Professional Documents
Culture Documents
المطبوعة البيداغوجية مدخل إلى علوم التربية
المطبوعة البيداغوجية مدخل إلى علوم التربية
li!!!i,.q*tu"§lffi
\ ttj-1".'o
*
Wi,ffllû,tt,l'1"
li!!!i,.q*tu"§lffi
\ ttj-1".'o
*
أهمية وقيمة المطبوعة العلمية بالنسبة للطلبة الموجهة إليهم:
يعتبر مقياس مدخل إلى علوم التربية من المقاييس المهمة التي يجب على
طالب المدرسة العليا أن يتناولها لما تحتويه من مواضيع تخص التربية ،فهو
يدرس لجميع طلبة سنة أولى لمختلف التخصصات فهذه المطبوعة العلمية
موجهة إلى طلبة سنة األولى لمختلف التخصصات ،وهي ذات قيمة علمية،
حيث تتناول محاور مقياس مدخل إلى علوم التربية الذي يقدم فائدة كبير
للمعلم والمتعلم من خالل المعلومات المقدمة في ميدان التربية والتعليم ،فعلى
الطالب الذي سيصبح معلم في المستقبل أن يلم بهذا المقياس لكي يؤدي واجبه
على أكمل وجه ويحقق نجاح في مسيرته المهنية التربوية.
الفهرس
ص01 مقدمة
ص02 الفصل األول :ماهية التربية
ص02 -1-1مفهوم التربية
ص07 -2-1أهمية التربية
ص00 -3-1األهداف التربوية
ص11 -4-1تعري ف بعض المصطلحات المرتبطة بالتربية
ص10 الفصل الثاني :فلسفة التربية
ص10 -1-2الفلسفة
ص24 -2-2العالقة المتبادلة بين الفلسفة والتربية
ص22 -3-2تطبيقات الفلسفة على التربية
ص30 الفصل الثالث :تطور الفكر التربوي عبر العصور
ص00 -1-3تعريف الحضارة
ص03 -2-3تعريف الفكر التربوي
ص03 -3-3تطور الفكر التربوي عبر العصور
ص101 الفصل الرابع :المؤسسات االجتماعية التربوية
ص101 -1-4األسرة
ص103 -2-4المسجد
ص103 -3-4المدرسة
ص110 -4-4جماعات الرفاق
ص112 -5-4وسائل االعالم
ص112 -6-4الدور التربوي لألندية
ص117 الفصل الخامس :النظام التربوي في الجزائر
ص117 -1-5لمحة تاريخية عن تطور النظام التربوي في الجزائر
ص117 -1-1-5قبل االحتالل الفرنسي للجزائر(قبل )1331
ص110 -2-1-5أثناء االحتالل الفرنسي ()1662-1331
ص120 -3-1-5بعد االستقالل( 1662إلى غاية اليوم)
ص122 -2-5المنظومة التربوية الجزائرية
ص120 الخاتمة
قائمة المراجع
مقدمة :إن الرتبية تستند إىل أصول مستمدة من العلوم اليت تفيد يف فهم جوانبها املختلفة مثل علم النفس وعلم االجتماع
والتاريخ وعلم السياسة وعلم االقتصاد والفلسفة وعلم احلياة ،فالرتبية هلا أصوهلا االجتماعية والثقافية املستمدة من علم
االجتماع وعلم االنثروبولوجيا ،وهي األصول اليت حولت الرتبية من عملية فردية إيل عملية اجتماعية ثقافية ،ذلك أن املدخل
إيل فهم الرتبية ينبغي أن يقوم علي الدراسة العضوية بني الفرد وبيئته اليت تعين غريه من األفراد وما يعيشون فيه من أنظمة
وعالقات وقيم وتقاليد ومفاهيم ،فالرتبية ال ميكن تصورها يف فراغ إذ تستمد مقوماهتا من اجملتمع الذي تعمل فيه كما أهنا
هتدف إيل حتويل الفرد من مواطن بالقوة حبكم مولده يف اجملتمع إيل مواطن بالفعل يفهم دوره االجتماعي ومسئولياته وسط
اجلماعة اليت ينتمي إليها ،وهي حتدث بطريقة مباشرة فهي حتدث يف املدرسة ويف املنزل ويف غريهم من املنظمات واملؤسسات
وهذه( الرتبية ) وسيلة الستمرار الثقافة مهما كان الطابع العام هلذه الثقافة ودرجة تطورها ،حيث أن الثقافة ال تولد مع
األفراد وال تنتقل إليهم بيولوجيا كما هو احلال بالنسبة للون الشعر أو البشرة وإمنا يكتسبوهنا بالتعلم والتدريب واملمارسة يف
دوائر احلياة االجتماعية اليت يعيشون منذ مولدهم .
إن املمارسات الرتبوية اليت نتبعها اليوم ال متثل عصرا واحدا معينا من عصور التاريخ ،بل هي مزيج من مجيع العصور ،فقد
قدم كل عصر بعض النظريات اجليدة والرديئة ،ومن واجبنا كمربني ان منزج هذه النظريات ومنحصها مث خنتار منها ما كان
جيدا وهنمل ما كان رديئا أو ما كان يهدد أهدافنا الرتبوية املستحبة.
ومصطلح علوم الرتبية حد يث استعمل لإلشارة اىل جمموع الدراسات واألحباث املتنوعة االختصاصات اليت تناولت الرتبية
من خمتلف الزوايا ،ورغم حداثة هذه العلوم اال اهنا استطاعت ان تراكم عددا هائال من النظريات والنماذج التفسريية ،كما
اهنا متكنت من تطوير أساليب ومناهج يف البحث جعلتها ترقى اىل وضع العلوم املعرتف هبا من طرف اجملتمع العلمي الدويل
حىت جعلتها ترقى اىل وضع العلوم املعرتف هبا من طرف اجملتمع العلمي الدويل حىت وإن كانت تتداخل مع اختصاصات
املشرتك(الرتبية) موضوعها هو وحدهتا يضمن ما أن غري بالرتبية مباشرة هتتم ال أخرى
ويعرفها (غاستون مياالري) " على أهنا جمموع احلقول املعرفية اليت تدرس االحداث والوضعيات الرتبوية وتفهمها داخل
سياقاهتا التارخيية واالجتماعية واالقتصادية والنفسية والسياسية".
1
الفصل األول :مفهوم التربية
-1مفهوم التربية:
-لغة واصطالحا:
أ-التربية لغة :إذا رجعنا إىل معاجم اللغة العربية وجدنا لكلمة الرتبية أصوال لغوية ثالثة.
