You are on page 1of 6

‫موطأ اإلمام مالك‪ :‬المنهج و المكانة العلمية‬

‫من إنجاز الطالب‪ :‬مصطفى الزقي ‪Z202800682‬‬

‫إشراف االستاذ الدكتور‪ :‬محمد أكجيم‬

‫المقـ ــدمــة‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة‪ ،‬والسالم علي النَّيب األمني‪ ،‬وآله وصحبه الطيبني الطاهرين‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان إيل يوم الدين‪،‬‬
‫وبعد‪ ،‬فإن علماء االسالم قد خلّفوا تراثاً علمياً ضخماً‪ ،‬ما يزال معظم هذا الرتاث مل تسرب أغواره ‪ ،‬رغم ما فيه من املعاين‬
‫الدقيقة واالفكار العميقة اليت ختدم واقعنا املعاصر‪ ،‬وتنري السبل ألمتنا يف جمال الفكر والتشريع والثقافة‪ ،‬فكان من املهم يف هذه‬
‫املرحلة أن تتجه اجلهود لتقييم هذا الرتاث واستجالءه‪ ،‬مث العمل علي حتقيقه ونشره ‪.‬‬
‫ويُعد االمام مالك بن أنس من أشهر هؤالء العلماء الذين أسهموا يف هذا الرتاث إسهاماً واضحاً‪ ،‬ومنهجه الذي سلكه يف‬
‫احلديث وعلومه من أهم املناهج اليت أسهمت إيل حد كبري يف إثراء املعرفة احلديثية‪ ،‬خاصة منهجه يف كتابه املوطأ‪ ،‬مما جعل‬
‫لكتابه قيمة ومكانة عالية بني كتب احلديث ‪.‬‬

‫خطة البح ــث‪:‬‬


‫المقدمة‪:‬ـ‬
‫المبحث األولـ ‪ :‬التعريف باإلمام مالكـ وثناء األئمة وأشهر شيوخه وتالميذه‪.‬‬
‫المطلب االول ‪ :‬نسبه ومولده ونشأته‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬ثناء األئمة عليه‪.‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬أشهر شيوخه وتالميذه‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬منهجه في رواية الحديث‪.‬‬
‫المطلب االول ‪ :‬التحري والتدقيق يف مجيع األحوال‪.‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬منهجه في كتابه الموطأ‪.‬‬
‫المطلب االول ‪ :‬التعريف باملوطأ و مكانته العلمية‪.‬‬
‫املطهرة‪.‬‬
‫السنَّة ّ‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬مرتبته بني كتب ُّ‬
‫المطلب الثالث‪ :‬روايات املوطإ وأصحاهبا‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬أهم شروح املوطأ‪.‬‬
‫المطلب الخامس ‪ :‬منهجه يف تصنيف املوطأ‪.‬‬
‫المبحث األولـ ‪ :‬التعريف باإلمام مالكـ وثناء األئمة عليه وأشهر شيوخه وتالميذه‪.‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬نسبه ومولده ونشأته‪.‬‬
‫‪ .1‬نسبــه ‪ :‬هو شيخ اإلسالم‪ ،‬حجة اَّألمة‪ ،‬إمام دار اهلجرة‪ ،‬مالك بن أنس بن مالك بن أيب عامر بن عمرو بن احلارث ‪ ،‬أبو عبد‬
‫عريب صريح من عرب اليمن‪.‬‬ ‫مِح‬
