You are on page 1of 291

‫منـو الطفل ومشـكالته النفسـية‬

‫تأليف‬

‫دكتورة‬
‫وفاء حممد كمال عبد اخلالق‬
‫أستاذ علم نفس النمو ‪ -‬قسم العلوم النفسية‬
‫كلية التربية للطفولة المبكرة ‪ -‬جامعة القاهرة‬

‫‪2018‬‬

‫(‪)1‬‬ ‫منو الطفل ومشكالته النفسية‬ ‫‪2111‬‬


‫نمو الطفل ومشكالته النفسية‬ ‫ب‬

‫مجيع حقوق الطبع حمفوظة للمركز‬

‫‪1439‬هـ ‪2018 -‬م‬

‫تم التنسيق واإلخراج الفني‬


‫بإدارة إنتاج الكتاب بالمركز‬
‫‪Email: entagalketab@yahoo.com‬‬
‫‌ج‬ ‫نمو الطفل ومشكالته النفسية‬

‫‪‬‬
‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫هـ‬ ‫المقدمة‪................................................................‬‬

‫‪1‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬إدراك المفاهيم األساسية‪..............................‬‬


‫‪29‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬األساس النظري للتعرف على نمو الشخصية‪......‬‬
‫‪51‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬اللغة أدوات التعلم والتعليم والمعرفة‪................‬‬

‫الفصل الرابع‪ :‬إدراك المفاهيم اللغوية وعالقته بالتعلم ونمو‬


‫‪79‬‬ ‫الشخصية ومحددات عملية النمو‪....................‬‬

‫الفصل الخامس‪ :‬مراحل تقسيم النمو وأسس التقسيم كتطبيقات‬

‫‪123‬‬ ‫عملية لمحدودات النمو‪...............................‬‬

‫الفصل السادس‪ :‬النمو النفسي واالجتماعي للطفل في بعض‬


‫‪203‬‬ ‫المراحل والمشكالت النفسية‪.........................‬‬

‫‪245‬‬ ‫التطبيقات‪..............................................................‬‬
‫نمو الطفل ومشكالته النفسية‬ ‫د‬
‫‌ه‬ ‫نمو الطفل ومشكالته النفسية‬

‫مقدمة‬

‫يهدف الكتاب في طبعته الحالية لتصحيح بعض المفاهيم السائدة التي شاعت‬
‫حتى أصبحت متعارفا ً عليها‪.‬‬
‫لتسهيل التغلب على المشكالت السلوكية واالجتماعية منذ مراحل الطفولة‬
‫الباكرة‪ ،‬وحتى يمكن التدخل منذ المرحلة الجنينية لتجنبها؛ كي ال تتصاعد إلى‬
‫حد صعوبات التعلم النمائية وتبعاتها‪.‬‬
‫نرصد فيما يلي بعض المفاهيم الرئيسية التي يلزم إعادة الصياغة الكيفية‬
‫مضمونا ومحتوى لها‪.‬‬
‫لتحقيق الهدف المطلوب‪:‬‬
‫يهدف الكتاب للتعرف على أدوات المعرفة بخصائصها والمفاهيم المرتبطة‬
‫بها‪ ،‬وبمن يقوم "بالعمليات" العقلية التي تنتج المعرفة وهو "اإلنسان" أو‬
‫"الشخصية "‪.‬‬
‫يتحقق هذا الهدف بالتعرف على عدد من المفاهيم الرئيسية التي يتناولها‬
‫هذا الكتاب لمعالجة القضايا العلمية التي يتعرض لشرحها‪ ،‬من أهمها ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬مفهوم الشخصية‪.‬‬
‫‪ -2‬مفهوم اللغة‪.‬‬
‫‪ -3‬مفهوم األدوات‪.‬‬
‫‪ -4‬مفهوم التعلم والتعليم‪.‬‬
‫‪ -5‬الخصائص والصفات‪.‬‬
‫‪ -6‬المعرفة‪.‬‬
‫‪ -7‬التفكير‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالته النفسية‬ ‫و‬

‫‪ -8‬الذكاء‪.‬‬
‫‪ -9‬النمو‪.‬‬
‫‪ -11‬اللغة والمفاهيم اللغوية‪.‬‬
‫‪ -11‬العامل المحدد والعوامل المؤثرة‪.‬‬
‫‪ -12‬القدرات‪.‬‬
‫‪ -13‬الدوافع الغريزية‪.‬‬
‫‪ -14‬الدوافع والحاجات لرباعي الشخصية‪.‬‬
‫‪ -15‬السلوك‪.‬‬
‫‪ -16‬االستجابات‪.‬‬
‫‪ -17‬األفعال الالإرادية‬
‫‪ -18‬العمليات‪.‬‬
‫‪ -19‬األداء‪.‬‬
‫‪ -21‬النشاط‪.‬‬
‫‪ -21‬التوظيف‪.‬‬
‫‪ -22‬التدريب‪.‬‬
‫‪ -23‬مفهوم الخبرة‪.‬‬
‫ترتبط المعرفة بنمو الشخصية "بالتعلم" وتوظيف "القدرات" العقلية في‬
‫صورة "عمليات" عقلية‪ ،‬أولى هذه العمليات "اإلدراك" وستحظى هذه العملية‬
‫العقلية في هذا الكتاب باالهتمام والتوضيح والتعريف‪ ،‬لتوضيح كيف "يدرك"‬
‫طفل المهد اللغة "بخصائصها" ويوظفها في التواصل االجتماعي في "الكالم"‪.‬‬
‫يتعرف كيف يدرك الطفل خصائص "المفاهيم اللغوية" كمفهوم "الحرف"‪،‬‬
‫‌ز‬ ‫نمو الطفل ومشكالته النفسية‬

‫و"الكلمة" و"الجملة"‪ ،‬ويتم إعداده للقراءة والكتابة‪ ،‬وقصور "التعلم" والتعليم‬


‫الذى يتمثل في طرق التعليم القائمة على المحاكاة واالستظهار "لصفات"‬
‫المفاهيم اللغوية مما يؤدى إلى تدهور الذكاء وقلة المعرفة واضطرابات‬
‫اإلدراك‪ -‬اضطرابات التفكير‪.‬‬
‫ثم يتعرف الدارس على أفضل الطرق للتغلب على (صعوبات القراءة‬
‫والكتابة)‪ ،‬وكيفية تهيئة الطفل للقراءة وإعداده لدخول المدرسة االبتدائية‪.‬‬
‫ويهتم الكتاب بصفة خاصة باإلعداد القائم على توظيف القدرات بكامل‬
‫طاقتها من مدخل النشاط المهمين على مرحلة طفل الروضة (من وجهة نظر‬
‫المدرسة االجتماعية التاريخية)‪.‬‬
‫كما يهدف الكتاب إلى تعريف الدارس بخصائص المفاهيم السابق ذكرها‬
‫ووظائفها وأهدافها في عملية التعلم‪ ،‬ويوضح للمتعلم أهمية االتفاق على‬
‫"المفاهيم" و"أساسيات العلم" والمعرفة وأنماط التفكير‪.‬‬
‫ونحن بصدد دراسة النمو والتعلم والتعليم والتفكير والمعرفة تحقيقا ً لهذه‬
‫األهداف‪.‬‬

‫المؤلفة‬
‫وفاء محمد كمال‬
‫‪1‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالته النفسية‬

‫الفصل األول‬
‫إدراك املفاهيم األساسية‬
‫األهداف‪:‬‬
‫بعد دراسة هذا الفصل؛ ينبغي أن يكون الدارس ملمًّا بما يلي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬المفاهيم الرئيسية (الخالفية) من حيث ماهيتها وخصائصها‪.‬‬
‫‪ - 2‬المفاهيم والفرق بينها وبين الرموز‪.‬‬
‫‪ - 3‬مفهوم التعلم والتعليم من وجهة نظر بعض المدارس السيكولوجية‪.‬‬
‫‪ - 4‬مفهوم اللغة و" المفاهيم اللغوية " فيتعرف الدارس على خصائص كل‬
‫منهما ووظائفهما وأهدافهما ومجاالتهما‪.‬‬
‫‪ - 5‬التعرف على عالقة التعلم والتعليم بأساسيات العلم وعالقتهما بنمو‬
‫الشخصية ككل والنمو المعرفي بوجه خاص‪.‬‬
‫‪ - 6‬التعريف بمفهوم اإلدراك أولى العمليات العقلية وأنواعه "إدراك‬
‫حسي" (للغة المسموعة والمنطوقة)‪ ،‬وإدراك المجردات كالمفاهيم‬
‫اللغوية – مفهوم " الحرف" و"الكلمة" و"الجملة"‪.‬‬
‫‪ - 7‬التعريف بأنواع اإلدراك "التلقائي" و"الواعي" بحسب المُدرَك‬
‫"صفات" أم "خصائص" اللغة والمفاهيم"‪.‬‬
‫‪ - 8‬التعرف على أهمية االتفاق على هذه المفاهيم وعدم الخلط بين الثروة‬
‫الكالمية وتعلم القراءة والكتابة ( اإلدراك للمفاهيم اللغوية) ‪.‬‬
‫‪ - 9‬شرح مفهوم القدرات العقلية والعمليات العقلية وأولها اإلدراك‪.‬‬

‫العناصر‪:‬‬
‫أساسيات العلم والمعرفة والتعلم‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫نمو الطفل ومشكالته النفسية‬ ‫‪2‬‬

‫التعلم الذاتي‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫تعريف المفهوم‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫الفرق بين الرمز والمفهوم‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫تكوين المفهوم‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫التعلم اإلدراك‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫أنواع اإلدراك‪ ،‬اإلدراك الحسي (اللغة) والكالم واإلدراك المجرد‬ ‫‪-‬‬

‫للمفاهيم اللغوية‪.‬‬
‫خصائص المفاهيم واللغة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫قضايا رئ يسية في تكوين المفهوم‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫تختلف رؤية المدارس السيكولوجية للمفهوم بحسب تفسيرها لمفهوم‬


‫"التعلم" وأهدافه وخطوات تحقيقه لهذه األهداف‪ ،‬كما تختلف بحسب فهم كل‬
‫مدرسة للعالقة بين "التعلم" و"نمو الشخصية" وتفسيرها لمفهوم "الخبرة"‬
‫و"الممارسة"‪ .‬و"استيعاب الخبرة االجتماعية"‪.‬‬
‫كما تختلف بحسب إدراك "المفاهيم" بعامة و"المفاهيم اللغوية" بخاصة‪،‬‬
‫واستخدام اللغة وفهمها واكتساب وتوظيف المهارات اللفظية وغير اللفظية‬
‫واكتساب المهارات اللغوية‪ ،‬وتوظيف القدرات للوصول للمعرفة‪.‬‬
‫التعريف اإلجرائي للمفهوم‪:‬‬
‫يتيح التعريف اإلجرائي ألي مفهوم فرصة للتعرف على خصائص هذا‬
‫المفهوم‪ ،‬وعلى وجوده‪ ،‬أثناء حدوثه وليس بعد حدوثه‪ ،‬وتوفر هذا التعريف يتيح‬
‫الكشف المبكر للعلل‪ ،‬ويمكَن من التحكم في سيرها‪ ،‬ويضمن تعديل مسارها‪،‬‬
‫وتوظيف كامل لكل القدرات واخراجها في صورة عمليات بما يضمن إعطاء‬
‫أعلى النتائج وأكثرها فاعلية في حل المشكالت المتعددة‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالته النفسية‬

‫ويت ناول هذا الف صل التعريف لخصائص اللغة وتوضيح استخدام الوليد للغة‬
‫منذ بداية مرحلة المهد وبعد "صرخة الميالد" التي تختلف اختالفًا جوهرياً عن‬
‫كونها " لغة "‪.‬‬
‫بالتعرف على خصائص المفاهيم بعامة والمفاهيم اللغوية بخاصة‪ ،‬سيتم‬
‫تحديد تعريف المفهوم "‪ "Concept‬واللغة "‪ "Language‬واالدوات "‪"Tools‬‬
‫والتعلم والمعرفة "‪ "Cognition‬والتفكير "‪"Thinking or Thought‬‬
‫وسيعرض الفصل لتعريف كل هذه المفاهيم من جوانب مختلفة‪.‬‬
‫أوالً ‪ -‬الماهية أو الجوهر‪.‬‬
‫ثانيًا ‪ -‬الوظيفة أو الفائدة واألهداف‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ -‬التكوين ومراحل النمو للمفهوم‪ ،‬وذلك من خالل التعرض لقضايا‬
‫رئيسية في مفهوم التعلم وأهدافه‪:‬‬
‫‪ - 1‬الوعى والمعرفة‪.‬‬
‫‪ - 2‬قضية األدوات واللغة‪.‬‬
‫‪ - 3‬قضية التفاعل االجتماعي واستيعاب الخبرة البشرية‪.‬‬
‫‪ - 4‬مناقشة مفاهيم القدرات العقلية والعمليات العقلية المعرفية‪.‬‬
‫كما يناقش مفهوم "التعلم التعاوني " الذى يتم بالممارسة والمحاكاة إلشباع‬
‫احتياجات اجتماعية ونفسية وتفاعلية‪ ،‬وينتمى بشكل اكبر إلى تعلم الكالم والتعبير‬
‫عن االحتياجات والرغبات ونقل االفكار‪ ،‬وقد تحدث فيه عيوب النطق والكالم‪،‬‬
‫ويفعله الطفل تلقائياً دون وعى بأنه يخرج كلمات‪ ،‬وهذا ما نطلق عليه "لغة" الطفل‬
‫منذ إصداره "للنداء االجتماعي األول" أو البكاء بأصوات مختلفة تعبر عن احتياجه‬
‫للطعام بنغمة معينة‪ ،‬او بكاء االلم والمغص مثالً بشكل خاص مصحوب بضم‬
‫األرج ل للبطن‪ ،‬وينتج عن عدم االستجابة لهذا "النداء االجتماعي" االضطرابات‬
‫السلوكية التي تؤدي في النهاية إلى فقدان الرغبة في الحديث مع اآلخرين وفقدان‬
‫نمو الطفل ومشكالته النفسية‬ ‫‪4‬‬

‫تقدير الذ ات واإلحساس بالدونية‪ ،‬وبالتالي باالنسحاب من المجتمع وعدم الحماس‬


‫للمعايشة االجتماعية والمشاركة في الحياة االجتماعية‪ ،‬ويتمثل هذا االنسحاب في‬
‫اللزمات الحركية أو الحركات العصبية التي يقوم بها أو العبث بأعضائه وهنا يجب‬
‫ان نفرق بين "البيئة الغنية" الدافعة لإلثراء المعرفي وبين "البيئة الفقيرة" التي تبعد‬
‫الطفل عن المجتمع وكأنما أقام "حائط صد" بينه وبين المجتمع‪.‬‬
‫وكأنه أغلق باب الحوار المجتمعي الذى يحاول فيه الطفل العادي الواثق‬
‫من نفسه تكوين صورة عامة لمعالم البيئة التي يعي ش فيها بمعناها الواسع‪ ،‬وهو‬
‫ما يسمى "بتكوين المفاهيم"‪ ،‬وذلك ال يتم إال بعملية تجميع األشياء والمواقف‬
‫والعالمات المتناثرة من خالل محاوالته المتعددة لتفهم معاني األشياء‪ ،‬وإدراك‬
‫العالقات بينها‪ ،‬فيكتشف أوجه "التشابه" و"االختالف" بين األشياء التي يتعامل‬
‫معها والمواقف التي يمر بها‪ ،‬فيبدأ بعملية "التصنيف" التي تمكنه من تقسيم‬
‫األشياء والمواقف إلى مجموعات على أساس الصفات المشتركة بينهما‪ ،‬وعلى‬
‫أساس خصائص كل مجموعة‪.‬‬
‫وبالتالي يصبح أكثر قدرة على تلخيص العالم المحيط به‪ ،‬وتقييم ما يستفيده‬
‫من الخبرات الجزئية التي مرت في خبرته ويعطيها رموزًا معينة‪ ،‬فينتقل‬
‫اإلنسان من مرحلة التعامل مع المواقف "الحسية" المباشرة إلى مرحلة التعامل‬
‫مع "المجردات" و"التعميمات"‪.‬‬
‫ا هتم المربون على مر العصور بتزويد األطفال بالمفاهيم التي توصل إليها‬
‫العقل البشري باختالف طرق التوصيل‪.‬‬
‫فمنهم من يرى ضرورة تزويد الطفل بالخبرات والمفاهيم في صورة‬
‫جاهزة‪ ،‬ومنهم من يشجع "العمليات العقلية" العليا لدى األطفال لتقوم بعملية‬
‫التنظيم الفكري الذي يضمن إيجاد الحلول المناسبة لحل المشكالت‪.‬‬
‫ولقد كان من الطبيعي أنه كلما ازدادت المعارف والحقائق العلمية ازدادت‬
‫حاجتنا "لتصنيف" هذه المعارف والحقائق عن طريق "التعميم"‪ ،‬وأول اهتمام‬
‫‪5‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالته النفسية‬

‫بهذا الموضوع ظهر في الكتاب السنوي ‪ 31‬للجماعة القومية لدراسة التربية‬


‫والذي يش ير في أحد مقاالته إلى أ همية تعلم "أساسيات العلم" الذي تعني‬
‫بتعميماته ويتركز االهتمام أيضا على تعلم "المفاهيم"‪.‬‬
‫ونظرًا للتطور الكمي والكيفي للمعرفة اإلنسان ية أصبحت أحد التحديات‬
‫الرئيسية التي تواجه المربين هي كيف نساعد األطفال على مواجهة هذا‬
‫التطور‪ ،‬وتبعًا لذلك ظهر اتجاهان رئيسيان‪:‬‬
‫األول ‪ -‬االهتمام " بأساسيات العلم" والتي تعني بالمفاهيم والمبادئ التي يمكن‬
‫في ضوئها فهم العديد من الحقائق الجزئية‪ ،‬وكيفية تطوير دور المعلم والنظم‬
‫التعليمية لتحقيق النجاح المنشود‪ ،‬بالنسبة لحصول األفراد على المفاهيم بالشكل‬
‫الذى يجعلها تُستخدم كوسائل لحل كافة المشكالت في شتى المجاالت‪.‬‬
‫الثاني ‪ -‬االهتمام "بالتعليم الذاتي " وتنمية القدرة على متابعة العلم وتطوره‪،‬‬
‫وكيفية االستفادة من هذا "النشاط الذاتي" بتوجيهه الوجهة "الواعية" التي تحقق‬
‫النجاح المنشود للمتعلم‪.‬‬
‫والواقع أن كال االتجاهين يتكامالن‪ ،‬فالقدرة على التعلم الذاتي‪ ،‬وعلى‬
‫متابعة العلم في تطوره ونموه تقتضي التمكن من "أساسيات العلم" أي من‬
‫(مفاهيمه) ومبادئه األساسية‪ ،‬لذلك نجد المفاهيم والمبادئ العلمية وغيرها من‬
‫التعميمات لم تعد اليوم مجرد جانب من جوانب التعلم‪ ،‬بل تعتبر محاور أساسية‬
‫تدور حولها مناهج الدراسة‪.‬‬
‫ويوضح "برونر" (‪ )Broner‬أهمية تدريس أساسيات العلم في النقاط اآلتية‪:‬‬

‫‪ - 1‬إ ن فهم األساسيات تجعل المادة الدراسية أكثر شموالً‪.‬‬


‫‪ - 2‬إ نه ما لم تنظم التفصيالت في إطار كلي فإنها سوف تنسى‪.‬‬
‫‪ - 3‬إن فهم المبادئ واألفكار األساسية قد يكون هو الطريق الرئيسي نحو‬
‫زيادة فاعلية انتقال أثر التدريب والتوظيف والتعلم والتعليم‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالته النفسية‬ ‫‪6‬‬

‫‪ - 4‬أنه عن طريق االهتمام بالتعميمات والمبادئ العلمية يمكن تضييق‬


‫الفجوة بين المعرفة المتقدمة والمعرفة البسيطة‪.‬‬
‫ومن هنا ينبغي أن نشير إلى أن فهم أساسيات العلم من مفاهيم ومبادئ‬
‫وقوانين ونظريات‪ ،‬هو حجر الزاوية في تكوين الرؤية العلمية الثابتة لحقائق‬
‫هذا العلم‪ ،‬وتحقيقًا لشروط التعريف الصحيح وتوحيد المقاصد في الموقف‬
‫التعليمي الحالي الذي يسعى الكتاب لتحقيقه‪ ،‬ال بد من إخضاع التعاريف التي‬
‫وصلتنا للمفاهيم للتحليل بتجميع "خصائص " المفهوم وعدم االكتفاء " بالصفات"‬
‫ومنع خصائص أي معرف آخر من الدخول في تعريفنا للمفهوم‬
‫تعريف المفهوم‪:‬‬
‫تناول الكثير من العلماء تعريف المفهوم‪ ،‬فقد عرفه أوسجد "‪ "Osjed‬بأنه‬
‫" استجابة عامة لعدد من الظواهر والمثيرات التي يشترك بعضها مع البعض‬
‫اآلخر في مظهر من المظاهر"‪.‬‬
‫ويرى فيناك "‪ "Vinacke‬أن " المفاهيم أشكال رمزية تنظم االنطباعات‬
‫الحسية المنفصلة وتعتمد على الخبرة السابقة"‪.‬‬
‫أما ما ورد في قاموس التربية‪ ،‬فيعتبر المفهوم "فكرة أو تمثل للعنصر‬
‫المش ترك الذي يمكن بواسطته التمييز بين المجموعات أو التصنيفات‪ ،‬وهو أيضًا‬
‫أي تصور عقلي عام أو مجرد لموقف أو أمر أو شيء"‪.‬‬
‫ويعرفههه كرونبههاك "‪ "Cronback‬بأنههه‪ :‬عمليههة التعههرف علههى مجموعههة مههن‬
‫المواقههههف بينههههها عنصههههر مشههههترك‪ ،‬وعههههادة مهههها تعطههههي اسههههمًا أو عنوانههههًا لهههههذه‬
‫المجموعهههة‪ ،‬ويشههههير المفهههههوم إلههههى العنصههههر المشههههترك بههههين المواقههههف ويهمههههل‬
‫التفاصيل التي تختلف فيها‪.‬‬
‫أما ما ورد في قاموس التربية‪ ،‬فيعتبر المفهوم (فكرة أو تمثيل للعنصر‬
‫المشترك الذي يمكن بواسطته التمييز بين المجموعات أو التصنيفات)‪ ،‬وهو‬
‫‪7‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالته النفسية‬

‫أيضًا " أي تصور عقلي عام أو مجرد لموقف أو أمر أو شيء"‪.‬‬


‫ويرى "سموك" (‪ )Smoke‬في تعريفه‪" :‬أنه استجابة رمزية عامة‬
‫لمجموعة من المثيرات ليس بالضرورة عناصر مشتركة‪ ،‬ولكنها تتجمع في‬
‫تنظيمات إدراكية أو في أنماط إدراكية معينة"‪.‬‬
‫ويعرفه فاخر عاقل أنه " عملية تمثل وجوه الشبه بين أش ياء أو أوضاع أو‬
‫حوادث مختلفة" ‪ ،‬ويتكون المفهوم عندما يستخلص اإلنسان أوجه الشبه بين‬
‫الموضوعات‪ ،‬إذن هو فكرة تخرج من عالم الفكر "العقل" إلى عالم التعبير عن‬
‫طريق وضعها في قالب "لغوي"‪ ،‬وعلى هذا "فالكلمة" مفهوم منطوق أي فكرة‬
‫في صورة لغوية ناتجة عن عمليات عقلية بالغة التعقيد من تعميم وتجريد‪ ،‬حيث‬
‫ان كلمة (إنسان) أو (حيوان) هي ألفاظ تجمع فيها خصائص الشيء المشتركة‬
‫بين أفرادها‪ ،‬وتضعها في مفهوم واحد‪ ،‬وهى من أهم مثيرات الفكر ‪ -‬فقد يكون‬
‫المفهوم ملموساً م ثل مدرك الزهرة‪ ،‬وقد يكون " مجرداً" كما هو الحال في‬
‫المدرك "جاذبية"‪ ،‬و"المدركات الكلية" ما هى إال استجابات يتدخل فيها عنصر‬
‫االختيار الذي يؤثر في عملية اإلدراك‪ ،‬وهى روابط بين األشياء‪ ،‬ومعنى ذلك‬
‫أن أي رباط بين األشياء او األحداث يمكن ان ينظر إليه على انه إمكانيات‬
‫معينة لتكوين مدرك كلي ومفهوم‪ ،‬ولذلك ال يمكن للفرد ان يكّون المفاهيم‬
‫المجردة إال إذا استطاع ان (يدرك) ما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬العناصر المشتركة المتماثلة بين األشياء‪.‬‬
‫‪ - 2‬إدراك التماثل بين األوضاع لهذه العناصر المتماثلة‪.‬‬
‫‪ - 3‬إدراك التماثل بين األحداث التي تجتمع فيها هذه العناصر وعملياتها‪،‬‬
‫فالمفهوم كما يفسره معجم علم النفس بأنه "حالة نفس ية أو عملية عقلية‬
‫تشير إلى أكثر من موضوع واحد من حيث عالقته بالموضوعات‬
‫األخرى"‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالته النفسية‬ ‫‪8‬‬

‫وهنا تلعب (اللغة) دورًا كبيرًا في تنمية المدركات الكلية‪ ،‬وذلك ألن في‬
‫إمكان اللغة تكوين "تنظيم" "رمزي" مفصل كما أ نها تعمل على تكوين‬
‫اتصاالت رمزية ال حدود لها بين الفرد وبيئ ته‪ ،‬وهنا تظهر أهمية اللغة في‬
‫العملية العقلية القائمة على الترميز للمفاهيم‪ ،‬ويعرف قاموس التربية وعلم النفس‬
‫المفهوم بأنه " صورة ذهنية تمثل العنصر العام أو المسيرة العامة لجماعة ما‪ ،‬أو‬
‫صنف ما دون اإلشارة إلى الصفات العارضة الخاصة بأفراد الجماعة"‪.‬‬
‫ويعرف "ماكدونالد" المفهوم كما ورد في كتاب فؤاد أبو حطب وسيد‬
‫عثمان بأنه "تصنيف للمثيرات"‪.‬‬
‫ويعرفه "ديسيكو" كما ذكره طلعت منصور بأنه "فئة من المثيرات بينها‬
‫خصائص مشتركة‪ ،‬وهذه المثيرات قد تكون أشياء أو أشخاص أو أحداث ويمكن‬
‫في العادة تمي يز المفهوم بواسطة (اسمه)‪.‬‬
‫كما يعرفه "تشايلد" بأنه تعميمات تنشأ من خالل تجريد الخصائص المميزة‬
‫واألساسية لبعض األحداث الحسية وتصنيفها"‪.‬‬
‫ويعرف "استون" (‪ )Eston‬المفهوم باعتباره تجريد للخصائص التي‬
‫ت شترك فيها األشياء أو المواقف أو األحداث‪ ،‬بنفس المنطق يرى زكريا‬
‫الشربيني أن المفهوم هو "فكرة عامة نخرج بها نتيجة لخبرتنا بصنف معين من‬
‫األشياء‪ ،‬ويشترك أفرادها في بعض الصفات"‪.‬‬
‫كما يرى جابر عبد الحميد أن المفهوم " تجميع مجموعة من الوقائع أو‬
‫األشياء على أساس الخصائص التي تميز هذه المجموعة من األشياء عن‬
‫األشياء األخرى"‪.‬‬
‫أشارت جميع التعاريف السابقة إلى "الخصائص" المشتركة‪ ،‬و"الفكرة"‬
‫المجردة‪ ،‬و"االسم" الذي يسمى به المفهوم أو "الكلمة" التي تطلق على المفهوم‪،‬‬
‫وتعتبر هذه الكلمة هي" الرمز " التي يطلقه اإلنسان على المفهوم‪ ،‬في حين أن‬
‫الكلمة طريقة اصطنعها اإلنسان ليرمز بها لحدث أو واقعة‪ ،‬أو مادة تختلف عن‬
‫الخبرة‪ ،‬نجد أن المفاهيم أكثر من ذلك‪ ،‬فهي تنوب عن جملة من الصفات‬
‫المشتركة بين مجموعة الرموز أو الصور‪.‬‬
‫‪9‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالته النفسية‬

‫وهكذا يتضح الفرق بين الرمز (الكلمة) والمفهوم (الفكرة)‪ ،‬فاألول يقوم‬
‫مقام شيء محدد أو واقعة محددة‪ ،‬في حين أن الثاني يمثل شيئًا ما تشترك فيه‬
‫عدة أشياء أو وقائع‪ ،‬وعندما يتعلم الطفل القراءة‪ ،‬فإنه في البداية يتصور‪،‬‬
‫األحرف كرموز وفي وقت الحق فقط (مع التع ليم الذي يهتم بالتكوين اإلرادي‬
‫للمفاهيم اللغوية) يكتسب المفاهيم الخاصة بالحروف‪ ،‬ويعرف أن هناك مجموعة‬
‫من الرموز تجمعها فكرة واحدة وخصائص مشتركة تسمى هذه المجموعة‬
‫"الحروف األبجدية" فيتعرف بذلك بنا ًء على الخصائص الجوهرية لها على أي‬
‫من الحروف أينما وجده‪ ،‬ويستخلص الحرف الذي عليه استخراجه من إحدى‬
‫ال سواء كان في‬
‫ا لكلمات بشكل صحيح‪ ،‬فهو يتعرف على حرف (الدال) "د" مث ً‬
‫ال‬
‫أول الكلمة أو في م نتصفها أو في نهايتها سواء كان مسبوقًا بحرف أو متص ً‬
‫بحرف بعده‪ ،‬سواء كان مكتوبًا أو مسموعًا وأيًا كانت طريقة كتابته‪.‬‬
‫وحينئذ فقط يكون قد تعرف على خصائص المفاهيم الخاصة بالحروف‪،‬‬
‫وتتوقف درجة امتالكه لهذه المعرفة على درجة "وعيه" للمفاهيم وطريقة‬
‫استيعابه لها‪ ،‬هل هي "تلقائية" مباشرة قائمة على حفظ الخصائص المميزة‬
‫للمفهوم عن ظهر قلب‪ ،‬أم هي مكونة طبقًا لخطة دراسية مقصودة‪ ،‬استثارت‬
‫الوعي الكافي للطفل‪ ،‬ليمتلك زمام هذه المفاهيم وتصير خططًا لحل مشكالت‬
‫جديدة‪ ،‬بمعنى "التعلم" و " التعليم"‪.‬‬
‫ويشرح قاموس علم النفس المفهوم أنه ذلك "النمط أو المستوى من العملية‬
‫ا لمعرفية الذي يتميز بالتفكير في الخصائص‪ ،‬والمظاهر‪ ،‬والعالقات بين‬
‫الموضوعات" ويتكو ن المفهوم من إجراء المقارنة‪ ،‬والتعميم‪ ،‬والتجريد‪ ،‬ليصبح‬
‫بعد ذلك التحليل ممكنًا وأداته الرئيسية هي اللغة‪ ،‬ويمثل المفهوم بالكلمة‪ ،‬وهي‬
‫اسم المفهوم‪ ،‬ولكي يستطيع الطفل امتالك ناصية اللغة األم ال بد أن يكّون‬
‫مفاهيم عن عناصر اللغة تنتهي بتكوين المدرك الكلي‪ ،‬وال يتكون هذا المفهوم‬
‫إال بإعمال الفكر بطريقة "واعية" تقوم على أساس التفكير األكثر تركيبًا‪،‬‬
‫نمو الطفل ومشكالته النفسية‬ ‫‪10‬‬

‫المعتمد على "الصيغ الرمزية" مثل; نسق اللغة أو نسق األرقام‪ ،‬فإذا لم يستطع‬
‫اإلنسان تصنيف ما يحيط به من األشياء واألحداث‪ ،‬فيكون من المستحيل عليه‬
‫أن يقوم بالعمليات العقلية شديدة التعقيد‪ ،‬ويستطيع الفرد من خالل تصنيف ما‬
‫يدركه ويميزه أن يقدم العالم لنفسه من خالل تكوين مفاهيم الفئة (وهي ما يمثل‬
‫فئة من الموضوعات)‪.‬‬
‫تكوين المفاهيم‪:‬‬
‫إن عملية تكوين المفهوم عملية ليست سهلة وتحتاج لدرجة كبيرة من‬
‫الخبرة والنمو العقلي إضافة إلى وجوب توافر شرطين لتكوينها‪:‬‬
‫أولهما ‪ :‬هو ضرورة إدراك الفرد للعناصر المشتركة للموضوعات; أو‬
‫األحداث وضرورة تجريده‪ ،‬وذلك لتكوين تعميمات بناء على الخصائص وليس‬
‫بناءً على الصفات‪.‬‬
‫ثانيهما‪ :‬ضرورة أن يكون الشخص قادرًا على "التمييز" بين العناصر‬
‫المتصلة بالمفهوم‪ ،‬وتلك التي ال صلة لها بالتكوين الدقيق لمفاهيمه‪.‬‬
‫بمعنى أن يكون قادرًا على استخالص "الخصائص" دون "الصفات"‪.‬‬
‫تتكو ن المفاهيم في المراحل المبكرة كصور‪ ،‬ونطلق اسم الصورة الذهنية‬
‫‪ Image‬عن االستعادة الذهنية ألحد الموضوعات أو األحداث مما سبق التعرض‬
‫له كخبرة حسية معينة‪ ،‬أيًا كانت الحاسة المستخدمة في إدراكه‪.‬‬
‫ومما تقدم تتضح أهمية العملية العقلية األولى التي ال بد من قيام الطفل بها‬
‫حتى يتمكن من تكوين وتفسير وتأويل ما تأتي به الحواس واستخالص‬
‫الخصائص المميزة للمفهوم مما يلزم بالضرورة التعرض بالتفصيل لعملية‬
‫اإلدراك‪.‬‬
‫حيث يرى الباحث ولش (‪ )Welsh‬أن تكوين المفاهيم يتخذ طابعًا هرميًا‬
‫متدرجًا ‪ ،‬فيبدأ بإدراك (الخصائص) الصفات الحاسمة التي تنتمي إلى إحدى فئات‬
‫‪11‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالته النفسية‬

‫الموضوعات‪ ،‬ثم تحديد الشروط األساسية لتوفرها ثم التوصل إلى فئات أشمل‪.‬‬
‫أوالً ‪ -‬اإلدراك‪:‬‬
‫يتضح من تحليل جميع التعريفات للمفهوم أنها قد أجمعت على وجود عملية‬
‫"اإلدراك" للخصائص المشتركة بين أفراد النوع‪ ،‬ويعتبر اإلدراك انعكاس لعدد‬
‫من المؤثرات الخارجية‪ ،‬إذ هو "المعرفة" الناتجة مباشرة عن هذه المؤثرات‬
‫الموجودة حولنا‪ ،‬واألهم من ذلك أنه "ظاهرة نفسية" تجعلنا نشعر بما حولنا‪،‬‬
‫ونستوعبه في ظروفه الطبيعية‪ ،‬كما أننا نعرف إدراكاتنا الحسية وما تمدنا به‬
‫من "معطيات" حسية و"أفكار" وأحالم "كمعرفتنا" للوجود المادي الخارجي في‬
‫استقاللها عنا‪ ،‬كما أننا في النهاية "نعرف" القضايا التي نعبر بها عن مدركاتنا‬
‫ومش اعرنا وأفكارنا‪ ،‬والموضوعات المادية‪ ،‬أي أننا في النهاية نصب هذه‬
‫المعرفة في "قوالب لغوية"‪ ،‬وهي ما تسمى "مفاهيم" وهي كما يراها (كلوزمير)‬
‫"وحدات البناء العقلي المعرفي للفرد"‪ ،‬وهى البنية المعرفية األساسية للفرد‪ ،‬كما‬
‫انها "األدوات" األساسية التي "يصنعها" العقل لتصبح أدواته التي يستخدمها في‬
‫"التفكير" و"التفاعل" فالفرد يدرك الخصائص المرتبطة بالموضوع ثم يجمعها‬
‫ثم يجردها ويضعها في قالب لغوى لتصبح الفكرة المحركة موضوعة في‬
‫"كلمة" تعبر عن الخصائ ص الجوهرية لهذا المدرك (مفهوم) المدرك‪.‬‬
‫ويقرر "جورج مور" أننا نعرف أوالً باإلدراك المباشر (المالحظة الذاتية)‬
‫ثم بالمالحظة بمعناها الواسع الذي يشمل كل من المالحظة والتجربة الذاتية‬
‫الخاصة بمشاعرنا وأفكارنا‪ ،‬والمالحظة والتجربة بمشاعر وأفكار اآلخرين‪،‬‬
‫وأخيرًا نعرف باالستدالل العقلي الذي يقوم على "التعميم"‪.‬‬
‫تعريف اإلدراك‪:‬‬
‫هو أولى العمليات العقلية التي نبدأ بها التفكير‪ ،‬أدرك الشيء أي عرفه ‪-‬‬
‫فهمه ‪ -‬فسره ‪ -‬ألم به ‪ -‬أحاط به علمًا‪ ،‬ولقد اختلف العلماء في تناولهم لتعريف "‬
‫اإلدراك" ; تناوله فريق منهم بصفته انعكاس للواقع المادي المحسوس‪ ،‬وترجمة‬
‫نمو الطفل ومشكالته النفسية‬ ‫‪12‬‬

‫له في شعور المدرك‪ ،‬في حين تناوله الفريق اآلخر بصفته عملية عقلية أكثر‬
‫تعقيداً من مجرد االنعكاس للواقع الخارجي‪ ،‬وتتمثل في "التنظيم العقلي" القائم‬
‫على التصنيف والترميز والتعميم وتهدف لتكوين "المفاهيم العلمية" لكي تضمن‬
‫حل المشكالت بجميع أنواعها وإعادة التوافق بمعناه العام إلى حياة الفرد ككل‪.‬‬
‫وهكذا نرى فريق من العلماء توقف عند حد "تفسير" اإلدراك الحسي‬
‫وقوانينه وشروطه‪.‬‬
‫وفريق آخر درس اإلدراك في " تطوره كعملية عقلية عليا"‪ ،‬تصل إلدراك‬
‫الكليات والمفاهيم ودراسة أنواع المدركات ومراحل نمو عملية اإلدراك ذاتها‪،‬‬
‫وشروط هذا النمو ووسائل ارتقاؤه وتنشيطه‪.‬‬
‫[أ] اإلدراك الحسي‪:‬‬
‫يرى العالم النفسي "وليم جيمس" أن "الشعور باألشياء المادية الخاصة‬
‫الحاضرة عند الحس هو ما نسميه في هذه األيام إدراكًا حسيًا‪ ،‬والشعور بهذه‬
‫األشياء يختلف في الكمال والنقصان‪ ،‬فقد يكون قاصرًا على اسم الشيء فقط أو‬
‫على خصائصه الجو هرية األخرى ويشمل ما تستدعيه هذه األشياء من معان‬
‫مختلفة وعالقات بعيدة‪ ،‬إذا اإلحساس مضافًا إليه ما يتمثل في الذهن من المعاني‬
‫المتعلقة به هو ما يكون اإلدراك الحسي‪ ،‬وهذا ما يدركه الطفل باالستماع للكالم‬
‫وإصدار أول صراخ بهدف النداء االجتماعي والتواصل االجتماعي‪.‬‬
‫أما "روستان" (‪ ،)Rostan‬فيرى أن "اإلدراك الحسي يتضمن شيئًا أكثر‬
‫من اإلحساس‪ ،‬فهو يشمل ألفاً من الذكريات التي تضاف إلى المحسوس الظاهر‬
‫لتكمله ولتضبط معناه"‪.‬‬
‫ومن ثم يعتبر اإلدراك الحسي شيء أكثر من "اإلحساس" األولى‪ ،‬فهو‬
‫إدراك األشياء من حيث أشكالها وأحجامها وأعدادها‪ ،‬ومن حيث حركتها‬
‫وسكونها‪.‬‬
‫‪13‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالته النفسية‬

‫واإلدراك هو العملية التي تتم فيما بين اإلحساس واالستجابة‪ ،‬بمعنى أنه‬
‫مجموعة العمليات الداخلية المتمثلة في نشاط الخاليا العصبية الذي ينتقل من‬
‫الحواس التي أثيرت إلى المخ‪ ،‬حيث يترجمها إلى معان ويجسمها في صورة‬
‫موضوعات وحوادث في ال بيئة الخاصة بالفرد‪ ،‬وهذه العملية " الوسيطة" ال‬
‫توجد إال عند اإلنسان‪ ،‬حيث أن جميع استجابات الحيوانات تتم مباشرة فور‬
‫اإلحساس بالمثير ترسل اإلشارات الخاصة بهذا المثير إلى الخاليا العصية بالمخ‬
‫ليرسل رد الفعل مباشرة‪ ،‬فاإلحساس عند الحيوان يتم كحلقة مكونة من‬
‫عنصرين (المثير ‪ -‬االستجابة)‪ ،‬وهذه العملية تسمى اإلحساس وهي تظهر عند‬
‫اإلنسان في حاالت الفعل المنعكس ورد الفعل الطبيعي‪.‬‬
‫ويبدأ اإلدراك بالمثير واإلحساس بهذا المثير‪ ،‬ثم عملية وسيطة تنتهي‬
‫باالستجابة‪ ،‬وهذا ما يسمى باإلدراك الحسي‪ ،‬ويقصد به "قيام الفرد بتنظيم أو‬
‫تفسير‪ ،‬أو تصنيف لما يرى أو يسمع أو يلمس‪ ،‬فهو عملية "تأويل" لإلحساسات‬
‫تأويالً يزودنا بمعلومات عما في عالمنا الخارجي من األشياء‪ ،‬وهو العملية التي‬
‫تتم بها "معرفتنا" لما حولنا من أشياء عن طريق الحواس "‪ " ،‬فالمنبهات الحسية‬
‫حين تقرع حواسنا ينتقل اثر هذه المنبهات عن طريق أعصاب خاصة ‪ -‬هى‬
‫األعصاب الموردة ‪ -‬إلى مراكز عصبية في المخ‪ ،‬وهناك تترجم هذه األشياء إلى‬
‫حاالت شعورية نوعية بسيطة هي ما تعرف باإلحساسات"‪.‬‬
‫وتتأثر المدركات الحسية بمدى نضج الحواس المختلفة التي ترصد وتسجل‬
‫المثيرات الخارجية‪ ،‬وتتأثر أيضا بمستوى نمو الجهاز العصبي المركزي الذي‬
‫يتلقى هذه الصور الحسية ويضفي عليها المعاني النفسية الصحيحة‪ ،‬وهذا‬
‫يوضح أن اإلدراك الحسي ليس مجرد إحساس سمعي‪ ،‬بصري‪ ،‬شمي‪ ،‬وبالتالي‬
‫فنحن ال نرى أو نسمع منبهات حسية أو سمعية‪ ،‬بل نرى أشياء وأحداث‬
‫ومناظر‪ ،‬ونسمع أصوات نميز منها صوت اإل نسان‪ ،‬أو الحيوان‪ ،‬ثم ندرك ما‬
‫وراء تلك اإلحساسات السمعية والبصرية ونعطيها "معنى خاص" بواسطة‬
‫نمو الطفل ومشكالته النفسية‬ ‫‪14‬‬

‫(عمليات وسيطة) تحقق "اإلدراك" والتكيف والتوافق مع البينة الخارجية‪.‬‬


‫وهذا ما يحدث عند طف ل المهد حينما يقارن بين وقع أقدام األم وهي تقترب‬
‫(بارتفاع الصوت) وبين صوت أقدامها وهي تبتعد (بانخفاض الصوت) كما‬
‫يسمع صوته هو في النداء بالصراخ الذي "يعدله" و"يغيره" بحسب تحقيقه‬
‫"للهدف" وهو استدعاء األم‪ ،‬إذن صراخ الوليد في المهد "لغة"‪ ،‬ويتعلم "تنغيم"‬
‫الصوت إلى أن يحقق التفاعل االجتماعي المطلوب (اللغة المسموعة المنطوقة)‪.‬‬
‫ويرى إيرلباخ وانهيلدر وتسهندر ‪(E, Erlebach, Inhelder,‬‬
‫)‪ K.Zehner‬أن اإلدراك " انعكاس للبيئة الخارجية‪ ،‬وهذا اإلدراك ينتهي في‬
‫داخل الطفل إلى الشعور أو الالشعور "‪.‬‬
‫ونحن ال ندرك في العادة كل المثيرات الصادرة من المنبهات الخارجية‬
‫المحيطة بنا‪ ،‬وإنما ندرك بعضها فقط‪ ،‬ونغف ل عن إدراك بعضها اآلخر‪ ،‬ويلعب‬
‫االنتباه دورًا مهمًّا في تحديد الموضوعات التي ندركها‪ ،‬حيث أن هناك عالقة‬
‫وثيقة بين اإلدراك واالنتباه‪ ،‬فنحن ندرك عادة ما ننتبه إليه‪ ،‬كما أن كال من‬
‫اإلدراك واالنتباه يؤديان إلى نتيجة واحدة وهي الوعي باألشياء الخارجية‬
‫وبأنفسنا‪ ،‬غير أنه يمكن أن نميز بين اإلدراك و"االنتباه" على أساس أن االنتباه‬
‫يسبق اإلدراك‪ ،‬ويمهد له‪ ،‬ولكن ليس من الضروري أن يتم اإلدراك إذا ما حدث‬
‫االنتباه‪ ،‬فقد ننتبه إلى شيء ما لندركه‪ ،‬ولكننا قد نفشل في إدراكه‪.‬‬
‫ويختلف اإلدراك عن "االنتباه"‪ ،‬فاالنتباه حالة تصاحب العمليات العقلية‪،‬‬
‫فقد ننتبه لشيء وال ندركه‪ ،‬ألنه لم يسبق أن وقع في مجال خبرتنا بمعنى أن‬
‫مثير ما قد آثار انتباهنا ولم نفهمه‪ ،‬كذلك يمكن أن تتم بعض العمليات اإلدراكية‬
‫بدون حاجة إلى تركيز االنتباه عليها‪ ،‬كما هو الحال عندما يتقن الفرد عملية‬
‫عقلية معينة حتى تصبح آلية األداء فيتصرف الفرد كأنما يقوم بها بدون انتباه‬
‫إلى خطواتها‪ ،‬وقد يعرقلها إذا ركز انتباهه عليها‪.‬‬
‫أما اإلدراك فيتضمن التنظيم والتفسير لما ندرك‪ ،‬بينما ال يتضمن االنتباه‬
‫‪15‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالته النفسية‬

‫أي عملية للتنظيم أو التفسير‪ ،‬فقد ينتبه مجموعة من األفراد إلى شيء معين ثم‬
‫نالحظ أن كال منهم قد أدركه بطريقته الخاصة‪.‬‬

‫وذلك أن الفرد بما لديه من اتجاهات وخبرات وقيم وذكريات وأفكار ودوافع‪،‬‬
‫وهذه كلها حصيلة لتفاعل الفرد مع بيئته‪ ،‬خاصة ببيئته االجتماعية يتأثر بها‬
‫إدراكه للمؤثرات وتفسيره للحوادث التي يقع عليها انتباهه‪ ،‬أي أن اإلدراك يتوقف‬
‫على عوامل موجودة في البيئة‪ ،‬أو في طبيعة المثير نفسه من حيث شدته ونوعه‬
‫ولونه وحجمه‪ ،‬وأيضًا على التفاعل الذي يتم بين هذه العوامل‪.‬‬

‫ويرى علماء النفس الترابطي أن األشياء تبرز في مجال إدراك اإلنسان‬


‫نتيجة "نشاط" عقلي يربط بين إحساسات منفصلة مختلفة‪ ،‬ومن هذا الترابط نتكون‬
‫األشياء والمفاهيم التي يدركها اإلنسان‪ ،‬كما يتكون الحائط من قوالب مترابطة‬
‫متراصة‪ ،‬ويعطي هؤالء الترابطيون أهمية كبرى ألثر البيئة في اإلدراك‪،‬‬
‫وألهمية الخبرات الماضية وأثرها في الحاضر‪ ،‬مع نظرتهم إلى الفرد باعتباره‬
‫آلة تقوم بالتجميع والتخزين والتعميم والفهم والوعي وتصور بناء معرفي مكون‬
‫من المفاهيم التي سبق تعريفها بأنها "فكرة أو تمثيل للخصائص المشتركة بين‬
‫التصنيفات"‪ ،‬أو هي" تصور عقلي عام مجرد للموضوع محل اإلدراك"‪ ،‬فهي‬
‫تمثل الخصائص المشتركة للمدرك الكلى‪ ،‬وتصور الشخص نفسه لهذا المدرك أو‬
‫تصوره العقلي لهذا المفهوم‪ ،‬فهو إذن عملية تعرفت على الخصائص وأقامت‬
‫بينها عالقات بعد عمليات عقلية كالمقارنة والتعميم والتجريد‪.‬‬
‫أما مدرسة الجشطلت (‪ ،) Gestalt‬فقد أظهرت اتجاه آخر‪ ،‬فهي ترى أن‬
‫العالم الذي يحيط باإلنسان يتألف من أشياء ومواد منظمة وفق قوانين خاصة‪،‬‬
‫وبفع ل عوامل خارجية موضوعية تشتق من طبيعة هذه األشياء نفسها‪ ،‬وتنتظم‬
‫المنبهات الحسية في وحدات وصيغ مستقلة في اإلدراك‪ ،‬وهذا ما يعرف بعملية‬
‫" التنظيم الحسي" بحيث تنتظم المنبهات على شكل وحدات بارزة مستقلة‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالته النفسية‬ ‫‪16‬‬

‫بهذا اإلدراك السمعي "للغة" ينظم الطفل المثيرات السمعية في صيغ‬


‫مستقلة في اإلدراك حتى يضفي عليها "معنى" و"داللة"‪ ،‬وهي ما تعرف بعملية‬
‫"التأويل" ‪ ،‬وهذه التأويالت التي يضيفها اإلنسان لترجمة تلك اإلحساسات‬
‫المختلفة ما هي إال معان متعلمة يتعلمها اإلنسان في مراحل نموه المختلفة‪،‬‬
‫فعندما نسمع األصوات نؤولها بناء على الخبرات السابقة لدينا‪ ،‬أما إذا كانت‬
‫الصيغ جديدة وغريبة عجزنا عن "تأويل" معناها وتعريفها‪ ،‬لذلك يختلف األفراد‬
‫في إدراكهم للشيء الواحد اختالفاً كبيرًا لما بينهم من فوارق في السن والخبرات‬
‫والثقافة والمعتقدات‪.‬‬
‫إذا فاإلدراك عملية "تمييز" بين المنبهات التي تتأ ثر بها الحواس المعروفة‪،‬‬
‫و"تفسير" معا ني تلك المنبهات‪ ،‬واإلدراك هذا يتخلل عمليات الحواس‪ ،‬فيظهر‬
‫أثر ه في السلوك في صورة االستجابة المناسبة التي تحقق التكيف والتوافق مع‬
‫البيئة الخارجية المحيطة بالفرد‪.‬‬
‫ال بُدَّ أن نشير إلى العالقة بين "اإلدراك" و"السلوك" حتى نتوصل إلى‬
‫معرفة الرابطة بين السلوك والو عي‪ ،‬في حالة من حاالته عندما يكون بمثابة‬
‫الموجه للسلوك سواء كان المثير خارجيًا أو داخليًا‪ ،‬وهو في هذه الحالة يكون‬
‫مجرد فكره تطرًا على اإلنسان‪ ،‬فتغير "اتجاهه" أو "سلوكه" وتعدل "استجابته"‬
‫وتتجلى هذه العالقة في المثال التالي حينما يمنع اإلنسان رد الفعل الفسيولوجي‬
‫ويعدل االستجابة الطبيعية لمث ير كالحرارة مثال‪ ،‬وهذا السلوك ال يمكن أن يسلكه‬
‫أي حيوان‪.‬‬
‫ال وأتب ين أنه ساخن بعدما رفعته لدرجة أنه‬
‫عندما أمد يداي ألرفع إناء مث ً‬
‫سيضر يدي‪ ،‬فهل سيكون سلوكي أن ترتد يداي مباشرة واترك اإلناء ليسقط‬
‫على األرض؟ الواقع الفعلي يؤكد عك س ذلك لدى اإلنسان‪ ،‬فسأجدني أتحمل أن‬
‫تحترق يدي حتى أجد مكان آمن أضع فيه اإلناء المملوء الساخن ألنني لو تركته‬
‫"برد فعل" فسيولوجي كما يفعل الحيوان‪ ،‬ستكون النتيجة أن يسقط على األرض‬
‫‪17‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالته النفسية‬

‫وقد يكون الضرر أبلغ‪ ،‬تتجلى في هذا المثال المرحلة الوسيطة التي تسمى‬
‫اإلدراك‪ ،‬فقد تم إرسال الشعور بالحرارة إلى المخ وكان الرد الطبيعي أن أبعد‬
‫يداي عن مصدر األلم‪ ،‬ولكن حدثت عمليات "تفسير" و"تأويل" للمثير ثم‬
‫"تصور ذهني" لما يمكن أن يحدث‪ ،‬ثم "تقدير" و"مقارنة" بين استجابتين‪ ،‬ثم‬
‫"اختيار" أقلهما ضررًا ‪ ،‬إذن العمليات العقلية التي تمت‪ ،‬والتنبؤ بالنتائج‪،‬‬
‫واستعادة الخبرات‪ ،‬كل هذه عمليات عقلية بالغة التعقيد‪ ،‬تمت في لحظات تدخل‬
‫اإلدراك لمفهوم الحرارة في بدايتها حتى انتهت بالسلوك التكيفي النهائي‪.‬‬
‫[ب] اإلدراك كعملية عقلية‪:‬‬
‫وهكذا يتبين أن اإلدراك ليس مجرد استنساخ ما في البيئة من منبهات عن‬
‫طريق الحواس فق ط‪ ،‬وإنما هو عملية معقدة يؤديها الدماغ تتضمن الغربلة‬
‫والتصنيف والتعليل والتفسير لطبيعة تلك المثيرات‪ ،‬وما أدركه فيها هل أدرك‬
‫صفاتها أم أدرك خصائصها مثلما يحدث عند إدراك المفاهيم اللغوية‪ ،‬إما أن‬
‫تتكون لدى "أشباه مفاهيم" مختلفة في حالة إدراكي "لصفات" الحروف‬
‫وا لكلمات المكتوبة أو المقروءة أو ينتج لدى "مفاهيم لغوية" واضحة‬
‫"بخصائصها" التي تميز صورة وصوت وشكل كل حرف مكتوب سواء كان‬
‫في أول الكلمة أو وسطها أو آخرها‪.‬‬
‫ويستطيع اإلنسان من خالل اإلدراك ان ينظم إحساساته ويلم بالواقع‪ ،‬حيث‬
‫يعتبر اإلدراك إلمام وإحاطة بالعالم الخارجي بمساعدة الحواس‪ ،‬أي بصفته‬
‫عملية تنظيمية لما تأتي به الحواس‪.‬‬
‫قال "بيبرون" (‪ " )Pebron‬اإلدراك هو اإللمام الحسي باألشياء واألحداث‬
‫الخارجية التي تولد إحساسات كثيرة ومعقدة‪ ،‬وينظر بيبرون لإلدراك بوصفه‬
‫تفسيرًا وتحديدًا للداللة‪ ،‬يبني على التجربة وتستند هذه التجربة بدورها على‬
‫ردود الفعل المنعكسة الناشئة عن المنبهات والمثيرات الخارجية المحيطة‬
‫بالفرد ف ي مستوى ما تحت قشرة الدماغ‪ ،‬وإذا امتنعت هذه التجربة في المجال‬
‫نمو الطفل ومشكالته النفسية‬ ‫‪18‬‬

‫الحسي استحال االستخدام اإلدراكي لما يستخدمه الجهاز العصبي في مستواه‬


‫البنائي الوراثي"‪.‬‬
‫ولقد وافق "جان بياجيه" (‪ )Jean Piajet‬على هذا الرأي‪ ،‬ولكنه تحفظ‬
‫ال فيما يتعلق بالتجربة واألبنية‪ ،‬وأكد دور التوازن في هذا الصدد‪ ،‬فاإلنسان‬
‫قلي ً‬
‫قادر عل ى أن يعيد تكوين المربع‪ ،‬وأن يرسمه من جديد بفضل قابلية إعادة‬
‫الشيء إلى وضعه األول; وهي قابلية االنقالب والتوازن‪ ،‬وهذا المستوى‬
‫المتوازن هو اإلدراك‪.‬‬
‫وركز عماد الدين اسماعيل في عرضه لإلدراك على وظيفة االستجابة‬
‫األخيرة التي يمكن أن تخضع للقياس " اإلدراك هو المعنى أو التفسير الذي‬
‫يعطيه الكائن الحي للظواهر الطبيعية المحيطة به كما يبدو ذلك في استجابته‬
‫التمييزية لهذه الظواهر سواء عن طريق اللفظ أو عن طريق االستجابة‬
‫الظاهرية المتمثلة في سلوك"‪.‬‬
‫وال يقف الطفل موقفًا سلبيًا تاركًا زمام القيادة كله للكبار‪ ،‬ولكنه يحاول قدر‬
‫استطاعته أن يضم جديدًا إلى خبرته‪ ،‬وكما يعبر بالوين (‪" )Bladwen‬إن للطفل‬
‫حافزًا قويًا للنشاط واستكشاف البيئة المحيطة ويظهر هذا الحافز في سن مبكرة‬
‫جدًا‪ ،‬ويظهر الطفل حبًا لالستطالع وخاصة في الجديد غير المتوقع من مقومات‬
‫خبرته‪ ،‬ويظهر أن هذا السلوك تلقائي‪ ،‬إذ إ نه يحدث حينما ال تكون هناك دافع‬
‫خارجي‪ ،‬أي أنه نشاط ذاتي يتم إلشباع حاجاته‪.‬‬
‫ويرى كالباريد ( ‪ )Clabarid‬أن " كل حاجة يتطلب إشباعها تدخل النشاط‬
‫العقلي‪ ،‬تظهر قبل أوانها"‪.‬‬
‫فمثالً ال أحد يعلم أن الطفل يجرب مذاق التراب أو يالحظ القطة التي‬
‫خرجت من الغرفة أو يستكشف بأصابعه ما في إبريق الشاي‪.‬‬
‫ويطلق "رسل" (‪ )Russell‬على باكورة تعلم اللغة تسمية بعض األشياء‬
‫‪19‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالته النفسية‬

‫التي تقع في محيط رؤية الطفل كالقطة والزهرة والطائر اسم التعريف‬
‫الظاهري‪ ،‬حيث يسميها جميعًا باسم واحد تشترك بسببه في خاصية معينة‪،‬‬
‫فالطفل هنا ال يعطى الت سمية السليمة للمدرك‪ ،‬وقد يطلق تسمية لمدرك ما من‬
‫عنده‪ ،‬كما هو الحال حينما يرى الحرف المكتوب ويطلق اسم واحد على كل‬
‫من‪( :‬ب ت ث‪ ،‬ج ح خ ‪...‬إلخ)‪.‬‬
‫هذا وقد أيد "وتجنستين" (‪ )Wittgenstein‬ما قاله "رسل" ومعنى ذلك أن‬
‫الطفل خلق أسماء لمدركات ويبقي عليه أن يغ ير هذه األسماء ويحل محلها‬
‫التسميات التي نستخدمها نحن الكبار‪ ،‬لكن هذه العملية صعبة بالنسبة للطفل‪،‬‬
‫ومن المحتمل أن يختفي التعريف الظاهري عندما يبدأ الطفل فعالً تعلم اللغة‪،‬‬
‫وهذا التعلم والفهم يتضمن‪ :‬أن تدرك ما أعني‪ ،‬وأن تدركه إدراكًا صحيحًا‪ ،‬ال‬
‫يمكن أن يكون هذا مجرد استجابات سلوكية‪ ،‬وقد ال يعني أول تعلم للكلمات وما‬
‫يالزمها من تكوين المدركات والمعاني استخدامًا للغة‪ ،‬فنحن نعلم الطفل تدريجيًا‬
‫كيف يتعرف على "الكرات" و"الزجاجات" و"قطع البسكويت" فنسمي الشيء ‪-‬‬
‫في نفس الوقت الذي نتناوله ونتعامل معه العملية العقلية تسمى الترميز ‪ -‬وقد‬
‫يستطي ع الطفل تكوين بعض المدركات دون توجيه من اللغة‪ ،‬بل إننا قد نميز بين‬
‫شيئ ين دون أن نستطيع التعبير الدقيق عن الفرق بينهما‪.‬‬
‫ويمكن أن نكون مدركات على مختلف مستويات الوعي ابتداء من مستوى‬
‫التعرف المتردد ‪ -‬عندما نرى شيئًا ما ‪ -‬إلى المستوى الذي نستطيع فيه أن‬
‫نستخدم مفهوم الفئة وبه نتعرف على شيء ما‪.‬‬
‫المستوى األول ملموس ومحسوس‪ ،‬وهو بسيط في غير تعقيد‪ ،‬والمستوى‬
‫األخير مبنى على تعريف معنوي‪ ،‬وهو بهذا أكثر تعقيداً وأصعب في عملية‬
‫التعرف‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد اعتبرت "مارجريت كورثي" ( ‪ )Margreret Corthe‬أن‬
‫"المدرك" أحد عناصر الخبرة المباشرة وأنه ذو القدرة على الترميز الوظيفي‬
‫نمو الطفل ومشكالته النفسية‬ ‫‪20‬‬

‫للداللة ع لى استجابة ألي فئة من الموضوعات أو العالقة ذات الصفة‬


‫المشتركة"‪ ،‬ونالحظ هنا أنها عمدت في تعريفها للمدرك‪ ،‬أنه أحد عناصر‬
‫الخبرة‪ ،‬فقد نستخدم الجزء للداللة على الكل‪ ،‬كما يحدث في نمو المدركات عند‬
‫األطفال‪ ،‬وأن المدرك يعمل بطريقة وظيفية بما له من قدرة على استدعاء‬
‫االستجابة المناسبة لفئة معينة من الموضوعات المتشابهة أو للداللة على عالقة‬
‫مشتركة بين موضوعات الفئة‪.‬‬
‫ويتدرج المدرك في نموه تبعًا لخطوات أساسية معينة‪ ،‬إلى أن يكتمل هذا‬
‫النمو‪ ،‬ويتخذ شكله النهائي لدى الفرد; حيث تصبح المدركات التي تم تكوينها هي‬
‫نفس المدركات المتفق عليها لدى األفراد اآلخرين‪ ،‬فحينما يبدأ الطفل في التعامل‬
‫مع العالم الخارجي‪ ،‬ومع من حو له‪ ،‬يبدأ في مرحلة تكوين المعاني والمدركات‬
‫بالنسبة لألفراد واألشياء‪ ،‬ويكون الطفل معاني األشياء‪ ،‬حينما يدرك الوظيفة التي‬
‫تؤديها هده األشياء‪ ،‬وفي نفس الوقت يتعلم اللفظ الذي يشير إليها; حيث يعتبر‬
‫العامل المساعد الذي يؤدي به إلى تمييز سائر األشياء بعضها عن البعض‪.‬‬
‫أما إذا كنا بصدد تكوين مدرك "الحرارة" لدى الطفل‪ ،‬فإنه يبدأ في التكوين‬
‫والنمو حينما يجلس هذا الطفل بجوار ضوء مصباح كهربائي‪ ،‬فإنه سرعان ما‬
‫يمد يده في الحال تجاه هذا الضوء محاوالً لمس المصباح‪ ،‬وفي هذه اللحظة‬
‫ال كلمة "ساخن" وهذا التحذير قد‬
‫يسمع الطفل تحذيرًا من شخص راشد مستعم ً‬
‫يجعل الطفل يسحب يده‪ ،‬أو ربما قد يستمر ليصل إلى مصدر الضوء حتى‬
‫تلمس يداه السطح الساخن‪ ،‬وحينئذ يسحبها بسرعة‪.‬‬
‫وفي موقف آخر حينما يمد الطفل يده إلى شمعة مضاءة فإنه يسمع في نفس‬
‫الوقت التحذير نفسه الذي سمعه في الموقف السابق وهو كلمة " ساخن" وفي‬
‫موقف ثالث يسمع الطفل هذه الكلمة أيضًا وهي "ساخن" حينما ينظر بشغف إلى‬
‫ضوء عود الثقاب لوفي كل األحوال يتصرف الطفل نفس التصرف بأن يسحب‬
‫يده بعيدًا عن مصدر الحرارة‪.‬‬
‫‪21‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالته النفسية‬

‫ومن هذه األمثلة نستدل على أن الطفل يستطيع تكوين مدرك "الحرارة"‬
‫على الرغم من أنه قد يعممه بطري قة خاطئة في بعض األحيان‪ ،‬فقد يتكون تبعًا‬
‫لكلمة "ساخن" لدى الطفل بعض الصفات غير الرئيسية في تعريف "ساخن"‪،‬‬
‫فالطفل يقوم بتعميم بعض الصفات التي الحظها أثناء الربط بين تحذير "ساخن"‬
‫وبين شكل أو لون الشيء الساخن‪ ،‬لذلك فقد اعتبره "وارن" (‪" )Waren‬حالة‬
‫عقلية تشير إلى مجموعة من الموضوعات أو الخبرات أو إلى موضوع واحد‬
‫في عالقته بغيره من الموضوعات"‪.‬‬
‫أما "انجليش" (‪ ،)English‬فقد نظر للمدرك بمعناه الواسع واعتبره "أي‬
‫موضوع شعوري يتضمن معنى وداللة‪ ،‬فهي أي شيء يمكن أن يفكر فيه الفرد‪،‬‬
‫ويميزه عن غيره من األشياء األخرى‪ ،.‬كما اعتبره "معنى عام أو كلي يمكن أن‬
‫يتنبأ به عدد من األفراد"‪ ،‬وهو المعرفة التي ال تدرك مباشرة عن طريق اإلدراك‬
‫الحسي‪ ،‬ولكن يكون نتيجة الستنتاج العالقة بين مجموعة من المدركات الحسية‪.‬‬
‫في حين يرى " فيرنبالك "(‪ )Vernplank‬أن المدرك" استجابة لفظية أو‬
‫حركية تحدث بطريقة متميزة ومض بوطة لفئة محددة من المثيرات أو‬
‫الموضوعات البينية‪ ،‬وقد تختلف أعضاء الفئة فيما بينها من جميع النواحي فيما‬
‫عدا خاصية واحدة قابلة للقياس"‪.‬‬
‫وأغلب المدركات عبارة عن حاالت تشير إلى خاصية عامة مثل األرض‪،‬‬
‫الكلمة‪ ،‬الجملة‪ ،‬السرعة والطول ونحوها‪.‬‬
‫أما "أدكوك" (‪ )Adcock‬فيؤكد على أ همية الرموز في تكوين اإلدراك‬
‫فيقول " أنه من خالل محاوالتنا للوصول إلى حقائق نحاول ان نقيم الوحدة‬
‫والتكامل فيما بين وحدات متعددة وأجزاء كثيرة نتعرف عليها‪ ،‬ومن أجل‬
‫مواجهة هذا الحشد من الحقائق ال بد أن نلجأ إلى رموز معينة بحيث يعبر الرمز‬
‫عن مجموعة من األشياء المتشابهة"‪.‬‬
‫وباختصار‪ ،‬فنحن ال ندرك الحقيقة في إجمالها‪ ،‬وما محاولة تحليلها إلى‬
‫نمو الطفل ومشكالته النفسية‬ ‫‪22‬‬

‫عناصر إال رغبة في تسهيل عملية فهمها‪.‬‬


‫وكان يرى "لوريمر" (‪ )Lorimar‬أنه‪" :‬نمط من السلوك المضمر تمركز‬
‫في كلمة أو رمز ذي نشأة اجتماعية"‬
‫وهو من وجهة نظر "ودورث" (‪" )Wodorth‬اإلحاطة أو السيطرة على‬
‫أكثر من شيء أو موقف حسي مفرد‪ ،‬بحيث يكون على الشخص المفحوص أن‬
‫يتقدم باستجابة تنتج عن صنف من األشياء واستجابة مغايرة لألشياء التي ال تتبع‬
‫هذا الصنف"‪.‬‬
‫في حين يجعل "دورث" من المدرك تفسيرًا لالستقراء ومرادفًا له"‪ .‬يتضح‬
‫من كل التعريفات الساب قة التي تناولت المدركات بصفتها موضوعات يقوم‬
‫المدرك لها بعملية عقلية‪ ،‬يجمع فيها الخصائص المميزة لهذه الموضوعات‪،‬‬
‫والصفات المشتركة بينها ويصنف هذه الموضوعات‪.‬‬
‫وينتج عن هذه العمليات العقلية رموزًا ومفاهيم تختلف باختالف طرق‬
‫ال‬
‫تكوينها‪ ،‬كما تحدد درجة وعي ال فرد بهذه المفاهيم إمكانية استعماله لها استمعا ً‬
‫سليمًا يتيح له التوافق المناسب للبيئة وحل مشكالتها‪.‬‬
‫وهذه المفاهيم تعتبر رموزًا تنوب عن مجموعة من المخططا ت األولية‬
‫والصفات المشتركة بين هذه المخططات‪.‬‬
‫يتضح مما تقدم انقسام التعريف إلى جانبين; جانب يهتم باإلدراك الحسي‬
‫وجان ب يوضح أهمية العملية العقلية في اإلدراك‪ ،‬ويتسم اإلدراك الحسي بأنه‬
‫أقل نضجًا وأقل تعقيدًا‪ ،‬في حين أن اإلدراك العقلي أكثر نضجًا ورقيًا‪ ،‬فهو قائم‬
‫على أعمال افكر والنشاط العقلي الذي يتخذ من عمليات التعميم والتجريد‬
‫والتنظيم أساسًا لتكوينه‪.‬‬
‫وينقسم نتاج هذا كله أيضًا إلى قسمين‪ ،‬حيث يتبين أن هناك نوعين من‬
‫المفاهيم لهما من الخصائص ما يشابه خصائص كل من اإلدراك الحسي‬
‫واإلدراك العقلي الفكري‪ ،‬فهناك المفاهيم الحسية‪ ،‬والمفاهيم المجردة‪ ،‬وكالهما‬
‫‪23‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالته النفسية‬

‫يصب في "قالب لغوي" حتى يمكن نقل أفكارنا إلى اآلخرين‪ ،‬وحتى تتوارث‬
‫اإل نسانية التراث البشري‪ ،‬وحتى ال تبدأ األجيال حياتها وحضارتها من الصفر‪.‬‬
‫مما تقدم‪ ،‬يمكن استخالص ثمانية خصائص للمفاهيم‪:‬‬
‫‪ - 1‬هي أدوات مصنعة‪.‬‬
‫‪ - 2‬قصدية تم تصنيعها قصدًا بطريقة متعمدة‪.‬‬
‫‪ - 3‬تسعى لتحقيق هدف عقلي نفسي اجتماعي وليس إلشباع احتياجات‬
‫فس يولوجية فقط‪ ،‬كما هو الحال في عالم الكائنات األخرى التي تستخدم‬
‫ردود األفعال إلعادة االتزان الفسيولوجي‪.‬‬
‫‪ - 4‬تتعدل وتتغير حتى يمكنها تحقيق الهدف‪.‬‬
‫‪ - 5‬يمكن مراجعتها بعد فترة زمنية واستخالص مفاهيم جديدة تعمم لحل‬
‫مشكالت أخرى‪.‬‬
‫‪ - 6‬اتفاقية‪.‬‬
‫‪ - 7‬اجتماعية المنشأ‪.‬‬
‫‪ - 8‬تعتمد على الخبرة السابقة‪.‬‬
‫مما تقدم يمكن أن نصل إلى أن اللغة لها نفس الخصائص‪ ،‬وهي القوالب‬
‫الرمزية التي تحمل المفاهيم إلى أفراد المجتمع وباقي المجتمعات األخرى‪.‬‬
‫خالصة التعريف اإلجرائي للمفاهيم أي "اللغة" بكل صورها سواء "كالم"‬
‫أو إشارة ‪...‬إلخ‪.‬‬
‫من الخصائص السابق ذكرها للمفاهيم‪ ،‬نخلص للتعريف التالي‪" :‬المفاهيم‬
‫هى أدوات للمعرفة‪ ،‬اصطنعها العقل في المجتمع البشري معتمداً على الخبرة‬
‫اإلنسانية المتوارثة لتحقيق أهداف التواصل االجتماعي‪ ،‬وإشباع حاجات‬
‫الشخصية‪ ،‬وإعادة االتزان وإصالح أي خلل يحدث في نظام الفكر‪ ،‬والتعبير‬
‫نمو الطفل ومشكالته النفسية‬ ‫‪24‬‬

‫عن أفكار األفراد ونقلها لآلخرين في قوالب لغوية تصب فيها الخبرات وينقل‬
‫بها التراث الحضاري الذي تتوارثه األجيال‪ ،‬فال يمكن أن يبدأ جيل من األجيال‬
‫البشرية في مجال الثقافة والعلم والخبر من الصفر‪ ،‬فالتراث البشري محفوظ في‬
‫هذه القوالب اللغوية التي تسمى مفاهيم وما على األجيال إال أن تعمل على فهمه‬
‫وتتبع نمو مدلوله والتعرف على محتواه حتى تتضاعف الخبرة البشرية‪ ،‬وتنمو‬
‫المجتمعات اإلنسانية‪ ،‬فال وجود لألدوات إال في عالم اإلنسان‪ ،‬بدليل اعتماد‬
‫البشرية على قضايا رئيسية‪ ،‬أولها قضية المعرفة (الوعى)‪ ،‬وثانيها قضية‬
‫األدوات‪ ،‬تصنيعها‪ ،‬واستخدامها‪ ،‬وثالثها قضية التفاعل االجتماعي‬
‫أوالً ‪ -‬قضية المعرفة (الوعي)‪:‬‬
‫فاإلنسان منذ خروجه للحياة يدفعه حب االستطالع لالستكشاف بهدف‬
‫المعرفة‪ ،‬فهي حاجة ملحة ال تهدأ إال مع بداية إعمال العقل في العمليات العقلية التي‬
‫بدأ اإلدراك الحسي وتنتهي بإدراك المفاهيم‪ ،‬وتحتوي هذه القضية على محاور عدة‬
‫كالتعلم‪ ،‬والتعليم‪ ،‬والعمليات العقلية‪ ،‬والقدرات العقلية‪ ،‬وتوظيفها ونموها من التلقائية‬
‫الحياتية إلي الوعي‪ ،‬وتتحول المعلومات ومعطيات البيئة من خالل عمليات تكوين‬
‫المفاهيم ومراحل نموها إلي خبرات وأدوات لحل مشكالت مستخدمه‪.‬‬
‫ثانيًا ‪ -‬قضية األدوات ‪ -‬تصنيعها ‪ -‬واستخدامها‪:‬‬
‫‪ - 1‬رموز اللغة (عند اإلنسان حتى في مرحلة المهد)‪ ،‬والفرق الجوهري‬
‫بينهما وبين الصوت عند الحيوان الذى يستخدمه كما هو (مادة خام)‬
‫في عمليات ردود أفعال‪.‬‬
‫‪ - 2‬التفكير وعالقته باللغة‪.‬‬
‫‪ - 3‬تمثُ ل الخبرة االجتماعية واستدخالها‪.‬‬
‫‪ - 4‬نمو الوعي بواسطة األدوات (اللغة) و(المفاهيم)‪.‬‬
‫‪ - 5‬نمو الشخصية البشرية في المجتمعات اإلنسانية‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالته النفسية‬

‫ثالثًا ‪ -‬قضية التفاعل االجتماعي‪:‬‬


‫‪ - 1‬الحاجات النفس اجتماعية بوصفها دوافع لإلنسان‪.‬‬
‫‪ - 2‬المكانة االجتماعية كمحدد لنمو الشخصية‪.‬‬
‫‪ - 3‬التفاعل كضرورة الزمة لنمو الشخصية‪.‬‬
‫‪ - 4‬التفاعل االجتماعي والنمو العقلي المعرفي‪.‬‬
‫‪ - 5‬استدخال الخبرة االجتماعية بواسطة المفاهيم اللغوية‪.‬‬
‫‪ - 6‬اللغة كناتج عمليات التفاعل االجتماعي وأدوات للتفاعل‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالته النفسية‬ ‫‪26‬‬

‫ملخص الفصل األول‬


‫عرض الفصل األول ما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬اساسيات العلم والمعرفة والتعلم‪.‬‬
‫‪ - 2‬خصائص المفاهيم الرئيسية للنمو كمفهوم للتعلم من وجهة نظر المدرسة‬
‫االجتماعية التاريخية‪.‬‬
‫‪ - 3‬اللغة في عالقتها بالنمو المعرفي وخصائصها‪.‬‬
‫‪ - 4‬مفهوم اإلدراك وأ نواعه ونموه من التلقائية للوعي‪.‬‬
‫‪ - 5‬إدراك المفاهيم اللغوية وتعلم الطفل القراءة والكتابة‪.‬‬
‫‪ - 6‬مفهوم العمليات وعالقته بالقدرات وسلوك الطفل بما يميزه عن سلوك‬
‫الحيوان‪.‬‬
‫‪27‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالته النفسية‬

‫أسئلة على الفصل األول‬

‫س‪ - 1‬قارن بين خصائص المفاهيم وبين خصائص اللغة‪.‬‬


‫س‪ - 2‬يستطيع الطفل إدراك المفاهيم بثالث عمليات‪ ،‬اشرح هذه العمليات‬
‫كشروط إلدراك المفهوم‪.‬‬
‫س‪ - 3‬قارن بين عمليتي إدراك المجردات‪ ،‬واإلدراك الحسي لدى طفل المهد‪.‬‬
‫س‪ - 4‬صراخ طفل المهد لغة بكل خصائصها; اشرح ذلك بالتفصيل‪.‬‬
‫س‪ - 5‬قارن بين إدر اك المفاهيم اللغوية وإدراك اشباه المفاهيم موضحًا دور‬
‫اشباه المفاهيم في حدوث اضطرابات اإلدراك‪.‬‬
‫س‪ - 6‬تختلف لغة طفل المهد عن لغة الحيوان اختالفًا جوهرياً في الخصائص;‬
‫اشرح العبارة بالتفصيل‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالته النفسية‬ ‫‪28‬‬
‫‪29‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫الفصل الثاني‬
‫األساس النظري للتعرف على منو الشخصية‬

‫األهداف‪:‬‬
‫يتناول الكتاب في الفصل الثاني األساس النظري للتعرف على نمو‬
‫الشخصية ككل تعريفاً إجرائياً بهدف سهولة قياس النمو‪ ،‬وتحديد مستواه وعالقة‬
‫النمو بالشخصية وخصائص الشخصية‪.‬‬

‫العفاصر‪:‬‬
‫‪ - 1‬موضوع دراسات الطفولة والنمو وهو "الشخصية" والتعريف‬
‫اإلجرائي لها وخصائصها‪:‬‬
‫‪ - 3‬التكامل‪.‬‬ ‫‪ - 2‬التفاعل‪.‬‬ ‫‪ - 1‬الكلية‪.‬‬
‫‪ - 6‬التمايز‪.‬‬ ‫‪ - 5‬الثبات النسبي‪.‬‬ ‫‪ - 4‬الديناميكية‪.‬‬
‫‪ - 2‬وتعريف النمو ومنهج الدراسة للشخصية ونموها‪.‬‬
‫‪ - 3‬الدراسة العلمية المنظمة لسيكولوجية الطفولة‪.‬‬
‫‪ - 4‬خصائص المنهج العلمي المتبع في الدراسة وخطواته‪.‬‬
‫‪ - 5‬طرق الدراسة – الطولية والعرضية‪.‬‬
‫‪ - 6‬أهمية دراسة علم نفس النمو‪.‬‬

‫حظيت دراسات الطفولة باهتمام خاص بفضل جهود العالم الفرنسي ستانلي‬
‫عام ‪ ، 1904‬األمر الذي دفع كثيراً من األخصائيين النفسيين والمربين وجميع‬
‫العاملين في مجال الطفولة إلى االهتمام بدراسة الطفل وتربيته تربية سليمة‬
‫قائمة على أساس إتاحة الفرصة للنمو الحر طبقاً لما يحتاجه الطفل من‬
‫احتياجات جسمية ونفسية وعقلية واجتماعية تنمو وتتطور تبعاً لمراحل النمو‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪30‬‬

‫المختلفة‪ ،‬وقد أكدت الدراسات المتوالية أ ن لكل مرحلة من مراحل النمو‬


‫خصائص واحتياجات خاصة‪ ،‬إن لم يتم إشباعها في وقتها ينتقل الطفل إلى‬
‫المرحلة التي تليها انتقاالً زمنياً فقط برصيد من اإلحباط يتهدد توافقه مع‬
‫المجتمع ويتيح الفرصة لوسائل التكيف غير السوية لتهيمن على سلوكه‪.‬‬
‫وتعتبر دراسة الطفولة واالهتمام بها من أهم المعايير التي يقاس بها تقدم‬
‫المجتمع ورقية إذ إن االهتمام بالطفولة هو في الواقع اهتمام بمستقبل األمة كلها‪.‬‬
‫وقد اهتم العلم بوصف النمو الزمني أللوان السلوك خالل سنوات الطفولة‪،‬‬
‫وتقديم وصف مفصل لعملية اكتساب ونمو االستجابات الحركية واللغوية‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫ثم تطور موضوع علم النفس واتسع ليعالج العمليات القائمة وراء سلوك‬
‫األفراد وأهميتها والدور الذي تلعبه منذ بدايتها األولى في قيام الفرد بوظائفه في‬
‫حياته المستقبلية‪ ،‬وعكف هذا العلم على تفسير جميع المبادئ العامة األساسية‬
‫التي تتصل بالعمليات العقلية من إدراك وتعلم وتصور وتخيل كما اهتم بتفسير‬
‫دوافعها والعالقات االجتماعية في نمائها وتطورها‪.‬‬
‫وقد أكدت الدراسات المتعددة في مجال النمو والطفولة قديمها وحديثها‬
‫أهمية السنوات األولى في حياة الطفل وتكوينه النفسي بل وتكوين الشخصية‬
‫السوية‪ .‬ومن أصحاب الفضل األول في تطوير أبحاث الطفولة واالهتمام بالنمو‬
‫جان جاك روسو‪ ،‬بستالوتزي‪ ،‬هربرت وفروبل‪.‬‬
‫فما هو مفهوم الشخصية الذي يعتبر حجر الزاوية وموضوع الدراسة لهذا‬
‫العلم؟‬
‫يتحدد مفهوم الشخصية بأنها ذلك "الكل الرباعي المتكامل المتفاعل المتغير‬
‫(الديناميكي) المتمايز الثابت نسبياً"‪ ،‬قد يبدو هذا التعريف للوهلة األولى بسيطاً‬
‫ولكن حينما يتم التعرف على كل جزء من أجزائه واالتفاق اإلجرائي عليه يتبين‬
‫القارئ أنه تركيبة مستخلصة من معظم تعريفات الشخصية التي سبق إليها العلماء‪.‬‬
‫‪31‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫فدراسة الشخصية من الدراسات العريقة التي بدأت منذ بدء التفكير في علم‬
‫النفس بفروعه جميعها‪ ،‬وهو من المفاهيم الالزمة لكل فروع العلم‪ ،‬فعلم نفس‬
‫النمو يتناولها في نموها وتطورها وعلم النفس المرضي والصحة النفسية‬
‫يتناولها في حالة اعتاللها وتكاملها واتزانها‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫وهو نتاج عمليات التنشئة االجتماعية‪ ،‬كما أنها مجموعة الصفات‬
‫والخصائص االجتماعية والعقلية والبدنية والنفسية التي يقدر لكل فرد أن ينميها‬
‫بتفاعله الداخلية والخارجي‪" ،‬وقد جاءت كلمة الشخصية في اللغة العربية بمعنى‬
‫خرج من موضع إلى غيره" ألنها مشتقة من كلمة شخص مثل شخص يشخص‬
‫شخوصاً وبمعنى آخر شخص شخوصاً أي ارتفع‪.‬‬
‫هذا المعنى قريبة من الكلمة الالتينية ‪ Person‬التي اشتق منها لفظ‬
‫‪ Personality‬باللغة اإلنجليزية‪ ،‬بالفرنسية ‪ Personalitié‬وهو ذلك القناع الذي‬
‫يلبسه الممثل أثناء تأدية دوره على المسرح‪.‬‬
‫وقد اهتم عدد كبير من العلماء بتعريف الشخصية مثل ألبورت ‪Allport‬‬
‫الذي عرفها بأنها التنظيم الديناميكي في نفس الفرد لتلك االستعدادات النفسية‬
‫التي تحدد طريقته الخاصة في التكيف مع البيئة‪ ،‬وهذا المعنى الذي اتخذه‬
‫ألبورت يأخذ اتجاهين‪:‬‬
‫‪ ‬االهتجاه األول‪ :‬وهو تعبير عن جوهر اإلنسان أو الطبيعة الداخلية‪.‬‬
‫‪ ‬االهتجاه الثاني‪ :‬الذي يتخذه اللفظ كتعبير عن المظهر السطحي الخارجي‪.‬‬
‫إن كال االتجاهين في النظر إلى الشخصية بينهما خالف كبير؛ ذلك أن‬
‫التعريف المظهري للشخصية مستمد من المعنى األصلي ‪ ،Persona‬أما االتجاه‬
‫اآلخر وهو الذي يشير إلى التعريف الجوهري للشخصية فإنه يقوم على أساس‬
‫االهتمام بجوهر الفرد وطبيعته الداخلية التي كانت تفترض وجودها إلى جانب‬
‫المظهر الخارجي للشخص‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪32‬‬

‫ويعرف بيرت ‪ Burt‬بأنها‪" :‬النظام الكامل من الميول واالستعدادات‬


‫الجسمية والعقلية الثابتة نسبياً والتي تعتبر مميزة للفرد ومحددة لطريقته الخاصة‬
‫في التكيف مع البيئة المادية واالجتماعية"‪.‬‬
‫ويشترك كل من بيرت وألبورت في أن الشخص ية ليست عبارة عن‬
‫مجموعة صفات وإنما هي عبارة عن وحدة مترابطة تعمل كنتاج نهائي لتلك‬
‫الصفات "خصائص"‪ ،‬ومن التعريفين السابقين نجد أن كال من بيرت وألبورت‬
‫قد بينا أهمية البيئة وعناصرها وأثرها على تكيف الفرد‪.‬‬
‫كذلك يشير ألبورت لفكرة الديناميكية التي هي عبارة عن التفاعل المستمر‬
‫المتبادل بين عناصرها ومكوناتها‪ ،‬والذي يكمن داخل الفرد وينظم من كل األجهزة‬
‫النفسية الجسمية التي تملى على الفرد طابعه الخاص في التكيف مع البيئة‪.‬‬
‫عرف "شواين" الشخصية بقوله‪ :‬لو أن الناس في مجتمع من المجتمعات‬
‫يتصرفون على نمط واحد ويفكرون تفكير رج ل واحد ويشعرون بنفس الشعور‬
‫لما كان هناك وجود للشخصية على اإلطالق‪.‬‬
‫والشخصية بهذا التعريف عبارة عن ذلك الجهاز المتكامل أو الوحدة‬
‫الوظيفية الفعالة التي تتألف من العادات واالستعدادات والعواطف التي تجعل‬
‫األفراد يختلفون فيما بينهم ويصبح الفرد متميزاً عن الفرد اآلخر‪.‬‬
‫عرف "وودورث" الشخصية بأنها‪ :‬ال يقصد بالشخصية أي نوع من أنواع‬
‫النشاط كالتكلم أو التذكر أو التفكير أو العشق وإنما يستطيع الشخص أن يكشف‬
‫عن شخصيته باألسلوب الذي يتبعه في أداء أي نوع من هذه األنواع من النشاط‪.‬‬
‫إن كل تعريف من التعريفات‪ ،‬تكمن وراءه نظريات مختلفة‪ ،‬وعلى ذلك‬
‫نجد أننا حينما نستقر على تعرف من هذه التعريفات‪ ،‬ال بد أن تستقر على أساس‬
‫نظري معين أي بعد دراسة جميع النظريات ومناقشتها ثم األخذ بالتفسير الذي‬
‫يروق لنا في هذا المجال ويتفق م ع أهداف الدراسة الحالية‪ ،‬غير أن اإلنسان‬
‫‪33‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫يستطيع أن يخرج على هذه القاعدة بأن أي مبدأ نظرياً قد أصبح متفقاً عليه فيما‬
‫يتعلق بأي ظاهرة من الظواهر التي تخضع للدراسة العلمية ذلك هو المبدأ الذي‬
‫يقرر أن تعريف أي ظاهرة ال يكون مفيداً من الناحية العلمية ما يُصغ بعبارات‬
‫"إجرائية" أي بعبارات تسمح بمالحظة الظاهرة وإعادة خلقها لكي يتسنى‬
‫دراستها دراسة تجريبية‪ ،‬مبنية على المالحظة والقياس‪.‬‬
‫ويعرف هذا النوع من التعريف "بالتعريف اإلجرائي"‪ ،‬ألنه يقتصر على‬
‫العمليات أو اإلجراءات التي يقوم بها الباحث للحصول على الظاهرة التي‬
‫يدرسها‪ ،‬بمعنى أن هذا التعريف يحدد الظاهرة المعنية عن طريق تحديد‬
‫العمليات أو اإلجراءات التي تؤدي إلى مالحظة أو قياس تلك الظاهرة‪ .‬بعد هذا‬
‫العرض يحق للقارئ السؤال‪:‬‬
‫ما هو التعريف اإلجرائي للشخصة وما هي خصائص هذا التعريف؟‬
‫لإلجابة على هذا السؤال ال بُدَّ لنا أوالً أن نذكر أن التعريف السليم يجب أن‬
‫يكون تعريفاً جامعاً مانعاً‪ ،‬أي يجم ع كل مكونات وخصائص الشيء المعرف‬
‫ويمنع أي خصائص أو مكونات غريبة "لمعرف آخر" أن تندرج تحت تعريف‬
‫هذا الشيء‪.‬‬
‫فالشخصية كما ندرسها حالياً هي ذلك الكل‪ ،‬بمعنى الكل أنه تركيبه خاصة‬
‫ال تتحقق إال بوجود كل األجزاء معاً في وقت واحد ومكان واحد فمن منا رأى‬
‫نصف الشخصية في مكان والنصف الثاني في مكان آخر؟!‬
‫كذلك يعني أن هذا الكل ال يمكن فصله أو تجزئته وإال انفك ذلك المفهوم‬
‫الرباعي‪ ،‬يقصد به أنه ذو أربع زوايا أو اتجاهات ال يكتمل المفهوم إال بهم‪،‬‬
‫وأولهم ذلك القالب المادي البادي للعيان تلك اآللة بالغة التعقيد بما يظهر منها من‬
‫مك ونات وأجزاء وعمليات فسيولوجية وما يختفي ورائها من دوافع واحتياجات‬
‫فسيولوجية متعددة‪ ،‬وهو ما يسمى بالجسم‪ ،‬ثم نجد الجزء العقلي الذي يتمثل في‬
‫العمليات العقلية المختلفة من تفكير وتصور وتخيل وإدراك متعدد األنواع‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪34‬‬