-األصل األول :ربا مضارعه يربو مبعىن زاد ومنا ويف هذا املعىن تزل قوله تعاىلَ (( :وَما آَتَْيتُ ْم ِم ْن ِربًا لِيَ ْربُ َو ِيف أ َْم َو ِال الن ِ
َّاس فَ َال
ضعِ ُفو َن)) (الروم)39 ، يَ ْربُو ِعْن َد اللَّ ِه َوَما آَتَْيتُ ْم ِم ْن َزَكاةٍ تُِر ُ
يدو َن َو ْج َه اللَّ ِه فَأُولَئِ َ
ك ُه ُم الْ ُم ْ
-األصل الثاني :ريب مضارعه على وزن خفي خيفي مبعىن :نشأ وترعرع وعليه قول ابن األعرايب:
مبكة منزيل وهبا ربيت فمن بك سائال عين فإين
ِِ يدا ولَبِثْ ِ ِال أَ ََل ن ربِّ ِ ِ
ت فينَا م ْن ُع ُم ِرَك سن َ
ني)) ك فينَا َول ً َ َ
ويف ذلك يقول اهلل تعاىل على لسان فرعون ملوسى عليه السالم( (:قَ َ ْ َُ َ
(الشعراء)81 ،
-األصل الثالث :رب مضارعه يرب على وزن مد ميد مبعىن أصلحه وتوىل أمره ،وساسه وقام عليه وعاه ،ومن هذا املعىن قول
حسان بن ثابت كما أورده ابن منظور يف لسان العرب.
يوم اخلروج سباحة القصر وألنت أحسن إذ برزت لنا
مما تربت حائر البحر من درة بيضاء صافية
(عبد الغين حممد مساعيل ،4182،ص.)89
ض َه ِام َد ًة فَِإ َذا
-جاء يف لسان العرب البن منظور" :ربا يربو مبعىن زاد ومنا" ،ويف القرآن الكرمي ،قال تعاىلَ ...{ :وتَ َرى ْاأل َْر َ
ت ِمن ُك ِّل َزْو ٍج َهبِ ٍ
يج}( .احلج ،)5 ،أي منت وازدادت ،ورباه مبعىن أنشأه ،ومنّى قواه ت َوأَنبَتَ ْ
ت َوَربَ ْ
َنزلْنَا َعلَْي َها الْ َماء ْاهتَ َّز ْ
أَ
ِِ يدا ولَبِثْ ِ ِال أَ ََل ن ربِّ ِ ِ
ت فينَا م ْن عُ ُم ِرَك سن َ
ني "( .الشعراء .)81،وأيضا ك فينَا َول ً َ َ
اجلسدية والعقلية واخللقية .ويف قوله تعاىل ":قَ َ ْ َُ َ
صغِ ًريا"(.االسراء )42 ،إشارات إىل ذلك الر ْْحَِة َوقُ ْل َر ِّ
الذ ِّل ِم َن َّ قوله تعاىل ":و ِ
ب ْارْحَْ ُه َما َك َما َربَّيَ ِاين َ اح ُّ
ض َهلَُما َجنَ َ
اخف ْ
َ ْ
املعىن اللغوي للرتبية ،فهي مبعناها الواسع تعين كل عملية تساعد على تشكيل عقل الفرد وجسمه وخلقه باستثناء ما قد
2
يتدخل فيه من عمليات تكوينية أو وراثية ،ومبعناها الضيق تعين غرس املعلومات واملهارات املعرفية من خالل مؤسسات
أنشئت هلذا الغرض كاملدارس ،كذلك فإن تعريف الرتبية خيتلف باختالف وجهات النظر ويتعدد حسب اجلوانب واجملاالت
والرتبية الصحيحة هي اليت ال تفرض على الفرد فرضا ،بل هي اليت تأيت نتيجة تفاعل عفوي بني املعلم واملتعلم ،أو باألحرى
بني التلميذ واملريب املاهر( .كمال عبد اهلل وعبد اهلل قلي ،4112،ص)13
وقد يشار إىل الرتبية بالبيداغوجيا Pedagogyاليت ترجع إىل أصلها اإلغريقي الذي يعين توجيه األوالد حيث تتكون هذه
الكلمة من مقطعني Paisوتعين ولد و Ogogéوتعين توجيه والبيداجوج يعين عند اإلغريق املريب ،أو املشرف على تربية
األوالد ،ويف معجم ال علوم السلوكية إن الرتبية تعين التغريات املتتابعة اليت حتدث للفرد ،واليت تؤثر يف معرفته واجتاهاته وسلوكه،
وهي تعين منو الفرد الناتج عن اخلربة أكثر من كونه ناجتا عن النضج.
ب-التربية اصطالحا:
-الرتبية هي :العملية املقصودة أو غري املقصودة اليت حيددها اجملتمع حسب ثقافته لتنشئة األجيال اجلديدة مبا جيعلهم على
علم ووعي بوظائفهم يف اجملتمع.
-الرتبية هي :العمليات اليت يتفاعل معها اإلنسان املتعلم من أجل النهوض بقواه.
-الرتبية هي :العقلية والفطرية واإلدراكية واالنفعالية واالجتماعية واحلركية واكسابه اخلربة املعرفية ملواجهة احلياة والتكيف معها.
-الرتبية هي :عملية تطبيع مع اجلماعة وتعايش مع الثقافة ،وبذلك تكون حياة كاملة وحتت ظروف معينة ويف ظل حكم
معني ومتشي مع نظام حمدود خضوعا لعقيدة ثابتة فهي عملية تشكيل وصقل اإلنسان.
وجند أن الرتبية مبعناها الضيق :هي كل ما يتصل بالتعليم واملدرسة ،أما مبعناها الواسع :فهي مجيع العمليات االجتماعية
والفردية اليت مير هبا اإلنسان يف مجيع مراحل حياته ،من طفولته ونضجه إىل شبابه وهرمه.
(عبد الغين حممد إمساعيل ،مرجع سابق ،ص.)41
3
-ورد يف "الصحاح" يف اللغة والعلوم أن الرتبية هي" :تنمية الوظائف اجلسمية والعقلية واخللقية كي تبلغ كماهلا عن طريق
التدريب والتثقيف".
