You are on page 1of 6

‫أمن غذائي‬

‫األمن الغذائي العربي‪:‬‬


‫أزمة الحاضر ومعضلة المستقبل‬

‫د‪ .‬نزيه وفيق برقاوي‬


‫قبل �أربعة ع�شر قرناً من الزمن نبه النبي العربي ور�سول‬
‫الب�شرية جمعاء حممد بن عبداهلل �صلى اهلل عليه و �سلم‬
‫�إلى الأمن الغذائي والك�سائي بقوله» ويل لأمة ت�أكل مما ال‬
‫تزرع وتلب�س مما ال ت�صنع» ‪ .‬هذه هي احلقيقة املاثلة �أمامنا‬
‫د‪ .‬نزيه وفيق برقاوي‬
‫اليوم ن�أكل مما ال نزرع ونلب�س مما ال ن�صنع ‪.‬ولو اتبعنا هذه‬
‫الغـذائي هو‪« :‬مدى االطمئنان �إىل قدرة االقت�صاد القومي على‬ ‫الر�ؤيا النبوية ال�صادقة بالفالحة والت�صنيع وال�سعي يف‬
‫�إ�شباع االحتياجات الغذائية لل�سكان حا�ضر ًا وم�ستقب ًال ‪� ،‬سواء‬ ‫مناكب الأر�ض لكان احلال غري احلال وملا ا�ستوردنا نفايات‬
‫�أكان ذلك من خالل الإنتاج املحلي �أم من خالل القدرة على‬ ‫العامل من الغذاء والدواء والك�ساء‪.‬‬
‫اال�سترياد» ‪ .‬ويقول ‪�« :‬إن �أحد ًا ال ي�شكك يف وجود عالقة وثيقة‬ ‫ال�س َاع ُة‬
‫ويف حديث �آخر يقول امل�صطفى عليه ال�سالم « ِإ�نْ َق َام ْت َّ‬
‫وع�ضوية بني الأمن الغذائي والأمن القومي‪ .‬ولذلك ف�إن فقدان‬ ‫ا�ست ََطا َع �أَنْ اَل َي ُق َوم َح َتّى َيغ ِْر َ�س َها َف ْل َي ْف َع ْل»‬
‫َو ِب َي ِد �أَ َح ِد ُك ْم َف ِ�سي َل ٌة َف إِ�نْ ْ‬
‫الأمن الغذائي �أو �ضعفه‪ ،‬ي�شكل ثغرة خطرية يف بنيان الأمن‬ ‫‪ ...‬فال �أبلغ من هذا اخلطاب للأمة لتزرع الأر�ض وتعمرها‬
‫القومي «وكذلك �أثره الوا�ضح على ال�سلم الأهلي واال�ستقرار‬ ‫حتى قيام ال�ساعة لأن يف ذلك مكافحة لآفتي الفقر والبطالة‬
‫الوطني واالجتماعي ‪ .‬فالأمن الغذائي �شرط الزم لكل �أنواع‬ ‫اللتني تكافح الأمم بكل طاقاتها ملحاربتهما‪ ،‬ودعوة ملا ن�سميه‬
‫الأمن‪.‬‬ ‫بلغة الع�صر الآن « الأمن الغذائي »‪ .‬وقد عرف االقت�صادي‬
‫وتعرف منظمة الأغذية والزراعة «الفاو» الأمن الغذائي‬ ‫البارز املرحوم د‪ .‬رمزي زكي ‪ -‬يف درا�سته املهمة واخلطرية‬
‫ب�أنه ‪( :‬توفري الغذاء جلميع �أفراد املجتمع بالكمية والنوعية‬ ‫املعنونة «االقت�صاد العربي حتت احل�صار» قبل عقود �أن الأمـن‬

‫‪70‬‬
‫العدد ‪ 374‬الأمـن و احلـياة‬

‫تنحصر مشكلة الفجوة‬


‫الغذائية العربية بشكل رئيسي‬
‫فى أربعة عناصر هي ‪ :‬الحبوب‬
‫والسكر والزيوت واللحوم‬