‫والدرجات إلى آخر هذه العمليات ومفهوم هذا الجزء يزيد حتماً عن ما يعرف‬
‫بالمخ ولكن تصدر هذه العمليات عنه ودوافع هذه العمليات هي الحاجة للمعرفة‬
‫وحب االستطالع والرغبة في حل المشكالت التي تتيح في النهاية للعقل حالة‬
‫إزالة التوتر الناشئ عن وجود مشكلة ليس لها حل وتعيد للشخصية ككل حالة‬
‫االتزان التي تعتبر هدفا أسمى لكل عمل الشخصية بكل جوانبها‪.‬‬
‫ثم الجزء النفسي‪ ،‬وهو ال يُرى بذاته وإنما يظهر في االستجابات النمطية‬
‫للشخصية أثناء تفاعلها نفسياً مع باقي مكوناتها ومع المجتمع‪ ،‬ويلعب مفهوم الحاجة‬
‫دوراً أساسياً في دراسة الجزء النفسي من الشخصية‪ ،‬فلكي يتم إشباع الحاجات‬
‫النفسية ي نبغي أن يتهيأ الموقف المناسب‪ ،‬والوسيط الذي يسمح بهذا اإلشباع‪.‬‬
‫وإذا وجدت الحاجة وسيط إشباعها يظهر لدى الفرد االستعداد إلنجاز‬
‫العمل‪ ،‬وهذا االستعداد يتمثل في الحالة التي تشمل الفرد أثناء القيام بهذا العمل‬
‫أو ذاك‪ ،‬وكذلك تظهر هذه الحالة في االتجاهات والميول والعواطف بصفتها‬
‫طاقات للدوافع‪ ،‬وتعتبر الحاجات العاطفية والميول واالتجاهات دوافع للعمل‬
‫النفسي والوظائف النفسية‪.‬‬
‫وأخيراً الجزء االجتماعي من الشخصية في تفاعله الداخلي مع باقي جوانب‬
‫الشخصية‪ ،‬ويتميز الجزء االجتماعي للشخصية بالدور الحاسم الذي يلعبه نظام‬
‫الحاجات و األهداف الذي يحدد سلوك الفرد وخصائصه االجتماعية والنفسية‬
‫والنمائية‪ ،‬وفي نفس الوقت تتحدد الحاجات واألهداف بالوضع االجتماعي للفرد‬
‫وليس بطريقة فورية مباشرة‪ ،‬ولكن حسب الطريقة التي يفهم بها الفرد وضعه‬
‫االجتماعي‪ ،‬وبخبرته والطريقة التي يحدد بها عالقته باآلخرين وتقييمه‬
‫لشخصيته ومستوى طموحه‪ ،‬وهنا تعمل األسباب الخارجية من خالل الشروط‬
‫الداخلية للفرد نفسه ويدرك الفرد نفسه وتأثيره على اآلخرين‪.‬‬
‫وأول هذه االحتياجات االجتماعية هي احتياجه ألن يكون فرداً في جماعة‪،‬‬
‫وينمو نظام األهداف والحاجات االجتماعية والنفسية حتى تصير حاجات الفرد‬
‫‪35‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫الداخلية هي المثيرات لسلوكه‪ ،‬ويستوعب الفرد ما تأتي به البيئة الخارجة بما‬


‫يتفق مع حاجاته وأهدافه الذاتية‪ ،‬ويعتبر االنسجام بين متطلبات الوسط الخارجي‬
‫واتجاهات الفرد نحوه العامل الحاسم في نمو الشخصية‪ ،‬في حين أن التباين‬
‫يعتبر أحد العوامل التي تكمن وراء الصراعات االنفعالية الحادة‪ ،‬والحواجز‬
‫النفسية بين الناس‪.‬‬
‫وتتمثل الدوافع االجتماعية في الحاجات الستة االجتماعية‪ :‬الحاجة‬
‫لالنتماء – الحاجة لألمن واالستقرار – الحاجة إلثبات الذات – الحاجة للنجاح‬
‫والتقدير – الحاجة للقيم والسلطة الضابطة – الحاجة للحرية‪.‬‬
‫ولعل أكثر ما يؤكد صعوبة الفصل بين هذه المكونات األربعة خاصية‬
‫الكلية والتكامل‪ ،‬وهذا التداخل القائم بين الجزء النفسي والجزء االجتماعي‬
‫للشخصية حتى سميت دوافعهما بالحاجات "النفس اجتماعية"‪.‬‬
‫وال يرد هذا الفصل بين جوانب الشخصية األربعة إال بغرض تسهيل‬
‫دراستها وتحديد نقطة البداية في التعرف عليها‪ ،‬وسيتضح بشكل أكبر هذا‬
‫التكامل والتداخل عند شرح باقي عناصر الشخصية وأهم خصائصها‪.‬‬
‫‪ ‬التكامل‪ :‬هنا يعني أن كل جزء من األجزاء يكمل اآلخر فال غنى لجزء‬
‫عن جزء آخر‪ ،‬وال يعمل أي جزء منفرداً‪ ،‬فحينما يهدف سلوك معين‬
‫إلشباع حاجة جسمية أو نفسية أو عقلية تتكامل بذلك الشخصية ككل‬
‫وتعوض الخلل وتزيل التوتر ويتحقق لها كلها االتزان‪.‬‬
‫‪ ‬التفاعل‪ :‬المقصود به عملية األخذ والعطاء والتأثير والتأثر‪ ،‬وهنا ال‬
‫نقصد تأثر الشخصية بالعوامل الخارجية‪ ،‬بل نقصد أن كل جزء من هذه‬
‫األجزاء األربعة يؤثر في الثالثة أجزاء األخرى ويتأثر بها‪.‬‬
‫فهناك بعض األمراض الجسمية التي تؤثر على النفس وتصيبها‬
‫"باالكتئاب" وهو مرض نفسي‪ ،‬وهناك الهزال الجسمي الذي يؤدي إلى قصور‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪36‬‬

‫في العمليات العقلية‪ ،‬كذلك ال يخفى أثر بعض الدوافع الجسمية على العمليات‬
‫المعرفية‪ ،‬كذلك من الواضح جداً أثر العواطف على عمل الجسم وأجهزته‪ ،‬هنا‬
‫يحمر الوجه خجالً ويدق القلب بسرعة وتعمل بشدة الغدد العرقية‪ ،‬حيث ال ترى‬
‫العين إال جانباً واحداً من جوانب الموضوع‪ ،‬في حين أنها قادرة على الرؤية‬
‫التامة الشاملة لكل الجوانب إلى آخر ما هو معروف في حاالت الحب‬
‫والعواطف الجياشة‪.‬‬
‫‪ ‬الديفامةكة ‪ :‬التغير الدائم‪ ،‬وهذه الخاصية التي تميز الشخصية توحد‬
‫بينها في نفس الوقت وبين مفهوم النمو‪ ،‬فالشخصية في حالة حركة دائمة‬
‫وتغير وانتقال مستمر في حدود إطارها المميز مثلها في ذلك مثل النمو‬
‫الذي هو عملية مستمرة من التغير واالرتقاء‪.‬‬
‫وال تناقض الديناميكية صفة الثبات النسبي للشخصية‪ ،‬فهي في حالة‬
‫ديناميكية وحركة مستمرة من التغير الكمي والكيفي والشكلي والمضموني‪،‬‬
‫ولكن لكل شخصية حدودها واإلطار الخارجي الكلي الضامن لحركتها في‬
‫حدوده وعدم الخروج عنه‪ ،‬وإال ما تمكن العالم من تحديد أنماط عامة‬
‫للشخصية‪ ،‬ولما أمكنه التنبؤ بما ستقوم به بعض الشخصيات في مواقف بعينها‪،‬‬
‫ولما تمكن من تحديد مسئولية بعض الشخصيات عن نوع معين من األعمال‪.‬‬
‫مما تقدم تكون الشخصية دائمة التطور والتغير والحركة‪ ،‬أي في نمو دائم‬
‫ال يتوقف‪ ،‬حيث النمو هو التغير المستمر الذي يحتمل الزيادة والنقصان كماً‬
‫وكيفاً‪.‬‬
‫‪ ‬وذلك الثبات الفيبي الذي يتحدد باإلطار العام المميز للشخصية الذي ال‬
‫تخرج عنه والمحدد لنمطها هو الضامن لتمايز الشخصيات فال توجد‬
‫شخصيتان متطابقتان تطابقاً تاماً‪ ،‬ولكن يمكن أن يجمع نسق خاص‬
‫بعض الشخصيات وتجمع بينهم صفات مشتركة ومن هنا نجد الخاصية‬
‫الخامسة للشخصية وهي التمايز‪ ،‬لذلك يمكن أن نصف بعض‬
‫‪37‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫الشخصيات بأنها ملتزمة‪ ،‬أو علمية التفكير‪ ،‬أو خيالية‪ ،‬أو واقعية أو‬
‫متحيزة‪ ،‬وذلك تبع النمط السائد الذي يحدد اإلطار العام لحركتها‪ ،‬وهكذا‬
‫يتبين لنا موضوع علم نفس النمو وهو‪" :‬الشخصية في نموها وتطورها‬
‫وانتقالها من مرحلة إلى الالحقة عليها"‪.‬‬
‫تع رفنا على الشخصية بمفهومها وخصائصها الجوهرية‪ ،‬ويتبقى التعرف‬
‫على النمو وقوانينه‪.‬‬
‫أوالً ‪ -‬هتعريف الفمو‪:‬‬
‫عولجت مسائل النمو بأشكال مختلفة نبعت من المنطلقات النظرية (المنطلق‬
‫المادي‪ ،‬المنطلق المثالي‪ ،)...‬إال أن أكثر مسائل النمو اتفاقاً بين النظريات‬
‫المختلفة هي مسألة تعريفه أو معناه‪ ،‬في حين كانت مسألة العوامل المؤثرة على‬
‫النمو وعالقة البيئة والوراثة به من أشد المسائل اختالفاً وتناقضاً بين النظريات‬
‫المختلفة‪ ،‬فقد اتفقت جميع المدارس السيكولوجية على أن النمو هو حركة دائمة‬
‫وتغير متصل يسعى لغاية نهائية وهي االكتمال تتوالى هذه الحركة في التسلسل‬
‫قدماً لألمام وتتابع في سياق منسق تنتقل فيه الشخصية من مرحلة سابقة إلى‬
‫مرحلة الحقة دون تخط ألي من المراحل‪ ،‬وتنتقل العمليات العقلية والوظائف‬
‫النفسية من عمليات دنيا مباشرة تلقائية إلى عمليات عليا واعية غير مباشرة‬
‫وإليه واعية (فيجوتسكي ‪.)1996‬‬
‫ويتعلق النمو بزيادة الحجم وطول القامة والوزن إلى آخر ما يالحظ في‬
‫التطور الفسيولوجي‪ ،‬كما يتعلق بالتعقيد والتركيب وكافة التغيرات الكيفية‬
‫المصاحبة للتطور الكمي الجسمي‪ ،‬كأن يزداد الجنيين مع النمو تعقيداً دون أن‬
‫يزداد حجمه‪ ،‬ويمكن أن تتناقص بعض األنسجة م ع مراحل النمو المتقدمة‬
‫كنقص اللوزتين والغدة التيموسية ونقص السعرات الحرارية التي يستهلكها‬
‫الفرد بالنسبة لوحدة الوزن كلما زادت سنه (جون كونجر ‪ ،)1981‬في مقابل‬
‫هذا النمو الجسمي التكويني نجد هناك نمواً وظيفياً ينحو بالفرد نحو التكيف‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪38‬‬

‫والتوافق االجتماعي‪ ،‬وهو النمو الذي يطرأ على قدرات الفرد وعلى تفاعله‬
‫االجتماعي من أخذ وعطاء وتأجيل للرغبات أو القيام بأدوار اجتماعية معينة‬
‫يحصل عن طريقها على رضاء المجتمع واستحسانه وهذا هو النمو االجتماعي‪،‬‬
‫كما تنمو قدرات الفرد على االتزان والتحكيم اإلرادي في التعبير عن عواطفه‬
‫وانفعاال ته‪ ،‬وهذا ما يعرف بالنمو االنفعالي "النفسي"‪ ،‬وهناك النمو العقلي‬
‫المتمثل في نمو قدرات الفرد بدءاً باألعمال الذهنية القائمة على ما تأتي به‬
‫الحواس مباشرة والتفكير المادي المصاحب بالواقع كما هو‪ ،‬وانتهاءً إلى التفكير‬
‫المجرد والرمزية الممثلة في استخدام اللغة وال تحصيل واكتساب المهارات‬
‫والقدرة على أعمال الفكر فيما هو مجرد وغير محسوس‪ ،‬فالنمو بهذه الطريقة‬
‫يشتمل على المجاالت اآلتية‪:‬‬
‫‪ - 2‬نمو اجتماعي‪.‬‬ ‫‪ - 1‬نمو جسمي‪.‬‬
‫‪ - 4‬نمو نفسي‪.‬‬ ‫‪ - 3‬نمو عقلي‪.‬‬
‫وهناك تكامل وتوحد بين هذه المظاهر األربعة في ترابطها لتكوين‬
‫الشخصية الكل ية التي تدرس في وحدة ديناميكية ال تسمح بتفتيت النمو وتقسيمه‬
‫إلى هذه المجاالت إال بغرض الدراسة فقط‪ ،‬وقد ينمو أحد المجاالت نمواً طبيعياً‬
‫دون إعاقة وال تأزم‪ ،‬وقد يعاق مجال آخر أثناء النمو وتحدث أزمة اجتماعية أو‬
‫أزمة نفسية وهكذا‪.‬‬
‫من هنا نصل إلى نتيجة منطقية ثابتة هي أنه إذا تدخلت البيئة بالتعليم‬
‫والمران في الوقت المناسبة (في حالة النضج واكتمال االستعداد) يمكنها بذلك‬
‫أن تسرع في خطى النمو واالنتقال عبر مراحل النمو المختلفة‪ ،‬وتنمية القدرات‬
‫بتوظيفها في أوج استعدادها للتوظف‪ ،‬أما إذا جاء التعليم والتدريب قبل الوقت‬
‫المناسب أو بعده‪ ،‬أدى ذلك إلى إعاقة النمو وظهور األزمات التي سنفرد‬
‫الحديث عنها فيما بعد (هنري قالون ‪.)1978‬‬
‫وينشط أثناء النمو عامال التعليم والنضج‪ ،‬والخبرات التي تزود الطفل‬
‫‪39‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫باإلحساس الالزم للتعليم ضرورية للنمو السوي‪ ،‬ولكن ال يتمكن التدريب وحده‬
‫من أن يفضي إلى تغيرات في القدرة والعمل كتلك التي تحدث بشكل طبيعي‬
‫أثناء عملية النمو‪ ،‬ومن المهم في تدريب األطفال أن يؤخذ بعين االعتبار عامل‬
‫النضج ومالئمة مطالب التعليم الستعداد الطفل وال يحتمل أن تثمر الجهود التي‬
‫تبذل لدفع عمليات النمو إلى إسراع عن طريق التدريب مادام الطفل ال يملك‬
‫االستعداد الذي يعينه على االستفادة من هذا التدريب‪ ،‬ويبدو أن كثيراً من‬
‫التوافق الحركي لألطراف يعتمد بصورة أساسية على عامل النضج وعلى التعلم‬
‫وليس التعليم (أي التدريب العرضي الذاتي للطفل نفسه)‪ ،‬وهكذا يبدو أن تأثير‬
‫التدريب يتناسب مع مرحلة نمو الطفل و يتحسن األداء بازدياد النمو والنضج‬
‫(جان بياجيه والهيلدر ولوبلنسكايا ص‪.)84‬‬
‫كةف هتدرس الشخصة ومظاهر نموها (المفهج المتبع في الدراس )؟‬
‫الدراس المفظم ليةكولوجة الطفول ‪:‬‬
‫يحدد عمل ستانلي هول بداية الدراسة المنظمة لسيكولوجية الطفولة في‬
‫الواليات المتحدة‪ ،‬حينما حاول أن يحدد العالقات بين خصائص الشخصية‬
‫ومشكالت التوافق والخبرات األولية‪ ،‬ولتحديد هذه العالقات استخدم منهج جديد‬
‫للبحث هو منهج االستخبار الذي يتألف من سلسلة من األسئلة وضعت للحصول‬
‫على المعلومات عن سلوك األطفال والمراهقين واتجاهاتهم واهتمامهم‪.‬‬
‫ولذلك كان منهج "هل" أول من استخدم المنهج التجريبي الموضوعي في‬
‫دراسات سيكولوجية الطفولة حتى صار علماً موضوعياً قائماً على أساس من‬
‫التجريب العلمي‪ ،‬فقد صار علم سيكولوجية الطفولة يحظى بعبارات قابلة للفهم‪،‬‬
‫وقائمة على اتفاق موضوعي على المفاهيم المستخدمة في هذا العلم‪ ،‬ويمكن‬
‫مراجعة هذه المفاهيم ومراجعة ما وصلت إليه الدراسات من حقائق‪ ،‬واستخدمت‬
‫وحدات القياس التي يمكن للباحثين المتعددين استخدامها‪ ،‬كما أمكن تحويل‬
‫مالحظات هذا العلم إلى كميات وأرقام باستخدام الوسائل اإلحصائية المتعددة‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪40‬‬

‫الحديثة‪ ،‬كما أصبحت حقائق هذا العلم في مقام النظر يات التي تسمح بتفسيرها‬
‫تفسيراً منطقياً‪ ،‬كما تساعد على التنبؤ بحدوث بعض الظواهر النفسية الخاصة‬
‫لبعض األعمار أو ببعض الظروف البيئية المعينة ثم اتخاذ اإلجراءات الوقائية‬
‫الالزمة للنمو السليم بناءً على هذا التنبؤ العلمي السليم‪ ،‬وحينما تتناول علماً من‬
‫العلوم بالدراسة أو المقار نة بغيره من العلوم نتعرض لجانبين‪:‬‬
‫‪ - 1‬موضوع العلم‪.‬‬
‫‪ - 2‬منهج العلم والطرق الدراسية المستخدمة في الكشف عن ظواهره‪.‬‬
‫وهنا يتضح الفرق الشاسع بين الظواهر النفسية في نمائها وتطورها وبين‬
‫الظواهر الطبيعية أو الفلكية أو الكيميائية‪ ،‬من واقع هذه االختالفات تظهر‬
‫صعوبة وصول سيكولوجية الطفولة كعلم لنتائج ثابتة ومتفق عليها بشكل مطلق‪.‬‬
‫وحيث إن موضوع الدراسة وهو الطفل في تفاعل دائم مع غيره من‬
‫األشخاص وهذا التفاعل متشعب وطبيعة العالقة بين الدارس وموضوع الدراسة‬
‫دائم األخذ والعطاء‪ ،‬والتفاعل القائم بينهما ال يمكن تحديده أو عرقلة تأثيره‬
‫المتبادل على الطرفين‪ ،‬فهل يعوق طبيعة هذه الظواهر دراستها بالطريقة‬
‫العلمية واالعتماد على المناهج الموضوعية والطرق التجريبية المعروفة في‬
‫الدراسات الطبيعية؟‬
‫اإلجابة على هذا السؤال بالنفي‪ ،‬فطالما سميت دراسات الطفولة علماً ال بد‬
‫من إتباعها للطرق العلمية المتعارف عليها‪ ،‬حيث إن العلم هو أسلوب في عمل‬
‫األشياء وأسلوب في مالحظة الظواهر محل الدراسة يقوم هذا األسلوب على عدد‬
‫من المبادئ والخطوات المعينة التي يتصف بها‪ ،‬من بين هذه المبادئ األساسية‪:‬‬
‫‪ - 1‬االهتفاق على المفاهةم‪ :‬ينبغي أن يستخدم العلم مفاهيم خاصة به يتم‬
‫االتفاق على تحديد معانيها بين العلماء في كل مجال حتى ال يكون‬
‫هناك مجاالً للبس بسبب عدم موضوعية المفاهيم المستخدمة أو‬
‫اختالف مدلوالتها لدى فرد من أفراد العمل العلمي‪.‬‬
‫‪41‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫‪ - 2‬موضوعة القةاس‪ :‬ينبغي أن يستعمل العالم في مجاله وحدات للقياس‬


‫تعتبر مقاييس عامة لكل البحاث في المجال‪ ،‬وينبغي أن تكون مالحظة‬
‫الباحث علمية بمعنى النزاهة والموضوعية والتدوين بنسب الوسائل‬
‫اإلحصائية السليمة‪ ،‬حيث إنه يقاس في الوقت الحالي نضج ونماء كل‬
‫علم بمدى إمكان تحويل مشاهداته ووصف ظواهره وصفًا كمياً في‬
‫صورة إحصائية‪.‬‬
‫‪ - 3‬ينبغي للعلم أن يحدد لنا فروضاً عامة ونظريات وترتيب الحقائق بشكل‬
‫يسمح بتفسيرها تفسيراً منطقياً‪ ،‬أي وضعها في صورة نظرية أو‬
‫قواعد عامة تسمح بالتنبؤ بالوقائع المستقبلة في مجال الظواهر‬
‫المدروسة‪ ،‬فلو توفر لدينا نظرية مناسبة توضح أسباب أزمات النمو أو‬
‫الشذوذ في السلوك لدى األطفال ألمكن م نع األزمات بإزالة األسباب أو‬
‫عالج الشذوذ في وقت مبكر واتخذا الطرق الوقائية الالزمة لذلك‪.‬‬
‫‪ - 4‬ثم وضع هذه النظريات موضع المراجعة‪ ،‬أي ال بد أن تكون قابلة‬
‫على الدوام للتعديل والتطور والنماء حتى تكون النظرية أفضل الصور‬
‫العلمية للحقائق التي تستخدم في الوقت الراهن‪ ،‬وبتعديلها حسب‬
‫التطور الزماني والعلمي تزداد صور االستفادة منها وتشجع هذه‬
‫التعديالت على نمو المعرفة بالظواهر محل الدراسة‪.‬‬
‫هل تستخدم سيكولوجية الطفولة والنمو األساليب العلمية في دراستها؟ وهل‬
‫هناك فرق بين منهج البحث في العلوم ومنهج البحث في سيكولوجية الطفولة؟‬
‫للرد على هذا السؤال نستعرض اآلتي‪:‬‬
‫خطوات المفهج المتبع في البحوث العلمة ‪:‬‬
‫‪ - 1‬صةاغ المشكل ‪ :‬وهي تتلخص في التعرف على المشكلة كما تبدو في‬
‫الحياة العملية‪ ،‬ويقوم الباحث بوصف هذه المشكلة وصياغتها في‬
‫صورة دقيقة وتقسيمها إلى عناصر لتسهيل دراستها‪ ،‬فلو صادفنا زيادة‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪42‬‬

‫عدد المراهقين الذين يعانون من أزمات في تفاعلهم االجتماعي مثالً‬


‫نستعرض هذه المشكلة في صورة تساؤالت فرعية لنقترب من‬
‫مالحظتها‪ :‬ما هي مواصفات البيئة االجتماعية التي يخرج منها هؤالء‬
‫المراهقين ؟ ما هي سمات شخصيتهم؟ ما هي الصور التي تظهر من‬
‫خاللها األزمة ؟‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫‪ - 2‬استعراض األعمال العلمة في المجال المراد دراست والتي سبق أن‬
‫اهتمت بهذا الموضوع‪ :‬فالعلماء ال يعملون في مشكلة من الصفر‬
‫وإنما يبدأ العمل من حيث ينتهي السابقون عليهم فيتضح بذلك أسلوب‬
‫المعالجة لهذه المشكلة التي قمنا بصياغتها في الخطوة األولى‪.‬‬
‫‪ - 3‬جمع الحقائق عن طريق المالحظ العلمية المقصودة المضبوطة‬
‫ووصف الظواهر المتعلقة بالمشكلة والتي قد يكون لها أهمية في‬
‫الخطوات التالية من فرض فروض وخالفه وما تالحظه علمياً عن‬
‫المشكلة السابق ذكرها هو البيئة المحيطة بالمراهقين المشكلين مثالً‬
‫وتحديد خصائص األزمة وظواهرها ثم جم ع البيانات الالزمة عن‬
‫طريق المقابلة أو المتابعة الطولية أو العرضية التي سيعتمد عليها‬
‫األخصائي النفسي طوال مراحل الدراسة العلمية للمشكلة‪.‬‬
‫‪ - 4‬ثم فرض أحين الفروض المبني على الدراسات السابقة واستطالع‬
‫الحالة وبحث الحالة‪ ،‬والمقابالت‪ ،‬والمقارنات‪ ،‬والتتبع للمشكلة فيحدد‬
‫الباحث العالقة بين المتغيرات التي يالحظها كأن يفترض أن سبب‬
‫األزمة هو االتجاهات الوالدية السائدة في التفاعل االجتماعي والتنشئة‬
‫االجتماعية لهؤالء المراهقين مثالً‪ ،‬أي أن هناك عالقة بين متغيرات‬
‫البيئة االجتماعية واألزمات التي تنشأ في مرحلة المراهقة‪ ،‬ولكن هذا‬
‫الفرض ال يقبل إال بعد التأكد من صحته فبعد صياغته في صورة قابلة‬
‫لالختبار والفحص ننتقل إلى الخطوة الخامسة‪.‬‬
‫‪43‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫‪ - 5‬التأكد من صدق الفرض‪ :‬يعمد الباحث في هذه الخطوة إلى ما يؤكد له‬
‫صدق أو خطأ هذا التنبؤ أو االفتراض بأن يجمع مجموعتين من‬
‫المراهقين الذين تعرضوا لألزمات والمراهقين الذين لم يتعرض‬
‫لألزمات على أن يراعى أن يكونوا متفقين فيما بينهم في كل العوامل‬
‫(أي أفراد العينة في المجموعتين متوحدين إلى حد كبير في كافة‬
‫الظروف) فيما عدا االتجاهات الوالدية القائمة على أساسها التنشئة‬
‫االجتماعية‪ ،‬ثم تفحص كل مجموعة عن طريق االختبارات النفسية‬
‫والمقابالت والمقارنة بينهما (أي باستخدام الطرق العلمية التي‬
‫يستخدمها علم النفس بوجه عام)‪ ،‬فإذا أكدت البيانات التي حصلنا عليها‬
‫من الطرق السابقة أن االختالف الوحيد بينهما فعالً في االتجاهات‬
‫الوالدية‪ ،‬تبين لنا أن الفرض صحيح ويتم التأكد من صدقه إحصائياً‪،‬‬
‫وبذلك نستطيع أن نصيغه في صورة نظرية أو قاعدة عامة‪.‬‬
‫‪ - 6‬ثم هتفتقل هذه القاعدة العام إلى مجال التطبةق العملي لنستفيد منها‬
‫في حل مشكالت المراهقين وتنبيه اآلباء إلى خطورة االتجاهات‬
‫السائدة في التنشئة االجتماعية للمراهقين وأثرها على ظهور المشكالت‬
‫في هذه المرحلة إلى آخر ما يمكن أن يفيد في حل هذه المشكالت‬
‫االجتماعية‪.‬‬
‫لو نظرنا إلى هذه الخطوات العلمية التي تستخدمها بمهارة وتتبعها بدقة‬
‫العلوم كافة وقارناً بين استخدامها في هذه العلوم واستخدامها في دراسة الظواهر‬
‫النفسية ومظاهر النمو النفسي في سيكولوجية الطفولة لت بين أننا ال نستخدمها‬
‫بنفس التسلسل والتركيز على كل خطوة منها‪ ،‬وألتضح لنا أن اعتماد العلوم‬
‫اإلنسانية على المالحظة أكبر بكثير من اعتماد العلوم األخرى على هذه‬
‫الخطوة‪ ،‬إال أن هذا ال ينفي علمية العلوم اإلنسانية بقدر ما يتناسب بينها وبين‬
‫المناهج األكثر شيوعاً فيها‪ ،‬والتي تعتبر أكثر صالحية ومناسبة للموضوع محل‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪44‬‬

‫الدراسة فال يعتبر هذا عيباً أو قصوراً وإنما الدراسات في سيكولوجية الطفولة‬
‫مازالت في طور التقدم والنماء إلى أن تستطيع تطبيق كل خطوات البحث‬
‫العلمي بنفس القدر واالهتمام في هذا المجال‪.‬‬
‫وهكذا يتبين لنا أن علم نفس النمو وسيكولوجية الطفولة موضوعاً‬
‫(موضوعاً ومنهجاً) قد أثبت كيانه في مجال العلوم وال يقل كفاءة عند مقارنته‬
‫بعلوم الطبيعة والكيمياء‪ ...‬إلخ‪ ،‬ولكنه يكثر من استخدام طريقة التتبع‬
‫والمالحظة بنوعيها في معظم بحوثه‪.‬‬
‫فهناك الطريقة التتبعية الطولية وهناك الطريقة التتبعية العرضية‪.‬‬
‫أوالً ‪ -‬الطريق الطولة ‪:‬‬
‫تعمد إلى دراسة نفس المجموعة من األطفال مرة ومرات على فترة طويلة‬
‫من الزمن قد تصل إلى عشر سنوات مالحظة فيها شهر بعد شهر وعاماً بعد‬
‫عاماً‪ ،‬وقد بدأت هذه الطريقة عندما اهتم العلماء بأطفالهم فكانوا يسجلون‬
‫مالحظاتهم الدقيقة عن مظاهر التغير السلوكي عند أوالدهم خالل مراحل‬
‫نموهم‪ ،‬ومن هؤالء العلماء "يستالوتزي" الذي كتب مذكراته عن حياة طفله‬
‫البالغ ثالثة سنوات ونصف‪ ،‬وتعتبر تلك المذكرات أول ما نشر في العالم عن‬
‫تراجم األطفال‪.‬‬
‫كذلك دراسة العالم "بنية" عن أبنته التي وجهت االهتمام إلى النمو العقلي‬
‫مما أدى إلى اكتشاف أول مقياس علمي للذكاء‪.‬‬
‫وهذه الطريقة لها قيمتها في األبحاث التي تدرس التغيرات التي تطرأ على‬
‫بعض الخصائص والسمات خالل فترة طويلة من الزمن‪ ،‬كذلك ال بُدَّ من‬
‫استخدام هذه الطريقة في دراسة آثار الخبرات المبكرة أو بعض أنماط التنشئة‬
‫االجتماعية على نمو الشخصية في مراحل العمر المتقدمة‪ ،‬مثالً إذا أريد معرفة‬
‫أثر نبذ األم للطفل في سنواته األولى على تطوره ونمو شخصيته في العمر‬
‫المتقدم‪ ،‬ال بُدَّ من المتابعة الطولية لهؤالء األفراد حتى نكتشف أثر هذا النبذ‬
‫‪45‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫وآثار هذه األنماط من التربية األسرية في شخصية الطفل أثناء نموها‪ ،‬ولعل من‬
‫أهم عيوب هذه الطريقة أنها تستغرق وقتاً طويالً وجهداً كبيراً وإنها كثيرة‬
‫التكلفة ثم أنها تعلق الوصول إلى النتائج والتحقق من صدق الفروض طوال مدة‬
‫البحث والتي قد تطول إلى أعوام كثيرة‪.‬‬
‫ثانةاً ‪ -‬الطريق العرضة ‪:‬‬
‫وفيها يعمد الباحث إلى دراسة مجموعات كبيرة من األطفال تمثل كل‬
‫مجموعة سنين معينة أو مرحلة من مراحل العمر المراد التعرف على‬
‫خصائصها وسماتها وظواهر نموها ويقوم الباحث بمالحظة هذه المجموعات‬
‫مختلفي األعمار لفترة زمنية محدودة كأن يتخير الباحث مجموعات من األطفال‬
‫المجموعة األو لى مثالً سنها سنتين وعددها عشرة أو عشرين طفالً‪ ،‬والمجموعة‬
‫الثانية وهي مكونة أيضاً من عشرة أو عشرين طفالً مثلها في ذلك مثل‬
‫المجموعة األولى ولكنها مختلفة معها في العمر فيكون عمرها مثالً أربع سنوات‬
‫والثالثة عمرها ست سنوات والرابعة عمرها ‪ 8‬سنوات وعشرة وهكذا حتى‬
‫تشمل الدراسة األعمار المراد تحديد سماتها أو خصائص نموها‪ ،‬ثم نخرج‬
‫بنتائج بعد معالجتها إحصائياً يمكن جعلها نتائج عامة فنقول يتصف أطفال العمر‬
‫الزمني سنتين بكذا وكذا وتتغير هذه الصفات عند أطفال العمر أربعة سنوات‬
‫وتحل محلها صفات جديدة عند سن ست سنوات‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫وتعتمد الطريقة العرضية "المستعرضة" على االختبارات الجماعية‬
‫واالستفتاءات وطرق القياس النفسي للكشف عن المظاهر الرئيسية لكل مرحلة‬
‫من مراحل الحياة‪ ،‬ومن الذين استخدموا هذه الطريقة "جان بياجيه" عندما درس‬
‫تطور اللغة عند األطفال في األعمار المختلفة‪ ،‬وهذه الطريقة من أهم ميزاتها أنه‬
‫تظهر النتائج بسرعة وال تستغرق المدة وال الجهد الذي تستغرقه الطريقة الطولية‬
‫إال أن الباحث يستطيع أن يستخدم كلتا الطريقتين في دراسة نفس الظواهر ونفس‬
‫الموضوع فتكمل كل منهما األخرى في دراسة وتتبع موضوعاً واحداً‪،‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪46‬‬

‫كما يستخدم طرق أخرى كالمقارنة والمقابلة واالختبارات اإلسقاطية والقياس‪.‬‬


‫أهمة دراس سةكولوجة الطفول ‪:‬‬
‫لماذا ندرس علم نفس الفمو؟‬
‫تعتبر دراسة النمو ومظاهره وقوانينه أمر ضروري لسالمة العملية‬
‫التربوية وسيرها نحو تحقيق أهدافها‪ ،‬وتمكن هذه الدراسة من فهم العوامل التي‬
‫تدفع النمو أو تعوقه‪ ،‬وتساعدنا على فهم خصائص كل مرحلة حتى ال نخطئ‬
‫في تفسير سلوك األطفال‪ ،‬وحتى ال نتوقع منهم فوق ما يستطيعون في كل‬
‫مرحلة نمو حيث إن الباحث يستطيع من خالل البحث المنظم للنمو النفسي‬
‫والتوافق االجتماعي أن يتعرف على ما هو ممكن بالنسبة لقدرات الطفل عند‬
‫سن معينة‪ ،‬وبذلك يستطيع تقويم كل طفل حسب قدراته المتاحة‪ ،‬ويحدد مكانه‬
‫بين أطفال مرحلته‪ ،‬ويستطيع الباحث المقارنة بين قدرات الطفل وبين معايير‬
‫النمو الخاصة بكل مرحلة‪ ،‬كما تمكن الدراسة من اكتشاف العباقرة والمتخلفين‬
‫واألطفال األسوياء بناءً على المعايير السابق ذكرها كما أن فهم العوامل المؤثرة‬
‫على نمو الطفل من وراثة وتكوين جسمي وعمليات بيولوجية وكيميائية‬
‫وفسيولوجية وما يتعرض له الطفل من قوى البيئة وأثر هذه العوامل متشابكة‬
‫على صحته النفسية والجسمية والعقلية وتكيفه االجتماعي يتيح لنا تفسير أسباب‬
‫عدم السواء وعالج السلوك الشاذ لدى األطفال باالكتشاف المبكر للمشكالت‬
‫والتعرف على أسبابها وعالج هذه األسباب‪ ،‬فإذا فهم القائمون على تربية الطفل‬
‫العالقة بين السلوك وبين العوامل المسببة له أو المؤثرة عليه ألمكنهم تقويم هذا‬
‫السلوك والحكم عليه بطريقة موضوعية‪ ،‬كما يساعد على التحكم في السلوك‬
‫اإلنساني بتوجيهه وتعديله وتفسيره‪ ،‬وبدون فهم العوامل والظروف المحيطة‬
‫بالفرد فإنه ال يمكن إحداث التغيرات المطلوبة‪.‬‬
‫ويقوم تصميم المناهج الدراسية وتخطيط حجرات الدراسة وتوزيع التالميذ‬
‫على الفصول الدراسية وطريقة التدريس والعالقة بين التلميذ والمدرس على‬
‫دراسة سيكولوجية ا لطفولة لتوزيع التالميذ حسب عمرهم الزمني وقدراتهم‬
‫‪47‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫ودرجة نموهم العقلي‪ ،‬كذلك تصميم المنهج يجب أن يتالءم مع حاجات التالميذ‬
‫واستعدادهم ودرجة وعيهم ومستوى استعداداتهم ونضجهم‪ ،‬كل ذلك ال بد أن‬
‫يعتمد على فهم خصائص النمو في كل مرحلة حتى ال يسيء المدرس تفسير‬
‫بعض الظو اهر السلوكية التي قد تبدو لغير الدارسين شاذة‪ ،‬ولكنها في الحقيقة‬
‫تعتبر طبيعية بالنسبة للمرحلة المعينة التي يعايشها الطفل وال شك أن العناية‬
‫باألطفال جزء من الطبيعة البشرية السليمة‪.‬‬
‫ودراسة سيكولوجية الطفولة ال تقتصر على تفسير سلوك األطفال فقط‪ ،‬وإنما‬
‫تزودنا باألساس الالزم لفهم سلوك الراشدين أيضاً‪ ،‬ذلك أن الدراسات قد أكدت أن‬
‫سوء التكيف الذي يالحظ لدى الراشدين يعود بصفة دائمة إلى الخبرات المبكرة‬
‫التي يلقاها الفرد في طفولته‪ ،‬ومشاعر النقص والقصور ال تفهم إال عن طريق‬
‫دراسة تاريخ نمو الفرد في المراحل المبكرة‪ ،‬كذلك ا تجاهات الفرد وميوله وآماله‬
‫وصحته النفسية واتجاهاته النفسية وميوله المهنية تمتد جذورها في الماضي البعيد‬
‫في طفولة الفرد‪ ،‬وعن طريق هذه الدراسة نتفهم المشكالت االجتماعية وأسبابها‬
‫وطرق عالجها‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪48‬‬

‫ملخص الفصل الثاني‬

‫يتناول الفصل الثاني األساس النظري لدراسات الطفولة موضوعاً ومنهجًا‬


‫للتعرف على نمو الشخصية والتعريف اإلجرائي لها وخصائصها‪:‬‬
‫‪ - 3‬التكامل‬ ‫‪ - 2‬التفاعل‪.‬‬ ‫‪ - 1‬الكلية‪.‬‬
‫‪ - 4‬الديناميكية‪ - 5 .‬الثبات النسبي‪ - 6 .‬التمايز‬
‫‪ - 7‬تعريف بنمو الشخصية – منهج الدراسة للشخصية ونموها‪.‬‬
‫‪ - 8‬الدراسة العلمية المنظمة لسيكولوجية الطفولة‪.‬‬
‫‪ - 9‬خصائص المنهج العلمي المتبع في الدراسة وخطواته‪.‬‬
‫‪ - 10‬طرق الدراسة العلمية – الطريقة الطولية والطريقة العرضية‪.‬‬
‫‪ - 11‬أهمية دراسة علم نفس النمو‪.‬‬
‫‪49‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫أسئلة على الفصل الثاني‬

‫س‪ - 1‬ضع عالم ( ‪ )‬أمام العبارات الصحةح وعالم (×) أمام العبارات ‪-‬‬
‫الفمو اإلجرائي للشخصة ‪:‬‬
‫‪ ‬عملية حادثة ال محالة‪.‬‬
‫‪ ‬عملية قد تحدث وقد ال تحدث‪.‬‬
‫‪ ‬كل ما سبق صحيح‪.‬‬
‫س‪ - 2‬هتوظةف القدرات‪ ......‬وعدم هتوظةفها يؤدي إلى‪......‬‬
‫س‪ - 3‬ضع عالم ( ‪ )‬أمام العبارات الصحةح وعالم (×) أمام العبارات ‪:‬‬
‫‪ ‬يمضي التعليم أمام النمو ويجره وراءه‪.‬‬
‫‪ ‬يتعلم الطف ل حينما ينضج وينمو‪.‬‬
‫‪ ‬يتعلم الطفل حينما يبلغ سن السادسة‪.‬‬
‫‪ ‬كل ما سبق صحيح‪.‬‬
‫س‪ - 4‬صل (أ) مع (ب) في المجموعتةن‪:‬‬

‫(ب) (الفشاط المهةمن علةها)‬ ‫(أ) (المرحل )‬

‫الصداقة (معايشة األقران)‪.‬‬ ‫‪ - 1‬المرحلة الجنينية‪.‬‬


‫نشاط االمتصاص‪.‬‬ ‫‪ - 2‬مرحلة المهد‪.‬‬
‫النشاط الحاسي الحركي‪.‬‬ ‫‪ - 3‬مرحلة الروضة‪.‬‬
‫النشاط اللعبي‪.‬‬ ‫‪ - 4‬مرحلة المراهقة‪.‬‬
‫س‪ - 5‬ضع عالم ( ‪ )‬أمام العبارات الصحةح وعالم (×) أمام العبارات‬
‫غةر الصحةح ‪:‬‬
‫‪ - 1‬تتناقض خاصية الديناميكية مع خاصية الثبات النسبي للشخصية‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪50‬‬

‫‪ - 2‬تؤثر العواطف على عمل الجسم وأجهزته‪.‬‬


‫‪ - 3‬ال توجد عالقة بين مرض الهزال الجسمي والذكاء‪.‬‬
‫‪ - 4‬ال توجد عالقة بين دراسات سيكولوجية النمو وطرق التدريس‪.‬‬
‫‪ - 5‬ال توجد عالقة بين األمراض الجسمية ومرض االكتئاب النفسي‪.‬‬
‫‪ - 6‬يمكن اكتشاف العباقرة والمتخلفين بناءً على معايير النمو‪.‬‬
‫‪ - 7‬يتحدد الثبات النسبي للشخصيات باإلطار العام المميز لنمط الشخصية‪.‬‬
‫‪ - 8‬إذا تدخلت البيئة بالشكل المناسب في الوقت المناسب يمكنها إلسراع‬
‫بنمو الشخصية‪.‬‬
‫‪ - 9‬تعوق طبيعة الظواهر النفسية دراستها الموضوعية بالمنهج العلمي‪.‬‬
‫‪ - 10‬يقاس تقدم العلوم بمدى إمكانية وصف ظواهرها وصفاً كمياً‪.‬‬
‫‪ - 11‬يضع علم نفس النمو فروضاً عامة ونظريات تسمح بالتنبؤ بالنتائج‪.‬‬
‫‪ - 12‬تتبع دراسات ال نمو والطفولة نفس خطوات المنهج العلمي المتبق في‬
‫البحوث الطبيعية‪.‬‬
‫‪ - 13‬تقتصر دراسة سيكولوجية الطفولة على تفسير سلوك األطفال فقط‪.‬‬
‫‪ - 14‬تزودنا دراسات الطفولة باألساس الالزم لفهم سلوك الراشدين‪.‬‬
‫‪ - 15‬يعود سوء التكيف لدى الراشد إلى الخبرات المبكرة التي يعايشها في‬
‫طفولته‪.‬‬
‫س‪ - 6‬هتكلم عن ما يلي بالتفصةل‪:‬‬
‫‪ - 1‬أهمية دراسة علم نفس النمو‪.‬‬
‫‪ - 2‬خطوات المنهج العلمي المتبع في دراسات الطفولة‪.‬‬
‫‪51‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫الفصل الثالث‬
‫اللغة أدوات التعلم والتعليم واملعرفة‬

‫األهداف‪:‬‬
‫يهدف الفصل الثالث لتعريف المتعلم بخصائص اللغة عند اإلنسان ونشأتها‬
‫منذ مرحلة المهد‪ ،‬واإلشارات " المنبئة" بصعوبات النطق والكالم لدى األطفال‬
‫وصعوبات استخدام الكالم "كأدوات" للتفاعل االجتماعي ويهدف لتعليم الدارس‬
‫بالحاجات والدوافع وراء استخدام الكالم وكيفية التفرقة بينها وبين صراخ‬
‫الحيوانات في الغابة‪ ،‬كما يهدف لتعليم الدارس المقارنة بين عملية "التعلم" عند‬
‫اإلنسان والتعلم عند الحيوان ‪ -‬والمقارنة بين الكالم كمظهر من مظاهر اللغة‬
‫وباقي مظاهر اللغة وخصائصها كما يوضح للمتعلم كيف يعُلم الطفل المقارنة‬
‫بين معانى الكلمات بمدلوالتها واإلدراك الحسي واإلدراك المجرد‪ ،‬ويتعلم‬
‫الدارس العالقة بين الفكر واللغة والتفكير والكالم وعالقة اللغة وتعلمها بقضية‬
‫"الوعى" البشرى‪.‬‬

‫العفاصر‪:‬‬
‫‪ -‬مقدمة الفصل‪.‬‬
‫‪ -‬تعريف اللغة‪.‬‬
‫‪ -‬أنواع اللغة‪.‬‬
‫‪ -‬وظائف اللغة‪.‬‬
‫‪ -‬نمو اللغة عند الطفل‪.‬‬
‫‪ -‬اللغة والكالم‪.‬‬
‫‪ -‬عالقة الفكر باللغة والكالم‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪52‬‬

‫‪ -‬مفهوم األدوات‪.‬‬
‫‪ -‬عالقة األدوات بقضية الوعي‪.‬‬
‫‪ -‬عالقة اللغة بالتفاعل االجتماعي‪.‬‬

‫مقدم ‪:‬‬
‫بعد اإلشارة إلى المفاهيم الرئيسة التي تناولها الكتاب الحالي في مقدمة‬
‫الطبعة الثانية سيتم االستعانة بها في شرح عالقتها ببعض المتغيرات في‬
‫الفصول القادمة للكتاب‪ ،‬مثل‪ :‬التعلم والتعليم في عالقته بالتفكير والمعرفة‪ ،‬ونمو‬
‫الشخصية والعوامل المحددة لهذا النمو وعالقتها بالذكاء المتعدد في مراحل‬
‫النمو المختلفة‪.‬‬
‫يهدف الفصل الثالث لتوضيح مفهوم التعلم والتعليم لدى الحيوان والطفل‬
‫وتوضيح الفرق بين "المخ" و"العقل" واإلفادة من التجارب التي أجريت على‬
‫الحيوان (الفئران)؛ لتوضيح التشريح لمخ الحيوانات التي تعيش في بيئات غنية‬
‫بالمثيرات ومخ الحيوانات األخرى التي تعيش في بيئات فقيرة‪ ،‬ثم اإلفادة من‬
‫هذه الفروق في إمكانية التنمية لإلنسان‪ ،‬وإ ثبات وجود العقل بكل خصائصه‬
‫الذى هو وظيفة للمخ بمختلف مستوياته‪ ،‬واستخدام "هرم السلوك" لتوضيح‬
‫المستويات المشتركة بين جميع الكائنات التي لديها "مخ"؛ ولكن ليس لديها‬
‫"عقل"‪ ،‬واإلنسان الذى لديه المخ ويسكنه العقل بوظائفه‪ ،‬وطرق االستدالل على‬
‫وجود العقل بصفة الكمون في المرحلة الجنينية وبصفة "الفعل" في سلوك طفل‬
‫المهد وما يتبعه من خطوات التفكير "بالمنهج العلمي" منذ الشهور األولى‪.‬‬
‫اللغ أدوات‪:‬‬
‫التعلم والتعلةم والتفكةر والمعرف ‪:‬‬
‫يبدأ هذا الفصل بالحديث عن المرحلة الجنينية وكنا نظن أنها أبعد ما تكون‬
‫عن تأثير البيئة الخارجية‪ ،‬وأن ما يهيمن عليها ويؤثر بقوة فيها هي المورثات‬
‫‪53‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫الجنينية وأن أهم ما في هذه المرحلة هو تكوين الجنين الجسمي بداية "المخ"‪،‬‬
‫ولكن انطالقًا من ا لنظرية االجتماعية التاريخية "لفيجوتسكى" التي كانت تؤمن‬
‫بأن "نشاط االمتصاص" الذى يهيمن ويضمن نمو الجنين وشخصيته هو نشاط‬
‫بكل الخصائص المعروفة عن هذه الدرجة في "الهرم السلوكي"‪ ،‬وهى الدرجة‬
‫"السادسة"؛ أي قسم هذا الهرم‪ ،‬وبعد ربطها بالدراسات التي أجريت بواسطة‬
‫مجموعة من العلماء لفهم نمو المخ وارتقائه في عالم الحيوان (الفئران)‬
‫واكتشاف خاصية مرونة وايالستيكية ودينامية "خاليا المخ" وتفريعاته بعكس ما‬
‫كان سائدا حينئذ بأن المخ ال ينمو وال يتغير بالمفهوم الكمي والكيفي‪.‬‬
‫أدت هذه النتائج إلى فتح آفاق واسعة لآلمال في إمكانية التنمية واإلثراء‬
‫والتدخل بتحسين بيئة األم الحامل وإتاحة الفرصة لمخ الجنين البشرى من استخدام‬
‫"نشاط االمتصاص" بأعلى طاقاته لدعم "القدرات العقلية" الموجودة كوظيفة للمخ‬
‫(العقل) ودعم االستعداد و"الطاقة" الموجودة في المخ بصفة "الكمون" وتهيئة بيئة‬
‫غنية تؤدى لتقوية دور "المكانة االجتماعية" للمخ البشرى في هذه المرحلة تحقيقاً‬
‫للمقولة ( ما هو بيئي لألم وراثي للجنين) بعد ما كان يتبادر للذهن للوهلة األولى‬
‫(بحكم المعلومات التي كانت سائدة عن تكوين المخ وأن "ستاتيكى الوجود" أن‬
‫المرحلة الجنينية هي أ بعد ما تكون عن محدد "المكانة االجتماعية" لنمو الشخصية‪،‬‬
‫ما هي خالصة هذه التجارب العظيمة التي قام بها العلماء وعلى رأسهم "ماريان‬
‫دياموند" أحد رواد علم التشريح العصبي ومؤلفة كتاب "العقل وأشجاره السحرية"‬
‫والذى ترجمه كوكبة من علماء النفس المصريين أ‪.‬د‪ /‬صفاء األعسر أ‪.‬د‪ /‬نادية‬
‫الشريف أ‪.‬د‪ /‬عزه خليل ونشرت الترجمة في دار الفكر العربي‪.‬‬
‫وتناول الكتاب عرضاً دقيقاً لعمليات نمو المخ تشريحياً منذ تكوين الجنين‬
‫وحتى مرحلة المراهق‪ ،‬ومتطلبات اإلثراء في كل مرحلة‪ ،‬والعوامل التي تهدد‬
‫اإلثراء‪ ،‬وأثبتت هذه التجارب ان المخ يمكن أن ينمو كما إذا عاش الحيوان في بيئة‬
‫منشطة ومثيرة‪ ،‬وان المخ البشرى يمكن أن ينمو "كما" و "كيفا" إذا عاش اإلنسان‬
‫في بيئة منشطة ومثيرة ويمكن ان تنكمش وتذبل إذا كانت البيئة مملة وغير مثيرة‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪54‬‬

‫وهنا تالقت هذه النتائج مع قوانين وقضايا النمو المنبثق من النظرية‬


‫االجتماعية التاريخية لفيجوتسكى والبحوث في علم نفس الطفل والنظرية للمؤلفة‬
‫الحالية‪ ،‬ولتوضيح هذا يجب أن نبدأ بشرح هرم السلوك ليتضح الفروق‬
‫الجوهرية بين ما يمكن أن يصل إليه النمو الكمي فقط لدى الحيوان وما يمكن أن‬
‫يتم بتدريب هذا الحيوان لتعديل سلوكه الفطري الذى يعتمد على إشباع غرائزه‬
‫بطريقة مباشرة ويتفق مع حفظ حياته (كاألسد في السيرك حينما يدرب على‬
‫القفز من حلقة النار وال يمكن إجباره على الدخول إلى حجرة مشتعلة)‪.‬‬
‫وما يمكن أن يصل إليه النمو "الكمي " والكيفي" لدى اإلنسان منذ المرحلة‬
‫الجنينية يفعل الممارسة لألنشطة ومن أهمها "نشاط االمتصاص" في المرحلة‬
‫الج نينية لحدوث "طفرة النمو" وخروج الجنين بمخ قد استثمر كل طاقاته الكامنة‬
‫في هذه المرحلة ليخرج بطاقة عالية وقدرة فائقة على القيام بجميع العمليات‬
‫العقلية في صورتها الواعية باستخدام اللغة كأدوات مصنعة عقلياً وكوسائط‬
‫رمزية ومفاهيم تيسر لطفل منذ مرحلة المهد التفكير بالمنهج العلمي بكل‬
‫خطواته منذ النداء "االجتماعي األول" في الشهور األولى وقبل ذلك بكثير‪.‬‬
‫فما هي الخطوات التي يتفق فيها جميع الكائنات بما في ذلك اإلنسان‪ ،‬وما‬
‫هي الخطوات التي ال يمكن أن يصل إليها أي كائن أخر سوى اإلنسان‪.‬‬

‫( النشاط – األداء ‪ -‬العمليات) ميتويات ال يقدر علةها إال اإلنيان‬


‫(السلوك – االستجابات ‪ -‬األفعال المنعكسة) مشترك بةن الجمةع‬
‫‪55‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫ويأتي قبل شرح هذا الهرم مفهوم التعليم والتعلم الذى يهدف للمعرفة‪،‬‬
‫والتعليم الذى يهدف لتعديل السلوك فقط‪.‬‬
‫ثم شرح تفصيلي لمفهوم األدوات وأهمها اللغة والمقارنة بين الكالم للببغاء‬
‫وصراخ طفل المهد الذى يعتبر لغة بكل خصائصها الثمانية السابقة ذكرها في‬
‫الفصل األول ثم العمليات العقلية الالزمة للتعلم والتعليم وأولها اإلدراك‪.‬‬
‫ما يمكن اإلفادة منه من كتاب (العقل وأشجاره السحرية) حينما نربطه بما‬
‫نتج عن نظرية فيجوتسكى في "النمو والتعليم" وخاصة مرحلة "النمو الوشيك"‪.‬‬
‫ويجيب على األسئلة اآلتية إجابة مدعمة بالنتائج التطبيقية في مجاالت علم‬
‫النفس التربوي والمعرفي وعلم نفس النمو والشخصية‪.‬‬
‫األسئلة هي‪:‬‬
‫‪ - 1‬كيف يمكن ألنسجة المخ ان تتغير كما وكيفاً وفى أي مرحلة؟‬
‫‪ - 2‬ما الذى نعرفه وما الذى ال نعرفه عند تأثير (البيئة الثرية والبيئة‬
‫الفقيرة) في الخاليا العصبية في المخ البشرى؛ بحيث تؤدى إلى‬
‫انتشارها أو انكماشها؟‬
‫‪ - 3‬كيف ينمو ويتطور المخ البشرى منذ المرحلة الجنينية وحتى المراهقة‬
‫والرشد وما عالقته بالعقل والذكاءات المتعددة ودور الخبرة والممارسة‬
‫والتعلم والتعليم في ذلك؟‬
‫‪ - 4‬ما حجم الدور الذى تلعبه الوراثة والبيئة في الذكاء والمعرفة وحل‬
‫المشكالت؟‬
‫‪ - 5‬كيف يمكن أن نحدد ما إذا كان مستوى االستثارة (البيئة المجتمعية)‬
‫مناسباً لطفل مرحلة نمائية ما أو أنه دون المستوى المناسب أو أعلى‬
‫من المستوى؟ وهو المعروف لدى فيجوتسكى بمستوى التوظيف‬
‫للقدرات وقدره الذى تتشكل "المكانة االجتماعية" بناء عليه؟ وما يمكن‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪56‬‬

‫أن يُثرى خبرات األطفال في مرحلة النمو المختلفة ويعده اإلعداد‬


‫السليم لمرحلة المدرسة االبتدائية؟‬
‫‪ - 6‬ما الذى تفعله البيئة المحرومة‪ ،‬او البيئة المتوسطة‪ ،‬أو البيئة اإلثرائية‬
‫في نمو الشخصية للطفل في مراحلها المختلفة؟‬
‫ولإلجابة عن هذا السؤال األخير يقدم الكتاب الحالي البحثين األخيرين فيه‪:‬‬
‫‪ - 1‬حق شخصية طفل الروضة في القياس والتقويم والتنمية المستدامة‪.‬‬
‫‪ - 2‬نحو مقاييس إجرائية صادقة لشخصية طفل الروضة وبرامج تنميتها‪.‬‬
‫ومن اإلجابة عن هذه األسئلة يمكن تقديم رؤية مشجعة وإ يجابية للطفولة في‬
‫المرحلة السحرية المليئة بالقدرات القابلة للتوظيف‪ ،‬لتكتسب الشخصية الخبرة‬
‫بالممارسة وتكتسب المهارات ويحقق الطفل بالتوظيف أقصى ما يمكن من‬
‫استثمار للقدرات النفسية والعقلية واالجتماعية والفسيولوجية (كما في النمو‬
‫الكمي للمخ)‪.‬‬
‫فيحتل المكان ة االجتماعية التي ترنو لتحقيقها التنمية البشرية إلثراء‬
‫الشخصية واالرتقاء بمستواها ألقصى قدراتها في حل المشكالت‪.‬‬
‫وحتى يتحقق بالتعليم والنمو والمتعة يجب ان تدخل المفاهيم المراد تعليمها‬
‫ومعرفتها إلى الطفل من باب النشاط المهيمن على المرحلة النمائية يستطيع ان‬
‫يكتسب الخبرات المتعددة المجاالت ويستطيع الوصول إلى أعلى درجات المهارة‬
‫في كل االتجاهات المشبعة للحاجات النفسية واالجتماعية والعقلية وبالتالي يسبق‬
‫التعلم والتعليم النمو ويكون سبباً له وضامناً لحدوثه سواء كان ذلك في حل‬
‫المشكالت االجتماعية أو النفسية أو العقلية‪ ،‬اعتمد عمليات التفاعل االجتماعي‬
‫واكتساب الخبرة االجتماعية على "اللغة" المكتسبة تلقائياً في عمليات التواصل‬
‫االجتماعي منذ النداء االجتماعي األول في أول مرحلة المهد‪ ،‬وأهم ما يميز‬
‫العمليات العقلية في اللغة بخصائصها انها تستخدم كأدوات (وسائط) وبذلك تختلف‬
‫‪57‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫اختالفاً جوهرياً عن "االستجابات" و"السلوك" وهذا ما يعرضه الفصل الثاني ‪.‬‬


‫كما يعتمد التعليم المقصود للقراءة والكتابة على إدراك خصائص المفاهيم‬
‫اللغوية (مفهوم التسمية‪ ،‬مفهوم الحرف والكلمة والجملة) وهذا ما يعرضه‬
‫الكتاب في الفصل الثالث‪.‬‬
‫اللغ ‪:‬‬
‫اللغة أداة ونظام رمزي يصنعها اإلنسان قصداً وعمدًا لتحقيق أهدافه وإشباع‬
‫احتياجاته‪ ،‬التي غاليا ما تكون نفسية عقلية واجتماعية في المقام األول وأخيراً‬
‫فسيولوجية‪ ،‬وينتهي عهد اإلنسان بالصوت كمادة خام بعد صرخة الميالد‪.‬‬
‫بمعنى أن اإلنسان يستخدم األصوات لتحقيق أهداف وإشباع احتياج‬
‫شخصي منذ خروجه من الحياة الجنينية إلى مرحلة المهد‪ .‬يصبح الصوت إشارة‬
‫ذات معنى‪ ،‬ويصبح الرمز المنطوق أداة لها مدلول‪ ،‬ثم يستخرج اإلنسان‬
‫تركيبات خاصة به مؤلفة من مجموعة أصوات تبدأ بصوت واحد ذي نغمة‬
‫خاصة يستخدمه الفرد لتحقيق هدف معين ويتم تعديله وتغييره ومراجعته بمدى‬
‫تحقيقه للهدف المطلوب ثم يعتمده الفرد كمفهوم يؤدي الوظيفة المنوطة به‪،‬‬
‫وبطبيعة الحال يقوم العقل بالتعبيد والمراجعة والتقويم ثم االعتماد لذلك عرفت‬
‫اللغة بأنها‪" :‬منظومة عقلية مادتها األصوات والنغمات المختلفة وتسعى لتحقيق‬
‫إشباع االحتياجات النفسية واالجتماعية والعقلية والفسيولوجية تميز اإلنسان دون‬
‫سائر الكائنات بحب االستطالع والحاجة للمعرفة‪ .‬وتعتبر هذه الحاجة دافعا‬
‫رئيسيا للقيام بعمليات المالحظة والفحص والتصنيف‪ ،‬فيتعرف اإلنسان على‬
‫البيئة المحيطة به ويتعلم‪ ،‬ويعد ل سلوكه حتى يصبح قادرًا على إشباع الحاجات‬
‫النفسية كتقدير الذ ات والحاجة للنجاح‪ ،‬واالنتماء واألمن‪ .‬كما يشبع الحاجات‬
‫االجتماعية كالحاجة لالستقالل والحاجة للحرية والحاجة للتفاعل االجتماعي إلى‬
‫أخر االحتياجات (النفس اجتماعية) التي تجعله يحتل مكانة اجتماعية بعينها في‬
‫وسط جماعته التي يعيش معها‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪58‬‬

‫تتحدد مكانة الفرد االج تماعية بقدر ما لديه من معارف وخبرات‪ ،‬والخبرة‬
‫ما هي إال مجموعة من المفاهيم في قالب لغوى يحيط بها اإلنسان في عقله‬
‫كصورة مختزلة عن العالم والبيئة‪ .‬وتمثل المفاهيم واللغة في عالم اإلنسان‬
‫(أدوات للمعرف وحل المشكالت)‪.‬‬
‫يستخدم اإلنسان األصوات "كأدوات" لغوية يحقق بها إشباع كافة‬
‫االحتياجات وال بد من المقارنة بين استخدام اإلنسان لألصوات كأدوات لغوية‬
‫واستخدام الحيوان األصوات بطريقة فطرية مباشرة إلشباع حاجاته الفسيولوجية‬
‫والمحافظة على حياته وضمان بقاء النوع وإشباع الغرائز‪.‬‬
‫اللغ ‪:‬‬
‫سنعرض اآلن للتعاريف التي أوردها العلماء للغة ونخضعها لنفس المعايير‬
‫التي اخضعنا لها المفاهيم في الفصل السابق‪ .‬وهذه المعايير هي التعرف على‬
‫خصائص اللغة دون صفاتها‪ .‬حتى نعطى التعريف الجامع المانع للغة‪.‬‬
‫عرفها ابن جنى "اللغة" أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم‪.‬‬
‫ويقصر هذا التعريف اللغة على الكالم ويعتبر الكالم أرقى أنواع التعبيرات‬
‫الصوتية وهو ظاهرة اختص اهلل عز وجل بها اإلنسان وحده وفضله على سائر‬
‫المخلوقات‪ ،‬وقد حدد هذا التعريف للغة (هدفها) الذى يقصد إليه القوم حين قال‪:‬‬
‫(يعبر بها كل قوم عن أغراضهم) فهي اهتفاقة بين القوم الذ ين اصطلحوا على‬
‫هذه األصوات‪ ،‬لتحق يق غرض وغاية من وراء استخدامهم لها‪ ،‬فهي وسيلة‬
‫التصال الفرد بغيره ليعبر عن احتياجاته‪ ،‬ويعبر عن آالمه وآماله وعواطفه‬
‫ويترجم بها ما في نفسه من خواطر وانفعاالت‪ ،‬ويتفاهم مع أفراد أسرته وبيئته‬
‫فهي (وسيلة تر بط الفرد بالجماعة‪ ،‬والجماعة بالفرد‪ ،‬وتربط كل منهما بالحياة)‪.‬‬
‫وتتضح في تعريف بن جنى الوظيفة االجتماعية للغة‪ ،‬وهى نقل الفكرة في‬
‫إطار البيئة اللغوية فهي "أصوات تعبر عن أغراض قوم وتؤدى وظيفتها في‬
‫مجتمع معين"‪.‬‬
‫‪59‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫ويعرفها أن خلدون في مقدمته "اللغة عبارة المتكلم عن مقصوده‪ .‬وتلك‬


‫العبارة فعل لياني ناشئة عن القصد إلفادة الكالم"‪.‬‬
‫ويالحظ في كال التعريفين اقتصار اللغة على األصوات والعبارات وربطها‬
‫بالكالم في حين تقوم لغة اإلشارة لدى األصم واألبكم بنفس الوظيفة االجتماعية‬
‫وهى اصطالحية مقصودة كما أنها رمزية ولها مفاهيمها الخاصة ومعانيها‬
‫وداللتها كما أن بها عالقتها بنمو الفكر والنمو العقلي المعرفي لألصم‪.‬‬
‫أي أن اللغة ليست مقصورة على "الفعل اللساني" أو هي مجرد "أصوات‬
‫فقط"‪ .‬كما أننا ال يمكن أن نهمل عالقتها بالفكر وكونها أدوات للمعرفة‪ ،‬فهي‬
‫"ن يق من الرموز متعمدة الت صفةع لتفقل الفكرة" بل إن اإلنسان "لةفكر في‬
‫لغ " ويشعر بهذه العالقة كل من درس في بالد أجنبية تتكلم لغة أخرى غير‬
‫اللغة األم للفرد‪ ،‬حتى إن علماء النفس يشعرون بأن األجنبي في تفاعله (يفكر‬
‫أوالً بلغ ته األم ثم يترجم أفكاره باللغة األجنبية ثم ينقلها للمشرفين على دراسته‪،‬‬
‫ويظل هكذا لسنوات طويلة إلى أن يتمكن من التفكير باللغة األجنبية والحوار بها‬
‫مباشرة‪،...‬‬
‫فاللغة وعاء الفكر‪ ،‬تحفظه وتعبر عنه وترتقي برفقته وصدق اهلل العظيم‬
‫حين قال "خلق اإلنسان علمه البيان" وهذا يوضح أن اللغة ليست مقصورة على‬
‫الكالم أو األصوات وإال ألصب ح اإلنسان يتساوى مع بعض الحيوانات والطيور‬
‫التي تردد أصوات اإلنسان كما تسمعها‪.‬‬
‫فالببغاوات تستطيع أن تردد ما تسمعه من كلمات‪ ،‬ولكن من المؤكد أنها ال‬
‫تستخدمها عمدًا‪ ،‬بصفتها مفهوم رمزي كما أنها تس تخدمها للتعبير عن أغراض‬
‫خاصة كما أنها إذا اختفت المثيرا ت السمعية (الكالم الذى ينطقه اإلنسان أمامها)‬
‫اختفى معها ترديدها‪.‬‬
‫كما ال يمكن للببغاء تغيير ما تسمع أو إخفاؤه أو تحقيق هدف من ورائه‪...‬‬
‫وكل ذلك يوضح المقصود بأن (اللغة أدوات للفكر)‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪60‬‬

‫وقد حاول تعريف هيردوك ‪ Hurlok‬أن يجمع صور اللغة غير الصوتية‬
‫فعرفها "اللغة شاملة لكل صور التعبير‪ ،‬أما الكالم فما هو أال أحد أشكال اللغة)‪..‬‬
‫أما عن عالقتها بعملية الترمةز والمفاهةم واألفكار فقد عرفها جيوم‬
‫‪" Guiaume‬اللغة هي مجموعة من العالمات المستأنسة‪ ،‬وأن العالمة أو الرمز‬
‫يستمدان الشيء المرموز له من العقل الذى يعلم داللته"‪.‬‬
‫اتسع هذ ا التعريف ليشمل العمليات العقلية التي تنتج الرموز والمفاهيم‪ ،‬كما‬
‫أشار التعريف إلى مفهوم بالغ األهمية وهو "الداللة" فالداللة مرتبطة بعمليات‬
‫االستدالل العقلية واالستدخال ومراحل تكوين المفاهيم اللغوية والعلمية التي‬
‫سيرد تفصيلها فيما بعد‪.‬‬
‫كما أوضح نشأتها االجتماعية فوصفها بأنها "ميتأني " أي القت قبول من‬
‫المجتمع الذى نشأت فيه فأنس بها في عمليات التفاعل االجتماعي‪ ،‬واكتسبت‬
‫مدلوالتها من خالل خبرات أفراد هذا المجتم ع‪ .‬وقد ركز التعريف على الفروق‬
‫الجوهرية بين مدلول المفهوم والرمز وبين معاني الكلمات‪...‬‬
‫كما ظهر الفصل بين اللغة والكالم في تعريف دى سوسير ‪De Saussur‬‬
‫"اللغة مجموعة من العالمات تعبر عن األفكار‪ .‬كما يرتبط هذا النظام من العالمات‬
‫بمعانيها وتعبر هي ومعانيها عن مدركات نفسية‪ ،‬ويقصد بالعالمات الرموز أي‬
‫تستخدم في خلق اتصال بين شخصين‪ ،‬وما دامت أنواع هذه الرموز متعددة فمن‬
‫الواضح أن هناك لغات متعددة كلغة العيون ولغة اإلشارات ولغة الموسيقى‪.‬‬
‫ولقد تعددت اآلراء والتعاريف الفاصلة بين هذ ين المفهومين اللغة والكالم‬
‫على اعت بار أن الكالم فردى وأن اللغة اجتماعية‪ .‬فاللغة رموز توجد في المجتمع‬
‫الناطق المفكر أما الكالم فهو وظيفة الفرد (المتكلم) واللغة نظام من الكلمات‬
‫والصيغ والعالمات والرموز النحوية في مجتمع ما‪ ،‬أما الكالم فهو التنفيذ‬
‫الفردي واالستخدام الذاتي ويشتمل على ما ينطقه الفرد أو يكتبه ويتوقف حدوث‬
‫الكالم على شرطين‪:‬‬
‫‪61‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫‪ - 1‬إدراك شيء من األهمية بدرجة تثير نشاطًا‪.‬‬


‫‪ - 2‬وجود رغبة في إدخال آخر شريكًا في هذا اإلدراك‪.‬‬
‫ومن خالل التعريفات السابقة للغة نجد أنها أداة شاملة لكل صور التعبير‪،‬‬
‫أما الكالم فهو أحد أشكال اللغة الذى يعتمد على التعبير بأصوات مقطعية وهكذا‬
‫نصل إلى أن اللغة‪:‬‬
‫" نظام م ن المعلومات ترتبط بمعانيها وتعبر عن مدركات نفسية‪ ،‬ويقصد‬
‫بالعالمات هذه الرموز التي تستخدم في خلق تواصل بين شخصين"‪.‬‬
‫تعتبر لغة السمع والكالم أهم أشكال اللغة وتساعدها في بعض األحيان لغة‬
‫بصرية م ثل لغة اإلشارات والوجه‪ ،‬وال تصبح اللغة حقيقة اجتماعية‪ ،‬إال إذا كان‬
‫العقل اإلنساني ناميًا بالقدر الكافي حتى يصبح قادرا على عملية الترميز من‬
‫خاللها وصياغة افكاره في قوالبها ونقل تراثه الثقافي بواسطتها‪.‬‬
‫وتتكون اللغة في أساسها من‪:‬‬
‫‪ - 1‬الفونيمات (‪.)Phonemes‬‬
‫‪ - 2‬المورفيمات (‪.)Morphemes‬‬
‫‪ - 3‬الكلمات والجمل‪.‬‬
‫والفونيمات هي األصوات المختلفة التي تتكون منها اللغة‪ ،‬فمثال الحرف "أ"‬
‫بُ)‪0‬‬ ‫ب‪ ،‬بِ‪،‬‬
‫فونيم والحرف "ب" فونيم (أ‪ ،‬إ‪ ،‬اُ ‪َ -‬‬
‫والمورفيم أصغر وحدة لغوية ذات معنى‪ ،‬والحرف أصغر وحدة تتركب‬
‫منها الكلمة‪ ،‬والكلمة أصغر وحدة في الجملة‪.‬‬
‫وتستخدم اللغة في تركيب المفاهيم العلمية‪ ،‬التي ننقلها لألطفال بشكل ‪-‬‬
‫يتن اسب مع قدراتهم على االستيعاب‪ ،‬ليستخدموا هذه المفاهيم في حل كافة‬
‫المشكالت المتعلقة باللغة خاصة إذا اعت برنا أن اللغة (أصوات ذات نظام وداللة‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪62‬‬

‫تخرج من فم اإلنسان بقصد التخاطب مع إنسان آخر) وهذه النظم والدالالت ال بُدَّ‬
‫أن تكون موحدة بين المتكلم والسامع‪ .‬ونقول األصوات وليس الحروف؛ ذلك ألن‬
‫الحروف في لغتنا العربية ‪ 28‬حرفًا أما األصوات ذات الداللة فأكثر من ذلك‬
‫بكثير‪ ،‬ويكفى أن نذكر الحركات "الكسرة‪ ،‬والفتحة‪ ،‬والضمة"‪ ،‬ولنضرب مثاالً‬
‫الختالف الترتيب في األصوات‪ ،‬فاألصوات "ع‪ ،‬ر‪ ،‬ف" والفتحة تعطينا "عرف‪،‬‬
‫عفر‪ ،‬وفرع‪ ،‬رفع"‪.‬‬
‫وظائف اللغ ‪:‬‬
‫تقوم اللغة عادة بوظيفين رئيسيتين هما‪:‬‬
‫‪( - 1‬التواصل االجتماعي) بصفتها وسيلة وأداة للتواصل‪.‬‬
‫‪( - 2‬تسهيل العمليات العقلية) باعتبارها نظاما رمزيا؛ لتسهيل عملية‬
‫التنظيم الفكري‪.‬‬
‫وإذا أردنا أن نتناول الجانب اآلخر فنالحظ اللغة في دورها االجتماعي‬
‫وذلك باعتبارها الوسيلة الممكنة لصاحبها من التعبير عن كافة أفكاره‬
‫واحتياجاته‪ ،‬يتفاعل الفرد اجتماعيا عن طريق اللغة ويتم تكيفه داخل المجتمع‬
‫الذى يحيا فيه خاصة إذا كانت لغة ذلك المجتمع واحدة ومتطابقة‪.‬‬
‫واللغة كأداة تواصل اجتماعي يتم من خالل التعبير عن الرغبات واآلراء‬
‫ونقل كل ما يريد الفرد أن يوصله من أفكار ومبادئ فنجد أنها مدفوعة‬
‫بالحاجات‪ ،‬وتهدف إلى تحقيق التكيف مع المجتمع وال يجد الطفل صعوبة في‬
‫هذا فنجدها في وظيفتها هذه تلقائية وينجح فيها الطفل في وقت مبكر للغاية‪.‬‬
‫أما الجانب األخر؛ والذى يمثل في أن اللغة أداة ونظام رمزي يسهل الفكر‬
‫فهو مجال البحث في هذا الكتاب وهو الذى عن طريقه نتبين متى ينتقل الطفل‬
‫من مرحلة التعامل مع اللغة كأداة تواصل اجتماعي إلى التعامل معها كأداة‬
‫ورمز مجرد من ارتباطاته الحياتية‪ ،‬أي يركز اهتمامه بوعي على األدوات‬
‫‪63‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫المستخدمة في أثناء تفاعله االجتماعي كما سيظهر هذا حين التعرض إلى‬
‫التنظيم العقلي أثناء تكوين المفاهيم اللغوية‪.‬‬
‫وهى ظاهرة اجتماعية تالزم البشر وتحيا حياتهم وتساير تطورهم‪ ،‬خالصة‬
‫القول أن لغة اإلنسان أدوات ناتجة من عمليات عقلية‪ ،‬وصانع هذه األدوات هو‬
‫العقل الذى يقوم باستخدامها بعد ذلك في وظائف مختلفة‪ ،‬ومن هنا تظهر أنواع‬
‫اللغة بحسب الظواهر التي تعبر عنها فنجد‪:‬‬
‫أوالً ‪ -‬األصوات االنفعالة ‪:‬‬
‫التي تظهر عند الطفل في أصوات التعبير الطبيعي عن االنفعاالت؛ كالتعبير‬
‫عن الخوف واأللم والجوع والفرح ومختلف أنواع الصراخ الوجداني وهو "فطرى‬
‫عند الطفل بدون سابق تجربة وال تعليم وال تقليد" وليس أدل على فطريتها وعدم‬
‫توقفها على المحاكاة من أنها تظهر حتى عند الطفل الذى يولد أصم‪.‬‬
‫ثانةًا ‪ -‬األصوات الوجدانة اإلرادي ‪:‬‬
‫وهى نفسها أصوات النوع األول ولكنها تختلف عن األول؛ حيث يتم‬
‫استخدامها إرادياً فهو يدرك أن هذه األصوات قادرة على جعل الكبار يحققون‬
‫رغباته ويشبعون احتياجاته التي غالبا ما تكون نفسية اجتماعية‪.‬‬
‫ثالثا ‪ -‬أصوات اإلثارة اليمعة ‪:‬‬
‫وهى أصوات تلقائية غير تقليدية تصدر من الطفل في شهوره األولى بينما‬
‫يسمع بعض األصوات العالية من حوله أو صوت موسيقى معينة أو عندما‬
‫يناغيه المحيطون به وكأنه يجيبهم فيرد عليهم‪.‬‬
‫تتشابه هذه األصوات مع ما يسمى "العدوى الصوتية "فحينما يبكى طفل‬
‫في وسط أطفال في مكان ما يبكى اآلخرون‪.‬‬
‫وهذه األصوات ليست إرادية وال تحاكى أصوات المجموعة األولى ولكنها‬
‫ت شبه األصوات الوجدانية فيما عدا أن الوجدانية دوافعها طبيعية داخلية‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪64‬‬

‫فسيولوجية واألخيرة مثيراتها‪ .‬تصل للطفل عن طريق جهاز السمع وارتباطه‬


‫بجهاز الصوت لدى الطفل‪( .‬االدراك الحسى للصوت)‪.‬‬
‫رابعا ‪ -‬أصوات التمريفات الفطقة أو (اللعب اللفظي)‪:‬‬
‫يظهر عند الطفل حوالي الشهر الخامس ميل فطرى إلى اللعب باألصوات‬
‫وتمرين أعضاء النطق عن غير قصد وليس لها داللة‪.‬‬
‫وقد لوحظ في هذه التمرينات اللفظية بعض األصوات التي ليس لها شبيه‬
‫في اللغة األم للطفل فالطفل يميل إلى تكرار صوت معين بصفة مستمرة وليس‬
‫من السهل قطع هده السلسلة من التكرارات‪.‬‬
‫في هذه الحالة يجرى تمرين للصوت الذى سيستخدمه الطفل بعد ذلك‬
‫بغرض محاكاة أصوات اآلخرين إلى إنه في هذه المرحلة الغرض "تكرارى"‬
‫فقط واستعادة للشعور بالمتعة من جراء تكرار هذه األصوات دون محاكاة أو‬
‫تقليد مقصود ألن قصد التكرار أو المحاكاة سيظهر في المرحلة التالية حين‬
‫يتعمد الطفل ترديد ما يسمع‪.‬‬
‫خامياً ‪ -‬أصوات محاكاة‪:‬‬
‫يحاكي الطفل ف ي هذه المرحلة األصوات التي يسمعها كنباح الكالب أو‬
‫عواء القط أو صوت السيارة وهذه تصدر بشكل إرادي وقد يكون الطفل‬
‫مستمتعاً بقدرته على المحاكاة وإثبات قدرته على التقليد‪.‬‬
‫سادسا ‪ -‬األصوات المركب ‪:‬‬
‫يحاكي الطفل المحيطين به بنفس المقاطع والدالالت الوضعية التي تتألف‬
‫منها الكلمات وتتكون منها اللغة التي يسمعها منهم‪ .‬وهذه‪ ،‬األصوات يحاكى بها‬
‫الطفل المحيطين به بشكل مقصود وإرادي‪ ،‬كما أنه ال يصدر بشكل إلى بل‬
‫يشرف الطفل على إصالحه‪ ،‬حتى يخرج في صورته المرغوبة التي تحقق‬
‫هدف التواصل االجتماعي فهو يفهمها ويعمد إلى تكرارها كلما احتاجها وقد‬
‫يلع ب أو يستدعيها في مواقف متخيلة هنا تظهر السمة المحددة لالستدعاء‬
‫‪65‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫المقصود في غير مواقف االحتياج الطبيعي أي في صورة احتةاج متخةل‪.‬‬


‫وهنا تظهر بوضوح خاصية اللغة بوصفها أدوات مصنعة بواسطة العقل‬
‫لحل مشكالت متخيلة غير مرتبطة بإشباع احتياج فعلى‪ ،‬ولكنها اجتماعية المنشأ‬
‫كما تنمو بسماع الطفل لنفسه وذلك يبين لماذا ال يتكلم الطفل االصم‪.‬‬
‫لذلك ينصح األطباء بالكشف العضوي على األطفال الذين يعانون من‬
‫صعوبات الحديث وعيوب الكالم‪.‬‬
‫ولتوضيح مفهوم األدوات في مقابل مفهوم المادة الخام‪.‬‬
‫نيوق المثال التالي ‪:‬‬
‫قام أحد العلماء بتعليم طفله والشمبانزي الذى يعيش مع الطفل كيفية‬
‫استخدام أدوات المائدة عند تناول الطعام‪ .‬بمالحظة سلوك الطفل والحيوان بين‬
‫كيف أن الطفل حرص على تعديل سلوك تناول الطعام بالملعقة لحل مشكلته كما‬
‫حرص على توصيل أكبر قدر ممكن من الطعام في كل مرة يستخدم فيها الملعقة‬
‫فلم يعد يكرر نفس الحركات التي تؤدى إلى فقدان الطعام بتساقطه من الملعقة‬
‫بل أخذ يحرك يده للتوافق مع شكل الملعقة وتقريبها من فمه ليستطيع إشباع‬
‫حاجته إلى الطعام‪ ،‬كما أخذ يتدرب على ذلك حتى في غير أوقات األكل‪.‬‬
‫في حين لوحظ أن الشمبانزي ظل يكرر نفس الحركات بالمعلقة وكأنه‬
‫يستخدمها الستطالة يده‪ ،‬ولم يحاول التوفيق بين شكل المعلقة ويده‪ .‬فلم يكن يغير‬
‫من وضع يده مستخدما الملعقة في اإل ناء ولم يكن حريصا على وصول الطعام‬
‫لفمه‪ ،‬بل في كل مرة كان يفقد معظم الطعام فال يصل لفمه منه شيء حتى ضاق‬
‫زرعا باستخدام الملعقة‪ ،‬وألقى بها جانبا وأشبع حاجته للطعام بيديه‪.‬‬
‫مما تقدم يمكن استنتاج أن استخدام الشمبانزي للملعقة كان استكماال لطول‬
‫اليد دون محاولة التوفيق مع وظيفة الملعقة‪ ،‬والهدف المراد تحقيقه وعندما اشتد‬
‫به الجوع ألقى بالملعقة جانبا فلم تكن أبدا أداة إلشباع احتياجه الفسيولوجي‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪66‬‬

‫في حين أن الطفل كان يعدل دائمًا من وضع يده مع الملعقة إلى أن تحقق‬
‫الهدف‪ ،‬وكان يسعى لتحقيق النجاح في استخدام أدوات المائدة بصرف النظر‬
‫عن كمية الطعام التي يحصل عليها بها‪.‬‬
‫لذلك إذا احتجز الطفل عند مرحلة معينة من مراحل نمو اللغة يعد ذلك‬
‫مؤشراً لضرورة البحث والفحص الطبي أوالً لهذا الطفل‪.‬‬
‫كما ظهرت نفس خصائص سلوك الحيوان السابقة في تجربة "كهلر" حينما‬
‫علق في أعلى القفص مع الشمبانزي الموز‪ ،‬ظل الشمبانزي ساكنا ال يهتم‬
‫بالحصول على الموز إلى أن اشتد به الجوع وبدأ يقفز قفزات متالية بنفس‬
‫االرتفاع في كل مرة‪ ،‬بالرغم من فشل عملية القفز في الوصول للموز‪ ،‬إال أنه‬
‫كان يكررها‪ ،‬حتى يتعب ثم يستريح ثم يكرر نفس القفزات‪ ،‬ومن هنا يتضح‬
‫غياب االست بصار وغياب عملية التقييم لألداء عند الحيوان‪ ،‬إلى أن أدخل‬
‫الفاحص للقفص عدد من العصى بعضها أجوف وبعضها مصمت وهنا فقط أخذ‬
‫الشمبانزي ليحاول الوصول للموز بالعصى إلى أن ت بين بالصدفة إمكانية إدخال‬
‫العصى المصمتة في المجوفة فأصبح طولهما معا يصل إلى الموز المعلق في‬
‫أعلى القفص‪.‬‬
‫بتحليل الموقف يتبين أنه لم يعمد إلى استخدام العصى إال حينما وضعت في‬
‫مجال بصره‪ .‬في حين أن الطفل قام بخلع العصا من القفص ثم وضع صندوق‬
‫تحت الموز وأسقط الموز بالعصا‪ ،‬ولم يقم بأكلها‪ ،‬بمعنى أنه لم يتم بالمحاولة‬
‫بدافع الجوع وإذا كان دافع الطفل الوصول لحل المشكلة وهى الحصول على‬
‫الموز دون أكله فلم يكن لديه دافع فسيولوجي‪.‬‬
‫أما بواق ع الحيوان كانت الحاجة للطعام بدليل أنه لم يقم بالمحاوالت إال‬
‫عندما اشتد به الجوع‪ ،‬كذلك الحيوان استخدم العصي عندما أصبحت في مجال‬
‫بصره الستطالة اليد حتى وصل إلى الموز‪.‬‬
‫أما الطفل قد قام بنزعها من القفص مما يد ل على أن الطفل فكر في حل‬
‫‪67‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫المشكلة بتصنيع األدوات من المواد الخام المتاحة كما أن الطفل أخذ يكرر حل‬
‫المشكلة مستمتعا بنجاحه‪.‬‬
‫ولم يكن الحصول على الموز بغرض أكله وإشباع دافع فسيولوجي‬
‫(الجوع)‪ ،‬وهكذا يمكن اعتبار الطفل الذى تنمو لديه اللغة في مراحلها سابقة‬
‫الذكر يستمتع باستخدام اللغة و اللعب باألصوات في صورة مناغاة مع نفسه‪.‬‬
‫نجد الطفل إذا أراد إشباع احتياج معين يحاول توصيل الفكرة لآلخرين‬
‫بشتى الطرق سواء كان باإلشارة أو استخدام مقاطع األصوات ثم تغيير هذه‬
‫األدوات على أن ينجح في الحصول على ما يريد ولذلك نجد أن الطفل الذى‬
‫يشبع احتياجاته بدون اللغة يتأخر في التواصل اللغوي وإذا تأخر الكبار في‬
‫إشباع حاجات الطفل فسيضطر الطفل إلى توصيل ما يريده في صورة التواصل‬
‫اللغوي سواء بالكلمات أو اإلشارات أو الرموز التي غالباً ما يصطنعها الطفل‬
‫ككلمات خاصة به لها داللة معينة حتى يحصل على ما يريد‪.‬‬
‫وهذه هي الصورة الكاملة الستخدام الرموز أو ما يسمى بالمفاهيم اللغوية‬
‫كأدوات كما أنه يستخدمها قبل أن يتمكن من تصنيعها بنفسه للتعبير عن أفكاره‬
‫بزمن طويل جداً‪.‬‬
‫وهذا يفسر لماذا يجب اال تخدعنا الطالقة اللفظية للطفل كما سيظهر ذلك‬
‫في البحث بعنوان‪" :‬تصميم مقياس لإلدراك اللغوي لدى الحلقة األولى من‬
‫التعليم األساسي"‪.‬‬
‫عالق الفكر باللغ والكالم‪:‬‬
‫مما سبق تتضح أصول ما قبل النشاط العقلي للكالم في نمو الطفل منذ فترة‬
‫مبكرة جدا‪ ،‬كما ال يمكن ألحد أن ينكر وجود نوع معين من التفكير الذى‬
‫يستخدم األدوات والرموز والمفاهيم اللغوية بل ويخترعها أو يصنعها‪ ،‬فاللغة‬
‫أدوات مصنعة من المادة الخام وهى األصوات فقبل ظهور الكالم واستخدام‬
‫المفاهيم اللغوية كان األداء قائما على المعنى الذاتي لهذه المفاهيم في داخل عقل‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪68‬‬

‫اإلنسان ولذلك نجد الطفل احياناً يبتكر كلمات ليست موجودة في لغة الكبار أو‬
‫حتى إشارات معينة يرمز بها إلى احتياج بعينه‪.‬‬
‫فهو بذلك يصنع أدواته ويربط بين اإلشارات واالحتياج وأن كان في كثير‬
‫من األحيان يعتمد على بعض االرتباط الشرطي اال انه يربط بين رموزه‬
‫ومدلولها ومعناها هذا ما ييمى بالكالم الداخلي‪.‬‬
‫وبالرغم من التباين بين العلماء في طبيعة العالقة بين اللغة والفكر والكالم‬
‫إال أنه يمكننا استعراض نتائج بعض الدراسات في هذا المجال‪ .‬وقد أكد بعض‬
‫العلماء على أن الفكر واللغة وجهان لعملة واحدة‪.‬‬
‫العالق بةن اللغ والفكر‪:‬‬
‫الواقع أن العالقة بين اللغة والفكر وطيدة‪ ،‬فاللغة تقدم للفكر تعاريف جاهزة‬
‫وتصنف األش ياء بخصائصها حتى ال تتداخل مع غيرها وتساعد الفكر في عمله‪،‬‬
‫وبحسب قول الدوزهكسلى‪" :‬إن الثقافة البشرية‪ ،‬والسلوك االجتماعي والتفكير‬
‫ال توجد في غياب اللغة"‪.‬‬
‫هكذا تجد أن العلماء لم ينتهوا إلى تحديد نهاية مقنعة حول عالقة اللغة‬
‫بالفكر؛ ألن كل ما لدينا هو مجموعة من وجهات النظر والتأمالت التي تقوم‬
‫على نتائج البحوث والنظريات المتباينة التي يصعب جمعها في إطار واحد؛‬
‫حيث اختلف ت تعاريف اللغة التي يستخدمها كل من واضعي النظريات‪.‬‬
‫يصور كل من براون وور ف "اللغة" كعامل يصور االشياء ويجمعها في‬
‫فصائل وأنواع " أما كندلر فيعرفها "بأنها تعريف وسيط لألشياء"‪.‬‬
‫ويعرفها فيجوتسكى "بأنها حديث جهري وعملية رمزية مجردة"‪.‬‬
‫باإلضافة إلى تن وع تعاريف اللغة فإن هؤالء الباحثين استخدموا العمليات‬
‫المختلفة واألداء لقياس مدى اإلدراك والمعرفة حيث استخدم كندلر االستقراء‬
‫واالستدالل والتمثل والتعبير في أشكال السلوك أما فيجوتسكى فاستخدم عمليات‬
‫‪69‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫ا لتصنيف واالنتخاب لتوصيل مالحظات عديدة عن األطفال اللعب في حين‬


