You are on page 1of 194

‫تنسيق الكليات اإلسالمية‬

‫اسم الكلية ‪ :‬حرم الوافى الجامعى ‪ ,‬كالكاو‬


‫‪ :‬شريعة اإلسالمية‬ ‫القسم‬
‫الشعبة ‪ :‬فقه األسرة‬

‫فلسفة التشريع في اإلسالم والمسيحية والهندوسية (دراسة مقارنة)‬


‫تتميما لمتطلبات شهادة الماجستير)‬
‫(رسالة مقدمة ً‬

‫اسم الباحث ‪ :‬محمد ‪.‬ت‪ .‬س‬

‫رقم التنسيق‪4224 :‬‬

‫اسم المشرف ‪ :‬محمد محسن الوافي‬

‫‪2021‬‬
‫تصريح الباحث‬

‫أصرح بأن هذه األطروحة بعنوان " فلسفة التشريع في اإلسالم‬


‫أنا محمد ‪.‬ت‪.‬س رقم التنسيق‪ِّ 4224 :‬‬

‫والمسيحية والهندوسية (دراسة مقارنة) " التي أقدمها إلى تنسيق الكليات اإلسالمية ً‬
‫تتميما لمتطلبات شهادة‬

‫الماجستير‪ ،‬هي نسخة أصلية مستقلة لم يسبق تقديمها أو نشرها أو إصدارها في أي مكان ‪ -‬حد علمي ‪ -‬ألية‬

‫شهادة أومنحة جامعية أو نحوها من األغراض‪.‬‬

‫اسم وتوقيع الباحث‪ :‬محمد ‪.‬ت‪.‬س‬


‫التاريخ‪:‬‬
‫رقم التنسيق‪4224 :‬‬
‫رقم التلفون‪8086637963 :‬‬
‫البريد اإللكتروني‪muhammedtcoffcial.com:‬‬
‫العنوان البريدي‪Thazhe Cheruvatta :‬‬
‫‪Edacheri‬‬
‫‪Po;Edacheri, 673502‬‬

‫‪For Office Use Only‬‬


‫‪Checked & verified the Final Copy of Dissertation by the Valuator:‬‬
‫‪Name & Sign:‬‬
‫شهادة المشرف‬

‫بموجب هذا أشهد بأن هذه الرسالة بعنوان " " فلسفة التشريع في اإلسالم والمسيحية والهندوسية (دراسة‬

‫مقارنة) " التي قدمها الباحث محمد ‪.‬ت‪.‬س تم إعدادها تحت إشرافي قرأت هذه األطروحة‪ ،‬وأنها تطابق ‪ -‬حد‬

‫تتميما لمتطلبات شهادة‬


‫علمي ‪ -‬المعايير المقبولة لعرض البحوث العلمية‪ ،‬وتامة األهمية والجيادة‪ ،‬وصالحة لتقديمها ً‬
‫الماجستير من تنسيق الكليات اإلسالمية‪.‬‬

‫اسم وتوقيع المشرف‪ :‬محمد محسن الوافي‬


‫التاريخ‪:‬‬

‫شهادة رئيس القسم‬

‫أشهد بأن هذه الرسالة بعنوان " " فلسفة التشريع في اإلسالم والمسيحية والهندوسية (دراسة مقارنة) " "‬

‫تتميما لمتطلبات شهادة الماجستير من تنسيق الكليات اإلسالمية‪.‬‬


‫قد قدمت من الباحث محمد ‪.‬ت‪.‬س ً‬
‫اسم وتوقيع رئيس القسم‪:‬‬
‫التاريخ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫تنسيق الكليات اإلسالمية‪ ،‬كيراال‪ ،‬الهند‬
‫إعالن حقوق الطبع والنشر والتأكيد على االستخدام العادل لبحث غير منشور‬
‫حقوق الطبع والنشر© ‪ 2020‬من قبل الباحث محمد ‪.‬ت‪.‬س‬
‫جميع الحقوق محفوظة‪.‬‬

‫فلسفة التشريع في االسالم والمسيحية والهندوسية (دراسة مقارنة)‬


‫ال يجوز إعادة طبع هذه األطروحة كليًا أو جزئيًا أو خزنه في أي نظام لخزن المعلومات واسترجاعها أو نقله على هيئة‬
‫تسجيال أو الترجمة ألي لةة أخر أو تحويله إلى‬
‫ً‬ ‫استنساخا أو‬
‫ً‬ ‫أو بأية وسيلة سواء كانت إلكترونية أو ميكانيكية أو‬
‫عمل إذاعي أو مرئي أو غيرها من دون إذن خطي مسبق من أصحاب الحق الشرعي إال على النحو المنصوص عليه‬
‫أدناه‪:‬‬
‫‪ ‬أي من المواد الواردة في هذا البحث الةير المنشور أو المشتقة منه يكون استخدامها من قبل اآلخرين في‬
‫كتاباتهم مع اإلقرار من المسؤوليين فقط‪.‬‬
‫‪ ‬تنسيق الكليات اإلسالمية أو مكتبته لها الحق في تقديم النسخ (المطبوعة أو اإللكترونية) والمعاملة بها‬
‫لألغراض المؤسسية واألكاديمية‪.‬‬
‫‪ ‬مكتبة تنسيق الكليات اإلسالمية لها الحق في تخزينه في الكمبيوتر وتوفير نسخ من هذا البحث الةير‬
‫المنشور إذا طلبت من الجامعات األخر والمكتبات البحثية‪.‬‬

‫اسم وتوقيع الباحث‪ :‬محمد ‪.‬ت‪.‬س‬


‫التاريخ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫إهداء‬

‫‪ ‬إلى روح سيدنا محمد معلم اإلنسانية األول‬

‫الدي أمد االله في عمرهما‬


‫‪ ‬إلى و َّ‬

‫‪ ‬إلى أساتذتي الكرام ومعلمي األفاضل‬

‫‪ ‬إلى إخوتي وأخواتي الكرام‬

‫‪ ‬متعهم االله جميعاً بالصحة والسعادة‬

‫‪4‬‬
‫الشكر والتقدير‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫"رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك فى عبادك‬

‫الصالحين"‬

‫وأشكر الله أوال على توفيقه وإمتنانه وأتوجه بالحمد والشكر والثناء الجميل لمنة غلي بإتمام هذه الرسالة بفضله‪.‬وأتقدم‬

‫بوافر الشكر الجزيل وخالص التقديم وعظيم اإلمتنان إلى صاحب الفضيلة األستاذ محمد محسن الوافي وحفظه الله‬

‫وجزاه كل الجزاء على إرشاده تلميذه هذا المسكين‪.‬وأتوجه أيضا بجزيل الشكر والتقدير إلى األساتذة فى حرم الوافى‬

‫الجامعى بكالكاو ‪ ,‬كيرال ‪,‬الهند‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫اك َعلَ ٰى َش ِّر َيع ٍة ِّم َن‬ ‫ثُ َّم َج َع ْلنَ َ‬
‫ْاأل َْم ِّر فَاتَّبِّ ْع َها َوَال تَتَّبِّ ْع أ َْه َو َاء‬
‫ين َال يَ ْعلَ ُمو َن‬ ‫الَّ ِّ‬
‫ذ‬
‫َ‬

‫‪6‬‬
‫ملخص البحث‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه‬

‫وعترته والصالحين أجمعين‪.‬‬

‫أما بعد‪,‬‬

‫فإن الموضوع الذي عينت لجنة البحوث لتنسيق الكليات اإلسالمية لرسالة ماجستير الموضوع " فلسفة التشريع في‬

‫االسالم والمسيحية والهندوسية (دراسة مقارنة) " ‪ .‬وتنقسم هذه الرسالة إلى ثالثة فصول مع التمهيد عن تعريف‬

‫التشريع ومعناه‪ .‬والفصل األول فهو يحتوي على "فلسفة التشريع االسالمي ومصادره"‪ ،‬ويتضمن الفصل األول على‬

‫مبحثين‪ .‬وأما المبحث األول فهو "مصادر التشريع االسالمي"‪ ،‬والثاني "فلسفة التشريع اإلسالمي"‪ .‬والفصل الثاني‬

‫يبحث عن "فلسفة التشريع الهندوسي ومصادره" ويتركز على ثالثة مباحث وأما المبحث األول على "الديانة الهندوسية‬

‫والتشريع فيها" والثانى على مصادر التشريع الهندوسي‪ ،‬والثالث على فلسفة التشريع الهندوسي‪.‬ويترتب بعدها الفصل‬

‫الثالث يبحث عن "فلسفة التشريع المسيحي ومصادره"‪ ،‬ويتركز على ثالثة مباحث وأما المبحث األول على " الديانة‬

‫المسيحية والتشريع فيها" والثانى على " مصادر التشريع المسيحي" والثالث على فلسفة التشريع المسيحي‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫المقدمة‬

‫الحمد لله رب العالمين ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا من سيئات اعمالنا من يهده فال مضل له ومن‬

‫يضلل فال هادي له وأشهد أن ال إله إال الله وحده ال شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد‪:‬‬

‫فإني اقدم إليكم رسالتي هذه بمشيئة الله عز وجل حول العنوان " فلسفة التشريع في االسالم والمسيحية‬

‫والهندوسية (دراسة مقارنة) "‪.‬‬

‫ينشأ ويترعرع يوما بعد يوم عديد من النظريات والتيارات الفكرية والدينية وهي تجذب الناس باالفكار المفيد ظاهرها‬

‫بتوافقها مع عقولهم المحددة‪ .‬الحقيقة أن الديانات التي توجد في العالم لها قوانين دينية مختصة بوجه ما رغم أنها‬

‫ليست بمكمالة‪ .‬أما االسالم وشريعته فهو الذي وحده يفصل كيفية الحياة البشرية الكاملة‪ .‬وهذا البحث يحاول أن‬

‫يتناول النقاش حول حكمة التشريع االسالمي ويقارنه بالتشريع الهندوسي والتشريع المسيحي‪ ،‬وذلك ليثبت كل من‬

‫يرغب في معرفة الحق مزية هذا التشريع اإلسالمي وفضله على ذلك التشريع المسيحي والهندوسي ومدی نقصان ذلك‬

‫للتطبيق‪ .‬والله سبحانه أسأل التوفيق مع الرجاء من أن هذا يستفاد منه لمعرفة التشريع اإلسالمي بحقه بالمقارنة مع‬

‫التشريع المسيحي والهندوسي‪.......‬‬

‫‪8‬‬
‫أهمية البحث‬

‫• االتقان بكمالية الشريعة االسالمية وتطبيقها الواقعي في حياة الفرد والمجتمع‬

‫• التعريف بدقائق مقاصد التشريع ألجل التشمير للعمل بعلمها‪.‬‬

‫• البحث عن القوانين التي تشارك اإلسالم فيها الديانات الهندوسية والمسيحية‪.‬‬

‫أهداف البحث‬

‫• االلمام بشمولية الشريعة االسالمية بالبحث عما يتعلق بها من األصول والفروع‪.‬‬

‫• التعرف على ما تحافظ عليها الديانات الهندوسية والمسيحية من التشريع والقوانين ومدى تأثيرها في أصحابها‪.‬‬

‫• المقارنة بين فلسفة التشريع اإلسالمي مع فلسفة التشريع الهندوسي والمسيحي‪.‬‬

‫• اإلثبات بأن التشريع الكامل مقوم أساسي من مقومات المجتمع فال يخلو أي مجتمع عن قوانين تضبط نظامه‪.‬‬

‫الدراسة السابقة‬

‫قد تمت الدراسة عن فلسفة التشريع اإلسالمي ومدى مساهمتها تجاه علم القانون المعاصر لالستاذ الدكتور عالء‬

‫الدين خروفة‪ .‬وفي هذا البحث أقوم بالمقارنة بين فلسفة التشريع اإلسالمي وفلسفة التشريع الهندوسي والمسيحي دراسة‬

‫مستقلة‪. .‬‬

‫‪9‬‬
‫خطة البحث‬
‫‪ :‬تعريف التشريع ومعناه‬ ‫التمهيد‬

‫الفصل األول ‪ :‬فلسفة التشريع اإلسالمي و مصادره‬

‫المبحث األول ‪ :‬مصادر التشريع اإلسالمي‬

‫‪ :‬القرآن‬

‫‪:‬السنة‬

‫‪:‬اإلجماع‬

‫‪ :‬القياس‬

‫‪:‬االستحسان‬

‫‪:‬العرف‬

‫‪:‬سد الذرائع‬

‫‪:‬المصالح المرسلة‬

‫‪:‬االستصحاب‬

‫‪:‬شرع من قبلنا‬

‫‪:‬قول الصحابي‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬فلسفة التشريع اإلسالمي‬

‫‪:‬العدالة‬

‫‪01‬‬
‫‪:‬التدرج‬

‫‪:‬العالمية‬

‫‪:‬السهولة‬

‫الفصل الثاني ‪ :‬فلسفة التشريع الهندوسي ومصادره‬

‫المبحث األول ‪ :‬الديانة الهندوسية والتشريع فيها‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬مصادر التشريع الهندوسي‬

‫‪:‬شروتي‪-:‬‬
‫‪:‬الفيدات‬
‫‪:‬ياجور ويدا‬
‫‪:‬الريج ويدا‬
‫‪:‬ساما ويدا‬
‫‪:‬آثار ويدا‬
‫‪:‬البهاغافاد كيتا‬
‫‪:‬سمريتي‪-:‬‬

‫‪:‬فيدانغات‬
‫‪:‬دهرما شاسترا‬
‫‪:‬قوانين مانوسمريتي‬
‫‪:‬المالحم‬
‫‪:‬راماين‬
‫‪:‬مهابهارتا‬
‫‪:‬آغامانغال‬
‫‪:‬بوراناس‬

‫المبحث الثالث ‪ :‬فلسفة التشريع الهندوسي‬

‫‪00‬‬
‫‪ :‬حفظ الضروريات الخمس‬

‫الفصل الثالث ‪ :‬فلسفة التشريع المسيحي ومصادره‬

‫المبحث األول ‪ :‬الديانة المسيحية و التشريع فيها‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬مصادر التشريع المسيحي‬

‫‪:‬الكتاب المقدس‬

‫‪:‬قوانين الرسل‬

‫‪:‬المجامع تعاليم‬

‫‪:‬آباء الكنيسة‬

‫‪:‬التقاليد المسيحية‬

‫المبحث الثالث ‪ :‬فلسفة التشريع المسيحي‬

‫‪01‬‬
‫التمهيد‪ :‬تعريف التشريع ومعناه‬

‫الفصل األول‬

‫فلسفة التشريع اإلسالمي ومصادره‬


‫المبحث االول‪:‬‬
‫مصادر التشريع اإلسالمي‬
‫القرآن‬
‫السنة‬
‫اإلجماع‬
‫القياس‬
‫اإلستحسان‬
‫المصالح المرسلة‬
‫سد الذرائع‬
‫قول الصحابي‬
‫العرف‬
‫شرع من قبلنا‬
‫اإلستصحاب‬
‫المبحث الثاني‪:‬‬
‫فلسفة التشريع اإلسالمي‬
‫العدالة‬
‫التدرج‬
‫العالمية‬
‫السهولة‬

‫‪13‬‬
‫التمهيد‪ :‬تعريف التشريع ومعناه‪:‬‬
‫معنى التشريع ‪ :‬التشريع مصدر شرع‪ ،‬بتشديد الراء ؛ مضعف شرع‪ ،‬بتخفيفها ‪ .‬مأخوذ من الشريعة‪ ،‬وقد وردت في اللغة‬

‫بمعنيين‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫أحدهما ‪ :‬الطريقة المستقيمة ومنه قوله تعالى‪ { :‬ثم جعلناك على شريعة من األمر فاتبعها }‬

‫والثاني ‪ :‬مورد الماء الجاري الذي يقصد للشرب‪ ،‬ومنه قولهم ‪ :‬شرعت اإلبل‪ ،‬إذا وردت شريعة الماء‪ .‬ثم أطلق لفظ‬

‫الشريعة في لسان الفقهاء على األحكام التي سنها الله لعباده ليكونوا مؤمنين عاملين على ما يسعدهم في الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫وسميت هذه األحكام شريعة ؛ ألنها مستقيمة محكمة الوضع‪ ،‬ال ينحرف نظامها‪ ،‬وال تلتوي عن مقصدها کالجادة‬

‫المستقيمة‪ ،‬ال التواء فيها‪ ،‬وال اعوجاج‪ ،‬وألنها شبيهة بمورد الماء ‪ ،‬من قبل أنها سبيل الى حياة النفوس وغذاء العقول‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫كما أن مورد الماء سبيل إلى حياة األبدان‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫في القاموس المحيط التشريع‪ :‬إيراد اإلبل شريعة اليحتاج معها إلى نزع بالعلق‪ ،‬والسقي في الحوض‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫ويقال‪ :‬شرع لهم‪،‬أي‪:‬سن لهم‪.‬‬

‫وفي المصباح المنير‪" :‬الشرعة‪ :‬بالكسر الدين‪ ،‬والشرع والشريعة مثله‪ :‬مأخوذة من الشريعة وهي مورد الناس لالستقاء‪،‬‬
‫‪5‬‬
‫وسميت بذلك لوضوحها وظهورها‪ ،‬وجمعها شرائع‪ ،‬وشرع الله لنا كذا يشرعه‪ :‬أظهره وأوضحه"‪.‬‬

‫اصطالحا‪:‬‬

‫‪1‬سورة الجاثية ‪81‬‬


‫‪ 2‬تاريخ الفقه االسالمي‪ :‬محمد علي السايس‪ ،‬دار الكتب العلمية بيروت‪ ،‬لبنان‪ : ،‬ص ‪.7‬‬
‫‪ 3‬القاموس المحيط‪ :‬العالمة اللغوي مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي (ت‪187/‬ۿ)‪ ، :‬مكتب تحقيق التراث في مؤسس الرسالة‪،‬مؤسسة الرسالة‪:‬‬
‫بيروت ودار الريان للتراث‪ ،‬ط ‪8047-2‬ﮬ‪ ،‬باب العين‪ ،‬فصل الشين‪ .‬ص‪.777 :‬‬
‫‪4‬القاموس المحيط‪ :‬ص ‪772‬باب العين‪،‬فصل الشين‪.‬‬
‫‪ 5‬المصباح المنير‪ :‬ألحمد بن محمد علي الفيومي المقري‪ ،‬المكتب العصرية‪ :‬بيروت‪ ،‬ط ‪ 8087-8‬ﮬ ‪،‬ص ‪.881‬‬

‫‪14‬‬
‫لم أقف على تعريف لمصطلح (التشريع) فيما اطلعت عليه من التراث الفقهي‪ ،‬مع أن المصطلح مستعمل فيه بكثرة‪ ،‬لكن‬

‫استعماله اليكاد يخرج عن أن يكون مرادفا للحكم الشرعي أو الشريعة االسالمية‪:‬‬


‫‪6‬‬
‫الحكم الشرعي‪ :‬خطاب الله تعالى المتعلق بفعل المكلف من حيث انه مكلف‪.‬‬

‫قال محمد الزحيلي‪ :‬التشريع اصطالحا لم يعرفه الفقهاء‪ ،‬وإنا عرفوا مضمونه ومحتواه‪ ،‬وهو‪ :‬الحكم الشرعي‪ ،‬فعرفه‬

‫علماء األصول بأنه‪ :‬خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين اقتضاء (طلبا) أو تخييرا‪ ،‬أو وضعا (بجعله مرتبطا بغيره‬

‫كالسبب والشرط والمانع)‪.‬‬

‫وعرفه الفقهاء بأنه‪ :‬أثر خطاب الله تعالى؛ وكال التعريفين ينصب على فعل المكلفين الذي يتعلق به حكم الله تعالى‪ .‬ثم‬

‫قال معرفا التشريع بأنه‪ :‬ما سنه الله تعالى من األحكام‪ ،‬وأوحى به إلى أنبيائه‪.7‬‬
‫‪8‬‬
‫فالتشريع‪ :‬هو اصدار األحكام وإنشاؤها و بيانها للناس للعمل بها‪ .‬وهو في األصل الشرعي حق خالص لله تعالى‪.‬‬

‫‪ 6‬حاشية البناني على جمع الجوامع‪ :‬اإلمام تاج الدين عبد الوهاب ابن السبكي‪ :‬ابناء مولوى محمد بن غالم رسول السورتي‪ ،‬تجار الكتب‪-‬الهند ‪،8‬‬
‫ص‪.04‬‬
‫‪ 7‬االعجاز القرآني في التشريع االسالمي‪ :‬د‪ .‬محمد الزحيلي‪ :‬دار ابن كثير‪ :‬بيروت‪ ،‬ط ‪8074-8‬ﮬ‪.21/8 ،‬‬
‫‪ 8‬االعجاز القرآني في التشريع االسالمي‪.21/8 :‬‬

‫‪15‬‬
‫نريد أن نتعرف على مصادر التشريع اإلسالمي‪ ،‬ثم نبحث في فلسفة التشريع اإلسالمي‪ ،‬وهذه المصادر هي القرآن‬

‫الكريم‪ ،‬والسنة النبوية‪ ،‬واإلجماع‪ ،‬والقياس‪ ،‬واإلستحسان‪ ،‬والمصالح المرسلة‪ ،‬وسد الذرائع‪ ،‬والعرف‪ ،‬وشرع من قبلنا‪،‬‬

‫وقول الصحابي‪ ،‬واإلستصحاب‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫الفصل األول‪ :‬فلسفة التشريع اإلسالمي ومصادره‬

‫المبحث األول‪ :‬مصادر التشريع االسالمي‬

‫القرآن الكريم‬

‫إن القرآن الكريم هو المصدر االول للتشريع االسالمي‪ .‬والخالف في ذلك عند جميع أئمة المذاهب االسالمية‪ ،‬السنية‬

‫والشيعة‪ .‬وإن كان من خالف ففي تفسير بعض آياته‪ .‬وهو كتاب الله تعالى‪ ،‬حيث جاء فيه‪{ :‬تنزيل الكتاب الريب فيه‬

‫من رب العالمين}‪ { .9‬إنا نزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله والتكن للخائنين خصيما}‪{ .10‬وما‬

‫ينطق عن الهوى‪ .‬إن هو إال وحي يوحى}‪.11‬‬

‫أنقذ اللَّـه سبحانه وتعالى بالقرآن البشرية من الظلمات إلى النور‪ ،‬وأنصف ـ سبحانه ـ الضعفاء من األقوياء‪ ،‬وأمر األغنياء‬

‫بالعطف على الفقراء‪ ،‬وبعد أن كان الظلم من شيم النفوس ـ في عرف الكثيرين منهم أصبحوا ـ بعد التمسك به واالهتداء‬

‫بهديه‪ ،‬والعمل بسنة النبي الكريم ـ خير أمة أخرجت للبشرية‪ .‬شهد اللَّـه تعالى بشأنها وأنعم عليها بالوسام التالي‪:‬‬

‫{كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم‬
‫‪12‬‬
‫منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون‪}.‬‬

‫وإنها لشهادة من العلي الخبير بحق األمة المحمدية المسلمة التي كانت مكونة من العرب وغير العرب‪.‬‬

‫‪9‬سورة السجدة ‪2‬‬


‫‪10‬سورة النساء‪841‬‬
‫‪11‬سورة النجم ‪7،0‬‬
‫‪12‬سورة اآلل عمران ‪884‬‬

‫‪17‬‬
‫ذلك القدوة الخالد هو القرآن الكريم وتعاليمه الخالدة وأوامره الرفيعة‪ ،‬وقواعده الثابتة‪ ،‬وأصوله الرصينة‪ ،‬وسنة النبي الكريم‬

‫صلى الله عليه وسلم‪ ...‬القرآن الكريم الذي قال الله تعالى فيه اآليات البينات التالية‪:‬‬
‫‪13‬‬
‫اب ال ريْب فِّيهِّ ُه ًد ى لِّلْ ُم ت َِّّق ين }‬ ‫ِّ‬
‫{ذ لك الْك ت ُ‬

‫‪14‬‬ ‫{كِّت اب أ نزلْن اه إِّل ي ك لِّت خ رِّج النَّاس ِّم ن الظُّلُم ِّ‬
‫ات إِّل ى النُّور}ِّ‬ ‫ُ ْ ُْ‬ ‫ٌ‬

‫‪15‬‬ ‫اب أ نزلْن اه إِّل يْ ك م ب ار ٌك لِّي َّد بـَّروا آي اتِّهِّ ولِّيـ ت ذ َّك ر أُولُوا ْاأل لْب ِّ‬
‫اب }‬ ‫ِّ‬
‫{ك ت ٌ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫‪16‬‬
‫{ول تـ ْع ل ُم َّن نـ ب أ هُ بـ ْع د ِّح ين }‬

‫يد ا ع ل ى ه ُـؤالء ونـ َّزلْن ا ع ل يْ ك الْكِّ ت اب {تِّبْـ ي انًا‬ ‫ِّ‬ ‫{ويـ وم نـ بـ ع ِّ‬
‫يد ا ع ل يْ ِّه م ِّم ْن أ ن ُف ِّس ِّه ْم وج ئْـ ن ا بِّك ش ِّه ً‬
‫ث ف ي ُك ِّل أ َُّم ة ش ِّه ً‬
‫ْ ْ ُ‬
‫‪17‬‬
‫لِّ ُك ِّل ش ْي ء و ُه ًد ى ور ْح م ةً وبُ ْش رى لِّلْ ُم ْس لِّ ِّم ين }‬
‫‪18‬‬
‫{وال ي أْتُون ك بِّم ث ل إَِّّال ِّج ئْـ ن اك بِّالْح ِّق وأ ْح س ن تـ ْف ِّس ًيرا}‬
‫‪19‬‬
‫{أ ف ال يـ ت د بـَّ ُرون الْ ُق ْرآن أ ْم ع ل ى قـُلُوب أ قْـ ف الُه ا}‬
‫‪20‬‬
‫{ول ق ْد ي َّس ْرن ا الْ ُق ْرآن لِّلذِّ ْك ِّر فـ ه ْل ِّم ن ُّم َّدكِّر }‬
‫‪21‬‬ ‫الص الِّح ِّ‬
‫ات أ َّن ل ُه ْم أ ْج ًرا ك بِّ ًيرا}‬ ‫{إِّ َّن ه ـذ ا الْ ُق ْرآن يِّ ْه دِّ ي لِّلَّتِّي ِّه ي أ قْـ ومُ ويـُب ِّش ُر الْ ُم ْؤِّم نِّين الَّ ِّذ ين يـ ْع م لُون َّ‬
‫‪22‬‬
‫{إِّنَّا ن ْح ُن نـ َّزلْن ا الذِّ ْك ر وإِّنَّا ل هُ ل ح افِّظُون }‬

‫‪13‬سورة البقر ‪2‬‬


‫‪14‬سورة ابراهيم‪8‬‬
‫‪15‬سورة ص ‪22‬‬
‫‪16‬سورة ص‪11‬‬
‫‪17‬سورة النحل ‪12‬‬
‫‪18‬سورة الفرقان ‪77‬‬
‫‪ 19‬سورة محمد ‪20‬‬
‫‪ 20‬سورة القمر ‪87‬‬
‫‪ 21‬سورة االسراء‪2‬‬
‫‪ 22‬سورة الحجر‪2‬‬

‫‪18‬‬
‫س الَّ ِّذ ين‬
‫ض أ ْو ُك لِّم بِّهِّ الْم ْوت ى ب ل لِّل هِّ األ ْم ُر ج ِّم يعًا أ فـ ل ْم يـ يْأ ِّ‬ ‫ال أ و قُطِّ ع ِّ‬
‫ت بِّه األ ْر ُ‬
‫ْ‬
‫{ول و أ َّن قـُرآنًا س يِّر ِّ ِّ ِّ‬
‫ت ب ه الْج ب ُ ْ‬
‫ْ ُ ْ‬ ‫ْ‬
‫ح لُّ ق ِّريبًا ِّم ن‬ ‫ال الَّ ِّذ ين ك ف رواْ تُ ِّ‬
‫ص يبُـ ُه م بِّم ا ص نـ عُواْ ق ِّ‬ ‫آم نُواْ أ ن لَّ ْو ي ش اء الل هُ ل ه د ى النَّاس ج ِّم يعًا وال يـ ز ُ‬
‫ارع ةٌ أ ْو ت ُ‬ ‫ُ‬
‫ف الْ ِّم يع اد }‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫د ِّاره ْم ح تَّى ي أْت ي و ْع ُد الل ه إِّ َّن الل ه ال يُ ْخ ل ُ‬
‫‪23‬‬

‫‪24‬‬
‫{الْح ْم ُد لِّلَّهِّ الَّ ِّذ ي أ نزل ع ل ى ع بْدِّ هِّ الْكِّ ت اب ول ْم ي ْج ع ل لَّهُ عِّوج ا}‬

‫{اللَّهُ الَّذِّ ي أ نزل الْكِّ ت اب بِّالْح ِّق والْ ِّم يزان وم ا يُ ْد ِّريك ل ع لَّ َّ‬
‫الس اع ة ق ِّر ٌ‬
‫‪25‬‬
‫يب }‬

‫اخ تِّال فًا ك ثِّ ًيرا}‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬
‫{أ ف ال يـ ت د بـَّ ُرون الْ ُق ْرآن ول ْو ك ان م ْن ع ند غ يْ ِّر الل ه ل وج ُد واْ ف يه ْ‬
‫‪26‬‬

‫وإن القرآن الدواء الناجع‪ ،‬وإن فيه الشفاء العاجل‪ ،‬والرحمة المهداة‪:‬‬

‫يد الظَّالِّ ِّمين إَِّّال خس ًارا}‪.27‬‬ ‫ِّ‬


‫آن ما ُهو ِّشفاءٌ ور ْحمةٌ ل ْل ُم ْؤِّمنِّين ۙوال ي ِّز ُ‬
‫{ونـُن ِّزُل ِّمن الْ ُقر ِّ‬
‫ْ‬
‫‪28‬‬
‫ور وُه ًدى ور ْحمةٌ لِّْل ُم ْؤِّمنِّين}‬ ‫َّاس ق ْد جاءتْ ُك ْم م ْو ِّعظةٌ ِّم ْن ربِّ ُك ْم و ِّشفاءٌ لِّما فِّي ُّ‬
‫الص ُد ِّ‬
‫{يا أيـُّها الن ُ‬
‫ولو أن األمة اإلسالمية فقهت ذلك الكتاب‪ ،‬واتبعت أوامره ووقفت عند نواهيه لما أصابها ما أصابها‪ .‬قال الله تعالى‪:‬‬

‫ض ُّل وال ي ْشقى‪ ،‬وم ْن أ ْعرض عن ِّذ ْك ِّري فِّإ َّن لهُ معِّيشةً ضن ًكا ون ْح ُش ُرهُ يـ ْوم‬
‫{فِّإ َّما يأتِّيـنَّ ُكم ِّمنِّي ه ًدى فم ِّن اتـَّبع هداي فال ي ِّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫‪29‬‬
‫الْ ِّقيام ِّة أ ْعمى}‬

‫وما أروع قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحث على التمسك بهذا الكتاب الكريم فيما يرويه اإلمام علي رضي الله‬

‫عنه إذ يقول‪ :‬اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪ :‬أال إنها ستكون فتنةـ قلت‪ :‬فما المخرج منها يا رسول‬

‫اللَّـه؟ قال‪ :‬كتاب اللَّـه تعالى فيه نبأ ما قبلكم‪ ،‬وخبر ما بعدكم‪ ،‬وحكم ما بينكم‪ ،‬هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار‬

‫‪ 23‬سورة الرعد ‪78‬‬


‫‪ 24‬سورة الكهف ‪8‬‬
‫‪25‬سورة الشورى ‪87‬‬
‫‪26‬سورة النساء ‪12‬‬
‫‪27‬سورة االسراء ‪12‬‬
‫‪ 28‬سورة يونس ‪17‬‬
‫‪ 29‬سورة طه‪820-827‬‬

‫‪19‬‬
‫قصمه اللَّـه تعالى‪ ،‬ومن ابتغى الهدى في غيره أضله اللَّـه تعالى‪ ..‬وهو حبل اللَّـه المتين‪ ،‬وهو الذكر الحكيم‪ ،‬وهو الصراط‬

‫المستقيم‪ ،‬وهو الذي ال تزيغ به األهواء‪ ،‬وال تلتبس به األلسنة‪ ،‬وال يشبع منه العلماء‪ ،‬وال يخلق على كثرة الرد‪ ،‬وال‬

‫استمع نـفٌر ِّمن الْ ِّج ِّن فـقالُوا إِّنَّا‬ ‫ِّ‬


‫تنقضي عجائبه‪ ..‬وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا‪ { :‬قُ ْل أُوحي إِّل َّي أنَّهُ ْ‬
‫الر ْش ِّد فآمنَّا بِِّّه ول ْن نُ ْش ِّرك بِّربِّنا أح ًدا}‪ .30‬من قال به صدق ومن عمل به اجر ومن حكم‬
‫س ِّم ْعنا قـُ ْرآنًا عجبًا يـ ْه ِّدي إِّلى ُّ‬
‫‪31‬‬
‫به عدل ومن دعا اليه هدي صراط مستقيم‪.‬‬

‫أول وآخر ما نزل من القرآن الكريم‪ :‬أختلف في أول مانزل من القرآن على أقوال‪:‬‬

‫اس ِّم ربِّك الَّ ِّذي خلق خلق ِّْ‬


‫اإلنْسان ِّم ْن علق‬ ‫أحدها‪ -‬أول ما نزل من القرآن هو‪ -‬على الراجح – قوله تعالى‪{ :‬اقْـرأْ بِّ ْ‬
‫‪32‬‬ ‫اقْـرأْ وربُّك ْاأل ْكرُم الَّ ِّذي علَّم بِّالْقل ِّم علَّم ِّْ‬
‫اإلنْسان ما ل ْم يـ ْعل ْم}‪.‬‬

‫حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب ح وحدثني عبد الله بن محمد حدثنا عبد‬

‫الرزاق حدثنا معمر قال الزهري فأخبرني عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت‪ :‬أول ما بدئ به رسول الله صلى الله‬

‫عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم فكان ال يرى رؤيا إال جاءت مثل فلق الصبح فكان يأتي حراء فيتحنث فيه‬

‫وهو التعبد الليالي ذوات العدد ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة‪-‬رضي الله عنها‪ -‬فتزوده لمثلها حتى فجئه الحق وهو‬

‫في غار حراء فجاءه الملك فيه فقال‪ :‬اقرأ‪ ،‬قال رسول صلى الله عليه وسلم‪ :‬فقلت‪ :‬ما أنا بقارئ فأخذني فغطني حتى‬

‫بلغ مني الجهد‪ ،‬ثم أرسلني فقال‪ :‬اقرأ‪ ،‬فقلت‪ :‬ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد‪ ،‬ثم أرسلني‬

‫اس ِّم ربِّك الَّ ِّذي‬


‫فقال‪ :‬اقرأ‪ ،‬فقلت‪ :‬ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد‪ ،‬ثم أرسلني فقال‪{ :‬اقْـرأْ بِّ ْ‬
‫خلق}حتى بلغ { ما ل ْم يـ ْعل ْم}‪ .‬فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال‪ :‬زملوني زملوني فزملوه حتى ذهب‬

‫‪ 30‬سورة الجن ‪7-8‬‬


‫‪ 31‬رواه الترمذي‪:‬تحفة االحوذي بشرح جامع الترمذي‪:‬اإلمام الحافظ عبد الرحيم المباركفوري‪- ،‬دار الكتب العلمية –لبنان‪-‬بيروت‪ ،‬ط‪8024-8‬ﮬ‪ ،‬رقم‬
‫الحديث‪ ،2244:‬ج ‪ 1‬ص ‪.814‬‬
‫‪ 32‬سورة العلق‪7-8‬‬

‫‪20‬‬
‫عنه الروع فقال‪ :‬يا خديجة ما لي وأخبرها الخبر وقال قد خشيت على نفسي فقالت له‪ :‬كال أبشر فوالله ال يخزيك الله‬
‫‪33‬‬
‫أبدا إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق‪.‬‬

‫القول الثاني‪{ :‬يا أيـُّها الْ ُمدَّثُِّر}‪ .‬روى الشيخانعن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال‪ :‬سألت جابر بن عبد الله‪:‬أي القرآن‬

‫ِّ‬
‫أنزل قبل؟ قال‪ {:‬يا أيـُّها الْ ُمدَّث ُر}‪ ،‬قلت‪ :‬أو {اقْـرأْ بِّ ْ‬
‫اس ِّم ربِّك}؟ قال‪ :‬أحدثكم ما حدثنا به رسول الله صلى الله عليه‬

‫وسلم‪ .‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬إني جاورت بحراء‪ ،‬فلما قضيت جواري‪ ،‬نزلت فاستبطنت الوادي‪ ،‬فنظرت‬

‫أمامي وخلفي‪ ،‬وعن يميني وشمالي‪ ،‬ثم نظرت إلى السماء فإذا هو‪-‬يعني جبريل‪ -‬فأخذتني رجفة‪ ،‬فأتيت خديجة‪،‬‬
‫‪34‬‬
‫فأمرتهم فدثروني‪ ،‬فأنزل الله‪ {:‬يا أيـُّها الْ ُمدَّثُِّر‪ ،‬قُ ْم فأنْ ِّذ ْر}‪.‬‬

‫وقد اختلف في آخر ما نزل من القرآن على أقوال كثيرة‪ ،‬نقتصر منها على أشهرها‪:‬‬

‫فقيل‪:‬ان آخر مانزل قوله تعالى‪{:‬اليوم أكملت لكم دينكم}‪ 35.‬فقد قال السدي‪:‬انه لم ينزل بعدها حالل وحرام‪ .‬وفي‬
‫‪36‬‬
‫الصحيح عن البراء بن عازب أن آخر آية الكاللة‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬إن آخر ما نزل هو قوله تعالى‪{:‬يا أيـُّها الَّ ِّذين آمنُوا اتـَّ ُقوا اللَّه وذ ُروا ما ب ِّقي ِّمن ِّ‬
‫الربا إِّن ُكنتُم ُّم ْؤِّمنِّين}‪ 37.‬وقيل ان‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ب‬ ‫آخر آية نزلت هي قوله تعالى‪ {:‬يا أيـُّها الَّذين آمنُوا إذا تداينتُ ْم بديْن إلى أجل ُمس ًّمى فا ْكتُـبُوهُ ولْيكْتُ ْ‬
‫ب بـْيـن ُك ْم كات ٌ‬
‫س ِّمْنهُ شْيـئًا فِّإ ْن‬ ‫ِّ َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ َّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫ب أ ْن يكْتُب كما علَّمهُ اللَّهُ فـ ْليكْتُ ْ‬
‫ب ولْيُ ْمل ِّل الذي علْيه الْح ُّق ولْيـتَّق الله ربَّهُ وال يـْبخ ْ‬ ‫بالْع ْدل وال يأْب كات ٌ‬
‫است ْش ِّه ُدوا ش ِّهيديْ ِّن ِّم ْن ِّرجالِّ ُك ْم‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫يع أ ْن يُم َّل ُهو فـ ْليُ ْمل ْل وليُّهُ بِّالْع ْدل و ْ‬
‫كان الَّذي علْيه الْح ُّق سف ًيها أ ْو ضعي ًفا أ ْو ال ي ْستط ُ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫فِّإ ْن ل ْم ي ُكونا ر ُجلْي ِّن فـر ُج ٌل و ْامرأتان م َّم ْن تـ ْرض ْون من الشُّهداء أ ْن تض َّل إِّ ْحد ُاهما فـتُذكر إِّ ْحد ُاهما األ ْ‬
‫ُخرى وال يأْب‬

‫ط ِّعْند اللَّ ِّه وأقْـوُم لِّلشَّهادةِّ وأ ْدنى أَّال تـ ْرتابُوا‬


‫الشُّهداءُ إِّذا ما ُدعُوا وال ت ْسأ ُموا أ ْن ت ْكتُـبُوهُ صغِّ ًيرا أ ْو كبِّ ًيرا إِّلى أجلِّ ِّه ذلِّ ُك ْم أقْس ُ‬

‫‪ 33‬صحيح البخاري‪ :‬االمام ابو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري‪ :‬دار ابن كثير‪ :‬دمشق‪-‬بيروت‪ ،‬ط‪8027-8‬ﮬ‪ :‬كتاب البعير‪:،‬باب االول‪ ،‬رقم‬
‫الحديث‪ ،4212:‬ص ‪.8722‬‬
‫‪34‬صحيح البخاري ‪ :‬كتاب التفسير‪:،‬باب ( وربك فكبر )‪ ،‬رقم الحديث‪ ،0220:‬ص ‪.8202‬‬
‫‪ 35‬سورة المائدة ‪7‬‬
‫‪ 36‬تاريخ الفقه االسالمي‪ ،‬محمد علي السايس ‪ :‬دار الكتب العلمية ‪-‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ :‬ص ‪.20‬‬
‫‪ 37‬سورة البقرة ‪271‬‬

‫‪21‬‬
‫ب وال ش ِّهي ٌد‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫اح أَّال ت ْكتُـبُوها وأ ْشه ُدوا إذا تـبايـ ْعتُ ْم وال يُض َّار كات ٌ‬
‫إَّال أ ْن ت ُكون تجارًة حاضرةً تُد ُيرونـها بـْيـن ُك ْم فـلْيس علْي ُك ْم ُجن ٌ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫وإِّ ْن تـ ْفعلُوا فِّإنَّهُ فُس ٌ ِّ‬
‫وق ب ُك ْم واتـَّ ُقوا اللَّه ويـُعل ُم ُك ُم اللَّهُ واللَّهُ ب ُك ِّل ش ْيء عل ٌ‬
‫يم}‪ 38.‬وقيل ان آخر آية نزلت هي قوله تعالى‪{:‬‬ ‫ُ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫واتـَّ ُقوا يـ ْوًما تـُ ْرجعُون فيه إِّلى اللَّه ثَُّم تـُوفَّى ُك ُّل نـ ْفس ما كسب ْ‬
‫‪39‬‬
‫ت وُه ْم ال يُظْل ُمون}‪.‬‬

‫اعجاز القرآن الكريم‪ :‬نزل القرآن الكريم بلغة العرب وكانوا معجبين بما وصلوا إليه من البالغة والفصاحة‪ ،‬وقد شاء‬

‫اللَّـه سبحانه أن يتحداهم بسالحهم فأنزل القرآن الكريم معجزة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الخالدة‪ ..‬روى‬

‫البخاري أن رسول اللَّـه صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬

‫لي‬ ‫ِّ‬
‫البشر ‪ ،‬و إنما كان الذي أُوتيتُه وحيًا أوحاه اللهُ إ َّ‬
‫ما من األنبياء من نبي ‪ ،‬إال و قد أُعطى من اآليات ما مثلُه آمن عليه ُ‬
‫‪40‬‬ ‫ِّ‬
‫القيامة‪.‬‬ ‫تابعا يوم‬
‫‪ ،‬فأرجو أن أكون أكثرهم ً‬

‫اإلنْس والْ ِّجن على أ ْن يأْتُوا بِّ ِّمثْ ِّل هذا‬


‫ت ِّْ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫وقد تحداهم اللَّـه سبحانه أن يأتوا بمثل القرآن الكريم كله‪ {:‬قُ ْل لئ ْن ا ْجتمع ْ‬
‫‪41‬‬
‫ضهم لِّبـ ْعض ظ ِّه ًيرا}‪.‬‬ ‫ِّ ِّ ِّ ِّ‬
‫الْ ُق ْرآن ال يأْتُون بمثْله ول ْو كان بـ ْع ْ‬
‫ثم شاء اللَّـه تعالى أن يجعل التحدي ليس بمثل القرآن الكريم كله ولكن بعشر سور‪{:‬أ ْم يـ ُقولُون افْتراهُ قُل فأْتُوا بِّع ِّ‬
‫شر‬ ‫ْ‬
‫ُنزل بِّعِّْل ِّم اللَّ ِّه وأن ال‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫سور ِّمثْلِّ ِّه م ْفتريت و ْادعوا م ِّن استطعتُم ِّمن د ِّ‬
‫ون اللَّ ِّه إِّن ُكنتُ ْم صدقين‪ .‬فِّإلَّ ْم يستجيبُوا ل ُك ْم ف ْ‬
‫اعل ُموا أنَّما أ ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫‪42‬‬
‫إِّله إِّال ُهوفـه ْل أنتُم ُّمسلِّ ُمون}‪.‬‬

‫ثم شاء اللَّـه سبحانه أن يجعل التحدي بسورة واحدة من سوره فقال جل شأنه‪ {:‬أ ْم يـ ُقولُون افْـتـراهُ ۖ قُ ْل فأْتُوا بِّ ُسورة ِّمثْلِّ ِّه‬
‫‪43‬‬
‫ون اللَّ ِّه إِّ ْن ُكْنـتُ ْم ص ِّادقِّين}‪.‬‬
‫و ْادعوا م ِّن استطعتُم ِّمن د ِّ‬
‫ْ ْْ ْ ُ‬ ‫ُ‬

‫‪ 38‬سورة البقرة ‪212‬‬


‫‪ 39‬سورة البقرة‪218‬‬
‫‪40‬صحيح البخاري‪ :‬كتاب فضائل القرآن‪ ،‬باب‪:‬باب كيف نزل الوحي وأول ما نزل‪ ،‬رقم الحديث‪ 0218:‬ص‪.8277‬‬
‫‪41‬سورة االسراء ‪11‬‬
‫‪ 42‬سورة هود‪80 87‬‬
‫‪ 43‬سورة يونس ‪71‬‬

‫‪22‬‬
‫ثم كرر هذا التحدي بقوله تعالى‪ {:‬وإِّ ْن ُكْنـتُ ْم فِّي ريْب ِّم َّما نـَّزلْنا على عْب ِّدنا فأْتُوا بِّ ُسورة ِّم ْن ِّمثْلِّ ِّه و ْادعُوا ُشهداء ُك ْم ِّم ْن‬
‫‪44‬‬
‫ون اللَّ ِّه إِّ ْن ُكْنـتُ ْم ص ِّادقِّين}‪.‬‬
‫د ِّ‬
‫ُ‬
‫وهكذا عجز اإلنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن الكريم على مدى خمسة عشر قرنا من الزمن‪ ،‬بل عجزوا عن أن‬

‫يأتوا بعشر سور من مثله‪ ،‬بل بسورة واحدة‪ ،‬فثبت لدى العقالء من الناس أن هذا القرآن الكريم هو كالم اللَّـه سبحانه‬

‫وليس بكالم بشر‪ ،‬وأن كل ما فيه هو الحق الذي ليس بعده إال الضالل المبين‪.‬‬

‫أن القرآن إنما صار معجزا ألنه جاء بأفصح األلفاظ‪ ،‬في أحسن نظم التأليف‪ ،‬متضمنا أصح المعاني‪ ،‬من توحيد اللَّـه‬

‫وتتريهه في صفاته‪ ،‬ودعاء إلى طاعته‪ ،‬وبيان لمنهاج عبادته‪ ،‬في تحليل وتحريم‪ ،‬وحظر وإباحة‪ ،‬ومن وعظ وتقويم‪ ،‬وأمر‬

‫بمعروف ونهي عن منكر‪ ،‬وإرشاد إلى محاسن األخالق‪ ،‬وزجر عن مساوئها‪ ،‬واضعا كل شيء منها موضعه الذي ال يرى‬

‫شيء أولى منه‪ ،‬وال يتوهم في صورة العقل أمر أليق به منه‪ ،‬مودعا أخبار القرون الماضية وما نزل من مثالت اللَّـه‬

‫لمن عصى وعاند منهم‪ ،‬منبئا عن الكوائن المستقبلة في األعصار الماضية ـ جامعا في ذلك بين الحجة والمحتج له‪،‬‬

‫والدليل والمدلول عليه‪ ،‬ليكون ذلك أوكد للزوم ما دعا إليه‪ ،‬وأنبأ عن وجوب ما أمر به‪ ،‬ونهى عنه‪.‬‬

‫السنة النبوية‬

‫السنة‪ :‬هي المصدر الثاني من مصادر التشريع اإلسالمي بعد القرآن باإلجماع‪.‬‬

‫السنة في اللغة‪ :‬الطريقة‪ :‬حسنة كانت أو سيئة‪ ،‬ومنه قوله صلى الله عليه وسلم‪ :‬من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من‬
‫‪45‬‬
‫عمل بها إلى يوم القيامة‪ ،‬ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها الى يوم القيامة‪.‬‬

‫وفي االصطالح في العبادات‪ :‬النافلة‪ .‬والمراد بها هنا‪ :‬ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم غير القرآن من قول‬

‫(يسمى الحديث) أو فعل أو تقرير‪.‬‬

‫‪ 44‬سورة البقرة ‪27‬‬


‫‪45‬صحيح مسلم بشرح النووي ص‪840-1 2‬‬

‫‪23‬‬
‫‪46‬‬
‫السنة‪ :‬أقوال محمد صلى الله عليه وسلم وأفعاله ومنها تقريره ألنه كف عن االنكار والكف فعل‪.‬‬

‫والمراد باألقوال‪ :‬هي األحاديث التي نطق بها رسول اللَّـه صلى الله عليه وسلم في كافة المناسبات‪ .‬ومن ذلك قوله صلى‬

‫ت ِّه ْجرتُهُ إِّلى اللَّ ِّه ور ُسولِِّّه ف ِّه ْجرتُهُ إِّلى اللَّ ِّه‬ ‫ِّ‬ ‫الله عليه وسلم‪ :‬إِّنَّما األعم ُ ِّ ِّ‬
‫ال بِّالنيَّات‪ ،‬وإِّنَّما ل ُك ِّل ْام ِّرئ ما نـوى‪ ،‬فم ْن كان ْ‬ ‫ْ‬
‫ورسولِِّّه‪ ،‬ومن كانت ِّهجرتُه ُلدنْـيا ي ِّ‬
‫صيبُـها أ ْو ْامرأة يـْن ِّك ُحها ف ِّه ْجرتُهُ إِّلى ما هاجر إِّلْي ِّه‪ 47.‬وقوله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ْ ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫البيعان بالخيار ما لم يتفرقا‪ ،‬فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما‪ ،‬وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما‪ 48.‬وقوله صلى‬

‫الله عليه وسلم‪ :‬من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد‪ .49‬وقوله صلى الله عليه وسلم‪ :‬من رأى منكم منكرا فليغيره‬
‫‪50‬‬
‫بيده ‪ ،‬فإن لم يستطع فبلسانه ‪ ،‬فإن لم يستطع فبقلبه ‪ ،‬وذلك أضعف اإليمان‪.‬‬

‫والمراد باألفعال‪ :‬كل ما صدر من الرسول صلى الله عليه وسلم من عمل يتعلق بالتشريع وبيان األحكام‪ ،‬مثال ذلك‪:‬‬

‫الوضوء والصالة والحج‪ ،‬وقضاؤه بشاهد واحد مع يمين المدعي‪ ..‬وأمره بقطع يد السارق اليمنى من الرسغ‪ ..‬وهكذا‪..‬‬

‫ومن أفعاله صلى الله عليه وسلم ما هو مصدر للتشريع‪ ،‬ومنها ما ال يكون كذلك‪.‬‬

‫والمراد بالتقريرات‪ :‬هي ما أقره الرســول صــلى الله عليه وســلم مما صــدر عن بعض أصــحابه من أقوال وأفعال بســكوته وعدم‬

‫إنكاره‪ ،‬أو بموافقته وإظهار اس ــتحس ــانه فيعتبر هذا اإلقرار والموافقة عليه ص ــادرا عن الرس ــول ص ــلى الله عليه وس ــلم نفس ــه‪،‬‬

‫مثل ما روي أن صـحابيين خرجا في سـفر فحضـرتهما الصـالة ولم يجدا ماء فتيمما وصليا‪ ،‬ثم وجدا الماء في الوقت فأعاد‬

‫أحدهما ولم يعد اآلخر‪ ،‬فلما قص ـ ـا أمرهما على الرسـ ــول صـ ــلى الله عليه وس ـ ــلم أقر كال منهما على ما فعل فقال للذي لم‬

‫يعد ‪" :‬أصـبت السـنة‪ ،‬وأجزأتك صـالتك" ‪ ،‬وقال للذي أعاد‪" :‬لك األجر مرتين" ‪ .‬ومثل ما روي أنه صـلى الله عليه وسلم‬

‫‪46‬حاشية البناني على جمع الجوامع‪ :‬شرح الجالل شمس الدين محمد بن احمد المحلى على متن جمع الجوامع إلمام تاج الدين عبد الوهاب ابن السبكي‪:‬‬
‫ابناء مولوى محمد بن غالم رسول السورتي‪ ،‬تجار الكتب‪-‬الهند‪.20/2 ،‬‬
‫‪ 47‬صحيح البخاري ‪ :‬االمام ابو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري‪ :‬كتاب الحيل‪ ،‬باب‪:‬باب في ترك الحيل‪ ، ...‬رقم الحديث‪ ،4217:‬ص‪.8722‬‬
‫‪48‬صحيح البخاري ‪ :‬كتاب البيوع‪ ،‬باب‪:‬باب البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ‪ ،‬رقم الحديث‪ ،2884:‬ص‪.141‬‬
‫‪ 49‬صحيح مسلم‪ :‬اإلمام أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري‪ :‬دار الكتاب العلمية‪ -‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬ط‪8082-8،‬ﮬ‪ ،‬كتاب األقضية‪ ،‬باب‬
‫نقض األحكام الباطلة ورد محدثات األمور‪ .‬ص ‪.8707‬‬
‫‪50‬صحيح مسلم‪:‬كتاب اإليمان‪ ،‬باب بيان كون النهي عن المنكر من االيمان‪ .‬ص ‪.24‬‬

‫‪24‬‬
‫لما بعث معاذ بن جبل إلى اليمن قال له‪" :‬بم تقض ــي؟" قال ‪ :‬أقض ــي بكتاب الله ‪ ،‬فإن لم أجد فبس ــنة رس ــول الله صـ ـلى‬

‫الله عليه وس ـ ــلم ‪ ،‬فإن لم أجد أجتهد برأيي ‪ ،‬فأقره الرسـ ـ ــول وقال‪" :‬الحمد لله الذي وفق رس ـ ــول رسـ ـ ــول الله لما يرضـ ـ ــي‬
‫‪51‬‬
‫رسول الله"‪.‬‬

‫ومثال ذلك‪ :‬مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر‪ ،‬فقال ‪ :‬اتقي اللَّـه واصبري‪ ،‬قالت المرأة‪ :‬إليك عني‪،‬‬

‫فإنك لم تصب بمصيبتي‪ ،‬ولم تعرفه‪ .‬فقيل لها‪ :‬إنه النبي صلى الله عليه وسلم ‪.‬فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد‬
‫‪52‬‬
‫عنده بوابين‪ ،‬فقالت‪ :‬لم أعرفك؛ فقال‪ :‬إنما الصبر عند الصدمة األولى‪.‬‬

‫فالرسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينه المرأة عن خروج من البيت وزيارتها لقبر قريبها‪ .‬فيكون سكوته على رؤيتها في‬

‫ذلك المكان إقرارا بجواز زيارة النساء للقبور‪.‬‬

‫والسنة بأنواعها الثالثة (القولية والفعلية والتقريرية) هي المصدر الثاني للتشريع اإلسالمي‪ ،‬وقد أوجب اللَّـه سبحانه اتباع‬

‫رسوله صلى الله عليه وسلم في آيات كريمة عديدة منها‪:‬‬

‫‪ {-8‬وأ ِّطيعُوا اللَّه و َّ‬


‫الر ُسول لعلَّ ُك ْم تـُ ْرح ُمون}‪ 53.‬فهذه اآلية الكريمة دليل صريح على وجوب طاعة اللَّـه وطاعة رسول الله‬

‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وال شك أن طاعة سنته بعد وفاته صلى الله عليه وسلم هي طاعته حال حياته‪.‬‬

‫ول بـْين الْم ْرِّء وقـ ْلبِّ ِّه وأنَّهُ إِّلْي ِّه‬ ‫‪ {-2‬يا أيـُّها الَّ ِّذين آمنُوا است ِّجيبوا لِّلَّ ِّه ولِّ َّلرس ِّ‬
‫ول إِّذا دعا ُك ْم لِّما يُ ْحيِّي ُك ْم ۖ و ْاعل ُموا أ َّن اللَّه ي ُح ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ُ‬
‫‪54‬‬
‫تُ ْحش ُرون}‪.‬‬

‫‪ 51‬علم أصول الفقه‪ :‬عبد الوهاب خالف‪ -،‬دار الحديث – القاهرة –ط‪8082 ،8،‬ﮬ ‪ -‬ص ‪00‬‬
‫‪ 52‬صحيح البخاري ‪:‬االمام ابو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري‪ :‬دار ابن كثير‪ :‬دمشق‪-‬بيروت‪ .‬ط‪8027-8‬ﮬ‪ -‬كتاب االجنائز‪،‬باب زيارة القبور ‪ ،‬رقم‬
‫الحديث‪ ،8277:‬ص‪.784‬‬
‫‪53‬سورة اآلل عمران ‪872‬‬
‫‪54‬سورة االنفال ‪20‬‬

‫‪25‬‬
‫الر ُسول فـق ْد أطاع اللَّه ۖ وم ْن تـولَّى فما أ ْرسْلناك علْي ِّه ْم ح ِّفي ًظ}‪ 55.‬فهذه اآلية الكريمة ترقى بطاعة الرسول صلى‬
‫‪{ -7‬م ْن يُ ِّط ِّع َّ‬

‫الله عليه وسلم فتجعلها طاعة اللَّـه سبحانه‪ ،‬وال شك أنهذه مترلة رفيعة‪ ،‬سامية جديرة برسول اللَّـه صلى الله عليه وسلم‬
‫‪56‬‬
‫الذي قال اللَّـه فيه‪ :‬وإنك لعلى خلق عظيم‪.‬‬
‫صيبـهم عذ ِّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ ِّ‬
‫يم}‪ 57.‬وهذه اآلية الكريمة تضمنت تحذيرا‬
‫اب أل ٌ‬
‫ٌ‬ ‫‪ {-0‬فـ ْلي ْحذ ِّر الذين يُخال ُفون ع ْن أ ْم ِّره أن تُصيبـ ُه ْم فْتـنةٌ أ ْو يُ ُ ْ‬
‫عن مخالفته صلى الله عليه وسلم وتهديدا بأن عذابا أليما سوف يصيب أولئك الذين يخالفون عن أمره‪.‬‬

‫ور رِّح ٌيم}‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬


‫‪{ -1‬قُ ْل إ ْن ُكْنـتُ ْم تُحبُّون اللَّه فاتَّبِّ ُعوني يُ ْحبِّْب ُك ُم اللَّهُ ويـ ْغفْر ل ُك ْم ذُنُوب ُك ْم ۗ واللَّهُ غ ُف ٌ‬
‫‪58‬‬

‫ب الْكافِّ ِّرين}‪ 59.‬فهذه اآلية الكريمة تجعل اإلعراض عن طاعة‬


‫الر ُسول ۖ فِّإ ْن تـولَّْوا فِّإ َّن اللَّه ال يُ ِّح ُّ‬
‫‪ {-4‬قُ ْل أ ِّطيعُوا اللَّه و َّ‬

‫الرسول صلى الله عليه وسلم كفرا‪..‬‬

‫‪ { -7‬وما كان لِّ ُم ْؤِّمن وال ُم ْؤِّمنة إِّذا قضى اللَّهُ ور ُسولُهُ أ ْمًرا أ ْن ي ُكون ل ُه ُم الْ ِّخيـرةُ ِّم ْن أ ْم ِّرِّه ْم ۗ وم ْن يـ ْع ِّ‬
‫ص اللَّه ور ُسولهُ فـق ْد‬
‫‪60‬‬
‫ض َّل ضالًال ُمبِّينًا}‪.‬‬

‫يق ِّمْنـ ُه ْم ِّم ْن بـ ْع ِّد ذلِّك وما أُولئِّك بِّالْ ُم ْؤِّمنِّين‪ .‬وإِّذا ُدعُوا إِّلى اللَّ ِّه‬ ‫الرس ِّ‬
‫ول وأط ْعنا ثَُّم يـتـولَّى ف ِّر ٌ‬
‫ِّ ِّ‬
‫‪ { -1‬ويـ ُقولُون آمنَّا باللَّه وبِّ َّ ُ‬
‫ورسولِِّّه لِّيح ُكم بـيـنـهم إِّذا ف ِّر ِّ‬
‫يق مْنـ ُه ْم ُم ْع ِّر ُ‬
‫‪61‬‬
‫ضون}‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ْ ْ ُْ‬ ‫ُ‬
‫‪ { -2‬إِّنَّما كان قـ ْول الْ ُم ْؤِّمنِّين إِّذا ُدعُوا إِّلى اللَّ ِّه ور ُسولِِّّه لِّي ْح ُكم بـْيـنـ ُه ْم أ ْن يـ ُقولُوا س ِّم ْعنا وأط ْعنا وأُولئِّك ُه ُم الْ ُم ْفلِّ ُحون‪.‬‬
‫‪62‬‬
‫وم ْن يُ ِّط ِّع اللَّه ور ُسولهُ وي ْخش اللَّه ويـتَّـ ْق ِّه فأُولئِّك ُه ُم الْفائُِّزون}‪.‬‬

‫‪55‬سورة النساء ‪14‬‬


‫‪56‬سورة القلم ‪04‬‬
‫‪57‬سورة النور ‪47‬‬
‫‪58‬سورة اآلل عمران ‪78‬‬
‫‪59‬سورة اآلل عمران‪72‬‬
‫‪60‬سورة االحزاب ‪74‬‬
‫‪61‬سورة النور ‪01 07‬‬
‫‪62‬سورة النور ‪12 18‬‬

‫‪26‬‬
‫يد الْعِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ول ف ُخ ُذوهُ وما نها ُك ْم عْنهُ فانْـتـ ُهوا واتـَّ ُقوا اللَّه إِّ َّن اللَّه شد ُ‬
‫‪63‬‬
‫قاب}‪.‬‬ ‫الر ُس ُ‬
‫‪ { -84‬وما آتا ُك ُم َّ‬

‫ولقد أخبر اللَّـه سبحانه أن من واجبات الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبين للناس ما أجمل في القرآن الكريم‪:‬‬

‫الذ ْكر لِّتُـبـيِّن لِّلن ِّ‬


‫َّاس ما نـُ ِّزل إِّلْي ِّه ْم ولعلَّ ُه ْم يـتـف َّك ُرون}‪ 64.‬وقد أكد سبحانه هذا المعنى آية أخرى‪{:‬‬ ‫{ وأنْـزلْنا إِّليك ِّ‬
‫ْ‬

‫‪65‬‬
‫اختـل ُفوا فِّ ِّيه وُه ًدى ور ْحم ًة لِّق ْوم يـُ ْؤِّمنُون}‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫وما أنْـزلْنا علْيك الْكتاب إَِّّال لتُـبـيِّن ل ُه ُم الَّذي ْ‬

‫بل جعل اللَّـه سبحانه وتعالى اتباع الرسول والنزول على حكمه وعدم مخالفته في أي أمر من أمورهم عالمة على اإليمان‪،‬‬

‫ونفى جل وعلى صفة اإليمان عمن لم يفعل ذلك‪ { :‬فال وربِّك ال يـُ ْؤِّمنُون حتَّى يُح ِّك ُموك فِّيما شجر بـْيـنـ ُه ْم ثُ َّم ال ي ِّج ُدوا فِّي‬

‫‪66‬‬
‫أنْـ ُف ِّس ِّه ْم حر ًجا ِّم َّما قضْيت ويُسلِّ ُموا ت ْسلِّ ًيما}‪.‬‬

‫ومنزلة السنة النبوية الكريمة تعرف إلى جانب ما مر من اآليات الكريمة مما ذكره اللَّـه سبحانه في قوله جل شأنه‪ {:‬لق ْد‬