‫‪71‬‬
‫أمن غذائي‬

‫الغذاء‪ ،‬مو�ضح ًا �أنها رفعت عدد الفقراء يف العامل �إىل ‪1.1‬‬ ‫الالزمتني للوفاء ب�إحتياجاتهم ب�صورة م�ستمرة من �أجل حياة‬
‫بليون �شخ�ص حتت خط اجلوع والفقر ‪ ،‬و‪ %75‬منهم �أو نحو‬ ‫�صحية قومية ون�شطة) ‪.‬‬
‫‪ 900‬مليون يعي�شون يف الريف‪.‬‬ ‫ولقد كان لأزمة الغالء العاملية التي ظهرت بوادرها يف عام‬
‫�أزمة الغذاء يف الوطن العربي‬ ‫‪ 2007‬تداعيات �سلبية اقت�صادية و�إن�سانية واجتماعية و�صحية‬
‫ويف العامل العربي ال يختلف اثنان على �أن الأمن الغذائي‬ ‫وتعليمية و�سلوكية على الدول العربية ‪،‬حيث ان هذه التاثريات‬
‫العربي مرتبط بالأمن املائي الالزم للزراعة و�إنتاج الغذاء‬ ‫قد طالت كل �شرائح املجتمع وفاقمت من تدهورم�ستوى املعي�شة‬
‫ب�أنواعه النباتي واحليواين ‪ ،‬ويرتبط بالأمن الدوائي وال�صحي‬ ‫املتدهور �أ�ص ًال ‪ ،‬وزادت من جيوب و�أحزمة الفقر التي ت�شكل‬
‫وكذلك الأمن التعليمي والثقايف لأن اجلوع يخلف املر�ض‬ ‫قنابل موقوتة قابلة للإنفجار يف �أي وقت يف املجتمعات العربية‬
‫واملعدة اخلالية ال تركز على العلم ‪ .‬وكلنا يعرف ما قاله �ألإمام‬ ‫‪ ،‬وما الأحداث ال�سيا�سية ومظاهرات اخلبز واحلراكات التي‬
‫ال�شافعي ر�ضي اهلل عنه خلادمته حني �أخربته عن نفاد الدقيق‬ ‫اندلعت منذ �أكرث من عامني يف بع�ض الدول العربية �إال دليل‬
‫من البيت « لقد كان يف ر�أ�سي �ألف م�س�ألة وم�سالة فن�سيتها « ‪.‬‬ ‫وا�ضح على هذه الإرها�صات والتداعيات والإح�سا�س باجلوع ‪.‬‬
‫هذا بالإ�ضافة �إىل ارتباطه بالأمن والأمان والإ�ستقرار وال�سلم‬ ‫وال �شك يف �أن تفاقم �أزمة الغذاء العاملية ميثل خطر ًا بالغ ًا‬
‫الأهلي والطم�أنينة الإجتماعية وبالتايل انعكا�س ذلك على‬ ‫على الب�شرية جمعاء حيث ي�ؤكد املدير العام ملنظمة الأغذية‬
‫ال�سلوك والتعامل داخل الأ�سرة و�ألأفراد واجلماعات ‪ .‬ويف هذا‬ ‫والزراعة جاك �ضيوف «�أن �أزمة اجلوع التي ت�شمل اليوم �سد�س‬
‫املقام ال بد �أن ن�ستذكر ال�صحابي اجلليل �أبو ذر الغفاري ر�ضي‬ ‫(‪ ) 6/1‬الب�شرية جمعاء �إمنا تطرح خطرا جديا على ال�سالم‬
‫اهلل عنه حني قال‪« :‬عجبت لرجل جائع ال يخرج على النا�س‬ ‫والأمن يف العامل « ‪ .‬وي�ؤكد رئي�س «�إيفاد» �أن الأزمة العاملية‬
‫ب�سيفه»‪.‬‬ ‫خلقت مزيد ًا من الأو�ضاع امل�أ�ساوية يف العامل على �صعيد‬

‫‪72‬‬
‫العدد ‪ 374‬الأمـن و احلـياة‬

‫علينا أن نعمل‬
‫جدي ًا حتى ال تكون‬
‫الكرامة العربية‬
‫مرهونة ببواخر‬
‫قمح تأتينا من وراء‬
‫البحار ‪.‬‬