‫اختبر براون‪ ،‬وورف عمليات التنصيف واالنتخاب مع مرت بات بنائية موجودة‬
‫فعال في الطبيعة كعوامل منبهة أو مثيرات‪.‬‬
‫نستنتج مما تقدم أن اختالف التصورات النظرية للعالقة بين اللغة والفكر‬
‫ترجع كما سبق ذكره إلى اختالفات في التعريف ومنهج الدراسة وأسلوبها‪.‬‬
‫إال أن هناك أربعة تصورات وآراء نظرية للروابط بين اللغة والفكر هي‪:‬‬
‫‪ - 1‬اللغة عملية منفصلة عن الفكر إال أنها موازية له‪.‬‬
‫‪ - 2‬اللغة عملية تتفاعل مع الفكر‪.‬‬
‫‪ - 3‬اللغة عملية تسهل الفكر‪.‬‬
‫‪ - 4‬اللغة عملية تكافئ الفكر وتعبر عنه‪.‬‬
‫اللغ والفكر عملةتان مففصلتان‪:‬‬
‫يرى العلماء في مدرسة جنيف أن اللغة والفكر عمليتان متقاربتان جدا‪ ،‬وبينهما‬
‫رابطة قوية‪ .‬وقرروا في أبحاثهم بأن كال من اللغة والفكر يمكن أن يستغنى أحدهما‬
‫عن اآلخر وقرروا أن اللغة حالة الزمة ولكنها ال تكفى لتنمية العمليات المنطقية‬
‫ودور اللغة في ال تنمية الذهنية يعد رمزياً‪ ،‬جزءا من وظيفة العقل‪.‬‬
‫وحيث إ ن اللغة نظام يبين أن من الممكن للطفل يستدعى حاالت ومواقف‬
‫غيبية ويحرر نفسه من حدود المكان والزمان والمباشرة وبمعنى آخر من مجال‬
‫اإلدراك الحسى بالتالي تعد خبرة في اطار من الدراية والعقل مما يقوى القدرة‬
‫على فهمها‪.‬‬
‫ويرى بعض العلماء‪ :‬إن اللغة تساعد على خزن واستعادة المعلومات‪ ،‬إال‬
‫أنه يبدو أنها ال تساعد في تنظيم وترتيب المعلومات واألفعال بصفة فعلية‬
‫ومنطلق هذا الرأي أن األطفال الصم أظهروا قدرات فكرية معينة أثناء‬
‫التصنيف والتسلسل دون كالم جهري أو علني حيث استنتج "فورث" ‪Furth‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪70‬‬

‫أن القدرة على التفكير تنمو منفصلة عن اللغة‪ ،‬ولكن وجه بعض الباحثين نقد‬
‫لفورت؛ حيث إن الصم يمتلكون طريقتهم في التعبير الرمزى أو التشبيهى‪.‬‬
‫هتفاعل اللغ مع الفكر‪:‬‬
‫يرى فيجوتسكى أن كال من اللغة والتفكير صادران من جذور مختلفة ففى‬
‫البداية يوجد ما يمكن وصفه بأنه فكر ما قبل اللغة‪ ،‬وكالم ما قبل العمليات وكل‬
‫منهما يندمج في اآلخر بالتدريج كلما اقترب الطفل من مرحلة ما قبل العمليات‪،‬‬
‫ومع هذا فإن اندماج كل من اللغة والفكر ال يكون تاما حيث تشير بعض الدالئل إلى‬
‫أن فكر ما قبل اللغة في مرحلة النشاط الحسى الحركى ويستمر بعد هذه المرحلة‬
‫استخدام كل من "الصور الذهنية" والمهارات الحركية في األداءات العملية‪.‬‬
‫ويرى "لوريا "‪ Luria‬تأكيد دور ووظيفة اللغة في ضبط أفعال الطفل‬
‫والتحكم فيها‪ ،‬فهي الوسيلة لتنظيم الخبرات السابقة وتنسيقها وعندما يفمو الطفل‬
‫ويكون صالت جديدة بين لغ ته‪ ،‬أفعاله وأفكاره تكون وظيفة اللغة إضافة جديدة‬
‫لتنظيم ح ياة الطفل العقلية‪.‬‬
‫وقد يؤدى التعلم "عن طريق الحفظ عن ظهر قلب "دون استيعاب للمعنى‬
‫إلى كالم ما قبل العمليات الفكرية‪ ،‬وقد ينتج عنه غرس سالسل لفظية في‬
‫الذاكرة دون أي استدالل منطقي لما وراء المضمون‪ ،‬وهذا نوع من الكالم‬
‫ال يخضع للعمليات العقلية (الحفظ والتسميع دون فهم للروابط)‪.‬‬
‫اللغ عملة هتيهل الفكر‪:‬‬
‫ويمثل هذا اإلطار السلوكيون حيث يفترضون أن اللغة كحديث جهري‬
‫وعلني‪ ،‬تستطيع أن تسهل عمليات الفكر بأن تؤدى دور الوسيط‪.‬‬
‫والوسيط هو رد أو عدة ردود تتداخل وتتوسط بين منبه خارجي وإجابة‬
‫جهرية لكى تزودنا بتنبيه يؤثر في طريقه السلوك‪ ،‬وعليه فأن تعمل على مزيد‬
‫من تطور الفكرة والسلوك المعقد‪.‬‬
‫‪71‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫اللغ هتكافئ الفكر وهتعبر عف ‪:‬‬


‫تقرر هذه النظرية أن النظام اللغوي لطائفة ما‪ ،‬يصف ويعرف هيكل الفكر‬
‫لجميع أفراد هذه الطائفة‪ .‬ويؤيد وورف ‪ Whorf‬االعتقاد بأن الفكر يربط باللغة‬
‫التي يمارس من خاللها‪ ،‬ويتركز في ان اللغة عباره عن القالب الذى يتم فيه‬
‫تشكيل عقل الطفل ويقول‪ :‬أننا نجزئ الطبيعة وننظمها في مفاهيم‪ ،‬وتتفق من‬
‫خالل جماعتنا الكالمية على شفرة تعتمد على بناء اللغة‪.‬‬
‫وهذه األفعال القصدية هي أفعال للتفكير‪.‬‬
‫ويقرر شتيرن أنه حينما تتضح القصدية اللغوية يظهر العمل العقلي وإدراك‬
‫الوظيفة الرمزية للغة‪.‬‬
‫إال أن الواقع في نمو اللغة عند الطفل يؤكد تطرف هذه النظرية وأنها تعقل‬
‫الطفل أكثر من الواقع الحقيقي وهذا مخالف لما ظهر من تجارب وخصائص‬
‫اإلدراك النوعي لدى األطفال الذى سيظهر في البحوث التي تناولت هذا الجانب‪.‬‬
‫ويمكن أن نلخص العالقة بين الفكر والكالم فيما يلى‪:‬‬
‫‪ - 1‬التفكير والكالم ينشأن من أصول مختلفة‪.‬‬
‫‪ - 2‬هناك مرحلة للكالم قبل النشاط العقلي ومرحلة ما قبل اللغة في نمو‬
‫التفكير‪.‬‬
‫‪ - 3‬يسير نمو الكالم والتفكير ‪ -‬حتى فترة معينة في خطوط مختلفة دون‬
‫ارت باط أحدهما باآلخر‪.‬‬
‫‪ - 4‬عند نقطة معينة تتالقى فيها هذه الخطوط‪ ،‬وبعدها يصير التفكير‬
‫كالميا والكالم عقليا عندما تصبح اللغة أدوات للمعرفة وحل‬
‫المشكالت‪.‬‬
‫ويمكن أن نرسم التفكير والكالم في دائرتان متداخلتان‪ ،‬في أجزائهما‬
‫المتداخلة يتحد الكالم والتفكير لينتجا ما يسمى التفكير الكالمي‪ ،‬واألجزاء‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪72‬‬

‫المنفصلة ال تتضمن كل أشكال التفكير أو ك ل أشكال الكالم‪.‬‬


‫بعدما تم استعراض خصائص المفاهيم التي ت بين أنها متفقة تماماً مع‬
‫خصائص اللغة‪ .‬يتضح التفاعل المثمر بين رموز اللغة والمفاهيم بأنواعها‬
‫المختلفة وموضوعاتها المتعددة وتضح عالقة اللغة بالفكر في سلوك طفل المهد‬
‫في المثال التالي‪:‬‬
‫فعندما يشعر طف ل المهد بحاجته للتفاع ل االجتماعي مع اآلخرين (الشعور‬
‫بالمشكلة الناتجة من عدم االتزان الذي أحدثه االحتياج) فهو يصرخ بنغمة معينة‬
‫مختلفة عن البكاء المصاح ب لالحتياج الفسيولوجي‪ ،‬و هذا الصوت يعد أول نداء‬
‫اجتماعي‪.‬‬
‫فدوافعه اجتماعية‪ ،‬وأهدافه اجتماعية كما يؤدي إشباعه إلى النمو‬
‫االجتماعي للشخصية فقد قام الطفل بالبحث حوله فلم يجد أحد ليتفاعل معه بعدما‬
‫كان حوله عدد من أفراد األسرة وكان كل منهم يصدر استجابة خاصة لكل‬
‫حركات الطفل تمكن الطفل من مالحظة هذه المشكلة وقارن بين وضعه الحالي‬
‫والوضع السابق وحينما كان قادرا على التأثير على اآلخرين واستمرار التفاعل‬
‫معها عن طريق األصوات التي يصدرها‪.‬‬
‫إذن وقائع المشكلة قابلة للرصد والمشاهدة وتخضع للمقارنات في حدود‬
‫قدرات الطفل – فالمشكلة واقعية وقابلة للحل حال مبدئياً عن طريق فرض يضعه‬
‫الطفل موضع االختبار أثناء تنف يذه بمعنى هل ستحل المشكلة بواسطته ام ال؟‬
‫وهنا يصدر الطفل صرخة طويلة بنغمة حادة وينتظر االستجابة ‪ -‬فينصت‬
‫القترا ب وقع االقدام (يقوم هنا العقل بتفسير ما تأتي به حاسة السمع فيحلل‬
‫ارتفاع الصوت بمعنى اقتراب وقع األقدام فقد أوشك الح ل على الحدوث) وهنا‬
‫قد يصمت الطفل توقعا للحل الوشيك‪.‬‬
‫حينئذ قد تبتعد األم عائدة من حيث أتت‪ ،‬وهنا يالحظ الطفل الظاهرة ويفكر‬
‫‪73‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫في حل آخر لفرض جديد آخر لمعالجة عيوب الفرض األول فيصدر الطفل‬
‫"المتغير المستقل" نداءً اجتماعيا بشكل أعلى وبصورة مستمرة إلى أن يتحقق‬
‫الهدف ويتم اإلشباع للتفاعل االجتماعي‪.‬‬
‫إذن الفرض قابل لالخت بار ويحتمل تحقيقه للهدف وهكذا يختار الطفل‬
‫الصوت العالي المستمر ليحقق حل للمشكلة‪.‬‬
‫ومن خصائص المعرفة العقلية للطفل أنه ال يعود مرة ثانية الستخدام‬
‫الصوت المنخفض وال يتوقف عن النداء (الصراخ) قب ل ظهور (األم) الطرف‬
‫اآلخر في عملية التفاعل االجتماعي‪ ،‬بل ويعمم بعد ذلك النتيجة التي وصل إليها‬
‫حتى تصبح نمطا اجتماعيا لسلوكه فيما بعد‪.‬‬
‫وتتمايز شخصيات األطفال بحسب ميولهم نحو استخدام أساليب معينة‬
‫لسلوكهم االجتماعي أثناء التفاعل االجتماعي فمنهم من يميل إلى أساليب العنف‬
‫والصراخ والصراع حتى يشبع حاجته للتفاعل م ع أطراف المجتمع في معظم‬
‫مواقفه‪.‬‬
‫ومنهم من يفضل عالقات التعاون مع األطراف األخرى إلشباع حاجاته‬
‫االجتماعية ‪...‬إلخ‪.‬‬
‫وبتحليل الموقف السابق نجد الطفل قد مارس التجربة والتفاعل للتحقق من‬
‫صحة الفروض التي أفترضها لح ل مشكلته في الموقف االجتماعي وحينما تحقق‬
‫من صحة الفرض األخير تم استدخاله ليصبح خيطا في نسيج الخبرة االجتماعية‬
‫لهذا الطفل‪ .‬ومن الواضح أن الخبرة ليست مجرد تراكم كمي للمعلومات‬
‫ومعطيات البيئة‪ .‬فال يمكن لإلنسان أن يجمع كل معطيات البيئة ويحتفظ بها في‬
‫صورتها الموجودة بل نجده يحولها إلى (مفاهيم‪ ،‬ويضعها في قالب لغوي‬
‫ليستدخلها ويطبعها بطابعه الشخصي ثم يستخرجها كأدوات لحل مشكالت أخرى‪.‬‬
‫ويعدل سلوكه بفضل هذه المعرفة والخبرة‪ ،‬وتختلف المفاهيم باختالف‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪74‬‬

‫موضوعها فهناك المفاهةم العلمة التي تساعده على اكتشاف الظواهر الطبيعية‬
‫وك خواص الحرارة مثال من حيث بقاء الحرارة وانتقالها والعالمات المميزة‬
‫لأل جسام الساخنة‪ .‬فيتعلم تعديل سلوكه وتعميم سلوكيات تتناسب مع المتغيرات‬
‫الطبيعية‪.‬‬
‫ونجد لديه المفاهةم اللغوي التي يبتكرها لحل مشكالت التواصل االجتماعي‬
‫فتصبح لبعض األطفال لغة خاصة بهم يفهمها الذين يعيشون معهم فقط‪.‬‬
‫فالطفل في المثال السابق عد ل وغير صوته وطوره لكى يحقق هدفه في‬
‫التفاع ل االجتماعي مع الطرف اآلخر‪ .‬فقد استخدم الصوت كلغ وهي في هذه‬
‫الحالة نشاط اجتماعي نشأ عند احتياج الطفل للتفاعل مع آخر‪ .‬ثم يوظف الطفل‬
‫اللغة في هذا النشاط االجتماعي ويبتكر أساليب لغوية أخرى ليحقق التوافق‬
‫االجتماعي‪ .‬وهذا يؤكد أن اللغة اجتماعية المنشأ‪.‬‬
‫يدرك الطفل عناصر الموقف إدراكاً حسياً كما سمع ورأى‪ ،‬فقد فهم ما أتت‬
‫به الحواس في المرحلة (الحسية الحركية) من سن صفر إلى سنتين ثم ينتقل إلى‬
‫مرحلة الذكاء التصوري المتصل بالمفاهيم والمدركات وعند هذه المرحلة من‬
‫سنتين إلى الرشد ولكن المهم طالما هي مرحلة ما قبل المفاهيم من سنتين إلى‬
‫أربعة سنوات ثم مرحلة الحدس من أربع سنوات إلى سبع سنوات يبدأ النشاط‬
‫"الرمزي" في مرحلة ما قبل المفاهيم باستجابة الطفل للمثير بعد إدراك معناه‪،‬‬
‫وخصائصه‪.‬‬
‫ثم ي بدأ في بناء صور أكثر تعقيدا حينما يصفها في صورة مفاهيم‬
‫فيستجيب للجملة بإدراك الحدث الكلي لها‪.‬‬
‫والموقف السابق دليل آخر يثب ت أن الطفل يستعمل اإلدراك الحسي ثم‬
‫يحوله إلى نمط لغوي مؤثر في اآلخرين لتحقيق أهداف شخصيته‪ ،‬ووسيلة‬
‫للتنميط االجتماعي وتحديد سمات شخصية الطفل أشاء التفاعل االجتماعي في‬
‫شتى المواقف بواسطة استخدام الصوت أدوات وبداية كالمه ومناغاته لآلخرين‬
‫كمفاهيم لغوية ذات داللة‪.‬‬
‫‪75‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫نيتخلص من الموقف اليابق ما يلي‪:‬‬


‫مفهوم األدوات‪:‬‬
‫تعد رموز اللغة و "المفاهيم" أهم األدوات التي يستعملها اإلنسان بوصفها‬
‫وسائط مصنعة اجتماعيا‪ ،‬بواسطتها تنتقل العمليات العقلية من التلقائية إلى‬
‫الوعي وترتقي من المعطيات الحيوانية إلى المستوى البشري‪.‬‬
‫ويتميز نشاط اإلنسان عن نشاط الحيوان بأن األول نشاط توسطي‪،‬‬
‫(يستخدم الوسائط‪ ،‬األدوات)‪ ،‬فهو يدرك من موضوعات البيئة تلك األشياء التي‬
‫ت تصل بحاجاته الب يولوجية واألخرى التي تتوسط بينها وبين نشاطه إلشباعها‪.‬‬
‫كما يدرك المثيرات البيئية بعد صياغتها في قوالب المفاهيم التي تكونت لديه‬
‫اجتماعياً في المعايشة والفهم واالستيعاب (أي حين استدخال األدوات) فعالقة‬
‫اإلنسان بالعالم الخارجي تتوسطها أدوات العمل واإلنتاج من ناحية وكذلك نشاط‬
‫األفراد اآلخرين ودورهم في هذا العالم من ناحية أخرى‪.‬‬
‫وتجلى هذه العالقة في تقسيم العمل بين مجموعة من األفراد؛ بحيث‬
‫ال يتحقق الهدف من العمل إال إذا قام كل فرد بدوره الموكل إليه‪.‬‬
‫وهذا يؤكد ضرورة تمثل الخ برة االجتماعية واستدخالها لعمليات النمو‪.‬‬
‫قضة الوعى‪:‬‬
‫تؤكد هذه القضية الوعى كمعيار لنمو جمي ع العمليات النفسية والعقلية حيث‬
‫تظهر هذه العمليات على مسرح الحياة مرتين مرة تلقائية مباشرة ذات دوافع‬
‫اجتماعية‪ ،‬ومرة أخرى واعية توسيطية متعلمة ومقصودة‪.‬‬
‫وهذا يعنى أن التغير الذي يطرأ على العمليات العقلية أثناء النمو ليس تغيرا‬
‫كمياً‪ ،‬بل هو تغ ير في نوع هذه العمليات‪.‬‬
‫وتنمو عملية إدراك اللغة األم لدى الطفل من التلقائية إلى الوعي‪ ،‬فنرى‬
‫الطفل يتق ن القواعد النحوية للغة األم قبل دخوله المدرسة بفترة طويلة‪ ،‬ولكن‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪76‬‬

‫هذا اإلتقان تلقائي ومكتس ب بالمحاكاة ووظيفته الرئيسية استمرار التفاعل‬


‫االجتماعي والتعبير عن حاجات الطفل الرئيسية‪ ،‬فإذا طلب من هذا الطفل نطق‬
‫كلمة تبدأ بحرف "الميم" مثال فسيجد صعوبة شديدة في ذلك حيث يلزمه عملية‬
‫"التصنيف" واالستقراء الواعي لمفاهيم الحروف والكلمات وهو غير قادر بعد‬
‫على أعمال فكرة الواعي في هذه المفاهيم ولذلك ال يمكنه استدعاؤه بصورة‬
‫إرادية او تحليلها إلى عناصرها األولية أو استخدامها كوسائط لحل مشكالت‬
‫فكرية‪ ،‬وال يتس نى له ذلك إال بالتعلم المنظم المقصود‪ ،‬فينمو إدراكه الواعي‬
‫الذي يسمح بالتكيف وحل المشكالت التي ال يمكن حلها باإلدراك التلقائي‪.‬‬
‫التفاعل االجتماعي‪:‬‬
‫ال يتم إال في عمليات االختالط وعمليات والمعايشة وعمليات التعلم‬
‫والتعلةم فالتفاعل االجتماعي هو الذي يخرج القدرات في صورة عمليات‬
‫وال ت تكون العمليات الواعية إال بالتوظيف المقصود من المؤسسات االجتماعية‬
‫وعدم التوظيف أو التوظيف الخطأ يؤدى إلى احتجاز هذه العمليات في المرحلة‬
‫الدنيا التلقائية‪ .‬لذلك إذا أرد نا الحكم على ذكاء طف ل فيجب أن يصدر هذا الحكم‬
‫بعد تعريضه لعملية التفاعل االجتماعي القادرة وحدها على تكوين وعيه‬
‫وإخراج قدراته وتحديد منطقة نموه المقبل‪.‬‬
‫وقد أتاحت فكرة "منطقة النمو المقبل" وطرق دراستها إثراء األسس‬
‫العلمية للتأثير التربوي السليم على الطفل‪ ،‬ونبهت إلى الدور الخطير الذي تلعبه‬
‫طرق التدريس المختلفة بوصفها وسائط اجتماعية توظف قدرات الطفل‪ ،‬وفي‬
‫إطارها تتكون وتنمو العمليات العقلية الواعية‪.‬‬
‫‪77‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫ملخص الفصل الثالث‬

‫هتفاول الفصل الثالث ما يلي‪:‬‬


‫‪ -‬توضيح مفهوم التعلم والتعليم لدى الحيوان والطفل وتوضيح الفرق بين‬
‫"المخ" والعقل" واإلفادة من التجارب التي أجريت على الحيوان‬
‫(الفئران)‪.‬‬
‫‪ ( -‬النشاط – األداء ‪ -‬العمليات) مستويات ال يقدر عليها إال اإلنسان‪.‬‬
‫‪( -‬السلوك – االستجابات ‪ -‬األفعال المنعكسة) مشتركة بين الجميع‪.‬‬
‫‪ -‬األصوات "كأدوات" لغوية تتحقق بها إشباع كافة االحتياجات‪.‬‬
‫‪ -‬المقارنة بين استخدام اإلنسان لألصوات كأدوات لغوية واستخدام‬
‫الحيوان األصوات بطريقة فطرية مباشرة إلشباع حاجاته الفسيولوجية‬
‫والمحافظة على حياته وضمان بقاء النوع وإشباع الغرائز‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪78‬‬

‫أسئلة على الفصل الثالث‬

‫س‪ - 1‬تحد ث عن اللغة وأهميتها في التواصل وحل المشكالت‪.‬‬


‫س‪ - 2‬تكلم عن وظائف اللغة‪.‬‬
‫س‪ - 3‬وضح العالقة بين الفكر واللغة والكالم‪.‬‬
‫‪79‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫الفصل الرابع‬
‫إ دراك املفاهيم اللغوية وعالقته بالتعلم‬
‫ومنو الشخصية وحمددات عملية النمو‬

‫األهداف‪:‬‬
‫يهدف الفصل الرابع إلى تبصير المتعلم بأ نواع المفاهيم وخصائص اإلدراك‬
‫اللغوي لدى الطفل‪ ،‬وعالقته بالتعلم التوظيفي للقدرات‪ ،‬بحيث يكُّون الطفل‬
‫المفاهيم الرئيسية للحروف والكلمات والجمل ويمنع حدوث "أشباه المفاهيم" التي‬
‫تؤدى إلى ظهور صعوبات التعلم النمائية الخاصة بعملية اإلدراك‪ ،‬كما يعُرف‬
‫المتعلم على نظرية النمو المرحلي لألداء العقلي (جالبيرون)‪.‬‬

‫ويبصر المتعلم بكيفية توظيف قدرات الطفل لتكوين المفاهيم العلمية‬


‫(الواعية بخصائص الحروف ‪..‬الخ وعدم اإلغراق في المفاهيم العامة (التلقائية‬
‫الخاصة بالصفات للحروف والكلمات ومعاني الجمل)‪ ،‬ويعرف المتعلم برؤية‬
‫فيجوتسكى ل تكوين المفاهيم اللغوية وإدراكها‪.‬‬

‫العفاصر‪:‬‬
‫‪ -‬مقدمة الفصل‪.‬‬
‫‪ -‬خصائص اإلدراك اللغوي لدى األطفال‪.‬‬
‫‪ -‬المفاهيم التلقائية والمفاهيم الواعية‪.‬‬
‫‪ -‬عالقة النمو بالتعلم‪.‬‬
‫‪ -‬فيجوتسكى وتكوين المفهوم‪.‬‬
‫‪ -‬نظرية النمو المرحلي لألداء العقلى (جالبيرن)‪.‬‬
‫‪ -‬المفاهيم العلمية والعامة ومقاييس اإلدراك اللغوي‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪80‬‬

‫‪ -‬بحوث تطبيقية لتكوين المفاهيم اللغوية لطفل الروضة‪.‬‬


‫‪ -‬خاتمة‪.‬‬

‫مقدم ‪:‬‬
‫عرضت الفصول السابقة للغة‪ :‬تعريفها‪ ،‬وظيفتها‪ ،‬نشأتها‪ ،‬مراحل نموها‪،‬‬
‫إدراكها التلقائي والواعي‪.‬‬
‫وبعدما تم إلقاء الضوء على بعض المصطلحات التي تناولها الفصالن‬
‫السابقان كمفهوم الرمز‪ ،‬والمعنى‪ .‬المفهوم والداللة‪ .‬مفهوم األصوات الخام التي‬
‫يستعملها الحيوان لحفظ حياته ومفهوم اللغة التي يصنعها طف ل المهد في مهده‬
‫كأدوات للتفاعل االجتماعي وإشباع حاجاته الشخصية‪.‬‬
‫يلزم توضيح طبيعة إدراك المفاهيم اللغوية من جانبها الكيفي‪ ،‬ومراحل نمو‬
‫هذا اإلدراك‪ ،‬وأنواع المفاهيم وعالقتها بالتعلم وخصائص عملية التعلم وما يلزم‬
‫لتحقيق أهدافها وتحقيق المعرفة اللغوية لقواعد اللغة وأصول النحو والصرف‬
‫بها‪ ،‬وبما يقي الطفل من التعرض للمشكالت السلوكية ومشكالت اإلدراك‪.‬‬
‫يرى بعض العلماء أن النمو اللغوي لدى األطفال يبدو حينما يستخدمون‬
‫أكبر عدد من الكلمات في تعاملهم مع البيئة المحيطة بهم لذلك اهتم العلماء‬
‫بقياس الثروة اللغوية لدى األطفال أو الطالقة اللغوية إلى آخر هذه المظاهر‬
‫الكمية التي تدل على الرقي اللغوي لألطفال ومن وجهة نظر هؤالء العلماء‪.‬‬
‫في حين يرى البعض اآلخر أن هذا الحصر يمثل جانباً كمياً للنمو اللغوي‬
‫في حين يجب االهتمام بالجانب الكيفي في المقام األول ذلك الجانب الذي يتمثل‬
‫في تحديد طبيعة إدراك الطفل لهذه العناصر اللغوية‪ ،‬وكيف يدركها هل يدركها‬
‫إدراكاً تلقائيا ً أم إدراكاً واعياً ؟‪ ،‬وهل يستخدمها ترديدا وإعادة دون وعي أم‬
‫يستخدمها كأدوات للفكر والتعبير؟ وهل يستطيع أن يخضعها لتفكيره الواعي‬
‫فيصنفها ويحل لها ‪..‬إلخ هذه العمليات العقلية الواعية؟‬
‫‪81‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫مما تقدم يتضح انقسام العلماء إلى مجموعتين‪:‬‬


‫يهتم بعض العلماء باإلدراك الحسي‪ ،‬ويهتم البعض اآلخر بالعمليات العقلية‬
‫التي ت بدأ بالمالحظة واالنتباه للمثير اللغوي بوصفه مثيرا حسيًّا أت ت به حاسة‬
‫السمع‪ ،‬ثم أدركه الفرد فعمل على تأويله وتفسيره وبدأ في إعمال الفكر والنشاط‬
‫العقلي إلى أن انتهى بعمليات التعميم والتجريد والتنظيم ثم التنبؤ‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫هذه العمليات العقلية بالغة التعقيد حتى نصل إلى المفاهيم المجردة‪.‬‬
‫ويمكن تصنيف المفاهيم من حيث موضوع اإلدراك فيها (اي من حيث‬
‫المدرك) إلى نوعين‪:‬‬
‫‪ - 1‬المفاهيم الحسية‪.‬‬
‫‪ - 2‬المفاهيم المجردة‪.‬‬
‫ومن حي ث العملية العقلية ذاتها إلى نوعين من العمليات‪:‬‬
‫‪ - 1‬عمليات اإلدراك الحسي التي ت بدأ بما تأتي به الحواس‪.‬‬
‫‪ - 2‬عمليات اإلدراك المجرد أو اإلدراك العقلي الذي يبدأ من فكره يتناولها‬
‫العقل بالتفسير والتحليل والكشف عن ماهيتها والتحقق من صحتها‪.‬‬

‫‪ - 1‬المفاهةم الحية ‪:‬‬


‫تظهر فيها وظيفة اللغة أثناء عمليات التواصل االجتماعي وتعد يل السلوك‬
‫فيما يسمى (بالكالم)‪.‬‬
‫يدرك الفرد معنى الكالم حينما يميز الفروق الكيفية بين معاني الكلمات‬
‫ال تي يسمعها‪ .‬ويعدل سلوكه باالستجابة لما يلقى إليه من أوامر فإذا طلبت من‬
‫الطفل مثال (فتح النافذة) وقام بما طلبته منه فقد فهم المثير الحسي وأوله وفسره‪.‬‬
‫وقام بتنفيذ المطلوب‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪82‬‬

‫‪ - 2‬المفاهةم المجردة‪:‬‬
‫يرتبط اإلدراك العقلي للغة بالعمليات التي تتجرد فيها المفاهيم اللغوية من‬
‫سياقاتها المختلف ة‪ ،‬ومعناها‪ ،‬ومدلولها‪ ،‬ووظيفتها االجتماعية كوسيلة تواصل‬
‫اجتماعي‪.‬‬
‫ويتم فحصها بوصفها مفاهيم رمزية مجردة وتراكيب محددة كأن يقوم‬
‫الفرد بتقسيم الكلمة وتحليلها إلى مكوناتها األولية مز الحروف أو المقاطع‪ .‬أو‬
‫تحليل القواعد النحوية وقواعد الصرف أو كتابة الكلمات المسموعة‪ ،‬حيث إن‬
‫عملية الكتابة تستل زم قدر أكبر من التركيز العقلي‪ .‬كما يلزم إخضاع ؛ عناصر‬
‫اللغة للتفكير الواعي وإدراك الحروف والكلمات‪ ،‬بوصفها مفاهيم لها وجود‬
‫رمزي يختلف تماما عن معناها ومدلوالتها االجتماعية‪.‬‬
‫بذلك القدر من الوعي والتفكير المجرد يمكن أن ت تم عملية تعليم اللغ ‪.‬‬
‫فالتعلم لعناصر اللغة وقواعدها ال يتم في غيبة الوعي بمجردات اللغة والمفاهيم‬
‫اللغوية كالحرف والكلمة والعبارة‪ .‬فيلزم المعرفة بأن الحرف رمز مجرد له اسم‬
‫يسمى به‪ ،‬وله رسم يكتب به‪ ،‬وله صوت ينطق به‪ ،‬عندئذ فقط يمكن‪ ،‬تحليل‬
‫الكلمة إلى عناصرها األولية‪ ،‬وتجريد حروفها وتبديل وضع هذه الحروف‬
‫إلنتاج مزيد من الكلمات بنفس هذه الحروف‪.‬‬
‫كيف يدرك الطفل اللغة وعناصرها أو ما يسمى بالمفاهيم اللغوية؟ وما هو‬
‫القدر من الوعي بهذه المفاهيم الذي يمكن أن نراه في كالم األطفال؟‬
‫ولماذا يراعي الطفل قواعد اللغة األم أثناء الحديث فيتبع الصفة الموصوف‬
‫ويعجز عن استخراج او تجريد حروف الكلمة‪ .‬أو يعجز عن اإلجابة عن أسئلة‬
‫مثل هات كلمة تبدأ بحرف الميم مثالً؟‪.‬‬
‫يجيب عن هذه األسئلة جان بياجيه وفيجوتسكي برأيهما في تكوين المفهوم‬
‫لدى الطفل ومراحل نمو المفاهيم‪.‬‬
‫‪83‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫خصائص اإلدراك اللغوي لدى األطفال ‪:‬‬


‫بالرغم من قلة التجارب التي تحدد الخصائص النفسية إلدراك اللغة‬
‫العربية‪ ،‬إال أنه قد تأكد بشكل عام بعض الخصائص بالنسبة لألداء اللغوي‬
‫للطفل أثناء التفاعل االجتماعي كما أمكن استخالص بعض خصائص إدراكهم‬
‫للغة من الدراسات اللغوية وطرق التدريس والمناهج‪.‬‬
‫يتم التفاعل االجتماعي لألطفال بواسطة اللغة بشكل مرض في سن ما قبل‬
‫المدرسة‪ ،‬فهم يدركون بقدر كاف عناصر اللغة األم وقواعدها وتركيباتها‬
‫اللفظية‪ ،‬ولكن هذا اإلدراك يتميز بأنه إدراك تلقائي‪ ،‬ذاتي غير ثابت ومباشر‬
‫وال إرادي وحياتي ويتعلمه الطفل أثناء التفاعل االجتماعي‪ ،‬كذلك يشير‬
‫بدوافعهم االجتماعية ويهدف لتحقيق التكيف أثناء التفاعل االجتماعي لطفل مع‬
‫البيئة (االجتماعية)‪ ،‬التي يعيش فيها ويشبع هذا األداء اللغوي واإلدراك اللغوي‬
‫حاجات الطفل الرئيسية في الحياة‪ .‬االجتماعية‪.‬‬
‫وقد أكدت ذلك "مارجريت عمر" ‪ Margret Omar‬في دراسة من‬
‫الدراسات القليلة في مجال اإلدراك اللغوي لألطفال العرب في البيئة المصرية‬
‫حيث قالت (أنا أعرف أنه حتى اآلن ال توجد دراسات تجريبية تقوم بدراسة‬
‫أدوات اللغة العربية واستيعابها او التعرف على خصائصها التكوينية‪ ،‬فإن ما‬
‫يدركه الطفل المصري عند دخوله المدرسة من اللغة العربية يعتبر مستوى‬
‫راقيا بشكل كاف عند هذه المرحلة حيث يدرك الطفل النظم المتعددة للقواعد‬
‫والصرف والنحو) وقد بينت قطع التعبير التي كان يلقيها األطفال‪ ،‬أنهم يدركون‬
‫في وقت مبكر التشابه والتضاد والفاعل والمفعول به‪...‬الخ‪ ،‬كذلك يحدث نفس‬
‫النمو بالنسبة لكثير من اللغات األخرى‪ ،‬يأتي هذا النمو اللغوي في التفاعل‬
‫االجتماعي بطريقة عملة بحتة‪ ،‬وليس له أي عالقة باإلدراك الواعي لعناصر‬
‫اللغة األم وقواعدها‪.‬‬
‫وقد أكدت مجموعة من اللغويين وعلماء النفس مثل‪ :‬جفورديف" ‪"Gvozdef‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪84‬‬

‫ويلكونين "‪ "Yalkonin‬وغيرهم ان الطفل حتى نهاية سن ما قبل المدرسة يحقق‬


‫بالتفاعل اللغوي في الحياة العملية نجاحا ملحوظا بالنسبة لحل مشكال ت التفاعل‬
‫االجتماعي ومشاركته للبيئة وتعامله معها في شتى صور هذا التفاعل‪.‬‬
‫ويثرى التفاعل بالكالم والمعايشة التي يمارسها الطفل مع الراشدين مفرداته‬
‫لصورة سريعة‪ ،‬فيستخدم األفعال واألسماء وبقية أجزاء الكالم في وقت واحد‬
‫لقضاء حاجاته االجتماعية‪.‬‬
‫هذا وقد تناول كل من فيجوتسكي ولوريا وربنشتين تصور الطفل المعقد‬
‫والمميز عن عناصر اللغة األم‪.‬‬
‫فقد كتب فيجوتسكي أن الطفل ينظر للكلمة ولفترة طويلة كأنها صفة من‬
‫صفات الشيء‪ ،‬وقد أكدت ذلك التجارب التي أجريت على األطفال األكبر سنا‬
‫ودلت على أن الطفل يربط بين االسم المطلق على األشياء وبين األدعياء ذاتها‪،‬‬
‫ويعت بر الطفل االسم أحدى الصفات المميزة للمادة أو الشيء‪ .‬وقد اتضحت نفس‬
‫الخصائص في التجربة التي أجريت على تالميذ المرحلة االبتدائية في مصر‬
‫كسمة مميزة إلدراك صغار األطفال في المدرسة االبتدائية‪ ،‬فقد كان لألطفال‬
‫توجه خاص نحو معنى الكلمة ومضمونها المادي ولم يتمكنوا من فصل الكلمة‬
‫عن الواقع المادي المحدود وتمثل ت لديهم الكلمة كصفة من صفات المادة أو‬
‫الشيء‪ ،‬أو أنهم كانوا يرون وراء الكلمة صفات الشيء ككل فقد رأى هؤالء‬
‫األطفال أن الدجاجة سميت كذلك لكونها تعطي البيض ورفضوا قطعيا إمكانية‬
‫تغير اسمها أو االتفاق على إطالق مسمى آخر عليها‪.‬‬
‫وقد عرض "شتيرن" فكرة أكثر عقالنية ووعي لتفهم الطفل واستيعابه لنظم‬
‫اللغة من أسماء فقال (أن الطفل يكتشف اكتشافاً خطيرا "بشكل واعي" ان لكل‬
‫شيء أسما ويطلق هذا االسم على الشيء نفسه دون تغيير أو قبول فكرة التغيير)‪.‬‬
‫اعتمد "شتيرن" في هذه الفكرة على تحليله لنشاط الطفل اللغوي في الحياة‬
‫العملية‪ ،‬حيث يعتقد "شتيرن" أن الطفل " يصير واعيا بالرموز وبالحاجة إليها‬
‫‪85‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫"فالطفل في نظر "شتيرن" يتمتع بفهم العالقة بين الرمز والمعنى‪ ،‬وبإدراك‬
‫الوظيفة الرمزية للغة وبالوعي بمعنى اللغة‪ ،‬وباكتساب اإلرادة "وبالوعي‬
‫بوجود قاعدة أو فكرة عامة‪.‬‬
‫وهكذا يتضح تسرع شتيرن (وتعقيله) للطفل في مرحلة مبكرة للغاية‪.‬‬
‫بمعنى أنه يعتقد (خطأ) أن الطفل حينما يستعمل قواعد اللغة استعماال‬
‫صحيحا في توا صله االجتماعي فهو يستعملها بوعي ويعرف أنه يصنع أدواته‬
‫اللغوية ولكن يدحض هذه الفكرة ويوضح مغاالتها في تعقيل الطفل عجز الطفل‬
‫عن تغ يير حروف الكلمة أو تجرير بعض حروفها‪.‬‬
‫حيث إنه حينما يدرك إدراكا حسيا للخطأ الذي يقع فيه زميله حينما يقول‬
‫على الشمس (سمس) فهو يضحك على زميله ويتبين الخطأ الذي ارتكبه لكن‬
‫ال يمكن أن يقول إن الزمي ل نطق حرف السين بدل حرف الشين ولكنه يظل‬
‫يردد أن الزميل أخطأ؛ ألنه قال سمس ولم يقل شمس‪ ،‬هذا الترديد يعنى أنه‬
‫يدرك صوت الكلمة ويتبين الخطأ في نطق الزميل سماعيا لكنه ال يرى في‬
‫الكلمة حروف أو مقاطع معي نة وال يخضع الكلمة بعناصرها للتفكير الواعي‬
‫الفاحص أبدا إال في سن متقدمة‪.‬‬
‫وتوضح الدراسات التجريبية‪ ،‬بأن فهم العالقة بين الرمز والمعنى‪،‬‬
‫واالستخدام الوظيفي للرمز ال يظهران لدى الطفل إال في مرحلة متأخرة نسبيا‪،‬‬
‫وال تكون متوفرة بيسر للطفل في هذه السن المبكرة‪.‬‬
‫وتكشف الدراسات التجريبية المنظمة أيضا أن إدراك الطفل العالقة بين‬
‫الرمز والمعنى‪ ،‬واالنتقال إلى التعامل بالرموز‪ ،‬ال ينتج أبدا من االكتشاف أو‬
‫االبتداع الفجائي الذي يقوم به الطفل بنفسه‪ ،‬وإنما يلزمه لهذه العملية طرق‬
‫معقدة تعتمد على نضج الوظيفة الرمزية والرأي األكثر واقعية هو رأي‬
‫‪ Wallon‬يقول ‪ " :‬إن الكلمة تبدو بالنسبة للطفل لفترة طويلة كصفة أو خاصية‬
‫للشيء أكثر مما تبدو كرمز محدد يكت ب ويقرأ ويحلل‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪86‬‬

‫يرد "روبنشتين" على هذه النظرية العقالنية لكلمات الطفل ونظام تسميته‬
‫لألشياء قائال‪" :‬ان االستخدام الفعلي للطفل للكلمات والمسميات استخداماً عمليا‬
‫تلقائيا قائم على المحاكاة وبدون وعي من الطفل‪ .‬أما فهم الطفل لالسم المسمى‬
‫به الشيء يستمر ولمدة طويلة بدائي تلقائي‪ ،‬ويتصور الطفل أن الكلمة تعتبر‬
‫جزء من صفات الش يء وال يستطيع أن يفصل االسم عن الشيء المسمى به‬
‫إطالقا حيث يعتبر االسم جزءا من المسمى‪.‬‬
‫في حين ينظر "كوفكا" ‪ Kofka‬للكلمة باعتبارها جزءا من تركيب‬
‫الموضوع على قدم المساواة م ثل غيرها من األجزاء األخرى وهي ال تكون‬
‫بالنسبة للطفل لبعض الوقت رمز ولكن مجرد أحد خصائص الموضوع الذي‬
‫ينبغي أن تتوفر الستكماله وكل موضوع جديد يضع الطفل في موقف مشكل‬
‫يسعى إلى حله بواسطة تسمية الشيء وحينما يعجز فإنه يلجأ للكبار‪.‬‬
‫كذلك نرى أن "لوريا" يؤكد حقيقة (أن الطفل بالرغم من استعماله الكلمات‬
‫في وضعها الصرفي الصحيح في الجمل إال أنه يستمر ولمدة طويلة عاجزا عن‬
‫وضع هذه الكلمات محل تفكيره الواعي‪ .‬فهو ال يرى لها وجود مستقل عن‬
‫المعنى والسياق االجتماعي الذي نشأت فيه وتنمو من خالله في هذه المرحلة‬
‫الثماني ة يمكن للطفل أن يستخدم الكلمة‪ ،‬ولكنها تمثل الزجاج الذي من خالله‬
‫ينظر الطفل للعالم المحيط به دون إدراك منه لهذا الزجاج ذاته‪ ،‬لذلك ال يمكن‬
‫للطفل أن يرى للكلمة حياة أو أن لها خصائصها التركيبة الخاصة بها‪.‬‬
‫فهو ال يرى لها وجود بدون معناها أو بدون سياقها االجتماعي الذي نشأت‬
‫فيه واكتس ب مدلولها منه لذلك لو طلبت من الطفل أن يكرر ما قاله لك سيقول‬
‫لك الواقعة بكلمات أخرى فهو يريد أن يوصل لك الواقعة وال يدري أنه يستخدم‬
‫كلمات لها خصائصها التكوينية لذلك حينما تسأ ل الطفل ما هي الكلمة التي بين‬
‫السماء واألرض سيقول (الهواء) أو (الطيور) فهو ال يرى في كالمه رموز‬
‫لغوية وإنما يرى واقع تنقله هذه الكلمات‪.‬‬
‫‪87‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫كذلك كتبت "جفوزديف" تقول ( إن مالحظة األطفال للغة ال تنصب على‬


‫جملها الواردة أمامه في مجموعها‪ ،‬بقدر ما تنصب على الكلمة الخطأ التي ينطق‬
‫بها زميله ويسمعها وهو في هذا ال يخص باالهتمام الحرف أو الصوت الخطأ‬
‫الذي حل محل الصوت الالزم الستكمال الكلمة) وإنما يرى الكلمة ككل أنها‬
‫خطأ‪ ،‬فيقول عن زميله الذي ينطق "مدلسه" بدال من "مدرسة" انه يقول‬
‫"مدلسة" والواجب أن يقول "مدرسة" ولكنه ال يستطيع أن يقول أن زميله قد‬
‫أبدل الالم بالراء‪ .‬كذلك عندما يبدل في نطق بعض الحروف فيقول بدال من‬
‫"ملعقة" "معلقة" "شباك" "سباك" ال فهو ال يرى الكلمة منفصله عن سياقها كما‬
‫لو كان ينظر للمعنى والواقعة من وراء الكلمات التي تمثل الزجاج الذي ينظر‬
‫منه فيرى العالم الخارجي وال يدرك وجود الزجاج إال حينما يرتطم به فتظهر‬
‫مشكلة في التفاعل تلف ت النظر إليها أي إلى (فحص الزجاج)‪.‬‬
‫مما تقدم نستن تج غياب االستدالل الكلي وعملية المقارنة والتحليل التي‬
‫تمكن الطفل من النظر إلى الكلمات والحروف واألصوات‪...‬إلخ‪ ،‬بصفتها‬
‫عناصر للغة يج ب النظر إليها باستقالل عن معناها أو عن وضعها الكلي الذي‬
‫يخدم االحتياجات االجتماعية‪ ،‬ويحقق للطفل التكيف‪ ،‬وال بُدَّ أن يتضح لدى‬
‫الطفل أ ن هذه الوظيفة األولى للغة ليست هي كل ما يمكن إدراكه وراء الظواهر‬
‫اللغوية‪ ،‬وليست كالزجاج الذي سبق أن أشار إليه "لوريا"‪ ،‬وإنما عليه أن يدرك‬
‫طبيعة هذا الزجاج في وظيفته الثانية بصفة (عناصر مجمعة تكون مفاهيم)‬
‫وبتحليله لها يمكن أن يمتلك ناصية اللغة بل ويوظفها ويستخدمها في حل‬
‫مشكالت أخرى ويمكن أن يكون من عناصرها مختلف التكوينات اللغوية‪،‬‬
‫فيدركها في وظةفتها الثانة بوصفها أدوات للفكر‪ ،‬وعناصر التكوين والتحليل‬
‫والتصنيف أي تلك العمليات التي تخدم اإلدراك وتجعله ينتق ل من التلقائية القائمة‬
‫على المحاكاة إلى الوعي وإدراك مكونات المدرك ثم إلى اإللية التي تساعد على‬
‫تسيير الحياة بسهولة ويسر ودونما تفكير في كل عناصر عملياتها‪.‬‬
‫ومما تقدم تتضح خطورة الخلط بين النشاط المادي الحسي‪ ،‬والتعامل‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪88‬‬

‫التلقائي مع عناصر اللغة وبين اإلدراك الواعي لها الذي يلزم بالضرورة لعملية‬
‫التعلم المقصود‪.‬‬
‫وقد أثب تت بعض الدراسات األثر السيئ المعوق لهذا التعامل التلقائي مع‬
‫عناصر اللغة‪ ،‬إذا ما استمر الطفل عليه دون توجيه منظم للوجهة الثانية للعملية‬
‫التي يتعام ل بها األطفال‪ ،‬فنظر إليه البعض كأنه حشائش برية تنمو تلقائياً في‬
‫األرض الزراعية‪.‬‬
‫وتأخذ غذاء ها من المزروعات المقصود زرعها‪ .‬من هنا رأت هذه الفئة‬
‫من العلماء ضرورة تنحيته جانبا وخلعه من األرض‪ ،‬إذا ما أردنا "للتعليم" أو‬
‫الزرع الجديد المقصود النماء بسهولة ويسر‪ ،‬لكن فيجوتسكي له نظرة خاصة‬
‫في هذا الجانب‪ ،‬وسنعرض هذه الفكرة بشي‪ ،‬من التوسع ألهميتها بالنسبة‬
‫ألهداف تعليم المفاهيم اللغوية وعالقة التعلم بالنمو‪.‬‬
‫ويرى جالبيرن وزمالؤه ومساعد يه إمكانية االستفادة من هذه الطرق‬
‫البدائية التلقائية في اإلدراك‪ ،‬بوضعها كأساس للتعليم‪ ،‬وبوصفها مراحل بدائية‬
‫تساعد الطفل في االنتقال على الدرجات الالحقة للنمو بشكل أكثر ثباتا ورسوخا‪.‬‬
‫أي ال يلزم نزع هذه الحشائش وتنظيف التربة منها‪ ،‬بل يمكن تنظيمها حتى تفيد‬
‫التر بة وتقوى الزرع المقصود‪.‬‬
‫لذلك استخدم بعض علماء النفس كصوفيا ‪ -‬ن يكاالفيا ومعاونيها‪ ،‬وجالبيرن‬
‫وتالميذ ه العناصر المادية من مكعبات أو دوائر‪ ،‬أو مواد يمكن التعامل الحسي‬
‫معها بصفتها معينات مادية يحدد الطفل على أساسها عدد عناصر الكلمة‪ ،‬أو‬
‫كلمات الجملة ما دام هذا التعامل الحسي مع المواد المحسوسة يسهل للطفل‬
‫عمل ية العد أو الجمع أو التحليل على آخر هذه العمليات العقلية‪ ،‬التي ال تستطيع‬
‫جعلها في المرحلة الحالية "مستدخله أو ذاتية في إطار التفكير المجرد عن اللغة‬
‫أو الصوت في الكالم المسموع‪.‬‬
‫ويعتبر حالبيرن صاحب اتجاه خاص في التعليم والنمو يستثير بدراسات‬
‫‪89‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫متعددة تنطلق من نظريته المعروفة بنظرية "الفمو المرحلي لألداءات العقلة "‬
‫وهى تقوم على مبدأ استدخال األداءات أثناء عملية اكتسابها"‪.‬‬
‫لذلك أصبح لزاما لينجح الطفل في تعلم اللغة‪ ،‬أن يكون للتركيبات اللغوية‬
‫والقواعد وعناصر اللغة من جمل وكلمات وحروف وأصوات‪ ..‬حياة خاصة‬
‫ويدركهم الطفل إدراكا واعيا "فيتعامل مع الكلمات من جانبيها‪ :‬من جانب معنى‬
‫الكلمة لذي ينمو ويتطور حسب مراحل النمو الخاصة كما اثبت ذلك فيجوتسكي‪،‬‬
‫ومن جانب مكوناتها وتركيباتها فيخضعها للتحليل والتركيب والترتيب والعد‬
‫والمقارنة‪ :‬الكتشاف المتشبهات والمختلفات في الجمل من عناصر وأجزاء إلى‬
‫آخر هذه العمليات التي تدل على درجة وعى الطفل بالمادة التي يتعامل معها‪.‬‬
‫وقد أثبت الكثير من علماء النفس والتربويون إمكانية توجيه وعى الطفل‪،‬‬
‫وتكوين اإلدراك الواعي لديه بعناصر اللغة حتى في سن ما قبل المدرسة‪.‬‬
‫وهكذا نرى أن اإلدراك التلقائي ينتج عنه المفاهيم العامة واإلدراك الواعي‬
‫بالطرق المقترحة التكوينية (جالبيرن وغيره) يفترض تكوين المفاهيم العلمية‬
‫بخصائصها المدروسة‪ ،‬ويلزم لتكوينها أن ت تعدل العالقة بين الطفل وبين المدركات‬
‫اللغوية ويمكن أن يعمل فيها فكرة تحليال وتركيبا وتشابها وتصنيفا‪...‬إلخ‪.‬‬
‫عالق الفمو بالتعلم‪:‬‬
‫يتضم ن النمو معنى الزيادة الكمية والكيفية‪ ،‬مثال النباتات تطرأ عليها‬
‫تغيرات في حجمها ووزنها إضافة إلى انتقالها من مرحلة إلى مرحلة أخرى أي‬
‫تتغ ير نوعيا وهذا مثال بسيط نراه دائما أثناء نمو النباتات‪ ،‬كذلك نمو الطفل‬
‫بوجه عام ونمو العمليات بوجه خاص وهكذا نجد أن النمو سلسلة متتابعة‬
‫ومتكاملة من التغيرات التي تسعى بالفرد إلى اكتمال النضج واستمراره‪.‬‬
‫والنمو هو العملية التي تتفتح خاللها إمكانيات الفرد الكامنة وتوظف قدراته‬
‫العقلية في صورة عمليات لها عائد نمائي‪ ،‬وهو عملية مستمرة متدرجة تتضمن‬
‫نواحي التغير الكمي وا لكيفي والعضوي‪ ،‬وكل مرحلة من مراحل النمو تتوقف‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪90‬‬

‫على ما قبلها وتؤثر فيما بعدها‪ ،‬إال أن هذا النمو بيسير في مراحل تتميز كل‬
‫منها بسمات وخصائص واضحة ولكنها ت تداخل مع بعضها البعض حتى أنه‬
‫يصعب التمييز بين نهاية كل مرحلة وبين بداية التي تليها‪.‬‬
‫ويمكننا القول بأن كل مرحلة من مراحل النمو لها خصائصها النفسية‬
‫الخاصة‪ ،‬والنمو مظهر عام معقد ومظاهرة متداخلة تداخال وثيقا ومترابطة‬
‫ترابطا موجبا‪ ،‬ونجد ان مظاهرة الجزئية الخاصة منه‪ ،‬متداخلة بحيث ال يمكن‬
‫فهم أي مظهر من مظاهر النمو إال عن طريق دراسته في عالقاته مع المظاهر‬
‫األخرى‪ ،‬فمثال النمو العقلي مظهر من مظاهر النمو مرتبط ارت باطا وثيقا بالنمو‬
‫الجسمي واالنفعالي واالجتماعي‪ ،‬وإذا كنا نفصل في الحديث بين مظاهر النمو‬
‫العديدة فإن هذا يتم من أجل الدراسة وهي تجزئة لتسير البحث العلمي وال يمكن‬
‫أن يكون حقيقيا‪ ،‬حيث إن مظاهر النمو تنمو متكاملة متماسكة في انسجام‬
‫وتوافق عام؛ ألن الفرد كائن حي واحد متكامل‪ ،‬وليس مجرد مجموعة من‬
‫الوظائف المختلفة المميزة‪.‬‬
‫ويرى العالم النفسي شتيرن في نظريته التوفيقية التي وضعها أن نمو الطفل‬
‫يتم بفعل عاملين‪:‬‬
‫‪ - 1‬العامل البيولوجى (النضج) الذي يضمن نضج الصفات الموروثة‬
‫ومالمح الطبع‪.‬‬
‫‪ - 2‬عامل البيئة الخارجية أي المحيط القريب من الطفل‪ ،‬ويتقاطع هذان‬
‫العامالن في مكان ما ويحصل االئتالف والتوافق‪.‬‬
‫ويعد العامالن البيولوجي والبيئي متكاملين في النمو المعرفي بوجه عام‬
‫وت تضح العالقة بين الجانب التلقائي القائم على أساس النضج وبين الجانب‬
‫التعليمي بتأثير البيئة االجتماعية بمعناها الواسع في مشكلة وثيقة الصلة بالبحث‬
‫الحالي وهي‪ :‬عالق الفمو بالتعلم‪.‬‬
‫‪91‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫وتنظر البيولوجيا المعاصرة إلى الوراثة كقدرة مختزنة ومثبتة يتمتع بها‬
‫الكائ ن الحي لبضعة أجيال‪ ،‬وتتطلب من البيئة شروطا معينة لضمان وجودها‬
‫وتوظيفها‪.‬‬
‫وفهم الور اثة وفقا لعلم الوراثة المعاصر‪ ،‬على أنها قدرة الكائن على الحياة‬
‫والنمو ضمن شروط معينة‪ ،‬وتنتقل هذه القدرة من األجيال السابقة إلى األجيال‬
‫الالحقة على شكل تنظيم فيزبيوكيميائي محدد‪.‬‬
‫أم ا البيئة فهي الشرط الذي يضمن تأثير العامل البيولوجي في النضج‬
‫ويتضمن مفهوم ال بيئة مجمل الشروط التي يتم فيها النمو العضوي‪ ،‬وتلعب البيئة‬
‫التي يعيش فيها الطفل دورا في نموه فالبيئة األسرية هي المنظمة األولى ذات‬
‫التأثير الواضح وعناصر البيئة ليست متساوية التأثير فهي ال تؤثر بدرجة واحدة‬
‫على الطفل في شتى مراحل نموه‪ ،‬فاألسرة تؤثر تأثيرا حاسما في الطفل في‬
‫مرحلة ما قبل المدرسة وتستمر إلي ما بعد المدرسة في حين يتأثر بشكل أكبر‬
‫تلميذ المدرسة برفاقه وبالمربين والمدرسين المحيطين به فهم الجماعة المرجعية‬
‫التي يتعلم منها كثيرا من المعارف والمبادئ‪ ،‬وتؤثر الظروف االقتصادية‬
‫والمعيشة االجتماعية بصورة متفاوتة على نمو الطفل في مراحل حياته المختلفة‬
‫وهذا ما أكده فيجوتسكي ولكن طالما أن البيئة توجد في حالة من التغير الدائم‪،‬‬
‫فإن كل كائن حي جديد مضطر للتكيف مع هذه المتغيرات ومن خالل ذلك‬
‫تتعدل أو تتغ ير بعض المالمح والصفات الموروثة‪ ،‬وتظهر لدى الكائن الحي‬
‫مالمح وخصائص جديدة‪ .‬فنجد أن البيئة لها تأثير في تعديل بعض المالمح أو‬
‫انحالل بعضها‪.‬‬
‫في الواقع أن العمليات الوراثية والمتعلمة شديدة االرتباط ببعضها‪ ،‬ولذا فإن‬
‫كل انسان يخضع لكال النوعين وألن العمليات الوراث ية هي الخلفية التي تمكن‬
‫الشخص من بيئته ومجتمعه فهي التي تعطيه الطاقة‪ ،‬واما البيئة والمجتمع‬
‫فيصوغها ويكفيها حسب متطلبات الجماعة ونفرق في النمو بين العمليات‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪92‬‬

‫الموروثة والمتعلمة‪ ،‬فالعمليات الموروثة تكون بيولوجية عضوية ومثالها هو‬


‫الصوت الذى يصدر عن الطفل الرضيع في الجزء األول من الرضاعة ‪ ،‬وهذا‬
‫التعبير الصوتى يحدث من كل األطفال في هذه السن والطفل‪ ،‬وهنا ال يحتاج‬
‫لمؤثرات خارجية لكي يتعلم الصوت الذي يصدر عنه‪.‬‬
‫بعكس تعلم الكالم والذي يمث ل العمليات المتعلمة‪ ،‬فلكي يتعلم الطفل اللغة‬
‫يجب عليه أن يسمع ما يقوله الكبار ويتعامل معهم ويردد ما يقولونه‪ .‬وهكذا‬
‫يتضح أن النمو أو النضج يأخذ طريقة تلقائية وطبيعيا بالتدخل غير المقصود‬
‫من البيئة فهناك بعض المجتمعات تشجع النمو الطبيعي وتنشطه‪ ،‬وبعض‬
‫المجتمعات يكون لها أثرا معوقًا على هذا النمو وهذا ما يتضح في تعريف البيئة‬
‫ومؤثراتها ودورها في النمو بوجه عام‪ ،‬أما عن طريق غير مقصود من التكيف‬
‫الذي يتعلمه الطفل ليحقق إشباع لدوافعه وإرضاء لرغباته الطبيعية وأما عن‬
‫طريق مقصود (بالتعليم) الذي ينشط النمو ويختلف العلماء في تقدير دور البيئة‬
‫بالنسبة للنمو من حي ث هي مؤثرات غير مقصودة يستوعبها الطفل بطريقة‬
‫تلقائية ومن حيث هي مؤثرات مقصودة ينقلها المجتمع للطفل عن طريق التعلم‪،‬‬
‫كما اختلف العلماء في تحديد الطريقة المثلى للتعليم التي تدفع النمو أو تعرقله‬
‫(كما سبق عند جالبيرن)‪.‬‬
‫يرى البعض ان الفرق بين التعلم والتعليم تتمثل في أن التعلم يعتمد على‬
‫مجهود الفرد الذاتي‪ ،‬دون تدخل مقصود في توجيه خبرات هذا الفرد‪.‬‬
‫باإلضافة إلى أنه يتم تلقائيا وذاتيا‪ ،‬بمعنى أن كل فرد يستطيع أن يتعلم‬
‫أشياء كثيرة وبذاته دون أن يكون هناك مشرف أو معلم يعلمه بطريقة مقصودة‪،‬‬
‫وهو يختلف في جوهرة عن التعليم حيث التعليم عملية مقصودة وإرادية وتتم‬
‫بوجود طرف آخر يقوم بالتعليم والتوجيه‪ ،‬وعادة ما نالحظ األطفال كثيرا في‬
‫مدارسهم يخضعون لعملية التعليم هذه‪ ،‬فيأتي المدرس أو المدرسة‪ ،‬بطرق‬
‫ومناهج تعليمية حتى يمكن توجيه وتنمية وتثقيف هؤالء األطفال ليستفيدوا‬
‫‪93‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫من هذ ه المعلومات المنقولة لهم بواسطة هذا المدرس‪ ،‬ومن هنا نالحظ أن‬
‫التعليم يتم تلقائيا والتعليم يتم بواسطة (معلم أو أسرة)‪.‬‬
‫فمثال طفل دخل المدرسة ليتعلم طرق القراءة فيبدأ المدرس بتعليمه‬
‫وتوجيهه ن حو أفضل طرق القراءة ويبحث له عن وسائل إيضاحية ويبسط له‬
‫المعلومات لتتما شى مع مداركه وتفكيره‪ ،‬والطفل وهو يتعلم ذلك يتلقى تلك‬
‫المعلومات مع مجموعة من التالميذ‪ ،‬بعد أن يتعلم هذا الطفل‪ ،‬نجده يخزن هذه‬
‫المعلومات في ذاكرته وخبرته ويبدأ يستفيد منهما تلقائيا في مواقف جديدة‪،‬‬
‫ويستدعيها إراديا وبمجهوده الذاتي‪ ،‬هنا تستطيع أن نقول إن ا الطفل تعلم؛ ألنه‬
‫امتلك القدرة على االستفادة مما علم له‪ ،‬بعكس؛ طفل لم يستطع أن يوظف ما تم‬
‫في العملية التعليمية في مواقف جديدة طارئة‪.‬‬
‫وهكذا نالحظ أن التعلم والتعليم يسيران مرادفين للنمو‪ ،‬كون الهدف منها‬
‫هو الزيادة واالستمرار والتوسع وقد يكونان مختلفان‪ ،‬لكون أحدهما يتم بصورة‬
‫طبيعية ففي النمو نجد األفراد جميعهم ينمون بصورة واحده وأما ثانيهما‬
‫(التعليم) فيختلف باختالف األشخاص واختالف المواقف والخبرات‪ ،‬وقد يتعلم‬
‫فرد‪ ،‬وآخر ال يتعلم تعلم ه نظرا لتفاوت الخبرات والمعلومات فيتأخر التعليم تبعا‬
‫لنوع المفاهيم التي تكونت عند كل منهما‪ ،‬ويتأ ثر النمو أكثر ما يتأثر باإلنسان‬
‫الذي يربي الطفل فالمربون واآلباء والمدرسون هم الذين ينظمون نشاط الطفل‬
‫ويقودونه إلى االتجاه المرسوم بإعطائه المعلومات الصحيحة‪ ،‬وكما يقول‬
‫"بياجيه" إن الطفل ال يتعلم هذه الخبرات جاهزة وإنما ينشط إعادة صياغتها‪.‬‬
‫ويهيئ المجتمع والبيئة‪ ،‬أحسن الظروف المالئمة بقدر اإلمكان لنمو الطفل‬
‫ويتحدد هدف المربين في توجيه نشاط الطفل‪ ،‬والعمل على عدم وجود تناقض‬
‫فكل تناقض خارجي يكون نتيجة لتناقض داخلي‪.‬‬
‫هذا وقد عا لج العلماء مسالة العالقة بين التعليم والنمو؛ حيث يرى‬
‫السلوكيان‪ " :‬ثورنديك‪ ،‬واتسون" أن النمو نتيجة للتعلم ويرون النمو والتعلم‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪94‬‬

‫متطابقات‪ ،‬فعندهما النمو والتعلم مترادفان ومترابطان‪.‬‬


‫أما في رأي "ب ياجيه وأنهيلدر" فالنمو والتعلم يسيران في خطين مستقلين‬
‫بعضهما عن البعض وذلك بطريقة مت بادلة‪ ،‬فالنمو ينظر إليه كعملية نضج‬
‫تخضع للقوانين الطبيعية والتعليم استخدام للفرص التي يوجد بها النمو‪.‬‬
‫ونالحظ أن النمو يخلق اإلمكانيات والتعلم يحققها وتستند هذه المدرسة على‬
‫أن التعليم يتطلب درجة معينة من نضج وظائف معينة فنحن ال نستطيع تعليم‬
‫القراءة لطفل عمره سنه واحدة أو الكتابة لطف ل عمره ثالث سنوات لذلك يعتمد‬
‫التعلم على تحديد المستوى النمائي‪ ،‬فعندما تصل ذاكرة الطفل إلى بدرجة كافية‬
‫من النمو تمكنه من تذكر الحروف األبجدية‪ ،‬وحينما يصل انتباهه إلى درجة‬
‫كافية من النمو يستطيع التركيز واالحتفاظ بها مدة أطول‪ ،‬وحينما ينضج فكرة‬
‫إلى الحد الذي يمكنه من أن يدرك الصلة بين الرمز والصوت‪ ،‬عندئذ يمكن أن‬
‫نبدأ في تعليمه القراءة والكتابة ووفقا لهذه المدرسة نجد التعلم يأتي خلف النمو‪،‬‬
‫فالنمو ينبغي أن يستكمل دورته المعينة ثم يأتي التعلم‪.‬‬
‫أما "فيجوتسكى" أحد الرواد في علم النفس الحديث فيرى أن للتعليم دورًا‬
‫أساسيا؛ إذ يمضي أمام النمو‪ ،‬فالنمو هو وظيفة التعلم ونتيجة له وال يكون التعلم‬
‫فعاال إال عندما يسير على هدى منطقة النمو للطفل ف يوجه النمو ويدفعه من‬
‫الطريق التلقائي إلى الطريق الواعي ويلعب التعلم دورا أساسيا في النمو‪.‬‬
‫ويطالب فيجوتسكي أن ال تضع أمام الطفل مسائل ال يستطيع حلها‪ ،‬وال‬
‫يطالب بأمور ال ت تناسب مع مستوى نموه‪ ،‬وتعتبر مراعاة مستوى النمو الذي‬
‫يصل إليه الطفل في غاية األهمية‪ ،‬ولكن هذا ال يعنى أن نترك النمو‪ .‬بدون‬
‫توجيه من البيئة المحيطة حتى ال يستمر في الطريق التلقائي فيكون ذلك عائقًا‬
‫أمام نمو العمليات العقلية‪.‬‬
‫ويشير "روبنشتين" ‪ Roinshtine‬للعالقة المتبادلة بين النمو والتعلم حيث‬
‫أوضح أن التعلم والنمو هو وجهان لعملة واحدة‪ ،‬فالطفل ال يتعلم فينمو بل ينمو‬
‫‪95‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫وهو يتلقى التربية والتعلم‪ ،‬وهذه بدورها توجه النمو فإما يستمر بشكل تلقائي‬
‫وهذا قد يعوق العمليات العقلية العليا‪.‬‬
‫وإما أن يتحول الحشد النفسي إلى اإلدراك الواعي للمتغيرات المحيطة‬
‫بالفرد وتتجلى خال ل ذلك كله مفاهيم األطفال ونشاطه‪ ،‬حيث يتحول تأثير البيئة‬
‫والتعلم على الطفل إلى عملية معقدة ذات وجهين من التأثير المتبادل على اإلنسان‬
‫والبيئة ويفضل فاعلية الطفل ونشاطه‪ ،‬يستوعب المعارف والخبرات التي جمعتها‬
‫األجيال العديدة من الناس الذ ين عاشوا قبله‪ ،‬وعليه أن يتمث ل عددا كبيرا من‬
‫المفاهيم التي تراكمت خالل خبراتهم؛ حيث يتلقى الطفل هذه المعارف جاهزة من‬
‫الراشدين مباشرة أو من الكتب والثقافة ووسائل االتصال المختلفة كما يستوعب‬
‫القوانين والقواعد والتي ينبغي أن يخضع لها ويتعلم استخدامها في حياته‪ ،‬ثم‬
‫يستخدمها ويصبغها بصبغته الشخصية كما سبق اإلشارة في مثالنا السابق إلى‬
‫إمكانية االستفادة من الحشائش البدائية (التلقائية)؛ وذلك إلثراء التربية الزراعية‬
‫بدال من خلعها التي نتوقف على الطريقة التربوية التي توجهها‪.‬‬
‫كيف يمكن توظيف هذه المعلومات عن خصائص اإلدراك اللغوي للطفل‬
‫في حل مشكالت التعليم حتى نعجل بنمو الطفل وتوظف قدراته ونصل إلى‬
‫أقصى إمكانيات الطفل ليعي وينمو عقليا ومعرفيا قبل اإلجابة عن هذه األسئلة‬
‫ال بُدَّ أن نعرض برأي كل من‪ :‬جان بياجيه وفيجوتسكي بشيء من التفصيل‬
‫لتكوين المفاهيم ونموها‪.‬‬
‫تعددت اآلراء المعاصرة التي تدور حول عملية تكوين المفهوم وتحديد‬
‫خصائص هذه العملية وقد اتب ع بياجيه وفيجوتسكى منحى خاصا في سبيل هذا‬
‫التحديد‪.‬‬
‫مما تقدم يتضح ان االتفاق على المفاهيم والمصطلحات المستخدمة في أي‬
‫من البحوث الخطوة األولى الالزمة لتحقيق وحدة االنطالق من أرض واحدة‬
‫ليتم التعرف على باقي عناصر الموضوع المفحوص ويستخدم هذا الفصل كثيراً‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪96‬‬

‫من المصطلحات منها القديم الذي تم االتفاق عليه ومنها المستحدث من نتائج‬
‫العالقات التي تقيمها الدراسة الحالية بين بعض مقدمات النظرية واالجتماعية‬
‫التاريخية‪.‬‬
‫وهتمثل مصطلحات الفوع األول‪:‬‬
‫النمو‪.‬‬
‫مراحل النمو وليس التقسيم‪.‬‬
‫وهتمثل مصطلحات الفوع الثانى‪:‬‬
‫محددات النمو‪.‬‬
‫تعريف المحدد ودوره بوجه عام‪.‬‬
‫التعريف بالمحددات‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬النشاط المهيمن‪.‬‬
‫ثانةاً ‪ :‬المكانة االجتماعية‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬الطفرة‪.‬‬
‫رابعاً ‪ :‬األزمة‪.‬‬
‫أوالً ‪ -‬أ ‪ -‬هتعريف الفمو‪:‬‬
‫عولجت مسائل النمو بأشكال مختلفة تبعاً الختالف المنطلقات النظرية‬
‫(المنطلق المادي ـ المنطلق المثالي‪ ) ...‬إال أن أكثر مسائل النمو اتفاقًا بين‬
‫النظريات المختلفة هي مسائل تعريفه أو معناه في حين كانت مسألة العوامل‬
‫المؤثرة على النمو وعالقة البيئة والوراثة به من أشد المسائل اختالفا وتناقضاً‬
‫بين النظريات المختلفة‪.‬‬
‫فقد اتفقت جميع المدارس السيكولوجية على أن النمو هو حركة دائمة‬
‫وتغير متصل يسعى لغاية نهائية وهي االكتمال تتوالى هذه الحركة في التسلسل‬
‫‪97‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫قدما إلى اإلمام وتتابع في سياق منسق ينتقل الفرد فيه من مرحلة سابقة إلى‬
‫مرحلة الحقة دون تخط ألي من المراحل وتنتقل العمليات العقلية والوظائف‬
‫النفسية من عمليات دنيا مباشرة تلقائية إلى عمليات واعية غ ير مباشرة وآلية‬
‫راقية (فيجوتسكي ‪ 1960‬ص‪.)198‬‬
‫ويتعلق النمو بزيادة الحجم وطول القامة والوزن إلى آخر ما يالحظ في‬
‫التطور الفسيولوجي‪ ،‬كما يتعلق بالتعقيد والتركيب وكافة التغيرات الكيفية‬
‫المصاحبة للتطور الكمي الجسمي‪ ،‬كأن يزداد الجنين مع النمو تعقيدًا دون أن‬
‫يزداد حجما‪ ،‬يمكن أن تتناقص بعض األنسجة مع مراحل النمو المتقدمة كنقص‬
‫اللوزتين والغدة التيموسية‪ ،‬ونقص السعرات الحرارية التي يستهلكها الفرد‬
‫بالنسبة لوحدة الوزن كلما زادت سنة (جون كونجر ‪ )1981‬في مقابل هذا النمو‬
‫الجسمي التكوينى نجد هناك نمواً وظيفيًا ينحو بالفرد نحو التكيف والتوافق‬
‫االجتماعي‪ ،‬وهو النمو الذي يطرأ على قدرات الفرد وعلى تفاعله االجتماعي‬
‫من أخذ وعطاء وتأجيل الرغبات أو القيام بأدوار اجتماعية معينة يحصل عن‬
‫طريقها على رضاء المجتمع واستحسانه‪.‬‬
‫وهذا هو النمو االجتماعي‪ ،‬كما تنمو قدرات الفرد على االتزان والتحكم‬
‫اإلرادي في التعبير عن عواطفه وانفعاالته وها هو النمو االنفعالي‪ ،‬وهناك النمو‬
‫العقلي المتمثل في نمو قدرات الفرد بدءًا من األعمال الذهنية القائمة على ما‬
‫تأتي به الحواس مباشرة والتفكير المادي المصاحب للواقع كما هو‪ ،‬وانتهاء إلى‬
‫التفكير المجرد والرمزية الممثلة في استخدام اللغة‪ ،‬والتحصيل واكتساب‬
‫المهارات والقدرة على أعمال الفكر فيما هو مجرد وغير محسوس‪.‬‬
‫فالنمو بهذه الطريقة يشتمل على المجاالت اآلتية‪:‬‬
‫‪ - 1‬نمو جسمي‪.‬‬
‫‪ - 2‬نمو اجتماعي‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪98‬‬

‫‪ - 3‬نمو عقلي‪.‬‬
‫‪ - 4‬نمو نفسي‪.‬‬
‫وهناك تكامل وتوحد بين هذه المظاهر األربعة في ترابطها لتكوين‬
‫الشخصية الكلية التي تدرس في وحدة وديناميكية ال تمكنان من تفتيت النمو إلى‬
‫هذه المجاالت إال بغرض الدراسة فقط‪ ،‬وقد ينمو أحد المجاالت نمواً طبيعياً‬
‫دون إعاقة وال تأزم وقد يعاق مجال آخر أثناء النمو فتحدث أزمة اجتماعية أو‬
‫أزمة انفعالية وهكذا‪.‬‬
‫ومن هنا نصل إلى نتيجة منطقية ثابتة هي أنه إذا تدخلت البيئة بالتعليم‬
‫والمران في الوقت المناسب (في حالة النضج واكتمال االستعداد) يمكنها بذلك‬
‫أن تسرع في خطي النمو واالنتقال عبر مراحل النمو المختلفة‪ ،‬وتنمية القدرات‬
‫بتوظيفها في أوج استعدادها للتوظيف أما إذا جاء التعليم والتدريب قبل الوقت‬
‫المناس ب أو بعده أدي ذلك إلى إعاقة النمو وظهور األزمات التي سنفرد الحديث‬
‫عنها فيما بعد (هنرى فالون سن ‪.)1978‬‬
‫وينشط أثناء النمو عامال التعليم والنضج‪ ،‬فالخبرات التي تزود الطفل باألساس‬
‫الالزم للتعليم ضرورة للنمو السوي ولكن ال يتمكن التدريب وحده من أن يفضي‬
‫إلى تغيرات في القدرة والعمل كتلك التي تحدث بشكل طبيعي أثناء عملية النمو‪.‬‬
‫ومن المهم في تدريب األطفال أن يؤخذ بعين االعتبار عامل النضج‬
‫ومالء مة مطالب التعليم الستعداد الطفل‪ ،‬وال يحتمل أن تثمر الجهود التي تبذل‬
‫لدفع عمليات النمو إلى اإلسراع عن طريق التدريب مادام الطفل ال يملك‬
‫االستعداد الذي يعينه على االستفادة من هذا التدريب ويبدو أن كثيرًا من التوافق‬
‫الحركي لألطراف يعتمد بصورة أساسية على عامل النضج‪ ،‬وعلى التعلم وليس‬
‫التعليم (أي التدريب العرضي الذاتي للطفل نفسه) وهكذا يبدو أن تأثير التدريب‬
‫يتناسب مع مرحلة نمو الطفل ويتحسن األداء بزدياد النمو والنضج (جان بياجيه‬
‫وانهليدر) في (لومانسكايا ص‪.)84‬‬
‫‪99‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫ب ‪ -‬مراحل الفمو وأسس التقيةم ‪:‬‬


‫كما اختلفت المعالجات لموضوعات النمو ومسائلة فقد تميزت مسألة تقسيم‬
‫مراحل النمو بكثير من الخالفات تبعاً الختالف المنطلقات النظرية والمدارس‬
‫السيكولوجية فيفضل بعض العلماء تحديد مراحل النمو حسب ظاهرة من‬
‫الظواهر الجسمية المعينة كظهور األسنان مثال ويعتبرون أن أول مراحل النمو‬
‫منذ الوالدة حتى سن ‪ 8‬أشهر هي مرحلة انعدام األسنان‪ ،‬والثانية مرحلة ظهور‬
‫األسنان الثابتة وتنتهي بظهور ضروس العقل‪.‬‬
‫وهناك التقسيم الذي يعتمد على مظاهر النمو الجنسي‪ ،‬وفى تقسيمات أخرى‬
‫يرى بعض العلماء أن العوامل النفسية المتغيرة تمثل مضمون النمو لذلك‪.‬‬
‫فقد قسموا النمو إلى المراحل التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬المرحلة الحسية ـ الحركية‪.‬‬
‫‪ - 2‬ظهور ما قبل المفاهيم‪.‬‬
‫‪ - 3‬ظهور الحدس‪.‬‬
‫‪ - 4‬مرحلة العمليات الحسية‪.‬‬
‫‪ - 5‬مرحلة العمليات الصورية (جان بياجيه)‪.‬‬
‫وهناك تقسيم إلى مراحل حسب نظام التعليم فتجد مرحلة ما قبل المدرسة‬
‫والمرحلة المدرسية المبكرة والمرحلة المتأخرة (بتروفكسي سنة ‪ ،1973‬ص‬
‫‪ ) 36 : 23‬إال أنه تؤخذ على جميع هذه التقسيمات مآخذ كثيرة سنجمل بعضها‬
‫فيما بعد بالرغم من أن التقسيم حسب مراحل التعليم يع تمد على تحديد مراحل‬
‫خارجية للنمو دون التعرض لخصائصه الداخلية إال أن االتصال الوثيق بين نمو‬
‫الطفل النفسي ومراحل التعليم السائدة يجعل هذا التقسيم قريباً للواقع التطبيقي‬
‫من حيث أنه يحدد ما يلزم كل مرحلة من رعاية متكاملة ليصل النمو إلى معرفة‬
‫مكونات الشخصية الس وية التي تتمتع بالتكيف السليم‪ ،‬وتجد الحلول السوية‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪100‬‬

‫لحاالت الصراع التي هي أساس التفاعل االجتماعي بصفة عامة‪.‬‬


‫ومن الخطأ كذلك تركيز االهتمام على ظاهرة جسمية أو نفسية كالعمليات‬
‫العقلية أو النمو المعرفي كما لدى بياجيه؛ حيث إن بعض الظواهر تتغير مكانتها‬
‫وفاعليتها ومعناها أثناء النمو‪.‬‬
‫كذلك لم يراع التقسيم أن هذه الظواهر يعاد بناؤها وتتغير مكانتها أثناء‬
‫االنتقال من مراحله إلى مرحلة أخرى لذلك قد تكون ظاهرة ما هامة في مرحلة‬
‫الطفولة المبكرة مثال لكنها تفقد قيمها في المرحلة المدرسية المبكرة‪.‬‬
‫أما نقطة الضعف األخيرة في الت قسيمات السابقة تتمثل في البحث عن‬
‫ظواهر النمو من حيث أشكاله التي تتغير مع تقدم السن علماً بأن الظواهر‬
‫النفسية ال يمكن أن تتوحد مع مظاهر مادية معينة تعترى الجسم لذلك مما تقدم‬
‫يتضح ضرورة أن يهتم علم النفس اليوم بمضمون النمو والقوى المحركة له أي‬
‫"محدداته" أكثر من االهتمام بنظريات النمو أو تحديد مراحل زمنية معينة‬
‫وتسميات مختلفة لها‪.‬‬
‫كذلك يجب أن يكون تحديد مراحل النمو تحديدًا موضوعياً ال يتدخل فيه‬
‫االختيار اإلرادي للباحث لذا يجب أن يقسم النمو إلى مراحل حسب محددات‬
‫النمو التي ال يتم االنتقال من مرحلة إلى أخرى بدون قيام هذه المحددات بمهامها‬
‫ووظائفها وهذا ما سيعرض له اإلطار الحالي حين عرض النوع الثاني من‬
‫المصطلحات التي سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬
‫ثانةًا ‪ -‬محدد الفمو‪:‬‬
‫ما المقصود بمحدد النمو وما هي صفاته؟ كم عدد هذه المحددات وما الدليل‬
‫الذي يسوقه اإلطار الحالي ليثبت أن هذه العوام ل هي بحق محددات للنمو؟‬
‫وكيف يمكن التدخل في عملية النمو من خالل هذه المحددات لإلسراع به أو‬
‫لتغيير مساره؟‬
‫‪101‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫المقصود بالمحدد‪:‬‬
‫هو هذا العامل الفعال الدافع الذي يلزم بالضرورة لعملية النمو ويؤثر عليها‬
‫بحيث يعجل بها ويدفعها أو يعوقها ويبطئ خطاها ويوقف خطاها ويمنع انتقال‬
‫الشخصية للمرحلة التالية‪.‬‬
‫فتتحدد عملية النمو تبعاً لطبيعة هذا المحدد ومدي قيامه بوظائفه أو تقاعسه‬
‫عن القيام بها أو بعضها مما يجعل نتائج عملية النمو غير متكاملة‪.‬‬
‫ومحدد النمو هو الدافع لفعالية الشخصية ونشاطها وتفاعلها مع البيئة‬
‫المحيطة‪ ،‬وهو الذي يدفعها لممارسة الخبرة واستيعابها ويشكل الخبرة ويطبعها‬
‫بطابعة الخاص‪ ،‬فيجعل الطفل عضوا فعاال في المجتمع وليس مجرد مستقبل‬
‫للمثيرات االجتماعية بل هو مشكل لها بفعاليته الخاصة "نشاطه الذاتي" فالطفل‬
‫ال يستوعب خبرات جاهزة‪ ،‬بل يعيطها هو مفهوما ويطبعها بطابعة الخاص‬
‫"بياجيه"؛ إذ يتلقاها من خالل محددات النمو فتصطبغ بالصبغة الخاصة بهذا‬
‫المحدد وهذا ما يجعل استجابات األطفال على نفس المثير في مراحل النمو‬
‫المختلفة متفاوته وكذا فإن نفس المثير الخارجى ال يؤثر على الطفل في مراحل‬
‫نموه المختلفة تأثيراً متساويًا‪ ،‬ألن الشرط الخارجي يؤثر دائما عبر الشروط‬
‫الداخلية" روبنشتين" سنة ‪ ،1959‬ص ‪.)251‬‬
‫تعد التربية والنمو وجهي ن لعملة واحدة أظهر أبحاث أ‪.‬ن‪ .‬ليونتيف‬
‫أ‪ .‬جالبيرون وأ‪.‬ف زاباروجيتش وأ‪.‬أ لوبلنييتسكيا أن فعالية الطفل تلعب دوراً‬
‫حاسماً في أي عملية معرفية وتنمو هذه الفعالية بمستويات مختلفة وتتخذ أشكاالً‬
‫متباينة باختالف مراحل النمو‪ ،‬وتعتبر شرطا للنمو بأكمله (فالتعلم يسبق النمو‬
‫ويحدد مساره)‪.‬‬
‫وأول محددات هذه الفعالية ومن ثم أول محددات النمو بوجه عام هو ما‬
‫يسمى "بالنشاط المهيمن"‪ ،‬ولكى نوجه عملية نمو الطفل ال بُدَّ من التعرف على‬
‫تلك الشروط أو المحددا ت التي تجعل من التربية قوة "تطوير وتنمية" (لوبنسكايا‬
‫ص‪ ) 85‬عن طريق استخدام قوانين النمو ومنشطاته وتوصيلها للشخصية من‬
‫خالل هذه المحددات‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪102‬‬

‫فلو حاول المجتمع توصيل ما يريد من معارف بشتى الوسائل دون علم‬
‫بهذه المنافذ الرئيسية ذات القوة السحرية لوجد من الطفل الجمود والتبلد الذي‬
‫يعطي صورة مناقضة تماما الحتمال وجود ما يسمي بالفعالية الذاتية النشطة‬
‫للطفل والتي أثبتت الدراسات أنها خطوات تسير وفق خطوات النمو التالية‪:‬‬
‫(لوبلنسكايا ص‪ 90 :89‬سنة ‪.)1980‬‬
‫‪ - 1‬تصبح األفعال االنعكاسية أفعاالً أكثر إرادية‪ ،‬فيكُّف عن القيام ببعض‬
‫األفعال ويقوم باألخري حسب رغباته واحتياجاته وتكتسب الفعالية هنا‬
‫طابعاً إبداعياً‪.‬‬
‫‪ - 2‬تتحول الحركات البسيطة "ردود األفعال" إلى نشاط كامل ومعقد‬
‫يخضع لدافع معينه وبهدف لغاية محددة ويتخذ طابعاً أكثر انتظاماً‬
‫وتوجيها‪.‬‬
‫‪ - 3‬تكتسب فعالية الطفل طابعاً عقالنياً‪ ،‬إذ تتضمن التفكير والبحث عن‬
‫طريق تنفيذ المهمات العملية "في إطار اللعب االجتماعي" ويمكن أن‬
‫تتخذ الفاعلية شكل النشاط الذهني في نهاية مرحلة ما قبل المدرسة‪.‬‬
‫‪ - 4‬وتتجلى فعالية الطفل في جميع مستويات النمو فيما يلى‪:‬‬
‫في األعمال التقليدية والمماثلة (الكلمات ـ األلعاب)‪.‬‬
‫في األفعال التنفيذية لتحقيق مطالب الكبار حيث تتكون المهارات‪.‬‬
‫في التعرف على األشياء الجديدة عليه بالفحص والتركيب والفك في‬
‫شكل إبداعي يتمثل في كثرة النشاط والحركة على كل المستويات‪.‬‬
‫‪ - 5‬إ ن فعالية الطفل تتجه نحو استثارة الراشد فبالرغم من احتياج الطفل‬
‫للراشد إلشباع حاجاته األساسية كحاجته للمعرفة إال أنه حينما يعبث أو‬
‫يتصرف حسب أهوائه ينتظر رد فعل الراشد وأحكامه وتقويماته‪.‬‬
‫‪ - 6‬يوجه طفل مرحلة الحضانة فعاليته نحو تحسين ذاته وتربية نفسه فهو‬
‫يبتغى اعتراف اآلخرين بجدارته‪.‬‬
‫‪103‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫‪ - 7‬تتخذ فعالية الطفل أشكاال مختلفة وتتبدل مواقعها في عملية النمو فيقلد‬
‫طفل الحضانة سلوك األم ويتعدى تلميذ المدرسة تقليد السلوك إلى‬
‫محاكاة إصدار األحكام وطريقة الحديث وتقويم األفعال‪ .‬كما يحدث‬
‫نفس الشيء بالنسبة فعالية الطفل في إدراك ـ السلوكيات‪.‬‬
‫‪ - 8‬يستوعب طفل الثالثة والرابعة األفعال البسيطة وتثبت بالتكرار ويتمثل‬
‫التالميذ الصغار األفعال العملية األكثر تعقداً ويمتلكون مهارات الكتابة‬
‫والتصميم‪ ،‬فالطفل بنمو فعاليته يخضع األفعال التي يستوعبها للوعي‪،‬‬
‫ويقيمها بصورة موضوعية وبذلك يفهم أثر البيئة كسبب من أسباب‬
‫النمو بوجه عام والنمو النفسي بوجه خاص لدى األطفال وتنظيم أثر‬
‫هذه البيئة هو ما يد عي بالنشاط التربوي أو التربية ويفضل فعالية‬
‫الطفل تظهر اللمسات التي ال يعرف مصدرها من سلوكه وميوله‬
‫وأحكامه كما أن ليس كل ما يريده الراشد "المربى" يتكون لدى الطفل‬
‫فقد ال يستثير ما يريد الراشد تكوينه لدى الطفل فعاليته ونشاطه الذاتي‪.‬‬
‫لغرض الكتاب أربعة محددات للنمو تتمثل في‪:‬‬
‫ثانياً‪ :‬طفرة النمو‪.‬‬ ‫أوالً ‪ -‬النشاط المهيمن‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬أزمة النمو‬ ‫ثالثًا ‪ -‬المكانة االجتماعية‪.‬‬
‫وسيسوق الحديث عن كل محدد أدلة جدارته بأن يعتبر محدداً للنمو حسب‬
‫ما سبقت اإلشارة إليه من خصائص‪.‬‬
‫ما هو الفشاط المهةمن؟‬
‫تحديد مفهوم النشاط المهيمن يجب أال يكون تحديدًا كميا حيث إنه ليس هو‬
‫النشاط الذي يحدث بكثرة فقط في مرحلة من مراحل النمو ويغلب على سلوك‬
‫الفرد في هذه المرحلة بعينها‪ ،‬كما أنه ال يتحدد بعدد الساعات التي يستغرقها من‬
‫اليوم في مرحلة ما وإنما هو المهيمن بمضمونه وأثاره الكيفية وتشكيله‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪104‬‬

‫للشخصية‪ ،‬وهو مصدر الخبرة االجتماعية وهو السبب في اكتسابها ولذلك فهو‬
‫يتميز بثالث خصائص (ليوتيف ص ‪ 520- 509‬سنة ‪.)1972‬‬
‫أوالً ‪ -‬هو ذلك النشاط الذي تتكون بداخله وتتبلور في إطاره أشكال جديدة‬
‫من النشاط الذاتي التي تعبر عن فعاليته الطفل‪.‬‬
‫هو هذا الباب الذي تطرقه المؤثرات البيئية فتستجب من ورائه كل طاقات‬
‫وقدرات المرحلة بالفعالية الحماسية التي يعاد بها تفهم واستيعاب الخبرات‬
‫المحيطة ومن ثم فهو يختلف من مرحلة لمرحلة فليس الباب الذي يجب طرقه‬
‫في مرحلة المهد (النشاط المهيمن لهذه المرحلة) هو نفسه الذي يجب طرقه في‬
‫مرحلة ما ق بل المدرسة "النشاط اللعبي"‪.‬‬
‫باإلضافة لذلك فهو النشاط الذي يُربى ويُحضر النشاط الذي سيحتل القمة‬
‫في المرحلة الالحقة فهو بجانب ما يفعله للشخصية من تنمية عن طريق‬
‫استيعاب الخبرات المحيطة يربى من سيحتل مكانه في المرحلة الالحقة حينما‬
‫تنمو الشخصية وتنتقل من المرحلة الحالية إلى مرحلة الحقة ال تستمر فيها‬
‫صالحية النشاط الحالي لتحتل قمة األنشطة‪ ،‬فهو يعد خليفته في قيادة الشخصية‬
‫حينما يشيح وينضم لألنشطة التابعة التي تعمل في خدمة النشاط المهيمن في‬
‫المرحلة الالحقة‪.‬‬
‫فالنشاط اللعبي مثال المهيمن في مرحلة ما قبل المدرسة بجانب أعبائه في‬
‫تكوين الشخصية بكل عناصرها الجسيمة ـ النفسية ـ العقلية ـ االجتماعية ـ يعد"‬
‫النشاط التعليمي "الذي سيكون مهيمناً في المرحلة التالية مرحلة الطفولة‬
‫المدرسية من ‪ 12 – 6‬سنة "فالطفل يبدأ في التعليم لعبا" ليونتيف ص ‪ 506‬سنة‬
‫‪.1972‬‬
‫ثانةاً ‪ -‬تتكون بداخل النشاط المهيمن بعض "العمليات النفسية" أو يعاد‬
‫بناؤها فمثال تتكون في "النشاط اللعبي " عمليات التخيل النشط والتصور وفى‬
‫أثناء "النشاط التعليمي" تتكون عمليات التفكير المجرد‪.‬‬
‫‪105‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫تتكون في بعض صور األنشطة المصاحبة له والنامية في إطاره بعض‬