‫م َّن اللَّهُ على الْ ُم ْؤِّمنِّين إِّ ْذ بـعث فِّ ِّيه ْم ر ُس ًوال ِّم ْن أنْـ ُف ِّس ِّه ْم يـْتـلُو علْي ِّه ْم آياتِِّّه ويـُزكِّ ِّيه ْم ويـُعلِّ ُم ُه ُم الْ ِّكتاب والْ ِّحكْمة وإِّ ْن كانُوا ِّم ْن‬

‫‪67‬‬
‫قـْب ُل ل ِّفي ضالل ُمبِّين}‪.‬‬

‫إن للسنة النبوية الشريفة ثالث وظائف‪:‬‬

‫األولى‪ :‬بيان ما ورد مجمال في القرآن الكريم‪ ،‬ومثاله‪ :‬قوله صلى الله عليه وسلم‪:‬صلوا كما رأيتموني أصلي‪.‬‬

‫الصالة‪ .‬وقوله صلى الله عليه وسلم‪ :‬هاتوا ربع عشر أموالكم وما في معناه المبين لقوله‬
‫يموا َّ‬‫ِّ‬
‫فهو بيان لقوله تعالى‪ :‬وأق ُ‬
‫تعالى‪ :‬وآتُوا َّ‬
‫الزكاة‪.‬‬

‫وكذلك بيانه صلى الله عليه وسلم ألعمال الحج والعمرة‪ ،‬والبيع والربا إلى غير ذلك‪.‬‬

‫‪63‬سورة الحشر ‪7‬‬


‫‪64‬سورة النحل ‪00‬‬
‫‪65‬سورة النحل‪40‬‬
‫‪ 4166‬سورة النساء‬
‫‪ 67‬سورة اآلل عمران ‪847‬‬

‫‪27‬‬
‫والثانية‪ :‬تأكيد ما ورد في القرآن الكريم‪ ،‬مثال ذلك قوله صلى الله عليه وسلم‪ :‬استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم‬
‫اشروه َّن بِّالْمعر ِّ‬
‫ِّ‬
‫وف‪.‬‬ ‫ُْ‬ ‫أخذتموهن بأمانة اللَّـه‪ .‬فإنه مؤكد لقوله تعالى‪ :‬وع ُ ُ‬
‫الثالثة‪ :‬إيجاد أحكام جديدة لما لم ينص عليه القرآن الكريم‪ ،‬ومثال ذلك قوله صلى الله عليه وسلم‪ :‬يحرم من الرضاع ما‬

‫يحرم من النسب‪ .‬وقوله صلى الله عليه وسلم‪ :‬ال تنكح المرأة على عمتها أو خالتها‪ ،‬وال المرأة على ابنة أخيها أو‬

‫أختها‪ ،‬إنكم إن فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم‪ .‬فإن كافة تلك األحكام لم ترد في القرآن الكريم‪ ..‬ومثل ذلك توريثه ـ صلى‬

‫الله عليه وسلم ـ للجدة ـ السدس‪ ،‬ولبنت االبن كذلك‪ ،‬وصدقة الفطر وكذلك إيجابه ـ صلى الله عليه وسلمـ الدية على‬

‫العاقلة‪ ،‬ومنعه القاتل من الميراث‪ ،‬ومنع التوارث بين المسلم والكافر‪.‬‬

‫إلى غير ذلك من األحكام العديدة الكثيرة التي تدل على أن السنة النبوية مصدر مستقل للتشريع يأتي بعد كتاب الله‬
‫‪68‬‬
‫تعالى‪.‬‬

‫أن السنة النبوية مصدر مستقل نود أن نبين أن أنواع السنة باعتبار روايتها وطريق وصولها إلينا ثالثة‪:‬‬

‫‪ -8‬السنة المتواترة‪.‬‬

‫‪ -2‬السنة المشهورة‪.‬‬

‫‪ -7‬سنة اآلحاد‪.‬‬

‫تدوين السنة‪ :‬لم تدون السنة في زمن رسول اللَّـه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وقد نهى أصحابه من كتابتها خوفا من اختالطها‬

‫بالقرآن الكريم‪ .‬ثم سمح لهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالكتابة‪..‬‬

‫ولم يأمر أبو بكر أحدا من الصحابة بتدوينها‪ ..‬ولما كانت خالفة عمر ـ رضي اللَّـه عنه‪ -‬فكر في ذلك واستشار‬

‫الصحابة‪ ،‬ثم ترك هذه الفكرة؛ ألن الصحابة تفرقوا في األمصار‪ ،‬وكان يخشى أيضا اختالطها بالقرآن الكريم‪.‬‬

‫‪68‬المدخل في الفقه اإلسالمي‪ :‬محمد مصطفى شلبي ‪ ،‬ص‪ ،272‬ط‪8041-84‬ﮬ ‪ -‬الدار الجامعي‪ -‬بيروت‬

‫‪28‬‬
‫وطيلة العهد األموي لم تدون كذلك‪ ،‬وفي العهد العباسي جمعت السنة حيث كتب اإلمام مالك الموطأ‪ .‬وجاء القرن‬

‫الثالث‪ ،‬وكان أزهى عصور الحديث؛ حيث ألف البخاري كتابه (وقد توفي في سنة ‪214‬هـ) كما أتم اإلمام مسلم‬

‫صحيحه (وقد توفي سنة ‪248‬هـ) وكذلك أبوداود (المتوفى‪271‬هـ) وابن ماجه (المتوفى ‪271‬هـ) والترمذي (المتوفى‬

‫‪272‬ه) ‪،‬والنسائي(المتوفى ‪747‬هـ)‪ .‬وهذه الكتب التي ألفها هؤالء األئمة الحفاظ هي المعروفة بالصحاح الستة‪.‬‬
‫‪69‬‬
‫ويلحق بها مسند اإلمام أحمد المتوفى سنة ‪208‬هـ‪.‬‬

‫وهؤالء األئمة رحمهم اللَّـه تعالى قد بذلوا جهودا جبارة لتمييز األحاديث الموضوعة أو الضعيفة عن األحاديث‬

‫الصحيحة‪ ،‬ولم يدونوا إلى ما كان حائزا على شروطهم التي اشترطوها‪..‬‬

‫ولقد تلقى أهل السنة والجماعة بالقبول روايات هؤالء األئمة لألحاديث الشريفة بعد أن اختبرها أهل العلم منهم‬

‫فوجودها في أعلى درجات الصحة‪..‬‬

‫على أنه لم يخل كل عصر من طائفة شاذة تقول‪ :‬إن السنة ال يعمل بها إال إذا وافقت القرآن‪ ،‬مستندين إلى حديث‬

‫طعنه العلماء بأنه موضوع مكذوب على رسول اللَّـه ـ صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وهو‪ :‬ما أتاكم عني فاعرضوه على اللَّـه‪ .‬فلقد‬

‫قال فيه عبد كتاب اللَّـه فإن وافق كتاب اللَّـه فأنا قلته وإن خالف كتاب اللَّـه فأنا لم أقله‪ ،‬وكيف أخالف كتاب اللَّـه وبه‬

‫هداني الرحمن بن مهدي‪ :‬الزنادقة والخوارج وضعوا ذلك الحديث‪ ،‬وقال قوم‪ :‬إنا عرضنا هذا الحديث على كتاب اللَّـه‬

‫كما يقول أصحابه‪ ،‬فوجدناه مخالفا له ألنا وجدنا كتاب اللَّـه يأمر بطاعة الرسول؛ ويحذر من مخالفته‪ ،‬ويطلق التأسي‬
‫‪70‬‬
‫به‪.‬‬

‫‪ 69‬المدخل في الفقه اإلسالمي‪ :‬محمد مصطفى شلبي ‪ -‬الدار الجامعي‪ -‬بيروت‪ -‬ط‪8041-84‬ﮬ ‪ ،‬ص‪.207‬‬
‫‪70‬المدخل في الفقه اإلسالمي‪ :‬ص‪.201‬‬

‫‪29‬‬
‫اإلجماع‬
‫( هو المصدر الثالث من مصادر التشريع االسالمية )‬

‫أما تفهيم لفظ اإلجماع فإنما نعني به‪ :‬إتفاق أمة محمد صلى الله عليه وسلم خاصة على أمر من األمور الدينية‪.‬‬

‫ومعناه في وضع اللغة‪ :‬اإلتفاق‪ ،‬واالزماع‪ ،‬وهو مشترك بينهما‪ .‬فمن أزمع وصمم العزم على إمضاء امر يقال‪ :‬أجمع‪:‬‬

‫والجماعة إذا اتفقوا يقال أجمعوا‪ .‬وهذا يصلح اإلجماع اليهود والنصارى‪ ،‬ولالتفاق في غير أمر الدين‪ ،‬لكن العرف‬
‫‪71‬‬
‫خصص اللفظ بما ذكرناه‪.‬‬

‫وفي اصطالح علماء األصول‪ :‬هو اتفاق المجتهد األمة اإلسالمية بعد وفاة محمد رسول اللَّـه في عصر على أمر‬
‫‪72‬‬
‫شرعي‪.‬‬

‫(المراد بالشرعي‪ :‬هو ما ورد به خطاب الشارع وهو أعم من الشرعي بمعنى ما ال يدرك إال بالشرع)‪.‬‬

‫األدلة لإلجماع‪:‬‬

‫(التمسك بالكتاب)‬
‫‪73‬‬
‫ول علْي ُك ْم ش ِّه ً‬
‫يدا}‬ ‫الر ُس ُ‬ ‫{كذلِّك جع ْلنا ُك ْم أ َُّمةً وسطًا لِّت ُكونُوا ُشهداء على الن ِّ‬
‫َّاس وي ُكون َّ‬
‫َّاس تأْمرون بِّالْمعر ِّ‬
‫وف وتـْنـه ْون ع ِّن الْ ُمْنك ِّر وتـُ ْؤِّمنُون بِّاللَّ ِّه}‬ ‫{ ُكْنـتم خيـر أ َُّمة أُخ ِّرج ِّ‬
‫ت للن ِّ ُ ُ‬
‫‪74‬‬
‫ُْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ُْ ْ‬
‫‪75‬‬
‫ص ُموا بِّحْب ِّل اللَّ ِّه ج ِّم ًيعا وال تـفَّرقُوا}‬
‫{و ْاعت ِّ‬

‫‪71‬المستصفى من علم األصول‪ :‬أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي‪ ،‬دار الميمان للنشر والتوزيع السعودية ‪ -‬الرياض ج‪ ،8‬ص‪.211‬‬
‫‪72‬حاشية البناني على جمع الجوامع‪ :‬اإلمام تاج الدين عبد الوهاب ابن السبكي‪ :‬ابناء مولوى محمد بن غالم رسول السورتي‪ ،‬تجار الكتب‪-‬الهند‪.874/2 ،‬‬
‫‪73‬سورة البقرة ‪807‬‬
‫‪74‬سورة آل المران ‪884‬‬
‫‪75‬سورة آل المران ‪847‬‬

‫‪30‬‬
‫‪76‬‬
‫{وِّم َّم ْن خل ْقنا أ َُّمةٌ يـ ْه ُدون بِّالْح ِّق وبِِّّه يـ ْع ِّدلُون}‬

‫الرس ِّ‬
‫ول إِّ ْن ُكْنـتُ ْم‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫{يا أيـُّها الَّ ِّذين آمنُوا أ ِّطيعُوا اللَّه وأ ِّطيعُوا َّ‬
‫الر ُسول وأُولي ْاأل ْم ِّر مْن ُك ْم فإ ْن تـناز ْعتُ ْم في ش ْيء فـ ُرُّدوهُ إلى اللَّه و َّ ُ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ َّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ‬
‫تـُ ْؤمنُون بالله والْيـ ْوم ْاآلخر ۚذلك خْيـٌر وأ ْحس ُن تأْو ً‬
‫‪77‬‬
‫يل}‬
‫الرسول ِّمن بـع ِّد ما تـبـيَّن له الْهدى ويـتَّبِّع غيـر سبِّ ِّيل الْم ْؤِّمنِّين نـُولِِّّه ما تـولَّى ونُ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ت‬
‫صله جهنَّم ۖ وساء ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ُ ُ‬ ‫{وم ْن يُشاق ِّق َّ ُ ْ ْ‬
‫‪78‬‬ ‫م ِّ‬
‫ص ًيرا‪}.‬‬

‫(التمسك بالحديث) وهو األقوى‪:‬‬

‫ال تجتمعوا أمتي على الخطأ‪ .‬وهذا من حيث اللفظ‪ :‬أقوى وأدل على المقصود‪ ،‬ولكن ليس بالمتواتر كالكتاب‪،‬‬

‫والكتاب متواتر لكن ليس بنص‪.‬‬

‫قول النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬ال تجتمع أمتي على ضاللة وحديث‪ :‬يد اللَّـه مع الجماعة فمن شذ‪ .‬وحديث‪ :‬ما رآه‬

‫المسلمون حسنا فهو عند اللَّـه حسن‪ .‬وحديث‪ :‬سألت اللَّـه أال يجمع أمتي على الضاللة فأعطانيها‪ 79.‬البعض‪ :‬أن‬

‫اإلجماع ليس بحجة وقد استدلوا بدليلين‪:‬‬

‫الر ُسول وأُولِّي ْاأل ْم ِّر ِّمْن ُك ْم ۖ فِّإ ْن تـناز ْعتُ ْم فِّي ش ْيء فـ ُرُّدوهُ إِّلى‬
‫األول‪ :‬قوله تعالى‪ { :‬يا أيـُّها الَّ ِّذين آمنُوا أ ِّطيعُوا اللَّه وأ ِّطيعُوا َّ‬
‫‪80‬‬
‫ول إِّ ْن ُكْنـتُ ْم تـُ ْؤِّمنُون بِّاللَّ ِّه والْيـ ْوِّم ْاآل ِّخ ِّر ۚ ذلِّك خْيـٌر وأ ْحس ُن تأْ ِّو ًيال}‪.‬‬
‫الرس ِّ‬ ‫ِّ‬
‫اللَّه و َّ ُ‬
‫الثاني‪ :‬أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أرسل معاذ بن جبل إلى اليمن سأله عن األدلة التي سوف يستند‬

‫إليها إذا عرض له قضاء فلم يذكر معاذ اإلجماع‪ ،‬وقد وافقه رسول اللَّـه صلى الله عليه وسلم على طريقته في القضاء فدل‬

‫ذلك على أن اإلجماع ليس دليال من األدلة الشرعية التي يعتمد عليها‪.‬‬

‫‪76‬سورة األعراف ‪818‬‬


‫‪77‬سورة النساء ‪12‬‬
‫‪78‬سورة النساء ‪ ،881‬احكام القرآن‪ :‬االمام الشافعي‪ ،‬دالر احياء العلوم‪ ،‬ط‪8084 ،8‬ﮬ –بيروت‪ ،‬ص ‪.14‬‬
‫‪79‬المستصفى من علم األصول‪ :‬أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي‪ ،‬دار الميمان للنشر والتوزيع السعودية – الرياض‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.248‬‬
‫‪ 80‬سورة النساء ‪12‬‬

‫‪31‬‬
‫وال شك في أن ضعف هذا االستدالل واضح كل الوضوح‪ ،‬فاآلية الكريمة ليس فيها دليل على عدم اعتبار اإلجماع‪،‬‬

‫وهي حجة على ذلك الفريق‪ ،‬وليست حجة لهم‪ ،‬ألنها توجب على المؤمنين طاعة اللَّـه سبحانه وطاعة رسوله صلى الله‬

‫عليه وسلم وأولي األمر‪ ،‬وحجية اإلجماع من المتنازع فيه‪ ،‬فيجب الرجوع إلى كتاب اللَّـه وسنة رسوله‪ ،‬والرجوع إليهما‬

‫يوجب العمل باإلجماع ألنهما يشيران إلى وجوب العمل باإلجماع‪.‬‬

‫أما الدليل الثاني‪ :‬وهو حديث معاذ‪ ،‬فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أقر معاذا على ما ذكره‪ ،‬ولم يكن اإلجماع من‬

‫بين ما ذكره؛ ألنه (اإلجماع) لم يكن موجودا في عصر الرسالة‪ ،‬وال يعتبر حجة مع وجود الرسول صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫وبهذا تقرر أن رأي جمهور علماء المسلمين هو الصواب‪ ..‬وأن اإلجماع مصدر من مصادر الشريعة اإلسالمية‪.‬‬

‫اقسام اإلجماع‬

‫ينقسم اإلجماع إلى قسمين‪:‬‬

‫‪ -1‬اإلجماع الصريح‪:‬‬

‫وهو أن يبدي المجتهدون آراءهم صراحة‪ ،‬ثم يجمعوا على رأي واحد في المسألة‪ ..‬أو أن يسألوا عن مسألة ـ وهم‬

‫متفرقون فيبدوا رأيا واحدا‪ .‬أو أن يفتي مجتهد في مسألة ثم تبلغ تلك الفتوى إلى كافة المجتهدين فيوافقوا عليها واحدا‬

‫واحدا قوال أو قضاء أو إفتاء‪ .‬وهذا النوع من اإلجماع حجة قطعية ال يجوز مخالفتها وال نقضها‪.‬‬

‫‪ -2‬اإلجماع السكوتي‪:‬‬

‫وهو أن يبدي أحد المجتهدين رأيه في مسألة ثم يبلغ إلى سائر المجتهدين في عصره فال يؤيدوه صراحة وال يعترضوا عليه‬

‫صراحة‪ ،‬بل يسكتوا‪ ..‬مع عدم وجود مانع من خوف سلطان أو غير ذلك‪ ..‬وأن تمضي مدة يسع المجتهد فيها أن‬

‫يدرس المسألة ويفهمها ويبدي رأيه فيها‪ ،‬ولكنه يسكت‪..‬‬

‫‪32‬‬
‫ومن أمثلة هذا النوع‪ :‬ما روي أن عثمان بن عفان باع أرضا له بالبصرة إلى طلحة بن عبيد اللَّـه‪ ،‬ولم يرها واحد منهما‪،‬‬

‫فقيل لعثمان‪ :‬غبنت‪ ،‬فقال‪ :‬لي الخيار‪ ،‬ألني بعت ما لم أره‪ ،‬وقيل لطلحة مثل ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬لي الخيار ألني اشتريت ما‬

‫لم أره‪َّ ،‬‬


‫فحكما في ذلك جبير بن مطعم‪ ،‬فقضى بالخيار لطلحة وحده دون عثمان‪ .‬وكان هذا القضاء بمحضر من‬

‫الصحابة‪ ،‬ولم ينكر عليه أحد منهم‪ ،‬فكان إجماعا سكوتيا منهم على أن الخيار ال يثبت للبائع إذا باع ما لم يره‪ ..‬وعلى‬

‫ثبوت الخيار للمشتري فقط إذا اشترى شيئا لم يره‪.‬‬

‫وقد خالف بعض العلماء في حجية هذا النوع‪ ،‬وأنكر تسميته إجماعا‪ ،‬ومن هؤالء المالكية واإلمام الشافعي في قوله‬

‫الجديد‪.‬‬

‫وحجتهم في ذلك‪ :‬أن سكوت بعض المجتهدين يحتمل أن يكون للموافقة على ما صرح به البعض‪ ،‬ويحتمل أن يكون‬

‫لغيرها‪ ،‬كعدم االجتهاد في المسألة‪ ،‬أو مهابة القائل أو لخوف الغدر لو أظهر رأيه أو غير ذلك من االحتماالت‪ ،‬التي ال‬

‫يمكن معها القطع وال الظن بأن السكوت للموافقة على ما قاله البعض‪ ،‬وإذا كان سكوت باقي المجتهدين ليس دليال‬

‫على الموافقة فلم يتحقق االتفاق على الحكم من جميع المجتهدين‪ ،‬وإذا لم يتحقق االتفاق من الجميع ال يكون إجماع‬

‫والحجية‪.‬‬

‫ويرى أكثر الحنفية واإلمام أحمد بن حنبل أن اإلجماع السكوتي حجة قطعية مثله كمثل اإلجماع الصريح‪ .‬وحجتهم في‬

‫ذلك‪ :‬أن سكوت بعض المجتهدين عن إظهار الموافقة أو المخالفة لما قرره بعضهم ـ يكون دليال على الموافقة فيثبت‬

‫قطعية‪.‬‬ ‫اإلجماع‪ ..‬ومتى ثبت كان حجة‬

‫‪33‬‬
‫القياس‬

‫هو المصدر الرابع من المصادر التشريع اإلسالمي‪ ،‬بعد الكتاب والسنة واإلجماع‪.‬‬

‫القياس في اللغة‪ :‬التقدير للشيء بما يماثله‪ ..‬يقال‪ :‬قاس الثوب بالمتر أي قدر أجزاءه به‪ ،‬ويطلق القياس على التسوية‬

‫ألن تقدير الشيء بما يماثله تسوية بينهما‪ .‬ومنه فالن ال يقاس بفالن‪ ,‬أي ال يسوى به‪.‬‬
‫‪81‬‬
‫وفي اصطالح هو‪ :‬حمل معلوم‪ ،‬على معلوم‪ ،‬لمساواته له في علة حكمه‪ ،‬عند الحامل‪.‬‬

‫أركان القياس أربعة‪:‬‬

‫األصل‪ :‬ويسمى المقيس عليه‪ :‬وهو الحادثة التي ورد النص ببيان حكمها‪.‬‬

‫الفرع‪ :‬ويسمى المقيس‪:‬وهو الحادثة التي لم يرد فيها النص او لم يثبت فيها‪ ،‬ويراد معرفة حكمها‪.‬‬

‫العلة‪ :‬وهي الوصف الذي بني عليه حكم األصل وقد سوي الفرع باألصل بناء على وجوده‪.‬‬

‫حكم األصل‪ :‬وهو الحكم الشرعي الذي ورد به النص في األصل‪ ،‬ويراد تعديته للفرع ليكون حكما له‪..‬‬

‫ويضرب الفقهاء مثال للقياس بالخمر‪ ،‬فإنه ورد نص بتحريمها وهو قوله تعالى‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫يا أيـُّها الَّ ِّذين آمنُواْ إِّنَّما الْخمر والْمي ِّسر واألنصاب واأل ْزالم ِّرج ِّ‬
‫اجتنِّبُوهُ لعلَّ ُك ْم تـُ ْفل ُحون‪ .‬إِّنَّما يُِّر ُ‬
‫يد‬ ‫ِّ‬
‫س م ْن عم ِّل الشَّْيطان ف ْ‬
‫ُ ْ ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُْ ْ ُ‬
‫‪82‬‬
‫ص َّد ُك ْم عن ِّذ ْك ِّر الل ِّه وع ِّن َّ‬
‫الصال ِّة فـه ْل أنتُم ُّمنتـ ُهون‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫الشَّْيطا ُن أن يُوقع بـْيـن ُك ُم الْعداوة والْبـ ْغضاء في الْخ ْم ِّر والْمْيس ِّر وي ُ‬
‫فإن حرمة الخمر ثابتة بهذا النص القرآني‪ ،‬وذلك لعلة هي اإلسكار‪ ،‬ونبيذ التمر فرع له ولكن لم يرد نص بتحريمه‪ ،‬والعلة‬

‫بينهما (األصل والفرع) متساوية فسوي بينهما في الحكم وهو الحرمة‪.‬‬

‫‪81‬حاشية البناني على جمع الجوامع‪ :‬اإلمام تاج الدين عبد الوهاب ابن السبكي‪ ،‬ابناء مولوى محمد بن غالم رسول السورتي‪ ،‬تجار الكتب‪-‬الهند‪242/2 :.‬‬
‫‪،‬وتهذيب الوجيز في أصول الفقه‪ :‬شيخ محمد بن الدناه االجودي الشنقيطي‪ ،‬ص‪.872‬‬
‫‪ 82‬سورة المائدة ‪24 ،28‬‬

‫‪34‬‬
‫وقد اتفق جمهور العلماء على أن القياس حجة ومصدر من مصادر الشريعة اإلسالمية‪ ،‬وأصل من أصولها‪ .‬وخالف‬

‫البعض‪ ،‬وقالوا‪ :‬إن القياس ليس بحجة‪ .‬ونود أن نستعرض هنا بعض أدلتهم‪.‬‬

‫أمثلة للقياس الصحيح‪:‬‬

‫هناك أحكام كثيرة ثبتت بالقياس‪ .....‬وال بأس بأن نأتي ببعض األمثلة‬

‫إلى جانب ما ذكرنا من قياس النبيذ على الخمر‪.‬‬

‫‪ -8‬قال رسول اللَّـه صلى الله عليه وسلم‪ :‬ال يرث القاتل ‪،‬فمن قتل مورثه استعجاال للميراث يجب أن يعامل بنقيض‬

‫قصده؛ ألنه استعجل الشيء قبل أوانه‪ ،‬فيعاقب بحرمانه كما يقول علماء األصول‪..‬‬

‫ويقاس عليه أن الموصى له إذا استعجل وقتل الموصي فإنه ال يستحق الوصية وذلك قياسا على القتل فكالهما (القاتل‬

‫الوارث‪ ،‬والقاتل الموصى له) قد استعجال نصيبهما‪ ،‬وهذا االستعجال هو العلة‪ ..‬فقتل المورث هو األصل المقيس‬

‫عليه‪ ،‬وقتل الموصي هو الفرع‪ ،‬وهو المقيس على األصل‪ ..‬والحكم الذي يجب أن يثبت هو‪ :‬حرمان الموصى له من‬

‫الوصية‪.‬‬

‫‪ -2‬قال رسول اللَّـه صلى الله عليه وسلم‪ :‬المؤمن أخو المؤمن فال يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه وال‬

‫يخطب على خطبة أخيه حتى يذر‪ 83 .‬أي يترك‪ ..‬فهذا الحديث الشريف يحرم على المسلم أن يزيد في سعر شيء إذا‬

‫كان أخوه المسلم قد رغب في شرائه‪ ،‬وكذلك يحرم الحديث الشريف على المسلم أن يخطب امرأة خطبها أخوه‬

‫المسلم‪ ،‬بل يجب عليه أن ينتظر حتى يترك األول‪ ،‬فيحل للثاني أن يتقدم‪ ،‬وإال فيجب عليه أن يبحث عن غيرها‪.‬‬

‫‪ 83‬صحيح مسلم بشرح النووى‪ :‬محي الدين ابو زكريا يحيى بن شرف بن مرى الحزامى الحورانى الشافعى‪ ،‬مؤسسة قرطبة‪ ،‬ط ‪8080 ،2‬ﮬ‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب‬
‫تحرم خطبة على خطبة احيه ‪ ،‬ص ‪ ،218‬رقم الحديث‪8082:‬‬

‫‪35‬‬
‫وقد قاس العلماء االستئجار على البيع‪ ،‬فإن استئجار المسلم على استئجار أخيه يولد العداوة والقطيعة والبغضاء؛ ولذلك‬

‫يحرم االستئجار‪.‬‬

‫فشراء الشيء الذي رغب فيه الغير‪ ،‬أو خطبة المرأة المخطوبة هما األصل أو المقيس عليه‪ ،‬واالستئجار على استئجار‬

‫المسلم هو الفرع أو هو المقيس‪ ،‬والحرمة الثابتة بالحديث الشريف في الشراء والخطبة هي الحكم وهو يجب أن يثبت‬

‫في الفرع‪ ..‬واإليذاء والبغضاء والقطيعة هي العلة‪.‬‬

‫‪ -7‬بيع العرايا أبيح استثناء بالحديث‪ :‬نهى رسول الله عن بيع الشيئ بجنسه متفاضال ورخص في العرايا‪ ،‬وقيس عليه‬

‫بيع العنب في الكرم بالزبيب ألن الكرم كالنخل في بروز ثمرهما وإمكان التخمين القرب في تقديرهما وحاجة الناس الى‬

‫هذا النوع من البيع‪.‬‬

‫‪-0‬‬

‫البيع وقت النداء للصالة من يوم الجمعة منهى عنه بقوله تعالى‪{:‬فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع} وقيس عليه اإلجارة‬

‫والمداينة وأي عقد أو تصرف في هذا الوقت لتساويها في أنها تشغل عن ذكر الله وعن الصالة‪.‬‬

‫‪ -1‬الجمع بين األختين في الزواج محرم بااآلية‪{:‬وأن تجمعوا بين األختين} والجمع بين البنت وعمتها والبنت وخالتها‬

‫محرم بالحديث‪:‬اليجمع بين البنت وعمتها وال بين البنت وخالتها‪ .‬والجمع بين أي محرمين غير هذه محرم بالقياس‬
‫‪84‬‬
‫لتساويها في أن الجمع فيها يؤدى الى قطعية الرحم‪ ،‬كالجمع بين البنت وخالة أبيها او البنت وعمة ابيها‪.‬‬

‫أدلة جمهور العلماء‪:‬‬

‫استدل الجمهور على رأيهم بالكتاب والسنة واإلجماع‪ .‬أما الكتاب فقد قالوا‪ :‬إن هناك آيات عديدة تشير إلى القياس‬

‫ارِّه ْم ِّأل َّوِّل الْح ْش ِّر ما ظننتُ ْم أن ي ْخ ُر ُجوا وظنُّوا أنـ َُّهم‬ ‫منها قوله تعالى‪ُ :‬هو الَّ ِّذي أ ْخرج الَّ ِّذين كفروا ِّمن أ ْه ِّل الْ ِّكت ِّ‬
‫اب ِّمن ِّدي ِّ‬ ‫ُ ْ‬
‫الر ْعب يُ ْخ ِّربُون بـُيُوتـ ُهم بِّأيْ ِّد ِّيه ْم وأيْ ِّدي‬
‫ث ل ْم ي ْحت ِّسبُوا وقذف فِّي قـُلُوبِّ ِّه ُم ُّ‬
‫اه ُم اللَّهُ ِّم ْن حْي ُ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫صونـُ ُهم من اللَّه فأت ُ‬
‫ِّ‬
‫َّمانعتُـ ُه ْم ُح ُ‬

‫‪84‬مصادر التشريع االسالمية‪ :‬األستاذ عبد الوهاب خالف‪ ،‬دار الكتاب العربى – مصر‪ ،8210 ،‬ص‪.20-27‬‬

‫‪36‬‬
‫َّار‪ .‬ذلِّك‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫اعتبِّروا يا أُولِّي األبْص ِّ‬
‫ار‪ .‬ول ْوال أن كتب اللَّهُ علْي ِّه ُم الْجالء لع َّذبـ ُه ْم فِّي ُّ‬
‫الدنْـيا ول ُه ْم في اآلخرةِّ عذ ُ‬
‫اب الن ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫الْ ُم ْؤمنين ف ْ ُ‬
‫يد الْعِّق ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫بِّأنـَّهم شاقُّوا اللَّه ورسوله ومن يش ِّ‬
‫اق اللَّه فِّإ َّن اللَّه شد ُ‬
‫‪85‬‬
‫اب‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُْ‬

‫فإن اللَّـه سبحانه وتعالى قص على المؤمنين ما حدث لبني النضير من العذاب في الدنيا وأعقب ذلك بقوله سبحانه‪:‬‬

‫اعتبِّروا يا أُولِّي األبْص ِّ‬


‫ار‪ .‬واالعتبار هو القياس أي أن كل من يعص اللَّـه يحل به ما حل ببني النضير‪.‬‬ ‫فْ ُ‬
‫األحاديث‪:‬‬

‫أوال‪ :‬حديث معاذ بن جبل لما أراد رسول اللَّـه صلى الله عليه وسلم أن يبعثه إلى اليمن قال له‪ :‬بم تقضي إذا عرض بك‬

‫قضاء؟ قال‪ :‬أقضي بكتاب اللَّـه‪ ،‬قال‪ :‬فإن لم تجد في كتاب اللَّـه؟ قال‪ :‬فبسنة رسول اللَّـه‪ ،‬قال‪ :‬فإن لم تجد في سنة‬

‫رسول اللَّـه وال في كتاب اللَّـه؟ قال‪ :‬أجتهد رأيي وال آلو (أي ال أقصر في البحث والتنقيب وقياس النظائر على نظائرها)‬

‫فضرب رسول اللَّـه صدر معاذ بيده‪ ،‬وقال‪ :‬الحمد للَّـه الذي وفق رسول رسول اللَّـه لما يرضي اللَّـه ورسوله‪.‬‬
‫‪86‬‬
‫فهذا الحديث الشريف يدل على القياس‪ ،‬ألنه نوع من االجتهاد بالرأي‪..‬‬

‫ثانيا‪ :‬أن رسول اللَّـه صلى الله عليه وسلم كان في كثير من المسائل يجيب السائل عن سؤاله بقياس صحيح‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬

‫أن رجال من خثعم سأل رسول اللَّـه صلى الله عليه وسلم عن جواز الحج عن أبيه‪ ،‬ألن فريضة الحج قد أدركت أباه‬

‫شيخا كبيرا ال يثبت على راحلة ومات ولم يحج فسأله الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنت أكبر أوالده؟ قال الرجل‪ :‬نعم‪،‬‬

‫فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ‪ :‬أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته عنه أكان يجزئ ذلك عنه؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬فقال ـ صلى‬

‫الله عليه وسلم ـ‪ :‬فاحجج عن أبيك‪.‬‬

‫‪ 85‬سورة الحشر ‪0-2‬‬


‫‪ 86‬رواه الترمذي‪ ،‬وداود‪ ،‬ودارمي‪ :‬مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح‪ :‬العالمة الشيخ علي بن سلطان محمد القاري (ت ‪8480‬ﮬ ) ‪ ،‬دار الكتب العلمية –‬
‫بيروت –لبنان ‪ ،‬ط‪ 8022 ،8‬ﮬ ‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص‪. 274‬‬

‫‪37‬‬
‫ثالثا‪ :‬أن سيدنا عمر بن الخطاب ـ رضي اللَّـه عنه ـ قال لرسول اللَّـه صلى الله عليه وسلم‪ :‬صنعت اليوم أمرا عظيما‪ ،‬قبلت‬

‫زوجي وأنا صائم‪ ،‬فقال له النبي‪ :‬أرأيت لو تمضمضت بالماء وأنت صائم؟ فقال عمر ـ رضي اللَّـه عنه ـ‪ :‬ال بأس به‪ ،‬فقال‬
‫‪87‬‬
‫رسول اللَّـه‪ :‬ففيم؟‪ .‬أي ففي أي شيء هذا األسف‪.‬‬

‫ومحل االستدالل أن رسول اللَّـه ـ صلى الله عليه وسلم قاس قبلة الصائم لزوجه على المضمضة‪ ،‬وأعطاها الحكم ذاته‪..‬‬

‫وما دام الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد استعمل القياس فهو مشروع‪.‬‬

‫وأما أدلة الجمهور على حجية القياس من اإلجماع فهي‪:‬‬

‫‪ - 8‬أن أبا بكر ـ رضي اللَّـه عنه ـ حين سئل عن الكاللة‪ ،‬فقال‪ :‬أقول فيها برأيي‪ ،‬فإن يكن صوابا فمن اللَّـه‪ ،‬وإن يكن‬

‫خطأ فمني ومن الشيطان‪ :‬الكاللة ما عدا الوالد والولد‪ .‬فالذي يموت وال ولد له وال والد يكون هو المراد بقوله تعالى‪:‬‬

‫ف ما تـرك ۚ وُهو ي ِّرثـُها إِّ ْن ل ْم ي ُك ْن‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫ص ُ‬
‫ت فـلها ن ْ‬ ‫ي ْستـ ْفتُونك قُ ِّل اللَّهُ يـُ ْفتي ُك ْم في الْكاللة ۚ إِّن ْام ُرٌؤ هلك لْيس لهُ ول ٌد ولهُ أ ْ‬
‫ُخ ٌ‬
‫ان ِّم َّما تـرك ۚ وإِّ ْن كانُوا إِّ ْخوًة ِّرج ًاال ونِّساء فلِّ َّ‬
‫لذك ِّر ِّمثْ ُل ح ِّظ ْاألُنْـثـيـْي ِّن ۗ يـُبـيِّ ُن اللَّهُ ل ُك ْم‬ ‫لها ول ٌد ۚ فِّإ ْن كانـتا اثْـنـتـي ِّن فـلهما الثـُّلُث ِّ‬
‫ْ ُ‬
‫ً‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫أ ْن تضلُّوا ۗ واللَّهُ ب ُك ِّل ش ْيء عل ٌ‬
‫‪88‬‬
‫يم‪.‬‬

‫‪ -2‬ما روي من أن عبد اللَّـه بن عباس ـ رضي اللَّـه عنه ـ كان من رأيه أن الجد في الميراث مع اإلخوة يحجبهم جميعا‬

‫مثله كمثل وجود الوالد‪ ،‬وكان من رأي زيد بن ثابت أن اإلخوة يرثون مع الجد‪ ..‬لذلك قال ابن عباس ـ رضي اللَّـه عنه‪:‬‬

‫أال يتقي اللَّـه زيد بن ثابت يجعل ابن االبن ابنا‪ ،‬وال يجعل أب األب أبا‪ .‬ذلك ألن درجة قرابة الجد هي ذات‬

‫درجة قرابة ابن االبن‪ ..‬وهذا هو القياس‪..‬‬

‫‪ :87‬أخرجه أحمد وأبو داود‪ :‬تحفة االحوذي بشرح جامع الترمذي‪:‬اإلمام الحافظ عبد الرحيم المباركفوري‪ ،‬دار الكتب العلمية –لبنان‪-‬بيروت‪ ،‬ط‪8024-8‬ﮬ‬
‫‪-‬‬
‫رقم‪ ،707:‬ج ‪ 7‬ص ‪.212‬‬
‫‪88‬النساء ‪874‬‬

‫‪38‬‬
‫‪ -7‬أن عمر بن الخطاب ـ رضي االله عنه ـ قيل له‪ :‬إن سمرة بن جندب أخذ من تجار اليهود الخمر في ضريبة العشر‪،‬‬

‫ثم خللها وباعها‪ ،‬فقال‪ :‬قاتل اللَّـه سمرة‪ ،‬أما علم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪ :‬لعن اللَّـه اليهود حرمت عليهم‬

‫الشحوم‪ ،‬فجملوها‪ ،‬ثم باعوها وأكلوا أثمانها‪.‬‬

‫فإن عمر ـ رضي االله عنه ـ قد قاس في هذه الحالة‪ :‬الخمر الذي قبله سمرة على أنه عشر في حين أنه حرام‪ ،‬على‬

‫الشحم الذي احتال بنو إسرائيل الستحالله فجملوه وباعوه‪ .‬فهذا قياس صحيح من سيدنا عمر رضي اللَّـه عنه‪ .‬وهناك‬

‫غيره كثير من التواتر المعنوي المنقول عن جمع كثير من أكابر الصحابة ـ رضي اللَّـه عنهم ـ يؤيد أنهم احتجوا بالقياس‪،‬‬

‫ولم ينكر أحد عليهم ذلك‪ .‬فدل ذلك على أنه إجماع منهم‪.‬‬

‫أدلة المنكرين‪:‬‬

‫استدل الذين أنكروا حجية القياس بأدلة كثيرة نذكر منها ما يلي‪:‬‬

‫ف ما لْيس لك بِِّّه‬
‫‪- 8‬أن القياس ال يثبت إال ظنا‪ ،‬وأن اللَّـه سبحانه قد نهى عن الظن‪ ،‬وذمه في قوله جل شأنه‪ :‬وال تـ ْق ُ‬
‫الس ْمع والْبصر والْ ُفؤاد ُك ُّل أُولئِّك كان عْنهُ م ْسئُ ًوال‪ 89.‬وقوله تعالى‪ :‬وما ل ُه ْم بِِّّه ِّم ْن ِّع ْلم ۖ إِّ ْن يـتَّبِّعُون إَِّّال الظَّ َّن ۖ وإِّ َّن‬
‫ِّع ْل ٌم ۚإِّ َّن َّ‬

‫الظَّ َّن ال يـُ ْغنِّي ِّمن الْح ِّق شْيـئًا‪ 90.‬وأن كل ما يثبته القياس هو ظن المجتهد أن الحكم في المسألة الحادثة هو عين‬

‫الحكم في المسألة المقيس عليها‪ ،‬ولما كان الظن منهيا عنه فال يجوز االحتجاج به في األحكام الشرعية‪.‬‬

‫ويجاب عن ذلك‪ :‬بأن الظن المنهي عنه هو الظن المتعلق باالعتقاد وأصول الدين‪ ،‬وكالمنا هو في األحكام الفرعية‬

‫العملية‪ ،‬وال مانع من إثباتها بطريق القياس‪.‬‬

‫‪ 89‬سورة االسراء‪74‬‬
‫‪ 90‬سورة النجم ‪21‬‬

‫‪39‬‬
‫‪ -2‬أنه قد ورد ذم الرأي من قبل كثير من أكابر الصحابة ـ رضي اللَّـه عنهم ـ‪ ،‬وال يعدو أن يكون القياس رأيا فيكون‬

‫مذموما‪ ..‬واآلثار الواردة عن الصحابة في هذا الشأن كثيرة‪ ،‬منها‪ :‬أن أبا بكر ـ رضي االله عنه ـ حين سئل عن الكاللة‬

‫قال‪ :‬أي سماء تظلني‪ ،‬وأي أرض تقلني‪ ،‬إذا قلت في كتاب اللَّـه برأيي‪ ..‬أي بالقياس‪.‬‬

‫كما روي عن عمر بن الخطاب ـ رضي االله عنه ـ أنه قال‪ :‬إياكم وأصحاب الرأي‪ ،‬فإنهم أعداء الدين‪ ،‬أعيتهم السنة أن‬

‫يحفظوها‪ ،‬فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا‪ ..‬والرأي هو القياس وروي عن ابن عباس ـ رضي االله عنه ـ أنه قال‪ :‬يذهب قراؤكم‬

‫وصلحاؤكم‪ ،‬ويتخذ الناس رؤساء جهاال يقيسون األمور بالرأي‪.‬‬

‫وروي عن علي بن أبي طالب ـ رضي االله عنه ـ أنه قال‪ :‬لو كان الدين يؤخذ بالرأي لكان باطن الخف أولى بالمسح من‬

‫ظاهره ولكني رأيت رسول اللَّـه ـ صلى الله عليه وسلم ـ يمسح على ظاهر الخف دون باطنه‪.‬‬

‫وقد أجاب الجمهور عن ذلك بأن هذه الروايات تخالف المشهور عن هؤالء الصحابة من القول بالقياس والعمل به‪.‬‬

‫وعلى فرض صحة هذه الروايات فإنها تعارض إجماع الصحابة على العمل بالقياس‪ ..‬فال بد من التوفيق بينها وبين‬

‫عملهم‪ ،‬وذلك بأن يحمل ذمهم للرأي الذي ال يستند إلى شروط الصحة‪ ،‬والرأي المستند على الهوى‪ ،‬أما القياس‬

‫الصحيح المستكمل لشرائطه فهو الممدوح عندهم والذي مارسوه‪.‬‬

‫‪- 7‬قال المنكرون أيضا‪ :‬إن القياس يؤدي إلى االختالف والتنازع بين المسلمين؛ وذلك ألن كل مجتهد يحاول أن‬

‫يتلمس العلة في القياس وهل هي موجودة في الفرع كما هي في األصل‪ .‬وتلك أمور ظنية‪ .‬والظنيات تؤدي إلى االختالف‬

‫يح ُك ْم‪ 91.‬وقوله تعالى‪ :‬وال ت ُكونُوا كالَّ ِّذين‬


‫والتنازع‪ ،‬وهما منهي عنهما بنص قوله تعالى‪ :‬وال تـنازعُوا فـتـ ْفشلُوا وت ْذهب ِّر ُ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫اختـل ُفوا م ْن بـ ْعد ما جاء ُه ُم الْبـيِّن ُ‬
‫‪92‬‬
‫يم‪.‬‬ ‫ات ۚ وأُولئك ل ُه ْم عذ ٌ‬
‫اب عظ ٌ‬ ‫تـفَّرقُوا و ْ‬
‫والجواب عن ذلك أن التنازع المنهي عنه إنما هو في أصول الدين والعقائد وكالمنا في األحكام العملية الفرعية والفرق‬

‫بينهما واضح‪.‬‬

‫‪ 91‬سورة االنفال ‪04‬‬


‫‪ 92‬سورة اآلل عمران ‪841‬‬

‫‪40‬‬
‫مسالك العلة‪ :‬أي هذا مبحث الطرق الدالة على علية الشئ‪.‬‬

‫األول‪ :‬االجماع‪ ،‬كاالجماع على ان العلة في حديث الصحيحين‪ :‬اليحكم أحد بين اثنين وهو غضبان‪ 93.‬تشويش‬

‫الغضب للفكر وقدم االجماع وقدم االجماع على النص كابن الحاجب لتقدمه عليه عند التعارض على األصح وعكس‬
‫‪94‬‬
‫البيضاوى الن النص أصل لالجماع‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬النص الصريح‪ ،‬بأن اليحتمل غير العلية مثل العلة كذا‪ ،‬فلسبب كذا‪ ،‬فمن اجل كذا فنحو كي واذن‪ .‬نحو قوله‬

‫تعالى‪ :‬من أجل ذلك كتبنا على بنى اسرائيل‪ -‬كي اليكون دولة بين األغنياء منكم – إذن ألذقناك ضعف الحياة‬
‫‪95‬‬
‫وضعف الممات‪.‬‬

‫الثالث‪:‬اإليماء‪ ،‬وهو اقتران الوصف الملفوظ‪ ،‬قيل او المستنبط بحكم ولو كان الحكم مستنبطا كما يكون ملفوظا لو لم‬

‫يكن للتعليل هو (أي الوصف) أو نظيره لنظير الحكم حيث يشار بالوصف والحكم الى نظيرهما أي لو لم يكن ذلك‬

‫من حيث اقترانه بالحكم لتعليل الحكم به كان ذلك االقتران بعيدا من الشارع اليليق بفصاحة واتيانه بااللفاظ في‬

‫مواضعها كحكمه أي الشارع بعد سماع وصف كما في حديث االعرابى‪ :‬واقعت أهلى في نهار رمضان فقال أعتق‬
‫‪96‬‬
‫رقبة‪.‬‬

‫الرابع‪ :‬السبر والتقسيم‪ :‬هو المسلك الرابع من مسالك العلة ‪ ،‬والسير لغة االختبار ‪ ،‬ومنه سمي ما يعرف به طول‬

‫الجرح و عرضه مسبارا ‪ ،‬ويقولون ‪ :‬هذه القضية يسبرب ها غور العقل ‪ ،‬أي ‪ :‬يختبر‪،‬‬

‫وأما التقسيم لغة فهو االفتراق ‪ ،‬ولذلك عبر بعض األصوليين عه باالفتراق‪.‬‬

‫‪93‬صحيح مسلم‪ :‬اإلمام أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري‪ ،‬دار الكتاب العلمية‪ -‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬ط‪8082-8،‬ﮬ‪: ،‬كتاب األقضية‪ ،‬باب‬
‫كراهة قضاء القاضى وهو غضبان‪ .‬ص ‪.8707‬‬
‫‪94‬حاشية البناني على جمع الجوامع‪ :‬اإلمام تاج الدين عبد الوهاب ابن السبكي‪ :‬ابناء مولوى محمد بن غالم رسول السورتي‪ ،‬تجار الكتب‪-‬الهند ‪،2‬‬
‫ص‪.242‬‬
‫‪ 95‬حاشية البناني على جمع الجوامع‪،‬‬
‫‪96‬حاشية البناني على جمع الجوامع‪،‬‬

‫‪41‬‬
‫وحاصل هذا المسلك أن الناظر يحصر األوصاف الموجودة في األصل المقيس عليه‪ ،‬بأن يقول مثال‪ :‬علة تحريم البيع‬

‫في الربويات الطعم أو اقتيات ‪ ،‬أو االدخار ‪ ،‬أو الكيل ‪ ،‬وهذا هو التقسيم ‪ ،‬ثم يختبر الصالح للعلية من غيره ‪ ،‬وهذا هو‬
‫‪97‬‬
‫السبر فيعين الصالح كالطعم مثال ‪ ،‬ويبطل ما عداه بالطرق المعتبرة‪.‬‬

‫الخامس‪ :‬مناسبة واالخالة‬

‫هو المسالك الخامس من المسالك الدالة على العلة هو المناسبة‪ ،‬ويعبر عنها باإلخالة‪ ،‬والمصلحة واالستدالل‪ ،‬ورعاية‬

‫المقاصد‪.‬‬

‫والمناسبة لغة ‪ :‬المالءمة ‪ ،‬واصطالحا‪ :‬مالءمة الوصف المعين للحكم‪.‬‬

‫وسميت مناسبة الوصف للحكم باإلخالة ‪ ،‬ألن بها يخال‪ ،‬أي‪ :‬يظن أن الوصف علة الحكم‪.‬‬

‫واستخراج المناسبة الحاصل بإبداء الوصف المناسب يسمى تخريج المناط‪ ،‬والمناط‪ :‬هو العلة التي نيط بها الحكم ‪،‬‬

‫أي علق‪ .‬وسمي استخراج المناسبة بتخريج المناط ‪ ،‬ألنه استخراج مانيط الحكم به‪.‬‬

‫تخريج المناط هو ‪ :‬تعيين المجتهد العلة‪ ،‬بإبداء مناسبة بينها وبين الحكم‪ ،‬مع االقتران بينهما في دليل حكم األصل‪،‬‬

‫والسالمة عن قوادح العلة‪.‬‬

‫واالقتران معتبر في كون الوصف المناسب علة‪ ،‬ال في كون الوصف مناسبا‪ ،‬وصورته أن يحكم الشارع في صورة بحكم‪،‬‬

‫وال يتعرض لبيان علته‪ ،‬فيبحث المجتهد عن علة ذلك الحكم و يستخرج ما يصلح أن يكون مناطا له‪.‬‬

‫وذلك كاإلسكار في حديث مسلم‪ :‬كل مسكر حرام‪ ،98‬فهو إلزالته العقل المطلوب حفظه‪ ،‬مناسب للحرمة‪ ،‬وقد اقترن‬
‫‪99‬‬
‫بها في دليل الحكم‪ ،‬وهو الحديث‪ ،‬وسلم من القوادح‪.‬‬

‫السادس‪ :‬الشبه‬

‫‪ 97‬تهذيب الوجيز في أصول الفقه‪ :‬شيخ محمد بن الدناه االجودي الشنقيطي‪ ،‬ص‪ .841‬و حاشية البناني على جمع الجوامع‪،‬‬
‫‪ 98‬صحيح مسلم‪ :‬اإلمام أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري‪ ، :‬ط‪8082-8،‬ﮬ‪ -‬دار الكتاب العلمية‪ -‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬كتاب االشربة‪ ،‬باب‬
‫نهي عن االنقباذ في المزفت والرباء والختم والنقير‪ ،‬ص ‪ ،8111‬رقم الحديث‪.2447 :‬‬
‫‪ 99‬تهذيب الوجيز في أصول الفقه‪ :‬شيخ محمد بن الدناه االجودي الشنقيطي‪ ،‬ص‪ .874-842‬و حاشية البناني على جمع الجوامع‪،‬‬

‫‪42‬‬
‫هو المسلك السادس من المسالك الدالة على العلة ‪ ،‬وقد اضطربت عبارات األصوليين في تعريفه‪ ،‬لدقته وغموضه‪.‬‬

‫فقال األكثرون فيه ‪ :‬هو الوصف الذي ال تظهر فيه المناسبة بعد البحث التام‪ ،‬ولكن ألف من الشارع االلتفات إليه في‬

‫بعض األحكام‪.‬‬

‫فهو منزلة بين منزلتي المناسب والطرد‪ ،‬فيشبه المناسب من حيث التفات الشرع إليه في الجملة‪ ،‬ويشبه الطرد من حيث‬

‫أنه غير مناسب‪ .‬أي لم تظهر مناسبته‪.‬‬

‫مثاله قول الشافعي في إزالة النجاسة ‪ :‬طهارة تراد ألجل الصالة‪ ،‬فال تجوز بغير الماء‪ ،‬كطهارة الحدث‪ .‬فإن الجامع هو‬

‫الطهارة‪ ،‬ومناسبتها لتعيين الماء فيها بعد البحث التام غير ظاهرة‪ ،‬ولكن اعتبار الشارع لها في بعض األحكام كمس‬

‫المصحف‪ ،‬والصالة‪ ،‬والطواف يوهم اشتمالها على المناسبة‪.‬‬

‫السابع‪ :‬الدوران‪.‬‬

‫ويسمى بالطرد والعكس‪ ،‬وهو أن يوجد الحكم بوجود وصف‪ ،‬وينعدم بعدمه‪.‬‬

‫وذلك كحدوث حرمة العصير عند حدوث اإلسكار‪ ،‬وزوالها عند زواله‪ ،‬كما إذا صار خال‪ .‬ويسمى الوصف مدار‪،‬‬

‫والحكم دائرة‪ .‬والدوران ال يفيد القطع في العلية‪ ،‬وإنما يفيد الظن بعلية الوصف الذي دار معه الحكم وجودا وعدما‪.‬‬

‫الثامن الطرد‪:‬‬

‫هو المسلك الثامن من مسالك العلة‪ ،‬وهو مقارنة الحكم للوصف من غير مناسبة‪.‬‬

‫وذلك كقولهم ‪ :‬الخل مائع ال تبنى على جنسه القنطرة‪ ،‬فال تزال به النجاسة‪ ،‬قياسا على الدهن‪ ،‬فإنه ال تبني عليه‬

‫القنطرة ‪ ،‬فال تزال به النجاسة‪.‬‬

‫بخالف الماء فإنه تبنى على جنسه القنطرة فتزال به النجاسة‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫والجمهور على رد هذا المسلك‪ ،‬وعدم اعتباره في العلة‪ ،‬ألنه ال مناسبة فيه للحكم‪ ،‬فال مناسبة بين بناء القنطرة وإزالة‬
‫‪100‬‬
‫النجاسة البتة‪.‬‬

‫التاسع‪ :‬تنقيح المناط‬

‫وهو أن يدل وصف ظاهر على التعليل بوصف‪ ،‬فينظر فيه المجتهد‪ ،‬ويحذف خصوصه عن االعتبار باجتهاده‪ ،‬ومن ثم‬

‫يناط الحكم باألعم‪.‬‬

‫وذلك كحديث األعرابي الذي واقع أهله في نهار رمضان‪ ،‬فإن أبا حنيفة‪ ،‬ومالكا – رضي عنهما‪ -‬حذفا المواقعة‪،‬‬

‫وأناطا الكفارة بمطلق اإلفطار‪ ،‬سواء أكان بوطء أم بغيره من المفطرات‪ .‬وقد يكون تنقيح المناط بحذف بعض‬

‫األوصاف من محل الحكم الذي ورد به النص‪ ،‬باالجتهاد أيضا ‪ ،‬ويناط الحكم ببقية األوصاف‪.‬‬

‫وذلك كما حذف الشافعي بعض األوصاف في حديث األعرابي السابق‪ ،‬ككون الواطئ أعرابيا‪ ،‬وكون الموطؤة زوجة‪،‬‬

‫وكون الوطء في القبل‪ ،‬فقد حذف كل هذه األوصاف عن االعتبار‪ ،‬وأناط الكفارة بالوطء‪.‬‬

‫وأما تحقيق المناط‪ ،‬فهو أن يقع االتفاق على علية وصف ‪ ،‬بنص أو إجماع ‪ ،‬فيجتهد المجتهد في وجودها في صورة‬

‫التراع‪ .‬وذلك لتحقيق أن النباش سارق‪ ،‬بأنه وجد منه أخذ المال خفية‪ ،‬وهو السرقة‪ ،‬ولذلك وجب قطع بيده‪.‬‬
‫‪101‬‬
‫وأما تخريج المناط‪ ،‬فهو ما مر ذكره معنا في المناسبة‪.‬‬

‫العشر‪ :‬إلغاء الفارق ‪ :‬هو المسلك األخير من مسالك العلة‪ ،‬وحاصله أن يبين المجتهد الفارق بين األصل والفرع‪ ،‬ويبين‬

‫عدم تأثيره في الحكم‪ ،‬وأنه ملغی ال عبرة به‪.‬‬

‫وذلك كقوله‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ : -‬من أعتق شر کا له في عبد‪ ،‬فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم العبد عليه قيمة‬
‫‪102‬‬
‫عدل‪ ،‬فأعطى شركاءه حصصهم‪ ،‬وعتق عليه العبد‪ ،‬وإال فقد عتق عليه ما عتق‪.‬‬

‫‪ 100‬حاشية البناني على جمع الجوامع‪،‬‬


‫تهذيب الوجيز في أصول الفقه‪ :‬شيخ محمد بن الدناه االجودي الشنقيطي‪ ،‬ص‪.874‬‬ ‫‪101‬حاشية البناني على جمع الجوامع‪،‬‬
‫‪ 102‬صحيح البخاري ‪:‬االمام ابو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري‪ :‬ط‪8027-8‬ﮬ‪ -‬دار ابن كثير‪ :‬دمشق‪-‬بيروت‪ ،‬كتاب العتق‪ ،‬باب اذا اعتق عبدا بين‬
‫اثنين‪ ،‬او امة بين الشركاء‪ ،‬رقم الحديث‪ ،2122:‬ص ‪.488‬‬

‫‪44‬‬
‫فبين المجتهد أن الفارق بين العبد واألمة إنما هي األنوثة‪ ،‬والذكورة‪ ،‬وأن هذا ال تأثير له في منع السيراية‪ ،‬لتشوف الشارع‬

‫إلى العتق‪ ،‬ولذلك يجب أن يثبت السراية في األمة كما ثبتت في العبد‪ ،‬لمشاركتها له في الرق‪ ،‬وتشوف الشارع‬
‫‪103‬‬
‫للعتق‪.‬‬

‫االستحسان‬

‫‪104‬‬
‫االستحسان في اللغة العربية‪ :‬معناه عد الشيء حسنا‪ ،‬عده حسنا‪.‬‬

‫وفي اصطالح األصوليين‪ :‬هو عدول المجتهد عن مقتضى قياس جلي إلى مقتضى قياس خفي‪ ،‬أو عن حكم كلي إلى‬
‫‪105‬‬
‫رجح لديه هذا العدول‪.‬‬
‫حكم استثنائي لدليل انقدح في عقله َّ‬

‫فإذا عرضت على المجتهد مسألة لم يرد نص في حكمها‪ ،‬ويرى فيها وجهتين مختلفتين‪ ،‬إحداهما ظاهرة تقتضي حكما‪،‬‬

‫واألخرى خفية تقتضي حكما مغايرا‪ ،‬وقام في نفس المجتهد دليل رجح لديه العدول عن وجهة النظر الظاهرة إلى وجهة‬

‫النظر الخفية‪ .‬فهذا العدول هو ما يسمى شرعا‪ :‬االستحسان‪ ،‬وكذلك إذا كان الحكم كليا‪ ،‬قام بنفس المجتهد دليل‬

‫يقتضي استثناء تلك المسألة من ذلك الحكم الكلي إلى حكم آخر جزئي‪ ..‬فهذا االجتهاد هو الذي يسمى استحسانا‪.‬‬

‫ذلكم هو االستسحسان عند علماء الحنفية‪..‬‬

‫ولقد أنكر اإلمام الشافعي رحمه اللَّـه تعالى االستحسان‪ ،‬وقال قولته الشهيرة‪ :‬من استحسن فقد شرع‪ .‬أي جعل نفسه‬

‫مشرعا‪ ،‬على حين أن اللَّـه سبحانه هو المشرع وهو وحده الذي له هذه الصالحية‪ ،‬ويبلغ عباده بشرعه عن طريق رسله‬

‫(عليهم الصالة والسالم)‪.‬‬

‫تهذيب الوجيز في أصول الفقه‪ :‬شيخ محمد بن الدناه االجودي الشنقيطي‪ ،‬ص ‪.877-874‬‬ ‫‪103‬حاشية البناني على جمع الجوامع‪،‬‬
‫‪ 104‬القاموس المحيط‪ ،‬العالمة اللغوي مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي (ت‪187/‬ۿ) ‪ ،‬ط ‪8047-2‬ﮬ‪ ،‬تحقيق‪ /‬مكتب تحقيق التراث في مؤسس‬
‫الرسالة‪،،‬مؤسسة الرسالة‪ :‬بيروت ودار الريان للتراث‪ ،‬ص‪، 8812 :‬باب النون‪ ،‬فصل الحاء‪.‬‬
‫‪105‬علم أصول الفقه‪ :‬عبد الوهاب خالف‪ -،‬دار الحديث – القاهرة –ط‪8082 ،8،‬ﮬ ‪ -‬ص ‪24‬‬

‫‪45‬‬
‫أنواعه‪:‬‬

‫من تعريف االستحسان يتبين لنا أنه نوعان‪:‬‬

‫األول‪ :‬ترجيح قياس خفي على قياس جلي‪ ،‬ومثاله‪ :‬أن فقهاء الحنفية نصوا على أن الواقف إذا وقف أرضا زراعية يدخل‬

‫حق المسيل وحق الشرب وحق المرور في الوقف تبعا بدون ذكرها‪ ..‬استحسانا‪ .‬والقياس أنها ال تدخل إال بالنص عليها‬

‫كالبيع‪..‬‬

‫ووجه االستحسان‪ :‬أن المقصود من الوقف انتفاع الموقوف عليهم‪ ،‬وال يكون االنتفاع باألرض الزراعية إال بالشرب‬

‫والمسيل والطريق‪ ،‬فتدخل في الوقف وإن لم تذكر؛ ألن المقصود ال يتحقق إال بها كاإلجارة‪.‬‬

‫فالقياس الظاهر هو إلحاق الوقف في هذا بالبيع‪ ..‬والقياس الخفي هو إلحاق الوقف في هذا باإلجارة؛ ألن كال منهما‬

‫مقصود به االنتفاع‪ .‬فكما يدخل المسيل والشرب والطريق في إجارة األراضي بدون ذكرها تدخل في وقف األراضي بدون‬

‫ذكرها‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬استثناء جزئي من حكم كلي بدليل‪..‬‬

‫ومثال هذا النوع‪:‬‬

‫أن الشارع الحكيم نهى عن بيع المعدوم والتعاقد عليه‪ ،‬ولكنه رخص استحسانا في السلم واإلجارة والمزارعة والمساقاة‬

‫واالستصناع وهي كلها عقود‪ ..‬المعقود عليه فيها معدوم وقت التعاقد‪ ..‬ووجه االستحسان هو حاجة الناس إليها‬

‫وتعارفهم‪ ..‬ومما سبق يتبين أن االستحسان ليس مصدرا تشريعيا مستقال؛ ألن أحكام النوع األول دليلها القياس الخفي‪،‬‬

‫الذي ترجح على القياس الجلي‪..‬‬

‫وأحكام النوع الثاني دليلها المصلحة التي اقتضت االستثناء‪..‬‬

‫ونود أن نعود إلى رأي اإلمام الشافعي ـرحمه اللَّـه تعالى في االستحسان فقد أوردنا قوله ‪:‬من استحسن فقد شرع‪ .‬ونود‬

‫أن نضيف أنه قال في (الرسالة)‪ :‬إن مثل من استحسن حكما مث ُل من اتجه في الصالة إلى جهة استحسن أنها الكعبة‪،‬‬

‫من غير أن يقوم له دليل من األدلة التي أقامها الشارع لتعيين االتجاه إلى الكعبة وقال أيضا‪ :‬االستحسان تلذذ‪ ،‬ولو جاز‬

‫‪46‬‬
‫األخذ باالستحسان في الدين جاز ذلك ألهل العقول من غير أهل العلم‪ ،‬ولجاز أن يشرع في الدين في كل باب وأن‬
‫‪106‬‬
‫يخرج كل أحد لنفسه شرعا‪.‬‬

‫والحق أن كافة األئمة قد أخذوا باالستحسان‪ ،‬وليس الحنفية وحدهم‪ ،‬وأن اإلمام الشافعي قد نقلت عنه آراء بناها على‬

