Professional Documents
Culture Documents
موطأ الإمام مالك- الزقي
موطأ الإمام مالك- الزقي
المقـ ــدمــة
احلمد هلل رب العاملني ،والصالة ،والسالم علي النَّيب األمني ،وآله وصحبه الطيبني الطاهرين ،ومن تبعهم بإحسان إيل يوم الدين،
وبعد ،فإن علماء االسالم قد خلّفوا تراثاً علمياً ضخماً ،ما يزال معظم هذا الرتاث مل تسرب أغواره ،رغم ما فيه من املعاين
الدقيقة واالفكار العميقة اليت ختدم واقعنا املعاصر ،وتنري السبل ألمتنا يف جمال الفكر والتشريع والثقافة ،فكان من املهم يف هذه
املرحلة أن تتجه اجلهود لتقييم هذا الرتاث واستجالءه ،مث العمل علي حتقيقه ونشره .
ويُعد االمام مالك بن أنس من أشهر هؤالء العلماء الذين أسهموا يف هذا الرتاث إسهاماً واضحاً ،ومنهجه الذي سلكه يف
احلديث وعلومه من أهم املناهج اليت أسهمت إيل حد كبري يف إثراء املعرفة احلديثية ،خاصة منهجه يف كتابه املوطأ ،مما جعل
لكتابه قيمة ومكانة عالية بني كتب احلديث .
فلذلك أثني عليه االئمة االعالم الذين عاصروا مالكاً ومن بعده ،كعبد الرمحن بن مهدي الذي قال " :ما كتاب بعد كتاب
اهلل أنفع للناس من الموطأ" ،وعبد اهلل بن وهب الذي قال " :من كتب موطأ مالك فال عليه أن ال يكتب من الحالل
والحرام شيئاً"
وقد كثرت حوله الدراسات رواية ودراية وشرحاً وتفصيالً ،قال القاضي عياض" :لم يعتن بكتاب من كتب الفقه والحديث
اعتناء النَّاس بالموطأ" ،فإن املوافق واملخالف أمجع علي تقدمْي ه وتفضيله ،ومن أجل الكتب اليت اعتنت باملوطأ التمهيد
واالستذكار أليب عمر بن عبد الرب ،هذا وقد امتاز املوطأ عن كثري من كتب السنَّة واحلديث بأنَّه أورد كثيراً من أقوال
الصحابة والتابعين التي تبين المقصود من األحاديث المرفوعة للنبي صلي اهلل عليه وسلم ،وتحري فيه القوي من حديث
أهل الحجاز ومزجه بأقوال الصحابة وفتاويـ التابعين ومن بعدهم ،وقد جمع مالك كتابه هذا في نحو أربعين سنة .فلذا
أقبل عليه النَّاس من البلدان وبقاع األرض رواية ،فرواه عن مالك اجلم الغفري والعدد الكثري.
المطهرة
ّ السنَّة
المطلب الثاني :مرتبته بين كتب ُّ
بعده ،فكانوا فَِرقاً:
الصحيحة الَّيت ُألِّفت َ
اختلف العلماء يف ذلك نتيجة الختالفهم يف أحاديثه بالنَّظر إىل املؤلَّفات َّ
العريب ومجهور املالكية و منهم القائلون بمساواةوابن ّ
الرب ُ
ابن عبد ِّالصحيحين :ذهب اليه ُ فمنهم القائلون بتقديمه على َّ
السنَّة لثبوت تواثرها وإمجاع األمة على قبوهلا الصحيحني يف الطَّبقة األوىل بني كتب ُّ الموطَّأ َّ
للصحيحين :وهؤالء جعلُوه مع َّ
والعمل هبا
الصحيحين مباشر ًة :وهو رأي مجهور احملدِّثني قدمياًالصحيحين ،و منهم من َج َعله بعد َّ و منهم القائلون بتأخُّر مرتبته عن مرتبة َّ
وحديثاً ودليل هؤالء ميثله أمران:
جردا كتابيهما للحديث الصحيح ومل يقصدا املعلّقات واآلثار ،أما املوطَّأ ففيه املرسل واملنقطع والبالغ ،وقد أ ـ َّ
أن الشَّيخني َّ
مالك لالستدالل إضافةً إىل رأيه.