‫عمليات تجريد األلوان وتعميمها ت تكون في عملية الرسم التي يقوم بها الطفل‬
‫كما تتكون أثناء اللعب المصاحبة للنشاط المهيمن عمليات نفسية مهمةـ‬
‫كالتخطيط وتنظيم العمل‪.‬‬
‫تتكون هذه العمليات في مراحل متقدمة من اللعب فنجد الطفل في البداية‬
‫يستعمل األفالم واأللوان على األوراق دون أن يدري ماذا يرسم‪ ،‬ثم بعد ذلك‬
‫يحدد ماذا يرسم حين ينظر للناتج من زوايا مختلفة ويقوم" رسمت قطة أو‬
‫رسمت بيتنا‪ ...‬إلخ ‪ ،‬ثم بعد ذلك يحدد ماذا يرسم قبل بداية عملية الرسم متفقاً في‬
‫ذلك مع مرحلة اللعب ذي التخطيط السابق‪.‬‬
‫تتكون عمليات "الترميز" حينما يحتاج الطفل أثناء اللعب لبناء منزل‬
‫ال يلزم للقيام بهذا العمل مواد بناء مشابهة لما يستخدمه الكبار (كالقوالب الطوب‬
‫البالستيك مثال المصنعة على شاكله القوالب المستخدمة في الحقيقة) ولكننا نجد‬
‫الطفل يستعيض عن هذه األشكال المطابقة لمواد الكبار بعلب الكبريت مثال أو‬
‫بأغطية الزجاجات أو علب السجائر فهو يرمز للمواد بأي من المواد المتاحة‬
‫ويعيطها نفس االسم ويقول "نفرض أن هذه هي القوالب الطوب الالزمة للبناء أو‬
‫حينما يحتاج لركوب سيارة أو حصان فيستعمل العصا ويمتطيها أو الكرسي فهو‬
‫بهذا يرمز وينيب بعض األشياء عن أشياء أخرى ويعيطها نفس الخصائص‬
‫والصفات ويجعلها ت قوم بنفس الوظائف التي تقوم بها األشياء الحقيقية في الواقع‬
‫بالرغم من أن القيام بهذه العمليات النفسية مازال في مرحلة التلقائية إال أنه بال‬
‫شك يوسع من معارف الطفل حيث يوظف فعاليته في هذه المجاالت‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ -‬النشاط المهيمن هو النشاط الذي تتميز في إطاره الشخصية ويصبغ‬
‫كل التغييرات النفسية بصبغته الخاصة‪ ،‬حيث إن نمو الشخصية ال يتم إال بانفتاح‬
‫عالم الكبار بقيمة ومعاييره أمام الطفل ليتعرف على كافة األدوار االجتماعية بما‬
‫لكل منها من حقوق وما عليه من واجبات‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪106‬‬

‫إ نه النشاط الذي تتعرف الشخصية من خالله على البيئة االجتماعية‬


‫بم ختلف أدوارها فالطفل يتعرف من خالل لعبة لدور الطبيب مثال على واجباته‪،‬‬
‫وعلى سلوكياته على قيمة‪ ،‬وعلى التزاماته‪ ...‬إلخ كما يتعلم االلتزام باألدوار‬
‫فالطفل الذي ال يستطيع الوقف للحظات في عمل كمساعد لوالده في حمل بعض‬
‫من األدوات يلتزم بواجبات الحراسة لمدة ساعة كاملة حيث هو حارس لمخزن‬
‫ذخيرة مثال في اللعب كذلك الطفل الذي ال يمكنه كبح جماح رغبته في التهام‬
‫قطع الحلوى الموجودة أمامه نجده ال يلمسها إذا كان قائما بدور المضيف الذي‬
‫يعد الحلوى لضيوفه القادمين في الطريق‪.‬‬
‫هذه التغييرات النفسية الرئيسية ونعنى بها التحكم في الرغبات العاجلة أمال‬
‫في مكافأة أجلة وااللتزام بواجبات الدور مهما كلفه من مشقة ال يمكن إدخالها‬
‫لشخصية طفل ما قبل المدرسة إال من خالل النشاط اللعبي والطفل الذي ال يتعلم‬
‫تأجيل إشباع رغباته ال يمكنه الجلوس ألداء الواجبات المدرسية كذلك الذي لم‬
‫يخبر االلتزام بمسئول يات دون ما في اللعب ال يلتزم باالستيقاظ المبكر للذهاب‬
‫للمدرسة‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫فإذا كانت هذه سمات النشاط المهيمن كما يبدو من خصائصه الثالثة فال‬
‫سبيل لتوصيل الخبرة االجتماعية ودفع الفعالية الذاتية للطفل إال بالطرق على‬
‫باب هذا النشاط وإدخال كافة المعلومات الالزمة لنمو الشخصية من خالل هذا‬
‫الباب إذا لو طقنا أبوابا أخرى (غير مهيمنه في المرحلة المعينة) فلن تستجيب‬
‫الشخصية لهذا الطرق وبالتالي ال سبيل لتوظيف قدرات الطفل وتشغيل أعضائه‬
‫إال من هذا الباب وحينئذ ال يكون أمام المربى إال أن يتعرف على األنشطة التي‬
‫تعتبر مهيمنة في ا لمرحلة المعينة ليغلف بها كل معارف البيئة المحيطة‬
‫ومثيراتها حتى تنفذ للشخصية وتحرك فعاليتها ونشاطها للتعرف عليها‬
‫واستيعابها وبذلك تنمو الشخصية‪.‬‬
‫ذلك هو الدليل المنطقي الذي يثبت أحقية النشاط المهيمن في كونه محدداً‬
‫‪107‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫من محددات النمو ما دمنا اتفقنا فيما سلف على أن النمو ال يتم إال باستيعاب‬
‫الخبرة االجتماعية‪.‬‬
‫ومما يؤكد أن النشاط المهيمن هو المحدد األول لعملية النمو أن عناصر‬
‫البيئة ومؤسساتها المختلفة كثيراً ما تحاول نقل الخبرة للطفل وعرضها له‬
‫وتكرار تعريفه بها حتى يستوعبها‪ ،‬ولكن يبدو كما لو كان يعيش في عالم آخر‬
‫بعيد كل البعد عما تستعرضه له البيئة من الخبرة الالزمة للنمو وهذا يعني أن‬
‫المؤثرات البيئة ال يلزم عنها لدى األطفال في مختلف المراحل استجابة من‬
‫نموذج واحد وأن الطفل ليس مجرد مستجيب وإنما هو ذات مؤثرة على البيئة‬
‫نفسها وهو يزداد تأثراً بالبيئة وتأثيراً فيها بما تعلمه أثناء عمليات التفاعل‬
‫االجتماعي في العديد من المواقف الحياتية التي يوظف فيها قدراته وتظهر في‬
‫صورة عمليات ومهارات مختلفة تكتسب وتنمو أثناء نشاطه التفاعلي كما تتغير‬
‫استجاباته مع مراحل نموه المختلفة فما كان يثير انتباهه في الماضي بشدة‬
‫يصبح عديم التأثير عل يه اآلن كما تفقد الطلبات التي كان يكلف بها فيقوم بتنفيذها‬
‫بكل دقة واهتمام تأثيرها تماماً عليه (لوبلنسكايا ص‪.)87 ،86‬‬
‫يُظهر كثير من اآلباء اهتمامهم بتنشيط الطفل ودفعه للتفاعل عن "طريق‬
‫شراء اللعب الغالية وتكديسها أمامه‪ ،‬كما يحاولون جاهدين استثارة فاعليته‬
‫ونشا طه بتعدد المؤثرات الخارجية لكنهم ال يجنون من وراء هذا كله سوى‬
‫جمود الطفل وقد ترى الطفل يتسلل ليجمع أغطية الزجاجات ويلعب بها تاركاً‬
‫هذا الحشد الهائل من اللعب التي تمثل أدوات يستخدمها الكبار وقد كان اآلباء‬
‫يتصورون أنه محتاج إليها في ألعابه‪.‬‬
‫يثير هذا كله االنتباه إلى أن هناك مداخل خاصة وأبواباً معينة تُطرق بشكل‬
‫خاص وفي وقت معين فتستجيب جميع القدرات بكل طاقاتها المنتظرة المحتشدة وراء‬
‫هذه المداخل بالذات وهذا يؤكد أنه (إذا تدخلت البيئة بالشكل المناسب في الوقت‬
‫المناسب أدى ذلك لإلسراع بالنمو)؛ حيث تقدم المثيرات بالشكل الدافع للتوظيف‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪108‬‬

‫ثم يؤدي التوظيف للتنمية بزيادة القدرات ومن هذا يعتبر النشاط المهيمن‬
‫أبواباً متغيرة تبعاً لمراحل النمو المختلفة ويجب أن يطرق كل باب في حينه‬
‫لتنشيط عملية استيعاب الخبرة االجتماعية‪ ،‬وعدم الخلط بين األبواب المختلفة‬
‫أي يجب الحرص حتى ال تطرق باباً ال توجد وراءه القدرات في هذه المرحلة‬
‫لتوظيف قدرات طفل ما قبل المدرسة ال يجب أن نعطيه ما يتحسسه ليتعرف‬
‫عليه أو نعطيه من المثيرات الضوئية‪ ،‬أو نعطيه من المثيرات الضوئية ما يجعله‬
‫يوظف عينه وينشطها ألن هذه المثيرات كانت مناسبة في المرحلة السابقة حيث‬
‫المهيمن هو "النشاط الحاسي" ولكن إذا ما وجد الطفل نفسه مضطلعاً بمهمة‬
‫رجل المطافي في لعبة مع أصحابه نجده يبذل كل الجهد للقيام بواجبات الدور‬
‫ملتزماً تماماً بما تمليه عليه القيم والضمير عامالً بكل جد واجتهاد إلنجاز ما‬
‫يجب إنجازه فهل هناك باب آخر أوسع من هذا الباب يفتح أمام طفل المرحلة‬
‫مسئوليات وأعباء عالم الكبار في أدوارهم المختلفة؟‬
‫بالطبع ال يمكن القطع بأن النشاط المهيمن هو الباب الوحيد للمعرفة والنمو في‬
‫مرحلة بعينها؛ حيث إن باقي األنشطة األخرى ال تموت وال تنتهي لمجرد االنتقال‬
‫من القمة إلى عالم األنشطة التابعة ولكنها تعمل في خدمة هذا النشاط المهيمن‪،‬‬
‫فبدون النشاط "الحاسي الحركي" ال يستطيع الطفل اللعب ولكن اللعب الذي يبدأ‬
‫تحسيساً تكرارياً لبعض الحركات التي يراها الطفل تجرى معه ينتهي لعباً ذا قاعدة‬
‫ملزمة لنفس الطفل بالتحكم في إشباع رغباته وتأجيل بعضها حتى يتمتع بالقيام‬
‫بواجبات الدور الذي يقوم به في حين ال يمكن إقناع الطفل نفسه بالحوار الجاد مع‬
‫الكبار بتأجيل أي من رغباته فالصبر واالنتظار ليس لهما في قاموس طفل هذه‬
‫المرحلة مكان طالما يتم عرضهم عليه من باب الحوار الجاد ويطلب منه استيعابهما‬
‫إرادياً‪ ،‬ولكن نراهم ملزمين للطفل ذاته في أدوار اللعب الذي هو مهيمن في هذه‬
‫المرحلة لذلك فهو الباب األوسع الذي يتلقى منه الطفل كل مثيراته بصفتها دوافع‬
‫لتوظيف قدراته التي تنمو في الوقت نفسه بفعل هذا التوظيف‪.‬‬
‫ولكن كل ما يمكن للبيئة عمله هو ترتيب التراث الذي نريد توصيله للطفل‬
‫‪109‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫بالشكل المناسب وتمده به في إطار مثيرات معينة "مناسبة للنشاط المهيمن" في‬
‫الوقت المناسب وقت هيمنه النشاط المعين "لتستثير فاعلية الطفل وتستحث‬
‫دوافعه للنمو‪.‬‬
‫الطفـــرة‪:‬‬
‫تم االتفاق على أن النمو هو عملية تغيير مستمرة متتابعة تنتقل بالشخصية‬
‫ككل من مرحلة سابقة إلى مرحلة الحقة على سلم االرتقاء والتطور بفعل‬
‫عمليات التفاعل االجتماعي التي تعمل على تشغيل األعضاء وتوظيف القدرات‬
‫وبالتالي على تنميتها‪.‬‬
‫فهل يسير النمو هادئاً في خط مستقيم وعلى وتيرة واحدة طوال مراحل‬
‫النمو المختلفة؟ يجيب فالون على هذا السؤال بأن (عملية البناء "النمو" تستمر‬
‫في ما يشبه "التناوب" فتصل كل مرحلة من مراحل النمو بالمرحلة التي تليها‬
‫بوقائع من النضج تنتج ما يشبه الثورات في السلوك ويتفق معه بياجيه في "أن‬
‫النمو يسير في بعض األحيان بهدوء ثم ال يلبث أن تحدث فيه قفزات"‪.‬‬
‫(وهكذا تتدرج التناوبات التي تستتبع النمو‪ ،‬وال يبدو التغيير محسوساً إال‬
‫بعد أمد طويل من النمو الهادئ ويبدو هذا التغيير دفعة واحدة وبصورة عنيفة‬
‫نتيجة استيعاب الشخصية للخبرة االجتماعية واتساع العالم الخارجي فلحظات‬
‫النمو "القفزات" أو ما نفضل تسميته "بالطفرة" مسبوقة باكتسابات كثيرة تتيح‬
‫للشخصة سعة أفق فتستحدث حالة ثورية تصبح منطلقة بدورة جديدة) "فالون‬
‫ص ‪ 80‬سنة ‪."1978‬‬
‫من هذا يمكن تعريف طفرة النمو بأنها "اللحظات التي تحشد فيها القدرات‬
‫والمدخر من الخبرات وتزيد عن متطلبات المرحلة مما يجعلها تضيق بإمكانيات‬
‫الشخصية وما لديها من خبرات فتتطلع الشخصية للقفز خارج حدود هذه المرحلة‬
‫التي لم يعد فيها ما يثير االنتباه ويستحث دوافع التعرف واالكتشاف ويضمن‬
‫استمرار التفاعل بين الشخصية والمجتمع "في هذه اللحظات تحاول الشخصية‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪110‬‬

‫القفز لمرحلة أعلى تتجاوز بها المرحلة التي تحتلها في الوقت الراهن‪.‬‬
‫ما هي المعدات التي هتيتخدمها الشخصة لتحقةق الطفرة وكةف هتتكون‬
‫هذه األدوات؟‬
‫من وجهة النظر االجتماعية التاريخية تعتبر مراحل النمو مراحل اجتماعية‬
‫الطفل أي جعله عضواً في مجتمع وتتحدد اجتماعية الطفل بمطالب الحياة‬
‫االجتماعية وبواسطة التنظيم التربوي الذي يفجر طاقات األجيال الصغيرة‬
‫"كالوسن وولياز ‪."1963‬‬
‫إن البيئة هي التي تكون سلوك الطفل وتخلق دوافعه واهتماماته وإمكانياته‬
‫وقدراته على التصرف تبعاً لمطالبه البيئية وتوقعاتها‪ ،‬فهي التي تؤكد على‬
‫بعض السلوكيات وتدعمها أو تخلق العدوان وبذلك تضمن تغيير الخصائص‬
‫السابقة للطفل لتحل محلها خصائص جديدة "مايير سنة ‪ "1965‬وفي نفس‬
‫ال وقت الذي يعتبر النشاط والتفاعل االجتماعي مظهراً من مظاهر نمو الطفل‬
‫وداللة عليه نجده أيضاً في النهاية وسيلة البيئة لدفع عجلة نمو الطفل‪.‬‬
‫وترى النظرية االجتماعية التاريخية أن البيئة تقوم بذلك كله عن طريق‬
‫التوظيف كقول فالون ويتم هذا تبعاً ألساس نظري مهم يقول (إن توظيف‬
‫األعضاء ينمطيها) وهو قريب الشبه بقانون االستعمال واإلهمال عند السلوكيين‪.‬‬
‫« توظيف القدرات في صورة عمليات ينميها»‪.‬‬
‫وهنا يجدر بنا الحديث عن دور البيئة والتنشئة االجتماعية بنمطيها "التدليل‬
‫والقسوة" وأثرهما في إحداث طفرة النمو والتعريف بخصائص التربية الخالقة‬
‫أو الفعالة وكيف يتحقق النمو عن طريق الطفرات ودورها الرئيسي فيه بصفتها‬
‫أحد محدداته‪.‬‬
‫إن المعدات الالزمة لحدوث الطفرة هي الحشد الهائل من الخبرات‬
‫المتعلمة من المجتمع وهي هذه المدخرات المعرفية التي استفادتها الشخصية‬
‫‪111‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫في عمليات التواصل االجتماعي بمعناه العام وال نبالغ إذا ما اعتبرنا أن‬
‫الشخصية تتكون في النشاط وأن الوعي ينمو من خالل النشاط وال يمكن‬
‫الكشف عن قوانين النمو النفسي عند الطفل إال عن طريق دراسة شتى أوجه‬
‫نشاطه (لوبلنسكايا)؛ حيث إن أي نشاط يتوجه لهدف ويتطلب استخدام مهارات‬
‫وتوظيف قدرات لتحقيق هذا الهدف‪.‬‬
‫ويزداد مع كل يوم دور النشاط في حياة الطفل ويتعقد التأثير المتبادل بينه‬
‫وبين البينة "التفاعل االجتماعي" وبهذا تتسع خبرته الشخصية ويتعلم ذلك‬
‫"التعلم الذي يدفع الشخصية على طريق النمو فهو يمضي أمام النمو ويجره‬
‫وراءه" (فيجو تسكي سنة ‪.)1969‬‬
‫وآية ذلك أن طفل المهد إذا ما هيأت له البيئة مثيرات لنشاطه الحاسي‬
‫الحركي (المهيمن في هذه المرحلة) فوظف حواسه للتعرف على هذه البيئة‬
‫وأشبع تعطشه للعلم يتطلع للتعرف على بيئة أوسع منها فيرنو لمرحلة النمو‬
‫الالحقة حيث أصبحت البيئة الحالية معروفة له وفقدت عوامل التشويق التي‬
‫تدفع عمل يات التفاعل االجتماعي وأصبح احتجازه في إطار هذه المرحلة معوقاً‪،‬‬
‫فيضيق بحدود هذه المرحلة ويتطلع إلى تخطيها وفي هذه اللحظة يكون النشاط‬
‫"الحاسي الحركي" قد أوشكت مرحلة هيمنته على االنتهاء وأصبح غير جدير‬
‫بالوفاء بمتطلبات الشخصية ويكون قد أتم تربية نائبة وإعداد النشاط الذي ينوب‬
‫عنه "اللعبي" وهو المهيمن في مرحلة ما قبل المدرسة‪ ،‬بيد أن النشاط الحاسي‬
‫الحركي يظل قريباً منه حتى يتأكد من كفاءته للقيام بمتطلبات المرحلة حينئذ‬
‫يتخلى عن القمة له وهنا تحدث الطفرة وتتم بفضل ما سبق احتشاده من خبرات‬
‫لالنتقال إلى المرحلة الالحقة‪.‬‬
‫وعند هذه اللحظات "الطفرات" تقف البيئة أحد موقفين فإما أن تتيح للطفل‬
‫التعرف على مثيرات المرحلة الالحقة مما يعمل على توظيف قدراته ونموه‪ .‬وإما‬
‫أن تعرقل محاولته التعرف باحتجازها للشخصية في نطاق مرحلة النمو الحالية‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪112‬‬

‫ويرجع الموقف األخةر من المجتمع إلى سببةن‪:‬‬


‫األول‪ :‬الخوف على الشخصية وعدم الرغبة في تعرضها للمشكالت‬
‫فيحاول المجتمع أن يقدم الخبرات جاهزة ظناً منه أن هذا يوفر للطفل المعلومات‬
‫الالزمة "التدليل"‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬الشك في قدرات الشخصية فال تعطيها البيئة جواز مرور للمرحلة‬
‫الالحقة‪ .‬وال تقبل تغيير مكانتها االجتماعية‪ .‬وهذا الشك قد يجعل المجتمع‬
‫متسلطاً مصمماً على عدم قبول كل ما يقدمه الطفل مما يزيد من أعبائه فيمنع‬
‫الطفل من توظيف قدراته بشكل نشاط جديد ويحتجزه في إطار النشاط السابق‪،‬‬
‫أو يطالب الشخصية بأكثر مما تستطيع "القسوة" ومن هذا تنشأ األزمة وهو‬
‫المحدد الرابع للنمو و هو يمنع النمو بمعنى إنه يوقف التوظيف والتعلم من باب‬
‫النشاط المهيمن على المرحلة‪ ،‬تظهر أزمة النمو في المرحلة "الجنينية" حينما‬
‫يتوقف نشاط االمتصاص فيموت الجنين‪.‬‬
‫وتبعاً لموقف الشخصية من حل المشكالت المكونة لالزمة تتحدد المكانة‬
‫االجتماعية التي تحتلها ونظرة المج تمع لها فأما أن تتفاعل مع المجتمع وتحل‬
‫مشكالتها أثناء التفاعل وتزداد خبرة وثقة بقدراتها على حل المشكالت فتعبر‬
‫مراحل النمو بسرعة‪ ،‬أما أن تلجأ إلى كثير من الحيل الدفاعية أو الهروبية أو‬
‫تسير في النمو بخطوط ملتوية تؤخر االنتقال والتطور وتعوق التفاعل وتتناوب‬
‫الشخصية المشكالت فتنشأ بذلك الشخصية – المشكلة "المتأزمة" وتظهر في‬
‫صورة أزمات نفسية (أمراض واضطرابات نفسية) أو أزمات عقلية (صعوبات‬
‫تعلم ‪...‬إلخ أو أزمات اجتماعية (عدوان‪ ،‬سرقة‪...‬إلخ)‪.‬‬
‫ومما تقدم يتضح لزوم الطفرة للنمو‪ ،‬إذ هي "الربوة التي ترتقيها الشخصية‬
‫لتنظر للمرحلة الالحقة وتحدد وسائل التعرف على خبرات هذه المرحلة"‪،‬‬
‫"وهي الحشد الذي يهيئ الشخصية للعبور للمرحلة الجديدة" إنها درجة الزمة‬
‫الرتقاء سلم النمو‪ ،‬وعليها تترتب مراحل النمو الالحقة ووسائل التفاعل التي‬
‫‪113‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫تتفتح بها أمام الشخصية مغاليق التراث االجتماعي‪.‬‬


‫(وال يحدث االنتقال إال بحشد من االكتسابات وال يتم االكتساب إال‬
‫بالتوظيف) "فالون" وال يدفع للتوظيف إال النشاط المهيمن وهكذا نجد النمو سلسلة‬
‫من المراحل المتعاقبة ال يتم على نحو هادي بل تنتهي كل مرحلة فيه بحشد هائل‬
‫من وقائع النمو والنضج الذي يتيح ما يشبه الثورة أو الطفرة وفي كل مرحلة‬
‫يخرج الكائن مزوداً بإمكانيات وقدرات فتطالبه البيئة بمطالب اجتماعية جديدة‪.‬‬
‫ويمكن أن نسوق مثاالً على ذلك الطفل في مرحلة المهد وعند االقتراب من عامه‬
‫الثالث يمتلك بفعل التوظيف خبرة ومطامح جديدة سوف ترغمه على مراجعة‬
‫عالقته بالبيئة وبالمحيطين به وبالكون‪ ،‬كما إنه اكتسب كثيراً خالل مرحلة المهد‬
‫كالمشي والكالم مما أتاح لشخصيته ممارسة البحث والتقصي في عالم هذه‬
‫المرحلة وفي المعاني المرتبطة بها وهذه المكتسبات تحدث في وجهات نظره‬
‫شيئاً من االنقالب‪ ،‬فابن السنوات الثالث وقد تخلص من مساعده الغير المتصلة‬
‫الدائ مة (بفعل تدريبه خالل هذه السنوات على القيام بتحقيق احتياجاته فهو يأكل‬
‫بمفرده ويلبس مالبسه ويعتني مستقالً باحتياجاته الذاتية بمفرده مستقبالً) تجده‬
‫يكتشف قدراته الذاتية مما يكسبه احتراماً لشخصيته ويقوم باستعراض قدراته مما‬
‫يتيح له تجديداً شامالً لمبادئ سلوكه وحينئذ يطالب بتغيير مكانته االجتماعية‬
‫فيرفض النظرة السابقة له على أنه طفل يعتمد كلياً على الوالدين إلشباع كافة‬
‫احتياجاته ويبدو هذا التغير "النمو" ملحوظاً بشدة عند فترة الطفرة أي في نهاية‬
‫المرحلة التي كان يسير فيها النمو سيراً هادئاً عندما يطلب الطفل االنتقال إلى‬
‫مرحلة الحقة فهذا التناوب الذي يدفع الشخصية للنمو يستثير دائماً حالة جديدة‬
‫تصبح منطلقاً لدورة جديدة "فالون ص‪ " 80‬وحدوث االنتقال رهن بحدوث هذه‬
‫الطفرات أو لحظات النمو الثورية التي يتوالى فيها نمو الطفل في أشكال تتعدل‬
‫من مرحلة إلى مرحلة بفضل مكتسباته في المرحلة السابقة وتتغير تبعاً لذلك‬
‫مكانته االجتماعية التي يحتلها في نظر المجتمع وفي نظر ذاته‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪114‬‬

‫ويستبين مما تقدم وضوح العالقة بين هذين المحددين والمكانة االجتماعية‬
‫بوصفها المحدد الثالث كما يستبين ظاهرة الديناميكية التي تتسم بها هذه العالقة‪.‬‬
‫االجتماعة ‪:‬‬
‫تعد ال مكانة االجتماعية التي يحتلها الطفل في مراحل نموه المختلفة المحدد‬
‫الثالث لنمو شخصيته ككل وقد لوحظ من عرض المحددين األولين أن هناك‬
‫تفاعالً وتكامالً بينهما فعن طريق توظيف القدرات وإخراج اإلمكانيات الكامنة بعد‬
‫استثارتها بواسطة النشاط المهيمن إلى تشغيل فاعلية الطفل في كل مرحلة تتكون‬
‫الخبرات وتحتشد لتكون ما يسمى بالطفرة‪ ،‬وهذه تدفع بدورها الشخصية لتغيير‬
‫مكانتها االجتماعية فبدون توظيف النشاط المهيمن ليقوم بدوره ال يتكون الحشد‬
‫من الخبرات االجتماعية الذي يكون الطفرة وبدون الطفرة التي تدفع الشخصية‬
‫للتطلع للمكانة الجدي دة تستكين الشخصية في البيئة الطبيعية التي ال تدفع للتعلم‬
‫وبالتالي ال تدفع للنمو وال تتطلع الشخصية ألي تغيير كما ال يتكون النشاط الذي‬
‫سينوب عن النشاط المهيمن الحالي ويهيمن على المرحلة الالحقة‪.‬‬
‫ما المقصود بالمكان االجتماعة ؟ ولماذا هتعد محدداً من محددات الفمو؟‬
‫المكانة االجتماعية للشخصية هي نتاج مجموعة الوظائف واألدوار التي‬
‫يقوم بها الفرد وتتحدد المكانة تبعاً لدى كفاءته في القيام بهذه األدوار وسماته‬
‫الخاصة في األداء‪.‬‬
‫كما تتحدد تبعاً لذلك نظرة المجتمع له وتقديره لخبراته التي يستعرضها‬
‫أثناء قيامه باألدوار المتعل قة وللشخصية الواحدة كثير من األدوار االجتماعية‬
‫التي يقوم بها وقد تقوم الشخصية ببعض هذه األدوار خير قيام فتحصل بذلك‬
‫على استحسان المجتمع وثنائه عليها فيشكل ذلك دافعاً جديداً لمزيد من النجاح‬
‫في هذا الدور‪ ،‬وتتكون الثقة بالنفس فتنمو الشخصية باقتحامها لمشكالت الدور‬
‫واستمرار التفاعل الذي يوسع نطاق خبراتها ومن ثم يتقبلها المجتمع في مكانتها‬
‫الجديدة ويتيح لها فرص التوظيف والتنمية إذ تكون جديرة بالمكانة التي تحتلها‬
‫وقادرة على حل مشكالتها المرحلية‪.‬‬
‫‪115‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫وقد ال تستطيع الشخصية القيام ببعض هذه األدوار أما لقصور في قدراتها‬
‫وإمك انياتها وأما ألن المجتمع لم يتح أمامها الفرص المناسبة للتوظيف‪ ،‬والنتيجة‬
‫واحدة في الحالين إذا أعيق التوظيف ألي من األسباب ويؤدي إلى إعاقة النشاط‬
‫المهيمن وعدم قيامه بوظائفه الالزمة لنمو الشخصية‪ ،‬وبالتالي ال تقوم الشخصية‬
‫بأدوارها المرحلية فيستكثر المجتمع المكانة التي تحتلها ويحرمها من الثقة‬
‫ويشكك في إمكانياتها مما يدفع البيئة إلى تخفيف األعباء عن هذه الشخصية‬
‫وتقليل أدوارها وبالتالي‪ ،‬تحرم من التدريب والمران والتوظيف الذي يؤدي‬
‫بدوره إلى قلة خبراتها في المجال فال يتكون الحشد من الخبرات االجتماعية‬
‫الذي يؤدي إلى ال طفرة ويصبح الفرد غير قادر على الوفاء بمتطلبات المكانة‬
‫التي يشغلها أو التي يجب أن يشغلها وهنا تقف الشخصية أحد موقفين‪:‬‬
‫فإما أن تستكين بأن يقوم آخرون عنها بإشباع حاجاتها‪ ،‬وإما أن تتمرد على‬
‫الوضع وتحاول أن تثبت للمجتمع إنها جديرة بهذه المكانة التي يبخل عليها بها‪،‬‬
‫وفي هذه الحالة األخيرة ونظراً لعدم وجود الخبرة واإلعاقة السابقة تفشل‬
‫الشخصية دائماً في القيام باألدوار‪ ،‬فيزداد الموقف تعقيداً بحيث تظهر‬
‫الشخصيات المخربة أو المريضة التي تلجأ للحيل الدفاعية والهروبية إلثبات‬
‫ذاتها وإشباع احتياجاتها ومن هنا يظهر المحدد الرابع للنمو وهو "األزمة"‪.‬‬
‫وهكذا تعتبر المكانة االجتماعية التي يحتلها الفرد دافعاً لزيادة خبراته‬
‫وتطوره ونمائه أو معوقاً للنمو وسبباً لالزمة ويتحدد مفهوم األزمة بناء على‬
‫سلوك الشخصية في حل المشكالت المرحلية‪ ،‬فالشخصية التي تلجأ للحل عن‬
‫طريق إعمال العقل وتشغيل القدرات وإخراج اإلمكانيات والتصدي للمشكلة‬
‫بوعي ال تتعرض ألزمات النمو‪ ،‬أما الشخصية التي تفشل في التوافق في‬
‫مواجهة الواقع بمشكالته وتأبى االعتراف بالعجز أو القصور والفشل فتلجأ‬
‫للطرق الملتوية لحل المشكالت وتتعرض لالزمة وهي ما تسمى (بالشخصية‬
‫المتازمة أو المشكلة) "مياسيف سنة ‪."1960‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪116‬‬

‫األزم ‪:‬‬
‫ما هو المقصود باألزمة؟ ومتى تحدث؟‬
‫تحدث األزمة حينما يعاق النمو وتواجه الشخصية بمشكالت يستعصى‬
‫عليها حلها فتهرب من مواجهتها بالحيل الدفاعية والطرق الملتوية‪.‬‬
‫هناك نوعان من المشكالت التي تعترض الشخصية أثناء عمليات التفاعل‬
‫االجتماعي‪.‬‬
‫* الفوع األول‪:‬‬
‫وهي المشكالت الدافعة للنمو الناتجة من اختالل التوازن‪ ،‬والتناقض الذي‬
‫يسمح عن طريق النشاط والفاعلية بتكوين خصائص جديدة للشخصية ويستثير‬
‫القدرات فيخرجها من حالة الكمون إلى عالم الفعل‪ ،‬ومن ثم تظهر العمليات التي‬
‫تعمل على إعادة التوازن وحل المشكالت وتنعم الشخصية بالتوافق‪.‬‬
‫يتوقف نمو الشخصية ونضجها على كيفية مواجهة المشكالت الحادثة أثناء‬
‫النمو ودرجة الوعي بها‪.‬‬
‫* الفوع الثاني ‪:‬‬
‫وهي المشكالت التي يستعصى على الشخصية حلها إما لقصور في قدراتها‬
‫أو لضخامتها وخروج هذه المشكالت عن نطاق الخبرة الشخصية وبالتالي‬
‫تهرب الشخصية من مواجهة المشكالت‪.‬‬
‫وكما هو معروف أن الشخصية التي تنعم بالتوافق ليست هي الشخصية‬
‫التي تخلو حياتها من المشكالت بل هي الشخصية القادرة على مواجهة‬
‫المشكالت بوعي وحلها إذا كان الحل في مقدورها أو االعتراف بالعجز إذا‬
‫كانت المشكالت أكبر من إمكانياتها‪.‬‬
‫وهذه الشخصية سواء استطاعت حل المشكلة أو اعترفت بعجزها عن حلها‬
‫هي شخصية سوية وال تسبب لها المشكالت التي تواجهها أي األزمات طالما‬
‫أن هناك مواجهة للواقع واعترافاً واعياً‪.‬‬
‫‪117‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫ولكن حينما تأبى الشخصية االعتراف بعجزها عن حل المشكالت وتهرب‬


‫من مواجهتها عن طريق الح يل الدفاعية المختلفة تنشأ األزمة‪.‬‬
‫والمشكالت من الفوعةن‪ :‬حادثة ال محالة في مراحل النمو وهي دوافع للنمو‬
‫إذا واجهتها الشخصية بوعي وقامت بتوظيف قدراتها للتصدي لها حتى في حالة‬
‫عدم تمكنها من الحل فيكفي إنها كانت مثيرات ودوافع لتنشيط واستثارة الفعالية‬
‫لتستمر الشخصية في عمليات التفاعل والعبور إلى مراحل النمو الالحقة‪.‬‬
‫وهي معوقات للنمو إذا فشلت الشخصية في حلها وعجزت عن االعتراف‬
‫بهذا الفشل ولجأت للهروب من مواجهة الواقع‪.‬‬
‫بهذا المعنى يمكن اعتبار األزمات محدداً من محددات النمو‪ ،‬ويمكن للبيئة‬
‫استغالل هذا المحدد لدفع عجلة النمو وإثراء شخصية إذا استطاعت وضع‬
‫الطفل أمام مشكالت جديدة تتناسب مع إمكانياته المرحلية وتستحثها للعمل ولم‬
‫تسهل له الحصول على كل احتياجاته بدون إنجاز منه أو نشاط "بالتدليل" كما‬
‫يجب أن نقدر له محاوالته حق قدرها وال تضع أمامه العراقيل بالتشكك في‬
‫قدراته وفي نف س الوقت ال تحمله أكثر من طاقاته فتقسو عليه وبتكرار الفشل في‬
‫مواجهة القسوة يفقد الطفل ثقته ويصبح عاجزاً عن التفاعل السوي فيلجأ إلى‬
‫ميكانيزمات الدفاع التي توهمه بحل المشكالت في حين إنها تمنعه من التوظيف‬
‫وتوقف نموه‪.‬‬
‫وهكذا يتعين أن نمط التربية القائم على التدل يل ينتج عنه عدم التوصيل‬
‫الذي يؤدي إلعاقة النمو وحدوث األزمة ولكن نمط القسوة قد ينتج أزمات النمو‬
‫وقد تتغلب الشخصية على المشكالت بفعل التوظيف وتتخلص من األزمة‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪118‬‬

‫ملخص الفصل الرابع‬

‫هتفاول الفصل الرابع ما يلي‪:‬‬


‫تعريف المتعلم برؤية فيجوتسكى لتكوين المفاهيم اللغوية وإدراكها‪.‬‬
‫كما يعُرف المتعلم على نظرية النمو المرحلي لألداء العقلى (جالبيرون)‪.‬‬
‫توظيف قدرات الطفل لتكوين المفاهيم العلمية (الواعية بخصائص‬
‫الحروف)‪.‬‬
‫أنواع المفاهيم وخصائص اإلدراك اللغوي لدى الطفل‪ ،‬وعالقته بالتعلم‬
‫التوظيفى للقدرات‪.‬‬
‫النشاط المهيمن‪.‬‬
‫محددات النمو‪.‬‬
‫تعريف المحدد ودوره بوجه عام‪.‬‬
‫التعريف بالمحددات‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬النشاط المهيمن‪.‬‬
‫ثانةاً ‪ :‬المكانة االجتماعية‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬الطفرة‪.‬‬
‫رابعاً ‪ :‬األزمة‪.‬‬
‫المعدات التي تستخدمها الشخصية لتحقيق الطفرة وكيف تتكون هذه‬
‫األدوات؟‬
‫المقصود بالمكانة االجتماعية؟ ولماذا تعد محدداً من محددات النمو؟‬
‫المكانة االجتماعية‪.‬‬
‫‪119‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫أسئلة على الفصل الرابع‬

‫س‪ - 1‬ضع عالم ( ‪ )‬أمام العبارات الصحةح وعالم (×) أمام العبارات‬
‫الخطأ فةما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬تتغير المكانة االجتماعية للطفل بفضل طفرة النمو‪.‬‬
‫‪ - 2‬تحدث طفرة النمو من تراكم الخبرات االجتماعية‪.‬‬
‫‪ - 3‬حدوث االنتقال من مرحلة نمو حالية إلى الالحقة عليها مرهون‬
‫بحدوث الطفرة‪.‬‬
‫‪ - 4‬يمكن تنشيط وتوظيف قدرات الطفل ودفعه للتفاعل االجتماعي بشراء‬
‫اللعب الغالية‪.‬‬
‫‪ - 5‬النمو عملية قد تحدث وقد ال تحدث‪.‬‬
‫‪ - 6‬ازمة النمو في المرحلة الجنينية تعني الموت‪.‬‬
‫‪ - 7‬توقف النشاط المهيمن عن القيام بدوره في المرحلة الجنينية يمنع‬
‫االنتقال لمرحلة المهد‪.‬‬
‫‪ - 8‬يتم نمو الشخصية باستيعاب الخبرة االجتماعية‪.‬‬
‫‪ - 9‬يستوعب طفل الروضة الخبرة االجتماعية عن طريق النشاط الحسي‬
‫الحركي‪.‬‬
‫‪ - 10‬يستوعب طفل المهد الخبرة االجتماعية عن طريق النشاط اللعبي‪.‬‬
‫‪ - 11‬يتعلم طفل الروضة فينمو لعباً‪.‬‬
‫‪ - 12‬يتعلم الطفل باستقباله للمثيرات االجتماعية‪.‬‬
‫‪ - 13‬يشكل الطفل الخبرة االجتماعية ويستوعبها بفاعليته الخاصة ونشاطه‬
‫الذاتي‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪120‬‬

‫‪ - 14‬يستوعب األطفال الخبرات جاهزة الصنع من المجتمع المحيط بهم‪.‬‬


‫‪ - 15‬محددات النمو هي الدافعة لنشاط الشخصية وتفاعلها االجتماعي‪.‬‬
‫‪ - 16‬تتحدد عملية النمو بقدر قيام محددات النمو بوظائفها أو تقاعسها عن‬
‫القيام بها‪.‬‬
‫‪ - 17‬يستجيب جميع األطفال لنفس المثير بطريقة واحدة‪.‬‬
‫‪ - 18‬تؤثر المثيرات الخارجية عبر الشروط الداخلية للشخصية‪.‬‬
‫‪ - 19‬التربية والنمو وجهان لعملة واحدة‪.‬‬
‫‪ - 20‬يتغير شكل النشاط المهيمن بتغير مراحل النمو‪.‬‬
‫‪ - 21‬محددات النمو هي المنافذ الرئيسية الضامنة لتوظيف القدرات‪.‬‬
‫‪ - 22‬األفعال االنعكاسية هي أفعال إرادية‪.‬‬
‫‪ - 23‬ينتج عن نمط التربية القائم على "التدليل" عدم توظيف القدرات‪.‬‬
‫‪ - 24‬إذا لم يكن أمامي سوى نمط "التدليل" و"القسوة" اختار القسوة‪.‬‬
‫س‪ - 2‬أجب عن األسئل التالة ‪:‬‬
‫‪ - 1‬لماذا يجب االهتمام بمضمن النمو والقوى المحركة له (محددات النمو)‬
‫أكثر من االه تمام بنظريات النمو أو تحديد مراحل زمنية معينة له؟‬
‫‪ - 2‬ما المقصود بمحدد النمو وما هي خصائصه ووظائفه؟‬
‫‪ - 3‬اشرح معنى العبارة‪" :‬يؤثر الشرط الخارجي عبر الشروط الداخلية‬
‫للشخصية"‪.‬‬
‫‪ - 4‬ما هي خطوات نمو الفاعلية الذاتية النشطة للطفل؟‬
‫‪ - 5‬اذكر خصائص النشاط المهيمن كمحدد للنمو ودوره في استيعاب‬
‫الخبرة االجتماعية؟‬
‫‪121‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫‪ - 6‬اشرح العبارة‪ :‬يتمكن طفل الروضة أثناء اللعب من الترميز وتصنيع‬


‫األدوات‪.‬‬
‫‪ - 7‬اشرح العبارة‪ :‬ال سبيل لتوظيف قدرات طفل الروضة إالّ عن طريق‬
‫النشاط اللعبي‪.‬‬
‫‪ - 8‬اذكر األدلة التي تثبت أن النشاط المهيمن محدد مسئول عن نمو‬
‫الشخصية‪.‬‬
‫‪ - 9‬اشرح ا لعبارة‪ :‬الطفل ليس مجرد مستجيب للمؤثرات البيئية وإنما هو‬
‫ذات مؤثرة فيها‪.‬‬
‫‪ - 10‬اشرح‪ :‬إذا تدخلت البيئة بالشكل المناسب في الوقت المناسب أدى‬
‫ذلك لإلسراع بالنمو‪.‬‬
‫‪ - 11‬يوجد باب واحد لكل مرحلة نمائية لتنشيط عملية استيعاب الخبرة‬
‫االجتماعية وبالتالي نمو الشخصية‪ .‬اشرح العبارة من خالل مرحلة‬
‫طفل الروضة‪.‬‬
‫‪ - 12‬يسير النمو في بعض األحيان بهدوء ثم ال يلبث أن تحدث فيه‬
‫طفرات‪ .‬اشرح العبارة موضحاً مفهوم الطفرة كمحدد من محددات‬
‫نمو الشخصية‪.‬‬
‫‪ - 13‬اشرح العبارة‪" :‬يدفع التعلم الشخصية على طريق النمو ويمضى أمام‬
‫النمو ويجرّه وراءه"‪.‬‬
‫‪ - 14‬اشرح العبارة‪ :‬تعتبر المكانة االجتماعية التي تحلتها الشخصية محدداً‬
‫مسئوالً عن نمو الشخصية ودافعاً الستيعاب الخبرة االجتماعية‪.‬‬
‫‪ - 15‬ما المقصود بالمكانة االجتماعية؟ ولماذا تعد محدداً من محددات‬
‫النمو؟‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪122‬‬
‫‪123‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫الفصل اخلامس‬
‫مراحل تقسيم النمو وأسس التقسيم‬
‫كتطبيقات عملية حملدودات النمو‬
‫األهداف‪:‬‬
‫يهدف الفصل الخامس إلى هتعريف الدارس بما يلي‪:‬‬
‫تطبيقات عملية لمحددات النمو‪.‬‬
‫تحديد أدوات موضوعية يمكن تعميم استخدامها في تقسيم النمو إلى‬
‫مراحل واقعية وثابتة‪ ،‬كما تساعد في وصف وتحديد خصائص نمو‬
‫الشخصية السوية ومظاهر الشذوذ في مجرى النمو وكيفية عالجه في‬
‫كل مراحل النمو‪.‬‬
‫‪ -‬استخدام محددات النمو األربعة كأسس لتقسيم النمو إلى مراحل‪.‬‬

‫العفاصر‪:‬‬
‫خصائص النمو النفسي لطفل "المهد"‪.‬‬
‫خصائص النمو االجتماعي لطفل مرحلة المهد‪.‬‬
‫خصائص النمو العقلي "المعرفي" لطفل مرحلة المهد‪.‬‬
‫خصائص نمو طفل مرحلة رياض األطفال (ما قبل المدرسة) من‬
‫الناحية النفسية‪.‬‬
‫‪ -‬التعريف اإلجرائي للنشاط اللعبي‪.‬‬

‫سبق االتفاق على تحديد أربعة معايير موضوعية وواقعية كمحددات لنمو‬
‫الشخصية وقد تأكدت صالحيتها كمحددات حسب التعريف اإلجرائي للمحدد تم‬
‫استنتاج هذه المحددات من النظرية االجتماعية التاريخية التي تعتمد على ثالث‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪124‬‬

‫دعائم رئيسية لتحديد مفهوم الشخصية ونموها‪:‬‬


‫الدعامة األولى‪ :‬قضية الوعي‪.‬‬
‫الدعامة الثانية‪ :‬استخدام األدوات‪.‬‬
‫الدعامة الثالثة‪ :‬قضية التفاعل االجتماعية‪.‬‬
‫ترد النظرية التاريخية بهذه القضايا على االتجاه المثالي الذي يرى األنشطة‬
‫النفسية موجودة داخل الفرد دفعة واحدة وتخرج فقط بفعل مثيرات المواقف‬
‫المختلفة فهي ال تتكون وال تستحدث‪.‬‬
‫ترد بها على االتجاه الطبيعي الذي ال يرى فرقاً جوهرياً بين سلوك الحيوان‬
‫والنشاط النفسي لإلنسان‪.‬‬
‫أوالً ‪ -‬قضة الوعي‪:‬‬
‫تعتمد هذه القضية الوعي كمعيار لنمو جميع العمليات النفسية والعقلية حيث‬
‫تظهر هذه العمليات على مسرح الحياة مرتين مرة تلقائ ية مباشرة ذات دوافع‬
‫اجتماعية‪ ،‬ومرة أخرى واعية توسيطية متعلمة ومقصودة‪ .‬وهذا يعني أن التغير‬
‫الذي يطرأ على العمليات العقلية أثناء النمو ليس تغيراً كمياً بل هو تغير في نوع‬
‫هذه العمليات (كيفي)‪.‬‬
‫وتنمو عملية إدراك اللغة األم لدى الطفل من التلقائية إلى الوعي‪ ،‬فنرى‬
‫الطفل يتقن القواعد النحوية للغة األم قبل دخول المدرسة بفترة طويلة‪ ،‬ولكن هذا‬
‫اإلتقان تلقائي ومكتسب بالمحاكاة ووظيفته الرئيسية استمرار التفاعل االجتماعي‪،‬‬
‫والتعبير عن حاجات الطفل الرئيسية فإذا طلب من هذا الطفل نطق كلمة تبدأ‬
‫بحرف "الميم" مثال فسيجد صعوبة شديدة في ذلك حيث يلزمه عملية "التصنيف"‬
‫واالستقراء" الواعي لمفاهيم الحروف والكلمات وهو غير قادر بعد على إعمال‬
‫فكرة الواعي في هذه المفاهيم‪ ،‬ولذلك ال يمكنه استدعائها بصورة إرادية أو‬
‫تحليلها إلى عناصرها األولية‪ ،‬أو استخدامها كوسائط لحل مشكالت فكرية‬
‫‪125‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫وال يتسنى له ذلك إال بالتعليم المنظم المقصود‪ ،‬فينمو حينئذ إدراكه الواعي الذي‬
‫يسمح بالتكيف وحل المشكالت التي ال يمكن حلها باإلدراك التلقائي‪.‬‬
‫ثانةًا ‪ -‬األدوات‪:‬‬
‫تعد رموز اللغة "والمفاهيم" أهم األدوات التي يستعملها اإلنسان بوصفها‬
‫وسائط مصنعة اجتماعياً بواسطتها تنتقل العمليات العقلية من التلقائية إلى‬
‫الوعي‪ ،‬وترتقي من العمليات الحيوانية إلى المستوى البشري‪.‬‬
‫ويتميز نشاط اإلنسان عن نشاط الحيوان بأن األول نشاط توسطي (يستخدم‬
‫الوسائط‪ ،‬األدوات) فهو يدرك من موضوعات البيئة تلك األشياء التي تتصل‬
‫بحاجاته البيولوجية‪ ،‬واألخرى التي تتوسط بينها وبين نشاطه إلشباعها‪ .‬كما‬
‫يدرك المثيرات البيئية بعد صياغتها في قوالب المفاهيم التي تكونت لديه‬
‫اجتماعياً من المعايشة والفهم واالستيعاب (أي حين استدخال األدوات)‪ .‬فعالقة‬
‫اإلنسان بالعالم الخارجي تتوسطها أدوات العمل واإلنتاج من ناحية وكذلك نشاط‬
‫األفراد اآلخرين ودورهم في هذا العالم من ناحية أخرى‪ .‬وتتجلى هذه العالقة‬
‫في تقسيم العمل بين مجموعة من األفراد بحي ال يتحقق الهدف من العمل إال إذا‬
‫قام كل فرد بدوره الموكل إليه‪ .‬وهذا يؤكد ضرورة تمثل الخبرة االجتماعية‬
‫واستدخالها لعمليات النمو‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ -‬التفاعل االجتماعي‪:‬‬
‫ال يتم النمو إال في عمليات المعايشة االجتماعية وعمليات التعلم والتعليم‬
‫فالتفاعل االجتماعي هو الذي يخرج القدرات في صورة علميات وال تتكون‬
‫العمليات الواعية إال بالتوظيف المقصود من المؤسسات االجتماعية‪ .‬وعدم‬
‫التوظيف أو التوظيف الخطأ يؤدي إلى احتجاز هذه العمليات في المرحلة الدنيا‬
‫التلقائية لذلك إذا أردنا الحكم على ذكاء الطفل فيجب أن يصدر هذا الحكم بعد‬
‫تعريضه لعملية التفاعل االجتماعي القادرة وحدها على تكوين وعيه وإخراج‬
‫قدراته وتحديد منقطة نموه المقبل‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪126‬‬

‫وقد أتاحت فكرة (منطقة النمو المقبل) وطرق دراستها إثراء األسس‬
‫العلمية للتأثير التربوي السليم على الطفل ونبهت إلى الدور الخطير الذي تلعبه‬
‫طرق التدريس المختلفة بوصفها وسائط اجتماعية توظف قدرات الطفل وفي‬
‫إطارها تتكون وتنمو العمليات العقلية الواعية‪.‬‬
‫يواجه علم نفس النمو بتحديات جسيمة تتمثل في تفاقم مشكالت الطفولة‬
‫التي تتطلب تدخالً سريعاً بحلول عملية وأدوات موضوعية لحلها‪.‬‬
‫ولذا مست الحاجة لألدوات المقننة التي تساعد في تشخيص أمراض النمو‬
‫ومشكالته ووصف ظواهره وتحديد أسبابه حتى يمكن القضاء على المرض‬
‫وتحقيق الوقاية لألصحاء‪.‬‬
‫كما يلزم التحديد الواقعي العملي لدور البيئة والوسائل التي تستخدمها في‬
‫بناء الشخصية واإلسراع بنموها‪ .‬حيث ركزت قضية الوعي على خطورة البيئة‬
‫وأثرها في نمو القدرات بل وتكوينها الواعي لها‪.‬‬
‫وفي وقت مواجهة المشكالت والتحديات يلزم القيام بعملية تفضيل بين‬
‫النظريات واألسس ال نظرية المختلفة‪ ،‬وترجح كفة النظرية التي تتيح أكبر عدد‬
‫من أدوات العمل التي تحق األهداف المعرفية أو التطبيقية العملية لحل المشكلة‪.‬‬
‫وبتحليل بعض طرق المواجهة لهذه المشكالت نجد أن بعد النظريات قد‬
‫اكتفت بتعيين مظاهر السلوك الشاذ دون التطرق إلى تحديد منهجي ألسبابه‬
‫وطرق عالجه وبحث كل حالة على حدة ومحاولة عالجها بالطرق التي تناسبها‪،‬‬
‫والبعض اآلخر يميل الستعمال التحليل النفسي للتعرف على هذه األسباب ومنه‬
‫يستقي طرق العالج‪.‬‬
‫كما أننا نواجه بتقسيمات مختلفة لمراحل النمو تعتمد في معظم األحيان‬
‫على معايير ذاتية قليلة الثبات‪ ،‬ذ ات أسس متفاوتة الفعالية بالنسبة لمختلف‬
‫مراحل النمو وقد تبعد عن الواقعية في كثير من األحيان‪.‬‬
‫‪127‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫كالتقسيم بناء على العمر الزمني الذي تأكد عدم صالحيته كمعيار محدد‬
‫للنمو حيث سبق االتفاق على أن استثارة فعالية الطفل بالطرق المناسبة تنشط‬
‫نموه وتدفعه إلى مراحل نمو م تقدمه بصرف النظر عن عمره الزمني‪ .‬وهذا ما‬
‫اتضح في قضية التفاعل االجتماعي في المقدمة‪.‬‬
‫يهدف هذا الفصل إلى تحديد أدوات موضوعية يمكن تعميم استخدامها في‬
‫تقسيم النمو إلى مراحل واقعية وثابتة‪ ،‬كما تساعد في وصف وتحديد خصائص‬
‫نمو الشخصية السوية ومظاهر الشذوذ في مجرى النمو وكيفية عالجه في كل‬
‫مراحل النمو‪.‬‬
‫لذلك يطرح السؤال التالي‪:‬‬
‫هل يمكن استخدام محددات النمو األربعة كأسس لتقسيم النمو إلى‬
‫مراحل؟‬
‫اإلجاب ‪ :‬على هذا السؤال باإليجاب تستوجب عرض الحيثيات التي يحتويها‬
‫كل محدد من محددات النمو والعالقة الدياليكتيكية القائمة بينهم‪.‬‬
‫من تعريف النشاط المهيمن ووظائفه ودوره في عملية النمو تبين أن لكل‬
‫مرحلة نمو نشاطاً خاصاً يعتبر مهيمناً على هذه المرحة‪ .‬وبمالحظة األنشطة‬
‫التي تتناوب الهيمنة على األطفال يمكن تصنيفهم على مراحل النمو المختلفة‬
‫وتتحدد كل مرحلة بزمن هيمنة النشاط المعين عليها فإذا وجدنا الطفل يهيمن‬
‫عليه النشاط (الحاسي الحركي) فهذا يعني أنه في مرحلة المهد التي تبدأ منذ‬
‫لحظة الوالدة حتى نهاية هيمنة هذا النشاط وتسليمه كرسي القيادة لنشاط جديد‪.‬‬
‫ويتم هذا تقريباً عند نهاية السنة الثانية علماً بأن اإلطار الزمني قد وضع من‬
‫المالحظة وال يعتبر محدداً وال ملزماً بنهاية المرحلة‪ .‬فقد يتأخر تحضير النشاط‬
‫اللعبي الذي سيصير مهيمناً على المرحلة التالية وبالتالي تستمر هيمنة النشاط‬
‫الحاسي الحركي لمدة زمنية أطول‪ ،‬وال تتحدد نهاية المرحلة وبداية المرحلة‬
‫الجديدة إال عند تغير النشاط المهيمن‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪128‬‬

‫إذن يمكن تقس يم أطفال العينة المراد تحديد مراحل النمو التي يشغلونها‬
‫بمالحظة تناوب األنشطة المهيمنة عليهم وقد أمكن التقسيم إلى مراحل النمو‬
‫التالية بمالحظة هذه األنشطة وبالتعرف على المكانة االجتماعية التي يشغلها‬
‫األطفال‪ ،‬وبرصد فترات الطفرة في النمو‪ ،‬وبتحديد أزمات النمو‪.‬‬
‫المرحل األولى ‪ -‬المرحل الجفةفة ‪:‬‬
‫حيث يهيمن نشاط االمتصاص وهو الباب الوحيد الذي تدخل منه مؤثرات‬
‫البيئة الدافعة للنمو يظل مهيمناً خالل شهور الحمل وحين الوالدة يستمر‬
‫مصاحباً لنشاط الحواس إلى أن يحتل النشاط الحاسي الحركي كرسي القيادة‬
‫ويتولى الهيمنة حينئذ تن تقل الشخصية من سيطرة نشاط االمتصاص إلى هيمنة‬
‫خليفته الذي قام هو نفسه بتربيته وإعداده وأول حاسة تعمل هي حاسة الشم حيث‬
‫يستنشق الجنين الهواء الجوي فإذا لم يقم نشاط االمتصاص بواجباته على خير‬
‫وجه ما استعدت الحواس للعمل التالي في المرحلة الالحقة‪ .‬وما تمكَّن الجنين‬
‫من استنشاق االكسجين المذاب في الهواء الجوي عن طريق األنف‪.‬‬
‫المرحل الثانة ‪ -‬مرحل المهد‪:‬‬
‫حيث يهيمن النشاط الحاسي الحركي المدفوع بحب االستطالع‪ ،‬فيتعرف‬
‫الطفل في مهده على حدود جسمه وحدود المهد الذي يحيط بهذا الجسم ومنذ هذه‬
‫اللحظة تدخل البيئة التطبيع االجتماعي للطفل في مهده كما تتشكل عواطف‬
‫الطفل التي تمكنه من التفاعل مع الحياة االجتماعية وتتشكل أنماط السلوك التي‬
‫ستصبح سائدة في كل استجاباته المستقبلية‪.‬‬
‫وعندما يقوم هذا النشاط المهيمن بوظائفه كاملة يعد الشخصية لالنتقال‬
‫للمرحلة الالحقة وبتوظيف الطفل لحواسه تنمو معرفته بالعلم المحيط به‪ ،‬فيحقق‬
‫ذاته ويحقق اإلشباع الحتياجاته النفسية واالجتماعية وحينئذ يطالب الطفل‬
‫بتوسيع رقعة نشاطه ويعبر عن ملله من البيئة الضيقة التي استوعبها بكل‬
‫جوانبها تماماً‪ ،‬وتحسسها ملياً وهنا تظهر الفترة المسماة بزمن الطفرة حينما‬
‫‪129‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫يحشد الطفل خبرا ته ومعلوماته التي كونها النشاط الحاسي الحركي تحدث‬
‫الطفرة ويصبح احتجازه في إطار المرحلة الحالية ممالً ومعوقاً لنموه‪ ،‬كما‬
‫يصبح النشاط الحاسي الحركي غير جدير بالوفاء بمتطلبات المرحلة التي ترنو‬
‫إليها الشخصية أثناء النمو‪ ،‬وبواسطة الطفرة تغير الشخصية مكانتها االجتماعية‬
‫بذلك يصبح محدد النمو الثاني "الطفرة" أساساً للتقسيم حيث تحدث هذه الطفرة‬
‫عند فترات االنتقال وال يحدث االنتقال إلى بحشد من االكتسابات‪ ،‬وال يتم‬
‫االكتساب إال بالتوظيف (بفضل النشاط المهيمن)‪.‬‬
‫وهكذا نجد النمو سلسلة من المراحل المتعاقبة تعاقباً ثوريا تنتهي كل‬
‫مرحلة بحشد هائل من وقائع النمو التي تخرج بواسطتها الشخصية مزودة‬
‫بإمكانيات وقدرات أكسبتها احترام البيئة المحيطة بها مما يدفعها للمطالبة بتغير‬
‫مكانتها االجتماعية فيرفض الطفل النظرة السابقة له فلم يعد يعتمد على الوالدين‬
‫في تحقيق إشباعاته حينئذ تتغير مكان ته االجتماعية التي يحتلها في نظر المجتمع‬
‫وفى نظر ذاته‪.‬‬
‫وهكذا تعتبر أيضاً المكانة االجتماعية التي تحتلها الشخصية معبراً عن‬
‫المرحلة النمائية التي هي بها ومن ثم يعتبر المحدد الثالث أساساً لتقسيم النمو إلى‬
‫مراحل بواسطة تحديد زمن الطفرة تتحدد نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة‬
‫وبواسطة مراقبة المكانة التي تحتلها الشخصية وبتغير المكانة تتغير مرحلة النمو‪.‬‬
‫يتبقى التعرف على محدد "األزمة" باعتباره أساساً للتقسيم‪.‬‬
‫متى تحدث األزمة في مجرى النمو؟ تحدث حينما يرفض المجتمع انتقال‬
‫الشخصية إلى مكانة اجتماعية جديدة‪ ،‬وحينما ال يتقبل المجتمع الحشد الممثل في‬
‫طفرة النمو للشخصية فإذا حدثت األزمة كان لها تأثير معوق للنمو وإذا لم‬
‫تحدث تمكن الطفل من استعراض قدراته وإمكانياته ويتغلب على نظرة الشك‬
‫التي يبديها المجتمع حينما تطالب الشخصية بتقدير حقيقي إلمكانياتها فهي بذلك‬
‫تقدم أوراق اعتمادها للمرحلة الجديدة مصحوبة بكثير من النشاط االستعراضي‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪130‬‬

‫لإلمكانيات حينئذ تعتبر األزمة محدداً من محددات النمو حدوثاً وعدمًا وهي‬
‫تصاحب فترة الطفرة أي نهاية المرحلة وبها يمكن تقسيم النمو إلى مراحل‪.‬‬
‫المرحل الثالث ‪ -‬مرحل "رياض األطفال" أو ما قبل المدرس ‪:‬‬
‫وحينما نجد النشاط الحاسي الحركي يأخذ شكل اللعب التكراري ويتطور‬
‫في شكل النشاط اللعبي يعني هذا أن الشخصية قد انتقلت من مرحلة المهد إلى‬
‫مرحلة الطفولة المبكرة والتي اصطلح على تسميتها مرحلة "رياض األطفال"‬
‫فقد احتل مركز القيادة والهيمنة نشاط جديد هو النشاط اللعبي الذي يبدأ بجوار‬
‫النشاط الحاسي الحركي إلى أن يطمئن األخير لخليفته‪ .‬ويبدأ في النمو النشاطي‬
‫اللعبي حتى يصير في نهاية مراحل نموه‪.‬‬
‫لعباً ذا قاعدة ملزمة‪ ،‬وفي إطاره يربي النشاط التعليمي بما يلزمه من‬
‫عمليات نفسيه كاألرجاء –االلتزام ‪ -‬القدرة على التقييم‪ .‬كما يمكننا قياس درجة‬
‫التوظيف التي تتيح للنشاط المهيمن االنتقال بالشخصية من المرحلة الحالية‬
‫للمرحلة الالحقة من المسئوليات المرحلية التي تلقيها البيئة على طفل هذه‬
‫المرحلة والتي تحدد مكانته االجتماعية‪ ،‬ومن ظهور األزمات في نهاية المرحلة‬
‫أو غيابها يتحدد زمن االنتقال للمرحلة الالحقة‪.‬‬
‫المرحل الرابع ‪ -‬مرحل المدرس االبتدائة ‪:‬‬
‫حيث يهيمن النشاط التعليمي "المعرفي" وال تنتقل الشخصية إلى هذه‬
‫المرحلة إال بعد إعدادها في النشاط اللعبي‪ ،‬فليس كل من يدخل المدرسة‬
‫االبتدائية قد تلقي اإلعداد الالزم لنجاح شخصيته في احتالل هذه المكانية‬
‫الجدي دة‪ .‬وال ينجح في التعليم إال الشخصيات التي امتلكت هذه المتغيرات النفسية‬
‫التي ستظهر بوضوح حين متابعة المحددات لتعيين خصائص النمو السوى في‬
‫مراحل النمو المختلفة‪.‬‬
‫المرحل الخامي ‪ -‬مرحل المراهق ‪:‬‬
‫حين يقلع الطفل عن اللعب ويرسم لنفسه إطاراً اجتماعياً جديدًا وصورة‬
‫يسعى لتحقيقها تدخل كل دوافع النمو من باب "الصداقة" أو معايشة األقران‪.‬‬
‫‪131‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫حينئذ تنتقل الشخصية إلى مرحلة جديدة بفعل تغير النشاط المهيمن‪ .‬وبمالحظة‬
‫باقي محددات النمو نتبين نهاية مرحلة المدرسة االبتدائية وبداية مرحلة المراهقة‬
‫حينما تطبع الصداقة كل سلوكيات المرا هقة وتدفع شخصيته ككل للنمو‪.‬‬
‫المرحل اليادس ‪ -‬مرحل الشباب والفضج‪:‬‬
‫حيث ينوب (العمل الجاد سابق التخطيط) عن "معايشة األقران" في الهيمنة‬
‫على الشخصية ويصبغها بالصبغة الواعية ويجعلها تنمو في العمل وتتبلور‬
‫المهارات وتنشط لحل المشكالت أي حينما تسلم الصداقة زمام الهيمنة للنشاط‬
‫الذي تربي في أحضانها يحتل المراهقة المكانة الجديدة ويعترف به المجتمع‬
‫عضواً عامالً فيه‪.‬‬
‫هكذا تتناوب األنشطة على قمة الهيمنة فينقسم النمو بتنوعها إلى مراحل‬
‫ثابتة تنتهي كل مرحلة باحتالل مكانة اجتماعية جديدة وقد تعارض من المجتمع‬
‫أو تعجز القدرات عن إثبات جدارتها باحتاللها فتصاحب الطفرة بأزمة من‬
‫األزمات بذلك يكون قد تحقق الغرض من استخدام محددات النمو األربعة‬
‫كأدوات للتقسيم‪.‬‬

‫ثم يمكن بعد ذلك عمل مسح لعينات كبيرة من األطفال لتحديد العمر الزمني‬
‫الذي تستغرقه كل مرحلة فتحدد بدايتها ونهايتها‪.‬‬
‫هل يمكن اس تخدام هذه المحددات لتعيين خصائص النمو السوي في كل‬
‫مرحلة وتحديد مظاهر الشذوذ فيه‪ ،‬وترشيد تدخل البيئة للتغلب على هذا الشذوذ‬
‫وعالجه؟‬
‫لإلجابة عن هذا السؤال ال بُدَّ من االتفاق مع النظرية االجتماعية التاريخية‬
‫إلى قضية التفاعل االجتماعي فالتعليم يدفع الشخصية لل نمو ويكون لديها العمليات‬
‫العقلية الواعية وبذلك (يمضي أمام النمو ويجره وراءه) "فيجوتسكي ‪.1965‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪132‬‬

‫بدون هذا التدخل االجتماعي من باب محددات النمو ال تنمو الشخصية‬


‫وال تنتقل من التلقائية إلى الوعي‪ ،‬فالطفل يزداد تأثراً وتأثيراً فيها بما تعلمه أثناء‬
‫عمليات التفاعل االجتماعي التي يختلف تأثيرها على الطفل في مختلف مراحل‬
‫نموه‪ ،‬فما كان يثير طفل مرحلة المهد ال يثير طفل مرحلة المدرسة االبتدائية‪.‬‬
‫هذا يؤكد أن هناك مداخل خاصة للشخصية في كل مرحلة من مراحل نموها‬
‫فإذا تدخلت البيئة بالشكل المناسب ورتبت التراث المراد توصيله للشخصية في‬
‫إطار مثيرات مناسبة لمحددات النمو في المرحلة المعينة استثارت فاعلية الطفل‬
‫واستحثت دوافع نموه‪.‬‬
‫فالتعرض لدور هذه المحددات األربعة في تحديد صفات الشخصيات سوية‬
‫النمو ومظاهر شذوذها وكيفية تدخل البيئة بواسطتهم لعالج هذا الشذوذ والتغلب‬
‫على أزمات النمو سنتتبع ذلك خالل مرحلتين من مراحل النمو كمثال لتحقيق ذلك‪.‬‬
‫خصائص الفمو الففيي لطفل "المهد"‪:‬‬
‫يعتمد الطفل منذ الوالدة في اتصاله بالعالم الخارجي على حواسه المختلفة‬
‫وبمجرد قدرته على الحركة يبدأ في لمس األشياء وتذوق هذا العالم الخارجي‪،‬‬
‫كما تنمو حواسه من تجارب اللذة واأللم التي يتعلمها من لمسة للمواد التي حوله‬
‫أثناء محاولته التعرف عليها (رأي بتوظيف نشاطه المهيمن)‪ .‬قد ينتقل عصاب‬
‫الخوف إلى الوليد من األم القلقة عن طريق حواسه أثناء عملية الرضاعة‪ ،‬كذلك‬
‫يعاني من الخوف إذا ما سمح لألشخاص الغرباء اإلقبال عليه ووقوعهم في‬
‫مجال إدراكه البصري بشك مفاجئ أو مداعبته بصوت مرتفع أو بتحريكه إلى‬
‫أعلى وخفضه بشكل مفاجئ فيثير شعوره بفقدان السند‪.‬‬
‫كما يمكن أن نجعله يقلع عن الخوف بالتعويد الحاسي أيضاً فإذا استطعنا أن‬
‫نقرب إليه المثيرات مصدر الخوف تدريجياً بحيث يلمسها وهو في جو من‬
‫االطمئنان والهدوء فإنه قد يلعب بها بعد ذلك بكثير من االستمتاع والشغف مما‬
‫يشعره بالثقة بنفسه ويقلع عن الخوف بتوظيف حواس الطفل ودفعه للحركة يشعر‬
‫بقيمته الذاتية ويخرج من الخضوع لمبدأ اللذة الحسية إلى مبدأ الواقع‪ ،‬فيهجر اللذة‬
‫‪133‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫الحسية الخالصة إلى اللذة العملية الناتجة من جهده الخاص وحركاته‪.‬‬


‫كذلك يمكن أن يعاني الوليد من الشعور بالنبذ إذا استعملت الوسائل الحسية‬
‫المؤلمة أثناء عملية الفطام القسرية‪ ،‬حين يشعر بالفشل في التخلص من اللذة‬
‫الحسية‪ ،‬وال يقوي على االنتقال إلى اللذة العملية التي تتوفر لها بفضل عمليات‬
‫التفاعل االجتماعي اإلي جابية التي سنعرض لها في النمو االجتماعي لطفل المهد‬
‫يصبغ هذا الفشل كل استجاباته المستقبلية‪.‬‬
‫خصائص الفمو االجتماعي لطفل مرحل المهد‪:‬‬
‫تتمثل الدوافع االجتماعية في الحاجات الملحة للوليد وأولها الحاجة لالنتماء‬
‫والتفاعل االجتماعي هو وسيلة إشباعها‪.‬‬

‫وقد كان سائداً إلى وقت قريب أن االحتياجات المهمة لنمو الوليد في مرحلة‬
‫المهد هي االحتياجات الفسيولوجية واألولية فقط‪ ،‬وبالمالحظة المدققة شوهدت‬
‫نداءات اجتماعية مبكرة عند نهاية الشهر الثاني وبداية الشهر الثالث تقريباً‪،‬‬
‫وبالرغم من عدم احتياجه للطعام أو الشراب‪ ...‬إلخ‪ ،‬فماذا يريد ذلك الوليد‬
‫بالبكاء من غير دموع الذي ال ينقطع وال تخف حدته إال حينما يسمع وقع أقدام‬
‫تقترب منه؟ يحتاج الطفل للتفاعل االجتماعي وأن يكون طرفاً في موقف‬
‫اجتماعي يأخذ ويعطي ثم يستعمل بعد ذلك صوته لجذب انتباه المحيطين به‪،‬‬
‫ويستشعر لذة النجاح عندما يتم الموقوف االجتماعي ويحدث التفاعل‪.‬‬
‫ويستجيب الطفل بالحركة العنيفة من يديه ورجليه والمناغاة‪ .‬كما تراه يقذف‬
‫الشخشيخة بعيداً عن مهده فتقرع األرض وتصدر صوتاً عالياً فإذا ما أعدناها له‬
‫يرميها مرة ثانية‪ ،‬وهو في هذا يوظف حواسه ويحضر للنشاط اللعبي الذي‬
‫سيكون مهيمنا في مرحلة النمو الالحقة ويشبع حاجته للنجاح وتقدير الذات‪ .‬كما‬
‫يخرج قدراته العقلية في صورة عمليات للتعرف على البيئة المحيطة به ويحدد‬
‫مكانته االجتماعية كما يرنو إلى مكانه أعلى منها‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪134‬‬

‫خصائص الفمو العقلي "المعرفي" لطفل مرحل المهد‪:‬‬


‫يميز الوليد بين الصوت المألوف له وصوت الغرباء (استعمال حاسة السمع‬
‫والسماح لها بالعمل) كما يفرق بين زجاجة الدواء والزجاجة التي يتناول منها‬
‫الغذاء لذلك يجب أن تتدخل البيئة بالتوسع في مجال مثيرات الوليد‪ ،‬فالبيئة الغنية‬
‫بالمثيرات الحسبة تنمي وتوظف حواسه التي هي مداخل المعرفة في هذه‬
‫المرحلة بفعل هيم نة النشاط الحاسي الحركي‪.‬‬
‫فحينما يشعر الوليد بالملل من الحجرة التي يعيش فيها ويتطلب لمغادرتها‬
‫إلى أرجاء المنزل فهو ال يطالب بالترفيه عن نفسه بقدر ما يطالب بتوسيع رقعة‬
‫مدركاته التي تقوم بفحصها وأعمال حواسه فيها وإنما يطالب بحقه من البيئة في‬
‫تشغيل قدراته ودا فعه في هذا الحاجة للمعرفة أو ما يسمى بحب االستطالع الذي‬
‫يعتبر أهم الدوافع العقلية‪ .‬هو بذلك يطالب بتغير مكانته االجتماعية في المنزل‬
‫ويستعرض في طفرة النمو إمكانياته الجديدة‪ ،‬عندئذ تحدث طفرة النمو وبذلك‬
‫نرى الطفل السوى دائم التجول في المنزل‪ ،‬يستكشف كل ما حوله‪ ،‬يوظف‬
‫نشاطه المهمين‪ ،‬ويبدأ في الظهور "الطفل المشكل" حينما تطمع األسرة في خلق‬
‫الطفل الهادئ المطيع بحرمانه من اإلثراء البيئي وبحبسه في مهده‪ ،‬وعدم‬
‫السماح له بلمس األشياء حوله أي حينما تسحب البيئة من بين يديه مسئولية‬
‫العمل وتحرمه من الكفاح الذي هو دافع لنمو الشخصية‪.‬‬
‫وبسبب إعاقة النشاط المهيمن ومنع الطفرة تحدث األزمة التي تظهر عندما‬
‫تحاول الشخصية القفز للمرحلة الالحقة وتفشل‪.‬‬
‫من أهم مظاهرها ما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬تفتر رغبة الوليد في الحركة ويميل للكسل والبالدة والخمول‪.‬‬
‫‪ - 2‬يستمر في االرتباط الحسي بأمه مما يشعره بالنبذ القاسي أثناء عملية‬
‫الفطام‪.‬‬
‫‪135‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫‪ - 3‬يتقوقع الوليد ويستمر في اللوازم الحركية غير السوية لتعويض النبذ‬


‫وإشباع اللذة الحسية بمص األصابع أو أكل المواد التي ال تؤكل‪،‬‬
‫والتعلق الشديد بالبزازة "الجلدة"‪.‬‬
‫‪ - 4‬استمرار تعرفه على أعضاء جسمه مما يجعله دائم العبث بأعضائه‪.‬‬
‫‪ - 5‬يفقد الطفل الثقة بن فسه مما يجعله دائم النداء لألم‪ ،‬وعصبياً وكثير البكاء‪.‬‬
‫‪ - 6‬يستمر في االعتماد على الغير واستغاللهم‪ ،‬لتحقيق رغباته األنانية‪.‬‬
‫‪ - 7‬قد يظهر الطفل الذي يؤذي جسده ويخرب كل ما يقع تحت يده لجهله‬
‫بخواص البيئة المحيطة به الناتج من عدم تدريب حواسه‪.‬‬
‫‪ - 8‬تتأخر لغة الطفل وقد يتوقف عن المناغاة حيث ال يجد لها أثر على‬
‫البيئة وال يستجيب لها أحد‪.‬‬
‫وهكذا نجد أنه بتوظيف الحواس وتنشيطها يقوم النشاط المهيمن على‬
‫المرحلة بوظائفه التي تنمي الشخصية وتربي النشاط الذي سيهيمن على مرحلة‬
‫النمو الالحقة "اللعبي" وتتحقق للشخصية الطفرة وتغير المكانة االجتماعية‬
‫وتتغلب على مواقف الصراع وال تتعرض لألزمات‪.‬‬
‫وحينما تتدخل البيئة بالشكل الخطأ فتعوق النشاط المهيمن عن أداء وظائفه‬
‫يظهر طفل المهد المشكل الذي تتميز بالسمات سالفة الذكر‪.‬‬
‫خصائص نمو طفل مرحل رياض األطفال (ما قبل المدرس ) من الفاحة‬
‫الففية ‪:‬‬
‫تتحدد حدو د هذه المرحلة حينما يتخلى النشاط الحسي الحركي عن مركز‬
‫القيادة ليحتل النشاط اللعبي فيصبح اللعب هو الباب الذي تطرقه المؤثرات‬
‫البيئية فتستجيب كل القدرات الكامنة بالنشاط والفاعلية الحماسية‪ ،‬التي يعاد بها‬
‫استدخال الخبرات االجتماعية وجعلها أدوات مصنعة لخدمة نمو الشخصية‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪136‬‬

‫بمراقبة هذا التناوب نجد أن النشاط المهيمن يختلف من مرحلة ألخرى فإذا‬
‫كان الباب الستدخال الخبرة االجتماعية في مرحلة المهد هو النشاط الحسي‬
‫الحركي "فقد تغير في مرحلة رياض األطفال وأصبح هو" النشاط اللعبي "لكن‬
‫هذا النشاط ال يتكون إال إذا قام بمهماته كاملة النشاط الحاسي الحركي أثناء‬
‫هيمنته على مرحلة النمو السابقة‪ .‬كما نجده يظل قريباً من النشاط اللعبي في‬
‫بدايته حتى يتأكد من كفائته للقيام بمتطلبات المرحلة الجديدة وتتجلى هذه‬
‫المالزمة عند مراقبة النشاط اللعبي في بدايته فنجده تكراراً للحركات الجسمية‬
‫فيبدأ الن شاط اللعبي تحسباً تكرارياً ثم ينتهي لعباً ذا قاعدة مسبقة ملزمة لنفس‬
‫الطفل بالتحكم اإلرادي في إشباع بعض رغباته وتأجيل لبعضها اآلخر‪.‬‬
‫بمراقبة طفل هذه المرحلة نجده يستعمل النشاط اللعبي كمفتاح لعملية‬
‫التطبيع االجتماعي فيتضح به عالم الكبار بأدواره المختلفة وقيمة وفي إطار هذا‬
‫النشاط يعاد بناء العمليات النفسية والعقلية‪ .‬فهذه التغيرات النفسية كالتحكم‬
‫اإلرادي في الرغبات‪ ،‬وااللتزام بواجبات الدور ال يمكن إدخالها لطفل هذه‬
‫المرحلة إال من خالل النشاط اللعبي ثم يستوعب الطفل كل الخبرات المتاحة في‬
‫هذه المرحلة بفضل توظيف نشاطه المهيمن‪ ،‬فيضيق بمكانه كطفل يلعب فقط‬
‫ويرنو للتعليم الذي أستعد له بكل ما يلزمه من قدرات عقلية ونفسية أعدها‬
‫النشاط اللعبي ويقوم الطفل باستعراض هذا الحشد من اإلمكانيات ويطالب بعد‬
‫ذلك بتغيير مكانته االجتماعية ونظرة المجتمع إليه فيتغير سلوكه في فترة‬
‫الطفرة استعداداً لتغيير المكانة وهنا قد يفشل طفل المرحلة في إثبات جدارته‬
‫بالمرحلة الجديدة ويظهر طفل الروضة المشكل‪.‬‬
‫يحتاج طفل المرحلة إلى الحب والحنان وما يشعره باألمان‪ ،‬ويحتاج للمساعدة‬
‫في تنظيم استجاباته االنفعالية‪ ،‬كما يحتاج لحر ية النمو وتقبل الذات كعضو عامل‬
‫في المجتمع‪ .‬فيبدأ في تقليد أنماط السلوك المقبولة ويكافئ السلوك القويم‪ ،‬ويتعلم‬
‫األخذ والعطاء في إطار اللعب الذي يمر هو أيضاً بمراحل نموه الخاصة‪.‬‬
‫‪137‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫فاللعب في مرحلته األولى مجرد تكرار للحركات التي تجري مع الطفل‬


‫والمحيطين به يطبقه ا على أدوات اللعب المتاحة فنرى الطفلة الصغيرة تعتني‬
‫بعروستها وتغير مالبسها وهكذا‪....‬‬
‫إال أن هذه الحركات فيما بعد تأخذ شكالً جديداً حينما تبدأ الطفلة تلعب دورا‬
‫اجتماعياً معينا بالنسبة لهذه العروسة‪ ،‬كأن تكون لها ماما أو مربية‪ .‬وبمجرد أخذ‬
‫دور أحد الكبار المحي طين بالطفل تبدأ مرحلة متقدمة من مراحل اللعب "النشاط‬
‫المهيمن" فيصير لهذا اللعب مضمون ودور اجتماعي يتمثل مضمونه في‬
‫الحادثة التي تكررها الطفلة مع العروسة بصفتها أُمًّا لها كأن تعاقبها على سلوك‬
‫غير مرغوب‪ ،‬أو تكافئها على سلوك مرغوب فالطفلة هنا تلعب الدور بكل‬
‫مك وناته وتعكس موضوعاً اجتماعيا في هذه اللعبة وهنا تكمن أهمية اللعب في‬
‫حياة الطفل فيدخله لعالم الكبار ويجعله يتقمص الشخصية االجتماعية بدورها‬
‫وبكل ما يجب ثم يدخل اللعب في دور أكثر تجريداً حينما يحتاج الطفل األدوات‬
‫التي يستخدمها الكبار في حياتهم اليومية فإن كان قد أخذ لنفسه دور الطبيب فهو‬
‫في حاجة للسماعة الطبية إن كان فارساً فهو في حاجة إلى الحصان وهنا تظهر‬
‫لحظة من أهم اللحظات الخالقة في اللعب فنجد الطفل في لعبه مع مجموعة‬
‫األطفال اآلخرين يرمز للسماعة بحبل يلعب به أو للحصان بعصا موجودة معهم‬
‫وهكذا يتطور اللعب من مجرد تكرار لحركات معينة إلى لعب ذي دور‬
‫مضمون ثم إلى رموز يتعامل بها الطفل لتحل محل األدوات الحقيقية التي‬
‫يستعملها في حياتهم الكبار‪.‬‬
‫والمرحلة التالية من تطور اللعب هي مرحلة اللعب مع تخطيط وتوزيع‬
‫سابق لألدوات فبعد ما كان الطفل يلعب أوال ثم يحدد لنفسه معنى لما يقوم به‬
‫أثناء اللعب فهو اآلن مع المجموعة يحدد تحديداً مسبقاً دور كل فرد في اللعبة‬
‫وقواعد هذه اللعبة فتظهر آخر مرحلة من مراحل اللعب في اللعب ذي القاعدة‬
‫وهكذا ترى في هذا النشاط المهيمن كيف تتكون نوايا السلوك االجتماعي السليم‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪138‬‬

‫وتتضح الحقائق الواقعية للتفاعل االجتماعي وعن طريق نمو مراحل اللعب‬
‫المختلفة ينتقل الطفل إلى مرحلة النمو التالية وهي مرحلة المدرسة االبتدائية‬
‫حيث يكون قد استعد لهذه المرحلة بمعرفة االلتزام بالقواعد فيلتزم بنظام‬
‫المدرسة ومعرفة ما يجب وما ال يجب فيقوم سلوكه ويقوم بالتزامات دوره‬
‫كتلميذ ويؤجل رغباته العاجلة أمالً في النجاح وهو مكافأة آجلة‪.‬‬
‫بهذه الطريقة تحقق شخصية طفل المرحلة مكتسبات نموها فمن يجتاز‬
‫مراحل نمو النشاط اللعبي بنجاح وتوظيف للقدرات واستثارة لفعاليته الخاصة‪،‬‬
‫ويقوم باستدخال هذه المكتسبات يعتبر سير نموه طبيعياً سوياً ومن يعوق عند‬
‫إحدى مراحل نمو النشاط اللعبي يعطي هذا التوقف داللة على عدم استعداد‬
‫الشخصية لالنتقال للمرحلة الجديدة‪.‬‬
‫الفشاط اللعبي محدد لفمو شخصة طفل ما قبل المدرس ككل (جيمةا –‬
‫نفيةا – اجتماعةا ‪ -‬عقلةاً)‪:‬‬
‫تعددت النظريات التي عنيت بالنشاط اللعبي ودوره في حياة األطفال ومن‬
‫ال صعوبة بمكان أن نتعرض لكل النظريات التي تناولت اللعب ولكن يمكن القول‬
‫بأن كل نظرية قد عنيت باللعب من زاوية خاصة بها اختلفت بمنايتها هذه عن‬
‫النظريات األخرى‪.‬‬
‫فقد اعتبر جان بياجيه اللعب مظهراً من مظاهر النمو العقلي حيث إنه‬
‫تسلسل مع تطور العمليات العقلية لدى الطفل فاللعب في نظره ابتهاج وظيفي‪.‬‬
‫ويبدأ الطفل مع نموه في اختيار األلعاب التي تبهجه ولذلك فهو يرفض أن‬
‫نفرض عليه لعبة بعينها وهو يتابع بنفسه كل جديد يجري حول اللعبة األولى في‬
‫يديه وهذا بداية اللعب الرمزي الذي يبدأ من السنة الثانية إلى السابعة ويصاحب‬
‫مرحلة الذكاء التشخيصي‪.‬‬
‫لألسف إن بياجيه بوصفه للعب بهذه الصفات يذهب إلى اعتباره عملية‬
‫‪139‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫عقلية بحته ويجعل وظيفته التكيف االجتماعي والمالحظ في اللعب أنه يختلف‬
‫عن التكيف الحقيقي القائم على نمو الذكاء‪.‬‬
‫وتعرف كتابات األلمان في القرن التاسع عشر اللعب بأنه نشاط إيجابي‬
‫يجدد القوى ويقوم مقام االسترخاء الالزم للعضالت وقابلوا بذلك بين اللعب‬
‫والعمل‪ ،‬ولكن تحليل لعب الطفل يؤكد أنه مثير للتعب ومصدر لإلرهاق وليس‬
‫استجماما ولذلك ترى الطفل حتى في أشد حاالت التعب ال يتوقف عن القفز‬
‫والجري الذي يمليه عليه دوره في اللعب‪.‬‬
‫اللعب هو هذا النشاط الذي يحمل دوافعه في داخله‪ ،‬فالطفل يلعب من أجل‬
‫اللعب ذاته‪ ،‬وال ينتظر أن تدفعه إلى هذا النشاط دوافع أخرى كاالحتياج إلى‬
‫الراحة أو لفت النظر وليس هو النشاط الكشفي وليس هو التمثيل أو إعادة‬
‫للتاريخ بأطواره التي مر بها كما تقوم النظرية التلخيصية سوزانا ميلر "‪"4‬‬
‫‪ 1974‬كما يتميز لعب الطفل بأنه متعلم بالممارسة وليس فطريا وهذا‬
‫ال يتعارض مع الفكرة السابقة فليس احتواء العمل على دوافعه داللة على‬
‫فطريته بل هو داللة على أن مثيرات هذا العمل من داخله ذاته‪ ،‬وما المثيرات‬
‫الخارجية كالحدثة إال مؤثرات على اللعب وسرعته ومدته‪ ،‬فالحداثة في البيئة ال‬
‫تسبب اللعب بل قد تزيده فقط أو تطيل مدته أو تؤدي إلى انتقال الطفل من لعبه‬
‫إلى أخرى‪ ،‬فالطفل يلعب أيضا وهو في إطار بيئته المعهودة التي اعتاد عليها‪،‬‬
‫ويطلق لفظ لعب على "السلوك" الذي ال يؤدي إلى نتيجة واقعية حقيقية ملموسة‬
‫فهو سلوك واهم‪ ،‬فالطف ل الذي يقوم بلعب دورن الصياد ال يؤدي سلوكه للقنص‬
‫وهنا ال بُدَّ من التفرقة بين لعب الطفل ولعب الحيوانات ألن اللعب بالنسبة‬
‫للحيوانات فطري مثله في ذلك مثل بحثها عن الطعام ومرتبط بشكل كبير‬
‫بالحاجات الفسيولوجية أو البيولوجية وهذا ما يشكل أعظم الفوارق الجوهرية‬
‫ب ين لعب الطفل ولعب الحيوان (وافي ص‪ .)1958 ،138‬يسمى لعب الحيوان‬
‫"سلوك لعبي" ويسمى لعب األطفال "نشاط لعبي" وهو المسئول والضامن‬
‫والمحدد لنمو طفل الروضة‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪140‬‬

‫ينظر بعض علماء النفس وعلماء التربية إلى النشاط اللعبي على أنه نشاط‬
‫مصاحب ألنشطة الطفل األخرى التي يقوم بها يتساوى معها في المكانة‬
‫واألهمية كذلك لم يحدد العلماء المرحلة التي يحتل فيها النشاط اللعبي مركزا‬
‫مهمًّا والمرحلة التي تتغير فيها مكانة هذا النشاط وأهميته فيتساوى في القيام بهذا‬
‫النشاط الطفل الرضيع "مرحلة المهد" مع طفل ما قبل المدرسة "مرحلة‬
‫الروضة" وطفل المدرسة االبتدائية كذلك‪.‬‬
‫ومن هذا المنطق تصدر المقاالت وتقام الندوات عن حق الطفل في اللعب‬
‫وفي بعض األحيان عن حق المراحل النمائية في اللعب فنجدهم بذلك يحيون‬
‫نظرية الفائض من الطاقة أو النظرية التخليصية‪.‬‬
‫كذلك ترى بعض الدراسات أن النشاط اللعبي حق للطفل يمكن أن يكون له‬
‫أو ينزع منه كما لو كان يمكن لشخصية الطفل أن تنمو وتنتقل من مرحلة إلى‬
‫أخرى دون أن تأخذ حقها في اللعب ولذلك تحاول فيما بعد التحقق من دور‬
‫النشاط اللعبي كنشاط مهيمن على طفل ما قبل المدرسة‪ ،‬ومحدد مسئول عن نمو‬
‫شخصيته‪.‬‬
‫حيث ال يمكن لهذه الشخصية أن تنتقل إلى المرحلة الالحقة عليها ومن ثم‬
‫ال يمكن أن تزود شخصيته بالخصائص الالزمة لشخصية طفل المدرسة‬
‫االبتدائية إال إذا قام النشاط اللعبي بدوره كنشاط مهيمن على المرحلة السابقة‬
‫وذلك بفرض ما يلي‪:‬‬
‫الفرض األول‪ :‬تختلف استجابات طفل ما قبل المدرسة أثناء اللعب عنها‬
‫أثناء الحياة العادية اختالفا جوهرياً‪.‬‬
‫الفرض الثاني‪ :‬يتخلى النشاط اللعبي عن دورة كنشاط مهيمن عند نهاية‬
‫مرحلة الروضة ليحتل مكانه المهيمن النشاط التعليمي المقصود ويقوم بوظيفته‬
‫في مرحلة الدراسة االبتدائية وهذا يثبت قيام النشاط اللعبي بوظيفة رئيسية من‬
‫وظائفه وهي تربية خليفته المهيمن على المرحلة الالحقة‪.‬‬
‫‪141‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫من هذين الفرضين يتبين أن السبيل األوحد لتوظيف استعدادات وإمكانيات‬