‫االستحسان‪ ،‬من ذلك ما نقل عنه اآلمدي في كتابه (اإلحكام في أصول األحكام) أنه قال‪ :‬أستحسن في المتعة أن‬

‫تكون ثالثين درهما‪ ،‬وأستحسن ثبوت الشفعة للشفيع إلى ثالثة أيام‪ .‬وقال في السارق إذا أخرج يده اليسرى بدل اليمنى‬

‫فقطعت‪ :‬القياس أن تقطع يمناه واالستحسان أال تقطع‪.‬‬

‫وإن الذين اختلفوا في االستحسان لم يحددوا مفهومه لديهم ولم يتفقوا على المراد منه‪ ،‬ولو فعلوا لم يختلفوا في جواز‬

‫االحتجاج به‪ .‬يقول الشيخ عبد الوهاب خالف رحمه اللَّـه تعالى‪ :‬والظاهر لي أن الفريقين المختلفين في االستحسان لم‬

‫يتفقا في تحديد معناه‪ .‬فالمحتجون به يريدون منه معنى غير الذي يريده من ال يحتجون به‪ ،‬ولو اتفقوا على تحديد معناه‬

‫ما اختلفوا في االحتجاج به‪ ،‬ألن االستحسان هو عند التحقيق عدول عن دليل ظاهر أو عن حكم كلي لدليل‬

‫اقتضى هذا العدول‪ ،‬وليس مجرد تشريع بالهوى‪ .‬وكل قاض قد تنقدح في عقله في كثير من الوقائع مصلحة حقيقية‬

‫تقتضي العدول في هذه الجزئية عما يقضي به ظاهر القانون‪ ،‬وما هذا إال نوع من االستحسان‪ ..‬ولهذا قال اإلمام‬

‫الشاطبي في الموافقات‪ :‬من استحسن لم يرجع إلى مجرد ذوقه وتشهيه‪ ،‬وإنما رجع إلى ما علم من قصد الشارع في‬

‫الجملة في أمثال تلك األشياء المعروضة‪ ،‬كالمسائل التي يقتضي فيها القياس أمرا إال أن ذلك األمر يؤدي إلى تفويت‬
‫‪107‬‬
‫مصلحة من جهة أو جلب مفسدة كذلك‪.‬‬

‫‪ 106‬المستصفى من علم األصول‪ :‬أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي‪ ،‬دار الميمان للنشر والتوزيع السعودية – الرياض ج‪ ،8‬ص‪،727‬‬
‫الرسالة‪:‬االمام المطلبي محمد بن ادريس الشافعي‪ ،‬ص ‪503‬‬
‫‪107‬علم أصول الفقه‪ :‬عبد الوهاب خالف‪ -،‬دار الحديث – القاهرة –ط‪8082 ،8،‬ﮬ ‪ -‬ص ‪.101‬‬

‫‪47‬‬
‫المصالح المرسلة‬

‫‪108‬‬
‫المصلحة في اللغة العربية‪ :‬هي جلب المنفعة‪ ،‬ودفع المضرة (الضرر) أي المفسدة‪.‬‬

‫وفي اصطالح علماء األصول‪ :‬هي التي لم يشرع الشارع حكما لتحقيقها‪ ،‬ولم يدل دليل شرعي على إلغائها‪ ،‬وقد سميت‬

‫(مرسلة) ألنها لم تقيد بدليل اعتبار أو إلغاء‪ 109.‬ومثالها المصلحة التي شرع ألجلها الصحابة اتخاذ السجون‪ ،‬أو ضرب‬

‫النقود‪ ،‬أو إبقاء األرض الزراعية التي فتحوها في أيدي أهليها ووضع الخراج عليها‪ ،‬أو غير ذلك من المصالح التي‬

‫اقتضتها الضرورات‪ ،‬أو الحاجات أو التحسينات ولم تشرع أحكام لها‪ ،‬ولم يشهد شاهد شرعي باعتبارها أو إلغائها‪.‬‬

‫وتوضيح هذا التعريف‪ :‬أن تشريع األحكام ما قصد به إال تحقيق مصالح الناس‪ ،‬أي جلب نفع لهم أو دفع ضرر أو رفع‬

‫حرج عنهم‪ ،‬وأن مصالح الناس ال تنحصر جزئياتها‪ ،‬وال تتناهى أفرادها وأنها تتجدد بتجدد أحوال الناس وتتطور باختالف‬

‫البيئات‪ .‬وتشريع الحكم قد يجلب نفعا في زمن وضررا في آخر‪ ،‬وفي الزمن الواحد قد يجلب الحكم نفعا في بيئة‬

‫ويجلب ضررا في بيئة أخرى‪.‬‬

‫فالمصالح التي شرع الشارع أحكاما لتحقيقها‪ ،‬ودل على اعتبارها علال لما شرعه‪ ،‬وتسمى في اصطالح األصوليين‪:‬‬

‫المصالح المعتبرة من الشارع‪ ،‬مثل حفظ حياة الناس‪ ،‬شرع الشارع له إيجاب القصاص من القاتل العامد‪ ،‬وحفظ مالهم‬

‫الذي شرع له حد السارق والسارقة‪ ،‬وحفظ عرضهم الذي شرع له حد القذف للزاني والزانية‪ ،‬فكل من القتل العمد‪،‬‬

‫والسرقة‪ ،‬والقذف‪ ،‬والزنا‪ ،110‬وصف مناسب‪ ،‬أي أن تشريع الحكم بناء عليه يحقق مصلحة‪ ،‬وهو معتبر من الشارع ألن‬

‫‪108‬المستصفى من علم األصول‪ :‬أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪ ،721‬دار الميمان للنشر والتوزيع السعودية – الرياض‬
‫‪109‬علم أصول الفقه‪ :‬عبد الوهاب خالف‪ -،‬دار الحديث – القاهرة –ط‪8082 ،8،‬ﮬ ‪ -‬ص ‪842‬‬
‫‪ 110‬الموافقات‪ :‬لعالمة المحقق ابي اسحاق ابراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي‪ ،‬دار عفان للنشر والتوزيع‪ -‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬ط ‪،8‬‬
‫‪8087‬ﮬ ‪ -‬ج‪ ،2‬ص‪.82‬‬

‫‪48‬‬
‫الشارع بني الحكم عليه‪ ،‬وهذا المناسب المعتبر من الشارع إما مناسب مؤثر‪ ،‬وإما مناسب مالئم على حسب نوع اعتبار‬
‫‪111‬‬
‫الشارع له‪ ،‬وال خالف في التشريع بناء عليه‪.‬‬

‫وأما المصالح التي اقتضتها البيئات والطوارئ بعد انقطاع الوحي‪ ،‬ولم يشرع الشارع أحكاما لتحقيقها‪ ،‬ولم يقم دليل منه‬

‫على اعتبارها أو إلغائها‪ ،‬فهذه تسمى المناسب المرسل أو بعبارة أخرى المصلحة المرسلة‪ .‬مثل المصلحة التي اقتضت‬

‫أن الزواج الذي ال يثبت بوثيقة رسمية ال تسمع الدعوى به عند اإلنكار‪ ،‬ومثل المصلحة التي اقتضت أن عقد البيع الذي‬

‫ال يسجل ال ينقل الملكية‪ ،‬فهذه كلها مصالح لم يشرع الشارع أحكاما لها‪ ،‬ولم يدل دليل منه على اعتبارها أو إلغاءها‪،‬‬

‫فهي مصالح مرسلة‪.‬‬


‫‪112‬‬
‫يقول الشاطبي رحمه الله‪ :‬ان الشارع قد قصد بالتشريع اقامة المصالح األخروية والدنيوية‪.‬‬

‫والخالصة أن الجمهور على رد المصلحة التي لم يرد عن الشارع اعتبارها او الغاؤها‪ ،‬واالمام مالك رضي الله عنه على‬

‫قبولها مطلقا‪ ،‬حتى جوز ضرب المتهم بالسرقة ليقر‪ ،‬وجوز امورا اخرى غيرها ال داعي لإلطالة بها‪.‬‬

‫واما الغزالي فقد شرط للقطع بها‪ ،‬ال ألصل القول بها‪ ،‬ان تكون المصلحة ضرورية قطعية كلية بينما اعتبر الرازي واتباعه‬

‫هذه األمور شرطا للقول بها‪ ،‬فإذا لم تتوفر‪ ،‬او لم يتوفر احدها لم يقولوا به‪.‬‬

‫وقالوا‪ :‬والضرروية هي التي تكون من احدى الضروريات الخمس وهي حفظ الدين‪ ،‬والنفس‪ ،‬والعقل‪ ،‬والمال‪،‬‬
‫‪113‬‬
‫والنسب‪.‬‬

‫واما القطعية‪ :‬فهي التي يجزم بحصول المصلحة فيها‪.‬‬

‫والكلية‪ :‬هي التي تكون موجبة لفائدة عامة المسلمين‪.‬‬

‫‪ 111‬علم أصول الفقه‪ :‬عبد الوهاب خالف‪ -،‬دار الحديث – القاهرة – ط‪8082 ،8،‬ﮬ ‪ -‬ص ‪847‬‬
‫‪ 112‬الموافقات‪ :‬لعالمة المحقق ابي اسحاق ابراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي‪ ،‬دار عفان للنشر والتوزيع‪ -‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬ط ‪،8‬‬
‫‪8087‬ﮬ ‪ -‬ج‪ ،2‬ص‪.42‬‬
‫‪ 113‬تهذيب الوجيز في اصول الفقه‪ :‬شيخ محمد بن الدناه االجودي الشنقيطي‪ ،‬ص‪.814‬‬

‫‪49‬‬
‫ومثلوا لذلك بما اذا صال علينا كفار تترسوا بأسارى من المسلمين‪ ،‬وقطعنا بأننا لو امتنعنا عن قتل الترس من أجل قتل‬

‫الكفرة لصدمونا‪ ،‬واستولوا على ديارنا وقتلوا بعد ذلك الترس تبعا لكافة المسلمين‪ ،‬ولو انا رمينا الترس وقتلناه‪ ،‬مسلما من‬

‫غير ذنب صدر منه‪.‬‬

‫فإن قتل الترس في هذه الحالة مصلحة مرسلة‪ ،‬ألنه لم يعهد في الشرع جواز قتل مسلم بال ذنب‪ ،‬وليس هناك دليل على‬

‫عدم جواز قتله عند اشتماله على مصلحة عامة ضرورية قطعية كلية للمسلمين‪.‬‬

‫قالوا‪ :‬ولذلك يجوز اعتبار مثل هذه المصلحة إذا أدى اليها االجتهاد‪ ،‬لما فيها من الحفاظ على األمة‪ ،‬والسيما أن‬

‫األسير مقتول بكل حال‪ ،‬بناء على ما صورناه‪.‬‬

‫وهذا بخالف ما إذا كانت المصلحة غير ضرورية كرمي أهل قلعة من الكفار ‪ ،‬تتر سوا بمسلمين ‪ ،‬وذلك األن فتح هذه‬

‫القلعة ليس ضروريا ‪ ،‬فإن حفظ ديننا غير متوقف على االستيالء عليها‪.‬‬

‫أو كانت غير قطعية ‪ ،‬كما إذا لم نقطع بأن الكفار سوف يستأصلون المسلمين إن لم نرم الترس‪ .‬أو كانت غير كلية ‪،‬‬

‫كما لو أشرفت سفينة على الغرق‪ ،‬ثم علمنا أن نجاة الركاب متوقف على إلقاء واحد منهم أو أكثر في البحر ليخف‬

‫الحمل وينجو البقية‪ ،‬فإنه في هذه الحالة ال يجوز إلقاء أي واحد منهم ‪ ،‬ألن نجاة ركاب السفينة ليس كليا ‪ ،‬على معنى‬

‫إن نجاتم ليس نجاة لكل األمة ‪ ،‬وال عبرة بالقرعة في هذه الحالة ‪ ،‬ألن القرعة ليست معتبرة شرعا في هذا األمر ‪ ،‬وربما‬
‫‪114‬‬
‫كان الملقي في البحر خيرا من كل من في السفينة من الركاب الناجين‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬

‫أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يبنون كثيرا من األحكام على المصالح المرسلة ولم يكن أحد منهم ينكر ذلك‪،‬‬

‫فيكون ذلك إجماعا منهم‪ ..‬ومن المسائل التي بنوها على المصالح المرسلة‪:‬‬

‫‪ )8‬إن الصحابة رضي الله عنهم اتفقوا على جمع الصحف التي كتب فيها القرآن وذلك في زمن أبي بكر رضي الله‬

‫عنه وبناء على اقتراح سيدنا عمر بن الخطاب‪ -‬رضي الله عنه ‪ ،‬وكان ذلك من أجل مصلحة حفظ القرآن الكريم‪..‬‬

‫‪ 114‬المصدر السابقة‪ ،‬ص‪.817‬‬

‫‪50‬‬
‫‪ )2‬أن أبا بكر رضي الله عنه اختار سيدنا عمر ‪ -‬رضي الله عنه خليفة من بعده‪ ،‬وذلك لما عهده في عمر بن‬

‫الخطاب من القوة و الزهد والورع والعدل‪ ،‬وكان ذلك من مصلحة المسلمين‪..‬‬

‫‪ )7‬كان هناك مصاحف عديدة في زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه فجمع الناس على مصحف واحد‬

‫وحرق بقية المصاحف‪.‬‬

‫‪ )0‬زاد الخليفة الثالث عثمان رضي الله عنه األذان األول لصالة الجمعة حين كثر المسلمون؛ من أجل المصلحة‪،‬‬

‫فاألذان لإلعالم وقد رأى أن األذان األول يؤدي هذا الغرض‪..‬‬

‫سد الذرائع‬

‫‪115‬‬
‫الذريعة في اللغة العربية‪ :‬هي الوسيلة التي يتوصل بها إلى شيء آخر مطلقا‪...‬‬

‫أما في االصطالح الشرعي ‪ :‬فالمراد بالذريعة ما يكون وسيلة إلى شيء ممنوع شرعا‪..‬‬

‫و معنی سدها‪ :‬النهي عنها ومنع الناس منها‪.‬‬

‫وقد يكون للذريعة معنى أعم من هذا‪ :‬فقد تطلق ويراد ها الطريق مطلقا سواء أكان طريقا المحرم أو طريقا لحالل‪ ..‬فإذا‬
‫‪116‬‬
‫كانت الذريعة موصلة إلى حرام فهي حرام‪ ،‬وإذا كانت موصلة إلى حالل فهی حالل‪...‬‬

‫وقد عرفها ابن العربي بانها‪ :‬كل عمل ظاهره الجواز يتوصل به إلى محظور‪.117‬‬
‫‪118‬‬
‫وعرفها القرطبي بأنها‪ :‬عبارة عن أمر غير ممنوع لنفسه يخاف من ارتكابه الوقوع في ممنوع‪.‬‬

‫‪ 115‬القاموس المحيط‪ ،‬العالمة اللغوي مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي (ت‪187/‬ۿ) ‪ ،‬مكتب تحقيق التراث في مؤسس الرسالة‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪:‬‬
‫بيروت ودار الريان للتراث‪ ،‬ط ‪8047-2‬ﮬ‪ ،‬ص‪، 787 :‬باب العين‪ ،‬فصل الذال‪.،‬‬
‫‪ 116‬اصول الفقه‪ :‬الشيخ محمد أبو زهرة‪ ،‬ط‪ -2484-8‬دار الفكر العربي‪ -‬القاهرة‪ ،‬ص ‪.211‬‬
‫‪117‬احكام القرآن البن العربى تحقيق علي محمد البجاوي‪ ،‬دار المعرفة‪ -‬بيروت ‪721/2‬‬
‫‪ 118‬الجامع االحكام القرآن‪ :‬ابي عبد الله محمد بن احمد بن ابي بكر القرطبي‪ ،‬ط ‪8027- 8‬ﮬ‪ -‬مؤسس الرسالة –بيروتى – لبنان‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪220‬‬

‫‪51‬‬
‫وعرفها ابن تيمية رحمه الله تعالى بأنها‪ :‬ما كانت وسيلة وطريقا إلى الشيء‪ .‬هذا وإن سد الذرائع أصل عظيم له مكانة‬

‫كبيرة في الشريعة اإلسالمية يراد منه أن يكون سياجا يحمى أتباع اإلسالم من الوقوع في المحرمات ويحضهم على فعل‬

‫الخيرات‪ ..‬وقد قال ابن القيم رحمه الله تعالى في هذا الصدد‪ :‬لما كانت المقاصد ال يتوصل إليها إال بأسباب وطرق‬

‫تفضي إليها كانت طرقها وأسبابها تابعة لها معتبرة بها‪ .‬فوسائل المحرمات والمعاصي في كراهتها والمنع منها بحسب‬

‫إفضائها إلى غايتها‪ ،‬فوسيلة المقصود تابعة للمقصود وكالهما مقصود ولكنه مقصود قصد الغايات وهي مقصودة فصد‬
‫‪119‬‬
‫الوسائل‪.‬‬

‫فإذا حرم الرب تعالى شيئا وله طرق ووسائل تفضي إليه فإنه يحرمها ويمنع منها تحقيقا التحريمه وتثبيتا له‪ ،‬ومنعا أن‬

‫يقرب حماه‪ ،‬ولو أباح الوسائل والذرائع المفضية إليه لكان ذلك نقصا للتحريم و إغراء للنفوس به‪ ،‬وحكمته تعالى وعلمه‬

‫بأبيان ذلك كل اإلباء‪ ،‬بل سياسة ملوك الدنيا تأبى ذلك‪ ،‬فإن أحدهم إذا منع جنده أو رعيته أو أهل بيته من شيء ثم‬

‫أباح لهم الطرق واألسباب والذرائع الموصلة إليه لعد متناقضا و لحصل من رعيته و جنده ضد مقصوده‪.‬‬

‫وكذلك األطباء إذا أرادوا حسم الداء منعوا صاحبه من الطرق والذرائع الموصلة إليه وإال فسد عليهم ما يرومون إصالحه‪،‬‬

‫فما الظن هذه الشريعة الكاملة التي هي في أعلى درجات الحكمة والمصلحة والكمال ؟ ومن تأمل مصادرها ومواردها‬
‫‪120‬‬
‫علم أن الله تعالى ورسوله سدا الذرائع المفضية إلى المحارم بأن حرمها ونفي عنها‪.‬‬

‫وقال الشوكاني‪ :‬الذريعة هي المسألة التي ظاهرها اإلباحة و يتوصل بها إلى المحظور‪ ،‬وقد قال اإلمام مالك رحمه الله‬
‫‪121‬‬
‫تعالى بالمنع من الذرائع‪ ..‬وقال أبو حنيفة والشافعي ‪ -‬رحمهما الله تعالى ‪ -‬ال يجوز منعها‪.‬‬

‫‪ 119‬اعالم الموقعين‪ :‬االمام الحافظ شمش الدين أبي عبد تااه محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية‪ ،‬ط‪ ،8‬ج ‪ ،7‬ص ‪.14‬‬
‫‪120‬المصدر السابق‪ :‬ص ‪14‬‬
‫‪121‬ارشاد الفحول‪:‬محمد بن علي الشوكاني‪ ،‬ط‪8028-8‬ﮬ ‪ -‬دار الفضيلة للنشر والتوزيع‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.8447‬‬

‫‪52‬‬
‫و محل الخالف بين األئمة األربعة رحمهم الله تعالى أجمعين‪ :‬أن الذريعة إذا كانت تفضي إلى المفسدة غالبا کبيع‬

‫السالح إلى أهل الحرب فإنهم قد يتخذونه لحرب المسلمين‪ ،‬وكبيع العنب لمن يبيع الخمر‪ ،‬فإن البيع هنا ذريعة إلى‬

‫اتخاذ العنب حمرا‪. .‬‬

‫أو كانت الذريعة تفضي إلى المفسدة كثيرا ال غالبا‪ ،‬ومثالها بيوع اآلجال‪ ،‬فهي تؤدي إلى الربا المحرم كثيرا ال غاليا‪. .‬‬

‫فاإلمامان مالك وأحمد رحمهما الله تعالى ومن وافقهما يقولون بسد الذرائع فيهما سواء ظهر قصد إلى الفساد أو لم‬

‫يظهر ألنه متى ظهر قصد الفساد وجب منعه‪ ،‬وحينئذ فاألمر ظاهر‪ ،‬وإذا لم يظهر قصد الفساد فإنه يجب المنع أيضا؛‬

‫ألن الناس قد كثر فيهم ذلك حسب مقتضى العادة‪.‬‬

‫أما اإلمامان أبو حنيفة والشافعي رحمهما الله تعالى فينظران إلى القصد فيحسنان الظن ممن لم يظهر منه قصد إلى‬

‫الممنوع‪ ،‬فإذا ظهر منه قصد إلى المفسدة امتنع التصرف عندهما وإال فال‪ ،‬لذا فإنهما يجيزان بيوع اآلجال؛ ألنهما‬

‫ينظران إلى أصل اإلذن بالبيع؛ ألن العلم أو الظن بوقوع المفسدة منتفيان إذ ليس هنا إال احتمال مجرد بين الوقوع‬

‫وعدمه‪ ،‬وال قرينة ترجح أحد الجانبين على اآلخر‪ ،‬واليبنى المنع إال على العلم‪ ،‬أو الظن‪ .‬وال يصح أن يحمل عمل‬
‫‪122‬‬
‫العامل زورا المفسدة لم يقصدها ولم يكن مقصرا في االحتياط لتجنبها‪.‬‬

‫األمثلة من سد الذرائع‪:‬‬
‫‪123‬‬
‫‪ -8‬قال الله تعالى‪ { :‬وال تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم}‪.‬‬

‫ففي اآلية الكريمة ينهي تبارك وتعالى عن سب آلهة المشركين لكونه ذريعة إلى أن يسبوا الله سبحانه‪.‬‬
‫‪124‬‬
‫‪ -2‬قال الله تعالى { واليضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن }‪.‬‬

‫‪122‬الموافقات‪ :‬العالمة المحقق ابي اسحاق ابراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي‪ ،‬ط ‪8087 ،8‬ﮬ ‪ -‬دار عفان للنشر والتوزيع‪ -‬المملكة العربية‬
‫السعودية‪ ،0 ،‬ص ‪.47،41‬‬
‫‪123‬سورة االنعام ‪841‬‬
‫‪124‬سورة النور ‪78‬‬

‫‪53‬‬
‫ففي هذه اآلية الكريمة ينهى الله النساء عن الضرب باألرجل في مشيهن حتى اليسمع الرجال صوت خلخالهن فيتطلعوا‬

‫الى النساء‪ ،‬ويؤدي ذلك الى ايقاظ شهوة الرجال وتنشأ المفسدة‪ .‬ويقاس على كل فعل مثير للفتنة كالتزين الفاضح‬

‫والتعطر عند الخروج حتى ولو كان للصالة‪ ،‬وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة اذا خرجت الى المسجد ان‬

‫تتطيب‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬اذا شهدت احداكن المسجد فالتمس طيبا‪ .125‬وفي حديث آخر‪:‬‬

‫التمنعوا إماء الله مساجد الله‪.126‬‬

‫والشارع يراعي في نهيه عن الوسائل ما يغلب فيه التوصل الى المفسدة‪ ،‬اما ما اليوصل اليها إال نادرا فال ينهي عنه‪.‬‬

‫ت أيْمانُ ُك ْم والَّ ِّذين ل ْم يـْبـلُغُوا الْ ُحلُم ِّمْن ُك ْم ثالث مَّرات ۚ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫‪ -7‬قال الله تعالى‪ { :‬يا أيـُّها الَّذين آمنُوا لي ْستأْذنْ ُك ُم الَّذين ملك ْ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ِّم ْن قـْب ِّل صالةِّ الْف ْج ِّر و ِّحين تضعُون ثِّياب ُك ْم ِّمن الظَّ ِّهيرِّة وِّم ْن بـ ْعد صال ِّة الْعِّشاء ۚ ثال ُ‬
‫ث ع ْورات ل ُك ْم ۚ لْيس علْي ُك ْم وال علْي ِّه ْم‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫ض ُك ْم على بـ ْعض ۚ كذلك يـُبـي ُن اللَّهُ ل ُك ُم ْاآليات واللَّهُ عل ٌ‬
‫‪127‬‬
‫يم }‬
‫يم حك ٌ‬ ‫اح بـ ْعد ُه َّن ۚ ط َّوافُون علْي ُك ْم بـ ْع ُ‬
‫ُجن ٌ‬
‫ففي هذه اآلية الكريمة ينهى سبحانه وتعالى أن يسمح للمملوكين ومن لم يبلغ الحلم من األحرار من الدخول قبل‬

‫االستئذان في األوقات الثالثة المذكورة في اآلية الكريمة كي ال يكون الدخول بدون االستئذان ذريعة إلى إطالعهم على‬

‫ما ال يجوز االطالع عليه‪ ،‬ألن هذه األوقات مظنة التجرد من الثياب أو لبس ثياب خاصة‪ ،‬وأما في غير هذه األوقات‬

‫فال مظنة‪ ،‬لذلك رفع الحرج عن أولئك المذكورين في الدخول في غير هذه األوقات‪.‬‬

‫ت إِّ ْذ تأْتِّ ِّيه ْم ِّحيتانـُ ُه ْم يـ ْوم سْبتِّ ِّه ْم‬


‫السب ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫ت حاضرة الْب ْح ِّر إِّ ْذ يـ ْع ُدون في َّ ْ‬
‫اسألْ ُه ْم ع ِّن الْق ْرية الَّتي كان ْ‬
‫‪ -0‬قال الله سبحانه‪ { :‬و ْ‬
‫وه ْم بِّما كانُوا يـ ْف ُس ُقون }‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ُشَّر ًعا ويـ ْوم ال ي ْسبِّتُون ۙ ال تأْت ِّيه ْم ۚ كذلك نـْبـلُ ُ‬
‫‪128‬‬

‫‪125‬صحيح مسلم‪ :‬اإلمام أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري‪ ، :‬ط‪8082-8،‬ﮬ‪ -‬دار الكتاب العلمية‪ -‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب‬
‫خروج النساء الى المساجد الله اذ لم يترتب عليه فتنة‪ ،‬وانها التخرج مطيبة‪ ،‬ص ‪ ،721‬رقم الحديث‪.007 :‬‬
‫‪126‬صحيح البخاري ‪:‬االمام ابو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري‪ :‬ط‪8027-8‬ﮬ‪ -‬دار ابن كثير‪ :‬دمشق‪-‬بيروت‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬رقم الحديث‪،244:‬‬
‫ص‪.281‬‬
‫‪127‬سورة النور ‪11‬‬
‫‪128‬سورة االعراف ‪847‬‬

‫‪54‬‬
‫ويظهر من هذه اآلية الكريمة أن الله سبحانه وتعالى حرم االصطياد يوم السبت على اليهود‪ ،‬فصاروا إذا جاء يوم السبت‬

‫ال يصيدون فيه‪ ،‬ولكن يسدون المسالك ويقولون إنما منعنا من االصطياد يوم السبت‪ ،‬فسماهم الله سبحانه معتدين ما‬
‫‪129‬‬
‫أمرهم الله به من الكف عن االصطياد و بفعلهم ذريعته في يوم النهي‪.‬‬

‫‪ -1‬ويقول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ :‬ال تقبل شهادة خصم وال ظنين‪ .‬ذلك خشية الشهادة بالباطل ومنع شهادة اآلباء‬
‫‪130‬‬
‫لألبناء‪.‬‬

‫‪ -4‬ويقول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ :‬إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه‪ ،‬قيل‪ :‬يا رسول الله كيف يلعن الرجل‬
‫‪131‬‬
‫والديه؟ قال‪ :‬يسب أبا الرجل فيسب أباه‪ ،‬ويسب أمه فيسب أمه‪.‬‬

‫جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم سب الرجل لوالدي الرجل اآلخر سبا لوالديه؛ ألن األول قد يكون ذريعة‬

‫للثاني‪...‬‬

‫‪ -7‬ويقول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم للسيدة لعائشة أم المؤمنين ‪ -‬رضي الله عنها‪ :‬لوال حداثة قومك بالكفر لنقضت ‪-‬‬

‫البيت ثم بنيته على أساس إبراهيم‪ .132‬فقد امتنع ‪ -‬صلى الله عليه وسلم من هدم البيت وبنائه من جديد على األسس‬

‫التي وضعها إبراهيم ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬على الرغم مما في ذلك من مصلحة‪ ،‬ألن العرب كانوا حديثي عهد بالجاهلية‬

‫مخافة أن يسبب ذلك نفورا‪ ،‬فترك البناء سدا لهذه الذريعة‪.‬‬

‫‪129‬ارشاد الفحول‪:‬محمد بن علي الشوكاني‪ ،‬ط‪8028-8‬ﮬ ‪ -‬دار الفضيلة للنشر والتوزيع‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.8441‬‬
‫‪130‬ارشاد الفحول‪ ،‬ص ‪.8484‬‬
‫‪131‬صحيح البخاري ‪:‬االمام ابو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري‪ :‬ط‪8027-8‬ﮬ‪ -‬دار ابن كثير‪ :‬دمشق‪-‬بيروت‪ ،‬كتاب األدب‪ ،‬باب اليسب الرجل‬
‫والديه‪ ،‬رقم الحديث‪ ،1277:‬ص‪.8144‬‬
‫‪ 132‬صحيح البخاري‪ :‬كتاب الحج‪ ،‬باب فضل مكة وبنيانها‪ ،‬رقم الحديث‪ ،8111 :‬ص‪.711‬‬

‫‪55‬‬
‫‪ - 1‬نهي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬عن االحتكار‪ ،‬وقال ‪ - -‬صلى الله عليه وسلم ‪ :-‬ال يحتكر إال خاطئ‪ .133‬فإن‬

‫االحتكار ذريعة إلى أن يضيق على الناس‪ ،‬وكما أن االحتكار حرام لذلك‪ ،‬فاالستيراد واجب في الضائقات ألنه ذريعة إلى‬

‫التوسعة‪.‬‬

‫ولهذا يقول النبي ‪ - -‬صلى الله عليه وسلم ‪ :-‬الجالب مرزوق‪.‬‬

‫‪ - 2‬أمر رسول اهلل ‪ - -‬أن يفرق بين األوالد ذكورهم و إناثهم في المضاجع؛ لئال يكون عدم التفريق ذريعة إلى الفساد‬

‫بقصد أو بغير قصد‪ ،‬التحاد الفراش‪ ،‬وقال‪:‬مروا أوالدكم بالصالة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع‪.‬‬

‫العُرف‬

‫تعريفه‪:‬‬

‫العُرف هو ما تعارفه الناس وساروا عليه‪ ،‬من قول‪ ،‬أو فعل‪ ،‬أو ترك‪ ،‬ويسمى العادة‪ .‬وفي لسان الشرعيين‪ :‬ال فرق بين‬

‫العرف والعادة‪ ،‬فالعرف العملي‪ :‬مثل تعارف الناس البيع بالتعاطي من غير صيغة لفظية‪ .‬والعرف القولي‪ :‬مثل تعارفهم‬

‫إطالق الولد على الذكر دون األنثى على حين ان الولد يطلق على الذكر او االنثى‪ ،‬قال الله تعالى‪ {:‬يوصيكم الله في‬

‫أوالدكم للذكر مثل حظ االنثيين}‪ 134‬ومن ذلك تعارف الناس على عدم اطالق لفظ اللحم على السمك‪ ،‬واللغة العربية‬
‫‪136 135‬‬
‫يجوز فيها ذلك‪ ،‬قال الله تعالى‪ { :‬وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا} ‪.‬‬

‫أنواعه‪:‬‬

‫العرف نوعان‪ :‬عرف صحيح‪ ،‬وعرف فاسد‪.‬‬

‫‪ 133‬صحيح مسلم‪ :‬اإلمام أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري‪ ، :‬ط‪8082-8،‬ﮬ‪ -‬دار الكتاب العلمية‪ -‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬كتاب المساقاة‪،‬‬
‫باب تحريم اإلحتكار في االقوات‪ ،‬ص ‪ ،8227‬رقم الحديث‪.8441 :‬‬
‫‪134‬سورة النساء ‪88‬‬
‫‪135‬سورة النحل ‪80‬‬
‫‪136‬علم أصول الفقه‪ :‬عبد الوهاب خالف‪ -،‬دار الحديث – القاهرة – ط‪8082 ،8،‬ﮬ ‪ -‬ص ‪842‬‬

‫‪56‬‬
‫فالعرف الصحيح‪ :‬هو مالم يخالف نصا من كتاب او سنة‪ ،‬فإذا خالف وجب إهماله واتباع احكام االسالم‪ ...‬كتعارف‬

‫الناس عقد االستصناع‪ ،‬وتعارفهم تقسيم المهر إلى مقدم ومؤخر‪ ،‬وتعارفهم أن الزوجة ال تزف إلى زوجها إال إذا قبضت‬

‫جزءا من مهرها‪ ،‬وتعارفهم أن ما يقدمه الخاطب إلى خطيبته من حلي وثياب هو هدية ال من المهر‪.‬‬

‫وأما العرف الفاسد‪ :‬هو ما تعارفه الناس ولكنه يخالف الشرع أو يحل المحرم أو يبطل الواجب‪ ،‬مثل تعارف الناس كثيرا‬

‫من المنكرات في الموالد والمآتم‪ ،‬وتعارفهم أكل الربا وعقود المقامرة‪.‬‬

‫حكمه‪:‬‬

‫أما العرف الصحيح فيجب مراعاته في التشريع وفي القضاء‪ ،‬وعلى المجتهد مراعاة في تشريعه؛ وعلى القاضي مراعاته في‬

‫قضائه؛ ألن ما تعارفه الناس وما ساروا عليه صار من حاجاتهم ومتفقا ومصالحهم‪ ،‬فما دام ال يخالف الشرع وجبت‬

‫مراعاته‪ ،‬والشارع راعي الصحيح من عرف العرب في التشريع‪ ،‬ففرض الدية على العاقلة‪ ،‬وشرط الكفاءة في الزواج واعتبر‬

‫العصبية في الوالية واإلرث‪.‬‬

‫ولهذا قال العلماء‪ :‬العادة شريعة محكمة‪ ،‬والعرف في الشرع له اعتبار‪ ،‬واإلمام مالك بنى كثيرا من أحكامه على عمل‬

‫أهل المدينة‪ ،‬وأبو حنيفة وأصحابه اختلفوا في أحكام بناء على اختالف أعرافهم‪ ،‬والشافعي لما هبط إلى مصر غير بعض‬

‫األحكام التي كان قد ذهب إليها وهو في بغداد‪ ،‬لتغير العرف‪ ،‬ولهذا له مذهبان قديم وجديد‪.‬‬

‫وفي فقه الحنفية أحكام كثيرة مبنية على العرف‪ ،‬منها إذا اختلف المتداعيان وال بينة ألحدهما فالقول لمن يشهد له‬

‫العرف‪ ،‬وإذا لم يتفق الزوجان على المقدم والمؤخر من المهر فالحكم هو العرف‪ ،‬زمن حلف ال يأكل لحما فأكل سمكا‬

‫ال يحنث بناء على العرف‪ ،‬والمنقول يصح وقفه إذا جرى به العرف‪ ،‬والشرط في العقد يكون صحيحا إذا ورد به الشرع‬

‫أو اقتضاه العقد أو جرى به العرف‪.‬‬

‫وأما العرف الفاسد فال تجب مراعاته ألن في مراعاته معارضة دليل شرعي أو إبطال حكم شرعي‪ ،‬فإذا تعارف الناس عقدا‬

‫من العقود الفاسدة كعقد ربوي‪ ،‬أو عقد فيه غرر وخطر‪ ،‬فال يكون لهذا العرف أثر في إباحة هذا العقد‪ ،‬ولهذا ال يعتبر‬

‫‪57‬‬
‫في القوانين الوضعية عرف يخالف الدستور أو النظام العام‪ ،‬وإنما ينظر في مثل هذا العقد من جهة أخرى‪ ،‬وهي أن هذا‬

‫العقد هل يعد من ضرورات الناس أو حاجياتهم‪ ،‬بحيث إذا أبطل يختل نظام حياتهم أو ينالهم حرج أو ضيق أوال؟ فإن‬

‫كان من ضرورياتهم أو حاجياتهم يباح ألن الضرورات تبيح المحظورات‪ ،‬والحاجات تنزل منزلتها في هذا‪ ،‬وإن لم يكن‬

‫من ضرورياتهم وال من حاجياتهم يحكم ببطالنه وال عبرة لجريان العرف به‪ .‬واألحكام المبنية على العرف تتغير بتغيره‬

‫زمانا ومكانا‪ ،‬ألن الفرع يتغير بتغير أصله‪ ،‬ولهذا يقول الفقهاء في مثل هذا االختالف‪ :‬إنه اختالف عصر وزمان‪ ،‬ال‬

‫اختالف حجة وبرهان‪.‬‬

‫والعرف عند التحقيق ليس دليال شرعيا مستقال‪ :‬وهو في الغالب من مراعاة المصلحة المرسلة‪ ،‬وهو كما يراعي في تشريع‬

‫األحكام يراعي في تفسير النصوص‪ ،‬فيخصص به العام‪ ،‬ويقيد به المطلق‪ .‬وقد يترك القياس بالعرف ولهذا صح عقد‬
‫‪138‬‬
‫االستصناع‪ ،137‬لجريان العرف به وإن كان قياس ال يصح ألنه عقد على معدوم‪.‬‬

‫االستصحاب‬

‫‪139‬‬
‫االستصحاب في اللغة العربية‪ :‬دعاه الى الصحبة‪ ،‬والزمه‪.‬‬

‫وفي اصطالح األصوليين‪:‬‬

‫عرفه الشوكاني ‪ :‬ان ما ثبت في الزمن الماضي فاألصل بقاؤه في الزمن المستقبل‪ ،‬مأخوذ من المصاحبة‪ ،‬وهو بقاء ذلك‬
‫‪140‬‬
‫األمر ما لم يوجد ما يغيره‪.‬‬

‫‪137‬مجموعة رسائل ابن عابدين‪ :‬السيد محمد امين افندى الشهير بابن عابدين رحمه الله‪ ،‬ج ‪ – 2‬ص ‪884‬‬
‫‪138‬علم أصول الفقه‪ :‬عبد الوهاب خالف‪ -،‬دار الحديث – القاهرة – ط‪8082 ،8،‬ﮬ ‪ -‬ص ‪888‬‬
‫‪ 139‬القاموس المحيط‪ ،‬العالمة اللغوي مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي (ت‪187/‬ۿ) ‪ ،‬ط ‪8047-2‬ﮬ‪ ،‬تحقيق‪ /‬مكتب تحقيق التراث في مؤسس‬
‫الرسالة‪،،‬مؤسسة الرسالة‪ :‬بيروت ودار الريان للتراث‪ ،‬ص‪، 840 :‬باب الباب‪ ،‬فصل الصاد‪.‬‬
‫‪140‬ارشاد الفحول‪:‬محمد بن علي الشوكاني‪ ،‬ط‪8028-8‬ﮬ ‪ -‬دار الفضيلة للنشر والتوزيع‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.270‬‬

‫‪58‬‬
‫وعرفه ابن القيم‪:‬‬

‫هو استدامة إثبات ما كان ثابتا على ما كان‪ ،‬أو نفي ما كان منفيا‪....‬‬

‫فما علم وجوده يحكم باستمراره‪ ،‬وبقائه‪ ،‬استنادا إلى االستصحاب‪...‬‬

‫فمن ثبتت ملكيته لشيء يحكم له بها حتى يقوم الدليل على عكسها‪ ..‬ومن عرفت حياته ال يحكم بوفاته حتى يقوم‬
‫‪141‬‬
‫الدليل‪ .‬فالذي فقد ال يحكم بوفاته حتى يثبت ذلك‪ .‬ومن ثبتت زوجيته ال يحكم بطالقه إال إذا ثبت‪...‬‬

‫ذلك هو االستصحاب‪ ،‬إنه مصدر من مصادر الشريعة أو دليل من أدلتها وهو ال يعول عليه إال في نهاية المطاف‪ ،‬فإن‬

‫المجتهد إذا عرضت عليه واقعة وجب عليه أن ينظر في كتاب الله‪ ،‬ثم في سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم‪ -‬ثم‬

‫اإلجماع‪ ،‬ثم القياس‪ .‬قال الخوارزمي‪ :‬هو ‪ -‬االستصحاب ‪ -‬آخر مدار للفتوى‪ ،‬فإن المفتي إذا سئل عن حادثة تطلب‬

‫حكمها في الكتاب‪ ،‬ثم في السنة‪ ،‬ثم في اإلجماع‪ ،‬ثم في القياس‪ ،‬فإن لم يجده فيأخذ حكمها من استصحاب الحال‬
‫‪142‬‬
‫في النفي‪ ،‬واإلثبات‪ ،‬فإن كان التردد في زواله فاألصل بقاؤه‪ ،‬وإن كان التردد في ثبوته فاألصل عدم ثبوته‪.‬‬

‫وقد دل على العمل باالستصحاب دليالن‪:‬‬

‫األول ‪ -‬من الشريعة الغراء‪ :‬فقد ثبت باالستقراء أن األحكام الشرعية تبقى على ما هي عليه حتى يدل دليل على‬

‫عكسها‪ .‬وهذا هو االستصحاب‪.‬‬

‫الثاني ‪ -‬العقل‪ :‬فقد ثبت بداهة أنه ليس ألحد أن يدعي أن فالنا مباح الدم الرتداده إال إذا قام الدليل على ردته‪ ..‬ألن‬

‫األصل حرمة دم المسلم‪.‬‬

‫وقد قسم العلماء االستصحاب إلى أربعة أقسام‪:‬‬

‫‪ -8‬استصحاب البراءة األصلية‪.‬‬

‫‪ -2‬استصحاب الوصف‪.‬‬

‫‪141‬اصول الفقه‪ :‬الشيخ محمد أبو زهرة‪ ،‬ط‪ -2484-8‬دار الفكر العربي‪ -‬القاهرة‪ ،‬ص ‪.224‬‬
‫‪142‬ارشاد الفحول‪:‬محمد بن علي الشوكاني‪ ،‬ط‪8028-8‬ﮬ ‪ -‬دار الفضيلة للنشر والتوزيع‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.270‬‬

‫‪59‬‬
‫‪ -7‬استصحاب ما دلت الشريعة أو العقل على وجوده‪.‬‬
‫‪143‬‬
‫‪-1‬استصحاب الحكم‪.‬‬

‫واختلفوا هل حجة (االستصحاب) عند عدم الدليل على اقوال‪:‬‬

‫األول‪ :‬أنه حجة‪.‬‬

‫وبه قالت الحنابلة‪ ،‬والمالكية‪ ،‬واكثر الشافعية‪ ،‬والظاهرية‪ ،‬سواء كان في النفي أو اإلثبات‪ .‬وحكاه ابن الحاجب عن‬

‫االكثر‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬أنه ليس حجة‪.‬‬

‫وإليه ذهب أكثر الحنفية‪ ،‬والمتكلمين‪ ،‬كأبي الحسين البصري‪.‬‬

‫شرع من قبلنا‬

‫األصل أن كافة الشرائع التي أرسلها الله سبحانه اإلرشاد عباده وإصالحهم واحدة في عمومها وبها قال سبحانه‪:‬‬
‫صيـنا بِِّّه إِّبـر ِّاهيم وموسى و ِّعيسى ۖ أ ْن أقِّيموا ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ين ما و َّ ِِّّ‬ ‫{ شرع ل ُكم ِّمن ِّ‬
‫الدين وال‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫وحا والَّذي أ ْوحْيـنا إِّلْيك وما و َّ ْ‬
‫صى به نُ ً‬ ‫الد ِّ‬ ‫ْ‬
‫يب } {وما تـفَّرقُوا إَِّّال ِّم ْن‬‫ِّ ِّ ِّ ِّ‬ ‫تـتـفَّرقُوا فِّ ِّيه ۚ كبـر على الْم ْش ِّركِّين ما ت ْدع ِّ ِّ َّ ِّ ِّ ِّ‬
‫وه ْم إلْيه اللهُ ي ْجتبي إلْيه م ْن يشاءُ ويـ ْهدي إلْيه م ْن يُن ُ‬
‫ُُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ضي بـْيـنـ ُه ْم ۚ وإِّ َّن الَّ ِّذين أ ِّ‬
‫ُورثُوا الْ ِّكتاب ِّم ْن‬ ‫بـع ِّد ما جاءهم الْعِّْلم بـ ْغيا بـيـنـهم ۚ ولوال كلِّمةٌ سبـقت ِّمن ربِّك إِّلى أجل مس ًّمى ل ُق ِّ‬
‫ُ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ُُ ُ ً ْ ُْ ْ‬ ‫ْ‬
‫‪144‬‬
‫بـ ْع ِّد ِّه ْم ل ِّفي شك ِّمْنهُ ُم ِّريب }‬

‫‪143‬اصول الفقه‪ :‬الشيخ محمد أبو زهرة‪ ،‬ط‪ -2484-8‬دار الفكر العربي‪ -‬القاهرة‪ ،‬ص ‪.221‬‬
‫‪144‬سورة الشورى‪.87 ،80‬‬

‫‪60‬‬
‫فهذه اآلية الكريمة تقرر أن أصل الشرائع واحد‪ .‬غير أن الخالق سبحانه قد حرم على بعض األمم األسباب يعلمها هو‬

‫جلت قدرته‪ ،‬ما أحله ألمم أخرى‪...‬‬

‫فإذا كان هناك أحكام شرعت على من سبقنا من األمم فهل تكون شرع لنا؟ يجب العمل بها أم ال‪ ..‬لإلجابة على ذلك‬

‫نود أن نذكر أن المقصود بشرع من قبلنا‪ :‬األحكام التي شرعها الله سبحانه وتعالى لمن سبقنا من األمم وأنزلها على‬
‫‪145‬‬
‫أنبيائه ورسله لتبليغها‪ ،‬والعمل بها‪.‬‬

‫• أقوال الفقهاء‬
‫‪146‬‬
‫ينقسم شرع من قبلنا إلى أربعة أقسام‪:‬‬

‫القسم األول‪:‬‬

‫أحكام وردت في القرآن الكريم أو السنة‪ ،‬وقام الدليل عليها على أنها مفروضة علينا كما كانت مفروضة على من سبقنا‬

‫من األمم واألقوام ‪ -‬وال خالف بين الفقهاء في حجية هذا النوع من الشرع‪ ،‬فهو شرع لنا ومصدر شرعيته وحجيته إلينا‬
‫هو نصوص شريعتنا ‪ -‬ومن هذا القسم قوله سبحانه وتعالى ‪ { :‬يا أيـُّها الَّ ِّذين آمنُوا ُكتِّب علي ُكم ِّ‬
‫الصي ُام كما ُكتِّب على‬ ‫ْ ُ‬
‫الَّ ِّذين ِّم ْن قـْبلِّ ُك ْم لعلَّ ُك ْم تـتَّـ ُقون ‪.} 147‬‬

‫القسم الثاني‪:‬‬

‫أحكام قصها الله سبحانه وتعالى أو بينها الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته‪ ،‬لكن قام الدليل من شريعتنا على‬

‫نسخها في حقنا‪ .‬فهذا النوع بال خالف بين الفقهاء ليس شرعا في حقنا من ذلك ما جاء في قوله سبحانه وتعالى‪:‬‬

‫ِّ ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬


‫س أ ْو‬ ‫{ قُ ْل ال أج ُد في ما أُوحي إل َّي ُمحَّرًما على طاعم يطْع ُمهُ إَّال أ ْن ي ُكون مْيـت ًة أ ْو د ًما م ْس ُف ً‬
‫وحا أ ْو ل ْحم خْنزير فإنَّهُ ر ْج ٌ‬
‫اضطَُّر غيـر باغ وال عاد فِّإ َّن ربَّك غ ُف ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ف ْس ًقا أُه َّل لغْي ِّر اللَّه بِّه ۚ فم ِّن ْ ْ‬
‫‪148‬‬
‫يم }‬
‫ور رح ٌ‬
‫ٌ‬

‫‪145‬الوجيز في اصول الفقه‪ :‬الدكتور عبد الكريم زيدان‪ ،‬ط ‪ – 4‬مؤسسة قرطبة – مصر‪ ،‬ص ‪.247‬‬
‫‪ 146‬الوجيز في اصول الفقه‪ ،‬ص‪840‬‬
‫‪147‬سورة البقرة ‪817‬‬
‫‪148‬سورة األنعام ‪.801‬‬

‫‪61‬‬
‫وقوله صلى الله عليه وسلم‪ :‬وأحلت لي الغنائم ولم تحل لغيري‪ ..‬الحديث‬

‫فاآلية الكريمة تدل على تحريم أشياء لم تحرم علينا بل أحلت لنا‪ ،‬والحديث الشريف دل على حل الغنائم‪ ،‬وما كانت‬

‫حالال لألمم األخرى‪.‬‬

‫القسم الثالث‪:‬‬

‫أحكام لم يرد لها ذكر في القرآن الكريم وال في السنة النبوية الشريفة وهذا النوع ال يكون شرعا لنا باتفاق العلماء‪.‬‬

‫القسم الرابع‪:‬‬

‫أحكام جاءت بها نصوص الكتاب أو السنة ولم يقم دليل من هذه النصوص على بقاء حكمها أو عدم بقائه في حقنا ‪-‬‬
‫ف و ْاألُذُن بِّ ْاألُذُ ِّن و ِّ‬
‫الس َّن‬ ‫مثل قوله سبحانه وتعالى ‪ { :‬وكتـْبـنا علْي ِّه ْم فِّيها أ َّن النَّـ ْفس بِّالنَّـ ْف ِّ‬
‫س والْعْين بِّالْعْي ِّن و ْاألنْف بِّ ْاألنْ ِّ‬

‫‪149‬‬
‫اص ۚ فم ْن تص َّدق بِِّّه فـ ُهو كفَّارةٌ لهُ وم ْن ل ْم ي ْح ُك ْم بِّما أنْـزل اللَّهُ فأُولئِّك ُه ُم الظَّالِّ ُمون}‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫بِّالس ِّن والْ ُج ُروح قص ٌ‬
‫وهذا النوع هو الذي اختلف الفقهاء في حجيته‪ ،‬فقال الجمهور ومنهم الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة‪ :‬إن هذا‬

‫النوع يعتبر شرع لنا؛ ألن الله سبحانه قد قصه علينا‪ ،‬فيحسب علينا العمل به‪ ،‬وإال ما كانت هناك فائدة من إخبارنا به‪.‬‬

‫وقال اآلخرون ومنهم المعتزلة واألشعرية‪ :‬إنه ال يكون شرعا لنا ‪ -‬وقولهم ال حجة له‪.‬‬

‫وخالصة الكالم‪ :‬هو أن الفقهاء جميعا قد اتفقوا على حجية شرع من قبلنا في حقنا ما لم يرد في شرعنا ما ينسخه‪ .‬ولم‬

‫يخالف إال قليل‪.‬‬

‫‪149‬سورة المائدة ‪01‬‬

‫‪62‬‬
‫قول الصحابي‬
‫من مصادر التشريع اإلسالمي‪ :‬رأي الصحابي أو قول الصحابي كما يذكره علماء األصول‪ .‬فمن هو الصحابي وهل‬

‫يجب األخذ بقوله‪ ،‬ومتى؟‪...‬‬

‫الصحابي‪ :‬هو الذي شاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمن به ونصره‪ ،‬وسمع منه‪ ،‬والزمه مدة من الزمن تكفي‬

‫إلطالق كلمة الصحابي عليه عرفا كالخلفاء الراشدين‪ ،‬وعبد الله بن عباس‪ ،‬وعبد الله بن مسعود‪ ،‬وأنس وحذيفة وغيرهم‬

‫‪ -‬رضي الله عنهم أجمعين‪.‬‬

‫أما تعريف الصحابي عند المحدثين فهو من شاهد النبي صلى الله عليه وسلم وآمن به سواء طالت مشاهدته أم قصرت‪،‬‬

‫وعلى هذا التعريف يعتبر صحابيا من اجتمع برسول الله صلى الله عليه وسلم ولو لحظة واحدة‪..‬‬

‫لقد قام الصحابة الكرام بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بدورهم أحسن قيام‪ ،‬فمن كان أهال لإلفتاء والقضاء‬

‫أدى دوره‪ ،‬ومن يسره الله سبحانه للفتح والجهاد والقيادة قام بذلك‪ ،‬وقد نقلت عنهم فتاوی و آراء فهل تعتبر تلك‬

‫‪.‬الفتاوى واألقضية من مصادر التشريع إلى جانب الكتاب والسنة واإلجماع؟‬

‫ذلك مما بحثه الفقهاء ولم يتركوه فجزاهم الله عن اإلسالم والمسلمين كل خير‪ ،‬وقد تركوا في المسألة أقواال مختلفة‪،‬‬

‫وخالصتها‪:‬‬

‫أوال‪ -‬أن قول الصحابي في المسألة التي ال تدرك بالرأي واالجتهاد يعتبر حجة‪ ،‬ألنه محمول على أنه سمعه من الرسول‬

‫صلى الله عليه وسلم والسنة مصدر من مصادر التشريع‪ ..‬وقد مثل الحنفية له بما روي عن عبد الله بن مسعود ‪ -‬رضي‬

‫الله عنه ‪ -‬أنه قال‪« :‬أقل الحيض ثالثة أيام» وبما ثبت عندهم من أن «أقل المهر عشرة دراهم» وبما روي عن عائشة ‪-‬‬

‫رضي الله عنها أن الحمل ال يمكث في بطن أمه أكثر من سنتين ولو بدورة مغزل‪..‬‬

‫‪63‬‬
‫ثانيا‪ -‬قول الصحابي الذي حصل عليه االتفاق يعتبر حجة‪ ،‬ألنه إجماع من الصحابة ‪ -‬رضي الله‬

‫عنهم ‪ ..‬و كذلك قول الصحابي الذي سکت عليه كافة الصحابة الكرام؛ ألن سكوتهم يعتبر إجماعا سكوتيا‪ ..‬فهو‬

‫حجة شرعية عند القائلين بذلك‪..‬‬

‫ثالثا ‪ -‬قول الصحابي ليس حجة على غيره من الصحابة‪ ،‬فقد اختلفوا فيما بينهم‪ ،‬وكان لكل واحد منهم رأي‪..‬‬

‫رابعا‪ -‬قول الصحابي الذي صدر عن رأيه واجتهاده؛ هل يكون حجة على من جاء من بعدهم؟‪.‬‬

‫‪ .8‬ذهب بعض العلماء إلى أنه ليس بحجة‪ ،‬وال يلزم المجتهد أن يأخذ بقول الصحابي الصادر عن رأيه واجتهاده‪ ،‬بل‬

‫يجب على المجتهد أن يتلمس الدليل الشرعي‪.‬‬

‫‪ .2‬وذهب آخرون إلى أن قول الصحابي الصادر عن رأيه حجة شرعية يجب العمل بما إذا لم يوجد دليل من كتاب وال‬

‫سنة وال إجماع وإذا اختلف الصحابة فالمجتهد يستطيع أن يتخير من أقوالهم‪..‬‬

‫ذلك ألن الصحابي الزم النبي صلى الله عليه وسلم وشاهد التتريل وعاش اإلسالم‪ ،‬ووقف على حكمة التشريع‪ ،‬فاحتمال‬

‫الصواب في رأيه أكثر بكثير من اجتهاد غيره‪.‬‬

‫واحتج األولون بأننا ملزمون بأن نتبع الكتاب والسنة واإلجماع وليس واحدا منها قول واحد من الصحابة ‪ -‬رضي الله‬

‫عنهم أجمعين‬

‫‪64‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬فلسفة‪ 150‬التشريع اإلسالمي‬

‫إن الشريعة اإلسالمية جاءت لمصلحة العباد‪ ،‬ومراعاة ما يحفظ عليهم بقاءهم‪ ،‬وهدايتهم إلى أقوم السبل‪ ،‬وفي هذا‬

‫يقول الشاطي ‪ -‬رحمه الله تعالى‪ :‬إن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل واآلجل معا‪.151‬‬

‫ولقد اختلف العلماء في مسألة تعليل األحكام التي شرعها الله سبحانه وتعالى لعباده على النحو التالي‪:‬‬

‫‪ -8‬ذهب فريق إلى أن أحكام الله معللة برعاية مصالح العباد‪ ،‬وهذا هو مذهب المعتزلة‪ ،‬والماتريدية وبعض الحنابلة‬

‫والمالكية‪ ،‬غير أن مصالح العباد ال تقيد إرادة الله‪.‬‬

‫‪ -2‬وذهب الرازي إلى أن أحكام الله ليست معللة بعلة ألبتة‪ 152،‬كما أن أفعاله كذلك وهذا هو مذهب الظاهرية‬

‫واألشاعرة‪.‬‬

‫والمعتمد إنما هو أنا استقرينا من الشريعة انها وضعت لمصالح العباد استقراء الينازع فيه الرازي والغيره‪ ،153‬فإن الله‬

‫تعالى يقول في بعثة الرسل وهو األصل‪ُ { :‬ر ُس ًال ُمب ِّش ِّرين وُمْن ِّذ ِّرين لِّئ َّال ي ُكون لِّلن ِّ‬
‫َّاس على اللَّ ِّه ُح َّجةٌ بـ ْعد ُّ‬
‫الر ُس ِّل }‪،154‬‬

‫‪ 150‬المراد بفلسفة‪ ،‬هنا‪ :‬حكمة‪ ،‬ذلك ان أرباب الفكر أجمعوا على أن الفلسفة تعني ( حب الحكمة ) ويسندون هذه التسمية إلى الفيلسوف والرياض‬
‫اليوناني ( فيثاغورس ) فيلسوف اليوناني الشهير قبل سقراط وأفالطون‪ ،‬يقولون إنه لم يرض بكلمة ( حكيم ) والبكلمة ( حكمة ) واختار بدال منها عبارة (‬
‫حب الحكمة )‪...‬‬
‫‪ 151‬الموافقات‪ :‬العالمة المحقق ابي اسحاق ابراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي‪ ،‬ط ‪8087 ،8‬ﮬ ‪ -‬دار عفان للنشر والتوزيع‪ -‬المملكة العربية‬
‫السعودية‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.2‬‬
‫‪152‬الموافقات‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.88‬‬
‫‪ 153‬الموافقات‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص‪.82‬‬
‫‪154‬سورة النساء ‪.841‬‬

‫‪65‬‬
‫‪155‬‬
‫{ وما أ ْرس ْلناك إَِّّال ر ْحمةً لِّْلعال ِّمين }‪.‬‬

‫ات و ْاأل ْرض فِّي ِّست َِّّة أيَّام وكان ع ْر ُشهُ على الْم ِّاء لِّيـْبـلُوُك ْم أيُّ ُك ْم أ ْحس ُن‬ ‫وقال في أصل الخلق‪ { :‬وُهو الَّ ِّذي خلق َّ‬
‫السماو ِّ‬

‫ون }‪ { ،157‬الَّ ِّذي خلق الْم ْوت والْحياة لِّيـْبـلُوُك ْم أيُّ ُك ْم أ ْحس ُن عم ًال‬
‫اإلنْس إَِّّال لِّيـعب ُد ِّ‬
‫ُْ‬ ‫ت الْ ِّج َّن و ِّْ‬ ‫‪156‬‬
‫عم ًل } ‪ { ،‬وما خل ْق ُ‬
‫}‪.158‬‬

‫يد اللَّهُ‬
‫وأما التعاليل لتفاصيل األحكام في الكتاب والسنة‪ ،‬فأكثر من أن تحصى ‪ ،‬كقوله بعد آية الوضوء‪ { :‬ما يُِّر ُ‬
‫‪159‬‬

‫‪160‬‬
‫يد لِّيُط ِّهرُك ْم ولِّيُتِّ َّم نِّ ْعمتهُ عليكم }‬ ‫ِّ‬
‫لي ْجعل علْي ُك ْم ِّم ْن حرج ول ِّك ْن يُِّر ُ‬
‫‪161‬‬
‫الصي ُام كما ُكتِّب على الَّ ِّذين ِّم ْن قـْبلِّ ُك ْم لعلَّ ُك ْم تـتَّـ ُقون }‬
‫وقال في الصيام‪ُ { :‬كتِّب علي ُكم ِّ‬
‫ْ ُ‬
‫‪162‬‬
‫الصالة تـْنـهى ع ِّن الْف ْحش ِّاء والْ ُمْنك ِّر }‬
‫وفي الصالة‪ { :‬إِّ َّن َّ‬
‫‪163‬‬ ‫وفي القبلة‪ { :‬فـولُّوا ُو ُجوه ُك ْم شطْرهُ لِّئ َّال ي ُكون لِّلن ِّ‬
‫َّاس علْي ُك ْم ُح َّجةٌ }‬
‫‪164‬‬
‫وفي الجهاد‪ {:‬أ ُِّذن لِّلَّ ِّذين يـُقاتـلُون بِّأنـ َُّه ْم ظُلِّ ُموا }‬
‫‪165‬‬ ‫اص حياةٌ يا أُولِّي ْاأللْب ِّ‬
‫اب }‬ ‫وفي القصاص‪ { :‬ول ُك ْم فِّي الْ ِّقص ِّ‬
‫‪166‬‬
‫ت بِّربِّ ُك ْم ۖ قالُوا بـلى ش ِّه ْدنا أ ْن تـ ُقولُوا يـ ْوم الْ ِّقيام ِّة إِّنَّا ُكنَّا ع ْن هذا غافِّلِّين }‬
‫وفي التقرير على التوحيد‪ { :‬أل ْس ُ‬
‫والمقصود من التشريع بصورة عامة أنه جاء لتحقيق المصالح التالية‪:‬‬

‫‪155‬سورة األنبياء ‪847‬‬


‫‪156‬سورة هود ‪.7‬‬
‫‪157‬سورة الذاريات ‪.14‬‬
‫‪158‬سورة الملك ‪.2‬‬
‫‪159‬الموافقات‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص‪.82‬‬
‫‪160‬سورة المئدة ‪.4‬‬
‫‪161‬سورة البقرة ‪.817‬‬
‫‪162‬سورة العنكبوت ‪.01‬‬
‫‪163‬سورة البقرة ‪.814‬‬
‫‪164‬سورة الحج ‪.72‬‬
‫‪165‬سورة البقرة ‪.872‬‬
‫‪166‬سورة األعراف ‪.872‬‬

‫‪66‬‬
‫‪ -8‬حفظ الدين‪.‬‬

‫‪ -2‬حفظ النفس‪.‬‬

‫‪ -7‬حفظ العقل‪.‬‬

‫‪ -0‬حفظ النسل‪.‬‬

‫‪ -1‬حفظ المال‪.‬‬

‫يقول اإلمام الغزالي ‪ -‬رحمه الله تعالى ‪ :-‬فكل ما يتضمن حفظ هذه األصول الخمسة فهو مصلحة‪ ،‬وكل ما يفوت هذه‬

‫األصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة‪ ..‬ثم قال‪ :‬وهذه األصول الخمسة حفظها واقع في مرتبة الضرورات فهي أقوى‬
‫‪167‬‬
‫المراتب في المصالح‪.‬‬

‫وإلى جانب الضرورات تأتي الحاجيات‪ ،‬والتحسينيات‪ .‬فال يخلو حكم شرعي إال وهو مندرج تحت واحد من هذه‬

‫األقسام الثالثة‪.‬‬

‫ونريد في الصفحات التالية أن نتعرف على بعض مالمح التشريع اإلسالمي وفلسفته في الموضوعات التالية‪:‬‬

‫العالمية‪:‬‬

‫العالمية التشريع االسالمي‪َّ :‬‬


‫إن اإلسالم دين عالمي‪ ،‬فشريعة االسالم عامة لكل البشرية‪ ،‬ويتصل بهذا األمر النظم التي‬

‫شرعها الله سبحانه وتعالى‪ ،‬والتي تتصف أصولها بسمة العالمية والشمولية‪ ،‬حيث َّ‬
‫إن هذه النظم عامة لجميع أبناء‬