‫اهلل األصبحي نسبة إىل ذي أصبح‪ ،‬وهو بطن من ْرَي ‪ ،‬وهم من يعرب بن قحطان‪ .‬فهو ّ‬
‫‪ .2‬مــولده ونشــأته وطلبه العلم‪:‬‬
‫ولد مالك بن أنس يف ربيع األول سنة ‪93‬هـ مبدينة رسول اهلل صلي اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وكانت املدينة حينذاك قلب االسالم‬
‫النابض ‪ ،‬ومركز اخلالفة اإلسالمية ‪ ،‬ومنشأ األخيار الفضالء من األمة‪ ،‬ووطن الفقهاء املشهورين من السادة التابعني ونشأ يف‬
‫بيئة اشتغل أهلها باحلديث وأخبار الصحابة وفتاويهم‪ ،‬فجده مالك بن أيب عامر كان من كبار التابعني وعلمائهم‪ ،‬وكان عمه‬
‫املكين بايب سهيل من أكثر أهل بيته عناية بعلم احلديث‪ ،‬وأخوه النضر كان مالزماً للعلماء‪ ،‬بدأ مالك يطلب العلم صغرياً‬
‫فحفظ القرآن الكرمي مث اجته حلفظ احلديث وكان البد من كل طالب علم من مالزمة عامل ‪ ،‬فالزم يف البداية ابن هرمز املتويف‬
‫سنة ‪142‬هـ سبع سنني ‪ ،‬وبعد ذلك الزم نافع مولى ابن عمر فجالسه وأخذ عنه علماً كثرياً وقد اشتهر أن أصح األحاديث هي‬
‫املروية عن مالك عن نافع عن ابن عمر ‪ ،‬كما أخذ مالك عن ابن شهاب الزهري وهو من دون احلديث‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬ثناء األئمة عليه‪.‬‬
‫فلما كان االمام مالك هبذه الشهرة واملرتبة العالية يف العلم والتقوي والورع‪ ،‬فقد اثىن عليه األئمة واألعالم الثناء احلسن والذكر‬
‫العاطر ‪ ،‬فأثىن عليه اإلمام الشافعي قائالً ‪ :‬إذا ذُكر العلماء فمالك النجم الثاقب ‪ ،‬ومالك حجة اهلل على خلقه بعد التابعني ‪،‬‬
‫وقال االمام النووي ‪ :‬أمجعت طوائف العلماء علي امامة مالك وجاللته ‪ ،‬وعظيم سيادته وتبجيله وتوقريه ‪ ،‬واإلذعان له يف‬
‫احلفظ والتثبت ‪ ،‬وتعظيم حديث رسول اهلل صلي اهلل عليه وسلم‪ ،‬وقال الذهيب ‪ :‬اجتمعت ملالك مناقب ما علمتها اجتمعت‬
‫لغريه ‪ ،‬أحدها ‪ :‬طول العمر وعلو الرواية ‪ ،‬ثانيها ‪ :‬الذهن الثاقب والفهم وسعة العلم ‪ ،‬ثالثها ‪ :‬اتفاق األئمة على حجة صحيح‬
‫الرواية ‪ ،‬رابعها ‪ :‬امجاعهم علي دينه وعدالته وإتباعه السنة ‪...‬وإذا تتبعنا واستطردنا أقوال العلماء يف الثناء علي االمام مالك‬
‫لطال بنا احلديث ولكن ما تقدم يكفيه فخراً أن يكون من حمدثي الفقهاء ومن فقهاء احلديث‪.‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬أشهر شيوخه وتالميذه‪.‬‬
‫‪.1‬أشهر شيوخه‪.‬‬
‫أدرك االمام مالك من الشيوخ التابعني نفراً كثرياً ومن تابعيهم نفراً أكثر ‪ ،‬واختار منهم من ارتضاه لدينه وفهمه وقيامه حبق‬