‫وقدرات شخصية طفل الروضة هو النشاط اللعبي‪.‬‬
‫عندئذ يمكن تشكيل وصياغة القيم والمعلومات الالزمة لنمو شخصيته‬
‫والمراد توصيلها له في صورة نشاط لعبي بمعناه اإلجرائي الذي تم االتفاق عليه‬
‫في هذه الدراسة‪.‬‬
‫كذلك قد يمكن التعريف اإلجرائي للشخصية واألنشطة المهيمنة من تصميم‬
‫مقاييس للكشف عن نمو عناصر الشخصية تمهيدا للتدخل ببرنامج تنموي‬
‫لرباعي الشخصية والمساعدة في تصميم برنامج عالجي إلزالة عوائق النمو في‬
‫مراحله المختلفة من با ب النشاط المهيمن على كل مرحلة‪.‬‬
‫لذلك تم تطبيق طريقة جان بباجيه للمالحظة ودراسة الحالة للمقارنة بين‬
‫سلوك هؤالء األطفال أثناء الحياة العادية وسلوكهم أثناء نشاط اللعبي لمجموعة‬
‫من أطفال الروضة تتراوح أعمارهم بين ‪ 5- 3‬سنوات وعددهم ‪ 23‬طفال وطفلة‬
‫من الحضانة النموذجية بإمبابة‪ ،‬والروضة الملحقة بمعلمات الهرم‪.‬‬
‫مفاهةم البحث التطبةقي‪:‬‬
‫أوال ‪ -‬الفشاط اللعبي‪:‬‬
‫أ – أجمع الباحثون على اختالف مذاهبهم على أن اللعب بمختلف مظاهره‬
‫عامل مهم يسهم بقدر كبير في تربية اإلنسان‪.‬‬
‫فترى طائفة من العلماء على رأسها الفيلسوف الزاروس أن وظيفة اللعب‬
‫األساسية وأهميته بالنسبة لإلنسان هي إراحة العضالت واألعصاب من عناء‬
‫العمل حيث يستخدم الالعب طاقات عضلية وعصبية غير الطاقات التي أرهقها‬
‫العمل وبذلك يترك للمراكز المراهقة فرصة للراحة والتخلص مما تراكم فيها‬
‫من جراء إجهادها من األحماض والمواد السامة الضارة‪.‬‬
‫فإن صحت هذه النظرية فلن تصلح كتفسير للعب الطفل الصغير الذي يبدأ‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪142‬‬

‫بمجرد أن يفتح عينيه في الصباح‪ ،‬كذلك لوجدنا أن الكبار ميالون للعب أكثر من‬
‫الصغار‪ ،‬كذلك نجد أن أصحاب هذه النظرية قد خالفوا الحقيقة إذ قرروا أن‬
‫اللعب يستخدم في العابه طاقات عضلية وعصبية غير الطاقات التي أرهقها‬
‫العلم‪ ،‬حيث ال نجد أن العمال يميلون أللعاب عقلية وأصحاب األعمال العقلية‬
‫يميلون إال األلعاب التي ال تجهد عقولهم كما أنه تبين أن التعب الذي يلحق‬
‫اإلنسان من جراء قيامه بعمل ما ال يكون مقصورا على جزء من أجزاء جسمه‬
‫بل ينال جميع أعضائه وأن الراحة منه ال تتم إال بالكف عن كل حركة مقصودة‪.‬‬
‫وترد هذه الدراسة على أصحاب هذه النظرية باآلتي‪:‬‬
‫إن المقصود بالنشاط اللعبي ليس هو لعب الشطرنج أو األلعاب الرياضية‬
‫أو العاب الذكاء إنما المقصود به هنا هو هذا النشاط الذي يدفع الطفل بالذات‬
‫ألخذ دور معين من األدوار اال جتماعية التي يصبو إليها أو يشاهدها في حياته‬
‫العادية ويقوم بكل مهامه على أكمل وجه يراه دون أن يجنى من وراء هذا‬
‫النشاط تحقيقاً واقعياً لهدف خارجي اللهم إال االستمتاع بالقيام بدور كما يجب أن‬
‫يكون تحقيقاً للهدف الذاتي للنشاط نفسه‪.‬‬
‫ب – نظري فضل الطاق أو الفشاط الزائد‪:‬‬
‫وهي تكاد تقرر نقيض ما تقرره النظرية السابقة فبينما أصحاب النظرية‬
‫األولى يذهبون إلى أن اللعب يعيد إلى الكائن ما استنفذه من طاقات حيوية في‬
‫أعماله‪ ،‬إذا أصحاب هذه النظرية يرون أن اللعب يخلصه من طاقات حيوية‬
‫تراكمت لديه وزادت عن حاجته ولو كان األمر كذلك ما آنس الطفل في نفسه‬
‫ميالد إلى اللعب في أوقات تعبه وإعيائه‪.‬‬
‫كما أنه ما لزم التعقيد واالختالف في األلعاب ما هي طريقة واحدة تخرج‬
‫الطاقة فحسب وما وجدنا ذلك التنوع في اللعب بين اإلناث والذكور‪.‬‬
‫ويرد هذا البحث على هذه النظرية بمصطلح التوظيف الذي تعده هذه‬
‫ال دراسة ودراسة سابقة سبب ومحدد لنمو الشخصية والمسئول عن التوظيف‬
‫‪143‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫والمانع إلهدار طاقة الشخصية بعامة هو النشاط المهيمن عليها في مرحلتها‬


‫النمائية الحالية وهو الضمان لنموها‪.‬‬
‫ومن جانب آخر نحن نرى الطفل يلعب (في مرحلة معينة من مراحل نمو‬
‫النشاط اللعبي) وهو جالس دون بذل أدنى طاقة فهو يتحدث مع نفسه كما لو كان‬
‫يحاور جليسا معه كما أنه يرتب القضايا ويعد الردود عليها وهو صامت‬
‫فال نتبين لعبه إال إذا همست شفاهه واختلجت أسارير وجهه‪.‬‬
‫ج – نظري التلخةص أو االسترجاع أو التخلص من بعض مةول وراثة ‪:‬‬
‫تقرر هذه النظرية أن جميع ما يأ تي به الطفل في العابه مجرد تمثيل مرتب‬
‫لمظاهر النشاط التي بدت في العصور السابقة لعصره وهذا الرأي مردود عليه‬
‫بما نالحظه في تمثيل األدوار التي لم تظهر إال في عصورهم وال عهد للعصور‬
‫الغابرة بهذه األدوار كما تلعب الطفلة في كل العصور بالدمية كأنها طفلها‬
‫الصغير وت أخذ هي دور األم كما هو عليه في عصرها بكل ما تقوم به األم‬
‫العصرية من أدوار‪.‬‬
‫كذلك تقرر هذه النظرية أن اللعب يخلص الطفل من الميول الوراثية التي‬
‫زودت بها الوراثة النوعية وهذا الرأي أيضا مردود عليه منطقيا حيث من غير‬
‫المعقول أن تكون الطفلة التي تقوم بدور األم هدفها أن تتخلص من الدوافع‬
‫الغريزية الكامنة فيها بالوراثة وال لزوم للتخلص من هذه الدوافع وإال ما كان لها‬
‫لزوم منذ البداية إذا كانت ستهدر في النشاط اللعبي وتتخلص منها الشخصية‪.‬‬
‫ويرد البحث الحالي على هذه النظرية بأن اللعب نشاط يوظف قدرات‬
‫الطفل ويخرج طاقاته في صورة عمليات‪ ،‬ويجني من ورائه التعرف على‬
‫األدوار وطبيعتها كما يؤدي به ذلك النشاط إلى اكتشاف عالم الكبار بقواعده وما‬
‫يجب أن يكون عليه الدور‪.‬‬
‫وهنا يلزم التفريق بين مفهوم التوظيف للقدرات والطاقة واإلهدار لها‪،‬‬
‫فال تهدر الطاقة إال في صور التفاعل الالشعوري من حيل دفاعية الشعورية‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪144‬‬

‫ولزمات حركية أما التوظيف للطاقة فهو يستثمرها وينمي الشخصية كناتج لهذا‬
‫االس تثمار الذي يخرج في صورة عمل واعٍ إرادي مقصود يتمثل في النشاط‬
‫اللعبي أثناء القيام بالتزامات الدور‪.‬‬
‫الفظري اإلعدادي أو نظري اإلعداد للحةاة الميتقبلة ‪:‬‬
‫ترى هذه الن ظرية أن اللعب يعدل الغرائز الفردية ويعود الفرد في جميع‬
‫ألعابه ومراحل حياته المختلفة على الخضوع للقانون وطاعة الرؤساء كما أن‬
‫لبعض أنواع األلعاب أثرا كبيرا في صيانة التقاليد االجتماعية؛ كاأللعاب التي‬
‫يحاكي فيها الصغار الكبار في سلوكهم في األفراح والمآتم وتدبير شئون المنزل‬
‫وتربية األطفال وهذا كله مظهر من مظاهر اإلعداد للحياة المستقبلية‪.‬‬
‫وبالرغم من اقتراب هذه النظرية من األهمية الشاملة للعب في حياة الطفل‬
‫إال أنها تنتمي لنفس االتجاه الذي يرى النشاط اللعبي كأنه نشاط مصاحب ذو‬
‫أهمية خاصة وله دور العامل المؤثر على حياة اإلنسان في حين يرى هذا‬
‫البحث أن أعداد شخصية الطفل لتنتقل من مرحلة نموها الحالية ما قبل الدراسة‬
‫إلى المرحلة الالحقة عليها ال يمكن أن يتم إال من خالل النشاط اللعبي فهو‬
‫المحدد والمسئول األوحد عن هذا االنتقال "النمو" وليس ألنه العامل المؤثر على‬
‫النمو فيسرع أو يبطئ خطاه‪.‬‬
‫ومن وجهة النظر التي تعتبر النشاط اللعبي مؤثرا على النمو رأت بعض‬
‫الدراسات أن الطفل يتأثر في اختياره ببعض نماذج اللعب بعامل النضج والبيئة‬
‫وينمو هذا النموذج ويتغير تبعا لمراحل النمو التي يسير فيها الطفل‪ .‬إليزابيت‬
‫(ص‪.1975 ،)11( )102‬‬
‫كما رأت بع ض الدراسات األخرى أن إطار النشاط اللعبي تنمي القدرة‬
‫على ابتكار العديد من البدائل وتتحسن عمليات التفاعل االجتماعي باستجابات‬
‫مبتكرة جيفري (‪( )13‬ص‪( )654- 650‬د‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪145‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫ثانةا ‪ -‬التعريف اإلجرائي للفشاط اللعبي‪:‬‬


‫المقصود باللعب في هذه الدراسة هو النشاط الذي يحمل دوافعه في داخله‬
‫وهو القادر على توظيف شخصية طفل الروضة وإشباع احتياجاتها‪ ،‬كما يربي‬
‫في داخله النشاط الذي سيحتل مركز القيادة في مرحلة النمو الالحقة والذي‬
‫سيصبح مهيمنا عليها ومحددا ومسئوال عن نموها والمقصود بالنشاط اللعبي‬
‫ليس األلعاب المختلفة ‪ games‬وإنما هو لعب الطفل لألدوار االجتماعية‬
‫بمضمونها االجتماعي وغاياتها الواجبة ويتم االختيار لهذه األدوار بمحض إرادة‬
‫الطفل خالصة ويتميز هذا النشاط بالخصائص التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬يحمل اللعب دوافعه في داخله كما أن هذه الدوافع اجتماعية ولذلك ال بد‬
‫أن نفرق بين دافع الطفل للرضاعة مثال في مرحلة المهد ودافعه للعب‬
‫في مرحلة ما قبل المدرسة فالطفل يشبع احتياجاته في اللعب كما‬
‫تتحقق فيه كثير من الرغبات غير المشبعة أو المحققة في الواقع‪،‬‬
‫ولذلك يقول فيجوتسكي إ ن لم يكن هناك تطور للرغبات غير الممكن‬
‫التحقيق لما وجد اللعب (‪( ،)14‬ص‪.)528‬‬
‫كذلك أشار فرويد إلى معا ناة الطفل وشعوره بالعجز عن تحقيق بعض‬
‫األدوار في الحياة الفعلية فيلجأ للعب‪( :‬لوبلسنكايا) (‪( ،)8‬ص‪.1980 ،)87‬‬
‫‪ - 2‬هذا النوع من اللعب له مراحل نمو خاصة به فتبدأ صورة األولى في‬
‫إطار النشاط الحركي الموظف لحواس الرضيع في مرحلة المهدد‬
‫وينتهي في صورة اللعب ذي القواعد الذي يميز نشاط طفل المدرسة‬
‫االبتدائية (سترد بالتفصيل في مناقشة الفرض الثاني للبحث)‪.‬‬
‫‪ - 3‬الطفل في هذا النشاط ليس ناقالً مقلداً فقط لألدوار االجتماعية وإنما‬
‫معمما لواجبات كل دور‪ ،‬يسعى بدوافعه الذاتية لتحقيق النجاح في‬
‫القيام بالدور الذي يختار القيام به على أكمل وجه‪ ،‬فهو يتعامل مع‬
‫أصحاب اللعب بعواطفه وهو يحقق رغبة عامة في إثبات الذات‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪146‬‬

‫ويستعذب النجاح وهو أيضاً يحترم حقوق الكبار وال بد من اإلشارة أن‬
‫هذا كله ال يتم بوعي تام وإال الختفى الفرق بين النشاط اللعبي والعمل‬
‫الجاد (‪ )14‬ص‪.540‬‬
‫‪ - 4‬هو نشاط اجتماعي من حيث نشأته ‪ -‬ومن حيث دوافعه ‪ -‬بمحتواه‬
‫وموضوعاته (سيبتا نيفا (‪ ))2‬ص ‪.1987 ،35‬‬
‫فهو اجتماعي النشأة والدوافع؛ حيث يستخدمه الطفل كوسيلة لمعايشة عالم‬
‫الكبار وتعميم قيمهم ومحاكاة استجاباتهم ولو لم يوجد الطفل في مجتمع لما وجد‬
‫في نفسه رغبة أو دافع للعب الموضوعي ذي الدور بالذات‪.‬‬
‫وهو اجتماعي بموضوعه ومحتواه حيث أنه استعادة لنشاط الكبار‬
‫واستجابتهم في الموقف االجتماعية المختلفة بصور التفاعل االجتماعي المختلفة‬
‫من تعاون وصراع ومنافسة‪ ...‬إلخ وهو رموز اجتماعية نعتبر مرآه للمجتمع‬
‫الذي يعيش فيه الطفل بخصائص البيئة وخاصة دور األم في هذه البيئة وهو‬
‫يعتمد على الزمن الذي يعيش فيه الطفل وثقافة ونظام المجتمع ذاته‪.‬‬
‫‪ - 5‬في هذا النوع من اللعب يلتزم الطفل بقواعد الدور االجتماعي ويمكن‬
‫ألي شيء أن يحل محل أي شيء آخر طالما يتم االتفاق على ذلك في‬
‫موضوع اللعب أثناء القيام بتوزيع األدوار والمهام واالتفاق على‬
‫رموز اللعب‪.‬‬
‫استخدم البحث بعض المفاهيم استخداماً اجرائياً خاصاً به فيلزم التعريف‬
‫بهذه المفاهيم وهي‪:‬‬
‫أ‪ :‬مفهوم المحدد ب‪ :‬مفهوم النمو ج‪ :‬مفهوم الشخصية د‪ :‬مفهوم النشاط‬
‫المهيمن‪.‬‬
‫أوالً ‪ -‬معفى المحدد‪ :‬هو هذا العامل المسئول عن حدوث أي عملية أو منع‬
‫حدوثها و بدونه أو بدون قيامه بعمله ال تحدث العملية ذاتها‪ .‬كما يختلف مفهوم‬
‫‪147‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫"المحدد" عن مفهوم "المؤثر" حيث العامل المؤثر هو الذي يضفي صفات معينة‬
‫على عملية ما كان يكسبها السرعة أو البطء أو صفة االكتمال أو النقصان هو‬
‫الذي يصبغ العملية أثناء حدوثها بصبغات مختلفة‪.‬‬
‫ثانةاً ‪ -‬الفمو‪ :‬اتفقت معظم المدارس السيكولوجية على تعريف النمو بأنه‬
‫الحركة الدائمة والتغير المتصل‪ ،‬وهو االنتقال من العمليات الدنيا المباشرة إلى‬
‫العليا غير المباشرة حتى مرحلة اآللية الراقية (فيجوتسكي ‪.)1960‬‬
‫ركزت بعض الدراسات على النمو بصفته زيادة الحجم والوزن وبصفته‬
‫عملية تنحو إلى التعقيد والتركيب‪ ،‬وكافة التغيرات الكيفية المصاحبة للتطور‬
‫الكمي الفسيولوجي‪ ،‬كأن يزداد الجنين مع النمو تعقيداً دون أن يزداد حجماً‪،‬‬
‫ويمكن أن تتناقص بعض األنسجة مع مراحل النمو المتقدمة كنقص اللوزتين‬
‫والغدة التيموسية ونقص السعرات الحرارية ال تي يستهلكها الفرد بالنسبة لوحدة‬
‫الوزن كلما زادت سنه (جون جونجر ‪.)1981‬‬
‫لو تناولنا النمو بهذا التعريف السابق وهو تعريف جامع مانع للنمو‬
‫الستحال لهذه العملية أن تتوقف‪ ،‬حيث عندما تتوقف الحركة "تسكن تماماً"‬
‫تنتهي الحياة أما المقصود بالنمو في الدراسة الحالية هو (عملية االنتقال من‬
‫مرحلة إلى الالحقة عليها) وبهذا التعريف يمكن لعملية النمو أن تحدث فيتم‬
‫االنتقال إلى المرحلة الالحقة ويمكن لها أن ال تحدث فيتوقف النمو ويمتنع عندئذ‬
‫االنتقال دون أن تتوقف الحركة‪.‬‬
‫وهذا التعريف اإلجرائي للنمو يسهل إجراء القياس للعملية ذاتها فنقول عن‬
‫شخصية ما أنها تنمو حينما تعبر من مرحلة إلى الالحقة عليها‪ ،‬ونقول إن نموها‬
‫توقف حينما تعاق وتحتجز في نفس المرحلة دون العبور لالحقة عليها‪ .‬ويمكن‬
‫تشبيه الشخصية النامية بأنها تصعد درجات سلم وكل مرحلة نمو تحتوي على‬
‫عدد من الدرجات‪ ،‬تفصل بين كل مرحلة وأخرى درجة سلم تتميز بخصائص‬
‫معينة تمايزها عن باقي الدرجات المكونة للمرحلة ويقصد بتوقف نمو الشخصية‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪148‬‬

‫أنها أثناء حركتها على درجات سلم المرحلة المعينة ال تفقد حركتها تماماً أي‬
‫ال تسكن على درجة معينة وإنما هي تتحرك على نفس الدرجة دون أن تنتقل‬
‫للدرجة التي تليها "محلك سر" أو الحركة في المكان نفسه‪ ،‬وهنا يسمى استغالل‬
‫الطاقة في الصعود لدرجات السلم "توظيفاً" لها يستثمرها هذا التوظيف فينميها‬
‫و تكون بذلك حشدا من المعلومات التي تستجمعها وتستدخلها الشخصية أثناء‬
‫الحركة المثمرة لها في حركتها "تتمثلها" أما بذلك الطاقة على نفس درجة السلم‬
‫دون االنتقال للدرجة التالية فهو "إهدار" لها واستنفاذ لها دون عائد وبالتالي تفقد‬
‫الطاقة بال عائد "خبرة"‪ .‬النمو بهذا المعنى يوصلنا إلى مفهوم "التوظيف" الذي‬
‫يعتبر مسئوالً عن انتقال الشخصية على درجات سلم نفس المرحة في صورة‬
‫القفزات التي حددها فالون ‪ ،1978‬ثم االنتقال على الدرجة الفاصلة بين مرحلتين‬
‫في قفزة واسعة يلزم لها حشد كل ما تكون من خبرات أثناء القفزات الصغيرة‬
‫داخل المرحلة ذاتها وهي ما تسمى بالطفرة "وطفرة النمو باعتبارها محددا من‬
‫محددات العملية بدونها ال يتم االنتقال إلى المرحلة الالحقة (وفاء ص‪،109‬‬
‫‪ )1985‬وتتميز طفرة النمو الناقلة للشخصية إلى المرحلة الالحقة بأنها تسبق‬
‫بحالة حشد ثوري واستعراض عنيف لمكتسبات الشخصية من الخبرات المدخرة‬
‫من القفزات الصغرى وتوظيف كامل لطاقات الشخصية دون إ هدار ألي منها‪،‬‬
‫فتتطلع الشخصية بهذا الحشد لالنتقال وتغيير (المكانة االجتماعية) الحالية‬
‫وتستحدث المكانة االجتماعية دوافع التعرف واالكتشاف للمرحلة الجديدة بما‬
‫يضمن استمرار التوظيف ولكن هنا يجدر اإلشارة إلى الباب الذي إذا ما دخلت‬
‫منه البيئة بمطالبها للشخصية دفعتها إلى هذا التوظيف ومنعتها من إهدار الطاقة‬
‫هذا الباب هو المحدد الثالث الذي سمى "النشاط المهيمن"‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ -‬مفهوم الفشاط المهةمن‪:‬‬
‫إن تحديد مفهوم النشاط المهيمن ال يمكن أن يكون تحديداً كمياً حيث إنه‬
‫ليس هو النشاط األكثر حدوثاً في مرحلة ما من مراحل النمو كما أنه ال يتحدد‬
‫بعدد الساعات التي يستغرقها من اليوم وإنما هو المهيمن بمضمونه وآثاره‬
‫‪149‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫الكيفية وتشكيله للشخصية وهو مصدر الخبرة االجتماعية وهو السبب في‬
‫اكتسابها ولذلك فهو يتميز بالخصائص التالية ليونتيف‪.1972 ،‬‬
‫أوالً‪ :‬هو ذلك النشاط الذي تتكون بداخله وتتبلور في إطاره أشكال جديدة‬
‫من النشاط الذاتي التي تدفع فعالية الطفل وتنمي شخصيته ككل (فالطفل يبدأ في‬
‫التعليم العباً) ليونيتيف ص‪ 509‬وال ينفتح عالم الكبار أمام الطفل إال من خالل‬
‫النشاط المهيمن‪.‬‬
‫ثانةا‪ :‬هو النشاط الذي تتكون بداخله بعض العمليات النفسية أو يعاد بناؤها‬
‫كالتحكم في الرغبات‪ ،‬والتنظيم الهرمي إلشباع بعض االحتياجات قبل األخرى‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬كذلك هو النشاط الذي يربي ويحضر النشاط الذي سيصبح مهيمناً في‬
‫المرحلة الالحقة من مراحل نمو الشخصية‪ ،‬حينما تنمو الشخصية وتنقل من‬
‫المرحلة الحالية إلى الالحقة ال تستمر فيها صالحية النشاط الحالي لتتبوأ قمة‬
‫األنشطة‪ ،‬فهو يعد خليفته لقيادة الشخصية في المرحلة الالحقة‪.‬‬
‫وهذا ما يحاول إثباته الفرض الثاني للبحث الحالي حيث إذا استطاع النشاط‬
‫اللعبي إعداد النشاط التعليمي المقصود وأعد العقل ليعمل عمالً مقصوداً في‬
‫عمليات معرفية معينة يكون بذلك قد أكد أنه قام بالوظيفة المهمة للنشاط المهيمن‬
‫في مرحلة ما قبل المدرسة‪.‬‬
‫رابعا ‪ -‬مفهوم الشخصة ‪:‬‬
‫يتبنى البحث الحالي تعريفاً إجرائياً للشخصية كتكوين كلي رباعي –‬
‫متفاعل ‪ -‬متكامل – ديناميكي ‪ -‬متمايز ‪ -‬ثابت نسبياً في محاولة إلثبات وجود‬
‫فرضي لرباعي الشخصية‪ ،‬كل جزء على حده ثم يدخل على هذه األجزاء باقي‬
‫خصائص الشخصية من ديناميكية وتفاعل وتكامل وتمايز وكل ذلك في إطار‬
‫الثبات النسبي الذي يؤكد اختالف كل شخصية عن األخرى ينتج هذا البحث‬
‫إلثبات وجود كل جزء من أجزاء المكون الرباعي "الشخصية" نهجاً وطريقة‬
‫من طرق البحث العلمي تتناسب مع طبيعة الجزء المراد إثبات وجوده فما‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪150‬‬

‫يصلح إلثبات وجود الربع الجسمي الذي يحتوي باقي أجزاء التكوين ال يصلح‬
‫إلثبات وجود الربع العقلي الذي ال يرى وال يحس‪ ،‬كذلك الحال عند إثبات وجود‬
‫الجزء النفسي المتمايز بدوافعه الخاصة ووجود الجزء االجتماعي الكامن في‬
‫الشخصية منذ مرحلتها الجنينية والذي ال يكتشف وجوده الفعلي إال عند خروج‬
‫الشخصية للحياة الواقعية إال أنه يجدر اإلشارة إلى أن هذا التفصيل لرباعي‬
‫الشخصية تفصيالً تعسفياً بغرض تسهيل دراستها وفحصها فهي (الشخصية)‬
‫ال توجد إال في كل ال يمكن فصله أو تجزئته وإال انفك مفهوم الشخصية‪.‬‬
‫وأول‪ :‬األجزاء وأبسطها هو الربع الجسمي‪ ،‬تلك اآللة بالغة التعقيد بما‬
‫يظهر منها من مكونات وعمليات فسيولوجية ويختفي ورائها من دوافع‬
‫واحتياجات فسيولوجية متعددة‪.‬‬
‫وثاني‪ :‬جزء هو ما يسمى بالجزء العقلي الذي يتمثل في العمليات العقلية‬
‫المختلفة من تصور وتفكير وإدراك وتخيل‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫وهو ال يرى بذاته ولذلك يستدل على وجوده من أفعاله التي ال يقوم بها‬
‫سواء وال يخفي الخلط الشائع بين ما يسمى بالعقل والمخ الذي هو جزء من‬
‫التكوين الجسمي للشخصية وليس كل من يملك "مخا" قادراً على اإلدراك‬
‫والتصور والمعرفة إذن ال بُدَّ أن يكون هناك من يختص بالقيام بمثل هذه‬
‫العمليات وهو ما يسمى "العقل" وثالث األجزاء هو الجزء النفسي وهو ال يرى‬
‫بذاته أيضاً وإنما يستدل على وجوده بخصوصية دوافعه فال تحرك الميول‬
‫واالتجاهات والعواطف إال ما يسمى بالجزء النفسي‪ ،‬وتظهر العمليات النفسية‬
‫في االستجابات النمطية للشخصية أثناء تفاعلها مع باقي مكوناتها ومع المجتمع‬
‫ويلعب مفهوم الحاجة دوراً أساسياً في دراسة الجزء النفسي من الشخصية‪ ،‬فلكي‬
‫يتم إشباع الحاجات النفسية ينبغي أن يتهيأ الموقف المناسب والوسيط الذي يسمح‬
‫بهذا اإلشباع‪.‬‬
‫وإذا وجدت الحاجة وسيط إشباعها يظهر لدى الفرد االستعداد إلنجاز‬
‫‪151‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫العمل‪ .‬وهذا االستعداد يتمثل في الحالة التي تشمل الفرد أثناء القيام بهذا العمل‬
‫أو ذاك وهكذا تتضح في عمل هذا الجزء دوافعه الخاصة به من ميول وعواطف‬
‫واتجاهات بصفتها الطاقة الدافعة إلشباع ما يسمى بالحاجات النفسية فهي دوافع‬
‫للعمل النفسي والوظائف النفسية‪.‬‬

‫وأخيراً الجزء االجتماعي‪ ،‬ويستدل على وجود هذا الربع األخير من‬
‫الشخصية من دوافعه الخاصة به أيضاً فالحاجات االجتماعية الستة‪ :‬الحاجة‬
‫لالنتماء‪ ،‬والحاجة لألمن واالستقرار‪ ،‬والحاجة إلثبات الذات والنجاح والتقدير‪،‬‬
‫والحاجة لالستقالل والحرية‪ ،‬والحاجة للقيم وأخيراً الحاجة للسلطة الضابطة هي‬
‫التي تميز اإلنسان وتدفعه للتفاعل االجتماعي في صوره األربعة من تعاون‬
‫وصراع ومنافسة ومواءمة كما تحدد أهداف الشخصية ويتغير النظام الهرمي‬
‫لتدرج االحتياجات بحسب الخصائص النفسية والنمائية والواقع االجتماعي‬
‫للشخصية ومستوى طموحها وعالقتها باآلخرين‪ ،‬وهنا تعمل األسباب الخارجية‬
‫من خالل الشروط الداخلية للشخصية ذاتها‪.‬‬
‫وينمو نظام األهداف والحاجات االجتماعية ويتظافر مع باقي أجزاء‬
‫الشخصية ومحددات نموها حتى تصير حاجات الفرد (بيئته الدافعة) هي‬
‫المثيرات لسلوكه‪ ،‬وعنئدذ يستوعب الفرد ما تأتي به البيئة الخارجية بما يتفق‬
‫مع حاجاته وأهدافه الذاتية‪ ،‬ويعتبر االنسجام بين متطلبات الوسط الخارجي‬
‫(المكانة االجتماعية للشخصية) واتجاهات الفرد نحوه هو العامل الحاسم في نمو‬
‫الشخصية وتوظيف فاعليتها‪.‬‬
‫هنا تتضح أهمية الدور الذي يلعبه النشاط المهيمن في توظيف الشخصية أو‬
‫إهدار طاقتها بدون عائد نمائي‪ ،‬حيث تستنفذ الشخصية طاقتها في صور التفاعل‬
‫االجتماع ي السلبي التي ال تعود عليها باإلشباع وأقصى ما يمكن أن تحققه لها‬
‫هو تخليصها من التوتر الناتج من حشد الطاقة وعدم التنفيس‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪152‬‬

‫التطبةق ومفاقش الفتائج‪:‬‬


‫اتبع البحث الحالي المنهج الوصفي في بعض صوره من دراسة حالة‪،‬‬
‫ومقارنة‪ ،‬ومالحظة‪ ،‬أخذت بتوصيات مؤتمر بوجوتا بكولومبيا بأمريكا الالتينية‬
‫المنعقد في الفترة من ‪ 26‬إلى ‪ 29‬مايو ‪ ،1981‬والذي تضمن بحوثاُ عن مرحلة‬
‫ما قبل المدرسة‪ ،‬والذي أوصى بضرورة استخدام مناهج أخرى غير المنهج‬
‫التجريبي وشبه التجريبي في بحوث هذه المرحلة (‪ )3‬ص‪.430‬‬
‫وقد تتبعت الباحثة التغيرات التي طرأت على سلوك أطفا ل العينة اليومي‬
‫خالل فترة التربية العملية المتصلة لشعبة رياض األطفال بالروضة النموذجية‬
‫بإ مبابة‪ ،‬وملحقة المعلمات بالهرم‪ ،‬كما تم دراسة الحاالت التي أظهرت سلوكاً‬
‫متمايزاً عن سلوك المجموعة أو التي طرأت على سلوكها تغيرات جوهرية غير‬
‫متوقعة‪.‬‬
‫أوال ‪ -‬الحال رقم (‪ )1‬طفل عمره ‪ 4.5‬سفوات‪:‬‬
‫يشكو دائماً أثناء صعوده سلم المدرسة‪ ،‬كذلك عند تكليفه بتوصيل بعض‬
‫األدوات للفصل في الدول األول "الملحقة" بالسؤال تبين أنه يسكن في الدور‬
‫الرابع بدون "أسانسير"‪ ،‬اندمج في لعب دور الضابط الذي يطارد لص وجرى‬
‫متواصل فناء الملحقة ثالث مرات ثم صعد وراء اللص حتى تم القبض عليه‪،‬‬
‫وعند إحضاره لتحرير المحضر رفض أن يجلس ليستريح قائالً‪ :‬تمام يا أفندم أنا‬
‫مش تعبان‪.‬‬
‫بالسؤال عن سلوكه في المنزل تبين أنه يرفض النزول للشارع لشراء أي‬
‫طلبات للمنزل بحجة أن السلم عال وأنه يشعر بنغز في صدره عند الصعود‬
‫(أكد الطبيب سالمته الجسمية وأن القلب سليم) ولكن عندما يلعب الكرة مع‬
‫األطفال في الشارع ال يرفض الصعود إلحضار أي من مستلزمات اللعب‪ ،‬ثم‬
‫يقوم بإحضار الماء للفريق بعد اللعب‪.‬‬
‫بتحليل هذه الحالة تبين شقان مهمان في الموقف‪ :‬األول‪ :‬االلتزام بالدور‬
‫‪153‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫وحدوده‪ ،‬كذلك التمسك بإبداء (عدم التعب فالضابط يجب أن يكون قوي البنية‬
‫وال يشعر بالتعب) كذلك المحافظة على القيام بالدور بكل التزاماته جيداً‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬تحمل الصعود للمنزل للتحضير للعب الفريق ثم القيام بدور مكمل‬
‫للعب بعد االنتهاء بإحضار الماء للفريق وهذا يدل على أن الطفل بدأ يلتزم‬
‫بواجبات مع ينة قبل وبعد االنتهاء من الدور وهذا يشير إلى االلتزام بمرحلة‬
‫متقدمة من مراحل نمو النشاط اللعبي يدخلها في مرحلة اللعب ذي القاعدة‪،‬‬
‫والترتيب والتنظيم له قبل وبعد االنتهاء من الدور وبداية االلتزام بألعاب‬
‫المسابقات المنظمة‪ ،‬وهذا من المفروض أنها تعد العمل المنظم المقصود الذي‬
‫يلزم لطفل المدرسة االبتدائية‪.‬‬
‫هذه الحالة مثال على دور النشاط اللعبي في توظيف اإلمكانيات الجسمية‬
‫لطفل المرحلة‪ ،‬وهو الربع البسيط الواضح للشخصية في حين تشكو الحالة من‬
‫عدم القدرة على التحمل للجهد الجسمي في الحياة العادية في غير أدوار اللعب‪.‬‬
‫ثانةاً ‪ -‬طفل عمرها ‪ 5‬سفوات‪:‬‬
‫تأبى الدخول لدورة المياه بمفردها وتصاب بحالة من البكاء الشديد وتأجيل‬
‫اإلخراج حتى تعود إلى المنزل إذا ما أصرت المربية "معلمة الروضة" على‬
‫ذهابها إلى دورة المياه بمفردها‪.‬‬
‫قامت بدور األم "األمر للعروسة" لطفلتها وقد ذهبت بها إلى الطبيب الذي‬
‫طلب عمل تحليل بول للعروسة أعطت الباحثة كوب للطفلة لتحضر فيه عينة‬
‫للتحليل أخذت الطفلة عروستها إلى دورة المياه بالروضة وأحضرت ماء نقي‬
‫من الصنبور في الكوب الحظت الباحثة أن مالبس الطفلة في حاجة إلى تعديل‬
‫وبعد مناقشتها أثناء الحديث عن صحة األبنة "العروسة" تبين أن الطفلة قامت‬
‫بقضاء حاجتها عندما ذهبت بعروستها إلى دورة المياه (أثناء قيامها بدور األم)‪.‬‬
‫بتحليل هذه الحالة تبين دور النشاط اللعبي في االلتزام بواجبات الدور على‬
‫أكمل وجه فليس من المقبول أن تمتنع األم عن القيام بما تطلبه من ابنتها‪ ،‬فقد‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪154‬‬

‫قامت بدور القد وة أمام العروسة إلتمام دور األم مما أنساها مخاوفها من دورة‬
‫المياه الخاصة بالروضة‪.‬‬
‫وهذا الموقف يدل على نمو اجتماعي (االلتزام بواجبات الدور االجتماعي)‬
‫ونمو نفسي (التخلص من المخاوف المرتبطة بمكان معين) وهذا كله أثناء اللعب‬
‫فقط بخالف ما يجري في الحياة االجتماعية العادية‪.‬‬
‫الحال رقم (‪ )3‬طفل عمره ‪ 4.7‬سفوات‪:‬‬
‫هذا الطفل يصر على أكل الشيكوالته التي يحضرها معه يومياً قيل األكل‪،‬‬
‫بمجرد ما يوصله والده إلى الروضة يفتح حقيبته ويأكل قطعة الشيكوالته التي‬
‫يصر على إحضارها يومياً حاولت المعلمة بالروضة مراراً تأجيل أكل‬
‫الشيكوال ته حتى ينتهي من أكل "الساندوتش" فلم تتمكن أحضرت الباحثة قطعة‬
‫شيكوالته من نفس النوع وتم توزيع أدوار اللعب كركاب في طائرة واسندنا لهذا‬
‫الطفر دور "المضيف" بشرط أن يقسم قطعة الشيكوالته إلى "قوالب" وتوضع‬
‫القوالب في طبق ويمر بها على الركاب فور إقالع الطائرة حتى يحرك كل‬
‫راكب فمه في أكل "الحلوى" حتى ينتظم الضغط الخارجي مع الداخلي (هذا ما‬
‫قامت الباحثة بشرحه لمن لم يسبق لهم ركوب الطائرة) وتبين أن الطفل سافر‬
‫بالطائرة وخبر هذا الموقف من قبل‪.‬‬
‫ولكن تقدم من الباحثة وسائل‪ :‬هل يمكن أن أخذ أنا الباقي؟ ردت الباحثة انه‬
‫مضيف و بحكم عمله ال يحتاج إلى منظم للضغط فهو يجب أن يكون اعتاد‬
‫ركوب الطائرة‪.‬‬
‫الحظت الباحثة أن الطفل يعاني بشدة من االمتناع من أكل الشيكوالته لذلك‬
‫قررت أن تسمح له بقالب واحد فقط أخذه الطفل وهو مبتهج ووزع قالبين على‬
‫المعلمة والباحثة‪.‬‬
‫بتحليل هذا الدور يتبين أن الطف ل الذي ال يمكنه إرجاء رغبته الملحة في‬
‫أكل هذا النوع من الشيكوالته تحت أي من الضغوط‪ ،‬تمكن من هذا الضبط‬
‫النفسي في سبيل إنجاز الدور اللعبي على أكمل وجه‪.‬‬
‫‪155‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫وهذا يحقق الفرض األول من فروض البحث كما يمكن اعتباره تمهيداً‬
‫لبعض متطلبا مرحلة المدرسة االبتدائية حيث التحكم في إشباع الرغبات وتأجيل‬
‫بعضها مطلب رئيسي لشخصية طفل المدرسة حتى يتمكن من االلتزام بدوره‬
‫كتلميذ في المدرسة يخضع لنظام الحصص التي يجب أن يمتنع فيها عن األكل‬
‫تماماً‪ ،‬وكذلك يجب عليه االستغناء عن إشباع كثير من الرغبات التي يراها‬
‫ملحة حتى يسمح له بذلك‪ ،‬فمن ال يتحكم في هذه الرغبات بالتأجيل ال يمكنه أن‬
‫يؤجل النوم مثالً حتى ينتهى من أداء الواجب المدرسي كذلك ال يمكنه تأجيل‬
‫اللعب أو غيره من الرغبات لحين االنتهاء من التزامات دوره كتلميذ في‬
‫المدرسة وهذا السلوك يدل على قدر من النمو النفسي لم يظهر إال في إطار من‬
‫النشاط اللعبي "المهيمن"‪.‬‬
‫الحال رقم (‪: )4‬‬
‫طفلة عمرها ‪ 5.2‬سنوات‪ :‬تشكو والدتها ومعلمتها منها دائماً أنها ال تطيع‬
‫األوامر وقد عبرت والدتها عن قلقها إزاء ذلك العناد من الطفلة وقالت إن والدها‬
‫دائماً يضربها وبعد الضرب يمكن أن تطيع وتنفذ األمر (لمرة واحدة فقط) ثم‬
‫تعود للعناد مرة أخرى‪.‬‬
‫بمالحظة هذه الطفلة أثناء قيامها بدور األم للعروسة كانت تتحدد بالتليفون‬
‫مع صديقتها (ليس للصديقة وجود فعلى في الروضة وإنما الطفلة تتكلم بلسان‬
‫ذاتها كأم ثم ترد على نفسها بلسان الصديقة وذات أسم صديقة حقيقية لوالدته)‪:‬‬
‫جرى الحديث التالي‪:‬‬
‫الصد يقة‪ :‬أنا مش عارفه أعمل أيه مع بنتي مش بتسمع الكالم‪.‬‬
‫األمل‪ :‬أوعى تكون بتضربيها‪.‬‬
‫الصديقة‪ :‬أنا فعالً بضربها وما فيش فايدة‪.‬‬
‫األم‪( :‬أنت الزم تتفاهمي معاها وتعرفي هي ليه مش بتسم الكالم‪ ،‬يمكن‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪156‬‬

‫تكوني بتطلبي منها الحاجة وهي مشغولة وال تكون هي فاكره أن كده صح‪،‬‬
‫الضر ب مش بيحل المشاكل أمال إنت أم ازاي مش الزم تفهميها) في هذه‬
‫اللحظة وقعت العروسة من يد األم فأسقطت سماعة التليفون فضربت األم‬
‫العروسة وقالت لها‪ :‬كده خلتيني أضربك مش تخلي بالك‪.‬‬
‫بتحليل الموقف تبين فيه إعمال العقل في المشكلة الشخصية ونقد طريقة‬
‫المعاملة للطفلة ن قداً عقلياً واعياً‪ ،‬وحصر للدوافع وتحليل للنتائج‪ ،‬مما يدل على‬
‫نمو عقل واستخدام منطقي للمقدمات والنتائج واختيار لوسائل العالج كذلك‬
‫يالحظ أن الطفلة تميل دائماً للعب المنفرد وتتخيل دائما الطرف اآلخر كما لو‬
‫كان بعيداً عنها فتقوم بدور مزدوج‪ ،‬في نفس الوقت الذي تعزف عن اللعب‬
‫الجماعي مع األطفال فهي كما الحظت‪ ،‬وكما أوضحت المعلمة ميالة للعزلة‬
‫ودائما تتحدث مع نفسها وهذا يدل على مرحلة متقدمة من مراحل نمو النشاط‬
‫اللعبي الذي يعتمد على الحديث وإعمال العقل في عمليات قياس ومقارنة‬
‫واستنتاج كذلك تعتمد مرحلة اللعب هذه على اللغة اعتماداً كبيراً وهذا ما نراه‬
‫مناسباً لعمر الطفلة من جهة ولحالتها النفسية الناتجة من العقاب الصارم الدائم‬
‫الذي تالقيه في المنزل‪.‬‬
‫الحال رقم (‪:)7( ،)6( ،)5‬‬
‫الموقف اللعبي‪ :‬مستشفى وطفل يصطحب ابنه للطبيب – يقابل الطبيب‬
‫على الباب وهو خارج فيعرض ابنه (طفل عمره ‪ )3.6‬عليه ليكشف عليه ألنه‬
‫ال يثق إال في هذا الطبيب ويدور الحديث التالي‪:‬‬
‫الطبيب (طفل عمره ‪ 5‬سنوات)‪ :‬أنا خالص مروح البيت‪.‬‬
‫األب (طفل عمره ‪ 4.9‬سنوات) معلهش اكشف عليه لحسن سخن جداً‬
‫حرارته ‪.40‬‬
‫الطبيب‪ :‬أنا مش معايا سماعه وال معايا ترمومتر‪ ،‬األب (يبحث عن أي‬
‫‪157‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫شيء يص لح أن يكون سماعه فوجد غطاء لبراد الشاي يحاول ربطه في الحزام‬
‫لعمل سماعه) في نفس الوقت االبن يخرج من جيبه قلم رصاص‪ ،‬ويقول‬
‫للطبيب الترمومتر أه ويضعه فعالً تحت لسانه في حين اشترك األب مع الطبيب‬
‫في تصنيع السماعة ولكن الطبيب يربط الحزام في يد مكواه لعبه وجدها أسهل‬
‫من غطاء ابريق الشاي‪.‬‬
‫عندما توجه الطبيب بالسماعة المصنعة من المكواه والحزام رفض االبن‬
‫بشدة قائالً‪ :‬ال دي مكوه متنفعش تبقى سماعه‪ ،‬حاول األب شرح أنها ممكن تبقى‬
‫سماعه ولكنه لم يترك لهم فرصة وقام من على الكرسي وزرر قميصه وأصر‬
‫على عدم توقيع الكشف عليه بهذه ا لسماعة قائالً يا تجيب من جوه السماعة‬
‫الحقيقية اللي في شنطة الدكتور يا بالش‪.‬‬
‫بتحليل الموقف الحالي تتضح نقاط رئيسية هي‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬اختالف موقف الطفل الصغير عن موقف الطفلين المتقاربين في‬
‫السن‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬استخدام األدوات المتاحة المشابهة تماماً لألدوات التي يستعملها‬
‫الكبار‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬تصنيع الطفلين الكبار لألدوات (السماعة)‪.‬‬
‫ال بُدَّ من تحليل هذه النقاط الثالثة بالتفصيل والرجوع للنمو في عملية‬
‫التصنيع – لوحظ أوالً اهتمام الطفل الصغير ورغبته في االستمرار في تعقب‬
‫دور االبن المريض واستخدم للقلم كترمومتر يؤكد إعمال عقله في الخصائص‬
‫والصفات واختيار األدوات المتشابهة مع األدوات الحقيقة ورفض األدوات‬
‫المختلفة مع األدوات الحقيقة وفضل االمتناع عن لعب الدور فنجد العملية‬
‫الرمزية بالنسبة للطفل الصغير ما زالت مقيدة بصفات وخصائص الشيء‬
‫وال يمكن استخالص الخصائص واالستغناء عن الصفات‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪158‬‬

‫أما األطفال الذين يحتلون مرحلة متقدم من النشاط اللعبي فأظهروا مرونة‬
‫أكثر في تحقيق معقول فيجوتسكي "أن في اللعب يمكن ألي شيء أن يكون شيئاً‬
‫آخر"‪.‬‬
‫كذلك ال بُدَّ من اإلشارة إلى سلوك "األب" والطبيب" حينما ظهر احتياجهما‬
‫للمساعدة قاما بتصنيعها (تصنيع األدوات) بكل ما تحمل هذه العملية من إعمال‬
‫العقل في خصائص األدوات وكذلك التميز فاألصل والتبديل لهذه الخصائص‬
‫واالتفاق على البدائل المصنعة‪.‬‬
‫وهذا يؤكد قيام النشاط اللعبي بصفته مهيمناً بإعداد الشخصية لالنتقال‬
‫لمرحلة نمائية الحقة وهي مرحلة طفل المدرسة االبتدائية بااللتزام بقواعد معينة‬
‫للدور‪.‬‬
‫فقد تعدى الطفالن مرحلة التكرار واستخدام األدوات إلى مرحلة تصنيع‬
‫األدوات وحل مشكالت الموقف بصورة أكثر إيجابية‪ ،‬وهذا يتطلب قدرات إلى‬
‫وقت قريب جدا كنا نشك في وجودها عن طفل الرياض‪.‬‬
‫في حين اقتصر سلوك االبن على إحالل القلم محل الترمومتر فهو استخدام‬
‫األدوات كما هي ولم يقبل عملية التصنيع‪.‬‬
‫هذا يؤكد ظهور المرحلة األكثر تقدما من اللعب ذاته‪ ،‬حيث يعمل العقل‬
‫على رسم الخطة واالتفاق على األدوات‪ ،‬بل وتصنيعها ويعمل على تحقيقها‬
‫بشكل منطقي متفق عليه ثم تالحظ انصراف بعض األطفال بعد ذلك إلى نوع‬
‫جديد من اللعب‪ ،‬ذلك النوع الذي يحمل المتعة في داخله فقط‪ ،‬بل ال يستمتع‬
‫الالعب إال بنتائجه‪.‬‬
‫لذلك يختلف لعب طفل المدرسة االبتدائية أو الطفل الذي قام النشاط‬
‫المهيمن اللعبي بإعداد شخصيته لالنتقال للمرحلة الالحقة عن لعب طفل‬
‫الروضة اختالفاً جوهرياً فاألول تتحد دوافعه مع نتائجه ولذا يهتم األطفال الكبار‬
‫‪159‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫بألعاب المسابقات كما ينصرف اهتمامهم إلى الفوازير واألحاجي وألعاب‬


‫الكمبيوتر التي تحقق لهم النجاح بالفوز على اآلخرين‪ ،‬في حين ال يهتم طفل‬
‫الروضة الصغير إلى بدوره في اللعب فقط فدوافعه في داخل الدور دون‬
‫االهتمام بالنتائج الحقيقية‪.‬‬
‫وهكذا ي فسح النشاط اللعبي المهيمن بجانبه مكاناً للنشاط العقلي المقصود‬
‫والمخطط والمحددة معالمه والمتوقعة نتائجه‪.‬‬
‫الخالص والتوصةات‪:‬‬
‫مما تقدم يتضح أن طفل الروضة ال يمتنع عن شيء يحبه إال في إطار‬
‫اللعب كما أنه ال يوظف عقله في العمليات العقلية العليا إال في إطار اللعب‬
‫أيضاً‪.‬‬
‫وال يحتمل المشاق الجسمية والنفسية إال ليفي بحق الدور المنوط به في‬
‫اللعب‪ ،‬وكذلك ال يستغني عن إشباع كثير من احتياجاته الملحة إال في سبيل‬
‫إتمام الدور على أكمل وجه والوفاء بالتزاماته‪.‬‬
‫وهذا ما يثبت أحقية النشاط اللعبي في الهيمنة على طفل الروضة وبالتالي‬
‫كمحدد لنمو شخصية طفل المرحلة‪.‬‬
‫كما يظهر اللعب الرمزي حيث يتعامل الطفل مع الرموز لتحل محل‬
‫األدوات الحقيقية التي يتسعملها الكبار في حياتهم‪ ،‬مع اتفاق وتخطيط سابق على‬
‫القيام بالدور وتوزيع األدوار وقواعد اللعبة فتظهر آخر مرحلة من مراحل نمو‬
‫النشاط اللعبي ليبدأ في التغير الجوهري لخصائصه ويحل محل النشاط اللعبي‬
‫كمهيمن نشاط آخر ينتمي للتخطيط العقلي أك ثر من انتمائه للعب األدوار‪ ،‬ويهتم‬
‫بالنتائج أكثر من اهتمامه بإتمام الدور فقط‪ ،‬وبهذا ينتقل شخصية طفل الروضة‬
‫إلى المرحلة الالحقة عليها حيث تكون قد استعدت بااللتزام بالقواعد في اللعب‬
‫ليلتزم بنظام المدرسة ومعرفة ما يجب وما ال يجب فيتقدم سلوكه ويقوم بدوره‬
‫كتلميذ قادر على تأجيل رغباته العاجلة أمالً في مكافأة آجلة‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪160‬‬

‫وهذا يؤكد اختالف النشاط اللعبي في آخر مراحل نموه طفله في مراحله‬
‫األولى فهو قد أعد من سيحتل مكانه المهيمن في المرحلة الالحقة لنمو‬
‫الشخصية حيث إ نه ال يستطيع الوفاء بالتزامات المرحلة التالية دون أن تتغير‬
‫خصائصه فإعمال العقل في خصائص األدوات دون صفاتها العارضة يدل على‬
‫أن الطفل يقوم بعمليات القياس والمقارنة والتفكير التجريدي أثناء اللعب في حين‬
‫يعجز عن القيام بهذه العمليات أثناء الحصص التعليمية التي تدرس له فيها‬
‫القراءة والحساب في مرحلة الروضة‪.‬‬
‫توحي هذه النتائج بإمكانية تصميم المناهج والطرق التعليمية القائمة على‬
‫أساس النشاط اللعبي لتنمية ودفع فعالية طفل الروضة‪.‬‬
‫كذلك قد يمكن تصميم المقاييس التي تحدد مدى إعداد شخصية طفل‬
‫الروض ة بفضل النشاط اللعبي لاللتحاق بالمدرسة االبتدائية‪.‬‬
‫تصميم مجموعة من أدوار اللعب التي تمكن من قياس اإلمكانيات الجسمية‬
‫والنفسية والعقلية واالجتماعية لألطفال للتحقق من سالمتها‪.‬‬
‫كذلك قد يمكن عمل مسح شامل لرياض األطفال للتأكد من تهيئة الفرص‬
‫لطفل الروضة ليلعب األدوار كما تحددت خصائصها في البحث الحالي‪.‬‬
‫وقد تم عمل برنامج مقترح لتعليم بعض المفاهيم اللغوية لطفل الرياض‬
‫مستخدماً النشاط اللعبي أساساً له‪ ،‬ويوصي البحث الحالي بالتروي في تعليم‬
‫طفل الروضة تعليماً مقصودا حيث ال يصح تعليم من ال يزال خاضعا لهيمنة‬
‫النشاط اللعب ي وإنما من يمكن تعليمه التعليم المنظم المقصود لبعض المفاهيم هو‬
‫من بدأ في إعمال عقله بوعي سعياً وراء نتائج اللعب‪.‬‬
‫فليس كل من بلغ سن السادسة معدا للتعليم؛ بل من وصل إلى آخر مرحلة‬
‫من مراحل نمو النشاط اللعبي التي سبق اإلشارة إليها في متن هذا البحث هو‬
‫القادر على استقبال التعليم‪.‬‬
‫‪161‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫نعرض فيما يلي بحثا تطبيقيا (امبيريقي) استخدم األساس النظري السابق‬
‫اإلشارة إليه إلعداد وتهيئة طفل الروضة لتعليم القراءة والكتابة بإدراك المفاهيم‬
‫القوية كمجردات الزمة لعملية القراءة والكتابة والتخلص من أساليب الحفظ‬
‫األصم والتدريب للحروف األبجدية دون التفكير في خصائصها‪.‬‬
‫أسالةب هتهةئ طفل الروض عقلةاً للمدرس االبتدائة ‪:‬‬
‫المقدم ‪:‬‬
‫تلقى علمية إعداد طفل ما قبل المدرسة‪ ،‬اهتماماً يكاد يصل إلى حد اإلجماع‬
‫في جميع دول العالم‪ .‬ولكن عند اختيار خطط العمل التي تحدد ممارستنا‬
‫التربوية متمثلة في طرق التربية أو النموذج المنهجي‪ ،‬يتفرق هذا اإلجماع‪.‬‬
‫يرى البعض أن اإلعداد الالزم لطفل الروضة يتم بتعليمه الكتابة والقراءة‬
‫والحساب في حين يرى البعض اآلخر ضرورة تنمية االستعداد النفسي –‬
‫العقلي – الجسمي – االجتماعي ليفي بمطالب المدرسة‪ .‬أي تهيئة الشخصية ككل‬
‫للدراسة‪.‬‬
‫ويتطلب هذا اإلعداد‪ ،‬ويفترض مستوى معيناً للنمو العقلي‪ ،‬والخصائص‬
‫الضرورية للنمو الشخصية‪ .‬كما يتطلب وجود فرصٍ كافية إلشباع دوافع السلوك‬
‫االجتماعي وقدرات االختيار اإلرادي كما يلزم وجود تصور واضح وناضج لدى‬
‫الطفل عن الخصائص المحكمة للمواد المحيطة به وذلك حتى يتمكن من المقارنة‬
‫بين المواد‪ ،‬وتحليلها والقيام ببعض التعليمات واستنتاج النتائج من المقدمات في‬
‫إطار هذا العمل االستكشافي في البيئة المحيطة بطفل الروضة تنمو الرغبات‬
‫اإلرادية‪ ،‬والدوافع الجديدة "للسلوك" حتى يتحول إلى "النشاط"‪.‬‬
‫تنمو في هذا النشاط الفعالية الذاتية للطفل‪ ،‬و تنكون الخبرات الالزمة‬
‫للشخصية فالطفل ال يستوعب الخبرة االجتماعية جاهزة الصنع بل تنتج من‬
‫تالقي "الذاتية" و "الموضوعية" في تفاعل الطفل مع البيئة يتيح هذا النشاط‬
‫الفرصة للذاتية أن تؤثر وتتأثر بموضوعية البيئة‪ ،‬وكلما زاد "النشاط" العقلي‪،‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪162‬‬

‫كلما تعددت فرصة النمو ل لشخصية‪ .‬ذلك المكون الرباعي (جسمي‪ ،‬نفسي‪،‬‬
‫عقلي‪ ،‬اجتماعي) الذي ال ينمو إال بالتفاعل المتكامل‪ ،‬الدينامكي مع كل معطيات‬
‫البيئة‪ ،‬بذلك تستوعب الشخصية الخبرة االجتماعية المتاحة وتفهمها‪ ،‬وتستدخلها‬
‫وتطبعها بطابعها الذاتي المميز لها عندئذ تتطلع الشخصية بشغف إلشباع‬
‫حاجاتها للمعرفة واستكشاف الجديد في المرحلة النمائية الالحقة‪.‬‬
‫سبق االتفاق في الفصول السابقة على أن لكل مرحلة نمو باباً خاصاً بها‪،‬‬
‫تطرقه البيئة بالمثيرات فتستجيب الشخصية بتوظيف "القدرات" الكامنة‬
‫"بالنشاط" والفعالية الحماسية التي تعيد بناء الخبرة االجتماعية‪ ،‬وتصنيعها‬
‫"لألدوات" التي تخدم نمو الشخصية فإذا كان الباب الستدخال الخبرة االجتماعية‬
‫في مرحلة "المهد" هو "النشاط الحاسي الحركي" فعندما تنتقل الشخصية إلى‬
‫مرحلة الروضة يتغير الباب ليصبح "النشاط اللعبي" ثم تتغير المكانة‬
‫االجتماعية ونظرة المجتمع للشخصية‪" ،‬فتطفر" إلى المرحلة الالحقة ليسعى‬
‫الطفل للمعرفة النظرية فيهيمن عليه النشاط التعليمي المقصود "فهو ال يلعب‬
‫فيعرف‪ ،‬وإنما هو يسعى للمعرفة بتخطيط مسبق‪ ،‬وتحديد للهدف خارج النشاط‬
‫ذاته‪ .‬عندئذ تتغير نظرة المجتمع للطفل ليصبح "تلميذا"‪.‬‬
‫ال ينجح الطفل في الدخول لهذه المرحلة النمائية إال إذا أحسن إعداد‬
‫شخصيته الحتالل هذه المكانة الجديدة‪ .‬فما هي خصائص الشخصية المعدة‬
‫للمدرسة؟‬
‫‪ - 1‬هو طفل ملتزم بمتطلبات المدرسة‪ ،‬كما كان ملتزماً بواجبات أدوار‬
‫اللعب في المرحلة السابقة (مرحلة الروضة)‪.‬‬
‫‪ – 2‬هو طفل تغيرت دوافعه‪ ،‬ففتحت أمامه موارد جديدة لنمو قوة اإلدراك‬
‫الواعي الذي يدفعه لتعلم كل ما هو جديد مهما كلفه من مشقة‪.‬‬
‫‪ - 3‬يبدأ إعجاب الطفل بالمواد الدراسية المختلفة باختالف مضمونها‪.‬‬
‫‪163‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫‪ - 4‬يخضع لرغبات المدرس‪ ،‬ويعاد بناء عمليات اإلثارة والكف لديه‪ .‬وهو‬
‫كما وصفه كمنسكي (‪ )komensky‬ص ‪ )2( 166‬التلميذ القادر على‬
‫ا لتفكير والحكم على األشياء‪ ،‬ولديه رغبة قوية في التعليم والمعرفة‪.‬‬
‫واآلن نعود للرد على الرأي الذي يرى ضرورة تعليم الطفل في الروضة‬
‫القراءة والكتابة والحساب استعداداً لدخول المدرسة‪.‬‬
‫يقول جيرسلد ‪ Jersild‬في كتابة‪ :‬نمو الطفل والمنهج "وهو بصدد تعريف‬
‫التهيؤ واالستعد اد بأنه" الوقت المناسب الذي يريد فيه تعليم الطفل بقدر ما تسمح‬
‫به قدراته‪.‬‬
‫فالطفل يحتاج إلى أن يتهيأ في النواحي اآلتية‪:‬‬
‫‪ – 1‬لغته وعاداته في الحديث‪.‬‬
‫‪ – 2‬نضوجه العقلي‪.‬‬
‫‪ – 3‬نموه الجسماني‪.‬‬
‫‪ – 4‬اتساع خبراته وطبيعة هذه الخبرات وخصوصا فيما يتعلق باهتمامه‬
‫بالكتب والقراءة‪.‬‬
‫‪ – 5‬عواطفه وظروفه االجتماعية‪.‬‬
‫وقد دلت التجارب القليدية واألبحاث التي أجريت على الطفل "أن الطفل‬
‫تتهيأ له أسباب النجاح في تعلم القراءة إذا ما بدأها بعد أن يتجاوز عامه السادس‬
‫بثالثة أشهر وهناك رأي أخر ينادي بأن الطفل إذا كانت عقليته عادية فيبدأ في‬
‫منت صف العام السابع كما دلت األبحاث على أن أكثر المتاعب التي يعانيها‬
‫الطفل في تعلمه إنما ترجع إلى إجباره عليها من سن الخامسة والسادسة ويقول‬
‫ستريكالند (‪ )Ruthstricklind‬مشيراً إلى عملية القراءة واحتياجات الطفل لها‬
‫وقدراته عليها "أن األطفال قد ينظرون ولكن ال يرون‪ ،‬وقد يرون ولكنهم‬
‫ال يفهمون ما يرون‪ ،‬إال إذا كان لهم أساس سابق من المعرفة والخبرة‪ ،‬وتوفر‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪164‬‬

‫لديهم المدرس الذي يستطيع مساعدتهم على االستفادة من هذه الخبرات‪ ،‬ويساعد‬
‫على ذلك حينما تكون الثروة اللغوية لدى بعض األطفال ال تقل عن مائة كلمة‬
‫(بصرية‪ ،‬منظورة) والمقصود بهذا التعبير الكلمات التي يستطيع األطفال‬
‫تمييزها عندما يرونها مكتوبة بمطابقها بالصورة التي تمثلها (في خبرتهم‬
‫الخاصة) فإن المدرس يبدأ مع هؤالء بمبادئ القراءة األولية؛ حيث يجد الطفل‬
‫بعض الكلمات المعروفة له‪.‬‬
‫كما أثبتت الدراسات التي أجريت على العملية التعليمية وتطويرها‬
‫(جالبيرن ‪ – Galbern‬وتاليزنا ‪ Talezena‬ولوريا ‪ )Lourya‬وغيرهم "أنه لكي‬
‫يتعلم الطفل اللغة بنجاح ال بُدَّ أن يدركها بكل عناصرها إدراكاً "واعياً"‪،‬‬
‫ويستطيع أن يضعها تحت مجهر تفكيره الواعي فيخضعها للتحليل والتركيب‬
‫والتعميم‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫كما سبق اإلشارة إلى أهمي ة الدوافع والرغبة في القراءة وفي فهم ما تنقله‬
‫للطفل من معلومات وفحص الكلمات بمعانيها المختلفة‪.‬‬
‫مما تقدم يلزم تحديد المطلوب من طفل الروضة عندما نعلمه القراءة‬
‫بالطريقة التقليدية المعروفة هل نريد منه "سلوك" الببغاء المدربة‪ ،‬والحيوانات‬
‫التي تقوم بعمليات حسابية معينة؟‬
‫أم نريد منه "نشاطاً عقلياً" يمثل نظام اإلشارة الثاني "الذي ال يوجد إال عند‬
‫اإلنسان؟‬
‫هل نكون عنده القراءة الميكانيكية التي تعد ردود أفعال للمرئيات المقروءة؟‬
‫أم تكون عنده "القراءة الوظيفية" التي تقوم على النشاط العقلي وتستلزم‬
‫تدخل شخصية اإلنسان بكل جوانبها‪.‬‬
‫تبين فيما تقدم من هذا الكتاب أن طفل الروضة قادراً على القيام بعمليات‬
‫القياس والمقارنة والتفكير التجريد – كذلك هو قادر على القيام بعمليتي "التعميم"‬
‫‪165‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫و "التصنيف" الالزمتان لتكوين المفهوم‪.‬‬


‫فلماذا ال يمكنه إعمال عقله أثناء حصص القراءة والحساب في هذه‬
‫الع مليات العقلية العليا؟ مما يشكل صعوبة كبيرة لمعلمات الروضة في التعامل‬
‫العقلي مع األطفال‪.‬‬
‫ولماذا يعاني بعض أطفالنا من التهتهة والتلعثم في الروضة فقط – وال تظهر‬
‫عيوب الكالم هذه في المنزل؟‬
‫ولماذا ال يحب أطفالنا الذهاب للروضة بالرغم من أنها هي أهم المؤسسات‬
‫الناقلة للخبرة االجتماعية الالزمة لنمو شخصيته؟‬
‫ولماذا يلجأ األطفال أحياناً إلى ميكانيزمات الدفاع الالشعورية عند الذهاب‬
‫للروضة؟‬
‫ولماذا نجد معظم أطفال الصف األول االبتدائي يعانون من مشكالت‬
‫سلوكية عند دخولهم للمدرسة مما يؤكد عدم قيام الروضة بدورها في إعداد‬
‫شخصياتهم لالنتقال لمرحلة النمو الالحقة (مرحلة المدرسة االبتدائية)؟‬
‫نحاول فيما يلي تقديم اإلجابة العلمية والعملية الصحيحة وتوضيح كيفية‬
‫اإلعداد الصحيح لطفل الروضة‪.‬‬
‫من اإلجابة عن هذا السؤال سنتمكن من‪:‬‬
‫‪ – 1‬تحديد واضح ألهداف الروضة‪.‬‬
‫‪ – 2‬تخطيط علمي وعملي محدد لتحقيق هذه األهداف‪.‬‬
‫حيث ال تخفي خطورة التدخل بتدريب الطفل على سلوك قبل توفر‬
‫االستعداد له‪ .‬فنحن حين نفرض على طفل الروضة "النشاط التعليمي المقصود"‬
‫الذي هو مهيمن على شخصية طفل المدرسة‪ .‬وهو باب "استدخال" الخبرة‬
‫االجتماعية لطفل المدرسة‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪166‬‬

‫هترهتكب بذلك خطأ مزدوجاً‪:‬‬


‫أوال‪ :‬نحن نفوت على الشخصية توظيف قدراتها وطاقتها من باب‬
‫المفروض عليها في مرحلتها الراهنة والذي تأكد كمحدد لنموها (النشاط‬
‫اللعبي)‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬نفرض عليها نشاطاً لم يتكون االستعداد له بعد‪.‬‬
‫والفرق بين "النشاط اللعبي" و "النشاط التعليمي" كبير وجوهري‪.‬‬
‫النشاط اللعبي تتحدد دوافعه مع نتائجه‪ .‬فيستمتع به الطفل أثناء األداء‪ ،‬دون‬
‫أن يسعى لهدف آخر خارجه فالصياد (الطفل الذي يقوم بدور الصياد) يستمتع‬
‫بالدور واآلراء دون أن يصطاد بالفعل‪.‬‬
‫في حين يتميز النشاط التعليمي الناجح بنتائجه الصحيحة المعدلة لسلوك‬
‫المتعلم‪.‬‬
‫كما أن دوافع اللعب اجتماعية‪.‬‬
‫في حين دوافع النشاط التعليمي معرفية‪.‬‬
‫يسعى الطفل أثناء اللعب بدوافعه الذاتية لتحقيق النجاح في القيام بالدور كما‬
‫يحب فيتعامل مع الرفاق بعواطفه‪ ،‬ويحقق رغبة عامة في إثبات الذات‪ .‬ويستعذب‬
‫النجاح أثناء القيام بالدور‪ ،‬ويحترم الكبار ولكن هذه كله ال يتم بوعي تام‪.‬‬
‫في حين لكي يتم التعلم وتشبع الحاجة النظرية للمعرفة ال بُدَّ أن تكون‬
‫المعلومات في بؤرة الوعي التام لدى المتعلم وال بُدَّ أن يحدد المتعلم الهدف الذي‬
‫يسعى إليه‪.‬‬
‫وهذا ما يعجز عنه طفل الروضة‪ ،‬حيث لم ينمو لديه بعد اإلدراك الواعي‬
‫والنشاط الهادف لتحقيق عمل سبق التخطيط له وتحديد نتائجه‪.‬‬
‫مما تقدم يتضح تميز النشاط التعليمي بموضوعه الخاص وهدفه المختلف‬
‫‪167‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫عن أهداف غيره من األنشطة‪ ،‬واألداء المتمايز الخاص بهذا النشاط‪ ،‬كذلك‬
‫ال يخفى األثر المعوق إلقحام النشاط التعليمي على طفل الروضة؛ حيث يتخذ‬
‫سلوكه التعليمي نمط تعليمي معين ‪ Tenching Styl‬سيدمغ شخصيته مدى‬
‫الحياة‪ .‬ويصبح من الصعب للغاية تغييره‪.‬‬
‫لذلك قد نرجع السبب األول للمشكالت التي يعاني منها طفل الروضة إلى‬
‫عجز الطريقة المتبعة في تعليمه القراءة عن نقل إدراك اللغة من مستوى‬
‫اإلدراك التلقائي إلى مستوى اإلدراك الوعي‪.‬‬
‫وقد أثبتت الدراسات أن وظيفة اإلدراك الواعي هي "السماح بتكيف يكاد‬
‫يكون مستحيالً في غيبة الوعي بواسطة الوعي يتمكن من حل مشكالت القراءة‬
‫الوظيفية" التي ال يمكن حلها باإلدراك التلقائي يتمكن الطفل باإلدراك الواعي‬
‫فقط من إعمال عقله في الكلمات بوصفها "أدوات للفكر" فيحللها إلى عناصرها‬
‫ويركبها بأشكال مختلفة‪.‬‬
‫وقد يرجع السبب الثاني للمشكالت إلى تعليم طفل الروضة القراءة بطريقة‬
‫تكون لديه "سلوك القراءة الميكانيكية" بدال من نشاط القراءة الوظيفية فيستمر‬
‫الطفل في التكرار واالنعكاس للمرئيات دون االستفادة الكاملة من المقرر‪ .‬أو‬
‫توظ يف عناصر الشخصية في عملية القراءة‪.‬‬
‫يتبع البحث الحالي في المقاييس الثالثة األولى المنهج الوصفي لتحديد‬
‫مستوى اإلدراك اللغوي كما هو موجود بالفعل عند أطفال العينة قبل إدخال‬
‫الطريقة المقترحة‪.‬‬
‫ثم يتبع المنهج التجريبي ليقيس نمو اإلدراك اللغوي بعد إدخال المتغير‬
‫المستقل (الطريقة المقترحة) على عينة البحث‪ .‬ويتم المقارنة بين النتائج القبلية‬
‫والبعدية‪.‬‬
‫كما يتبع طريقة دراسة الحالة مع أفراد العينة حتى يمكن استخالص النتائج‬
‫الكيفية الدقيقة‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪168‬‬

‫العةف ‪:‬‬
‫عشرة أطفال من حضانة زهر الربيع أعمارهم من ‪ 6 – 4‬سنوات‪.‬‬
‫ثالثة عشرة طفالً من حضانة الخضيري من ‪ 5 – 4‬سنوات‪.‬‬
‫ستة أطفال من حضانة اإلسراء بالهرم من ‪ 6- 5‬سنوات‪.‬‬
‫تسعة أطفال من حضانة إمبابة النموذجية من ‪ 6 – 4‬سنوات‪.‬‬
‫مجموع العينة ‪ 38‬طفالً‪.‬‬
‫أدوات البحث‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬مقياس صوفيا نيكااليفينا‪ :‬الذي يهدف لتحديد إمكانية قيام طفل‬
‫الروضة بتحليل الجمل إلى كلمات ووضع الكلمات بصفاتها عناصر للجمل‬
‫موضوع تفكير الطفل الواعي‪.‬‬
‫يعرض المقياس على الطفل جملة مكونة من ثالثة كلمات أو أربع ويطلب‬
‫منه أن يكرر الجملة التي سمعها‪ .‬ثم تسأل الباحثة ما هي الكلمة األولى التي‬
‫يسمعها‪.‬‬
‫وتكرر الجملة ثم ما هي الكلمة الثانية في الجملة وهكذا ثم ما هو مجموع‬
‫كلمات الجملة؟ يفرض المقياس أن الطفل سيحاول إعمال عقله بوعي في عدد‬
‫كلمات الجملة وتقسيمها‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬مقياس وفاء كمال‪:‬‬
‫طبق على األطفال "مقياس اإلدراك اللغوي ألطفال الحلقة األولى من‬
‫التعليم األساسي" حيث اقترح هذا المقياس إمكانية تطبيق على أطفال الروضة‪.‬‬
‫في التوصيات الملحقة بتصميمه‪.‬‬
‫يهدف هذا المقياس لتحديد نوع اإلدراك الذي يستخدمه األطفال لحل‬
‫المشكالت اللغوية الواردة في اختياراته الثالثة‪:‬‬
‫‪169‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫‪ – 1‬االختبار األول‪:‬‬
‫وهو االختبار المباشر الذي يتكون من عشرة أزواج من الكلمات المترادفة‬
‫والمختلفة في ا لشكل (الفورمة) ونسأل الطفل‪ :‬ما الفرق الذي يسمعه بين‬
‫الكلمتين؟ وتقسم اإلجابات إلى‪:‬‬
‫‪ – 1‬إجابة واعية بالجانب الرمزي التركيبي للكلمة‪.‬‬
‫‪ – 2‬إجابة تلقائية مباشرة حين يدرك الطفل أن الكلمتين بمعنى واحد‬
‫(أو زي بعض)‪.‬‬
‫‪ – 2‬االختبار الثاني‪:‬‬
‫وهو يتكون من عشرة أزواج من الكلمات المختلفة المعنى متشابهة في كل‬
‫األصوات ما عدا صوتاً واحداً‪ .‬ويعتبر هذا االختبار استثارة لنشاط العقل في‬
‫اتجاه جديد‪ .‬حين يتعثر الحل القائم على الموازنة بين معاني الكلمات في إزالة‬
‫شعور الطفل بالنقص‪ ،‬ونتيجة لتلك العثرة يتجه الحشد النفسي والتوجه العقلي‬
‫إلى اختيار وسائل جديدة لحل المشكلة‪ .‬وقد صمم هذا االختيار معتمداً على‬
‫األساس النظري لقانون الوعي الذي قرره كالباريد‪.‬‬
‫‪ – 3‬االختبار الثالث‪:‬‬
‫وهو يتكون من عشرة أزواج من الكلمات متفقة في األصوات التي تحتويها‬
‫مع اختالف ترتيبها فقط زر – رز‪.‬‬
‫لقد صمم بهذا الشكل ل يدفع التطابق التام بين مكونات الكلمات الطفل إلى‬
‫إعادة تقويم طرق الحل التي استخدمها في االختبارين السابقين علماً بأن طريقة‬
‫عرض المشكلة هي التي توجه الطفل لتحديد المجال الذي يختار منه أدوات الحل‪.‬‬
‫بناءً على هذا الترتيب لالختبارات الثالثة في المقياس فرض أن يتحسن‬
‫األداء في حل المشكالت اللغوية ويظهر االرتقاء في اإلدراك بهذا التدرج‬
‫الصاعد من التلقائية إلى التفكير في مجردات اللغة (الحروف) الذي يعتبر الزمة‬
‫ضرورية لتعليم الطفل القراءة والكتابة‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪170‬‬

‫بعد تطبيق المقياسين السابقين على أطفال العينة سن ‪ 6 – 5‬سنوات‪ ،‬تعذر‬


‫استمرار اهتمام األطفال بالتطبيق ظهر عليهم الملل وانصرفوا عن الباحثة‬
‫"وسيرد بالتفصيل تفسير هذه الظاهرة في مناقشة النتائج" مما اضطرنا لتصميم‬
‫مقياس يناسب طفل الروضة وفي نفس الوقت مؤسس على نفس فلسفة المقياسين‬
‫السابقين وله نفس أهدافهما‪ ،‬ويكشف عن نفس محتواهما‪.‬‬
‫روعي عند تصميم هذا المقياس المتغيرات التالية‪:‬‬
‫أ – النشاط المهيمن‪.‬‬
‫ب – المكانة االجتماعية‪.‬‬
‫ج – الدافعية لالستعداد والقدرات العقلية‪.‬‬
‫د – االستعداد والقدرات العقلية‪.‬‬
‫أ – الفشاط المهةمن والمكان االجتماعة لطفل الروض ‪:‬‬
‫ثبت في الفصول السابقة أن لكل مرحلة نمو باباً خاصاً بها‪ ،‬إذا ما دخلت‬
‫من البيئة بمطالبها الشخصية دفعتها للتوظيف ومنعتها من إهدار طاقاتها هذا‬
‫الباب هو النشاط "المهيمن" الذي ال ينفتح عالم الكبار إال من خالله (ليونثيف)‪.‬‬
‫تستحث المكانة االجتماعية دوافع الشخصية إلشباع حاجتها الرئيسية‬
‫كالحاجة لمعرفة وحب اال ستطالع واالستكشاف للوفاء بمتطلبات البيئة والنمو‬
‫في المرحلة الحالية لتستحق المكانة التي سمح لها بها المجتمع‪ .‬وفى إطار هذه‬
‫المكانة تحدد درجة توظيف اإلمكانيات وبهذا كله يتم استيعاب الخبرة‬
‫االجتماعية الالزمة للنمو‪.‬‬
‫تحدد "المكانة االجتماعية" أهداف الشخصية‪ .‬وال نظام الهرمي لالحتياجات‬
‫النفس االجتماعية‪ .‬ينمو ويتضافر نظام األهداف والحاجات مع باقي الشخصية‬
‫ومحددات نموها حتى يكون (البيئة الدافعة) لسلوكها وعندئذ يستوعب الفرد ما‬
‫تأتي به البيئة الخارجية بما يتفق مع حاجته الذاتية وأهدافه يعتر االنسجام بين‬
‫متطلبات الوسط اال جتماعي الخارجي (المكانة االجتماعية) واتجاهات الفرد‬
‫‪171‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫نحوه هو العامل الحاسم في نمو الشخصية وتوظيف فاعليتها‪.‬‬


‫لذلك صمم المقياس الحال للبحث بناءً على النشاط المهيمن على طفل‬
‫المرحلة وما تتطلبه منه بيئته (المكانة االجتماعية) وضع المقياس في صورة‬
‫مشكلة يستلزم حلها اشتراك األطفال في دور لعبي يضطرون في إلى إعمال‬
‫عقلهم في تركيب الكلمات‪.‬‬
‫وبذلك نضمن استقبال الطفل لمعطيات المشكلة طالما هي في إطار النشاط‬
‫المهيمن‪ .‬كما يعمل بدوافع قويه الختيار وسائل حلها من واقع معلوماته وخبراته‬
‫الشخصية التي يستخدمها في الحياة اليومية دون أن يدرى‪ .‬تستحثه مشكلة اللعبة‬
‫إلخراج هذه المعلومات في شكل إرادي واعٍ ومقصود‪.‬‬
‫لو نجح هذا التصميم في تحويل توجه الطفل وحشده النفسي إلى "فورمه"‬
‫الكلمة وتركيبها نكون بذلك حققنا الخطورة األولى الالزمة لنجاح العملية‬
‫التعليمية المقصودة التي تلزم "للتعليم المباشر" فيما بعد المدرسة‪ .‬ونكون بذلك‬
‫هيئنا شخصية طفل الروضة للدراسة‪.‬‬
‫الطريق المقترح ‪" :‬كلم الير" ‪:‬‬
‫أثناء اندماج األطفال في اللعب الحر في الحجرة بالروضة أخبرتهم الباحثة‬
‫بلعبة جديدة؛ حيث أغلقت الباب وقالت أنهم يستطيعون فتحه إذا كون كل منهم‬
‫"كلمة السر" بأن يضع كل واحد حروف اسمه في العلبة الخاصة به أمام البا‪..‬‬
‫وفي جانب الحجرة وضعت الحروف األبجدية مجسمة من ورق الناصييان في‬
‫محل لبيع الكالم تقف فيه الباحثة كبائع وتعرض على األطفال الحروف دون‬
‫تدخل في اختيار كل منهم‪.‬‬
‫التطبةق – الفتائج وهتفيةرها‪:‬‬
‫طبق مقياس "صوفيا نيكاال يفينا" كان المتوقع ظهور ثالث فئات في‬
‫إجابات األطفال‪:‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪172‬‬

‫أ – الفئة األقل نضجاً‪ :‬التي تدرك اللغة إدراكاً تلقائياً بوصفها وسائل‬
‫اتصال دون كونها أدوات ورموز‪.‬‬
‫ب – الفئة الوسيطة‪ :‬التي تتبين بعض الكلمات‪ ،‬وتخضعها للتحليل والعد‬
‫في حين تتأخر في إدراك البعض اآلخر‪.‬‬
‫ج – ا لفئة األكثر نضجاً‪ :‬وهي التي تحلل الجملة وتعد كلماتها بطريقة صحيحة‬
‫تماما بالنسبة للعينة الحالية كان من المتوقع ظهور الفئتين أ‪ ،‬ب‪.‬‬
‫لكن جاء جميع األطفال في الفئة األولى‪.‬‬
‫كذلك لم تتمكن الباحثة من جذب اهتمامهم حتى نهاية التطبيق‪.‬‬
‫طبق عليهم المقياس الثاني باختباراته الثالثة ولم تستكمل في أي اختبار‬
‫العشرة أزواج للكلمات لنفس السبب السابق‪ .‬واحتلوا جميعاً الفئة األولى عند‬
‫تصحيح المقياس‪.‬‬
‫لوحظ أن األطفال كانوا يردون بأي إجابة ترد على ذهنهم دون التقيد‬
‫بطبيعة السؤال‪.‬‬
‫يمكن إرجاع ذلك إلى تطلعهم النتهاء الحصة حتى يتخلصوا من هذه‬
‫األسئلة المملة ليخرجوا للنشاط الحر‪.‬‬
‫يمكن تفسير سلبية الطفل السابقة بأن المقياسين السابقين استثارا عوامل‬
‫"الكف" عند الطفل حيث أكد "باولو" أن نشاط األعصاب يؤدي إلى نمو االنتباه‬
‫وعليه فإن مراكز "االنفعال" والرد "هي التي تؤثر على االنتباه فال نتوقع من‬
‫طفل حرم من إشباع حاجاته النفس اجتماعية (بالكف عن اللعب) أن ينتبه لهذا‬
‫المثير المشتت (المقاييس) الذي أثر على مراكز االنفعال لديهم‪.‬‬
‫بعدها تم اشتراك األطفال في لعبة "كلمة السر" لوحظ اهتمام بالغ‪.‬‬
‫وفحص الحروف المجسمة مع مالحظة قيام بعض األطفال بنطق اسم الحروف‬
‫سراً (همساً)‪.‬‬
‫‪173‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫لكن ظهر خلط كبير بين الحروف االسم واالسم الكامل فكان الطفل يأتي‬
‫بحرف من الحروف ويقوم هذا اسمى ويجرى ليضعه في العلبة ويقوم خالص‬
‫عملت كلمة السر‪.‬‬
‫هذا يدل على أن الطفل يستخدم نشاطه العقلي الذاتي ويفكر ويصمم‬
‫فيتوصل "ألشباه المفاهيم" بدالً من المفاهيم "القائمة على المحكات الفاصلة للغة‪.‬‬
‫استمر تأثر األطفال بلعبة كلمة السر حتى أن بعضهم في طريق العودة مع‬
‫والدته بدأ يفحص بعض الالفتات‪.‬‬
‫كما نشطت دوافع التعليم عند األطفال فأخذ يجرد حروف اسمه وكتابته‬
‫على السبورة في المنزل كما أخذ طفل ثالث حروف اسمه المجسمة من صندوق‬
‫الحروف بالفصل‪.‬‬
‫كما ظهرت تغيرات جوهرية في سلوك األطفال فمنهم من حول حرف‬
‫"الباء" إلى "ياء" باستخدام النقط‪.‬‬
‫حدث خالف بين ياسر وتامر على الحرف األول من اسمهما وتناول تامر‬
‫حرف الالم المجسم وأمسك بيده اليسرى األلف من الالم (ل) ووضع قطعتان‬
‫من الطباشير محل النقط وقال "أنا وجدت اسمه كله"‪.‬‬
‫التطبةق البعدي‪:‬‬
‫بعد أسبوع من لعبة كلمة السر أعيد تطبيق المقاييس الثالثة السابقة ظهر‬
‫االهتمام الفعلي بالحروف المجردة وتغير اهتمام األطفال وانتقلوا ‪ %90‬منهم إلى‬
‫مراحل االستمتاع بالمعرفة بخصائص الحروف وأصبح معظمهم يحاول قراءة‬
‫األسماء على الالفتات الموجودة في الشارع وفي إعالنات التليفزيون ويقارن بين‬
‫حروف األسماء المتشابهة مع اسم كحسن وحسين ‪ -‬كامل وكمال – سمر وسحر‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪174‬‬

‫التوصةات‪:‬‬
‫يوصي البحث بضرورة تعريف أولياء أمور أطفال الروضة – ومعلمات‬
‫الروضة بما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬مفهوم الشخصية ومكوناتها‪ ،‬وخصائص العالقة بين هذه المكونات‪،‬‬
‫ومفهوم التوظيف والفاعلية النشطة للطفل‪ ،‬كل ذلك في صورة تطبيقية‬
‫عملية يسهل استيعابها وتطبيقها على السلوك الفعلي لألطفال سواء في‬
‫مرحلة المهد أو ما قبل المدرسة‪.‬‬
‫‪ - 2‬تبصيرهم بخطورة التدخل بالتعليم المنظم في مرحلة الروضة قبل أن‬
‫يتم اس تكمال االستعداد النفسي والعقلي للطفل ليتحمل تبعات االلتزام‬
‫بواجبات ومهام المعرفة النظرية‪.‬‬
‫‪ - 3‬توضيح أهمية "المدخل الخاص بكل مرحلة من مراحل النمو وهي ما‬
‫تعرف "باألنشطة المهيمنة" وخصائصها‪ .‬وضرورة توظيف الشخصية‬
‫من هذه المداخل المرحلية وليس من غيرها؛ حيث إنها تتغير بتغير‬
‫مراحل نمو الشخصية‪.‬‬
‫‪ - 4‬عرض نتائج البحوث الميدانية التي أكدت الدور الفعال للنشاط اللعبي‬
‫(لعب األدوار االجتماعية) في النمو الجسمي والنفسي والعقلي‬
‫واالجتماعي لطفل الروضة على جميع المهتمين بالمجال بصورة‬
‫تناسب جميع المستويات والبعد بقدر اإلمكان عن المفاهيم العلمية‬
‫النظرية البحثية التي تنتمي للعمل األكاديمي أكثر من انتمائها للعمل‬
‫التطبيقي في المجال العلمي‪.‬‬
‫‪ -5‬ضرورة مساهمة وسائل اإلعالم في عملية التوعية‪ ،‬وتضافر قوى جميع‬
‫المؤسسات المهتمة بالمجال حيث يجعها هدف واحد‪ ،‬إال وهو رعاية‬
‫وتنمية شخصية طفل الروضة وإعدادها لتحمل تبعات المراحل التالية‪.‬‬
‫‪175‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫الخالص ‪:‬‬
‫بالرغم من الصورة المشرقة التي حصلنا عليها من نشاط الطفل العقلي‬
‫واندماجه في اللعبة التي تجهد عقله وتجعله في عمل دائب‪ ،‬إال أننا مازلنا‬
‫بعيدين عن الجانب النظري المجرد للتعليم المباشر الذي يهدف للوصول‬
‫للمعرفة المجردة‪.‬‬
‫وإنما تشير هذه النتائج إلى إمكانية تعلم طفل الروضة بطريق غير مباشر‪.‬‬
‫حيث اكتسب األطفال مهارات بطريقة غير مقصودة ولم يكن هذا هدفهم‪ .‬وإنما‬
‫جاء التعلم ضمن هدف آخر ولم يحدد الطفل مسبقاً الغاية التي يسعى إليها‪ .‬فهو‬
‫يسلك سلوكاً تلقائياً مباشراً ويعمل عقله دون أن يملك الخصائص المحكية‬
‫للمفاهيم اللغوية‪ .‬ودون تخطيط سابق لما يسعى إليه‪ .‬إنما يأتي التعلم في إطار‬
‫النشاط االستكشافي في أثناء اللعبة (كلمة السر)‪.‬‬
‫والتعليم "المباشر" بمعناه المعروف ال يتحقق داخل نشاط آخر وإنما له‬
‫استقالله ومراحل نموه الخاصة به (ارجع للمقارنة بين النشاط اللعبي والنشاط‬
‫التعليمي)‪.‬‬
‫كما تؤكد المقارنة بين نتائج المقياسين (صوفيا نيكاال يفنا‪ ،‬وفاء كمال)‬
‫ونتائج الطريقة المقترحة في البحث الحالي لتنشيط فكر طفل الروضة على‬
‫ضرورة التخلي عن تعليم طفل الروضة القراءة والكتابة والحساب بالطريقة‬
‫المقصودة؛ حيث إنها ال تجد صدى فعليًا‪ ،‬وال تضمن الحد األدنى من الدافعية‬
‫الالزمة للعملية التعليمية‪ .‬كما تمتد آثارها السلبية فتظهر في صورة‬
‫"ميكانيزمات الدفاع" التي يلجأ إليها طفل الروضة‪ ،‬والفشل وكراهية المدرسة‬
‫التي هي أكبر دليل على إعاقة نمو شخصية طفل الروضة ومنعها من االنتقال‬
‫لمرحلة النمو التالية‪.‬‬
‫كذلك تؤكد المقارنة بين نتائج التطبيق القبلي والبعدي للطريقة المقترحة‬
‫على فعالية النشاط اللعبي وقدرته على توجيه التفكير الواعي إلى الوعي‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪176‬‬

