تصبح منطلقة بدورة جديدة) "فالون
ص 80سنة ."1978
من هذا يمكن تعريف طفرة النمو بأنها "اللحظات التي تحشد فيها القدرات
والمدخر من الخبرات وتزيد عن متطلبات المرحلة مما يجعلها تضيق بإمكانيات
الشخصية وما لديها من خبرات فتتطلع الشخصية للقفز خارج حدود هذه المرحلة
التي لم يعد فيها ما يثير االنتباه ويستحث دوافع التعرف واالكتشاف ويضمن
استمرار التفاعل بين الشخصية والمجتمع "في هذه اللحظات تحاول الشخصية
نمو الطفل ومشكالهت الففية 110
القفز لمرحلة أعلى تتجاوز بها المرحلة التي تحتلها في الوقت الراهن.
ما هي المعدات التي هتيتخدمها الشخصة لتحقةق الطفرة وكةف هتتكون
هذه األدوات؟
من وجهة النظر االجتماعية التاريخية تعتبر مراحل النمو مراحل اجتماعية
الطفل أي جعله عضواً في مجتمع وتتحدد اجتماعية الطفل بمطالب الحياة
االجتماعية وبواسطة التنظيم التربوي الذي يفجر طاقات األجيال الصغيرة
"كالوسن وولياز ."1963
إن البيئة هي التي تكون سلوك الطفل وتخلق دوافعه واهتماماته وإمكانياته
وقدراته على التصرف تبعاً لمطالبه البيئية وتوقعاتها ،فهي التي تؤكد على
بعض السلوكيات وتدعمها أو تخلق العدوان وبذلك تضمن تغيير الخصائص
السابقة للطفل لتحل محلها خصائص جديدة "مايير سنة "1965وفي نفس
ال وقت الذي يعتبر النشاط والتفاعل االجتماعي مظهراً من مظاهر نمو الطفل
وداللة عليه نجده أيضاً في النهاية وسيلة البيئة لدفع عجلة نمو الطفل.
وترى النظرية االجتماعية التاريخية أن البيئة تقوم بذلك كله عن طريق
التوظيف كقول فالون ويتم هذا تبعاً ألساس نظري مهم يقول (إن توظيف
األعضاء ينمطيها) وهو قريب الشبه بقانون االستعمال واإلهمال عند السلوكيين.
« توظيف القدرات في صورة عمليات ينميها».
وهنا يجدر بنا الحديث عن دور البيئة والتنشئة االجتماعية بنمطيها "التدليل
والقسوة" وأثرهما في إحداث طفرة النمو والتعريف بخصائص التربية الخالقة
أو الفعالة وكيف يتحقق النمو عن طريق الطفرات ودورها الرئيسي فيه بصفتها
أحد محدداته.
إن المعدات الالزمة لحدوث الطفرة هي الحشد الهائل من الخبرات
المتعلمة من المجتمع وهي هذه المدخرات المعرفية التي استفادتها الشخصية
111 نمو الطفل ومشكالهت الففية
في عمليات التواصل االجتماعي بمعناه العام وال نبالغ إذا ما اعتبرنا أن
الشخصية تتكون في النشاط وأن الوعي ينمو من خالل النشاط وال يمكن
الكشف عن قوانين النمو النفسي عند الطفل إال عن طريق دراسة شتى أوجه
نشاطه (لوبلنسكايا)؛ حيث إن أي نشاط يتوجه لهدف ويتطلب استخدام مهارات
وتوظيف قدرات لتحقيق هذا الهدف.
ويزداد مع كل يوم دور النشاط في حياة الطفل ويتعقد التأثير المتبادل بينه
وبين البينة "التفاعل االجتماعي" وبهذا تتسع خبرته الشخصية ويتعلم ذلك
"التعلم الذي يدفع الشخصية على طريق النمو فهو يمضي أمام النمو ويجره
وراءه" (فيجو تسكي سنة .)1969
وآية ذلك أن طفل المهد إذا ما هيأت له البيئة مثيرات لنشاطه الحاسي
الحركي (المهيمن في هذه المرحلة) فوظف حواسه للتعرف على هذه البيئة
وأشبع تعطشه للعلم يتطلع للتعرف على بيئة أوسع منها فيرنو لمرحلة النمو
الالحقة حيث أصبحت البيئة الحالية معروفة له وفقدت عوامل التشويق التي
تدفع عمل يات التفاعل االجتماعي وأصبح احتجازه في إطار هذه المرحلة معوقاً،
فيضيق بحدود هذه المرحلة ويتطلع إلى تخطيها وفي هذه اللحظة يكون النشاط
"الحاسي الحركي" قد أوشكت مرحلة هيمنته على االنتهاء وأصبح غير جدير
بالوفاء بمتطلبات الشخصية ويكون قد أتم تربية نائبة وإعداد النشاط الذي ينوب
عنه "اللعبي" وهو المهيمن في مرحلة ما قبل المدرسة ،بيد أن النشاط الحاسي
الحركي يظل قريباً منه حتى يتأكد من كفاءته للقيام بمتطلبات المرحلة حينئذ
يتخلى عن القمة له وهنا تحدث الطفرة وتتم بفضل ما سبق احتشاده من خبرات
لالنتقال إلى المرحلة الالحقة.
وعند هذه اللحظات "الطفرات" تقف البيئة أحد موقفين فإما أن تتيح للطفل
التعرف على مثيرات المرحلة الالحقة مما يعمل على توظيف قدراته ونموه .وإما
أن تعرقل محاولته التعرف باحتجازها للشخصية في نطاق مرحلة النمو الحالية.
نمو الطفل ومشكالهت الففية 112
ويستبين مما تقدم وضوح العالقة بين هذين المحددين والمكانة االجتماعية
بوصفها المحدد الثالث كما يستبين ظاهرة الديناميكية التي تتسم بها هذه العالقة.
االجتماعة :
تعد ال مكانة االجتماعية التي يحتلها الطفل في مراحل نموه المختلفة المحدد
الثالث لنمو شخصيته ككل وقد لوحظ من عرض المحددين األولين أن هناك
تفاعالً وتكامالً بينهما فعن طريق توظيف القدرات وإخراج اإلمكانيات الكامنة بعد
استثارتها بواسطة النشاط المهيمن إلى تشغيل فاعلية الطفل في كل مرحلة تتكون
الخبرات وتحتشد لتكون ما يسمى بالطفرة ،وهذه تدفع بدورها الشخصية لتغيير
مكانتها االجتماعية فبدون توظيف النشاط المهيمن ليقوم بدوره ال يتكون الحشد
من الخبرات االجتماعية الذي يكون الطفرة وبدون الطفرة التي تدفع الشخصية
للتطلع للمكانة الجدي دة تستكين الشخصية في البيئة الطبيعية التي ال تدفع للتعلم
وبالتالي ال تدفع للنمو وال تتطلع الشخصية ألي تغيير كما ال يتكون النشاط الذي
سينوب عن النشاط المهيمن الحالي ويهيمن على المرحلة الالحقة.
ما المقصود بالمكان االجتماعة ؟ ولماذا هتعد محدداً من محددات الفمو؟
المكانة االجتماعية للشخصية هي نتاج مجموعة الوظائف واألدوار التي
يقوم بها الفرد وتتحدد المكانة تبعاً لدى كفاءته في القيام بهذه األدوار وسماته
الخاصة في األداء.
كما تتحدد تبعاً لذلك نظرة المجتمع له وتقديره لخبراته التي يستعرضها
أثناء قيامه باألدوار المتعل قة وللشخصية الواحدة كثير من األدوار االجتماعية
التي يقوم بها وقد تقوم الشخصية ببعض هذه األدوار خير قيام فتحصل بذلك
على استحسان المجتمع وثنائه عليها فيشكل ذلك دافعاً جديداً لمزيد من النجاح
في هذا الدور ،وتتكون الثقة بالنفس فتنمو الشخصية باقتحامها لمشكالت الدور
واستمرار التفاعل الذي يوسع نطاق خبراتها ومن ثم يتقبلها المجتمع في مكانتها
الجديدة ويتيح لها فرص التوظيف والتنمية إذ تكون جديرة بالمكانة التي تحتلها
وقادرة على حل مشكالتها المرحلية.
115 نمو الطفل ومشكالهت الففية
وقد ال تستطيع الشخصية القيام ببعض هذه األدوار أما لقصور في قدراتها
وإمك انياتها وأما ألن المجتمع لم يتح أمامها الفرص المناسبة للتوظيف ،والنتيجة
واحدة في الحالين إذا أعيق التوظيف ألي من األسباب ويؤدي إلى إعاقة النشاط
المهيمن وعدم قيامه بوظائفه الالزمة لنمو الشخصية ،وبالتالي ال تقوم الشخصية
بأدوارها المرحلية فيستكثر المجتمع المكانة التي تحتلها ويحرمها من الثقة
ويشكك في إمكانياتها مما يدفع البيئة إلى تخفيف األعباء عن هذه الشخصية
وتقليل أدوارها وبالتالي ،تحرم من التدريب والمران والتوظيف الذي يؤدي
بدوره إلى قلة خبراتها في المجال فال يتكون الحشد من الخبرات االجتماعية
الذي يؤدي إلى ال طفرة ويصبح الفرد غير قادر على الوفاء بمتطلبات المكانة
التي يشغلها أو التي يجب أن يشغلها وهنا تقف الشخصية أحد موقفين:
فإما أن تستكين بأن يقوم آخرون عنها بإشباع حاجاتها ،وإما أن تتمرد على
الوضع وتحاول أن تثبت للمجتمع إنها جديرة بهذه المكانة التي يبخل عليها بها،
وفي هذه الحالة األخيرة ونظراً لعدم وجود الخبرة واإلعاقة السابقة تفشل
الشخصية دائماً في القيام باألدوار ،فيزداد الموقف تعقيداً بحيث تظهر
الشخصيات المخربة أو المريضة التي تلجأ للحيل الدفاعية والهروبية إلثبات
ذاتها وإشباع احتياجاتها ومن هنا يظهر المحدد الرابع للنمو وهو "األزمة".
وهكذا تعتبر المكانة االجتماعية التي يحتلها الفرد دافعاً لزيادة خبراته
وتطوره ونمائه أو معوقاً للنمو وسبباً لالزمة ويتحدد مفهوم األزمة بناء على
سلوك الشخصية في حل المشكالت المرحلية ،فالشخصية التي تلجأ للحل عن
طريق إعمال العقل وتشغيل القدرات وإخراج اإلمكانيات والتصدي للمشكلة
بوعي ال تتعرض ألزمات النمو ،أما الشخصية التي تفشل في التوافق في
مواجهة الواقع بمشكالته وتأبى االعتراف بالعجز أو القصور والفشل فتلجأ
للطرق الملتوية لحل المشكالت وتتعرض لالزمة وهي ما تسمى (بالشخصية
المتازمة أو المشكلة) "مياسيف سنة ."1960
نمو الطفل ومشكالهت الففية 116
األزم :
ما هو المقصود باألزمة؟ ومتى تحدث؟
تحدث األزمة حينما يعاق النمو وتواجه الشخصية بمشكالت يستعصى
عليها حلها فتهرب من مواجهتها بالحيل الدفاعية والطرق الملتوية.
هناك نوعان من المشكالت التي تعترض الشخصية أثناء عمليات التفاعل
االجتماعي.
* الفوع األول:
وهي المشكالت الدافعة للنمو الناتجة من اختالل التوازن ،والتناقض الذي
يسمح عن طريق النشاط والفاعلية بتكوين خصائص جديدة للشخصية ويستثير
القدرات فيخرجها من حالة الكمون إلى عالم الفعل ،ومن ثم تظهر العمليات التي
تعمل على إعادة التوازن وحل المشكالت وتنعم الشخصية بالتوافق.
يتوقف نمو الشخصية ونضجها على كيفية مواجهة المشكالت الحادثة أثناء
النمو ودرجة الوعي بها.
* الفوع الثاني :
وهي المشكالت التي يستعصى على الشخصية حلها إما لقصور في قدراتها
أو لضخامتها وخروج هذه المشكالت عن نطاق الخبرة الشخصية وبالتالي
تهرب الشخصية من مواجهة المشكالت.
وكما هو معروف أن الشخصية التي تنعم بالتوافق ليست هي الشخصية
التي تخلو حياتها من المشكالت بل هي الشخصية القادرة على مواجهة
المشكالت بوعي وحلها إذا كان الحل في مقدورها أو االعتراف بالعجز إذا
كانت المشكالت أكبر من إمكانياتها.
وهذه الشخصية سواء استطاعت حل المشكلة أو اعترفت بعجزها عن حلها
هي شخصية سوية وال تسبب لها المشكالت التي تواجهها أي األزمات طالما
أن هناك مواجهة للواقع واعترافاً واعياً.
117 نمو الطفل ومشكالهت الففية
س - 1ضع عالم ( )أمام العبارات الصحةح وعالم (×) أمام العبارات
الخطأ فةما يلي:
- 1تتغير المكانة االجتماعية للطفل بفضل طفرة النمو.
- 2تحدث طفرة النمو من تراكم الخبرات االجتماعية.
- 3حدوث االنتقال من مرحلة نمو حالية إلى الالحقة عليها مرهون
بحدوث الطفرة.
- 4يمكن تنشيط وتوظيف قدرات الطفل ودفعه للتفاعل االجتماعي بشراء
اللعب الغالية.
- 5النمو عملية قد تحدث وقد ال تحدث.
- 6ازمة النمو في المرحلة الجنينية تعني الموت.
- 7توقف النشاط المهيمن عن القيام بدوره في المرحلة الجنينية يمنع
االنتقال لمرحلة المهد.
- 8يتم نمو الشخصية باستيعاب الخبرة االجتماعية.
- 9يستوعب طفل الروضة الخبرة االجتماعية عن طريق النشاط الحسي
الحركي.
- 10يستوعب طفل المهد الخبرة االجتماعية عن طريق النشاط اللعبي.
- 11يتعلم طفل الروضة فينمو لعباً.
- 12يتعلم الطفل باستقباله للمثيرات االجتماعية.
- 13يشكل الطفل الخبرة االجتماعية ويستوعبها بفاعليته الخاصة ونشاطه
الذاتي.
نمو الطفل ومشكالهت الففية 120
الفصل اخلامس
مراحل تقسيم النمو وأسس التقسيم
كتطبيقات عملية حملدودات النمو
األهداف:
يهدف الفصل الخامس إلى هتعريف الدارس بما يلي:
تطبيقات عملية لمحددات النمو.
تحديد أدوات موضوعية يمكن تعميم استخدامها في تقسيم النمو إلى
مراحل واقعية وثابتة ،كما تساعد في وصف وتحديد خصائص نمو
الشخصية السوية ومظاهر الشذوذ في مجرى النمو وكيفية عالجه في
كل مراحل النمو.
-استخدام محددات النمو األربعة كأسس لتقسيم النمو إلى مراحل.
العفاصر:
خصائص النمو النفسي لطفل "المهد".
خصائص النمو االجتماعي لطفل مرحلة المهد.
خصائص النمو العقلي "المعرفي" لطفل مرحلة المهد.
خصائص نمو طفل مرحلة رياض األطفال (ما قبل المدرسة) من
الناحية النفسية.
-التعريف اإلجرائي للنشاط اللعبي.
سبق االتفاق على تحديد أربعة معايير موضوعية وواقعية كمحددات لنمو
الشخصية وقد تأكدت صالحيتها كمحددات حسب التعريف اإلجرائي للمحدد تم
استنتاج هذه المحددات من النظرية االجتماعية التاريخية التي تعتمد على ثالث
نمو الطفل ومشكالهت الففية 124
وال يتسنى له ذلك إال بالتعليم المنظم المقصود ،فينمو حينئذ إدراكه الواعي الذي
يسمح بالتكيف وحل المشكالت التي ال يمكن حلها باإلدراك التلقائي.
ثانةًا -األدوات:
تعد رموز اللغة "والمفاهيم" أهم األدوات التي يستعملها اإلنسان بوصفها
وسائط مصنعة اجتماعياً بواسطتها تنتقل العمليات العقلية من التلقائية إلى
الوعي ،وترتقي من العمليات الحيوانية إلى المستوى البشري.
ويتميز نشاط اإلنسان عن نشاط الحيوان بأن األول نشاط توسطي (يستخدم
الوسائط ،األدوات) فهو يدرك من موضوعات البيئة تلك األشياء التي تتصل
بحاجاته البيولوجية ،واألخرى التي تتوسط بينها وبين نشاطه إلشباعها .كما
يدرك المثيرات البيئية بعد صياغتها في قوالب المفاهيم التي تكونت لديه
اجتماعياً من المعايشة والفهم واالستيعاب (أي حين استدخال األدوات) .فعالقة
اإلنسان بالعالم الخارجي تتوسطها أدوات العمل واإلنتاج من ناحية وكذلك نشاط
األفراد اآلخرين ودورهم في هذا العالم من ناحية أخرى .وتتجلى هذه العالقة
في تقسيم العمل بين مجموعة من األفراد بحي ال يتحقق الهدف من العمل إال إذا
قام كل فرد بدوره الموكل إليه .وهذا يؤكد ضرورة تمثل الخبرة االجتماعية
واستدخالها لعمليات النمو.
ثالثاً -التفاعل االجتماعي:
ال يتم النمو إال في عمليات المعايشة االجتماعية وعمليات التعلم والتعليم
فالتفاعل االجتماعي هو الذي يخرج القدرات في صورة علميات وال تتكون
العمليات الواعية إال بالتوظيف المقصود من المؤسسات االجتماعية .وعدم
التوظيف أو التوظيف الخطأ يؤدي إلى احتجاز هذه العمليات في المرحلة الدنيا
التلقائية لذلك إذا أردنا الحكم على ذكاء الطفل فيجب أن يصدر هذا الحكم بعد
تعريضه لعملية التفاعل االجتماعي القادرة وحدها على تكوين وعيه وإخراج
قدراته وتحديد منقطة نموه المقبل.
نمو الطفل ومشكالهت الففية 126
وقد أتاحت فكرة (منطقة النمو المقبل) وطرق دراستها إثراء األسس
العلمية للتأثير التربوي السليم على الطفل ونبهت إلى الدور الخطير الذي تلعبه
طرق التدريس المختلفة بوصفها وسائط اجتماعية توظف قدرات الطفل وفي
إطارها تتكون وتنمو العمليات العقلية الواعية.
يواجه علم نفس النمو بتحديات جسيمة تتمثل في تفاقم مشكالت الطفولة
التي تتطلب تدخالً سريعاً بحلول عملية وأدوات موضوعية لحلها.
ولذا مست الحاجة لألدوات المقننة التي تساعد في تشخيص أمراض النمو
ومشكالته ووصف ظواهره وتحديد أسبابه حتى يمكن القضاء على المرض
وتحقيق الوقاية لألصحاء.
كما يلزم التحديد الواقعي العملي لدور البيئة والوسائل التي تستخدمها في
بناء الشخصية واإلسراع بنموها .حيث ركزت قضية الوعي على خطورة البيئة
وأثرها في نمو القدرات بل وتكوينها الواعي لها.
وفي وقت مواجهة المشكالت والتحديات يلزم القيام بعملية تفضيل بين
النظريات واألسس ال نظرية المختلفة ،وترجح كفة النظرية التي تتيح أكبر عدد
من أدوات العمل التي تحق األهداف المعرفية أو التطبيقية العملية لحل المشكلة.
وبتحليل بعض طرق المواجهة لهذه المشكالت نجد أن بعد النظريات قد
اكتفت بتعيين مظاهر السلوك الشاذ دون التطرق إلى تحديد منهجي ألسبابه
وطرق عالجه وبحث كل حالة على حدة ومحاولة عالجها بالطرق التي تناسبها،
والبعض اآلخر يميل الستعمال التحليل النفسي للتعرف على هذه األسباب ومنه
يستقي طرق العالج.
كما أننا نواجه بتقسيمات مختلفة لمراحل النمو تعتمد في معظم األحيان
على معايير ذاتية قليلة الثبات ،ذ ات أسس متفاوتة الفعالية بالنسبة لمختلف
مراحل النمو وقد تبعد عن الواقعية في كثير من األحيان.
127 نمو الطفل ومشكالهت الففية
كالتقسيم بناء على العمر الزمني الذي تأكد عدم صالحيته كمعيار محدد
للنمو حيث سبق االتفاق على أن استثارة فعالية الطفل بالطرق المناسبة تنشط
نموه وتدفعه إلى مراحل نمو م تقدمه بصرف النظر عن عمره الزمني .وهذا ما
اتضح في قضية التفاعل االجتماعي في المقدمة.
يهدف هذا الفصل إلى تحديد أدوات موضوعية يمكن تعميم استخدامها في
تقسيم النمو إلى مراحل واقعية وثابتة ،كما تساعد في وصف وتحديد خصائص
نمو الشخصية السوية ومظاهر الشذوذ في مجرى النمو وكيفية عالجه في كل
مراحل النمو.
لذلك يطرح السؤال التالي:
هل يمكن استخدام محددات النمو األربعة كأسس لتقسيم النمو إلى
مراحل؟
اإلجاب :على هذا السؤال باإليجاب تستوجب عرض الحيثيات التي يحتويها
كل محدد من محددات النمو والعالقة الدياليكتيكية القائمة بينهم.
من تعريف النشاط المهيمن ووظائفه ودوره في عملية النمو تبين أن لكل
مرحلة نمو نشاطاً خاصاً يعتبر مهيمناً على هذه المرحة .وبمالحظة األنشطة
التي تتناوب الهيمنة على األطفال يمكن تصنيفهم على مراحل النمو المختلفة
وتتحدد كل مرحلة بزمن هيمنة النشاط المعين عليها فإذا وجدنا الطفل يهيمن
عليه النشاط (الحاسي الحركي) فهذا يعني أنه في مرحلة المهد التي تبدأ منذ
لحظة الوالدة حتى نهاية هيمنة هذا النشاط وتسليمه كرسي القيادة لنشاط جديد.
ويتم هذا تقريباً عند نهاية السنة الثانية علماً بأن اإلطار الزمني قد وضع من
المالحظة وال يعتبر محدداً وال ملزماً بنهاية المرحلة .فقد يتأخر تحضير النشاط
اللعبي الذي سيصير مهيمناً على المرحلة التالية وبالتالي تستمر هيمنة النشاط
الحاسي الحركي لمدة زمنية أطول ،وال تتحدد نهاية المرحلة وبداية المرحلة
الجديدة إال عند تغير النشاط المهيمن.
نمو الطفل ومشكالهت الففية 128
إذن يمكن تقس يم أطفال العينة المراد تحديد مراحل النمو التي يشغلونها
بمالحظة تناوب األنشطة المهيمنة عليهم وقد أمكن التقسيم إلى مراحل النمو
التالية بمالحظة هذه األنشطة وبالتعرف على المكانة االجتماعية التي يشغلها
األطفال ،وبرصد فترات الطفرة في النمو ،وبتحديد أزمات النمو.
المرحل األولى -المرحل الجفةفة :
حيث يهيمن نشاط االمتصاص وهو الباب الوحيد الذي تدخل منه مؤثرات
البيئة الدافعة للنمو يظل مهيمناً خالل شهور الحمل وحين الوالدة يستمر
مصاحباً لنشاط الحواس إلى أن يحتل النشاط الحاسي الحركي كرسي القيادة
ويتولى الهيمنة حينئذ تن تقل الشخصية من سيطرة نشاط االمتصاص إلى هيمنة
خليفته الذي قام هو نفسه بتربيته وإعداده وأول حاسة تعمل هي حاسة الشم حيث
يستنشق الجنين الهواء الجوي فإذا لم يقم نشاط االمتصاص بواجباته على خير
وجه ما استعدت الحواس للعمل التالي في المرحلة الالحقة .وما تمكَّن الجنين
من استنشاق االكسجين المذاب في الهواء الجوي عن طريق األنف.
المرحل الثانة -مرحل المهد:
حيث يهيمن النشاط الحاسي الحركي المدفوع بحب االستطالع ،فيتعرف
الطفل في مهده على حدود جسمه وحدود المهد الذي يحيط بهذا الجسم ومنذ هذه
اللحظة تدخل البيئة التطبيع االجتماعي للطفل في مهده كما تتشكل عواطف
الطفل التي تمكنه من التفاعل مع الحياة االجتماعية وتتشكل أنماط السلوك التي
ستصبح سائدة في كل استجاباته المستقبلية.
وعندما يقوم هذا النشاط المهيمن بوظائفه كاملة يعد الشخصية لالنتقال
للمرحلة الالحقة وبتوظيف الطفل لحواسه تنمو معرفته بالعلم المحيط به ،فيحقق
ذاته ويحقق اإلشباع الحتياجاته النفسية واالجتماعية وحينئذ يطالب الطفل
بتوسيع رقعة نشاطه ويعبر عن ملله من البيئة الضيقة التي استوعبها بكل
جوانبها تماماً ،وتحسسها ملياً وهنا تظهر الفترة المسماة بزمن الطفرة حينما
129 نمو الطفل ومشكالهت الففية
يحشد الطفل خبرا ته ومعلوماته التي كونها النشاط الحاسي الحركي تحدث
الطفرة ويصبح احتجازه في إطار المرحلة الحالية ممالً ومعوقاً لنموه ،كما
يصبح النشاط الحاسي الحركي غير جدير بالوفاء بمتطلبات المرحلة التي ترنو
إليها الشخصية أثناء النمو ،وبواسطة الطفرة تغير الشخصية مكانتها االجتماعية
بذلك يصبح محدد النمو الثاني "الطفرة" أساساً للتقسيم حيث تحدث هذه الطفرة
عند فترات االنتقال وال يحدث االنتقال إلى بحشد من االكتسابات ،وال يتم
االكتساب إال بالتوظيف (بفضل النشاط المهيمن).
وهكذا نجد النمو سلسلة من المراحل المتعاقبة تعاقباً ثوريا تنتهي كل
مرحلة بحشد هائل من وقائع النمو التي تخرج بواسطتها الشخصية مزودة
بإمكانيات وقدرات أكسبتها احترام البيئة المحيطة بها مما يدفعها للمطالبة بتغير
مكانتها االجتماعية فيرفض الطفل النظرة السابقة له فلم يعد يعتمد على الوالدين
في تحقيق إشباعاته حينئذ تتغير مكان ته االجتماعية التي يحتلها في نظر المجتمع
وفى نظر ذاته.
وهكذا تعتبر أيضاً المكانة االجتماعية التي تحتلها الشخصية معبراً عن
المرحلة النمائية التي هي بها ومن ثم يعتبر المحدد الثالث أساساً لتقسيم النمو إلى
مراحل بواسطة تحديد زمن الطفرة تتحدد نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة
وبواسطة مراقبة المكانة التي تحتلها الشخصية وبتغير المكانة تتغير مرحلة النمو.
يتبقى التعرف على محدد "األزمة" باعتباره أساساً للتقسيم.
متى تحدث األزمة في مجرى النمو؟ تحدث حينما يرفض المجتمع انتقال
الشخصية إلى مكانة اجتماعية جديدة ،وحينما ال يتقبل المجتمع الحشد الممثل في
طفرة النمو للشخصية فإذا حدثت األزمة كان لها تأثير معوق للنمو وإذا لم
تحدث تمكن الطفل من استعراض قدراته وإمكانياته ويتغلب على نظرة الشك
التي يبديها المجتمع حينما تطالب الشخصية بتقدير حقيقي إلمكانياتها فهي بذلك
تقدم أوراق اعتمادها للمرحلة الجديدة مصحوبة بكثير من النشاط االستعراضي
نمو الطفل ومشكالهت الففية 130
لإلمكانيات حينئذ تعتبر األزمة محدداً من محددات النمو حدوثاً وعدمًا وهي
تصاحب فترة الطفرة أي نهاية المرحلة وبها يمكن تقسيم النمو إلى مراحل.
المرحل الثالث -مرحل "رياض األطفال" أو ما قبل المدرس :
وحينما نجد النشاط الحاسي الحركي يأخذ شكل اللعب التكراري ويتطور
في شكل النشاط اللعبي يعني هذا أن الشخصية قد انتقلت من مرحلة المهد إلى
مرحلة الطفولة المبكرة والتي اصطلح على تسميتها مرحلة "رياض األطفال"
فقد احتل مركز القيادة والهيمنة نشاط جديد هو النشاط اللعبي الذي يبدأ بجوار
النشاط الحاسي الحركي إلى أن يطمئن األخير لخليفته .ويبدأ في النمو النشاطي
اللعبي حتى يصير في نهاية مراحل نموه.
لعباً ذا قاعدة ملزمة ،وفي إطاره يربي النشاط التعليمي بما يلزمه من
عمليات نفسيه كاألرجاء –االلتزام -القدرة على التقييم .كما يمكننا قياس درجة
التوظيف التي تتيح للنشاط المهيمن االنتقال بالشخصية من المرحلة الحالية
للمرحلة الالحقة من المسئوليات المرحلية التي تلقيها البيئة على طفل هذه
المرحلة والتي تحدد مكانته االجتماعية ،ومن ظهور األزمات في نهاية المرحلة
أو غيابها يتحدد زمن االنتقال للمرحلة الالحقة.
المرحل الرابع -مرحل المدرس االبتدائة :
حيث يهيمن النشاط التعليمي "المعرفي" وال تنتقل الشخصية إلى هذه
المرحلة إال بعد إعدادها في النشاط اللعبي ،فليس كل من يدخل المدرسة
االبتدائية قد تلقي اإلعداد الالزم لنجاح شخصيته في احتالل هذه المكانية
الجدي دة .وال ينجح في التعليم إال الشخصيات التي امتلكت هذه المتغيرات النفسية
التي ستظهر بوضوح حين متابعة المحددات لتعيين خصائص النمو السوى في
مراحل النمو المختلفة.
المرحل الخامي -مرحل المراهق :
حين يقلع الطفل عن اللعب ويرسم لنفسه إطاراً اجتماعياً جديدًا وصورة
يسعى لتحقيقها تدخل كل دوافع النمو من باب "الصداقة" أو معايشة األقران.
131 نمو الطفل ومشكالهت الففية
حينئذ تنتقل الشخصية إلى مرحلة جديدة بفعل تغير النشاط المهيمن .وبمالحظة
باقي محددات النمو نتبين نهاية مرحلة المدرسة االبتدائية وبداية مرحلة المراهقة
حينما تطبع الصداقة كل سلوكيات المرا هقة وتدفع شخصيته ككل للنمو.