-الرتبية هي عملية هادفة هلا أغراضها وأهدافها وغاياهتا ،وهي تقتضي خططا ووسائل تنتقل مع الناشئ من طور إىل طور
-أما الرتبية باملعىن الواسع ،فهي تتضمن كل عملية تساعد على تشكيل عقل الفرد وخلقه وجسمه باستثناء ما قد يتدخل يف
هذا التشكيل من عمليات تكوينية أو وراثية .وإذا رجعنا إىل مفكري الرتبية عرب العصور ،فإننا جند عدة تعريفات للرتبية منها:
-عرفها أفالطون "بأهنا تدريب الفطرة األوىل للطفل على الفضيلة من خالل اكتسابه العادات املناسبة".
-أما ميلتون ( )8262-8211فإنه يقول" بأن الرتبية الصحيحة هي اليت تساعد الفرد على تأدية واجباته العامة واخلاصة
-ويرى هيجل" :أن اهلدف من الرتبية هو حتقيق العمل وتشجيع روح اجلماعة".
-أما بستالوتزي فشبه الرتبية الصحيحة بالشجرة املثمرة ،اليت غرست جبانب مياه جارية.
-ويرى جون ديوي أن الرتبية هي" :عملية مستمرة إلعادة بناء اخلربة ،هبدف توسيع وتعميق مضموهنا االجتماعي".
فالرتبية عموما تعترب عملية شاملة ،تتناول اإلنسان من مجيع جوانبه النفسية والعقلية والعاطفية والشخصية والسلوكية وطريقة
تفكريه وأسلوبه يف احلياة ،وتعامله مع اآلخرين ،كذلك تناوله يف البيت واملدرسة ويف كل مكان يكون فيه.
والرتبية مبعناها الكامل ،هي وسيلة االستمرار االجتماعي للحياة ،وهي السبيل كذلك لتجديد احلياة مبستوياهتا االجتماعية
واخللقية ،وعن طريقها يكتسب الفرد املهارات واالجتاهات اليت تساعدها على مواكبة متطلبات احلياة.
4
-وللرتبية مفاهيم فردية ،واجتماعية ،ومثالية.
-التربية بالمعنى الفردي :هي إعداد الفرد حلياته املستقبلية ،وبذلك فهي تع ّده ملواجهة الطبيعة ،كما تكشف بذلك عن
-أما بالمعنى االجتماعي :فهي تعلم الفرد كيف يتعامل مع جمتمعه وتعلمه خربات جمتمعه السابقة ،واحلفاظ على تراثه ألن
الرتاث هو أساس بقاء اجملتمعات ،فاجملتمع الذي ال حيرص على بقاء تراثه مصريه الزوال ،وبذلك فالرتبية باملعىن االجتماعي
-وبالمعنى المثالي :فهي تعين احلفاظ على املثل العليا للمجتمع ،األخالقية واالقتصادية واإلنسانية النابعة من تاريخ األمة
ومن حضارهتا وثقافتها ومن خرباهتا املاضية ومن دينها ،وعن طريق تعاملها وعالقتها باألمم األخرى ،وعالقات األفراد فيها
وغريها.
عموما فالرتبية ما هي إال وسيلة للتقدم البشري يف كل مكان وللعملية الرتبوية ثالثة أطراف هي :املريب واملرتيب والوسط
الذي تتم فيه العملية الرتبوي ،وهي عملية هادفة ال عشوائية ،أي أهنا عملية منو اجتماعي وإنساين ال تقوم على التلقني،
وإمنا هي مبنية على التفاعل بني طرائقها اخلاصة للوصول إىل عقل املرتيب ولتوجيهه وتربيته.
أما الرتبية مبفهومها احلديث فتنظر إىل الطفل كنقطة انطالق يف عملية الرتبية اليت ترتبط باحلياة سواء يف بنائها كعملية تربوية
أو يف نتائجها املعرفية والسلوكية ،فالطفل هو مركز العملية الرتبوية وتنميته هي هدفها،
الرتبية هي عملية تكيف ما بني الفرد وبيئته االجتماعية والطبيعي ة ،باعتبار أن اإلنسان مثل غريه من الكائنات احلية ،يسعى
دوما إىل احملافظة على بقائه ،والبحث على الوسيلة اليت تساعده على تعديل سلوكه ،وتنمية قدراته ،وتكوين عادات
ومهارات تفيده يف حياته ،فالوظيفة األساسية للرتبية هنا أن اإلنسان يصبح قادرا بواسطتها على مالئمة حاجاته مع الظروف
احمليطة به ،وكذا إمكانية تسخريها مبا يستجيب لدوافع ه ومتطلباته ليحقق له النمو املتوازن.
5
كما أن الرتبية هي عملية نمو ،أي ،أهنا تكفل للطفل منوا منسجما يف جوانب خمتلفة من شخصيته اجلسمية والعقلية
والنفسية واالجتماعية ،من خالل ما توفره األس رة ،واملؤسسات الرتبوية ،من إمكانيات مادية ومعنوية من شأهنا أن تضمن له
االرتقاء النفسي واالجتماعي الضروريني.
و خالصة ،أن الرتبية عملية اجتماعية و خلقية ،يضطلع هبا اجملتمع من أجل بناء شخصيات أفراده على حنو ،ميكنهم من
مواصلة حياة اجلماعة ،وتطويرها عند اللزوم ،فهي عملية واعية موجهة إلحداث التغيري يف سلوك األفراد و اجلماعات ،وهبذا
تصبح الرتبية أداة اجتماعية و جتديدا حضاريا .ذلك أن املعىن األصلي للفظ الرتبية ،هو عملية ختريج إمكانات األفراد يف
إطارهم االجتماعي والثقايف ،وتكوين اجتاهاهتم ،وتوجيه منوهم ،و إمناء وعيهم بالغايات اليت يسعى إليها جمتمعهم.
(حممد بريقو وآخرون ،ب ت ،ص)85
-3أهم الخصائص المميزة لمفهوم التربية
أ -أنها عملية تكاملية :أي أهنا ال تقتصر على جانب واحد من جوانب شخصية الفرد ،بل تتناول مجيع جوانبه اجلسمية
و العقلية و النفسية و اخللقية ،و أيضا فهي تربية لضمريه و تسخري لعواطفه يف جمال اخلري و االبتعاد عن أعمال الشر
و االحنراف.