‫الرواية وشروطها‪ ،‬وسكنت نفسه اليه‪ ،‬وترك الرواية عن أهل دين وصالح ممن ال يعرفون الرواية ولقلة بصرهم يف احلديث‪،‬‬
‫فقيل أن من أخذ عنهم تسعمائة شيخ ومن أشهرهم‪:‬‬
‫ربيعة بن أبي عبد الرحمن الفقيه املدين ويقال له ربيعة الرأي ‪ ،‬وابن هرمز أبوبكر عبد اهلل بن يزيد املتويف سنة ‪142‬هـ ‪ ،‬ونافع‬
‫موىل عمر ‪ ،‬قال عبد اهلل بن عمر ‪:‬لقد من اهلل علينا بنافع ‪ ،‬وقال مالك بن أنس ‪ :‬كنت اذا مسعت من نافع حيدث عن ابن عمر‬
‫ال أبايل أن ال أمسعه من غريه ‪ ،‬ومسع من محمد بن شهاب الزهري أبو بكر املدين ‪ ،‬وعبد الرحمن بن القاسم بن حممد ‪،‬‬
‫ومحمد بن المنكدر ‪ ،‬وهو من فقهاء املدينة ‪ ،‬ومحيد الطويل ‪ ،‬وهشام بن عروة ‪ ،‬ويحي بن سعيد األنصاري ‪ ،‬وغريهم‬
‫كثري‪.‬‬
‫‪ .2‬أشهر تالميذه‪.‬‬
‫َّأما الرواة عنه ال يكادون حيصون‪ ،‬فهم ُكثر حبيث ال يعرف ألحد األئمة رواة كرواته‪ ،‬وقد ألف اخلطيب كتاباً يف الرواة عنه‬
‫أورد فيه ألف رجل إال سبعة‪ ،‬وقد كان تالميذه من شيت بقاع األرض‪ .‬و أشهرهم‪:‬‬
‫علي بن زياد التونسي(‪183‬هـ)‪ :‬يُ َع ُّد من الطبقة األوىل اليت صحبت مالكاً ـرمحه اهلل ‪ ،‬وأخذ عنه "املوطأ"‪.‬ـ فكان بذلك‬ ‫‪-‬‬
‫فسر ألهل تونس قول مالك ومل يكونوا يعرفونه‪ .‬وع ّده‬
‫أول من أدخل الكتاب إىل بالد املغرب‪ ،‬كما كان أول من ّ‬
‫العلماء من أفضل أهل إفريقية علماً وضبطاً وحتقيقاً‪.‬‬
‫‪ -‬زياد بن عبد الرحمن (المعروف بشبطون‪204‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -‬ابن القاسم ‪191‬ه‪:‬هو عبد الرمحن بن القاسم بن خالد بن جنادة‪.‬‬
‫‪ -‬عبد اهلل بن إدريس(‪192‬هـ)‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬منهجه في رواية الحديث‪.‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬التحري والتدقيق في جميع األحوال‪.‬‬
‫كان اإلمام مالك بن أنس رمحه اهلل متحرياً شديد التحري يف رواية احلديث ومدققاً يف ذلك كل التدقيق ‪ ،‬ال ينقل إال عن‬
‫الثقات األثبات ‪ ،‬قال ابن معني ‪:‬ال تبال أن تسأل من رجال مالك كل من َّحدث عنه ثقة ‪ ،‬إال رجالً أو رجلني‪.‬‬
‫ومما يدل علي حتريه أنه كان حيتاط يف الروايات ويتشدد يف ذلك فال يأخذ احلديث إال عمن حيفظ حديثه ‪ ،‬وال حيدث بكل ما‬
‫مسع ويراعي بذلك مستوي الناس الذين حيدثهم حىت ال حيدثهم مبا ال يعرفون‪ ،‬ومن ذلك أنه كان إذا شك يف شيء من احلديث‬
‫ترك التحديث به‪ ،‬وكذلك من احتياطه اختصاصه بعض طالبه بالرواية خاصة طالبه املؤمتنني‪.‬‬
‫ومما يدل أيضا علي حتريه وتثبته اشتمال املوطأ علي كثري من األسانيد اليت حكم هبا احملدثون بَّأهنّا أصح األسانيد منها‪ :‬الزهري‬