المرحل اليادس -مرحل الشباب والفضج:
حيث ينوب (العمل الجاد سابق التخطيط) عن "معايشة األقران" في الهيمنة
على الشخصية ويصبغها بالصبغة الواعية ويجعلها تنمو في العمل وتتبلور
المهارات وتنشط لحل المشكالت أي حينما تسلم الصداقة زمام الهيمنة للنشاط
الذي تربي في أحضانها يحتل المراهقة المكانة الجديدة ويعترف به المجتمع
عضواً عامالً فيه.
هكذا تتناوب األنشطة على قمة الهيمنة فينقسم النمو بتنوعها إلى مراحل
ثابتة تنتهي كل مرحلة باحتالل مكانة اجتماعية جديدة وقد تعارض من المجتمع
أو تعجز القدرات عن إثبات جدارتها باحتاللها فتصاحب الطفرة بأزمة من
األزمات بذلك يكون قد تحقق الغرض من استخدام محددات النمو األربعة
كأدوات للتقسيم.
ثم يمكن بعد ذلك عمل مسح لعينات كبيرة من األطفال لتحديد العمر الزمني
الذي تستغرقه كل مرحلة فتحدد بدايتها ونهايتها.
هل يمكن اس تخدام هذه المحددات لتعيين خصائص النمو السوي في كل
مرحلة وتحديد مظاهر الشذوذ فيه ،وترشيد تدخل البيئة للتغلب على هذا الشذوذ
وعالجه؟
لإلجابة عن هذا السؤال ال بُدَّ من االتفاق مع النظرية االجتماعية التاريخية
إلى قضية التفاعل االجتماعي فالتعليم يدفع الشخصية لل نمو ويكون لديها العمليات
العقلية الواعية وبذلك (يمضي أمام النمو ويجره وراءه) "فيجوتسكي .1965
نمو الطفل ومشكالهت الففية 132
وقد كان سائداً إلى وقت قريب أن االحتياجات المهمة لنمو الوليد في مرحلة
المهد هي االحتياجات الفسيولوجية واألولية فقط ،وبالمالحظة المدققة شوهدت
نداءات اجتماعية مبكرة عند نهاية الشهر الثاني وبداية الشهر الثالث تقريباً،
وبالرغم من عدم احتياجه للطعام أو الشراب ...إلخ ،فماذا يريد ذلك الوليد
بالبكاء من غير دموع الذي ال ينقطع وال تخف حدته إال حينما يسمع وقع أقدام
تقترب منه؟ يحتاج الطفل للتفاعل االجتماعي وأن يكون طرفاً في موقف
اجتماعي يأخذ ويعطي ثم يستعمل بعد ذلك صوته لجذب انتباه المحيطين به،
ويستشعر لذة النجاح عندما يتم الموقوف االجتماعي ويحدث التفاعل.
ويستجيب الطفل بالحركة العنيفة من يديه ورجليه والمناغاة .كما تراه يقذف
الشخشيخة بعيداً عن مهده فتقرع األرض وتصدر صوتاً عالياً فإذا ما أعدناها له
يرميها مرة ثانية ،وهو في هذا يوظف حواسه ويحضر للنشاط اللعبي الذي
سيكون مهيمنا في مرحلة النمو الالحقة ويشبع حاجته للنجاح وتقدير الذات .كما
يخرج قدراته العقلية في صورة عمليات للتعرف على البيئة المحيطة به ويحدد
مكانته االجتماعية كما يرنو إلى مكانه أعلى منها.
نمو الطفل ومشكالهت الففية 134
بمراقبة هذا التناوب نجد أن النشاط المهيمن يختلف من مرحلة ألخرى فإذا
كان الباب الستدخال الخبرة االجتماعية في مرحلة المهد هو النشاط الحسي
الحركي "فقد تغير في مرحلة رياض األطفال وأصبح هو" النشاط اللعبي "لكن
هذا النشاط ال يتكون إال إذا قام بمهماته كاملة النشاط الحاسي الحركي أثناء
هيمنته على مرحلة النمو السابقة .كما نجده يظل قريباً من النشاط اللعبي في
بدايته حتى يتأكد من كفائته للقيام بمتطلبات المرحلة الجديدة وتتجلى هذه
المالزمة عند مراقبة النشاط اللعبي في بدايته فنجده تكراراً للحركات الجسمية
فيبدأ الن شاط اللعبي تحسباً تكرارياً ثم ينتهي لعباً ذا قاعدة مسبقة ملزمة لنفس
الطفل بالتحكم اإلرادي في إشباع بعض رغباته وتأجيل لبعضها اآلخر.
بمراقبة طفل هذه المرحلة نجده يستعمل النشاط اللعبي كمفتاح لعملية
التطبيع االجتماعي فيتضح به عالم الكبار بأدواره المختلفة وقيمة وفي إطار هذا
النشاط يعاد بناء العمليات النفسية والعقلية .فهذه التغيرات النفسية كالتحكم
اإلرادي في الرغبات ،وااللتزام بواجبات الدور ال يمكن إدخالها لطفل هذه
المرحلة إال من خالل النشاط اللعبي ثم يستوعب الطفل كل الخبرات المتاحة في
هذه المرحلة بفضل توظيف نشاطه المهيمن ،فيضيق بمكانه كطفل يلعب فقط
ويرنو للتعليم الذي أستعد له بكل ما يلزمه من قدرات عقلية ونفسية أعدها
النشاط اللعبي ويقوم الطفل باستعراض هذا الحشد من اإلمكانيات ويطالب بعد
ذلك بتغيير مكانته االجتماعية ونظرة المجتمع إليه فيتغير سلوكه في فترة
الطفرة استعداداً لتغيير المكانة وهنا قد يفشل طفل المرحلة في إثبات جدارته
بالمرحلة الجديدة ويظهر طفل الروضة المشكل.
يحتاج طفل المرحلة إلى الحب والحنان وما يشعره باألمان ،ويحتاج للمساعدة
في تنظيم استجاباته االنفعالية ،كما يحتاج لحر ية النمو وتقبل الذات كعضو عامل
في المجتمع .فيبدأ في تقليد أنماط السلوك المقبولة ويكافئ السلوك القويم ،ويتعلم
األخذ والعطاء في إطار اللعب الذي يمر هو أيضاً بمراحل نموه الخاصة.
137 نمو الطفل ومشكالهت الففية
وتتضح الحقائق الواقعية للتفاعل االجتماعي وعن طريق نمو مراحل اللعب
المختلفة ينتقل الطفل إلى مرحلة النمو التالية وهي مرحلة المدرسة االبتدائية
حيث يكون قد استعد لهذه المرحلة بمعرفة االلتزام بالقواعد فيلتزم بنظام
المدرسة ومعرفة ما يجب وما ال يجب فيقوم سلوكه ويقوم بالتزامات دوره
كتلميذ ويؤجل رغباته العاجلة أمالً في النجاح وهو مكافأة آجلة.
بهذه الطريقة تحقق شخصية طفل المرحلة مكتسبات نموها فمن يجتاز
مراحل نمو النشاط اللعبي بنجاح وتوظيف للقدرات واستثارة لفعاليته الخاصة،
ويقوم باستدخال هذه المكتسبات يعتبر سير نموه طبيعياً سوياً ومن يعوق عند
إحدى مراحل نمو النشاط اللعبي يعطي هذا التوقف داللة على عدم استعداد
الشخصية لالنتقال للمرحلة الجديدة.
الفشاط اللعبي محدد لفمو شخصة طفل ما قبل المدرس ككل (جيمةا –
نفيةا – اجتماعةا -عقلةاً):
تعددت النظريات التي عنيت بالنشاط اللعبي ودوره في حياة األطفال ومن
ال صعوبة بمكان أن نتعرض لكل النظريات التي تناولت اللعب ولكن يمكن القول
بأن كل نظرية قد عنيت باللعب من زاوية خاصة بها اختلفت بمنايتها هذه عن
النظريات األخرى.
فقد اعتبر جان بياجيه اللعب مظهراً من مظاهر النمو العقلي حيث إنه
تسلسل مع تطور العمليات العقلية لدى الطفل فاللعب في نظره ابتهاج وظيفي.
ويبدأ الطفل مع نموه في اختيار األلعاب التي تبهجه ولذلك فهو يرفض أن
نفرض عليه لعبة بعينها وهو يتابع بنفسه كل جديد يجري حول اللعبة األولى في
يديه وهذا بداية اللعب الرمزي الذي يبدأ من السنة الثانية إلى السابعة ويصاحب
مرحلة الذكاء التشخيصي.
لألسف إن بياجيه بوصفه للعب بهذه الصفات يذهب إلى اعتباره عملية
139 نمو الطفل ومشكالهت الففية
عقلية بحته ويجعل وظيفته التكيف االجتماعي والمالحظ في اللعب أنه يختلف
عن التكيف الحقيقي القائم على نمو الذكاء.
وتعرف كتابات األلمان في القرن التاسع عشر اللعب بأنه نشاط إيجابي
يجدد القوى ويقوم مقام االسترخاء الالزم للعضالت وقابلوا بذلك بين اللعب
والعمل ،ولكن تحليل لعب الطفل يؤكد أنه مثير للتعب ومصدر لإلرهاق وليس
استجماما ولذلك ترى الطفل حتى في أشد حاالت التعب ال يتوقف عن القفز
والجري الذي يمليه عليه دوره في اللعب.
اللعب هو هذا النشاط الذي يحمل دوافعه في داخله ،فالطفل يلعب من أجل
اللعب ذاته ،وال ينتظر أن تدفعه إلى هذا النشاط دوافع أخرى كاالحتياج إلى
الراحة أو لفت النظر وليس هو النشاط الكشفي وليس هو التمثيل أو إعادة
للتاريخ بأطواره التي مر بها كما تقوم النظرية التلخيصية سوزانا ميلر ""4
1974كما يتميز لعب الطفل بأنه متعلم بالممارسة وليس فطريا وهذا
ال يتعارض مع الفكرة السابقة فليس احتواء العمل على دوافعه داللة على
فطريته بل هو داللة على أن مثيرات هذا العمل من داخله ذاته ،وما المثيرات
الخارجية كالحدثة إال مؤثرات على اللعب وسرعته ومدته ،فالحداثة في البيئة ال
تسبب اللعب بل قد تزيده فقط أو تطيل مدته أو تؤدي إلى انتقال الطفل من لعبه
إلى أخرى ،فالطفل يلعب أيضا وهو في إطار بيئته المعهودة التي اعتاد عليها،
ويطلق لفظ لعب على "السلوك" الذي ال يؤدي إلى نتيجة واقعية حقيقية ملموسة
فهو سلوك واهم ،فالطف ل الذي يقوم بلعب دورن الصياد ال يؤدي سلوكه للقنص
وهنا ال بُدَّ من التفرقة بين لعب الطفل ولعب الحيوانات ألن اللعب بالنسبة
للحيوانات فطري مثله في ذلك مثل بحثها عن الطعام ومرتبط بشكل كبير
بالحاجات الفسيولوجية أو البيولوجية وهذا ما يشكل أعظم الفوارق الجوهرية
ب ين لعب الطفل ولعب الحيوان (وافي ص .)1958 ،138يسمى لعب الحيوان
"سلوك لعبي" ويسمى لعب األطفال "نشاط لعبي" وهو المسئول والضامن
والمحدد لنمو طفل الروضة.
نمو الطفل ومشكالهت الففية 140
ينظر بعض علماء النفس وعلماء التربية إلى النشاط اللعبي على أنه نشاط
مصاحب ألنشطة الطفل األخرى التي يقوم بها يتساوى معها في المكانة
واألهمية كذلك لم يحدد العلماء المرحلة التي يحتل فيها النشاط اللعبي مركزا
مهمًّا والمرحلة التي تتغير فيها مكانة هذا النشاط وأهميته فيتساوى في القيام بهذا
النشاط الطفل الرضيع "مرحلة المهد" مع طفل ما قبل المدرسة "مرحلة
الروضة" وطفل المدرسة االبتدائية كذلك.
ومن هذا المنطق تصدر المقاالت وتقام الندوات عن حق الطفل في اللعب
وفي بعض األحيان عن حق المراحل النمائية في اللعب فنجدهم بذلك يحيون
نظرية الفائض من الطاقة أو النظرية التخليصية.
كذلك ترى بعض الدراسات أن النشاط اللعبي حق للطفل يمكن أن يكون له
أو ينزع منه كما لو كان يمكن لشخصية الطفل أن تنمو وتنتقل من مرحلة إلى
أخرى دون أن تأخذ حقها في اللعب ولذلك تحاول فيما بعد التحقق من دور
النشاط اللعبي كنشاط مهيمن على طفل ما قبل المدرسة ،ومحدد مسئول عن نمو
شخصيته.
حيث ال يمكن لهذه الشخصية أن تنتقل إلى المرحلة الالحقة عليها ومن ثم
ال يمكن أن تزود شخصيته بالخصائص الالزمة لشخصية طفل المدرسة
االبتدائية إال إذا قام النشاط اللعبي بدوره كنشاط مهيمن على المرحلة السابقة
وذلك بفرض ما يلي:
الفرض األول :تختلف استجابات طفل ما قبل المدرسة أثناء اللعب عنها
أثناء الحياة العادية اختالفا جوهرياً.
الفرض الثاني :يتخلى النشاط اللعبي عن دورة كنشاط مهيمن عند نهاية
مرحلة الروضة ليحتل مكانه المهيمن النشاط التعليمي المقصود ويقوم بوظيفته
في مرحلة الدراسة االبتدائية وهذا يثبت قيام النشاط اللعبي بوظيفة رئيسية من
وظائفه وهي تربية خليفته المهيمن على المرحلة الالحقة.
141 نمو الطفل ومشكالهت الففية
بمجرد أن يفتح عينيه في الصباح ،كذلك لوجدنا أن الكبار ميالون للعب أكثر من
الصغار ،كذلك نجد أن أصحاب هذه النظرية قد خالفوا الحقيقة إذ قرروا أن
اللعب يستخدم في العابه طاقات عضلية وعصبية غير الطاقات التي أرهقها
العلم ،حيث ال نجد أن العمال يميلون أللعاب عقلية وأصحاب األعمال العقلية
يميلون إال األلعاب التي ال تجهد عقولهم كما أنه تبين أن التعب الذي يلحق
اإلنسان من جراء قيامه بعمل ما ال يكون مقصورا على جزء من أجزاء جسمه
بل ينال جميع أعضائه وأن الراحة منه ال تتم إال بالكف عن كل حركة مقصودة.
وترد هذه الدراسة على أصحاب هذه النظرية باآلتي:
إن المقصود بالنشاط اللعبي ليس هو لعب الشطرنج أو األلعاب الرياضية
أو العاب الذكاء إنما المقصود به هنا هو هذا النشاط الذي يدفع الطفل بالذات
ألخذ دور معين من األدوار اال جتماعية التي يصبو إليها أو يشاهدها في حياته
العادية ويقوم بكل مهامه على أكمل وجه يراه دون أن يجنى من وراء هذا
النشاط تحقيقاً واقعياً لهدف خارجي اللهم إال االستمتاع بالقيام بدور كما يجب أن
يكون تحقيقاً للهدف الذاتي للنشاط نفسه.
ب – نظري فضل الطاق أو الفشاط الزائد:
وهي تكاد تقرر نقيض ما تقرره النظرية السابقة فبينما أصحاب النظرية
األولى يذهبون إلى أن اللعب يعيد إلى الكائن ما استنفذه من طاقات حيوية في
أعماله ،إذا أصحاب هذه النظرية يرون أن اللعب يخلصه من طاقات حيوية
تراكمت لديه وزادت عن حاجته ولو كان األمر كذلك ما آنس الطفل في نفسه
ميالد إلى اللعب في أوقات تعبه وإعيائه.
كما أنه ما لزم التعقيد واالختالف في األلعاب ما هي طريقة واحدة تخرج
الطاقة فحسب وما وجدنا ذلك التنوع في اللعب بين اإلناث والذكور.
ويرد هذا البحث على هذه النظرية بمصطلح التوظيف الذي تعده هذه
ال دراسة ودراسة سابقة سبب ومحدد لنمو الشخصية والمسئول عن التوظيف
143 نمو الطفل ومشكالهت الففية
ولزمات حركية أما التوظيف للطاقة فهو يستثمرها وينمي الشخصية كناتج لهذا
االس تثمار الذي يخرج في صورة عمل واعٍ إرادي مقصود يتمثل في النشاط
اللعبي أثناء القيام بالتزامات الدور.
الفظري اإلعدادي أو نظري اإلعداد للحةاة الميتقبلة :
ترى هذه الن ظرية أن اللعب يعدل الغرائز الفردية ويعود الفرد في جميع
ألعابه ومراحل حياته المختلفة على الخضوع للقانون وطاعة الرؤساء كما أن
لبعض أنواع األلعاب أثرا كبيرا في صيانة التقاليد االجتماعية؛ كاأللعاب التي
يحاكي فيها الصغار الكبار في سلوكهم في األفراح والمآتم وتدبير شئون المنزل
وتربية األطفال وهذا كله مظهر من مظاهر اإلعداد للحياة المستقبلية.
وبالرغم من اقتراب هذه النظرية من األهمية الشاملة للعب في حياة الطفل
إال أنها تنتمي لنفس االتجاه الذي يرى النشاط اللعبي كأنه نشاط مصاحب ذو
أهمية خاصة وله دور العامل المؤثر على حياة اإلنسان في حين يرى هذا
البحث أن أعداد شخصية الطفل لتنتقل من مرحلة نموها الحالية ما قبل الدراسة
إلى المرحلة الالحقة عليها ال يمكن أن يتم إال من خالل النشاط اللعبي فهو
المحدد والمسئول األوحد عن هذا االنتقال "النمو" وليس ألنه العامل المؤثر على
النمو فيسرع أو يبطئ خطاه.
ومن وجهة النظر التي تعتبر النشاط اللعبي مؤثرا على النمو رأت بعض
الدراسات أن الطفل يتأثر في اختياره ببعض نماذج اللعب بعامل النضج والبيئة
وينمو هذا النموذج ويتغير تبعا لمراحل النمو التي يسير فيها الطفل .إليزابيت
(ص.1975 ،)11( )102
كما رأت بع ض الدراسات األخرى أن إطار النشاط اللعبي تنمي القدرة
على ابتكار العديد من البدائل وتتحسن عمليات التفاعل االجتماعي باستجابات
مبتكرة جيفري (( )13ص( )654- 650د.ت).
145 نمو الطفل ومشكالهت الففية
ويستعذب النجاح وهو أيضاً يحترم حقوق الكبار وال بد من اإلشارة أن
هذا كله ال يتم بوعي تام وإال الختفى الفرق بين النشاط اللعبي والعمل
الجاد ( )14ص.540
- 4هو نشاط اجتماعي من حيث نشأته -ومن حيث دوافعه -بمحتواه
وموضوعاته (سيبتا نيفا ( ))2ص .1987 ،35
فهو اجتماعي النشأة والدوافع؛ حيث يستخدمه الطفل كوسيلة لمعايشة عالم
الكبار وتعميم قيمهم ومحاكاة استجاباتهم ولو لم يوجد الطفل في مجتمع لما وجد
في نفسه رغبة أو دافع للعب الموضوعي ذي الدور بالذات.
وهو اجتماعي بموضوعه ومحتواه حيث أنه استعادة لنشاط الكبار
واستجابتهم في الموقف االجتماعية المختلفة بصور التفاعل االجتماعي المختلفة
من تعاون وصراع ومنافسة ...إلخ وهو رموز اجتماعية نعتبر مرآه للمجتمع
الذي يعيش فيه الطفل بخصائص البيئة وخاصة دور األم في هذه البيئة وهو
يعتمد على الزمن الذي يعيش فيه الطفل وثقافة ونظام المجتمع ذاته.
- 5في هذا النوع من اللعب يلتزم الطفل بقواعد الدور االجتماعي ويمكن
ألي شيء أن يحل محل أي شيء آخر طالما يتم االتفاق على ذلك في
موضوع اللعب أثناء القيام بتوزيع األدوار والمهام واالتفاق على
رموز اللعب.
استخدم البحث بعض المفاهيم استخداماً اجرائياً خاصاً به فيلزم التعريف
بهذه المفاهيم وهي:
أ :مفهوم المحدد ب :مفهوم النمو ج :مفهوم الشخصية د :مفهوم النشاط
المهيمن.
أوالً -معفى المحدد :هو هذا العامل المسئول عن حدوث أي عملية أو منع
حدوثها و بدونه أو بدون قيامه بعمله ال تحدث العملية ذاتها .كما يختلف مفهوم
147 نمو الطفل ومشكالهت الففية
"المحدد" عن مفهوم "المؤثر" حيث العامل المؤثر هو الذي يضفي صفات معينة
على عملية ما كان يكسبها السرعة أو البطء أو صفة االكتمال أو النقصان هو
الذي يصبغ العملية أثناء حدوثها بصبغات مختلفة.
ثانةاً -الفمو :اتفقت معظم المدارس السيكولوجية على تعريف النمو بأنه
الحركة الدائمة والتغير المتصل ،وهو االنتقال من العمليات الدنيا المباشرة إلى
العليا غير المباشرة حتى مرحلة اآللية الراقية (فيجوتسكي .)1960
ركزت بعض الدراسات على النمو بصفته زيادة الحجم والوزن وبصفته
عملية تنحو إلى التعقيد والتركيب ،وكافة التغيرات الكيفية المصاحبة للتطور
الكمي الفسيولوجي ،كأن يزداد الجنين مع النمو تعقيداً دون أن يزداد حجماً،
ويمكن أن تتناقص بعض األنسجة مع مراحل النمو المتقدمة كنقص اللوزتين
والغدة التيموسية ونقص السعرات الحرارية ال تي يستهلكها الفرد بالنسبة لوحدة
الوزن كلما زادت سنه (جون جونجر .)1981
لو تناولنا النمو بهذا التعريف السابق وهو تعريف جامع مانع للنمو
الستحال لهذه العملية أن تتوقف ،حيث عندما تتوقف الحركة "تسكن تماماً"
تنتهي الحياة أما المقصود بالنمو في الدراسة الحالية هو (عملية االنتقال من
مرحلة إلى الالحقة عليها) وبهذا التعريف يمكن لعملية النمو أن تحدث فيتم
االنتقال إلى المرحلة الالحقة ويمكن لها أن ال تحدث فيتوقف النمو ويمتنع عندئذ
االنتقال دون أن تتوقف الحركة.
وهذا التعريف اإلجرائي للنمو يسهل إجراء القياس للعملية ذاتها فنقول عن
شخصية ما أنها تنمو حينما تعبر من مرحلة إلى الالحقة عليها ،ونقول إن نموها
توقف حينما تعاق وتحتجز في نفس المرحلة دون العبور لالحقة عليها .ويمكن
تشبيه الشخصية النامية بأنها تصعد درجات سلم وكل مرحلة نمو تحتوي على
عدد من الدرجات ،تفصل بين كل مرحلة وأخرى درجة سلم تتميز بخصائص
معينة تمايزها عن باقي الدرجات المكونة للمرحلة ويقصد بتوقف نمو الشخصية
نمو الطفل ومشكالهت الففية 148
أنها أثناء حركتها على درجات سلم المرحلة المعينة ال تفقد حركتها تماماً أي
ال تسكن على درجة معينة وإنما هي تتحرك على نفس الدرجة دون أن تنتقل
للدرجة التي تليها "محلك سر" أو الحركة في المكان نفسه ،وهنا يسمى استغالل
الطاقة في الصعود لدرجات السلم "توظيفاً" لها يستثمرها هذا التوظيف فينميها
و تكون بذلك حشدا من المعلومات التي تستجمعها وتستدخلها الشخصية أثناء
الحركة المثمرة لها في حركتها "تتمثلها" أما بذلك الطاقة على نفس درجة السلم
دون االنتقال للدرجة التالية فهو "إهدار" لها واستنفاذ لها دون عائد وبالتالي تفقد
الطاقة بال عائد "خبرة" .النمو بهذا المعنى يوصلنا إلى مفهوم "التوظيف" الذي
يعتبر مسئوالً عن انتقال الشخصية على درجات سلم نفس المرحة في صورة
القفزات التي حددها فالون ،1978ثم االنتقال على الدرجة الفاصلة بين مرحلتين
في قفزة واسعة يلزم لها حشد كل ما تكون من خبرات أثناء القفزات الصغيرة
داخل المرحلة ذاتها وهي ما تسمى بالطفرة "وطفرة النمو باعتبارها محددا من
محددات العملية بدونها ال يتم االنتقال إلى المرحلة الالحقة (وفاء ص،109
)1985وتتميز طفرة النمو الناقلة للشخصية إلى المرحلة الالحقة بأنها تسبق
بحالة حشد ثوري واستعراض عنيف لمكتسبات الشخصية من الخبرات المدخرة
من القفزات الصغرى وتوظيف كامل لطاقات الشخصية دون إ هدار ألي منها،
فتتطلع الشخصية بهذا الحشد لالنتقال وتغيير (المكانة االجتماعية) الحالية
وتستحدث المكانة االجتماعية دوافع التعرف واالكتشاف للمرحلة الجديدة بما
يضمن استمرار التوظيف ولكن هنا يجدر اإلشارة إلى الباب الذي إذا ما دخلت
منه البيئة بمطالبها للشخصية دفعتها إلى هذا التوظيف ومنعتها من إهدار الطاقة
هذا الباب هو المحدد الثالث الذي سمى "النشاط المهيمن".
ثالثاً -مفهوم الفشاط المهةمن:
إن تحديد مفهوم النشاط المهيمن ال يمكن أن يكون تحديداً كمياً حيث إنه
ليس هو النشاط األكثر حدوثاً في مرحلة ما من مراحل النمو كما أنه ال يتحدد
بعدد الساعات التي يستغرقها من اليوم وإنما هو المهيمن بمضمونه وآثاره
149 نمو الطفل ومشكالهت الففية
الكيفية وتشكيله للشخصية وهو مصدر الخبرة االجتماعية وهو السبب في
اكتسابها ولذلك فهو يتميز بالخصائص التالية ليونتيف.1972 ،
أوالً :هو ذلك النشاط الذي تتكون بداخله وتتبلور في إطاره أشكال جديدة
من النشاط الذاتي التي تدفع فعالية الطفل وتنمي شخصيته ككل (فالطفل يبدأ في
التعليم العباً) ليونيتيف ص 509وال ينفتح عالم الكبار أمام الطفل إال من خالل
النشاط المهيمن.
ثانةا :هو النشاط الذي تتكون بداخله بعض العمليات النفسية أو يعاد بناؤها
كالتحكم في الرغبات ،والتنظيم الهرمي إلشباع بعض االحتياجات قبل األخرى.
ثالثاً :كذلك هو النشاط الذي يربي ويحضر النشاط الذي سيصبح مهيمناً في
المرحلة الالحقة من مراحل نمو الشخصية ،حينما تنمو الشخصية وتنقل من
المرحلة الحالية إلى الالحقة ال تستمر فيها صالحية النشاط الحالي لتتبوأ قمة
األنشطة ،فهو يعد خليفته لقيادة الشخصية في المرحلة الالحقة.
وهذا ما يحاول إثباته الفرض الثاني للبحث الحالي حيث إذا استطاع النشاط
اللعبي إعداد النشاط التعليمي المقصود وأعد العقل ليعمل عمالً مقصوداً في
عمليات معرفية معينة يكون بذلك قد أكد أنه قام بالوظيفة المهمة للنشاط المهيمن
في مرحلة ما قبل المدرسة.
رابعا -مفهوم الشخصة :
يتبنى البحث الحالي تعريفاً إجرائياً للشخصية كتكوين كلي رباعي –
متفاعل -متكامل – ديناميكي -متمايز -ثابت نسبياً في محاولة إلثبات وجود
فرضي لرباعي الشخصية ،كل جزء على حده ثم يدخل على هذه األجزاء باقي
خصائص الشخصية من ديناميكية وتفاعل وتكامل وتمايز وكل ذلك في إطار
الثبات النسبي الذي يؤكد اختالف كل شخصية عن األخرى ينتج هذا البحث
إلثبات وجود كل جزء من أجزاء المكون الرباعي "الشخصية" نهجاً وطريقة
من طرق البحث العلمي تتناسب مع طبيعة الجزء المراد إثبات وجوده فما
نمو الطفل ومشكالهت الففية 150
يصلح إلثبات وجود الربع الجسمي الذي يحتوي باقي أجزاء التكوين ال يصلح
إلثبات وجود الربع العقلي الذي ال يرى وال يحس ،كذلك الحال عند إثبات وجود
الجزء النفسي المتمايز بدوافعه الخاصة ووجود الجزء االجتماعي الكامن في
الشخصية منذ مرحلتها الجنينية والذي ال يكتشف وجوده الفعلي إال عند خروج
الشخصية للحياة الواقعية إال أنه يجدر اإلشارة إلى أن هذا التفصيل لرباعي
الشخصية تفصيالً تعسفياً بغرض تسهيل دراستها وفحصها فهي (الشخصية)
ال توجد إال في كل ال يمكن فصله أو تجزئته وإال انفك مفهوم الشخصية.
وأول :األجزاء وأبسطها هو الربع الجسمي ،تلك اآللة بالغة التعقيد بما
يظهر منها من مكونات وعمليات فسيولوجية ويختفي ورائها من دوافع
واحتياجات فسيولوجية متعددة.
وثاني :جزء هو ما يسمى بالجزء العقلي الذي يتمثل في العمليات العقلية
المختلفة من تصور وتفكير وإدراك وتخيل ...إلخ.
وهو ال يرى بذاته ولذلك يستدل على وجوده من أفعاله التي ال يقوم بها
سواء وال يخفي الخلط الشائع بين ما يسمى بالعقل والمخ الذي هو جزء من
التكوين الجسمي للشخصية وليس كل من يملك "مخا" قادراً على اإلدراك
والتصور والمعرفة إذن ال بُدَّ أن يكون هناك من يختص بالقيام بمثل هذه
العمليات وهو ما يسمى "العقل" وثالث األجزاء هو الجزء النفسي وهو ال يرى
بذاته أيضاً وإنما يستدل على وجوده بخصوصية دوافعه فال تحرك الميول
واالتجاهات والعواطف إال ما يسمى بالجزء النفسي ،وتظهر العمليات النفسية
في االستجابات النمطية للشخصية أثناء تفاعلها مع باقي مكوناتها ومع المجتمع
ويلعب مفهوم الحاجة دوراً أساسياً في دراسة الجزء النفسي من الشخصية ،فلكي
يتم إشباع الحاجات النفسية ينبغي أن يتهيأ الموقف المناسب والوسيط الذي يسمح
بهذا اإلشباع.