ب -أنها عملية فردية اجتماعية :فهي ال تقتصر على تنمية الفرد وحده ،بل تتعداه إىل اجملتمع ككل .فهي تنمي أفراد
اجملتمع و جتعل منهم مواطنني صاحلني يعملون لرقي اجملتمع الذي ينتمون إليه .وبالتايل فهي عملية تطبيع اجتماعي ،يكتسب
الفرد من خالهلا صفته إلنسانية ،عن طريق التنشئة االجتماعية و التفاعل و التطبيع االجتماعي( .نفس املرجع،ص)82
ج -أنها تختلف باختالف الزمان و المكان :الرتبية عملية دائمة متغرية و متطورة ،وما دام الذي يقوم هبا هو العنصر
البشري الذي يتصف بالتغيري حسب الظروف واملواقف ،فهي دائما ختتلف من عصر لعصر ،ومن جمتمع جملتمع ،بل إهنا
ختتلف يف داخل اجملتمع الواحد ،من مكان ملكان و من مرحلة زمنية إىل مرحلة أخرى ،ولذلك فإن من صفاهتا إحداث
التغري ،كما أن من صفات التغري تطوير الرتبية.
د -أنها عملية إنسانية :فهي ختتص باإلنسان ،واإلنسان مهنته الرتبية ،فهي ختص اإلنسان ألنه هو املريب ،وهي تنظر إليه
وْحلناهم يف على أنه خليفة اهلل يف األرض ،والذي فضله وكرمه على سائر خملوقاته؛ ويف قوله تعاىل " :ولقد كرمنا بين آدم
الرب والبحر ورزقناهم من الطيبات ،و فضلناهم على كثري ممن خلقنا تفضيال " .وهي أيضا هتيئه لإلميان باهلل ومالئكته و
6
كتبه و رسله واالمتثال ألوامر خالقه و اجتناب نواهيه ،وأن يعمل دائما مع أخيه اإلنسان كأسنان املشط ال فرق بني أسود
وأبيض ،وال فضل ألبيض على أسود إال بالتقوى.
ه -أنها عملية مستمرة :الرتبية تستمر باستمرار حياة اإلنسان ،فهو يطورها و يتطور هبا و يتفاعل معها حبسب
مستجدات و متطلبات احلياة نفسها " .أطلبوا العلم من املهد إىل اللحد " ،حديث شريف (.نفس املرجع)86،
-أهميـة التـربيـة:
-1التربية وسيلة اتصال وتنمية لألفراد :إن بقاء اجملتمع ال يعتمد فقط علي نقل منط احلياة عن طريق اتصال الكبار
بالصغار أيا كان نوع هذا االتصال ولكن بقاء اجملتمع يتم باالتصال الذي يؤكد املشاركة يف املفاهيم والتشابه يف املشاعر
-2التربية ت عمل علي استمرار ثقافة المجتمع وتجديدها ونقل التراث الثقافي :وهبذا املعىن حتتل الرتبية مكاهنا البارز يف
ثقافة اجملتمع فهي السبيل مهما كانت صورهتا ومنظماهتا إيل تشكيل األفراد وحتقيق االستمرار بني األجيال املختلفة ويف حياة
اجملتمع بصفة عامة فالبد لكل جيل أن ي درك إيل أين وصل أسالفه حىت يبدأ سريه من حيث قطعت عليهم آجاهلم املسري
-3تكون االتجاهات السلوكية :هذا وهناك وظائف اجتماعية أخرى كثرية للرتبية تتحقق م ن خ الل عم ل البيئ ة االجتماعي ة
ذلك أن الطريقة الوحيدة اليت يسيطر هبا الكبار على تربية الصغار إمنا حتدث بالس يطرة عل ي البيئ ة ال يت يعمل ون فيه ا ويفك رون
و يش عرون ،إن األث ر الرتب وي للبيئ ة االجتماعي ة ي نعكس يف تك ون شخص ية الف رد واجتاهات ه العقلي ة العاطفي ة ويف حتدي د أمناط ه
السلوكية.
-4تك ون البيئ ة عملي ة تعل م ألمن ا س لوكية موج ودة يف البيئ ة لوج ود مثرياهت ا كم ا أن األمن ا ختتل ف م ن بيئ ة ألخ رى تبع ا
7
-5تحقيق النمو الشامل واكتساب الخبرة :هتيئ الرتبية الوسائل املختلفة لتحقيق إمكانيات النمو للطفل عقليا واجتماعيا
وجسما نيا والبيئة هي الوسط الرتبوي لذلك فالطفل يعتمد علي الكبار يف إكسابه اخلربة الالزمة لتكيفه وتفاعله مع اآلخرين
وتكتسب هذه اخلربة بتكوين العادات اإلجيابية اليت يسيطر هبا الطفل علي بيئته ويستخدمها يف حتقيق أهدافه.
-6اكتساب اللغة :يتضح أثر البيئة يف تعليم اللغة وحتصيل املعرفة فالطفل يتعلم اللغة وأساليب الكالم ممن خيتلط هبم يف
مراحل منوه األوىل وتكون اللغة واملعرفة عندئذ يف أبسط صورمها فالطفل عند مساعه للصوت فإنه غالبا ما يسمعه مصاحبا أو
-7التربية تعمل علي تحقيق الديموقراطية :وللرتبية يف عاملنا املعاصر املكانة األوىل يف حتقيق آمال الشعوب يف حياة
تستند إيل احلرية والعدالة وحكم القانون ،فهذه املفاهيم وما يرتبط هبا من ممارسات ال تولد مع األفراد وإمنا يكتسبوهنا
بالتعليم واملمارسة و التطبيق ،وهلذا طا لب أصحاب الرتبية احملدثون بأن تكون املدرسة مكانا يتهيأ فيه الناشئون ألساليب
احلياة الدميوقراطية ،فيفهمون مبادئ هذه احلياة وميارسوهنا يف خربات تربوية منظمة ،فالدميوقراطية تستمر من تلقاء نفسها وال
تستقيم بإطالق حرية األفراد وإمنا هي قيم وعالقات وأساليب تفكري وقواعد وضوابط جيمع الفرد مبقتضاها بني حريته
ومسئوليته وبني حقه يف النمو وواجبة حنو اجلماعة ،وبني التفكري وكل هذا يتطلب نوعا من الرتبية ميكنه من ممارسة احلرية
علي أساس من العلم ويتيح الفرصة أمام كل الناس مع الكشف عن االمتياز والتفوق بينهم وهكذا ( .نفس املرجع)24،
-8التربيــة تعمــل علــي تــوويق الفــوارق بــين الطبقــات :ذل ك ألن انتش ار املعرف ة وذي وع العل م ينح و إيل إض عاف املي زات
الص ناعية ال يت تف رق ب ني الن اس وي دعو إيل حس ن التف اهم والتع اون ب ني ه ذه الطبق ات وب ذلك تك ون الرتبي ة ه ي الدعام ة
األساسية يف حتقيق أي حت ول اجتم اعي يه دف إيل إذاب ة الف وارق ب ني الطبق ات وجع ل االمتي از يف امله ارة والعم ل ال الث روة أو
النسب أو األصل هو أساس احلكم علي األفراد .ومن هنا ارتبطت الرتبي ة يف عاملن ا املعاص ر بالفلس فات االجتماعي ة حي ث أن
8
أية فلسفة ال ميكن أن تتحقق بالقانون وحده أو بإجراءات وتنظيمات إدارية دون أن تستند إيل فكرة وسلوك يع رب عن ه األف راد
-90اكتس ــاب الق ــيم الخلقي ــة والجمالي ــة و ت ــووقها :لق د عرفن ا أن للبيئ ة تأثريه ا الالش عوري يف اكتس اب ع ادات اللغ ة
وأساليب الك الم م ن خ الل نش ا الص غار وتف اعلهم م ع الكب ار ،كم ا أن ه ذا التفاع ل ي رتك أث اره العميق ة يف اكتس اهبم الق يم
-19تحقق التطور وتشكل المستقبل :تعترب الرتبية دائما عامال من عوامل التطور دافعا إىل التبديل و التقدمي ،والرتبية هي
تشكل الفرد والثقافة وتقوم بدورها يف اجملاالت السياسة واالقتصادية واالجتماعية ترتبط باملستقبل وتؤثر فيه بل ميكن القول
أهنا صانعة املستقبل( .نفس املرجع،ص)23
-4األهداف التربوية
-فوائد األهداف التربوية :إن حتديد األهداف الرتبوية يعد نقطة االرتكاز واملنطلق األساس يف العمل الرتبوي.