‫بعناصر اللغة وفحص حروف الكلمة هذا التوجيه الالزم كدرجة أولى من‬
‫درجات سلم التعليم حيث هو الضامن والالزم لنجاح العملية التعلمية‪ .‬ألن‬
‫مشكالت تعليم اللغة األم ال يمكن أن تحل في غيبة الوعي بمفاهيم اللغة مثل‬
‫مفهوم الكلمة والحرف والجملة‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫بذلك تكون قد تحققت الحلول لجميع المشكالت السابقة ويرجح ذلك إلى‬
‫تبنى الرأي الذي يهتم بالتكوين النفسي ودوافع الشخص ية كأساس لإلعداد الالزم‬
‫لمرحلة المدرسة والتخلي عن طريقة التعليم المقصود ألطفال الروضة‪ .‬طالما‬
‫سينمو االستعداد المطلوب والركيزة الالزمة للنمو في إطار بعض األلعاب‬
‫المقترحة على شاكلة لعبة "كلمة السر"‪.‬‬
‫فيما يلى نحاول توضيح بعض المشكالت التي تواجه رياض األطفال في‬
‫تحقيق أهدافها بالطرق العلمية السليمة كتعليم األطفال بالروضة خصائص‬
‫الحروف من خالل النشاط اللعبي ولكن تتعرض المعلمة للنقد من جانب األوالد‬
‫ومن جانب أولياء األمور والموجهين في آن واحد‪ .‬في محاولة للتغلب على‬
‫بعض هذه المشكالت يعرض الكتاب البحث الثاني بعنوان مشكالت اإلدراك‬
‫الواعي للغة العربية وطريقة مقترحة لتكوين بعض المفاهيم اللغوية كمفهوم‬
‫التسمية وفهم اللغة وعد كلمات الجمل‪.‬‬
‫مشكالت اإلدراك الواعي للغ العربة وطريق مقترح لتكوين بعض‬
‫المفاهةم اللغوي لطفل الروض ‪:‬‬
‫مقدم ‪:‬‬
‫ثبت بما ال يدع مجاال للشك أن "تربية أطفال ما قبل المدرسة ال توجهها‬
‫فلسفة تربوية محددة وواضحة المعالم" فنحن نفتقد الفلسفة الخاصة بنا في هذه‬
‫العملية بالغة األهمية لألمة والمجتمع بدا من افتقادنا للنظرية المنهجية‪،‬‬
‫‪ Carriculum theory‬متمثلة في اإلطار النظري الذي يحدد المبادئ النفسية‬
‫والعقلية واالجتماعية واالستعدادات والقدرات الالزمة للعملية التربوية بوجه‬
‫‪177‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫عام والتعليمية بوجه خاص‪ ،‬كما يحدد العالقة بين نظريات التعلم والنمو‪،‬‬
‫مرورا بخطط العمل التي تحدد ممارستنا التربوية متمثلة في طرق التدريس أو‬
‫النموذج المنهجي ‪ Carriulum model‬الذي يهتم بالدرجة األولى بتصميم وتنفيذ‬
‫المنهج الذي يرتكز بدوره على أسس نظرية منهجية واضحة‪ ،‬منتهيا بالتخطيط‬
‫في اختيار األهداف التربوية بعامة واألهداف التعليمية ‪ Instructional‬بخاصة‪،‬‬
‫تلك األهداف التي تتناول النواتج النهائية لعملية التعليم والتعليم في صورة أداء‬
‫صريح يمكن مالحظته‪.‬‬
‫ومن أهم مصادر األهداف التعليمية تصنيف بلوم المشهور الذي ينقسم إلى‬
‫ثالثة أقسام‪ ،‬يشمل أولها الميدان العقلي المعرفي (موضع اهتمام البحث الحالي)‬
‫وثانيهما الميدان االنفعالي الوجداني‪ ،‬وثالثها الميدان الحركي‪ .‬ويتناول الميدان‬
‫المعرفي األهداف التي تؤكد النواتج العقلية‪ ،‬مثل‪" :‬المعرفة" و"الفهم" و"مهارات‬
‫التفكير"؛ حيث ال يمكن الفصل بين األهداف التربوية والنظرية المنهجية‬
‫ومعالجات التدريس وعمليات التقويم ألن العملية التعليمية "منظمة مفتوحة" ‪open‬‬
‫‪ system‬تتفاعل فيها جميع الجوانب ويصبح على المربي مسئولية تحديد األهداف‬
‫التي يجب أن تحظى باالهتمام وال يمكن أن يتم هذا التحديد بدراجة "من المعقولية‬
‫أو االتساق إال إذا توافر للمجتمع نسق فلسفي تربوي‪ ،‬بدونه تصبح العملية‬
‫التعليمية عشوائية محضة ومجرد مصادفات أو محاوالت للتلفيق ال تلبث أن‬
‫تتداعى"‪ .‬وحيث يهتم البحث الحالي بالهدف العقلي المعرفي ال بد من االهتمام‬
‫أيضا "بالمدخالت السلوكية" أي ما لدى طفل المرحلة من خبرات سابقة في‬
‫التعليم‪ ،‬قدرات عقلية‪ ،‬ومستويات نمائية ومهارات واتجاهات وميول ودوافع للتعلم‬
‫كذلك المحددات االجتماعية والثقافية والحضارية التي تؤثر في شخصيته ككل‬
‫وهو ما يسمى "بمحددات نمو الشخصية"‪.‬‬
‫وال يمكن الفصل بين هذه المدخالت السلوكية "والنظرية المنهجية" حيث‬
‫أنها متداخلة ومتفاعلة مع عملية صياغة "األهداف التعليمية" ومن أهمها‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪178‬‬

‫القدرات العقلية التي تحدد التأهب للتعلم واالستعداد للمدرسة‪.‬‬


‫لذلك لزم توضيح اإلطار النظري الذي يعتمده البحث الحالي كأساس‬
‫"ل لعملية التعليمية" ككل لطفل ما قبل المدرسة إذا صح االتفاق على تسميتها بهذا‬
‫االسم‪.‬‬
‫حيث نجد أنفسنا مضطرين لتعليم طفل هذه المرحلة‪ ،‬ونظر لعدم تبني‬
‫نظرية واضحة تميز العملية التعليمية في هذه المرحلة وتفرق بينها وبين العملية‬
‫التعليمية في مرحلة المدرسة اإللزامية نجد أنفسنا تحت ضغوط كثيرة يعلمها‬
‫جميع من يعمل في حقل التعليم مضطرين لتطبيق نفس الطريقة على طفل ما‬
‫قبل المدرسة بالرغم من أوجه النقص في الطرق التقليدية‪.‬‬
‫وبالرغم من هذا يجد العاملون في مجال تربية طفل ما قبل المدرسة أنفسهم‬
‫مضطرين إلى توزيع األطفال على فصول دراس ية وملتزمين بتدريس اللغة‬
‫العربية‪ ،‬بل وتتبارى الرياض في تعليم الطفل لغات أجنبية‪ ،‬ويقاس رقي‬
‫الروضة بمدى تقدم الطفل في حفظ األناشيد باللغة األجنبية وبثروته اللغوية‪،‬‬
‫وأصبح تقييم أولياء األمور للروضة يتم بقياس كم ما يحفه طفلهم من كلمات‬
‫وجمل‪ ،‬بالرغم من أن الدراسات أوضحت أن االزدواج في تدريس اللغة‬
‫األجنبية بجانب اللغة األم كان له تأثير سلبي على المحصول اللفظي وعلى‬
‫مستوى الطالب في اللغتين األجنبية والقومية معا‪.‬‬
‫إذا كان قد تحدد هذا الدور الفعلي لرياض األطفال كهدف رئيسي لها‬
‫وأصبحت مكان للتعليم المنظم للغة والعمليات الحسابية‪ ،‬وفرض هذا الوضع‬
‫نفسه على األذهان وإذا كان له أن يستمر‪ ،‬فعلى األقل يجب أن تتغير الطريقة‬
‫التقليدية "القائمة على أخبار المتعلم" بماذا يتعلم"‪ ،‬ومتى يتعلم"‪ ،‬وأن يتقبل ما‬
‫يقدم له على أنه حقيقة"‪.‬‬
‫وقد تكرر مرارا هذا التنبيه كلما تعرض الباحثون لطرق التدريس المختلفة‬
‫وفي العديد من النماذج والتصورات والبرامج التي تقترح ضرورة إحالل‬
‫‪179‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫الطريقة االبتكارية كطريقة من طرق التعلم وحل المشكالت وتمحيص وفحص‬


‫وجهات النظر استكماال للبناء عليها مع تالميذ المرحلة اإلعدادية والثانوية‬
‫وغيرها‪ ،‬لما لها من أثر فعال في زيادة التحصيل الدراسي‪ ،‬واستيعاب العلوم‬
‫االجتماعية والطبيعية والكيمائية‪ ،‬ففي هذه المراحل المتقدمة من التعليم هناك‬
‫مجال لالختيار والتفضيل بين طرق التدريس‪ ،‬بما لبعضها من أثر إيجابي في‬
‫تنمية كم المعلومات‪ ،‬وما لبعضها اآلخر من أثر سلبي‪ .‬ولكن عندما يكون ناتج‬
‫بعض الطرق هو تنشي ط نمو الطفل بتعليمهن أو إعاقة هذا النمو واحتجاز‬
‫الشخصية في مرحلة بعينها‪ ،‬وباستالبها حقها في الحياة السوية وإحالة األطفال‬
‫إلى اآلت تختزن المعلومات بطريقة صماء لتتداعي هذه المعلومات بتلقائية تامة‬
‫في مواقف حياتيه‪ ،‬قد تفلح في حل مشكالت التواصل االجتماعي تارة وتفشل‬
‫تارة أخرى فنحن بذلك تحول طفل المرحلة إلى شخصية عدوانية مخربة تحاول‬
‫هدم هذا المعلم المتسلط الذي يلقي بالمفاهيم والمعلومات والمبادئ على هذا‬
‫الطفل وما عليه إال أن يستقبلها ويحفظها بسلبية وتلقائية تامة‪ .‬حينئذ فنحن‬
‫نضرب بعرض الحائط نتائج عدد من البحوث الجادة في مجال النمو والتعلم‪،‬‬
‫متجاهلين الفعالية الذاتية النشطة التي تميز بها الطفل وقوانين نمو العمليات‬
‫العقلية وانتقالها من التلقائية إلى الوعي‪ ،‬والعالقة بين التعلم والنمو حيث "يسبق‬
‫التعلم النمو ويجره وراءه‪ ،‬دون محددات النمو األربعة في توظيف القدرات‬
‫وإخراجها في صورة عمليات وخصائص النشاط المهيمن على طفل ما قبل‬
‫المدرسة ودوره المحدد لنمو شخصية طفل المرحلة‪ ،‬وكأننا نسوي بين الطفل‬
‫والحيوان؛ حيث ال نستثير فيه سوى عمليات التكيف وتمثل البيئة االجتماعية‪،‬‬
‫وقد يدرك عندئذ بعض المفاهيم في سياق عملية التمثل" وقد تتكون لدى الطفل‬
‫عندئذ المنظمات وفقا للميكانيزم العام لتكوين العالقات الشرطية في تسلسل‬
‫لألفعال المنعكسة الشرطة‪ .‬فمفتاح تكوين المخططات هو "الفعل في محاولة‬
‫للتكيف" ولكن تكوين تلك "الميكانيزمات" السلوكية سواء كانت الجاهزة لألداء‬
‫منذ لحظة الميالد‪ ،‬أو التي تنضج بالتدريج في عملية النمو النوعي تتم وفقا‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪180‬‬

‫للقوانين العامة للتطبيق البيولوجي الذي يمثل عملية بطيئة كرد فعل للتغيرات‬
‫التي تحدث في الوسط البيئي‪ .‬وأفضل ما يمكن أن يصل إليه تعليم طفل المرحلة‬
‫بالطريقة التقليدية يمكن إدراجه تحت قسم "تجميع الخبرة الفردية التي تنضج‬
‫بالتدريج في ع ملية التعليم تبعا للتسلسل التكويني الشرطي بالتكرار الدائم لتعزيز‬
‫بعض أنواع السلوك وانطفاء بعضها اآلخر‪ .‬وهذا ما يفسر ذلك االنطفاء المبكر‬
‫لما يحفظه الطفل في الروضة وال يلبث أن ينساه كما يفسر ظاهرة تسميع الطفل‬
‫للنشيد من أوله إلى آخره ورفضه أو عدم استطاعته تكم يل النشيد من منتصفه‬
‫كذلك حفظه لجدول الضرب في المرحلة المتقدمة حفظا متسلسال أو حفظ‬
‫الحروف األبجدية متسلسلة ثم حفظ صور الكلمات وربطها مع صورتها الذي‬
‫تنطق به فيكفي لشرح هذا "التجميع" لدى الطفل ولدى الحيوان في نفس الوقت‬
‫الرجوع للنظرية السلوكية واالرتباط الشرطي واألفعال المنعكسة والتعزيز‬
‫الطبيعي وهذا ما يفسر أيضا إمكانية تعليم بعض الحيوانات ترديد بعض الكلمات‬
‫والقيام ببعض العمليات الحسابية البسيطة التي يتم تدريبها سلوكيا عليها‪.‬‬
‫وبطبيعة الحال ال يمكن أن يكون هذا هو الهدف من تعليم طفل الروضة‬
‫وال هو التعليم بمعناه ا لمتعارف عليه في الدول المتقدمة التي تعتبره سببا في نمو‬
‫الشخصية ككل‪.‬‬
‫وقد أصبح الهدف األساسي األن من التعليم ليس فقط إتاحة فرص التكيف‬
‫مع عالم الموضوعات والظاهرات البيئية االجتماعية والثقافية المحيطة بالطفل‪،‬‬
‫ولكن نصبوا إلى أن يستوعبها ويعمل بنشاطه المهيمن على تغليف عملياته‬
‫العقلية في كل مرحلة من مراحل نموه الغالف المناسب لها‪ ،‬وتعديل مفاهيمه‬
‫لتتناسب مع مكانته االجتماعية التي تتغير بتغير معلوماته وخبراته وتطلع‬
‫المجتمع إليه والمطالب التي تتطلبها منه البيئة وهو يعمل على تحويل‬
‫"المعلومات" المتاحة من البيئة إلى "خبرات" ذاتية مطبوعة بطابعه الخاص‬
‫وهذا ما تفعله البيئة بواسطة محددات النمو‪ .‬فالطفل ال يتمتع بوظائف عقلية‬
‫‪181‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫وعمليات معرفية وراثية تظل كامنة حتى تستدعيها البيئة‪ ،‬وإنما هو يقوم‬
‫"بتوظيفها" وإخراج القدرات المستترة فيه في صوره عمليات في شكل أنشطة‬
‫مهيمنة استنادا إلى د عامات ثالثة سبق تبينها في بحث سابق هي الوعي –‬
‫اإلدراك ‪ -‬التفاعل االجتماعي‪ ،‬وهكذا نرى أن "جميع العلميات العقلية تظهر على‬
‫مسرح الحياة مرتين مرة تلقائية ومرة واعية"‪.‬‬
‫وهذا االنتقال ليس حتماً أو حادث ال محالة في كل الظروف‪ ،‬ولكن إن لم‬
‫تتدخل البيئة "بالشكل المناسب " من خالل النشاط المهيمن على طفل المرحلة "في‬
‫الوقت المناسب" وقد استعداد الفاعلية الذاتية للطفل للنشاط والتوظيف "والتأهب "‬
‫التام لهذا االستعداد ونمو الدافعية لدى الشخصية أن لن تتدخل البيئة‪ ،‬حينئذ تحتجز‬
‫جميع هذه العمليات على مستوى التلقائية وال تنتقل إلى الوعي ومن ثم ال يمكن‬
‫تكونيها بصورة آلية‪ .‬كذلك نجد أنه ال يمكن التسليم بأن العمليات العقلية تتكون‬
‫لدى الطفل تحت تأثير خبرته الفردية في عملية التعلم التي يخضع فيها لمؤثرات‬
‫لدى الطفل تحت تأثير خبرته الفردية في عملية التعلم التي يخضع فيها لمؤثرات‬
‫متكررة مدعمة فينت ج من التعزيز ارتباطات جديدة أننا لو سلمنا بذلك ألصبح‬
‫النشاط العقلي للطفل ال يتعدى عملية استرجاع لهذه االرتباطات وفي الحقيقة هو‬
‫قادر على استيعاب المعلومات وتحويلها إلى خبرة معممة‪.‬‬
‫فليس التكرار هو الذي يؤدي بالطفل إلى إجادة اللغة "واستخدامها" إلى‬
‫إدراكها وا ستيعابها ثم "استدخالها" لتصبح أدوات للفكر (مفاهيم) وإنما ال يمكن‬
‫أن يحدث ذلك إال بفضل التعليم المقصود المبرمج تبعا لنظرية معينة تمد المعلم‬
‫باألهداف والطريقة التي ينتهجها لتحقيقها‪ ،‬وتساعده على كشف العيوب التي‬
‫تظهر أثناء األداء إلى نهاية العملية التعليمية‪ ،‬و هي ما تسمى النظرية المنهجية‪.‬‬
‫لكي يتمكن الطفل من تكوين مفاهيم معينة ال بد أن تتحول "األداءات‬
‫الخارجية"‪ ،‬التي تشكلها عمليات التربية من الكبار والبيئة إلى "عمليات داخلية"‪.‬‬
‫ولكن بجانب هذا الدور الحيوي للبيئة ال يمكن ألحد أن ينكر أهمية االستعدادات‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪182‬‬

‫الطبيعية فيهي تمثل شروطا الزمة لنمو القدرات‪ ،‬ولكنها ال تضمن التحقق‬
‫الفعلي لهذه القدرات وإخراجها في صورة "عمليات" وإنما الضمان الوحيد لهذا‬
‫هو "التوظيف بالمعنى الذي ورد في بحث سابق"‪.‬‬
‫وذلك التوظيف الذي يثبت أن الطفل ليس مجرد مستجيب لمؤثرات البيئة‬
‫وإنما هو ذات مؤثرة على ا لبيئة نفسها وهو يزداد تأثرا بالبيئة وتأثيراً فيها بما‬
‫تعلمه أثناء عمليات الفاعل االجتماعي من "مكانته االجتماعية"‪ ،‬التي وضعته‬
‫فيها مطالب المرحلة "فتوظف" قدراته وتظهر فاعليته النشطة فيد صورة‬
‫عمليات ومهارات مختلفة تكتسب وتنمو بدورها أثناء نشاطه التفاعلي كما تتغير‬
‫استجابته مع مراحل نموه المختلفة فما كان يثير انتباهه في الماضي يفقد تأثيره‬
‫عليه في المرحلة الحالية‪.‬‬
‫وذلك نتيجة تغير األنشطة المهيمنة فهي أبواب متغيرة تبعا لمراحل النمو‬
‫المختلفة يجب أن يطرق كل باب من حينه لتنشيط عملية استيعاب وإعادة بناء‬
‫الخبرة االجتما عية ويجب الحرص وعدم الخلط بين األبواب المخلفة حيث يؤدي‬
‫هذا الخلط إلى الفضل في توظيف االستعداد للنشاط وعدم استثارة الفعالية‬
‫النشطة للشخصية‪ ،‬وقد يكون هذا هو المسئول عن العجز الذي يعانيه طفل ما‬
‫قبل المدرسة في عملية تعليمه اللغة وعناصرها والعمليات الحسابية البدائية‪،‬‬
‫حيث أننا نطرق بهذه المعلومات باب العمل العقلي المقصود في محاولة‬
‫الستثارة النشاط التعليمي المنظم ومخاطبة عقله في عمليات التفكير المجرد‬
‫والتحليل والتعميم‪ ،‬وقد يمكن تدارك هذا الخطأ لو طرقنا باب النشاط اللعبي‬
‫حيث ثبت أنه هو النشاط المهيمن على طفل المرحلة وهو القادر على تنمية‬
‫الشخصية في ذات المرحلة‪ ،‬وهو ما يسميه فيجوتسكي "الحد الحالي للنمو" أي‬
‫متطلبات النمو القادر على الوفاء بها وإشباعها في المرحلة الحالية‪ ،‬وهو كذلك‬
‫القادر على تحديد "حد النمو الوشيك" أي ما يستمكن منه الطفل بيما بعد‪،‬‬
‫وال تخفى العالقة الدين اميكية بين الحدين‪ ،‬فالحد الحال للنمو يؤهل الشخصية‬
‫لالنتقال للحد التالي للنمو‪ .‬وعلى التربية أن تطور وأن تعد للحد التالي "الوشيك"‬
‫‪183‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫فهي بذلك تستعجل النمو‪ .‬وكلما ارتفعت درجة النمو التربوي النفسي الموجه‪،‬‬
‫كما تغيرت العالقة بين "االشتراطات الخارجية" و "الداخلية" و هذا يؤثر بدوره‬
‫على النشاط والتوظيف فينتظم سلوك الطفل وتحدد غاياته ويسعى بجد لتحقيق‬
‫أهدافه‪ ،‬وبذلك يتأكد قول ليونيتيف "أن العمر ال يحدد محتوى النمو‪ ،‬وإنما‬
‫محتوى النمو هو الذي يحدد العمر"‪.‬‬
‫كما أن "المكانة االجتماعية" هي التي تحدد دور الطفل في توظيف قدراته‬
‫وتكوين استعداداته‪.‬‬
‫فالمربي الناجح إذن هو القادر على تطوير قدرات الطفل وعليه أن يقدم‬
‫المادة الدراسية بطريقة مشوقة تتناسب مع قدرات الطفل وتستثير فاعليته‬
‫النشطة التي تحدد منطقة النمو المقبل‪ ،‬وقد نبهت الدراسات إلى أهمية هذه‬
‫الفكرة وحققت إثراء لألسس العلمية التي تؤثر تربويا على الطفل بطرق‬
‫التدريس المختلفة بوصفها وسائط اجتماعية في إطارها تتكون وتنمو العمليات‬
‫العقلية الواعية‪.‬‬
‫إن النشاط مع وجود القدرات يعطينا "االستعداد" واالستعداد هو الذي يحدد‬
‫ما يستطيعه الطفل اآلن وما سيتمكن منه في "منطقة النمو التالي"‪ .‬ومن واجب‬
‫المربين تطوير طرق التربية للوصول إلى أفضلها في النتائج‪.‬‬
‫أهمة البحث‪:‬‬
‫مما تقدم تتضح أهمية هذا البحث في مدى الحاجة للتخلي عن الطريقة‬
‫التقليدية في التعليم ككل على مستوى المراحل التعليمية المختلفة لتحسين العائد‬
‫التعليمي‪ ،‬كما يلقي الضوء على مدى خطورة هذه الطريقة بالنسبة لطفل‬
‫الروضة بالذات؛ حيث إ نها تعوق تكوين استعداداته وقدراته فال يتمكن من‬
‫التعليم‪ ،‬بل ويمتد أثرها لمنع انتقال الطفل إلى مرحلة النمو الالحقة فهي بذلك‬
‫توقف نمو شخصية الطفل بوجه عام ونموه العقلي بوجه خاص وتمنع انتقاله في‬
‫عملياته العقلية من مستوى التلقائية إلى مستوى الوعي‪.‬‬
‫وقد أثبتت التجارب التي أجريت على اإلدراك وعلى سير العملية التعليمية‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪184‬‬

‫وتطويرها (جالبيرن وتالبزنا وغيرهم)‪" .‬أنه لكي يتعلم الطفل اللغة بنجاح ال بد‬
‫أن يدركها بكل عناصرها إدراكا واعيا‪ ،‬ويستطيع أن يخضع مفاهيمها للتحليل‬
‫والتركيب والتعميم وا لتجريد‪ .‬ويمكن عندئذ من جعلها وسائط لحل مشكالت‬
‫أخرى‪ ،‬ويبتكر حلوال جديدة لكافة المشكالت المرتبطة بهذه المفاهيم وإال قد‬
‫يستمر الطفل في إدراكه للغة والكلمات كأنها جز من الصفات المادية لمسمياتها‪.‬‬
‫قد يتشكك البعض في قدرة طفل ما قبل المدرسة على إدراك المفاهيم‬
‫إدراكا واعيا‪ ،‬ورداً على هذا التشكك أجريت عدد من البحوث على طفل ما قبل‬
‫المدرسة في االتحاد السوفيتي‪ ،‬وأمكن تكوين بعض المفاهيم اللغوية والرياضية‬
‫كما تظهر في الدراسات التالية‪:‬‬
‫‪" - 1‬مقياس درجة وعي طفل ما قبل المدرسة بعناصر الكالم" صوفيا‬
‫نيكااليفيا كاريفا واستخدمت طريقة جالبيرن في "األداء المحلي" لتحقق‬
‫لألطفال في هذه السن اإلدراك الواعي لعناصر اللغة األم‪ .‬ذلك‬
‫اإلدراك الذي يضمن نجاحهم في تعليم اللغة األم وقواعدها‪ .‬وبذلك‬
‫أمكن نقل إدراك طفل المرحلة من مرحلة التلقائية إلى مرحلة الوعي‬
‫بمفاهيم اللغة األم‪.‬‬
‫‪" - 2‬دراسة" س‪ .‬ن كاريفا" حول مشكلة تكوين عملية العد" حيث أعطيت‬
‫للطفل بطريقة مناسبة للخصائص المميزة له حتى يقوم بعد كلمات‬
‫الجملة لقياس درجة وعيه باألعداد‪ .‬وأثناء تحليل النتئاج ظهرت بعض‬
‫القوانين الخاصة لعملية التحويل من التعامل مع اإلعداد أثناء عملية‬
‫حصر عدد الكلمات وإيجاد مجموعها‪ .‬وأيضا استخدمت طريقة جالبيرن‬
‫في التكوين المرحلي لألداء العقلي في عملية العد والمجموع الكليل‪ ،‬وقد‬
‫أمكن بذلك تحويل العالقة التلقائية باألعداد إلى عالقة واعية‪ ،‬كما أثبتت‬
‫الدراسة أن طريقة جاليبرن تساعد الطفل حتى في مرحلة ما قبل‬
‫المدرسة على تنظيم فكره‪ ،‬وتخرج القدرة العقلية في صورة عمليات‬
‫‪185‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫عقلية واعية فيستطيع عندئذ استخدام هذه المفاهيم كوسائط لحل‬


‫مشكالت أخرى‪.‬‬
‫‪" - 3‬دراسة إيدرافا عن "إمكانية تعليم األطفال تحليل اللغة‪ .‬أيضا أخذت‬
‫في االعتبار قدرة الطفل على فصل معنى الكلمة عن تركيبها وقد أمكن‬
‫تكوين العمليات المرتبطة بهذه القدرة‪.‬‬
‫‪" - 4‬دراسة جايكوف" األسس النفسية لتعميم معرفة اللغة األم‪ ،‬والنمو‬
‫العقلي لدى صغار التالميذ" واستخدم الباحث أربع خطوات للتدريس‬
‫لتمكن الطفل من تحديد التكوين المورفولوجي للكلمات‪ .‬وقد توصل‬
‫الباحث إلى أن طريقة التدريس باستخدام التحليل والتجريد والتعميم‬
‫واالبتكار (الخطوة الرابعة) هي الالزمة لنجاح التعليم حيث أنها تنشط‬
‫النمو يحقق النجاح في حل كافة مشكالت التعليم حال صحيحا ومبتكراً‪.‬‬
‫وأثبتت الدراسة أن عملية التصنيف والتمييز للظواهر اللغوية تجري بشكل‬
‫غير مناسب أثناء تدريس اللغة األم بالطريقة التقليدية‪ .‬وأمكن الوصول مع‬
‫األطفال إلى مرحلة التعميم باستخدام الرموز وبمنطق التفكير اللفظي‪ ،‬وعلى‬
‫أساسه يمكن القيام بعملية تصنيف وتنظيم المعلومات للوصول إلى تكوين إدراك‬
‫واعي للمفاهيم اللغوية‪.‬‬
‫اتفقت هذه الدراسات على النتيجة التي أقرها ليونثيف أن" العمر ال يحدد‬
‫مستوى النمو‪ ،‬وإنما مستوى النمو هو الذي يحدد العمر" ومن ثم أوصت‬
‫بتطوير وتغيير طرق التدريس حتى يمكن نقل العمليات العقلية من المستوى‬
‫التلقائي إلى المستوى الواعي‪.‬‬
‫من هذه الدراسات يتضح األثر المعوق للنمط التلقائي في جميع العلميات‬
‫العقلية وبخاصة في اإلدراك (محور البحث الحالي)‪ ،‬بالنسبة للنمو العقلي لطفل‬
‫المرحلة وضرورة تنحية هذا النمط‪ .‬وتلك النتيجة تكاد تكون مستحيلة إال إذا‬
‫استطعنا أن ندخل لطفل المرحلة بطرق أخرى غير الطريقة التقليدية‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪186‬‬

‫استخدمت الدراسات السابقة طرقة جالبيرن المرحلية في تكون المفاهيم‬


‫والطريقة التحليلية التي استخدمها جايكوف‪.‬‬
‫لكن هذا هو البحث األول الذي يتناول هذه المشكلة باستنباط طريقة‬
‫للتدريس تعتمد على النشاط المهيمن بوصفه محدد من محددات النمو‪ ،‬فيصبح‬
‫بذلك أول تطبيق أمبيريقي يثبت نتائج البحوث النظرية السابقة باستخدامه للنشاط‬
‫اللعبي الي ثبت أنه المهيمن على نمو طفل المرحلة بالخصائص المميزة له كما‬
‫يظهر في نهاية مرحلة الرياض‪ .‬حيث ثبت أنه يختلف عن النشاط اللعبي الذي‬
‫يظهر في بداية المرحلة في الخصائص والوظيفية‪ .‬حيث يقوم النشاط اللعبي‬
‫الذي تميز به الفترة األخيرة لنمو طفل مرحلة الروضة بتزويد الطفل‬
‫بالخصائص الالزمة للنشاط التعليمي المعرفي المقصود‪ .‬ذلك النشاط الذي يحتل‬
‫مركز الهيمنة على أنشطة طفل المدرسة االبتدائية وبذلك ينتقل الطفل من مرحلة‬
‫ما قبل المدرسة إلى المرحلة الالحقة عليها‪.‬‬
‫مشكل البحث‪:‬‬
‫أوال‪ :‬يعجز طفل الروضة عن إدراك اللغة األم (العربية) وإخضاعها‬
‫لتفكيره وتحليل الكالم إلى عناصره األولية من كلمات وحروف بالرغم من‬
‫نجاحه في استخدام اللغة في الحياة االجتماعية استخداما نحويا سليما‪ ،‬كان يتبع‬
‫الصفة موصوفها‪ .‬كذلك يعترض على نطق زميله للكلمة نطقا خطأ فيضحك‬
‫على من يقول "سمس" بدال من "شمس" ولكنه ال يستطيع أن يأتي بكلمة تبدأ‬
‫بحرف السين أو الشين مثال‪.‬‬
‫كذلك ينجح في قراءة وكتابة اسمه‪ .‬ويفرق بين كراسته وكراسة زميله عن‬
‫طريق التعرف على شكل اسمه وتقسيمه إلى الحروف المكونة له‪.‬‬
‫يتذكر الحروف األبجدية منظومة في صورة غنائية‪ ،‬في تسلسل‪ ،‬لكنه‬
‫يعجز عن التعرف عليها في غير هذه الصورة فيتعذر عليه معرفه الحروف‬
‫األبجدية في غير الترتيب الذي حفظها به‪ ،‬وال يتمكن من استكمال الحروف‬
‫الناقصة في بعض الكلمات‪.‬‬
‫‪187‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫كذلك هو يحفظ عددا من األناشيد حفظا أصماً‪ ،‬ولكنه ال يتمكن من إعمال عقله‬
‫في إقامة عالقات معينة بين أجزاء النشيد مما يجعله ينجح في "تسميع" النشيد من‬
‫أوله إلى أخره‪ .‬في حين يرفض أن "يسمعه" ويستدعيه للذاكرة من منتصفة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬يعاني بعض أطفال الفئة المثقفة في مجتمعنا من االضطرابات‬
‫السلوكية المرتبطة الذهب لحضانة والروضة‪ .‬تظهر في صورة اضطراب‬
‫النوم‪ ،‬فيعاني الطفل من األرق ليلة االمتحان مثال‪ :‬أو األحالم المخيفة‪ .‬أو‬
‫اضطرابات الطعام فيسرف الطفل في األكل أو يمتنع عنه‪ ،‬أو القيء إذا ما‬
‫اضطر لإلفطار مثال قبل الذهب للروضة‪ .‬في حين تختفي هذه االضطربات‬
‫السلوكية في أيام العطالت‪.‬‬
‫ثانةا ‪ -‬للمشكل شق هتطبةقي خطةر يتمثل فةما يلي‪:‬‬
‫أ – النزاع القائم بين موجهي مرحلة رياض األطفال والمعلمات وأولياء‬
‫األمور واإلدارة التعليمية المختصة عند تقييم وتقويم عمل المعلمة‪.‬‬
‫وعند تحديد المنهج الدراسي ومحتواه الواجب توصيله لألطفال في‬
‫فترة زمنية محددة‪ .‬وعند مناقشة ظاهرة الواجبات المنزلية التي يصر‬
‫عليها أولياء األمور‪.‬‬
‫ب – تضارب اآلراء عند تحديد أهداف المرحلة وتصم يم البرنامج التي‬
‫تحقق هذه األهداف والطريقة المتبعة لتحقيق األهداف‪.‬‬
‫فيرجع بعض المسئولين تأجيل تعليم اللغة والحساب للطفل إلى مرحلة‬
‫التعليم االبتدائي المنظم‪ .‬بعدما لمسوا تطبيقيا فشل معلمة الروضة في تعليم‬
‫األطفال‪ .‬في حين يرى البعض اآلخر الذي اطلع على نجاح العملية التعليمية في‬
‫بعض البالد التي استخدمت طريقة "جالبيرن" والطريقة "االبتكارية" والتحليلية‬
‫لتعليم طفل الروضة القراءة والكتابة والحساب‪.‬‬
‫يرى هؤالء ضرورة تعليم الطفل المصري في مرحلة الروضة‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪188‬‬

‫األهداف‪:‬‬
‫‪ - 1‬يهدف هذا البحث إلى تحديد طبيعة إدراك طفل ما قبل المدرسة لبعض‬
‫عناصر اللغة العربية (اللغة األم)‪.‬‬
‫‪ - 2‬يهدف إلى تعيين الشروط الواجب توافرها في طريقة تعليم طفل‬
‫الروضة‪.‬‬
‫‪ - 3‬يهدف إلى تكوين اإلدراك الواعي لبعض المفاهيم اللغوية (مفهوم‬
‫الحرف) ليحل محل اإلدراك التلقائي لدى طفل الروضة حتى يتمكن‬
‫من إدراك الجانب التركيبي للغة (فورمه الكلمة)‪.‬‬
‫الفروض‪:‬‬
‫‪ - 1‬يفرض البحث أن سبب المشكلة التي يعاني منها طفل ما قبل المدرسة‬
‫في إدراك اللغة العربية وبعض مفاهيمها هي الطريقة التي تعطي له‬
‫بها المفاهيم‪ .‬حيث تعطي له المعلومات عن اللغة بطريقة التلقين وعليه‬
‫أن يستوعبها كما هي‪ .‬ويتضح ذلك في مجموعة األسباب التي تناقشها‬
‫فروض البحث الفرعية التالية‪:‬‬
‫أ – يفرض البحث أن طفل الروضة قادر على القيام ببعض العمليات‬
‫العقلية الالزمة لتكوين المفهوم‪.‬‬
‫ب – يفرض البحث أن الطريقة المتبعة في تعليم طفل الروضة حالياً‪،‬‬
‫تؤكد نفس العالقة التلقيائية باللغة األم التي كانت موجودة عند الطفل‬
‫قبل التدخل التعليمي المقصود‪ .‬لذلك يستمر الطفل في االستخدام‬
‫التلقائي المباشر للغة األم بالرغم من دراسته لها في الروضة‪.‬‬
‫ج – يفرض البحثث أن واحثدا مثن العوامثل المسثئولة عثن فشثل الطفثل‬
‫الروضة في إدراك عناصر اللغثة األم إدراكثا واعيثاً هثو افتقثاره فثي‬
‫إطثار الطريقثة المتبعثثة إلثى خصثائص المفثثاهيم اللغويثة لثذلك ينشثثط‬
‫‪189‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫فثي عمليثة البحثثث الثذاتي عثثن خصثائص اللغثة بفضثثل نمثو فاعليتثثه‬
‫الذاتيثثثة ممثثثا يجعلثثثه يكثثثون عنهثثثا أشثثثباه مفثثثاهيم بثثثدال مثثثن المفثثثاهيم‬
‫الحقيقيثثثثثة الواعيثثثثثة التثثثثثي تسثثثثثاعده علثثثثثى التصثثثثثنيف بنثثثثثاء علثثثثثى‬
‫الخصائص‪.‬‬
‫د – يفرض البحث نجاح طريقة التعليم القائمثة علثى "محثددات النمثو"‬
‫فثي تكثوين بعثثض المفثاهيم اللغويثة لطفثثل الروضثة‪ .‬ومقثدرتها علثثى‬
‫تغييثر خصثثائص اإلدراك التلقثثائي للغثثة وتوجيثه الطفثثل إلثثى تحليثثل‬
‫اللغة إلى عناصرها األولية‪ .‬يركز البحث على واحد فقط مثن محثدد‬
‫النمو وهو محدد النشاط المهيمن‪ .‬والنشاط اللعبي هو المهثيمن علثى‬
‫نمو شخصية طفل الروضة كما ثبت ذلك قي بحث سابق‪.‬‬
‫العةف ‪:‬‬
‫تكونت عينة البحث من ‪ 72‬طفال متوسط أعمارهم ‪ 4.6‬سنوات طبقت‬
‫عليهم الصورة المعدلة الختبار رسم الرحل (‪ )15‬التي قننها محمد متولى غنيمه‬
‫على األطفال المصريين‪.‬‬
‫كما طبقت عليهم الصورة المعدلة الختبار مفهوم التصنيف الذي يعتمد على‬
‫نظرية جان بياجيه التي قام بتعديلها الباحث عبد الرحيم صالح لتناسب أطفال‬
‫الروضة وقد اتبع الباحث في تصميم االختبار الطريقة المتبعة في تصميم مثل‬
‫هذا النوع من االختبارات إال وهي استعمال اختبار جاتمان ‪Gutman sacale‬‬
‫والموضحة في مصادر عدة منها إدواردز ‪ 1957‬وبارت واريسيان ‪1974‬‬
‫وتصميم االختبار بهذه الطريقة أمكن الحصول على معامل ثبات عال‪ .‬أما من‬
‫حيث الصدق فإن االختبارات المبنية على نظرية بياجيه فتحقق لها صدق‬
‫المفهوم حيث تم استخدام هذه المفاهيم في العديد من الدراسات خالل الخمسين‬
‫سنة األخيرة‪.‬‬
‫كذلك طبق عليهم أثناء قيامهم بالنشاط اللعبي مالحظات مقصودة بهدف‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪190‬‬

‫الكشف عن قدرة العينة للقيام ببعض العمليات العقلية أثناء النشاط اللعبي الحر‪.‬‬
‫ثم تم استبعاد األطفال الذي أظهر رسم الرجل لديهم بعض العمليات‬
‫اإلسقاطية كذلك استبعد األطفال غير القادرين على علميات التصنيف أو تصنيع‬
‫األدوات‪.‬‬
‫واختيرت العينة المتجانسة فقط في هذه المتغيرات الثالثة فصارت ‪30‬‬
‫طفل وطفله‪ .‬لذلك تعتبر هذه التجربة تجربة استطالعية ويمكن اإلفادة من‬
‫نتائجها بتطبيقها على عينة كبيرة العدد‪ .‬كما هو موصي به في موضوع الحق‬
‫بهذا البحث‪.‬‬
‫كذلك استخدمت بعض األدوات األخرى ت تناسب مع كل فرض من فروض‬
‫البحث كما سيرد ذكر ذلك في حينه‪.‬‬
‫إجراءات البحث‪:‬‬
‫للتحقق من صدق الفرض األول لزم التعرف على عدد من اآلراء‬
‫المعاصرة التي تدور حول عملية تكوين المفهوم وتحديد خصائص هذه العملية‬
‫الذي انتهجه كل من جانب بياجيه وليف سيميرنتقتسن فيجوتسكي في سبيل هذا‬
‫التحديد‪ .‬وقد أمكن استخالص عمليتين معرفيتين أساسيتين هما "التعميم"‬
‫و"التمييز" بجانب عدد من العمليات العقلية العليا التي تساعد على تكوين الخبرة‬
‫والنمو العقلي الالزمين بإسهامهما في عملية تكوين المفهوم‪.‬‬
‫لذلك يلزم اإلجابة عن السؤالين التاليين؛ للتحقق من الفرض األول للبحث‪:‬‬
‫‪ – 1‬هل طفل ما قبل المدرسة قادر على إدراك العناصر المشتركة‬
‫للموضوعات؟ وهل هو قادر على تجريدها لتكوين التعميمات؟‬
‫‪ – 2‬هل طفل المرحلة قادر على التمييز بين العناصر المتصلة بالمفهوم‬
‫(خصائصه) وتلك التي ال صلة لها به؟‬
‫‪191‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫بمالحظ سلوك المفحوصةن بدق هتبةن ما يلي‪:‬‬


‫أثناء انشغال األطفال ببناء منزل من علب الكبريت الفارغة وعلب السجائر‬
‫الفارغة بعد أن تم توحيد لونهم بتغطيتهم بورق كريشة لون الطوب األحمر‬
‫حولت الباحثة إعطائهم اسطوانة ورقية مغطاة بنفس اللون الستعمالها لها في‬
‫البناء‪ .‬أجمع األطفال على أنها "ما تنفعش" قالب طوب‪ .‬وبالمناقشة مع الجميع‬
‫في محاولة إلقناعهم بأن لونها هو نفس لون قالب الطوب فلماذا ال يمكن‬
‫استخدامها؟ كان ردهم جميعا مش مهم اللون وانصرفوا عن الباحثة‪.‬‬
‫وحينما الحظ طفل منهم أن الباحثة أخذت االسطوانة وجلست بعيدا عنهم‬
‫اقترب منها بتودد وقال‪ :‬هاتيها أنا هاحطها فوق البيت كأنها مدخنة‪ .‬هي تنفع‬
‫مدخنة بتحليل العمليات العقلية الداخلية في تكون هذا الموقف اللعبي يمكن التأكد‬
‫من توفر القدرات العقلية الالزمة لتكون المفاهيم عند طفل ما قبل المدرسة في‬
‫موقفه الحياتي العادي كما تظهر في صورة عمليات التفكير أثناء اللعب الذي‬
‫تأكد كنمط حياة وكطريقة للتعلم والنمو في ذات الوقت‪ ،‬فالطفل لكي يخلص إلى‬
‫نتيجة عدم صالحية االسطوانة لتحل محل قالب المتشابهة بينهما وجرد هذه‬
‫الخصائص ثم عممها ثم استنتج االختالف بينهما والتشابه‪ .‬وال تخفى العالقة بين‬
‫هذه العمليات التي قام بها األطفال في الموقف اللعبي وبين بعض خصائص‬
‫التفكير االبتكاري‪.‬‬
‫إذن ما علينا إال أن ندخل للطفل من هذا الباب الذي يجعله قادرا على إخراج‬
‫قدراته العقلية الهائلة في صورة عمليات عقلية الزمة لتكوين المفاهيم ويمكن القول‬
‫بأن الطفل أثناء اللعب يبتكر بدون تهديد خارجي ودون خوف من تق ييم المعلم له أو‬
‫الباحثة‪ .‬فقد توفرت لألطفال في النشاط اللعبي الحر‪ ،‬الحركة السيكولوجية التي‬
‫ضمنت حرية التعبير في العمليات العقلية المختلفة التي تضمنتها العمليات اخيار‬
‫أدوات البناء‪ .‬كذلك تم تطبيق اختيارين آخرين‪ .‬على نفس األطفال لكي تتأكد من‬
‫قدرتهم على القيام بالعمليات العقلية الالزمة لتكون المفهوم‪:‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪192‬‬

‫‪ - 1‬تم تطبيق اختبار التصنيف إلى فئات بعرض صفات مرسوم فيها أربع‬
‫أدوات ينتمي ثالث منهم لنفس الموضوع والرابعة خارجة عنهم‬
‫ويسأل الفاحص الطفل أ ين الغريب في هذه الصورة؟ وكيف يمكن‬
‫تقسيم هذه األشياء الموجودة في الورقة إلى مجموعات؟‬
‫تمكن جميع األطفال من استخراج األدوات الغريبة من الصور‪:‬‬
‫‪ – 2‬طبق عليهم الصورة المعدلة الختبار مفهوم التصنيف‪ .‬قام بتعديله‬
‫الباحث عبد الرحيم صالح ليتناسب مع أطفال الروضة بالكويت‪ .‬وقد‬
‫تمكن جميع األطفال من التصنيف أخذا بعين االعتبار بعدين الحجم‬
‫واللون‪.‬‬
‫للتحقق من صحة الفرض الثاني‪ :‬خضعت عينة البحث ‪ 30‬طفال من أطفال‬
‫الحضانة يتراوح عمرهم بين ‪ 5- 4‬سنوات أثناء تحقيق البرنامج اليومي الذي قام‬
‫بتخطيطه طالل الفرقة الرابعة شعبه رياض األطفال أثناء زيارات التربية‬
‫العملية المنفصلة لتعليم األطفال بعض األناشيد وقص بعض القصص‪ .‬كذلك عند‬
‫قيام األطفال ببعض األدوار المثيلية التي يطلب فيها من الطفل ترديد بعض‬
‫الجمل في الموقف التمثيلي‪ .‬ثم طبق عليهم مقياس "فيجوتسكي" تبديل األسماء"‬
‫"وقد سبق تقنينه على البيئة المصرية نهاية عام ‪ ،"1985‬بهدف تحديد عالقة‬
‫الطفل بالنظام اللغوي بعامة ونظام التسمية بخاصة‪ ،‬وطبيعة إدراكه لعناصر‬
‫اللغة واألسماء‪.‬‬
‫هتبةن ما يلي‪:‬‬
‫يتعامل الطفل مع اللغة كأنها عنصر من عناصر المعنى وصفه من صفات‬
‫األشياء وليس بوصفها كيانا خاصا يضاف إلى الوقائع وليس بوصفها قوالب تصب‬
‫فيها األحداث‪ .‬لذلك لم يلتزم الطفل بالنص الذي قام بحفظه عن ظهر قلب في‬
‫التمثيلية‪ .‬واسترسل في الحوار من واقع األحداث‪ ،‬ولم يلتزم بالكلمات وإنما بدلها‬
‫بما يعطي معناها كما كان يسترسل في "قراءة" األعداد المكتوبة على السبورة‬
‫‪193‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫بنفس الطريقة التي تم "تلقينه" إياها بها‪ ،‬كان يقوم الطفل ويتغنى بخصائص األرقام‬
‫فيقول "الواحد واق ف مضبوط واالثنين باصه عليه‪ ،‬والثالثة بسنتين‪ ،‬واألربعة اثنين‬
‫واثنين‪ .‬بالرغم من إشارة المعلمة إلى األرقام في غير هذا التسلسل إال أنه لم يلق‬
‫باال إلى إشارة المعلمة للرقم المطلوب‪.‬‬

‫مما يؤكد تفاعله مع ما حفظ عن ظهر قلب دون االنتباه للمثيرات‬


‫الخارجية‪ ،‬كذلك هو ال يدرك المكتوب أمامه على السبورة وال الموقف ككل‬
‫وال يتفاعل معه‪.‬‬

‫كذلك عند تطبيق مقياس فيجوتسكي واالتفاق على تغيير أسماء بعض‬
‫الحيوانات ظهرت آثار تعلميهم للغة االنجليزية واستبشرت الباحثة خيراً عندئذ‪،‬‬
‫ولكن عندما بدا تطبيق األسئلة الثالثة للمقياس تبين أنه يدرك االسم االنجليزي‬
‫بنفس الطريقة التي يدرك بها األسماء باللغة العربية‪ ،‬ذلك اإلدراك التلقائي وكان‬
‫شاغل األطفال األكبر الخروج من هذا الجو التعليمي المقيد النطالقهم‪ ،‬بمجرد‬
‫السماح لهم بالخروج أشاعوا جوا من الفوضى والصراخ واالنطالق الذي اضر‬
‫ببعضهم ناتج االندفاع الذي تميز به سلوك األطفال‪.‬‬
‫بهذا يتحقق الفرض الفرعي الثاني للبحث؛ حيث لم تتغير الطبيعة التلقائية‬
‫لعالقة الطفل باللغة والرموز‪ ،‬بالرغم من أنها تقدم له في إطار تعليمي مقصود‬
‫مبرمج‪ .‬وثبت أن الطريقة المتبعة التي تقوم على الترديد والحفظ ال تستثير‬
‫عملياته العقلية وال تطالبه بإدراك التسمية كرموز تضاف للشيء‪ ،‬أو االنتباه‬
‫لعناصر اللغة وخصائصها "التركيبية" ويستمر حلة للمشكالت قائماً على أساس‬
‫استرجاع المخزون في عقله كردود أفعال وليس كتوظيف للقدرات لحل‬
‫المشكالت؛ حيث هو ال يستوعب وال يدرك وجود هذه النوعية من المشكالت‬
‫فهو ال ينظر للكالم باعتباره قوالب رمزية تصب فيها األحداث‪.‬‬
‫ومن ثم فال يمكن هذه الطريقة أن تضع الطفل في موقف اختبار لقدراته‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪194‬‬

‫للتحقق من صح الفرض الفرعي الثالث‪:‬‬


‫طلب من األطفال عد كلمات الجمل التي تقال لهم ويطلب منهم قبل ذلك‬
‫إعادتها وترديدها للتأكد من استيعابهم لهم‪ .‬لم تعط لهم جمل طويلة بل كانت‬
‫الجملة مكونة من ‪ 3‬كلمات فقط‪.‬‬
‫لوحظ أن الطفل ال يعيد الجملة بالترتيب الذي قيلت له به فكان يقدم بعض‬
‫الكلمات على األخرى‪ .‬ويهتم دائما بالفعل أو بالحديث الذي تحكيه الجملة كان‬
‫يقول "الفار أتآكل" أو "القط آكلة" أو الجملة كلمة واحدة‪.‬‬
‫كذلك طلب منه الفرق بين بعض الكلمات المتشابهة في كل الحروف ما عدا‬
‫حرف واحد مثل "فيل" نيل"‪.‬‬
‫فكان يقول‪ :‬النيل بحر لكن الفيش ‪ Egephant‬وبيشرب من النيل‪ .‬تعيد‬
‫الباحثة ترديد الكلمتين مع التركيز على الصوت المختلف فيهما‪ .‬وبكن كل‬
‫المحاوالت لم تفلح في تحويل توجهه إلى "فورمه" اللغة في الكلمة المسموعة‪.‬‬
‫لوحظ أن بعض األطفال "طفلين" أعاد الكمتان مع التركيز على جميع األصوات‬
‫ولكنه عاد فورا إلى معنى الكلمات‪.‬‬
‫يؤكد هذا أن الطفل لم يعد خصائص للكلمات أو الحروف ولكن ظهر في‬
‫إجابة بعض األطفال أنهم بنشاطهم الذاتي قد يتبينوا بعض الكلما ت وكلها كانت‬
‫"أسماء" مثل من يقول الجملة فيها كلمتين‪ .‬الفار – والقط‪ .‬وعندما تسأله الباحثة‬
‫"واكل"؟ كان يقول "ال دي مش كلمة دي حاجة عملها وخالص"‪.‬‬
‫وهذا يؤكد تأخر إدراك الطفل للفعل بطريقة واعية وقد يمكن إرجاع ذلك‬
‫إلى سهولة إدراكه تلقائيا‪ .‬إشارة للقانون القائل" إن ما يدرك تلقائيا بسهولة‬
‫يصعب إدراكه بوعي"‪.‬‬
‫مما تقدم يتضح أن الطفل يفتقر إلى خصائص المفهوم اللغوي سواء‬
‫"الكلمة" أو "الحرف"‪ ،‬ولن بفعاليته الخاصة وإعماله التلقائي للعقل فهو يفرق‬
‫‪195‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫بين االسم والفعل‪ .‬لكن نظرا لخلو عقله من الخصائص التي تمايز بينهما فقد‬
‫اعمل عقله في المقارنة بينهما بخصائصهما التي اكتشفها هو ولذلك رفض أن‬
‫يعتبرهما كلمات متشابهة في الخصائص‪.‬‬
‫مع هذه البداية للتوجه إلى مكونات الجمل لدى بعض األطفال لو أعطيت‬
‫لهم جميع الخصائص الفارقة والمميزة التي يستطيع أن يستعملها في تصنيفه‬
‫وتعميمه‪ ،‬ألمكنة الوصول إلى حل هذه المشكالت المتصلة بمفهوم اللغة‬
‫وعناصرها حال سليما‪.‬‬
‫وهنا يظهر السؤال المهم‪ .‬كيف يمكن أن نعطي لهم هذه المفاهيم؟ حيث‬
‫أعربت جميع المعلمات عن نفور الطفل وتوتره أثناء "الحصة" وعدم قدرتهن‬
‫على السيطرة عليه وجذب انتباهه‪.‬‬
‫يرد البحث الحالي على هذا السؤال بالفرض الفرعي الرابع للبحث‪ .‬حيث‬
‫لوحظ استغراق الطفل في النشاط اللعبي ذو الدور واالهتمام بواجبات األدوار‬
‫التي يتبناها‪ .‬كما أثبت ذلك أن النشاط المهيمن على طفل المرحلة هو النشاط‬
‫اللعبي‪.‬‬
‫فما ال يستطيع القيام به الطفل أثناء الحياة العادية‪ ،‬يقبل على أدائه بشغف‬
‫في أدوار اللعب‪.‬‬
‫من هنا ال بُدَّ أن تدخل له المفاهيم اللغوية من باب النشاط "المهيمن"‪ .‬فأكثر‬
‫صعوبات التعليم حدة تنشأ حين نريد من األطفال أن يقضوا وقتهم يعدون أنفسهم‬
‫لحياة الراشدين التي سيصيرون إليها في المستقبل‪ ،‬بينما ال يدركون هم حاجاتهم‬
‫إال في ضوء عالمهم الخاص والمباشر‪ ،‬وهذا العالم الخاص المباشر لدى طفل‬
‫المرحلة هو عالم اللعب "كنشاط مهيمن"‪ .‬ففي اللعب الذي هو حالة طفل‬
‫الروضة يحاول الطفل إشباع دافع هام وشائع عند جميع البشر إال وهو الرغبة‬
‫في تحقيق أفضل ما عندهم من إمكانات وتنميتها بأفضل الطرق مالءمة وكفاية‪،‬‬
‫وإذا أردنا تح قيق األهداف الطبيعية لهذا الدافع فعلينا إال نعتمد على االستثارة‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪196‬‬

‫االصطناعية الناجمة عن التنافس بين األطفال إلرضاء المعلمة أو ألخذ هدايا‬


‫معينة بالمذاكرة واالهتمام بالحفظ والتسميع للنجاح في الموقف التعليمي في‬
‫الروضة‪ .‬بذلك ينجح الطفل في اللعب في تحقيق ذاته ‪ Self actualization‬وهذا‬
‫هو الدافع الذي يحتل قمة التنظيم الهرمي للدافعية عن "ماسلو"‪.‬‬
‫قد يقول قائل من المعلمات‪ .‬لقد رسمت له الحروف على المكعبات ومع ذلك‬
‫هو لم يلتفت لهذه الحروف‪ .‬وإنما يستعمل المكعبات نفسه لبناء سور أو منزل‪.‬‬
‫والرد على هذا بسيط حيث إن الحروف لم تغ ير من خصائص المكعبات‬
‫وإنما هي تضفي بعض الصفات على كل مكعب أما تركيبه األساسي فهو مكعب‬
‫وليس شيئاً آخر يمكن أن يؤدي دوره في البناء بصرف النظر عما كتب عليه‪،‬‬
‫وهذا ما يوضحه تمييز "اوزويل" بين مرحلتين في تعليم المفهوم‪" :‬المرحلة‬
‫األولى هي تكوين المفهوم ‪ Concept formation‬وهي عملية االكتشاف‬
‫االستقرائي للخصائص المحكية (الفاصلة) لفئة المثير‪ .‬فهو يعمل بعقله في فئة‬
‫المكعبات وليس فئة المفاهيم اللغوية وهو يتعرف على الخصائص الفاصلة‬
‫لمفهوم المكعب والمرحلة الثانية هي "تعلم" اسم المفهوم ‪ Concept name‬وهي‬
‫نوع من التعلم التمثيلي حيث يتعلم الطفل أن الرمز المنطوق أو المكتوب‬
‫(الكلمة) يمثل المفهوم الذي اكتسبه فعال في المرحلة األولى‪ .‬وهنا يدرك الطفل‬
‫التساوي في المعني بين "الكلمة" والصورة التمثيلية لها‪ .‬هذا ما تريد تعليمه‬
‫للطفل ال يجب خلطه مع مفاهيم أخرى‪ .‬ولكن هنا نقطة خالفية خطيرة حيث إننا‬
‫ال يمكن أن نعتمد على اكتشاف الطفل للخصائص المحكية للمفاهيم اللغوية ولكن‬
‫يمكننا أن نعرضها عليه يتكون عنده السؤال بتمثيل المفهوم ‪Concept‬‬
‫‪ assimilation‬ونعرض هنا للسؤال السابق والذي يجيب عليه خصائص‬
‫الطريقة المقترحة كيف يمكننا مساعدة الطفل على تمثل المفهوم اللغوي؟ وقد‬
‫ورد أيضاً حل آخر من بعض المعلمات بأنها قد شكلت لألطفال الحروف‬
‫مجسمة من ورق (الناصيبيان) ومع ذلك لم يهتم بها األطفال أثناء استخدامها في‬
‫تنفيذ البرنامج اليومي لها في التربية العملية‪.‬‬
‫‪197‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫والرد على ذلك أيضا‪ .‬يجب فعال أن تكون الحروف في صورة مجسمات‬
‫ولكن ال بُدَّ أن تدخل في أدوار اللعب بصفة أساسية فتتشكل بها مشكلة ال يمكن‬
‫حلها وأداء الدور بها إال إذا جعلها الطفل محل تفكيره الواعي‪.‬‬
‫بذلك ال بد من جعل عناصر اللغة مشكلة ال يمكن حلها في غيبة وعي‬
‫الطفل بالمفاهيم اللغوية‪.‬‬
‫يجب أن توفر الطريقة المستخدمة خصائص المفاهيم اللغوية المراد تعليمها‬
‫للطفل والبعد عن "الصفات" التي تؤدي بالطفل إلى إنشاء اشباه المفاهيم أو‬
‫المفاهيم التلقائية‪ .‬ثم يمكن بعد ذلك إدخال هذه الطريقة في لبعة معينة الختبار‬
‫قدرة العقل على اللعب هنا يمكن استغالل بعض الخطوات التي تتمضنها طريقة‬
‫كروفورد في تنمية التفكير االبتكاري عام ‪ ،1954‬والتي تسمي طريقة "ذكر‬
‫الخصائص" ‪ Attribute listing‬فقد يذهب طفل من أطفال العينة ليشتري عددا‬
‫من الحروف الهجائية من المدرب الذي ينشر أمامه جميع الحروف الهجائية‬
‫مجسمة ويتركه يتفحصها جميعها ليستخرج ما يريد من حروف مع ذكر‬
‫خصائص الحرف المراد البحث عنه‪ ،‬وقد يشير المدرب على األطفال تصنيف‬
‫الحروف في مجموعات تعتمد على هذه الخصائص المشتركة بين كل مجموعة‬
‫من الحروف ب ـ ت ـ ث ـ ن ثم مجموعة الحروف ق ـ ف ـ ث مجموعة غ ـ‬
‫ع ـ ثم مجموعة س ـ ش ـ ث مجموعة ج ـ ح ـ خ‪ .‬ثم تستكمل اللعبة بدفع الطفل‬
‫ال ستخدام النقط في عمل الحرف المطلوب الناقص من المجموعة كأن يستعمل‬
‫نقطة الباء ونقطتي التاء بجمعهم على الثاء حيث إن خاصية عدد النقط على‬
‫الحرف تحدد تمايزه عن باقي الحروف من نفس المجموعة‪ .‬ونكون في هذه‬
‫اللعبة قد دمجنا بين طريقة "أوزبل" المسماة طريق القوائم ‪Check Iists‬‬
‫وطريقة كروفورد "طريقة ذكر الخصائص" في إطار النشاط اللعبي المهيمن‬
‫على طفل المرحلة كضمان لالستمرار الفعالية الذاتية للطفل في نشاط مستمر‬
‫ونكون بذل قد اتبعنا خطي "زويكي" الذي ابتكر طريقة التحليل المورفولوجي‬
‫‪ Marphological analysis‬عام ‪ ،1958‬وهي طريقة شاملة تحتوي على‬
‫طريقتي ذكر الخصائص والقوائم آنفتي الذكر ويتم فيها أوال تحليل المشكلة إلى‬
‫أبعادها الرئاسية‪ ،‬فهنا نحن نفكر في طريقة جديدة للتعرف على الحروف‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪198‬‬
‫الهجائية لغة العربية فبعد تحديد الخصائص األساسية للحروف وتصنيفها إلى‬
‫فئات بالتفاعل مع الكبار (المدرب) يتمكن الطفل من الربط بين هذه الفئات على‬
‫سبيل المثال بالنقط المستخدمة للتمييز بين الحروف سواء تحت الحرف أو فوق‬
‫الحرف مع اختالف عدد هذه النقط‪ ،‬وبذلك يمكن الطفل من اللعب بهذه‬
‫الخصائص وتكوين حروف جديدة بعد استخدام المدرب لألسئلة المدرجة في‬
‫قائمة "اوزيورن"‪ ،‬حول اال ستخدامات الجديدة‪ ،‬والتعديل الذي يمكن إدخاله على‬
‫الحرف حتى يمكن إحالله محل الحرف المراد شراؤه أثناء اللعبة أو المراد‬
‫إدخاله بعد ذلك في كلمة بعينها‪.‬‬
‫وهنا يجب أن يسود موقف اللعب الشروط الواجب توافرها لنجاح طرق‬
‫تنمية التكفير االبتكاري مع استبعاد أي نوع من الحكم أو النقد أو التقويم على‬
‫النشاط اللعبي القائم بين أطفال المجموعات بما فيهم المدرب‪ .‬وتشجيع التداعي‬
‫الحر الطليق وتقيل جميع االستجابات‪.‬‬
‫كذلك ال بد للمدرب مراعاة األسلوب المعرفي للطفل‪ .‬حيث قد يكون تم‬
‫تكوينه لدى الطفل منذ التدريب المبدئي األول في المنزل قبل التحقق بالروضة‬
‫ذلك األسلوب الذي يدفع نمط الفعالية الذاتية النشطة للشخصية والذي يتحدد بفعل‬
‫"المكانة االجتماعية" التي يحتلها الطفل في األسرة‪ ،‬وفكرة الشخصية عن ذاتها‪،‬‬
‫وطبيعة قيام الشخصية لألدوار االجتماعية وبالتالي تحددت طبيعة "التأهب"‬
‫للقيام باألدوار االجتماعية "في اللعب المتطور"‪.‬‬
‫هذا االستعراض للخصائص الواجب توافرها في الطريق هو الذي يعطي‬
‫الدليل النظري على نجاح الطريقة المقترحة المبنية على محددات النمو بعامة‬
‫ومحدد النشاط المهيمن بخاصة‪.‬‬
‫وقد طبقت هذه الطريقة على عينة استطالعية وأعطت بعض المؤشرات‬
‫الدالة على نجاحها‪.‬‬
‫‪199‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫ملخص الفصل اخلامس‬

‫يتضح بناء على ما تقدم أن أفضل نموذج الذي يشبع احتياجات الفرد‬
‫الملحة في إطار النشاط المهيمن عليه‪ ،‬هو الذي يتيح أكبر درجة من الوعي‬
‫باألدوات المستخدمة‪.‬‬
‫وهذا هو النموذج التي قامت بصياغته الدراسة الحالية‪ .‬هو نموذج عملي‬
‫كناتج للتكامل القائم بين نماذج التعليم المتعدد وقواعد واتجاهات النمو للشخصية‬
‫بوصفها كل رباعي (نفسي – جسمي – عقلي ‪ -‬اجتماعي)‪ ،‬ومحددات النمو‬
‫المستخلصة من النظرية االجتماعية التاريخية – واستعدادات الشخصية إلشباع‬
‫حاجاتها الملحة للمعرفة‪ .‬وتأكيد الذات بالنجاح في المهمة التي يمليها النشاط‬
‫المهيمن عليها‪ .‬وفي تفاعلها مع المكانة االجتماعية التي تحتلها الشخصية في‬
‫مرحلتها النمائية وحصيلة ذلك هي التي تدفع الشخصية إلى الطفرة الالزمة‬
‫لالنتقال لمرحلة النمو الالحقة ومنع معوقات االنتقال التي تظهر في طرق‬
‫التعليم غير المناسبة والتي تدفع شخص ية الطفل للتأزم‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪200‬‬

‫أسئلة على الفصل اخلامس‬

‫س‪ - 1‬اخت ر واحد من الثالثة‪ :‬باب استدخال الخبرة االجتماعية في مرحلة المهد‬
‫(الحاس الحركي – النشاط اللعبي – نشاط االختصاص)‪.‬‬
‫س‪ - 2‬أجب عن األسئل اآلهتة ‪:‬‬
‫ما هي خصائص الشخصية المعدة للمدرسة االبتدائية؟‬
‫ما الفرق بين النشاط اللعبي والنشاط التعليمي؟‬
‫طريقة عرض المشكلة هي التي توجه الطفل لتحديد المجال الذي يختار‬
‫منه أدوات الحل‪ .‬هل هذه العبارة صحيحة؟‬
‫هل يمكن استخدام محددات النمو األربعة كأسس لتقسيم النمو إلى‬
‫مراحل؟‬
‫اشرح العبارة‪ :‬ليس كل من بلغ سن السادسة مستعدا لدخول المدرسة‪.‬‬
‫اشرح العبارة‪ :‬ليس كل من يدخل المدرسة االبتدائية قد تلقى اإلعداد‬
‫الالزم لنجاح شخصيته في احتالل هذه المكانة االجتماعية الجديدة‪.‬‬
‫اشرح العبارة‪ :‬تتناوب األنشطة على قمة الهيمنة فينقسم النمو مراحل‬
‫تنتهي كل رحله باحتالل مكانة اجتماعية جديدة‪.‬‬
‫"حينما تت دخل البيئة بالشكل الخطأ تعوق النشاط المهيمن عن أداء‬
‫وظائفه يظهر طفل المهد المشكل"‪ .‬اشرح المظاهر السلوكية لطفل المهد‬
‫المشكل الذي أعاقت نموه البيئة‪.‬‬
‫"يختلف مظهر النشاط المهيمن من مرحلة نمو ألخرى"‪ .‬اشرح العبارة‬
‫موضحاً دور كل نشاط في المرحلة الخاصة به‪.‬‬
‫"يستعمل طفل الروضة النشاط اللعبي كمفتاح لعملية التبيطع‬
‫االجتماعي"‪ .‬اشرح العبارة مستشهداً بالوقائع الحياتية لطفل الروضة‬
‫التي تثبت ذلك‪.‬‬
‫‪201‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫"اثبت أن النشاط اللعبي ال يقوم مقام االسترخاء وأنه ال يعتبر عملية‬


‫عقلية بحتة‪ ،‬وإنما هو نشاط يحمل دوافعه في ذاته وهو المسئول عن‬
‫استيعاب الخبرة االجتماعية لطفل الروضة وبالتالي المسئول عن نموه"‪.‬‬
‫اشرح العبارة‪.‬‬
‫لماذا نسمى لعب الحيوان "سلوكا لعبيا"‪ ،‬ونسمى لعب الطفل "نشاطا‬
‫لعبيا"؟‬
‫اثبت أن طفل الروضة ال يستطيع إرجاء رغباته الملحة وتأجيل إشباعها‬
‫إالّ في إطار نشاط لعب األدوار االجتماعية‪.‬‬
‫اذكر خصائص شخصية الطفل المعد للمدرسة االبتدائية؟‬
‫ما الفرق بين النشاط اللعبي والنشاط التعليمي؟ اذكر خصائص كل‬
‫منهما؟‬
‫أكد الكتاب على إمكانية طفل الروضة التفكير في مكونات الكلمات‬
‫وخصائص الحروف‪ ،‬بل وابتكار حروف أخرى بزيادة اللفظ‪ .‬اشرح‬
‫كيف تم ذلك‪.‬‬
‫"إذا كنا مضطرين لتعليم طفل الروضة الحروف األبجدية والكلمات‬
‫والقراءة فال بُدَّ من التخلي عن طريق التحفيظ والتلقين"‪ .‬اشرح العبارة‬
‫مستشهداً بنتائج البحوث التي درستها في الفصل الثالث من الكتاب‪.‬‬
‫كيف نجحت طريقة تعليم الطفل القائمة على محددات النمو في توحيد‬
‫الطفل لتحليل اللغة إلى عناصرها األولية؟‬
‫لماذا يعجز طفل الروضة عن إدراك الكلمات والحروف بالرغم من‬
‫نجاحه في استخدام اللغة في الحياة االجتماعية استخداماً نحوياً سليماً‬
‫كان يُتبع الصفة للموصوف فيقول بابا حلو وماما حلوة؟‬
‫هل يقدر طفل الروضة على إدراك العناصر المشتركة للموضوعات‪،‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪202‬‬

‫وهل هو قادر على التمييز بين العناصر المتعلقة بالمفهوم وتلك التي‬
‫ال صلة لها به؟‬
‫لماذا تفشل معلمة الروضة في تعليم الطفل الحروف التي كتبتها له على‬
‫المكعبات؟ ولماذا يأخذ المكعبات ويبني بها بنيانًا بدالً من قراءة المكتوب‬
‫عليها؟‬
‫س‪ - 3‬عالم ( ‪ )‬أمام العبارات الصحةح ‪:‬‬
‫يمكن تعليم طفل الروضة القراءة بـ‪:‬‬
‫‪ ‬التعليم المقصود‪.‬‬
‫‪ ‬باأللعاب بالكلمات والحروف لحل مشكالت اللعبة‪.‬‬
‫‪ ‬بألعاب على غرار لعبة "كلمة السر"‪.‬‬
‫‪ ‬العبارة رقم ‪ 1‬خطأ‪.‬‬
‫‪203‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫الفصل السادس‬
‫النمو النفسي واالجتماعي للطفل‬
‫يف بعض املراحل واملشكالت النفسية‬

‫األهداف‪:‬‬
‫بعد دراس هذا الفصل؛ يفبغي أن يكون الدارس ملمًّا بما يلي‪:‬‬
‫المشكالت التي تحدث للطفل في صورة اضطرابات انفعالية وسلوكية‪.‬‬
‫تعريفهم لالنفعال ‪ -‬أهم الصفات المشتركة بين جميع المذاهب في تعريف‬
‫االنفعال‪.‬‬
‫عالقة االنفعال باألزمة ومفهوم إعادة االتزان وتحقيق السعادة‪.‬‬
‫أنواع األزمات‪:‬‬
‫‪ - 1‬أزمة الثالث سنوات‪:‬‬
‫‪ - 2‬أزمة سن المدرسة في النصف الثاني‪.‬‬
‫‪ - 3‬األزمة التي يتعرض لها المراهق حينما يحاول إثبات ذاته المستقلة‬
‫وال يعطيه المجتمع هذه الفرصة‪.‬‬

‫العفاصر‬
‫‪ -‬المظاهر العامة لالنفعال‪.‬‬
‫‪ -‬الصفات المميزة النفعال األطفال‪.‬‬
‫‪ -‬التفاعل االجتماعي لألطفال‪.‬‬
‫‪ -‬العوامل المؤثرة في النمو االنفعالي‪.‬‬
‫‪ -‬حدود التنشئة االجتماعية‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪204‬‬

‫‪ -‬التنشئة االجتماعية وأثرها في النمو االجتماعي السليم وانعكاسها على‬


‫السلوك‪.‬‬
‫‪ -‬خصائص المرحلة األولى من حياة الطفل المدرسية من ‪ 12 : 6‬سنة‪.‬‬
‫‪ -‬خصائص المرحلة األولى من حياة الطفل المدرسية من ‪ 12 : 6‬سنة‪.‬‬
‫* من الناحية النفسية‪:‬‬
‫‪ -‬الصعوبات األساسية التي يواجهها الطفل في عامه الدراسي األول‪.‬‬
‫‪ -‬تعريف المسئولية االجتماعية‪.‬‬
‫‪ -‬النمو االجتماعي والمسئولية االجتماعية لدى طفل الروضة‪.‬‬
‫‪ -‬تعريف المسئولية االجتماعية‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬االهتمام‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬الفهم‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬المشاركة‪:‬‬
‫‪ -‬التنفيذ‪.‬‬
‫‪ -‬التقويم‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬الواجبات االجتماعية‪.‬‬

‫بعدما تعرض الكتاب في الفصول الخمسة السابقة للمفاهيم الرئيسية وأهم‬


‫القوانين النمائية‪ ،‬يجب اإلشارة إلى بعض المشكالت التي تحدث للطفل في‬
‫صورة اضطرابات انفعالية وسلوكية‪.‬‬
‫يختلف العلماء في تعريفهم لال نفعال تبعاً للزاوية التي ينظرون منها إليه‪،‬‬
‫فمنهم من يهتم بنشأته وتطوره ومنهم من يهتم بمظاهرة العضوية ومنهم من‬
‫يحاول أن يحلل طبيعته إلى نظرية تكوينية وبيئية وثقافية‪.‬‬
‫‪205‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫ويلخص "دلفر" أهم الصفات المشتركة بين جميع المذاهب في تعريف‬


‫االنفعال في أنه "حالة نفسية معقدة تبدو مظاهرها العضوية في أضطرب التنفس‬
‫وزيادة دقات القلب واختالل إفراز الهرمونات وتتميز مظاهرة النفسية بشعور‬
‫قوى يبدأ بلقلق واالضطراب مما يؤدي إلى قيام الفرد بسلوك معين ليخفف من‬
‫توتره النفسي"‪.‬‬
‫وقد تعوق حدة االنفعال النشاط المعرفي للفرد للحد الذي يتوقف معه التفكير‪.‬‬
‫ويهدف االنفعال في جوهرة إلى تحقيق السعادة التي يرجوها الفرد في اتزانه مع‬
‫نفسه ومع بيئته‪ ،‬وفى أعادته لهذا االتزان عندما يختل‪ ،‬وهنا يلزم تعريف األزمة‬
‫فهناك أزمات جمعية وهناك أزمات اجتماعية وهناك أزمات نفسية‪.‬‬
‫واالزمة هي اللحظة التي يعاق فيها النمو فحينما يحاول الفرد إعادة االتزان‬
‫بينه وبين المجتمع الذي يعيش فيه وتعرقل هذه المحاولة وفى كل مرة يشعر‬
‫الفرد باإلحباط نتيجة هذه اإلعاقة فيزداد االنفعال ويشتد التوتر وكذلك حينما‬
‫الفرد برغبات واحتياجات نفسية وال يمكن من إشباع هذه االحتياجات قد تحدث‬
‫األزمة نتيجة أعاقة اإلشباع‪ .‬ولكن األزمات ليست الزمة من لوازم النمو وهى‬
‫ليست حتمية الحدوث فقد يحدث النمو ويسير سيراً طبيعياً بدون عوائق‬
‫اجتماعية أو نفسية (في أطار القدرات) فال تحدث األزمة ومن أمثلة هذه‬
‫األزمات التي يتعرض لها الفرد من أعاقة المجتمع المتكررة للنمو مما يؤدي‬
‫إلى احتجاز الشخصية ومنعها من االنتقال للمرحلة التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬أزم الثالث سفوات‪ :‬فنجد الطفل حينما يشعر في ذاته بقدرته على‬
‫القيام ببعض األعمال بمفرده في حين ال يستطيع الكبار تمكينه من ذلك‬
‫لعدم تأكدهم من قدرته الخاصة على القيام بمثل تلك األعمال يتعرض‬
‫الزمة الثالث سنوات‪.‬‬
‫‪ - 2‬يتعرض الطفل في سن المدرسة في النصف الثاني من العام الدراسي‬
‫األول لحالة من الصراع بين رغباته وتعطشه للعلم بالمعني الواسع‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪206‬‬

‫في حين أن المواد الدراسية ال تستطيع أن تشبع هذا التعطش الموجود‬


‫عند الطفل وهنا يعني الطفل من ظهور األزمة الثانية في حياته والتي‬
‫تتمثل في انخفاض المستوى الدراسي وعدم استيعابه للمواد الدراسية‬
‫واإلهمال الشديد للنشاط المدرسي والحيل الالشعورية الهروبية‪.‬‬
‫‪ - 3‬األزمة التي يتعرض لها المراهق حينما يحاول إثبات ذاته المستقلة‬
‫وال يعطيه المجتمع هذه الفرصة ويشكل قيود على حرياته تجعله يشعر‬
‫ب اإلحباط الدائم من عالم الكبار المحيط به فينحرف في التعبير عن هذه‬
‫الرغبات وتظهر مشكلة المراهق في صورة صراع مع المحيطين‬
‫بالمراهق وصراع داخلي مع دوافعه ذاتها‪.‬‬
‫المظاهر العام لالنفعال‪:‬‬
‫تتميز االنفعاالت بمظاهر عامة عضوية داخلية وخارجية‪ ..‬أما الداخلية‬
‫فتبدو بسرع ة ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم بسرعة التنفس واضطراب‬
‫عمل الجهاز الهضمي الذي يبدأ باإلمساك الشديد أو اإلسهال الشديد واختالف‬
‫إفراز الغدد واألوعية الدموية وترجع أغلب هذه االضطرابات الداخلية إلي‬
‫اختالف وظيفة الجهاز السمتباوي الذي يؤثر على أغلب الوظائف الجسمية‬
‫ا لداخلية وتبدو المظاهر الخارجية في األرق واضطرا ب النوم وأن يبكي الفرد‬
‫حزناً أو يتقيا اشمئزازا أو يعيش غاضباً أما االستجابات العضوية فهي أن‬
‫يصيح أو يصرخ أو يتأوه أما االستجابات اللغوية اللفظية فهي أن ينطلق‬
‫بعبارات تدل على ألوان انفعاالته التي تعبر عن ألمه أو حزنه العميق أو سعادته‬
‫أو فرحه وتتأثر هذه المظاهر بالعمر الزمنى وبمراحل النمو وبأنماط الثقافة‬
‫وبالفروق بين الناس كاختالف مستويات الذكاء وسمات الشخصية والجنس ذكر‬
‫أم أنثي‪ ،‬وتؤثر هذه المظاهر في حالة الفرد العقلية‪ ،‬فالحزن مثالً يؤدي إلى‬
‫االكتئاب وشرود الذهن وصعوبة التركيز واالنتباه والغضب الشديد يؤدي إلى‬
‫إعاقة التفكير واضطرا ب الوظائف العقلية العليا‪.‬‬
‫‪207‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫الصفات الممةزة النفعال األطفال‪:‬‬


‫‪ - 1‬قصيرة المدى أنها تبدأ بسرعة وتنتهي بنفس السرعة التي بدأت بها‪.‬‬
‫‪ - 2‬كثيرة تتناوب الطفل انفعاالت كثيرة وهى لذلك تصبغ حياته بصبغة‬
‫وجدانية مختلفة األشكال‪.‬‬
‫‪ - 3‬متحولة المظهر فال يستقر الطفل في انفعاالته على لون واحد فهو‬
‫سرعان ما يضحك ثم يبكي هو يضحك‪.‬‬
‫‪ - 4‬حادة في شدتها فال يميز الطفل بين األمور التافهة والمهمة فيبكي بشدة‬
‫إذا منع من الخروج أو عندما نقص أظافره ويفرح كثيراً عندما يقطع‬
‫الحلوى كما يفرح بنفس الشدة عندما نشترى له لعبة جديدة‪.‬‬
‫العوامل المؤثرة في الفمو االنفعالي‪:‬‬
‫تتغير انفعاالت الطفل تبعاً لتغير المثيرات المختلفة التي يستجيب لها فتتأثر‬
‫االستجابة االنفعالية بشدة المثير ومالبساته المختلفة التي تحيط به بدء تكوينه‬
‫واستمرار وجوده‪.‬‬
‫وتدل األبحاث على انفعاالت الطفل تتأثر بنوع ومدى صلته بأمه وأبيه وأقاربه‬
‫وذويه وأنها تابعة لنموه اإلدراكي وفهمه المواقف المختلفة وذلك ألنها تخضع في‬
‫نموها لتكوين العمليات المختلفة العقلية والتساع التفاعل وأن فشل الطفل في التعلم‬
‫فإن نجاحه فيما بعد يغير مواقفه االنفعالية بالنس بة لهذه األمور المختلفة فهو حينما‬
‫يجد مشقة في تعلم المهارات الضرورية يغضب ثم يهدأ أو يطمئن حينما يتغلب‬
‫على المشاكل ولعل أكثر العوامل تأثيراً في النمو االنفعال هي‪:‬‬
‫الفضج والتدريب ‪:‬‬
‫فيرتبط النضج بالعوامل التكوينية الفطرية للفرد ويرتبط التدريب بالتعليم‬
‫والبيئ ة الثقافية القائمة وتؤكد الدراسات أهمية التعب والمرض ومواعيد الغذاء‬
‫والترتيب الميالدي والجو االنفعالي السائد في تغير إثارة االنفعاالت المختلفة‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪208‬‬

‫فالتعب‪ :‬يزيد من القابلية للغضب‪.‬‬


‫والمرض‪ :‬يؤدي إلى الضعف وإلى لهفة النفس؛ فينفعل اإلنسان ألتفه‬
‫األسباب‪.‬‬
‫والجوع‪ :‬يزيد من حدة االنفعاالت إذ تصل نسبة الغضب قبل تناول الطعام‬
‫إلى ‪ %20‬وتهبط بعده إلي ‪.%6‬‬
‫وأن أكثر األطفال انفعاالً هما الطفل األول واألخير فكثيرًا ما يغضب‬
‫الطفل األول ألنه يحس في أعماقه أنه قد حرم من عطف كان يستأثر به وحده‬
‫فقد كان مدلالً قبل أن يولد أخوته لذلك يغضب حين يعطف الوالدان على إخوته‬
‫ويغار منهم‪.‬‬
‫أما الطفل األخير فإنه يجد في انفعاالته وخاصة غضبه وسيلة لتحقيق‬
‫أهدافه‪.‬‬
‫التفاعل االجتماعي لألطفال‪:‬‬
‫يتأثر الطفل في نموه االجتماعي باألفراد الذين يتفاعل معهم أو بالمجتمع‬
‫القائم الذي يحيا في إطاره وبالثقافة التي تهيمن على أسرته ومدرسته وموطنه‬
‫وتبدو أثار هذا التفاعل في سلوكه واستجاباته وفى نشاطه العقلي واالنفعالي‬
‫وتعتمد حياة الطفل االجتماعي في نموها على نمو وتطور عالقاته باألطفال‬
‫وبالراشدين وبالجماعة والثقافة‪.‬‬
‫فالعالقات االجتماعية بهذا المعنى هي الدعامة األولى النفسية واالجتماعية‬
‫يتصل الطفل في تطوره االجتماعي بجماعات مختلفة تؤثر في نموه وتوجه‬
‫سلوكه وتبدأ بالجماعة األولية التي تنشأ من عالقته بأمه ثم تتطور إلى الجماعة‬
‫الوسطى عن طريق الزمالء في الفصل الدراسي وتنتهي إلى الجماعة الثانوي‬
‫في المدرسة والمجتمع‪.‬‬
‫وهكذا يتخفف الطف ل من اعتماده على أمه جزئيا عن طريق توسيع نطاق‬
‫‪209‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫بيئته االجتماعية وتفاعله مع من فيها من األفراد على أساس األخذ والعطاء‬


‫(التفاعل االجتماعي)‪.‬‬
‫التفشئ االجتماعة وأثرها في الفمو االجتماعي اليلةم وانعكاسها على‬
‫اليلوك‪:‬‬
‫يمكن تعريف التنشئة االجتماعية بأنها عملية تعل يم وتعلم وتربية تقوم على‬
‫التفاعل االجتماعي وتهدف إلى اكتساب الفرد سلوكاً ومعايير واتجاهات مناسبة‬
‫ألدوار اجتماعية معينة تمكنه من المسايرة االجتماعية والتوافق االجتماعي معها‬
‫وتكسبه الطابع االجتماعي وتيسر له االندماج في الحياة االجتماعية‪.‬‬
‫وهي عملية تحويل الكا ئن الحي البيولوجي إلى كائن اجتماعي يمتاز بصفة‬
‫االجتماعية التي ال يكتسبها بفضل خصائصه التشريحية الحيوية فقط بل يفضل‬
‫عملية التنشئة االجتماعية التي تحول خصائص الفرد الذاتية إلى خصائص‬
‫اجتماعية وتجعله عضواً في مجتمع الكبار يشاركهم نشاطهم وواجباتهم‪.‬‬
‫حدود التفشئ االجتماعة ‪:‬‬
‫اإلفراط والمغاالة في التنشئة االجتماعية يدفعان بالفرد إلى التقيد بحدود هذه‬
‫التنشئة أكثر من الالزم وهذا يحول بينه وبين المعرفة واالبتكار ويؤدى به إلى‬
‫المحافظة والجمهور والتراخي في التنشئة االجتماعية يؤدى بالفرد إلى تجاوز‬
‫الحدود المرعية وكثر مطا لبة من اآلخرين وعدم مراعاة حقوقهم ومشاعرهم‬
‫وبذلك يؤدى اإلفراط في التنشئة إلى التبعية ويؤدى التراخي فيها إلى العدوانية‬
‫واألسرة هي البيئة األولى التي يتعلم فيها الطفل أنماط الحياة وهي التعامل تعمل‬
‫على تكوين العادات والتقاليد المراعية وبذلك يصبح المعنى النفسي للنظام هو‪:‬‬
‫تحقيق التوافق النفسي بين دوافع الطفل ومطالب بيئته‪ .‬والطفل الذى يتكيف تكيفًا‬
‫صحيحاً مع العوامل المحيطة به طفل مطمئن إلى حياته متزن في انفعاالته‬
‫وعواطفه‪ ،‬والطفل الذي يفضل في إقامة هذا التكيف ال يقوى على مواجهة‬
‫مشكالته اليومية فيلجأ إلى االنطواء أو الكبت أو إلى الطرق غير المشروعة في‬
‫محاولته لتحقيق التوافق النفسي‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪210‬‬

‫يولد الطفل وهو ال يعرف القيم التي سيخضع لها وعليه أن يتعلم كيف‬
‫يسلك حسب المواقف المختلفة وحسب ظروف الزمان والمكان‪ ،‬وكل طفل في‬
‫حاجة إلى النظام الذي يحقق له الشعور بالطمأنينة ويوضح له حدود الخير‬
‫والشر والحرية والفوضى إذ من الخطأ المبالغة في النظام عن طريق اإلكراه‬
‫والقسوة دون اقتناع أو رضا ألن ذلك غالباً ما يؤدى إلى نتائج عكسية ومن‬
‫الخطأ أيضاً التهاون في النظام حتى ال يعيش الطفل في فوضى تبيح له أن يفعل‬
‫ما يريد كيفما يشاء وبذلك يخرج على التقال يد والعرف ثم يصطدم بالواقع‬
‫الحقيقي عندما يتصل بالمجتمع الخارجي الكبير يؤدى كل من التدليل والقسوة‬
‫في التنشئة االجتماعية إلى سوء التوافق فيلجأ الطفل إلى الطرق غير المشروعة‬
‫ويتعثر نموه االجتماعي واالنفعالي‪.‬‬
‫خصائص المرحل األولى من حةاة الطفل المدرسة من ‪ 12 : 6‬سف ‪:‬‬
‫* من الفاحة الففية ‪:‬‬
‫من الخصائص الدقيقة لمرحلة الطفولة في سن السادسة ظهور الطفل‬
‫المدرسي وذلك الطفل الذي يحمل بداخله بجانب الخصائص المميزة للطفولة‬
‫المبكرة الخصائص المميزة للمرحلة المدرسية المبكرة ويبدأ الصراع بين‬
‫متناقضات المرحلتين مثلما يحدث في مخ تلف مراحل النمو أثناء فترة الطفولة‬
‫أو األزمة في العبور من مرحلة إلى مرحلة أخرى الحقة عليها‪.‬‬
‫إال أن مرحلة االنتقال هذه غنية بكل إمكانيات النمو الكامنة التي ال بد من‬
‫تصيدها في الوقت المناسب وتدعيمها تدعيماً قوياً يجعلها تنمو وتأخذ شكلها‬
‫الحضاري المعروف لذلك يقوم المهتمين بالطفولة على إظهار اإلمكانيات‬
‫المدخرة في تلك المرحلة حيث إن استخدام تلك المدخرات يؤدى على المزيد من‬
‫النجاح في العمل الدراسي والحياة العملية فيما بعد‪.‬‬
‫تمثل هذه المدخرات في الخبرات االجتماعية التي تحتشد فتكون طفرة النمو‬
‫التي تنتقل بها الشخصية إلى المرحلة الالحقة فيتغير المكانة االجتماعية للفرد‪.‬‬
‫‪211‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫البفاء الففيي الخاص المرهتبط بدخول الطفل المدرس ‪:‬‬


‫تتميز كل مرحلة من مراحل النمو بنشاط مهيمن خاص كما أنه بالنسبة‬
‫لسن ما قبل المدرسة اللعب يعتبر النشاط المهيمن بالرغم من أن بعض األطفال‬
‫في هذه المرحلة يتردد ون على ور الحضانة حيث يتلقون درجات من الدراسة‬
‫الخاصة إال أن هذه الدراسات تندرج بدورها في النشاط اللعبي المهيمن ويتعلم‬
‫الطفل داخل هذا النشاط كيف يرنو لتقدير المجتمع وتنمو لديه القدرة على التخيل‬
‫واستخدام الرموز وتعده هذه الخصائص للعمل للمرحلة التالية‪ ...‬كما يتعلم‬
‫االلتزام بمظاهر المكانة االجتماعية التي يحتلها أو يرنو على احتاللها مهما كلفه‬
‫هذا االلتزام من تأجيل إشباع رغباته الملحة‪.‬‬
‫مرحل االلتحاق بالمدرس ‪:‬‬
‫بمجرد دخول الطفل الفصل الدراسي األول يفتقد النشاط اللعبي مركزه‬
‫المسيطر في حياة التلميذ إال أنه يستمر في شغل بعض الوقت ويصبح النشاط‬
‫المهيمن هو النشاط التعليمي ومن ثم تتغير دوافع سلوك الطفل وتفتح أمامه‬
‫موارد جديدة لنمو القوى اإلدراكية الواعية واحترامه لذاته ويستعد معظم‬
‫األطفال الستقبال كل ما هو جديد ولذا نجدهم يتبعون نظام المدرسة وااللتزام‬
‫بمواعيدها وما يجب أن يكون سلوك الطفل في داخل المجال الجديد‪ ،‬يتقبل‬
‫الطفل كل هذه المتطلبات الجديدة عن طيب خاطر تبعاً لإلعداد الذي تلقاه في‬
‫مرحلة االستعداد النفسي لدخول المدرسة يتمثل الوجه اآلخر للحالة النفسية‬
‫للطفل في مرحلة المدرسة المبكرة في عالقته الطيبة بالمواد الدراسية واستيعابه‬
‫لعملية التعلم ذاتها‪.‬‬
‫فيجب أن يعرف الطفل أنه عن طريق استيعاب المواد الدراسية المختلفة‬
‫يمكنه أن يصير طياراً أو بحارًا أو مدرساً على آخر األدوار التي كان يستعذب‬
‫أن يقوم بها في نشاطه اللعبي؛ ألنه مازال في هذه المرحلة ال يدرك المعنى‬
‫النظري للمعلومات الت ي يدرسها ومن هنا يظهر حب االستطالع أو الرغبة‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪212‬‬