وإذا وجدت الحاجة وسيط إشباعها يظهر لدى الفرد االستعداد إلنجاز
151 نمو الطفل ومشكالهت الففية
العمل .وهذا االستعداد يتمثل في الحالة التي تشمل الفرد أثناء القيام بهذا العمل
أو ذاك وهكذا تتضح في عمل هذا الجزء دوافعه الخاصة به من ميول وعواطف
واتجاهات بصفتها الطاقة الدافعة إلشباع ما يسمى بالحاجات النفسية فهي دوافع
للعمل النفسي والوظائف النفسية.
وأخيراً الجزء االجتماعي ،ويستدل على وجود هذا الربع األخير من
الشخصية من دوافعه الخاصة به أيضاً فالحاجات االجتماعية الستة :الحاجة
لالنتماء ،والحاجة لألمن واالستقرار ،والحاجة إلثبات الذات والنجاح والتقدير،
والحاجة لالستقالل والحرية ،والحاجة للقيم وأخيراً الحاجة للسلطة الضابطة هي
التي تميز اإلنسان وتدفعه للتفاعل االجتماعي في صوره األربعة من تعاون
وصراع ومنافسة ومواءمة كما تحدد أهداف الشخصية ويتغير النظام الهرمي
لتدرج االحتياجات بحسب الخصائص النفسية والنمائية والواقع االجتماعي
للشخصية ومستوى طموحها وعالقتها باآلخرين ،وهنا تعمل األسباب الخارجية
من خالل الشروط الداخلية للشخصية ذاتها.
وينمو نظام األهداف والحاجات االجتماعية ويتظافر مع باقي أجزاء
الشخصية ومحددات نموها حتى تصير حاجات الفرد (بيئته الدافعة) هي
المثيرات لسلوكه ،وعنئدذ يستوعب الفرد ما تأتي به البيئة الخارجية بما يتفق
مع حاجاته وأهدافه الذاتية ،ويعتبر االنسجام بين متطلبات الوسط الخارجي
(المكانة االجتماعية للشخصية) واتجاهات الفرد نحوه هو العامل الحاسم في نمو
الشخصية وتوظيف فاعليتها.
هنا تتضح أهمية الدور الذي يلعبه النشاط المهيمن في توظيف الشخصية أو
إهدار طاقتها بدون عائد نمائي ،حيث تستنفذ الشخصية طاقتها في صور التفاعل
االجتماع ي السلبي التي ال تعود عليها باإلشباع وأقصى ما يمكن أن تحققه لها
هو تخليصها من التوتر الناتج من حشد الطاقة وعدم التنفيس.
نمو الطفل ومشكالهت الففية 152
وحدوده ،كذلك التمسك بإبداء (عدم التعب فالضابط يجب أن يكون قوي البنية
وال يشعر بالتعب) كذلك المحافظة على القيام بالدور بكل التزاماته جيداً.
الثاني :تحمل الصعود للمنزل للتحضير للعب الفريق ثم القيام بدور مكمل
للعب بعد االنتهاء بإحضار الماء للفريق وهذا يدل على أن الطفل بدأ يلتزم
بواجبات مع ينة قبل وبعد االنتهاء من الدور وهذا يشير إلى االلتزام بمرحلة
متقدمة من مراحل نمو النشاط اللعبي يدخلها في مرحلة اللعب ذي القاعدة،
والترتيب والتنظيم له قبل وبعد االنتهاء من الدور وبداية االلتزام بألعاب
المسابقات المنظمة ،وهذا من المفروض أنها تعد العمل المنظم المقصود الذي
يلزم لطفل المدرسة االبتدائية.
هذه الحالة مثال على دور النشاط اللعبي في توظيف اإلمكانيات الجسمية
لطفل المرحلة ،وهو الربع البسيط الواضح للشخصية في حين تشكو الحالة من
عدم القدرة على التحمل للجهد الجسمي في الحياة العادية في غير أدوار اللعب.
ثانةاً -طفل عمرها 5سفوات:
تأبى الدخول لدورة المياه بمفردها وتصاب بحالة من البكاء الشديد وتأجيل
اإلخراج حتى تعود إلى المنزل إذا ما أصرت المربية "معلمة الروضة" على
ذهابها إلى دورة المياه بمفردها.
قامت بدور األم "األمر للعروسة" لطفلتها وقد ذهبت بها إلى الطبيب الذي
طلب عمل تحليل بول للعروسة أعطت الباحثة كوب للطفلة لتحضر فيه عينة
للتحليل أخذت الطفلة عروستها إلى دورة المياه بالروضة وأحضرت ماء نقي
من الصنبور في الكوب الحظت الباحثة أن مالبس الطفلة في حاجة إلى تعديل
وبعد مناقشتها أثناء الحديث عن صحة األبنة "العروسة" تبين أن الطفلة قامت
بقضاء حاجتها عندما ذهبت بعروستها إلى دورة المياه (أثناء قيامها بدور األم).
بتحليل هذه الحالة تبين دور النشاط اللعبي في االلتزام بواجبات الدور على
أكمل وجه فليس من المقبول أن تمتنع األم عن القيام بما تطلبه من ابنتها ،فقد
نمو الطفل ومشكالهت الففية 154
قامت بدور القد وة أمام العروسة إلتمام دور األم مما أنساها مخاوفها من دورة
المياه الخاصة بالروضة.
وهذا الموقف يدل على نمو اجتماعي (االلتزام بواجبات الدور االجتماعي)
ونمو نفسي (التخلص من المخاوف المرتبطة بمكان معين) وهذا كله أثناء اللعب
فقط بخالف ما يجري في الحياة االجتماعية العادية.
الحال رقم ( )3طفل عمره 4.7سفوات:
هذا الطفل يصر على أكل الشيكوالته التي يحضرها معه يومياً قيل األكل،
بمجرد ما يوصله والده إلى الروضة يفتح حقيبته ويأكل قطعة الشيكوالته التي
يصر على إحضارها يومياً حاولت المعلمة بالروضة مراراً تأجيل أكل
الشيكوال ته حتى ينتهي من أكل "الساندوتش" فلم تتمكن أحضرت الباحثة قطعة
شيكوالته من نفس النوع وتم توزيع أدوار اللعب كركاب في طائرة واسندنا لهذا
الطفر دور "المضيف" بشرط أن يقسم قطعة الشيكوالته إلى "قوالب" وتوضع
القوالب في طبق ويمر بها على الركاب فور إقالع الطائرة حتى يحرك كل
راكب فمه في أكل "الحلوى" حتى ينتظم الضغط الخارجي مع الداخلي (هذا ما
قامت الباحثة بشرحه لمن لم يسبق لهم ركوب الطائرة) وتبين أن الطفل سافر
بالطائرة وخبر هذا الموقف من قبل.
ولكن تقدم من الباحثة وسائل :هل يمكن أن أخذ أنا الباقي؟ ردت الباحثة انه
مضيف و بحكم عمله ال يحتاج إلى منظم للضغط فهو يجب أن يكون اعتاد
ركوب الطائرة.
الحظت الباحثة أن الطفل يعاني بشدة من االمتناع من أكل الشيكوالته لذلك
قررت أن تسمح له بقالب واحد فقط أخذه الطفل وهو مبتهج ووزع قالبين على
المعلمة والباحثة.
بتحليل هذا الدور يتبين أن الطف ل الذي ال يمكنه إرجاء رغبته الملحة في
أكل هذا النوع من الشيكوالته تحت أي من الضغوط ،تمكن من هذا الضبط
النفسي في سبيل إنجاز الدور اللعبي على أكمل وجه.
155 نمو الطفل ومشكالهت الففية
وهذا يحقق الفرض األول من فروض البحث كما يمكن اعتباره تمهيداً
لبعض متطلبا مرحلة المدرسة االبتدائية حيث التحكم في إشباع الرغبات وتأجيل
بعضها مطلب رئيسي لشخصية طفل المدرسة حتى يتمكن من االلتزام بدوره
كتلميذ في المدرسة يخضع لنظام الحصص التي يجب أن يمتنع فيها عن األكل
تماماً ،وكذلك يجب عليه االستغناء عن إشباع كثير من الرغبات التي يراها
ملحة حتى يسمح له بذلك ،فمن ال يتحكم في هذه الرغبات بالتأجيل ال يمكنه أن
يؤجل النوم مثالً حتى ينتهى من أداء الواجب المدرسي كذلك ال يمكنه تأجيل
اللعب أو غيره من الرغبات لحين االنتهاء من التزامات دوره كتلميذ في
المدرسة وهذا السلوك يدل على قدر من النمو النفسي لم يظهر إال في إطار من
النشاط اللعبي "المهيمن".
الحال رقم (: )4
طفلة عمرها 5.2سنوات :تشكو والدتها ومعلمتها منها دائماً أنها ال تطيع
األوامر وقد عبرت والدتها عن قلقها إزاء ذلك العناد من الطفلة وقالت إن والدها
دائماً يضربها وبعد الضرب يمكن أن تطيع وتنفذ األمر (لمرة واحدة فقط) ثم
تعود للعناد مرة أخرى.
بمالحظة هذه الطفلة أثناء قيامها بدور األم للعروسة كانت تتحدد بالتليفون
مع صديقتها (ليس للصديقة وجود فعلى في الروضة وإنما الطفلة تتكلم بلسان
ذاتها كأم ثم ترد على نفسها بلسان الصديقة وذات أسم صديقة حقيقية لوالدته):
جرى الحديث التالي:
الصد يقة :أنا مش عارفه أعمل أيه مع بنتي مش بتسمع الكالم.
األمل :أوعى تكون بتضربيها.
الصديقة :أنا فعالً بضربها وما فيش فايدة.
األم( :أنت الزم تتفاهمي معاها وتعرفي هي ليه مش بتسم الكالم ،يمكن
نمو الطفل ومشكالهت الففية 156
تكوني بتطلبي منها الحاجة وهي مشغولة وال تكون هي فاكره أن كده صح،
الضر ب مش بيحل المشاكل أمال إنت أم ازاي مش الزم تفهميها) في هذه
اللحظة وقعت العروسة من يد األم فأسقطت سماعة التليفون فضربت األم
العروسة وقالت لها :كده خلتيني أضربك مش تخلي بالك.
بتحليل الموقف تبين فيه إعمال العقل في المشكلة الشخصية ونقد طريقة
المعاملة للطفلة ن قداً عقلياً واعياً ،وحصر للدوافع وتحليل للنتائج ،مما يدل على
نمو عقل واستخدام منطقي للمقدمات والنتائج واختيار لوسائل العالج كذلك
يالحظ أن الطفلة تميل دائماً للعب المنفرد وتتخيل دائما الطرف اآلخر كما لو
كان بعيداً عنها فتقوم بدور مزدوج ،في نفس الوقت الذي تعزف عن اللعب
الجماعي مع األطفال فهي كما الحظت ،وكما أوضحت المعلمة ميالة للعزلة
ودائما تتحدث مع نفسها وهذا يدل على مرحلة متقدمة من مراحل نمو النشاط
اللعبي الذي يعتمد على الحديث وإعمال العقل في عمليات قياس ومقارنة
واستنتاج كذلك تعتمد مرحلة اللعب هذه على اللغة اعتماداً كبيراً وهذا ما نراه
مناسباً لعمر الطفلة من جهة ولحالتها النفسية الناتجة من العقاب الصارم الدائم
الذي تالقيه في المنزل.
الحال رقم (:)7( ،)6( ،)5
الموقف اللعبي :مستشفى وطفل يصطحب ابنه للطبيب – يقابل الطبيب
على الباب وهو خارج فيعرض ابنه (طفل عمره )3.6عليه ليكشف عليه ألنه
ال يثق إال في هذا الطبيب ويدور الحديث التالي:
الطبيب (طفل عمره 5سنوات) :أنا خالص مروح البيت.
األب (طفل عمره 4.9سنوات) معلهش اكشف عليه لحسن سخن جداً
حرارته .40
الطبيب :أنا مش معايا سماعه وال معايا ترمومتر ،األب (يبحث عن أي
157 نمو الطفل ومشكالهت الففية
شيء يص لح أن يكون سماعه فوجد غطاء لبراد الشاي يحاول ربطه في الحزام
لعمل سماعه) في نفس الوقت االبن يخرج من جيبه قلم رصاص ،ويقول
للطبيب الترمومتر أه ويضعه فعالً تحت لسانه في حين اشترك األب مع الطبيب
في تصنيع السماعة ولكن الطبيب يربط الحزام في يد مكواه لعبه وجدها أسهل
من غطاء ابريق الشاي.
عندما توجه الطبيب بالسماعة المصنعة من المكواه والحزام رفض االبن
بشدة قائالً :ال دي مكوه متنفعش تبقى سماعه ،حاول األب شرح أنها ممكن تبقى
سماعه ولكنه لم يترك لهم فرصة وقام من على الكرسي وزرر قميصه وأصر
على عدم توقيع الكشف عليه بهذه ا لسماعة قائالً يا تجيب من جوه السماعة
الحقيقية اللي في شنطة الدكتور يا بالش.
بتحليل الموقف الحالي تتضح نقاط رئيسية هي:
أوالً :اختالف موقف الطفل الصغير عن موقف الطفلين المتقاربين في
السن.
ثانيا :استخدام األدوات المتاحة المشابهة تماماً لألدوات التي يستعملها
الكبار.
ثالثا :تصنيع الطفلين الكبار لألدوات (السماعة).
ال بُدَّ من تحليل هذه النقاط الثالثة بالتفصيل والرجوع للنمو في عملية
التصنيع – لوحظ أوالً اهتمام الطفل الصغير ورغبته في االستمرار في تعقب
دور االبن المريض واستخدم للقلم كترمومتر يؤكد إعمال عقله في الخصائص
والصفات واختيار األدوات المتشابهة مع األدوات الحقيقة ورفض األدوات
المختلفة مع األدوات الحقيقة وفضل االمتناع عن لعب الدور فنجد العملية
الرمزية بالنسبة للطفل الصغير ما زالت مقيدة بصفات وخصائص الشيء
وال يمكن استخالص الخصائص واالستغناء عن الصفات.
نمو الطفل ومشكالهت الففية 158
أما األطفال الذين يحتلون مرحلة متقدم من النشاط اللعبي فأظهروا مرونة
أكثر في تحقيق معقول فيجوتسكي "أن في اللعب يمكن ألي شيء أن يكون شيئاً
آخر".
كذلك ال بُدَّ من اإلشارة إلى سلوك "األب" والطبيب" حينما ظهر احتياجهما
للمساعدة قاما بتصنيعها (تصنيع األدوات) بكل ما تحمل هذه العملية من إعمال
العقل في خصائص األدوات وكذلك التميز فاألصل والتبديل لهذه الخصائص
واالتفاق على البدائل المصنعة.
وهذا يؤكد قيام النشاط اللعبي بصفته مهيمناً بإعداد الشخصية لالنتقال
لمرحلة نمائية الحقة وهي مرحلة طفل المدرسة االبتدائية بااللتزام بقواعد معينة
للدور.
فقد تعدى الطفالن مرحلة التكرار واستخدام األدوات إلى مرحلة تصنيع
األدوات وحل مشكالت الموقف بصورة أكثر إيجابية ،وهذا يتطلب قدرات إلى
وقت قريب جدا كنا نشك في وجودها عن طفل الرياض.
في حين اقتصر سلوك االبن على إحالل القلم محل الترمومتر فهو استخدام
األدوات كما هي ولم يقبل عملية التصنيع.
هذا يؤكد ظهور المرحلة األكثر تقدما من اللعب ذاته ،حيث يعمل العقل
على رسم الخطة واالتفاق على األدوات ،بل وتصنيعها ويعمل على تحقيقها
بشكل منطقي متفق عليه ثم تالحظ انصراف بعض األطفال بعد ذلك إلى نوع
جديد من اللعب ،ذلك النوع الذي يحمل المتعة في داخله فقط ،بل ال يستمتع
الالعب إال بنتائجه.
لذلك يختلف لعب طفل المدرسة االبتدائية أو الطفل الذي قام النشاط
المهيمن اللعبي بإعداد شخصيته لالنتقال للمرحلة الالحقة عن لعب طفل
الروضة اختالفاً جوهرياً فاألول تتحد دوافعه مع نتائجه ولذا يهتم األطفال الكبار
159 نمو الطفل ومشكالهت الففية
وهذا يؤكد اختالف النشاط اللعبي في آخر مراحل نموه طفله في مراحله
األولى فهو قد أعد من سيحتل مكانه المهيمن في المرحلة الالحقة لنمو
الشخصية حيث إ نه ال يستطيع الوفاء بالتزامات المرحلة التالية دون أن تتغير
خصائصه فإعمال العقل في خصائص األدوات دون صفاتها العارضة يدل على
أن الطفل يقوم بعمليات القياس والمقارنة والتفكير التجريدي أثناء اللعب في حين
يعجز عن القيام بهذه العمليات أثناء الحصص التعليمية التي تدرس له فيها
القراءة والحساب في مرحلة الروضة.
توحي هذه النتائج بإمكانية تصميم المناهج والطرق التعليمية القائمة على
أساس النشاط اللعبي لتنمية ودفع فعالية طفل الروضة.
كذلك قد يمكن تصميم المقاييس التي تحدد مدى إعداد شخصية طفل
الروض ة بفضل النشاط اللعبي لاللتحاق بالمدرسة االبتدائية.
تصميم مجموعة من أدوار اللعب التي تمكن من قياس اإلمكانيات الجسمية
والنفسية والعقلية واالجتماعية لألطفال للتحقق من سالمتها.
كذلك قد يمكن عمل مسح شامل لرياض األطفال للتأكد من تهيئة الفرص
لطفل الروضة ليلعب األدوار كما تحددت خصائصها في البحث الحالي.
وقد تم عمل برنامج مقترح لتعليم بعض المفاهيم اللغوية لطفل الرياض
مستخدماً النشاط اللعبي أساساً له ،ويوصي البحث الحالي بالتروي في تعليم
طفل الروضة تعليماً مقصودا حيث ال يصح تعليم من ال يزال خاضعا لهيمنة
النشاط اللعب ي وإنما من يمكن تعليمه التعليم المنظم المقصود لبعض المفاهيم هو
من بدأ في إعمال عقله بوعي سعياً وراء نتائج اللعب.
فليس كل من بلغ سن السادسة معدا للتعليم؛ بل من وصل إلى آخر مرحلة
من مراحل نمو النشاط اللعبي التي سبق اإلشارة إليها في متن هذا البحث هو
القادر على استقبال التعليم.
161 نمو الطفل ومشكالهت الففية
نعرض فيما يلي بحثا تطبيقيا (امبيريقي) استخدم األساس النظري السابق
اإلشارة إليه إلعداد وتهيئة طفل الروضة لتعليم القراءة والكتابة بإدراك المفاهيم
القوية كمجردات الزمة لعملية القراءة والكتابة والتخلص من أساليب الحفظ
األصم والتدريب للحروف األبجدية دون التفكير في خصائصها.
أسالةب هتهةئ طفل الروض عقلةاً للمدرس االبتدائة :
المقدم :
تلقى علمية إعداد طفل ما قبل المدرسة ،اهتماماً يكاد يصل إلى حد اإلجماع
في جميع دول العالم .ولكن عند اختيار خطط العمل التي تحدد ممارستنا
التربوية متمثلة في طرق التربية أو النموذج المنهجي ،يتفرق هذا اإلجماع.
يرى البعض أن اإلعداد الالزم لطفل الروضة يتم بتعليمه الكتابة والقراءة
والحساب في حين يرى البعض اآلخر ضرورة تنمية االستعداد النفسي –
العقلي – الجسمي – االجتماعي ليفي بمطالب المدرسة .أي تهيئة الشخصية ككل
للدراسة.
ويتطلب هذا اإلعداد ،ويفترض مستوى معيناً للنمو العقلي ،والخصائص
الضرورية للنمو الشخصية .كما يتطلب وجود فرصٍ كافية إلشباع دوافع السلوك
االجتماعي وقدرات االختيار اإلرادي كما يلزم وجود تصور واضح وناضج لدى
الطفل عن الخصائص المحكمة للمواد المحيطة به وذلك حتى يتمكن من المقارنة
بين المواد ،وتحليلها والقيام ببعض التعليمات واستنتاج النتائج من المقدمات في
إطار هذا العمل االستكشافي في البيئة المحيطة بطفل الروضة تنمو الرغبات
اإلرادية ،والدوافع الجديدة "للسلوك" حتى يتحول إلى "النشاط".
تنمو في هذا النشاط الفعالية الذاتية للطفل ،و تنكون الخبرات الالزمة
للشخصية فالطفل ال يستوعب الخبرة االجتماعية جاهزة الصنع بل تنتج من
تالقي "الذاتية" و "الموضوعية" في تفاعل الطفل مع البيئة يتيح هذا النشاط
الفرصة للذاتية أن تؤثر وتتأثر بموضوعية البيئة ،وكلما زاد "النشاط" العقلي،
نمو الطفل ومشكالهت الففية 162
كلما تعددت فرصة النمو ل لشخصية .ذلك المكون الرباعي (جسمي ،نفسي،
عقلي ،اجتماعي) الذي ال ينمو إال بالتفاعل المتكامل ،الدينامكي مع كل معطيات
البيئة ،بذلك تستوعب الشخصية الخبرة االجتماعية المتاحة وتفهمها ،وتستدخلها
وتطبعها بطابعها الذاتي المميز لها عندئذ تتطلع الشخصية بشغف إلشباع
حاجاتها للمعرفة واستكشاف الجديد في المرحلة النمائية الالحقة.
سبق االتفاق في الفصول السابقة على أن لكل مرحلة نمو باباً خاصاً بها،
تطرقه البيئة بالمثيرات فتستجيب الشخصية بتوظيف "القدرات" الكامنة
"بالنشاط" والفعالية الحماسية التي تعيد بناء الخبرة االجتماعية ،وتصنيعها
"لألدوات" التي تخدم نمو الشخصية فإذا كان الباب الستدخال الخبرة االجتماعية
في مرحلة "المهد" هو "النشاط الحاسي الحركي" فعندما تنتقل الشخصية إلى
مرحلة الروضة يتغير الباب ليصبح "النشاط اللعبي" ثم تتغير المكانة
االجتماعية ونظرة المجتمع للشخصية" ،فتطفر" إلى المرحلة الالحقة ليسعى
الطفل للمعرفة النظرية فيهيمن عليه النشاط التعليمي المقصود "فهو ال يلعب
فيعرف ،وإنما هو يسعى للمعرفة بتخطيط مسبق ،وتحديد للهدف خارج النشاط
ذاته .عندئذ تتغير نظرة المجتمع للطفل ليصبح "تلميذا".
ال ينجح الطفل في الدخول لهذه المرحلة النمائية إال إذا أحسن إعداد
شخصيته الحتالل هذه المكانة الجديدة .فما هي خصائص الشخصية المعدة
للمدرسة؟
- 1هو طفل ملتزم بمتطلبات المدرسة ،كما كان ملتزماً بواجبات أدوار
اللعب في المرحلة السابقة (مرحلة الروضة).
– 2هو طفل تغيرت دوافعه ،ففتحت أمامه موارد جديدة لنمو قوة اإلدراك
الواعي الذي يدفعه لتعلم كل ما هو جديد مهما كلفه من مشقة.
- 3يبدأ إعجاب الطفل بالمواد الدراسية المختلفة باختالف مضمونها.
163 نمو الطفل ومشكالهت الففية
- 4يخضع لرغبات المدرس ،ويعاد بناء عمليات اإلثارة والكف لديه .وهو
كما وصفه كمنسكي ( )komenskyص )2( 166التلميذ القادر على
ا لتفكير والحكم على األشياء ،ولديه رغبة قوية في التعليم والمعرفة.
واآلن نعود للرد على الرأي الذي يرى ضرورة تعليم الطفل في الروضة
القراءة والكتابة والحساب استعداداً لدخول المدرسة.
يقول جيرسلد Jersildفي كتابة :نمو الطفل والمنهج "وهو بصدد تعريف
التهيؤ واالستعد اد بأنه" الوقت المناسب الذي يريد فيه تعليم الطفل بقدر ما تسمح
به قدراته.
فالطفل يحتاج إلى أن يتهيأ في النواحي اآلتية:
– 1لغته وعاداته في الحديث.
– 2نضوجه العقلي.
– 3نموه الجسماني.
– 4اتساع خبراته وطبيعة هذه الخبرات وخصوصا فيما يتعلق باهتمامه
بالكتب والقراءة.
– 5عواطفه وظروفه االجتماعية.
وقد دلت التجارب القليدية واألبحاث التي أجريت على الطفل "أن الطفل
تتهيأ له أسباب النجاح في تعلم القراءة إذا ما بدأها بعد أن يتجاوز عامه السادس
بثالثة أشهر وهناك رأي أخر ينادي بأن الطفل إذا كانت عقليته عادية فيبدأ في
منت صف العام السابع كما دلت األبحاث على أن أكثر المتاعب التي يعانيها
الطفل في تعلمه إنما ترجع إلى إجباره عليها من سن الخامسة والسادسة ويقول
ستريكالند ( )Ruthstricklindمشيراً إلى عملية القراءة واحتياجات الطفل لها
وقدراته عليها "أن األطفال قد ينظرون ولكن ال يرون ،وقد يرون ولكنهم
ال يفهمون ما يرون ،إال إذا كان لهم أساس سابق من المعرفة والخبرة ،وتوفر
نمو الطفل ومشكالهت الففية 164
لديهم المدرس الذي يستطيع مساعدتهم على االستفادة من هذه الخبرات ،ويساعد
على ذلك حينما تكون الثروة اللغوية لدى بعض األطفال ال تقل عن مائة كلمة
(بصرية ،منظورة) والمقصود بهذا التعبير الكلمات التي يستطيع األطفال
تمييزها عندما يرونها مكتوبة بمطابقها بالصورة التي تمثلها (في خبرتهم
الخاصة) فإن المدرس يبدأ مع هؤالء بمبادئ القراءة األولية؛ حيث يجد الطفل
بعض الكلمات المعروفة له.
كما أثبتت الدراسات التي أجريت على العملية التعليمية وتطويرها
(جالبيرن – Galbernوتاليزنا Talezenaولوريا )Louryaوغيرهم "أنه لكي
يتعلم الطفل اللغة بنجاح ال بُدَّ أن يدركها بكل عناصرها إدراكاً "واعياً"،
ويستطيع أن يضعها تحت مجهر تفكيره الواعي فيخضعها للتحليل والتركيب
والتعميم ...إلخ.
كما سبق اإلشارة إلى أهمي ة الدوافع والرغبة في القراءة وفي فهم ما تنقله
للطفل من معلومات وفحص الكلمات بمعانيها المختلفة.
مما تقدم يلزم تحديد المطلوب من طفل الروضة عندما نعلمه القراءة
بالطريقة التقليدية المعروفة هل نريد منه "سلوك" الببغاء المدربة ،والحيوانات
التي تقوم بعمليات حسابية معينة؟
أم نريد منه "نشاطاً عقلياً" يمثل نظام اإلشارة الثاني "الذي ال يوجد إال عند
اإلنسان؟
هل نكون عنده القراءة الميكانيكية التي تعد ردود أفعال للمرئيات المقروءة؟
أم تكون عنده "القراءة الوظيفية" التي تقوم على النشاط العقلي وتستلزم
تدخل شخصية اإلنسان بكل جوانبها.
تبين فيما تقدم من هذا الكتاب أن طفل الروضة قادراً على القيام بعمليات
القياس والمقارنة والتفكير التجريد – كذلك هو قادر على القيام بعمليتي "التعميم"
165 نمو الطفل ومشكالهت الففية
عن أهداف غيره من األنشطة ،واألداء المتمايز الخاص بهذا النشاط ،كذلك
ال يخفى األثر المعوق إلقحام النشاط التعليمي على طفل الروضة؛ حيث يتخذ
سلوكه التعليمي نمط تعليمي معين Tenching Stylسيدمغ شخصيته مدى
الحياة .ويصبح من الصعب للغاية تغييره.
لذلك قد نرجع السبب األول للمشكالت التي يعاني منها طفل الروضة إلى
عجز الطريقة المتبعة في تعليمه القراءة عن نقل إدراك اللغة من مستوى
اإلدراك التلقائي إلى مستوى اإلدراك الوعي.
وقد أثبتت الدراسات أن وظيفة اإلدراك الواعي هي "السماح بتكيف يكاد
يكون مستحيالً في غيبة الوعي بواسطة الوعي يتمكن من حل مشكالت القراءة
الوظيفية" التي ال يمكن حلها باإلدراك التلقائي يتمكن الطفل باإلدراك الواعي
فقط من إعمال عقله في الكلمات بوصفها "أدوات للفكر" فيحللها إلى عناصرها
ويركبها بأشكال مختلفة.
وقد يرجع السبب الثاني للمشكالت إلى تعليم طفل الروضة القراءة بطريقة
تكون لديه "سلوك القراءة الميكانيكية" بدال من نشاط القراءة الوظيفية فيستمر
الطفل في التكرار واالنعكاس للمرئيات دون االستفادة الكاملة من المقرر .أو
توظ يف عناصر الشخصية في عملية القراءة.
يتبع البحث الحالي في المقاييس الثالثة األولى المنهج الوصفي لتحديد
مستوى اإلدراك اللغوي كما هو موجود بالفعل عند أطفال العينة قبل إدخال
الطريقة المقترحة.
ثم يتبع المنهج التجريبي ليقيس نمو اإلدراك اللغوي بعد إدخال المتغير
المستقل (الطريقة المقترحة) على عينة البحث .ويتم المقارنة بين النتائج القبلية
والبعدية.
كما يتبع طريقة دراسة الحالة مع أفراد العينة حتى يمكن استخالص النتائج
الكيفية الدقيقة.
نمو الطفل ومشكالهت الففية 168
العةف :
عشرة أطفال من حضانة زهر الربيع أعمارهم من 6 – 4سنوات.
ثالثة عشرة طفالً من حضانة الخضيري من 5 – 4سنوات.
ستة أطفال من حضانة اإلسراء بالهرم من 6- 5سنوات.
تسعة أطفال من حضانة إمبابة النموذجية من 6 – 4سنوات.
مجموع العينة 38طفالً.
أدوات البحث:
أوالً :مقياس صوفيا نيكااليفينا :الذي يهدف لتحديد إمكانية قيام طفل
الروضة بتحليل الجمل إلى كلمات ووضع الكلمات بصفاتها عناصر للجمل
موضوع تفكير الطفل الواعي.