-1أهنا تؤدي على تنسيق اجلهود بني مؤسسات اجملتمع اليت تسهم يف بناء االنسان.
-2أهنا تشكل األساس واملنطلق يف العملية الرتبوية كلها :إذ هي تعين حشد الطاقات واإلمكانات للوصول هلذه األهداف.
-3أهنا متكن من اختيار املادة والطريقة املناسبة هلا والوسيلة املعينة وما يرتتب عليها من أنشطة وخربات تعليمية.
-4إهنا تسهم يف اختيار املربني وتتحكم يف ذلك ،فاملريب الناجح هو الذي يستطيع حتقيق هذه األهداف وحتويلها اىل واقع
ملموس.
-5أهنا تسهم يف حتديد الربامج والوسائل الرتبوية ،فهي إمنا تقام لتحقيق هذه األهداف.
-6أن األهداف تزود التلميذ بتغذية راجعة لتقدمه الشخصي يف عملية التعلم.
-7أن األهداف تساعد على تقييم مقدرة التلميذ على أداء عمل أو سلوك مرغوب نتيجة لعملية التعلم ،حيث أن
9
االختبارات املتنوعة تعد حمطات رئيسية على طريق التعلم ومن املفروض أن تعطى تغذية راجعة لكل من املعلم والتلميذ حول
-8أهنا تسهم يف استثمار األمثل ألوقات العاملني وجهودهم ،فعدم ووضوح األهداف يؤدي اىل ضياع أوقات وجهود كثرية.
-19أهنا متثل األساس واملنطلق يف تقومي العمل الرتبوي ،فالتقومي يتم بناءا على مستوى ما حتقق من األهداف.
-إن األهداف الرتبوية كانت دائما موجودة عرب العصور ،الرتباطها بالعمل الرتبوي ولو يف أبسط صوره البدائية كتنشئة اآلباء
لألبناء من أجل إعدادهم للحياة وما تطلبه من خصائص مهارية يف شىت جماالت البيئة ومعطياهتا يف كل زمن .ولعل نظرة
بسيطة لتطور النظريات الرتبوية والفكر الرتبوي عموما كافية ملالحظة تطور وتنوع أهداف الرتبية ،فنظرة الفالسفة اليونان مثال
ملالمح شخصية الرجل املراد تكوينه ،حماربا كان ،أو فيلسوفا حكيما ،وهدف الرتبية املسيحية لتكوين الراهب املتعبد ،وغريها
من األفكار الرتبوية .كل ذلك َل يكن وليد زمن حمدد بل ميتد امتداد تاريخ اإلنسان .غري أن الدراسة العلمية لألهداف،
ظهرت يف وقت متأخر نسبيا .وخضعت لتطور كان نتيجة تراكم دراسات وحماوالت عديدة ،قام هبا علماء كثريون.
لقد متيزت األهداف الرتبوية بصفة عامة قبل احلرب العاملية األوىل بالعمومية والتجريد ،إىل أن ظهرت االجتاهات األوىل يف
التفكري ملا جيري داخل القسم مع أعمال (بوبيت) سنة ، 8981الذي اهتم بوضع منهج أكثر توافقا مع الوقت وكيفية
" طاملا أن األهداف ال خترج أن تكون ختمينات غامضة ،فيجب أن نتوقع أن تكون الطرق والوسائل غامضة أيضا ،ولكن
عصر الرضا الكامل بالعمليات غري احملددة مير بسرعة وعصر العلم يطلب الدقة و التحديد".
11
وكان اهلدف عنده هو رسم منهج مدرسي ،مث رأى أنه من الضروري حتديد األهداف لكل منهج حتديدا أدائيا واضحا.