‫في المعرفة النظرية لما حوله من مظاهر ومواد دراسية‪.‬‬


‫ويعتبر هذا التعطش للمعرفة عنصراً مهمًّا مؤسسا لعملية المعرفة أو التعلم‬
‫بوجه عام ويعتمد عليه كذلك كدافع يجعل الطفل يتحمل كل مصاعب المرحلة‬
‫وبناء على هذا يمكن تلخي ص الخصائص النفسية المميزة لطفل هذه المرحلة‬
‫والتي عن طريقها يمكن تحديد طرق التأثير على هؤالء األطفال فيما يأتى‪- :‬‬
‫‪ - 1‬يخضع الطفل في بداية حياته المدرسية لرغبات المدرس ومتطلبات‬
‫المرحلة التي تعتبر من حيث خصائصها النفسية وطبيعتها جديدة كل‬
‫الجدة ألنها عمليات ضبط إر ادي لسلوك الطفل وقد سبق اإلشارة إلى‬
‫أنه يستعد لها االلتزام منذ مرحلة الروضة في إطار التزامه بأدواره‬
‫للعب وواجبات كل دورة‪ .‬واالعتياد على التحم في رغباته وتأجيل‬
‫إشباعاته‪.‬‬
‫‪ - 2‬ينتقل التأثير اإليجابي أو السلبي الناتج عن أسلوب توظيف قدرة الطفل‬
‫للقيام بأعباء ومتطلبا ت تلك المرحلة من إطار المدرسة إلى إطار‬
‫العالقات السائدة في المنزل‪.‬‬
‫‪ - 3‬يبدأ إعجاب الطفل بمضمون مختلف المواد الدراسية‪ ،‬فقد سبق استشارة‬
‫دافعين للمعرفة في إطار النشاط اللعبي الذي وظف االبتكار واإلبداع‬
‫لديه‪.‬‬
‫‪ - 4‬يعتبر عبور الطفل بنجاح للمرحلة الحالية دليل على صالحية اإلعداد‬
‫الذي قام به الوالدان في المرحلة السابقة في عمليات التفاعل‬
‫االجتماعي وإتاحة البدء اآلمنة للطفل‪.‬‬
‫ولكن لألسف ال تتوفر مرحلة اإلعداد للجميع فنجد العديد من التالميذ يدخل‬
‫الفصل الدراسي بجسده فقط دون التغير النفسي الالزم لهذه المرحلة الذي يحدد‬
‫الشخصية المعدة للمدرسة ولذلك يتعرض الطفل للمشكالت غير المعدين لالنتقال‬
‫‪213‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫للمرحلة المدرسية‪ ،‬وفيما يلى نوجز بعض الصعوبات التي تواجه أطفال الفصل‬
‫الدراسي األول‪.‬‬
‫الصعوبات األساسة التي يواجهها الطفل في عام الدراسي األول‪:‬‬
‫‪ - 1‬تتصل الصعوبة األولى بالنظام الذي يفرض على الطفل من حيث‬
‫إلزامه باالستيقاظ المبكر والتزام الهدوء وأداء العمل في الوقت المحدد‬
‫له في حسين أن عدم الثبات والحركة الدائمة تعتبر السمة السائدة في‬
‫أطفال تلك المرحلة ولكن يمكن استغالل الطاقة الزائدة من النشاط إذا‬
‫استطاع المدرس أن ينوع في طرق التدريس واضعاً نصب عينيه أن‬
‫طفل السادسة والسابعة سريع التعب ويصعب عليه استعادة النصوص‬
‫في الذاكرة يحتاج دائماً للطرق المنظورة والقراءة بصوت مرتفع‬
‫مصحوباً بحركات من األيدي ولكن تلعب مرحلة األعداد دوراً كبيراً‬
‫يساعد الطفل في االلتزام بالمطالب الجديدة كما يلعب التفاهم بين الطفل‬
‫والمدرس دورًا مهمًّا في تكوين األنماط المطلوبة من السلوك‪.‬‬
‫وتختلف طريقة التفاهم الخاصة بأطفال الفصل األول والثاني عن طريقه‬
‫التفاهم في المراحل المتأخرة األخرى فنجد األول يحتاج للتفاهم المدعم باألمثلة‬
‫والقصص في حين أن الثاني يمكنه االعتماد على التصور المجرد‪.‬‬
‫‪ - 2‬تتمثل الصعوبة الثانية في الصورة التي يحددها المدرس لنفسه فمهما‬
‫كانت درجة الطيبة والعطف التي يبديها المدرس للطفل فهو يمثل‬
‫مصدر السلطة فالمدرس يأمر وعلى الطفل التنفيذ والتربوي هو الذي‬
‫يعمل ضرورة المساواة في المطالب ين الجميع ومالحظة الفروق‬
‫الفردية أثناء األداء ومعرفة أنسب الطرق للتعامل مع التالميذ كل‬
‫حسب قدراته وهكذا تخلق الثقة المتبادلة له كما يسهل خلق أنماط‬
‫الشخصيات السليمة‪.‬‬
‫‪ - 3‬يتغير وضع الطفل في المنزل تبعاً لاللتزامات الجديدة وتخلق له حقوق‬
‫جديدة ولكن يستغل بعض األطفال هذه الحقوق لفرض نوع خاص من‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪214‬‬

‫الحياة على أفراد األسرة مستخدماً إياها سالحاً ضدهم وال يخفى أثر‬
‫االعتدال في المطالب والحقوق في التنشئة السليمة للطفل بما يجب‬
‫على األسرة مراعاة مطالب وحقوق الطفل بال تهاون مجحف له وال‬
‫جور على حقوق باقي أعضاء األسرة‪.‬‬
‫‪ - 4‬يعانى طفل السنة األولى في نهايتها من انطفاء جذوة الولع الشديد‬
‫واإلعجاب بالمدرسة والفخر بالدرجات المدرسية فيصبح متكاس ً‬
‫ال‬
‫تتصل هذه الظاهرة بطبيعة المواد المدرسية وطريقة التدريس التي‬
‫تجعل من الصعب تكوين االهتمام الواعي لهذه المواد الدراسية وتعجز‬
‫عن استغالل التعطش للمعرفة وبقايا حب االستطالع في إطار النشاط‬
‫اللعبي لتكو ين اإلدراك الواعي للمواد الدراسية تتصل أيضا هذه‬
‫الظاهرة بقصور االنتباه اإلداري والحركة الدائمة المميزة للطفل في‬
‫تلك المرحلة والتي يجب أن تتابع باهتمام الستثارة االستعدادات‬
‫الخاصة الكامنة لدى أطفال تلك المرحلة وإخراجها من حالة الكمون‬
‫للتوظيف‪ ،‬وبذلك يمكن أن تعالج ظاهرة انطفاء االهتمام بالحياة‬
‫المدرسية ليحل محلها التكوين اإلرادي لالهتمام الواعي بالمادة‬
‫الدراسية بخلق دوافع بديلة لتقريب الهدف البعيد كذلك بعمل الدوافع‬
‫بديلة إلى أن ينضج الواقع التعليمي الخاص باالهتمام بطبيعة المادة‬
‫العلمية التي يتعرف عليها الطفل خالل عامة الدراسي األول‪.‬‬
‫الفمو االجتماعي والميئولة االجتماعة لدى طفل الروض ‪:‬‬
‫تعددت الدراسات التي تناولت النمو االجتماعي للشخصية‪ ،‬وتفرعت بحسب‬
‫المجال الذي اهتمت به فمنها من تناول عملية التطبيع االجتماعي للشخصية دور‬
‫المؤسسات االجتماعية في هذ العملية ومنها من اهتم بنشوء الشخصية ونمو‬
‫الجزء االجتماعي أثناء عمليات التفاعل االجتماعي القائم على الفاعلية الذاتية‬
‫النشطة التي توظف قدرات الشخصية وتنميها بهدف إشباع الحاجات النفس‬
‫اجتماعية‪ ،‬وتحقق النمو للشخصية ككل‪.‬‬
‫‪215‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫انقسمت الدراسات إلى قسمين‪ ،‬تلك التي تهتم بدراسة التنشئة االجتماعية‬
‫بعامة وتلك التي تهتم بدراسة المسئولية االجتماعية بخاصة‪.‬‬
‫وقد عينت دراسات التطبيع االجتماعي‪ ،‬والتنشئة االجتماعية بجميع مراحل‬
‫نمو الشخصية منذ المرحلة الجنينية وحتى مرحلة المسنين بينما عنيت دراسات‬
‫المسئولية االجتماعية بمراحل المراهقة والشباب والرشد‪ ،‬ولم تحاول أي دراسة‬
‫منها التعرف على عناصر المسئولية االجتماعية في مراحل ما قبل المدرسة‪.‬‬
‫هل يرجع ذلك إلى غياب مفهوم (المسئولية االجتماعية) عند طفل‬
‫الروضة؟ لإلجابة عن هذا السؤال يعرض البحث الحالي لبعض الدراسات التي‬
‫تناولت مفهوم التربية بمعناه الشمولي الواسع والمجتمع بمختلف قطاعاته‬
‫وجماعاته‪.‬‬
‫تناولت بعض الدراسات عملية نمو الشخصية بوصفها نتاجا للتعلم فالطفل‬
‫يتعلم حينما ينمو يصل لدرجة معينة من النضج‪ ،‬بل هو ينمو أثناء التفاعل‬
‫االجتماعي بفضل تعديل النشاط التفاعلي الذي يتأثر بالبيئة ويؤثر فيها‪ ،‬ومن ثم‬
‫يتسع نطاق خ براته ويتعلم ذلك التعلم الذي يدفع الشخصية على طريق النمو (فهو‬
‫يمضى أمام النمو ويجره وراءه) فيجوتسكي سنة ‪ 1969‬حينئذ تظهر جميع‬
‫العمليات النفسية والعقلية واالجتماعية على مسرح الحياة مرتين مرة تلقائية‬
‫"بالمحاكاة والتقليد" ومرة واعية (بنمو اإلرادة والدافعية وتحديد األهداف)‪.‬‬
‫في حين اهتمت بعض الدراسات التي اهتمت بمحددات النمو ومفاهيم‬
‫التفاعل النشط والمكانة االجتماعية للشخصية ونظريات (الدور والمركز‬
‫االجتماعي) حيث أكدت بعض هذه الدراسات أن لكل مرحلة نمو نشاطاً مهيمناً‬
‫عليها يعد الباب األوحد الذي إذا طرقته البيئة بكل مطالبها تفاعلت معها‬
‫الشخصية بتوظيف نشط لكل القدرات وتصل إلشاعات متوالية لالحتياجات‬
‫النفس اجتماعية وقد تأكد النشاط اللعبي‪ ،‬كنشاط مهيمن على طفل الروضة‪.‬‬
‫ترى هذه الدراسات أن الطفل يحاكي ويقلد ويتقمص أدوار من يقتدي بهم‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪216‬‬

‫في الحياة باألبوين واألخوة في األسرة هم أول القائمين على تنشئته وتربية‬
‫جوانب شخصيته فإن اشتملت قوانين األسرة على االهتمام بالجماعة الصغيرة‬
‫األولية‪ ،‬وإعطاء التقويم الصحيح لسلوك الصغير داخلها وأكدت على نمط ثابت‬
‫من النظم والقيم والقوانين‪ ،‬فأثنت على سلوكه الملتزم‪ ،‬وحذرت من تكرار‬
‫السلوك المضاد فهي بذلك قد أشبعت "حاجته للقيم" وأقامت له "سلطة ضابطة"‬
‫سوية بعيدة عن التذبذب الذي ينتج شخصية غير سوية‪.‬‬
‫فاألسرة هي المحيط االجتماعي األول الذي يتعلم الطفل فيه النماذج األولية‬
‫لمختلف االتجاهات وفى هذا المناخ العائلي تتولد بدوز الحب والكره والغيرة‬
‫واإليثار‪ ،‬والتعاون والتنافس والتسلط والخنوع وغيرها‪.‬‬
‫ولم يعد خافياً أثر السنوات األولى من حياة الطفل في تكوين دوافعه‬
‫واتجاهاته نحو الجماعة التي ينشأ فيها ويتفاعل معها‪.‬‬
‫ترى جميع النظريات السابقة أن نمو شخصية الطفل بوجه عام يتم بازدياد‬
‫تفاعله االجتماعي في تعلم دوره في الجماعات المختلفة‪ ،‬واكتساب األنماط‬
‫المختلفة للسلوك واالتجاهات المنتظرة منه ويتوقف نجاحه وتحدد مكانته في‬
‫الجماعة على تقديرها لجهوده‪ ،‬وعلى مدى أدائه لمطالبها وتفرض الجماعة‬
‫رغباتها واتجاهاتها على الطفل‪ ،‬عن طريق تقبلها أو عدم تقبلها ألفعاله ويعتبر‬
‫نظام الثواب والعقا ب الطريقة المثلى الكتساب اآلداب العامة‪ ،‬والوصول إلى‬
‫التجانس مع معايير األخالق‪ ،‬ولكل جماعة أساليبها الخاصة للمحافظة على‬
‫النظام وإصالح الخارجين عليها (هكذا يتعلم الطفل أساليب مجتمعه ومسايرة أي‬
‫تغير مرغوب فيه بنمو مفهومه عن دوره في هذه الجماعات التي يتكون منها‬
‫مجتمعه) وتؤثر الجماعات التي يمنحها الطفل إخالصه التام‪ ،‬ويحصل فيها على‬
‫مركز بمجهوده الذاتي‪ ،‬تأثيرًا كبيراً في نمو شخصيته‪.‬‬
‫وإذا طبقنا هذا على طفل ما قبل المدرسة لوجدنا أن مجموعة اللعب تعد‬
‫هي المجموعة األولية والمرجعية األساسية التي يحيا فيها بالشكل الذي تفرضه‬
‫‪217‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫عليه أدوار اللعب المتغيرة وتنظم العالقات داخل هذه الجماعة بفضل هيمنه‬
‫النشاط اللعبي‪.‬‬
‫ويتعلم في إطارها الطفل ما يلى‪:‬‬
‫‪ - 1‬النضال من أجل القيادة‪ ،‬واختلفا مظاهر النضال باختالف األدوار‬
‫االجتماعية التي يلعبها الطفل أي التي يحياها أثناء اللعب فينمو‬
‫بواسطتها ويتفت ح أمامه عالم الكبار بكل سلوكياته المرغوبة‬
‫والمرفوضة‪.‬‬
‫‪ - 2‬يتعلم الطفل إشباع حاجاته إلى "القواعد" والضوابط االجتماعية‬
‫و"القيم" وما تنتجه هذه القواعد من تدريب على إخضاع رغباته‬
‫الفردية للقواعد الجماعية وما يقره صالح مجموعة اللعب‪.‬‬
‫‪ - 3‬يشبع الطفل حاجته لالنتماء إلى الجماعة ولذلك يستمر النضال دائما‬
‫من أجل تقبل الجماعة للطفل وتبعاً للدور الذي يلعبه الطفل قد يكسب‬
‫رضا الجماعة‪ ،‬بإظهار القوة الجسمية تارة أو إجادته لدور معين تارة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫‪ - 4‬يتعلم الطفل تقبل المسئولية وينشأ هذا ما قبوله للمركز والدور الذي‬
‫اكتسبه بمجهوده داخل الجماعة‪.‬‬
‫‪ - 5‬يتعلم التعاون وروح الفريق‪ ،‬كذلك خبرات المنافسة وتنظيم الصراع‬
‫والحوار الذي يميله عليه دوره في اللعب‪.‬‬
‫ومن ثم تعدل اتجاهات الطفل النفسية أثناء قيامه بالدور في النشاط اللعبي‪،‬‬
‫مهما بلغت شدة مقامة هذه االتجاهات للتعديل‪ ،‬ومهما اختلفت أسباب المقامة‪،‬‬
‫سواء كانت أسباباً شعورية أو غير شعورية (بروتر) فال يقلع الطفل عن سلوك‬
‫معين‪ ،‬أو يؤجل إشباع رغبة جامحة إال إذا فرضتها عليه أدوار اللعب‬
‫وجماعته‪ ،‬فهو حينئذ يسلك سلوك الكبار بإدراك مسئولية األدوار المطلوب منه‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪218‬‬

‫القيام بها‪ ،‬ومساءلة الجماعة له عن أي تقصير في قيمامه بتبعات الدور‬


‫االجتماعي‪.‬‬
‫مما تقدم تتفق عناصر السلوك السابقة مع تعريف كل من محمد بيصار‬
‫ومحمد إبراهيم الشافعي للمسئولية االجتماعية‪ ،‬ومن حيث مصدر االلتزام الناتج‬
‫عن الجماعة بنظمها وتقاليدها وقوانينها‪ ،‬فالمسئولية االجتماعية في تعريف‬
‫"بيصار" هي التزام المرء بقوانين المجتمع الذي يعيش فيه‪ ،‬وبتقاليده ونظمه‬
‫سواء كانت وضعية أو أدبية‪ ،‬وتقبله لما ينتج عن مخالفته لها من عقوبات‬
‫شرعها المجتمع للخارجين على نظمه وتقاليده كذلك حال في تعريف الشافعي‬
‫"المسئولية االجتماعية" تشمل جميع النظم والتقاليد التي يلتزم بها اإلنسان من‬
‫قبل المجتمع ا لذي يعيش فيه‪ ،‬وتقبله لما ينتج عنها من محمدة على سلوك محمود‬
‫أو مذمة على سلوك مذموم‪.‬‬
‫وفى تعريف سيد أحمد عثمان " أنها تعبير عن درجة االهتمام‪ ،‬والفهم‪،‬‬
‫والمشاركة للجماعة تنمو تدريجيا عن طريق التربية والتطبيع االجتماعي في‬
‫داخل الفرد‪.‬‬
‫يتضح فيها تقدم في هذا الكتاب أن طفل الروضة "يحيا ويتعلم وتنمو‬
‫شخصيته لعبا" ومن ثم يمكن دراسة المسئولية االجتماعية والبحث عن‬
‫عناصرها في سلوك طفل الروضة أثناء قيامه بأدوار االجتماعية المختلفة‪ ،‬فقد‬
‫تبين في فيما تقدم دور النشاط اللعبي بوصفه مهيمنا على شخصية طفل ما قبل‬
‫المدرسة‪ .‬وظهر دوره في توظيف إمكانيات الشخصية ككل‪.‬‬
‫فقد تحملت الحالة رقم (‪ )1‬في الفصل األول المجهود البدني الذي أماله‬
‫عليها دور الضابط أثناء اللعب كما التزم الطفل بجميع مسئوليات الدور‪ ،‬وكان‬
‫رأيه أن الضابط ال بد أن يكون قوي البنية ويتحمل المشاق‪.‬‬
‫كما ظهر دور النشاط اللعبي في ال نمو النفسي واالجتماعي عندما قامت‬
‫الحالة رقم (‪ )2‬بالتخلص من الخوف المرتبط بدخول دوره المياه في الروضة‬
‫‪219‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫لتكون قدرة إمام "عروستها" ابنتها إلتمام دور األم كذلك التزمت بدور األم‬
‫فليس من المعقول أن تمتنع األم عن القيام بما تطلبه من ابنتها‪ ،‬وكذا كله يتم‬
‫أثناء اللع ب فقط بخالف ما يجري في الحياة االجتماعية العادية‪.‬‬
‫أثبتت الحالة رقم (‪ )5‬أن طفل الروضة ال يوظف عقله في العمليات العقلية‬
‫العليا إال في إطار اللعب فقد‪ ،‬حيث ظهر اللعب الرمزي الذي يتعامل فيه الطفل‬
‫مع الرموز لتحل األدوات الحقيقية التي يستعملها الكبار في حياتهم‪ ،‬واالتفاق‬
‫والتخطيط المسبق على القيام باألدوار وتوزيعها‪.‬‬
‫كما ظهرت قدرة الطفل على تأجيل إشباع رغباته العاجلة أمال في مكافأة‬
‫معنوية أجلة (إثبات الذات والنجاح والتقدير) حيث تمكن الطفل الحالة رقم (‪)3‬‬
‫من مقاومة رغبته العاجلة في أكل "الشكوالتة " وقام بتوزيعها على األطفال‬
‫الذين يلعبون دور ركاب الطائرة وذلك في سبيل إتمام دور المضيف كما يجب‪.‬‬
‫بتحليل موقف هذا الحالة أثناء اللعب ومقارنته بموقفها في الحياة العادية‬
‫حيث يصر الطفل على أكل الشكوالتة قبل اإلفطار مما يفسد شهيته‪ ،‬اتضح‬
‫التناقض بين سلوك الطفل أثناء اللعب وسلوكه االجتماعي العادي وهذا ما دفع‬
‫للقيام بهذا البحث‪ ،‬وضمن للكتاب الحالي توضيحاً للنمو النفسي واالجتماعي‬
‫لطفل الروضة‪.‬‬
‫مشكل البحث‪:‬‬
‫ت عانى الكثير من األمهات من المواقف االجتماعية المحرجة التي يتسبب‬
‫فيها طفلها عندما يمنع أوالد االصدقاء من مشاركته اللعب بلعبه الخاصة أو‬
‫يرفض اقتسام الحلوى معهم‪ ،‬كذلك تشتكي بعض معلمات الروضة أثناء اللقاء‬
‫معهن في الدورات التدريبية التي تقيمها وزارة الشئون االجتماعية من األطفال‬
‫الذين يأخذون بعض اللعب من الروضة خلسة‪ ،‬كما تنشأ مشكالت كثيرة بين‬
‫األطفال بسبب رفض بعضهم اشراك اآلخرين معهم في اللعب أو في تناول‬
‫بعض األطعمة‪ .‬كذلك اقتضت ظروف األم العاملة شراء الحلوى بالجملة‬
‫ووضعها في المنزل واالتفاق مع األطفال بأخذ واحدة فقط يوميان وعند التنفيذ‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪220‬‬

‫ظهرت صعوبات جمة‪ .‬حيث يلجأ بعض األطفال ألخذ نصيبه في اليوم الالحق‬
‫مسبقا‪ ،‬كأن يقول ألمه بعد أكل نصيبه اليومي "سأخذ الواحدة بتاعة بكرة ومش‬
‫آخذ بكرة وفى هذا الحالة ال تستطيع األم منعه"‪.‬‬
‫يدل هذا السلوك على أن الطفل ال يمكنه الوفاء بالوعد الذي قطعه على‬
‫نفسه‪ ،‬في حين ظهر االلتزام‪ ،‬وتأجيل اإلشباع‪ ،‬والوفاء بالوعد‪ ،‬وفهم ظروف‬
‫الجماعة أثناء النشاط اللعبي‪.‬‬
‫أهداف البحث‪:‬‬
‫أوال ‪ -‬يهدف البحث إلى التعرف على عناصر المسئولية االجتماعية‬
‫وطبيعتها لدى طفل الروضة‪.‬‬
‫ثانياً ‪ -‬التعريف على العالقة بين المسئولية االجتماعية والنشاط اللعبي‬
‫بوصفة مهيمنا على الروضة‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ -‬تحديد خصائص النشاط اللعبي الذي يسهم في تنمية المسئولية‬
‫االجتماعية أو أي من ع ناصرها لدي طفل الروضة‪.‬‬
‫ومن ثم يمكن التعرف على أسباب التناقض السلوكي الذي أدى إلى ظهور‬
‫هذه الشكاوي التي عرضتها مشكلة البحث‪.‬‬
‫وذلك باإلجاب عن أسئل البحث‪:‬‬
‫هل تظهر في سلوك طفل الروضة أثناء قيامه باألدوار االجتماعية في‬
‫النشاط اللعبي جميع عناصر‪ ،‬ومكونات المسئولية االجتماعية كما‬
‫حددها عثمان؟‪.‬‬
‫هل يعرف طفل الروضة ما يجب أن يكون عليه سلوكه في الحياة‬
‫االجتماعية من التزام بواجبات األدوار المختلفة التي يعايشها؟‬
‫هل تضبط هذه المعرفة سلوك الطفل أثناء اللعب فقط أم يتعدى أثرها‬
‫(أثر التدريب) إلى النشاط االجتماعي الفعلي؟‬
‫‪221‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫أهمة البحث‪:‬‬
‫تكاد تتفق اآلراء على أهمية السنوات األولي من حياة الطفل‪ ،‬ودورها في‬
‫تشكيل شخصية ويحتاج مجال تربية طفل الروضة إلي كثير من البحوث‬
‫والدراسات‪ ،‬فلم تعد التربية بمفهومها الحديث مجرد عملية زراعة في أرض‬
‫الشخصية‪ ،‬ولم تعد الشخصية في أي من مراحل نموها مجرد م تلقي لمعلومات‬
‫تختزن لحين الحاجة إليها وإنما أصبح مفهوم التربية عملية تفاعل مستمر بين ما‬
‫هو ذاتي وما هو موضوعي‪ ،‬بين ما هو تلقائي وما هو واعي‪.‬‬
‫وليس بخاف أيضاً كم االضطرابات السلوكية واالجتماعية التي يعانيها‬
‫األطفال‪ ،‬وما تلجأ إليه الشخصية من حيل دفاعية‪ ،‬هجومية‪ ،‬أو هروبية‬
‫ال شعورية وما نراه من سلوك أطفالنا المخجل الذي يتصف باألنانية‪ ،‬وعدم‬
‫تحمل المسئولية‪ ،‬والتسبب واإلهمال والتخريب‪.‬‬
‫نحاول في هذا البحث اكتشاف النظام الضبطي الذي ينتهجه طفل الروضة‬
‫ويتعود عليه توضيح خصائص سلوكه االجتماعي وعالقته بالمسئولية‬
‫االجتماعية ‪ ،‬وقد نتمكن من التنبؤ بنمو شخصية الطفل كما نتمكن من التدخل‬
‫عن طريق األبواب الحقيقة التي تؤثر في شخصية الطفل بكل مكوناتها‬
‫الجسمية‪ ،‬والنفسية‪ ،‬والعقلية واالجتماعية لخلق شخصية سوية‪.‬‬
‫قد نتمكن من تحديد إمكانيات الشخصية في كل مرحلة من مراحل نموها‬
‫فال نطلب منها ما ال تقدر عليه حتى ال نفتح عليها أبواب اإلحباط وفقدان الثقة‬
‫بالنفس فيعوق نمو الشخصية والعملية التربوية‪.‬‬
‫قد يساعد التعرف على عناصر المسئولية االجتماعية في السنوات األولي‬
‫من حياة الطفل المهتمين بالطفولة على وضع برنامج تربوي يعمل على تنمية‬
‫المسئولية االجتماعية واالرتقاء بها‪ ،‬حتى تستدخل وتصبح مسئولية أخالقية‪.‬‬
‫ويتحول مركز الضبط الخارجي إلي الضبط الداخلي ليصبح االلتزام‬
‫االجتماعي نابعاً من ضمير الشخصية الذي يقوم سلوكها في كل مراحل نموها‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪222‬‬

‫وفي كل ادوار حياته‪ .‬وهذا ما تسعي غليه كل من التربية والتعليم في كل‬


‫المراحل وخاصة في مرحلة ما قبل المدرسة‪.‬‬
‫وقد أ وضحت الدراسات أن المسئولية االجتماعية تقوى انتماء االفراد‬
‫لمجتمعهم وتقوى حاجة االنجاز االجتماعي لديهم‪ ،‬وتؤدي إلي زيادة توافقهم‬
‫االجتماعي وأوضحت دراسة هاريس ‪ HARRIS‬سنة ‪ ،1957‬أن ذا المسئولية‬
‫االجتماعية المرتفعة أكثر اتباعاً لل نظام المرسوم‪ ،‬وإ تقاناً للعمل‪ ،‬وأكثر استعداداً‬
‫لبذل العون والمساعدة‪ ،‬واستقالل في اتصرف‪ ،‬ولديهم قدر كبير من النشاط‬
‫واإلقبال على العمل‪ ،‬ومهارة السلوك الجمعي‪.‬‬
‫هتعريف الميئولة االجتماعة ‪:‬‬
‫تختلف اآلراء حول مفهوم المسئولية االجتماعية باختالف المنطلقات‬
‫النظرية للب احثين‪ ،‬وال يتسع المقام لسردها جميعاً يتبني البحث الحالي تعريف‬
‫"سيد عثمان" من حيث مصدر اإللزام في المسئولية االجتماعية وعناصرها‬
‫وتعريف "وهمان همام" الذي أعاد ترتيب العناصر وأضاف إليها عنصراً رابعاً‪.‬‬
‫في تعريف سيد عثمان سنة ‪ 1973‬المسئولية االجتماعية هي مسئولية‬
‫الذات‪ ،‬وهي تعبير عن درجة االهتمام والفهم والمشاركة للجماعة‪ ،‬تنمو تدريجياً‬
‫عن طريق التربية والتطبيع في داخل الفرد‪.‬‬
‫وحينما يكون الحديث عن طفل الروضة ال بد من تفسير المقصود بعناصر‬
‫المسئولية االجتماعية في شخصية الطفل‪ ،‬وتعريف بالجماعة التي يشارك فيها‬
‫الطفل‪.‬‬
‫فالنشاط المهيمن على طفل المرحلة هو لعب األدوار االجتماعية يفتح أمام‬
‫الطفل عالم الكبار بقيمه ومعاييره من خالل قيامه بهذه األدوار وااللتزام‬
‫بواجباتها‪.‬‬
‫تتم تربية شخصية هذا الطفل عن طريق النشاط المهيمن وتستدخل معطيات‬
‫‪223‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫البيئة وتعمل الفعالية الذاتية للطفل معها فيتم التطبيع االجتماعي له‪.‬‬
‫بتحليل موقف الحالة رقم (‪ )3‬التي أثارت أسئلة البحث الحالي تبين في‬
‫موقفها (كمضيف في الطائرة) العناصر المكونة لمفهوم المسئولية االجتماعية‪.‬‬
‫أوالً ‪ -‬االهتمام‪:‬‬
‫الذي ظهر بوضوح في إقبال الحالة على القيام بحماس شديد بدور (مضيف‬
‫الطائرة) حتى أنه ضحى بالشكوالتة التي يحبها وقام بتوزيعها على الركاب‬
‫وسيتم توضيح مستويات االهتمام االربع عند مناقشة النتائج الحقاً‪.‬‬
‫ثانةاً ‪ -‬الفهم‪:‬‬
‫الذي يظهر بوضوح في قوله هل يمكن أن أكل ما تبقي من الشكوالتة أم‬
‫أنني بوصفي مضيفاً قد تعودت على صوت الطائرة‪ ،‬لست محتاجا للشكوالتة؟‬
‫فهو يفهم القيمة االجتماعية لحسن تصرفه وقيامه بواجبات الدور وقد اشبع‬
‫حاجته للنجاح والتقدير حينما التزم بها‪.‬‬
‫ثالثا ‪ -‬المشارك ‪:‬‬
‫ويقصد بها اشتراك الفرد مع اآلخرين في عمل ما يمليه الفهم وما يتطلبه‬
‫االهتمام من اعمال تساعد الجماعة في اشباع حاجاتها وحل مشكالتها والوصول‬
‫إلي اهدافها وتحقيق رفاهيتها والمحافظة على استمرارها‪.‬‬
‫ويتجلى هذا العنصر في جماعات اللعب فهو يشترك مع اآلخرين في القيام‬
‫بما يتطلبه الدور إلثبات الذات واشباع حاجته للنجاح والتقدير‪ ،‬كما يتمثل في‬
‫النشاط اللعبي عناصر المشاركة فنجد التقبل يتم فعال عندما يختار كل طفل القيام‬
‫بدور معين في اللعب‪ ،‬حيث يلعب هذه األدوار في ضوء المعايير المحددة له‪.‬‬
‫التففةذ‪:‬‬
‫أي المشاركة التقويمية الناقدة والعمل مع الجماعة وهذا ما يقوم به الطفل‬
‫في أداء الدور ويظهر التنفيذ في سلوك الطفل المنضبط بما تتفق عليه الجماعة‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪224‬‬

‫التقويم‪:‬‬
‫أي الم شاركة التقويمية الناقدة المصححة الموجهة فإذا كانت المشاركة‬
‫المنفذة تميل إلي المسايرة‪ ،‬فالمشاركة المقومة موجهة وتظهر حينما يصحح‬
‫األطفال مسار اللعب كقول احدهم "ال"‪ ..‬الطبيب ال يفعل ذلك فالطفل يمزح أثناء‬
‫اللعب بين المسايرة والنقد‪.‬‬
‫رابعاً ‪ -‬الواجبات االجتماعة ‪:‬‬
‫يضاف العنصر الرابع الذي أدخله (وهمان همام)؛ حيث يتمثل في النشاط‬
‫اللعبي عندما يقوم الطفل بأداء واجبات الدور الذي يتبناه‪ ،‬فبغير القيام بواجبات‬
‫الدور ال يكتمل النشاط اللعبي وحيث إ ن الجماعة هنا هي جماعة اللعب‪ ،‬فإذا‬
‫كان يقوم بدور المنقذ مثالً‪ .‬ال يتم عملية اإلنقاذ إال إذا انتشل الغريق وهذا يحدث‬
‫في المراحل المتأخرة لنمو النشاط اللعبي‪ ،‬وليس في مرحلة المبكرة حينما يهتم‬
‫الطفل بنتائج العمل وال يقتصر االهتمام فقط باألداء الحركي له‪.‬‬
‫استناداً على نتائج بحوث سابقة تم تصميم مجموعة من أدوار اللعب التي‬
‫تمكن من قياس االستعد ادات الجسمية والنفسية والعقلية واالجتماعية وقد سبق بناء‬
‫برنامج قائم على أساس بعض االلعاب لتعليم األطفال في الروضة المفاهيم اللغوية‬
‫كما تناولت ذلك عدد من رسائل الماجيستير والدكتوراه بإشراف وفاء كمال‪.‬‬
‫قام البحث الحالي بتصميم بعض مواقف اللعب التي يمكن بواسطتها تحديد‬
‫عناصر المسئولية االجتماعية لدي طفل الروضة‪ .‬وقد تمكن من اإلجابة عن‬
‫باقي أسئلة البحث المشار إليها في الكتاب‪.‬‬
‫فروض البحث‪:‬‬
‫مما تقدم في المقدمة وما عرضناه من دراسات سابقة يفرض البحث الحالي‬
‫ما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬ظهور جميع عناصر المسئولية االجتماعية لدى أطفال العينة في الفئة‬
‫الثالثة من سن ‪ 6 – 5‬سنوات أثناء قيامها بأدوار اللعب‪.‬‬
‫‪225‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫‪ - 2‬غياب بعض عناصر المسئولية االجتماعية في سلوك اطفال الفئتين‬


‫االولى والثانية ‪ 5- 4 ،4- 3‬سنوات حيث يرتبط عنصر "االهتمام"‬
‫باألصدقاء المكونين لجماعة اللعب النصراف عن البالغ بالمراحل‬
‫المتقدمة من نمو النشاط اللعبي ويغيب هذا العنصر في المراحل‬
‫المبكرة للنشاط اللعبي الذي تتمثل في تكرار بعض الحركات دون‬
‫االهتمام بالمضمون الفعلي للدور االجتماعي‪ .‬واللعب المنفرد مع‬
‫اللعب دون الحاجة إلي التفاعل االجتماعي مع الصديق‪ .‬حيث يكتفي‬
‫طفل الروضة سن ‪ 4 – 3‬سنوات وأحياناً إلي ‪ 5‬س نوات بهذا اللعب‬
‫إلشباع حاجاته المعرفية واالجتماعية والنفسية‪.‬‬
‫‪ - 3‬غياب اإلدراك الواعي لعناصر المسئولية االجتماعية والقيام بها‬
‫بصورة تلقائية أثناء النشاط اللعبي مما يؤدي إلي قصر ظهورها‬
‫وتحكمها في سلوك الطفل أثناء اللعب وغيابها أثناء سلوكه االجتماعي‬
‫العادي كابن (كطفل)‪.‬‬
‫اإلجراءات‪:‬‬
‫أوالً ‪ -‬العةف ‪ :‬هتتكون من ثمانة وعشرين طفالً موزعةن كالتالي‪:‬‬
‫تسعة أطفال سن من ‪ 4 – 3‬سنوات‪.‬‬
‫سبعة أطفال سن من ‪ 5 – 4‬سنوات‪.‬‬
‫اثني عشر طفالً سن من ‪ 6 – 5‬سنوات‪.‬‬
‫ثانةاً ‪ -‬المفهج‪ :‬أوصت دراسة سابقة بأهمية ا تباع المنهج الوصفي ودراسة‬
‫الحالة عند دراسة الطفولة المبكرة؛ لذلك فقد اتبع المنهج الوصفي ودراسة الحالة‬
‫في البحث الحالي لمناسبتها للدراسة ولحجم العينة‪.‬‬
‫ثالثا ‪ -‬الطريق ‪ :‬تم اختيار معيار أخالقي واجتماعي وهو "المشاركة مع‬
‫اآلخرين" وكثيراً ما نطلب من أطفالنا أن يعطوا مما معهم لزمالئهم‪ ،‬أو صديقهم‪،‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪226‬‬

‫وحتى الطف ل الجالس بجواره في االتوبيس مثالً‪ .‬وينتمي هذا المعيار إلي عنصر‬
‫"المشاركة" في المسئولية االجتماعية وكذلك يمكن أن يستدل من تصرف الطفل‬
‫على وجود باقي العناصر؛ حيث إن مكونات المسئولية االجتماعية متكاملة‬
‫ومتفاعلة دائماً‪ .‬كما أكدت دراسة سيد عثمان‪.‬‬
‫هتكونت الطريق من ثالث أجزاء‪:‬‬
‫‪ - 1‬موقف الطفل من القصة‪.‬‬
‫‪ - 2‬موقف اجتماعي حقيقي‪.‬‬
‫‪ - 3‬موقف لعبي‪.‬‬
‫يقيس الموقف األول معرفة الطفل لما يجب أن يكون عليه السلوك‬
‫االجتماعي السوي‪ .‬وذلك يجيب على السؤال رقم ‪ 2‬في البحث‪.‬‬
‫يقيس الموقف الثاني أثر هذه المعرفة في حياة الطفل االجتماعي الواقعية‬
‫لمقارنتها بسلوكه أثناء اللعب وذلك يجيب على السؤال رقم ‪ 3‬في‬
‫البحث‪.‬‬
‫يقيس الموقف اللعبي وجود أو غياب عناصر المسئولية االجتماعية‬
‫وذلك لإلجابة على السؤال رقم ‪ 1‬للبحث‪.‬‬
‫التطبةق وهتحلةل الفتائج‪:‬‬
‫أوالً ‪ -‬القص ‪:‬‬
‫قامت الباحثة باستدعاء كل طفل على حدة وقصت عليه قصة "االصدقاء‬
‫الثال ث" (مع مراعاة أن يكون أبطال القصة من نفس جنس طفل العينة)‪" .‬كان‬
‫عادل يقف في فناء المدرسة ويبكي فسأله أحمد‪ :‬لماذا تبكي؟ فقال لقد سقط من‬
‫(السندويتش) في الرمل‪ ،‬وال يمكن أن اكله بعد ذلك فقال أحمد‪ :‬لماذا لم تنتبه‬
‫لذلك؟ المهم ال تبك – وتركه وانصراف وهو يأكل (السندويتش) الخاص به‪.‬‬
‫ومر عليه "علي" وسأله فقال له ما قاله ألحمد فقطع نصف (السندويتش)‬
‫وأعطاه لعادل فكف عادل عن البكاء وشكر "عليا"‪.‬‬
‫‪227‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫تطلب الباحثة من المفحوص أن يعيد القصة‪ .‬وحينما يتعذر على بعض‬


‫األطفال الصغار اإلعادة كانت تعاونهم باألسئلة ‪ -‬من الذي يبكي – لماذا يبكي؟‬
‫ماذا فل أحمد؟ وماذا فعل علي؟ ‪ -‬ما رأيك في تصرف أحمد؟ وتصرف علي؟‬
‫أيهما أحسن؟ ماذا تفعل لو كنت مكان أحمد؟ أو علي؟ ولماذا؟‬
‫تم توزيع أطفال العينة بحسب موقفهم من أبطال القصة والحكم على عنصر‬
‫المشاركة زحالتهم النفسية أثناء الحكم ومدى اهتمامهم بالموقف في القصة‪،‬‬
‫وظهرت النتائج التالية من التحليل‪.‬‬
‫أوالً‪:‬‬
‫‪ - 1‬عدم تمكن ‪ %100‬من األطفال صغار من الحكم الصحيح على موقف‬
‫أبطال القصة‪.‬‬
‫‪ - 2‬اهتمام ‪ %55.5‬منهم بالباحثة وإقامة عالقة تواصل اجتماعي معها‬
‫بصرف النظر عن االهتمام بموضوع القصة كان يحكي لها عن‬
‫موقف مشابه حدث له‪ ،‬أو يحكي لها قصة بعيدة عن الموضوع‪.‬‬
‫‪ - 3‬انصرف عن الموقف ككل ‪ %44.5‬منهم واهتموا بأعمال أخرى‪.‬‬
‫‪ -4‬المالحظ عدم وجود عالقة بالزميل في هذا العمر حيث لم يتجاوب أي‬
‫طفل من األطفال مع أبطال القصة ولم تظهر أي مشاركة وجدانية معهم‪.‬‬
‫ثانةاً‪:‬‬
‫‪ - 1‬تمكن ‪ %28.5‬من األطفال سن ‪ 5 – 4‬من الحكم الصحيح مع التردد‬
‫في الحكم على سلوكه الخاص لو كان مكانهما‪.‬‬
‫‪ - 2‬استمر في عدم إعطاء الحكم الصحيح كذلك أتصف سلوكهم بالالمباالة‬
‫‪.%71.5‬‬
‫‪ - 3‬لوحظ تحول االهتمام بموقف الزميل كما ظهر في انتحال الطفل‬
‫لإلعذار ألحمد الذي لم يشارك من فقد السندويتش الخاص به بقوله‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪228‬‬

‫"يمكن كان جعان قوى‪ ،‬وما فيش معاه غير سندويتش واحد" كما قال‬
‫الزميل االخر‪" :‬يمكن أحمد كان خايف من أمه لتضربه على شان لم‬
‫يأكل السندويتش كله"‪.‬‬
‫تلفت هذه اإلجابات النظر إلى مدى الضغوط التي تمثلها العادات الغذائية‬
‫واالتجاهات الوالدية نحو اشباع حاجات أطفالهم الغذائية؛ حيث تصر األم على‬
‫أن يأ كل طفلها كل ما تعطيه له قد تمنع هذه الضغوط االستجابات التلقائية التي‬
‫تتبع من داخل الطفل بفعل المشاركة الوجدانية الطبيعية التي تنمي التفاعل بينهم‪،‬‬
‫وتنمي بالتالي عناصر المسئولية االجتماعية والحب الذي يحل كثيراً من‬
‫مشكالت التوافق االجتماعي‪.‬‬
‫ثالثاً‪:‬‬
‫هتبةن ما يل ي عفدما طلبت المعلم من كل طفل الحكم على موقف زمةل ‪:‬‬
‫‪ - 1‬تمكن ‪ %83.3‬من سن ‪ 6 – 5‬سنوات من الحكم الصحيح‪ ،‬ولكن مازال‬
‫االهتمام بالراشد ظاهرا حيث كان يرجع جميع األطفال إلى الباحثة‬
‫للتأكيد من الحكم الذي أعطوه‪.‬‬
‫‪ - 2‬ظهرت في إجابة طفلين من الذين أعطوا حكما صحيحاً ظاهرة الفتة‬
‫للنظر حيث ظهر التردد في اإلجابة عن سؤال ماذا تفعل لو كنت‬
‫قابلت عادل يبكي؟ قال أحدهم كنت أعطية "السندويتش" كله بس لو‬
‫كان "النشون" ال أعطيه شيئاً منه ؟‬
‫وبعد صمت قال‪" :‬كنت أعطيه قطعة صغيرة فقط حرام هو جعان مش‬
‫كده؟ متجها للباحثة بالسؤال وهنا االنتباه إلى أن الدافع للمشاركة ليس القيمة‬
‫االجتماعية وال حل المشكل‪ ،‬وإنما هو عدم التعلق بالشيء المعطى‪ ،‬ومما يؤكد‬
‫وجهة النظر في سلوك األطفال اليومي في الروضة فمنهم من يقوم بالمبادلة مع‬
‫اآلخرين‪ ،‬ومنهم من يحتفظ بالساندويش ويأخذ من اآلخرين دون أن يعطيهم‬
‫وقد يمكن االستفادة من هذه المالحظات بنصيحة األمهات بأخذ رأى أوالدهم‬
‫‪229‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫في نوع األطعمة التي يأخذونها معهم الروضة‪.‬‬


‫‪ - 3‬ظهر في إجابات نسبة صغيرة من العينة ‪ %33.3‬االهتمام بالزميل في‬
‫قوله "لو كان عادل صاحبنا جداً ممكن أعيطة ـ لو ما أعرفوش لما‬
‫يروح بيتهم يأكل"‪.‬‬
‫كل ما تقدم أخذ في االعتبار عند تصميم الموقف االجتماعي والموقف‬
‫اللعبي‪.‬‬
‫ثانةاً ‪ -‬الموقف االجتماعي‪:‬‬
‫استدعت الباحثة كل طفل على حدة وطلبت منه مساعدتها في عمل مثل‪:‬‬
‫جمع اللعب ووضعها في الدوالب‪ .‬أو ترتيب الكراسي الصغيرة‪ ،‬أو جمع‬
‫األطباق الورقية ثم أعطيت كل طفل قطعتين من الحلوى التي يجبها ثم عاد‬
‫الطفل ليشارك المجموعة في نشاطها العادي وكان األطفال يضعون الحلوى‬
‫على المنضدة أمامهم ولم يأكلوها فور وصولهم للفصل‪.‬‬
‫ثم توزيع أطفال العينة بحسب سلوك المشاركة في الحلو وحالتهم النفسية‬
‫أثناء السلوك في الموقف االجتماعي ومدى اهتمامهم بالزمالء والباحثة بتحليل‬
‫الموقف االجتماعية اتضح ما يلى‪:‬‬
‫‪ - 1‬امتنع ‪ %66.6‬من سن ‪ 4- 3‬عن المشاركة وإعطاء من يجلس بجانبهم‬
‫من الحلوى‪ ،‬ولم يعيروا انتباها لرجاء األطفال وكان التركيز على‬
‫الباحثة وكان الطفل ينظر للحلوى أمامه‪ ،‬ينظر للباحثة التي عادت‬
‫للفصل ولم تظهر أي اهتمام بالطفل موضع االختبار حتى تترك له‬
‫حرية التصرف ويقترب طفل صغير يسأل من أين أتي بهذه الحلوى؟‬
‫فيجيبه بفخر مشيراً للباحثة يطلب الطفل الصغير" دوقني كده طعمها‬
‫أيه؟ يهز الطفل رأسه بالرفض وهو يعاود النظر للباحثة للتأكيد أنها‬
‫ال تراه وهو يرفض‪.‬‬
‫عندئذ توجه الطفل الصغير للباحثة يطلب منها حلوى ألن زميله رفض‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪230‬‬

‫إعطائه منها‪ ،‬فاعتذرت الباحثة لعدم وجود مزيد من لحلوى معها‪.‬‬


‫‪ - 2‬امتنع ‪ %57.1‬من األطفال سن ‪ 5- 4‬سنوات عن المشاركة في الحلوى‪،‬‬
‫في حين تمكن ‪ %42.9‬من مشاركة الزميل في الحلوى‪.‬‬
‫لوحظ انتقال االهتمام من النظر للباحثة الستطالع رأيها إلي االهتمام‬
‫بالطف ل فمن شارك في إعطاء الحلوى كان يهدف إرضاء الطفل بصرف‬
‫النظر عن الباحثة‪.‬‬
‫كما لوحظ أن بعض من امتنع عن المشاركة أيضاً اهتم بالطفل ‪%28.6‬‬
‫فقد قام طفل بتطيب خاطر زميلة‪ ،‬ووعده أن يحضر معه حلوى مثلها‬
‫ويعطيها له‪.‬‬
‫مما يشير إلي أهمية الزمالء في هذه المرحلة العمرية‪.‬‬
‫‪ - 3‬امتنع عن المشاركة ‪ %58.3‬من األطفال سن ‪ 6- 5‬سنوات لوحظ‬
‫االنزعاج الشديد الذي يعانى منه األطفال عند رفضهم إعطاء الزميل‬
‫من الحلوى‪ ،‬وكان الطفل كمن يتحدث لنفسه‪( ..‬أنا أخذت مكافأة على‬
‫شان ساعدتها) (أنا سأكل واحدة هنا وأخذ الثانية معي للبيت) تمكن‬
‫‪ %41.6‬من مشاركة زمالئه في الحلوى التي معه‪.‬‬
‫ولوحظ أنهم يعطفون على من هم أصغر منهم ولكنهم فعلوا ذلك بطريقة‬
‫تمثيلية ملفتة لنظر الباحثة قال أحدهم لزميله‪ :‬أنهى لعبك بالصلصال‬
‫وأغسل أيديك وأنا أعطيك واحدة من الحلوى‪.‬‬
‫مما تقدم يتضح عدم القدرة على االلتزام بالمشاركة مع الزمالء في‬
‫الح ياة االجتماعية العادية ـ وسيطرة المرغوبية االجتماعية على سلوك‬
‫األطفال الكبار‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ -‬الموقف اللعبي ‪:‬‬
‫اختار األطفال بعض المواقف اللعبية مثل لعبة (الطبيب والمريض)‪،‬‬
‫و"األمهات" و(حالق السيدات)‪ ،‬أو (مدرسُـة المدرسة)‪ ،‬وقد فرضت جميع‬
‫‪231‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫األدوار على الطفل بأن يتناول عن بعض أدوات اللعب كان تطعم األم ابنتها‪ ،‬أو‬
‫أن توزيع معلمة الروضة على األطفال اللعب‪.‬‬
‫تم توزيع أطفال العينة بحسب التزامهم بالمشاركة في أدوار اللعب وحالتهم‬
‫النفسية أثناء القيام باللعب ومدي اهتمامهم بالقيام بأدوار اللعب على أحسن وجه‪.‬‬
‫وبتحليل مواقفهم في لعب األدوار اتضح ما يلى‪:‬‬
‫‪ - 1‬لم يهتم صغير السن ‪ 4- 3‬سنوات باللعب الجماعي ولم يشارك في‬
‫الموقف اللعبي سوي ‪ %11.1‬من حين امتنع ‪ %88.9‬منهم‪ ،‬وانصب‬
‫اهتمامهم جميعاً على الباحثة وانصرفوا إلى اللعب المنفرد‪.‬‬
‫كما اختلفت النسبة تحت بند الالمباالة فكان الموقف اللعبي أيا كانت درجته‬
‫(انفرادي أو جماعي) مثيراً للدافعية ومشبعاً لالحتياجات النفسية لدى جميع أفراد‬
‫العينة‪.‬‬
‫‪ - 2‬شارك في أدوار اللعب ‪ %85.7‬من األطفال اآلخرين في حين امتنع‬
‫عن المشاركة ‪ %14.3‬مع ظهور االهتمام واإلقبال على القيام بالدور‬
‫اللعبي كما يجب‪ ،‬وإصرار من لم يشارك في اللعب أن يقنع الزميل‬
‫بأهمية المشاركة وأنه يجب أن يقوم هو أيضا بذلك‪.‬‬
‫كما لوحظ أن جميع األطفال طلبوا تقسيم اللعب عليهم بحسب األدوار (على‬
‫شان نلعب مع بعض) في حين لم يهتم كثير منهم باقتسام الحلوى مع الزمالء في‬
‫الموقف االجتماعي السابق‪.‬‬
‫وهذا يؤكد أن الحاجة لالشتراك في اللعب تدفع الطفل إلى اإلقدام والمبادأة‬
‫وهذا يمثل عنصر االهتمام في المسئولية االجتماعية‪.‬‬
‫‪ - 3‬ظهر االهتمام باألربع مستويات في لعب األطفال الكبار فشارك‬
‫‪ %91.6‬من أطفال العينة سن ‪ 6- 5‬سنوات‪ ،‬في أدوات اللعب بحرص‬
‫شديد على استمرار اللعب‪.‬‬
‫وظهر االرتباط العاطفي الواضح بالجماعة أثناء توزيع األدوار واللعب فلم‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪232‬‬

‫يكف حتى من لم يشارك في اللعب (‪ )%8.3‬عن المطالبة بتوزيع أدوات اللعب‬


‫واألدوار‪.‬‬
‫قد يشير هذا السلوك إلى وجود (االهتمام المتفكر) بالجماعة وهو أعلى‬
‫مستويات االهتمام في المسئولية االجتماعية وهو أيضا أرقى مستويات النشاط‬
‫اللعبي الذي يتمثل في اللعب السابق التخطيط‪.‬‬
‫وقد ظهر المشاركة "المنفذة" الفعالة في سلوك كثير من أطفال العينة ـ مثال‬
‫"عرضت طفلة ‪ 6- 5‬سنوات على زميلتها استعارة عربتها "البسكليت" لتوصل‬
‫بها ابنتها للطبيب ما دام عربتها معطلة كذلك قامت بإعطاء ابنه زميلتها دواء‬
‫مخفضا للحرارة كما لوحظ اختفاء الالمباالة في الموقف اللعبي بعد ما كانت في‬
‫القصة ‪ %32.1‬والموقف االجتماعي ‪.%46.4‬‬
‫مما يؤكد أن النشاط اللعبي يمثل أقوى الدوافع للتفاعل االجتماعي بالنسبة‬
‫لطفل المرحلة بكل فئاتها العمرية‪.‬‬
‫الخالص ‪:‬‬
‫بتحلةل نتائج األجزاء الثالث يمكن استخالص ما يلى‪:‬‬
‫أوالً ‪ -‬يعرف الطفل معايير السلوك االجتماعي الصحيح بطريقة غير واعية‬
‫يعبر عن ذلك لغوياً بالحكم على سلوك أبطال القصة في حين يعانى من صعوبة‬
‫تطبيق هذه المعايير في مواقف حياته االجتماعية الواقعية‪.‬‬
‫ثانةاً ‪ -‬تدفع الرغبة في اللعب واستمراره في األدوار التي تم توزيعها على‬
‫األطفال إلى مقاومة األنانية وتنشيط عناصر المسئولية االجتماعية ومن ثم يعد‬
‫النشاط اللعبي هو الباب الوحيد القادر على إشباع حاجات طفل الروضة النفسية‬
‫واالجتماعية‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ -‬يدل رفض عينة الصغار ‪ 4- 3‬سنوات اقتسام أدوات اللعب على أنهم‬
‫يستطيعون إشباع احت ياجاتهم النفسية واالجتماعية باللعب المنفرد‪.‬‬
‫‪233‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫ولكن مع تقدم األطفال في السن ال يفي النشاط اللعبي المنفرد بحاجاتهم‬


‫ويظهر ذلك في إصرار األطفال كبار السن على ضرورة تقسيم األدوار وتوزيع‬
‫اللعب‪ ،‬كما يظهرون كثيراً من الضجر والتأثر إذا ما رفض األصدقاء اقتسام‬
‫أدوات اللعب‪.‬‬
‫رابعاً ‪ -‬ظهرت معظم عناصر المسئولية االجتماعية في النشاط اللعبي‬
‫لألطفال الكبار في حين غابت جميعها في النشاط االجتماعي الحقيقي‪.‬‬
‫قد يكون ذلك دليال على وجود ارتباط بين عناصر المسئولية االجتماعية‬
‫ومراحل نمو النشاط اللعبي‪ ،‬التي حددتها الفصول السابقة‪.‬‬
‫خامياً ‪ -‬ظهرت عدم المشاركة وعدم االهتمام بالزمالء والجماعة في الحياة‬
‫العادية (الموقف االجتماعي) مع بعض االهتمام برأي البالغ في سلوك األطفال‪،‬‬
‫في حين اختلفت الصورة تماماً في النشاط اللعبي فقد ركز الطفل على زميله‬
‫وحرص حرصاً شديدًا على استمرار العالقة الطيبة معه طوال مدة اللعب‪.‬‬
‫مما قد يتيح الفرصة للتدخل لتعديل سلوك األطفال عن طريق زمالء اللعب‬
‫ومعالجة السلوك غير السوي بهذه الطريقة‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪234‬‬

‫ملخص الفصل السادس‬

‫تناول الفصل السادس تعريف االنفعال وأ ثر حدة االنفعال على النشاط‬


‫المعرفي للفرد‪.‬‬
‫مفهوم األزمة التي تحدث بسبب عدم اتزان االنفعال وأثر ذلك على‬
‫المجتمع‪.‬‬
‫عالقة اإلحباط بإعاقة اإلشباع بسبب حدة االنفعال‪.‬‬
‫أنواع األزمات ‪:‬‬
‫‪ - 1‬أزمة الثالث سنوات‪.‬‬
‫‪ - 2‬أزمة سن المدرسة في النصف الثاني من العام الدراسي األول‪.‬‬
‫‪ - 3‬أزمة المراهق‪.‬‬
‫الصفات المميزة النفعال األطفال والعوامل المؤثرة في النمو االنفعال‪.‬‬
‫التنشئة االجتماعية وأثر ها في النمو االجتماعي السليم‪.‬‬
‫خصائص النمو االنفعالي في حياة الطفل المدرسية من ‪ 6‬إلى ‪ 12‬سنة‪.‬‬
‫البناء النفسي المرتبط بدخول الطفل المدرسة‪.‬‬
‫الصعوبات األساسية التي يواجهها الطفل في عامه الدراسي األول‪.‬‬
‫‪235‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫أسئلة على الفصل السادس‬

‫س‪ - 1‬ك يف يمكن تحديد الشخصيات المستهدفة للمشكالت وعالقة المشكالت‬


‫بالنشاط اللعبي؟‬
‫س‪ - 2‬ما هي خصائص طفل الروضة الذي تم إعداد شخصيته لدخول المدرسة؟‬
‫س‪ - 3‬كيف يمكن اعتبار النشاط اللعبي مسئوالً عن إعداد شخصية الطفل لتحمل‬
‫اعباء الدراسة؟‬
‫س‪ - 4‬ما هي الخصائص المميزة للنمو النفسي لطفل الروضة؟‬
‫س‪ - 5‬ما هي مسئولية الطريقة التقليدية لتعليم الطفل القراءة والكتابة عن حدوث‬
‫أزمة السبع سنوات؟‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪236‬‬

‫امللخص واملفاهيم الرئيسية‬

‫أوالً ‪ -‬المفاهةم الرئةية في الكتاب‪:‬‬


‫‪ - 1‬مفهوم الشخصية ومكوناتها منذ المرحلة الجنينية‪.‬‬
‫‪ - 2‬المفهوم اإلجرائي لنمو الشخصية‪.‬‬
‫‪ - 3‬مفهوم محددات النمو ‪ -‬النشاط المهيمن ‪ -‬الطفرة ‪ -‬المكانة االجتماعية‪.‬‬
‫‪ - 4‬مفهوم توظيف القدرات وإخراجها في صورة العمليات النفسية والعقلية‬
‫واالجتماعية‪.‬‬
‫‪ - 5‬منطقة النمو المقبل‪ ،‬الممكن‪ ،‬المحتمل‪ ،‬المتوقع‪.‬‬
‫‪ - 6‬التطبيقات العملية التربوية لمحددات النمو واستخدامها في القياس‪.‬‬
‫‪ - 7‬البراهين ا لدالة على صالحية محددات النمو لتحديد جوانب القوة‬
‫والضعف في ‪ 306‬شخصية طفل الروضة والكشف عن إمكانياتها‬
‫الخفية‪.‬‬
‫ثانةا ‪ -‬قوانةن نمائة رئةية ‪:‬‬
‫" يحيا طفل الروضة ويتعلم فينمو لعبا"‪.‬‬
‫‪ - 1‬توظيف القدرات ينميها وعدم توظيفها يؤدي إلى ضمورها‬
‫واضمحاللها‪.‬‬
‫‪ - 2‬تظهر جميع العمليات العقلية والنفسية واالجتماعية على مسرح الحياة‬
‫مرتين‪ .‬مرة تلقائية ـ مباشرة ـ غير واعية ومرة واعية ـ توسطيةـ‬
‫متعلمة‪.‬‬
‫‪ - 3‬محددات النمو هي المسئولية عن توظيف قدرات الشخصية واخراجها في‬
‫صورة عمليات تظهر على مسرح الحياة مرتين‪ ،‬مرة تلقائية ومرة واعية‪.‬‬
‫‪237‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫‪ - 4‬ما يسهل إدراكه تلقائيا يصعب إدراكه بوعي والعكس صحيح سهولة‬
‫اإلدراك التلقائي للكالم واستخدامه بسهولة في التفاعل االجتماعي يجعل‬
‫إدراك فورمة الكلمات ومكوناتها والوعي بالمفاهيم اللغوية صعبًا‪.‬‬
‫ثالثا ‪ -‬نماذج لبعض المفاهةم التي قد يحدث بةفها خلط حةن هتفاولها‬
‫كمتغةرات بحثة ‪:‬‬
‫الخلط بي ن اللغة والكالم وبين المفاهيم اللغوية من حروف وكلمات الخلط‬
‫بين الطالقة اللفظية والحصيلة اللغوية في التفاعل االجتماعي وبين إمكانية تعلم‬
‫اللغة وقواعدها في القراءة والكتابة أثناء المواقف التعليمية‪.‬‬
‫يظن البعض أن الطفل الذي يتقن الحديث بلغة أجنبية‪ ،‬ألنه ولد في هذا البلد‬
‫وينجح في التواصل االجتماعي والكالم بلغة هذا البلد‪ ،‬يسهل عليه تعلم قواعد‬
‫هذه اللغة والقراءة والكتابة بها‪.‬‬
‫ولذلك قد يقاس نجاح الطفل في الكالم اللغة االجنبية كدالة على نجاحه في‬
‫تعلم قواعد هذه اللغة والقراءة والكتابة بها‪ .‬كما قد يعتمد معلمو طفل الروضة‬
‫على تحفيظ الطفل الحروق األبجدية في صورة نشيد أو أغنية أو حفظ االسم‬
‫المكتوب تحت صورة كوسيلة لتعليمه القراءة والكتابة‪ ،‬في حين أشارت البحوث‬
‫إلى أنه لكي يتعلم الطفل القراءة والكتابة ال بد أن يدرك خصائص المفاهيم‬
‫اللغوية للحروف والكلمات‪ ...‬إلخ إدراكًا واعيًا‪.‬‬
‫عالج الكتاب ما يلي‪:‬‬

‫‪ - 1‬قصور المقاييس ‪ 307‬التقليدية الشائعة للكشف عن الدافعية والقدرات‬


‫واالمكانيات الكاملة لدى طفل الروضة؛ حيث إنها ال تعطي صورة‬
‫حقيقية لخصائص المتغيرات المراد قياسها‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪238‬‬

‫‪ - 2‬عجز هذه األدوات عن عالج بعض المشكالت السلوكية الشائعة لدى‬


‫طفل الروضة‪.‬‬
‫‪ - 3‬عجز ال برامج المتاحة عن تنمية بعض االستعدادات والقدرات لدى‬
‫طفل المرحلة‪.‬‬
‫أدوات العالج التي عرضها الكتاب ‪:‬‬
‫‪ - 1‬الكشف عن وجود القدرات العقلية والنفسية واالجتماعية لدى طفل‬
‫الروضة‪ ،‬كما تظهر في صورة عمليات أثناء نشاطه اللعبي لألدوار‬
‫االجتماعية المختلفة‪.‬‬
‫‪ - 2‬الكشف عن خصائص العمل يات العقلية ومنهج حل المشكالت التي‬
‫يتعرض لها أثناء لعب هذه األدوار‪.‬‬
‫‪ - 3‬توضيح خصائص أدوات القياس التقليدية المستخدمة مع طفل الروضة‬
‫وعجزها عن الكشف عن القدرات الحقيقية لديه‪.‬‬
‫‪ - 4‬توضيح خصائص أدوات القياس المصممة خصيصا لطفل الروضة‬
‫وعالقتها بمحددات نمو طفل المرحلة ونجاحها في قياس القدرات‬
‫النفسية والعقلية واالجتماعية كما تظهر أثناء لعب األدوار االجتماعية‬
‫بخصائصه كمحدد للنمو‪.‬‬
‫أوضح الكتاب‪:‬‬
‫أسباب القصور الذي يبدو في حياة طفل الروضة وإجابته عن أسئلة الراشد‬
‫الذي ال يعبر عن قصور حقيقي في االستعداد الشخصي للطفل‪ ،‬انما يرجع‬
‫العج ز ادوات القياس عن الكشف عن امكانياته النمائية الحقيقية‪ ،‬وأشار الكتاب‬
‫إلى فاعلية المقاييس المصممة على دعائم النظرية االجتماعية التاريخية التي‬
‫اعتمدت النشاط اللعبي لطفل الروضة كمحدد مسئول عن نمو شخصيته ككل‪،‬‬
‫كما حدد شرطا رئيسيا لضمان توظيف قدرات الطفل هو ضرورة وضع طفل‬
‫‪239‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫الروضة في مشكلة لعبية ال تحل إال باستخدام االدراك الواعي ‪ 308‬لعناصر‬


‫المفاهيم المراد تكوينها أو تميتها أثناء حل المشكلة‪ ،‬وقد تمكن الكتاب من‬
‫عرض تكوين وتنمية المفاهيم اللغوية (‪ )2‬ومفهوم المسئولية االجتماعية (‪)1‬‬
‫ومفهوم التعاون ومفهوم الذات (‪ )3‬أثناء النشاط اللعبي لطفل الروضة‪.‬‬
‫كما عرض خصائص النشاط اللعبي كمحدد لنمو الشخصية في مرحلة‬
‫الروضة‪:‬‬
‫‪ - 1‬نشاط يحمل دوافعه في داخله وال ينتظر نتيجة اللعب‪.‬‬
‫‪ - 2‬نشاط قادر على توظيف قدرات الشخصية واشباع احتياجاتها‪.‬‬
‫‪ - 3‬نشاط يربي في داخله النشاط الذي سيحتل مركز القيادة في مرحلة‬
‫النمو الالحقة‪ ،‬والذي سيصبح محدداً مسئوال عن نمو الشخصية في‬
‫المرحلة التالية‪.‬‬
‫‪ - 4‬نشاط اجتماعي النشأة والدوافع يستخدمه الطفل لمعايشة عالم الكبار‪،‬‬
‫وتعميم قيمهم ومحاكاة سلوكهم في أدوارهم بل وتقويم هذا السلوك‪.‬‬
‫‪ - 5‬نشاط تنمو في داخله العمليات العقلية العليا كالترميز والتحليل‬
‫والتجريد والتعميم واالبتكار‪ ،‬ويتبع الطفل فيه المنهج العلمي بدءا من‬
‫االحساس بالمشكلة وتحليلها‪ .‬كما قدم نقدا للروضات التي تعقد‬
‫مقابالت شخصية لألطفال كشرط لاللتحاق بالروضة بهدف قياس‬
‫ادراكه للخصائص المشتركة بين المثيرات‪ ،‬وتعرفه على أوجه‬
‫االختالف بينهما‪ ،‬يست خدم في هذه المقابلة األسلوب المباشر كطرح‬
‫االسئلة وانتظار اإلجابة من األطفال‪ .‬يعاني الطفل كثيرا أثناء هذا‬
‫اللقاء وقد يفشل البعضص في حل المشكلة نظرا لشعوره بعدم األمان‬
‫وفتور الدافعية‪ .‬والمقترح األفضل أن نوفر لألطفال لعبة كعمال البناء‬
‫مثال ونضع أمامهم رموزا بديلة للطوب وأدوات البناء‪ ،‬مثل علب‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪240‬‬

‫الكبريت الكبيرة والصغيرة لتوفير البيئة اآلمنة والدافعية الكاملة‬


‫وتفعيل خصائص النشاط اللعبي؛ حيث أفادت نتائج بعض البحوث أنه‬
‫عند انشغال بعض األطفال ببناء منزل علب الكبريت بعد توحيد لونها‬
‫باللون اآلخر أعطى الباحث أسطوانة ورقية بلون الطوب األحمر‬
‫الستعمالها في البناء فأجمع األطفال على أنها "ما تنفعش قالب طوب"‬
‫وعند لفت نظرهم إلى أنها بنفس لون الطوب األحمر أصر الجميع أن‬
‫اللون "مش مهم "ولكن أخذتها طفلة وهي تقول "أنا " هاحطها مدخنة‪،‬‬
‫هي تنفع مدخنة (‪ )5‬وقد توصل األطفال لهذه النتيجة بعدما قاموا‬
‫بتحليل خصائص الرموز واستبعادها صفتها "اللون" والتصنيف‬
‫والتعميم بعد إدراك عناصر االختالف‪ ،‬كما ظهرت بعض عناصر‬
‫التفكير االبتكاري مما يوضح أثر غياب التهديد الخارجي وتوفر البيئة‬
‫اآلمنة والدافعية لقيام العقل بالعمليات العقلية العليا في جو من‬
‫االستمتاع و الشغف في إطار أهداف النشاط اللعبي وحل مشكالته‪.‬‬
‫انطالقا من هذه القضايا الرئيسية يمكن تصميم المقاييس الخاصة بشخصية‬
‫طفل الروضة إخراج كل ما لديها من إمكانات‪ .‬كما يمكن تصميم البرامج‬
‫التنموية واالرشادية للوالدين والتربويين لنقل الشخصية من منطقة النمو الواقعي‬
‫إلى منطقة النمو المقبل أو المتوقع أو الوشيك (‪.)12‬‬
‫تحقيقا لخصائص النشاط المحدد لنمو طفل الروضة قام الكتاب بقياس‬
‫وتنمية الجزء االجتماعي للشخصية بتصميم أدوار للعب تعتمد على عناصر‬
‫المسئولية االجتماعية فأظهر توفر جميع عناصر المسئولية االجتماعية في أثناء‬
‫قيام طفل ا لروضة بأدوار تتحقق خاصية أخرى من خصائص النشاط اللعبي‪،‬‬
‫الذي يفتح أمام طفل المرحلة عالم الكبار بقيمة ومعاييره وااللتزام بواجبات‬
‫الدور؛ حيث أظهرت "المشاركة المنفذة" والعمل التعاوني مع الجماعة أثناء قيام‬
‫الطفل بالسلوك المنفذ المنضبط المتوافق والعمل التعاوني مع الجماعة أثناء قيام‬
‫الطفل بالسلوك المنفذ المنضبط المتوافق مع قيم لجماعة ومعاييرها كذلك ظهرت‬
‫‪241‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫"المشاركة التقومية" الموجهة والناقدة والمصححة لسلوك األطفال اآلخرين حين‬


‫خروجهم عن مهام الدور كما ظهر العنصر الرابع من عناصر المسئولية‬
‫االجتماعية الواجبات االجتماعية حيث يصر األطفال على أداء مهام الدور على‬
‫أكمل وجه مهما كلفهم ذلك من مشاق كما أوضح أن النشاط اللعبي لدى طفل‬
‫الروضة هو المدخل الوحيد الستيعاب الخبرة االجتماعية وتوظيفها لتنمية‬
‫الشخصية ككل وهو الذي يحمل بداخله أقوى الدوافع للتفاعل االجتماعي لطفل‬
‫الروضة‪.‬‬
‫خاهتم ‪:‬‬
‫تضمن الكتاب ستة فصول ليتمكن الدارس بعدها مما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬تصحيح بعض المفاهيم الخطأ الشائعة مثل تعريف االنسان بانه "كائن‬
‫حي ناطق" يتأكد الدراس من خطأ هذا التعريف ألنه ال يحدد‬
‫"خصائص" االنسان‪ ،‬بل يعتمد على بعض "الصفات" المشتركة بينه‬
‫وبين الكائنات األخرى "كالحيوان والنبات" وتبين ذلك من المقدمة‬
‫للتاب التي اتفقت على بعض المفاهيم الرئيسة كمفهوم "الخصائص"‬
‫و"الصفات" "إذا أردنا أن نعرف أي معرف علينا برصد خصائصه‬
‫وعدم االكتفاء بصفاته"‪:‬‬
‫ومفهوم "االدوات" و "المواد الخام" وتعرض الفصل األول للغة‬
‫بوصفها أهم األدوات وخصائصها الثمانية‪.‬‬
‫ومفهوم السلوك في مقابل العمليات‪.‬‬
‫ومفهوم السلوك لدي الحيوان الذي يتعدل بالتدريب‪ ،‬وهو هدف للتعلم‬
‫للحيوان في السيرك واالختالف الجوهري بينه وبين التعلم لدي‬
‫الطفل منذ المهد‪.‬‬
‫التعلم الذي هو سبب في نمو شخصية الطفل في مراحلها المختلفة‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪242‬‬

‫‪ - 2‬التعرف على متطلبات نمو الشخصية في مراحلها النمائية المختلفة‬


‫بدءاً من المرحلة الجنينية حتى مرحلة طفل المدرسة االبتدائية وربطها‬
‫بالخصائص العامة للشخصية‪.‬‬
‫‪ - 3‬المحثثددات المسثثئولة عثثن النمثثو فثثي كثثل مرحلثثة مثثن المراحثثل وتقسثثيم‬
‫النمثثو إلثثى مراحثثل بنثثاءً علثثى هثثذه المحثثددات وتوضثثيح أسثثباب إعاقثثة‬
‫النمثثثو ومشثثثكالته انطالقث ثاً مثثثن هثثثذه المحثثثددات والتفاعثثثل االجتمثثثاعي‬
‫للشخصية معها‪.‬‬
‫‪ - 4‬عالقة نمو الشخصية بالتعلم والتعليم واستيعاب الخبرة االجتماعية‪.‬‬
‫‪ - 5‬كيفية تحقيق مطالب نمو الشخصية بعناصرها األربعة في جميع‬
‫المراحل سالفة الذكر‪.‬‬
‫‪ - 6‬مفهوم التوظيف للقدرات العقلية في صورة العمليات العقلية وعالقته‬
‫بالنمو العقلي المعرفي للشخصية في كل المراحل (النمو العقلي)‪.‬‬
‫‪ - 7‬مفهوم التوظيف للقدرات النفسية في صورة العمليات النفسية التي‬
‫تشبع الحاجات النفسية كالحاجات لالنتماء والحب واألمان‪...‬إلخ (النمو‬
‫النفسي)‪.‬‬
‫‪ - 8‬مفهوم وتوظيف القدرات االجتماعية في صورة عمليات التفاعل‬
‫االجتماعي التي تشب الحاجات االجتماعية الستة في كل المراحل‬
‫(النمو االجتماعي)‪.‬‬
‫‪ - 9‬مفهثثثثوم التوظيثثثثف الكلثثثثي التكثثثثثاملي والتفاعثثثثل االجتمثثثثاعي وعالقتثثثثثه‬
‫بالمشكالت النفسية وكيفية تالفي حدوثها‪.‬‬
‫‪ - 10‬كما يتمكن الدارس من تحديد مستوى نمو الشخصية من مواقفها‬
‫التفاعلية في كل مرحلة نمائية والحكم على درجة نموها ومدى توافقها‬
‫المجتمعي‪.‬‬
‫‪243‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬

‫‪ - 11‬تحديد مستوى الخبرات المكتسبة (استيعاب الخبرة االجتماعية)‬


‫ومدى إشباعها الحتياجات الشخصية برباعيها‪.‬‬
‫‪ - 12‬التعرف على السلوك المنبئ بالمشكالت النفسية واالجتماعية‬
‫والتعرف على الشخصيات المستهدفة للمشكالت االجتماعية والنفسية‬
‫والمعرفية وصعوبات التعلم في المراحل النمائية المختلفة مع التركيز‬
‫على طفل الروضة ومدى إعداده العقلي المعرفي للمدرسة االبتدائية‪.‬‬
‫‪ - 13‬إعداد المقاييس والبرامج التنموية للشخصية التي تساعد على توظيف‬
‫القدرات وتنميتها لتحقيق متطلبات نمو الشخصية وخاصة طفل‬
‫الروضة وإعداده للقراءة والكتابة وإدراك المفاهيم اللغوية‪.‬‬
‫‪ - 14‬وأصبح الدارس قادراً على التعرف على نمو الشخصية ككل تعريفًا‬
‫إجرائياً يسهل قياسه وتحديد مستواه وعالقة النمو بالشخصية‬
‫وخصائصها ويستطيع إثبات أن الشخصية خاصة باإلنسان وال يمكن‬
‫وجودها لدى أي كائن آخر؛ حيث إنها "كل‪ ،‬رباعي‪( ،‬نفس عقلي‬
‫جسمي اجتماعي) ديناميكي (دائمة الحركة) متفاعل (مع أجزائه‬
‫وبكل أجزائه مع المجتمع والمحيط البيئي) متكامل (يكمل كل جزء‬
‫في نشاطه الجزء اآلخر‪ ،‬وتتكامل جميع األجزاء إلشباع حاجات‬
‫الشخصية ككل) متمايز (بحيث ال يمكن أن توجد شخصية‬
‫بمواصفاتها تتطابق مع مواصفات شخصية أخرى‪ .‬كما تتمايز‬
‫البصمة) ولكن في (ثبات نسبي) داخل إطار كل شخصية وهذا‬
‫ال يتناقض مع ديناميكية الشخصية وإنما هي دائمة الحركة والتطور‬
‫في إطار ثابت (كما يتحرك إنسان العين داخل إطار العين نفسها)‪.‬‬
‫‪ - 15‬كما يتمكن من تحليل مفهوم محددات النمو وتوضيح األدلة التي تثبت‬
‫أن "المكانة االجتماعية" و"النشاط المهيمن" و"الطفرة" محددات‬
‫إيجابية تدفع إلى توظيف قدرات الشخصية وانتقالها من مرحلة نمائية‬
‫إلى الالحقة عليها‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالهت الففية‬ ‫‪244‬‬

‫‪ - 16‬كما يتمكن من تحديد أدوات موضوعية يمكن تعميم استخدامها في‬


‫تقسيم النمو إلى مراحل واقعية وثابتة‪.‬‬
‫‪ - 17‬كما يتمكن من استخدام محددات النمو كأدوات تساعد في وصف‬
‫وتحديد خصائص نمو الشخصية‪ ،‬ومظاهر الشذوذ في عملية النمو‬
‫وكيفية عالجه في كل مراحل النمو‪.‬‬
‫التطبيقات‬
‫نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)‬ ‫‪246‬‬
‫‪247‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)‬

‫التطبيقـــــات‬

‫من أمثلة األسئلة التي توجد إجابتها في الفصول الستة للكتاب ما يلي‪:‬‬
‫كيف يمكن استخدام "النشاط المهيمن" كأساس لتقسيم النمو إلى مراحل؟‬
‫وكيف يمكن استخدام محددات النمو بوجه عام كأسس لتقسيم النمو إلى‬
‫مراحل؟‬
‫وكيف يمكن توظيف القدرات لإلسراع بخطى النمو؟‬
‫وما النتيجة إلهمال التوظيف واإلصرار على تحفيظ الطفل الحروف‬
‫واألعداد بالترتيب حفظاً أصم‪( .‬دون إعمال العقل في خصائص‬
‫الحروف واألعداد عن طريق النشاط المهيمن على كل مرحلة)؟‬
‫كيف يضمن "النشاط اللعبي" توظيف قدرات "الطفل في الروضة" النفسية‬
‫وإخراجها في صورة عمليات نفسية‪ .‬والقدرات العقلية وإخراجها في صورة‬
‫عملياات عقلياة كااالترميض وتضاييو األدوات "الل وياة" و"التفكياار"‪...‬إلخ‪،‬‬
‫والقاادرات اتجتماعيااة وإخراجهااا فااي صااورة عمليااات تفاعاال اجتماااعي‬
‫ليتخلص الطفل من األنانية ويتجه للتعاون والمشاركة ‪...‬إلخ؟‬
‫ما هي مراحل نمو النشاط اللعبي؟‬
‫ما هي األساليب الخاطئة التي تلجأ إليها معلمات الروضة لتعليم طفل‬
‫الروضة الحروف والكلمات؟‬
‫لماذا يعاني بعض األطفال من التهتهة والتلعثم واتضطرابات السلوكية‬
‫األخرى في الحضانة وت يعاني منها في المنضل؟‬
‫كما يوضح أسباب فشل معلمة الروضة في تعليم الطفل الحروف‬
‫بكتابتها على المكعبات أو السبورة الوبرية‪.‬‬
‫اشرح بالتفصيل دور كل من "النشاط الحاس الحركي" لطفل المهد‬
‫نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)‬ ‫‪248‬‬

‫"والنشاط اللعبي" لطفل الروضة في نمو شخصية الطفل ووضح األدلة‬


‫التي تثبت قدرة كل منهما على توظيف قدراته العقلية وإتباع المنهج‬
‫العلمي لحل مشكالت احتياجات الشخصية برباعيها؟‬
‫فيما يلي بعض نماذج األسئلة الموضوعية كاالختيار من متعدد لبعض‬
‫العبارات الصحيحة والعبارات الخطأ مع التعليل فيما ال يقل عن ثالثة سطور‬
‫كما يلي‪:‬‬
‫‪" -1‬يضمن النشاط اللعبي نمو شخصية طفل الروضة" عبارة صحيحة بدليل‬
‫إدراك الطفل لمجردات الل ة في لعبة كلمة السر و تحمل تأجيل رغباته‬
‫في أكل الشكوتتة ليقوم بتوزيعها على الركاب حينما يلعب دور المضيف‬
‫وحينما ت لبت الطفلة على مخاوفها المرضية من دخول الحمام في‬
‫الروضة عند قيامها بدور اتم المطلوب منها تحليل بول للعروسة‪،‬‬
‫وتحمل الطفل مشقة صعود السلم وراء الحرامي حينما قام بدور الضابط‪.‬‬
‫‪ - 2‬يتعلم طفل الروضة خصائص الحروف في لعبة كلمة السر "عبارة‬
‫صحية"‪.‬‬
‫‪ - 3‬يتحكم طفل الروضة ويؤجل إشباع رغباته الملحة أثناء اللعب‬
‫العبارات ‪ 2،3‬صحيحة من اإلجابة السابقة في السؤال رقم ‪ 1‬وهذه‬
‫بعض نماذج األسئلة التي سيرد تفصيلها في التسجيل‪ ،‬كما سيرد العديد‬
‫من األسئلة األخرى حينئذ‪.‬‬
‫نماذج أسئلة وحلها تفصيالً‪:‬‬
‫س‪ - 1‬عرف خصائص المفاهيم في عالقتها باإلدراك واللغة وأهم القضايا‬
‫المرتبطة بها‪.‬‬
‫ج‪ - 1‬يمكن استخالص ثمانِ خصائص للمفاهيم ‪:‬‬
‫‪ - 1‬هي أدوات مصنعة‪.‬‬
‫‪249‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)‬

‫‪ - 2‬قصدية تم تصنيعها قصداً بطريقة متعمدة‪.‬‬


‫‪ - 3‬تسعى لتحقيق هدف عقلي نفسي اجتماعي وليس إلشباع احتياجات‬
‫فسيولوجية فقط‪ ،‬كما هو الحال في عالم الكائنات األخرى التي تستخدم‬
‫ردود األفعال إلعادة اتتضان الفسيولوجي‪.‬‬
‫‪ - 4‬تتعدل وتت ير حتى يمكنها تحقيق الهدف‪.‬‬
‫‪ - 5‬يمكن مراجعتها بعد فترة زمنية واستخالص مفاهيم جديدة تعمم لحل‬
‫مشكالت أخرى‪.‬‬
‫‪ - 6‬اتفاقية‪.‬‬
‫‪ - 7‬اجتماعية المنشأ‪.‬‬
‫‪ - 8‬تعتمد على الخبرة السابقة‪.‬‬
‫مما تقدم يمكن أن نصل إلى أن الل ة لها نفس الخصائص‪ ،‬وهي القوالب‬
‫الرمضية التي تحمل المفاهيم إلى أفراد المجتمو وباقي المجتمعات األخرى‪.‬‬
‫خالصة التعريف اإلجرائي للمفاهيم أي "الل ة" بكل صورها سواء "كالم"‬
‫أو إشارة‪...‬إلخ‪.‬‬
‫من الخصائص السابق ذكرها للمفاهيم‪ ،‬نخلص للتعريف التالي‪" :‬المفاهيم‬
‫هي أدوات للمعرفة‪ ،‬اصطنعها العقل في المجتمو البشري معتمداً على الخبرة‬
‫اإلنسانية المتوارثة لتحقيق أهداف التواصل اتجتماعي‪ ،‬وإشباع حاجات‬
‫الشخصية‪ ،‬وإعادة اتتضان وإصالح أي خلل يحدث في نظام الفكر‪ ،‬والتعبير‬
‫عن أفكار األفراد ونقلها لآلخرين في قوالب ل وية تصب فيها الخبرات وينقل‬
‫بها التراث الحضاري الذي تتوارثه األجيال‪ ،‬فال يمكن أن يبدأ جيل من األجيال‬
‫البشرية في مجال الثقافة والعلم والخبر من الصفر‪ ،‬فالتراث البشري محفوظ في‬
‫هذه القوالب الل وية التي تسمى مفاهيم وما على األجيال إت أن تعمل على فهمه‬
‫وتتبو نمو مدلوله والتعرف على محتواه حتى تتضاعف الخبرة البشرية‪ ،‬وتنمو‬
‫نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)‬ ‫‪250‬‬

‫المجتمعات اإلنسانية‪ ،‬فال وجود لألدوات إت في عالم اإلنسان‪.‬‬


‫اإلدراك واتنتباه يؤديان إلى نتيجة واحدة وهي الوعي باألشياء الخارجية‬
‫وبأنفسنا‪ ،‬غير أنه يمكن أن نميض بين اإلدراك و"اتنتباه" على أساس أن اتنتباه‬
‫يسبق اإلدراك‪ ،‬ويمهد له‪ ،‬ولكن ليس من الضروري أن يتم اإلدراك إذا ما حدث‬
‫اتنتباه‪ ،‬فقد ننتبه إلى شيء ما لندركه‪ ،‬ولكننا قد نفشل في إدراكه‪.‬‬
‫ويختلف اإلدراك عن "اتنتباه"‪ ،‬فاتنتباه حالة تصاحب العمليات العقلية‪،‬‬
‫فقد ننتبه لشيء وت ندركه‪ ،‬ألنه لم يسبق أن وقو في مجال خبرتنا بمعنى أن‬
‫مثير ما قد آثار انتباهنا ولم نفهمه‪ ،‬كذلك يمكن أن تتم بعض العمليات اإلدراكية‬
‫بدون حاجة إلى تركيض اتنتباه عليها‪ ،‬كما هو الحال عندما يتقن الفرد عملية‬
‫عقلية معينة حتى ت صبح آلية األداء فيتصرف الفرد كأنما يقوم بها بدون انتباه‬
‫إلى خطواتها‪ ،‬وقد يعرقلها إذا ركض انتباهه عليها‪.‬‬
‫أما اإلدراك فيتضمن التنظيم والتفسير لما ندرك‪ ،‬بينما ت يتضمن اتنتباه‬
‫أي عملية للتنظيم أو التفسير‪ ،‬فقد ينتبه مجموعة من األفراد إلى شيء معين ثم‬
‫نالحظ أن كال منهم قد أدركه بطريقته الخاصة‪.‬‬
‫وذلك أن الفرد بما لديه من اتجاهات وخبرات وقيم وذكريات وأفكار ودوافو‪،‬‬
‫وهذه كلها حصيلة لتفاعل الفرد مو بيئته‪ ،‬خاصة ببيئته اتجتماعية يتأثر بها‬
‫إدراكه للمؤثرات وتفسيره للحوادث التي يقو عليها انتباهه‪ ،‬أي أن اإلدراك يتوقف‬
‫على عوامل موجودة في البيئة‪ ،‬أو في طبيعة المثير نفسه من حيث شدته ونوعه‬
‫ولونه وحجمه‪ ،‬وأيضًا على التفاعل الذي يتم بين هذه العوامل‪.‬‬
‫ويرى علماء النفس الترابطي أن األشياء تبرز في مجال إدراك اإلنسان‬
‫نتيجة "نشاط" عقلي يربط بين إحساسات منفصلة مختلفة‪ ،‬ومن هذا الترابط نتكون‬
‫األشياء والمفاهيم التي يدركها اإلنسان‪ ،‬كما يتكون الحائط من قوالب مترابطة‬
‫متراصة‪ ،‬ويعطي هؤتء الترابطيون أهمية كبرى ألثر البيئة في اإلدراك‪،‬‬
‫وألهمية الخبرات الماضية وأثرها في الحاضر‪ ،‬مو نظرتهم إلى الفرد باعتباره‬
‫‪251‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)‬

‫آلة تقوم بالتجميو والتخضين والتعميم والفهم والوعي وتصور بناء معرفي مكون‬
‫من المفاهيم التي سبق تعريفها بأنها "فكرة أو تمثيل للخصائص المشتركة بين‬
‫التصنيفات"‪ ،‬أو هي" تصور عقلي عام مجرد للموضوع محل اإلدراك"‪ ،‬فهي‬
‫تمثل الخصائص المشتركة للمدرك الكلى‪ ،‬وتصور الشخص نفسه لهذا المدرك أو‬
‫تصوره العقلي لهذا المفهوم‪ ،‬فهو إذن عملية تعرفت على الخصائص وأقامت‬
‫بينها عالقات بعد عمليات عقلية كالمقارنة والتعميم والتجريد‪.‬‬
‫أما مدرسة الجشطلت (‪ ،)Gestalt‬فقد أظهرت اتجاه آخر‪ ،‬فهي ترى أن‬
‫العالم الذي يحيط باإلنسان يتألف من أشياء ومواد منظمة وفق قوانين خاصة‪،‬‬
‫وبفع ل عوامل خارجية موضوع ية تشتق من طبيعة هذه األشياء نفسها‪ ،‬وتنتظم‬
‫المنبهات الحسية في وحدات وصيغ مستقلة في اإلدراك‪ ،‬وهذا ما يعرف بعملية‬
‫" التنظيم الحسي" بحيث تنتظم المنبهات على شكل وحدات بارزة مستقلة‪.‬‬
‫بهذا اإلدراك السمعي "لل ة" ينظم الطفل المثيرات السمعية في صيغ‬
‫مستقلة في اإلدراك حتى يضفي عليها "معنى" و"دتلة"‪ ،‬وهي ما تعرف بعملية‬
‫"التأويل" ‪ ،‬وهذه التأويالت التي يضيفها اإلنسان لترجمة تلك اإلحساسات‬
‫المختلفة ما هي إت معان متعلمة يتعلمها اإلنسان في مراحل نموه المختلفة‪،‬‬
‫فعندما نسمو األصوات نؤولها بناء على الخبرات السابقة لدينا‪ ،‬أما إذا كانت‬
‫الصيغ جديدة وغريبة عجضنا عن "تأويل" معناها وتعريفها‪ ،‬لذلك يختلف األفراد‬
‫في إدراكهم للشيء الواحد اختالفاً كبيرًا لما بينهم من فوارق في السن والخبرات‬
‫والثقافة والمعتقدات‪.‬‬
‫إذًا فاإلدراك عملية "تمييض" بين المنبهات التي تتأ ثر بها الحواس المعروفة‪،‬‬
‫و"تفسير" معاني تلك المنبهات‪ ،‬واإلدراك هذا يتخلل عمليات الحواس‪ ،‬فيظهر‬
‫أثر ه في السلوك في صورة اتستجابة المناسبة التي تحقق التكيف والتوافق مو‬
‫البيئة الخارجية المحيطة بالفرد‪.‬‬
‫ت بد أن نشير إلى العالقة بين "اإلدراك" و"السلوك" حتى نتوصل إلى معرفة‬
‫نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)‬ ‫‪252‬‬