يعرض المقياس على الطفل جملة مكونة من ثالثة كلمات أو أربع ويطلب
منه أن يكرر الجملة التي سمعها .ثم تسأل الباحثة ما هي الكلمة األولى التي
يسمعها.
وتكرر الجملة ثم ما هي الكلمة الثانية في الجملة وهكذا ثم ما هو مجموع
كلمات الجملة؟ يفرض المقياس أن الطفل سيحاول إعمال عقله بوعي في عدد
كلمات الجملة وتقسيمها.
ثانياً :مقياس وفاء كمال:
طبق على األطفال "مقياس اإلدراك اللغوي ألطفال الحلقة األولى من
التعليم األساسي" حيث اقترح هذا المقياس إمكانية تطبيق على أطفال الروضة.
في التوصيات الملحقة بتصميمه.
يهدف هذا المقياس لتحديد نوع اإلدراك الذي يستخدمه األطفال لحل
المشكالت اللغوية الواردة في اختياراته الثالثة:
169 نمو الطفل ومشكالهت الففية
– 1االختبار األول:
وهو االختبار المباشر الذي يتكون من عشرة أزواج من الكلمات المترادفة
والمختلفة في ا لشكل (الفورمة) ونسأل الطفل :ما الفرق الذي يسمعه بين
الكلمتين؟ وتقسم اإلجابات إلى:
– 1إجابة واعية بالجانب الرمزي التركيبي للكلمة.
– 2إجابة تلقائية مباشرة حين يدرك الطفل أن الكلمتين بمعنى واحد
(أو زي بعض).
– 2االختبار الثاني:
وهو يتكون من عشرة أزواج من الكلمات المختلفة المعنى متشابهة في كل
األصوات ما عدا صوتاً واحداً .ويعتبر هذا االختبار استثارة لنشاط العقل في
اتجاه جديد .حين يتعثر الحل القائم على الموازنة بين معاني الكلمات في إزالة
شعور الطفل بالنقص ،ونتيجة لتلك العثرة يتجه الحشد النفسي والتوجه العقلي
إلى اختيار وسائل جديدة لحل المشكلة .وقد صمم هذا االختيار معتمداً على
األساس النظري لقانون الوعي الذي قرره كالباريد.
– 3االختبار الثالث:
وهو يتكون من عشرة أزواج من الكلمات متفقة في األصوات التي تحتويها
مع اختالف ترتيبها فقط زر – رز.
لقد صمم بهذا الشكل ل يدفع التطابق التام بين مكونات الكلمات الطفل إلى
إعادة تقويم طرق الحل التي استخدمها في االختبارين السابقين علماً بأن طريقة
عرض المشكلة هي التي توجه الطفل لتحديد المجال الذي يختار منه أدوات الحل.
بناءً على هذا الترتيب لالختبارات الثالثة في المقياس فرض أن يتحسن
األداء في حل المشكالت اللغوية ويظهر االرتقاء في اإلدراك بهذا التدرج
الصاعد من التلقائية إلى التفكير في مجردات اللغة (الحروف) الذي يعتبر الزمة
ضرورية لتعليم الطفل القراءة والكتابة.
نمو الطفل ومشكالهت الففية 170
أ – الفئة األقل نضجاً :التي تدرك اللغة إدراكاً تلقائياً بوصفها وسائل
اتصال دون كونها أدوات ورموز.
ب – الفئة الوسيطة :التي تتبين بعض الكلمات ،وتخضعها للتحليل والعد
في حين تتأخر في إدراك البعض اآلخر.
ج – ا لفئة األكثر نضجاً :وهي التي تحلل الجملة وتعد كلماتها بطريقة صحيحة
تماما بالنسبة للعينة الحالية كان من المتوقع ظهور الفئتين أ ،ب.
لكن جاء جميع األطفال في الفئة األولى.
كذلك لم تتمكن الباحثة من جذب اهتمامهم حتى نهاية التطبيق.
طبق عليهم المقياس الثاني باختباراته الثالثة ولم تستكمل في أي اختبار
العشرة أزواج للكلمات لنفس السبب السابق .واحتلوا جميعاً الفئة األولى عند
تصحيح المقياس.
لوحظ أن األطفال كانوا يردون بأي إجابة ترد على ذهنهم دون التقيد
بطبيعة السؤال.
يمكن إرجاع ذلك إلى تطلعهم النتهاء الحصة حتى يتخلصوا من هذه
األسئلة المملة ليخرجوا للنشاط الحر.
يمكن تفسير سلبية الطفل السابقة بأن المقياسين السابقين استثارا عوامل
"الكف" عند الطفل حيث أكد "باولو" أن نشاط األعصاب يؤدي إلى نمو االنتباه
وعليه فإن مراكز "االنفعال" والرد "هي التي تؤثر على االنتباه فال نتوقع من
طفل حرم من إشباع حاجاته النفس اجتماعية (بالكف عن اللعب) أن ينتبه لهذا
المثير المشتت (المقاييس) الذي أثر على مراكز االنفعال لديهم.
بعدها تم اشتراك األطفال في لعبة "كلمة السر" لوحظ اهتمام بالغ.
وفحص الحروف المجسمة مع مالحظة قيام بعض األطفال بنطق اسم الحروف
سراً (همساً).
173 نمو الطفل ومشكالهت الففية
لكن ظهر خلط كبير بين الحروف االسم واالسم الكامل فكان الطفل يأتي
بحرف من الحروف ويقوم هذا اسمى ويجرى ليضعه في العلبة ويقوم خالص
عملت كلمة السر.
هذا يدل على أن الطفل يستخدم نشاطه العقلي الذاتي ويفكر ويصمم
فيتوصل "ألشباه المفاهيم" بدالً من المفاهيم "القائمة على المحكات الفاصلة للغة.
استمر تأثر األطفال بلعبة كلمة السر حتى أن بعضهم في طريق العودة مع
والدته بدأ يفحص بعض الالفتات.
كما نشطت دوافع التعليم عند األطفال فأخذ يجرد حروف اسمه وكتابته
على السبورة في المنزل كما أخذ طفل ثالث حروف اسمه المجسمة من صندوق
الحروف بالفصل.
كما ظهرت تغيرات جوهرية في سلوك األطفال فمنهم من حول حرف
"الباء" إلى "ياء" باستخدام النقط.
حدث خالف بين ياسر وتامر على الحرف األول من اسمهما وتناول تامر
حرف الالم المجسم وأمسك بيده اليسرى األلف من الالم (ل) ووضع قطعتان
من الطباشير محل النقط وقال "أنا وجدت اسمه كله".
التطبةق البعدي:
بعد أسبوع من لعبة كلمة السر أعيد تطبيق المقاييس الثالثة السابقة ظهر
االهتمام الفعلي بالحروف المجردة وتغير اهتمام األطفال وانتقلوا %90منهم إلى
مراحل االستمتاع بالمعرفة بخصائص الحروف وأصبح معظمهم يحاول قراءة
األسماء على الالفتات الموجودة في الشارع وفي إعالنات التليفزيون ويقارن بين
حروف األسماء المتشابهة مع اسم كحسن وحسين -كامل وكمال – سمر وسحر.
نمو الطفل ومشكالهت الففية 174
التوصةات:
يوصي البحث بضرورة تعريف أولياء أمور أطفال الروضة – ومعلمات
الروضة بما يلي:
- 1مفهوم الشخصية ومكوناتها ،وخصائص العالقة بين هذه المكونات،
ومفهوم التوظيف والفاعلية النشطة للطفل ،كل ذلك في صورة تطبيقية
عملية يسهل استيعابها وتطبيقها على السلوك الفعلي لألطفال سواء في
مرحلة المهد أو ما قبل المدرسة.
- 2تبصيرهم بخطورة التدخل بالتعليم المنظم في مرحلة الروضة قبل أن
يتم اس تكمال االستعداد النفسي والعقلي للطفل ليتحمل تبعات االلتزام
بواجبات ومهام المعرفة النظرية.
- 3توضيح أهمية "المدخل الخاص بكل مرحلة من مراحل النمو وهي ما
تعرف "باألنشطة المهيمنة" وخصائصها .وضرورة توظيف الشخصية
من هذه المداخل المرحلية وليس من غيرها؛ حيث إنها تتغير بتغير
مراحل نمو الشخصية.
- 4عرض نتائج البحوث الميدانية التي أكدت الدور الفعال للنشاط اللعبي
(لعب األدوار االجتماعية) في النمو الجسمي والنفسي والعقلي
واالجتماعي لطفل الروضة على جميع المهتمين بالمجال بصورة
تناسب جميع المستويات والبعد بقدر اإلمكان عن المفاهيم العلمية
النظرية البحثية التي تنتمي للعمل األكاديمي أكثر من انتمائها للعمل
التطبيقي في المجال العلمي.
-5ضرورة مساهمة وسائل اإلعالم في عملية التوعية ،وتضافر قوى جميع
المؤسسات المهتمة بالمجال حيث يجعها هدف واحد ،إال وهو رعاية
وتنمية شخصية طفل الروضة وإعدادها لتحمل تبعات المراحل التالية.
175 نمو الطفل ومشكالهت الففية
الخالص :
بالرغم من الصورة المشرقة التي حصلنا عليها من نشاط الطفل العقلي
واندماجه في اللعبة التي تجهد عقله وتجعله في عمل دائب ،إال أننا مازلنا
بعيدين عن الجانب النظري المجرد للتعليم المباشر الذي يهدف للوصول
للمعرفة المجردة.
وإنما تشير هذه النتائج إلى إمكانية تعلم طفل الروضة بطريق غير مباشر.
حيث اكتسب األطفال مهارات بطريقة غير مقصودة ولم يكن هذا هدفهم .وإنما
جاء التعلم ضمن هدف آخر ولم يحدد الطفل مسبقاً الغاية التي يسعى إليها .فهو
يسلك سلوكاً تلقائياً مباشراً ويعمل عقله دون أن يملك الخصائص المحكية
للمفاهيم اللغوية .ودون تخطيط سابق لما يسعى إليه .إنما يأتي التعلم في إطار
النشاط االستكشافي في أثناء اللعبة (كلمة السر).
والتعليم "المباشر" بمعناه المعروف ال يتحقق داخل نشاط آخر وإنما له
استقالله ومراحل نموه الخاصة به (ارجع للمقارنة بين النشاط اللعبي والنشاط
التعليمي).
كما تؤكد المقارنة بين نتائج المقياسين (صوفيا نيكاال يفنا ،وفاء كمال)
ونتائج الطريقة المقترحة في البحث الحالي لتنشيط فكر طفل الروضة على
ضرورة التخلي عن تعليم طفل الروضة القراءة والكتابة والحساب بالطريقة
المقصودة؛ حيث إنها ال تجد صدى فعليًا ،وال تضمن الحد األدنى من الدافعية
الالزمة للعملية التعليمية .كما تمتد آثارها السلبية فتظهر في صورة
"ميكانيزمات الدفاع" التي يلجأ إليها طفل الروضة ،والفشل وكراهية المدرسة
التي هي أكبر دليل على إعاقة نمو شخصية طفل الروضة ومنعها من االنتقال
لمرحلة النمو التالية.
كذلك تؤكد المقارنة بين نتائج التطبيق القبلي والبعدي للطريقة المقترحة
على فعالية النشاط اللعبي وقدرته على توجيه التفكير الواعي إلى الوعي
نمو الطفل ومشكالهت الففية 176
بعناصر اللغة وفحص حروف الكلمة هذا التوجيه الالزم كدرجة أولى من
درجات سلم التعليم حيث هو الضامن والالزم لنجاح العملية التعلمية .ألن
مشكالت تعليم اللغة األم ال يمكن أن تحل في غيبة الوعي بمفاهيم اللغة مثل
مفهوم الكلمة والحرف والجملة ...إلخ.
بذلك تكون قد تحققت الحلول لجميع المشكالت السابقة ويرجح ذلك إلى
تبنى الرأي الذي يهتم بالتكوين النفسي ودوافع الشخص ية كأساس لإلعداد الالزم
لمرحلة المدرسة والتخلي عن طريقة التعليم المقصود ألطفال الروضة .طالما
سينمو االستعداد المطلوب والركيزة الالزمة للنمو في إطار بعض األلعاب
المقترحة على شاكلة لعبة "كلمة السر".
فيما يلى نحاول توضيح بعض المشكالت التي تواجه رياض األطفال في
تحقيق أهدافها بالطرق العلمية السليمة كتعليم األطفال بالروضة خصائص
الحروف من خالل النشاط اللعبي ولكن تتعرض المعلمة للنقد من جانب األوالد
ومن جانب أولياء األمور والموجهين في آن واحد .في محاولة للتغلب على
بعض هذه المشكالت يعرض الكتاب البحث الثاني بعنوان مشكالت اإلدراك
الواعي للغة العربية وطريقة مقترحة لتكوين بعض المفاهيم اللغوية كمفهوم
التسمية وفهم اللغة وعد كلمات الجمل.
مشكالت اإلدراك الواعي للغ العربة وطريق مقترح لتكوين بعض
المفاهةم اللغوي لطفل الروض :
مقدم :
ثبت بما ال يدع مجاال للشك أن "تربية أطفال ما قبل المدرسة ال توجهها
فلسفة تربوية محددة وواضحة المعالم" فنحن نفتقد الفلسفة الخاصة بنا في هذه
العملية بالغة األهمية لألمة والمجتمع بدا من افتقادنا للنظرية المنهجية،
Carriculum theoryمتمثلة في اإلطار النظري الذي يحدد المبادئ النفسية
والعقلية واالجتماعية واالستعدادات والقدرات الالزمة للعملية التربوية بوجه
177 نمو الطفل ومشكالهت الففية
عام والتعليمية بوجه خاص ،كما يحدد العالقة بين نظريات التعلم والنمو،
مرورا بخطط العمل التي تحدد ممارستنا التربوية متمثلة في طرق التدريس أو
النموذج المنهجي Carriulum modelالذي يهتم بالدرجة األولى بتصميم وتنفيذ
المنهج الذي يرتكز بدوره على أسس نظرية منهجية واضحة ،منتهيا بالتخطيط
في اختيار األهداف التربوية بعامة واألهداف التعليمية Instructionalبخاصة،
تلك األهداف التي تتناول النواتج النهائية لعملية التعليم والتعليم في صورة أداء
صريح يمكن مالحظته.
ومن أهم مصادر األهداف التعليمية تصنيف بلوم المشهور الذي ينقسم إلى
ثالثة أقسام ،يشمل أولها الميدان العقلي المعرفي (موضع اهتمام البحث الحالي)
وثانيهما الميدان االنفعالي الوجداني ،وثالثها الميدان الحركي .ويتناول الميدان
المعرفي األهداف التي تؤكد النواتج العقلية ،مثل" :المعرفة" و"الفهم" و"مهارات
التفكير"؛ حيث ال يمكن الفصل بين األهداف التربوية والنظرية المنهجية
ومعالجات التدريس وعمليات التقويم ألن العملية التعليمية "منظمة مفتوحة" open
systemتتفاعل فيها جميع الجوانب ويصبح على المربي مسئولية تحديد األهداف
التي يجب أن تحظى باالهتمام وال يمكن أن يتم هذا التحديد بدراجة "من المعقولية
أو االتساق إال إذا توافر للمجتمع نسق فلسفي تربوي ،بدونه تصبح العملية
التعليمية عشوائية محضة ومجرد مصادفات أو محاوالت للتلفيق ال تلبث أن
تتداعى" .وحيث يهتم البحث الحالي بالهدف العقلي المعرفي ال بد من االهتمام
أيضا "بالمدخالت السلوكية" أي ما لدى طفل المرحلة من خبرات سابقة في
التعليم ،قدرات عقلية ،ومستويات نمائية ومهارات واتجاهات وميول ودوافع للتعلم
كذلك المحددات االجتماعية والثقافية والحضارية التي تؤثر في شخصيته ككل
وهو ما يسمى "بمحددات نمو الشخصية".
وال يمكن الفصل بين هذه المدخالت السلوكية "والنظرية المنهجية" حيث
أنها متداخلة ومتفاعلة مع عملية صياغة "األهداف التعليمية" ومن أهمها
نمو الطفل ومشكالهت الففية 178
للقوانين العامة للتطبيق البيولوجي الذي يمثل عملية بطيئة كرد فعل للتغيرات
التي تحدث في الوسط البيئي .وأفضل ما يمكن أن يصل إليه تعليم طفل المرحلة
بالطريقة التقليدية يمكن إدراجه تحت قسم "تجميع الخبرة الفردية التي تنضج
بالتدريج في ع ملية التعليم تبعا للتسلسل التكويني الشرطي بالتكرار الدائم لتعزيز
بعض أنواع السلوك وانطفاء بعضها اآلخر .وهذا ما يفسر ذلك االنطفاء المبكر
لما يحفظه الطفل في الروضة وال يلبث أن ينساه كما يفسر ظاهرة تسميع الطفل
للنشيد من أوله إلى آخره ورفضه أو عدم استطاعته تكم يل النشيد من منتصفه
كذلك حفظه لجدول الضرب في المرحلة المتقدمة حفظا متسلسال أو حفظ
الحروف األبجدية متسلسلة ثم حفظ صور الكلمات وربطها مع صورتها الذي
تنطق به فيكفي لشرح هذا "التجميع" لدى الطفل ولدى الحيوان في نفس الوقت
الرجوع للنظرية السلوكية واالرتباط الشرطي واألفعال المنعكسة والتعزيز
الطبيعي وهذا ما يفسر أيضا إمكانية تعليم بعض الحيوانات ترديد بعض الكلمات
والقيام ببعض العمليات الحسابية البسيطة التي يتم تدريبها سلوكيا عليها.
وبطبيعة الحال ال يمكن أن يكون هذا هو الهدف من تعليم طفل الروضة
وال هو التعليم بمعناه ا لمتعارف عليه في الدول المتقدمة التي تعتبره سببا في نمو
الشخصية ككل.
وقد أصبح الهدف األساسي األن من التعليم ليس فقط إتاحة فرص التكيف
مع عالم الموضوعات والظاهرات البيئية االجتماعية والثقافية المحيطة بالطفل،
ولكن نصبوا إلى أن يستوعبها ويعمل بنشاطه المهيمن على تغليف عملياته
العقلية في كل مرحلة من مراحل نموه الغالف المناسب لها ،وتعديل مفاهيمه
لتتناسب مع مكانته االجتماعية التي تتغير بتغير معلوماته وخبراته وتطلع
المجتمع إليه والمطالب التي تتطلبها منه البيئة وهو يعمل على تحويل
"المعلومات" المتاحة من البيئة إلى "خبرات" ذاتية مطبوعة بطابعه الخاص
وهذا ما تفعله البيئة بواسطة محددات النمو .فالطفل ال يتمتع بوظائف عقلية
181 نمو الطفل ومشكالهت الففية
وعمليات معرفية وراثية تظل كامنة حتى تستدعيها البيئة ،وإنما هو يقوم
"بتوظيفها" وإخراج القدرات المستترة فيه في صوره عمليات في شكل أنشطة
مهيمنة استنادا إلى د عامات ثالثة سبق تبينها في بحث سابق هي الوعي –
اإلدراك -التفاعل االجتماعي ،وهكذا نرى أن "جميع العلميات العقلية تظهر على
مسرح الحياة مرتين مرة تلقائية ومرة واعية".
وهذا االنتقال ليس حتماً أو حادث ال محالة في كل الظروف ،ولكن إن لم
تتدخل البيئة "بالشكل المناسب " من خالل النشاط المهيمن على طفل المرحلة "في
الوقت المناسب" وقد استعداد الفاعلية الذاتية للطفل للنشاط والتوظيف "والتأهب "
التام لهذا االستعداد ونمو الدافعية لدى الشخصية أن لن تتدخل البيئة ،حينئذ تحتجز
جميع هذه العمليات على مستوى التلقائية وال تنتقل إلى الوعي ومن ثم ال يمكن
تكونيها بصورة آلية .كذلك نجد أنه ال يمكن التسليم بأن العمليات العقلية تتكون
لدى الطفل تحت تأثير خبرته الفردية في عملية التعلم التي يخضع فيها لمؤثرات
لدى الطفل تحت تأثير خبرته الفردية في عملية التعلم التي يخضع فيها لمؤثرات
متكررة مدعمة فينت ج من التعزيز ارتباطات جديدة أننا لو سلمنا بذلك ألصبح
النشاط العقلي للطفل ال يتعدى عملية استرجاع لهذه االرتباطات وفي الحقيقة هو
قادر على استيعاب المعلومات وتحويلها إلى خبرة معممة.
فليس التكرار هو الذي يؤدي بالطفل إلى إجادة اللغة "واستخدامها" إلى
إدراكها وا ستيعابها ثم "استدخالها" لتصبح أدوات للفكر (مفاهيم) وإنما ال يمكن
أن يحدث ذلك إال بفضل التعليم المقصود المبرمج تبعا لنظرية معينة تمد المعلم
باألهداف والطريقة التي ينتهجها لتحقيقها ،وتساعده على كشف العيوب التي
تظهر أثناء األداء إلى نهاية العملية التعليمية ،و هي ما تسمى النظرية المنهجية.
لكي يتمكن الطفل من تكوين مفاهيم معينة ال بد أن تتحول "األداءات
الخارجية" ،التي تشكلها عمليات التربية من الكبار والبيئة إلى "عمليات داخلية".
ولكن بجانب هذا الدور الحيوي للبيئة ال يمكن ألحد أن ينكر أهمية االستعدادات
نمو الطفل ومشكالهت الففية 182
الطبيعية فيهي تمثل شروطا الزمة لنمو القدرات ،ولكنها ال تضمن التحقق
الفعلي لهذه القدرات وإخراجها في صورة "عمليات" وإنما الضمان الوحيد لهذا
هو "التوظيف بالمعنى الذي ورد في بحث سابق".
وذلك التوظيف الذي يثبت أن الطفل ليس مجرد مستجيب لمؤثرات البيئة
وإنما هو ذات مؤثرة على ا لبيئة نفسها وهو يزداد تأثرا بالبيئة وتأثيراً فيها بما
تعلمه أثناء عمليات الفاعل االجتماعي من "مكانته االجتماعية" ،التي وضعته
فيها مطالب المرحلة "فتوظف" قدراته وتظهر فاعليته النشطة فيد صورة
عمليات ومهارات مختلفة تكتسب وتنمو بدورها أثناء نشاطه التفاعلي كما تتغير
استجابته مع مراحل نموه المختلفة فما كان يثير انتباهه في الماضي يفقد تأثيره
عليه في المرحلة الحالية.
وذلك نتيجة تغير األنشطة المهيمنة فهي أبواب متغيرة تبعا لمراحل النمو
المختلفة يجب أن يطرق كل باب من حينه لتنشيط عملية استيعاب وإعادة بناء
الخبرة االجتما عية ويجب الحرص وعدم الخلط بين األبواب المخلفة حيث يؤدي
هذا الخلط إلى الفضل في توظيف االستعداد للنشاط وعدم استثارة الفعالية
النشطة للشخصية ،وقد يكون هذا هو المسئول عن العجز الذي يعانيه طفل ما
قبل المدرسة في عملية تعليمه اللغة وعناصرها والعمليات الحسابية البدائية،
حيث أننا نطرق بهذه المعلومات باب العمل العقلي المقصود في محاولة
الستثارة النشاط التعليمي المنظم ومخاطبة عقله في عمليات التفكير المجرد
والتحليل والتعميم ،وقد يمكن تدارك هذا الخطأ لو طرقنا باب النشاط اللعبي
حيث ثبت أنه هو النشاط المهيمن على طفل المرحلة وهو القادر على تنمية
الشخصية في ذات المرحلة ،وهو ما يسميه فيجوتسكي "الحد الحالي للنمو" أي
متطلبات النمو القادر على الوفاء بها وإشباعها في المرحلة الحالية ،وهو كذلك
القادر على تحديد "حد النمو الوشيك" أي ما يستمكن منه الطفل بيما بعد،
وال تخفى العالقة الدين اميكية بين الحدين ،فالحد الحال للنمو يؤهل الشخصية
لالنتقال للحد التالي للنمو .وعلى التربية أن تطور وأن تعد للحد التالي "الوشيك"
183 نمو الطفل ومشكالهت الففية
فهي بذلك تستعجل النمو .وكلما ارتفعت درجة النمو التربوي النفسي الموجه،
كما تغيرت العالقة بين "االشتراطات الخارجية" و "الداخلية" و هذا يؤثر بدوره
على النشاط والتوظيف فينتظم سلوك الطفل وتحدد غاياته ويسعى بجد لتحقيق
أهدافه ،وبذلك يتأكد قول ليونيتيف "أن العمر ال يحدد محتوى النمو ،وإنما
محتوى النمو هو الذي يحدد العمر".
كما أن "المكانة االجتماعية" هي التي تحدد دور الطفل في توظيف قدراته
وتكوين استعداداته.
فالمربي الناجح إذن هو القادر على تطوير قدرات الطفل وعليه أن يقدم
المادة الدراسية بطريقة مشوقة تتناسب مع قدرات الطفل وتستثير فاعليته
النشطة التي تحدد منطقة النمو المقبل ،وقد نبهت الدراسات إلى أهمية هذه
الفكرة وحققت إثراء لألسس العلمية التي تؤثر تربويا على الطفل بطرق
التدريس المختلفة بوصفها وسائط اجتماعية في إطارها تتكون وتنمو العمليات
العقلية الواعية.
إن النشاط مع وجود القدرات يعطينا "االستعداد" واالستعداد هو الذي يحدد
ما يستطيعه الطفل اآلن وما سيتمكن منه في "منطقة النمو التالي" .ومن واجب
المربين تطوير طرق التربية للوصول إلى أفضلها في النتائج.
أهمة البحث:
مما تقدم تتضح أهمية هذا البحث في مدى الحاجة للتخلي عن الطريقة
التقليدية في التعليم ككل على مستوى المراحل التعليمية المختلفة لتحسين العائد
التعليمي ،كما يلقي الضوء على مدى خطورة هذه الطريقة بالنسبة لطفل
الروضة بالذات؛ حيث إ نها تعوق تكوين استعداداته وقدراته فال يتمكن من
التعليم ،بل ويمتد أثرها لمنع انتقال الطفل إلى مرحلة النمو الالحقة فهي بذلك
توقف نمو شخصية الطفل بوجه عام ونموه العقلي بوجه خاص وتمنع انتقاله في
عملياته العقلية من مستوى التلقائية إلى مستوى الوعي.
وقد أثبتت التجارب التي أجريت على اإلدراك وعلى سير العملية التعليمية
نمو الطفل ومشكالهت الففية 184
وتطويرها (جالبيرن وتالبزنا وغيرهم)" .أنه لكي يتعلم الطفل اللغة بنجاح ال بد
أن يدركها بكل عناصرها إدراكا واعيا ،ويستطيع أن يخضع مفاهيمها للتحليل
والتركيب والتعميم وا لتجريد .ويمكن عندئذ من جعلها وسائط لحل مشكالت
أخرى ،ويبتكر حلوال جديدة لكافة المشكالت المرتبطة بهذه المفاهيم وإال قد
يستمر الطفل في إدراكه للغة والكلمات كأنها جز من الصفات المادية لمسمياتها.
قد يتشكك البعض في قدرة طفل ما قبل المدرسة على إدراك المفاهيم
إدراكا واعيا ،ورداً على هذا التشكك أجريت عدد من البحوث على طفل ما قبل
المدرسة في االتحاد السوفيتي ،وأمكن تكوين بعض المفاهيم اللغوية والرياضية
كما تظهر في الدراسات التالية:
" - 1مقياس درجة وعي طفل ما قبل المدرسة بعناصر الكالم" صوفيا
نيكااليفيا كاريفا واستخدمت طريقة جالبيرن في "األداء المحلي" لتحقق
لألطفال في هذه السن اإلدراك الواعي لعناصر اللغة األم .ذلك
اإلدراك الذي يضمن نجاحهم في تعليم اللغة األم وقواعدها .وبذلك
أمكن نقل إدراك طفل المرحلة من مرحلة التلقائية إلى مرحلة الوعي
بمفاهيم اللغة األم.
" - 2دراسة" س .ن كاريفا" حول مشكلة تكوين عملية العد" حيث أعطيت
للطفل بطريقة مناسبة للخصائص المميزة له حتى يقوم بعد كلمات
الجملة لقياس درجة وعيه باألعداد .وأثناء تحليل النتئاج ظهرت بعض
القوانين الخاصة لعملية التحويل من التعامل مع اإلعداد أثناء عملية
حصر عدد الكلمات وإيجاد مجموعها .وأيضا استخدمت طريقة جالبيرن
في التكوين المرحلي لألداء العقلي في عملية العد والمجموع الكليل ،وقد
أمكن بذلك تحويل العالقة التلقائية باألعداد إلى عالقة واعية ،كما أثبتت
الدراسة أن طريقة جاليبرن تساعد الطفل حتى في مرحلة ما قبل
المدرسة على تنظيم فكره ،وتخرج القدرة العقلية في صورة عمليات
185 نمو الطفل ومشكالهت الففية
كذلك هو يحفظ عددا من األناشيد حفظا أصماً ،ولكنه ال يتمكن من إعمال عقله
في إقامة عالقات معينة بين أجزاء النشيد مما يجعله ينجح في "تسميع" النشيد من
أوله إلى أخره .في حين يرفض أن "يسمعه" ويستدعيه للذاكرة من منتصفة.
ثانيا :يعاني بعض أطفال الفئة المثقفة في مجتمعنا من االضطرابات
السلوكية المرتبطة الذهب لحضانة والروضة .تظهر في صورة اضطراب
النوم ،فيعاني الطفل من األرق ليلة االمتحان مثال :أو األحالم المخيفة .أو
اضطرابات الطعام فيسرف الطفل في األكل أو يمتنع عنه ،أو القيء إذا ما
اضطر لإلفطار مثال قبل الذهب للروضة .في حين تختفي هذه االضطربات
السلوكية في أيام العطالت.
ثانةا -للمشكل شق هتطبةقي خطةر يتمثل فةما يلي:
أ – النزاع القائم بين موجهي مرحلة رياض األطفال والمعلمات وأولياء
األمور واإلدارة التعليمية المختصة عند تقييم وتقويم عمل المعلمة.
وعند تحديد المنهج الدراسي ومحتواه الواجب توصيله لألطفال في
فترة زمنية محددة .وعند مناقشة ظاهرة الواجبات المنزلية التي يصر
عليها أولياء األمور.
ب – تضارب اآلراء عند تحديد أهداف المرحلة وتصم يم البرنامج التي
تحقق هذه األهداف والطريقة المتبعة لتحقيق األهداف.