‫عن سامل عن ابن عمر وهو أصح األسانيد عند أمحد واسحاق بن راهويه ‪ ،‬ومالك عن نافع عن ابن عمر ‪ ،‬وهي عند البخاري‬
‫تسمى سلسلة الذهب‪ .‬وكان اإلمام مالك يقول ‪ ":‬إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم‪ ،‬لقد أدركت سبعين‬
‫ممن قال يقول رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عند هذه األساطين وأشار الى المسجد فما أخذت عنهم "‪.‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬منهجه في كتابه الموطأ‪.‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬التعريف بكتابه الموطأ و مكانته العلمية‬
‫معنى كلمة الموطأ يف اللغة كما يقول ابن فارس‪ :‬كلمة تدل علي متهيد الشيء وتسهيله‪ ،‬ويقول السيوطي‪ :‬قال أبو عبد‬
‫اهلل حممد بن إبراهيم الكتاين األصبهاين ‪ :‬قلت أليب حامت الرازي موطأ مالك مل مسَّي موطأ ؟ فقال ‪ :‬شيء قد صنَّفه ووطاه للنَّاس‬
‫حيت قيل ‪ :‬موطأ مالك‪ ،‬وقال مالك‪ :‬عرضت كتايب هذا علي سبعني فقيهاً من فقهاء املدينة فكلهم واطأين عليه فسميته‬
‫املوطأ ‪،‬وقال ابن فهد‪ :‬مل يسبق مالكاً أحد إيل هذه التسمية‪ ،‬فإن ممن ألف يف زمانه بعضهم مسي باجلامع وبعضهم باملصنف‬
‫وبعضهم باملؤلف ولفظة املوطأ مبعىن املمهد املنقح‪.‬‬
‫البواعث على تأليف كتاب "الموطأ"‪ :‬يُعزى السبب يف تأليف الكتاب هو استجابة لرغبة اخلليفة أيب جعفر املنصور الذي‬
‫طلب منه تدوينه‪ ،‬فقد ذكر ابن أيب حامت بسنده عن خالد بن نزار قال‪(:‬بعث أبو جعفر إىل مالك حني قدم املدينة فقال له‪(:‬إ ّن‬
‫ضع املوطأ‪.‬‬
‫َفو َ‬
‫الناس قد اختلفوا بالعراق‪ ،‬فضع للناس كتاباً جنمعهم عليه) َ‬
‫مكانة كتاب الموطأ العلمية‪:‬‬
‫من أعظم الكتب وأجلّها‪ ،‬فهو أصل كتب السنة املصنفة ‪ :‬قال أبو بكر العريب ‪ :‬الموطأ هو األصل األول واللباب ‪،‬‬
‫وكتاب البخاري هو األصل الثاين يف هذا الباب‪ ،‬وعليها بين اجلميع كمسلم والرتمذي‪ ،‬ولعلَّه قصد باألصل األول فضل السبق‬
‫واجلودة واحملاكاة له‪ ،‬وَّإال فإن صحيح البخاري قد جتاوز القنطرة‪ ،‬وقد اتفق السواد األعظم على ذلك‪َّ .‬أما املوطأ فقد درج‬
‫العلماء وطالب العلم منذ تأليفه على العمل به واالجتهاد يف روايته ودرايته واالعتناء بشرح مشكالته ومعضالتهـ ‪ ،‬واالهتمام‬
‫باستنباط معانيه ‪ ،‬ومن تتبع املذاهب ُورزق اإلنصاف فيه َعلِم ال حمالة أن الموطأ عُدة مذهب مالك وأساسه ‪ ،‬وعُمدة مذهب‬
‫الشافعي وأمحد ‪ ،‬ومصباح مذهب أيب حنيفة ‪ ،‬وهذه املذاهب بالنسبة للموطأ كالشروح للمتون ‪ ،‬وهو مبنزلة الدوحة للغصون(‪.‬‬