‫الرابطة بين السلوك والوعي‪ ،‬في حالة من حاتته عندما يكون بمثابة الموجه‬
‫للسلوك سواء كان المثير خارجيًا أو داخليًا‪ ،‬وهو في هذه الحالة يكون مجرد فكره‬
‫تطرًا على اإلنسان‪ ،‬فت ير "اتجاهه" أو "سلوكه" وتعدل "استجابته" وتتجلى هذه‬
‫العالقة في المثال التالي حينما يمنو اإلنسان رد الفعل الفسيولوجي ويعدل اتستجابة‬
‫الطبيعية لمث ير كالحرارة مثال‪ ،‬وهذا السلوك ت يمكن أن يسلكه أي حيوان‪.‬‬
‫ال وأتب ين أنه ساخن بعدما رفعته لدرجة أنه‬
‫عندما أمد يداي ألرفو إناء مث ً‬
‫سيضر يدي‪ ،‬فهل سيكون سلوكي أن ترتد يداي مباشرة وأ ترك اإلناء ليسقط‬
‫على األرض؟ الواقو الفعلي يؤكد عكس ذلك لدى اإلنسان‪ ،‬فسأجدني أتحمل أن‬
‫تحترق يدي حتى أجد مكانا آمنا أضو فيه اإلناء المملوء الساخن ألنني لو تركته‬
‫"برد فعل" فسيولوجي كما يفعل الحيوان‪ ،‬ستكون النتيجة أن يسقط على األرض‬
‫وقد يكون الضرر أبلغ‪ ،‬تتجلى في هذا المثال المرحلة الوسيطة التي تسمى‬
‫اإلدراك‪ ،‬فقد تم إرسال الشعور بالحرارة إلى المخ وكان الرد الطبيعي أن أبعد‬
‫يداي عن مصدر األلم‪ ،‬ولكن حدثت عمليات "تفسير" و"تأويل" للمثير ثم‬
‫"تصور ذهني" لما يمكن أن يحدث‪ ،‬ثم "تقدير" و"مقارنة" بين استجابتين‪ ،‬ثم‬
‫"اختيار" أقلهما ضررًا ‪ ،‬إذن العمليات العقلية التي تمت‪ ،‬والتنبؤ بالنتائج‪،‬‬
‫واستعادة الخبرات‪ ،‬كل هذه عمليات عقلية بال ة التعقيد‪ ،‬تمت في لحظات تدخل‬
‫اإلدراك لمفهوم الحرارة في بدايتها حتى انتهت بالسلوك التكيفي النهائي‪.‬‬
‫س‪ - 2‬عرف مفهوم الشخصية تعريفًا إجرائياً واثبت خصائصها باألمثلة‬
‫التربوية والحياتية من مالحظاتك‪.‬‬
‫ج‪ - 2‬يتحدد مفهوم الشخصية بأنها‪ :‬ذلك "الكل الرباعي المتكامل المتفاعل‬
‫المت ير (الديناميكي) المتمايض الثابت نسبياً"‪ ،‬قد يبدو هذا التعريف للوهلة األولى‬
‫بسيطاً ولكن حينما يتم التعرف على كل جضء من أجضائه واتتفاق اإلجرائي‬
‫عليه يتبين القارئ أنه تركيبه مستخلصة من معظم تعريفات الشخصية التي سبق‬
‫إليها العلماء‪.‬‬
‫‪253‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)‬

‫والشخصية بهذا التعريف عبارة عن ذلك الجهاز المتكامل أو الوحدة‬


‫الوظيفية الفعالة التي تتألف من العادات واتستعدادات والعواطف التي تجعل‬
‫األفراد يختلفون فيما بينهم ويصبح الفرد متميضاً عن الفرد اآلخر‪.‬‬
‫عرف "وودورث" الشخصية بأنها ت يقصد بالشخصية أي نوع من أنواع‬
‫النشاط كالتكلم أو التذكر أو التفكير أو العشق وإنما يستطيو الشخص أن يكشف‬
‫عن شخصيته باألسلوب الذي يتبعه في أداء أي نوع من هذه األنواع من النشاط‪.‬‬
‫إن كل تعريف من التعريفات‪ ،‬تكمن وراءه نظريات مختلفة‪ ،‬وعلى ذلك‬
‫نجد أننا حينما نستقر على تعرف من هذه التعريفات‪ ،‬ت بد أن تستقر على أساس‬
‫نظري معين أي بعد دراسة جميو النظريات ومناقشتها ثم األخذ بالتفسير الذي‬
‫يروق لنا في هذا المجال ويتفق عم أهداف الدراسة الحالية‪ ،‬غير أن اإلنسان‬
‫يستطيو أن يخرج على هذه القاعدة بأن أي مبدأ نظرياً قد أصبح متفقاً عليه فيما‬
‫يتعلق بأي ظاهرة من الظواهر التي تخضو للدراسة العلمية ذلك هو المبدأ الذي‬
‫يقرر أن تعريف أي ظاهرة ت يكون مفيداً من الناحية العلمية ما يُصغ بعبارات‬
‫"إجرائية" أي بعبارات تسمح بمالحظة الظاهرة وإعادة خلقها لكي يتسنى‬
‫دراستها دراسة تجريبية‪ ،‬مبنية على المالحظة والقياس‪.‬‬
‫ويعرف هذا النوع من التعريف "بالتعريف اإلجرائي"‪ ،‬ألنه يقتصر على‬
‫العمليات أو اإلجراءات التي يقوم بها الباحث للحصول على الظاهرة التي‬
‫يدرسها‪ ،‬بمعنى أن هذا التعريف يحدد الظاهرة المعنية عن طريق تحديد‬
‫العمليات أو اإلجراءات التي تؤدي إلى مالحظة أو قياس تلك الظاهرة‪ .‬بعد هذا‬
‫العرض يحق للقارئ السؤال‪:‬‬
‫ما هو التعريف اإلجرائي للشخصية وما هي خصائص هذا التعريف؟‬
‫لإلجابة على هذا السؤال ت بد لنا أوتً أن نذكر أن التعريف السليم يجب أن‬
‫يكون تعريفاً جامعاً مانعاً؛ أي يجمو كل مكونات وخصائص الشيء المعرف‬
‫ويم نو أي خصائص أو مكونات غريبة "لمعرف آخر" أن تندرج تحت تعريف‬
‫هذا الشيء‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)‬ ‫‪254‬‬

‫فالشخصية كما ندرسها حالياً هي ذلك الكل‪ ،‬بمعنى الكل أنه تركيبه خاصة‬
‫ت تتحقق إت بوجود كل األجضاء معاً في وقت واحد ومكان واحد فمن منا رأى‬
‫نصف الشخصية في مكان والنصف الثاني في مكان آخر؟!‬
‫كذلك يعني أن هذا الكل ت يمكن فصله أو تجضئته وإت انفك ذلك المفهوم‬
‫الرباعي‪ ،‬يقصد به أنه ذو أربو زوايا أو اتجاهات ت يكتمل المفهوم إت بهم‪،‬‬
‫وأولهم ذلك القالب المادي البادي للعيان تلك اآللة بال ة التعقيد بما يظهر منها من‬
‫مكونات وأجضاء وعمليات فسيولوجية وما يختفي ورائها من دوافو واحتياجات‬
‫فسيولوجية متعددة‪ ،‬وهو ما يسمى بالجسم‪ ،‬ثم نجد الجضء العقلي الذي يتمثل في‬
‫العمليات العقلية المختلفة من تفكير وتصور وتخيل وإدراك متعدد األنواع‬
‫والدرجات إلى آخر هذه العمليات ومفهوم هذا الجضء يضيد حتماً عن ما يعرف‬
‫بالمخ ولكن تصدر هذه العمليات عنه ودوافو هذه العمليات هي الحاجة للمعرفة‬
‫وحب اتستطالع والرغبة في حل المشكالت التي تتيح في النهاية للعقل حالة‬
‫إزالة التوتر الناشئ عن وجود مشكلة ليس لها حل وتعيد للشخصية ككل حالة‬
‫اتتضان التي تعتبر هدف أسمى لكل عمل الشخصية بكل جوانبها‪.‬‬
‫ثم الج ضء النفسي‪ ،‬وهو ت يُرى بذاته وإنما يظهر في اتستجابات النمطية‬
‫للشخصية أثناء تفاعلها نفسياً مو باقي مكوناتها ومو المجتمو‪ ،‬ويلعب مفهوم الحاجة‬
‫دوراً أساسياً في دراسة الجضء النفسي من الشخصية‪ ،‬فلكي يتم إشباع الحاجات‬
‫النفسية ينب ي أن يتهيأ الموقف المناسب‪ ،‬والوسيط الذي يسمح بهذا اإلشباع‪.‬‬
‫وإذا وجدت الحاجة وسيط إشباعها يظهر لدى الفرد اتستعداد إلنجاز‬
‫العمل‪ ،‬وهذا اتستعداد يتمثل في الحالة التي تشمل الفرد أثناء القيام بهذا العمل‬
‫أو ذاك‪ ،‬وكذلك تظهر هذه الحالة في اتتجاهات والميول والعواطف بصفتها‬
‫طاقات للدوافو‪ ،‬وتعتبر الحاجات العاطفية والميول واتتجاهات دوافو للعمل‬
‫النفسي والوظائف النفسية‪.‬‬
‫وأخيراً الجضء اتجتماعي من الشخصية في تفاعله الداخلي مو باقي جوانب‬
‫الشخصية‪ ،‬ويتميض الجضء اتجتماعي للشخصية بالدور الحاسم الذي يلعبه نظام‬
‫‪255‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)‬

‫الحاجات واألهداف الذي يحدد سلوك الفرد وخصائصه اتجتماعية والنفسية‬


‫والنمائية‪ ،‬وفي نفس الوقت تتحدد الحاجات واألهداف بالوضو اتجتماعي للفرد‬
‫وليس بطريقة فورية مباشرة‪ ،‬ولكن حسب الطريقة التي يفهم بها الفرد وضعه‬
‫اتجتماعي‪ ،‬وبخبرته والطريقة التي يحدد بها عالقته باآلخرين وتقييمه‬
‫لشخصيته ومستوى طموحه‪ ،‬وهنا تعم ل األسباب الخارجية من خالل الشروط‬
‫الداخلية للفرد نفسه ويدرك الفرد نفسه وتأثيره على اآلخرين‪.‬‬
‫وأول هذه اتحتياجات اتجتماعية هي احتياجه؛ ألن يكون فرداً في جماعة‪،‬‬
‫وينمو نظام األهداف والحاجات اتجتماعية والنفسية حتى تصير حاجات الفرد‬
‫الداخلية هي المثيرات لسلوكه‪ ،‬ويستوعب الفرد ما تأتي به البيئة الخارجة بما يتفق‬
‫مو حاجاته وأهدافه الذاتية‪ ،‬ويعتبر اتنسجام بين متطلبات الوسط الخارجي واتجاهات‬
‫الفرد نحوه العامل الحاسم في نمو الشخصية‪ ،‬في حين أن التباين يعتبر أحد العوامل‬
‫التي تكمن وراء الصراعات اتنفعالية الحادة‪ ،‬والحواجض النفسية بين الناس‪.‬‬
‫وتتمثل الدوافو اتجتماعية في الحاجات الستة اتجتماعية‪ :‬الحاجة‬
‫لالنتماء – الحاجة لألمن واتستقرار – الحاجة إلثبات الذات – الحاجة للنجاح‬
‫والتقدير – الحاجة للقيم والسلطة الضابطة – الحاجة للحرية‪.‬‬
‫ولعل أكثر ما يؤكد صعوبة الفصل بين هذه المكونا ت األربعة خاصية‬
‫الكلية والتكامل‪ ،‬وهذا التداخل القائم بين الجضء النفسي والجضء اتجتماعي‬
‫للشخصية حتى سميت دوافعهما بالحاجات "النفس اجتماعية"‪.‬‬
‫س‪ - 3‬اشرح الفرق بين مفهوم "المخ" و"العقل" وعالقتهما بسلوك الحيوان‬
‫ونشاط الطفل منذ المرحلة الجنينية من وجهة نظر المدر سة االجتماعية‬
‫التاريخية في نمو الشخصية وعالقته باللغة كأدوات‪.‬‬
‫ج‪ - 3‬وظائف اللغة ‪:‬‬
‫تقوم الل ة عادة بوظيفيين رئيسيتين هما‪:‬‬
‫‪ ( - 1‬التواصل اتجتماعي) بصفتها وسيلة وأداة للتواصل‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)‬ ‫‪256‬‬

‫‪( - 2‬تسهيل العمليات العقلية) باعتبارها نظام رمضي لتسهيل عملية التنظيم‬
‫الفكري‪.‬‬
‫وإذا أردنا أن نتناول الجانب األخر فنالحظ الل ة في دورها اتجتماعي‬
‫وذلك باعتبارها الوسيلة الممكنة لصاحبها من التعبير عن كافة أفكاره‬
‫واحتياجاته‪ ،‬يتفاعل الفرد اجتماعيا عن طريق الل ة ويتم تكيفه داخل المجتمو‬
‫الذى يحيا فيه خاصة إذا كانت ل ة ذلك المجتمو واحدة ومتطابقة‪.‬‬
‫والل ة كأداة تواصل اجتماعي يتم من خالل التعبير عن الرغبات واآلراء‬
‫ونقل كل ما يريد الفرد أن يوصله من أفكار ومبادئ فنجد أنها مدفوعة‬
‫بالحاجات‪ ،‬وتهدف إلى تحقيق التكيف مو المجتمو وت يجد الطفل صعوبة في‬
‫هذا فنجدها في وظيفتها هذه تلقائية وينجح فيها الطفل في وقت مبكر لل اية‪.‬‬
‫أما الجانب األخر؛ والذى يمثل في أن الل ة أداة ونظام رمضي يسهل الفكر‬
‫فهو مجال البحث في هذا الكتاب وهو الذى عن طريقه نتبين متى ينتقل الطفل‬
‫من مرحلة التعامل مو الل ة كأداة تواصل اجتماعي إلى التعامل معها كأداة‬
‫ورمض مجرد من ارتباطاته الحياتية‪ ،‬أي يركض اهتمامه بوعي على األدوات‬
‫المستخدمة في أثناء تفاعله اتجتماعي كما سيظهر هذا حين التعرض إلى‬
‫التنظيم العقلي أثناء تكوين المفاهيم الل وية‪.‬‬
‫وهى ظاهرة اجتماعية تالزم البشر وتحيا حياتهم وتساير تطورهم‪ ،‬خالصة‬
‫القول أن ل ة اإلنسان أدوات ناتجة من عمليات عقلية‪ ،‬وصانو هذه األدوات هو‬
‫العقل الذى يقوم باستخدامها بعد ذلك في وظائف مختلفة‪ ،‬ومن هنا تظهر أنواع‬
‫الل ة بحسب الظواهر التي تعبر عنها فنجد‪:‬‬
‫ولتوضيح مفهوم األدوات في مقا بل مفهوم المادة الخام‪.‬‬
‫نسوق المثال التالي ‪:‬‬
‫قام أحد العلماء بتعليم طفله والشمبانضي الذى يعيش مو الطفل كيفية‬
‫استخدام أدوات المائدة عند تناول الطعام‪ .‬بمالحظة سلوك الطفل والحيوان بين‬
‫كيف أن الطفل حرص على تعديل سلوك تناول الطعام بالملعقة لحل مشكلته كما‬
‫‪257‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)‬

‫حرص على توصيل أكبر قدر ممكن من الطعام في كل مرة يستخدم فيها الملعقة‬
‫فلم يعد يكرر نفس الحركات التي تؤدى إلى فقدان الطعام بتساقطه من الملعقة‬
‫بل أخذ يحرك يده للتوافق مو شكل الملعقة وتقريبها من فمه ليستطيو إشباع‬
‫حاجته إلى الطعام‪ ،‬كما اخذ يتدرب على ذلك حتى في غير أوقات األكل‪.‬‬
‫في حين لوحظ ان الشمبانضي ظل يكرر نفس الحركات بالمعلقة وكأنه‬
‫يستخدمها تستطالة يده‪ ،‬ولم يحاول التوفيق بين شكل المعلقة ويده‪ .‬فلم يكن ي ير‬
‫من وضو يده مستخدما الملعقة في اإل ناء ولم يكن حريصا على وصول الطعام‬
‫لفمه‪ ،‬بل في كل مرة كان يفقد معظم الطعام فال يصل لفمه منه شيء حتى ضاق‬
‫زرعا باستخدام الملعقة‪ ،‬وألقى بها جانبا واشبو حاجته للطعام بيديه‪.‬‬
‫مما تقدم يمكن استنتاج أن استخدام الشمبانضي للملعقة كان استكمات لطول‬
‫اليد دون محاولة التوفيق مو وظيفة الملعقة‪ ،‬والهدف المراد تحقيقه وعندما اشتد‬
‫به الجوع ألقى بالملعقة جانبا فلم تكن أبدا أداة إلشباع احتياجه الفسيولوجي‪.‬‬
‫في حين أن الطفل كان يعدل دائمًا من وضو يده مو الملعقة إلى أن تحقق‬
‫الهدف‪ ،‬وكان يسعى لتحقيق النجاح في استخدام أدوات المائدة بصرف النظر‬
‫عن كمية الطعام التي يحصل عليها بها‪.‬‬
‫لذلك اذا احتجض الطفل عند مرحلة معينة من مراحل نمو الل ة يعد ذلك‬
‫مؤشراً لضرورة البحث والفحص الطبي أوت لهذا الطفل‪.‬‬
‫كما ظهرت نفس خصائص سلوك الحيوان السابقة في تجربة "كهلر" حينما‬
‫علق في أعلى القفص مو الشمبانضي الموز‪ ،‬ظل الشمبانضي ساكنا ت يهتم‬
‫بالحصول على الموز إلى أن اشتد به الجوع وبدأ يقفض قفضات متتالية بنفس‬
‫اترتفاع في كل مرة‪ ،‬بالرغم من فشل عملية القفض في الوصول للموز‪ ،‬إت أنه‬
‫كان يكررها‪ ،‬ح تى يتعب ثم يستريح ثم يكرر نفس القفضات‪ ،‬ومن هنا يتضح‬
‫غياب اتست بصار وغياب عملية التقييم لألداء عند الحيوان‪ ،‬إلى أن أدخل‬
‫الفاحص للقفص عدد من العصى بعضها أجوف وبعضها مصمت وهنا فقط أخذ‬
‫نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)‬ ‫‪258‬‬

‫الشمبانضي ليحاول الوصول للموز بالعصى إلى أن ت بين بالصدفة إمكانية إدخال‬
‫العصى المصمتة في المجوفة فأصبح طولهما معا يصل إلى الموز المعلق في‬
‫أعلى القفص‪.‬‬
‫بتحليل الموقف يتبين أنه لم يعمد إلى استخدام العصى إت حينما وضعت في‬
‫مجال بصره‪ .‬في حين أن الطفل قام بخلو العصا من القفص ثم وضو صندوق‬
‫تحت الموز وأسقط الموز بالعصا‪ ،‬ولم يقم بأكلها‪ ،‬بمعنى أنه لم يتم بالمحاولة‬
‫بدافو الجوع وإذا كان دافو الطفل الوصول لحل المشكلة وهى الحصول على‬
‫الموز دون أكله فلم يكن لديه دافو فسيولوجي‪.‬‬
‫أما بواق و الحيوان كانت الحاجة للطعام بدليل أنه لم يقم بالمحاوتت إت‬
‫عندما اشتد به الجوع‪ ،‬كذلك الحيوان استخدم العصي عندما أصبحت في مجال‬
‫بصره تستطالة اليد حتى وصل إلى الموز‪.‬‬
‫أما الطفل قد قام بنضعها من القفص مما يد ل على أن الطفل فكر في حل‬
‫المشكلة بتصنيو األدوات من المواد الخام المتاحة كما أن الطفل أخذ يكرر حل‬
‫المشكلة مستمتعا بنجاحه‪.‬‬
‫ولم يكن الحصول على الموز ب رض أكله وإشباع دافو فسيولوجي‬
‫(الجوع)‪ ،‬وهكذا يمكن اعتبار الطفل الذى تنمو لديه الل ة في مراحلها سابقة‬
‫الذكر يستمتو باستخدام الل ة و اللعب باألصوات في صورة مناغاة مو نفسه‪.‬‬
‫نجد الطفل إذا أراد إشباع احتياج معين يحاول توصيل الفكرة لآلخرين‬
‫بشتى الطرق سواء كان باإلشارة أو استخدام مقاطو األصوات ثم ت يير هذه‬
‫األدوات على أن ينجح في الحصول على ما يريد ولذلك نجد أن الطفل الذى‬
‫يشبو احتياجاته بدون الل ة يتأخر في التواصل الل وي وإذا تأخر الكبار في‬
‫إشباع حاجات الطفل فسيضطر الطفل إلى توصيل ما يريده في صورة التواصل‬
‫الل وي سواء بالكلمات أو اإلشارات أو الرموز التي غالباً ما يصطنعها الطفل‬
‫ككلمات خاصة به لها دتلة معينة حتى يحصل على ما يريد ‪.‬‬
‫‪259‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)‬

‫وهذه هي الصورة الكاملة تستخدام الرموز أو ما يسمى بالمفاهيم الل وية‬


‫كأدوات كما أنه يستخدمها قبل أن يتمكن من تصنيعها بنفسه للتعبير عن أفكاره‬
‫بضمن طويل جداً‪.‬‬
‫وه ذا يفسر لماذا يجب ات تخدعنا الطالقة اللفظية للطفل كما سيظهر ذلك‬
‫في البحث بعنوان " تصميم مقياس لإلدراك الل وي لدى الحلقة األولى من‬
‫التعليم األساسي"‪.‬‬
‫تعد رموز الل ة و " المفاهيم" أهم األدوات التي يستعملها اإلنسان بوصفها‬
‫وسائط مصنعة اجتماعيا‪ ،‬بواسطتها تنتقل العمليات العقلية من التلقائية إلى‬
‫الوعي وترتقي من المعطيات الحيوانية إلى المستوى البشري‪.‬‬
‫ويتميض نشاط اإلنسان عن نشاط الحيوان بأن األول نشاط توسطي‪،‬‬
‫(يستخدم الوسائط‪ ،‬األدوات)‪ ،‬فهو يدرك من موضوعات البيئة تلك األشياء التي‬
‫ت تصل بحاجاته البيولوجية واألخرى التي تتوسط بينها وبين نشاطه إلشباعها‪.‬‬
‫كما يدرك المثيرات البيئية بعد صياغتها في قوالب المفاهيم التي تكونت لديه‬
‫اجتماعياً في المعايشة والفهم واتستيعاب (أي حين استدخال األدوات) فعالقة‬
‫اإلنسان بالعالم الخارجي تتوسطها أدوات العمل واإلنتاج من ناحية وكذلك نشاط‬
‫األفراد اآلخرين ودورهم في هذا العالم من ناحية أخرى‪.‬‬
‫وتجلى هذه العالقة في تقسيم العمل بين مجموعة من األفراد؛ بحيث ت‬
‫يتحقق الهدف من العمل إت إذا قام كل فرد بدوره الموكل إليه‪.‬‬
‫وهذا يؤكد ضرورة تمثل الخ برة اتجتماعية واستدخالها لعمليات النمو‪.‬‬
‫ويمكن تصنيف المفاهيم من حيث موضوع اإلدراك فيها (اي من حيث‬
‫المدرك) إلى نوعين‪:‬‬
‫‪ - 1‬المفاهيم الحسية‪.‬‬
‫‪ - 2‬المفاهيم المجردة‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)‬ ‫‪260‬‬

‫ومن حي ث العملية العقلية ذاتها إلى نوعين من العمليات‪:‬‬


‫‪ - 1‬عمليات اإلدراك الحسي التي ت بدأ بما تأتي به الحواس‪.‬‬
‫‪ - 2‬عمليات اإلدراك المجرد أو اإلدراك العقلي الذي يبدأ من فكره يتناولها‬
‫العقل بالتفسير والتحليل والكشف عن ماهيتها والتحقق من صحتها‪.‬‬
‫‪ - 1‬المفاهيم الحسية ‪:‬‬
‫تظهر فيها وظيفة الل ة أثناء عمليات التواصل اتجتماعي وتعد يل السلوك‬
‫فيما يسمى (بالكالم)‪.‬‬
‫يدرك الفرد معنى الكالم حينما يميض الفروق الكيفية بين معاني الكلمات‬
‫التي يسمعها‪ .‬ويعد ل سلوكه باتستجابة لما يلقى إليه من أوامر فإذا طلبت من‬
‫الطفل مثال (فتح النافذة) وقام بما طلبته منه فقد فهم المثير الحسي وأوله وفسره‪.‬‬
‫وقام بتنفيذ المطلوب‪.‬‬
‫‪ - 2‬المفاهيم المجردة‪:‬‬
‫يرتبط اإلدراك العقلي لل ة بالعمليات التي تتجرد فيها المفاهيم الل وية من‬
‫سياقاتها المختلف ة‪ ،‬ومعناها‪ ،‬ومدلولها‪ ،‬ووظيفتها اتجتماعية كوسيلة تواصل‬
‫اجتماعي‪.‬‬
‫ويتم فحصها بوصفها مفاهيم رمضية مجردة وتراكيب محددة كأن يقوم‬
‫الفرد بتقسيم الكلمة وتحليلها إلى مكوناتها األولية مض الحروف أو المقاطو‪ .‬أو‬
‫تحليل القواعد النحوية وقواعد الصرف أو كتابة الكلمات المسموعة‪ ،‬حيث ان‬
‫عملية الكتابة تستل ضم قدر أكبر من التركيض العقلي‪ .‬كما يلضم إخضاع ؛ عناصر‬
‫الل ة للتفكير الواعي وإدراك الحروف والكلمات‪ ،‬بوصفها مفاهيم لها وجود‬
‫رمضي يختلف تماما عن معناها ومدلوتتها اتجتماعية‪.‬‬
‫بذلك القدر من الوعي والتفكير المجرد يمكن أن تتم عملية تعليم الل ة‪.‬‬
‫فالتعلم لعناصر الل ة وقواعدها ت يتم في غيبة الوعي بمجردات الل ة والمفاهيم‬
‫‪261‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)‬

‫الل وية كالحرف والكلمة والعبارة‪ .‬فيلضم المعرفة بأن الحرف رمض مجرد له اسم‬
‫يسمى به‪ ،‬وله رسم يكتب به‪ ،‬وله صوت ينطق به‪ ،‬عندئذ فقط يمكن‪ ،‬تحليل‬
‫الكلمة إلى عناصرها األولية‪ ،‬وتجريد حروفها وتبديل وضو هذه الحروف‬
‫إلنتاج مضيد من الكلمات بنفس هذه الحروف‪.‬‬
‫كيف يدرك الطفل الل ة وعناصرها أو ما يسمى بالمفاهيم الل وية؟ وما هو‬
‫القدر من الوعي بهذه المفاهيم الذي يمكن أن نراه في كالم األطفال؟‬
‫ولماذا يراعي الطفل قواعد الل ة األم أثناء الحديث فيتبو الصفة الموصوف‬
‫ويعجض عن استخراج او تجريد حروف الكلمة‪ .‬أو يعجض عن اإلجابة على أسئلة‬
‫مثل هات كلمة تبدأ بحرف الميم مثالً؟‪.‬‬
‫يجيب عن هذه األسئلة جان بياجيه وفيجوتسكي برايهما في تكوين المفهوم‬
‫لدى الطفل ومراحل نمو المفاهيم‪.‬‬
‫خصائص اإلدراك اللغوي لدى األطفال ‪:‬‬
‫بالرغم من قلة التجارب التي تحدد الخصائص النفسية إلدراك الل ة‬
‫العربية‪ ،‬إت أنه قد تأكد بشكل عام بعض الخصائص بالنسبة لألداء الل وي‬
‫للطفل أثناء التفاعل اتجتماعي كما أمكن استخالص بعض خصائص إدراكهم‬
‫لل ة من الدراسات الل وية وطرق التدريس والمناهج‪.‬‬
‫يتم التفاع ل اتجتماعي لألطفال بواسطة الل ة بشكل مرض في سن ما قبل‬
‫المدرسة‪ ،‬فهم يدركون بقدر كاف عناصر الل ة األم وقواعدها وتركيباتها‬
‫اللفظية‪ ،‬ولكن هذا اإلدراك يتميض بأنه إدراك تلقائي‪ ،‬ذاتي غير ثابت ومباشر وت‬
‫إرادي وحياتي ويتعلمه الطفل أثناء التفاعل اتجتماعي‪ ،‬كذلك يشير بدوافعهم‬
‫اتجتماعية ويهدف لتحقيق التكيف أثناء التفاعل اتجتماعي لطف ل مو البيئة‬
‫(اتجتماعية)‪ ،‬التي يعيش فيها ويشبو هذا األداء الل وي واإلدراك الل وي‬
‫حاجات الطفل الرئيسية في الحياة‪ .‬اتجتماعية‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)‬ ‫‪262‬‬

‫س‪ - 4‬اختلفت نظرة المدرسة االجتماعية التاريخية للنمو بمجاالته األربعة عن‬
‫باقي المدارس‪ ،‬اشرح ذلك موضحاً مفهوم محددات النمو‪.‬‬
‫ج‪ - 4‬مراحل النمو وأسس التقسيم ‪:‬‬
‫كما اختلفت المعالجات لموضوعات النمو ومسائلة فقد تميضت مسألة تقسيم‬
‫مراحل النمو بكثير من الخالفات تبعاً تختالف المنطلقات النظرية والمدارس‬
‫السيكولوجية فيفضل بعض العلماء تحديد مراحل النمو حسب ظاهرة من‬
‫الظواهر الجسمية المعينة كظهور األسنان مثال ويعتبرون أن أول مراحل النمو‬
‫منذ الوتدة حتى سن ‪ 8‬أشهر هي مرحلة انعدام األسنان‪ ،‬والثانية مرحلة ظهور‬
‫األسنان الثابتة وتنتهي بظهور ضروس العقل‪.‬‬
‫وهناك التقسيم الذي يعتمد على مظاهر النمو الجنسي‪ ،‬وفى تقسيمات أخرى‬
‫يرى بعض العلماء أن العوامل النفسية المت يرة تمثل مضمون النمو لذلك‪.‬‬
‫فقد قسموا النمو إلى المراحل التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬المرحلة الحسية ـ الحركية‪.‬‬
‫‪ - 2‬ظهور ما قبل المفاهيم‪.‬‬
‫‪ - 3‬ظهور الحدس‪.‬‬
‫‪ - 4‬مرحلة العمليات الحسية‪.‬‬
‫‪ - 5‬مرحلة العمليات الصورية (جان بياجيه)‪.‬‬
‫وهناك تقسيم إلى مراحل حسب نظام التعليم فتجد مرحلة ما قبل المدرسة‬
‫والمرحلة المدرسية المبكرة والمرحلة المتأخرة (بتروفكسي سنة ‪ ،1973‬ص‬
‫‪ )36 : 23‬إت أنه تؤخذ على جميو هذه التقسيمات مآخذ كثيرة سنجمل بعضها‬
‫فيما بعد بالرغم من أن التقسيم حسب مراحل التعليم يعتمد على تحديد مراحل‬
‫خارجية للنمو دون التعرض لخصائصه الداخلية إت أن اتتصال الوثيق بين نمو‬
‫الطفل النفسي ومراحل التعليم السائدة يجعل هذا التقسيم قريباً للواقو التطبيقى‬
‫‪263‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)‬

‫من حيث أنه يحدد ما يلضم كل مرحلة من رعاية متكاملة ليصل النمو إلى معرفة‬
‫مكونات الشخصية السوية التي تتمتو بالتكيف السليم‪ ،‬وتجد الحلول السوية‬
‫لحاتت الصراع التي هي أساس التفاعل اتجتماعي بصفة عامة‪.‬‬
‫ومن الخطأ كذلك تركيض اتهتمام على ظاهرة جسمية أو نفسية كالعمليات‬
‫العقلية أو النمو المعرفي كما لدى بياجيه؛ حيث إن بعض الظواهر تت ير مكانتها‬
‫وفاعليتها ومعناها أثناء النمو‪.‬‬
‫كذلك لم يراع التقسيم أن هذه الظواهر يعاد بناؤها وتت ير مكانتها أثناء‬
‫اتنتقال من مراحله إلى مرحلة أخرى لذلك قد تكون ظاهرة ما مهمة في مرحلة‬
‫الطفولة المبكرة مثال لكنها تفقد قيمها في المرحلة المدرسية المبكرة‪.‬‬
‫أما نقطة الضعف األخيرة في التقسيمات السابقة تتمثل في البحث عن‬
‫ظواهر النمو من حيث أشكاله التي تت ير مو تقدم السن علماً بأن الظواهر‬
‫النفسية ت يمكن أن تتوحد مو مظاهر مادية معينة تعترى الجسم لذلك مما تقدم‬
‫يتضح ضرورة أن يهتم علم النفس اليوم بمضمون النمو والقوى المحركة له أي‬
‫"محدداته" أكثر من اتهتمام بنظريات النمو أو تحديد مراحل زمنية معينة‬
‫وتسميات مختلفة لها‪.‬‬
‫كذلك يجب أن يكون تحديد مراحل النمو تحديدًا موضوعياً ت يتدخل فيه‬
‫اتختيار اإلرادي للباحث لذا يجب أن يقسم النمو إلى مراحل حسب محددات‬
‫النمو التي ت يتم اتنتقال من مرحلة إلى أخرى بدون قيام هذه المحددات بمهامها‬
‫ووظائفها وهذا ما سيعرض له اإلطار الحالي حين عرض النوع الثاني من‬
‫المصطلحات التي سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬
‫محدد النمو‪:‬‬
‫ما المقصود بمحدد النمو وما هي صفاته؟ كم عدد هذه المحددات وما الدليل‬
‫الذي يسوقه اإلطار الحالي ليثبت أن هذه العوامل هي بحق محددات للنمو؟‬
‫وكيف يمكن التدخل في عملية النمو من خالل هذه المحددات لإلسراع به أو‬
‫لت يير مساره؟‬
‫نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)‬ ‫‪264‬‬

‫المقصود بالمحدد‪:‬‬
‫هو هذا العامل الفعال الدافو الذي يلضم بالضرورة لعملية النمو ويؤثر عليها‬
‫بحيث يعجل بها ويدفعها أو يعوقها ويبطئ خطاها ويوقف خطاها ويمنو انتقال‬
‫الشخصية للمرحلة التالية‪.‬‬
‫فتتحدد عملية النمو تبعاً لطبيعة هذا المحدد ومدي قيامه بوظائفه أو تقاعسه‬
‫عن القيام بها أو بعضها مما يجعل نتائج عملية النمو غير متكاملة‪.‬‬
‫ومحدد النمو هو الدافو لفعالية الشخصية ونشاطها وتفاعلها مو البيئة‬
‫المحيطة‪ ،‬وهو الذي يدفعها لممارسة الخبرة واستيعابها ويشكل الخبرة ويطبعها‬
‫بطابعة الخاص‪ ،‬فيجعل الطفل عضوا فعات في المجتمو وليس مجرد مستقبل‬
‫للمثيرات اتجتماعية بل هو مشكل لها بفعاليته الخاصة "نشاطه الذاتي" فالطفل‬
‫ت يستوعب خبرات جاهضة‪ ،‬بل يعيطها هو مفهوما ويطبعها بطابعة الخاص‬
‫"بياجيه" إذ يتلقاها من خالل محددات النمو فتصطبغ بالصب ة الخاصة بهذا‬
‫المحدد وهذا ما يجعل استجابات األطفال على نفس المثير في مراحل النمو‬
‫المختلفة متفاوته وكذا فإن نفس المثير الخارجي ت يؤثر على الطفل في مراحل‬
‫نموه المختلفة تأثيراً متساويًا‪ ،‬ألن الشرط الخارجي يؤثر دائما عبر الشروط‬
‫الداخلية" روبنشتين" سنة ‪ ،1959‬ص ‪.)251‬‬
‫تعد التربية والنمو وجهان لعملة واحدة أظهر أبحاث أ‪.‬ن‪ .‬ليونتيف‬
‫أ‪ .‬جالبيرون وأ‪.‬ف زاباروجيتش وأ‪.‬أ لوبلنييتسكيا أن فعالية الطفل تلعب دوراً‬
‫حاسماً في أي عملية معرفية وتنمو هذه الفعالية بمستويات مختلفة وتتخذ أشكاتً‬
‫متباينة باختالف مراحل النمو‪ ،‬وتعتبر شرطا للنمو بأكمله (فالتعلم يسبق النمو‬
‫ويحدد مساره)‪.‬‬
‫وأول محددات هذه الفعالية ومن ثم أول محددات النمو بوجه عام هو ما‬
‫يسمي "بالنشاط المهيمن" ولكى نوجه عملية نمو الطفل تبد من التعرف على‬
‫تلك الشروط أو المحددات التي تجعل من التربية قوة "تطوير وتنمية" (لوبنسكايا‬
‫‪265‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)‬

‫ص‪ ) 85‬عن طريق استخدام قوانين النمو ومنشطاته وتوصيلها للشخصية من‬
‫خالل هذه المحددات‪.‬‬
‫فلو حاول المجتمو توصيل ما يريد من معارف بشتى الوسائل دون علم‬
‫بهذه المنافذ الرئيسية ذات القوة السحرية لوجد من الطفل الجمود والتبلد الذي‬
‫يعطي صورة مناقضة تماما تحتمال وجود ما يسمي بالفعالية الذاتية النشطة‬
‫للطفل والتي أثبتت الدراسات أنها خطوات تسير وفق خطوات النمو‬
‫ما هو النشاط المهيمن؟‬
‫تحديد مفهوم النشاط المهيمن يجب إت يكون تحديدًا كميا حيث أنه ليس هو‬
‫النشاط الذي يحدث بكثرة فقط في مرح لة من مراحل النمو وي لب على سلوك‬
‫الفرد في هذه المرحلة بعينها‪ ،‬كما أنه ت يتحدد بعدد الساعات التي يست رقها من‬
‫اليوم في مرحلة ما وإ نما هو المهيمن بمضمونة وأثاره الكيفية وتشكيله‬
‫للشخصية‪ ،‬وهو مصدر الخبرة اتجتماعية وهو السبب في اكتسابها ولذلك فهو‬
‫يتميض بثالثة خصائص (ليوتيف ص ‪ 520- 509‬سنة ‪.)1972‬‬
‫أوالً‪ :‬هو ذلك النشاط الذي تتكون بداخله وتتبلور في إطارة أشكال جديدة‬
‫من النشاط الذاتي التي تعبر عن فعاليته الطفل‪.‬‬
‫هو هذا الباب الذي تطرقه المؤثرات البيئية فتستجب من ورائه كل طاقات‬
‫وقدرات المرحلة بالفعالية الحماسية التي يعاد بها تفهم واستيعاب الخبرات‬
‫المحيطة ومن ثم فهو يختلف من مرحلة لمرحلة فليس الباب الذي يجب طرقه‬
‫في مرحلة المهد (النشاط المهيمن لهذه المرحلة) هو نفسه الذي يجب طرقه في‬
‫مرحلة ما قبل المدرسة "النشاط اللعبي"‪.‬‬
‫باإلضافة لذلك فهو النشاط الذي يُربى ويُحضر النشاط الذي سيحتل القمة‬
‫في المرحلة الالحقة فهو بجانب ما يفعله للشخصية من تنمية عن طريق‬
‫استيعاب الخبرات المحيطة يربى من سيحتل مكانه في المرحلة الالحقة حينما‬
‫تنمو الشخصية وتنتقل من المرحلة الحالية إلى مرحلة تحقة ت تستمر فيها‬
‫نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)‬ ‫‪266‬‬

‫صالحية النشاط الحالي لتحتل قمة األنشطة‪ ،‬فهو يعد خليفته في قيادة الشخصية‬
‫حينما يشيح وينضم لألنشطة التابعة التي تعمل في خدمة النشاط المهيمن في‬
‫المرحلة الالحقة‪.‬‬
‫فالنشاط اللعبي مثال المهيمن في مرحلة ما قبل المدرسة بجانب أعبائه في‬
‫تكوين الشخصية بكل عناصرها الجسيمة ـ النفسية ـ العقلية ـ اتجتماعية ـ يعد"‬
‫النشاط التعليمي " الذي سيكون مهيمناً في المرحلة التالية مرحلة الطفولة‬
‫المدرسية من ‪ 12 – 6‬سنة "فالطفل يبدأ في التعليم لعبا" ليونتيف ص ‪ 506‬سنة‬
‫‪.1972‬‬
‫ثانياً‪ :‬تتكون يداخل النشاط المهيمن بعض "العمليات النفسية" أو يعاد‬
‫بناؤها فمثال تتكون في "النشاط اللعبي " عمليات التخيل النشط‬
‫والتصور وفى أثناء "النشاط التعليمي" تتكون عمليات التفكير المجرد‪.‬‬
‫تتكون في بعض صور األنشطة المصاحبة له والنامية في إطاره بعض‬
‫عمليات تجريد األلوان وتعميمها تتكون في عملية الرسم التي يقوم بها الطفل‬
‫كما تتكون أثناء اللعب المصاحبة للنشاط المهيمن عمليات نفسية هامة ـ‬
‫كالتخطيط وتنظيم العمل‪.‬‬
‫تتكون هذه العمليات في مراحل متقدمة من اللعب فنجد الطفل في البداية‬
‫يستعمل األفالم واأللوان على األوراق دون أن يدري ماذا يرسم‪ ،‬ثم بعد ذلك‬
‫يحدد ماذا يرسم حين ينظر للناتج من زوايا مختلفة ويقوم" رسمت قطة أو‬
‫رسمت بيتنا‪ ...‬إ لخ‪ ،‬ثم بعد ذلك يحدد ماذا يرسم قبل بداية عملية الرسم متفقاً في‬
‫ذلك مو مرحلة اللعب ذو التخطيط السابق‪.‬‬
‫تتكون عمليات "الترميض " حينما يحتاج الطفل أثناء اللعب لبناء منضل ت‬
‫يلضم للقيام بهذا العمل مواد بناء مشابهه لما يستخدمه الكبار (كالقوالب الطوب‬
‫البالستيك مثال المصنعة على شاكله القوالب المستخدمة في الحقيقة) ولكننا نجد‬
‫الطفل يستعيض عن هذه األشكال المطابقة لمواد الكبار بعلب الكبري ت مثال أو‬
‫‪267‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)‬

‫بأغطية الضجاجات أو علب السجائر فهو يرمض للمواد بأي من المواد المتاحة‬
‫ويعيطها نفس اتسم ويقول "نفرض أن هذه هي القوالب الطوب الالزمة للبناء‬
‫أو حينما يحتاج لركوب سيارة أو حصان فيستعمل العصا ويمتطيها أو الكرسي‬
‫فهو بهذا يرمض وينيب بعض األشياء عن أشياء أخرى ويعيطها نفس الخصائص‬
‫والصفات ويجعلها تقوم بنفس الوظائف التي تقوم بها األشياء الحقيقية في الواقو‬
‫بالرغم من أن القيام بهذه العمليات النفسية مازال في مرحلة التلقائية إت أنه بال‬
‫شك يوسو من معارف الطفل حيث يوظف فعاليته في هذه المجاتت‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬النشاط المه يمن هو النشاط الذي تتميض في إطاره الشخصية ويصبغ‬
‫كل الت ييرات النفسية بصب ته الخاصة‪ ،‬حيث أن نمو الشخصية ت يتم إت بانفتاح‬
‫عالم الكبار بقيمة ومعاييره أمام الطفل ليتعرف على كافة األدوار اتجتماعية بما‬
‫لكل منها من حقوق وما عليه من واجبات‪.‬‬
‫أنه النشاط الذي تتعر ف الشخصية من خالله على البيئة اتجتماعية‬
‫بمختلف أدوارها فالطفل يتعرف من خالل لعبة لدور الطبيب مثال على واجباته‪،‬‬
‫وعلى سلوكياته على قيمة‪ ،‬وعلى التضاماته‪ ...‬إلخ‪ ،‬كما يتعلم اتلتضام باألدوار‬
‫فالطفل الذي ت يستطيو الوقف للحظات في عمل كمساعد لوالده في حمل بعض‬
‫من األدوات يلتضم بواجبات الحراسة لمدة ساعة كاملة حيث هو حارس لمخضن‬
‫ذخيرة مثال في اللعب كذلك الطفل الذي ت يمكنه كبح جماح رغبته في التهام‬
‫قطو الحلوى الموجودة أمامه نجده ت يلمسها إذا كان قائما بدور المضيف الذي‬
‫يعد الحلوى لضيوفه القادمين في الطريق‪.‬‬
‫هذه الت يي رات النفسية الرئيسية ونعنى بها التحكم في الرغبات العاجلة أمال‬
‫في مكافأة أجلة واتلتضام بواجبات الدور مهما كلفه من مشقة ت يمكن إدخالها‬
‫لشخصية طفل ما قبل المدرسة إت من خالل النشاط اللعبي والطفل الذي ت يتعلم‬
‫تأجيل إشباع رغباته ت يمكنه الجلوس ألداء الواجبا ت المدرسية كذلك الذي لم‬
‫يخبر اتلتضام بمسئوليات دون ما في اللعب ت يلتضم باتستيقاظ المبكر للذهاب‬
‫للمدرسة‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)‬ ‫‪268‬‬

‫فإذا كانت هذه سمات النشاط المهيمن كما يبدو من خصائصه الثالثة فال‬
‫سبيل لتوصيل الخبرة اتجتماعية ودفو الفعالية الذاتية للطفل إت بالطرق على‬
‫باب هذا النشاط وإدخال كافة المعلومات الالزمة لنمو الشخصية من خالل هذا‬
‫الباب إذا لو طقنا أبوابا أخرى (غير مهيمنه في المرحلة المعينة) فلن تستجيب‬
‫الشخصية لهذا الطرق وبالتالي ت سبيل لتوظيف قدرات الطفل وتش يل أعضائه‬
‫إت من هذا الباب وحينئذ ت يكون أمام المربى إت أن يتعرف على األنشطة التي‬
‫تعتبر مهيمنه في المرحلة المعينة لي لف بها كل معارف البيئة المحيطة‬
‫ومثيراتها حتى تنفذ للشخصية وتحرك فعاليتها ونشاطها للتعرف عليها‬
‫واستيعابها وبذلك تنمو الشخصية‪.‬‬
‫ذلك هو الدليل المنطقي الذي يثبت أحقية النشاط المهيمن في كونه محدداً‬
‫من محددات النمو ما دمنا اتفقنا فيما سلف على أن النمو ت يتم إت باستيعاب‬
‫الخبرة اتجتماعية‪.‬‬
‫ومما يؤكد أن النشاط المهيمن هو المحدد األول لعملية النمو أن عناصر‬
‫البيئة ومؤسساتها المختلفة كثيراً ما تحاول نقل الخبرة للطفل وعرضها له‬
‫وتكرار تعريفه بها حتى يستوعبها‪ ،‬ولكن يبدو كما لو كان يعيش في عالم آخر‬
‫بعيد كل البعد عما تستعرضه له البيئة من الخبرة الالزمة للنمو وهذا يعني أن‬
‫المؤثرات البيئة ت يلضم عنها لدى األطفال في مختلف المراحل استجابة من‬
‫نموذج واحد وأن الطفل ليس مجرد مستجيب وإنما هو ذات مؤثرة على البيئة‬
‫نفسها وهو يضداد تأثراً بالبيئة وتأثيراً فيها بما تعلمه أثناء عمليات التفاعل‬
‫اتجتماعي في العديد من المواقف الحياتية التي يوظف فيها قدراته وتظهر في‬
‫صورة عمليات ومهارات مختلفة تكتسب وتنمو أثناء نشاطه التفاعلي كما تت ير‬
‫استجاباته مو مراحل نموه المختلفة فما كان يثير انتباهه في الماضي بشدة‬
‫يصبح عديم التأثير عليه اآلن كما تفقد الطلبات التي كان يكلف بها فيقوم بتنفيذها‬
‫بكل دقة واهتمام تأثيرها تماماً عليه‪.‬‬
‫‪269‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)‬

‫س‪ - 5‬عرف مفهوم طفرة النمو واثبت أنها محدد من محددات نمو الشخصية‪،‬‬
‫ما هي المعدات التي تستخدمها الشخصية لتحقيق الطفرة وكيف تتكون‬
‫هذه األدوات‪.‬‬
‫ج‪ - 5‬تم اتتفاق على أن النمو هو عملية ت يير مستمرة متتابعة تنتقل‬
‫بالشخصية ككل من مرحلة سابقة إلى مرحلة تحقة على سلم اترتقاء والتطور‬
‫بفعل عمليات التفاعل اتجتماعي التي تعمل على تش يل األعضاء وتوظيف‬
‫القدرات وبالتالي على تنميتها‪.‬‬
‫فهل ي سير النمو هادئاً في خط مستقيم وعلى وتيرة واحدة طوال مراحل‬
‫النمو المختلفة؟ يجيب فالون على هذا السؤال بأن (عملية البناء "النمو" تستمر‬
‫في ما يشبه "التناوب" فتصل كل مرحلة من مراحل النمو بالمرحلة التي تليها‬
‫بوقائو من النضج تنتج ما يشبه الثورات في السلوك ويتفق معه بياجيه في "أن‬
‫النمو يسير في بعض األحيان بهدوء ثم ت يلبث أن تحدث فيه قفضات"‬
‫(وهكذا تتدرج التناوبات التي تستتبو النمو‪ ،‬وت يبدو الت يير محسوساً إت‬
‫بعد أمد طويل من النمو الهادئ ويبدو هذا الت يير دفعة واحدة وبصورة عنيفة‬
‫نتيجة استيعاب الشخصية للخبرة اتجتماعية واتساع العالم الخارجي فلحظات‬
‫النمو "القفضات" أو ما نفضل تسميته "بالطفرة" مسبوقة باكتسابات كثيرة تتيح‬
‫للشخصية سعة أفق فتستحدث حالة ثورية تصبح منطلقة بدورة جديدة) "فالون‬
‫ص ‪ 80‬سنة ‪."1978‬‬
‫من هذا يمكن تعريف طفرة النمو بأنها "اللحظات التي تحشد فيها القدرات‬
‫والمدخر من الخبرات وتضيد عن متطلبات المرحلة مما يجعلها تضيق بإمكانيات‬
‫الشخصية وما لديها من خبرات فتتطلو الشخصية للقفض خارج حدود هذه المرحلة‬
‫التي لم يعد فيها ما يثير اتنتباه ويستحث دوافو التعرف واتكتشاف ويضمن‬
‫استمرار التفاعل بين الشخصية والمجتمو "في هذه اللحظات تحاول الشخصية‬
‫القفض لمرحلة أعلى تتجاوز بها المرحلة التي تحتلها في الوقت الراهن‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)‬ ‫‪270‬‬

‫ما هي المعدات التي تستخدمها الشخصية لتحقيق الطفرة وكيف تتكون‬


‫هذه األدوات؟‬
‫من وجهة النظر اتجتماعية التاريخية تعتبر مراحل النمو مراحل اجتماعية‬
‫الطفل أي جعله عضواً في مجتم و وتتحدد اجتماعية الطفل بمطالب الحياة‬
‫اتجتماعية وبواسطة التنظيم التربوي الذي يفجر طاقات األجيال الص يرة‬
‫"كالوسن وولياز ‪."1963‬‬
‫إن البيئة هي التي تكون سلوك الطفل وتخلق دوافعه واهتماماته وإمكانياته‬
‫وقدراته على التصرف تبعاً لمطالبه البيئية وتوقعاتها‪ ،‬فهي التي تؤكد على‬
‫بعض السلوكيات وتدعمها أو تخلق العدوان وبذلك تضمن ت يير الخصائص‬
‫السابقة للطفل لتحل محلها خصائص جديدة "مايير سنة ‪ "1965‬وفي نفس‬
‫الوقت الذي يعتبر النشاط والتفاعل اتجتماعي مظهراً من مظاهر نمو الطفل‬
‫ودتلة عليه نجده أيضاً في النهاية وسيلة البيئة لدفو عجلة نمو الطفل‪.‬‬
‫وترى النظرية اتجتماعية التاريخية أن البيئة تقوم بذلك كله عن طريق‬
‫التوظيف كقول فالون ويتم هذا تبعاً ألساس نظري هام يقول (إن توظيف‬
‫األعضاء ينمطيها) وهو قريب الشبه بقانون اتستعمال واإلهمال عند السلوكيين‪.‬‬
‫« توظيف القدرات في صورة عمليات ينميها»‪.‬‬
‫وهنا يجدر بنا الحديث عن دور البيئة والتنشئة اتجتماعية بنمطيها "التدليل‬
‫والقسوة" وأثرهما في إحداث طفرة النمو والتعريف بخصائص التربية الخالقة‬
‫أو الفعالة وكيف يتحقق النمو عن طريق الطفرات ودورها الرئيسي فيه بصفتها‬
‫أحد محدداته‪.‬‬
‫إن المعدات الالزمة لحدوث الطفرة هي الحشد الهائل من الخبرات المتعلمة‬
‫من المجتمو وهي هذه المدخرات المعرفية التي استفادتها الشخصية في عمليات‬
‫التواصل اتجتماعي بمعناه العام وت نبالغ إذا ما اعتبرنا أن الشخصية تتكون في‬
‫النشاط وأن الوعي ينمو من خالل النشاط وت يمكن الكشف عن قوانين النمو‬
‫‪271‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)‬

‫النف سي عند الطفل إت عن طريق دراسة شتى أوجه نشاطه؛ حيث إن أي نشاط‬
‫يتوجه لهدف ويتطلب استخدام مهارات وتوظيف قدرات لتحقيق هذا الهدف‪.‬‬
‫ويضداد مو كل يوم دور النشاط في حياة الطفل ويتعقد التأثير المتبادل بينه‬
‫وبين البينة "التفاعل اتجتماعي" وبهذا تتسو خبرته الشخصية ويتعلم ذلك‬
‫"التعلم الذي يدفو الشخصية على طريق النمو فهو يمضي أمام النمو ويجره‬
‫وراءه" (فيجو تسكي سنة ‪.)1969‬‬
‫وآية ذلك أن طفل المهد إذا ما هيأت له البيئة مثيرات لنشاطه الحاسي‬
‫الحركي (المهيمن في هذه المرحلة) فوظف حواسه للتعرف على هذه البيئة‬
‫وأشبو تعطشه للعلم يتط لو للتعرف على بيئة أوسو منها فيرنو لمرحلة النمو‬
‫الالحقة؛ حيث أصبحت البيئة الحالية معروفة له وفقدت عوامل التشويق التي‬
‫تدفو عمليات التفاعل اتجتماعي وأصبح احتجازه في إطار هذه المرحلة معوقاً‪،‬‬
‫فيضيق بحدود هذه المرحلة ويتطلو إلى تخطيها وفي هذه اللحظة يكون النشاط‬
‫"الحاسي الحركي" قد أوشكت مرحلة هيمنته على اتنتهاء وأصبح غير جدير‬
‫بالوفاء بمتطلبات الشخصية ويكون قد أتم تربية نائبة وإعداد النشاط الذي ينوب‬
‫عنه "اللعبي" وهو المهيمن في مرحلة ما قبل المدرسة‪ ،‬بيد أن النشاط الحاسي‬
‫الحركي يظل قريباً منه حتى يتأكد من كفاءته للقيام بمتطلبات المرحلة حينئذ‬
‫يتخلى عن القمة له وهنا تحدث الطفرة وتتم بفضل ما سبق احتشاده من خبرات‬
‫لالنتقال إلى المرحلة الالحقة‪.‬‬
‫س‪ - 6‬ما المقصود بالمكانة االجتماعية ولماذا تعد محدداً من محددات نمو‬
‫الشخصية‪.‬‬
‫ج‪ - 6‬المكانة االجتماعية‪:‬‬
‫تعد المكانة اتجتماعية التي يحتلها الطفل في مراحل نموه المختلفة المحدد‬
‫الثالث لنمو شخصيته ككل وقد لوحظ من عرض المحددين األولين أن هناك‬
‫تفاعالً وتكامالً بينهما فعن طريق توظيف القدرات وإخراج اإلمكانيات الكامنة‬
‫بعد استثارتها بواسطة النشاط المهيمن إلى تش يل فاعلية الطفل في كل مرحلة‬
‫نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)‬ ‫‪272‬‬

‫تتكون الخبرات وتحتشد لتكون ما يسمى بالطفرة‪ ،‬وهذه تدفو بدورها الشخصية‬
‫لت يير مكانتها اتجتماعية فبدون توظيف النشاط المهيمن ليقوم بدوره ت يتكون‬
‫الحشد من الخبرات اتجتماعية الذي يكون الطفرة وبدون الطفرة التي تدفو‬
‫الشخصية للتطلو للمكانة الجديدة تستكين الشخصية في البيئة الطبيعية التي ت‬
‫تدفو للتعلم وبالتالي ت تدفو للنمو وت تتطلو الشخصية ألي ت يير كما ت يتكون‬
‫النشاط الذي سينوب عن النشاط المهيمن الحالي ويهيمن على المرحلة الالحقة‪.‬‬
‫المكانة اتجتماعية للشخصية هي نتاج مجموعة الوظائف واألدوار التي‬
‫يقوم بها الفرد وتتحدد المكانة تبعاً لدى كفاءته في القيام بهذه األدوار وسماته‬
‫الخاصة في األداء‪.‬‬
‫كما تتحدد تبعاً لذلك نظرة المجتمو له وتقديره لخبراته التي يستعرضها‬
‫أثناء قيامه باألدوار المتعلقة وللشخصية الواحدة كثير من األدوار اتجتماعية‬
‫التي يقوم بها وقد تقوم الشخصية ببعض هذه األدوار خير قيام فتحصل بذلك‬
‫على استحسان المجتمو وثنائه عليها فيشكل ذلك دافعاً جديداً لمضيد من النجاح‬
‫في هذا الدور‪ ،‬وتتكون الثقة بالنفس فتنمو الشخصية باقتحامها لمشكالت الدور‬
‫واستمرار التفاعل الذي يوسو نطاق خبراتها ومن ثم يتقبلها المجتمو في مكانتها‬
‫الجديدة ويت يح لها فرص التوظيف والتنمية؛ إذ تكون جديرة بالمكانة التي تحتلها‬
‫وقادرة على حل مشكالتها المرحلية‪.‬‬
‫وقد ت تستطيو الشخصية القيام ببعض هذه األدوار أما لقصور في قدراتها‬
‫وإمكانياتها وأما ألن المجتمو لم يتح أمامها الفرص المناسبة للتوظيف‪ ،‬والنتيجة‬
‫واحدة في الحالين إذا أعيق التوظيف ألي من األسباب ويؤدي إلى إعاقة النشاط‬
‫المهيمن وعدم قيامه بوظائفه الالزمة لنمو الشخصية‪ ،‬وبالتالي ت تقوم الشخصية‬
‫بأدوارها المرحلية فيستكثر المجتمو المكانة التي تحتلها ويحرمها من الثقة‬
‫ويشكك في إمكانياتها مما يدفو البيئة إلى تخفيف األعباء عن هذه الشخصية‬
‫وتقليل أدوارها وبالتالي‪ ،‬تحرم من التدريب والمران والتوظيف الذي يؤدي‬
‫‪273‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)‬

‫بدوره إلى قلة خبراتها في المجال فال يتكون الحشد من الخبرات اتجتماعية‬
‫الذي يؤدي إلى الطفرة ويصبح الفرد غير قادر على الوفاء بمتطلبات المكانة‬
‫التي يش لها أو التي يجب أن يش لها وهنا تقف الشخصية أحد موقفين‪:‬‬
‫فإما أن تستكين بأن يقوم آخرون عنها بإشباع حاجاتها‪ ،‬وإما أن تتمرد على‬
‫الوضو وتحاول أن تثبت للمجتمو إنها جديرة بهذه المكانة التي يبخل عليها بها‪،‬‬
‫وفي هذه الحالة األخيرة ونظراً لعدم وجود الخبرة واإلعاقة السابقة تفشل‬
‫الشخصية دائماً في القيام باألدوار‪ ،‬فيضداد الموقف تعقيداً بحيث تظهر‬
‫الشخصيات المخربة أو المريضة التي تلجأ للحيل الدفاعية والهروبية إلثبات‬
‫ذاتها وإشباع احتياجاتها ومن هنا يظهر المحدد الرابو للنمو وهو "األزمة"‪.‬‬
‫وهكذا تعتبر المكانة اتجتماعية التي يحتلها الفرد دافعاً لضيادة خبراته‬
‫وتطوره ونمائه أو معوقاً للنمو وسبباً لألزمة ويتحدد مفهوم األزمة بناء على‬
‫سلوك الشخصية في حل المشكالت المرحلية‪ ،‬فالشخصية التي تلجأ للحل عن‬
‫طريق إعمال العقل وتش يل القدرات وإخراج اإلمكانيات والتصدي للمشكلة‬
‫بوعي ت تتعرض ألزمات النمو‪ ،‬أما الشخصية التي تفشل في التوافق في‬
‫مواجهة الواقو بمشكالته وتأبى اتعتراف بالعجض أو القصور والفشل فتلجأ‬
‫للطرق الملتوية لحل المشكالت وتتعرض لألزمة وهي ما تسمى (بالشخصية‬
‫المتأزمة أو المشكلة)‪.‬‬
‫س‪ - 7‬اثبت ان النشاط اللعبي هو المسئول عن توظيف قدرات طفل الروضة‬
‫الرباعية‪.‬‬
‫ج‪ - 7‬تتحدد حدود هذه المرحلة حينما يتخلى النشاط الحسي الحركي عن‬
‫مركض القيادة ليحتل النشاط اللعبي فيصبح اللعب هو الباب الذي تطرقه‬
‫المؤثرات البيئية فتستجيب كل القدرات الكامنة بالنشاط والفاعلية الحماسية‪ ،‬التي‬
‫يعاد بها استدخال الخبرات اتجتماعية وجعلها أدوات مصنعة لخدمة نمو‬
‫الشخصية‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)‬ ‫‪274‬‬

‫بمراقبة هذا التناوب نجد أن النشاط المهيمين يختلف من مرحلة ألخرى فإذا‬
‫كان الباب تستدخال الخبرة اتجتماعية في مرحلة المهد هو النشاط الحسي‬
‫الحركي "فقد ت ير في مرحلة رياض األطفال وأصبح هو" النشاط اللعبي "لكن‬
‫هذا النشاط ت يتكون إت إذا قام بمهما ته كاملة النشاط الحاسي الحركي أثناء‬
‫هيمنته على مرحلة النمو السابقة‪ .‬كما نجده يظل قريباً من النشاط اللعبي في‬
‫بدايته حتى يتأكد من كفائته للقيام بمتطلبات المرحلة الجديدة وتتجلى هذه‬
‫المالزمة عند مراقبة النشاط اللعبي في بدايته فنجده تكراراً للحركات الجسمية‬
‫فيبد أ النشاط اللعبي تحسباً تكرارياً ثم ينتهي لعباً ذا قاعدة مسبقة ملضمة لنفس‬
‫الطفل بالتحكم اإلرادي في إشباع بعض رغباته وتأجيل لبعضها اآلخر‪.‬‬
‫بمراقبة طفل هذه المرحلة نجده يستعمل النشاط اللعبي كمفتاح لعملية‬
‫التطبيو اتجتماعي فيتضح به عالم الكبار بأدواره المختلفة وقيمة وفي إطار هذا‬
‫النشاط يعاد بناء العمليات النفسية والعقلية‪ .‬فهذه الت يرات النفسية كالتحكم‬
‫اإلرادي في الرغبات‪ ،‬واتلتضام بواجبات الدور ت يمكن إدخالها لطفل هذه‬
‫المرحلة إت من خالل النشاط اللعبي ثم يستوعب الطفل كل الخبرات المتاحة في‬
‫هذه المرحلة بفضل توظي ف نشاطه المهيمن‪ ،‬فيضيق بمكانه كطفل يلعب فقط‬
‫ويرنو للتعليم الذي أستعد له بكل ما يلضمه من قدرات عقلية ونفسية أعدها‬
‫النشاط اللعبي ويقوم الطفل باستعراض هذا الحشد من اإلمكانيات ويطالب بعد‬
‫ذلك بت يير مكانته اتجتماعية ونظرة المجتمو إليه فيت ير سلوكه في فترة‬
‫الطف رة استعداداً لت يير المكانة وهنا قد يفشل طفل المرحلة في إثبات جدارته‬
‫بالمرحلة الجديدة ويظهر طفل الروضة المشكل‪.‬‬
‫يحتاج طفل المرحلة إلى الحب والحنان وما يشعره باألمان‪ ،‬ويحتاج للمساعدة‬
‫في تنظيم استجاباته اتنفعالية‪ ،‬كما يحتاج لحرية النمو وتقبل الذات كعضو عامل‬
‫في المجتمو‪ .‬فيبدأ في تقليد أنماط السلوك المقبولة ويكافئ السلوك القويم‪ ،‬ويتعلم‬
‫األخذ والعطاء في إطار اللعب الذي يمر هو أيضاً بمراحل نموه الخاصة‪.‬‬
‫‪275‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)‬

‫فاللعب في مرحلته األولى مجرد تكرار للحركات التي تجري مو الطفل‬


‫والمحيطين به يطبقها على أدوات اللعب المتاحة فنرى الطفلة الص يرة تعتني‬
‫بعروستها وت ير مالبسها وهكذا‪....‬‬
‫إت أن هذه الحركات فيما بعد تأخذ شكالً جديداً حينما تبدأ الطفلة تعلب دورا‬
‫اجتماعياً معينا بالنسبة لهذه العروسة‪ ،‬كأن تكون لها ماما أو مربية‪ .‬وبمجرد أخذ‬
‫دور أحد الكبار المحيطين بالطفل تبدأ مرحلة متقدمة من مراحل اللعب "النشاط‬
‫المهيمن" فيصير لهذا اللعب مضمون ودور اجتماعي يتمثل مضمونه في‬
‫الحادثة التي تكررها الطفلة مو العروسة بصفتها أما لها كأن تعاقبها على سلوك‬
‫غير مرغوب‪ ،‬أو تكافئها على سلوك مرغوب فالطفلة هنا تعلب الدور بكل‬
‫مكوناته وتعكس موضوعاً اجتماعيا في هذه اللعبة وهنا تكمن أهمية اللعب في‬
‫حياة الطفل فيدخله لعالم الكبار ويجعله يتقمص الشخصية اتجتماعية بدورها‬
‫وبكل ما يجب ثم يدخل اللعب في دور أكثر تجريداً حينما يحتاج الطفل األدوات‬
‫التي يستخدمها الكبار في حياتهم اليومية فإن كان قد أخذ لنفسه دور الطبيب فهو‬
‫في حاجة للسماعة الطبية إن كان فارساً فهو في حاجة إلى الحصان وهنا تظهر‬
‫لحظة من أهم اللحظات الخالقة في اللعب فنجد الطفل في لعبه مو مجموعة‬
‫األطفال اآلخرين يرمض للسماعة بحبل يلعب به أو للحصان بعصا موجودة معهم‬
‫وهكذا يتطور اللعب من مجرد تكرار لحركات معينة إلى لعب ذي دور‬
‫مضمون ثم إلى رموز يتعامل بها الطفل لتحل محل األدوات الحقيقية التي‬
‫يستعملها في حياتهم الكبار‪.‬‬
‫والمرحلة التالية من تطور اللعب هي مرحلة اللعب مو تخطيط وتوزيو‬
‫سابق لألدوات فبعد ما كان الطفل يلعب أوت ثم يحدد لنفسه معنى لما يقوم به‬
‫أثناء اللعب فهو اآلن مو المجموعة يحدد تحديداً مسبقاً دور كل فرد في اللعبة‬
‫وقواعد هذه اللعبة فتظهر آخر مرحلة من مراحل اللعب في اللعب ذي القاعدة‬
‫وهكذا ترى في هذا النشاط المهيمن كيف تتكون نوايا السلوك اتجتماعي السليم‬
‫نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)‬ ‫‪276‬‬

‫وتتضح الحقائق الواقعية للتفاعل اتجتماعي وعن طريق نمو مراحل اللعب‬
‫المختلفة ينتقل الطفل إلى مرحلة النمو التالية وهي مرحلة المدرسة اتبتدائية‬
‫حيث يكون قد استعد لهذه المرحلة بمعرفة اتلتضام بالقواعد فيلتضم بنظام‬
‫المدرسة ومعرفة ما يجب وما ت يجب فيقوم سلوكه ويقوم بالتضامات دوره‬
‫كتلميذ ويؤجل رغباته العاجلة أمالً في النجاح و هو مكافأة آجلة‪.‬‬
‫بهذه الطريقة تحقق شخصية طفل المرحلة مكتسبات نموها فمن يجتاز‬
‫مراحل نمو النشاط اللعبي بنجاح وتوظيف للقدرات واستثارة لفعاليته الخاصة‪،‬‬
‫ويقوم باستدخال هذه المكتسبات يعتبر سير نموه طبيعياً سوياً ومن يعوق عند‬
‫إحدى مراحل نمو النشاط اللعبي يعطي هذا التوقف دتلة على عدم استعداد‬
‫الشخصية لالنتقال للمرحلة الجديدة‪.‬‬
‫النشاط اللعبي محدد لنمو شخصية طفل ما قبل المدرسة ككل‪( :‬جسميا –‬
‫نفسيا – اجتماعيا ‪ -‬عقلياً)‪.‬‬
‫تعددت النظريات التي عنيت بالنشاط اللعبي ودوره في حياة األطفال ومن‬
‫الصعوبة بمكان أن نتعرض لكل النظريا ت التي تناولت اللعب ولكن يمكن القول‬
‫بأن كل نظرية قد عنيت باللعب من زاوية خاصة بها اختلفت بمنايتها هذه عن‬
‫النظريات األخرى‪.‬‬
‫فقد اعتبر جان بياجيه اللعب مظهراً من مظاهر النمو العقلي حيث أنه‬
‫تسلسل مو تطورا لعمليات العقلية لدى الطفل فاللعب في نظره ابتهاج وظيفي‪.‬‬
‫ويبدأ الطفل مو نموه في اختيار األلعاب التي تبهجه ولذلك فهو يرفض أن‬
‫نفرض عليه لعبة بعينها وهو يتابو بنفسه كل جديد يجري حول اللعبة األولى في‬
‫يديه وهذا بداية اللعب الرمضي الذي يبدأ من السنة الثانية إلى السابعة ويصاحب‬
‫مرحلة الذكاء التشخيصي‪.‬‬
‫لألسف إن بياجيه بوصفه للعب بهذه الصفات يذهب إلى اعتباره عملية‬
‫‪277‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)‬

‫عقلية بحته ويجعل وظيفته التكيف اتجتماعي والمالحظ في اللعب أنه يختلف‬
‫عن التكيف الحقيقي القائم على نمو الذكاء‪.‬‬
‫وتعرف كتابات األلمان في القرن التاسو عشر اللعب بأنه نشاط إيجابي‬
‫يجدد القوى ويقوم مقام اتسترخاء الالزم للعضالت وقابلو بذلك بين اللعب‬
‫والعمل‪ ،‬ولكن تحليل لعب الطفل يؤكد أنه مثير للتعب ومصدر لإلرهاق وليس‬
‫استجماما ولذلك ترى الطفل حتى في أشد حاتت التعب ت يتوقف عن القفض‬
‫والجري الذي يمليه عليه دوره في اللعب‪.‬‬
‫اللعب هو هذا النشاط الذي يحمل دوافعه في داخله‪ ،‬فالطفل يلعب من أجل‬
‫اللعب ذاته‪ ،‬وت ينتظر أن تدفعه إلى هذا النشاط دوافو أخرى كاتحتياج إلى‬
‫الراحة أو لفت النظر وليس هو النشاط الكشفي وليس هو التمثيل أو إعادة‬
‫للتاريخ بأطواره التي مر بها كما تقوم النظرية التلخيصية سوزانا ميلر "‪"4‬‬
‫‪ 1974‬كما يتميض لعب الطفل بأنه متعلم بالممارسة وليس فطريا وهذا ت‬
‫يتعارض مو الفكرة السابقة فليس احتواء العمل على دوافعه دتلة على فطريته‬
‫بل هو دتلة على أن مثيرات هذا العمل من داخله ذاته‪ ،‬وما المثيرات الخارجية‬
‫كالحدثة إت مؤثرات على اللعب وسرعته ومدته‪ ،‬فالحداثة في البيئة ت تسبب‬
‫اللعب ب ل قد تضيده فقط أو تطيل مدته أو تؤدي إلى انتقال الطفل من لعبه إلى‬
‫أخرى‪ ،‬فالطفل يلعب أيضا وهو في إطار بيئته المعهودة التي اعتاد عليها‪،‬‬
‫ويطلق لفظ لعب على "السلوك" الذي ت يؤدي إلى نتيجة واقعية حقيقية ملموسة‬
‫فهو سلوك واهم‪ ،‬فالطفل الذي يقوم بلعب دورن الصياد ت يؤدي سلوكه للقنص‬
‫وهنا تبد من التفرقة بين لعب الطفل ولعب الحيوانات ألن اللعب بالنسبة‬
‫للحيوانات فطري مثله في ذلك مثل بحثها عن الطعام ومرتبط بشكل كبير‬
‫بالحاجات الفسيولوجية أو البيولوجية وهذا ما يشكل أعظم الفوارق الجوهرية‬
‫بين لعب الطفل ولعب الحيوان (وافي ص‪ .)1958 ،138‬يسمى لعب الحيوان‬
‫"سلوك لعبي" ويسمى لعب األطفال "نشاط لعبي" وهو المسئول والضامن‬
‫والمحدد لنمو طفل الروضة‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)‬ ‫‪278‬‬

‫المقصود باللعب في هذه الدراسة هو النشاط الذي يحمل دوافعه في داخله‬


‫وهو القادر على توظيف شخصية طفل الروضة وإشباع احتياجاتها‪ ،‬كما يربي‬
‫في داخله ال نشاط الذي سيحتل مركض القيادة في مرحلة النمو الالحقة والذي‬
‫سيصبح مهيمنا عليها ومحددا ومسئوت عن نموها والمقصود بالنشاط اللعبي‬
‫ليس األلعاب المختلفة ‪ games‬وإنما هو لعب الطفل لألدوار اتجتماعية‬
‫بمضمونها اتجتماعي وغاياتها الواجبة ويتم اتختيار لهذه األدوار بمحض إرادة‬
‫الطفل خالصة ويتميض هذا النشاط بالخصائص التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬يحمل اللعب دوافعه في داخله كما أن هذه الدوافو اجتماعية ولذلك تبد‬
‫أن نفرق بين دافو الطفل للرضاعة مثال في مرحلة المهد ودافعه للعب‬
‫في مرحلة ما قبل المدرسة فالطفل يشبو احتياجاته في اللعب كما‬
‫تتحقق ف يه كثير من الرغبات غير المشبعة أو المحققة في الواقو‪،‬‬
‫ولذلك يقول فيجوتسكي أن لم يكن هناك تطور للرغبات غير الممكن‬
‫التحقيق لما وجد اللعب وهذا يؤكد قيام النشاط اللعبي بصفته مهيمناً‬
‫بإعداد الشخصية لالنتقال لمرحلة نمائية تحقة وهي مرحلة طفل‬
‫المدرسة اتبتدائية باتلتضام بقواعد معينة للدور‪.‬‬
‫فقد تعدى الطفالن مرحلة التكرار واستخدام األدوات إلى مرحلة تصنيو‬
‫األدوات وحل مشكالت الموقف بصورة أكثر إيجابية‪ ،‬وهذا يتطلب قدرات إلى‬
‫وقت قريب جدا كنا نشك في وجودها عن طفل الرياض‪.‬‬
‫في حين اقتصر سلوك اتبن على أحالل القلم محل الترمومتر فهو استخدام‬
‫األدوات كما هي ولم يقبل عملية التصنيو‪.‬‬
‫هذا يؤكد ظهور المرحلة األكثر تقدما من اللعب ذاته‪ ،‬حيث يعمل العقل‬
‫على رسم الخطة واتتفاق على األدوات بل وتصنيعها ويعمل على تحقيقها‬
‫بشكل منطقي متفق عليه ثم تالحظ انصراف بعض األطفال بعد ذلك إلى نوع‬
‫جديد من اللعب‪ ،‬ذلك النوع الذي يحمل المتعة في داخله فقط‪ ،‬بل ت يستمتو‬
‫الالعب إت بنتائجه‪.‬‬
‫‪279‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)‬

‫لذلك يختلف لعب طفل المدرسة اتبتدائية أو الطفل الذي قام النشاط‬
‫المهيمن اللعبي بإعداد شخصيته لالنتقال للمرحلة الالحقة عن لعب طفل‬
‫الروضة اختالفاً جوهرياً فاألول تتحد دوافعه مو نتائجه ولذا يهتم األطفال الكبار‬
‫بألعاب المسابقات كما ينصرف اهتمامهم إلى الفوازير واألحاجي وألعاب‬
‫الكمبيوتر التي تحقق لهم النجاح بالفوز على اآلخرين‪ ،‬في حين ت يهتم طفل‬
‫الروضة الص ير إلى بدوره في اللعب فقط فدوافعه في داخل الدور دون‬
‫اتهتمام بالنتائج الحقيقية‪.‬‬
‫وهكذا يفسح النشاط اللعبي المهيمن بجانبه مكاناً للنشاط العقلي المقصود‬
‫والمخطط والمحددة معالمه والمتوقعة نتائجه‪.‬‬
‫س‪ - 8‬ما هي خصائص طفل الروضة المعد لدخول المدرسة والفرق بينها‬
‫وبين الطفل الغير معده شخصيته لدخول المدرسة‪.‬‬
‫ج ‪ - 8‬سبق اتتفاق في الفصول السابقة على أن لكل مرحلة نمو باباً خاصاً‬
‫بها‪ ،‬تطرقه البيئة بالمثيرات فتستجيب الشخصية بتوظيف "القدرات" الكامنة‬
‫"بالنشاط" والفعالية الحماسية التي تعيد بناء الخبرة اتجتماعية‪ ،‬وتصنيعها‬
‫"لألدوات" التي تخدم نمو الشخصية فإذا كان الباب تستدخال الخبرة اتجتماعية‬
‫في مرح لة "المهد" هو "النشاط الحاسي الحركي" فعندما تنتقل الشخصية إلى‬
‫مرحلة الروضة يت ير الباب ليصبح "النشاط اللعبي" ثم تت ير المكانة‬
‫اتجتماعية ونظرة المجتمو للشخصية‪" ،‬فتطفر" إلى المرحلة الالحقة ليسعى‬
‫الطفل للمعرفة النظرية فيهيمن عليه النشاط التعليمي المقصود "فهو ت يلعب‬
‫فيعرف‪ ،‬وإنما هو يسعى للمعرفة بتخطيط مسبق‪ ،‬وتحديد للهدف خارج النشاط‬
‫ذاته‪ .‬عندئذ تت ير نظرة المجتمو للطفل ليصبح "تلميذا"‪.‬‬
‫ت ينجح الطفل في الدخول لهذه المرحلة النمائية إت إذا أحسن إعداد‬
‫شخصيته تحتالل هذه المكانة الجديدة‪ .‬فما هي خصائص الشخصية المعدة‬
‫للمدرسة؟‬
‫نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)‬ ‫‪280‬‬

‫‪ - 1‬هو طفل ملتضم بمتطلبات المدرسة‪ ،‬كما كان ملتضماً بواجبات أدوار‬
‫اللعب في المرحلة السابقة (مرحلة الروضة)‪.‬‬
‫‪ - 2‬هو طفل ت يرت دوافعه‪ ،‬ففتحت أمامه موارد جديدة لنمو قوة اإلدراك‬
‫الواعي الذي يدفعه لتعلم كل ما هو جديد مهما كلفه من مشقة‪.‬‬
‫‪ - 3‬يبدأ إعجاب ا لطفل بالمواد الدراسية المختلفة باختالف مضمونها‪.‬‬
‫‪ - 4‬يخضو لرغبات المدرس‪ ،‬ويعاد بناء عمليات اإلثارة والكف لديه‪ .‬وهو‬
‫كما وصفه كمنسكي (‪ )komensky‬ص ‪ )2( 166‬التلميذ القادر على‬
‫التفكير والحكم على األشياء‪ ،‬ولديه رغبة قوية في التعليم والمعرفة‪.‬‬
‫واآلن نعود للرد على ا لرأي الذي يرى ضرورة تعليم الطفل في الروضة‬
‫القراءة والكتابة والحساب استعداداً لدخول المدرسة‪.‬‬
‫يقول جيرسلد ‪ Jersild‬في كتابة‪ :‬نمو الطفل والمنهج "وهو يصدد تعريف‬
‫التهيؤ واتستعداد بأنه" الوقت المناسب الذي يريد فيه تعليم الطفل بقدر ما تسمح‬
‫به قدراته‪.‬‬
‫فالطفل يحتاج إلى أن يتهيأ في النواحي اآلتية‪:‬‬
‫‪ – 1‬ل ته وعاداته في الحديث‪.‬‬
‫‪ – 2‬نضوجه العقلي‪.‬‬
‫‪ – 3‬نموه الجسماني‪.‬‬
‫‪ – 4‬اتساع خبراته وطبيعة هذه الخبرات وخصوصا فيما يتعلق باهتمامه‬
‫بالكتب والقراءة‪.‬‬
‫‪ – 5‬عواطفه وظروفه اتجتماعية‪.‬‬
‫وقد دلت التجارب القليدية واألبحاث التي أجريت على الطفل "أن الطفل‬
‫تتهيأ له أسباب النجاح في تعلم القراءة إذا ما بدأها بعد أن يتجاوز عامه السادس‬
‫‪281‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)‬

‫بثالثة أشهر وهناك رأي أخر ينادي بأن الطفل إذا كانت عقليته عادية فيبدأ في‬
‫منتصف العام السابو كما دلت األبحاث على أن أكثر المتاعب التي يعانيها‬
‫الطفل في تعلمه إنما ترجو إلى إجباره عليها من سن الخامسة والسادسة ويقول‬
‫ستريكالند (‪ )Ruthstricklind‬مشيراً إلى عملية القراءة واحتياجات الطفل لها‬
‫وقدراته عليها "أن األطفال قد ينظرون ولكن ت يرون‪ ،‬وقد يرون ولكنهم ت‬
‫يفهمون ما يرون‪ ،‬إت إذا كان لهم أساس سابق من المعرفة والخبرة‪ ،‬وتوفر‬
‫لديهم المدرس الذي يستطيو مساعدتهم على اتستفادة من هذه الخبرات‪ ،‬ويساعد‬
‫على ذلك حينما تكون الثروة الل وية لدى بعض األطفال ت تقل عن مائة كلمة‬
‫(بصرية‪ ،‬منظورة) والمقصود بهذا التعبير الكلمات التي يستطيو األطفال‬
‫تمييضها عندما يرونها مكتوبة بمطابقها بالصورة التي تمثلها (في خبرتهم‬
‫الخاصة) فإن المدرس يبدأ مو هؤتء بمبادئ القراءة األولية؛ حيث يجد الطفل‬
‫بعض الكلمات المعروفة له‪.‬‬
‫كما أثبتت الدراسات التي أجريت على العملية التعليمية وتطويرها‬
‫(جالبيرن ‪ – Galbern‬وتاليضنا ‪ Talezena‬ولوريا ‪ )Lourya‬وغيرهم "أنه لكي‬
‫يتعلم الطفل الل ة بنجاح ت بد أن يدركها بكل عناصرها إدراكاً "واعياً"‪،‬‬
‫ويستطيو أن يضعها تحت مجهر تفكيره الواعي فيخضعها للتحليل والتركيب‬
‫والتعميم‪ .‬الخ‪.‬‬
‫كما سبق اإلشارة إلى أهمية الدوافو والرغبة في القراءة وفي فهم ما تنقله‬
‫للطفل من معلومات وفحص الكلمات بمعانيها المختلفة‪.‬‬
‫مما تقدم يلضم تحديد المطلوب من طفل الروضة عندما نعلمه القراءة‬
‫بالطريقة التقليدية المعروفة هل نريد منه "سلوك" البب اء المدربة‪ ،‬والحيوانات‬
‫التي تقوم بعمليات حسابية معينة؟‬
‫أم نريد منه "نشاطاً عقلياً" يمثل نظام اإلشارة الثاني "الذي ت يوجد إت عند‬
‫اإلنسان"‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)‬ ‫‪282‬‬

‫هل نكون عنده القراءة الميكانيكية التي تعد ردود أفعال للمرئيات المقروءة؟‬
‫أم تكون عنده "القراءة الوظيفية" التي تقوم على النشاط العقلي وتستلضم‬
‫تدخل شخصية اإلنسان بكل جوانبها‪.‬‬
‫تبين فيما تقدم من هذا الكتاب أن طفل الروضة قادراً على القيام بعمليات‬
‫القياس والمقارنة والتفكير التجريد –كذلك هو قادر على القيام بعمليتي "التعميم"‬
‫و"التصنيف" الالزمتان لتكوين المفهوم‪.‬‬
‫فلماذا ت يمكنه إعمال عقله أثناء حصص القراءة والحساب في هذه‬
‫العمليات العقلية العليا؟ مما يشكل صعوبة كبيرة لمعلمات الروضة في التعامل‬
‫العقلي مو األطفال‪.‬‬
‫ولماذا يعاني بعض أطفالنا من التهتهة والتلعثم في الروضة فقط –وت‬
‫تظهر عيوب الكالم هذه في المنضل؟‬
‫ولماذا ت يحب أطفالنا الذهاب للروضة بالرغم من أنها هي أهم المؤسسات‬
‫الناقلة للخبرة اتجتماعية الالزمة لنمو شخصيته؟‬
‫ولماذا يلجأ األطفال أحياناً إلى ميكانيضمات الدفاع الالشعورية عند الذهاب‬
‫للروضة؟‬
‫ولماذا نجد معظم أطفال الصف األول اتبتدائي يعانون من مشكالت‬
‫سلوكية عند دخولهم للمدرسة مما يؤكد عدم قيام الروضة بدورها في إعداد‬
‫شخصياتهم لالنتقال لمرحلة النمو الالحقة (مرحلة المدرسة اتبتدائية)؟‬
‫نحاول فيما يلي تقديم اإلجابة ا لعلمية والعملية الصحيحة وتوضيح كيفية‬
‫اإلعداد الصحيح لطفل الروضة‪.‬‬
‫من اإلجابة على هذا السؤال سنتمكن من‪:‬‬
‫‪ – 1‬تحديد واضح ألهداف الروضة‪.‬‬
‫‪283‬‬ ‫نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)‬

‫‪ – 2‬تخطيط علمي وعملي محدد لتحقيق هذه األهداف‪.‬‬


‫حيث ت تخفي خطورة التدخل بتدريب الطفل على سلوك قبل توفر‬
‫اتستعداد له‪ .‬فنحن ح ين نفرض على طفل الروضة "النشاط التعليمي المقصود"‬
‫الذي هو مهيمن على شخصية طفل المدرسة‪ .‬وهو باب "استدخال" الخبرة‬
‫اتجتماعية لطفل المدرسة‪.‬‬
‫ترتكب بذلك خطأ مزدوجاً‪:‬‬
‫أوال ‪ -‬نحن نفوت على الشخصية توظيف قدراتها وطاقتها من باب المفروض‬
‫عليها في مرحلتها الراهنة والذي تأكد كمحدد لنموها (النشاط اللعبي)‪.‬‬
‫ثانياً ‪ -‬نفرض عليها نشاطاً لم يتكون اتستعداد له بعد‪.‬‬
‫والفرق بين "النشاط اللعبي" و "النشاط التعليمي" كبير وجوهري‪.‬‬
‫النشاط اللعبي تتحدد دوافعه مو نتائجه‪ .‬فيستمتو به الطفل أثناء األداء‪ ،‬دون‬
‫أن يسعى لهدف آخر خارجه فالصياد ( الطفل الذي يقوم بدور الصياد) يستمتو‬
‫بالدور واآلراء دون أن يصطاد بالفعل‪.‬‬
‫في حين يتميض النشاط التعليمي الناجح بنتائجه الصحيحة المعدلة لسلوك‬
‫المتعلم‪.‬‬
‫كما أن دوافو اللعب اجتماعية‪ .‬في حين دوافو النشاط التعليمي معرفية‪.‬‬
‫يسعى الطفل أثناء اللعب بدوافعه الذاتية لتحقيق النجاح في القيام بالدور كما‬
‫يحب فيتعامل مو الرفاق بعواطفه‪ ،‬ويحقق رغبة عامة في إثبات الذات‪ .‬ويستعذب‬
‫النجاح أثناء القيام بالدور‪ ،‬ويحترم الكبار ولكن هذه كله ت يتم بوعي تام‪.‬‬
‫في حين لكي يتم التعلم وتشبو الحاجة النظرية للمعرفة ت بد أن تكون‬
‫المعلومات في بؤرة الوعي التام لدى المتعلم وت بد أن يحدد المتعلم الهدف الذي‬
‫يسعى إليه‪.‬‬
‫نمو الطفل ومشكالته النفسية (التطبيقات)‬ ‫‪284‬‬

‫وهذا ما يعجض عنه طفل الروضة؛ حيث لم ينمو لديه بعد اإلدراك الواعي‬
‫والنشاط الهادف لتحقيق عمل سبق التخطيط له وتحديد نتائجه‪.‬‬
‫مما تقدم يتضح تميض النشاط التعليمي بموضوعه الخاص وهدفه المختلف‬
‫عن أهداف غيره من األنشطة‪ ،‬واألداء المتمايض الخاص بهذا النشاط‪ ،‬كذلك ت‬
‫يخفى األثر المعوق إلقحام النشاط التعليمي على طفل الروضة‪ ،‬حيث يتخذ‬
‫سلوكه التعليمي نمط تعليمي معين ‪ Tenching Styl‬سيدمغ شخصيته مدى‬
‫الحياة‪ .‬ويصبح من الصعب لل اية ت ييره‪.‬‬
‫لذلك قد نرجو الس بب األول للمشكالت التي يعاني منها طفل الروضة إلى‬
‫عجض الطريقة المتبعة في تعليمه القراءة عن نقل إدراك الل ة من مستوى‬
‫اإلدراك التلقائي إلى مستوى اإلدراك الوعي‪.‬‬
‫وقد أثبتت الدراسات أن وظيفة اإلدراك الواعي هي "السماح بتكيف يكاد‬
‫يكون مستحيالً في غيبة الوعي بواسطة الوعي يتمكن من حل مشكالت القراءة‬
‫الوظيفية" التي ت يمكن حلها باإلدراك التلقائي يتمكن الطفل باإلدراك الواعي‬
‫فقط من إعمال عقله في الكلمات بوصفها "أدوات للفكر" فيحللها إلى عناصرها‬
‫ويركبها بأشكال مختلفة‪.‬‬
‫وقد يرجو السبب الثاني للمشكالت إلى تعليم طفل الروضة القراءة بطريقة‬
‫تكون لديه "سلوك القراءة الميكانيكية" بدت من نشاط القراءة الوظيفية فيستمر‬
‫الطفل في التكرار واتنعكاس للمرئيات دون اتستفادة الكاملة من المقرر‪ .‬أو‬
‫توظيف عناصر الشخصية في عملية القراءة‪.‬‬

You might also like