‫البشرية‪ ،‬وال تقتصر على شعب دون آخر‪ ،‬أو عقل دون آخر‪ ،‬أو مجتمع دون آخر‪ ،‬بل َّ‬
‫إن اإلسالم عام لجميع األمم‬

‫والمجتمعات‪.‬‬

‫‪ 167‬المستصفى من علم األصول‪ :‬أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي‪،‬دار الميمان للنشر والتوزيع السعودية – الرياض‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.721‬‬

‫‪67‬‬
‫قوله سبحانه وتعالى‪ { :‬وما أ ْرس ْلناك إَِّّال ر ْحمةً لِّْلعال ِّمين }‪168‬إن االله أرسل نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة‬

‫لجميع العالم مؤمنهم وكافرهم‪ .‬فأما مؤمنهم فإن الله هداه به وأدخله باإليمان به‪ ،‬وبالعمل بما جاء من عند الله الجنة‪.‬‬
‫‪169‬‬
‫واما كافرهم فإنه دفع به عنه عاجل البالء الذي كان ينزل باألمم المكذبة رسلها من قبله‪.‬‬
‫‪170‬‬
‫وقوله تعالى‪ { :‬تـبارك الَّ ِّذي نـَّزل الْ ُف ْرقان على عْب ِّدهِّ لِّي ُكون لِّْلعال ِّمين ن ِّذ ًيرا }‬

‫َّاس ب ِّش ًيرا ون ِّذ ًيرا }‪ 171‬فهذه اآلية الكريمة دالة على أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وقوله تعالى‪ { :‬وما أ ْرس ْلناك إَِّّال كافَّةً لِّلن ِّ‬
‫‪172‬‬
‫وسلم رحمة للناس كافة‪ ،‬قال الزجاج‪ :‬وما ارسلناك اال جامعا للناس باإلنذار واإلبالغ‪.‬‬

‫وفي تفسير قوله تعالى‪ { :‬ليكون للعلمين نذيرا } ‪ :‬يقول القرطبي‪ :‬والمراد بالعالمين هنا اإلنس والجن‪ ،‬ألن النبي صلى‬

‫الله عليه وسلم قد كان رسوال إليهما ونذيرا لهما‪ ،‬وأنه خاتم األنبياء‪ ،‬ولم يكن غيره عام الرسالة إال نوح‪ ،‬فإنه عم برسالته‬
‫‪173‬‬
‫جميع اإلنس بعد الطوفان‪ ،‬ألنه بدأ به الخلق‪.‬‬
‫السماو ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ض ۖ ال إِّله إَِّّال ُهو يُ ْحيِّي‬
‫ات و ْاأل ْر ِّ‬ ‫ك َّ‬‫ول اللَّ ِّه إِّلْي ُك ْم ج ِّم ًيعا الَّذي لهُ ُم ْل ُ‬
‫َّاس إِّنِّي ر ُس ُ‬
‫قوله تعالى‪ { :‬قُ ْل يا أيـُّها الن ُ‬
‫يت ۖ ف ِّآمنُوا بِّاللَّ ِّه ور ُسولِِّّه النَّبِّ ِّي ْاأل ُِّم ِّي الَّ ِّذي يـُ ْؤِّم ُن بِّاللَّ ِّه وكلِّماتِِّّه واتَّبِّعُوهُ لعلَّ ُك ْم تـ ْهت ُدون }‪ 174‬يقول اإلمام الطبري في تفسيره‬ ‫ِّ‬
‫ويُم ُ‬
‫لهذه اآلية الكريمة‪ :‬يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم‪{ :‬قل} يا محمد للناس كلهم‪ { .‬إني رسول الله‬

‫إليكم جميعا } ال إلى بعضكم دون بعض‪ ،‬كما كان من قبلي من الرسل‪ ،‬مرسال إلى بعض الناس دون بعض‪ ،‬فمن كان‬
‫‪175‬‬
‫منهم أرسل كذلك‪ ،‬فإن رسالتي ليست إلى بعضكم دون بعض ولكن إلى جميعكم‪.‬‬

‫‪168‬سورة االنبياء ‪.847‬‬


‫‪169‬تفسير الطبري‪ :‬أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير الطبري‪ ،‬ط ‪8081 - 8‬ﮬ‪ ،‬مؤسسة الرسالة – بيروت‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.217‬‬
‫‪170‬سورة الفرقان ‪.8‬‬
‫‪171‬سورة سبأ ‪.21‬‬
‫‪172‬الجامع االحكام القرآن‪ :‬ابي عبد الله محمد بن احمد بن ابي بكر القرطبي‪ ،‬ط ‪8027- 8‬ﮬ‪ -‬مؤسس الرسالة –بيروتى – لبنان‪ ،‬ج ‪ ،87‬ص ‪.781‬‬
‫‪173‬المصدر السابق‪ :‬ج ‪ ،81‬ص‪.744‬‬
‫‪174‬سورة االعراف ‪.811‬‬
‫‪175‬تفسير الطبري‪ :‬أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير الطبري‪ ،‬ط ‪8081 - 8‬ﮬ‪ ،‬مؤسسة الرسالة – بيروت‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.184‬‬

‫‪68‬‬
‫ومن الحديث الشريف عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪ :‬أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي‪ :‬نصرت‬

‫بالرعب مسيرة شهر‪ ،‬وجعلت لي األرض مسجدا وطهورا‪ ،‬فأيما رجل من أمتي أدركته الصالة فليصل‪ ،‬وأحلت لي المغانم‬
‫‪176‬‬
‫عامة‪.‬‬ ‫ولم تحل ألحد قبلي‪ ،‬وأعطيت الشفاعة‪ ،‬وكان النبي يبعث في قومه خاصة‪ ،‬وبعثت إلى الناس‬

‫التدرج‪:‬‬

‫التدرج في التشريع االسالمي‪ :‬جاء االسالم و العرب في إباحة واسعة ‪ ،‬يكرهون كل ما يقيد حريتهم ويحد من شهواتهم‪،‬‬

‫وقد تمكنت من نفوسهم عادات كثيرة وغرائز متنوعة ال يستطيعون التحول عنها دفعة‪ ،‬فاقتضت الحكمة اإللهية أال‬

‫يفاجئوا باألحكام جملة فتثقل بها كواهلهم‪ ،‬وتنفر منها نفوسهم‪ ،‬فلذلك نزل القرآن نجوما‪ ،‬ووردت األحكام التكليفية‬

‫شيئا فشيئا ليكون السابق من األحكام معدا للنفوس‪ ،‬ومهيأ لقبول الالحق‪ ،‬وكان أغلب هذه األحكام ينزل بعد أسباب‬

‫تقتضية فيكون أوقع في النفس وأقرب الى االنقياد‪.‬‬

‫من ذلك تحريم الخمر‪ ،‬فإنها كانت قد تمكنت من نفوس العرب تمكن اقتضت معه الحكمة اإللهية أن يتدرج القرآن في‬

‫تشريع أحكامها‪ ،‬فلم يصرح لهم بتحريم بادىء ذي بدء بل قال في الجواب عنها وعن الميسر‪{ :‬قل فيهما إثم كبير‬

‫ومنافع للناس‪ ،‬وإثمهما أكبر من نفعهما}‪ 177‬وال يفهم طلب الكف عنهما من هذه اآلية إال الخبير بسر التشريع‪ ،‬ألن‬

‫مأكثر إثمه ينبغي ترکه؛ إذ ال يوجد في األفعال شر محض‪ ،‬فالعبرة في الحل والحرمة بغلبة جهة المصلحة أو المفسدة‪.‬‬

‫وبعد أن أشار أنه ينبغي تركها لغلبة إثمها نهى الناس عن الصالة في حالة السكر‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا ال تقربوا الصالة‬

‫وأنتم سكاری}‪ 178‬ثم صرح بالنهي عنها نهيا عامة مؤكدا فقال {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر واألنصاب‬

‫‪176‬صحيح البخاري ‪:‬االمام ابو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري‪ :‬كتاب التيمم‪:،‬باب االول‪ ،‬رقم الحديث‪ ،770:‬ص ‪،27‬ط‪8027-8‬ﮬ‪ -‬دار ابن‬
‫كثير‪ :‬دمشق‪-‬بيروت‪.‬‬
‫‪177‬سورة البقرة ‪.282‬‬
‫‪178‬سورة النساء ‪.07‬‬

‫‪69‬‬
‫واألزالم رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون‪ ،‬إنما يريد الشيطان أن يوقع بينکم العداوة والبغضاء في الخمر‬

‫والميسر‪ ،‬ويصدكم عن ذكر الله وعن الصالة‪ ،‬فهل أنتم منتهون }‪.179‬‬

‫وكانت عقوبة الزاني في صدر اإلسالم ال تعدو الحبس في البيوت واإليذاء بالقول { والالتي يأتين الفاحشة من نسائكم‬
‫‪180‬‬
‫ثم جعلها الله بعد ذلك الرجم للمحصن‪،‬‬ ‫فأستشهدوا عليهن أربعة منكم‪ ،‬فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت }‬

‫والجلد للبكر‪ .‬أما الرجم فقد ثبت بالسنة‪ ،‬وأما الجلد فبقوله تعالى ‪ { :‬الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة‬

‫}‪.181‬‬

‫وقد شرعت الصالة أوال ركعتين بالغداة ‪ ،‬وركعتين بالعشي رأفة بالناس ورحمة بهم‪ ،‬ألنهم كانوا حديثي عهد باإلسالم ولم‬

‫يكونوا قد تذوقوا حالوتها‪ ،‬وال عرفوا لذة المناجاة فيها‪ ،‬فال أطمأنت بها نفوسهم زادها الله على حسب ما اقتضته‬

‫الحكمة العملية‪.‬‬

‫ولما كان المسلمون في بدء اإلسالم في قلة عدد‪ ،‬وضعف شوكة‪ ،‬ال يقوون على مناهضة المشركين وقتالهم‪ ،‬اقتضت‬

‫المصلحة أن يؤمروا بالعفو والصبر على األعداء‪ ،‬واإلعراض عنهم‪ ،‬وترك مقاتلتهم‪ ،‬قال تعالى‪ { :‬واتبع ما أوحي إليك من‬
‫‪182‬‬
‫ربك ال إله إال هو‪ ،‬وأعرض عن المشركين }‬

‫{ وخذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين }‪ { 183‬وإن الساعة اآلتية فاصفح الصفح الجميل }‪ 184‬فلما اشتد‬

‫ساعد المسلمين ودخل الناس في دين الله أفواجا أذن لهم في القتال ليدفعوا عن أنفسهم‪ ،‬ويدركوا لذة النصر والظفر {‬
‫‪185‬‬
‫ولما عرفوا فائدة القتال وأدركوا حسن عاقبته أمرهم به‬ ‫وأذن للذي يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير}‬

‫‪179‬سورة المئدة ‪.24،28‬‬


‫‪180‬سورة النساء ‪.81‬‬
‫‪181‬سورة النور ‪.2‬‬
‫‪182‬سورة األنعام ‪.844‬‬
‫‪183‬سورة االعراف ‪.822‬‬
‫‪184‬سورة الحجر ‪.11‬‬
‫‪185‬سورة الحج ‪.72‬‬

‫‪70‬‬
‫أمرأ‪ ،‬وفرضه عليهم حتما‪ ،‬قال تعالى ‪ {:‬وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونکم وال تعتدوا إن الله ال يحب المعتدين‪،‬‬

‫واقتلوهم حيث ثقفتموهم‪ ،‬وأخرجوهم من حيث أخرجوكم‪ ،‬والفتنة أشد من القتل } ‪{ 186‬وقاتلوهم حتى ال تكون فتنة‬

‫ويكون الدين كله لله }‪ { 187‬وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة }‪.188‬‬

‫ولما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لم يشأ الله له أن يفجأ أهل الكتاب بخالف ما عهدوه من أنبياء بني‬

‫إسرائيل من اتجاههم في الصالة إلى بيت المقدس‪ ،‬فشرع له استقبال هذا البيت ليستميلهم ويبين لهم أنه ليس بدعة من‬

‫الرسل‪ ،‬وال مخالفا لهم‪ ،‬بل هو مصدق لما جاءوا‪ ،‬وداع بدعوتهم‪ ،‬وهاد إلى طريقتهم‪ ،‬حتى يستقر اإليمان في قلوبهم‪،‬‬

‫وحتى يكونوا مستعدين لقبول كل ما يأتي به في المستقبل فال ينزعجوا إذا حولت القبلة عن بيت المقدس إلى المسجد‬

‫الحرام الذي جعله الله مثابة للناس‪ .‬وأما ما قال تعالى‪:‬‬

‫{ وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إال لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ‪ ،‬وإن كانت الكبيرة إال على الذين‬

‫هدى الله ‪ ،‬وما كان الله ليضيع إيمانكم‪ ،‬إن الله بالناس لرؤوف رحيم‪ ،‬قد نرى تقلب وجهك في السماء‪ ،‬فلنولينك قبلة‬

‫ترضاها‪ ،‬فول وجهك شطر المسجد الحرام‪ ،‬وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره}‪.189‬‬

‫وأمثال هذا في األحكام كثير متنوع‪ ،‬فإن هذه الشريعة بنيت على مصالح العباد‪ ،‬وعلى هذا األصل جاء اإلجمال ثم‬

‫التفصيل‪ ،‬ويرى هذا واضحا من المقارنة بين التشريع المكي والتشريع المدني‪ ،‬فالمكي مجمل‪ ،‬قلما يتعرض القرآن فيه‬

‫ألحكام تفصيلية‪ ،‬أما المدني فقد عرض القرآن فيه لكثير من التفصيالت‪ ،‬السيما ما يتعلق بالمعامالت‪ ،‬ولذلك ترى أن‬

‫معظم آيات األحكام الفرعية مدنية‪ ،‬وليس في المكي من األحكام إال ما يقصد به حماية العقيدة ‪ ،‬كتحريم ما لم يذكر‬

‫اسم الله عليه من الذبائح‪.‬‬

‫‪186‬سورة البقرة ‪.828،824‬‬


‫‪187‬سورة االنفال ‪.74‬‬
‫‪188‬سورة التوبة ‪.74‬‬
‫‪189‬سورة البقرة ‪.800،807‬‬

‫‪71‬‬
‫العدالة‪:‬‬

‫لقد أقام الله تعالى السموات واألرض على العدل‪ ،‬وأمر خلقه به‪ ،‬ودعاهم إليه‪ ،‬وحثهم عليه‪ .‬فقد ورد قوله تعالى ‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫{ يا أيـُّها الَّذين آمنُوا ُكونُوا قـ َّوامين بِّالْق ْسط ُشهداء للَّه ول ْو على أنْـ ُفس ُك ْم أ ِّو الْوالديْ ِّن و ْاألقْـربِّين ۚ إِّ ْن ي ُك ْن غنيًّا أ ْو فق ًيرا فاللَّهُ‬
‫ضوا فِّإ َّن اللَّه كان بِّما تـ ْعملُون خبِّ ًيرا }‪.190‬‬ ‫ِّ‬
‫أ ْولى بِّ ِّهما ۖ فال تـتَّبِّعُوا الْهوى أ ْن تـ ْعدلُوا ۚ وإِّ ْن تـ ْل ُووا أ ْو تـُ ْع ِّر ُ‬

‫فالله سبحانه لم يطلب من عباده أن يكونوا قائمين بالقسط الذي هو العدل بل أمرهم أن يكونوا (قوامين) مواظبين على‬

‫العدل في جميع األمور‪ ،‬مجتهدين في ذلك كل االجتهاد‪ ، 191‬وإن كان الحكم والشهادة على أنفسهم أو الوالدين‬

‫واألقربين‪ ،‬وإن يكن المشهود عليه غنيا يرجى خيره في العادة‪ ،‬أو فقيرا يترحم عليه فال تمتنعوا من الشهادة‪ ،‬وال تغيروها‬

‫ابتغاء مصلحة‪...‬‬

‫شماال‪ ،‬وال‬
‫ويقول ابن كثير‪ :‬يأمر تعالى عباده المؤمنين أن يكونوا َّقوامين بالقسط‪ ،‬أي‪ :‬بالعدل‪ ،‬فال يعدلوا عنه يمينًا وال ً‬
‫‪192‬‬
‫تأخذهم في الله لومة الئم‪ ،‬وال يصرفهم عنه صارف‪ ،‬وأن يكونوا متعاونين متساعدين متعاضدين متناصرين فيه‪.‬‬

‫ان وإِّيت ِّاء ِّذي الْ ُق ْربى ويـْنـهى ع ِّن الْف ْحش ِّاء والْ ُمْنك ِّر والْبـ ْغ ِّي ۚ يعِّظُ ُك ْم‬
‫اإلحس ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ويقول الله تعالى‪ { :‬إِّ َّن اللَّه يأْ ُم ُر بِّالْع ْدل و ِّْ ْ‬
‫‪193‬‬
‫لعلَّ ُك ْم تذ َّك ُرون }‬

‫‪190‬سورة النساء ‪.871‬‬


‫‪ 191‬روح المعاني‪ :‬العالمة ابى الفضل شهاب الدين السيد محمود االلوسي البغدادي‪ ،‬دار احياء التراث العربى‪ -‬بيروت – لبنان‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.847‬‬
‫‪ 192‬تفسير القرآن العظيم‪ :‬اإلمام عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي المعروف بابن كثير‪ ،‬ط‪8024 - 8‬ﮬ‪ ،‬دار ابن جزم – بيروت‪،‬‬
‫لبنان‪ ،‬ص ‪.102‬‬
‫‪193‬سورة النحل ‪.24‬‬

‫‪72‬‬
‫يقول العلماء‪ :‬إن العدل الذي أمر الله به هنا هو‪ :‬اإلنصاف‪ ،‬ومن اإلنصاف اإلقرار بمن أنعم علينا بنعمته‪ ،‬والشكر له‬
‫‪194‬‬
‫على إفضاله‪ ،‬وتولي الحمد أهله‪.‬‬

‫وكذلك يقول الطبري في التعليق على هذه اآلية الكريمة‪ :‬إن الله يأمركم يا معشر والة أمور المسلمين أن تؤدوا ما‬

‫ائتمنتكم عليه رعيتكم من فيئهم وحقوقهم وأموالهم وصدقاتهم إليهم‪ ،‬على ما أمركم الله بأداء كل شيء من ذلك إلى من‬

‫هو له بعد أن تصير في أيديكم‪ ،‬ال تظلموها أهلها‪ ،‬وال تستأثروا بشيء منها‪ ،‬وال تضعوا شيئا في غير موضعه‪ ،‬وال‬

‫تأخذوها إال ممن أذن الله لكم بأخذها منه قبل أن تصير في أيديكم‪ ،‬ويأمركم إذا حكمتم بين رعيتكم أن تحكموا بينهم‬
‫‪195‬‬
‫بالعدل واإلنصاف‪ ،‬وذلك حكم الله الذي أنزله في كتابه‪ ،‬وبينه على لسان رسوله‪ ،‬ال تعدو ذلك فتجوروا عليهم‪.‬‬

‫ولقد كان للرساالت السماوية أهداف سامية عديدة منها‪ :‬إقامة العدل بين الناس‪ .‬وفي ذلك يقول الله تبارك وتعالى‪{ :‬‬

‫س ش ِّدي ٌد ومنافِّ ُع لِّلن ِّ‬


‫َّاس‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ات وأنْـزلْنا معهم الْ ِّكتاب والْ ِّميزان لِّيـ ُقوم الن ِّ ِّ ِّ‬
‫َّاس بالْق ْسط وأنْـزلْنا الْحديد فيه بأْ ٌ‬
‫ُ‬ ‫ُُ‬
‫لق ْد أرس ْلنا رسلنا بِّالْبـيِّن ِّ‬
‫ْ ُُ‬
‫صرهُ ور ُسلهُ بِّالْغْي ِّ‬
‫ب إِّ َّن اللَّه ق ِّو ٌّ‬ ‫ِّ‬
‫ي ع ِّز ٌيز }‪.196‬‬ ‫وليـ ْعلم اللَّهُ م ْن يـْن ُ ُ ُ‬
‫والمراد بالكتاب‪ :‬هو الكتب السماوية التي أنزلها الله سبحانه على أنبيائه ورسله ليرشدهم إلى ما ينفعهم في الدنيا‬

‫واآلخرة‪ .‬والمراد بالميزان‪ :‬هو العدل في األقوال واألفعال‪.‬‬

‫ات إِّلى أ ْهلِّها وإِّذا حك ْمتُ ْم بـْين الن ِّ‬


‫َّاس أ ْن ت ْح ُك ُموا بِّالْع ْد ِّل ۚ إِّ َّن اللَّه نِّعِّ َّما‬ ‫ويقول الله تعالى‪ { :‬إِّ َّن اللَّه يأْمرُكم أ ْن تـُؤُّدوا ْاألمان ِّ‬
‫ُُ ْ‬
‫‪197‬‬ ‫يعِّظُ ُكم بِِّّه ۗ إِّ َّن اللَّه كان س ِّميعا ب ِّ‬
‫ص ًيرا }‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫ومهما قيل في سبب نزول هذه اآلية الكريمة فإن الخطاب يعم كل أحد‪ ،‬كما أن األمانات وهي جمع أمانة تعم الحقوق‬

‫المتعلقة بذممهم من حقوق الله تعالى وحقوق العباد سواء كانت فعلية أو قولية أو اعتقادية‪ .‬وعموم الحكم ال ينافي‬

‫‪ 194‬تفسير الطبري‪ :‬أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير الطبري‪ ،‬ط ‪8081 - 8‬ﮬ‪ ،‬مؤسسة الرسالة – بيروت‪ ،‬ج ‪ ،0‬ص ‪.118‬‬
‫‪195‬تفسير الطبري‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.028‬‬
‫‪196‬سورة الحديد ‪.21‬‬
‫‪197‬سورة النساء ‪.11‬‬

‫‪73‬‬
‫خصوص السبب‪ .‬وقد ذهب إلى العموم كثيرون وقالوا إن هذا خطاب لوالة األمر أن يقوموا برعاية الرعية وحملهم على‬
‫‪198‬‬
‫موجب الدين والشريعة‪ ،‬وعدوا من ذلك تولية المناصب مستحقيها‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ويقول الله تعالى‪ {:‬وال تـ ْقربُوا مال الْيت ِّيم إَِّّال بِّالَّتي هي أ ْحس ُن حتَّى يـْبـلُغ أ ُشدَّهُ وأ ْوفُوا الْكْيل والْميزان بِّالْق ْسط ۖ ال نُكل ُ‬
‫ف‬
‫‪199‬‬
‫اع ِّدلُوا ول ْو كان ذا قـُ ْربى ۖ وبِّع ْه ِّد اللَّ ِّه أ ْوفُوا ذلِّ ُك ْم و َّ‬
‫صا ُك ْم بِِّّه لعلَّ ُك ْم تذ َّك ُرون}‬ ‫نـ ْف ًسا إَِّّال ُو ْسعها وإِّذا قـُ ْلتُ ْم ف ْ‬

‫وهذه اآلية الكريمة تضمنت أحكاما عديدة منها‪ :‬المحافظة على مال اليتيم وتنميته و إدارته بالتي هي أحسن حتى يبلغ‬

‫أشده فيسلم إليه‪ ،‬وتضمنت اإليفاء بالكيل والوزن‪ ،‬والعدل على قدر الطاقة والوسع‪ ،‬وأكدت على ما سبق بيانه من العدل‬

‫في القول وفي كل شيء‪.‬‬

‫قال القرطبي‪ ،‬رحمه الله‪ :‬قال بعض العلماء‪ :‬لما علم الله سبحانه من عباده أن كثيرا منهم تضيق نفسه عن أن تطيب‬

‫للغير بما ال يجب عليها له أمر المعطي بإيفاء رب الحق حقه الذي هو له‪ ،‬ولم يكلفه الزيادة‪ ،‬لما في الزيادة عليه من‬

‫ضيق نفسه بها‪ .‬وأمر صاحب الحق بأخذ حقه ولم يكلفه الرضا بأقل منه‪ ،‬لما في النقصان من ضيق نفسه‪ ،‬وفي موطأ‬

‫مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه عن عبد الله بن عباس أنه قال‪ :‬ما ظهر الغلول في قوم قط إال ألقى الله في قلوبهم‬

‫الرعب‪ ،‬وال فشا الزنا في قوم إال كثر فيهم الموت‪ ،‬وال نقص قوم المكيال والميزان إال قطع عنهم الرزق‪ ،‬وال حكم قوم‬
‫‪200‬‬
‫بغير الحق إال فشا فيهم الدم‪ ،‬وال حقر قوم بالعهد إال سلط عليهم الله العدو‪.‬‬

‫وليس مستغربا هذا التأكيد من الله سبحانه على إقامة العدل‪ ،‬فهو أساس الملك كما قيل في األمثال‪ ،‬وهو أساس‬

‫االستقرار في المجتمعات‪ ،‬وال شك أننا نالحظ أن المجتمعات التي ال عدل فيها‪ ،‬ال استقرار لها‪ ،‬وال أمان فيها‪،‬‬

‫ومحاكمها مملوءة بالدعاوى المتنوعة‪...‬‬

‫‪198‬روح المعاني‪ :‬العالمة ابى الفضل شهاب الدين السيد محمود االلوسي البغدادي‪ ،‬دار احياء التراث العربى‪ -‬بيروت – لبنان‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.27‬‬
‫‪199‬سورة االنعام ‪.812‬‬
‫‪ 200‬الجامع االحكام القرآن‪ :‬ابي عبد الله محمد بن احمد بن ابي بكر القرطبي‪ ،‬ط ‪8027- 8‬ﮬ‪ -‬مؤسس الرسالة –بيروتى – لبنان‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.880‬‬

‫‪74‬‬
‫است ِّق ْم كما أ ُِّم ْرت‬
‫ع وْ‬
‫ِّ ِّ‬
‫والعدل مأمور به الخاص‪ ،‬والعام‪ ،‬كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر به {فلذلك ف ْاد ُ‬
‫ت ِّأل ْع ِّدل بـْيـن ُك ُم اللَّهُ ربـُّنا وربُّ ُك ْم لنا أ ْعمالُنا ول ُك ْم أ ْعمالُ ُك ْم ال‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫ت بِّما أنْـزل اللَّهُ م ْن كتاب وأُم ْر ُ‬
‫وال تـتَّبِّ ْع أ ْهواء ُه ْم وقُ ْل آمْن ُ‬
‫‪201‬‬ ‫ح َّجة بـيـنـنا وبـيـن ُكم اللَّه يجمع بـيـنـنا وإِّلي ِّه الْم ِّ‬
‫ص ُير }‬ ‫ْ‬ ‫ُ ْ ْ ُ ُ ْ ُ ْ‬
‫قال ابن عباس وأبو العالية رضي الله عنهما‪ :‬األسوي بينكم في الدين فأومن بكل كتاب و بكل رسول‪ .‬وقال غيرهما‪:‬‬
‫‪202‬‬
‫ألعدل في جميع األحوال‪ .‬وقيل ‪ :‬هذا العدل هو العدل في األحكام‪ .‬وقيل في التبليغ‪.‬‬

‫الرسول صلى‬
‫ُ‬ ‫ُسوةٌ حسنةٌ لِّم ْن كان يـ ْر ُجو اللَّه والْيـ ْوم ْاآل ِّخر وذكر اللَّه كثِّ ًيرا }‪ 203‬لقد كان‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫{ لق ْد كان ل ُك ْم في ر ُسول اللَّه أ ْ‬
‫ترسيخ للعدل‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫الله عليه وسلم أكثر الناس عدالً‪ ،‬وسيرتُه الشريفة ينبوع متدفِّق لكل القيم النبيلة‪ ،‬وفي القصص النبوي‬

‫وإقرار بالمساواة‪ ،‬فما أحوجنا إليهما‪.‬‬

‫وكذلك الشريعة اإلسالمية تنظر إلى اإلنسان بناءً على إنسانيته؛ فال اعتبار فيها للون‪ ،‬أو جنس‪ ،‬أو ِّع ْرق‪ ،‬إنما التفاضل‬

‫َّاس إِّنَّا خل ْقنا ُكم ِّمن ذكر وأُنثى وجع ْلنا ُك ْم ُشعُوبًا وقـبائِّل لِّتـعارفُوا إِّ َّن أ ْكرم ُك ْم‬
‫فيها بالتقوى‪ ،‬كما قال تعالى‪ { :-‬يا أيـُّها الن ُ‬
‫يم خبِّ ٌير }‬‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫عند اللَّـه أتْـقا ُك ْم إ َّن اللَّـه عل ٌ‬
‫‪204‬‬

‫السهولة ‪:‬‬

‫ين ِّم ْن حرج‬ ‫أحكام الشريعة اإلسالمية مبنيةٌ ابتداء على التيسير في تشريعها‪ ،‬قال الله تعالى ‪ { :‬وما جعل علي ُكم فِّي ِّ‬
‫الد ِّ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ً‬
‫}‪ 205‬فما من ُحكم أ ُِّمر الناس به إال كان ضمن استطاعتهم وقدرتهم‪ ،‬ولم يُكلَّفوا بما ال يُطيقون‪ .‬يقول تعالى ذكره‪ :‬وما‬

‫‪201‬سورة الشورى ‪.81‬‬


‫‪202‬الجامع االحكام القرآن‪ :‬ج ‪ ،81‬ص ‪.014‬‬
‫‪203‬سورة االحزاب ‪.28‬‬
‫‪204‬سورة الحجرات‪.87‬‬
‫‪205‬سورة الحج ‪.71‬‬

‫‪75‬‬
‫جعل عليكم ربكم في الدين الذي تعبدكم به من ضيق‪ ،‬ال مخرج لكم مما ابتليتم به فيه‪ ،‬بل وسع عليكم‪ ،‬فجعل التوبة‬
‫‪206‬‬
‫من مخرجا‪ ،‬والكفارة من بعض‪ ،‬والقصاص من بعض‪ ،‬فال ذنب ينذب المؤمن اال وله منه في دين االسالم مخرج‪.‬‬
‫ِّ‬
‫ف اللَّهُ نـ ْف ًسا إَِّّال ُو ْسعها لها ما كسب ْ‬
‫‪207‬‬
‫ال يكلف الله نفسا فيتعبدها‬ ‫ت}‬
‫ت وعلْيـها ما ا ْكتسب ْ‬ ‫وقال تعالى ‪ { :‬ال يُكل ُ‬
‫‪208‬‬
‫ويقول ابن كثير‪ :‬اليكلف احدا فوق طاقته‪ ،‬وهذا من لطف الله تعالى‬ ‫اال بما يسعها‪ ،‬فال يضيق عليها واليجهدها‪.‬‬

‫المكلَّف حرجاً في تطبيق األحكام‪ ،‬فقد جعلت له الشريعة رخصةً؛ إما‬ ‫‪209‬‬
‫بخلقه ورأفته بهم واحسانه اليهم ‪ ،‬وإن وجد ُ‬
‫بالتخفيف‪ ،‬أو اإلسقاط‪.‬‬

‫أحكام الشريعة اإلسالمية وجدت مظاهر رفع الحرج جلية واضحة‪ ،‬ووجدت أن جميع التكاليف في ابتدائها ودوامها قد‬

‫روعي فيها التخفيف والتيسير على العباد‪.‬‬

‫فقد أوجب الله الصالة على المكلف في اليوم خمس مرات‪ ،‬وأوجب عليه أن يؤديها من قيام ‪ .‬وهذا تكليف يسير ال‬

‫حرج فيه‪ ،‬ومع ذلك فقد رخص له أن يؤديها من قعود‪ ،‬أو كما قدر إذا لم يستطع القيام‪ ،‬قال النبي صلى الله عليه‬

‫اع ًدا‪ ،‬فإ ْن ل ْم ت ْست ِّط ْع فـعلى جْنب‪.210‬‬


‫وسلم‪ :‬ص ِّل قائِّما‪ ،‬فإ ْن لم تست ِّطع فـق ِّ‬
‫ْ ْ ْ‬ ‫ً‬
‫وكذلك الصيام‪ ،‬فرضه شهرة في السنة‪ ،‬فالمشقة فيه ال تصل إلى درجة العسر والحرج‪ ،‬ومع ذلك فقد أباح له الفطر في‬

‫حاالت تعظم فيها المشقة فأباح الفطر للمسافر‪ ،‬والمريض‪ ،‬والحامل‪ ،‬والمرضع‪.‬‬

‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬


‫اضطَُّر في م ْخمصة غْيـر ُمتجانف ِّإلثْم فإ َّن اللَّه غ ُف ٌ‬
‫ور‬ ‫وقد حرم الميتة‪ ،‬لكن أباحها عند المخمصة‪ ،‬قوله تعلى‪ {:‬فم ِّن ْ‬

‫يم }‪.211‬‬ ‫ِّ‬


‫رح ٌ‬

‫‪206‬تفسير الطبري‪ :‬أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير الطبري‪ ،‬ط ‪8081 - 8‬ﮬ‪ ،‬مؤسسة الرسالة – بيروت‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.704‬‬
‫‪207‬سورة البقرة ‪.214‬‬
‫‪ 208‬تفسير الطبري‪:‬ج ‪ ،2‬ص ‪.822‬‬
‫‪209‬تفسير القرآن العظيم‪ :‬لإلمام عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي المعروف بابن كثير‪ ،‬ط‪8024 - 8‬ﮬ‪ ،‬دار ابن جزم – بيروت‪،‬‬
‫لبنان‪ ،‬ص ‪.701‬‬
‫‪210‬صحيح البخاري ‪:‬االمام ابو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري‪ :‬كتاب تقصير الصالة‪:،‬باب إذ لم يطق قاعدا صلى على جنب‪ ،‬رقم الحديث‪،8887:‬‬
‫ص ‪،278‬ط‪8027-8‬ﮬ‪ -‬دار ابن كثير‪ :‬دمشق‪-‬بيروت‪.‬‬
‫‪211‬سورة المائدة ‪.7‬‬

‫‪76‬‬
‫وه ُك ْم وأيْ ِّدي ُك ْم }‪ ،212‬والقصر في السفر‬
‫وشرع التيمم عند فقد الماء { فـلم ت ِّجدوا ماء فـتـي َّمموا صعِّيدا طيِّبا فامسحوا بِّوج ِّ‬
‫ً ً ْ ُ ُُ‬ ‫ْ ُ ً ُ‬
‫الصال ِّة إِّ ْن ِّخ ْفتُ ْم أ ْن يـ ْفتِّن ُك ُم الَّ ِّذين كف ُروا }‪ ،213‬وشرع‬
‫ص ُروا ِّمن َّ‬
‫اح أ ْن تـ ْق ُ‬ ‫{ وإِّذا ضربْـتُ ْم فِّي ْاأل ْر ِّ‬
‫ض فـلْيس علْي ُك ْم ُجن ٌ‬
‫الكفارات لتمحو آثار الذنوب إلى غير ذلك مما يدل على مراعاة السهولة ورفع الحرج في التشريع حتى ال تكل همم‬

‫الناس عن أداء ما أوجبه عليهم‪ ،‬وتضعف عزائمهم إزاء ما شرعه لمصالحهم‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وقد استقرأ الفقهاء موارد التخفيف في الشريعة فوجدوه يأتي على سبعة أنواع‪:214‬‬

‫‪ )8‬إسقاط العبادة في حالة قيام العذر كالحج عند عدم األمن‪.‬‬

‫‪ )2‬النقص من المفروض ‪ :‬كالقصر في السفر‪.‬‬

‫‪ )7‬اإلبدال ‪ :‬کابدال التيمم من الوضوء‪.‬‬

‫‪ )0‬التقديم ‪ :‬کالجمع بعرفات‪.‬‬

‫‪ )1‬التأخير‪ :‬کالجمع مزدلفة‪.‬‬

‫‪ )4‬التغيير‪ :‬كتغيير نظام الصالة في وقت الخوف‪.‬‬

‫‪ )7‬الترخيص ‪ :‬كأكل الميتة عند المخمصة‪ ،‬وشرب الخمر إلزالة الغصة‪.‬‬

‫عامة وخالدة‪ ،‬فهي دين اإلنسانية جمعاء‪ ،‬والبشرية أجمع‪ ،‬تشمل أحكامها األُمم‬
‫التطبيقية‪ :‬ان الشريعة اإلسالمية َّ‬

‫والجماعات‪ ،‬غير محصورة لفئة أو طائفة‪ ،‬أو لشخص أو جماعة‪.‬‬

‫عامة المضمون‪ ،‬تُنظم العالقات الثالث‪:‬‬


‫وهي َّ‬

‫عالقة اإلنسان بربه‪.‬‬

‫‪212‬سورة النساء ‪.07‬‬


‫‪213‬سورة النساء ‪.848‬‬
‫‪214‬محمد علي السايس‪ ،‬تاريخ الفقه االسالمي– دار الكتب العلمية بيروت‪ ،‬لبنان‪ : ،‬ص ‪.78‬‬

‫‪77‬‬
‫وعالقته بنفسه‪.‬‬

‫بشرا‪ ،‬أو كائنات‪.‬‬


‫وعالقته مع اآلخرين؛ ً‬

‫‪78‬‬
‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫فلسفة التشريع الهندوسي ومصادره‬

‫المبحث األول ‪:‬‬


‫الديانة الهندوسية والتشريع فيها‬
‫المبحث الثاني‪:‬‬
‫مصادر التشريع الهندوسي‬
‫سمريتي‪-:‬‬ ‫شروتي ‪-:‬‬
‫فيدانغات‬ ‫الفيدات‬
‫دهرما شاسترا‬ ‫ياجور ويدا‬
‫قوانين مانوسمريتي‬ ‫الريج ويدا‬
‫المالحم‬ ‫ساما ويدا‬
‫راماين‬ ‫آثار ويدا‬
‫مهابهارتا‬ ‫البهاغافاد كيتا‬
‫آغامانغال‬
‫بوراناس‬
‫المبحث الثالث‪:‬‬
‫فلسفة التشريع الهندوسي‬
‫حفظ الضروريات الخمس‬

‫‪78‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬فلسفة التشريع الهندوسي ومصادره‬

‫المبحث األول ‪:‬الديانة الهندوسية والتشريع فيها‬

‫الهندوسية‪ 1‬هي دين رئيسي فى الهند ونيبال وغيرهما‪ ,‬قامت على أنقاض الفيدات وتشربت أفكارها وتسلمت عن طريقها‬

‫المالمح الهندية القديمة واألساطير الروحانية المختلفة التي نمت فى شبه الجزيرة قبل دخول اآلريين‪.‬‬

‫وتسمى الهندوسية أو الهندوكية اذ تمثلت فيها كما سنرى تقاليد الهند وعاداتهم وأخالقهم وصور حياتهم‪ .‬وأطلق عليها‬

‫البرهمية ابتداء من القرن الثامن قبل الميالد نسبة الى براهما وهو القوة العظيمة السحرية الكامنة التي تطلب كثيرا من‬

‫العبادات كقراءة األدعية وانشاد األناشيد وتقديم القرابين‪.‬‬

‫مؤسس الهندوسية‪ :2‬الهندوسية دين متطور ومجموعة من التقاليد واألوضاع تولدت من األرايين لحياتهم جيال بعد‬

‫جيل بعدما وفدوا على الهند وتغلبوا على سكانها األصليين واستأثروا دونهم بتنظيم المجتمع‪ .‬وقد تولد من استعالء‬

‫اآلرايين الفاتحين على سكان الهند األصليين ومن احتكاكهم بهم تلك التقاليد الهندوسية التي اعتبرت على مر التاريخ‬

‫دينا يدين به الهنود ويلتمزون بآدابه‪.‬‬

‫‪1‬كل مة الهندوسية انها اشتقت من كلمة "سند" ألن اهل فارس واليونان كانوا يتجولون على سواحل "سند" ويغيرون خرف السين الى الهاء‪ ،‬فقالوا‪ :‬الهند‪ ،‬وكلمة "‬
‫استهان " معناها " المقر " كانت ثقيلة عليهم فجعلوها " استان " بخذف الهاء فقالوا‪" :‬هندوستان" اي اهل الهند‪ ،‬وقالوا للسكان‪ " :‬هندو " واليها نسب دينهم‬
‫فقالوا‪ :‬الهندوسية او الهندوكية‪.‬‬
‫‪ 2‬إن الديانة الهندوسية كانت تطلق عليها في القديم أسماء عديدة‪ ،‬منها‪ :‬سناتن دهرم أو الدين القديم‪ ،‬فيدك دهرم‪ ،‬أو الدين الفيدي‪ ،‬الدين اآلري‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫ويمكن القول أن أساس الهندوسية هو عقائد اآلريين بعد أن تطورت بسبب اختالط اآلريين بشعوب كثيرة وبخاصة‬

‫باإليرانيين ثم تأثرت هذه العقائد بعد احتالل اآلريين للهند بسبب االتصال بأفكار السكان األصليين وبفلسفاة وأفكار‬

‫نشأت فى الهند فى مراحل متباعدة التاريخ حتى أصبحت الهندوسية بعيدة عن العقائد اآلرية األصلية‪.‬‬

‫والهندوسية أسلوب فى الحياة أكثر مما هى مجموعة من العقائد والمعتقدات تاريخها يوضح استيعابها لشتى‬

‫المعتقدات والفرائض والسنن وليست لها صيغ محدودة المعالم ولذا تشمل من العقائد ما يهبط إلى عبادة األحجار‬

‫واألشجار وما يرتفع إلى التجريدات الفلسفية الدقيقة‪.‬‬

‫وإذا كانت الهندوسية ليس لها مؤسس معين فإن الفيدا كذلك وهي الكتاب المقدس الذي جمع العقائد والعادات‬

‫والقوانين‪ ،‬ليس له واضع معين ويعتقد الهندوس أنه أزلى ال بداية له‪ ،‬ويرى الباحثون من المحققين من الهندوس أنه قد‬

‫نشأ فى قرون عديدة متوالية ال تقل عن عشرين قرنا بدأت قبل الميالد بزمن طويل وقد أنشأته أجيال من الشعراء والزعماء‬

‫الدينيين والحكماء الصوفيين عقبا بعد عقب وفق تطورات الظروف وتقلبات الشئون‪.‬‬

‫التشريع الهندوسي‪ :‬إلعطاء نماذج من التشريع الهندوسي نعتمد على مصدر مهم جدا هو كتاب " منو دهرما شاسترا "‬

‫وهو كتاب جامع يحتوي على الشرائع التي تتبعها الطوائف الهندوسية‪.‬‬

‫في البداية ظهرت كتب عديدة من كتب الفقه الهندوسي‪ ،‬إال أن أغلب هذه الكتب ضاعت ولم يبق منها إال‬

‫عشرين كتابا واشهر فيهن مانو سمرتي‪.‬‬

‫ونقتبس من هذا الكتاب بعض النظم والقوانين الخاصة بالظلم على الشودرا‪ ،3‬والسلطة الحاكمة وبالمرأة‪ ،‬ثم بعض النظم‬

‫المالية‪:‬‬

‫الظلم على الشودرا‪:‬‬

‫‪3‬الشودرا ‪:‬طبقة الحقير من طبقات المجتمع االربع من الهندوسي كما سيأتي‬

‫‪80‬‬
‫‪4‬‬
‫الشودرا خلقوا لخدمة البراهمة‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫الشودرا مخلوق سافل‪ ،‬حيث خلقوا من قدم اإلله‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫الشودرا مثل الكلب والخنازير‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫الشودرا ال يمكن أن يتخلص من العبودية مطلقا‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫الشودرا ال يحق له أن يمتلك أي مال‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫الشودرا ال يحق له الزواج إال بفرقته‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫الشودرية تبقى نجسة وإن تزوجها البرهمي‪.‬‬

‫المرأة‪ :‬تعيش المرأة وليس لها خيار‪ ،‬سواء كانت بنتا صغيرة أو شابة أو عجوزا‪ ،‬البنت في خيار أبيها‪ ،‬والمتزوجة في‬

‫خيار بعلها‪ ،‬واألرملة في خيار أبنائها‪ ،‬وليس لها أن تستقل أبدا‪ ،‬وعلى المرأة أن ترضى بمن ارتضاه لها والدها بعال‪،‬‬

‫فتخدمه طول حياته وال تفكر في رجل آخر بعد وفاته‪ ،‬بل عليها حينئذ أن تهجر ما تشتهيه من األكل اللذيذ‪ ،‬واللبس‬
‫‪11‬‬
‫الحسن والزينة كلها‪ ،‬وتعيش أرملة إلى آخر عمرها‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫إن النساء ال حق لهن في التعميد‬

‫‪4‬مانو سمرتي‪330/1 ،014/8 ،11/1‬‬


‫‪5‬مانو سمرتي‪31،83/1‬‬
‫‪6‬مانو سمرتي‪101/3‬‬
‫‪7‬مانو سمرتي‪011،013/8‬‬
‫‪8‬مانو سمرتي‪014/8‬‬
‫‪9‬مانو سمرتي‪13/3‬‬
‫‪10‬مانو سمرتي‪11/3‬‬
‫‪11‬مانو سمرتي‪1،3،0/1‬‬
‫‪12‬مانو سمرتي‪18/1‬‬

‫‪81‬‬
‫‪13‬‬
‫االبتعاد عن النساء في حالة الحيض‪ ،‬حيث ال يجالسهن وال يؤاكل معهن‬

‫‪14‬‬
‫أال يأكل مع الزوجة‪ ،‬وال ينظر إليها في بعض الحاالت‬

‫‪15‬‬
‫المرأة تحترم زوجها كإله‬

‫‪16‬‬
‫ليس للمرأة عبادة خاصة لوحدها‬

‫‪17‬‬
‫تبقى المرأة تعيسة بعد وفاة زوجها‬

‫‪18‬‬
‫ال تقبل شهادات النساء إال على النساء‬

‫‪19‬‬
‫ال تتزوج المرأة مرة أخرى بعد موت زوجها‬

‫‪20‬‬
‫المرأة وإن زنت ال تعاقب إذا كان الزاني بها من فرقة أعلى منها‬

‫الملك‪ :‬خلق اله (براهما) الملك ليصون البلد وليدافع عنه‪ ،‬ولذلك ال تحتقروا ملكا وإن كان طفال رضيعا‪ ،‬ألنه إله في‬
‫‪21‬‬
‫صورة إنسان فوق األرض‪.‬‬

‫وقد منح اله (براهما) الملك السلطان الذي يعاقب به المذنبين‪ ،‬فال ملك إال بسلطان‪ ،‬وال طاعة إال بسلطان العقاب‪.‬‬

‫وعلى الملك أن يصطفي لنفسه الوزراء من األسر الطيبة‪ ،‬ممن اتصفوا بالعلم والشجاعة والنزاهة‪ ،‬وإنما جاز له ذلك ألن‬

‫‪13‬مانو سمرتي‪،01/0‬‬
‫‪14‬مانو سمرتي‪03/0‬‬
‫‪15‬مانو سمرتي‪150/0‬‬
‫‪16‬مانو سمرتي‪155/5‬‬
‫‪17‬مانو سمرتي‪153/5‬‬
‫‪18‬مانو سمرتي‪33/8‬‬
‫‪19‬مانو سمرتي‪144/5‬‬
‫‪20‬مانو سمرتي‪340/8‬‬
‫‪21‬مانو سمرتي‪10،8/3‬‬

‫‪82‬‬
‫الرجل الواحد يصعب عليه القيام بأعباء الملك الثقيلة‪.‬‬

‫وعلى الملك أن يختار سفراءه من أهل العلم والفراسة الذين تكفيهم اإلشارات للنفوذ إلى األسرار العميقة‪.‬‬

‫وليعلم الملك أن البرهمي وإن ساءت سيرته فله أن ينصح الملك إذا شاء‪.‬‬

‫وعلى الملك الرفق بالطيبين والشدة مع األشرار‪ ،‬فالملك العادل الذي ال يداهن الناس‪ .‬يحبه الناس‪.‬‬

‫مسائل اقتصادية‪ :‬ال تجوز أكل الربا الفاحش‪ ،‬ولصاحب المال أن يأخذ روبية وربع روبية ربا عن مائة روبية في كل‬

‫شهر‪.‬‬

‫وإذا حاول عم صبي صغير أن يستولي على أمالكه‪ ،‬فيمنعه الملك من ذلك‪ ،‬ويحول األمالك إلى إدارته حتى يبلغ الصبي‬

‫الرشد‪.‬‬

‫والعقار الذي ال يوجد له صاحب يبقيه الملك في يده ثالث سنوات‪ ،‬فإن لم يعرف صاحبه خالل هذه المدة يصبح‬

‫ملكا للملك بعدها‪.‬‬

‫وإذا وجدت لقطة في مكان‪ ،‬أمر الملك بحفظها حتى يوجد صاحبها‪ ،‬والذي يسرق مثل هذا المال يلقى أمام فيل‬

‫ليدوسه نكاال لجنايته‪.‬‬

‫وكما تمص العلقة الدم قليال قليال كذلك يجب على الملك أن يكتفي بالقليل من الضرائب على رعيته‪ ،‬فيأخذ من أرباح‬

‫الفضة والذهب النصف‪ ،‬ومن الحبوب الثمن أو السدس‪ .‬ومن ثمار األشجار السدس وكذلك قصب السكر والعطور‬

‫والعقاقير‪ .‬أما الصناع والعمال والمنبوذون فيسخرهم الملك يوما واحدا في كل شهر ألعماله‪ ،‬فهذه هي الضريبة التي‬

‫عليهم أن يدفعوها‪.‬‬

‫والولد األكبر هو الذي يرث والديه‪ ،‬أما إخوته وأخواته فكلهم يعيشون تحت أمره‪ ،‬ألن األخ األكبر بمنزلة األب‪.‬‬

‫والذي ليس له ابن يجوز أن يقول لزوج بنته إن ولد لها ولد‪ :‬هو الذي يرثني ويقوم مقام ابني‪.‬‬

‫ولينظم الملك‪ ،‬بواسطة الخبراء‪ ،‬أثمان السلع المتقلبة كل خمسة أيام إلى خمسة عشر‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫وال يملك الولد والزوجة والرقيق شيئا‪ ،‬وكل ما يحرزونه ملك لعائلهم‪.‬‬

‫وال يجوز للملك أن يفرض ضريبة على األعمى واألبله واألكسح وابن السبيل ومن يساعد المتبتلين إلى الكتاب المقدس‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬مصادر التشريع الهندوسي‬

‫الخالصة‪ :‬مصادر التشريع الهندوسي‬

‫شروتي )‪(Shruti‬‬

‫البهاغافاد كيتا‬ ‫الفيدات‬


‫‪Bhagavad gita‬‬
‫آراء بعض العلماء‬
‫‪vedas‬‬
‫الهندوسية‪ :‬يشتمل الكيتا في‬
‫سمريتي‪.‬‬

‫آثار ويدا‬ ‫الريج ويدا‬ ‫ساما ويدا‬ ‫ياجور ويدا‬


‫‪Athar veda‬‬ ‫‪Rig veda‬‬ ‫‪Sama veda‬‬ ‫‪Yajur veda‬‬

‫أرنيك )‪(Aranyaka‬‬ ‫أبانيشادات ) ‪( Upanishad‬‬

‫البراهمن ) ‪( Brahman‬‬ ‫سمهتا )‪(Samhitha‬‬

‫‪85‬‬
‫سمريتي‬
‫‪Smriti‬‬

‫آغامانغال‬ ‫دهرما شاسترا‬ ‫المالحم‬ ‫فيدانغات‬


‫بوراناس‬ ‫‪(Dharmashas‬‬ ‫)‪(Itihasas‬‬ ‫)‪)Vedangas‬‬
‫)‪(Aagamangal‬‬
‫)‪(Puranas‬‬ ‫)‪tra‬‬

‫راماين (‪)Ramayan‬‬ ‫علم التنجيم)‪(Astrology‬‬


‫مهابهارتا )‪(Mahabharatham‬‬ ‫كالبام )‪(Kalpam‬‬
‫قواعد )‪(Grammar‬‬
‫قوانين )‪(Manusmrithi‬‬ ‫قافية (‪) Rhyme‬‬
‫مانوسمريتي‬ ‫عقاب )‪(Punishment‬‬
‫نيروكثام )‪(Niruktham‬‬

‫الهندوسي‪:‬‬ ‫مصادر التشريع‬

‫هناك العديد من الكتب المقدسة في الهندوسية حتى تصل إلى مئات وفى الديانات االسالمية يكون مصدر تقديس‬

‫الكتب أنها كالم الله أوحى به إلى أنبيائه بالمعنى فقط كالتورات واإلنجيل أو بالمعنى واللفظ كالقرآن الكريم أما مصدر‬

‫تقديس الكتب عند الهندوس فليس ألنها اليعرف ألكثرها واضع معين وإنما اشترك فى تأليفها عدد كبير من الناس على‬

‫‪86‬‬
‫مر القرون وليس مصدر التقديس إبداعها فى الفكر أو األسلوب فكثيرا ما شملت هذه الكتب أفكارا بدائية وأساليب‬
‫‪22‬‬
‫ركيكة بل أن مصدر تقديس هذه الكتب هو على العموم االتجاه الروحانى لدى الفكر الهند‪.‬‬

‫ومن الناحية العملية كان مصدر هذه الكثرة تفسير كتاب الويدا الذي يعتبر أعظم الكتب المقدسة لدى الهندوس فإن‬

‫مرور الزمن على هذا الكتاب جعله عسير الفهم غريب اللغة فألفت كتب عديدة لشرحه وتفسيره وعدها الهندوس مقدسة‬

‫ومرت قرون أخرى فاحتاجت هذه الشروح إلى شروح جديدة وإضافة فكتبت كتب أخرى واستساغ العقل الهندوسى أن‬

‫يجعلها مقدسة أيضا وتضمخت الويدا فاحتاجت إلى وضع مختصرات قدسها العقل الهندوسى كذلك‪ .‬هذا باإلضافة‬

‫إلى كتب وضعت غير متصلة بالويدا بل تصف حدثا دينيا أو باريخيا جديدا‪.‬‬

‫على أن الكتب المقدس لدى الهندوسى ليست كلها بطبيعة الحال فى مستوى واحد فمنها كتب قليلة االنتشار أو‬

‫التحظى بتقديس جميع الهندوس ومنها كتب أقرب الى الغموض منها إلى الوضوح ومن أعظم كتبهم المقدسة على‬

‫العموم الويدا وقوانين منو وقد نتحدث عن مصادر التشريع الهندوسي‪.‬‬

‫مصادر التشريع الهندوسي نوعان‪:‬‬

‫‪ )1‬شروتي )‪(Shruti‬‬

‫‪ )1‬سمريتي )‪(Smriti‬‬

‫شروتي )‪(Shruti‬‬
‫شروتي‪ :‬يعنى (المسموع او الموحى به)‪ .‬يشير الى تجلي اله في العالم‪ ,‬والسيما الحقائق التي اوحي بها الى الحكماء‬

‫(كريشي) االوائل‪ ,‬والتي جمعت بعد ذلك في صورة نصوص مقدسة‪ .‬وثمة آراء مختلفة بين الهندوسية بشأن مايعتبر‬

‫شروتي من النصوص المقدسة‪.‬‬

‫‪22‬اديان الهند الكبرى‪ :‬الدكتور احمد شلبى‪ ،‬مكتب النهض المصرية – القاهرة‪ ،‬ط‪1444 – 1‬م‪ ،‬ص‪.73‬‬

‫‪87‬‬
‫ينتمي الفيدا‪ ،‬البهاغافاد كيتا‪ 23‬لفئة نصوص الشروتي‪ .‬النص الوارد في شروتي هو ما كشفه اله الهندوسي‪ .‬وبالتالي ‪ ،‬فإنه‬

‫مفتوحا للحكم أو التقييم‪ .‬النص المقدس الذي يسمى شروتي هو أمر ال يرقى إليه الشك في الطبيعة‪.‬‬
‫ليس ً‬

‫شروتي‪ :‬الفيدات (ياجور ويدا‪ ،‬الريج ويدا‪ ،‬ساما ويدا‪ ،‬آثار ويدا) ‪ ،‬البهاغافاد كيتا‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫الويدا (الفيدات) )‪(Vedas‬‬

‫ان الويدا كتاب الهندوس المقدس ال يعرف له واضع معين‪..‬وإلعطاء صورة أقرب إلى الدقة عن الويدا الذي يعيد بحق‬

‫دائرة معارف عن الهندوس‪ .‬للويدا قيمة تاريخية كبرى اذ تنعكس فى هذا األدب الدينى حياة اآلريين فى الهند فى عهدهم‬

‫القديم ومقرهم الجديد ففيه أخبار حلهم وتراحلهم ودينهم وسياساتهم وحضاراتهم وثقافتهم ومعيشتهم ومعاشرتهم‬

‫ومساكنهم ومالبسهم ومطاعمهم ومشاربهم ومهنهم وحرفهم وترى فيه مدارج االرتقاء للحياة العقلية من سذاجة البدو إلى‬

‫شعور الفالسفة فتوجد فيه أدعية ابتدائية تنتهى باالرتياب وألوهية تترقى إلى وحدة الوجود‪.‬‬

‫والويدات عبارة عن أربع كتب دينية هي ‪:‬‬

‫‪25)Rig‬‬ ‫الريج ويدا (‪veda‬‬

‫وهو أشهر األربعة وأهمها وأشملها كما سيظهر من مقارنة موضوعاته بموضوعات الثالثة األخرى ويقال أن تأليف الريج‬

‫ويدا يرجع إلى ‪ 3444‬قبل ميالد وتشمل ‪ 1413‬أنشودة دينية وضعت ليتضرع بها أتباعها أمام اآللهة أو يتغنون بها‬

‫‪23‬آراء بعض العلماء الهندوسية يشتمل الكيتا في سمريتي‪.‬‬


‫‪24‬دراسات في االديان اليهود والنصرانية ‪:‬الدكتور سعود بن عبد العزيز الخلف‪ :‬ط‪1018 - 1‬ﮬ‪ ،‬مكتبة أضواء السلف – الرياض‪ ،‬ص‪.533‬‬
‫‪25‬الريج ويدا الترجمة الملباري‪ ،‬و‪ .‬بالكرشنن و ليال ديوي‪ ،‬المكتبة الملباري( انترنت)‪ ،‬ص‪ .3‬و اديان الهند الكبرى ص‪.04‬‬

‫‪88‬‬
‫عن اآللهة وأشهر اآللهة الذين ورد ذكرهم فيها هو اإلله انذرا إله اآللهة ثم يجيء بعده اإلله أغنى اله النار وراعى األسرة‬
‫‪26‬‬
‫فاإلله فارونا فاإلله سوريه (الشمس) وغيرهم‪.‬‬

‫واليزال الهندوس يتغنون بأناشيد من الريج ويدا يرتلونها فى صلواتهم صباحا مساء ويتمنون بتالوتها فى حفالت زواجهم‬

‫كما كانوا يفعلون منذ ثالثة آالف عام‪.‬‬

‫‪27)Yajur‬‬ ‫ياجور ويدا (‪veda‬‬

‫تشمل العبادات النثرية التى يتلوها الرهبان عند تقديم القرابين‪.‬‬

‫(‪28)Sama veda‬‬ ‫ساما ويدا‬

‫تشمل األغانى التى ينشدها المنشدون أثناء إقامة الصلوات وتالوة األدعية‪.‬‬

‫‪29(Athar‬‬ ‫آثار ويدا )‪veda‬‬

‫آثار ويدا تشمل مقاالت فى السحر والرقي التوهمات الخرافية مصبوغة بالصبغة الهندية القديمة فالحياة الهندية‬

‫كما يصورها آثار فيدا مملوءة باآلثام والكون حافل بالشياطين واألغوال يخوفون الناس واآللهة كفت أيديها عن الخير لم‬

‫تعد تدفع الشر ويروى آثار فيدا لجوء الناس للخرفات والرقى والسحر ليحموا أنفسهم‪.‬‬

‫وكل من هذه الويدات األربعة يشتمل على اربعة اجزاء هي ‪ :‬سمهتا وبرهمن وأرنيك وأبانيشاد‬

‫‪26‬اديان الهند الكبرى ‪ :‬دكتور احمد شلبي ص ‪04‬‬


‫‪ 27‬ياجور ويدا ‪ :‬و‪ .‬بالكرشنن و ليال ديوي‪ ،‬المكتبة الملباري( انترنت)‪ ،‬ص ‪.1‬‬
‫‪28‬مقارنة االديان‪ :‬الدكتور خليل السعدي‪ ،‬دار العلوم العربية‪ -‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪1015‬ﮬ‪ ،‬ص‪.113‬‬
‫‪ 29‬آثار ويدا‪ :‬الترجمة الملباري‪ ،‬و‪ .‬بالكرشنن و ليال ديوي‪ ،‬المكتبة الملباري( انترنت)‪ ،‬ص ‪.1‬‬

‫‪89‬‬
‫سمهتا )‪(Samhitha‬‬

‫سمهتا أو مجموعة المنظومات لكثرة المنظوم فيها ومنظومات الريج ويدا أهمها وقد تكرر أكثرها فى ساماويدا وهذه‬

‫المنظومات يتغنى بها عند تقديم القرابين ويشمل سمهتا من ياجور ويدا بعض األدعية التى تقرأ عند تقديم القرابيين‬

‫كذلك اما منظومات آثار ويدا فأدعية كان يقدمها سكان الهند االقدمون آللهتهم قبل زحف اآلريين وإذا فلها قيمة‬

‫التاريخية ودينية عظيمة وتمثل السمهتا مذهب الفطرة فى التفكير الهندوس‪.‬‬

‫البراهمن ) ‪( Brahman‬‬

‫البراهمن او الهديات التى يقدمها البراهمة للمقيمين فى بالدهم وبين أهليهم وتشمل بيان أنواع القرابيين وتفاصيلها‬

‫ومواسمها وتباين أن إرضاء البراهمة ضرورى لقبول القرابيين ويمثل البراهمن مرحلة أقرب إلى التحضر فى التفكير‬

‫الهندوس‪.‬‬

‫أرنيك )‪(Aranyaka‬‬

‫أرنيك أو الغابيات أو الهدايات واإلرشادات التى تقدم للشيوخ المعمرين الذين يتركون أهليهم فى الربع الرابع من أعمارهم‬

‫كما سيأتى ليقيموا فى الكهف والغابات واألرنيك تهدى أمثال هؤالء إلى أعمال سهلة يقومون بها بدل القرابيين التى‬

‫أصبحوا يعجزون عن تقديمها‪.‬‬

‫(‪30‬‬ ‫أبانيشادات ) ‪Upanishad‬‬

‫وهي األسرار والمشاهدات النفسية للعرفاء من الصوفية وتدون هذه إرشادا للرهبان والمتنسكين مالوا إلى باطن الحياة‬

‫وتركوا ظاهرها وتمثل األبانيشادات مذهب الروح الذي هو المرتبة العليا فى سلسلة االرتقاء الدينى‪.‬‬

‫‪ 14830‬أبانيشادات‪ :‬الترجمة الملباري‪ ،‬و‪ .‬بالكرشنن و ليال ديوي‪ ،‬المكتبة الملباري( انترنت)‪ ،‬ص‪.3-3‬‬

‫‪90‬‬
‫وتعتبر األبانيشادات خطوة جريئة فى سبيل الحرية الدينية وتلخيص الدين من الرسوم البرهمية وبها أبعدت اآللهة أو قل‬

‫االهتمام بها وهدأت األدعية وندرت القرابين وانحطت المراقبات االهوتية وحل العلم والعرفان محل ذلك ولوال بقايا من‬