وتعترب أعمال (رالف تايلور)( )8949أول خطوة هامة يف حركة األهداف الرتبوية و تصنيفها ،فقد وضحها يف عبارات
سلوكية .وتأثر الكثري من املفكرين هبذه األفكار الرتبوية ،واعتربوا األهداف أساسا لكل منهج مدرسي أثناء بنائه والتخطيط
لتنفيذه .وهذا يعين أنه أثناء التخطيط للتدريس ينبغي حتديد األهداف أوال ،مث وضع املادة التعليمية ،فوضع اخلطة ،فتحديد
الوسائل ،فالتنفيذ ،مث التقومي .ولعل أهم دراسة ،اختذت شكال متميزا يف تاريخ حركة األهداف الرتبوية ،وكان هلا أثرها
الواضح يف حتديد املسار العلمي املوضوعي لألهداف الرتبوية ،وتصنيفها ،وحماولة التحكم فيها علميا ،هي ما قام به بلوم
وزمالؤه من دراسات يف هذا اجملال ،وما توصلوا إليه من نتائج .ذلك أهنم حاوال ربط األهداف الرتبوية مبكونات الفرد
البشري مثلما صنف سابقوهم سلوك البشر يف ثالثة جماالت أساسية :الفكر ،االنفعال ،العمل .وهي أهم الوظائف اليت
يقوم هبا الكائن البشري ،واليت يتوجه الفعل التعليمي إىل إمنائها( .نفس املرجع ،ص)81
وتلتها أعمال ودراسات أخرى عديدة ،هتدف إىل ختصيص األهداف وإجراءاهتا كالنتائج اليت توصل إليها (ماجر)
( ، )8924واليت تؤكد ضرورة توفر ثالثة عناصر أساسية يف اهلدف الرتبوي جيد الصياغة ،وهي :حتديد السلوك املرغوب
حتديد الشرو اليت يتحقق هبا اهلدف ،حتديد املعايري ومستوى األداء املقبول ،على أن يكون هذا السلوك مبثابة الدليل على
التغري الذي حدث يف شخصية املتعلم نتيجة تعلم ما( .نفس املرجع ،ص)81
من خالل هذا العرض التارخيي لتطور حركة األهداف ،يستنتج بأن األهداف الرتبوية تعكس فلسفة اجملتمع وقيمه وثقافته
وعاداته وتقاليده واجتاهاته يف كل جماالت احلياة ،فبعد ما كانت تتميز بالعمومية والتجريد الفلسفي صارت تتميز باخلصوصية
والدقة نتيجة تطور الدراسات النفسية والرتبوية اليت هتتم مبالحظة السلوك وقياسه قياسا علميا،كما أن هناك من يستعمل
عبارة األهداف العامة للتعبري عن الغايات ،ومن يستعمل األهداف اخلاصة ليدل هبا على األهداف اإلجرائية.
إن حتليل األهداف الرتبوية مير عرب مستويات خمتلفة تتدرج من العام إىل اخلاص ،ومن اجملرد إىل احملسوس ،ومن التخمينات
11
العقلية إىل الفعل السلوكي الذي يتجلى لدى املتعلم.
-1-6الغايات :هي عبارات فلسفية عامة وواسعة ،طموحة ،تتسم بالتجريد واملثالية والتعقيد ،بعيدة املدى غري حمددة من
حيث مدة تطبيقها ،إهنا متثل املستوى النظري الذي يضبط التوجهات الكربى للنظام الرتبوي اعتمادا على فلسفة وقيم جمتمع
ما.
يعرفها مادي حلسن" :عبارة عن صيغ يطبعها التجريد والعمومية تعرب عن املقاصد العامة والبعيدة املدى اليت تريد الرتبية أن
إهنا نواتج مستقبلية متعلقة بالفرد واجملتمع ،ترغب يف حتقيقها سلطة سياسية قائمة ،يف ضوء مقومات فلسفية ،دينية،أخالقية
جملتمع ما ،وعليه فهي ختتلف من جمتمع آلخر باختالف األنظمة السياسية والرتبوية السائدة ،ومتثل بذلك اجملال الذي يتم
فيه العمل الرتبوي مراعيا طبيعة الفرد واجملتمع الذي يطمح إليهما .وتزود املربني باملرجعية واملسار القيمي وهذا ما جاءت به
-4-2المرامي-المقاصد :وهي أقل عمومية وجتريدا وأكثر وضوحا وحتديدا من الغايات ،لكنها ال ختلو من العمومية
والتجريد ،وترتبط بالنظام الرتبوي والتعليمي .وتظهر على مستوى التسيري الرتبوي ،وهي تعرب عن نوايا املؤسسة الرتبوية
ونظامها التعليمي ،وتتجلى يف أهداف الربامج واملواد التعليمية وأسالك التعليم .وتعترب املرامي وسيلة لتحقيق الغايات ،كما
أهنا أكثر تعرضا لإلصالح والتغيري .وأهنا تلك النوايا اليت تعلن آلفاق أقصر أمد من الغايات وتبقى نوعية ،وبذلك فاملرامي
أقل أمد من الغايات ،وأهنا عبارات جمزأة وحتليلية للغايات ،وترتبط املرامي بالقرارات واملناشري السياسية والرتبوي.
-3-2األهداف العامة :إذا كانت الغايات هي ما يريد اجملتمع حتقيقها يف أبنائه ،فإن ذلك ال يتم إال بعد املرور بأهداف
صغرية تتحقق عرب حلقات تفضي السابقة منها إىل الالحقة .فتحقيق أهداف حصص مادة ما يفضي إىل حتقيق األهداف
12
العامة لتلك املادة ،وحتقيق مرامي مواد التعليم يفضي إىل حتقيق الغايات اليت ضبطها اجملتمع لتكوين الناشئة على أساسها.
إن اهلدف العام هو صياغة وتعيني املعطيات العامة للتعلم اليت ميكن توقعها من تعليم وحدة تعليمية أو مقرر .و األهداف
العامة متثل قائمة من املعطيات للعمل هبا ،وليست قائمة من ألوان السلوك حيققها كل املتعلمني ،وكل هدف تعليمي عام
يتطلب حتديدا دقيقا لعينة من السلوك اليت تتطلب بدورها حتديدا أكثر دقة ،متثل إجناز أمنا سلوكية معينة من طرف املتعلم.