وضعها ٌ
خاص باألحكام ،وفيهصرا على كتاب األحكام ،بينما الموطَّأ ٌّ ب ـ أهَّن ما اشتمال على أنواع كتب احلديث الثَّمانية ومل يقتَ ِ
َ
خصص هلا مؤلّفه كتاباً مسَّاه "كتاب اجلامع".
أشياء جامعةٌ َّ
المطلب الثالث :روايات الموطإ وأصحابها
املشهور من روايات املوطأ يف هذا العصر تسع روايات بعضها مطبوع متداول ،وبعضها ال يزال خمطوطاً يف مكتبات العامل.
األولى /رواية علي بن زياد العبسي التونسي (183هـ)
وصلت إلينا روايته للموطأ عن طريق تلميذه سحنون بن سعيد اإلمام املشهور .طبعت قطعة منها حقَّقها الشيخ الشاذيل النيفر
رمحه اهلل ـ ونشرت ّأوالً يف تونس ،مث نشرهتا دار الغرب اإلسالمي يف طبعاهتا الالّحقة منذ سنة 1980م.
الثانية /رواية محمد بن الحسن الشيباني الكوفي (189هـ) :وهي الثانية يف عصرنا من حيث االنتشار واالشتهار واهتمام الشراح
خصوصاً احلنفية منهم.
الثالثة /رواية عبد الرحمن بن القاسم العتقي المصري (191هـ):
الرابعة /رواية عبد اهلل بن وهب القرشيـ المصري (197هـ):
الخامسة /رواية عبد اهلل بن مسلمة القعنبي المدني (221هـ):
السادسة /رواية يحيى بن بكير المخزومي المصري (231هـ):
السابعة /رواية سويد بن سعيد الحدثاني األنباري (240هـ):
الثامن /رواية أبي مصعب الزهري المدني (242هـ) :وتُ ُّ
عد هذه الرواية من الروايات األخرية ،إن مل نقل آخرها عن مالك رمحه اهلل؛
ألن أبا مصعبـ من طبقة صغار تالميذه و الزمه حىت مات رمحه اهلل.
التاسعة /رواية يحيى بن يحيى اللَّيثي األندلسي (234هـ)(الرواية المعتمدة)
أخذ عن مالك املوطأ وروى عنه ألف حديث من غري حديث املوطأ ،ويرجع إليه الفضل يف تثبيت مذهب مالك رمحه اهلل
يف األندلس وظل راويها ومفتيها على مذهب مالك ،وخلّف وراءهُ كوكبة من علماء األندلس انتفعوا به وبعلمه .وتعد هذه الرواية
عنوان املوطأ إذا أطلِق.
و تختص هذه الرواية بأمور:
1ـ أهنا أشهر رواية للموطأ ذكراً ،وأجلّها قدراً ،وأعظمها اعتناءً بني الناس ،وهي املقصودةـ عند إطالق لفظ املوطأ.
الزهري؛ َّ
ألن آخر آخرها ،إذا استُثنيت رواية أيب مصعب ُّ
2ـ أهّن ا من آخر الروايات اليت عُرضت على اإلمام ،إن مل تكن َ
الصورة األخرية اليت ارتضاها اإلمام لكتابه.
السماع أرجح وأوثق ،وهي اليت مُت ثِّل ُّ
3ـ متتاز عن سائر الروايات عدا رواية أيب مصعب باحتوائها على الكثري من أقوال مالك وفتاواه وأجوبته على املسائل ،اليت
كانت تطرح عليه أثناء عرض املوطأ ،وقد بلغت حنو ثالثة آالف مسألة.
ـ ـ مالحظات مهمة حول أسباب االختالف بين روايات الموطإ:
والذي يظهر َّ
أن سبب وقوع تلك االختالفات بني روايات املوطأ يرجع إىل أمور:
األول :اختالف األوقات واألزمنة اليت أخذ فيها الرواة الكتاب عن اإلمام مالك رمحه اهلل ،فرواة الطَّبقة األوىل كعلي بن زياد
ختتلف رواياهتم بعض الشيء عن روايات من بعدهم كمحمد بن احلسن وطبقته ،وخيتلف هؤالء يف رواياهتم عمن تأخر كيحىي
الليثي وأيب مصعب واحلدثاين وطبقتهم.