‫الشعور الدينى لكانت األبانيشادات فلفسة محضة‪.‬‬

‫األوبانيشادات الفيدية‪ ،‬وهي اثنتي عشرة أوبانيشادة‪.‬‬

‫(‪)Ishavasya‬‬ ‫إيش واشيا‬

‫(‪)Ken‬‬ ‫كينا‪.‬‬

‫(‪)Kath‬‬ ‫َكاتَه‬

‫(‪)Prashna‬‬ ‫بََر ْشنا‬

‫(‪)Mundukya‬‬ ‫ُمْن َد ْك‬

‫(‪)Mandukya‬‬ ‫دوي ّكا‬


‫َمانْ ُ‬

‫(‪)Etrey‬‬ ‫أئيطريا‬

‫(‪)Teterey‬‬ ‫تائيطريا‬

‫(‪)Chandoygga‬‬ ‫شاندويغا‬

‫(‪)Brihdaryaka‬‬ ‫َّك‬
‫بريهدأرن ْ‬

‫(‪)Koshtaki‬‬ ‫كوشيتكي‬

‫(‪)Shwetashwater‬‬ ‫شفتشفترا‬

‫‪91‬‬
‫سمريتي )‪(Smriti‬‬

‫سمريتي‪ :‬يعنى (المتذكر او المنقول)‪ .‬وتقوم النصوص السمريتي على الحقيقة الموحى بها‪ ،‬لكن يقوم بشر بصياغتها‪.‬‬

‫أن شروتي يعتبر بال طبيعة أبدية وأبدية‪ ،‬فإن سمريتي هي إبداعات العرافين والحكماء القدامى‪.‬‬

‫ينقسم سمريتي الى خمسة اقسام‪:‬‬

‫‪ )1‬دهرما شاسترا )‪(Dharmashastra‬‬

‫‪ )1‬المالحم )‪(Itihasas‬‬

‫‪ )3‬فيدانغات )‪(Vedangas‬‬

‫‪ )0‬آغامانغال )‪(Aagamangal‬‬

‫‪ )5‬بورانا )‪(Purana‬‬

‫دهرما شاسترا )‪(Dharmasastra‬‬

‫التعريف‪:‬‬
‫كلمة دهرم شاسترا مركبة من كلمتين‪:‬‬
‫الكلمة األولى‪ :‬دهرم‪ ،‬وفي اللغة لها ٍ‬
‫معان‪ ،‬منها‪ :‬األخالق واآلداب‪ ،‬األحكام والقوانين‪.‬‬

‫والكلمة الثانية‪ :‬شاسترا‪ :‬أي العلم أو الفن‪.‬‬

‫أما معنى دهرم شاسترا في االصطالح‪:‬‬

‫‪92‬‬
‫‪31‬‬
‫فإذا أطلقت هذه الكلمة تكون معناها‪ :‬مجموعة من الكتب الفقهية للديانة الهندوسية‪.‬‬

‫وهو كتاب جامع يحتوي على الشرائع التي تتبعها الطوائف الهندوسية‪ ،‬إنه مؤلف عتيق‪ ،‬ال نعرف مبدأه‪ ،‬وال مؤلفه‪ ،‬وقد‬

‫زعم البعض أنه من تأليف أول إنسان على األرض‪ ،‬أو أول عارف‪ ،‬وضعه بإلهام من براهما في زمان غارق في القدم‪،‬‬

‫ولكن األصح أنه وضع في فترات متتالية بعيد ما بينها‪ ،‬فقد ورد ذكره في المؤلفات التي يرجع عهدها إلى القرن السابع‬

‫قبل الميالد مما يدل على أن بعض أجزائه كتب قبلها‪ ،‬وبه ذكر لما وقع في العصر البوذي‪ ،‬وهو على العموم يحوي‬

‫الشرائع التي ال يحيد عنها الهندوس المتدينون حتى اآلن‪.‬‬

‫في الفترة ذاتها‪َّ ،‬تم تأليف عدد من النصوص عن موضوعات مهمة‪ ،‬مثل الدارما واليوجا والفيدانتا واحتوت هذه النصوص‬

‫على أقوال وحكم‪ .‬ومن النصوص المهمة التي ترجع إلى هذه الفترة مانوسمريتي الذي تناول الشريعة وآداب السلوك‬

‫الهندوسية‪.‬‬

‫عدد كتب دهرم شاسترا‪:‬‬


‫في البداية ظهرت كتب عديدة من كتب الفقه الهندوسي‪ ،‬إال أن أغلب هذه الكتب ضاعت ولم يبق منها إال‬

‫عشرين كتاباً وفيما يلي بيان ألشهر هذه الكتب‪:‬‬

‫‪ -1‬أشهرها مانو ْس ْم ِرتِ ْي‪ ،‬وسيأتي تفصيله فيما بعد في مطلب مستقل‪(Manusmrithi).‬‬
‫(‪(Vishnu Samhita‬‬ ‫‪ - 1‬ف ْشنُ ْو ْس ْم ِرتِ ْي‬

‫)‪(Atri Samhita‬‬ ‫‪ -3‬أتري ْس ْم ِرتِ ْي‬

‫)‪(Harita samhita‬‬ ‫‪ -0‬هاريت ْس ْم ِرتِ ْي‬

‫‪ -5‬ياجنافالكيا ْس ْم ِرتِ ْي )‪(Yajnavalkia Samhita‬‬

‫‪ 31‬دراسات في اليهودية والمسيحية وأديان الهند ‪:‬الدكتور محمد ضياء الرحمن األعظمي‪ ، :‬مكتبة الرشد ناشرون‪ -‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬ط‪1010 ،1‬ﮬ‪،‬‬
‫ص(‪.)541‬‬

‫‪93‬‬
‫)‪(Woshnu Samhita‬‬ ‫أشن ْس ْم ِرتِ ْي‬
‫‪ْ -4‬‬
‫)‪(Angira Samhita‬‬ ‫‪ -3‬أنغيرا ْس ْم ِرتِي‬

‫)‪(Yam Samhita‬‬ ‫‪ - 8‬يام ْس ْم ِرتِ ْي‬

‫)‪(Apostamba Samhita‬‬ ‫‪ -1‬أبستمبا ْس ْم ِرتِ ْي‬

‫)‪(Sangbart Samhita‬‬ ‫‪ -14‬شنغبرت ْس ْم ِرتِ ْي‬

‫)‪(Kattayan Samhtia‬‬ ‫‪ -11‬كاتّاين ْس ْم ِرتِ ْي‬

‫)‪(Brihaspati Samhita‬‬ ‫‪ -11‬بريهسبتي ْس ْم ِرتِ ْي‬

‫)‪(Parasara Samhita‬‬ ‫‪- 13‬براشر ْس ْم ِرتِ ْي‬

‫)‪(Bias Samhita‬‬ ‫‪ -10‬بياس ْس ْم ِرتِ ْي‬

‫)‪(Sankha Samhita‬‬ ‫‪- 15‬شنكْها ْس ْم ِرتِ ْي‬

‫)‪(Likhit Samhita‬‬ ‫‪ -14‬ليكهيت ْس ْم ِرتِ ْي‬

‫)‪(Dakhsa Samhita‬‬ ‫‪ْ -13‬د ْك ْه َشا ْس ْم ِرتِ ْي‬

‫)‪(Ghoutam Samhita‬‬ ‫‪ -18‬غوتام سمرتي‬

‫)‪(Satatap Samhita‬‬ ‫‪َ -11‬شتاتْب ْس ْم ِرتِ ْي‬

‫)‪(Basista Samhita‬‬ ‫‪ - 14‬بششت ْس ْم ِرتِ ْي‬

‫محتويات هذه الكتب (دهرم شاسترا)‪:‬‬


‫تحتوي هذه الكتب على ثالثة عناوين رئيسة وهي‪:‬‬

‫األول‪ :‬األحكام ألدوار حياة اإلنسان الَّتي تنقسم إلى أربعة وسيأتي ذكرها بالتفصيل‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬الحدود والجنايات‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫‪32‬‬
‫الثالث‪ :‬العقاب الَّذي يلحق الهندوسي إذا لم يخضع لقوانين وأحكام الشريعة‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫قوانين مانوسمريتي )‪(Manusmrithi‬‬

‫ْمنُ ْو ْس ْم ِرتِ ْي عبارة عن كلمتين‪ :‬هما‪ْ :‬منُ ْو ‪ْ +‬س ْم ِرتِ ْي‪.‬‬

‫محتويات الكتاب ‪ :‬يشتمل هذا الكتاب على اثني عشر بابا‪:‬‬

‫الباب األول‪ :‬يتحدث عن خلق العالم‪ ،‬وكيفية وجود الحياة في الكون‪ ،‬وحدوث القيامة‪ ،‬ثم فناء العالم نهائيا‬

‫ويتضمن على (‪ )111‬فقرة‪.‬‬

‫الباب الثاني‪ :‬يتحدث عن أحكام برهما جاريا أشرم‪ ،‬وهو الدور األول من عمر اإلنسان‪.‬‬

‫لبرهما‪.‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬يتحدث عن أحكام النكاح‪ ،‬وأقسامه‪ ،‬وتقديم القرابين‬

‫الباب الرابع‪ :‬يتحدث عن أحكام كِ َره ْستَا آشرم ‪ ،‬الدور الثاني من عمر اإلنسان واالنقياد ألحكام فيدات‪ ،‬والتحذير من‬

‫األعمال السيئة‪.‬‬

‫الباب الخامس‪ :‬يتحدث عن أحكام الزوجين‪ ،‬وثواب المرأة الوفية لزوجها‪.‬‬

‫الباب السادس‪ :‬يتحدث عن بان برستا آشرم أي أحكام ترك الدنيا وهو الدور الثالث من عمر اإلنسان‪ .‬ودراسة‬

‫الفيدات‪ ،‬والتفكر في معانيها ودراسة األوبانيشادات‪.‬‬

‫‪ : 32‬اليهودية والمسيحية وأديان الهند‪ :‬الدكتور محمد ضياء الرحمن األعظمي‪ ،‬ص(‪)543‬‬
‫‪33‬دراسات في االديان اليهود والنصرانية ‪:‬الدكتور سعود بن عبد العزيز الخلف‪ ،‬مكتبة أضواء السلف – الرياض‪ :،‬ط‪1018 - 1‬ﮬ‪ ،‬ص‪.545‬‬

‫‪95‬‬
‫الباب السابع‪ :‬يتحدث عن أحكام السلطان‪ ،‬وإقامة الحدود‪ ،‬وأحكام قائد الجيش‪ ،‬أي‪ :‬واجبات‬

‫الملك‪ ،‬والوصايا واألحكام المتعلقة بإدارة شؤون الرعية والبالد‪ ،‬واألمور السياسية‪ ،‬والحربية‪،‬‬

‫والتنظيمية‪ ،‬وحالة الحزن واأللم في حياة اإلنسان‪.‬‬

‫الباب الثامن‪ :‬يتحدث عن أحكام المحاكم‪ ،‬والعقاب على ترويج الحكايات الكاذبة‪ ،‬وأنواع العبودية تجاه‬

‫يشرع أصول المحاكمات‪ ،‬والشهادة‪ ،‬والشهود‪ ،‬والقسم‪ ،‬ثم يتناول قضايا البيوع‬
‫السلطان‪ ،‬أي ‪ :‬هذا الباب ّ‬
‫والعقود‪ ،‬والموجبات‪ ،‬واألمور التجارية‪( ،‬المكاييل واألوزان‪ ،‬والتعهد‪ ،‬والكفالة‪ ،‬والرهن‪ ،‬إلخ)‪ .‬كما أنه يتعرض‬

‫للعقوبات التي تفرض على السرقة‪ ،‬واالعتداء‪ ،‬والميسر‪ ،‬وما إلى ذلك‪.‬‬

‫الباب التاسع‪ :‬يتحدث عن أحكام الرجل والمرأة‪ ،‬أي ‪ :‬الواجبات الزوجية‪ ،‬وأحكام عامة متعلقة باألسرة‪ ،‬واألوالد‪،‬‬

‫والزنا‪ ،‬والطالق‪ ،‬واإلرث‪ ،‬كما يتحدث أيضا عن أحكام السلطان‪.‬‬

‫الباب العاشر‪ :‬يتحدث عن وظائف الطبقات األربع في المجتمع الهندوسي‪ ،‬من حيث اختالط األنساب من‬

‫طبقتين مختلفتين؛ ويقرر األوضاع للمنبوذين بحيث يحرمهم من امتالك ما عدا الكالب‪ ،‬والحمير‪ ،‬وبعض‬

‫األواني؛ ويجعل إقامتهم خارج القرى‪.‬‬

‫الباب الحادي عشر‪ :‬يتحدث عن أنواع الفقر عند النساك‪ ،‬ويفصل طقوس الكفارات‪ ،‬والتكفير عن الذنوب‬

‫بواسطة تالوة الكتب المقدسة‪ ،‬أو بتقديم القرابين‪ ،‬والشظف‪ ،‬والتزهد‪ ،‬كما تحرم الخمر‪.‬‬

‫الباب الثاني عشر‪ :‬يتحدث عن أنواع قانون الجزاء‪ ،‬وكيفية حصول النجاة من جوالن الروح‪ ،‬أي التناسخ‪.‬‬

‫هذا هو كتاب منو شريعة الهندوس‪ ،‬وهو بمثابة الفقه عند الهندوس‪ ،‬ويرى الهندوس أن هذا الكتاب مستمد من أصول‬

‫تعاليم الفيدات ‪ ،‬ولكننا نالحظ في تعاليمها مخالفة صريحة للڤيدات‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫مانوسمريتي يعدد خلق برهما للكائنات‪ :‬ثم خلق البرهما من فمه والكاشتريا من ذراعه والويشا من فخذه والشوارد من‬

‫رجله فكان لكل من هذه الطبقات منزلته على هذا النحو‪.‬‬

‫وبناء على هذا التفكير الذي يرى أن الطبقات خلقها اله على هذا الوضع يصبح هذا التقسيم أبديا فهو من صنع اله‬

‫والطريق إلزالته وعلى هذا اليرتفع أي شخص من أي قسم إلى قسم أعلى‪.‬‬

‫وبناء عليه كذلك وعلى االعتقاد بأن االبن يأتى على نمط أبيه اليجوز لرجل أن يتزوج امرأة من طبقة لعدم الكفاءة‪ .‬وألن‬

‫أوالده منها سيهبطون إلى مستواه وهذه خسارة على التكوين االجتماعى ولكن يجوز لرجل أن يتزوج امرأة من طبقة أقل‬

‫من طبقته على أالتكون من الطبقة الرابعة (لشوادرا ) التى ليست إال للخدمة والتسمو ألن يتزوج منها أحد أفراد‬

‫الطبقات العليا الثالثة وجاء فى قوانين منو أن الرجل من الطوائف الثالثة الشريفة إن غلبه الحب فتزوج بامرأة من غير هذه‬

‫الطوائف فإنه سوف يرى هالك أسرته‪.‬‬

‫ويتبع نظام الطبقات كذلك أن ال تالحظ أسةماء األطفال من كل طبقة فيختار االسم من الكلمات الدالة على البهجة‬

‫والسرور إن كان برهميا وعلى الحول والقوة إن كان كشتريا وعلى الغنى والثروة إن كان ويشا وعلى الذال والمهناة إن كان‬

‫شودرا‪.‬‬

‫وتلتقى هذه الطبقات األربعة فى األربعة فى االعتقاد باآللهة وتقدس البقرة‪ .‬وكلها تخضع للنظام الطبقى والبراهيم هم‬

‫ملجأ الجميع فى حاالت الميالد والزواج والوفاة‪.‬‬

‫وقد تحدثت شرائع منو بالتفصيل عن وظائف كل طبقة على النحو اآلتى ‪ :‬ولكل طبقة من طبقات المجامع الهندوسى‬

‫وظائفها وواجباتها فعلى البراهيم أن يشتغل بالتعلم والتعليم وبإرشاد الناس فى دينهم فكان هو المعلم والكاهن والقاضى اما‬

‫كشتريا فكانت وظيفته أن يتعلم ويقدم القرابين وينفق فى الصداقات ويحمل السالح للدفاع عن وطنه وشعبه اما ويشا‬

‫‪97‬‬
‫فعليه أن أيزرع ويتجر ويجمع المال وينفق على المعاهد العلمية والدينية وأما شودرا فعليه أن يخدم الطوائف الثالثة‬

‫الشريفة‪.‬‬

‫طبقة‪:‬‬
‫ومن شرائع منو نورد بعض النصوص التى تقرر اختصاصات كل ٍ‬

‫البراهيمة ) ‪( Brahmins‬‬

‫يقوم البراهيمة بدرس أسفار الويدا وتعليمها وتبريك تقديم القرابين التى التقبل من الناس إال عن طريقهم‪ .‬ويجب أن‬

‫يحافظ البرهمى على كنز الشرائع المدنية والدينية‪.‬‬

‫وإذا ولد برهمى وضع فى الصف األول من صفوف الدنيا‪.‬‬

‫البرهمى محل الحترام جميع اآللهة بسبب نسبه وحده وأحكامه حجة فى العالم‪ .‬والكتاب المقدس هو الذى يمنحه هذا‬

‫االمتياز‪.‬‬

‫كل مافى العلم ملك البرهمى‪ .‬وللبرهمى حق فى كل موجود‪.‬‬

‫والبرهمى إذا ما افتقر حق له أن يتملك مال الشودرى الذى هو عبد له من غير أن يجازيه الملك على ما فعل فالعبد‬

‫وما يملك لسيده‪.‬‬

‫واليندس البرهمى بذنب ولو قتل العوامل الثالثة‪.‬‬

‫وليتحنب الملك قتل برهمى ولو اقترف جميع الجرائم وليطرده ‪-‬إذا رأى‪ -‬من مملكته على أن يترك له جميع أمواله‬

‫وأاليصيبه بأذى‪.‬‬

‫وعلى الملك أاليقطع أمرا مهما كان دون استشارة البراهيمة‪.‬‬

‫األكشترية‪( Kshatriyas ) :‬‬

‫‪98‬‬
‫إن الذين تغذت عقولهم بكتب ويدا وغيرها هم الذين يصلحون ألن يكونوا قوادا أو ملوكا أو قضاة أو حكاما للناس‪.‬‬

‫ينصب الملك من األكشترية‪ ،‬وللملك على األكشترية احترام الجنود لقائدهم‪.‬‬

‫ويجب أال يستخف بالملك ولو كان طفال‪ ،‬وذلك بأن يقال إنه إنسان‪ ،‬فاأللوهية تتجسم في صورة الملك البشرية‪.‬‬

‫وال يجوز لألكشتري أن يشتغل بغير الجندية‪ .‬واألكشتري يعيش جنديا حتى في وقت السلم‪.‬‬

‫وعلى األكشترية أن يتجمعوا عند أول نداء‪ .‬وعلى الملك أن يعد لهم عدد الحرب وأسلحته‪.‬‬

‫ال تبارك موارد الملك ووسائله ولو نال كنوزا واكتسب أمالكا إال إذا أصبح صديقا للضعيف‪.‬‬

‫الويشية (‪)Vaishyas‬‬

‫يجب على الويشي أن يتزوج امرأة من طائفته‪ ،‬وأن يعني جادا بمهنته‪ ،‬ويربي الماشية على الدوام‪.‬‬

‫وعلى التجار منهم معرفة ووانين التجارة ونظم الربا‪.‬‬

‫وليعلم الويشي جيدا كيف يبذر الحبوب‪ ،‬وليفرق بين األرض الجيدة واألرض الرديئة‪ ،‬وليطلع على نظام الموازين‬

‫والمكاييل اطالعا كافيا‪.‬‬

‫وليعرف أجر الخدم ولغات الناس‪ ،‬وما تحفظ به السلع‪ ،‬وكل ما يمت إلى البيع والشراء بصلة ‪.‬‬

‫(‪)Shudras‬‬ ‫الشودرا‬

‫يجب على الشودري أن يمتثل امتثاال مطلقا أوامر البراهمة‪ ،‬سادة الدار العارفين بالكتب المقدسة والمشتهرين بالفضائل‪،‬‬

‫فترجى له السعادة بعد موته ببعث أسمى‪ .‬ال يجوز للشودري أن يجمع ثروات زائدة ولو كان على ذلك من القادرين‪،‬‬

‫فالشودري إذا جمع ما ال آذى البراهمة بقحته‪.‬‬

‫ويجب نفي ابن الطبقة الدنيا الذي تحدثه نفسه بأن يساوي رجال من طبقة أعلى من طبقته وأن يومم تحت الورك‪.‬‬

‫وتقطع يده إذا عال من هو أعلى منه بيده أو بعصاه‪ ،‬وتقطع رجله إذا رفسه برجليه‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫وإذا ما دعاه باسمه أو باسم طائفته بدون تقدير أدخل إلى فمه خنجر محمي متلوث النصل طوله عشرة قراريط‪.‬‬

‫ويأمر الملك بصب زيت حار في فمه وفي أذنيه إذا بلغ من الوقاحة ما يبدي به رأيا البراهمة في أمور وظائفهم‪.‬‬

‫المالحم )‪(Itihasas‬‬

‫أقدم النصوص المقدسة السمريتي هي مهابهارتا التي تتضمن البهاغافاد كيتا ورامايانا التي يرجع تاريخها إلى الفترة ما بين‬

‫ت في حياة‬
‫عامي ‪ ٠٥٥‬قبل الميالد و ‪ ٠٥٥‬بعد الميالد‪ ،‬وهذه النصوص عبارة عن قصائد طويلة تروي أحداثًا َجَر ْ‬
‫َ‬
‫دورا رئيسيا في رامايانا‪.‬‬
‫محاربين عظماء‪ ،‬ويظهر كريشنا في مهابهارتا بينما يلعب راما ً‬

‫البهاغافاد كيتا )‪(Bhagavad gita‬‬

‫كلمة كيتا سنسكريتية‪ ،‬معناها ‪ :‬األنشودة‪ ،‬أو األغنية‪.‬‬

‫ومعنى بهاغافاد كيتا‪ :‬األنشودة اإللهية‪ ،‬أو األنشودة المباركة‪ ،‬أو أغنية للواحد المقدس‪ ،‬أو أنشودة اإلله‪ ،‬أو أنشودة‬
‫‪34‬‬
‫المحبوب المقدس‪.‬‬

‫أما مؤلف البهاغافاد كيتا ‪ :‬فيدعي أغلب الهندوس بأن الكتاب من تأليف ‪ :‬بياس‪.‬‬

‫كيتا (البهاغافاد كيتا) ‪ -‬تصف حربا شعواء بين فريقين من األمراء ينحدران من أسرة ملكية واحدة‪ ،‬وينسب هذا الكتاب‬

‫أو أكثره إلى كرشنا أحد أبطال الهندوس المقدسين‪ ،35‬وكان قد اتخذ جانبا في هذه الملحمة تحت قيادة البطل أرجنا‪،‬‬

‫ومن قراءة كيتا يالحظ اهتمام هذا الكتاب ال بالجانب القصصي أو الخرافي‪ ،‬بل بالجانب الفلسفي واالجتماعي‪ ،‬وكيتا‬

‫لهذا يعتبر من الروافد التي قدمت إلى مهابهارتا أروع التعاليم وأرق الثقافات‪ ،‬ومنه استمدت تعاليم كثيرة ‪ ،‬والكتاب يقدم‬

‫لنا صورة الهيئة االجتماعية الهندية في ذلك العصر‪ ،‬فنعلم منه ما كان عليه الشعب من المعتقدات الدينية‪ ،‬والعادات‬

‫فالسفة الشرق ‪:‬ا ف توملين‪ ،‬دار الفكر‪ -‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،3‬ص(‪.)111‬‬ ‫‪34‬‬

‫البهاغافاد كيتا الترجمة الملباري‪،‬المكتبة الملباري( انترنت) ص‪.3‬‬ ‫‪35‬‬

‫‪100‬‬
‫االجتماعية‪ ،‬واألفكار الفلسفية‪ ،‬ووجهة نظره العامة في الحياة وما بعد الممات‪ .‬وهو يخبرنا أن الناس ضلوا عن سواء‬

‫السبيل ووقعوا فريسة للتقاليد واألوهام‪ ،‬فتركوا لب الدين وتمسكوا بقشوره‪ .‬كانوا يتشدقون بألفاظ ويدا‪ .‬ويعملون‬

‫بظواهرها‪ ،‬فيقيمون الطقوس والعبادات الرسمية‪ ،‬وهم مع اعتقادهم بوحدة اله يعبدون آلهة أخرى‪ ،‬وليس هذا فحسب‪ ،‬بل‬

‫يعبدون أسالفهم وكذلك يعبدون العفاريت‪ ،‬ويتطيرون ويعتقدون في الفأل‪ ،‬وبجانب هؤالء وعلى العكس منهم يوجد أناس‬

‫ينعون على متبعي الظواهر اتجاههم‪ ،‬ولكن هؤالء ‪ -‬علوا كذلك في مذهبهم‪ ،‬فأنكروا العبادات والظواهر على االطالق‪،‬‬

‫زاعمين أنها قشور‪ ،‬وكان أكثر هؤالء وأولئك مقلدين جامدين‪ .‬ويوجد أناس آخرون يرون في الرهبانية والتجرد من الدنيا‪،‬‬

‫النجاة‪ ،‬فيهجرون الكسب ويعيشون عالة على الناس‪.‬‬

‫محتويات الكتاب ‪( -:‬بهاغافاد غيتا عبارة عن حوار دار بين أرجون وكريشنا)‬

‫وكان أرجنا زعيم أحد الحزبين المتحاربين متأثرا بأحوال بيئته‪ ،‬مؤمنا بمعتقدات عصره‪ ،‬وخاضعا لألفكار الشائعة‪ ،‬فلما‬

‫اصطفت الصفوف‪ ،‬ودقت الطبول‪ ،‬وآن أوان القتال‪ .‬تلجلج في مباشرته‪ ،‬وجرى بينه وبين " كرشنا " حوار‪ ،‬فوعظه‬

‫كرشنا‪ ،‬وحثه على القتال‪ .‬وكتاب كيتا اشتمل على هذا الحوار الذي جرى في ساحة الحرب‪.‬‬

‫قال أرجنا لكرشنا‪ ،‬وهو واقف بين الصفين‪ ،‬ينظر إلى الذين جاءوا لمحاربته‪:36‬‬

‫"سيدي! أرى أمامي أقاربي األعزاء وأصدقائي القدماء‪ ،‬ففيهم األخ وابن األخ‪ ،‬والخال وابن الخال‪ ،‬والعم وابن العم‪ ،‬فيهم‬

‫األبناء واألحفاد‪ ،‬وفيهم الشيوخ الذين نشأت على تبجيلهم‪ ،‬أراهم أمامي‪ ،‬وقلبي يرتعد‪ ،‬ويدي ترتعش‪ ،‬وأشعر بحلقومي‬

‫كأنه قد جف‪ ،‬هل يليق بي أن أحارب هؤالء األحباء األعزاء‪ ،‬واألسالف األجالء؟ كال‪ ،‬ألني إن حاربتهم‪ ،‬أحرم من‬

‫راحة البال أبدا‪ ،‬إن حياة الذل والفقر خير من النصر الذي أناله بقتلهم‪ ،‬أجل‪ ،‬ال يحل لي قتالهم‪ ،‬وإنهم لو قتلوني‪ ،‬فإني‬

‫ال أرضى برفع يدي عليهم‪ ،‬ال ريب إنهم ظالمون‪ ،‬ومع ذلك ال يطاوعني قلبي في قتالهم‪ .‬ثم إني إن حاربتهم‪ ،‬فنيت‬

‫‪36‬البهاغافاد كيتا‪15/1‬‬

‫‪101‬‬
‫أسرتنا العريقة في المجد بأسرها‪ ،‬وبفنائها تفنى سائر عاداتها وتقاليدها‪ ،‬وإذا ذهبت العادات والتقاليد‪ ،‬فما الذي يمنع‬

‫البقية الباقية منها‪ ،‬وال سيما النساء من الضالل ؟ فينتشر الشر وتعم الفتنة في النساء‪ ،‬وبفساد النساء تختلط األنساب‬

‫وتزول فروق المراتب البشرية‪ .‬إن هذا لشر مستطير‪ ،‬وهو ما ينتج من هذه الحرب وسفك الدماء‪.‬‬

‫فالذين يتحاربون ويسببون هذا الفساد‪ ،‬ال بد من أن يجازوا بالجحيم‪ .‬وليس هؤالء وحدهم الذين يصلون بالنار‪ ،‬بل‬

‫يدخلها أسالفهم كذلك‪ ،‬ألنهم قد فقدوا أخالفهم الذين عليهم أن يقدموا ألرواح األسالف ما يجلب لها الراحة‬

‫والسعادة‪ .‬وهكذا تفنى الرسوم والعادات‪ ،‬وهكذا يذهب الدين فيصير نسيا منسيا‪ ،‬ونحن ما زلنا نسمع أن الذين كانت‬
‫‪37‬‬
‫حالتهم هكذا‪ ،‬يدخلون الجحيم األبدي‪ ،‬ولذلك فمباشرتنا الحرب‪ ،‬إثم ليس فوقه إثم"‪.‬‬

‫ويجيب كرشنا قائال‪:‬‬

‫" يا أرجنا! وياله في هذه الساعة الرهيبة‪ ،‬لعار ليس فوقه عار‪ ،‬وأنت لن تجد بعده راحة البال طول حياتك‪ ،‬وسيكون‬

‫ذلك سمة سوداء على جبينك ال يمحوها الدهر أبدا‪ ،‬أيها البطل الشجاع! ما هذا الجبن الذي ال يليق برجل مثلك؟‬
‫‪38‬‬
‫وطد نفسك على الحرب وسر إلى النصر الذي ينتظرك"‪.‬‬

‫فقال له أرجنا‪" :‬كيف يحل لي ان احارببهم وانا فيهم استاذي‪ ,‬واخوالي‪ ,‬واعمامي الذين يجب علي احترامهم؟ اليست‬
‫‪39‬‬
‫حياة التوسل خير من الملك الذي اناله بقتلهم؟"‪.‬‬

‫فيبتسم كرشنا من قول ارجنا‪ ,‬ويقول له‪ :‬تتكلم بكالم العقالء ثم أراك تهتم بما ال يهتم به العقالء! أال تعلم أن العاقل في‬

‫مثل هذا الموقف ال يبالي بالحياة ومصيرها؟ هل تظن أنني أنا‪ ،‬وأنت‪ ،‬وجميع هؤالء الملوك‪ ،‬وسائر هؤالء الناس‪ ،‬وجدوا‬

‫بعد أن لم يكونوا شيئا؟‬

‫‪37‬البهاغافاد كيتا‪04-14/1‬‬
‫‪38‬البهاغافاد كيتا‪3/1‬‬
‫‪39‬البهاغافاد كيتا‪0/1‬‬

‫‪102‬‬
‫هذا ما ال يقوله عاقل‪ ،‬ال يمكن وجود شئ من ال شئ‪ ،‬كل من هو موجود اآلن وجد من قبل‪ ،‬وسيبقى موجودا دائما‪،‬‬

‫وكما ترى الحياة تطرأ عليها الطفولة‪ ،‬والشباب‪ ،‬والشيخوخة‪ ،‬كذلك ينتقل الروح من جسد إلى جسد آخر‪ ،‬وهذا التنقل‬

‫هو الذي نسميه بالموت‪ ،‬ولكن العقالء ال يزعجهم اسم الموت‪.‬‬

‫يا أرجنا! إن األلم واللذة‪ ،‬مناطهما بالمشاعر التي مآلها إلى الفناء‪ ،‬فال ينبغي لك أن تقيم لها وزنا‪ ،‬والذي يرتفع فوق‬

‫األلم واللذة هو الذي ينال السعادة الدائمة والنجاة األبدية‪ ،‬ال يمكن أن ينعدم ما هو موجود وال يمكن وجود شئ من‬

‫العدم‪ ،‬عليك بهذه المعرفة‪.‬‬

‫يا أرجنا! يفنى الجسم وال فناء للروح‪ ،‬فالروح ليس له بداية وال نهاية‪ ،‬فعليك يا أشجع الشجعان‪ ،‬أن تبعد األفكار‬

‫الباطلة عن نفسك وأن تتأهب للقتال‪ ،‬ألن واجبك هذه الساعة هو القتال‪.‬‬

‫عليك أن تعلم أن الروح ال يقتل وال يقتل‪ .‬إنه ليس بأمر حادث‪ ،‬بل قديم‪ ،‬أزلي‪ ،‬أبدي‪ ،‬ال يتغير وال يتبدل‪ ،‬وال يموت‬

‫بموت الجسد‪ ،‬فالذي يرى الروح خالدا يعلم كذلك أنه ال يفتل أحدا وال يقتله أحد‪.‬‬

‫وكما يبدل اإلنسان لباسه‪ ،‬كذلك الروح يغير قشرته‪ ،‬فينتقل من جسد إلى جسد‪.‬‬

‫أكرر لك يا أرجنا‪ ،‬أن الروح ال يموت وال يزول‪ ،‬إنه خالد‪ ،‬ال النار تحرقه‪ ،‬وال الماء يغرقه‪ ،‬وال السالح يقطعه‪ ،‬هو دائما‬

‫على حالة واحدة‪ ،‬ال يقبل التغير والتبدل‪ ،‬وإن كنت في ريب مما أقول‪ ،‬وترى الروح كاألجسام يموت ويولد‪ ،‬فبالحري أال‬

‫تتأخر عن الحرب‪ ،‬ألن الذي ولد‪ ،‬ال بد من أن يموت‪ ،‬والذي مات‪ ،‬ال بد من أن يولد مرة أخرى‪ ،‬فإن كان هذا مقدرا‬

‫ال مناص منه‪ ،‬فلم هذا التردد منك؟ إن هؤالء الذين تراهم‪ ،‬لم يكونوا في الماضي‪ ،‬وال يكونون في المستقبل‪ .‬إنهم أبناء‬

‫الحال ال غير‪ ،‬فلم تبكي لهم وتهتم بهم؟ إن الحياة سر‪ ،‬تحيرت منه األلباب ولكن ال يفهمه أحد‪.‬‬

‫" ثم إن تأخرك عن الحرب‪ ،‬يا أرجنا‪ ،‬مناقض لواجبك كرجل من كشترى (طبقة المحاربين)‪ ،‬إن القدر قد ساق إليك‬

‫هذه الحرب التي ليست إال بابا للجنة‪ ،‬والسعيد من تسنح له فرصة كهذه‪ ،‬وأنت إن ضيعتها‪ ،‬تبوء بإثمك‪ ،‬ويعيرك الناس‬

‫بالجبن‪ .‬يظن المحاربون أنك قعدت عن الحرب خوفا وجبنا‪ ،‬فتسقط من األعين التي ما زالت تبجلك‪ .‬تفكر أي أسى‬

‫‪103‬‬
‫يكون فوق هذا األسى؟ وهل هناك عار على الرجل أكبر من أن يقال إنه جبان؟ وأنت إن قتلت‪ ،‬دخلت الجنة‪ ،‬وإن‬

‫عشت‪ ،‬فزت بملك عظيم‪ .‬فوطد نفسك على القتال‪ ،‬وباشره غير مبال بالعاقبة"‪.‬‬

‫ثم قال كرشنا‪:‬‬

‫لقد أضلت كلمات ويدا عقلك‪ ،‬فصرت ال تفهم قيمة الفرض وما يتبعه من الواجبات‪ ،‬والذين يتمسكون بألفاظ ويدا‬

‫وحدها ويرونها كل شئ‪ ،‬يركبون شططا‪ .‬إنهم إنما يجرون وراء أهوائهم النفسية‪ .‬يمنون أنفسهم بالجنة‪ ،‬ألنهم حريصون‬

‫على لذائذ الحياة‪ ،‬فيقومون بطقوس يرونها تضمن لهم الجنة‪ ،‬ولذلك تبلبلت عقولهم‪ ،‬وتشعبت سبلهم‪ ،‬وضلت أعمالهم‪،‬‬

‫فهم في حيرة وارتباك‪ ،‬يجرون وراء شهواتهم‪ ،‬وال يستطيعون حصر أفكارهم في نقطة واحدة‪.‬‬

‫أما أنت‪ ،‬فكن فوق القشور الويدية‪ .‬ال تقلقك أفكار الراحة أو التعب‪ ،‬النجاح أو الخيبة‪ ،‬بل كن مطمئنا منشرحا في‬

‫روحك‪ ،‬والعاقل الذي وصل إلى الحقيقة‪ ،‬ليست الكتب الويدية له إال كبئر في مكان ذي أنهار‪ ،‬فعليك أن تقوم‬
‫‪40‬‬
‫بواجبك‪ ،‬ألنه واجب عليك‪ ،‬واجمع عقلك على هذه النقطة وحدها‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫سأل أرجنا‪ :‬كيف للمرء أن يجمع عقله؟‬

‫فأجابه كرشنا قائال‪:‬‬

‫إن الذي تغلب على أهوائه النفسية‪ ،‬وملك حواسه كلها‪ ،‬فال يخاف شيئا‪ ،‬وال يطمع في شئ‪ .‬وال يحب أحدا وال يكره‬

‫أحدا‪ ،‬لهو الذي نال العقل وجمعه‪ ،‬إن الحواس تتبع ميولها‪ ،‬فعلى المرء أن يجذب إلى قبضته حواسه عن مشهياتها كما‬

‫تجذب السلحفاة أطرابها إلى بطنها‪ ،‬أجل‪ ،‬إن النفس لضاغية جامحة‪ ،‬إال أنه يجب السعي لضبطها وتحويلها إلى اله‪.‬‬

‫فالذي ال عالقة له بشئ‪ ،‬وال يخاف شيئا‪ ،‬وال يطمع في شئ‪ ،‬وحواسه تحت أمره‪ ،‬فهو المطمئن حقا‪ ،‬وإن كان يقوم‬

‫‪40‬البهاغافاد كيتا‪53-14/1‬‬
‫‪41‬البهاغافاد كيتا‪50/1‬‬

‫‪104‬‬
‫بأعمال الدنيا كغيره من الناس‪ ،‬إنما العمل الحقيقي‪ ،‬هو التحرر من سلطة النفس‪ ،‬فمن تحرر منها‪ ،‬فقد فاز بالطمأنينة‬
‫‪42‬‬
‫الحقيقية‪ ،‬واهتدى إلى اله‪ ،‬وفاز بالنجاة‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫فقال أرجنا‪ " :‬إن كانت النجاة ال سبيل إليها إال بالتغلب على الحواس وقهر النفس‪ ،‬فلماذا نهتم بأمور الناس؟‬

‫فأجابه كرشنا قائال‪ :‬إن الذي يتجرد من الدنيا بترك واجبه‪ ،‬ال يصل إلى الكمال أبدا‪ ،‬واألعمال التي تأسر اإلنسان‪ ،‬هي‬

‫التي يقوم بها إلرضاء نفسه‪.‬‬

‫ال ألجل المصلحة العامة‪ .‬فعلى المرء أن يجعل سائر أعماله خالية‪ ،‬منزهة من أهواء النفس‪ .‬وما عاشت هذه الدنيا إال‬

‫بمثل هذه األعمال النبيلة النزيهة‪ ،‬والذي يطبخ الطعام ليأكله وحده‪ ،‬آلثم‪ ،‬وإذا أكل فال يأكل إال إثمه‪ .‬والذي ال يهتم‬

‫بمصلحة غيره فهو سارق‪ .‬والذي يحيا إلرضاء حواسه‪ ،‬فحياته كلها إثم‪ .‬ليس ألحد أن يسخر غيره إلشباع ميوله‪.‬‬

‫وإنما الطريق إلى اله أن تكون األعمال خالصة له ولنفع خلقه‪.‬‬

‫علم أن أشد أعداء اإلنسان‪ ،‬اثنتان‪ :‬الشهوة والغضب‪ .‬وهما اللذان يدفعانه إلى الذنوب‪ ،‬وكما يغطي الدخان النار‪،‬‬

‫ويكدر الغبار صفاء المرآة‪ ،‬كذلك الشهوة والغضب يغطيان عقل اإلنسان‪ ،‬فعلى اإلنسان أن يقتل هذين العدوين‪.‬‬

‫ال شئ يطهر اإلنسان أكثر من هذا العرفان‪ ،‬والعارف يدرك بالتدريج أن اله معه وفيه‪ ،‬وأكبر ما يحتاج إليه اإلنسان في‬
‫‪44‬‬
‫سلوكه إلى الكمال‪ ،‬هو اإليمان وقهر النفس‪.‬‬

‫وسأل أرجنا مرة أخرى‪ " :‬ما األفضل لإلنسان‪ :‬التجرد من الدنيا ومراقبة النفس‪ ،‬أو تطهير النفس مع التعلق بأمور‬
‫‪45‬‬
‫الدنيا"؟‪.‬‬

‫‪42‬البهاغافاد كيتا‪44-55/1‬‬
‫‪43‬البهاغافاد كيتا‪1/3‬‬
‫‪44‬البهاغافاد كيتا‪15-3/3‬‬
‫‪45‬البهاغافاد كيتا‪34/3‬‬

‫‪105‬‬
‫فأجابه كرشنا قائال‪:‬‬

‫إن الذين يفرقون بين الطريقتين‪ ،‬أطفال ال يعقلون‪ ،‬أما العالم العاقل‪ ،‬فال يفرق بينهما‪ ،‬واإلنسان يصل إلى الكمال بأي‬

‫طريق سلكه إن قام بشروطه حق‪ .‬والذي يرى الطريقين سبيال إلى المقصود فهو المصيب‪.‬‬

‫والناسك الحق هو الذي ال يبغض أحدا‪ ،‬وال يشتهي شيئا‪ ،‬وال يرى غير اله شيئا‪ ،‬إنه يجري وراء واجبه دائما‪ ،‬طهر قلبه‬

‫وتغلب على حواسه‪ ،‬فنفسه في قبضة يده‪ ،‬ال تنازعه وال تحيد به عن الصواب‪ ،‬وهو يرى جميع األرواح كروحه‪ ،‬وال يفرق‬

‫بينها‪ ،‬وال يقصد بعمله إال وجهه تعالى وحده‪.‬‬

‫والذي يقوم بواجبه كما قلت‪ ،‬يبزغ نور العرفان في داخله كما تبزغ الشمس في السماء‪ ،‬فيرى ربه بعين قلبه‪ ،‬ويسعد‬

‫بالنجاة بعد أن تذهب ذنوبه وتحل محلها الحسمات‪.‬‬

‫واللذائذ الحسية‪ ،‬عاقبتها األلم والحزن‪ ،‬فال يجري العاقل وراءها‪.‬‬

‫والذي ملك حواسه ونفسه في هذه الحياة‪ ،‬فهو الناسك حقا‪ ،‬وهو الذي فاز بنعمة راحة البال‪ .‬إنه يجد الطمأنينة‬

‫والراحة‪ ،‬والنور في روحه‪ ،‬ويصل إلى النجاة بفنائه في الخالق‪ ،‬وال يسعد بهذا إال من نسي نفسه‪ ،‬وقهر هواه‪ ،‬وال يزال في‬

‫عمل مستمر لمصلحة الناس عامة‪.‬‬

‫وليس الناسك من يتشبث بظواهر النسك وحدها‪ ،‬فال يمس النار‪ ،‬ويفعل هذا وال يفعل ذلك كالمتنطعين‪ .‬إنما النسك "‬

‫كيفية قلبية‪ ،‬ال هيئة خارجية‪ ،‬فالذي ال يبالي بالعواقب في أداء واجبه‪ ،‬فهو الناسك الصادق‪ ،‬والذي يتخلى عن واجباته‬

‫في الدنيا‪ ،‬فهو ليس من النسك في شئ‪.‬‬

‫ليس لإلنسان صديق إال نفسه‪ ،‬وليس له عدو إال نفسه‪ ،‬ومن تغلب على نفسه فهو صديق نفسه‪ ،‬ومن قهرته نفسه‪ ،‬فهو‬

‫عدو نفسه‪ ،‬فمن غلب نفسه فأصبح ال يبالي بالحر والبرد‪ ،‬بالراحة واأللم‪ ،‬بالسراء والضراء فهو صاحب الروح األكبر‪،‬‬

‫ومن يرى الصديق‪ ،‬والعدو‪ ،‬القريب‪ ،‬والبعيد‪ ،‬السعيد‪ ،‬والشقي‪ ،‬بعين واحدة فهو المهتدى‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫ليست النجاة للذين افتتنوا بالدنيا‪ ،‬وال للذين هجروا الدنيا فارين من واجباتهم‪ ،‬بل هي للذين يلزمون الطريقة الوسطى‪ ،‬فال‬

‫يفرطون وال يفرطون‪ ،‬في مأكلهم‪ ،‬ومشربهم‪ ،‬وملبسهم‪ ،‬ومسكنهم‪ ،‬إنهم وسط في كل شئ‪ ،‬فيستريحون كما ينبغي‪،‬‬

‫وينصبون كما ينبغي‪.‬‬

‫والناسك الحق هو الذي يرى وجوده في وجود اآلخرين‪ ،‬ووجودهم في وجوده‪.‬‬

‫فمن كان هكذا‪ ،‬فعالقته بإله وثيقة ال انقطاع لها‪ .‬فالذي يحمد اله في خلقه وينسى نفسه‪ ،‬فهو مع اله أينما كان وحيثما‬
‫‪46‬‬
‫كان ومن يرى سعادة اآلخرين وشقاءهم‪ ،‬سعادته وشقاءه فهو حبيب اله حقا‪.‬‬
‫‪47‬‬
‫وسأل أرجا " أليس قهر النفس األمارة‪ ،‬كما تقول‪ ،‬لمن أصعب األمور؟‬

‫فأجابه سرى كرشنا قائال‪:‬‬

‫أجل‪ ،‬يا عزيزي! إنه لمن أصعب األمور‪ ،‬ال يكون قهر النفس إال بصدق النية‪ ،‬والتمرين‪ ،‬والرغبة عن لذائذ الدنيا‪ ،‬والذي‬

‫حرم قوة اإلرادة والعزيمة‪ ،‬فال يتمكن من قهر نفسه ال ينال النسك‪ .‬والشرائع الظاهرية والطقوس الرسمية ال تنفعه شيئا‪ ،‬إن‬

‫مجرد الرغبة في هذا السلوك‪ ،‬يغني المرء عن ويدا وعن شرائع ويدا‪ ،‬هذه الرغبة تجعله فوق كل هذا‪ ،‬ومن سعى مع هذه‬

‫الرغبة سعيا صادفا‪ ،‬وإن كان قليال‪ ،‬ينتفع به‪ .‬وإن اضطرب قلبه ولم ينجح في النسك كل النجاح‪ ،‬ألن طريق التقدم‬

‫الروحي ينفتح أمامه‪ ،‬يسلكه إذا وطد عزمه‪.‬‬

‫والعارف الذي يعبد اله‪ ،‬يرى الكثرة في الوحدة والوحدة في الكثرة وأينما يتجه بوجهه يرى وجه اله‪ ،‬الحي الذي ال يموت‬

‫والرب الذي به يقوم كل شئ‪.‬‬

‫وهكذا يتضح لنا أن الكتاب المقدس " كيتا " يعد من أهم الكتب المقدسة لدى الهندوس‪ ،‬وهو حافل بأدق المعتقدات‬

‫واألفكار الهندوسية‪.‬‬

‫‪46‬البهاغافاد كيتا‪04-33/3‬‬
‫‪47‬البهاغافاد كيتا‪0/0‬‬

‫‪107‬‬
‫مهابهارتا )‪(Mahabharatham‬‬

‫معنى مها بهارت‬

‫هذه الكلمة مركبة من كلمتين‪:‬‬

‫‪ )1‬مها‪ ،‬أي‪ :‬العظيم‪.‬‬


‫‪ )1‬بهارت‪ ،‬وتعني‪ :‬الهند‬

‫فتكون المعنى‪ :‬الهند العظيم‪.‬‬

‫مهابهارتا ملحمة الهند الكبرى‪ ،‬هي من الكتب الهندية القليلة التي يعرف مؤلفها‪ ،‬إن اسمه " وياس"‪ .‬وقد وقعت هذه‬

‫الملحمة الكبرى حوالي سنة ‪ 154‬ق م وهي تصف حربا بين أمراء أسرة ملكية واحدة‪ ،‬ولكن جميع ملوك الهند اشتركوا‬

‫فيها مع هذا الجانب أو ذاك‪ ،‬بل اتخذ اآللهة دورا في المعركة‪.‬‬

‫تسمى‬
‫يحتوي هذا الكتاب الكبير على ثمانية عشر باباً‪ ،‬فصل فيها قصة حرب بين عائلتين‪ ،‬وكان الملك " شانتنو" تزوج االمرأة ّ‬
‫الجوال "براشر" ما فعل‪ ،‬وولدت منه ولد‬
‫"غنغا"‪ .‬فتولد له "بهيشما" ثم تزوج الملك ب"ستوبتي" التي كان فعل بها الراهب ّ‬
‫يسمى" وياس"‪ ،‬قبل زواجها‬
‫ّ‬ ‫بالملك " شانتنو"‪ .‬وبعد زواجها بالملك ولدت للملك "شانتنو" ولدان‪ ،‬هما‪ :‬جيترانغد‪،‬‬

‫وبيجيترا بيرزا‪ ،‬وبعد موت "شانتنو" تنحى "بهيشما" الولد الكبير للملك " شانتنو" عن الملك بموجب التعهد الذي تعهد‬

‫به عند زواج الملك " شانتنو" "بستوبتي" أن يكون أوالدها هم الملوك دون غيرها‪ ،‬فقام "بهيشما" وصيا على ولدي‬

‫الملك الصغيرين‪" ،‬جيترانغد"‪" ،‬وبيجيترا بيرزا"‪ ،‬فأجلس "جيترانغد" على عرش الْ ُم ْلك‪ ،‬ولكنه مات بالدرن‪ ،‬ثم جلس على‬

‫فزوجه‬
‫العرش الولد الصغير الثاني "بيجيترا بيرزا" وكان "بهيشما" خطف ألخيه الصغير ثالثة من بنات أحد الملوك‪ّ ،‬‬
‫بهيشما باثنتين منها‪ ،‬ولكنه مات بعد أيام تاركاً زوجتيه بدون أوالد‪ ،‬فخافت أمهما ستوبتي على الملك‪ ،‬فنادت بهيشما‬

‫أن تقع على أرملة األخوين‪ ،‬لكي يولد لهما األوالد ولكنه رفض‪ ،‬فنادت "ستوبتي" ابنها البكر "وياس" الذي كان من‬
‫الراهب البرهمي "براشر"‪ ،‬فلبى بياس بن براشر دعوة أمه‪ ،‬حتى أولد من أرملتي الملك ولدان‪ ،‬هما‪ِ :‬‬
‫"د ْه ِريْتَ َارا ْشْت َرا "‬ ‫ّ‬

‫‪108‬‬
‫"وباندو" وحيث إن الكبير كان مكفوف البصر ولي الملك األخ الصغير‪ ،‬ولكنه اقترف ذنباً في أيام حكمه فأخرجوه‬

‫وزوجتيه من الملك ونفوه وإياهما إلى مجاهل الصحارى‪ ،‬حيث قضوا أعواماً طواالً كفارة للذنب‪.‬‬

‫وكان پاندو له زوجتان‪ُ ":‬كونتي"‪ ،‬ومادري‪ ،‬وكان ال يقترب من زوجتيه لما أصابه من دعوة‪ ،‬فطلب الملك "باندو" من‬

‫زوجتيه أن يأتي له بأوالد من غيره‪ ،‬فنادت زوجته األولى "كونتي" بعض اآللهة فأعطوا لها ثالثة من األوالد‪ ،‬وهم‪:‬‬

‫"يودهيشتهير"‪ ،‬و"أرجون"‪ ،‬و"بهيم"‪ ،‬وطلبت الثانية من األولى أن تعلمها كيف تنادي اآللهة‪ ،‬فعلمتها‪ ،‬فنادت اإلٰلهان‬

‫ب"‪ ،‬وبذلك أصبح لباندوا الملك خمسة أوالد‬ ‫ِ‬


‫التوأمان‪ :‬أشفيدين فأعطيا لها ولدان توأمان‪ ،‬هما‪" :‬نْ ُكول"‪ ،‬و" َش ْهديْ ْ‬
‫ذكور‪ ،‬ثم توفي "باندو"‪ ،‬وأخذ دِ" ْه ِريْتَ َارا ْشْت َرا" الحكم‪ ،‬وأنجب مائة ذكر‪ ،‬وحكم المملكة حكماً ساد فيه الخير‪.‬‬

‫ولما بلغ الولد الكبير من أوالد "باندو" الخمسة السادسة عشرة من عمره أتي بهم إلى هستينابور وأدخلوهم على ج ّدهم‬

‫"بهيشما"‪ ،‬وما هي إال أيام قالئل حتى أتقن أوالد "باندو" جميع ما يتعلق بالملوك من العلوم‪.‬‬

‫وقد نشأت المشاحنات بين هؤالء الخمسة أبناء باندو وبين أبناء "دهريتاراشترا" المائة‪ ،‬وكان األولون يتزعمهم أكبرهم‬

‫يودهيشتهير‪ ،‬وأما اآلخرون فيتزعمهم أكبرهم دريودان‪.‬‬

‫وكان من التقاليد السائدة بين أمراء الهند كما تروي القصة أنهم إذا أرادوا تزويج أميرة من األميرات يجرون مسابقة‬

‫للسباق‪ ،‬بحيث أن الذي يحرز قصب السبق يكون هو الفائز بالزواج من األميرة؛ وقد جرت مسابقة من هذا القبيل في‬

‫القصة‪ ،‬إذ أعلن ملك من الملوك المجاورين عن زواج ابنته األميرة التي تسمى (دروبدي) ‪ ،‬فاشترك فيها أحد األبناء‬

‫الخمسة ويدعى "أرجون" وكان بطالً شجاعاً‪ ،‬كما اشترك فيه شخص آخر طَْب َقتُهُ دون طبقة كهشتريا (المحارب) يُدعى‬

‫"كارنا" وكان بدوره يتسم بالبطولة والشجاعة‪ ،‬وكان حليفاً لإلخوة المائة‪ ،‬ولكن األميرة رفضته ألنه ليس من طبقة البراهمة‬

‫وال من طبقة المحاربين‪ ،‬وفاز أرجون بالسباق الذي كان يشجعه ويباركه فيه "كريشنا" (وهو الصورة البشرية التي تجسد‬

‫فيها اإلله ف ْشنُ ْو حسب اعتقادهم)‪ ،‬هكذا فاز أرجو ْن باألميرة التي أصبحت زوجة له وإلخوته األربعة األخرى‪ ،‬وقد شعر‬

‫أبناء عمهم اإلخوة المائة بغيرة وسخط نتيجة فوز أرج ون بالسب اق وفشل حليفهم "كارنا"‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫وختاماً أراد "بهيشما" كبير العائلة أن يتوسط في الخالف القائم بينهما‪ ،‬فتم له ما أراد‪ ،‬وقضي األمر فطفقا يحكمان‬

‫كالهما‪ ،‬وجعال إِنْ ْد َرا پرسته وهستينابور مركزين لحكمهما بالترتيب‪ ،‬وتروي القصة أن أبناء پَاندو الخمسة قد حكموا‬

‫بزعامة األخ األكبر المنطقة الشرقية لنهر غنغا‪ ،‬بينما حكم عمهم الكفيف أبو األبناء المائة المنطقة الغربية‪.‬‬

‫وكان األخ األكبر يودهيشتهير من أوالد پاندو الخمسة مولعاً بالنرد‪ ،‬وقد انتهز اإلخوة المائة الحاقدون هذه الفرصة لكي ينتزعوا ملكه‬

‫بمؤامرة استعانوا فيها بخبرات أحد ملوك منطقة هندية مجاورة وكان ال يضارع في لعب القمار وأقيمت مباراة خسر فيها يودهيشتهير‬

‫أمواله ثم مملكته ثم زوجته وإخوته‪ ،‬وأخيراً خسر نفسه‪ ،‬فأصبح الجميع رقيقاً ألبناء عمهم‪.‬‬

‫لكن العم الكفيف حال دون أن يصبحوا رقيقاً‪ ،‬وتحت إصرار أبنائه وافق على نفيهم لمدة اثنتي عشرة سنة في الغابة‪،‬‬

‫على أن ال يخرجوا منها طوال هذه الفترة‪ ،‬وعلى أن يعيشوا سنة أخرى بين الناس مختفين عن األنظار‪ ،‬وإذا أخلوا بهذا‬
‫في أية ٍ‬
‫وقت من المدة‪ ،‬فإن عليهم أن يقضوا الفترة من جديد‪ ،‬ورغم كل هذه النوازل التي حلت باألسرة‪ ،‬فإن أحداً لم‬

‫يسخط على يودهيشتهير‪ ،‬وكان موضوع السخط هو دريودان الذي فاز‪.‬‬

‫وقد قضت األسرة مدة نفيها في الغابة‪ ،‬يرافقهم "كريشنا"‪ ،‬في تعلم الحكمة‪ ،‬وكان يزورهم كبار الكهنة منهم الحكيم‬
‫درباشا‪ ،48‬بل زارهم اإلله ِ‬
‫"شْيفا"‪ ،‬وبعد االنتهاء من فترة النفي‪ ،‬تنكروا لكي يقضوا سنة بين الناس دون أن يتعرف عليهم‬ ‫ُ‬

‫أحد‪ ،‬وذهبوا في هيئة غير هيئتهم إلى بالط ملك من ملوك المقاطعات الهندية هو بَِر َ‬
‫ات فتنكر يودهيشتهير في هيئة‬

‫كاهن‪ ،‬وتنكر أرجون في هيئة سيدة إمعاناً في التنكر‪ ،‬كما تنكر باقي األسرة في هيئات أخرى‪ ،‬وعملت "دروبدي" في‬

‫قصر الملك كخادمة‪ ،‬وفي تلك األثناء قام "دريودن" بقيادة حمالت عسكرية ضد مملكة بَِرات واستطاع أن ينتصر ويعود‬

‫غانماً بعد أن استولى على كثير من أموالها وأبقارها وسائر حيواناتها‪ ،‬وعقد الملك بَِر َ‬
‫ات العزم على الثأر والقصاص‪،‬‬

‫وعرض أرجون نفسه بعد أن ظهر في هيئته الرجولية وكشف عن قدراته ‪ -‬عرض نفسه لقيادة جيش القصاص‪ -‬وبالفعل‬

‫قاد الجيش في معركة مظفرة ضد ابن عمه‪ ،‬كل ذلك دون أن يكتشف أحد عن أرجون وإخوته‪ ،‬وبعد مرور سنة التخفي‬

‫يسمونه موني ُدرباشا‪ ،‬وهو ال يأتي إال الختبار أو إلنزال بالء‪.‬‬


‫‪48‬هذا الحكيم ّ‬

‫‪110‬‬
‫عادت األسرة لكي تطالب بملكها‪ ،‬فرفض "دريودن"‪ ،‬رغم نصيحة أبيه الملك الكفيف ونصيحة كبار الكهنة والساسة‬

‫ونصيحة كريشنا؛ تجنباً لقيام حرب‪ ،‬وكانت األسرة المنفية قد كسبت لجانبها طوال مدة النفي الكثيرين ممن يعطفون‬

‫عليها في شمال الهند بأسرها‪ ،‬فضالً عن تحالف الملك بَِر َ‬


‫ات معهم‪.‬‬

‫ونشبت حرب استرداد الملك‪ ،‬وكان "أرجون" متردداً في المشاركة في الحرب هل يتقدم للقتال أم ال؛ ألن أعز أصدقائه‬

‫وأقاربه في صف عدوه‪ ،‬ولكن "كريشنا" يجادله‪ ،‬وقد كشف عن شخصيته‪ ،‬وهو أنه تجسيد إللههم "ف ْشنُ ْو" كما يزعم‬

‫ويلقنه تعاليمه اإللهية‪ ،‬هذه المحاورة وما فيها من تعاليم عرفت ببهاغافاد غيتا اآلتية الذكر‪.‬‬

‫وكانت المعركة عنيفة؛ حيث خسر الطرفان خسارة فادحة‪ ،‬وسقط الكثيرون من الجانبين؛ حتى أنه لم يبق من األبطال في‬

‫جيش دريودن إال كارنا الند القوي الشجاع ألرجون‪ ،‬وهو بدوره سقط قتيالً في نهاية المعركة‪ ،‬وفي اليوم األخير للمعركة‬

‫كانت المواجهة الحاسمة التي سقط فيها دريودن وما تبقى من إخوانه وأعوانه‪.‬‬

‫وبعد االنتصار اعتلى يودهيشتهير عرش الملك‪ ،‬وجعل مملكته تسير على مجموعة من القوانين المستقاة من تعاليم‬

‫كريشنا الواردة في "بهاغافاد غيتا" والتي تعتبر مرحلة جديدة من مراحل الديانة الهندوسية حيث انحسرت كثيراً من تعاليم‬

‫كتب الڤيدات والبراهمانية‪.‬‬

‫ولما كانت هذه الحرب قد أسفرت عن مصائب كثيرة في األموال والنفوس؛ فقد أراد "يودهيشتهير" التكفير عما حدث‬

‫بأضحية الحصان الشهيرة باسم "أشفاميده" فبعث حصاناً أطلق عليه حصان السالم إلى المناطق المجاورة‪ ،‬على أن‬

‫يقدمه قرباناً لآللهة بعد عودته‪ ،‬وكان هذا الحصان تحت حراسة "أرجون" لكي يحميه من كل من أراده بسوء وكل من ال‬

‫يعترف برسالته‪.‬‬

‫وفي هذه الجولة حارب "أرجون" كثيراً من ملوك المناطق الرافضة لرسالته‪ ،‬وضم ملكهم إلى ملك أخيه‪ ،‬بينما أعلن‬

‫السالم لكل من تقبله وأقر برسالته‪ ،‬وضم ملكهم إلى ملك أخيه‪ ،‬وعند العودة تم تقديم الحصان كقربان لآللهة تكفيراً‬

‫‪111‬‬
‫ٍ‬
‫أخطاء‪ ،‬وكان الملك الكفيف أبو المائة قد ترك هو وزوجته وبعض رفاقه البالد‪ ،‬وذهبوا إلى الغابة حزناً‬ ‫عما حدث من‬

‫على فقدان أبنائهم المائة‪ ،‬وبعد فترة قصيرة من الزمن ماتوا في حريق أثارته نارهم المقدسة‪.‬‬

‫هذه هي قصة مهابهارت باالختصار‪ ،‬والقصة تتخلَّلها األفكار الفلسفية في ال ِّدين والسلوك على لسان (كريشنا) مما جعل هذا‬

‫الكتاب له قيمة أخالقية وسلوكية عند الهندوس‪.‬‬

‫راماين (‪)Ramayan‬‬

‫معنى راماين ‪:‬‬

‫راماين كلمة مركبة من كلمتين‪ :‬رام وهي اسم شخص‪ ،‬وأما اين فمعناها‪ :‬سيرة فتكون معنى راماين‪ :‬سيرة رام‪ ،‬أو التجارب‬

‫التي خاضها رام(‪.)49‬‬

‫التعريف بكتاب "راماين"‪:‬‬

‫فكتاب راماين يحكي األحداث التاريخية التي وقعت في تلك الفترة من الزمان‪ ،‬وقد صاغها نظماً أشهر الشعراء باللغة‬

‫السنسكريتية )‪ ( Sanskrit‬؛ ولكن هذه األشعار لم تدون في نفس اآلونة‪ ،‬بل ظلت تحفظها صدور الناس‪ ،‬وتتناقلها‬

‫األلسن‪ .‬ومرت بمراحل عديدة عبر القرون واتخذت لوناً بديعاً في اللغة السنسكريتية في القرن الخامس قبل الميالد(‪،)50‬‬

‫حتى وصلت األبيات في الكتاب إلى أربعة وعشرين ألف بيت‪.)51()10444( ،‬‬

‫(‪)49‬التفكير الديني في العالم قبل اإلسالم‪ :‬الدكتور أورانج كاي رحمات ‪ :‬دار الثقافة‪ ،‬الدوحة‪ ،‬قطر‪ -‬ط‪143 - 1‬ﮬ ‪ :‬ص‪.183‬‬
‫(‪)50‬الهند القديمة‪ :‬الدكتور محمد إسماعيل الندوي ‪ :‬دار الشعب‪ -‬القاهرة‪ -‬ط ‪1141‬م‪ ،‬ص(‪.)134 111‬‬
‫(‪)51‬الهند تاريخها وتقاليدها وجغرافيتها‪ :‬الدكتور محمد مرسي أبو الليل في كتابه ‪ :‬سجل العرب ‪ ،1145-‬ص(‪ ،)08‬في التفكير الديني قبل اإلسالم‪ :‬والدكتور أورانج كاي‬
‫رحمات ص(‪.)183‬‬