‫مشكلة الغذاء العربي‬


‫وعند ا�ستعرا�ض واقع الأمن الغذائي يف الوطن العربي ومبا‬
‫متلكه العديد من دوله من موارد طبيعية وب�شرية ومالية ‪،‬‬
‫فقد ظل يعاين من م�شكلة غذائية حادة بد�أت منذ �أواخر‬
‫ال�سبعينيات حتى �أ�صبحت يف وقتنا احلا�ضر واحدة من �أخطر‬
‫املع�ضالت التي تواجه دوله برمتها‪ .‬فكمية �إنتاج الدول العربية‬
‫من املواد الغذائية ال تكفي لتغطي االحتياجات اال�ستهالكية‬
‫املحلية‪ ،‬وهو ما ي�ستدعي اللجوء �إىل اال�سترياد لتغطيتها‪.‬‬
‫حيث �إن الإنتاج العربي من الغذاء ال يكفي احتياجات �أكرث من‬
‫ثلثي �سكان املنطقة ‪ ،‬ب�سبب تفاوت املوارد الزراعية بني الدول‬
‫العربية و�ضعف الهياكل الزراعية و�ضعف اال�ستثمارات يف‬
‫جمال الزراعة و�إنتاج الغذاء و�إن�سحاب دول عربية متعددة من‬
‫دعم القطاع الزراعي وت�شجيعه مبختلف ال�سيا�سات والآليات‪.‬‬
‫الفجوة الغذائية العربية‬
‫�أو�ضحت املنظمة العربية للتنمية الزراعية �أن قيمة الفجوة‬
‫الغذائية العربية ارتفعت من نحو‪ 28‬مليار دوالر عام ‪� 2010‬إىل‬
‫نحو ‪ 34,3‬مليار دوالر عام ‪ ، 2011‬وواجه الوطن العربي يف عام‬
‫‪ 2012‬فجوة غذائية قدرت قيمتها ‪ 40‬مليار دوالر‪ .‬وقد تفوق‬

‫‪73‬‬
‫أمن غذائي‬

‫وا�ستقرار الأ�سعار يف تلك املجاالت ب�أ�سواق املنطقة‪.‬‬ ‫هذه الفجوة ‪ 71‬مليار دوالرا‪ ،‬بعد �أقل من عقدين من الزمن‪،‬‬
‫ومما يلفت النظر يف هذا املجال �أن الدول العربية التي كان‬ ‫�إذا مل تتخذ تدابري �سريعة لتنمية الزراعة والت�صنيع الغذائي‪،‬‬
‫يعول عليها �أن تكون �سالل الغذاء العربية وهما ال�صومال‬ ‫لأن عدد ال�سكان العرب �سي�صبح ‪ 545‬مليونا من ال�سكان‬
‫وال�سودان وب�شكل خا�ص ال�سودان فلم جتر رياحها كما ت�شتهي‬ ‫�إ�ضافة �إىل االرتفاع املتوا�صل يف معـدل ا�ستهالك الفرد نتيجة‬
‫ال�سفن العربية‪ .‬فال�صومال منذ اكرث من ربع قرن وهي ت�شهد‬ ‫الرتفاع معدل الدخل ‪ .‬وبح�سب التقرير االقت�صادي العربي‬
‫حروب ًا وتدمري ًا وجماعات وبالتايل خرجت من هذه الر�ؤية ‪.‬‬ ‫الذي ي�صدر عن الأمانة العامة جلامعة الدول العربية ف�إن‬
‫�أما ال�سودان فمنذ فرتة طويلة وهي ت�شهد حروب ًا و�إ�ضطرابات‬ ‫املنطقة العربية هي �أكرب ( منطقة عجز غذائية يف العامل)‪،‬‬
‫�أدت يف النهاية �إىل تق�سيمها و�سلخ اجلزء اجلنوبي منها مما‬ ‫وب�أننا ال نحقق االكتفاء الذاتي و�أن �أكرث من ‪ 80‬مليون عربي ال‬
‫افقدها – ولو يف امل�ستقبل املنظور ل�سد جزء من الغذاء العربي‪.‬‬ ‫يح�صلون على الغذاء املنا�سب وي�شكلون حوايل ‪ 25%‬من �سكان‬
‫الوطن العربي ‪.‬‬
‫وتنح�صر م�شكلة الفجوة الغذائية العربية ب�شكل رئي�سي فى‬
‫�أربعة عنا�صر هي ‪ :‬احلبوب وال�سكر والزيوت واللحوم ‪ .‬كما‬
‫يعقد هذه امل�شكلة وجود م�صادر املياه الرئي�سية العربية خارج‬
‫الوطن العربي يف دول �إفريقيا وتركيا و�إيران ‪� .‬إ�ضافة �إىل‬
‫�سيا�سات الت�صدير التي تتخذها بع�ض الدول امل�صدرة للغذاء‬
‫وخا�صة بتقنني ت�صدير القمح و�سيا�سات احل�صار على بع�ض‬
‫الدول العربية لتحقيق م�صالح �سيا�سية و�إقت�صادية معينة ‪.‬‬