و الهدف العام هو عبارة على درجة متوسطة من حيث التعميم والتحديد و الدقة ،وهو ميثل األداء النهائي املتوقع صدوره
عن املتعلم بعد تدريس مادة دراسية أو منهج دراسي معني ،ويكون مرتبطا بوحدة دراسية أو نشا حمدد ،وهو ميثل مجلة من
القدرات واملهارات العامة اليت يكتسبها التلميذ بعد انتهائه من منهج أو برنامج معني .ويعلن عن األهداف العامة عند بداية
وضع الربامج واملقررات الدراسية ،وهكذا ميكن االطالع عليها يف مقدمة الكتب اليت تقررها وزارة الرتبية الوطنية" .فهي
تبحث يف أنشطة التعليم والتعلم ،مستعينة باجلرد واالصطفاء والتبويب ،الستخالص طائفة من القدرات واملهارات واملواقف
وأنواع السلوك .مث تتناوهلا بالتوضيح والتحديد ،وجيعلها أهداف تسعى الرتبية إىل إثارهتا وتنميتها لدى التالميذ" .يستنتج من
هذا التعريف أن األهداف العامة تصف جماالت سلوك شخصية املتعلم :العقلية ،الوجدانية ،احلس حركية ،وتتجلى يف
القدرات واملهارات والتغريات ،اليت يراد إحداثها لدى املتعلم .ويتوجه عمل املدرس بكل وعي إىل تنمية هذه اجلوانب خالل
فرتة تعليمية معينة أو خالل سنة دراسية أو فصل( .نفس املرجع ،ص)83
-4-6األهداف الخاصة (األهداف السلوكية) :وهي ترمجة األهداف العامة إىل أهداف للدروس ،وهي متثل جمال التنفيذ
على املدى القصري والعاجل وعلى مستوى حصة دراسية معينة يف مادة ما ،حيث يتحصل فيها املتعلم على قدرة أو مهارة
ما ،عند االنتهاء من تعلم معني ،ويتضمن اهلدف اخلاص جمموعة من األهداف اإلجرائية اليت تتحدد بشرو ومعايري معينة
13
وعرف اهلدف السلوكي بأنه :تلك الصياغة اليت تعرب بدقة ووضوح عن التغري املرجو احداثه لدى التلميذ من خالل مروره
خبربة تعليمية معينة" ،وهو أيضا "عبارة مصاغة بشكل دقيق وواضح لتصف التغري املتوقع حدوثه يف سلوك املتعلم بعد مروره
خبربة تعليمية جديدة مع إمكانية مالحظته وقياسه"( .عبد الغين حممد إمساعيل العمراين ،مرجع سابق ،ص)41
هناك عدة أسباب تعيق األهداف الرتبوية ،منها ما هو ذايت ومنها ما هو موضوعي .إن فشل الطالب يف حتصيل مستوى
معني من املعارف بعد فرتة تعليمية معينة قد يعود إىل جمموعة من األسباب نذكر منها ما يلي:
*أسباب تتعلق باملعلم ،وهي أيضا تكون على ثالثة أشكال هي:
-حمدودية اإلمكانيات الذهنية اليت تسمح مبساعدة الطالب على حتقيق األهداف املسطرة.
*أسباب تتعلق بالتفاعل بني املعلم والتلميذ ،إن سوء التفاعل بني خصائص املعلم وتالمذته قد يؤدي إىل سوء التوافق الذي
*أسباب تتعلق باألهداف نفسها كأن تكون صعبة جدا فوق مستوى التالميذ أو غامضة أو غري واقعية.
14
*أسباب تتعلق بتنظيم وتسيري املؤسسات التعليمية( .نفس املرجع )35 ،
15
-التعليم هو النشا الذي يسهم به كل من املعلم واملتعلم حبيث يقع تعليم املعارف ،من قبل املتعلم واستيعاهبا وتعلمها من
قبل املتعلم ،ويتم ذلك بصيغ آلية متوازنة ،إال أن نشا املعلم ال يقتصر على إيصال املعارف و املعلومات ،بل يتعداه إىل
تنظيم العمل املستقل للمتعلمني و توجيهه ،واإلشراف و التقومي ،وتدريب القدرات العقلية واألخالقية واجلمالية واحلسية.
-التعليم هو التفاعل بني املعلم واملتعلمني يف داخل الصف( .سهلة حمن كاظم الفتالوي ،4113 ،ص)13
-التعليم هو جمهود شخصي ملعرفة شخص آخر على التعلم ،وهو عملية واستثارة لقوى املتعلم العقلية ،ونشاطها الذايت
وهتيئه الظروف املناسبة اليت متكن املتعلم من التعلم ،كما أن التعليم اجليد يكفل انتقال أثر التدريب والتعلم ،وتطبيق املبادئ
العامة اليت يكتسبها املتعلم على جماالت أخرى ومواقف متشاهبة( .عاطف الصيفي ،4119 ،ص)82
-التعليم :التعليم عملية غرضها األساسي مساعدة الطفل على حتقيق ذاته ومنو شخصيته وتلبية حاجاته النفسية ومطالب
منوه ،ويكون دور املتعلم إجيابيا وفعاال ،يف حني يقوم املعلم بدور املوجه واملرشد واملساعد على النمو مبا يوفره من مناخ نفسي
يساعد على االنطالق والتعبري عن الذات ومواجهة مواقف اإلحبا وحتمل املسؤولية والشعور بالنجاح وتكوين مفهوم ذات
إجيايب.
-3التدريس :يعترب التدريس نشا متواصال يهدف إىل إثارة التعلم وتسهيل مهمة حتقيقه ،ويتضمن سلوك التدريس
جمموعة األفعال املتواصلة والقرارات اليت مت استغالهلا وتوظيفها بكيفية مقصودة من املدرس الذي يعمل كوسيط يف إطار
موقف تربوي تعليمي (سهيلة حمسن كاظم الفتالوي ،مرجع سابق ،ص.)85
-4طرائق التدريس :هي اإلجراءات اليت يتبعها املعلم ملساعدة تالميذه على حتقيق األهداف ،وقد تكون تلك اإلجراءات
مناقشات أو توجيه أسئلة أو ختطيط ملشروع أو إثارة مشكلة تدعو التالميذ إىل التساؤل ،أو حماولة الكتشاف أو فرض
فروض...
-هي كيفية تنظيم واستعمال مواد التعلم والتعليم ألجل بلوغ األهداف الرتبوية املعنية ،والطريقة حلقة الوصل بني التلميذ
واملنهج ويتوقف عليها جناح وإخراج املقرر أو املنهج إىل حيز التنفيذ.
-هي كيفية إعداد املواقف التعليمية املناسبة وجعلها غنية باملعلومات واالجتاهات والقيم واملرغوب فيها.
(عبد اهلل قلي ،فضيلة حناش ،مرجع سابق ،ص.)94
16
-5الوسائل التعليمية( :وسائل اإليضاح ،املعينات الرتبوية معينات التدريس ،الوسائل املعينة )...وآخر هذه التسميات هي
تقنيات التعليم وتكنولوجيات التدريس)
وهي (جمموعة املواقف واألجهزة التعليمية واألشخاص الذين مت توظيفهم ضمن إجراءات التدريس بغية تسهيل عملية التعليم
والتعلم ،مما يسهم يف حتقيق األهداف التعليمية املرجوة يف هناية املطاف).
التحـديد اللغـوي :أ -في اللغة الالتينية :مصطلح التعليمية ه و حماولة ترمجة كلمة (ديداكتيك) – Didactikos
Didactiqueذات األصل االغريقي Didaskeinوتعين التدريس :إذا كانت الديداكتيك عند اليونان تطلق على
ضرب من الشعر يتناول بالشرح مذاهب فلسفية ومعارف علمية وتقنية وقد تطور مدلول الكلمة ليصبح علما موضوعه
طرائق التدريس ،وهكذا َل تكن الديداكتيك ختتلف كثريا عن العلم الذي يهتم مبشاكل املتعلم أي (البيداغوجيا).