‫‪112‬‬
‫يقول الدكتور األعظمي‪ :‬لم يكتب لهذا الكتاب انتشار واسع في العهود القديمة إلى أن جاء الشاعر الديني الهندي‬

‫"تلسي داس" ‪1413 ،1531( Tulsi Das‬م)‪ ،‬فترجمه إلى اللغة الهندية في القرن السادس عشر الميالدي‪ ،‬في‬

‫عهد جالل الدين أكبر المغولي‪ ،‬فانتشر في جميع القطاعات الهندية‪ ،‬وأقبل الناس على قراءته(‪.)52‬‬

‫ت‪ ،‬وبعض‬ ‫ِ‬


‫والكتاب له صيت ذائع وشهرة في بالد الهند بل وخارج بالد الهند مثل ‪ :‬إندونيسيا ‪ ،‬وماليزيا‪ ،‬وبورما‪ ،‬وتايالند‪ ،‬والتبَّ ْ‬
‫الدول الهندو‪-‬صينية مثل كمبوديا‪ ،‬وقد ترجم هذا الكتاب إلى عدة لغات‪ ،‬ووجد في كل قُطُر منها ما يسمى براماين‪ ،‬ولقد َح ِظيَت‬

‫هذه الترجمات عند الهندوس باحترام وإكبار ديني‪ ،‬ال يزال يمأل قلوبهم‪ ،‬وهم يقرءون راماين كنصوص دينية مقدسة‪.‬‬

‫هو يعرف في ماليزيا باسم "حكايات سري رام"‪ ،‬وصار شعر هذا الكتاب مصدراً للقصص المسرحية في إندونيسيا وفي‬

‫ماليزيا‪.‬‬

‫(‪)53‬‬
‫وقد نحتت بعض أحدث قصصه على جدران معبد أنكورفات ‪ Angkor Vat‬في كمبوديا‬

‫مؤلف راماين ‪:‬‬

‫هذا الكتاب ال يعرف له مؤلف على وجه التحديد‪ ،‬وقد اتفق غالبية الهندوس على نسبة هذا الكتاب إلى بالميكي‬

‫(‪ .)BALMIKI‬ولكنهم اختلفوا في عصر المؤلف وزمان تأليفه‪:‬‬

‫فمرة قالوا‪ :‬إنه كان في عهد رام وكان يسير معه‪ ،‬وأنه ساعده في محنته في الغابة‪ ،‬وقد نظم هذه األبيات بعد عودة رام من منفاه إلى‬

‫أيودهيا‪ ،‬وهذا ما يشير إليه كتاب راماين‪.‬‬

‫ومرة قالوا‪ :‬إن بالميكي ألف راماين بعد قرون من عهد رام‪.‬‬

‫اسات في اليهودية والمسيحية وأديان الهند‪ :‬الدكتور محمد ضياء الرحمن األعظمي‪،‬مكتبة الرشد ناشرون‪ -‬المملكة العربية السعودية‪ : ،‬ط‪1010 ،1‬ﮬ‬ ‫(‪)52‬‬
‫در ٌ‬
‫‪،‬ص(‪..)555‬‬
‫(‪)53‬مقارنة األديان‪ ،‬الفيدية‪ ،‬البراهمانية‪ ،‬الهندوسية ‪ -‬الدكتور محمد عثمان الخشت‪ :‬مكتبة ابن سينا‪،‬بجدة‪1114 -‬م‪ ،‬ص(‪ ،)118‬وانظر ما ذكره فيلسيان‬
‫شالي‪ :‬موجز تاريخ األديان‪ ،‬ار طالس للدراسات والنشر‪ -‬دمشق‪ ،‬ط‪ ،1113 -1‬ص(‪.)80‬‬

‫‪113‬‬
‫ويرى المحققون الغربيون‪ :‬أن كتاب راماين ألفه رجال من أسرة أشوواكو الملكية نظماً‪ ،‬وكان هذا الكتاب يشتمل في‬

‫البداية على اثني عشر ألف بيت‪ ،‬وكان المتسولون الهندوس يتغنون به عند السؤال‪ ،‬ويزيدون عليه قدر حاجتهم ومذاقهم‬
‫(‪)54‬‬
‫حتى زادت عدد أبياته إلى أن بلغت ‪ 10444‬أربعة وعشرين ألف بيت‪.‬‬

‫وأما ما ذكره غوستاف لوبون‪ :‬بأن الهندوس يعتقدون‪ :‬أن إلههم ف ْشنُ ْو )‪ (Vishnu‬هو واضعها(‪ ،)55‬فلم أقف على من‬

‫ذكر هذا القول من الهندوس‪.‬‬

‫قصة راماين باختصار‪:‬‬

‫كان َد ْشا َرت ملك أيُودهيا له ثالث زوجات رئيسات‪ ،‬وثالثمائة واثنتين وخمسين من الزوجات اللواتي هن دون أولئك‪،‬‬

‫إال أنه لم يرزق بولد ذكر يخلفه في الملك‪ ،‬فاستشار ندماءه في تقديم القربان الذي يسمى أَ ْش َف ِامْي ْده وهي عبارة عن‬

‫تقديم حصان على صفة معينة وعلى هيئة معينة قرباناً لآللهة‪ ،‬وعند تقديمه لهذا القربان خرج من النار جسد يحمل نوعاً‬

‫من األطعمة الهندية المصنوعة من األرز مع الحليب والسكر تسمى فاهيش‪ ،‬ويوجه حديثه للملك قائالً‪" :‬خذ هذا‪،‬‬

‫ووزعه على زوجاتك؛ فقد أرسلني "براهما" بهذه الهدية القيمة" ن ّفذ الملك ما طلب منه‪ ،‬وتحققت البشرى‪ ،‬فأنجب‬

‫الملك أربعة أبناء ذكور‪ ،‬أكبرهم رام‪ ،‬الذي أنجبته الملكة كوساال‪ ،‬واالبن الثاني يسمى بهرت أنجبه الملك من زوجته‬

‫ْه ْش َم ْن‪ ،‬واالبن الرابع يدعى‪َ :‬شْت ُرْو ْغنَا‪ ،‬وهما توأم‪ ،‬من زوجته ُس ْوِمْيْت َرا‪ ،‬وكان‬ ‫ِِ‬
‫األخرى تسمى َكايْكئ ْي‪ ،‬أما االبن الثالث فيدعى لَك ْ‬
‫اإلخوة األربعة متحابين يتفانون في خدمة أبيهم‪.‬‬

‫اك‪ ،‬وقد كان "يسوق المحراث ويحرث األرض" بنفسه‪ ،‬وذات ٍ‬


‫يوم‬ ‫وكان هناك مملكة أخرى‪ ،‬وكان يحكمها الملك َجانَ ْ‬

‫حين أراد حرث مزارعه خرجت من مجرى المحراث من األرض شابة جميلة بالغة الرقة والجمال‪ ،‬هي "سيتا"‪ ،‬فاتخذها‬

‫يقوم اعوجاج قوسه الذي يقاتل به‪ ،‬كانت سيتا عروسة‬


‫بنتاً له‪ ،‬ولما حان وقت زواجها أعلن "جاناك" أن من يستطيع أن ّ‬

‫(‪)54‬اليهودية والمسيحية وأديان الهند ‪ :‬الدكتور محمد ضياء الرحمن األعظمي‪ ،‬ص(‪.)555‬‬
‫(‪ )55‬حضارات الهند‪ ،‬غوستاف لوبون ص(‪.)041‬‬

‫‪114‬‬
‫له؛ وزار األمير رام "جاناك" مع أستاذه "بشفامترا"‪ ،‬وبعد أن دار الكالم بينهما طلب رام قائالً "أروني هذا القوس‬

‫العجيب"‪ .‬وجاء الحراس بالقوس الضخم محموالً على عر ٍبة حديدية كبيرة ذات ثماني عجالت‪ ،‬فقام رام في ثقة وثبات‪ ،‬ورفع بيديه‬

‫غطاء العربة الثقيل‪ ،‬وأمسك بالقوس ورفعه عالياً‪ ،‬وفي قوة هائلة جذب وتره فانثنى القوس حتى انكسر قطعتين بين إعجاب الجمهور‬

‫وصيحاته‪ .‬وألقى الملك جاناك كلمة على الحاضرين معلناً قبول رام زوجاً البنته سيتا‪.‬‬

‫ولم يقتصر الزواج على رام وسيتا‪ ،‬بل شمل سائر إخوة رام؛ حيث تزوج األمير لكهشمن من األميرة أورميال رائعة الجمال‪،‬‬

‫واألمير بهرت من األميرة مندافي‪ ،‬واألمير "شتروغنا" من األميرة سروتاكيرتي‪ ،‬واألميرتان األخيرتان هما ابنتا شقيق الملك‬

‫جاناك؛ وكان األمير بهرت إذ ذاك عند أخوالهم‪.‬‬

‫وبعد فترةٍ قصيرة رأى الملك َد ْشَر ْته أنه قد وصل لسن الشيخوخة‪ ،‬فعقد العزم على اختيار ولي العهد ووقع االختيار على‬

‫رام االبن األكبر إال أن الملكة كايكئي أم األمير بهرت التي كانت أحب إلى الملك لجمالها الباهر‪ ،‬والتي ساعدته في‬

‫إحدى الحروب‪ ،‬وكان قد منح لها الملك وعداً‪ ،‬وبموجب هذا الوعد طلبت من الملك أن يجعل ابنه "بهرت" بدالً من‬

‫رام ملكاً على البالد‪ ،‬وأن يعيش رام منفياً أربعة عشر عاماً في وسط الغابات مرتدياً جلد الحيوانات‪ ،‬فلما سمع رام بذلك خرج‬

‫إلى المنفى‪ ،‬وخرج معه زوجته الوفية"سيتا"‪ ،‬وأحد إخوته لكهشمن‪.‬‬

‫واستقر رام وزوجته وأخوه أخيراً وسط غابات بانشافاتي بجوار نهر"جوداوري" بجنوب الهند‪ ،‬وعلى مقربة مائة ميل تقريباً‬

‫من مدينة بومباي‪.‬‬

‫وكان يسكن غابة دندك التي اختارها مقراً لعزلته جن وغيالن خياليون‪ ،‬وغدت "سوربن كها" أخت ر َاون ملك "راكهشا"‬

‫عاشق ًة لرام الجميل فرأت أن سيتا تحول دون التنفيذ فحاولت "سوربن كها" افتراسها فأمر رام أخاه لكهشمن بدحرها‪،‬‬

‫فجدع لكشهمن أنفها وقطع أذنيها‪ ،‬فعزمت "سوربن كها" على االنتقام حتى عادت مع أربعة عشر ألف عفريت فهزم رام‬

‫جميع هؤالء بنباله السحرية فغضبت "سوربن كها" من قهرها فطارت إلى سيالن‪ ،‬فطلبت العون من أخيها ر َاون (الملك‬

‫حسنت له أنها ال تصلح إال ل ه‪ ،‬وأن "سوربن كها" إنما‬


‫ذي الوجوه العشرة والعشرين ذراعاً) لكي يخطف سيتا‪ ،‬بعد أن ّ‬

‫‪115‬‬
‫كبة سحر ٍية وج ّد في أخذ سيتا لجمالها‪،‬‬
‫تريدها له‪ ،‬فلهذا وقع ما وقع من المصائب عليها‪ ،‬فجاب راون الهواء فوق مر ٍ‬
‫َ‬
‫كبة سحر ٍية‪ ،‬حتى وصل إلى النكا‪.‬‬
‫حتى دخل عليها راون متنكراً بزي أحد الزهاد وجرها معه فوق مر ٍ‬
‫َ‬

‫وعند ما عاد رام ولكهشمن‪ ،‬لم يجدا سيتا؛ ولم يعرفا مكانها‪ ،‬فبدءا في البحث عن ر َاون وسيتا‪ ،‬وأخيراً تمكن‬

‫"هانومان"(‪ )56‬من اكتشاف سيتا سجينةً في جزيرة سيالن‪.‬‬

‫وتذكر القصة ‪ :‬أنه لما كانت سيالن جزيرة تنفصل عن الهند بمضيق بحري واسع فإن هانومان قد قفز في الهواء قفزة‬

‫كبيرًة حتى نزل إلى الجزيرة وتمكن من الوصول إلى سيتا‪ ،‬وأبلغها رسالة من رام‪ ،‬وحمل معه رسالة منها إلى رام‪ ،‬ثم ذهب‬

‫رام ولكهشمن وهانومان على رأس الجيش حتى وصلوا إلى الشاطئ في مواجهة جزيرة الشياطين‪.‬‬

‫ولما شاهدتهم الشياطين مألهم الرعب‪ ،‬وجمع ر َاون مستشاريه للبحث في األمر‪ ،‬ونهض شقيق ر َاون األصغر‪ ،‬واسمه‬

‫"بِْيبِ ْهْي َش ْن" يطالب بتنحية أخيه‪ ،‬وتسليم سيتا إلى زوجها؛ ليحل السالم محل الحرب‪.‬‬

‫وثار ر َاون لموقف أخيه األصغر وكاد يفتك به لوال أنه هرب مع أربعة من قواده‪ ،‬وأقسم على االنتقام منه‪ ،‬وقفز إلى‬

‫الشاطئ الذي يقف عليه رام وجيشه‪ ،‬فأخبره بقصته‪ ،‬وعرض عليه المساعدة‪ ،‬واقترح عليه إقامة قنطرة من األشجار‬

‫والصخور تعبر عليها قوات الجيش البحر إلى جزيرة الشياطين واقتنع رام بالفكرة‪ ،‬وعبر الجيش بسالمة وعافية في جنح‬
‫كة ٍ‬
‫عنيفة مع الشياطين‪.‬‬ ‫الظالم‪ ،‬ودخل في معر ٍ‬

‫ت" حتى‬ ‫ِ‬


‫وقد جرح رام ولكهشمن مرتين في هذه المعارك من السهام المسمومة العائمة من قبل ابن ر َاون المسمى ب "إنْ ْدَرجْي ْ‬

‫ففوض إلى‬
‫كادت أن تودي بحياتهما لوال أن "هانومان" يعرف وجود نبات سحري فوق جبل كيالس قادر على شفاء رام‪ّ ،‬‬
‫هانومان أن يأتي بشيء منه‪ ،‬فلم يضيع ذلك القرد الوقت في البحث عن ذلك النبات‪ ،‬فقد اقتلع الجبل ورجع حامالً إياه على‬

‫فشفي كل منهما‪.‬‬
‫ظهره‪ُ ،‬‬

‫(‪ )56‬هانومان حسب مصادرهم ‪ :‬ابن الهواء المسمى بالفايو عندهم وله قصة مستقلة‪ ،‬حيث إنه لم يعرف نفسه في أول األمر‪ ،‬ولما أخبره بعضهم عن نفسه بأنه ابن اإلله انتبه عن‬
‫غفلته وفعل األفاعيل وصنع األعاجيب‪ .‬وحتى اآلن يقدس الهندوس هانومان ويعلقون صوره فيكل مكان‪ ،‬وهي عبارة عن صورة رجل له وجه قرد‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫وقد أراد ر َاون االنتقام من رام‪ ،‬فعزم على مبارزته‪ ،‬ودخل االثنان في نزال عنيف‪ ،‬حتى كاد رام أن يسقط لوال أنه جمع‬

‫غفلة من‬ ‫رمية و ٍ‬


‫احدة بسهم مسحور من قوسه‪ ،‬فأخذ السهم طريقه سريعاً إلى قلب راون فقتله في حين ٍ‬ ‫قوته كلها في ٍ‬
‫َ‬
‫ر َاو ْن(‪.)57‬‬

‫وتصف القصة أن اآللهة كانوا مع رام‪ ،‬في هذه الحرب يساعدونه ويشدون أزره‪ ،‬ويشجعونه‪ ،‬ولذلك انتصر رام على ر َاون‬

‫الشرير‪ ،‬ثم أمر رام بإحراق جثة راون‪ ،‬فوضعت أكوام من الخشب والصندل والزيت والبخور عليها‪ ،‬وأشعلت النيران فيها‬
‫حتى تحولت جثته إلى ٍ‬
‫رماد‪.‬‬

‫وأصدر رام أوامره بالصفح عمن بقي من الشياطين‪ ،‬بشرط أن يحكمهم بيبهيشن أخو رَاون المحالف له ويمنعهم عن الخروج من‬

‫المكان الذي يعيشون فيه إلى أماكن أخرى‪.‬‬

‫هنالك ركب البطل رام مع سيتا مركبةً سحريةً‪ ،‬لكي ترجع إلى أيودهيا‪ ،‬وبهذا رجع المنتصرون إلى الوطن‪ ،‬وكانت أنباء‬

‫االنتصار قد سبقتهم إلى هناك بواسطة هانومان‪ ،‬فخرجت أيودهيا كلها وعلى رأسها بهرت شقيق رام‪ ،‬الذي رفض طيلة األربع‬

‫عشرة سنة الماضية أن يجلس على العرش الذي يستحقه رام‪ ،‬وظل محتفظاً لرام بالعرش‪ ،‬واضعاً فوقه حذاء رام‪ ،‬وعند حضوره وضع‬

‫تاج الملك بنفسه على رأس رام‪ ،‬بل وألبسه حذاءه في قدميه‪.‬‬

‫وقد عادت سيتا معه بعد أن أثبتت عفتها وإخالصها لزوجها‪ ،‬وأن ر َاون لم يتمكن من نيلها طوال مدة األسر‪ ،‬وذلك‬

‫وخطَت سيتا مرفوعة الرأس داخلها‪ ،‬حتى اختفت وسط الحطب المشتعل‪ ،‬ثم‬ ‫بتحكيم النار؛ حيث أُض ِرَم ْ‬
‫ت نار هائلة‪َ ،‬‬
‫خرجت منها دون أن تمسها النار بسوء كعالمة على طهارتها وعفتها؛ إذ حفظها إله النار في زعمهم؛ ألنها لم تدنس‬

‫شرف رام أبداً‪ ،‬ولكن رغم ذلك لم تسكن ألسن أهل المملكة عن كون سيتا عاشت في قصر ر َاون‪ ،‬وأنه ليس من‬

‫المستبعد أن يكون قد نالها‪ ،‬وتحت ضغط الشعب ابتعدت سيتا لكي تعيش حياة النسك والتعبد في منسك‬

‫(‪ )57‬وال يزال الهندوس يحتفلون بعيد انتصار رام على ر َاون ملك الراكشهاش‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫"بالميكي"‪ ،‬وهناك ولدت توأماً هما "الفا" و"كوسا" ‪ ،‬وقد حضر تلك الليلة هناك "شتروغنا" أخو رام مصادفةً‪ ،‬وعرف‬

‫يعرف بنفسه‪ ،‬وقد تعهدهما "بالميكي" الذي يعزى إليه كتابة هذا الكتاب بالرعاية والتوجيه‪.‬‬
‫أمر الوالدة‪ ،‬ولكنه لم ّ‬

‫وفي يوم ما أقام رام احتفاالً دينياً عظيماً يسمى "قربان أَ ْش َف ِامْي ْده" حضره ملوك وأمراء بلدان الهند‪ ،‬وحضر الناسك‬

‫"بالميكي" هذا االحتفال‪ ،‬ومعه الفا وكوسا‪ ،‬وقد قام االثنان بإنشاد ملحمة "راماين" التي تروي أعمال رام‪ ،‬وكانا قد‬

‫تعلماها من "بالميكي"‪ ،‬وهنا عرف "رام" ولديه‪ ،‬وهفا قلبه إلى أمهما سيتا‪ ،‬وطلب من "بالميكي" إحضارها لكي تثبت‬

‫براءتها مجدداً بالمرور في النار المقدسة أمام أهل المملكة‪ ،‬حتى يمكنها أن تعيش بجواره بعد رضا أهل المملكة ‪ ،‬وقد رضيت‬

‫سيتا‪ ،‬بذلك‪ ،‬وعاد "بالميكي" بها إلى رام‪ ،‬إال أنها كان قد فاض بها الحزن من جراء ما تعرضت له من شكوك‪ ،‬وابتهلت إلى‬

‫األرض األم(‪ )58‬حتى تستعيدها مرة أخرى‪ ،‬فاستجابت األرض األم إلى توسالتها‪ ،‬وانشقت حتى ضمتها إلى كنفها‪.‬‬

‫وتعتقد الهندوس أنها تعيش تحت األرض مع األفاعي والحيات والتي يسمونها بالناغ‪ ،‬وصارت سيتا من اإلٰلهات‬

‫المقدسة لديهم كمثال لوفاء الزوجة وإخالصها وطهرها وتضحيتها من أجل زوجها‪.‬‬

‫وتأسف رام لما حصل‪ ،‬ولكنه صبر لما بشره بعض اآللهة بأنها ستكون له في المرة القادمة(‪.)59‬‬

‫وكما تصف القصة‪ :‬أن رام حكم البالد بالعدل حتى ضرب به المثل في األدب الهندي في عدالة الحكم‪ ،‬وكان غاندي‬

‫من كبار الدعاة إلعادة هذا الحكم إلى الهند وهو يسميه رام راج‪ ،‬أي دولة رام أو نظام حكم رام ‪.‬‬

‫هكذا انتهت قصة "راماين" المقدسة لديهم‪ ،‬وينبغي التأكيد مجدداً على أنها ليست مجرد قصة تُروى‪ ،‬وإنما هي كتاب‬

‫مقدس يستمد منه الهندوس عقائدهم وسلوكهم وأفكارهم الدينية؛ فرام إله يجسد األلوهية‪ ،‬وهو تجسيد لإلله "ِﭬ ْشنُ ْو" فهو‬

‫التجسيد السابع له بين عشر تجسيدات أخرى رئيسة‪ ،‬وال يزال يقرأ الهندوس "راماين" كما يقرأ المسلمون القرآن‪ ،‬وكما‬

‫(‪ )58‬ألنها خرجت من األرض وليست لها أم‪ ،‬ثم إن األرض معبودة لدى كل هندوسي‪ ،‬وهي بمثابة األم والسماء بمثابة األب كما يصورون‪.‬‬
‫(‪)59‬حضارات الهند ‪ :‬غوستاف لوبون‪ ،‬ص(‪ ،)041 044‬الهند القديمة ‪ :‬الدكتور محمد إسماعيل الندوي‪ ،‬ص(‪ ،)131 134‬و مقارنة األديان‪ :‬الدكتور محمد‬
‫عثمان الخشت ص(‪.)100 104‬‬

‫‪118‬‬
‫يقرأ المسيحيون األناجيل‪ ،‬تعبداً ورغبةً في الثواب اإللهي‪ ،‬فيعتقد الهندوس أن قراءتها حتى ولو كانت قراءة سطر واحد‬

‫تخلص القارئ من الذنوب كلها‪ ،‬وأن قارئها يرزق ول داً حتى ولو كان عقيماً‪ ،‬ويعطى له من الثراء ما يجعله غنياً‪ ،‬ويزيد‬

‫في عمره‪ ،‬ويعيش في هناء وسعادة‪ ،‬كما أن قراءتها في الصباح والمساء سبب لذهاب الهم والغم(‪.)60‬‬

‫فيدانغات )‪(Vedangas‬‬

‫هي التخصصات المتعلقة بتدريس ودراسة الفيدا‪ .‬فيدانغام ينقسم الى ستة اقسام‪:‬‬

‫علم التنجيم)‪:(Astrology‬‬

‫علم التنجيم هو تسلسل زمني لست فئات‪ :‬األبراج ‪ ،‬والمجال ‪ ،‬والسبب ‪ ،‬والمشكلة ‪ ،‬واللحظة ‪ ،‬والرياضيات‪ .‬يتعامل‬

‫علم التنجيم مع ارتفاع وضبط النظام الشمسي وخسوف الشمس وخسوف القمر وفصول الربيع‪.‬‬

‫كالبام )‪:(Kalpam‬هو كتاب مقدس يصف خطة طقوس العبادة في الفيدا‪.‬‬

‫قواعد )‪ :(Grammar‬قواعد لفهم المعنى الحقيقي للفيدا‪.‬‬

‫قافية (‪) Rhyme‬‬

‫عقاب )‪(Punishment‬‬

‫نيروكثام )‪ :(Niruktham‬تم تشكيل هذا الفرع لفهم معنى الفيدا ولتحديد الصوت‪.‬‬

‫‪60‬راماين‪.)111/34( ،‬‬

‫‪119‬‬
‫بوراناس )‪(Purana‬‬

‫ذلك في الفترة من ‪ ٠٣٣‬الى‪ ٠٣٣‬ميالديا ظهور نصوص تتناول االساطير وتسمى بورانا تشير هذه النصوص الى احداث‬

‫سابقة‪ ،‬وتشمل نصوص البورنا االساسية كال من ماركانديا بورنا وفشنو بورانا وفايو بورانا وشيفا بورانا وبهاجافاتا بورانا‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬فلسفة التشريع الهندوسي‬

‫يعتقد الهندوس أن براهما روح العالم خلق (مانو) أول البشر فأخرج منه زوجة له فصار أول زوج وزوجة على وجه األرض‬

‫وجاء منهما نسل البشرية‪ ،‬وبإرادة براهما كذلك جاءت جميع الكائنات‪ ،‬فصار براهما هو الخلق نفسه ألنه أخرجه من‬

‫نفسه‪ ،‬وجاء من مانو أبي البشر أربع طبقات‪ ،‬فمن رأسه جاء أفضل الناس وأعظمهم قدسية وهم الكهنة البراهمة ومن‬

‫ذراعه جاء من يليهم في األفضلية وهم الملوك والمحاربون الكاشتري ومن فخذيه جاء أرباب المهن ممن يهيئون أسباب‬

‫المعيشة للطبقتين اللتين سبقتها باألفضلية وتسمى هذه الطبقة الويشية ومن قدمي مانو جاءت الطبقة السفلى من الناس‬

‫وهم الطبقة المنبوذة أو العبيد أو الخدم الذين يسمون بالشودرا‪.‬‬

‫وقد كثرت اآللهة عند الهندوس بشكل ملحوظ فصبح لكل شيء روح ولكل روح قدسية معينة عندهم‪ .‬وكانت كل اآللهة‬

‫قد أخذت وظيفة معينة تختلف باختالف شخصياتها إال أن اآللهة العليا أخذت لنفسها ثالثة أقانيم فدعي األول‬

‫(براهما) ووظيفته الخلق واإليجاد ودعي الثاني (فشنو) حيث يتولى المحافظة على الخلق والوجود‪ .‬و(شيفن) المخرب‬

‫الجبار‪.‬‬

‫فهذه الصفات الثالث تكون اإلله الواحد األعلى‪ .‬فهم وان عددوا اآللهة فإن إيمانهم يعترف بنوع من الوحدانية ‪ ...‬وإنه‬

‫ليس لآللهة األخرى كيان منفصل إذ أن حياتها تستمد من روح واحدة هي روح (براهما) أو اإلله األعظم وقد اتسع نطاق‬

‫هذه الفكرة بحيث أخذت الديانة الهندوسية تؤمن بوحدة الوجود أو الحلول عندما قالوا بأن روح اإلنسان هي نفس روح‬

‫(براهما) موجودة في اإلنسان كما هي موجودة في المخلوقات األخرى‪ .‬وكذلك تؤمن الهندوسية بتناسخ األرواح فقد‬

‫تنتقل الروح من اإلنسان إلى الحيوان وبالعكس ولذلك فقد قدسوا الحيوانات‪.‬‬

‫ولآللهة أساطير أشبه ما تكون بخرافات مقدسة دونت في كتابهم المقدس الفدا وهذا الكتاب ينقسم إلى أقسام أربعة هي‬

‫الريج ويدا‪ :‬هي مجموعة من الشعر الكهنوتي أو أناشيد العوائل المقدسة‪ ،‬و ساما ويدا‪ :‬تحوي أناشيد موجهة إلى اآللهة‬

‫‪121‬‬
‫(أجني) آله النار و(أندرا) آله المطر‪ ،‬و ياجور ويدا‪ :‬هي مجموعة من التراتيل التي ينشدها الكهنة عند إحراق جثث‬

‫الموتى‪ ،‬والقسم األخير آثار ويدا‪ :‬هي أناشيد تتلى عند الزواج أو تلمس البركات أو أدعية ضد الشيطان ومكروهات‬

‫األمور‪.‬‬

‫ومن معتقدات الهندوسية أيضاً إيمانهم بالكارما ومعناها قانون الجزاء والعدالة‪ .‬وتعني أن جميع أعمال اإلنسان االختيارية‬

‫التي تؤثر على اآلخرين شراًكانت أم خيراً يجازى عليها بالثواب أو العقاب‪ .‬وهذا الجزاء يكون في الحياة‪ .‬فإن لم يقع‬

‫هذا في الحياة االعتيادية فقد تقع في الحياة األخرى بعد أن تنتقل الروح إلى جسد آخر‪.‬‬

‫وهدف اإلنسان الهندوسي أن يصل إلى مرحلة االنطالق أو الخالص والتي تعنى انعتاق روحه من الجسد واتحادها باإلله‬

‫براهما ويكون ذلك بالعمل الجيد الصالح الذي يساعد المرء على االنتقال بعد الموت إلى طبقة أعلى من طبقته حتى‬

‫يصل إلى أعلى الطبقات ‪ ،‬ويستمر بعمله الصالح لتنطلق روحه بعد ذاك إلى االتحاد مع براهما‪.‬‬

‫المبادئ التي ترتكز عليها الديانة الهندوسية بما يلي‪:‬‬

‫‪ )1‬أنها بنت كيانها على اإليمان بالكارما أو قانون الجزاء‪.‬‬

‫‪ )1‬وتركز على عقيدة تناسخ األرواح‪.‬‬

‫‪ )3‬وتنظر إلى الحياة نظرة متشائمة بالدعوة إلى تخليص الروح منها‪.‬‬

‫‪ )0‬وتدعو إلى الزهد‪.‬‬

‫‪ )5‬وتركز كثيراً على الفضائل‪.‬‬

‫‪ )4‬وتركز على اإليمان بكتب (الفيدا)‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫‪61‬‬
‫‪ )3‬وتؤمن بآلهة كثيرة‪.‬‬

‫(التاريخية) لهذه الديانة ‪ :‬ليس هناك مؤسس معين لهذه الديانة حتى نتمكن من الرجوع إليه وإلى تعالمية ‪ ،‬ألن‬

‫الهندوسية خضعت للتطور والتجدد عبر مراحل مختلفة تاريخها الطويل ‪ ،‬و تولدت من االحتكاك باآلريين في عام‬

‫‪ (134‬ق م ) بالدرافيديين الذين كانوا من سكان الهند األصليين ‪ .‬إال أن اآلريين قد استولوا على الهند واستأثروا بتنظيم‬

‫المجتمع دون الدر افيديين ‪ .‬ومن هذا االحتكاك نشأت التقاليد الهندوسية إلى أن نضجت وعرفت باسم الهندوسية فيما‬

‫بعد‪.‬‬

‫ولم يقف األمر عند هذا الحد وإنما تأثرت هذه الديانة بفلسفات وأفكار نشأت الهند فيما بعد إلى أن أصبحت‬

‫الهندوسية بعيدة عن العقائد اآلرية كذلك ‪ ،‬ويمكن تقسيم تاريخ الفكر الهندوسي إلى العصور التالية ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬العصر الويدي األول ‪ ،‬ويشتمل ثالث مراحل فرعية ‪:‬‬

‫‪ )1‬مرحلة انتشار األفكار البدائية ‪ :‬وعبادة القوى الطبيعية ‪ ،‬سواء كانت مما جاء به اآلريون ‪ ،‬أو ما كان نابعا من البيئة‬

‫الهندية ‪ ،‬وتبدأ هذه المرحلة من القرن الخامس عشر قبل من الميالد وتشتمل الفيدات على العديد من المعلومات عن‬

‫هذه الفترة‪.62‬‬

‫‪ )1‬مرحلة تدوين الفيدات وتأويلها على أيدي البراهمىة‪:‬‬

‫وهذا التأويل يسمى البراهمنات‪ ،‬وتبدأ هذه الفترة من حوالي القرن الثامن قبل الميالد‪ ،‬وبرزت فئة من العلماء والفالسفة‬

‫أي من أهل العلم والنظر‪ ،‬فاهتموا بالشئون الدينية‪ ،‬وفكروا في عقائدهم‪ .‬فأدى التفكير بهم بهم إلى آراء مغايرة للعقائد‬

‫الموروثة فتكون مذهبا هو البراهمية ‪ .‬ألن البراهمة قاموا بهذا التأويل لمصالحهم ‪ ،‬ثم الحظوا أن االتصال بدأ السكان يتم‬

‫‪61‬مقارنة االديان‪ :‬الدكتور خليل السعدي‪ ،‬دار العلوم العربية‪ -‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪1015‬ﮬ‪ ،‬ص‪.135-134‬‬
‫‪62‬فصول في اديان الهند ‪ :‬الدكتور محمد ضياء الرحمن األعظمي‪ ،‬ص ‪10‬‬

‫‪123‬‬
‫ويتعمق بين بني جنسهم وبين األصليين ‪ ،‬فأرادوا أن يضعوا نطام الطبقات ليحول دون تمام االمتزاج وبهذه المرحلة تبدأ‬

‫الهندوسية التي ال زالت موجودة‪.‬‬

‫‪ )3‬مرحلة تلخيص الفيدات في اسفار مقدسية‪:‬‬

‫وهي التي تسمی األوبانيشادات ‪ ،‬وتبدأ هذه المرحلة من القرن السادس قبل الميالد ‪ ،‬وتستمر إلى ما بعد الميالد بعدة‬
‫قرون‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬عصر اإللحاد‬

‫وفيه ظهرت الديانة الجينية ‪ ،‬والديانة البوذية ‪ ،‬وضعفت الديانة الهندوسية أمام هذه الثورات ابتداء من القرن السادس قبل‬
‫الميالد‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬العصر الويدي الثاني ‪ :‬وهو عصر عودة النصر للفيدات وانتصارها على األديان واالتجاهات اإللحادية ولقد دونت‬

‫شروح الفيديات في هذا العصر ومن أهمها قوانين منو سمرتي التي تم وضعها حوالي القرن الثالث قبل الميالد‪ .‬وهنا‬
‫‪63‬‬
‫اتضحت الهندوسة واستقرت معالمها‪.‬‬

‫كتب الفلسفات المقدسة لدى الهندوس‪ :‬الفلسفات التي تولدت من كتب الفيدات واألوبانيشادات اشتهرت منها ستة‪،‬‬

‫والتي عرفت فيما بعد بالفلسفات الست‪ ،‬يقال لها‪" :‬درسن"‪.‬‬

‫وهذه الفلسفات الست هي‪:‬‬

‫‪ 1‬فلسفة فيدانتا)‪(Vedanta Philosophy‬‬

‫فيدانت تسمى عند الهندوس ب "أتر ميمانسا" أيضاً‪ ،‬وذلك أن الفيدات لها جانبان‪ ،‬الجانب العملي‪ ،‬والجانب العلمي‪،‬‬

‫والجانب العملي مقدم على الجانب العلمي‪ ،‬فإن الجانب العملي هو الذي كان في الڤيدات من أول األمر من تقديم‬

‫القرابين‪ ،‬والتضرع إلى اآللهة‪ ،‬والتوسل بهم في دفع الباليا‪ ،‬وهي كلها من صميم الڤيدات‪ ،‬وهي التي تسمى ب " فوربا ميمانسا‬

‫‪ 63‬فصول في اديان الهند ‪ :‬الدكتور محمد ضياء الرحمن األعظمي‪ :‬ص ‪15‬‬

‫‪124‬‬
‫األولي‪ ،‬وأما الجانب العلمي والذي جاء في األوبانيشادات وجاء بعد الڤيدات‪ ،‬فهي متأخرة ولهذا‬
‫أي التنسيق والتوفيق ّ‬
‫يسمى هذا الجانب ب "أتر ميمانسا" أي التوفيق والتطبيق األخير‪ ،‬وهو ما يسمى ب "فيدانت"‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪ 1‬فلسفة ميمامسا‪(Mimamsa Philosophy).‬‬

‫يحتوي كتاب (ميمامسا ) على ما ال يقل عن ‪ 115‬فصالً‪ ،‬يقسم الفصل فيه إلى خمسة أقسام‪ :‬القسم األول تصاغ فيه‬

‫الفرضية‪ ،‬والقسم الثاني‪ :‬يرد فيه على الشكوك التي تثار حول الفرضية أو صياغتها‪ ،‬أما القسم الثالث‪ :‬فهو في عرض الطرق‬

‫المضللة في فهمها‪ ،‬وال رابع‪ :‬في دحض تلك الطرق المضللة‪ ،‬وأما الخامس واألخير فيقدم الحل الصائب على أنها نتيجة‬

‫ضرورية لكل ما ورد‪.‬‬

‫‪ 3‬فلسفة نيايا‪(Niyaa philosophy).‬‬

‫الكتاب الذي يُعد دستوراً لهذا المذهب هو نيايا سوترا‪ ،‬يتكون من خمسة فصول‪ ،‬وعشرة مباحث‪ ،‬وخمسمائة وثالث وثمانين‬

‫"باد ْرتْه" (‪ )padartha‬وتعني‬


‫بيتاً (سوترا)‪ ،‬يتناول في البداية المواضيع التي تدخل في البرهان المنطقي والتي تسميها باسم‪َ :‬‬
‫بذلك ما يقابل المنطق‪ ،‬وعدد تلك المواضيع المقوالت‪ ،‬ستة عشر موضوعاً‪ ،‬وتتم عملية المعرفة والتفكير في هذه المواضيع الستة‬

‫عشرة من أربع زوايا‪ ،‬هي‪:‬‬

‫الزاوية األولى‪ :‬الذات العارفة ‪ ،‬وهي الجوهر‪ ،‬ولها خواص‪ ،‬وهي‪ :‬المعرفة والشعور واإلرادة التي تنبع منها كيفيات الرغبة‪،‬‬

‫والمقت‪ ،‬واللذة‪ ،‬واأللم‪ ،‬وهذه اللذات هي المدركة للواقع والحسي‪.‬‬

‫الزاوية الثانية‪ :‬معرفة الموضوع ‪ ،‬والمعروف الذي يعرف في هذه الفلسفة هي‪ :‬النفس‪ ،‬والجسم‪ ،‬الحواس وموضوعاتها‪،‬‬

‫المعرفة‪ ،‬الذهن‪ ،‬الفعل‪ ،‬االختالالت العقلية‪ ،‬اللذة‪ ،‬األلم‪ ،‬المعاناة‪ ،‬والتحرر من المعاناة‪.‬‬

‫الزاوية الثالثة‪ :‬الحالة الناتجة عن المعرفة‪ ،‬أي ما ذا حصلنا عليه من النتائج‪.‬‬

‫الزاوية الرابعة‪ :‬الوسائل المعتمدة للمعرفة الصحيحة‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫‪ 0‬فلسفة ﭬايشيشكا‪(Vayshishka's philosophy).‬‬

‫أساس هذه الفلسفة أن العالم مكون من ذرات أبدية أزلية‪.‬‬

‫تميُِّز منظومة الڤايشيشكا سبعة أنواع ملحوظة من الحقيقة‪ ،‬تسمى بسبع مقوالت أساسية هي‪ :‬الجواهر (الماهية)‪،‬‬

‫الخصائص (غونا‪/‬الخاصية)‪ ،‬األعمال(كارما‪ /‬الفعل)‪ ،‬العمومية‪ ،‬الخصوصية (فايشيشا)‪ ،‬المالزمة‪ ،‬الالوجودية (العدم‪/‬‬

‫أبهافا)‪.‬‬

‫‪ 5‬فلسفة يوغا‪(Yoga Philosophy).‬‬

‫إن يوغا جهد منهجي للوصول إلى الكمال من خالل السيطرة على العناصر المختلفة للطبيعة اإلنسانية‪ ،‬إنها توصل إلى‬

‫التمييز بين الروح أو الفكر والمادة‪ ،‬بين الروح والطبيعة أو المادة‪.‬‬

‫‪ 4‬سانكهيا‪(Sankhia).‬‬

‫موضوع فلسفة هذا الكتاب‪ :‬إنكار وجود الخالق فإنه زعم أنه لم يجد دليالً على وجود الخالق‪ ،‬وزعم أن العالم إنما وجد‬

‫من تفاعل الروح مع المادة أو الطبيعة‪ ،‬فأصحاب هذه الفلسفة يرون أن الطبيعة قديمة أزلية‪ ،‬هكذا الروح المتفاعلة معها‬

‫أيضاً أزلية قديمة‪ ،‬وأن الروح ال تخلق شيئاً وإنما تنظر فقط‪ ،‬والروح تتقلب في األجسام حسب أعمال اإلنسان‪ ،‬فإذا‬
‫انتهى العمل فال يدخل في أي جس ٍم ٍ‬
‫حينئذ‪.‬‬

‫األدوار األربعة للحياة في الهندوسية‪:‬‬

‫الديانة الهندوسية تقسيم حياة اإلنسان إلى أربع مراحل أو أدوار‪ ،‬حسب أعمارهم وكل دور منها يستغرق خمسا وعشرين‬

‫سنة باعتبار أن متوسط العمر مائة عام‪ ،‬وتضع األحكام الخاصة لهذه األدوار‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫ال ّدور األول‪ :‬بَ َرْه َما َچا ِريا آ َش َرْم يعني به دور التربية والتعليم‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫ال ّدور الثاني‪ :‬گِ ْرَه ْستَا آ َش َرْم يعني به دور الحياة العائلية‪.‬‬

‫َّياس آ َش َرْم‪ ،‬يعنى به دور العبادة أو التربية الجسدية والروحية‪.‬‬


‫ال ّدور الثالث‪َ :‬سن ْ‬

‫ست آ َش َرم‪ ،‬يعني به دور الحياة الرهبانية‪.‬‬


‫ال ّدور الرابع‪ :‬بَان َپر َ‬

‫وفيما يلي بيان لهذه األدوار األربعة‪:‬‬

‫برهما چاريا آشرم ‪(Brahma chariya sharma):‬‬

‫يبدأ هذا الدور من السنة الخامسة من العمر وقيل‪ :‬من السنة الثامنة إلى السنة الرابعة والعشرين من العمر‪ ،‬وهي مرحلة‬

‫طلب العلم على األستاذ‪ ،‬يكون المبتدئ في هذه المرحلة شاباً وعليه أن يتبع التعليمات التي يصدرها الرهبان وكبار‬

‫الكهنة والتي من شأنها أن تدربه على أمور الطاعة‪ ،‬وكيفية العزلة والبعد عما يثير الشهوة ودراسة الكتب المقدسة‪ ،‬وتقديم‬
‫‪64‬‬
‫القرابين للنار‪ ،‬وكيفية االستحمام‪ ،‬واحترام آلهتهم‪.‬‬

‫ووضعت قواعد تفرض عليه االمتناع عن أكل اللحم وعدم لبس األحذية‪ ،‬وأمره بالنوم لوحده دائماً والتسول‪ ،‬وااللتزام‬

‫بقواعد النذر التي تفرض عليه‪ ،‬إضافة إلى دراسة الفيدات‪ ،‬كما أن هذه القواعد السلوكية للطالب المبتدئ من شأنها‬

‫تدريبه لتقبل المراحل الثالث األخرى قبوالً جيداً‪.‬‬

‫يقول مانوسمريتي‪:‬‬

‫يجب على البرهمي أن يعلق الفونول‪ ،‬في السنة الثامنة‪ ،‬والكهشتري؛ في السنة الحادية عشرة‪ ،‬والويشا في السنة الثانية‬
‫‪65‬‬
‫عشرة‪ ،‬وذلك؛ من تاريخ استقراره في رحم أمه‪ ،‬أو من يوم والدته‪.‬‬

‫اسات في اليهودية والمسيحية وأديان الهند‪ :‬الدكتور محمد ضياء الرحمن األعظمي‪،‬مكتبة الرشد ناشرون‪ -‬المملكة العربية السعودية‪ : ،‬ط‪1010 ،1‬ﮬ‬
‫‪ 64‬در ٌ‬
‫‪،‬ص(‪.)584‬‬
‫‪65‬مانوسمريتي ‪34/1‬‬

‫‪127‬‬
‫على التلميذ‪ ،‬إن كان برهمياً؛ أن يلبس جلد الغزال األسود‪ ،‬وإن كان كهشترياً؛ جلد الغزال األغبر‪ ،‬وإن كان اليشياً؛ جلد‬

‫الماعز‪ ،‬لباساً خارجياً‪ ،‬وأن يرتدي األول من الداخل؛ ثياباً مصنوعة من قشر القنب‪ ،‬والثاني؛ ثياباً مصنوعة من الكتان‪،‬‬
‫‪66‬‬
‫والثالث؛ ثياباً صوفية‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫على التلميذ بعد أن يأخذ عصاه أن يعبد الشمس ثم ليطف بالنار‪ ،‬ثم ليخرج للسؤال‪ ،‬وفاقاً للطرق المشروعة‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫على التلميذ‪ ،‬أن يبدأ سؤاله الصدقات؛ من أمه‪ ،‬أو أخته‪ ،‬أو خالته‪ ،‬أو من أي امرأة ال ترفض‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫بمص الماء‪ ،‬ثم يأكل‪.‬‬
‫يطهر نفسه‪ّ ،‬‬
‫يغل شيئاً‪ّ ،‬‬
‫على التلميذ أن يقدم لألستاذ كل ما جمعه في يومه‪ ،‬من غير أن ّ‬

‫أن يأكلوا بكل اطمئنان‪ ،‬وهم مستجمعو الفكر؛ بعد أن يؤدوا عبادة هوم‪ ،‬وأن ينظفوا أنفسهم‪ ،‬بعد الطعام؛ بمص الماء‪،‬‬
‫‪70‬‬
‫ومسح فروج الرأس‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫أن ينظموا طعامهم‪ ،‬وأن يأكلوه؛ غير محتقريه‪ ،‬وأن يهشوا له؛ حينما يروه‪.‬‬

‫أال يعطوا فضلة طعامهم ألحد‪ ،‬وال يأكلوا بين أكلتين‪ ،‬وال يكثروا من الطعام‪ ،‬وال يتركوا مكانهم؛ من غير أن يغسلوا فمهم‬
‫‪72‬‬
‫بعد الطعام‪.‬‬

‫على البرهمي أن يحتفل بقص شعر رأسه‪ ،‬في السادسة عشرة من عمره‪ ،‬والكهشتري؛ في الثانية والعشرين‪ ،‬وﭬايشا؛ في‬
‫‪73‬‬
‫الرابعة والعشرين‪ ،‬وذلك؛ اعتباراً من يوم حمله‪ ،‬في بطن ّأمه‪.‬‬

‫‪ 66‬مانوسمريتي ‪01/1‬‬
‫‪67‬مانوسمريتي ‪08/1‬‬
‫‪68‬مانوسمريتي ‪54/1‬‬
‫‪69‬مانوسمريتي ‪51/1‬‬
‫‪70‬مانوسمريتي ‪53/1‬‬
‫‪71‬مانوسمريتي ‪50/1‬‬
‫‪72‬مانوسمريتي ‪54/1‬‬
‫‪73‬مانوسمريتي ‪45/1‬‬

‫‪128‬‬
‫يجب على األستاذ أن يعلم التلميذ‪ ،‬قبل كل شيء؛ ما يحتاج إليه من أمور الطهارة الجسمانية‪ ،‬وحسن الخلق‪ ،‬وعبادة‬
‫‪74‬‬
‫النيران‪ ،‬وهوم‪.‬‬

‫على من يدخل في الحياة الجديدة؛ أن يثابر على القيام بعبادة هوم يومياً‪ ،‬وأن يشحذ غذاءه‪ ،‬وينام على األرض‪ ،‬ويسعى إلى ما‬
‫‪75‬‬
‫فيه خير أستاذه؛ حتى يرجع إلى أهله‪.‬‬

‫على التلميذ‪ :‬أن يستعمل‪ ،‬وقت العبادة‪ ،‬ما يختص به من‪ٍ :‬‬
‫جلد‪ ،‬وفونول‪ ،‬وزنار‪ ،‬وعصا‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬من ٍ‬
‫لباس داخلي‬
‫‪76‬‬
‫وخارجي‪.‬‬

‫كراهستا آشرم )‪(Krahsta Ashram‬‬

‫الهندوسية في هيئتها االجتماعية تميل إلى الرهبانية أكثر من ميلها إلى الحياة العائلية‪ .‬ألن الرهبان الهندوس دائماً يذمون‬

‫الحياة المادية ويرغبون أتباعهم في ترك العالئق الدنيوية‪ ،‬وقد شعر علماء الهندوس بخطورة الرهبانية على مستقبل الديانة‬

‫الهندوسية فبدأوا يدافعون عن الحياة العائلية وأول من قام بتفضيل هذا الدور على األدوار األخرى‪.‬‬

‫يقول مانوسمريتي‪:‬‬

‫كما أن الحيوانات؛ تعيش بالهواء‪ ،‬فكذلك كل أفراد األدوار الثالثة؛ يعيشون بفضل العامل‪.‬‬

‫حيث إن أفراد األدوار الثالثة؛ يعيشون بمعونة العاهل العامل إياهم‪ ،‬بالعلم وبالطعام؛ لذلك فهذا الدور؛ هو خير أدوار‬
‫‪77‬‬
‫الحياة‪.‬‬

‫بان برستا آشرم )‪(Banpresta Ashram‬‬

‫‪74‬مانوسمريتي ‪41/1‬‬
‫‪75‬مانوسمريتي ‪148/1‬‬
‫‪76‬مانوسمريتي ‪130/1‬‬
‫‪77‬مانوسمريتي ‪33،38/1‬‬

‫‪129‬‬
‫تأتي هذه المرحلة في حياة الهندوسي بعد دور الحياة العائلية وهي أشد من المراحل السالفة من حيث ممارسة الشعائر‬

‫والعبادات‪ ،‬يكون الفرد في هذه المرحلة قد تجاوز سن األربعين‪ ،‬بعد ما يقضي في الحياة العائلية خمساً وعشرين سنة‪.‬‬

‫يقول مانوسمريتي‪:‬‬

‫وعليه أن يترك‪ ،‬بعد ذلك‪ ،‬كل طعام ينبت بالزرع‪ ،‬وكل ما يتعلق به‪ ،‬وأن يذهب إلى الغابة ‪ ،‬بعد أن يعهد بزوجته إلى‬

‫ابنه‪ ،‬أو يأخذها معه‪.‬‬

‫على العامل‪ ،‬حينما يرى‪ :‬أن بشرته؛ أخذت تتجعد‪ ،‬والشيب قد الح في رأسه‪ ،‬ويرى أحفاده من حوله؛ أن يترك الدار‪،‬‬

‫ويقصد الغابة‪.‬‬

‫وعليه أن يأخذ معه النار المقدسة‪ ،‬وما يحتاج إليه من السالح‪ ،‬للتقدمات الحيوانية‪ ،‬ويترك القرية‪ ،‬ويذهب إلى الفلوات‪،‬‬

‫حيث يعيش هناك‪ ،‬يضبط حواسه‪.‬‬

‫عليه أن يرتدي جلدا‪ ،‬أو أسماال‪ ،‬وأن يغتسل صباحا ومساء‪ ،‬وأن يترك شعر رأسه‪ ،‬غدائر‪ ،‬وأن يعفي لحيته وشاربه‪ ،‬وال‬
‫‪78‬‬
‫يقلم أظفاره‪.‬‬

‫سنياس آشرم )‪(Sennias Ashram‬‬

‫يدخل هذا اإلنسان الذي مر بالمراحل السابقة في حياة جديدة وهي حياة الرهبنة‪ ،‬والفرق األساسي بين هذا الدور‬

‫والذي قبله‪ ،‬أن المرء في هذا الدور؛ ال يتقيد بحكم من أحكام الدين‪ ،‬فهو غير محتاج إلى الفونول ‪ ،‬وال إلى الزنار‪ ،‬وال‬

‫إلى أي شيء من األشياء‪ ،‬المفروضة على أصحاب األدوار الثالثة األولية‪ ،‬بل هو في هذا الدور فوق كل شيء‪ ،‬حيث‬

‫يظهر أمام الناس كالشيخ الكامل المطاع‪ ،‬مرفوع التكليف‪ ،‬ويصير عقال بال شهوة‪.‬‬

‫‪78‬مانوسمريتي ‪1،3،0،4/1‬‬

‫‪130‬‬
‫يقول مانوسمريتي‪:‬‬

‫وعليه أن يسرح وحده‪ ،‬دائماً من غير رفيق‪ ،‬لكي يحصل على النجاة األخيرة‪ ،‬وليعلم‪ :‬بأن الوحدة هي سبيل النجاة‪.‬‬

‫وعليه أن يتمنى الموت‪ ،‬وال يتمنى الحياة‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫ال يجعل للمنى إلى نفسه سبيالً‪ ،‬وال يأكل اللحم‪ ،‬وال يرغب في نعيم الدنيا‪.‬‬

‫حفظ الضروريات الخمس ‪:‬‬

‫يعتبر الهندوسي حفظ الضروريات الخمس اال واحدا‪.‬‬

‫ويسمونها‪ :‬بوروشارثا )‪(Purushartha‬‬

‫حفظ الضروريات األربعة؛ وهي‪:‬‬

‫‪ -1‬دهارما‪ (Dharma) :‬وتعني‪ :‬الواجبات الدينية واالجتماعية‪ ،‬وتعتبر أكثر أهمية‪ ،‬بل هي حاكمة على‬

‫األهداف الثالثة األخرى‪.‬‬

‫‪ -1‬آرتها‪ (Artha):‬وتعني‪ :‬الحصول بوسائل مشروعة وشريفة على المال واالقتصاد‪.‬‬

‫‪ -3‬كام‪ (Kama):‬وهي المحبة واأللفة والعشق الخالص الذي يدفع إلى األعمال الصالحة‪.‬‬

‫‪ -0‬موكشا‪ (Moksha) :‬وهي آخرها‪ ،‬وهي المعروفة بالخالص‪ ،‬ونرفانا وهي التوجه الروحي إلى اإلله‪ ،‬والتخلص من‬

‫دورات الحياة واالندماج في الروح األكبر ‪-‬كما يزعمون‪ -80‬هذه أربعة مقاصد تسعى الهندوسية عموماً إلى‬

‫تحقيقها وتوجيهها توجيهاً سليماً‪ ،‬إال أن الثالثة األولى إيجابية‪ ،‬أي‪ :‬تابعة لطريقة الرغبة أو الشهوة‪ ،‬أما‬

‫األسلوب الرابع فهو سلبي‪ ،‬أي تابعة لطريقة عدم الرغبة‪.‬‬

‫‪79‬مانوسمريتي ‪01،05،01/4‬‬
‫‪ 80‬األديان القديمة في الشرق‪،‬الدكتور رؤوف شلبي‪ ،‬دار الشروق – القاهرة‪ ،‬ص‪.114‬‬

‫‪131‬‬
‫وعلى هذا يرى الهندوسي أن المقصد األساسي للحياة أن تتصل حياة اإلنسان بالحياة العالية‪ ،‬فتخالطها وتعاشرها‪،81‬‬

‫بحيث ترتقي اإلنسان بحياته إلى الحياة األبدية التي هي حياة برهمان‪ ،‬فإنهم يرون أن الخطوة التالية لحياة اإلنسانية هي‬

‫التخطي من الحياة اإلنسانية إلى الحياة اإللهية‪ ،‬وليس المقصود أن يصبح إلهاً فحسب؛ ألن اآللهة ليسوا خالدين في‬

‫الجنة‪ ،‬وإنما المقصود أن يصبحوا برهمان حتى يتخلصوا من التناسخ ويحصلوا على المتعة األبدية التي ليس بعدها‬

‫متعة‪.‬‬

‫فأغلى ما يطمع فيه الهندوسي هو االنطالق واالندماج في برهمان‪ ،‬حيث يصبح بذلك هو نفسه برهمان‪ ،‬وألجل الوصول إلى‬

‫ويحمل نفسه‬
‫هذه الغاية يمارسون الرهبنة المفرطة من الصوم وأرق الليل وتعذيب النفس كيفما كان‪ ،‬كأن يعيش أسير الحرمان‪ّ ،‬‬
‫أنواع البالء‪ ،‬وأن يبدو دائماًكثير الهموم والخوف والتشاؤم‪ ،‬وهو ال يتمنى الموت؛ ألن الموت ينقله إلى دورة جديدة من دورات‬

‫حياته‪ ،‬بل يرجو لنفسه الفناء في برهمان‪.‬‬

‫‪ 81‬هكذا يصف الدكتور رادها كرشنان الفيلسوف الفكر األساسي للحياة‪ ،‬مقالته بعنوان‪ :‬التفكير الديني الهندي ص‪ 48‬مجلة ثقافة الهند‪ ،‬عدد يناير وإبريل سنة‬
‫‪1151‬م‪.‬‬

‫‪132‬‬
133
‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫فلسفة التشريع المسيحي ومصادره‬

‫المبحث االول‪:‬‬
‫الديانة المسيحية والتشريع فيها‬

‫المبحث الثاني‪:‬‬
‫مصادر التشريع المسيحي‬

‫الكتاب المقدس‬

‫قوانين الرسل‬

‫المجامع‬

‫تعاليم آباء الكنيسة‬

‫التقاليد المسيحية‬

‫المبحث الثالث‪:‬‬
‫فلسفة التشريع المسيحي‬

‫‪134‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬فلسفة التشريع المسيحي ومصادره‬

‫المبحث االول‪ :‬الديانة المسيحية والتشريع فيها‬

‫تعريف المسيحية أو النصرانية‪:‬‬

‫النصرانية لغة ‪ :‬قيل ‪ :‬نسبة إلى نصرانة‪ ،82‬وهي قرية عيسى عليه السالم ‪ ،‬من أرض الجليل ‪ :‬وتسمى هذه القرية ناصرة‬
‫‪83‬‬
‫ونصورية‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫النصرانية اصطالحا ‪ :‬هي دين النصارى‪ ،‬الذين يزعمون أنهم يتبعون عيسى عليه السالم‪ ،‬وكتابهم اإلنجيل‪.‬‬

‫ويطلق عليهم في القرآن الكريم النصارى‪ ،‬وأهل الكتاب‪ ،‬وأهل اإلنجيل‪ ،‬وهم يسمون أنفسهم بالمسيحيين نسبة إلى‬

‫عيسى عليه السالم (المسيح )‪ ،‬ويسمون ديانتهم المسيحية‪.‬‬

‫وأول ما دعى النصارى بالمسيحيين‪ ،‬في أنطاكية حوالي سنة ‪ 01‬م ويری البعض أن ذلك أول األمر كان من باب‬
‫‪85‬‬
‫الشتم‪.‬‬

‫ِ‬
‫مكملة لرسالة موسى عليه الصالة والسالم‪ ،‬ومتممة لما‬
‫النصرانية‪ :‬الرسالة التي أُنزلت على عيسى عليه الصالة والسالم‪ّ ،‬‬
‫جاء في التوراة من تعاليم‪ ،‬موجهة إلى بني إسرائيل‪ ،‬داعية إلى التوحيد والفضيلة والتسامح‪ ،‬ولكنها جابهت مقاومة‬

‫واضطهاداً شديداً‪ ،‬فسرعان ما فقدت أصولها‪ ،‬مما ساعد على امتداد يد التحريف إليها‪ ،‬فابتعدت كثيراً عن أصولها‬

‫األولى؛ المتزاجها بمعتقدات وفلسفات وثنية‪.‬‬

‫‪82‬ألحمد بن محمد علي الفيومي المقري‪ :‬المصباح المنير‪ ،‬ط ‪ 1013-1‬ﮬ المكتب العصرية‪ :‬بيروت‪ ،‬ص ‪.131‬‬
‫‪83‬الدكتور سعود بن عبد العزيز الخلف‪ :‬دراسات في االديان اليهود والنصرانية‪ ،‬ط‪1018 - 1‬ﮬ‪ ،‬مكتبة أضواء السلف – الرياض‪ ،‬ص‪.111‬‬
‫‪ 84‬المصدر السابقة‪ :‬ص ‪111‬‬
‫‪85‬قاموس الكتاب المقدسة‪ :‬نخبة من الالهوتيين‪ ،‬كومبوبريل‪ ،‬ص ‪.080‬‬

‫‪135‬‬
‫الشريعة المسيحية أو القوانين الكنسية هي مجموعة القوانين المستندة من الكتاب المقدس والمجامع المسكونية السبعة‬

‫وقوانين الرسل‪ ،‬وكتابات وتعاليم آباء الكنيسة واجتهادات علماء الدين المسيحي‪ ،‬والتي تحدد عالقة اإلنسان بالله‬

‫وبالناس وبالمجتمع والكون‪ .‬وتحدد ما يجوز فعله وما ال يجوز‪.‬‬

‫الشريعة المسيحية‪:‬‬

‫أن شريعة عيسى عليه السالم أقرت بما جاء في كتب العهد القديم‪ ،‬وبما شرعه موسى عليه السالم لليهود‪ ،‬ولم تستثن‬

‫من ذلك إال شيئا يسيرا‪ ،‬فنسخت بعض األحكام اليهودية‪ ،‬وعدلت بعضها‪.‬‬

‫ففي الوصية المشهورة المنسوبة إلى المسيح والتي تسمى وصية الجبل‪ ،‬أو خطبة الجبل‪ ،‬ألن المسيح ألقاها وهو على‬

‫قمة جبل وسمعها جمع غفير من الناس فيها‪ :‬إن موسی لقساوة قلوب الناس أباح الطالق‪ ،‬ولكن هو (المسيح) يقرر أن‬

‫من يفارق امرأته إال لعلة الزنا‪ ،‬فكأنه يجعلها تزني‪ ،‬وأن من يتزوج مطلقة فكأنه يزني بها‪ .86‬وأن من طلق امرأته وتزوج‬
‫‪87‬‬
‫بأخرى يزني عليها‪ ،‬وإن طلقت المرأة زوجها وتزوجت بآخر تزني‪.‬‬

‫وأن الزوجين بعد زواجهما يصبحان جسما واحدا‪ ،‬فال يعودان بعد ذلك اثنين‪ ،‬يقول المسيح‪ :‬فالذي جمعه الله ال يفرقه‬

‫اإلنسان‪.88‬‬

‫وجاء فيها عن القصاص‪:‬‬

‫‪86‬إنجيل متى ‪.31-31/5‬‬


‫‪87‬إنجيل مرقس ‪.11-11/14‬‬
‫‪ 88‬إنجيل مرقس ‪.1/14‬‬

‫‪136‬‬
‫سمعتم أنه قيل عين بعين‪ ،‬وسن بسن‪ ،‬وأما أنا فأقول لكم‪ :‬ال تقاوموا الشر‪ ،‬بل من لطمك على خدك األيمن فحول له‬

‫اآلخر أيضا‪ ،‬ومن أراد أن يخاصمك‪ ،‬ويأخذ ثوبك‪ ،‬فاترك له الرداء أيضا‪ ،‬ومن سخرك ميال واحدا فاذهب معه اثنين‪ ،‬من‬
‫‪89‬‬
‫سألك فأعطه‪ ،‬ومن أراد أن يقترض منك فال ترده‪.‬‬

‫روی يوحنا في إنجيله بصدد رجم الزانية‪ :‬إن جماعة من فقهاء اليهود المنتمين إلى فرقة الفريسيين جاءوا يوما إلى المسيح‬

‫بامرأة قبض عليها وهي متلبسة بجريمة الزنا‪ ،‬وذكروا له أن موسى قرر في شريعته حد الرجم على الزاني‪ ،‬وطلبوا إليه أن‬