‫فلذلك أثني عليه االئمة االعالم الذين عاصروا مالكاً ومن بعده‪ ،‬كعبد الرمحن بن مهدي الذي قال ‪" :‬ما كتاب بعد كتاب‬
‫اهلل أنفع للناس من الموطأ"‪ ،‬وعبد اهلل بن وهب الذي قال ‪" :‬من كتب موطأ مالك فال عليه أن ال يكتب من الحالل‬
‫والحرام شيئاً"‬
‫وقد كثرت حوله الدراسات رواية ودراية وشرحاً وتفصيالً ‪ ،‬قال القاضي عياض‪" :‬لم يعتن بكتاب من كتب الفقه والحديث‬
‫اعتناء النَّاس بالموطأ"‪ ،‬فإن املوافق واملخالف أمجع علي تقدمْي ه وتفضيله‪ ،‬ومن أجل الكتب اليت اعتنت باملوطأ التمهيد‬
‫واالستذكار أليب عمر بن عبد الرب‪ ،‬هذا وقد امتاز املوطأ عن كثري من كتب السنَّة واحلديث بأنَّه أورد كثيراً من أقوال‬
‫الصحابة والتابعين التي تبين المقصود من األحاديث المرفوعة للنبي صلي اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وتحري فيه القوي من حديث‬
‫أهل الحجاز ومزجه بأقوال الصحابة وفتاويـ التابعين ومن بعدهم‪ ،‬وقد جمع مالك كتابه هذا في نحو أربعين سنة‪ .‬فلذا‬
‫أقبل عليه النَّاس من البلدان وبقاع األرض رواية ‪ ،‬فرواه عن مالك اجلم الغفري والعدد الكثري‪.‬‬
‫المطهرة‬
‫ّ‬ ‫السنَّة‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬مرتبته بين كتب ُّ‬
‫بعده‪ ،‬فكانوا فَِرقاً‪:‬‬
‫الصحيحة الَّيت ُألِّفت َ‬
‫اختلف العلماء يف ذلك نتيجة الختالفهم يف أحاديثه بالنَّظر إىل املؤلَّفات َّ‬
‫العريب ومجهور املالكية و منهم القائلون بمساواة‬‫وابن ّ‬
‫الرب ُ‬
‫ابن عبد ِّ‬‫الصحيحين‪ :‬ذهب اليه ُ‬ ‫فمنهم القائلون بتقديمه على َّ‬
‫السنَّة لثبوت تواثرها وإمجاع األمة على قبوهلا‬ ‫الصحيحني يف الطَّبقة األوىل بني كتب ُّ‬ ‫الموطَّأ َّ‬
‫للصحيحين‪ :‬وهؤالء جعلُوه مع َّ‬
‫والعمل هبا‬
‫الصحيحين مباشر ًة‪ :‬وهو رأي مجهور احملدِّثني قدمياً‬‫الصحيحين‪ ،‬و منهم من َج َعله بعد َّ‬ ‫و منهم القائلون بتأخُّر مرتبته عن مرتبة َّ‬
‫وحديثاً ودليل هؤالء ميثله أمران‪:‬‬
‫جردا كتابيهما للحديث الصحيح ومل يقصدا املعلّقات واآلثار‪ ،‬أما املوطَّأ ففيه املرسل واملنقطع والبالغ‪ ،‬وقد‬ ‫أ ـ َّ‬
‫أن الشَّيخني َّ‬
‫مالك لالستدالل إضافةً إىل رأيه‪.‬‬
‫وضعها ٌ‬
‫خاص باألحكام‪ ،‬وفيه‬‫صرا على كتاب األحكام‪ ،‬بينما الموطَّأ ٌّ‬ ‫ب ـ أهَّن ما اشتمال على أنواع كتب احلديث الثَّمانية ومل يقتَ ِ‬
‫َ‬
‫خصص هلا مؤلّفه كتاباً مسَّاه "كتاب اجلامع"‪.‬‬
‫أشياء جامعةٌ َّ‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬روايات الموطإ وأصحابها‬