فيرجع بعض المسئولين تأجيل تعليم اللغة والحساب للطفل إلى مرحلة
التعليم االبتدائي المنظم .بعدما لمسوا تطبيقيا فشل معلمة الروضة في تعليم
األطفال .في حين يرى البعض اآلخر الذي اطلع على نجاح العملية التعليمية في
بعض البالد التي استخدمت طريقة "جالبيرن" والطريقة "االبتكارية" والتحليلية
لتعليم طفل الروضة القراءة والكتابة والحساب.
يرى هؤالء ضرورة تعليم الطفل المصري في مرحلة الروضة.
نمو الطفل ومشكالهت الففية 188
األهداف:
- 1يهدف هذا البحث إلى تحديد طبيعة إدراك طفل ما قبل المدرسة لبعض
عناصر اللغة العربية (اللغة األم).
- 2يهدف إلى تعيين الشروط الواجب توافرها في طريقة تعليم طفل
الروضة.
- 3يهدف إلى تكوين اإلدراك الواعي لبعض المفاهيم اللغوية (مفهوم
الحرف) ليحل محل اإلدراك التلقائي لدى طفل الروضة حتى يتمكن
من إدراك الجانب التركيبي للغة (فورمه الكلمة).
الفروض:
- 1يفرض البحث أن سبب المشكلة التي يعاني منها طفل ما قبل المدرسة
في إدراك اللغة العربية وبعض مفاهيمها هي الطريقة التي تعطي له
بها المفاهيم .حيث تعطي له المعلومات عن اللغة بطريقة التلقين وعليه
أن يستوعبها كما هي .ويتضح ذلك في مجموعة األسباب التي تناقشها
فروض البحث الفرعية التالية:
أ – يفرض البحث أن طفل الروضة قادر على القيام ببعض العمليات
العقلية الالزمة لتكوين المفهوم.
ب – يفرض البحث أن الطريقة المتبعة في تعليم طفل الروضة حالياً،
تؤكد نفس العالقة التلقيائية باللغة األم التي كانت موجودة عند الطفل
قبل التدخل التعليمي المقصود .لذلك يستمر الطفل في االستخدام
التلقائي المباشر للغة األم بالرغم من دراسته لها في الروضة.
ج – يفرض البحثث أن واحثدا مثن العوامثل المسثئولة عثن فشثل الطفثل
الروضة في إدراك عناصر اللغثة األم إدراكثا واعيثاً هثو افتقثاره فثي
إطثار الطريقثة المتبعثثة إلثى خصثائص المفثثاهيم اللغويثة لثذلك ينشثثط
189 نمو الطفل ومشكالهت الففية
فثي عمليثة البحثثث الثذاتي عثثن خصثائص اللغثة بفضثثل نمثو فاعليتثثه
الذاتيثثثة ممثثثا يجعلثثثه يكثثثون عنهثثثا أشثثثباه مفثثثاهيم بثثثدال مثثثن المفثثثاهيم
الحقيقيثثثثثة الواعيثثثثثة التثثثثثي تسثثثثثاعده علثثثثثى التصثثثثثنيف بنثثثثثاء علثثثثثى
الخصائص.
د – يفرض البحث نجاح طريقة التعليم القائمثة علثى "محثددات النمثو"
فثي تكثوين بعثثض المفثاهيم اللغويثة لطفثثل الروضثة .ومقثدرتها علثثى
تغييثر خصثثائص اإلدراك التلقثثائي للغثثة وتوجيثه الطفثثل إلثثى تحليثثل
اللغة إلى عناصرها األولية .يركز البحث على واحد فقط مثن محثدد
النمو وهو محدد النشاط المهيمن .والنشاط اللعبي هو المهثيمن علثى
نمو شخصية طفل الروضة كما ثبت ذلك قي بحث سابق.
العةف :
تكونت عينة البحث من 72طفال متوسط أعمارهم 4.6سنوات طبقت
عليهم الصورة المعدلة الختبار رسم الرحل ( )15التي قننها محمد متولى غنيمه
على األطفال المصريين.
كما طبقت عليهم الصورة المعدلة الختبار مفهوم التصنيف الذي يعتمد على
نظرية جان بياجيه التي قام بتعديلها الباحث عبد الرحيم صالح لتناسب أطفال
الروضة وقد اتبع الباحث في تصميم االختبار الطريقة المتبعة في تصميم مثل
هذا النوع من االختبارات إال وهي استعمال اختبار جاتمان Gutman sacale
والموضحة في مصادر عدة منها إدواردز 1957وبارت واريسيان 1974
وتصميم االختبار بهذه الطريقة أمكن الحصول على معامل ثبات عال .أما من
حيث الصدق فإن االختبارات المبنية على نظرية بياجيه فتحقق لها صدق
المفهوم حيث تم استخدام هذه المفاهيم في العديد من الدراسات خالل الخمسين
سنة األخيرة.
كذلك طبق عليهم أثناء قيامهم بالنشاط اللعبي مالحظات مقصودة بهدف
نمو الطفل ومشكالهت الففية 190
الكشف عن قدرة العينة للقيام ببعض العمليات العقلية أثناء النشاط اللعبي الحر.
ثم تم استبعاد األطفال الذي أظهر رسم الرجل لديهم بعض العمليات
اإلسقاطية كذلك استبعد األطفال غير القادرين على علميات التصنيف أو تصنيع
األدوات.
واختيرت العينة المتجانسة فقط في هذه المتغيرات الثالثة فصارت 30
طفل وطفله .لذلك تعتبر هذه التجربة تجربة استطالعية ويمكن اإلفادة من
نتائجها بتطبيقها على عينة كبيرة العدد .كما هو موصي به في موضوع الحق
بهذا البحث.
كذلك استخدمت بعض األدوات األخرى ت تناسب مع كل فرض من فروض
البحث كما سيرد ذكر ذلك في حينه.
إجراءات البحث:
للتحقق من صدق الفرض األول لزم التعرف على عدد من اآلراء
المعاصرة التي تدور حول عملية تكوين المفهوم وتحديد خصائص هذه العملية
الذي انتهجه كل من جانب بياجيه وليف سيميرنتقتسن فيجوتسكي في سبيل هذا
التحديد .وقد أمكن استخالص عمليتين معرفيتين أساسيتين هما "التعميم"
و"التمييز" بجانب عدد من العمليات العقلية العليا التي تساعد على تكوين الخبرة
والنمو العقلي الالزمين بإسهامهما في عملية تكوين المفهوم.
لذلك يلزم اإلجابة عن السؤالين التاليين؛ للتحقق من الفرض األول للبحث:
– 1هل طفل ما قبل المدرسة قادر على إدراك العناصر المشتركة
للموضوعات؟ وهل هو قادر على تجريدها لتكوين التعميمات؟
– 2هل طفل المرحلة قادر على التمييز بين العناصر المتصلة بالمفهوم
(خصائصه) وتلك التي ال صلة لها به؟
191 نمو الطفل ومشكالهت الففية
- 1تم تطبيق اختبار التصنيف إلى فئات بعرض صفات مرسوم فيها أربع
أدوات ينتمي ثالث منهم لنفس الموضوع والرابعة خارجة عنهم
ويسأل الفاحص الطفل أ ين الغريب في هذه الصورة؟ وكيف يمكن
تقسيم هذه األشياء الموجودة في الورقة إلى مجموعات؟
تمكن جميع األطفال من استخراج األدوات الغريبة من الصور:
– 2طبق عليهم الصورة المعدلة الختبار مفهوم التصنيف .قام بتعديله
الباحث عبد الرحيم صالح ليتناسب مع أطفال الروضة بالكويت .وقد
تمكن جميع األطفال من التصنيف أخذا بعين االعتبار بعدين الحجم
واللون.
للتحقق من صحة الفرض الثاني :خضعت عينة البحث 30طفال من أطفال
الحضانة يتراوح عمرهم بين 5- 4سنوات أثناء تحقيق البرنامج اليومي الذي قام
بتخطيطه طالل الفرقة الرابعة شعبه رياض األطفال أثناء زيارات التربية
العملية المنفصلة لتعليم األطفال بعض األناشيد وقص بعض القصص .كذلك عند
قيام األطفال ببعض األدوار المثيلية التي يطلب فيها من الطفل ترديد بعض
الجمل في الموقف التمثيلي .ثم طبق عليهم مقياس "فيجوتسكي" تبديل األسماء"
"وقد سبق تقنينه على البيئة المصرية نهاية عام ،"1985بهدف تحديد عالقة
الطفل بالنظام اللغوي بعامة ونظام التسمية بخاصة ،وطبيعة إدراكه لعناصر
اللغة واألسماء.
هتبةن ما يلي:
يتعامل الطفل مع اللغة كأنها عنصر من عناصر المعنى وصفه من صفات
األشياء وليس بوصفها كيانا خاصا يضاف إلى الوقائع وليس بوصفها قوالب تصب
فيها األحداث .لذلك لم يلتزم الطفل بالنص الذي قام بحفظه عن ظهر قلب في
التمثيلية .واسترسل في الحوار من واقع األحداث ،ولم يلتزم بالكلمات وإنما بدلها
بما يعطي معناها كما كان يسترسل في "قراءة" األعداد المكتوبة على السبورة
193 نمو الطفل ومشكالهت الففية
بنفس الطريقة التي تم "تلقينه" إياها بها ،كان يقوم الطفل ويتغنى بخصائص األرقام
فيقول "الواحد واق ف مضبوط واالثنين باصه عليه ،والثالثة بسنتين ،واألربعة اثنين
واثنين .بالرغم من إشارة المعلمة إلى األرقام في غير هذا التسلسل إال أنه لم يلق
باال إلى إشارة المعلمة للرقم المطلوب.
كذلك عند تطبيق مقياس فيجوتسكي واالتفاق على تغيير أسماء بعض
الحيوانات ظهرت آثار تعلميهم للغة االنجليزية واستبشرت الباحثة خيراً عندئذ،
ولكن عندما بدا تطبيق األسئلة الثالثة للمقياس تبين أنه يدرك االسم االنجليزي
بنفس الطريقة التي يدرك بها األسماء باللغة العربية ،ذلك اإلدراك التلقائي وكان
شاغل األطفال األكبر الخروج من هذا الجو التعليمي المقيد النطالقهم ،بمجرد
السماح لهم بالخروج أشاعوا جوا من الفوضى والصراخ واالنطالق الذي اضر
ببعضهم ناتج االندفاع الذي تميز به سلوك األطفال.
بهذا يتحقق الفرض الفرعي الثاني للبحث؛ حيث لم تتغير الطبيعة التلقائية
لعالقة الطفل باللغة والرموز ،بالرغم من أنها تقدم له في إطار تعليمي مقصود
مبرمج .وثبت أن الطريقة المتبعة التي تقوم على الترديد والحفظ ال تستثير
عملياته العقلية وال تطالبه بإدراك التسمية كرموز تضاف للشيء ،أو االنتباه
لعناصر اللغة وخصائصها "التركيبية" ويستمر حلة للمشكالت قائماً على أساس
استرجاع المخزون في عقله كردود أفعال وليس كتوظيف للقدرات لحل
المشكالت؛ حيث هو ال يستوعب وال يدرك وجود هذه النوعية من المشكالت
فهو ال ينظر للكالم باعتباره قوالب رمزية تصب فيها األحداث.
ومن ثم فال يمكن هذه الطريقة أن تضع الطفل في موقف اختبار لقدراته.
نمو الطفل ومشكالهت الففية 194
بين االسم والفعل .لكن نظرا لخلو عقله من الخصائص التي تمايز بينهما فقد
اعمل عقله في المقارنة بينهما بخصائصهما التي اكتشفها هو ولذلك رفض أن
يعتبرهما كلمات متشابهة في الخصائص.
مع هذه البداية للتوجه إلى مكونات الجمل لدى بعض األطفال لو أعطيت
لهم جميع الخصائص الفارقة والمميزة التي يستطيع أن يستعملها في تصنيفه
وتعميمه ،ألمكنة الوصول إلى حل هذه المشكالت المتصلة بمفهوم اللغة
وعناصرها حال سليما.
وهنا يظهر السؤال المهم .كيف يمكن أن نعطي لهم هذه المفاهيم؟ حيث
أعربت جميع المعلمات عن نفور الطفل وتوتره أثناء "الحصة" وعدم قدرتهن
على السيطرة عليه وجذب انتباهه.
يرد البحث الحالي على هذا السؤال بالفرض الفرعي الرابع للبحث .حيث
لوحظ استغراق الطفل في النشاط اللعبي ذو الدور واالهتمام بواجبات األدوار
التي يتبناها .كما أثبت ذلك أن النشاط المهيمن على طفل المرحلة هو النشاط
اللعبي.
فما ال يستطيع القيام به الطفل أثناء الحياة العادية ،يقبل على أدائه بشغف
في أدوار اللعب.
من هنا ال بُدَّ أن تدخل له المفاهيم اللغوية من باب النشاط "المهيمن" .فأكثر
صعوبات التعليم حدة تنشأ حين نريد من األطفال أن يقضوا وقتهم يعدون أنفسهم
لحياة الراشدين التي سيصيرون إليها في المستقبل ،بينما ال يدركون هم حاجاتهم
إال في ضوء عالمهم الخاص والمباشر ،وهذا العالم الخاص المباشر لدى طفل
المرحلة هو عالم اللعب "كنشاط مهيمن" .ففي اللعب الذي هو حالة طفل
الروضة يحاول الطفل إشباع دافع هام وشائع عند جميع البشر إال وهو الرغبة
في تحقيق أفضل ما عندهم من إمكانات وتنميتها بأفضل الطرق مالءمة وكفاية،
وإذا أردنا تح قيق األهداف الطبيعية لهذا الدافع فعلينا إال نعتمد على االستثارة
نمو الطفل ومشكالهت الففية 196
والرد على ذلك أيضا .يجب فعال أن تكون الحروف في صورة مجسمات
ولكن ال بُدَّ أن تدخل في أدوار اللعب بصفة أساسية فتتشكل بها مشكلة ال يمكن
حلها وأداء الدور بها إال إذا جعلها الطفل محل تفكيره الواعي.
بذلك ال بد من جعل عناصر اللغة مشكلة ال يمكن حلها في غيبة وعي
الطفل بالمفاهيم اللغوية.
يجب أن توفر الطريقة المستخدمة خصائص المفاهيم اللغوية المراد تعليمها
للطفل والبعد عن "الصفات" التي تؤدي بالطفل إلى إنشاء اشباه المفاهيم أو
المفاهيم التلقائية .ثم يمكن بعد ذلك إدخال هذه الطريقة في لبعة معينة الختبار
قدرة العقل على اللعب هنا يمكن استغالل بعض الخطوات التي تتمضنها طريقة
كروفورد في تنمية التفكير االبتكاري عام ،1954والتي تسمي طريقة "ذكر
الخصائص" Attribute listingفقد يذهب طفل من أطفال العينة ليشتري عددا
من الحروف الهجائية من المدرب الذي ينشر أمامه جميع الحروف الهجائية
مجسمة ويتركه يتفحصها جميعها ليستخرج ما يريد من حروف مع ذكر
خصائص الحرف المراد البحث عنه ،وقد يشير المدرب على األطفال تصنيف
الحروف في مجموعات تعتمد على هذه الخصائص المشتركة بين كل مجموعة
من الحروف ب ـ ت ـ ث ـ ن ثم مجموعة الحروف ق ـ ف ـ ث مجموعة غ ـ
ع ـ ثم مجموعة س ـ ش ـ ث مجموعة ج ـ ح ـ خ .ثم تستكمل اللعبة بدفع الطفل
ال ستخدام النقط في عمل الحرف المطلوب الناقص من المجموعة كأن يستعمل
نقطة الباء ونقطتي التاء بجمعهم على الثاء حيث إن خاصية عدد النقط على
الحرف تحدد تمايزه عن باقي الحروف من نفس المجموعة .ونكون في هذه
اللعبة قد دمجنا بين طريقة "أوزبل" المسماة طريق القوائم Check Iists
وطريقة كروفورد "طريقة ذكر الخصائص" في إطار النشاط اللعبي المهيمن
على طفل المرحلة كضمان لالستمرار الفعالية الذاتية للطفل في نشاط مستمر
ونكون بذل قد اتبعنا خطي "زويكي" الذي ابتكر طريقة التحليل المورفولوجي
Marphological analysisعام ،1958وهي طريقة شاملة تحتوي على
طريقتي ذكر الخصائص والقوائم آنفتي الذكر ويتم فيها أوال تحليل المشكلة إلى
أبعادها الرئاسية ،فهنا نحن نفكر في طريقة جديدة للتعرف على الحروف
نمو الطفل ومشكالهت الففية 198
الهجائية لغة العربية فبعد تحديد الخصائص األساسية للحروف وتصنيفها إلى
فئات بالتفاعل مع الكبار (المدرب) يتمكن الطفل من الربط بين هذه الفئات على
سبيل المثال بالنقط المستخدمة للتمييز بين الحروف سواء تحت الحرف أو فوق
الحرف مع اختالف عدد هذه النقط ،وبذلك يمكن الطفل من اللعب بهذه
الخصائص وتكوين حروف جديدة بعد استخدام المدرب لألسئلة المدرجة في
قائمة "اوزيورن" ،حول اال ستخدامات الجديدة ،والتعديل الذي يمكن إدخاله على
الحرف حتى يمكن إحالله محل الحرف المراد شراؤه أثناء اللعبة أو المراد
إدخاله بعد ذلك في كلمة بعينها.
وهنا يجب أن يسود موقف اللعب الشروط الواجب توافرها لنجاح طرق
تنمية التكفير االبتكاري مع استبعاد أي نوع من الحكم أو النقد أو التقويم على
النشاط اللعبي القائم بين أطفال المجموعات بما فيهم المدرب .وتشجيع التداعي
الحر الطليق وتقيل جميع االستجابات.
كذلك ال بد للمدرب مراعاة األسلوب المعرفي للطفل .حيث قد يكون تم
تكوينه لدى الطفل منذ التدريب المبدئي األول في المنزل قبل التحقق بالروضة
ذلك األسلوب الذي يدفع نمط الفعالية الذاتية النشطة للشخصية والذي يتحدد بفعل
"المكانة االجتماعية" التي يحتلها الطفل في األسرة ،وفكرة الشخصية عن ذاتها،
وطبيعة قيام الشخصية لألدوار االجتماعية وبالتالي تحددت طبيعة "التأهب"
للقيام باألدوار االجتماعية "في اللعب المتطور".
هذا االستعراض للخصائص الواجب توافرها في الطريق هو الذي يعطي
الدليل النظري على نجاح الطريقة المقترحة المبنية على محددات النمو بعامة
ومحدد النشاط المهيمن بخاصة.
وقد طبقت هذه الطريقة على عينة استطالعية وأعطت بعض المؤشرات
الدالة على نجاحها.
199 نمو الطفل ومشكالهت الففية
يتضح بناء على ما تقدم أن أفضل نموذج الذي يشبع احتياجات الفرد
الملحة في إطار النشاط المهيمن عليه ،هو الذي يتيح أكبر درجة من الوعي
باألدوات المستخدمة.
وهذا هو النموذج التي قامت بصياغته الدراسة الحالية .هو نموذج عملي
كناتج للتكامل القائم بين نماذج التعليم المتعدد وقواعد واتجاهات النمو للشخصية
بوصفها كل رباعي (نفسي – جسمي – عقلي -اجتماعي) ،ومحددات النمو
المستخلصة من النظرية االجتماعية التاريخية – واستعدادات الشخصية إلشباع
حاجاتها الملحة للمعرفة .وتأكيد الذات بالنجاح في المهمة التي يمليها النشاط
المهيمن عليها .وفي تفاعلها مع المكانة االجتماعية التي تحتلها الشخصية في
مرحلتها النمائية وحصيلة ذلك هي التي تدفع الشخصية إلى الطفرة الالزمة
لالنتقال لمرحلة النمو الالحقة ومنع معوقات االنتقال التي تظهر في طرق
التعليم غير المناسبة والتي تدفع شخص ية الطفل للتأزم.
نمو الطفل ومشكالهت الففية 200
س - 1اخت ر واحد من الثالثة :باب استدخال الخبرة االجتماعية في مرحلة المهد
(الحاس الحركي – النشاط اللعبي – نشاط االختصاص).
س - 2أجب عن األسئل اآلهتة :
ما هي خصائص الشخصية المعدة للمدرسة االبتدائية؟
ما الفرق بين النشاط اللعبي والنشاط التعليمي؟
طريقة عرض المشكلة هي التي توجه الطفل لتحديد المجال الذي يختار
منه أدوات الحل .هل هذه العبارة صحيحة؟
هل يمكن استخدام محددات النمو األربعة كأسس لتقسيم النمو إلى
مراحل؟
اشرح العبارة :ليس كل من بلغ سن السادسة مستعدا لدخول المدرسة.
اشرح العبارة :ليس كل من يدخل المدرسة االبتدائية قد تلقى اإلعداد
الالزم لنجاح شخصيته في احتالل هذه المكانة االجتماعية الجديدة.
اشرح العبارة :تتناوب األنشطة على قمة الهيمنة فينقسم النمو مراحل
تنتهي كل رحله باحتالل مكانة اجتماعية جديدة.
"حينما تت دخل البيئة بالشكل الخطأ تعوق النشاط المهيمن عن أداء
وظائفه يظهر طفل المهد المشكل" .اشرح المظاهر السلوكية لطفل المهد
المشكل الذي أعاقت نموه البيئة.
"يختلف مظهر النشاط المهيمن من مرحلة نمو ألخرى" .اشرح العبارة
موضحاً دور كل نشاط في المرحلة الخاصة به.
"يستعمل طفل الروضة النشاط اللعبي كمفتاح لعملية التبيطع
االجتماعي" .اشرح العبارة مستشهداً بالوقائع الحياتية لطفل الروضة
التي تثبت ذلك.
201 نمو الطفل ومشكالهت الففية
وهل هو قادر على التمييز بين العناصر المتعلقة بالمفهوم وتلك التي
ال صلة لها به؟
لماذا تفشل معلمة الروضة في تعليم الطفل الحروف التي كتبتها له على
المكعبات؟ ولماذا يأخذ المكعبات ويبني بها بنيانًا بدالً من قراءة المكتوب
عليها؟
س - 3عالم ( )أمام العبارات الصحةح :
يمكن تعليم طفل الروضة القراءة بـ:
التعليم المقصود.
باأللعاب بالكلمات والحروف لحل مشكالت اللعبة.
بألعاب على غرار لعبة "كلمة السر".
العبارة رقم 1خطأ.
203 نمو الطفل ومشكالهت الففية
الفصل السادس
النمو النفسي واالجتماعي للطفل
يف بعض املراحل واملشكالت النفسية
األهداف:
بعد دراس هذا الفصل؛ يفبغي أن يكون الدارس ملمًّا بما يلي:
المشكالت التي تحدث للطفل في صورة اضطرابات انفعالية وسلوكية.
تعريفهم لالنفعال -أهم الصفات المشتركة بين جميع المذاهب في تعريف
االنفعال.
عالقة االنفعال باألزمة ومفهوم إعادة االتزان وتحقيق السعادة.
أنواع األزمات:
- 1أزمة الثالث سنوات:
- 2أزمة سن المدرسة في النصف الثاني.
- 3األزمة التي يتعرض لها المراهق حينما يحاول إثبات ذاته المستقلة
وال يعطيه المجتمع هذه الفرصة.
العفاصر
-المظاهر العامة لالنفعال.
-الصفات المميزة النفعال األطفال.
-التفاعل االجتماعي لألطفال.
-العوامل المؤثرة في النمو االنفعالي.
-حدود التنشئة االجتماعية.
نمو الطفل ومشكالهت الففية 204
يولد الطفل وهو ال يعرف القيم التي سيخضع لها وعليه أن يتعلم كيف
يسلك حسب المواقف المختلفة وحسب ظروف الزمان والمكان ،وكل طفل في
حاجة إلى النظام الذي يحقق له الشعور بالطمأنينة ويوضح له حدود الخير
والشر والحرية والفوضى إذ من الخطأ المبالغة في النظام عن طريق اإلكراه
والقسوة دون اقتناع أو رضا ألن ذلك غالباً ما يؤدى إلى نتائج عكسية ومن
الخطأ أيضاً التهاون في النظام حتى ال يعيش الطفل في فوضى تبيح له أن يفعل
ما يريد كيفما يشاء وبذلك يخرج على التقال يد والعرف ثم يصطدم بالواقع
الحقيقي عندما يتصل بالمجتمع الخارجي الكبير يؤدى كل من التدليل والقسوة
في التنشئة االجتماعية إلى سوء التوافق فيلجأ الطفل إلى الطرق غير المشروعة
ويتعثر نموه االجتماعي واالنفعالي.
خصائص المرحل األولى من حةاة الطفل المدرسة من 12 : 6سف :
* من الفاحة الففية :
من الخصائص الدقيقة لمرحلة الطفولة في سن السادسة ظهور الطفل
المدرسي وذلك الطفل الذي يحمل بداخله بجانب الخصائص المميزة للطفولة
المبكرة الخصائص المميزة للمرحلة المدرسية المبكرة ويبدأ الصراع بين
متناقضات المرحلتين مثلما يحدث في مخ تلف مراحل النمو أثناء فترة الطفولة
أو األزمة في العبور من مرحلة إلى مرحلة أخرى الحقة عليها.
إال أن مرحلة االنتقال هذه غنية بكل إمكانيات النمو الكامنة التي ال بد من
تصيدها في الوقت المناسب وتدعيمها تدعيماً قوياً يجعلها تنمو وتأخذ شكلها
الحضاري المعروف لذلك يقوم المهتمين بالطفولة على إظهار اإلمكانيات
المدخرة في تلك المرحلة حيث إن استخدام تلك المدخرات يؤدى على المزيد من
النجاح في العمل الدراسي والحياة العملية فيما بعد.
تمثل هذه المدخرات في الخبرات االجتماعية التي تحتشد فتكون طفرة النمو
التي تنتقل بها الشخصية إلى المرحلة الالحقة فيتغير المكانة االجتماعية للفرد.
211 نمو الطفل ومشكالهت الففية
للمرحلة المدرسية ،وفيما يلى نوجز بعض الصعوبات التي تواجه أطفال الفصل
الدراسي األول.
الصعوبات األساسة التي يواجهها الطفل في عام الدراسي األول:
- 1تتصل الصعوبة األولى بالنظام الذي يفرض على الطفل من حيث
إلزامه باالستيقاظ المبكر والتزام الهدوء وأداء العمل في الوقت المحدد
له في حسين أن عدم الثبات والحركة الدائمة تعتبر السمة السائدة في
أطفال تلك المرحلة ولكن يمكن استغالل الطاقة الزائدة من النشاط إذا
استطاع المدرس أن ينوع في طرق التدريس واضعاً نصب عينيه أن
طفل السادسة والسابعة سريع التعب ويصعب عليه استعادة النصوص
في الذاكرة يحتاج دائماً للطرق المنظورة والقراءة بصوت مرتفع
مصحوباً بحركات من األيدي ولكن تلعب مرحلة األعداد دوراً كبيراً
يساعد الطفل في االلتزام بالمطالب الجديدة كما يلعب التفاهم بين الطفل
والمدرس دورًا مهمًّا في تكوين األنماط المطلوبة من السلوك.
وتختلف طريقة التفاهم الخاصة بأطفال الفصل األول والثاني عن طريقه
التفاهم في المراحل المتأخرة األخرى فنجد األول يحتاج للتفاهم المدعم باألمثلة
والقصص في حين أن الثاني يمكنه االعتماد على التصور المجرد.
- 2تتمثل الصعوبة الثانية في الصورة التي يحددها المدرس لنفسه فمهما
كانت درجة الطيبة والعطف التي يبديها المدرس للطفل فهو يمثل
مصدر السلطة فالمدرس يأمر وعلى الطفل التنفيذ والتربوي هو الذي
يعمل ضرورة المساواة في المطالب ين الجميع ومالحظة الفروق
الفردية أثناء األداء ومعرفة أنسب الطرق للتعامل مع التالميذ كل
حسب قدراته وهكذا تخلق الثقة المتبادلة له كما يسهل خلق أنماط
الشخصيات السليمة.
- 3يتغير وضع الطفل في المنزل تبعاً لاللتزامات الجديدة وتخلق له حقوق
جديدة ولكن يستغل بعض األطفال هذه الحقوق لفرض نوع خاص من
نمو الطفل ومشكالهت الففية 214
الحياة على أفراد األسرة مستخدماً إياها سالحاً ضدهم وال يخفى أثر
االعتدال في المطالب والحقوق في التنشئة السليمة للطفل بما يجب
على األسرة مراعاة مطالب وحقوق الطفل بال تهاون مجحف له وال
جور على حقوق باقي أعضاء األسرة.
- 4يعانى طفل السنة األولى في نهايتها من انطفاء جذوة الولع الشديد
واإلعجاب بالمدرسة والفخر بالدرجات المدرسية فيصبح متكاس ً
ال
تتصل هذه الظاهرة بطبيعة المواد المدرسية وطريقة التدريس التي
تجعل من الصعب تكوين االهتمام الواعي لهذه المواد الدراسية وتعجز
عن استغالل التعطش للمعرفة وبقايا حب االستطالع في إطار النشاط
اللعبي لتكو ين اإلدراك الواعي للمواد الدراسية تتصل أيضا هذه
الظاهرة بقصور االنتباه اإلداري والحركة الدائمة المميزة للطفل في
تلك المرحلة والتي يجب أن تتابع باهتمام الستثارة االستعدادات
الخاصة الكامنة لدى أطفال تلك المرحلة وإخراجها من حالة الكمون
للتوظيف ،وبذلك يمكن أن تعالج ظاهرة انطفاء االهتمام بالحياة
المدرسية ليحل محلها التكوين اإلرادي لالهتمام الواعي بالمادة
الدراسية بخلق دوافع بديلة لتقريب الهدف البعيد كذلك بعمل الدوافع
بديلة إلى أن ينضج الواقع التعليمي الخاص باالهتمام بطبيعة المادة
العلمية التي يتعرف عليها الطفل خالل عامة الدراسي األول.
الفمو االجتماعي والميئولة االجتماعة لدى طفل الروض :
تعددت الدراسات التي تناولت النمو االجتماعي للشخصية ،وتفرعت بحسب
المجال الذي اهتمت به فمنها من تناول عملية التطبيع االجتماعي للشخصية دور
المؤسسات االجتماعية في هذ العملية ومنها من اهتم بنشوء الشخصية ونمو
الجزء االجتماعي أثناء عمليات التفاعل االجتماعي القائم على الفاعلية الذاتية
النشطة التي توظف قدرات الشخصية وتنميها بهدف إشباع الحاجات النفس
اجتماعية ،وتحقق النمو للشخصية ككل.