‫يبين لهم رأيه في هذا الموضوع‪ ،‬قاصدين بذلك امتحانه‪ ،‬لعله يحكم بغير ما أنزل الله‪ ،‬فيكون ذلك سالحا لهم بأيديهم‬

‫للقضاء عليه وعلى دعوته‪ ،‬فأطرق قليال وأخذ يخط بيده على األرض‪ ،‬وظلوا هم يكررون سؤالهم فرفع بصره وقال لهم‪:‬‬

‫ليبدا برجمها من لم يرتكب منكم خطيئة‪ .‬ثم أطرق رأسه وأخذ بخط بيده األرض فأخذ بعضهم ينظر إلى بعض‪ ،‬ثم‬

‫تسللوا واحدا بعد واحد حتى انصرفوا جميعا‪ ،‬ألنه لم يكن واحد منهم مبرءا من الخطيئة‪ ،‬فرفع المسيح بصره‪ ،‬فلم يجد‬

‫أمامه إال المرأة‪ ،‬فقال لها‪ :‬أين هؤالء الذين يتهمونك؟ ألم يبدأ أحدهم برجمك؟ فقالت‪ :‬ال يا سيدي‪ ،‬فقال لها‪ :‬وأنا‬
‫‪90‬‬
‫أيضا ال أعاقبك‪ ،‬اذهبی وال تخطئي أيضا‪.‬‬

‫ومعنى هذا أن المسيح ألغي الرجم كحد للزنا كما كان في شريعة موسى‪ ،‬وهو ال يملك ذلك ألنه مكمل لشريعة موسى‪،‬‬

‫ال ناسخ ها‪.‬‬

‫ونصت شريعة موسى على محبة األحباء وبغض األعداء‪ ،‬وأما المسيح فقال بمحبة األحباء واألعداء جميعا؛ ففي إنجيل‬

‫متى‪ :‬قد سمعتم أنه قيل‪ :‬أحبب قريبك و أبغض عدوك‪ ،‬أما أنا فأقول‪ :‬أحبوا أعداءكم‪ ،‬وأحسنوا إلى من يبغضكم‪ ،‬وصلوا‬

‫ألجل من يضطهد كم؛ لتكونوا بني أبيكم الذي في السموات‪ ،‬ألنه يطلع شمسه على األشرار والصالحين‪ ،‬ويمطر على‬
‫‪91‬‬
‫األبرار والظالمين‪.‬‬

‫‪89‬إنجيل متى ‪.01-38/5‬‬


‫‪ 90‬إنجيل يوحنا ‪.11-1 /8‬‬
‫‪91‬إنجيل متى ‪.04-03/5‬‬

‫‪137‬‬
‫نهت شريعة موسى عن القتل‪ ،‬وأما المسيح فقد ذهب إلى أبعد من ذلك‪ ،‬فنهی عن التفكير في اإلساءة على العموم‪.‬‬

‫يقول في إنجيل متی‪:‬‬

‫قد سمعتم أنه قيل لألولين‪ :‬ال تقتل‪ ،‬فإن من قتل يستوجب الدينونة‪ ،‬أما أنا فأقول لكم‪ :‬إن كل من غضب على أخيه‬
‫‪92‬‬
‫يستوجب الدينونة‪.‬‬

‫فاألناجيل عموما تحذر من الزواج وترغب في الزهد والعزوبة‪.‬‬

‫يقول بولس في رسالته إلى أهل كورنثوس )‪:(Corinthians‬‬

‫وأما من أقام راسخا في قلبه‪ ،‬وليس له اضطرار‪ ،‬بل له سلطان على إرادته‪ ،‬وقد عزم على هذا في قلبه أن يحفظ عذراءه‬
‫‪93‬‬
‫فحسنا يفعل‪ ،‬إذا من زوج فحسنا يفعل‪ ،‬ومن ال يزوج يفعل أحسن‪.‬‬

‫ويقول بولس أيضا‪ :‬وأما من جهة األمور التي كتبتم لي عنها فحسن للرجل أن ال يمس امرأة‪ .94‬إال أن يخاف على نفسه‬

‫فله أن يتزوج‪.‬‬

‫ويقول أيضا‪ :‬ولكن أقول لغير المتزوجين ولألرامل‪ :‬إنه حسن لهم إذا لبثوا كما أنا‪ ،‬ولكن إن لم يضبطوا أنفسهم فليتزوجوا‪،‬‬
‫‪95‬‬
‫ألن التزوج أصلح من التحرق‪.‬‬

‫‪92‬إنجيل متى ‪.11/5‬‬


‫‪93‬إنجيل متى ‪.38-33 /3‬‬
‫‪94‬نجيل متى ‪.1/3‬‬
‫‪95‬انجيل متى ‪.8-1/3‬‬

‫‪138‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مصادر التشريع المسيحي‬

‫الكتاب المقدس‪:‬‬

‫الكتاب المقدس هو المصدر الرئيسي واألهم في مصادر التشريع المسيحي‪ .‬ويشتمل الكتاب المقدس عند النصارى على‬

‫قسمين رئيسين‪:‬‬

‫‪ -1‬العهد القديم‪.‬‬

‫‪ - 1‬العهد الجديد‪.‬‬

‫خالصة الكتاب المقدسة‬

‫الكتاب المقدسة‬

‫العهد الجديد‬ ‫العهد القديم‬


‫رسالة إلى تيموثاوس‬ ‫إنجيل متی‬ ‫حزقيال‬ ‫التكوين‬
‫األولى‬ ‫إنجيل مرقس‬ ‫إستير‬ ‫الخروج‬
‫رسالة إلى تيموثاوس‬ ‫إنجيل لوقا‬ ‫يونان‪.‬‬ ‫الالويين‬
‫الثانية‬ ‫إنجيل يوحنا‬ ‫دانيال‬ ‫العدد‬
‫هوشع‬
‫رسالة إلى تيطس‬ ‫قوانين الرسل‬ ‫التثنية‬
‫يوئيل‬
‫رسالة إلى فليمون‬ ‫رسالة إلى رومية‬ ‫يشوع‬
‫عاموس‬
‫رسالة إلى العبرانيين‬ ‫رسالة إلى كورنثوس‬ ‫عوبديا‬ ‫القضاة‬
‫رسالة يعقوب‬ ‫األولى‬ ‫ميخا‬ ‫راعوث‬
‫رسالة إلى كورنثوس الثانية رسالة بطرس األولى‬ ‫ناحوم‬ ‫صموئيل األول‬
‫رسالة بطرس الثانية‬ ‫رسالة إلى غالطية‬ ‫حبقوق‬ ‫صموئيل الثاني‬

‫‪139‬‬
‫رسالة يوحنا األولى‬ ‫رسالة إلى أفسس‬ ‫صفنيا‬ ‫ملوك األول‬
‫رسالة يوحنا الثانية‬ ‫رسالة إلى فيلبي‬ ‫حجی‬ ‫ملوك الثاني‬
‫زکريا‬
‫رسالة يوحنا الثالثة‬ ‫رسالة إلى كولوسي‬ ‫عزرا‬
‫مالخی‬
‫رسالة يهوذا‬ ‫رسالة إلى تسالونيكي‬ ‫نحميا‬
‫مراثي إرميا‬
‫رسالة رؤيا يوحنا‬ ‫األولى‪.‬‬ ‫أخبار األيام األول‬
‫سفر طوبيا‬
‫رسالة إلى تسالونيكي‬ ‫أخبار األيام الثاني‬
‫ويهوديت‬
‫الثانية ‪.‬‬ ‫سفر أيوب‬
‫والحكمة‬
‫األمثال‬
‫ويشوع ابن سيراخ‬
‫الجامعة‬
‫وباروخ‬
‫نشيد االنشاد‬
‫والمكابيين األول‬
‫أشعيا‬
‫والمكابيين الثاني‬ ‫أرميا‬

‫أوال ‪ :‬العهد القديم‪:‬‬

‫هو الجزء األكبر من الكتاب المقدس ويحتوي على جميع كتب اليهود بما فيها التوراة‪ ،‬يقصد بكلمة العهد ما يرادف‬

‫الميثاق‪ ،‬أي أن مجموع أسفار العهد القديم التي تبلغ ستة وأربعين سفرا (تسعة وثالثين سفرا لدى‬
‫‪96‬‬
‫البروتستانت )‪ (Protestant‬من النصارى) تمثل ميثاقا قديما من عهد موسی عليه السالم‪.‬‬

‫التوراة‪:‬‬

‫التوراة كلمة عبرانية معناها الشريعة أو الناموس‪.‬‬

‫‪ 96‬د‪ .‬محمود على حماية‪ :‬دراسة في الكتب المقدس العهد القديم والعهد الجديد‪ ،‬ط‪ ،1444 – 1‬مكتبة النافدة الهنديسي‪،‬ص ‪ ،11‬قاموس الكتاب‬
‫المقدسة‪ :‬نخبة من الالهوتيين‪ ،‬كومبوبريل‪ ،‬ص ‪.001‬‬

‫‪140‬‬
‫يراد بها عند اليهود‪ :‬خمسة أسفار يعتقدون أن موسى عليه السالم كتبها بيده ويسمونها البنتاتوك )‪ (Pentateuch‬اي‬
‫‪97‬‬
‫األسفار الخمسة وهي‪:‬‬

‫االسفار الخمسة‪ :‬سفر التكوين)‪ ، (Genesis‬و سفر الخروج )‪ ، ( Exodus‬وسفر الالويين)‪ ،( Leviticus‬و‬

‫سفر العدد )‪ ، (Numbers travel‬و سفر التثنية )‪. (Deuteronomy‬‬

‫‪ -1‬سفر التكوين )‪ : (Genesis‬يتحدث عن خلق السموات واألرض ‪ ،‬وآدم ‪ ،‬واألنبياء بعده إلى موت يوسف عليه‬

‫السالم ‪.‬‬

‫‪ -2‬سفر الخروج )‪ :( Exodus‬ويتحدث عن قصة بني إسرائيل من بعد موت يوسف عليه السالم إلى خروجهم من‬

‫مصر ‪ ،‬وما حدث لهم بعد الخروج مع موسی عليه السالم ‪.‬‬

‫‪ -3‬سفر الالويين)‪ :( Leviticus‬وهو نسبة إلى بني الوى ‪ ،‬وهم سبط من بني إسرائيل مكلفون بالمحافظة على‬

‫الشريعة وتعليمها الناس ‪ ،‬ويتضمن هذا الشفر أمورا تتعلق بالالويين وبعض الشعائر الدينية ‪.‬‬

‫‪ -4‬سفر العدد)‪ : (Numbers travel‬وهو معني بعد بني إسرائيل ‪ ،‬ويتضمن توجيهات ‪ ،‬وحوادث حدثت من‬

‫بني إسرائيل بعد الخروج ‪.‬‬

‫‪- 5‬سفر التثنية)‪ : (Deuteronomy‬ويعني تكرير الشريعة ‪ ،‬وإعادة األوامر والنواهي عليهم مرة أخرى ‪ ،‬وينتهي‬

‫هذا السفر بذکر موت موسی عليه السالم وقبره ومكان قبره‪.‬‬

‫‪ 97‬الدكتور سعود بن عبد العزيز الخالف‪ :‬دراست في االديان اليهودية والنصرانية‪ :‬ط ‪1018‬ﮬ ‪ -‬مكتبة أضواء السلف‪ -‬الرياض‪ ،‬ص‪.45‬‬

‫‪141‬‬
‫والتوراة في اصطالح النصارى ‪ :‬هي األسفار الخمسة المنسوبة إلى موسی عليه السالم والكتب الملحقة بها ‪ .‬وتسمى‬
‫‪98‬‬
‫عندهم العهد القديم‪.‬‬

‫أما في اصطالح المسلمين فهي ‪ :‬الكتاب الذي أنزله الله على موسى ‪ ،‬نورا وهدى لبني إسرائيل‪.‬‬

‫أما الكتب الملحقة بالتوراة فهي ‪ :‬أربعة وثالثون سفرا ‪ ،‬حسب النسخة البروتستانتية )‪ (Protestant‬فيكون‬

‫مجموعها مع التوراة تسعة وثالثين سفرا ‪ ،‬وهي التي تسمى العهد القديم لدى النصارى ويمكن تقسيمها إلى خمسة‬

‫أقسام ‪:‬‬

‫األول ‪ :‬األسفار الخمسة المنسوبة للى موسى علي السالم‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬األسفار التاريخية وهي ثالثة عشر سفرا ‪:‬‬

‫‪ -1‬يشوع‪( Joshua ) .‬‬

‫‪ – 1‬القضاة‪( Judges ) .‬‬

‫‪-3‬راعوث‪( Ruth ) .‬‬

‫األول‪( 1 Samuel ) .‬‬


‫‪ -0‬صموئيل ّ‬
‫‪ -5‬صموئيل الثاني‪( 2 Samuel ) .‬‬

‫‪-4‬الملوك األول‪( 1 Kings ) .‬‬

‫‪ - 3‬الملوك الثاني‪( 2 Kings ) .‬‬

‫‪ -8‬أخبار األيام األول‪( 1 Chronicles) .‬‬

‫‪ - 1‬أخبار األيام الثاني‪( 2 Chronicles ) .‬‬

‫‪ ،98‬قاموس الكتاب المقدسة‪ :‬نخبة من الالهوتيين‪ ،‬كومبوبريل‪ ،‬ص ‪.318‬‬

‫‪142‬‬
‫) ‪( Ezra‬‬ ‫‪ -14‬عزرا‪.‬‬

‫‪ -11‬نحميا‪( Nehemiah ) .‬‬

‫‪ – 11‬إستير‪( Esther ) .‬‬

‫)‪(Jonah‬‬ ‫‪ - 13‬يونان‪.‬‬

‫وهذه األسفار تحكي قصة بني إسرائيل من بعد موسى عليه الصالة والسالم إلى ما بعد العودة من السبي البابلي إلى‬

‫فلسطين‪.‬‬

‫الثالث ‪ :‬أسفار األنبياء وهي خمسة عشر سفرا ‪:‬‬

‫) ‪( Isaiah‬‬ ‫‪ -1‬أشعيا‬

‫) ‪( Jeremiah‬‬ ‫‪ -1‬أرميا‬

‫) ‪( Ezekiel‬‬ ‫‪ -3‬حزقيال‬

‫) ‪( Daniel‬‬ ‫‪ -0‬دانيال‬

‫) ‪(Hosea‬‬ ‫‪ -5‬هوشع‬

‫(‪) Joel‬‬ ‫‪ -4‬يوئيل‬

‫‪ -3‬عاموس ( ‪) Amos‬‬

‫‪ -8‬عوبديا ( ‪) Obadiah‬‬

‫) ‪( Micah‬‬ ‫‪ -1‬ميخا‬

‫‪143‬‬
‫) ‪( Nahum‬‬ ‫‪ -14‬ناحوم‬

‫) ‪( Habakkuk‬‬ ‫‪ -11‬حبقوق‬

‫) ‪( Zephaniah‬‬ ‫‪ -11‬صفنيا‬

‫) ‪( Haggai‬‬ ‫‪ -13‬حجی‬

‫) ‪( Zechariah‬‬ ‫‪ -10‬زکريا‬

‫)‪( Malachi‬‬ ‫‪ -15‬مالخی‪.‬‬

‫وهذه األسفار يغلب عليها التنبؤات لبني إسرائيل ‪ ،‬وحال الناس معهم ‪ ،‬وفيها تهديدات لبني إسرائيل ‪ ،‬ووعود بالعودة‬
‫والنصر‪.‬‬

‫الرابع ‪ :‬أسفار الحكمة والشعر ( األسفار األدبية ) وهي خمسة أسفار ‪:‬‬

‫)‪(Job‬‬ ‫‪ -1‬سفر أيوب‬

‫)‪( Proverbs‬‬ ‫‪ -1‬األمثال‬

‫‪(Ecclesiaste‬‬ ‫‪ -3‬الجامعة‬

‫‪ -0‬نشيد االنشاد )‪(The Song of Solomon‬‬

‫) ‪(Lamentations‬‬ ‫‪ -5‬مراثي إرميا‬

‫الخامس ‪ :‬سفر االبتهاالت واألدعية سفر واحد ‪ ،‬وهو سفر المزامير ) ‪. (Psalms‬‬

‫‪144‬‬
‫هذه أسفار النسخة العبرانية المعتمدة لدى البروتستانة )‪ (Protestant‬من النصارى ‪ .‬أما النصارى الكاثوليك‬

‫)‪ ،(Catholics‬واألرثوذكس )‪ (Orthodox‬فيعتمدون النسخة اليونانية )‪ ، (Greek‬وهي تزيد على العبرانية‬

‫)‪ (Hebrew‬بسبعة أسفار هي ‪:‬‬

‫‪ -1‬سفر طوبيا )‪(Book of Tobit‬‬

‫‪ -1‬ويهوديت )‪(Book of Judith‬‬

‫‪ -3‬والحكمة )‪(Book of Wisdom‬‬

‫‪ -0‬ويشوع ابن سيراخ )‪(Book of Sirach‬‬

‫‪ -5‬وباروخ )‪(Book of Baruch‬‬

‫‪ -4‬والمكابيين األول )‪( First Book of Maccabees‬‬

‫‪ -3‬والمكابيين الثاني )‪(Second Book of Maccabees‬‬

‫العهد الجديد‪:‬‬
‫هو القسم الثاني من كتاب النصارى المقدس‪ ،‬وعدد اسفاره سبعة وعشرون سفرا‪ ،‬ويشتمل العهد الجديد على ما يلي‪:‬‬

‫األناجيل االربعة‪:‬‬
‫‪ -1‬إنجيل متى )‪( Gospel of Matthew‬‬

‫‪ -1‬إنجيل مرقس )‪(Gospel of Mark‬‬

‫)‪(Gospel of Luke‬‬ ‫‪-3‬إنجيل لوقا‬

‫‪ - 0‬إنجيل يوحنا )‪(Gospel of John‬‬

‫‪145‬‬
‫‪ -1‬لنجيل متى )‪:( Gospel of Matthew‬‬

‫المعروف أن كاتب هذا اإلنجيل هو متى العشار‪ ،‬أحد الحواريين )‪ (Apostles‬االثني عشر‪ ،‬وكان قبل اتصاله‬

‫بالمسيح من جباة الضرائب للرومان في كفرناحوم )‪ (Capernaum‬في فلسطين‪ ،‬فلما دعاه المسيح إلى دينه آمن به‬

‫فاتخذه تلميذا له‪ .‬جاء في إنجيله‪:‬‬

‫وفيما المسيح مجتاز من هناك رأي إنسانة جالسا عند مكان الجباية اسمه متى‪ ،‬فقال له‪ :‬اتبعني‪ ،‬فقام وتبعه‪ ،‬وبينما هو‬

‫متكئ في البيت إذا عشارون و خطاة كثيرون قد جاءوا وأكلوا مع المسيح وتالميذه‪ ،‬فلما نظر الفريسيون‬

‫)‪ (Pharisees‬قالوا لتالميذه‪ :‬لماذا يأكل معلمكم مع العشارين والخطاة؟ فلما سمع المسيح قال لهم‪ :‬ال يحتاج‬
‫‪99‬‬
‫األصحاء إلى طبيب‪ ،‬بل المرضى)‪.‬‬
‫ّ‬

‫وذلك أن اليهود كانوا ينظرون للجباة نظرة ازدراء‪ ،‬ألنها تحمل صاحبها على الظلم‪ ،‬كما أن العامل في الدولة الرومانية‬

‫المغتصبة من اليهود معين للدولة في إرساء قوائمها‪.‬‬

‫وقد اعتمد متى في كتابة إنجيله على مصدرين‪:‬‬

‫أحدهما‪ :‬لو كيا )‪ -( Lucia‬وهي مجموعة من المواعظ المسيح ‪ ،‬جمعها متى نفسه‪ ،‬ثم ضاعت في العصور‬

‫المبتكرة‪ ،‬إال أن متى أدخل بعضها في إنجيله‪..‬‬

‫الثاني‪ :‬فقرات كثيرة اقتبسها من إنجيل مرقس)‪ ، (Mark‬بل وقد نقل منه ستمائة وست آيات من ستمائة وستين آية‬

‫يشتمل عليه إنجيل مرقس‪. 100‬‬

‫‪99‬إنجيل متى ‪11/1‬‬


‫‪ 100‬ول وايريل ديورنت‪،‬ترجمة محمد بدران‪ :‬قصة الحضارة ‪ ،‬ط‪ ،1183-3‬دار الجيل للطبع والنشر والتوزيع – بيروت‪ ،‬ج‪،11‬ص‪.141‬‬

‫‪146‬‬
‫بعد أن رفع المسيح بدأ متى يطوف في البالد مبشرا بدعوة المسيح إلى أن وصل إلى الحبشة‪ ،‬وقضى فيها أكثر من‬

‫ثالث وعشرين سنة حتى مات عام ‪34‬م‪.‬‬

‫وقد اختلف الناس بخصوص لغة هذا اإلنجيل‪ ،‬فذهب بعض مؤرخي العرب أن متى كتب إنجيله بالعبرية‪ .‬وهو رأي ابن‬

‫خلدون وغيره إذ يقول‪ :‬كتب متى إنجيله في بيت المقدس بالعبرانية‪ ،‬ونقله يوحنا بن زبدي منها إلى اللسان الالتيني‪.‬‬

‫ولكن نسخة اإلنحيل التي وصلت إلى أيدينا هي ترجمته باللغة اليونانية وكانت تمت إلى إثر انتهاء تأليفه في نفس عام‬
‫‪101‬‬
‫‪ 44‬م‪.‬‬

‫وقد اختلف الكتاب في تعيين المترجم‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬إن متى هو الذي ترجمه إلى اليونانية‪ ،‬ويرى ابن خلدون وابن‬

‫البطريق وأحد مؤرخي المسيحيين في القرن الثالث الهجري أن المترجم هو يوحنا صاحب أحد األناجيل‪.‬‬

‫ومن األمور المختلف فيها بين علماء النصارى‪ ،‬أن اإلنحيل الذي ألفه متى بقى من عبث الزمان أو فقد ؟‬

‫يرى بعض المؤلفين األوربيين أن إنجيل ال يعرف مصيره‪ ،‬وأما اإلنجيل المتداول بين الناس في زماننا فهو لمؤلف‬

‫مجهول‪ ،‬ولم يكن معروفا قبل ‪ 133‬م‪.‬‬

‫ويعتقد ايرينوس )‪ (Irenaeus‬أيضا أن هذا اإلنجيل ليس من تأليف متى الحواري نظرا لوجود كثرة االقتباسات من‬

‫إنجيل مرقس‪ ،‬بل كتبه أحد أتباعه في حدود ‪ 90-85‬م‪ 102.‬وإن جهل تاريخ التدوين والمترجم يفقد الثقة بهذا اإلنجيل‬

‫المتداول بين المسيحيين‪.‬‬

‫يقول الشيخ أبو زهرة‪ :‬وال شك أن جهل تاريخ التدوين‪ ،‬وجهل النسخة األصلية التي كانت بالعبرية‪ ،‬وجهل المترجم‪،‬‬

‫وحاله من صالح أو غيره‪ ،‬وعلمه بالدين واللغتين التي ترجم عنها‪ ،‬والتي ترجم إليها‪ ،‬كل هذا يؤدي إلى فقد حلقات في‬

‫‪101‬الدكتور محمد ضياء الرحمن األعظم‪ :‬دراسات في اليهودية والمسيحية وأديان الهند‪ ،‬ط‪1010 ،1‬ﮬ‪،‬مكتبة الرشد ناشرون‪ -‬المملكة العربية السعودية‪،‬‬
‫ص(‪.)334‬‬
‫‪102‬ول وايريل ديورنت‪،‬ترجمة محمد بدران‪ :‬قصة الحضارة ‪ ،‬ط‪ ،1183-3‬دار الجيل للطبع والنشر والتوزيع – بيروت‪ ،‬ج‪،11‬ص‪.148‬‬

‫‪147‬‬
‫البحث العلمي‪ ،‬ولكن تسامح الباحث في تاريخ التدوين‪ ،‬وتاريخ الترجمة ومالبساتها‪ ،‬ليمنعنه العلم من االسترسال في‬

‫التسامح حتى ال يرى أن السلسلة تكون كاملة إذا لم يعرف الذي ترجم‪ ،‬فلقد وددنا أن نعرف ذلك األصل‪ ،‬لنعرف‬

‫أكانت الترجمة طبق األصل‪ ،‬أم فيها انحراف‪ ،‬لنعرف أفهم المترجم مرامي العبارات ومعانيها‪ ،‬سواء أكانت هذه المعاني‬

‫تفهم بظاهر القول أو بإشاراته‪ ،‬أم بلحن القول وتلويحاته‪ ،‬أم بروح المؤلف وغرضه ومرماه الكلي من الكالم‪ ،‬ولكن عز‬
‫‪103‬‬
‫علينا العلم باألصل‪.‬‬

‫‪ -2‬لنجيل مرقس)‪: (Gospel of Mark‬‬

‫مرقس ‪ :‬اسم باللغة الالتينية ومعناه‪ :‬مطرقة‪ ..‬وهو لقب ليوحنا‪ - ،‬ولد في أورشليم)‪ ،( Jerusalem‬حيث كانت أمه‬
‫‪104‬‬
‫وهو من اصل يهودي‪.‬‬

‫في قاموس الكتاب المقدس‪:‬‬

‫‪105‬‬
‫ويظن أن مرقس هو الشاب الذي تبع المسيح ليلة تسليه‪.‬‬

‫وكان بطرس)‪ ( Peter‬يخاطبه باالبن‪ 106،‬وصاحب بولس)‪ ،(paul‬وبرناباس في رحالتهما التبشيرية في قبرص‬

‫)‪ ، (Cyprus‬ثم صاحب بطرس)‪ ( Peter‬كبير الحواريين‪ ،‬وقضى معه شطرة من حياته‪ ،‬وتبعه إلى روما‪.‬‬

‫فكانت العلوم التي حصل عليها مرقس مصدرها بولس والتالميذ‪ ،‬وكان مرقس ابن أخت برناباس‪ .‬يقول بولس في رسالته‬

‫إلى أهل كولوس)‪:( colosseum‬‬

‫‪ 103‬الشيخ محمد أبو زهرة‪ :‬حاضرات في النصرانية‪ ،‬ط‪1040 - 0‬ﮬ‪ ،‬الرئاسة العامة إلدارات البحوث العلمية واإلفتاء والدعوة واإلرشاد‪ -‬المملكة العربية‬
‫السعودية‪ ،‬ص‪.50،55‬‬
‫‪104‬قاموس الكتاب المقدسة‪ :‬نخبة من الالهوتيين‪ ،‬كومبوبريل‪ ،‬ص ‪.534‬‬
‫‪105‬قاموس الكتاب المقدسة‪ :‬ص ‪.533‬‬
‫‪106‬رسالة بطرس االولى ‪.13/5‬‬

‫‪148‬‬
‫ويسلم عليكم أرسترهوس)‪ ( Aristarchus‬المأسور معي‪ ،‬ومرقس ابن أخت برناباس)‪ (Barnabas‬الذي أخذتم‬
‫‪107‬‬
‫ألجله وصايا‪.‬‬

‫وكان مرقس سببا للخالف بين بولس وبرناباس‪ :‬ثم بعد أيا قال بولس البرناباس‪ :‬لنرجع ونفتقد إخوتنا في كل مدينة نادينا‬

‫فيها بكلمة الرب كيف هم‪ ،‬فأشار برناباس أن يأخذا معهما أيضا يوحنا الذي يدعى مرقس‪ ،‬وأما بولس فكان يستحسن‬

‫أن الذي فارقهما من بمفلية )‪ (Philemon‬ولم يذهب معهما للعمل ال يأخذانه معهما‪ ،‬فحصل بينهما مشاجرة حتى‬
‫‪109‬‬
‫فارق أحدهما اآلخر‪ ،‬وبرناباس أخذ مرقس وسافر في البحر إلى قبرص‪ 108.‬ثم يرجع مرقس إلى بولس ويخدمه‪.‬‬

‫إن لوقا كاتب أعمال الرسل يصور هذا الخالف كأنه من أبسط األمور ولكن الكلمة التي استعملها غامضة‪ ،‬تنم عن‬

‫أساس أقوى من هذا لهذا الخالف‪.‬‬

‫وإن لوقا لم يوضح أسباب هذا الخالف أكثر من برناباس كان يرغب أن يرافق مرقس في أسفارهم التبشيرية‪ ،‬بينما رفض‬

‫بولس هذا االقتراح‪ ،‬وال يظن أن يكون هذا هو السبب الوحيد لهذه المفارقة‪ ،‬بل هناك أسباب أخفى ذكرها كتاب‬

‫األناجيل‪ ،‬وبالعبارة الصريحة يرجع سبب الخالف إلى نظرية بولس في شخصية المسيح‪.‬‬

‫إنجيل مرقس ‪ :‬إن مرقس من أصل يهود يونان‪ ،‬كان زميال لبولس وبرناباس‪ ،‬ثم اختلف عنهما‪ ،‬وذهب إلى بطرس‪ ،‬ولما‬

‫قتل بطرس)‪ ( Peter‬في اضطهادات نيرون)‪ ( Neronian persecution‬توجه مرقس إلى كتابة سيرة السيد‬

‫المسيح‪.‬‬

‫‪107‬رسالة بولس الرسول الى اهل كولوس‪.14/0 ،‬‬


‫‪108‬االعمال الرسالة ‪.31-34/14‬‬
‫‪The Holy Bible in the Malayalam language: (bridge communication systems 2017); no: 109‬‬
‫‪1302,Philemon 1/24.‬‬

‫‪149‬‬
‫ويقول بابياس)‪ (Papias‬انه مؤرخ في القرن الثاني‪ :‬إن مرقس ألف إنجيله من ذكريات نقلها إليه بطرس)‪ .( Peter‬إال‬
‫‪110‬‬
‫أن مرقس لم يذكر في إنجيله قيام المسيح من قبره وارتفاعه إلى السماء‪.‬‬

‫وبعد قتل الرسول بولس توجه مرقس إلى شمال إفريقيا ثم إلى مصر‪ ،‬ونشر فيها المسيحية‪ ،‬وأنشأ بها المدرسة‬

‫اإلسكندرية التي هي اآلن في والية األقباط الذين يرون أنهم خلفاء مرقس‪ ،‬ومات بها مرقس سنة ‪67‬م مقتوال‪ .‬وهذا‬

‫اإلنحيل المنسوب إلى مرقس يقال‪ :‬إنه ألفه في حدود ‪ 43‬م أو ‪45‬م باللغة اليونانية في مدينة روما‪ ،‬إال أن بعض علماء‬

‫المسيحيين يقولون‪ :‬إن مرقس لم يكن من تالميذ المسيح‪ ،‬بل تعلم على بطرس)‪ ( Peter‬وأنه بعد استشهاد بطرس (‬

‫)‪ Peter‬في عهد الملك نيرون‪ ،‬توجه إلى تدوين التعاليم المسيحية فكتبها باللغة الالتينية في روما‪ ،‬إال أنها ضاعت ثم‬

‫ترجم هذا اإلنجيل إلى اليونانية وهو في متناول أيدينا اليوم ومن هذه اليونانية انتشرت تراجمها‪.‬‬

‫‪-3‬لنجيل لوقا )‪: (The Gospel of Luke‬‬

‫انجيل لوقا‪ :‬يقال ان مؤلفه لوقا‪ ،‬وانه ولد في أنطاكية)‪ ، (Antioch‬ويقال انه كان رومانيا )‪( Romania‬نشأ في‬

‫ايطالية)‪ ، ( Italian‬ويقال انه كان طبيبا‪ ،‬ويقال انه كان مصورا‪ ،‬وليس يهوديا‪ ،‬ولم يكن لوقا من تالميذ السيد المسيح‪،‬‬
‫‪111‬‬
‫بل كان تلميذا بولس ورفيقا له‪.‬‬

‫إذن لم يکن لوقا من أصحاب المسيح وتالميذه الذين رأوه أو خدموه‪ ،‬بل كان ممن اتبع بولس لما وصل إلى مدينة‬

‫تراوس )‪( Traus‬على ساحل بحر الروم‪ ،‬وسجل كل ما سمع منه‪ ،‬ويعتبر اإلنحيل المنسوب إليه من أهم األناجيل‬

‫المعترف بها لدى المسيحيين‪.‬‬

‫‪110‬ول وايريل ديورنت‪،‬ترجمة محمد بدران‪ :‬قصة الحضارة ‪ ،‬ط‪ ،1183-3‬دار الجيل للطبع والنشر والتوزيع – بيروت‪ ،‬ج‪،11‬ص‪.143‬‬
‫‪ 111‬عبد الوهاب صالح الشايع‪ :‬تاريخ النصرانية ص ‪.183‬‬

‫‪150‬‬
‫والخالف ال يزال موجودا في تحديد اللغة التي ألفه لوقا بها بأنها اليونانية‪ ،‬أو الالتينية‪ ،‬ويرجع تاريخ تأليفه إلى ‪43‬م أو‬

‫‪45‬م‪ ،‬وافتتحه بعبارة تدل على أنه كتبه العظيم ثيوفيلوس )‪.112 (Theophilus‬‬

‫ويظهر من فاتحة الكاتب أنه كاتب في تاريخ الحواديث التي وقعت بين المسيحيين االولين مع اقوال المسيح‪.‬‬

‫وقد اهتم لوقا بتنسيق الروايات السابقة عن المسيح‪ ،‬والتوفيق بينها‪ ،‬ويهدف إلى هداية الكفرة‪ ،‬ال اليهود‪ ،‬ألنه كان من‬

‫غير اليهود‪ ،‬واقتبس كثيرا من كتابات مرقس‪ ،‬ألن إنجيل مرقس يشتمل على ستمائة وإحدى وستين آية‪ ،‬نقل منها لوقا‬

‫ثالثمائة وخمسين آية‪ ،‬وفي إنجيله كثير من الفقرات التي توجد في متى وال توجد في مرقس‪ ،‬ويبدو أنه أخذها من‬
‫‪113‬‬
‫متى‪.‬‬

‫‪ - 4‬لنجيل يوحنا)‪: (Gospel of John‬‬

‫كان يوحنا واحدا من كبار الحوارين االثني عشر‪ ،‬وأبوه من السابقين األولين إلى المسيحية‪ ،‬ومن كبار دعوتها‪ ،‬وكان‬

‫المسيح يحبه ويسميه الحواري الحبيب‪ ،‬وينسب إليه أحد األناجيل األربعة‪ ،‬ويقال‪ :‬إنه ألفه عام ‪14‬م‪.‬‬

‫)ثم اجتاز من هناك فرأى اخوين آخرين‪ :‬يعقوب بن زبدي ويوحنا أخاه‪ ،‬في السفينة مع زبدي أبيهما يصلحان شباكهما‪،‬‬
‫‪114‬‬
‫فدعاهما)‬

‫(فلما رأوا مجاهرة بطرس ويوحنا‪ ،‬ووجدوا أنهما انسانان عديما العلم وعاميان‪ ،‬تعجبوا‪.‬فعرفوهما أنهما كان مع يسوع‬
‫‪115‬‬
‫)‬

‫‪Theophilus is the name or honorary title of the person to whom the Gospel of Luke and the Acts 112‬‬
‫‪of the Apostles are addressed. The Holy Bible in the Malayalam language no: 1098.‬‬
‫‪113‬قصة الحضارة ‪ :‬ج‪،3‬ص‪.141‬‬
‫‪114‬انجيل متى‪ ،11/0 :‬اعمال الرسل‪.1،1/11 :‬‬
‫‪115‬اعمال الرسل‪.13/0 :‬‬

‫‪151‬‬
‫وقبل ان يؤمن يوحنا بالمسيح‪ ،‬كان يعمل صيادا كأبيه‪ ،‬وبعد أن آمن بالمسيح ترك مهنته‪ .‬وقد ألف انجيل باللغة اليونانية‪،‬‬

‫وهو يختلف عن األناجيل الثالثة األخرى‪ ،‬فقد ركز فيه على الهوتية المسيح باعتباره كلمة اله‪ ،‬وخالق العالم‪ ،‬ومنقذ‬

‫البشرية‪.‬‬

‫اختلفت كلمات الباحثين حول تاريخ تأليفه‪ ،‬فزعم بعض العلماء أنه كتبه سنة ‪ 45‬م قبل خراب أورشليم‬

‫)‪ ،(Jerusalem‬وذهب آخرون إلى أنه كتبه سنة ‪ 18‬م‪ .‬اإلنجيل يجد أنه كتب في القرن الثاني‪ ،‬ألن فكرة الهوتية‬

‫المسيح ظهرت في نهاية القرن األول‪ ،‬ولم تكن معروفة عند المسيحيين قبل ذلك‪ ،‬ولذا لم يتعرض لها أصحاب األناجيل‬

‫الثالثة‪ ،‬وإال لكان ذلك خيانة لألمانة‪ ،‬والعجب من الكنيسة كيف تركت العقيدة حول المسيح کا تصورها األناجيل‬

‫الثالثة‪ ،‬وتبنت فكرة ألوهية المسيح التي طرحها يوحنا في إنجيله‪ ،‬فتركت األناجيل الثالثة‪ ،‬وتبنت فكرة يوحنا في إنجيله‪،‬‬
‫‪116‬‬
‫وهذا خالف موازين العلم والمنطق ‪.‬‬

‫والحاصل أن يوحنا حينما اختلف األساقفة في حقيقة المسيح‪ ،‬وطلبوا منه أن يبين لهم ذلك‪ ،‬فكتب لهم إنجيله‪ ،‬فكانوا‬

‫السبب في كتابته‪ ،‬وبإيحاء منهم‪ ،‬ال من روح القدس‪.‬‬

‫هذا وذهب فريق آخر من علماء النصارى ومفكريهم إلى أن هذا اإلنجيل ليس اليوحنا بن زبدي الصياد‪ ،‬ففي دائرة‬

‫المعارف البريطانية )‪ (The Encyclopaedia Britannica‬التي شارك في تأليفها أكثر من خمسمائة عالم من‬

‫النصارى الغربيين‪ ،‬في مادة ( إنجيل) ما هذا نصه‪:‬‬

‫أما إنجيل يوحنا فإنه ال مرية وال شك کتاب مزور‪ ،‬أراد صاحبه مضادة اثنين من الحواريين بعضهما بعضا‪ ،‬وهما‬

‫القديسان يوحنا ومتى‪ .‬وقد ادعى الكاتب المزور في متن الكتاب أنه هو الحواري الذي يحبه المسيح‪ ،‬فأخذت الكنيسة‬

‫هذه الجملة على عالتها‪ ،‬وجزمت بأن الكاتب هو يوحنا الحواري‪ ،‬ووضعت اسمه على الكتاب نصا‪ ،‬مع أن صاحبه غير‬

‫يوحنا يقينا‪ ،‬وال يخرج هذا الكتاب عن كونه مثال لبعض كتب التوراة التي ال رابطة بينها وبين من نسبت إليه‪ ،‬وإنا لنرأف‬

‫‪ 116‬سعدون محمود الساموكة وهدى علي الشمري‪ :‬االديان في العالم‪ ،‬ص ‪.385‬‬

‫‪152‬‬
‫ونشفق على الذين يبذلون منتهی جهدهم ليربطوا ولو بأوهی رابطة‪ ،‬ذلك الرجل الفلسفي الذي ألف هذا الكتاب في‬
‫‪117‬‬
‫الجيل الثاني بالحواري يوحنا الصياد الجليل‪ ،‬فإن أعمالهم تضيع عليهم سدی‪ ،‬الخبطهم على غير هدى‪.‬‬

‫إنجيل يوحنا‪-:‬‬

‫‪ ‬كان لدى يوحنا بن زبدي بعض من مذكراته المكتوبة على عادتهم‪.‬‬

‫‪ ‬طلب منه تأليف إنجيل فلسفي إلثبات الهوت المسيح وللرد على إتباع المعمدان واالتجاهات المضادة التجاه‬

‫الكنيسة في تأليه المسيح الكلمة‪.‬‬

‫‪ ‬مات يوحنا قبل تحقيقه لرغبة الكنيسة ‪.‬فلم تسمح ظروف حياته بتحقيقها ولم ينقل أنه سلم اإلنجيل لطالبيه ‪.‬ولم‬

‫يشهد أحد تالميذه بذلك‪ ،‬فقد مات في نهاية القرن األول تقريباً‪.‬‬

‫قوانين الرسل‬

‫واآلن وقد انتهينا من الكالم على األناجيل األربعة المعتمدة لدى جميع الفرق المسيحية‪ ،‬نتعرض لمصادر أخرى لتعاليم‬

‫المسيحية وهي األسفار المقدسة‪.‬‬

‫قوانين الرسل )‪ – (Didache,Didascalia Apostolorum‬تعد الكتاب المصدر التشريعي المسيحي الثاني بعد‬

‫كثيرا من نواحي الحياة‬


‫الكتاب المقدس في الكنائس التقليدية ويضم تعاليم وأقوال وقوانين الرسل‪ .‬ويُعالج الكتاب ً‬
‫المسيحية‪ ،‬و حياة األسرة المسيحية والزاوج‪ ،‬ويعالج في إسهاب واجبات األسقف‪ ،‬وموضوع التأديبات الكنسيَّة‪،‬‬

‫والعبادة‪ ،‬وكذلك موضوع األرامل والشماسات‪.‬‬

‫‪117‬الشيخ محمد أبو زهرة‪ :‬محاضرات في النصرانية‪ ،‬ط‪1040 - 0‬ﮬ‪ ،‬الرئاسة العامة إلدارات البحوث العلمية واإلفتاء والدعوة واإلرشاد‪ -‬المملكة العربية‬
‫السعودية‪ ،‬ص‪.41‬‬

‫‪153‬‬
‫وهي على ثالثة أقسام‪:118‬‬

‫القسم األول‪ :‬رسائل الرسول بولس)‪ ،(paul‬وهي أربع عشرة رسالة‪.‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬الرسائل الكاثوليكية )‪ (Catholic‬وهي سبع رسائل‪.‬‬

‫القسم الثالث‪ :‬سفران‪ :‬سفر أعمال الرسل‪ ،‬وسفر رؤيا يوحنا‪.119‬‬

‫القسم األول‪:‬‬

‫هذه الرسائل كتبها الرسول بولس في عصور مختلفة تبد من نحو سنة ‪ 05‬م‪ ،‬وتنتهي إلى سنة ‪45‬م‪ ،‬وأرسل بعضها إلى‬

‫البلدان والشعوب‪ ،‬وبعضها إلى تالميذه‪ .‬ويرى محرر دائرة المعارف البريطانية أن أربع رسائل من أربع عشرة رسالة منسوبة‬

‫إلى بولس كتبها أحد تالميذ بولس بعد وفاته بعشرين سنة‪.120‬‬

‫وإليكم بيان هذه الرسائل‪:‬‬

‫‪ -1‬رسالة للى أهل رومية‪:‬‬

‫ورومية‪ :‬مدينة قديمة اسسها روميولس)‪ (Romulus‬في عام ‪ 853‬ق‪.‬م‪ .‬وصار أول ملك فيها‪ ،‬وصارت هذه‬

‫المملكة الصغيرة إمبراطورية فيما بعد‪ ،‬واستولت على حوض البحر األبيض المتوسط‪ ،121‬وكانت رومية عاصمة‬

‫‪ 118‬الدكتور محمد ضياء الرحمن األعظم‪ :‬دراسات في اليهودية والمسيحية وأديان الهند‪ ،‬ط‪1010 ،1‬ﮬ‪،‬مكتبة الرشد ناشرون‪ -‬المملكة العربية السعودية‪،‬‬
‫ص(‪.)380‬‬
‫‪Islamic Encyclopedia:Islamic publishing house 2010, vol: 9, no:78 119‬‬
‫‪The Encyclopaedia Britannica, fourteenth edition,1932, vol: 17, no 389,391120‬‬
‫‪The Mediterranean Sea 121‬‬

‫‪154‬‬
‫لإلمبراطورية الرومانية‪ ،‬وهي مدينة روما )‪ ( Rome‬اليوم‪ ،‬وقد كان بولس حصل على الرعوية الرومانية وذهب إليها‬
‫‪122‬‬
‫للتبشير‪ ،‬وقتل فيها في حدود ‪43‬م ( قيل ‪44‬م)‪.‬‬

‫‪ -3-2‬رسالتان للى أهل كورنثوس‪(Corinthians):‬‬

‫كورنثوس‪ :‬عاصمة مقاطعة إخائية في بالد اليونان‪ ،‬يبدو أن بولس كتب إليها في حدود ‪53‬م‪ ،‬والداعي لكتابتهما وجود‬

‫انشقاق بين أتباعه وأتباع بطرس )‪ ( Peter‬في ألوهية المسيح‪.‬‬

‫‪ -4‬رسالة للى أهل غالطية)‪: ( Galatians‬‬

‫غالطية‪ :‬والية في القسم األوسط من شبه جزيرة آسيا الصغرى‪ .‬کتب بولس هذه الرسالة في حدود ‪55‬م أو ‪53‬م‪،‬‬

‫عندما عرف أن الناس في هذه البالد يكفرونه على أفكاره اإللحادية‪ ،‬وينكرون عليه لخروجه من تعاليم المسيح‪ ،‬وقالوا‪:‬‬

‫إنه دخيل على اإليمان‪ ،‬ومعرفته باإلنحيل جاءت غير مباشرة‪.‬‬

‫‪ -5‬رسالة للى أهل أفسس)‪: (Ephesians‬‬

‫أفسس‪ ،‬كلمة يونانية معناها‪( :‬لمرغوبة) وهي عاصمة المقاطعة الرومانية على الشاطئ األيسر من نهر الكايستر‪ ،‬کتب‬

‫بولس هذه الرسالة من رومية في حدود ‪41‬م‪ ،‬وأما موضوعها فهو دعوة أهل أفسس إلى ألوهية المسيح وبنوته واإليمان‬

‫بالمسيح‪.‬‬

‫‪ - 6‬رسالة للى أهل فيلي)‪:( Philly or Philadelphia‬‬

‫‪122‬الشيخ محمد أبو زهرة‪ :‬محاضرات في النصرانية‪ ،‬ط‪1040 - 0‬ﮬ‪ ،‬الرئاسة العامة إلدارات البحوث العلمية واإلفتاء والدعوة واإلرشاد‪ -‬المملكة العربية‬
‫السعودية‪ ،‬ص‪.85‬‬

‫‪155‬‬
‫فيلي‪ :‬مدينة في مكدونية)‪ ، (Macedonia‬واألرجح أنه كتب هذه الرسالة في حدود ‪43‬م يدعو فيها أهل فيلي إلى‬

‫اإليمان بالمسيح‪ ،‬ويحذرهم من النظر إلى اإلنحيل حتى ال يكشف ما يبطن هذا الرجل من الكفر والنفاق‪.‬‬

‫‪ -7‬رسالة للى أهل كولوس)‪:( colosseum‬‬

‫کولوس‪ :‬مدينة في آسيا الصغرى‪ ،‬تقع على نهر ليكوس‪ ،‬قرب التقائه بأحد فروعه‪ ،‬كتبها بولس في حدود عام ‪،41‬‬

‫يدعو فيها أهل كولوس إلى اإليمان بالمسيح فقط‪ ،‬كما يزين لهم الالهوت المسيحي‪ ،‬ويجعله شرطا للنجاة‪.‬‬

‫‪ -9-8‬رسالتان للى أهل تسالونيكي)‪: (Thessalonians‬‬

‫تسالونيكي‪ :‬مدينة في فكدونية‪ ،‬وتدعى اآلن (سالونيك)‪ .‬يبدو أنه كتب أول رسالة في حدود ‪51‬م‪ ،‬وأما الثانية فكتبت‬

‫مباشرة شرحا لألولى‪ ،‬وإيضاحا لبعض العبارات‪ ،‬وموضوع هذه الرسالة هو قيامة المسيح‪ ،‬وأن جميع المؤمنين بالمسيح‬

‫سوف يقومون عندما تقرب ملکوت اله‪ ،‬وأن القيامة لتحدث عشية وضحاها‪.‬‬

‫‪ -11-11‬رسالتان للى تيموثاوس)‪: (Saint Timothy‬‬

‫تيموثاوس‪ :‬كان رفيقا لبولس ومساعدا له‪ ،‬وخاطبه بولس باالبن‪ ،‬والحبيب‪ ،‬وقد دخل الرجل في دين بولس والزمه في‬

‫بعض أسفاره‪.‬‬

‫‪ -12‬رسالة للى تيطس)‪:( Titus‬‬

‫كان تيطس رفيقا لبولس‪ ،‬وقد أرسله بولس إلى كورنثوس‪ ،‬وأناط به أمور المسيحيين هناك‪ ،‬ثم إلى كريت)‪، ( Crete‬‬

‫وإليه وجه هذه الرسالة‪ ،‬بين فيها بعض التعاليم الخرافية التي كان يدعو إليها‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫‪ -13‬رسالة للى فيلمون)‪: (Philemon‬‬

‫دخل فيلمون في دين بولس‪ ،‬وموضوع هذه الرسالة أنسيموس)‪ ( Onesimus‬عبد فيلمون كان قد هرب من سيده‬

‫وأخذ معه شيئا من المال‪ ،‬وعند وصوله إلى روما لقيه بولس فدخل في دينه‪ ،‬وتاب عما فعل‪ ،‬فأحب بولس أن يبقى معه‬

‫إال أنه رفض ذلك دون أخذ رأي سيده‪ ،‬فذهب إلى سيده وقبل سيده عذره‪.‬‬

‫‪ -14‬رسالة للى العبرانيين)‪: (Hebrews‬‬

‫تختلف الكنيسة الشرقية القديمة عن الكنيسة الغربية في تعيين کاتب هذه الرسالة‪ ،‬فتهذب األولى إلى أنها من كتابة‬

‫بولس‪ ،‬و قد قال ثارتوليان)‪ (Tertullian‬المؤرخ المسيحي في القرن الثاني‪ :‬إنها من وضع برناباس)‪، (Barnabas‬‬

‫بينما ذهب لوثر)‪ (Luther‬إلى أنها من وضع أبلوس)‪ ( apollos‬وموضوعها‪ :‬اإليمان بالمسيح‪ ،‬وعدم االهتمام‬

‫بالعهد القديم‪.‬‬

‫وباإلجمال فإن هذه الرسائل تعرض صورة مفصلة لكثير من عقائد الديانة المسيحية وشرائعها وعبادتها وأخالقها‪ ،‬وتوجه‬

‫قسطا كبيرا من عنايتها إلى تقرير ألوهية المسيح وبنوته اله ومبدأ التثليث‪.‬‬

‫والمسيحية في هذا الزمان تعتمد على هذه الرسائل أكثر من اعتمادها على األسفار المقدسة األخرى حتى أن كلمة‬

‫الرسول إذا أطلقت يراد بها عندهم هذا الرجل اليهودي الذي ادعى المسيحية‪.‬‬

‫وقد اتخذت هذه الرسائل مصدرا أساسيا لشرح األناجيل وتوضيح غموضها في مجمع نيقيا(كما سيأتي) وخاصة فيما‬

‫يتعلق بألوهية المسيح‪.‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬الرسائل الكاثوليكية)‪:(Catholic‬‬

‫‪157‬‬
‫وهي سبع رسائل‪:‬‬

‫‪ -1‬رسالة يعقوب)‪: (Yacoub‬‬

‫يعقوب ‪ ،‬كان من تالميذ المسيح ويقال ‪ :‬إن كاتبه يعقوب بن يوسف النجار‪ ،‬كتبت هذه الرسالة في حدود‪14 -54 ٫‬‬

‫م وكاتبه كان متأثرا بأفكار بولس إلى حد كبير‪ ،‬ويری جيمس ميك أن الدالئل تثبت أن كاتب هذه الرسالة ليس‬
‫‪123‬‬
‫يعقوب‪.‬‬

‫‪- 3-2‬رسالتا بطرس‪:( Peter)124‬‬

‫وبطرس هو رئيس الحواريين بعد المسيح‪ ،‬وإليه تنسب هاتان الرسالتان إال أن المحققين يشكون في نسبتهما إليه لما كان‬

‫لبطرس من مواقف حاسمة ضد قيامة المسيح وألوهيته‪.‬‬

‫‪6 - 5 - 4 -‬رسائل يوحنا)‪:( John‬‬

‫هذه الرسائل الثالث تنسب إلى يوحنا صاحب اإلنجيل‪ ،‬ويقال‪ :‬إنها كتبت في حدود ‪ 90‬م أو ‪ 100‬م‪ ،‬وموضوعها‬

‫إثبات ألوهية المسيح‪ ،‬وأنه قام من القبر‪ ،‬وأنه سيعود قريبا‪ ،‬وهي موافقة إلى حد كبير إلنحيل يوحنا‪ .‬ويفهم من هذه‬

‫‪ 123‬الدكتور محمد ضياء الرحمن األعظم‪ :‬دراسات في اليهودية والمسيحية وأديان الهند‪ ،‬ط‪1010 ،1‬ﮬ‪،‬مكتبة الرشد ناشرون‪ -‬المملكة العربية السعودية‪،‬‬
‫ص(‪.)314‬‬
‫‪The Encyclopaedia Britannica, fourteenth edition,1932, vol: 17, no:; 404 124‬‬

‫‪158‬‬
‫الرسائل أن جماعة من المؤمنين كانوا ينكرون ألوهية المسيح‪ ،‬متمسكين بعقيدة التوحيد‪ ،‬رافضين دعوة بولس‪ ،‬فوجهت‬

‫إليهم هذه الرسائل‪.125‬‬

‫‪ -7‬رسالة يهوذا‪:‬‬

‫وهو أخو يعقوب‪ ،‬وليس باإلسخريوطي)‪ ،(judas iscariot‬والرسالة عبارة عن نبذة دينية جدلية كتبت في النصف‬
‫‪126‬‬
‫الثاني من القرن األول‪ ،‬والغرض من کتابتها تحذير النصارى من الذين كانوا يدعون إلى المعرفة دون اإليمان‪.‬‬

‫وباإلجمال‪ ،‬فهذه سبع رسائل كتبت كلها في عهود مختلفة‪ ،‬يرجع أقدمها إلى حوالي ‪ 54‬م‪ ،‬وأحدثها إلى ‪ 14‬م‪ .‬وهي‬

‫مرتبة في العهد الجديد‪ ،‬وفيها بعض األحكام األخالقية‪.‬‬

‫ومجموعة هذه الرسائل يطلق عليها (األسفار التعليمية) للعهد الجديد‪ ،‬االشتمالها على األحكام والشرائع‪.‬‬

‫وهذه الرسائل أيضا كانت موضع شك حتى مجمع نيقيا‪ ،‬ثم استقر أمر المسيحية على أنها مصدر أساسي أيضا لمعرفة‬

‫الديانة المسيحية‪.‬‬

‫القسم الثالث‪ :‬سفر أعمال الرسل‪ ،‬وسفر رؤيا يوحنا‪:‬‬

‫سفر أعمال الرسل ينسب إلى لوقا صاحب اإلنحيل‪ ،‬كتبه في حدود ‪43‬م‪ ،‬أي في نفس عهد كتابة اإلنحيل‪ ،‬وموضوعه‪:‬‬

‫تاريخ حياة الحواريين وتاريخ طائفة من التالميذ والتابعين لها أثر كبير في المسيحية‪.‬‬

‫‪The Holy Bible in the Malayalam language: (bridge communication systems 2017); no: 1329125‬‬
‫‪ 126‬الشيخ محمد أبو زهرة‪ :‬حاضرات في النصرانية‪ ،‬ط‪1040 - 0‬ﮬ‪ ،‬الرئاسة العامة إلدارات البحوث العلمية واإلفتاء والدعوة واإلرشاد‪ -‬المملكة العربية‬
‫السعودية‪ ،‬ص‪.80‬‬

‫‪159‬‬
‫فكلمة (أعمال) تعني تاريخ حياتهم أو ما عملوه‪ ،‬وما أثر عنهم‪ ،‬وكلمة (الرسل) وهو عيسی إلى مختلف شعوب العالم‬

‫لنشر المسيحية بين الناس‪ ،‬وعددهم اثنا عشر حوارية‪ ،‬وقد ضموا إليهم بولس الذي ظهر له المسيح بعد رفعه كما ادعى‬

‫هو‪.‬‬

‫وفي ثنايا هذا العرض التاريخي لحياة الحواريين جاء البحث لكثير من الموضوعات الدينية والعقائد المسيحية‪ ،‬وقد عني‬

‫لوقا بوجه خاص في سفره هذا بحياة بولس وجهاده في سبيل نشر المسيحية‪ ،‬وما ظهر على يديه من معجزات‪ ،‬وقد‬

‫استغرق نصف السفر حياته فقط‪.‬‬

‫ويظهر من فاتحة الكتاب أنه ألفه أيضا لنفس الشخص الذي ألف األجله اإلنجيل وهو (ثيوفيلوس) فيقول مخاطبا إياه‪:‬‬

‫(الكالم األول – يقصد إنجيله ‪ -‬أنشأته ياثيوفيلوس‪ ،‬عن جميع ما ابتدأ المسيح بفعله‪ ،‬ويعلم به إلى اليوم الذي ارتفع‬

‫فيه بعدما أوصى بالروح القدس الرسل الذين اختارهم‪ ،‬الذين أراهم أيضا نفسه حيا ببراهين كثيرة‪ ،‬بعدما تألم‪ ،‬وهو يظهر‬

‫لهم أربعين يوما‪ ،‬ويتكلم عن األمور المختصة بملكوت اله)‪.127‬‬

‫وهكذا يتكلم لرقا كثيرا عن شئون العقيدة والشريعة في هذا الكتاب‪.‬‬

‫سفر رؤيا يوحنا‪:128‬‬

‫كتب هذا السفر صاحب اإلنجيل يوحنا في عهد إمبراطور الدولة الرومانية الغربية عام ‪81‬م إلى ‪14‬م‪ .‬وهي رؤيا منامية‬

‫ادعاها يوحنا‪ ،‬وادعى أنه أوحي إليه فيها كثير من حقائق الديانة المسيحية‪ ،‬وأحداث المستقبل‪ ،‬وهي مشتملة على األمور‬

‫اآلتية‪:‬‬

‫‪127‬‬ ‫‪1133The Holy Bible in the Malayalam language: (bridge communication systems 2017); no:‬‬
‫‪128 : The Encyclopaedia Britannica, fourteenth edition,1932, vol: 2, no; 514‬‬

‫‪160‬‬
‫‪- 1‬تقرير ألوهية المسيح‪.‬‬

‫القوامين عليها‪ ،‬وبيان أعمال المالئكة في السماء‪،‬‬


‫‪- 1‬تقرير سلطان المسيح في السماء‪ ،‬وإشرافه على شؤون الكنيسة و ّ‬
‫وخضوعهم للمسيح‪.‬‬

‫‪- 3‬تقرير بأن الناس سيبعثون يوم القيامة ويعرضون على المسيح‪ ،‬وأنه هو الذي سيتولى حسابهم على أعمالهم فيجزي‬

‫المحسن على إحسانه‪ ،‬والمسيء على إساءته‪.‬‬

‫‪ -0‬ذكر طائفة من األحداث التي ستحصل في العالم اإلنساني على العموم‪ ،‬وفي العالم المسيحي بالخصوص في صورة‬

‫رمزية مبهمة‪ .‬ولم تعتمد الكنيسة هذه الرسائل إال في حدود عام ‪343‬م‪.‬‬

‫المجامع‪:‬‬

‫المجامع النصرانية يعرفها النصارى بأنها ‪ :‬هيئات شورية في الكنيسة تبحث في األمور المتعلقة بالديانة النصرانية وأحوال‬

‫الكنائس‪.‬‬

‫والمجامع النصرانية نوعان ‪:‬‬

‫‪ )1‬مجامع محلية )‪ : (Local councils‬وهي التي تبحث في الشؤون المحلية للكنائس التي تنعقد فيها ‪.‬‬

‫‪ )2‬ومجامع مسكونية ( عالمية ) )‪ : (Ecumenical councils‬تبحث في العقيدة النصرانية ومواجهة بعض‬


‫‪129‬‬
‫األقوال التي يرى غرابتها ومخالفتها للديانة‪.‬‬

‫‪129‬الشيخ محمد أبو زهرة‪ :‬حاضرات في النصرانية‪ ،‬ط‪1040 - 0‬ﮬ‪ ،‬الرئاسة العامة إلدارات البحوث العلمية واإلفتاء والدعوة واإلرشاد‪ -‬المملكة العربية‬
‫السعودية‪ ،‬ص‪.103،104‬‬

‫‪161‬‬
‫وأول المجامع كما يذكر كتاب أعمال الرسل كان مجمع أورشليم )‪ ( Jerusalem‬الذي عقد أيام الحواريين من أجل‬

‫النظر في إلزام غير اليهود بالشريعة الموسوية أم ال‪ .‬حيث قرر المجتمعون هناك أنهم ال يلزمون بالختان وال بالشرائع‬
‫‪130‬‬
‫الموسوية ‪ ،‬وإنما يلزمون فقط باالمتناع عن الذبح لألصنام والزنى وأكل المخنوق والدم‪.‬‬

‫اهم المجامع المسكونة‬

‫‪ )1‬مجمع نيقية سنة ‪ 325‬م )‪(The Council of Nicaea‬‬

‫كان هذا المجمع أول المجامع المسكونية وأخطرها أيضا‪.‬‬

‫سبب انعقاده ‪ :‬سبب انعقاده هو التعارض واالختالف العقائدي الموجود في الكنيسة في تلك األزمان وذلك أنه ما إن‬

‫توقف االضطهاد الواقع على النصارى‪ .‬حتى ظهر على السطح ذلك الخالف العقائدي الكبير بين طوائف النصارى ‪،‬‬

‫والذي كان يخفيه من قبل الحالة االضطهادئة الواقعة على جميع أصناف النصارى والذي كان من أسباب رسوخ هذه‬

‫االنحرافات العقائدية‪.‬‬

‫وكان أبرز وجوه االختالف‪ :‬ذلك الخالف والتعارض بين دعوة كنيسة االسكندرية التي كانت تنادي بألوهية المسيح على‬

‫مذهب بولس ‪ ،‬وبين دعوة األسقف الليبي آريوس )‪ ( Arius‬في االسكندرية أيضا ‪ .‬الذي وصف بأنه عالم مثقف‪،‬‬

‫وواعظ مف ّوه‪ ،‬وزاهد متقشف وعالم بالتفسير‪ ،‬حيث أخذ ينادي بأن إله واحد‪ ،‬غير مولود‪ ،‬أزلي‪ ،‬أما االبن فهو ليس أزليا‬
‫‪131‬‬
‫وغير مولود من األب وأن هذا االبن خرج من العدم مثل كل الخالئق حسب مشيئة اله وقصده‪.‬‬

‫وشايع آريوس في دعوته العديد من األساقفة‪ ،‬منهم أسقف نيقوميديه )‪ (Nicomedia‬المسمي‬

‫أوسابيوس )‪ (Eusebius‬وغيره ‪.‬‬

‫‪130‬العمال الرسالة ‪.15‬‬


‫‪ 131‬د‪ .‬حنا جرجس الخضري‪ :‬تاريخ الفكر المسيحي‪ ،‬ط‪ ،1340 -1‬دار الثقافة – القاهرة‪ ،‬ج ‪،1‬ص‪.411‬‬

‫‪162‬‬
‫وكان اإلمبراطور قسطنطين )‪ ،(Constantine‬في ذلك الوقت قد أبدى تعاطفا قويا تجاه النصارى ورفع عنهم‬

‫االضطهاد واهتم بشؤونهم فهاله ما رأى من انقسام النصارى ‪ ،‬وأدرك خطورة تلك االنقسامات على دولته ‪ ،‬والتي كان‬

‫أخطرها ما كان بين أسقف کنيسة االسكندرية )‪ (Alexandria‬الكسندروس واريوس وأتباعه‪.‬‬

‫وقد تطور الخالف بينهما بأن طلب أسقف االسكندرية عقد مجمع في االسكندرية للنظر في قضية أريوس ودعوته‪ ،‬وقرر‬