‫ناهيك عن الإرتفاع املتوا�صل يف �أ�سعار الغذاء لأن دو ًال منتجة‬


‫رئي�سية للغذاء �أخذت ت�ستخدمه لإنتاج الوقود احليوي والطاقة‬
‫النظيفة‪.‬‬
‫ومن �ضمن امللفات التي ناق�شها م�ؤمتر القمة الإقت�صادي يف‬
‫الريا�ض يف �شهر كانون الثاين الفائت وينتظر تفعيلها ما بني‬
‫الدول العربية خالل الفرتة املقبلة حت�سني ورفع �إنتاجية القمح‬
‫يف الدول العربية ‪ ،‬وذلك لتغطية احتياجات الدول العربية‬

‫‪74‬‬
‫العدد ‪ 374‬الأمـن و احلـياة‬

‫والأ�سماك ‪ ،‬حيث �سيتم طرح ‪ 23‬مبادرة لإقامة م�شاريع‬ ‫حلول مقترحة‬


‫ا�ستثمارية بعدد من البلدان العربية من خالل م�شاريع الري‬ ‫ونظر ًا ملا ي�شهده الوطن العربي من �أحداث �سيا�سية وعدم‬
‫و�إ�ست�صالح مزيد من الأرا�ضي العربية وزيادة �إنتاج زيت‬ ‫�إ�ستقرار يف الدول املنتجة للغذاء كالعراق و�سوريا وم�صر ف�إن‬
‫الزيتون والتمور و�إن�شاء امل�شاريع العربية امل�شرتكة يف دول‬ ‫امل�شكلة �ستتفاقم لت�صبح مع�ضلة مزمنة والتبعـية الغذائية‬
‫امليزات الن�سبية والتناف�سية يف القطاع الزراعي واللجوء �إىل‬ ‫للخارج تتزايد‪� ،‬إذا مل تعـمد الدول العربية �إىل حتقيق قدر من‬
‫زراعة املحا�صيل التي ال ت�ستهلك املياه ال�صاحلة لل�شرب ‪،‬‬ ‫اال�ستقالل الغذائي ‪ ،‬عن طريق زيادة الإنتاج لديها من خالل‬
‫وكذلك �إ�ستغالل الأرا�ضي احلدية يف زراعة ال�شعري والأعالف‬ ‫مبادرات جدية لتوجيه قدر كاف من الإ�ستثمارات العربية �إىل‬
‫وتربية املوا�شي ‪.‬‬ ‫هذا القطاع الإ�سرتاتيجي ‪ .‬ويف ظل اخلطر املاثل لأزمة الغذاء‬
‫خالصة القول ‪ :‬علينا �أن نعمل جدي ًا حتى ال تكون‬ ‫العربية ت�سعى العديد من املبادرات العربية لتحقيق الأمن‬
‫الكرامة العربية مرهونة ببواخر قمح ت�أتينا من وراء البحار ‪.‬‬ ‫الغذائي ل�شعوب املنطقة‪ ،‬واال�ستفادة من املوارد الطبيعية‬
‫واملائية وا�ستثمار الفر�ص لزيادة الإنتاج الزراعي واحليواين‬

‫‪75‬‬

You might also like