‫املشهور من روايات املوطأ يف هذا العصر تسع روايات بعضها مطبوع متداول‪ ،‬وبعضها ال يزال خمطوطاً يف مكتبات العامل‪.‬‬
‫األولى‪ /‬رواية علي بن زياد العبسي التونسي (‪183‬هـ)‬
‫وصلت إلينا روايته للموطأ عن طريق تلميذه سحنون بن سعيد اإلمام املشهور‪ .‬طبعت قطعة منها حقَّقها الشيخ الشاذيل النيفر‬
‫رمحه اهلل ـ ونشرت ّأوالً يف تونس‪ ،‬مث نشرهتا دار الغرب اإلسالمي يف طبعاهتا الالّحقة منذ سنة ‪1980‬م‪.‬‬
‫الثانية‪ /‬رواية محمد بن الحسن الشيباني الكوفي (‪189‬هـ)‪ :‬وهي الثانية يف عصرنا من حيث االنتشار واالشتهار واهتمام الشراح‬
‫خصوصاً احلنفية منهم‪.‬‬
‫الثالثة‪ /‬رواية عبد الرحمن بن القاسم العتقي المصري (‪191‬هـ)‪:‬‬
‫الرابعة ‪ /‬رواية عبد اهلل بن وهب القرشيـ المصري (‪197‬هـ)‪:‬‬
‫الخامسة‪ /‬رواية عبد اهلل بن مسلمة القعنبي المدني (‪221‬هـ)‪:‬‬
‫السادسة‪ /‬رواية يحيى بن بكير المخزومي المصري (‪231‬هـ)‪:‬‬
‫السابعة ‪ /‬رواية سويد بن سعيد الحدثاني األنباري (‪240‬هـ)‪:‬‬
‫الثامن‪ /‬رواية أبي مصعب الزهري المدني (‪242‬هـ) ‪:‬وتُ ُّ‬
‫عد هذه الرواية من الروايات األخرية‪ ،‬إن مل نقل آخرها عن مالك رمحه اهلل؛‬
‫ألن أبا مصعبـ من طبقة صغار تالميذه و الزمه حىت مات رمحه اهلل‪.‬‬
‫التاسعة‪ /‬رواية يحيى بن يحيى اللَّيثي األندلسي (‪234‬هـ)(الرواية المعتمدة)‬
‫أخذ عن مالك املوطأ وروى عنه ألف حديث من غري حديث املوطأ‪ ،‬ويرجع إليه الفضل يف تثبيت مذهب مالك رمحه اهلل‬
‫يف األندلس وظل راويها ومفتيها على مذهب مالك‪ ،‬وخلّف وراءهُ كوكبة من علماء األندلس انتفعوا به وبعلمه‪ .‬وتعد هذه الرواية‬
‫عنوان املوطأ إذا أطلِق‪.‬‬
‫و تختص هذه الرواية بأمور‪:‬‬
‫‪1‬ـ أهنا أشهر رواية للموطأ ذكراً‪ ،‬وأجلّها قدراً‪ ،‬وأعظمها اعتناءً بني الناس‪ ،‬وهي املقصودةـ عند إطالق لفظ املوطأ‪.‬‬
‫الزهري؛ َّ‬
‫ألن آخر‬ ‫آخرها‪ ،‬إذا استُثنيت رواية أيب مصعب ُّ‬
‫‪ 2‬ـ أهّن ا من آخر الروايات اليت عُرضت على اإلمام‪ ،‬إن مل تكن َ‬
‫الصورة األخرية اليت ارتضاها اإلمام لكتابه‪.‬‬
‫السماع أرجح وأوثق‪ ،‬وهي اليت مُت ثِّل ُّ‬
‫‪ 3‬ـ متتاز عن سائر الروايات عدا رواية أيب مصعب باحتوائها على الكثري من أقوال مالك وفتاواه وأجوبته على املسائل‪ ،‬اليت‬
‫كانت تطرح عليه أثناء عرض املوطأ‪ ،‬وقد بلغت حنو ثالثة آالف مسألة‪.‬‬
‫ـ ـ مالحظات مهمة حول أسباب االختالف بين روايات الموطإ‪:‬‬
‫والذي يظهر َّ‬
‫أن سبب وقوع تلك االختالفات بني روايات املوطأ يرجع إىل أمور‪:‬‬
‫األول‪ :‬اختالف األوقات واألزمنة اليت أخذ فيها الرواة الكتاب عن اإلمام مالك رمحه اهلل‪ ،‬فرواة الطَّبقة األوىل كعلي بن زياد‬