215 نمو الطفل ومشكالهت الففية
انقسمت الدراسات إلى قسمين ،تلك التي تهتم بدراسة التنشئة االجتماعية
بعامة وتلك التي تهتم بدراسة المسئولية االجتماعية بخاصة.
وقد عينت دراسات التطبيع االجتماعي ،والتنشئة االجتماعية بجميع مراحل
نمو الشخصية منذ المرحلة الجنينية وحتى مرحلة المسنين بينما عنيت دراسات
المسئولية االجتماعية بمراحل المراهقة والشباب والرشد ،ولم تحاول أي دراسة
منها التعرف على عناصر المسئولية االجتماعية في مراحل ما قبل المدرسة.
هل يرجع ذلك إلى غياب مفهوم (المسئولية االجتماعية) عند طفل
الروضة؟ لإلجابة عن هذا السؤال يعرض البحث الحالي لبعض الدراسات التي
تناولت مفهوم التربية بمعناه الشمولي الواسع والمجتمع بمختلف قطاعاته
وجماعاته.
تناولت بعض الدراسات عملية نمو الشخصية بوصفها نتاجا للتعلم فالطفل
يتعلم حينما ينمو يصل لدرجة معينة من النضج ،بل هو ينمو أثناء التفاعل
االجتماعي بفضل تعديل النشاط التفاعلي الذي يتأثر بالبيئة ويؤثر فيها ،ومن ثم
يتسع نطاق خ براته ويتعلم ذلك التعلم الذي يدفع الشخصية على طريق النمو (فهو
يمضى أمام النمو ويجره وراءه) فيجوتسكي سنة 1969حينئذ تظهر جميع
العمليات النفسية والعقلية واالجتماعية على مسرح الحياة مرتين مرة تلقائية
"بالمحاكاة والتقليد" ومرة واعية (بنمو اإلرادة والدافعية وتحديد األهداف).
في حين اهتمت بعض الدراسات التي اهتمت بمحددات النمو ومفاهيم
التفاعل النشط والمكانة االجتماعية للشخصية ونظريات (الدور والمركز
االجتماعي) حيث أكدت بعض هذه الدراسات أن لكل مرحلة نمو نشاطاً مهيمناً
عليها يعد الباب األوحد الذي إذا طرقته البيئة بكل مطالبها تفاعلت معها
الشخصية بتوظيف نشط لكل القدرات وتصل إلشاعات متوالية لالحتياجات
النفس اجتماعية وقد تأكد النشاط اللعبي ،كنشاط مهيمن على طفل الروضة.
ترى هذه الدراسات أن الطفل يحاكي ويقلد ويتقمص أدوار من يقتدي بهم
نمو الطفل ومشكالهت الففية 216
في الحياة باألبوين واألخوة في األسرة هم أول القائمين على تنشئته وتربية
جوانب شخصيته فإن اشتملت قوانين األسرة على االهتمام بالجماعة الصغيرة
األولية ،وإعطاء التقويم الصحيح لسلوك الصغير داخلها وأكدت على نمط ثابت
من النظم والقيم والقوانين ،فأثنت على سلوكه الملتزم ،وحذرت من تكرار
السلوك المضاد فهي بذلك قد أشبعت "حاجته للقيم" وأقامت له "سلطة ضابطة"
سوية بعيدة عن التذبذب الذي ينتج شخصية غير سوية.
فاألسرة هي المحيط االجتماعي األول الذي يتعلم الطفل فيه النماذج األولية
لمختلف االتجاهات وفى هذا المناخ العائلي تتولد بدوز الحب والكره والغيرة
واإليثار ،والتعاون والتنافس والتسلط والخنوع وغيرها.
ولم يعد خافياً أثر السنوات األولى من حياة الطفل في تكوين دوافعه
واتجاهاته نحو الجماعة التي ينشأ فيها ويتفاعل معها.
ترى جميع النظريات السابقة أن نمو شخصية الطفل بوجه عام يتم بازدياد
تفاعله االجتماعي في تعلم دوره في الجماعات المختلفة ،واكتساب األنماط
المختلفة للسلوك واالتجاهات المنتظرة منه ويتوقف نجاحه وتحدد مكانته في
الجماعة على تقديرها لجهوده ،وعلى مدى أدائه لمطالبها وتفرض الجماعة
رغباتها واتجاهاتها على الطفل ،عن طريق تقبلها أو عدم تقبلها ألفعاله ويعتبر
نظام الثواب والعقا ب الطريقة المثلى الكتساب اآلداب العامة ،والوصول إلى
التجانس مع معايير األخالق ،ولكل جماعة أساليبها الخاصة للمحافظة على
النظام وإصالح الخارجين عليها (هكذا يتعلم الطفل أساليب مجتمعه ومسايرة أي
تغير مرغوب فيه بنمو مفهومه عن دوره في هذه الجماعات التي يتكون منها
مجتمعه) وتؤثر الجماعات التي يمنحها الطفل إخالصه التام ،ويحصل فيها على
مركز بمجهوده الذاتي ،تأثيرًا كبيراً في نمو شخصيته.
وإذا طبقنا هذا على طفل ما قبل المدرسة لوجدنا أن مجموعة اللعب تعد
هي المجموعة األولية والمرجعية األساسية التي يحيا فيها بالشكل الذي تفرضه
217 نمو الطفل ومشكالهت الففية
عليه أدوار اللعب المتغيرة وتنظم العالقات داخل هذه الجماعة بفضل هيمنه
النشاط اللعبي.
ويتعلم في إطارها الطفل ما يلى:
- 1النضال من أجل القيادة ،واختلفا مظاهر النضال باختالف األدوار
االجتماعية التي يلعبها الطفل أي التي يحياها أثناء اللعب فينمو
بواسطتها ويتفت ح أمامه عالم الكبار بكل سلوكياته المرغوبة
والمرفوضة.
- 2يتعلم الطفل إشباع حاجاته إلى "القواعد" والضوابط االجتماعية
و"القيم" وما تنتجه هذه القواعد من تدريب على إخضاع رغباته
الفردية للقواعد الجماعية وما يقره صالح مجموعة اللعب.
- 3يشبع الطفل حاجته لالنتماء إلى الجماعة ولذلك يستمر النضال دائما
من أجل تقبل الجماعة للطفل وتبعاً للدور الذي يلعبه الطفل قد يكسب
رضا الجماعة ،بإظهار القوة الجسمية تارة أو إجادته لدور معين تارة
أخرى.
- 4يتعلم الطفل تقبل المسئولية وينشأ هذا ما قبوله للمركز والدور الذي
اكتسبه بمجهوده داخل الجماعة.
- 5يتعلم التعاون وروح الفريق ،كذلك خبرات المنافسة وتنظيم الصراع
والحوار الذي يميله عليه دوره في اللعب.
ومن ثم تعدل اتجاهات الطفل النفسية أثناء قيامه بالدور في النشاط اللعبي،
مهما بلغت شدة مقامة هذه االتجاهات للتعديل ،ومهما اختلفت أسباب المقامة،
سواء كانت أسباباً شعورية أو غير شعورية (بروتر) فال يقلع الطفل عن سلوك
معين ،أو يؤجل إشباع رغبة جامحة إال إذا فرضتها عليه أدوار اللعب
وجماعته ،فهو حينئذ يسلك سلوك الكبار بإدراك مسئولية األدوار المطلوب منه
نمو الطفل ومشكالهت الففية 218
لتكون قدرة إمام "عروستها" ابنتها إلتمام دور األم كذلك التزمت بدور األم
فليس من المعقول أن تمتنع األم عن القيام بما تطلبه من ابنتها ،وكذا كله يتم
أثناء اللع ب فقط بخالف ما يجري في الحياة االجتماعية العادية.
أثبتت الحالة رقم ( )5أن طفل الروضة ال يوظف عقله في العمليات العقلية
العليا إال في إطار اللعب فقد ،حيث ظهر اللعب الرمزي الذي يتعامل فيه الطفل
مع الرموز لتحل األدوات الحقيقية التي يستعملها الكبار في حياتهم ،واالتفاق
والتخطيط المسبق على القيام باألدوار وتوزيعها.
كما ظهرت قدرة الطفل على تأجيل إشباع رغباته العاجلة أمال في مكافأة
معنوية أجلة (إثبات الذات والنجاح والتقدير) حيث تمكن الطفل الحالة رقم ()3
من مقاومة رغبته العاجلة في أكل "الشكوالتة " وقام بتوزيعها على األطفال
الذين يلعبون دور ركاب الطائرة وذلك في سبيل إتمام دور المضيف كما يجب.
بتحليل موقف هذا الحالة أثناء اللعب ومقارنته بموقفها في الحياة العادية
حيث يصر الطفل على أكل الشكوالتة قبل اإلفطار مما يفسد شهيته ،اتضح
التناقض بين سلوك الطفل أثناء اللعب وسلوكه االجتماعي العادي وهذا ما دفع
للقيام بهذا البحث ،وضمن للكتاب الحالي توضيحاً للنمو النفسي واالجتماعي
لطفل الروضة.
مشكل البحث:
ت عانى الكثير من األمهات من المواقف االجتماعية المحرجة التي يتسبب
فيها طفلها عندما يمنع أوالد االصدقاء من مشاركته اللعب بلعبه الخاصة أو
يرفض اقتسام الحلوى معهم ،كذلك تشتكي بعض معلمات الروضة أثناء اللقاء
معهن في الدورات التدريبية التي تقيمها وزارة الشئون االجتماعية من األطفال
الذين يأخذون بعض اللعب من الروضة خلسة ،كما تنشأ مشكالت كثيرة بين
األطفال بسبب رفض بعضهم اشراك اآلخرين معهم في اللعب أو في تناول
بعض األطعمة .كذلك اقتضت ظروف األم العاملة شراء الحلوى بالجملة
ووضعها في المنزل واالتفاق مع األطفال بأخذ واحدة فقط يوميان وعند التنفيذ
نمو الطفل ومشكالهت الففية 220
ظهرت صعوبات جمة .حيث يلجأ بعض األطفال ألخذ نصيبه في اليوم الالحق
مسبقا ،كأن يقول ألمه بعد أكل نصيبه اليومي "سأخذ الواحدة بتاعة بكرة ومش
آخذ بكرة وفى هذا الحالة ال تستطيع األم منعه".
يدل هذا السلوك على أن الطفل ال يمكنه الوفاء بالوعد الذي قطعه على
نفسه ،في حين ظهر االلتزام ،وتأجيل اإلشباع ،والوفاء بالوعد ،وفهم ظروف
الجماعة أثناء النشاط اللعبي.
أهداف البحث:
أوال -يهدف البحث إلى التعرف على عناصر المسئولية االجتماعية
وطبيعتها لدى طفل الروضة.
ثانياً -التعريف على العالقة بين المسئولية االجتماعية والنشاط اللعبي
بوصفة مهيمنا على الروضة.
ثالثاً -تحديد خصائص النشاط اللعبي الذي يسهم في تنمية المسئولية
االجتماعية أو أي من ع ناصرها لدي طفل الروضة.
ومن ثم يمكن التعرف على أسباب التناقض السلوكي الذي أدى إلى ظهور
هذه الشكاوي التي عرضتها مشكلة البحث.
وذلك باإلجاب عن أسئل البحث:
هل تظهر في سلوك طفل الروضة أثناء قيامه باألدوار االجتماعية في
النشاط اللعبي جميع عناصر ،ومكونات المسئولية االجتماعية كما
حددها عثمان؟.
هل يعرف طفل الروضة ما يجب أن يكون عليه سلوكه في الحياة
االجتماعية من التزام بواجبات األدوار المختلفة التي يعايشها؟
هل تضبط هذه المعرفة سلوك الطفل أثناء اللعب فقط أم يتعدى أثرها
(أثر التدريب) إلى النشاط االجتماعي الفعلي؟
221 نمو الطفل ومشكالهت الففية
أهمة البحث:
تكاد تتفق اآلراء على أهمية السنوات األولي من حياة الطفل ،ودورها في
تشكيل شخصية ويحتاج مجال تربية طفل الروضة إلي كثير من البحوث
والدراسات ،فلم تعد التربية بمفهومها الحديث مجرد عملية زراعة في أرض
الشخصية ،ولم تعد الشخصية في أي من مراحل نموها مجرد م تلقي لمعلومات
تختزن لحين الحاجة إليها وإنما أصبح مفهوم التربية عملية تفاعل مستمر بين ما
هو ذاتي وما هو موضوعي ،بين ما هو تلقائي وما هو واعي.
وليس بخاف أيضاً كم االضطرابات السلوكية واالجتماعية التي يعانيها
األطفال ،وما تلجأ إليه الشخصية من حيل دفاعية ،هجومية ،أو هروبية
ال شعورية وما نراه من سلوك أطفالنا المخجل الذي يتصف باألنانية ،وعدم
تحمل المسئولية ،والتسبب واإلهمال والتخريب.
نحاول في هذا البحث اكتشاف النظام الضبطي الذي ينتهجه طفل الروضة
ويتعود عليه توضيح خصائص سلوكه االجتماعي وعالقته بالمسئولية
االجتماعية ،وقد نتمكن من التنبؤ بنمو شخصية الطفل كما نتمكن من التدخل
عن طريق األبواب الحقيقة التي تؤثر في شخصية الطفل بكل مكوناتها
الجسمية ،والنفسية ،والعقلية واالجتماعية لخلق شخصية سوية.
قد نتمكن من تحديد إمكانيات الشخصية في كل مرحلة من مراحل نموها
فال نطلب منها ما ال تقدر عليه حتى ال نفتح عليها أبواب اإلحباط وفقدان الثقة
بالنفس فيعوق نمو الشخصية والعملية التربوية.
قد يساعد التعرف على عناصر المسئولية االجتماعية في السنوات األولي
من حياة الطفل المهتمين بالطفولة على وضع برنامج تربوي يعمل على تنمية
المسئولية االجتماعية واالرتقاء بها ،حتى تستدخل وتصبح مسئولية أخالقية.
ويتحول مركز الضبط الخارجي إلي الضبط الداخلي ليصبح االلتزام
االجتماعي نابعاً من ضمير الشخصية الذي يقوم سلوكها في كل مراحل نموها
نمو الطفل ومشكالهت الففية 222
البيئة وتعمل الفعالية الذاتية للطفل معها فيتم التطبيع االجتماعي له.
بتحليل موقف الحالة رقم ( )3التي أثارت أسئلة البحث الحالي تبين في
موقفها (كمضيف في الطائرة) العناصر المكونة لمفهوم المسئولية االجتماعية.
أوالً -االهتمام:
الذي ظهر بوضوح في إقبال الحالة على القيام بحماس شديد بدور (مضيف
الطائرة) حتى أنه ضحى بالشكوالتة التي يحبها وقام بتوزيعها على الركاب
وسيتم توضيح مستويات االهتمام االربع عند مناقشة النتائج الحقاً.
ثانةاً -الفهم:
الذي يظهر بوضوح في قوله هل يمكن أن أكل ما تبقي من الشكوالتة أم
أنني بوصفي مضيفاً قد تعودت على صوت الطائرة ،لست محتاجا للشكوالتة؟
فهو يفهم القيمة االجتماعية لحسن تصرفه وقيامه بواجبات الدور وقد اشبع
حاجته للنجاح والتقدير حينما التزم بها.
ثالثا -المشارك :
ويقصد بها اشتراك الفرد مع اآلخرين في عمل ما يمليه الفهم وما يتطلبه
االهتمام من اعمال تساعد الجماعة في اشباع حاجاتها وحل مشكالتها والوصول
إلي اهدافها وتحقيق رفاهيتها والمحافظة على استمرارها.
ويتجلى هذا العنصر في جماعات اللعب فهو يشترك مع اآلخرين في القيام
بما يتطلبه الدور إلثبات الذات واشباع حاجته للنجاح والتقدير ،كما يتمثل في
النشاط اللعبي عناصر المشاركة فنجد التقبل يتم فعال عندما يختار كل طفل القيام
بدور معين في اللعب ،حيث يلعب هذه األدوار في ضوء المعايير المحددة له.
التففةذ:
أي المشاركة التقويمية الناقدة والعمل مع الجماعة وهذا ما يقوم به الطفل
في أداء الدور ويظهر التنفيذ في سلوك الطفل المنضبط بما تتفق عليه الجماعة.
نمو الطفل ومشكالهت الففية 224
التقويم:
أي الم شاركة التقويمية الناقدة المصححة الموجهة فإذا كانت المشاركة
المنفذة تميل إلي المسايرة ،فالمشاركة المقومة موجهة وتظهر حينما يصحح
األطفال مسار اللعب كقول احدهم "ال" ..الطبيب ال يفعل ذلك فالطفل يمزح أثناء
اللعب بين المسايرة والنقد.
رابعاً -الواجبات االجتماعة :
يضاف العنصر الرابع الذي أدخله (وهمان همام)؛ حيث يتمثل في النشاط
اللعبي عندما يقوم الطفل بأداء واجبات الدور الذي يتبناه ،فبغير القيام بواجبات
الدور ال يكتمل النشاط اللعبي وحيث إ ن الجماعة هنا هي جماعة اللعب ،فإذا
كان يقوم بدور المنقذ مثالً .ال يتم عملية اإلنقاذ إال إذا انتشل الغريق وهذا يحدث
في المراحل المتأخرة لنمو النشاط اللعبي ،وليس في مرحلة المبكرة حينما يهتم
الطفل بنتائج العمل وال يقتصر االهتمام فقط باألداء الحركي له.
استناداً على نتائج بحوث سابقة تم تصميم مجموعة من أدوار اللعب التي
تمكن من قياس االستعد ادات الجسمية والنفسية والعقلية واالجتماعية وقد سبق بناء
برنامج قائم على أساس بعض االلعاب لتعليم األطفال في الروضة المفاهيم اللغوية
كما تناولت ذلك عدد من رسائل الماجيستير والدكتوراه بإشراف وفاء كمال.
قام البحث الحالي بتصميم بعض مواقف اللعب التي يمكن بواسطتها تحديد
عناصر المسئولية االجتماعية لدي طفل الروضة .وقد تمكن من اإلجابة عن
باقي أسئلة البحث المشار إليها في الكتاب.
فروض البحث:
مما تقدم في المقدمة وما عرضناه من دراسات سابقة يفرض البحث الحالي
ما يلي:
- 1ظهور جميع عناصر المسئولية االجتماعية لدى أطفال العينة في الفئة
الثالثة من سن 6 – 5سنوات أثناء قيامها بأدوار اللعب.
225 نمو الطفل ومشكالهت الففية
وحتى الطف ل الجالس بجواره في االتوبيس مثالً .وينتمي هذا المعيار إلي عنصر
"المشاركة" في المسئولية االجتماعية وكذلك يمكن أن يستدل من تصرف الطفل
على وجود باقي العناصر؛ حيث إن مكونات المسئولية االجتماعية متكاملة
ومتفاعلة دائماً .كما أكدت دراسة سيد عثمان.
هتكونت الطريق من ثالث أجزاء:
- 1موقف الطفل من القصة.
- 2موقف اجتماعي حقيقي.
- 3موقف لعبي.
يقيس الموقف األول معرفة الطفل لما يجب أن يكون عليه السلوك
االجتماعي السوي .وذلك يجيب على السؤال رقم 2في البحث.
يقيس الموقف الثاني أثر هذه المعرفة في حياة الطفل االجتماعي الواقعية
لمقارنتها بسلوكه أثناء اللعب وذلك يجيب على السؤال رقم 3في
البحث.
يقيس الموقف اللعبي وجود أو غياب عناصر المسئولية االجتماعية
وذلك لإلجابة على السؤال رقم 1للبحث.
التطبةق وهتحلةل الفتائج:
أوالً -القص :
قامت الباحثة باستدعاء كل طفل على حدة وقصت عليه قصة "االصدقاء
الثال ث" (مع مراعاة أن يكون أبطال القصة من نفس جنس طفل العينة)" .كان
عادل يقف في فناء المدرسة ويبكي فسأله أحمد :لماذا تبكي؟ فقال لقد سقط من
(السندويتش) في الرمل ،وال يمكن أن اكله بعد ذلك فقال أحمد :لماذا لم تنتبه
لذلك؟ المهم ال تبك – وتركه وانصراف وهو يأكل (السندويتش) الخاص به.
ومر عليه "علي" وسأله فقال له ما قاله ألحمد فقطع نصف (السندويتش)
وأعطاه لعادل فكف عادل عن البكاء وشكر "عليا".
227 نمو الطفل ومشكالهت الففية
"يمكن كان جعان قوى ،وما فيش معاه غير سندويتش واحد" كما قال
الزميل االخر" :يمكن أحمد كان خايف من أمه لتضربه على شان لم
يأكل السندويتش كله".
تلفت هذه اإلجابات النظر إلى مدى الضغوط التي تمثلها العادات الغذائية
واالتجاهات الوالدية نحو اشباع حاجات أطفالهم الغذائية؛ حيث تصر األم على
أن يأ كل طفلها كل ما تعطيه له قد تمنع هذه الضغوط االستجابات التلقائية التي
تتبع من داخل الطفل بفعل المشاركة الوجدانية الطبيعية التي تنمي التفاعل بينهم،
وتنمي بالتالي عناصر المسئولية االجتماعية والحب الذي يحل كثيراً من
مشكالت التوافق االجتماعي.
ثالثاً:
هتبةن ما يل ي عفدما طلبت المعلم من كل طفل الحكم على موقف زمةل :
- 1تمكن %83.3من سن 6 – 5سنوات من الحكم الصحيح ،ولكن مازال
االهتمام بالراشد ظاهرا حيث كان يرجع جميع األطفال إلى الباحثة
للتأكيد من الحكم الذي أعطوه.
- 2ظهرت في إجابة طفلين من الذين أعطوا حكما صحيحاً ظاهرة الفتة
للنظر حيث ظهر التردد في اإلجابة عن سؤال ماذا تفعل لو كنت
قابلت عادل يبكي؟ قال أحدهم كنت أعطية "السندويتش" كله بس لو
كان "النشون" ال أعطيه شيئاً منه ؟
وبعد صمت قال" :كنت أعطيه قطعة صغيرة فقط حرام هو جعان مش
كده؟ متجها للباحثة بالسؤال وهنا االنتباه إلى أن الدافع للمشاركة ليس القيمة
االجتماعية وال حل المشكل ،وإنما هو عدم التعلق بالشيء المعطى ،ومما يؤكد
وجهة النظر في سلوك األطفال اليومي في الروضة فمنهم من يقوم بالمبادلة مع
اآلخرين ،ومنهم من يحتفظ بالساندويش ويأخذ من اآلخرين دون أن يعطيهم
وقد يمكن االستفادة من هذه المالحظات بنصيحة األمهات بأخذ رأى أوالدهم
229 نمو الطفل ومشكالهت الففية
األدوار على الطفل بأن يتناول عن بعض أدوات اللعب كان تطعم األم ابنتها ،أو
أن توزيع معلمة الروضة على األطفال اللعب.
تم توزيع أطفال العينة بحسب التزامهم بالمشاركة في أدوار اللعب وحالتهم
النفسية أثناء القيام باللعب ومدي اهتمامهم بالقيام بأدوار اللعب على أحسن وجه.
وبتحليل مواقفهم في لعب األدوار اتضح ما يلى:
- 1لم يهتم صغير السن 4- 3سنوات باللعب الجماعي ولم يشارك في
الموقف اللعبي سوي %11.1من حين امتنع %88.9منهم ،وانصب
اهتمامهم جميعاً على الباحثة وانصرفوا إلى اللعب المنفرد.
كما اختلفت النسبة تحت بند الالمباالة فكان الموقف اللعبي أيا كانت درجته
(انفرادي أو جماعي) مثيراً للدافعية ومشبعاً لالحتياجات النفسية لدى جميع أفراد
العينة.
- 2شارك في أدوار اللعب %85.7من األطفال اآلخرين في حين امتنع
عن المشاركة %14.3مع ظهور االهتمام واإلقبال على القيام بالدور
اللعبي كما يجب ،وإصرار من لم يشارك في اللعب أن يقنع الزميل
بأهمية المشاركة وأنه يجب أن يقوم هو أيضا بذلك.
كما لوحظ أن جميع األطفال طلبوا تقسيم اللعب عليهم بحسب األدوار (على
شان نلعب مع بعض) في حين لم يهتم كثير منهم باقتسام الحلوى مع الزمالء في
الموقف االجتماعي السابق.
وهذا يؤكد أن الحاجة لالشتراك في اللعب تدفع الطفل إلى اإلقدام والمبادأة
وهذا يمثل عنصر االهتمام في المسئولية االجتماعية.
- 3ظهر االهتمام باألربع مستويات في لعب األطفال الكبار فشارك
%91.6من أطفال العينة سن 6- 5سنوات ،في أدوات اللعب بحرص
شديد على استمرار اللعب.
وظهر االرتباط العاطفي الواضح بالجماعة أثناء توزيع األدوار واللعب فلم
نمو الطفل ومشكالهت الففية 232
- 4ما يسهل إدراكه تلقائيا يصعب إدراكه بوعي والعكس صحيح سهولة
اإلدراك التلقائي للكالم واستخدامه بسهولة في التفاعل االجتماعي يجعل
إدراك فورمة الكلمات ومكوناتها والوعي بالمفاهيم اللغوية صعبًا.
ثالثا -نماذج لبعض المفاهةم التي قد يحدث بةفها خلط حةن هتفاولها
كمتغةرات بحثة :
الخلط بي ن اللغة والكالم وبين المفاهيم اللغوية من حروف وكلمات الخلط
بين الطالقة اللفظية والحصيلة اللغوية في التفاعل االجتماعي وبين إمكانية تعلم
اللغة وقواعدها في القراءة والكتابة أثناء المواقف التعليمية.
يظن البعض أن الطفل الذي يتقن الحديث بلغة أجنبية ،ألنه ولد في هذا البلد
وينجح في التواصل االجتماعي والكالم بلغة هذا البلد ،يسهل عليه تعلم قواعد
هذه اللغة والقراءة والكتابة بها.
ولذلك قد يقاس نجاح الطفل في الكالم اللغة االجنبية كدالة على نجاحه في
تعلم قواعد هذه اللغة والقراءة والكتابة بها .كما قد يعتمد معلمو طفل الروضة
على تحفيظ الطفل الحروق األبجدية في صورة نشيد أو أغنية أو حفظ االسم
المكتوب تحت صورة كوسيلة لتعليمه القراءة والكتابة ،في حين أشارت البحوث
إلى أنه لكي يتعلم الطفل القراءة والكتابة ال بد أن يدرك خصائص المفاهيم
اللغوية للحروف والكلمات ...إلخ إدراكًا واعيًا.
عالج الكتاب ما يلي:
التطبيقـــــات
من أمثلة األسئلة التي توجد إجابتها في الفصول الستة للكتاب ما يلي:
كيف يمكن استخدام "النشاط المهيمن" كأساس لتقسيم النمو إلى مراحل؟
وكيف يمكن استخدام محددات النمو بوجه عام كأسس لتقسيم النمو إلى
مراحل؟
وكيف يمكن توظيف القدرات لإلسراع بخطى النمو؟
وما النتيجة إلهمال التوظيف واإلصرار على تحفيظ الطفل الحروف
واألعداد بالترتيب حفظاً أصم( .دون إعمال العقل في خصائص
الحروف واألعداد عن طريق النشاط المهيمن على كل مرحلة)؟
كيف يضمن "النشاط اللعبي" توظيف قدرات "الطفل في الروضة" النفسية
وإخراجها في صورة عمليات نفسية .والقدرات العقلية وإخراجها في صورة
عملياات عقلياة كااالترميض وتضاييو األدوات "الل وياة" و"التفكياار"...إلخ،
والقاادرات اتجتماعيااة وإخراجهااا فااي صااورة عمليااات تفاعاال اجتماااعي
ليتخلص الطفل من األنانية ويتجه للتعاون والمشاركة ...إلخ؟
ما هي مراحل نمو النشاط اللعبي؟
ما هي األساليب الخاطئة التي تلجأ إليها معلمات الروضة لتعليم طفل
الروضة الحروف والكلمات؟
لماذا يعاني بعض األطفال من التهتهة والتلعثم واتضطرابات السلوكية
األخرى في الحضانة وت يعاني منها في المنضل؟
كما يوضح أسباب فشل معلمة الروضة في تعليم الطفل الحروف
بكتابتها على المكعبات أو السبورة الوبرية.
اشرح بالتفصيل دور كل من "النشاط الحاس الحركي" لطفل المهد
نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات) 248
آلة تقوم بالتجميو والتخضين والتعميم والفهم والوعي وتصور بناء معرفي مكون
من المفاهيم التي سبق تعريفها بأنها "فكرة أو تمثيل للخصائص المشتركة بين
التصنيفات" ،أو هي" تصور عقلي عام مجرد للموضوع محل اإلدراك" ،فهي
تمثل الخصائص المشتركة للمدرك الكلى ،وتصور الشخص نفسه لهذا المدرك أو
تصوره العقلي لهذا المفهوم ،فهو إذن عملية تعرفت على الخصائص وأقامت
بينها عالقات بعد عمليات عقلية كالمقارنة والتعميم والتجريد.
أما مدرسة الجشطلت ( ،)Gestaltفقد أظهرت اتجاه آخر ،فهي ترى أن
العالم الذي يحيط باإلنسان يتألف من أشياء ومواد منظمة وفق قوانين خاصة،
وبفع ل عوامل خارجية موضوع ية تشتق من طبيعة هذه األشياء نفسها ،وتنتظم
المنبهات الحسية في وحدات وصيغ مستقلة في اإلدراك ،وهذا ما يعرف بعملية
" التنظيم الحسي" بحيث تنتظم المنبهات على شكل وحدات بارزة مستقلة.
بهذا اإلدراك السمعي "لل ة" ينظم الطفل المثيرات السمعية في صيغ
مستقلة في اإلدراك حتى يضفي عليها "معنى" و"دتلة" ،وهي ما تعرف بعملية
"التأويل" ،وهذه التأويالت التي يضيفها اإلنسان لترجمة تلك اإلحساسات
المختلفة ما هي إت معان متعلمة يتعلمها اإلنسان في مراحل نموه المختلفة،
فعندما نسمو األصوات نؤولها بناء على الخبرات السابقة لدينا ،أما إذا كانت
الصيغ جديدة وغريبة عجضنا عن "تأويل" معناها وتعريفها ،لذلك يختلف األفراد
في إدراكهم للشيء الواحد اختالفاً كبيرًا لما بينهم من فوارق في السن والخبرات
والثقافة والمعتقدات.