الرواية باملعىن ،ولعل كتاب املوطأ من األمثلة الواضحة على رواية احلديث باملعىن بني خمتلف الروايات ،وعلل
الثاين :جواز ِّ
السماع.
بعضهم ذلك باختالفهم يف سرعة الكتابة أو التم ّكن من َّ
الثالث :عدم التقيّد بوجه واحد يف القراءة إذ كان اإلمام مالك رمحه اهلل يوافق على ما خيتاره الطالب ويتَّفقون عليه من درس
آلخر.
المطلب الرابع :أهم شروح الموطأ خاصة شروح رواية يحيى بن يحيى الليثي:
1ـ التمهيد ملا يف املوطأ من املعاين واألسانيد .ليوسف بن عبد اهلل بن عبد الرب(463هـ) .
قال فيه ابن حزم ( :ال أعلم يف الكالم عن فقه احلديث مثله فكيف أحسن منه) .
تضمنه املوطأ من معاين الرأي واآلثار .فتوسع يف الرواة
2ـ االستذكار اجلامع ملذاهب فقهاء األمصار وعلماء األقطار فيما َّ
وأقوال العلماء ،إذ التمهيد على ترتيب الشيوخ ،وكتاب االستذكار على طريقة األبواب الفقهية .
3ـ المنتقى شرح موطأ اإلمام مالك؛ للقاضي أيب الوليد سليمان بن خلف الباجي(474هـ) .
4ـ المسالك يف شرح موطأ مالك للقاضي أيب بكر حممد بن عبد اهلل بن العريب(543هـ) .
5ـ تنوير احلوالك شرح موطأ مالك للسيوطي(911هـ) .
6ـ شرح املوطأ للعالمة حممد بن عبد الباقي الزرقاين (1122هـ) .
المطلب الخامس :منهجه في تصنيف الموطأ .
صنف االمام مالك كتابه املوطأ علي غرار ما صنع الفقهاء يف كتبهم ،أو أقرب ما يكون إىل ذلك ،مع شيء من املخالفة ،ومل
يتقيد فيه باألحاديث املرفوعة اىل رسول اهلل صلي اهلل عليه وسلم ،بل مجع فيه أيضاً اقوال الصحابة وفتاويهم وفتاوي التابعني،
فيذكر يف مقدمة الباب ما ورد فيه من حديث رسول اهلل صلي اهلل عليه وسلم ،مث أقوال الصحابة ،مث ما ورد من فتاوي
التابعني ،وأحياناً يذكر العمل اجملمع عليه باملدينة ،فيذكر بعض اآلراء الفقهية ،مث فتاوي مالك فيما سئل عنه وقوله فيما يفهم
من احلديث.
وعليه أن ما حواه املوطأ علي حسب الرتتيب اآليت:
.1أحاديث رسول اهلل صلي اهلل عليه وسلم بأسانيد متصلة ،وهي جل أحاديث الكتاب.
.2أحاديث مروية بسند سقط منه راو أو أكثر ،ويدخل فيها املرسل وهو ما سقط من سنده الصحايب.
. 3أحاديث يبلغ يف سندها اىل ذكر الصحايب وال يذكر فيها أنَّه مسع رسول اهلل صلي اهلل عليه وسلم وهي املوقوفات.
.4البالغات وهي قول مالك :بلغين أن رسول اهلل صلي اهلل عليه وسلم قال كذا...
.5أقوال التابعني ،وقول التابعي هو اخلرب املقطوع عند أهل احلديث.
.6ما استنبطه من الفقه املسند إىل العمل أو اىل القياس أو قواعد الشريعة.
.7األمر اجملمع عليه :ما اجتمع عليه قول أهل الفقه والعلم ومل خيتلفوا وجرت به األحكامِ ،
وعرفه اجلاهل والعامل.
الحمد هلل الذي بنعمته تتم الصالحات والصالة والسالم علي نبي الرحمات وآله وصحبه أجمعين.
المراجع المعتمدة
اإلمام مالك ومنهجه في الموطأ .د .عبدالعظيم الدخري ،د .عمر سليمان ،المنشور في مجلة الحجاز العالمية المحكمة للدراسات اإلسالمية والعربية 129 )1
العدد الثامن – شوال 3415هـ /أغسطس 4134م.
اإلمام مالك وكتابه الموطأ ،أ .محمد مبروك ،كلية أصول الدين جامعة وهران الجزائر )2