‫ختتلف رواياهتم بعض الشيء عن روايات من بعدهم كمحمد بن احلسن وطبقته‪ ،‬وخيتلف هؤالء يف رواياهتم عمن تأخر كيحىي‬
‫الليثي وأيب مصعب واحلدثاين وطبقتهم‪.‬‬
‫الرواية باملعىن ‪ ،‬ولعل كتاب املوطأ من األمثلة الواضحة على رواية احلديث باملعىن بني خمتلف الروايات‪ ،‬وعلل‬
‫الثاين‪ :‬جواز ِّ‬
‫السماع‪.‬‬
‫بعضهم ذلك باختالفهم يف سرعة الكتابة أو التم ّكن من َّ‬
‫الثالث‪ :‬عدم التقيّد بوجه واحد يف القراءة إذ كان اإلمام مالك رمحه اهلل يوافق على ما خيتاره الطالب ويتَّفقون عليه من درس‬
‫آلخر‪.‬‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬أهم شروح الموطأ خاصة شروح رواية يحيى بن يحيى الليثي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ التمهيد ملا يف املوطأ من املعاين واألسانيد ‪ .‬ليوسف بن عبد اهلل بن عبد الرب(‪463‬هـ) ‪.‬‬
‫‪ ‬قال فيه ابن حزم ‪( :‬ال أعلم يف الكالم عن فقه احلديث مثله فكيف أحسن منه) ‪.‬‬
‫تضمنه املوطأ من معاين الرأي واآلثار‪  .‬فتوسع يف الرواة‬
‫‪ 2‬ـ االستذكار اجلامع ملذاهب فقهاء األمصار وعلماء األقطار فيما َّ‬
‫وأقوال العلماء ‪ ،‬إذ التمهيد على ترتيب الشيوخ ‪  ،‬وكتاب االستذكار‪  ‬على طريقة األبواب الفقهية ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ المنتقى شرح موطأ اإلمام مالك؛ للقاضي أيب الوليد سليمان بن خلف الباجي(‪474‬هـ) ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ المسالك يف شرح موطأ مالك للقاضي أيب بكر حممد بن عبد اهلل بن العريب(‪543‬هـ) ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ تنوير احلوالك شرح موطأ مالك للسيوطي(‪911‬هـ) ‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ شرح املوطأ للعالمة حممد بن عبد الباقي الزرقاين (‪1122‬هـ) ‪.‬‬
‫المطلب الخامس ‪ :‬منهجه في تصنيف الموطأ ‪.‬‬
‫صنف االمام مالك كتابه املوطأ علي غرار ما صنع الفقهاء يف كتبهم‪ ،‬أو أقرب ما يكون إىل ذلك‪ ،‬مع شيء من املخالفة‪ ،‬ومل‬
‫يتقيد فيه باألحاديث املرفوعة اىل رسول اهلل صلي اهلل عليه وسلم‪ ،‬بل مجع فيه أيضاً اقوال الصحابة وفتاويهم وفتاوي التابعني‪،‬‬
‫فيذكر يف مقدمة الباب ما ورد فيه من حديث رسول اهلل صلي اهلل عليه وسلم‪ ،‬مث أقوال الصحابة‪ ،‬مث ما ورد من فتاوي‬
‫التابعني‪ ،‬وأحياناً يذكر العمل اجملمع عليه باملدينة‪ ،‬فيذكر بعض اآلراء الفقهية‪ ،‬مث فتاوي مالك فيما سئل عنه وقوله فيما يفهم‬
‫من احلديث‪.‬‬
‫وعليه أن ما حواه املوطأ علي حسب الرتتيب اآليت‪:‬‬