إذًا فاإلدراك عملية "تمييض" بين المنبهات التي تتأ ثر بها الحواس المعروفة،
و"تفسير" معاني تلك المنبهات ،واإلدراك هذا يتخلل عمليات الحواس ،فيظهر
أثر ه في السلوك في صورة اتستجابة المناسبة التي تحقق التكيف والتوافق مو
البيئة الخارجية المحيطة بالفرد.
ت بد أن نشير إلى العالقة بين "اإلدراك" و"السلوك" حتى نتوصل إلى معرفة
نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات) 252
الرابطة بين السلوك والوعي ،في حالة من حاتته عندما يكون بمثابة الموجه
للسلوك سواء كان المثير خارجيًا أو داخليًا ،وهو في هذه الحالة يكون مجرد فكره
تطرًا على اإلنسان ،فت ير "اتجاهه" أو "سلوكه" وتعدل "استجابته" وتتجلى هذه
العالقة في المثال التالي حينما يمنو اإلنسان رد الفعل الفسيولوجي ويعدل اتستجابة
الطبيعية لمث ير كالحرارة مثال ،وهذا السلوك ت يمكن أن يسلكه أي حيوان.
ال وأتب ين أنه ساخن بعدما رفعته لدرجة أنه
عندما أمد يداي ألرفو إناء مث ً
سيضر يدي ،فهل سيكون سلوكي أن ترتد يداي مباشرة وأ ترك اإلناء ليسقط
على األرض؟ الواقو الفعلي يؤكد عكس ذلك لدى اإلنسان ،فسأجدني أتحمل أن
تحترق يدي حتى أجد مكانا آمنا أضو فيه اإلناء المملوء الساخن ألنني لو تركته
"برد فعل" فسيولوجي كما يفعل الحيوان ،ستكون النتيجة أن يسقط على األرض
وقد يكون الضرر أبلغ ،تتجلى في هذا المثال المرحلة الوسيطة التي تسمى
اإلدراك ،فقد تم إرسال الشعور بالحرارة إلى المخ وكان الرد الطبيعي أن أبعد
يداي عن مصدر األلم ،ولكن حدثت عمليات "تفسير" و"تأويل" للمثير ثم
"تصور ذهني" لما يمكن أن يحدث ،ثم "تقدير" و"مقارنة" بين استجابتين ،ثم
"اختيار" أقلهما ضررًا ،إذن العمليات العقلية التي تمت ،والتنبؤ بالنتائج،
واستعادة الخبرات ،كل هذه عمليات عقلية بال ة التعقيد ،تمت في لحظات تدخل
اإلدراك لمفهوم الحرارة في بدايتها حتى انتهت بالسلوك التكيفي النهائي.
س - 2عرف مفهوم الشخصية تعريفًا إجرائياً واثبت خصائصها باألمثلة
التربوية والحياتية من مالحظاتك.
ج - 2يتحدد مفهوم الشخصية بأنها :ذلك "الكل الرباعي المتكامل المتفاعل
المت ير (الديناميكي) المتمايض الثابت نسبياً" ،قد يبدو هذا التعريف للوهلة األولى
بسيطاً ولكن حينما يتم التعرف على كل جضء من أجضائه واتتفاق اإلجرائي
عليه يتبين القارئ أنه تركيبه مستخلصة من معظم تعريفات الشخصية التي سبق
إليها العلماء.
253 نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)
فالشخصية كما ندرسها حالياً هي ذلك الكل ،بمعنى الكل أنه تركيبه خاصة
ت تتحقق إت بوجود كل األجضاء معاً في وقت واحد ومكان واحد فمن منا رأى
نصف الشخصية في مكان والنصف الثاني في مكان آخر؟!
كذلك يعني أن هذا الكل ت يمكن فصله أو تجضئته وإت انفك ذلك المفهوم
الرباعي ،يقصد به أنه ذو أربو زوايا أو اتجاهات ت يكتمل المفهوم إت بهم،
وأولهم ذلك القالب المادي البادي للعيان تلك اآللة بال ة التعقيد بما يظهر منها من
مكونات وأجضاء وعمليات فسيولوجية وما يختفي ورائها من دوافو واحتياجات
فسيولوجية متعددة ،وهو ما يسمى بالجسم ،ثم نجد الجضء العقلي الذي يتمثل في
العمليات العقلية المختلفة من تفكير وتصور وتخيل وإدراك متعدد األنواع
والدرجات إلى آخر هذه العمليات ومفهوم هذا الجضء يضيد حتماً عن ما يعرف
بالمخ ولكن تصدر هذه العمليات عنه ودوافو هذه العمليات هي الحاجة للمعرفة
وحب اتستطالع والرغبة في حل المشكالت التي تتيح في النهاية للعقل حالة
إزالة التوتر الناشئ عن وجود مشكلة ليس لها حل وتعيد للشخصية ككل حالة
اتتضان التي تعتبر هدف أسمى لكل عمل الشخصية بكل جوانبها.
ثم الج ضء النفسي ،وهو ت يُرى بذاته وإنما يظهر في اتستجابات النمطية
للشخصية أثناء تفاعلها نفسياً مو باقي مكوناتها ومو المجتمو ،ويلعب مفهوم الحاجة
دوراً أساسياً في دراسة الجضء النفسي من الشخصية ،فلكي يتم إشباع الحاجات
النفسية ينب ي أن يتهيأ الموقف المناسب ،والوسيط الذي يسمح بهذا اإلشباع.
وإذا وجدت الحاجة وسيط إشباعها يظهر لدى الفرد اتستعداد إلنجاز
العمل ،وهذا اتستعداد يتمثل في الحالة التي تشمل الفرد أثناء القيام بهذا العمل
أو ذاك ،وكذلك تظهر هذه الحالة في اتتجاهات والميول والعواطف بصفتها
طاقات للدوافو ،وتعتبر الحاجات العاطفية والميول واتتجاهات دوافو للعمل
النفسي والوظائف النفسية.
وأخيراً الجضء اتجتماعي من الشخصية في تفاعله الداخلي مو باقي جوانب
الشخصية ،ويتميض الجضء اتجتماعي للشخصية بالدور الحاسم الذي يلعبه نظام
255 نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)
( - 2تسهيل العمليات العقلية) باعتبارها نظام رمضي لتسهيل عملية التنظيم
الفكري.
وإذا أردنا أن نتناول الجانب األخر فنالحظ الل ة في دورها اتجتماعي
وذلك باعتبارها الوسيلة الممكنة لصاحبها من التعبير عن كافة أفكاره
واحتياجاته ،يتفاعل الفرد اجتماعيا عن طريق الل ة ويتم تكيفه داخل المجتمو
الذى يحيا فيه خاصة إذا كانت ل ة ذلك المجتمو واحدة ومتطابقة.
والل ة كأداة تواصل اجتماعي يتم من خالل التعبير عن الرغبات واآلراء
ونقل كل ما يريد الفرد أن يوصله من أفكار ومبادئ فنجد أنها مدفوعة
بالحاجات ،وتهدف إلى تحقيق التكيف مو المجتمو وت يجد الطفل صعوبة في
هذا فنجدها في وظيفتها هذه تلقائية وينجح فيها الطفل في وقت مبكر لل اية.
أما الجانب األخر؛ والذى يمثل في أن الل ة أداة ونظام رمضي يسهل الفكر
فهو مجال البحث في هذا الكتاب وهو الذى عن طريقه نتبين متى ينتقل الطفل
من مرحلة التعامل مو الل ة كأداة تواصل اجتماعي إلى التعامل معها كأداة
ورمض مجرد من ارتباطاته الحياتية ،أي يركض اهتمامه بوعي على األدوات
المستخدمة في أثناء تفاعله اتجتماعي كما سيظهر هذا حين التعرض إلى
التنظيم العقلي أثناء تكوين المفاهيم الل وية.
وهى ظاهرة اجتماعية تالزم البشر وتحيا حياتهم وتساير تطورهم ،خالصة
القول أن ل ة اإلنسان أدوات ناتجة من عمليات عقلية ،وصانو هذه األدوات هو
العقل الذى يقوم باستخدامها بعد ذلك في وظائف مختلفة ،ومن هنا تظهر أنواع
الل ة بحسب الظواهر التي تعبر عنها فنجد:
ولتوضيح مفهوم األدوات في مقا بل مفهوم المادة الخام.
نسوق المثال التالي :
قام أحد العلماء بتعليم طفله والشمبانضي الذى يعيش مو الطفل كيفية
استخدام أدوات المائدة عند تناول الطعام .بمالحظة سلوك الطفل والحيوان بين
كيف أن الطفل حرص على تعديل سلوك تناول الطعام بالملعقة لحل مشكلته كما
257 نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)
حرص على توصيل أكبر قدر ممكن من الطعام في كل مرة يستخدم فيها الملعقة
فلم يعد يكرر نفس الحركات التي تؤدى إلى فقدان الطعام بتساقطه من الملعقة
بل أخذ يحرك يده للتوافق مو شكل الملعقة وتقريبها من فمه ليستطيو إشباع
حاجته إلى الطعام ،كما اخذ يتدرب على ذلك حتى في غير أوقات األكل.
في حين لوحظ ان الشمبانضي ظل يكرر نفس الحركات بالمعلقة وكأنه
يستخدمها تستطالة يده ،ولم يحاول التوفيق بين شكل المعلقة ويده .فلم يكن ي ير
من وضو يده مستخدما الملعقة في اإل ناء ولم يكن حريصا على وصول الطعام
لفمه ،بل في كل مرة كان يفقد معظم الطعام فال يصل لفمه منه شيء حتى ضاق
زرعا باستخدام الملعقة ،وألقى بها جانبا واشبو حاجته للطعام بيديه.
مما تقدم يمكن استنتاج أن استخدام الشمبانضي للملعقة كان استكمات لطول
اليد دون محاولة التوفيق مو وظيفة الملعقة ،والهدف المراد تحقيقه وعندما اشتد
به الجوع ألقى بالملعقة جانبا فلم تكن أبدا أداة إلشباع احتياجه الفسيولوجي.
في حين أن الطفل كان يعدل دائمًا من وضو يده مو الملعقة إلى أن تحقق
الهدف ،وكان يسعى لتحقيق النجاح في استخدام أدوات المائدة بصرف النظر
عن كمية الطعام التي يحصل عليها بها.
لذلك اذا احتجض الطفل عند مرحلة معينة من مراحل نمو الل ة يعد ذلك
مؤشراً لضرورة البحث والفحص الطبي أوت لهذا الطفل.
كما ظهرت نفس خصائص سلوك الحيوان السابقة في تجربة "كهلر" حينما
علق في أعلى القفص مو الشمبانضي الموز ،ظل الشمبانضي ساكنا ت يهتم
بالحصول على الموز إلى أن اشتد به الجوع وبدأ يقفض قفضات متتالية بنفس
اترتفاع في كل مرة ،بالرغم من فشل عملية القفض في الوصول للموز ،إت أنه
كان يكررها ،ح تى يتعب ثم يستريح ثم يكرر نفس القفضات ،ومن هنا يتضح
غياب اتست بصار وغياب عملية التقييم لألداء عند الحيوان ،إلى أن أدخل
الفاحص للقفص عدد من العصى بعضها أجوف وبعضها مصمت وهنا فقط أخذ
نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات) 258
الشمبانضي ليحاول الوصول للموز بالعصى إلى أن ت بين بالصدفة إمكانية إدخال
العصى المصمتة في المجوفة فأصبح طولهما معا يصل إلى الموز المعلق في
أعلى القفص.
بتحليل الموقف يتبين أنه لم يعمد إلى استخدام العصى إت حينما وضعت في
مجال بصره .في حين أن الطفل قام بخلو العصا من القفص ثم وضو صندوق
تحت الموز وأسقط الموز بالعصا ،ولم يقم بأكلها ،بمعنى أنه لم يتم بالمحاولة
بدافو الجوع وإذا كان دافو الطفل الوصول لحل المشكلة وهى الحصول على
الموز دون أكله فلم يكن لديه دافو فسيولوجي.
أما بواق و الحيوان كانت الحاجة للطعام بدليل أنه لم يقم بالمحاوتت إت
عندما اشتد به الجوع ،كذلك الحيوان استخدم العصي عندما أصبحت في مجال
بصره تستطالة اليد حتى وصل إلى الموز.
أما الطفل قد قام بنضعها من القفص مما يد ل على أن الطفل فكر في حل
المشكلة بتصنيو األدوات من المواد الخام المتاحة كما أن الطفل أخذ يكرر حل
المشكلة مستمتعا بنجاحه.
ولم يكن الحصول على الموز ب رض أكله وإشباع دافو فسيولوجي
(الجوع) ،وهكذا يمكن اعتبار الطفل الذى تنمو لديه الل ة في مراحلها سابقة
الذكر يستمتو باستخدام الل ة و اللعب باألصوات في صورة مناغاة مو نفسه.
نجد الطفل إذا أراد إشباع احتياج معين يحاول توصيل الفكرة لآلخرين
بشتى الطرق سواء كان باإلشارة أو استخدام مقاطو األصوات ثم ت يير هذه
األدوات على أن ينجح في الحصول على ما يريد ولذلك نجد أن الطفل الذى
يشبو احتياجاته بدون الل ة يتأخر في التواصل الل وي وإذا تأخر الكبار في
إشباع حاجات الطفل فسيضطر الطفل إلى توصيل ما يريده في صورة التواصل
الل وي سواء بالكلمات أو اإلشارات أو الرموز التي غالباً ما يصطنعها الطفل
ككلمات خاصة به لها دتلة معينة حتى يحصل على ما يريد .
259 نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)
الل وية كالحرف والكلمة والعبارة .فيلضم المعرفة بأن الحرف رمض مجرد له اسم
يسمى به ،وله رسم يكتب به ،وله صوت ينطق به ،عندئذ فقط يمكن ،تحليل
الكلمة إلى عناصرها األولية ،وتجريد حروفها وتبديل وضو هذه الحروف
إلنتاج مضيد من الكلمات بنفس هذه الحروف.
كيف يدرك الطفل الل ة وعناصرها أو ما يسمى بالمفاهيم الل وية؟ وما هو
القدر من الوعي بهذه المفاهيم الذي يمكن أن نراه في كالم األطفال؟
ولماذا يراعي الطفل قواعد الل ة األم أثناء الحديث فيتبو الصفة الموصوف
ويعجض عن استخراج او تجريد حروف الكلمة .أو يعجض عن اإلجابة على أسئلة
مثل هات كلمة تبدأ بحرف الميم مثالً؟.
يجيب عن هذه األسئلة جان بياجيه وفيجوتسكي برايهما في تكوين المفهوم
لدى الطفل ومراحل نمو المفاهيم.
خصائص اإلدراك اللغوي لدى األطفال :
بالرغم من قلة التجارب التي تحدد الخصائص النفسية إلدراك الل ة
العربية ،إت أنه قد تأكد بشكل عام بعض الخصائص بالنسبة لألداء الل وي
للطفل أثناء التفاعل اتجتماعي كما أمكن استخالص بعض خصائص إدراكهم
لل ة من الدراسات الل وية وطرق التدريس والمناهج.
يتم التفاع ل اتجتماعي لألطفال بواسطة الل ة بشكل مرض في سن ما قبل
المدرسة ،فهم يدركون بقدر كاف عناصر الل ة األم وقواعدها وتركيباتها
اللفظية ،ولكن هذا اإلدراك يتميض بأنه إدراك تلقائي ،ذاتي غير ثابت ومباشر وت
إرادي وحياتي ويتعلمه الطفل أثناء التفاعل اتجتماعي ،كذلك يشير بدوافعهم
اتجتماعية ويهدف لتحقيق التكيف أثناء التفاعل اتجتماعي لطف ل مو البيئة
(اتجتماعية) ،التي يعيش فيها ويشبو هذا األداء الل وي واإلدراك الل وي
حاجات الطفل الرئيسية في الحياة .اتجتماعية.
نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات) 262
س - 4اختلفت نظرة المدرسة االجتماعية التاريخية للنمو بمجاالته األربعة عن
باقي المدارس ،اشرح ذلك موضحاً مفهوم محددات النمو.
ج - 4مراحل النمو وأسس التقسيم :
كما اختلفت المعالجات لموضوعات النمو ومسائلة فقد تميضت مسألة تقسيم
مراحل النمو بكثير من الخالفات تبعاً تختالف المنطلقات النظرية والمدارس
السيكولوجية فيفضل بعض العلماء تحديد مراحل النمو حسب ظاهرة من
الظواهر الجسمية المعينة كظهور األسنان مثال ويعتبرون أن أول مراحل النمو
منذ الوتدة حتى سن 8أشهر هي مرحلة انعدام األسنان ،والثانية مرحلة ظهور
األسنان الثابتة وتنتهي بظهور ضروس العقل.
وهناك التقسيم الذي يعتمد على مظاهر النمو الجنسي ،وفى تقسيمات أخرى
يرى بعض العلماء أن العوامل النفسية المت يرة تمثل مضمون النمو لذلك.
فقد قسموا النمو إلى المراحل التالية:
- 1المرحلة الحسية ـ الحركية.
- 2ظهور ما قبل المفاهيم.
- 3ظهور الحدس.
- 4مرحلة العمليات الحسية.
- 5مرحلة العمليات الصورية (جان بياجيه).
وهناك تقسيم إلى مراحل حسب نظام التعليم فتجد مرحلة ما قبل المدرسة
والمرحلة المدرسية المبكرة والمرحلة المتأخرة (بتروفكسي سنة ،1973ص
)36 : 23إت أنه تؤخذ على جميو هذه التقسيمات مآخذ كثيرة سنجمل بعضها
فيما بعد بالرغم من أن التقسيم حسب مراحل التعليم يعتمد على تحديد مراحل
خارجية للنمو دون التعرض لخصائصه الداخلية إت أن اتتصال الوثيق بين نمو
الطفل النفسي ومراحل التعليم السائدة يجعل هذا التقسيم قريباً للواقو التطبيقى
263 نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)
من حيث أنه يحدد ما يلضم كل مرحلة من رعاية متكاملة ليصل النمو إلى معرفة
مكونات الشخصية السوية التي تتمتو بالتكيف السليم ،وتجد الحلول السوية
لحاتت الصراع التي هي أساس التفاعل اتجتماعي بصفة عامة.
ومن الخطأ كذلك تركيض اتهتمام على ظاهرة جسمية أو نفسية كالعمليات
العقلية أو النمو المعرفي كما لدى بياجيه؛ حيث إن بعض الظواهر تت ير مكانتها
وفاعليتها ومعناها أثناء النمو.
كذلك لم يراع التقسيم أن هذه الظواهر يعاد بناؤها وتت ير مكانتها أثناء
اتنتقال من مراحله إلى مرحلة أخرى لذلك قد تكون ظاهرة ما مهمة في مرحلة
الطفولة المبكرة مثال لكنها تفقد قيمها في المرحلة المدرسية المبكرة.
أما نقطة الضعف األخيرة في التقسيمات السابقة تتمثل في البحث عن
ظواهر النمو من حيث أشكاله التي تت ير مو تقدم السن علماً بأن الظواهر
النفسية ت يمكن أن تتوحد مو مظاهر مادية معينة تعترى الجسم لذلك مما تقدم
يتضح ضرورة أن يهتم علم النفس اليوم بمضمون النمو والقوى المحركة له أي
"محدداته" أكثر من اتهتمام بنظريات النمو أو تحديد مراحل زمنية معينة
وتسميات مختلفة لها.
كذلك يجب أن يكون تحديد مراحل النمو تحديدًا موضوعياً ت يتدخل فيه
اتختيار اإلرادي للباحث لذا يجب أن يقسم النمو إلى مراحل حسب محددات
النمو التي ت يتم اتنتقال من مرحلة إلى أخرى بدون قيام هذه المحددات بمهامها
ووظائفها وهذا ما سيعرض له اإلطار الحالي حين عرض النوع الثاني من
المصطلحات التي سبقت اإلشارة إليه.
محدد النمو:
ما المقصود بمحدد النمو وما هي صفاته؟ كم عدد هذه المحددات وما الدليل
الذي يسوقه اإلطار الحالي ليثبت أن هذه العوامل هي بحق محددات للنمو؟
وكيف يمكن التدخل في عملية النمو من خالل هذه المحددات لإلسراع به أو
لت يير مساره؟
نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات) 264
المقصود بالمحدد:
هو هذا العامل الفعال الدافو الذي يلضم بالضرورة لعملية النمو ويؤثر عليها
بحيث يعجل بها ويدفعها أو يعوقها ويبطئ خطاها ويوقف خطاها ويمنو انتقال
الشخصية للمرحلة التالية.
فتتحدد عملية النمو تبعاً لطبيعة هذا المحدد ومدي قيامه بوظائفه أو تقاعسه
عن القيام بها أو بعضها مما يجعل نتائج عملية النمو غير متكاملة.
ومحدد النمو هو الدافو لفعالية الشخصية ونشاطها وتفاعلها مو البيئة
المحيطة ،وهو الذي يدفعها لممارسة الخبرة واستيعابها ويشكل الخبرة ويطبعها
بطابعة الخاص ،فيجعل الطفل عضوا فعات في المجتمو وليس مجرد مستقبل
للمثيرات اتجتماعية بل هو مشكل لها بفعاليته الخاصة "نشاطه الذاتي" فالطفل
ت يستوعب خبرات جاهضة ،بل يعيطها هو مفهوما ويطبعها بطابعة الخاص
"بياجيه" إذ يتلقاها من خالل محددات النمو فتصطبغ بالصب ة الخاصة بهذا
المحدد وهذا ما يجعل استجابات األطفال على نفس المثير في مراحل النمو
المختلفة متفاوته وكذا فإن نفس المثير الخارجي ت يؤثر على الطفل في مراحل
نموه المختلفة تأثيراً متساويًا ،ألن الشرط الخارجي يؤثر دائما عبر الشروط
الداخلية" روبنشتين" سنة ،1959ص .)251
تعد التربية والنمو وجهان لعملة واحدة أظهر أبحاث أ.ن .ليونتيف
أ .جالبيرون وأ.ف زاباروجيتش وأ.أ لوبلنييتسكيا أن فعالية الطفل تلعب دوراً
حاسماً في أي عملية معرفية وتنمو هذه الفعالية بمستويات مختلفة وتتخذ أشكاتً
متباينة باختالف مراحل النمو ،وتعتبر شرطا للنمو بأكمله (فالتعلم يسبق النمو
ويحدد مساره).
وأول محددات هذه الفعالية ومن ثم أول محددات النمو بوجه عام هو ما
يسمي "بالنشاط المهيمن" ولكى نوجه عملية نمو الطفل تبد من التعرف على
تلك الشروط أو المحددات التي تجعل من التربية قوة "تطوير وتنمية" (لوبنسكايا
265 نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)
ص ) 85عن طريق استخدام قوانين النمو ومنشطاته وتوصيلها للشخصية من
خالل هذه المحددات.
فلو حاول المجتمو توصيل ما يريد من معارف بشتى الوسائل دون علم
بهذه المنافذ الرئيسية ذات القوة السحرية لوجد من الطفل الجمود والتبلد الذي
يعطي صورة مناقضة تماما تحتمال وجود ما يسمي بالفعالية الذاتية النشطة
للطفل والتي أثبتت الدراسات أنها خطوات تسير وفق خطوات النمو
ما هو النشاط المهيمن؟
تحديد مفهوم النشاط المهيمن يجب إت يكون تحديدًا كميا حيث أنه ليس هو
النشاط الذي يحدث بكثرة فقط في مرح لة من مراحل النمو وي لب على سلوك
الفرد في هذه المرحلة بعينها ،كما أنه ت يتحدد بعدد الساعات التي يست رقها من
اليوم في مرحلة ما وإ نما هو المهيمن بمضمونة وأثاره الكيفية وتشكيله
للشخصية ،وهو مصدر الخبرة اتجتماعية وهو السبب في اكتسابها ولذلك فهو
يتميض بثالثة خصائص (ليوتيف ص 520- 509سنة .)1972
أوالً :هو ذلك النشاط الذي تتكون بداخله وتتبلور في إطارة أشكال جديدة
من النشاط الذاتي التي تعبر عن فعاليته الطفل.
هو هذا الباب الذي تطرقه المؤثرات البيئية فتستجب من ورائه كل طاقات
وقدرات المرحلة بالفعالية الحماسية التي يعاد بها تفهم واستيعاب الخبرات
المحيطة ومن ثم فهو يختلف من مرحلة لمرحلة فليس الباب الذي يجب طرقه
في مرحلة المهد (النشاط المهيمن لهذه المرحلة) هو نفسه الذي يجب طرقه في
مرحلة ما قبل المدرسة "النشاط اللعبي".
باإلضافة لذلك فهو النشاط الذي يُربى ويُحضر النشاط الذي سيحتل القمة
في المرحلة الالحقة فهو بجانب ما يفعله للشخصية من تنمية عن طريق
استيعاب الخبرات المحيطة يربى من سيحتل مكانه في المرحلة الالحقة حينما
تنمو الشخصية وتنتقل من المرحلة الحالية إلى مرحلة تحقة ت تستمر فيها
نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات) 266
صالحية النشاط الحالي لتحتل قمة األنشطة ،فهو يعد خليفته في قيادة الشخصية
حينما يشيح وينضم لألنشطة التابعة التي تعمل في خدمة النشاط المهيمن في
المرحلة الالحقة.
فالنشاط اللعبي مثال المهيمن في مرحلة ما قبل المدرسة بجانب أعبائه في
تكوين الشخصية بكل عناصرها الجسيمة ـ النفسية ـ العقلية ـ اتجتماعية ـ يعد"
النشاط التعليمي " الذي سيكون مهيمناً في المرحلة التالية مرحلة الطفولة
المدرسية من 12 – 6سنة "فالطفل يبدأ في التعليم لعبا" ليونتيف ص 506سنة
.1972
ثانياً :تتكون يداخل النشاط المهيمن بعض "العمليات النفسية" أو يعاد
بناؤها فمثال تتكون في "النشاط اللعبي " عمليات التخيل النشط
والتصور وفى أثناء "النشاط التعليمي" تتكون عمليات التفكير المجرد.
تتكون في بعض صور األنشطة المصاحبة له والنامية في إطاره بعض
عمليات تجريد األلوان وتعميمها تتكون في عملية الرسم التي يقوم بها الطفل
كما تتكون أثناء اللعب المصاحبة للنشاط المهيمن عمليات نفسية هامة ـ
كالتخطيط وتنظيم العمل.
تتكون هذه العمليات في مراحل متقدمة من اللعب فنجد الطفل في البداية
يستعمل األفالم واأللوان على األوراق دون أن يدري ماذا يرسم ،ثم بعد ذلك
يحدد ماذا يرسم حين ينظر للناتج من زوايا مختلفة ويقوم" رسمت قطة أو
رسمت بيتنا ...إ لخ ،ثم بعد ذلك يحدد ماذا يرسم قبل بداية عملية الرسم متفقاً في
ذلك مو مرحلة اللعب ذو التخطيط السابق.
تتكون عمليات "الترميض " حينما يحتاج الطفل أثناء اللعب لبناء منضل ت
يلضم للقيام بهذا العمل مواد بناء مشابهه لما يستخدمه الكبار (كالقوالب الطوب
البالستيك مثال المصنعة على شاكله القوالب المستخدمة في الحقيقة) ولكننا نجد
الطفل يستعيض عن هذه األشكال المطابقة لمواد الكبار بعلب الكبري ت مثال أو
267 نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)
بأغطية الضجاجات أو علب السجائر فهو يرمض للمواد بأي من المواد المتاحة
ويعيطها نفس اتسم ويقول "نفرض أن هذه هي القوالب الطوب الالزمة للبناء
أو حينما يحتاج لركوب سيارة أو حصان فيستعمل العصا ويمتطيها أو الكرسي
فهو بهذا يرمض وينيب بعض األشياء عن أشياء أخرى ويعيطها نفس الخصائص
والصفات ويجعلها تقوم بنفس الوظائف التي تقوم بها األشياء الحقيقية في الواقو
بالرغم من أن القيام بهذه العمليات النفسية مازال في مرحلة التلقائية إت أنه بال
شك يوسو من معارف الطفل حيث يوظف فعاليته في هذه المجاتت.
ثالثاً :النشاط المه يمن هو النشاط الذي تتميض في إطاره الشخصية ويصبغ
كل الت ييرات النفسية بصب ته الخاصة ،حيث أن نمو الشخصية ت يتم إت بانفتاح
عالم الكبار بقيمة ومعاييره أمام الطفل ليتعرف على كافة األدوار اتجتماعية بما
لكل منها من حقوق وما عليه من واجبات.
أنه النشاط الذي تتعر ف الشخصية من خالله على البيئة اتجتماعية
بمختلف أدوارها فالطفل يتعرف من خالل لعبة لدور الطبيب مثال على واجباته،
وعلى سلوكياته على قيمة ،وعلى التضاماته ...إلخ ،كما يتعلم اتلتضام باألدوار
فالطفل الذي ت يستطيو الوقف للحظات في عمل كمساعد لوالده في حمل بعض
من األدوات يلتضم بواجبات الحراسة لمدة ساعة كاملة حيث هو حارس لمخضن
ذخيرة مثال في اللعب كذلك الطفل الذي ت يمكنه كبح جماح رغبته في التهام
قطو الحلوى الموجودة أمامه نجده ت يلمسها إذا كان قائما بدور المضيف الذي
يعد الحلوى لضيوفه القادمين في الطريق.
هذه الت يي رات النفسية الرئيسية ونعنى بها التحكم في الرغبات العاجلة أمال
في مكافأة أجلة واتلتضام بواجبات الدور مهما كلفه من مشقة ت يمكن إدخالها
لشخصية طفل ما قبل المدرسة إت من خالل النشاط اللعبي والطفل الذي ت يتعلم
تأجيل إشباع رغباته ت يمكنه الجلوس ألداء الواجبا ت المدرسية كذلك الذي لم
يخبر اتلتضام بمسئوليات دون ما في اللعب ت يلتضم باتستيقاظ المبكر للذهاب
للمدرسة ...إلخ.
نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات) 268
فإذا كانت هذه سمات النشاط المهيمن كما يبدو من خصائصه الثالثة فال
سبيل لتوصيل الخبرة اتجتماعية ودفو الفعالية الذاتية للطفل إت بالطرق على
باب هذا النشاط وإدخال كافة المعلومات الالزمة لنمو الشخصية من خالل هذا
الباب إذا لو طقنا أبوابا أخرى (غير مهيمنه في المرحلة المعينة) فلن تستجيب
الشخصية لهذا الطرق وبالتالي ت سبيل لتوظيف قدرات الطفل وتش يل أعضائه
إت من هذا الباب وحينئذ ت يكون أمام المربى إت أن يتعرف على األنشطة التي
تعتبر مهيمنه في المرحلة المعينة لي لف بها كل معارف البيئة المحيطة
ومثيراتها حتى تنفذ للشخصية وتحرك فعاليتها ونشاطها للتعرف عليها
واستيعابها وبذلك تنمو الشخصية.
ذلك هو الدليل المنطقي الذي يثبت أحقية النشاط المهيمن في كونه محدداً
من محددات النمو ما دمنا اتفقنا فيما سلف على أن النمو ت يتم إت باستيعاب
الخبرة اتجتماعية.
ومما يؤكد أن النشاط المهيمن هو المحدد األول لعملية النمو أن عناصر
البيئة ومؤسساتها المختلفة كثيراً ما تحاول نقل الخبرة للطفل وعرضها له
وتكرار تعريفه بها حتى يستوعبها ،ولكن يبدو كما لو كان يعيش في عالم آخر
بعيد كل البعد عما تستعرضه له البيئة من الخبرة الالزمة للنمو وهذا يعني أن
المؤثرات البيئة ت يلضم عنها لدى األطفال في مختلف المراحل استجابة من
نموذج واحد وأن الطفل ليس مجرد مستجيب وإنما هو ذات مؤثرة على البيئة
نفسها وهو يضداد تأثراً بالبيئة وتأثيراً فيها بما تعلمه أثناء عمليات التفاعل
اتجتماعي في العديد من المواقف الحياتية التي يوظف فيها قدراته وتظهر في
صورة عمليات ومهارات مختلفة تكتسب وتنمو أثناء نشاطه التفاعلي كما تت ير
استجاباته مو مراحل نموه المختلفة فما كان يثير انتباهه في الماضي بشدة
يصبح عديم التأثير عليه اآلن كما تفقد الطلبات التي كان يكلف بها فيقوم بتنفيذها
بكل دقة واهتمام تأثيرها تماماً عليه.
269 نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)
س - 5عرف مفهوم طفرة النمو واثبت أنها محدد من محددات نمو الشخصية،
ما هي المعدات التي تستخدمها الشخصية لتحقيق الطفرة وكيف تتكون
هذه األدوات.
ج - 5تم اتتفاق على أن النمو هو عملية ت يير مستمرة متتابعة تنتقل
بالشخصية ككل من مرحلة سابقة إلى مرحلة تحقة على سلم اترتقاء والتطور
بفعل عمليات التفاعل اتجتماعي التي تعمل على تش يل األعضاء وتوظيف
القدرات وبالتالي على تنميتها.
فهل ي سير النمو هادئاً في خط مستقيم وعلى وتيرة واحدة طوال مراحل
النمو المختلفة؟ يجيب فالون على هذا السؤال بأن (عملية البناء "النمو" تستمر
في ما يشبه "التناوب" فتصل كل مرحلة من مراحل النمو بالمرحلة التي تليها
بوقائو من النضج تنتج ما يشبه الثورات في السلوك ويتفق معه بياجيه في "أن
النمو يسير في بعض األحيان بهدوء ثم ت يلبث أن تحدث فيه قفضات"
(وهكذا تتدرج التناوبات التي تستتبو النمو ،وت يبدو الت يير محسوساً إت
بعد أمد طويل من النمو الهادئ ويبدو هذا الت يير دفعة واحدة وبصورة عنيفة
نتيجة استيعاب الشخصية للخبرة اتجتماعية واتساع العالم الخارجي فلحظات
النمو "القفضات" أو ما نفضل تسميته "بالطفرة" مسبوقة باكتسابات كثيرة تتيح
للشخصية سعة أفق فتستحدث حالة ثورية تصبح منطلقة بدورة جديدة) "فالون
ص 80سنة ."1978
من هذا يمكن تعريف طفرة النمو بأنها "اللحظات التي تحشد فيها القدرات
والمدخر من الخبرات وتضيد عن متطلبات المرحلة مما يجعلها تضيق بإمكانيات
الشخصية وما لديها من خبرات فتتطلو الشخصية للقفض خارج حدود هذه المرحلة
التي لم يعد فيها ما يثير اتنتباه ويستحث دوافو التعرف واتكتشاف ويضمن
استمرار التفاعل بين الشخصية والمجتمو "في هذه اللحظات تحاول الشخصية
القفض لمرحلة أعلى تتجاوز بها المرحلة التي تحتلها في الوقت الراهن.
نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات) 270
النف سي عند الطفل إت عن طريق دراسة شتى أوجه نشاطه؛ حيث إن أي نشاط
يتوجه لهدف ويتطلب استخدام مهارات وتوظيف قدرات لتحقيق هذا الهدف.
ويضداد مو كل يوم دور النشاط في حياة الطفل ويتعقد التأثير المتبادل بينه
وبين البينة "التفاعل اتجتماعي" وبهذا تتسو خبرته الشخصية ويتعلم ذلك
"التعلم الذي يدفو الشخصية على طريق النمو فهو يمضي أمام النمو ويجره
وراءه" (فيجو تسكي سنة .)1969
وآية ذلك أن طفل المهد إذا ما هيأت له البيئة مثيرات لنشاطه الحاسي
الحركي (المهيمن في هذه المرحلة) فوظف حواسه للتعرف على هذه البيئة
وأشبو تعطشه للعلم يتط لو للتعرف على بيئة أوسو منها فيرنو لمرحلة النمو
الالحقة؛ حيث أصبحت البيئة الحالية معروفة له وفقدت عوامل التشويق التي
تدفو عمليات التفاعل اتجتماعي وأصبح احتجازه في إطار هذه المرحلة معوقاً،
فيضيق بحدود هذه المرحلة ويتطلو إلى تخطيها وفي هذه اللحظة يكون النشاط
"الحاسي الحركي" قد أوشكت مرحلة هيمنته على اتنتهاء وأصبح غير جدير
بالوفاء بمتطلبات الشخصية ويكون قد أتم تربية نائبة وإعداد النشاط الذي ينوب
عنه "اللعبي" وهو المهيمن في مرحلة ما قبل المدرسة ،بيد أن النشاط الحاسي
الحركي يظل قريباً منه حتى يتأكد من كفاءته للقيام بمتطلبات المرحلة حينئذ
يتخلى عن القمة له وهنا تحدث الطفرة وتتم بفضل ما سبق احتشاده من خبرات
لالنتقال إلى المرحلة الالحقة.
س - 6ما المقصود بالمكانة االجتماعية ولماذا تعد محدداً من محددات نمو
الشخصية.
ج - 6المكانة االجتماعية:
تعد المكانة اتجتماعية التي يحتلها الطفل في مراحل نموه المختلفة المحدد
الثالث لنمو شخصيته ككل وقد لوحظ من عرض المحددين األولين أن هناك
تفاعالً وتكامالً بينهما فعن طريق توظيف القدرات وإخراج اإلمكانيات الكامنة
بعد استثارتها بواسطة النشاط المهيمن إلى تش يل فاعلية الطفل في كل مرحلة
نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات) 272
تتكون الخبرات وتحتشد لتكون ما يسمى بالطفرة ،وهذه تدفو بدورها الشخصية
لت يير مكانتها اتجتماعية فبدون توظيف النشاط المهيمن ليقوم بدوره ت يتكون
الحشد من الخبرات اتجتماعية الذي يكون الطفرة وبدون الطفرة التي تدفو
الشخصية للتطلو للمكانة الجديدة تستكين الشخصية في البيئة الطبيعية التي ت
تدفو للتعلم وبالتالي ت تدفو للنمو وت تتطلو الشخصية ألي ت يير كما ت يتكون
النشاط الذي سينوب عن النشاط المهيمن الحالي ويهيمن على المرحلة الالحقة.
المكانة اتجتماعية للشخصية هي نتاج مجموعة الوظائف واألدوار التي
يقوم بها الفرد وتتحدد المكانة تبعاً لدى كفاءته في القيام بهذه األدوار وسماته
الخاصة في األداء.
كما تتحدد تبعاً لذلك نظرة المجتمو له وتقديره لخبراته التي يستعرضها
أثناء قيامه باألدوار المتعلقة وللشخصية الواحدة كثير من األدوار اتجتماعية
التي يقوم بها وقد تقوم الشخصية ببعض هذه األدوار خير قيام فتحصل بذلك
على استحسان المجتمو وثنائه عليها فيشكل ذلك دافعاً جديداً لمضيد من النجاح
في هذا الدور ،وتتكون الثقة بالنفس فتنمو الشخصية باقتحامها لمشكالت الدور
واستمرار التفاعل الذي يوسو نطاق خبراتها ومن ثم يتقبلها المجتمو في مكانتها
الجديدة ويت يح لها فرص التوظيف والتنمية؛ إذ تكون جديرة بالمكانة التي تحتلها
وقادرة على حل مشكالتها المرحلية.
وقد ت تستطيو الشخصية القيام ببعض هذه األدوار أما لقصور في قدراتها
وإمكانياتها وأما ألن المجتمو لم يتح أمامها الفرص المناسبة للتوظيف ،والنتيجة
واحدة في الحالين إذا أعيق التوظيف ألي من األسباب ويؤدي إلى إعاقة النشاط
المهيمن وعدم قيامه بوظائفه الالزمة لنمو الشخصية ،وبالتالي ت تقوم الشخصية
بأدوارها المرحلية فيستكثر المجتمو المكانة التي تحتلها ويحرمها من الثقة
ويشكك في إمكانياتها مما يدفو البيئة إلى تخفيف األعباء عن هذه الشخصية
وتقليل أدوارها وبالتالي ،تحرم من التدريب والمران والتوظيف الذي يؤدي
273 نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)
بدوره إلى قلة خبراتها في المجال فال يتكون الحشد من الخبرات اتجتماعية
الذي يؤدي إلى الطفرة ويصبح الفرد غير قادر على الوفاء بمتطلبات المكانة
التي يش لها أو التي يجب أن يش لها وهنا تقف الشخصية أحد موقفين:
فإما أن تستكين بأن يقوم آخرون عنها بإشباع حاجاتها ،وإما أن تتمرد على
الوضو وتحاول أن تثبت للمجتمو إنها جديرة بهذه المكانة التي يبخل عليها بها،
وفي هذه الحالة األخيرة ونظراً لعدم وجود الخبرة واإلعاقة السابقة تفشل
الشخصية دائماً في القيام باألدوار ،فيضداد الموقف تعقيداً بحيث تظهر
الشخصيات المخربة أو المريضة التي تلجأ للحيل الدفاعية والهروبية إلثبات
ذاتها وإشباع احتياجاتها ومن هنا يظهر المحدد الرابو للنمو وهو "األزمة".
وهكذا تعتبر المكانة اتجتماعية التي يحتلها الفرد دافعاً لضيادة خبراته
وتطوره ونمائه أو معوقاً للنمو وسبباً لألزمة ويتحدد مفهوم األزمة بناء على
سلوك الشخصية في حل المشكالت المرحلية ،فالشخصية التي تلجأ للحل عن
طريق إعمال العقل وتش يل القدرات وإخراج اإلمكانيات والتصدي للمشكلة
بوعي ت تتعرض ألزمات النمو ،أما الشخصية التي تفشل في التوافق في
مواجهة الواقو بمشكالته وتأبى اتعتراف بالعجض أو القصور والفشل فتلجأ
للطرق الملتوية لحل المشكالت وتتعرض لألزمة وهي ما تسمى (بالشخصية
المتأزمة أو المشكلة).
س - 7اثبت ان النشاط اللعبي هو المسئول عن توظيف قدرات طفل الروضة
الرباعية.
ج - 7تتحدد حدود هذه المرحلة حينما يتخلى النشاط الحسي الحركي عن
مركض القيادة ليحتل النشاط اللعبي فيصبح اللعب هو الباب الذي تطرقه
المؤثرات البيئية فتستجيب كل القدرات الكامنة بالنشاط والفاعلية الحماسية ،التي
يعاد بها استدخال الخبرات اتجتماعية وجعلها أدوات مصنعة لخدمة نمو
الشخصية.
نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات) 274
بمراقبة هذا التناوب نجد أن النشاط المهيمين يختلف من مرحلة ألخرى فإذا
كان الباب تستدخال الخبرة اتجتماعية في مرحلة المهد هو النشاط الحسي
الحركي "فقد ت ير في مرحلة رياض األطفال وأصبح هو" النشاط اللعبي "لكن
هذا النشاط ت يتكون إت إذا قام بمهما ته كاملة النشاط الحاسي الحركي أثناء
هيمنته على مرحلة النمو السابقة .كما نجده يظل قريباً من النشاط اللعبي في
بدايته حتى يتأكد من كفائته للقيام بمتطلبات المرحلة الجديدة وتتجلى هذه
المالزمة عند مراقبة النشاط اللعبي في بدايته فنجده تكراراً للحركات الجسمية
فيبد أ النشاط اللعبي تحسباً تكرارياً ثم ينتهي لعباً ذا قاعدة مسبقة ملضمة لنفس
الطفل بالتحكم اإلرادي في إشباع بعض رغباته وتأجيل لبعضها اآلخر.
بمراقبة طفل هذه المرحلة نجده يستعمل النشاط اللعبي كمفتاح لعملية
التطبيو اتجتماعي فيتضح به عالم الكبار بأدواره المختلفة وقيمة وفي إطار هذا
النشاط يعاد بناء العمليات النفسية والعقلية .فهذه الت يرات النفسية كالتحكم
اإلرادي في الرغبات ،واتلتضام بواجبات الدور ت يمكن إدخالها لطفل هذه
المرحلة إت من خالل النشاط اللعبي ثم يستوعب الطفل كل الخبرات المتاحة في
هذه المرحلة بفضل توظي ف نشاطه المهيمن ،فيضيق بمكانه كطفل يلعب فقط
ويرنو للتعليم الذي أستعد له بكل ما يلضمه من قدرات عقلية ونفسية أعدها
النشاط اللعبي ويقوم الطفل باستعراض هذا الحشد من اإلمكانيات ويطالب بعد
ذلك بت يير مكانته اتجتماعية ونظرة المجتمو إليه فيت ير سلوكه في فترة
الطف رة استعداداً لت يير المكانة وهنا قد يفشل طفل المرحلة في إثبات جدارته
بالمرحلة الجديدة ويظهر طفل الروضة المشكل.
يحتاج طفل المرحلة إلى الحب والحنان وما يشعره باألمان ،ويحتاج للمساعدة
في تنظيم استجاباته اتنفعالية ،كما يحتاج لحرية النمو وتقبل الذات كعضو عامل
في المجتمو .فيبدأ في تقليد أنماط السلوك المقبولة ويكافئ السلوك القويم ،ويتعلم
األخذ والعطاء في إطار اللعب الذي يمر هو أيضاً بمراحل نموه الخاصة.
275 نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)
وتتضح الحقائق الواقعية للتفاعل اتجتماعي وعن طريق نمو مراحل اللعب
المختلفة ينتقل الطفل إلى مرحلة النمو التالية وهي مرحلة المدرسة اتبتدائية
حيث يكون قد استعد لهذه المرحلة بمعرفة اتلتضام بالقواعد فيلتضم بنظام
المدرسة ومعرفة ما يجب وما ت يجب فيقوم سلوكه ويقوم بالتضامات دوره
كتلميذ ويؤجل رغباته العاجلة أمالً في النجاح و هو مكافأة آجلة.
بهذه الطريقة تحقق شخصية طفل المرحلة مكتسبات نموها فمن يجتاز
مراحل نمو النشاط اللعبي بنجاح وتوظيف للقدرات واستثارة لفعاليته الخاصة،
ويقوم باستدخال هذه المكتسبات يعتبر سير نموه طبيعياً سوياً ومن يعوق عند
إحدى مراحل نمو النشاط اللعبي يعطي هذا التوقف دتلة على عدم استعداد
الشخصية لالنتقال للمرحلة الجديدة.
النشاط اللعبي محدد لنمو شخصية طفل ما قبل المدرسة ككل( :جسميا –
نفسيا – اجتماعيا -عقلياً).
تعددت النظريات التي عنيت بالنشاط اللعبي ودوره في حياة األطفال ومن
الصعوبة بمكان أن نتعرض لكل النظريا ت التي تناولت اللعب ولكن يمكن القول
بأن كل نظرية قد عنيت باللعب من زاوية خاصة بها اختلفت بمنايتها هذه عن
النظريات األخرى.
فقد اعتبر جان بياجيه اللعب مظهراً من مظاهر النمو العقلي حيث أنه
تسلسل مو تطورا لعمليات العقلية لدى الطفل فاللعب في نظره ابتهاج وظيفي.
ويبدأ الطفل مو نموه في اختيار األلعاب التي تبهجه ولذلك فهو يرفض أن
نفرض عليه لعبة بعينها وهو يتابو بنفسه كل جديد يجري حول اللعبة األولى في
يديه وهذا بداية اللعب الرمضي الذي يبدأ من السنة الثانية إلى السابعة ويصاحب
مرحلة الذكاء التشخيصي.
لألسف إن بياجيه بوصفه للعب بهذه الصفات يذهب إلى اعتباره عملية
277 نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)
عقلية بحته ويجعل وظيفته التكيف اتجتماعي والمالحظ في اللعب أنه يختلف
عن التكيف الحقيقي القائم على نمو الذكاء.
وتعرف كتابات األلمان في القرن التاسو عشر اللعب بأنه نشاط إيجابي
يجدد القوى ويقوم مقام اتسترخاء الالزم للعضالت وقابلو بذلك بين اللعب
والعمل ،ولكن تحليل لعب الطفل يؤكد أنه مثير للتعب ومصدر لإلرهاق وليس
استجماما ولذلك ترى الطفل حتى في أشد حاتت التعب ت يتوقف عن القفض
والجري الذي يمليه عليه دوره في اللعب.
اللعب هو هذا النشاط الذي يحمل دوافعه في داخله ،فالطفل يلعب من أجل
اللعب ذاته ،وت ينتظر أن تدفعه إلى هذا النشاط دوافو أخرى كاتحتياج إلى
الراحة أو لفت النظر وليس هو النشاط الكشفي وليس هو التمثيل أو إعادة
للتاريخ بأطواره التي مر بها كما تقوم النظرية التلخيصية سوزانا ميلر ""4
1974كما يتميض لعب الطفل بأنه متعلم بالممارسة وليس فطريا وهذا ت
يتعارض مو الفكرة السابقة فليس احتواء العمل على دوافعه دتلة على فطريته
بل هو دتلة على أن مثيرات هذا العمل من داخله ذاته ،وما المثيرات الخارجية
كالحدثة إت مؤثرات على اللعب وسرعته ومدته ،فالحداثة في البيئة ت تسبب
اللعب ب ل قد تضيده فقط أو تطيل مدته أو تؤدي إلى انتقال الطفل من لعبه إلى
أخرى ،فالطفل يلعب أيضا وهو في إطار بيئته المعهودة التي اعتاد عليها،
ويطلق لفظ لعب على "السلوك" الذي ت يؤدي إلى نتيجة واقعية حقيقية ملموسة
فهو سلوك واهم ،فالطفل الذي يقوم بلعب دورن الصياد ت يؤدي سلوكه للقنص
وهنا تبد من التفرقة بين لعب الطفل ولعب الحيوانات ألن اللعب بالنسبة
للحيوانات فطري مثله في ذلك مثل بحثها عن الطعام ومرتبط بشكل كبير
بالحاجات الفسيولوجية أو البيولوجية وهذا ما يشكل أعظم الفوارق الجوهرية
بين لعب الطفل ولعب الحيوان (وافي ص .)1958 ،138يسمى لعب الحيوان
"سلوك لعبي" ويسمى لعب األطفال "نشاط لعبي" وهو المسئول والضامن
والمحدد لنمو طفل الروضة.
نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات) 278
لذلك يختلف لعب طفل المدرسة اتبتدائية أو الطفل الذي قام النشاط
المهيمن اللعبي بإعداد شخصيته لالنتقال للمرحلة الالحقة عن لعب طفل
الروضة اختالفاً جوهرياً فاألول تتحد دوافعه مو نتائجه ولذا يهتم األطفال الكبار
بألعاب المسابقات كما ينصرف اهتمامهم إلى الفوازير واألحاجي وألعاب
الكمبيوتر التي تحقق لهم النجاح بالفوز على اآلخرين ،في حين ت يهتم طفل
الروضة الص ير إلى بدوره في اللعب فقط فدوافعه في داخل الدور دون
اتهتمام بالنتائج الحقيقية.
وهكذا يفسح النشاط اللعبي المهيمن بجانبه مكاناً للنشاط العقلي المقصود
والمخطط والمحددة معالمه والمتوقعة نتائجه.
س - 8ما هي خصائص طفل الروضة المعد لدخول المدرسة والفرق بينها
وبين الطفل الغير معده شخصيته لدخول المدرسة.
ج - 8سبق اتتفاق في الفصول السابقة على أن لكل مرحلة نمو باباً خاصاً
بها ،تطرقه البيئة بالمثيرات فتستجيب الشخصية بتوظيف "القدرات" الكامنة
"بالنشاط" والفعالية الحماسية التي تعيد بناء الخبرة اتجتماعية ،وتصنيعها
"لألدوات" التي تخدم نمو الشخصية فإذا كان الباب تستدخال الخبرة اتجتماعية
في مرح لة "المهد" هو "النشاط الحاسي الحركي" فعندما تنتقل الشخصية إلى
مرحلة الروضة يت ير الباب ليصبح "النشاط اللعبي" ثم تت ير المكانة
اتجتماعية ونظرة المجتمو للشخصية" ،فتطفر" إلى المرحلة الالحقة ليسعى
الطفل للمعرفة النظرية فيهيمن عليه النشاط التعليمي المقصود "فهو ت يلعب
فيعرف ،وإنما هو يسعى للمعرفة بتخطيط مسبق ،وتحديد للهدف خارج النشاط
ذاته .عندئذ تت ير نظرة المجتمو للطفل ليصبح "تلميذا".
ت ينجح الطفل في الدخول لهذه المرحلة النمائية إت إذا أحسن إعداد
شخصيته تحتالل هذه المكانة الجديدة .فما هي خصائص الشخصية المعدة
للمدرسة؟
نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات) 280
- 1هو طفل ملتضم بمتطلبات المدرسة ،كما كان ملتضماً بواجبات أدوار
اللعب في المرحلة السابقة (مرحلة الروضة).
- 2هو طفل ت يرت دوافعه ،ففتحت أمامه موارد جديدة لنمو قوة اإلدراك
الواعي الذي يدفعه لتعلم كل ما هو جديد مهما كلفه من مشقة.
- 3يبدأ إعجاب ا لطفل بالمواد الدراسية المختلفة باختالف مضمونها.
- 4يخضو لرغبات المدرس ،ويعاد بناء عمليات اإلثارة والكف لديه .وهو
كما وصفه كمنسكي ( )komenskyص )2( 166التلميذ القادر على
التفكير والحكم على األشياء ،ولديه رغبة قوية في التعليم والمعرفة.
واآلن نعود للرد على ا لرأي الذي يرى ضرورة تعليم الطفل في الروضة
القراءة والكتابة والحساب استعداداً لدخول المدرسة.
يقول جيرسلد Jersildفي كتابة :نمو الطفل والمنهج "وهو يصدد تعريف
التهيؤ واتستعداد بأنه" الوقت المناسب الذي يريد فيه تعليم الطفل بقدر ما تسمح
به قدراته.
فالطفل يحتاج إلى أن يتهيأ في النواحي اآلتية:
– 1ل ته وعاداته في الحديث.
– 2نضوجه العقلي.
– 3نموه الجسماني.
– 4اتساع خبراته وطبيعة هذه الخبرات وخصوصا فيما يتعلق باهتمامه
بالكتب والقراءة.
– 5عواطفه وظروفه اتجتماعية.
وقد دلت التجارب القليدية واألبحاث التي أجريت على الطفل "أن الطفل
تتهيأ له أسباب النجاح في تعلم القراءة إذا ما بدأها بعد أن يتجاوز عامه السادس
281 نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)
بثالثة أشهر وهناك رأي أخر ينادي بأن الطفل إذا كانت عقليته عادية فيبدأ في
منتصف العام السابو كما دلت األبحاث على أن أكثر المتاعب التي يعانيها
الطفل في تعلمه إنما ترجو إلى إجباره عليها من سن الخامسة والسادسة ويقول
ستريكالند ( )Ruthstricklindمشيراً إلى عملية القراءة واحتياجات الطفل لها
وقدراته عليها "أن األطفال قد ينظرون ولكن ت يرون ،وقد يرون ولكنهم ت
يفهمون ما يرون ،إت إذا كان لهم أساس سابق من المعرفة والخبرة ،وتوفر
لديهم المدرس الذي يستطيو مساعدتهم على اتستفادة من هذه الخبرات ،ويساعد
على ذلك حينما تكون الثروة الل وية لدى بعض األطفال ت تقل عن مائة كلمة
(بصرية ،منظورة) والمقصود بهذا التعبير الكلمات التي يستطيو األطفال
تمييضها عندما يرونها مكتوبة بمطابقها بالصورة التي تمثلها (في خبرتهم
الخاصة) فإن المدرس يبدأ مو هؤتء بمبادئ القراءة األولية؛ حيث يجد الطفل
بعض الكلمات المعروفة له.
كما أثبتت الدراسات التي أجريت على العملية التعليمية وتطويرها
(جالبيرن – Galbernوتاليضنا Talezenaولوريا )Louryaوغيرهم "أنه لكي
يتعلم الطفل الل ة بنجاح ت بد أن يدركها بكل عناصرها إدراكاً "واعياً"،
ويستطيو أن يضعها تحت مجهر تفكيره الواعي فيخضعها للتحليل والتركيب
والتعميم .الخ.
كما سبق اإلشارة إلى أهمية الدوافو والرغبة في القراءة وفي فهم ما تنقله
للطفل من معلومات وفحص الكلمات بمعانيها المختلفة.
مما تقدم يلضم تحديد المطلوب من طفل الروضة عندما نعلمه القراءة
بالطريقة التقليدية المعروفة هل نريد منه "سلوك" البب اء المدربة ،والحيوانات
التي تقوم بعمليات حسابية معينة؟
أم نريد منه "نشاطاً عقلياً" يمثل نظام اإلشارة الثاني "الذي ت يوجد إت عند
اإلنسان".
نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات) 282
هل نكون عنده القراءة الميكانيكية التي تعد ردود أفعال للمرئيات المقروءة؟
أم تكون عنده "القراءة الوظيفية" التي تقوم على النشاط العقلي وتستلضم
تدخل شخصية اإلنسان بكل جوانبها.
تبين فيما تقدم من هذا الكتاب أن طفل الروضة قادراً على القيام بعمليات
القياس والمقارنة والتفكير التجريد –كذلك هو قادر على القيام بعمليتي "التعميم"
و"التصنيف" الالزمتان لتكوين المفهوم.
فلماذا ت يمكنه إعمال عقله أثناء حصص القراءة والحساب في هذه
العمليات العقلية العليا؟ مما يشكل صعوبة كبيرة لمعلمات الروضة في التعامل
العقلي مو األطفال.
ولماذا يعاني بعض أطفالنا من التهتهة والتلعثم في الروضة فقط –وت
تظهر عيوب الكالم هذه في المنضل؟
ولماذا ت يحب أطفالنا الذهاب للروضة بالرغم من أنها هي أهم المؤسسات
الناقلة للخبرة اتجتماعية الالزمة لنمو شخصيته؟
ولماذا يلجأ األطفال أحياناً إلى ميكانيضمات الدفاع الالشعورية عند الذهاب
للروضة؟
ولماذا نجد معظم أطفال الصف األول اتبتدائي يعانون من مشكالت
سلوكية عند دخولهم للمدرسة مما يؤكد عدم قيام الروضة بدورها في إعداد
شخصياتهم لالنتقال لمرحلة النمو الالحقة (مرحلة المدرسة اتبتدائية)؟
نحاول فيما يلي تقديم اإلجابة ا لعلمية والعملية الصحيحة وتوضيح كيفية
اإلعداد الصحيح لطفل الروضة.
من اإلجابة على هذا السؤال سنتمكن من:
– 1تحديد واضح ألهداف الروضة.
283 نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)
وهذا ما يعجض عنه طفل الروضة؛ حيث لم ينمو لديه بعد اإلدراك الواعي
والنشاط الهادف لتحقيق عمل سبق التخطيط له وتحديد نتائجه.
مما تقدم يتضح تميض النشاط التعليمي بموضوعه الخاص وهدفه المختلف
عن أهداف غيره من األنشطة ،واألداء المتمايض الخاص بهذا النشاط ،كذلك ت
يخفى األثر المعوق إلقحام النشاط التعليمي على طفل الروضة ،حيث يتخذ
سلوكه التعليمي نمط تعليمي معين Tenching Stylسيدمغ شخصيته مدى
الحياة .ويصبح من الصعب لل اية ت ييره.
لذلك قد نرجو الس بب األول للمشكالت التي يعاني منها طفل الروضة إلى
عجض الطريقة المتبعة في تعليمه القراءة عن نقل إدراك الل ة من مستوى
اإلدراك التلقائي إلى مستوى اإلدراك الوعي.
وقد أثبتت الدراسات أن وظيفة اإلدراك الواعي هي "السماح بتكيف يكاد
يكون مستحيالً في غيبة الوعي بواسطة الوعي يتمكن من حل مشكالت القراءة
الوظيفية" التي ت يمكن حلها باإلدراك التلقائي يتمكن الطفل باإلدراك الواعي
فقط من إعمال عقله في الكلمات بوصفها "أدوات للفكر" فيحللها إلى عناصرها
ويركبها بأشكال مختلفة.
وقد يرجو السبب الثاني للمشكالت إلى تعليم طفل الروضة القراءة بطريقة
تكون لديه "سلوك القراءة الميكانيكية" بدت من نشاط القراءة الوظيفية فيستمر
الطفل في التكرار واتنعكاس للمرئيات دون اتستفادة الكاملة من المقرر .أو
توظيف عناصر الشخصية في عملية القراءة.