‫المجمع قطع أريوس من الخدمة‪ ،‬وهذا جعل آريوس يخرج من االسكندرية ويتوجه إلى آسيا حيث عقد في بثينيه بآسيا‬

‫الصغرى مشايعوه من األساقفة مجمعا وقرر فيه قبول أريوس وأتباعه وكتابة طلب إلى أسقف االسكندرية برفع الحرمان‬

‫الذي قرروه على أريوس‪ .‬فهذا ما جعل اإلمبراطور قسطنطين يدعو إلى مجمع عام في نيقيه سنة‪ 315‬م لبحث هذه‬
‫‪132‬‬
‫القضية‪.‬‬

‫عدد‪ :‬اختلف كالم النصارى في ذكر عدد المجتمعين فالبعض يرى أن عدد المجتمعين كان ‪ 318‬أسقفا فقط‪،‬‬
‫‪133‬‬
‫وبعضهم يرى انهم ما بين ‪.514-344‬‬

‫‪ )2‬مجمع القسطنطينية )‪.(The council of Constantinople‬‬

‫دعا اإلمبراطور ثيودسيوس )‪ ، (Theodosius‬سنة ‪381‬م إلى عقد مجمع القسطنطينية )‪(Constantinople‬‬

‫لمواجهة الدعوات التي كانت منتشرة بين الكنائس ‪.‬‬

‫منها دعوة مقدونيوس )‪ ، (Macedonius‬الذي كان أسقفا للقسطنطينية ‪ ،‬الذي نادى بأن الروح القدس مخلوق‬

‫وليس إلها‪.‬‬

‫ودعوة صابليوس )‪ ( Sabelius‬الذي كان ينكر وجود ثالثة أقانيم‪.‬‬

‫‪ 132‬الدكتور سعود بن عبد العزيز الخلف‪ :‬دراسات في االديان اليهود والنصرانية‪ ،‬ط‪1018 - 1‬ﮬ‪ ،‬مكتبة أضواء السلف – الرياض‪ ،‬ص‪.181‬‬
‫‪ . 133‬دحنا جرجس الخضري‪ :‬تاريخ الفكر المسيحي‪ ،‬ط‪ ،1340 -1‬دار الثقافة – القاهرة‪ ،‬ج ‪،1‬ص‪.411‬‬

‫‪163‬‬
‫ودعوة و أبوليناريوس )‪ (Apollinarius‬الذي كان أسقفا على الالذقية )‪ (Latakia‬والشام والذي أنكر وجود نفس‬

‫بشرية في المسيح ‪.‬‬

‫فحضر ذلك المجمع مائة وخمسون أسققا ّقرروا فيه ألوهية الروح القدس ولعن وطرد من خالف ذلك فاكتمل بذلك‬

‫ثالوث الئصاری‪.‬‬

‫وكما هو ظاهر فإن هذا المجمع عقد بدعوة من اإلمبراطور ثيودسيوس)‪ (Theodosius‬الذي كان قد س ّن القوانين‬
‫‪134‬‬
‫والتشريعات المصلحة القائلين بألوهية المسيح والمثلثين من النصاری‪.‬‬

‫‪ )3‬مجمع أفسس سنة ‪ 431‬م )‪(The Council of Ephesus‬‬

‫انعقد هذا المجمع لمواجهة قول نسطور)‪ (Nestorius‬أسقف القسطنطينية )‪ ، (Constantinople‬الذي قيل‬

‫عنه إنه كان يقول بأن المسيح له طبيعتان إلهية وإنسانية بشرية‪ ،‬وأن مريم والدة اإلنسان وليست والدة اإلله‪ 135.‬فعقد‬

‫المجمع في أفسس سنة ‪ 031‬م بحضور مئة وستين أسقفا وقرر فيه أن المسيح إله وإنسان ذو طبيعية واحدة وأقنوم‬

‫واحد وأن مريم أم إلههم وحكم على نسطور)‪ (Nestorius‬بالطرد من الكنسية‪ .‬ثم عقد بعده مجامع عديدة في‬

‫البحث عن طبيعة المسيح منها ‪:‬‬

‫‪136‬‬
‫‪ )4‬مجمع خلقيدوني )‪ (The Council of Chalcedon‬سنة ‪ 441‬م‬

‫‪ 134‬دراسات في االديان اليهود والنصرانية‪ ،‬ص‪.185‬‬


‫‪135‬تاريخ الفكر المسيحي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.184‬‬
‫‪136‬سعدون محمود الساموكة وهدى علي الشمري‪ :‬االديان في العالم‪ ،‬ص ‪.313‬‬

‫‪164‬‬
‫وفي هذا المجمع عادوا للبحث في طبيعة المسيح وقرر المجمع فيه ‪ :‬أن المسيح له طبيعتان إلهية وبشرية بال اختالط‬

‫وال تحول وال انقسام وال انفصال ؟! وكان المناصرون لهذا القول هم األساقفة الغربيين الذين لعنوا وطردوا من ال يقول‬

‫بهذا القول‪.‬‬

‫أصروا على قرارهم في مجمع أفسس بأن المسيح طبيعة واحدة إلهية وبشرية‪،‬‬
‫ولم توافقهم الكنائس الشرقية على هذا وقد ّ‬
‫وهذا من أهم الفوارق بين الكاثوليك )‪ (Catholics‬القائلين بالطبيعتين واألقباط )‪ (Copts‬واألرمن‬

‫)‪ (Armenians‬والسريان القائلين بالطبيعة الواحدة‪ .‬بعد هذا عقدت مجامع عديدة من أهمها ‪:‬‬

‫‪ )5‬المجمع الثامن )‪ (The counicil of eighth‬سنة ‪ 869‬م‬

‫وكان سبب انعقاده الخالف بين كنيسة القسطنطينية )‪ (Constantinople Church‬وكنيسة روما في الروح‬

‫القدس هل انبثق من األب فقط وهو زعم كنيسة القسطنطينية أم من األب واالبن معا كما هو زعم كنيسة روما ؟‬

‫وقد قرر في هذا المجمع قول كنيسة روما ‪ ،‬بأن المسيح انبثق من األب واالبن معا‪ .‬ولم يوافق على ذلك بطريرك‬

‫القسطنطينية )‪.(Patriarch of Constantinople‬‬

‫فانقسمت بسببه الكنيسة إلى قسمين ‪:‬‬

‫‪ )1‬الكنيسة الغربية ويتزعمها البابا في روما وهم الكاثوليك)‪.(Catholics‬‬

‫‪ )1‬الكنيسة الشرقية ويتزعمها بطريرك القسطنطينية وهم األرثوذكس )‪.(Orthodox‬‬

‫‪ )6‬المجمع الثاني عشر )‪ (The Council of twelfth‬الذي عقد سنة ‪ 1210‬م‬

‫‪165‬‬
‫يتحول إلى جسد ودم المسيح‪ ،‬وأن الكنيسة البابوية الكاثوليكية‬
‫باني ّ‬
‫الر ّ‬
‫وتقرر فيه أن العشاء ّ‬
‫)‪ (Pontifical Catholic Church‬تملك حق الغفران وتمنحه لمن تشاء‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫‪ )7‬مجمع روما )‪(The Council of romen‬عام ‪ 1769‬م‬

‫والذي تقرر فيه عصمة البابا في روما‪ .‬من خالل هذا االستعراض السريع لتلك المجامع النصرانية يتبين لنا ما يلي ‪:‬‬

‫‪ .1‬أن النصارى ال يملكون أدلة صحيحة صريحة في أكثر دعاويهم‪ ،‬لهذا اختلفوا تلك االختالفات الخطيرة التي تمس‬

‫جميع نواحي العقيدة لديهم‪.‬‬

‫‪ )1‬أن ما يستند إليه النصارى ويتحمسون له ال يعدو أن يكون فهما خاصا يسعى أصحابه لتثبيته عن طريق تلك‬

‫المجامع‪ ،‬وال يخلو األمر من األهواء واألغراض الخاصة من حب للرئاسة وفرض السيطرة ‪.‬‬

‫‪ -3‬أن المجامع لم تكن يوما من األيام هيئة شورية يتباحث القسس فيها اآلراء ويتوصلوا فيها إلى الحق بأدلته‪ ،‬بل كانت‬

‫في األغلب تعقد لفرض رأي أو تصور عن طريق تلك المجامع وبقوة السلطان أو قوة الكنيسة ‪.‬‬

‫‪ -0‬أن تلك المجامع كانت أداة بيد األباطرة الرومان يسخرونها لرغباتهم في التوسع والسيطرة‪.‬‬

‫تعاليم آباء الكنيسة )‪:(Teachings of the Church Fathers‬‬

‫اآلباء يقصد بهم الذين ألَّفوا كتب ومؤلفات في شرح العقائد المسيحية لنشرها ودافعوا عنها ض ّد الذين طعنوا فيها وتم‬

‫جمع مؤلفات آباء الكنيسة في موسوعتين وهما موسوعة آباء ما قبل نقية وموسوعة آباء نقية وما بعدها ويع ّد العمل مصنَّف‬

‫مسيحي فقهي يحتوي على سائر القواعد الدينية التقليدية للسلوك فضالً عن شرح مفصل عن العقيدة والتعاليم المسيحية‪.‬‬

‫القداسات والطُّقوس‬
‫وتضم الموسوعة األعمال الالهوتية المتعلقة بالعقيدة المسيحية والفلسفة المسيحية والتشريعات الدينية و َ‬

‫‪137‬دراسات في االديان اليهود والنصرانية‪ ،‬ص‪183‬‬

‫‪166‬‬
‫الدينية وطرق العبادة واألحكام المعتمدة من الكتاب المقدس والتي تنظم عالقة الفرد بربه واألحكام التي تنظم الزواج‬

‫والطالق وحقوق األوالد والميراث والوصية واألحكام التي تنظم عالقة الدولة باألفراد أو بالدول األخرى والعالقات التي‬

‫تنظم عالقة الفرد بأخيه الفرد‪.‬‬

‫تضم الموسوعة مؤلفات آباء الكنيسة من العصور المسيحية المبكرة أمثال القديس جاستن‪ ،‬وإيرينيئوس‪ ،‬وإغناطيوس‪،‬‬

‫وبوليكاربوس‪ ،‬وثاوفيلوس‪ ،‬وأثيناغوارس‪ ،‬وإكليمندس اإلسكندري‪ ،‬وترتليان‪ ،‬وأوريجانوس‪ ،‬وهيبوليتوس الرومي‪ ،‬وقبريانوس‬

‫القرطاجي‪ ،‬وديونيسيوس‪ ،‬ويوليوس أفريكانوس‪ ،‬وأوغسطينوس‪ ،‬ويوحنا فم الذهب‪ ،‬ويوسابيوس القيصري‪ ،‬وثيودوريطس‪،‬‬

‫وجيروم‪ ،‬وأثناسيوس األول‪ ،‬وغريغوريوس النزينزي‪ ،‬وغريغوريوس أسقف نيصص‪ ،‬وباسيليوس قيصرية‪ ،‬ويوحنا الدمشقي‪،‬‬

‫وأمبروز‪ ،‬وليون األول‪ ،‬وغريغوري األول‪ ،‬وأفرام السرياني‪ ،‬وأفراهاط وغيرهم‪ .‬تضم أيضا أسفار وأعمال مثل شهادات اآلباء‬

‫االثني عشر‪ ،‬ورسالة برنابا‪ ،‬وإنجيل توما‪ ،‬والكتابات الكليمنتية‪ ،‬وسفر راعي هرمس وأعمال بوليکسينا وريبيكا وغيرها من‬

‫األسفار‪.‬‬

‫التقاليد المسيحية )‪:( Christian traditions‬‬

‫وهي مجموعة من التقاليد والممارسات أو المعتقدات المرتبطة بالمسيحية أو جماعات مع المسيحية‪ .‬والعديد من الكنائس‬

‫لديها عادات وممارسات تقليدية مختلفة مثل أنماط معينة من العبادة أو الطقوس والتي وضعت على مر الزمن‪ .‬وتطورت‬

‫يضا تدريس‬
‫طرق العبادة بناءً على التقاليد المسيحية منها الليتورجيا والمسبحة الوردية ودرب الصليب‪ .‬وتشمل التقاليد أ ً‬
‫تعاليم تاريخية والتي تعترف بها السلطات الكنسيّة مثل تعاليم المجامع الكنيسة ومؤلفات المسؤولين الكنسيين (على سبيل‬

‫المثال‪ ،‬البابا‪ ،‬بطريرك القسطنطينية‪ ،‬رئيس اساقفة كانتربري وغيرهم) ويشمل تدريس كتابات علماء الدين المسيحي مثل‬

‫تعاليم آباء الكنيسة والمصلحون البروتستانت وكتابات مؤسسي الحركات المسيحية مثل جون ويسلي‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬فلسفة التشريع المسيحي‬
‫نشانها وطبيعتها‪ :‬الديانة النصرانية في األصل تعود إلى المسيح عليه الصالة والسالم ‪ ،‬والمسيح نبي من أنبياء بني‬

‫إسرائيل ‪ ،‬دعي إلى الله عز وجل ‪ ،‬وبلغ رسالة ربه‪.‬‬

‫وقد ذكر الله عز وجل هذا النبي الكريم في القرآن الكريم ‪ ،‬وذكر دعوته في مواضع عديدة ‪ ،‬من أشملها قوله تعالى ‪:‬‬

‫يسى ابْ ُن َم ْريَ َم َوِج ًيها فِي الدُّنْيَا َو ْاآل ِخَرةِ َوِم َن‬ ‫ت الْم َالئِ َكةُ يا مريم إِ َّن اللَّه ي ب ِّشر ِك بِ َكلِم ٍة ِمْنه اسمه الْم ِس ِ‬
‫يح ع َ‬
‫َ ُ ْ ُُ َ ُ‬ ‫َ َُ ُ‬ ‫َ َ َُْ‬
‫ِ ِ‬
‫{إ ْذ قَالَ َ‬
‫ب أَن َّٰى ي ُكو ُن لِي ولَ ٌد ولَم يمسسنِي ب َشر قَ َ ٰ ِ ِ‬
‫الصالِ ِحين‪ ،‬قَالَ ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الْم َقَّربِين‪ ،‬وي َكلِّم الن ِ‬
‫ال َك َذلك اللَّهُ‬ ‫َ َ ْ َْ َ ْ َ ٌ‬ ‫ت َر ّ َ‬ ‫َّاس في الْ َم ْهد َوَك ْه ًال َوم َن َّ َ‬
‫ُ َ َُ ُ َ‬
‫يل‪َ ،‬وَر ُس ًوال إِلَ ٰى بَنِي‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ض ٰى أ َْمًرا فَِإن ََّما يَ ُق ُ‬
‫ْم َة َوالتَّ ْوَراةَ َو ْاإلنْج َ‬
‫اب َوالْحك َ‬
‫ول لَهُ ُك ْن فَيَ ُكو ُن‪َ ،‬ويُ َعلّ ُمهُ الْكتَ َ‬ ‫يَ ْخلُ ُق َما يَ َشاءُ إِذَا قَ َ‬

‫َخلُ ُق لَ ُك ْم ِم َن ال ِطّي ِن َك َهْي ئَ ِة الطَّْي ِر فَأَنْ ُف ُخ فِ ِيه فَيَ ُكو ُن طَْي ًرا بِِإ ْذ ِن اللَّ ِه َوأُبْ ِر ُ‬
‫ئ‬ ‫ِ‬ ‫ٍِ‬ ‫ِ‬ ‫إِسرائِ ِ‬
‫يل أَنّي قَ ْد جْئ تُ ُك ْم بِآيَة م ْن َربِّ ُك ْم أَنّي أ ْ‬
‫َْ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ْاألَ ْكمه و ْاألَب رص وأُحيِي الْموتَى بِِإ ْذ ِن اللَّ ِه وأُنَبِئ ُكم بِما تَأْ ُكلُو َن وما تَد ِ ِ‬
‫َّخ ُرو َن في بُيُوتِ ُك ْم إِ َّن في ٰذَل َ‬
‫ك َآليَةً لَ ُك ْم إِ ْن ُكْن تُ ْم‬ ‫ََ‬ ‫َ ُّ ْ َ‬ ‫َ َ َ َْ َ َ ْ َ ْ ٰ‬
‫ٍِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫م ْؤِمنِين‪ ،‬ومص ِّدقًا لِما ب ين ي َد َّ ِ‬
‫ض الَّذي ُحِّرَم َعلَْي ُك ْم ۚ َوجْئ تُ ُك ْم بِآيَة م ْن َربِّ ُك ْم فَاتَّ ُقوا اللَّهَ‬
‫ي م َن الت َّْوَراة َوِألُح َّل لَ ُك ْم بَ ْع َ‬ ‫ُ َ َ ُ َ َ َْ َ َ‬
‫صا ِري إِلَى اللَّ ِه قَ َ‬ ‫يس ٰى ِمْن ُه ُم الْ ُك ْفَر قَ َ‬ ‫ط مستَ ِقيم‪ ،‬فَلَ َّما أَح َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َطيع ِ‬
‫ون‪ ،‬إِ َّن اللَّ َه َربِّي َوَربُّ ُك ْم فَ ْ‬
‫ال‬ ‫ال َم ْن أَنْ َ‬ ‫سع َ‬ ‫َ‬ ‫اعبُ ُدوهُ ۗ َٰه َذا صَرا ٌ ُ ْ ٌ‬ ‫َوأ ُ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‪،‬‬
‫ول فَا ْكتُ ْب نَا َم َع الشَّاهد َ‬
‫الر ُس َ‬ ‫ص ُار اللَّه َآمنَّا بِاللَّه َوا ْش َه ْد بِأَنَّا ُم ْسل ُمو َن‪َ ،‬ربَّنَا َآمنَّا بِ َما أَنْ َزلْ َ‬
‫ت َواتَّبَ ْعنَا َّ‬ ‫الْ َح َوا ِريُّو َن نَ ْح ُن أَنْ َ‬
‫ك إِلَي ومطَ ِهرَك ِمن الَّ ِذين َك َفروا وج ِ‬
‫اع ُل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يس ٰى إِنِّي ُمتَ َوفّ َ‬ ‫وم َكروا وم َكر اللَّه واللَّه خي ر الْماكِ ِرين‪ ،‬إِ ْذ قَ َ َّ ِ‬
‫يك َوَرافعُ َ َّ َ ُ ّ ُ َ َ ُ َ َ‬ ‫ال اللهُ يَا ع َ‬ ‫ََ ُ ََ َ ُ َ ُ َُْ َ َ‬
‫ُع ِّذبُ ُه ْم‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين َك َف ُروا فَأ َ‬
‫يما ُكْن تُ ْم فيه‪ ،‬فَأ ََّما الذ َ‬ ‫ين َك َف ُروا إِلَ ٰى يَ ْوم الْقيَ َامة ثَُّم إِلَ َّي َم ْرج ُع ُك ْم فَأ ْ‬
‫َح ُك ُم بَْي نَ ُك ْم ف َ‬ ‫وك فَ ْو َق الذ َ‬
‫ين اتَّبَ عُ َ‬
‫الذ َ‬
‫اص ِرين تَختلِ ُفو َن‪ ،‬وأ ََّما الَّ ِذين آمنوا وع ِملُوا َّ ِ ِ ِ‬ ‫ع َذابا ش ِد ِ‬
‫ورُه ْم َواللَّهُ‬ ‫الصال َحات فَيُ َوفّي ِه ْم أ ُ‬
‫ُج َ‬ ‫َ َُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫يدا في الدُّنْيَا َو ْاآل ِخَرةِ َوَما لَ ُه ْم ِم ْن نَ ِ َ ْ َ‬
‫َ ً َ ً‬
‫آدم َخلَ َقهُ ِمن تُر ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫يس ٰى عْن َد اللَّه َك َمثَ ِل َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِِ ِ‬ ‫ك نَْت لُوه علَي َ ِ‬
‫ين‪ٰ ،‬ذَل َ ُ َ ْ‬
‫ب الظَّالِ ِم ِ‬
‫َال يُ ِح ُّ‬
‫اب ثَُّم‬‫ْ َ‬ ‫ك م َن ْاآليَات َوال ّذ ْكر الْ َحكيم‪ ،‬إ َّن َمثَ َل ع َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ال لَهُ ُك ْن فَيَ ُكو ُن‪ ،‬الْ َح ُّق ِم ْن َربِّ َ‬
‫ك فَ َال تَ ُك ْن م َن الْ ُم ْمتَ ِر َ‬
‫‪138‬‬
‫ين }‬ ‫قَ َ‬

‫‪138‬سورة آل مران‪.44-05‬‬

‫‪168‬‬
‫هذه هي النصرانية األصلية ونشأتها وطبيعتها كما ذكرها الله عز وجل حيث هي دين سماوي يدعو إلى عبادة الله وحده‬

‫ال شريك له ‪ ،‬وتستمد منهجها من التوراة واإلنجيل ‪.‬‬

‫صرحت بما ذكره القرآن تصريحا واضحا ال لبس فيه‪ .‬ومن‬


‫وإذا نظرنا إلى األناجيل الموجودة بين يدي النصارى نجد أنها ّ‬
‫ذلك‪:‬‬

‫‪ )1‬بشرية المسيح‪:‬‬

‫ذكرت جميع األناجيل أنه ولد من مريم وأنه طرأ عليه ما يطرأ على البشر من الوجود بعد العدم واألكل والشرب واللعب‬

‫والنوم والموت‪ 139‬وسائر الخصال البشرية ‪.‬‬

‫‪ -2‬أن رسول الل ‪:‬‬

‫صرح المسيح في مواطن كثيرة في األناجيل بأنه رسول من عند الله‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫و فقد ورد في إنجيل متى‪ :،‬من يقبلكم يقبلني ومن يقبلني يقبل الذي أرسلني‪.‬‬

‫وفي إنجيل لوقا ‪ . :‬فقال لهم إنه ينبغي لي أن أبشر المدن األخر أيضا بملكوت الله ألني لهذا أرسلت ‪ .‬فكان يكرز في‬
‫‪141‬‬
‫مجامع الجليل‪.‬‬

‫ويقول لتالميذه الذين أرسلهم إلى المدن لدعوة الناس إلى اإليمان به وبرسالته ‪ ،‬و لوقا‪ :،‬و الذي يسمع منكم يسمع مني‬
‫‪142‬‬
‫والذي يرذلكم يرذلني ‪ .‬والذي يرذلني يرذل الذي أرسلني‪.‬‬

‫‪139‬هذا ما ذكرته األناجيل ونحن المسلمين نعتقد بأنه عليه وسلم لم يقتل ولم يمت كما ذكر الله عز وجل ذلك‪.‬‬
‫‪ 140‬إنجيل متى‪04/14 ،‬‬
‫‪141‬إنجيل لوقا ‪.03/0‬‬
‫‪142‬إنجيل لوقا ‪.14/14‬‬

‫‪169‬‬
‫وفي إنجيل يوحنا ‪ ،‬ذكر أنه رسول من الله في مواطن كثيرة منها ‪ :‬قال لهم يسوع طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني‪.‬‬
‫‪143‬‬
‫وأتمم عمله‪.‬‬

‫وفي يذكر عن المسيح أنه قال ‪ :‬وهذه هي الحياة األبدية أن يعرفوك أنت اإلله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي‬
‫‪144‬‬
‫أرسلته‪.‬‬

‫‪ -3‬أن رسول للى بني لسرائيل خاصة‪:‬‬

‫ورد في إنجيل متى‪ :‬أن المسيح لحقته امرأة كنعانية تطلب منه شفاء ابنتها المجنونة ‪ ،‬فقال المسيح‪ :‬لم ارسل إال إلى‬
‫‪145‬‬
‫خراف بيت إسرائيل الضالة‪.‬‬

‫وكذلك في إنجيل متى‪ :‬ورد أن المسيح أرسل تالميذه إلى القرى اليهودية ‪ ،‬وقال لهم ‪ :‬إلى طريق أمم ال تمضوا وإلى‬
‫‪146‬‬
‫مدينة للسامرين ال تدخلوا بل اذهبوا بالحرى إلى خراف بيت إسرائيل الضالة‪.‬‬

‫‪ -4‬لن منبع الشريعة موسى علي السالم ومكمل لها‪:‬‬

‫يقول متى في إنجيله عن المسيح أنه قال ‪ :‬وال تظنوا أني جئت ألنقض الناموس أو األنبياء ما جئت ألنقض بل‬
‫‪147‬‬
‫ألكمل‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪ -5‬أن دعى للى عبادة الل وحده ال شريك ل ‪:‬‬

‫‪148‬‬
‫ذكر متی في إنجيله عن المسيح أنه قال ‪ :‬للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد‪.‬‬

‫‪143‬إنجيل يوحنا ‪.30/0‬‬


‫‪144‬إنجيل يوحنا ‪.3/13‬‬
‫‪ 145‬إنجيل متى ‪.10/15‬‬
‫‪146‬إنجيل متى‪.5/14‬‬
‫‪147‬إنجيل متى‪.13/5‬‬
‫‪148‬إنجيل متى‪.14/0‬‬

‫‪170‬‬
‫وفي إنجيل مرقص ‪ :‬أن المسيح أجاب عن أول الوصايا والواجبات بأن قال ‪ :‬إن أول كل الوصايا هي‪ :‬اسمع يا إسرائيل‪.‬‬
‫‪149‬‬
‫الرب إلهنا رب واحد‪ .‬وتحب الرب إلهك من كل قلبك‪.‬‬

‫وفي إنجيل لوقا ‪ :‬أن المسيح قال للشيطان لما طلب منه أن يسجد له ‪ :‬واذهب يا شيطان إنه مكتوب للرب إلهك‬
‫‪150‬‬
‫تسجد وإياه وحده تعبد‪.‬‬

‫الرسل االثنا عشر‪)The Twelve Apostles( :‬‬

‫رسل المسيح اإلثنا عشر معظم االنتباه في االناجيل وفي أعمال الرسل على بعض من التالميذ الذين‬
‫وهم‪:‬‬ ‫دعاهم المسيح عند الجبل وسماهم الرسل االثنا عشر‬

‫سمعان (شمعون) المدعو بطرس‪.‬‬

‫أندراوس (حيث يذكر إنجيل متى ولوقا بأنه أخ لسمعان بطرس)‬

‫يعقوب (ابن زبدي حسب إنجيل مرقس ومتى)‬

‫يوحنا (إنجيل مرقس ومتى يذكران انه أخ ليعقوب بن زبدي)‬

‫فيلبس‬

‫يل في إنجيل يوحنا)‬‫ِ‬


‫مي نَثَنَائ َ‬
‫برثلماوس ( ٌس َ‬
‫متى (وهو متى المبشر وهو جابي ضرائب) ويدعى الوي في انجيلي لوقا ومرقس‪.‬‬

‫توما‪.‬‬

‫يعقوب بن حلفى‪.‬‬

‫سمعان القانوي حسب إنجيل مرقس ومتى ولوقا‪.‬‬

‫‪149‬إنجيل مرقص‪.11/11‬‬
‫‪150‬إنجيل لوقا‪.8/0 :‬‬

‫‪171‬‬
‫مي تداوس في انجيلي مرقس ومتى‪ ،‬وهو أخو يعقوب بن حلفى حسب إنجيل لوقا)‪.‬‬
‫يهوذا تداوس ( ٌس َ‬
‫االسخريوطي‪.‬‬ ‫يهوذا‬

‫اشهر الطوائف المسيحة‪:‬‬

‫‪ -١‬الكاثوليك‪(Catholics) :‬‬

‫أصلها من كلمة (‪ )katholicos‬اليونانية بمعنى العام أو العالمي‪ .‬أي أن الكاثوليكية هي الديانة المسيحية العالمية‪.‬‬

‫وينسب إلى هذه الفرقة عامة المسيحيين في الغرب؛ لذا تسمى كنيستها الكنيسة الغربية أو الالتينية أو البطرسية نسبة إلى‬

‫بطرس رئيس الحواريين‪ ،‬ألن هذه الفرقة ترى نفسها وارثة لبطرس‪ .‬وتتبع النظام البابوي‪ ،‬والبابا‪ 151‬هو المشرع بعد‬

‫المسيح‪ ،‬وجميع بابوات روما خلفاؤه‪ ،‬والبابا في نظر الكاثوليكيين معصوم ال يصدر عنه الخطأ‪ ،‬فإرادته إرادة إلهية‪،‬‬

‫وأوامره أوامر إلهية يجب اتباعهابدون المناقشة والجدل‪ .‬والبابا من أصل كلمة (‪ )Pope‬الالتينية‪ ،‬ويقال في اليونانية‬

‫)بتريارك) (‪ )Patriarch‬يقول مؤلف دائرة المعارف التاريخ العالم‪ :‬في عام ‪ 015‬م كان عدد البابوات في العالم‬

‫المسيحي خمسة‪ :‬أربعة منهم في الشرق‪ .‬وهي القسطنطينية وأورشليم وأنطاكية وإسكندرية والخامس في روما‪.‬‬

‫ولما ضعفت الكنائس الشرقية ألسباب عدة زاد نفوذ کنيسة روما حتى صار البابا فيها ممثال لجميع الكنائس‬

‫الكاثوليكية‪ ،‬بحجة أنه مجاور لمقبرة بطرس الذي قتل في روما‪ .‬ويعتبر البابا نفسه التلميذ األكبر للمسيح على األرض‪،‬‬

‫‪ 151‬تتدرج األلقاب الكهنوتية على النحو التالي‪:‬‬


‫‪-4‬‬ ‫‪ -5‬بطريك ‪patriarch‬‬ ‫‪ -0‬مطران ‪metropolitan‬‬ ‫‪ -1‬شماس ‪ -1 Deacon‬قسيس‪ -3 priest‬اسقف‪bishop‬‬
‫بابا ‪. pope‬‬
‫والباب هو صاحب السلطة العليا في المسيحية‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫وكأن المسيح بعد رفعه جعله في مقامه لتوضيح وتفسير العقيدة والشريعة‪ ،‬وهو في نظر المسيحيين معصوم ال يصدر عنه‬

‫الخط‪ .‬ورئيس هذه الكنيسة في الوقت الحاضر هو رئيس دولة الفاتيكان)‪.(Vatican‬‬

‫أهم عقائد هذه الفرقة‪:‬‬

‫‪ -1‬تؤمن هذه الفرقة بأن روح القدس نشأ من الله األب واالبن معا‪.‬‬

‫‪ -2‬تعتقد هذه الكنيسة بالمساواة الكاملة بين اإلله األب واإلله االبن‪.‬‬

‫‪ -3‬تعتقد هذه الكنيسة بأن للمسيح طبيعتين ومشيئتين ‪-‬يعني الالهوتية والناسوتية‪.‬‬

‫‪ -0‬يعتقد هوالء بوجود جحيم صغير بمكان في قلب األرض‪ ،‬تحترق فيه األنفس التي ارتكبت في حياتها خطيئة حتى‬

‫تنتقي من أوزارها وتصبح أهال للدخول في الفردوس السماوي‪ .‬وهذه العقيدة ليس مصدرها اإلنحيل بل هو البابا‬

‫غريغوريوس الكبير في عام ‪ 513‬م‪.‬‬

‫‪ -5‬إن صلوات كهنة الكنيسة ترفع العذاب عن النفوس المتألمة‪ ،‬ومن هنا نشأت عقيدة الغفران وهي أن ممثلي الكنيسة‬

‫قادرون على تخليص األرواح الهالكة في العذاب بالدعاء لها والصالة عليها‪.‬‬

‫‪ -6‬االعتراف‪ ،‬وهو أن يبوح اإلنسان لقسيس ‪.‬ما فعل من آثام‪ ،‬ثم يظهر له الندم ويؤكد له عدم العود إليها‪ ،‬فيقبل‬

‫القسيس منه ذلك ويدعو له بخير ويصدر له صك الغفران‪ .‬وهذه العقيدة لم تكن معروفة في أوائل النصرانية ثم جعلت‬

‫إجباريا في المجمع الثاني عشر سنة ‪1215‬م‪ ،‬وتقرر فيه أن الكنيسة البابوية تملك الغفران وتمنحه لمن تشاء‪.‬‬

‫‪ -7‬العشاء الرباني‪ )Eucharist( :‬بقصدون به عشاء عيسی مع تالميذه‪ ،‬ويزعمون أن الخبز والخمر اللذين يعدهما‬

‫المصلون‪ ،‬ويتناولونهما في بعض األعياد يستحيالن إلى جسم المسيح ودمه‪.‬‬

‫ففي إنجيل متى‪ :‬اإلصحاح السادس والعشرون‪:‬‬

‫‪173‬‬
‫بينما هم يأكلون أخذ يسوع قطعة خبز‪ ،‬وبعد أن بار کها کسرها و أعطاها لتالميذه وقال‪ :‬خذوا وكلوا هذا هو جسدي‪،‬‬

‫ثم أخذ كأسا )من الخمر) وبعد أن بار کها أعطاها لهم وقال‪ :‬اشربوا جميعا من هذه الكأس‪ ،‬فهذا هو دمي دم العهد‬

‫الذي يسفك من أجل كثير لمحو الخطايا‪.‬‬

‫وقد قرر محمع ترنت المنعقد عام ‪1505‬م و‪ 1543‬بإيجاب هذه العبادة‪ .‬فالناس يجتمعون يوم األحد‪ ،‬ويستمعون إلى‬

‫خطبة القسيس )‪ ، (priest‬ثم يقدم كل منهم حسب استطاعته هدية إلى القسيس‪ ،‬ثم يأكلون الخبز ويشربون الخمر‬

‫بعد أن يسجدوا‪ ،‬ظنا منهم بأن المسيح موجود في هذا العشاء الرباني‪ .‬وعلى من يحضر العشاء الرباني أن يصوم من‬

‫نصف الليل‪ .‬ومعنى الصوم االحتراز من األكل‪ ،‬ولهم أن يشربوا من الماء وللمسافرين رخصة في اإلفطار‪.‬‬

‫‪ -8‬تحرم الكنيسة الكاثوليكية الطالق تحريما باتا‪ ،‬وال تبيح فسخ الزواج ألي سبب مهما عظم شأنه‪ ،‬حتى الخيانة‬

‫الزوجية ال تعد مبررا للطالق‪.‬‬

‫‪ -9‬االصطباغ (‪ )Baptism‬ويقال أيضا‪ :‬التعميد‪ ،‬والمعمودية وهو طقس الغسل بالماء‪ .‬وتتفق جميع الفرق المسيحية‬

‫على ضرورة التعميد‪.‬‬

‫‪ -2‬فرقة األرثوذكسية )‪: (Orthodoxy‬‬

‫وهي أيضا كلمة يونانية مركبة من كلمتين إحداهما (‪ )Orthos‬معنى الحق‪ ،‬والثانية (‪. )Doxa‬بمعنى المذهب يعني‬

‫المذهب الحق‪ .‬وتسمى كنيستهم الكنيسة الشرقية أو اليونانية‪ ،‬ألن أكثر أتباعهم من الروم الشرقيين ومن البالد الشرقية‬

‫انفصلت هذه الكنيسة عن الكنيسة الكاثوليكية في عام ‪1450‬م ألمور اختلفتا عليها‪ .‬وهي تتبع نظام األكليروس‪ ،‬ويبدأ‬

‫من البطريك وينتهي إلى القساوسة‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫وأتباع هذه الفرقة منتشرون في الشرق وفي بالد اليونان وتركيا وروسيا‪ .‬ولهم في الوقت الحاضر أربعة بطارك‪ :‬بطريك في‬

‫القسطنطينية )‪ (Patriarchs in Constantinople‬وهو أكبرهم‪ .‬والثاني‪ :‬بطريك اإلسكندرية ‪(The‬‬

‫)‪ .Patriarch of Alexandria‬والثالث‪ :‬بطريك إنطاكية )‪ . (Patriarch of Antioch‬والرابع‪ :‬بطريك‬

‫أورشليم )‪. (The Patriarchs of Jerusalem‬‬

‫أهم مبادئ الكنيسة األرثوذكسية‬

‫‪ -1‬تذهب هذه الكنيسة إلى أن روح القدس منبثق عن األب وحده ‪.‬‬

‫‪ -2‬تبيح الكنيسة األرثوذكسية الفصل بين الزوجين في حالة الخيانة الزوجية‪ ،‬مع تحريمها الزواج بين المطلق والمطلقة‪.‬‬

‫‪ -3‬وترى بعض الكنائس األرثوذكسية أن المسيح من طبيعة إلهية‪ ،‬بينما تدعي الكنائس األخرى بأن المسيح له طبيعتان‪،‬‬

‫طبيعة إلهية ألنه ابن الله وطبيعة ناسوتية من الناسوت ألنه ابن إنسان‪ ،‬فاجتمع فيه الالهوت والناسوت‪ .‬وقرر هذا رسميا‬

‫في عام ‪ 051‬م‪.‬‬

‫‪ -3‬البروتستانت‪ :‬المعارضون‪(Protestant):‬‬

‫كانت النصرانية تتهيأ إلصالح ديني عام على نطاق واسع تخلص من إفراطات الكنيسة الرومانية منذ القرن الثاني عشر‪،‬‬

‫ألن استبداد البابا جعل النصرانية مجموعة من الرسوم والطقوس مجردة عن معانيها الروحية والخلقية‪ ،‬فبدأت الشعوب‬

‫النصرانية تتطلع إلى حريتها الدينية والفكرية‪ .‬فظهرت عدة جماعات في كثير من البالد المسيحية كلها كانت متأثرة بروح‬

‫االنشقاق على الكنيسة الرومانية‪.‬‬

‫أهم مبادئ الفرقة البروتستانية‪:‬‬

‫‪ -1‬ليس للكنيسة البروتستانية سلطان علی کنيسة أخرى‪ ،‬فكل كنيسة حرة في رئاستها وتصرفاتها وربطها بالكنيسة‬

‫المركزية هو بمثابة ربط اإلدارات بالوزارة‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫‪ -1‬الكتاب المقدس هو المصدر والوحيد للنصرانية‪.‬‬

‫‪ -3‬يجوز لكل مسيحي أن يدرس الكتاب المقدس ويفهم معانيه بعد الحصول على القواعد األساسية لمعرفة الكتاب‬

‫المقدس‪ ،‬فترجم الكتاب باللغة األلمانية )‪ (German language‬ليقرأه كل ألماني‪.‬‬

‫‪ -0‬ليس للكنيسة حق الغفران‪ ،‬إذ هذا من اختصاص الخالق‪.‬‬

‫‪ -5‬أنكر أن المسيح يحل في بدن كل من يأكل العشاء الرباني‪ ،‬كما أنكر استحالة الخبز إلى عظام المسيح‪ ،‬والخمر‬

‫إلى دم المسيح‪ ،‬واكتفى بكون العشاء الرباني تذكيرا لما قام به المسيح من فداء للخليقة‪.‬‬

‫‪ -4‬تنكر هذه الكنيسة جميع ما تقيمه الكنائس األخرى للسيدة مريم أم المسيح من طقوس واحتفاالت وعبادات‬

‫وأعياد‪ ،‬وترى أن كل هذه األمور من المحدثات‪.‬‬

‫عقيدة النصاری‪:‬‬

‫المسيح جاء بها بيضاء نقية توحيدا خالصا ومنهجا ربانيا واضحا‪ .‬إال أن النصاری انحرفوا بهذه الديانة عن وجهها‬

‫الصحيح إلى وثنية خالصة وعقائد منحرفة لم يعرفها المسيح وال حواريوه‪.‬‬

‫قد كان ابتداء تحريفها من دخول بولس‪ ،‬هذه الديانة بعد رفع المسيح‪.‬‬

‫وهذه الديانة المحترفة لم تقرر على ما هي عليه في الوقت الحاضر إال بعد انصرام ما يقارب خمسة قرون من رفع‬

‫المسيح‪ ،‬حيث أصبحت تقوم على ثالثة أسس وهي ‪:‬‬

‫‪ )1‬التثليث‪( Christian Trinity).‬‬

‫‪ )1‬الصلب والفداء )‪.(Crucifixion and redemption‬‬

‫‪ )3‬يسوع يحمل الناس المسؤولية )‪.( Jesus holds people accountable‬‬

‫‪176‬‬
‫المقارنة بين االسالم والنصرانية‬

‫النصرانية‬ ‫االسالم‬

‫النصرانية تدعو إلى عقيدة التثليث اإلله األب‪ ،‬واإلله‬ ‫اإلسالم يدعو إلى توحيد الله في ذاته وصفاته ويقول‪ :‬إنه‬

‫االبن‪ ،‬اإلله الروح القدس‪ ،‬وتقول‪ :‬إن الثالثة جميعا‬ ‫هو وحده مستحق للعبادة الغيره‪ { .‬قل هو الله أحد‪،‬‬

‫يستحقون العبادة‪.‬‬ ‫الله الصمد‪ ،‬لم يلد ولم يولد‪ ،‬ولم يكن له كفوا‬

‫أحد}‪.152‬‬

‫إن المسيح ابن الله‪.‬‬ ‫إن المسيح عبد الله ورسوله‪.‬‬

‫النصرانية تدعو الى االيمان باإلله االبن وهو المسيح‪،‬‬ ‫االسالم يدعو الى االيمان والعمل { َم ْن َآم َن بِاللَّ ِه َوالْيَ ْوِم‬

‫واإليمان بالكفارة‪.‬‬ ‫َج ُرُه ْم ِعْن َد َربِِّه ْم َوَال َخ ْو ٌ‬


‫ف‬ ‫ْاآل ِخ ِر وع ِمل ِ‬
‫صال ًحا فَلَ ُه ْم أ ْ‬
‫ََ َ َ‬
‫‪153‬‬
‫َعلَْي ِه ْم َوَال ُه ْم يَ ْحَزنُو َن }‬

‫جاء المسيح ليكون مخلصا للناس من الخطيئة‪.‬‬ ‫جاء المسيح ليخرج الناس من الضاللة الى الهدى‪.‬‬
‫‪155‬‬
‫كان المسيح بارا بوالدته { َوبًَّرا بَِوالِ َدتِي َولَ ْم يَ ْج َع ْلنِي َجبَّ ًارا كان المسيح غير مؤدب بأمه‪ ،‬ومنكرا لفضلها‪.‬‬
‫‪154‬‬
‫َش ِقيًّا }‬

‫‪152‬سورة االخالص ‪.0-1‬‬


‫‪153‬سورة البقرة ‪.41‬‬
‫‪154‬سورة مريم ‪.31‬‬
‫‪155‬إنجيل يوحنا ‪ ،0-1/1‬ومتى ‪03،08/11‬‬

‫‪177‬‬
‫ان روح القدس لم يساعد المسيح لينجو من الصلب‪.‬‬ ‫ان الله أيد المسيح بروح القدس وهو جبريل { َوأَيَّ ْدنَاهُ‬
‫‪156‬‬
‫بُِر ِ‬
‫وح الْ ُق ُد ِس}‬

‫ان الجنود ضربوا المسيح وبصقوا على وجهه‪ ،‬ثم صلبوه‪.‬‬ ‫يح‬ ‫ِ‬
‫اس ُمهُ الْ َمس ُ‬
‫كان المسيح وجيها في الدنيا واآلخرة { ْ‬
‫يسى ابْ ُن َم ْريَ َم َوِج ًيها فِي الدُّنْيَا َو ْاآل ِخَرةِ َوِم َن‬
‫ع َ‬
‫ِ‬

‫‪157‬‬
‫ين}‬‫ِ‬
‫الْ ُم َقَّرب َ‬
‫كان المسيح غير صالح‪.‬‬ ‫كان المسيح معصوما مثل غيره من األنبياء‪.‬‬

‫جعل المسيح األنبياء والرسل السابقين قطاع الطرق حد‬ ‫كان المسيح مصدقا لألنبياء السابقين‪.‬‬

‫زعم األناجيل‪.‬‬

‫ان اليهود جلدوه وصلبوه‪.‬‬ ‫ان الله ابطل مكر اليهود فلم يمكنهم من قتله‪.‬‬

‫انه صلب ألجل خطيئة بني آدم فكان موته ميتة الملعون‬ ‫السالم على المسيح في جميع األحوال { والسالم علي‬
‫‪158‬‬
‫على حد زعم االناجيل‪.‬‬ ‫يوم ولدت ويوم أموت ويوم أموت ويوم أبعث حيا}‬

‫ان الحواريين هربوا من وجه المسيح وتركوه في المحن‬ ‫ان الحواريين لبوا دعوة المسيح {قال الحواريون نحن‬
‫‪159‬‬
‫واالبتالء‪.‬‬ ‫أنصار الله}‬

‫ان اله جبار لم يقبل توبة آدم حتى انتقم من ابنه‬ ‫ان الله غفور رحيم يقبل توبة العباد { كتب على نفسه‬
‫‪160‬‬
‫بالصلب‪.‬‬ ‫الرحمة}‬
‫‪161‬‬
‫{ ورحمتي وسعت كل شيئ}‬

‫‪156‬سورة البقرة ‪.83‬‬


‫‪157‬سورة آل عمران ‪.05‬‬
‫‪158‬سورة مريم ‪.33‬‬
‫‪159‬سورة الصف ‪.10‬‬
‫‪160‬سورة األنعام ‪11‬‬
‫‪161‬سورة االعراف ‪154‬‬

‫‪178‬‬
‫ان اله اليقبل التوبة والعبادة إال بطريق البابا‪.‬‬ ‫ان الله اليحتاج الى الواسطة في قبول العبادة‪.‬‬

‫ان الشريعة لعنة في عنق المسيحيين‪.‬‬ ‫ان الشريعة االسالمية هي مصدر الهداية والسعادة‪.‬‬

‫ان األنبياء والرسل في نظر العهدين القديم والجديد أخس‬ ‫ان األنبياء والرسل في نظر االسالم من عباد الله‬

‫من الناس العاديين‪ ،‬فمنهم من زنی بابنته‪ ،‬ومنهم من‬ ‫الصالحين‪.‬‬

‫شرب الخمر وتعرى أمام الناس‪....‬‬

‫العصمة للبابا‪.‬‬ ‫العصمة لألنبياء‪.‬‬

‫البابا له حق في نسخ الشريعة المسيحية‪.‬‬ ‫ال يملك نسخ حكم من االحكام االسالم اال الله‬

‫ورسوله‪.‬‬

‫االناجيل الموجودة لدى المسيحيين من تأليف فالن‬ ‫القرآن كتاب الله المعجز‪.‬‬

‫وفالن‪..‬‬

‫كان المسيح دعا على الفريسيين والصدوقيين بالهالك‬ ‫ذكر القرآن على لسان المسيح‪{ :‬إن تع ّذبهم فإنّهم‬
‫‪162‬‬
‫والدمار‪.‬‬ ‫عبادك وإن تغفر لهم فإنّك أنت العزيز الحكيم}‬

‫‪162‬سورة المائدة ‪.118‬‬

‫‪179‬‬
‫المصادر والمراجع‬

‫القرآن الكريم‬

‫الجامع االحكام القرآن‪ :‬ابي عبد الله محمد بن احمد بن ابي بكر القرطبي‪ ،‬ط ‪1241- 1‬ﮬ‪ -‬مؤسس الرسالة‬

‫–بيروتى – لبنان‪.‬‬

‫تفسير القرآن العظيم‪ :‬اإلمام عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي المعروف بابن كثير‪،‬‬

‫ط‪1241 - 1‬ﮬ‪ ،‬دار ابن جزم – بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬

‫تفسير الطبري‪ :‬أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير الطبري‪ ،‬ط ‪1211 - 1‬ﮬ‪ ،‬مؤسسة الرسالة –‬

‫بيروت‪.‬‬

‫روح المعاني‪ :‬العالمة ابى الفضل شهاب الدين السيد محمود اآللوسي البغدادي‪ ،‬دار احياء التراث العربى‪-‬‬

‫بيروت – لبنان‪.‬‬

‫صحيح البخاري‪ :‬االمام ابو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري‪ :‬دار ابن كثير‪ :‬دمشق‪-‬بيروت‪ ،‬ط‪-1‬‬

‫‪1241‬ﮬ‪.‬‬

‫صحيح مسلم‪ :‬اإلمام أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري‪ :‬دار الكتاب العلمية‪ -‬بيروت‪ -‬لبنان‪،‬‬

‫ط‪1214-1،‬ﮬ‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫صحيح مسلم بشرح النووى‪ :‬محي الدين ابو زكريا يحيى بن شرف بن مرى الحزامى الحورانى الشافعى‪ ،‬مؤسسة‬

‫قرطبة‪ ،‬ط ‪1212 ،4‬ﮬ‪.‬‬

‫تحفة االحوذي بشرح جامع الترمذي‪:‬اإلمام الحافظ عبد الرحيم المباركفوري‪- ،‬دار الكتب العلمية –لبنان‪-‬‬

‫بيروت‪ ،‬ط‪1241-1‬ﮬ‪.‬‬

‫المستصفى من علم األصول‪ :‬أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي‪ ،‬دار الميمان للنشر والتوزيع السعودية‬

‫– الرياض‪.‬‬

‫مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح‪ :‬العالمة الشيخ علي بن سلطان محمد القاري (ت ‪1112‬ﮬ ) ‪ ،‬دار‬

‫الكتب العلمية – بيروت –لبنان ‪ ،‬ط‪ 1244 ،1‬ﮬ‪.‬‬

‫الموافقات‪ :‬لعالمة المحقق ابي اسحاق ابراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي‪ ،‬دار عفان للنشر‬

‫والتوزيع‪ -‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬ط ‪1211 ،1‬ﮬ‪.‬‬

‫األشباه والنظائر‪ :‬تاج الدين السبكي؛ عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي‪ ،‬أبو نصر‪ ،‬دار الكتب‬

‫العلمية‪1991،‬م‪.‬‬

‫تاريخ الفقه االسالمي‪ :‬محمد علي السايس‪ ،‬دار الكتب العلمية بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬

‫القاموس المحيط‪ :‬العالمة اللغوي مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي (ت‪711/‬ۿ)‪ ، :‬مكتب تحقيق‬

‫التراث في مؤسس الرسالة‪،‬مؤسسة الرسالة‪ :‬بيروت ودار الريان للتراث‪ ،‬ط ‪1211-4‬ﮬ‪.‬‬

‫المصباح المنير‪ :‬ألحمد بن محمد علي الفيومي المقري‪ ،‬المكتب العصرية‪ :‬بيروت‪ ،‬ط ‪ 1211-1‬ﮬ‪.‬‬

‫‪180‬‬
‫حاشية البناني على جمع الجوامع‪ :‬اإلمام تاج الدين عبد الوهاب ابن السبكي‪ :‬ابناء مولوى محمد بن غالم رسول‬

‫السورتي‪ ،‬تجار الكتب‪-‬الهند‪.‬‬

‫فتح الباري شرح صحيح البخاري‪ :‬ابن حجر العسقالني؛ أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقالني‪ ،‬أبو‬

‫الفضل‪ ،‬شهاب الدين‪ ،‬ابن حج‪ ،‬المطبعة السلفية ومكتبتها – القاهرة‪.‬‬

‫االعجاز القرآني في التشريع االسالمي‪ :‬د‪ .‬محمد الزحيلي‪ :‬دار ابن كثير‪ :‬بيروت‪ ،‬ط ‪1211-1‬ﮬ‪.‬‬

‫القرشي‪ ،‬مصطفى البابي الحلبي‪1921،‬م‪.‬‬ ‫بي‬‫َِّ‬


‫ّ‬ ‫الشافعي المطل ّ‬
‫ّ‬ ‫الرسالة‪ :‬أبو عبد الله محمد بن إدريس‬

‫اعالم الموقعين‪ :‬االمام الحافظ شمش الدين أبي عبد تااه محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫احكام القرآن البن العربى تحقيق علي محمد البجاوي‪ ،‬دار المعرفة‪ -‬بيروت‪.‬‬

‫علم أصول الفقه‪ :‬عبد الوهاب خالف‪ -،‬دار الحديث – القاهرة –ط‪1219 ،1،‬ﮬ‪.‬‬

‫احكام القرآن‪ :‬االمام الشافعي‪ ،‬دالر احياء العلوم‪ ،‬ط‪1211 ،1‬ﮬ –بيروت‪.‬‬

‫المدخل في الفقه اإلسالمي‪ :‬محمد مصطفى شلبي ‪ ،‬ط‪1211-11‬ﮬ ‪ -‬الدار الجامعي‪ -‬بيروت‪.‬‬

‫مصادر التشريع االسالمية‪ :‬األستاذ عبد الوهاب خالف‪ ،‬دار الكتاب العربى – مصر‪.1912 ،‬‬

‫ارشاد الفحول‪:‬محمد بن علي الشوكاني‪ ،‬ط‪1241-1‬ﮬ ‪ -‬دار الفضيلة للنشر والتوزيع‪.‬‬

‫الوجيز في اصول الفقه‪ :‬الدكتور عبد الكريم زيدان‪ ،‬ط ‪ – 1‬مؤسسة قرطبة – مصر‪.‬‬

‫مجموعة رسائل ابن عابدين‪ :‬السيد محمد امين افندى الشهير بابن عابدين رحمه الله‪.‬‬

‫تهذيب الوجيز في أصول الفقه‪ :‬شيخ محمد بن الدناه االجودي الشنقيطي‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫الكتاب المقدسة‬

‫مانو سمرتي‬

‫راماين‬

‫دهرما شاسترا‬

‫مهابهارتا‬

‫البهاغافاد كيتا‬

‫ديان الهند الكبرى‪ :‬الدكتور احمد شلبى‪ ،‬مكتب النهض المصرية – القاهرة‪ ،‬ط‪4111 – 1‬م‪ ،‬ص‬

‫الريج ويدا الترجمة الملباري‪ ،‬و‪ .‬بالكرشنن و ليال ديوي‪ ،‬المكتبة الملباري( انترنت)‪ ،‬ص‪.1‬‬

‫آثار ويدا‪ :‬الترجمة الملباري‪ ،‬و‪ .‬بالكرشنن و ليال ديوي‪ ،‬المكتبة الملباري( انترنت)‪ ،‬ص ‪.1‬‬

‫ياجور ويدا ‪ :‬و‪ .‬بالكرشنن و ليال ديوي‪ ،‬المكتبة الملباري( انترنت)‪ ،‬ص ‪.1‬‬

‫‪ 117‬أبانيشادات‪ :‬الترجمة الملباري‪ ،‬و‪ .‬بالكرشنن و ليال ديوي‪ ،‬المكتبة الملباري( انترنت)‪ ،‬ص‪.1-1‬‬

‫دراسات في اليهودية والمسيحية وأديان الهند ‪:‬الدكتور محمد ضياء الرحمن األعظمي‪ ، :‬مكتبة الرشد ناشرون‪-‬‬

‫المملكة العربية السعودية‪ ،‬ط‪1242 ،4‬ﮬ‪ ،‬ص(‪.)114‬‬

‫فالسفة الشرق ‪:‬ا ف توملين‪ ،‬دار الفكر‪ -‬القاهرة‪ ،‬ط‪1‬‬

‫الملل والنحل‪ :‬محمد بن عبد الكريم الشهرستاني‪ ،‬مئسسة الحبلى والشركاة‪ -‬القاهرة‬

‫مقدمة البهاغافاد كيتا الترجمة الملباري‪،‬المكتبة الملباري( انترنت)‬

‫‪182‬‬
‫فصول في اديان الهند ‪ :‬الدكتور محمد ضياء الرحمن األعظمي‪ ،‬ص ‪42‬‬

‫األديان القديمة في الشرق‪،‬الدكتور رؤوف شلبي‪ ،‬دار الشروق – القاهرة‪،‬‬

‫الدكتور رادها كرشنان الفيلسوف الفكر األساسي للحياة‪ ،‬مقالته بعنوان‪ :‬التفكير الديني الهندي ص‪ 17‬مجلة‬

‫ثقافة الهند‪ ،‬عدد يناير وإبريل سنة ‪1919‬م‪.‬‬

‫مقارنة االديان‪ :‬الدكتور خليل السعدي‪ ،‬دار العلوم العربية‪ -‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪1241‬ﮬ‪،‬‬

‫التفكير الديني في العالم قبل اإلسالم‪ :‬الدكتور أورانج كاي رحمات ‪ :‬دار الثقافة‪ ،‬الدوحة‪ ،‬قطر‪ -‬ط‪- 1‬‬

‫‪1211‬ﮬ‬

‫الهند القديمة‪ :‬الدكتور محمد إسماعيل الندوي ‪ :‬دار الشعب‪ -‬القاهرة‪ -‬ط ‪1919‬م‬

‫الهند تاريخها وتقاليدها وجغرافيتها‪ :‬الدكتور محمد مرسي أبو الليل في كتابه ‪ :‬سجل العرب ‪1911-‬‬

‫مقارنة األديان‪ ،‬الفيدية‪ ،‬البراهمانية‪ ،‬الهندوسية ‪ -‬الدكتور محمد عثمان الخشت‪ :‬مكتبة ابن سينا‪،‬بجدة‪-‬‬

‫‪1991‬م‪.‬‬

‫موجز تاريخ األديان‪ ،‬ار طالس للدراسات والنشر‪ -‬دمشق‪ ،‬ط‪.1991 -1‬‬

‫حضارات الهند‪ ،‬غوستاف لوبون‪.‬‬

‫المصباح المنير‪ ،‬ألحمد بن محمد علي الفيومي المقري‪ :‬ط ‪ 1211-1‬ﮬ المكتب العصرية‪ :‬بيروت‪.‬‬

‫دراسات في االديان اليهود والنصرانية‪ :‬الدكتور سعود بن عبد العزيز الخلف ‪ ،‬ط‪1217 - 1‬ﮬ‪ ،‬مكتبة أضواء‬

‫السلف – الرياض‪.‬‬

‫‪183‬‬
‫قاموس الكتاب المقدسة‪ :‬نخبة من الالهوتيين‪ ،‬كومبوبريل‪.‬‬

‫دراسة في الكتب المقدس العهد القديم والعهد الجديد ‪ :‬محمود على حماية‪ ، :‬ط‪ ،4111 – 4‬مكتبة النافدة‬

‫الهنديسي‪،‬ص ‪ ،11‬قاموس الكتاب المقدسة‪ :‬نخبة من الالهوتيين‪ ،‬كومبوبريل‪.‬‬

‫قصة الحضارة ‪ :‬ول وايريل ديورنت‪،‬ترجمة محمد بدران‪ ، :‬ط‪ ،1971-1‬دار الجيل للطبع والنشر والتوزيع –‬

‫بيروت‪.‬‬

‫حاضرات في النصرانية ‪ :‬الشيخ محمد أبو زهرة‪ :‬ط‪1212 - 2‬ﮬ‪ ،‬الرئاسة العامة إلدارات البحوث العلمية‬

‫واإلفتاء والدعوة واإلرشاد‪ -‬المملكة العربية السعودية‪.‬‬

‫االديان في العالم ‪ :‬سعدون محمود الساموكة وهدى علي الشمري‪.‬‬

‫تاريخ الفكر المسيحي ‪ :‬د‪ .‬حنا جرجس الخضري‪ :‬ط‪ ،1112 -1‬دار الثقافة – القاهرة‬

‫‪The Holy Bible in the Malayalam language: (bridge communication‬‬

‫;)‪systems 2017‬‬

‫‪Islamic Encyclopedia:Islamic publishing house 2010‬‬

‫‪The Encyclopaedia Britannica, fourteenth edition,1932‬‬

‫‪184‬‬
Religion of the World. BERRY.

Principles of Christianity Translated THOMAS NEW YORK.

A Short History of the World. WELLS.

Summary

In the name of God, the gracious and merciful Lord, our Prophet

Muhammad (PBUH) and his Companions.

The topic designated by the Researcher towards Coordinating Islamic

Colleges (CIC) for the master's thesis is "Philosophy of Legislation in

Islam, Christianity and Hinduism (comparative study)".

This dissertation is divided into three chapters, with an introduction to

the definition and meaning of legislation.

185
The first Chapter encompasses, "Philosophy and sources of Islamic

legislation," and it contains two parts .

The first one is "Sources of Islamic Legislation," and second is

"Philosophy of Islamic Legislation".

The second chapter deals with the "philosophy and sources of Hindu

legislation" and focuses on three parts, the first on "Hindu religion and

legislation," the second on "the sources of Hindu legislation" , and the

third on "the philosophy of Hindu legislation ."

The final chapter elucidates a search of "Philosophy and Sources of

Christian Legislation," which is focused on three parts, the first on the

"Christian Religion and Legislation," the second on the "Sources of

Christian Legislation" and the third on "the Philosophy of Christian

Legislation."

186
‫فهرس‬

‫رقم الصفحة‬ ‫العناوين‬

‫‪1‬‬ ‫تصريح الباحث‬

‫‪2‬‬ ‫شهادة المشرف‬

‫‪2‬‬ ‫شهادة رئيس القسم‬


‫‪4‬‬ ‫إهداء‬

‫‪5‬‬ ‫الشكر والتقدير‬

‫‪7‬‬ ‫ملخص البحث‬


‫‪8‬‬ ‫المقدمة‬

‫‪187‬‬
‫‪14‬‬ ‫التمهيد‪ :‬تعريف التشريع ومعناه‬

‫‪17‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬فلسفة التشريع اإلسالمي ومصادره‬

‫‪17‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬مصادر التشريع االسالمي‬

‫‪17‬‬ ‫القرآن الكريم‬

‫‪23‬‬ ‫السنة النبوية‬

‫‪30‬‬ ‫اإلجماع‬

‫‪33‬‬ ‫القياس‬

‫‪45‬‬ ‫االستحسان‬
‫المصالح المرسلة‬
‫‪51‬‬ ‫سد الذرائع‬

‫‪56‬‬ ‫العُرف‬

‫‪58‬‬ ‫االستصحاب‬

‫‪60‬‬ ‫شرع من قبلنا‬

‫‪63‬‬ ‫قول الصحابي‬

‫‪65‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬فلسفة التشريع اإلسالمي‬

‫‪67‬‬ ‫العالمية‬

‫‪69‬‬ ‫التدرج‪:‬‬

‫‪188‬‬
‫‪71‬‬ ‫العدالة‪:‬‬

‫‪75‬‬ ‫السهولة‬

‫‪79‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬فلسفة التشريع الهندوسي ومصادره‬

‫‪79‬‬ ‫المبحث األول ‪:‬الديانة الهندوسية والتشريع فيها‬

‫‪85‬‬ ‫المبحث الثاني ‪ :‬مصادر التشريع الهندوسي‬

‫‪87‬‬ ‫مصادر التشريع الهندوسي نوعان‬

‫‪88‬‬ ‫الفيدات‬

‫‪95‬‬ ‫قوانين مانوسمريتي‬

‫‪100‬‬ ‫البهاغافاد كيتا‬

‫‪107‬‬ ‫مهابهارتا‬

‫‪112‬‬ ‫راماين‬

‫‪121‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬فلسفة التشريع الهندوسي‬

‫‪135‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬فلسفة التشريع المسيحي ومصادره‬

‫‪135‬‬ ‫المبحث االول‪ :‬الديانة المسيحية والتشريع فيها‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مصادر التشريع المسيحي‬

‫‪138‬‬ ‫الكتاب المقدس‬

‫‪152‬‬ ‫قوانين الرسل‬

‫‪160‬‬ ‫المجامع‬

‫‪189‬‬
‫‪165‬‬ ‫تعاليم آباء الكنيسة‬

‫‪166‬‬ ‫التقاليد المسيحية‬

‫‪166‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬فلسفة التشريع المسيحي‬

‫‪175‬‬ ‫المقارنة بين االسالم والنصرانية‬

‫‪179‬‬
‫المصادر والمراجع‬

‫‪190‬‬
Co-ordination of Islamic Colleges
Name of the College: Wafy Campus. Kalikavu
Department: Fiqhul Usra
Faculty: Shareea

“Philosophy of Legislation in Islam, Christianity and


Hinduism (comparative study)”
(A dissertation submitted in partial fulfillment of the requirements for the degree of Wafy)

Name: Muhammed tc

CIC Number:4224

Supervisor:

Muhammed Muhsin Wafy

2021

You might also like