‫‪ .1‬أحاديث رسول اهلل صلي اهلل عليه وسلم بأسانيد متصلة‪ ،‬وهي جل أحاديث الكتاب‪.‬‬
‫‪.2‬أحاديث مروية بسند سقط منه راو أو أكثر‪ ،‬ويدخل فيها املرسل وهو ما سقط من سنده الصحايب‪.‬‬
‫‪. 3‬أحاديث يبلغ يف سندها اىل ذكر الصحايب وال يذكر فيها أنَّه مسع رسول اهلل صلي اهلل عليه وسلم وهي املوقوفات‪.‬‬
‫‪ .4‬البالغات وهي قول مالك ‪ :‬بلغين أن رسول اهلل صلي اهلل عليه وسلم قال كذا‪...‬‬
‫‪ .5‬أقوال التابعني‪ ،‬وقول التابعي هو اخلرب املقطوع عند أهل احلديث‪.‬‬
‫‪.6‬ما استنبطه من الفقه املسند إىل العمل أو اىل القياس أو قواعد الشريعة‪.‬‬
‫‪.7‬األمر اجملمع عليه‪ :‬ما اجتمع عليه قول أهل الفقه والعلم ومل خيتلفوا وجرت به األحكام‪ِ ،‬‬
‫وعرفه اجلاهل والعامل‪.‬‬

‫خالصة منهج اإلمام مالك في الموطإ‪:‬‬


‫أهم احملاور املنهجيَّة اليت سلكها مالك رمحه اهلل تعاىل يف وقت مب ّكر من تاريخ اجلمع والتأليف وتصنيف العلوم‪ ،‬حيث‬ ‫إن ّ‬
‫مجع يف مصنّفه بني صناعيت احلديث والفقه معاً‪ ،‬إذ روى احلديث باألسانيد اليت اجتهد يف متحيصها وتنخيلها ومتييز صحيحها‬
‫من سقيمها‪ ،‬ورتّب األدلة ترتيباً أصولياً بعد انتقائها خلدمة املعىن الفقهي والعملي املراد من مؤلَّفه‪ ،‬وأشبع األبواب باملسائل‬
‫سؤال ُم ٍ‬
‫شكل‪ ،‬مشرياً يف الكثري منها إىل دالئلها اليت‬ ‫الفقهية املتعلّقة هبا‪ ،‬وذلك إما تفريعاً من األدلة املذكورة أو إجابة على ٍ‬
‫مدة يف الكتاب‪ ،‬ومل يَغ ُفل يف أثناء ذلك ُكلِّه عن بيان كلمة أو تفسري حديث أو مجع بني حديثني‬ ‫اجتهد يف طلبها لتكون العُ َ‬
‫يدل على التأصيل ملدرسة فقهية أصوهلا ثابتة تنهج يف ذلك هنج السابقني من الصحابة‬ ‫يظهر بينهما االختالف والتعارض‪ ،‬مما ّ‬
‫بسنَّتهم يف االعتقاد والقول والعمل‪ ،‬وهو ما متَّ التلميح والتَّلويح إليه يف مسلك االتّباع‬
‫والتابعني ومن اهتدى هبديهم واسنت ُ‬
‫الذي كان ِم َيز ًة ظاهر ًة يف معامل إمامة مالك ومناحي االجتهاد عنده رمحه اهلل تعاىل‪.‬‬

‫الحمد هلل الذي بنعمته تتم الصالحات والصالة والسالم علي نبي الرحمات وآله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫المراجع المعتمدة‬
‫اإلمام مالك ومنهجه في الموطأ‪ .‬د‪ .‬عبدالعظيم الدخري ‪ ،‬د‪ .‬عمر سليمان‪ ،‬المنشور في مجلة الحجاز العالمية المحكمة للدراسات اإلسالمية والعربية ‪129‬‬ ‫‪)1‬‬
‫العدد الثامن – شوال ‪3415‬هـ ‪ /‬أغسطس ‪4134‬م‪.‬‬
‫اإلمام مالك وكتابه الموطأ ‪ ،‬أ‪ .‬محمد مبروك ‪ ،‬كلية أصول الدين جامعة وهران الجزائر‬ ‫‪)2‬‬

You might also like