على الرغم من أن األخرية هتتم على اخلصوص باملتعلم ،بينما ترتكز األخرى أي (الديداكتيك) على املعارف ،ويستعمل
مصطلح Didactiqueيف جمال العالج النفسي ،وتطلق Didactogenieعلى االضطرابات النفسية أو النفس –
جسدية ،اليت يثريها املعلم يف املتعلم ،كما جند استعمال مصطلح Didacticielمن حيث هو يسم ح للفرد على التعلم
(بوداود حسني ،4182:ص)52 الذايت بفضل احلاسوب ،وهو على شكل تعليم م ربمج.
وتذهب بعض املعاجم اللغوية عند التعريف بكلمة Didactiqueعلى أهنا مرادفة لكلمة بيداغوجيا ومعناها فن التعليم،
ومن مرادفاهتا يف الفرنسية أيضا ( Educatifتربوي) ( culturel -ثقايف )( Documentaire-وثائقي)-
مرادفا ل Instrution ( Pédagogique.بيداغوجي)( Scolaire-مدرسي) ،كما تعترب Didactique
وتستعمل مبعىن تعليمي ،ارشادي ،مواعظي من حيث هي صفة ال اسم( .نفس املرجع ،ص )51
17
وكلمة Didactiqueيف اللغات األوروبية مشتقة من Didaktikosوتعين "فلنتعلم" أي يعلم بعضنا بعض
واملشتقة من الكلمة اإلغريقية Didaskeinومعناها التعليم ،وقد استخدمت هذه الكلمة يف الرتبية كمرادف لفن التعليم
وقد استخدمها Comeniusكومينيوس ألول مرة والذي يعد األب الروحي للبيداغوجيا الكربى Didactica
Magnaحيث يعرفها بالفن العام للتعليم يف خمتلف املواد التعليمية ويضيف بأهنا ليست فنا للتعليم فقط بل للرتبية أيضا.
إن كلمة الديداكتيك حسب كومنيوس تدل على تبليغ وايصال املعارف جلميع الناس( .حممد الدريج ،4118،ص)13
ب -فـي اللغـة العربيـة :
لغــة :كلمة التعليمية يف اللغة مصدر صناعي لكلمة تعليم ،وجاءت على صيغة املصدر الذي وزنه(تفعيل) وأصل اشتقاق
(ابن منظور ،8996،ص)282 "تعليم" من "علم" ،وجاء يف لسان العرب "علم وفقه وعلم األمر وتعلمه وأتقنه".
ونقول" علمه العلم تعليما...وعلمه إياه فتعلمه"
فمادة "علم" من علم ،تعلم ،تعليما أي وضع عالمة أو امارة لتدل على الشيء لكي ينوب عنه.
ويف االستعمال العريب ،تواجهنا مخسة مصطلحات ،وهي :ديداكتيك – تعليمية – تعليميات – علم التدريس – تدريسية .
فمصطلح ديداكتيك هو الكلمة املعربة للكلمة الالتينية ،Didactiqueوهو مصطلح األكثر استعماال وتأيت يف الدرجة
الثانيةمن حيث االستعمال كلمة تعليمية ،واليت اعتربت ترمجة لكلمة Didactiqueيف العربية ،وإن كان البعض يرى أن
هذا االستعمال ينأى عن قواعد اللغة العربية ،ألهنا صفة مثلما نقول ":وسائل تعليمية " ،وأن األصح هو مصطلح
(تعليميات)( .بوداود حسني ،مرجع سابق ،ص)59
ويقصد محمد الدريج بالديداكتيك أو علم التدريس ،الدراسة العلمية لطرق التدريس وتقنياته وألشكال تنظيم مواقف التعلم
اليت خيضع هلا التلميذ يف املؤسسة التعليمية ،قصد بلوغ األهداف املسطرة مؤسسيا ،سواء على املستوى العقلي أو الوجداين
أو احلسي – احلركي ،وحتقيق لديه املعارف و الكفايات والقدرات و االجتاهات و القيم ،إن الديداكتيك أو علم التدريس
جيعل بالتعريف من التدريس م وضوعا له ،فينصب اهتمامه على نشا كل من املدرس والتالميذ وتفاعلهم داخل القسم،
وعلى خمتلف املواقف اليت تساعد على حصول التعلم ،لذا يصري حتليل العملية التعليمية يف طليعة انشغاالته ،ويستهدف يف
جانبه النظري صياغة مناذج ونظريات تطبيقية – معيارية ،كما يعين يف جانبه التطبيقي السعي للتوصل إىل حصيلة متنوعة من
18
النتائج اليت تساعد كال من املدرس و املؤطر واملشرف الرتبوي وغريهم ...على إدراك طبيعة عملهم والتبصر باملشاكل اليت
تعرتضهم ،مما ييسر سبل التغلب عليها ويسهل قيامهم بواجباهتم الرتبوية التعليمية على أحسن وجه.
( حممد الدريج،4118:ص)13
-7مفهوم البيداغوجيا:ملصطلح البيداغوجيا عدة معاين ودالالت تستخدم يف عدة سياقات و وضعيات ،تتكون كلمة
بيداغوجيا يف األصل اليوناين مكون من كلمتني PEDAوتعين الطفل AGOGE ،وتعين القيادة والسياقة ،وكذا
التوجيه.
-ومن التعريفات العامة هلذا املصطلح أهنا فن الرتبية.
-كما تشري إىل الطرق وممارسات التعليم والرتبية.
-العلم الذي يهدف إىل دراسة مذاهب والتقنيات اليت يبىن عليها عمل املربني.
19
الشعر اتصاالً بالنفس ،فتغري موقف الشاعر عما كان عليه من قبل ،وأصبحت عواطف الشاعر هي احملور الذي تدور عليه
القصيدة الغنائية كلها.
وَل ينج الدين عند اليونان من هذه الغزوة الفردية ،فقلبت بعض أوضاعه القدمية ،وأزيح من الطريق كل ما حيول بني
الشخص وآهلته ،فأصبح اتصاله هبا مباشرا ال حيتاج إىل وساطة الوسطاء ،انقالب يف االجتماع ،وانقالب يف االقتصاد
وانقالب يف الفن والدين أدى ذلك كله إىل ظهور الشخصية الفردية ،وانتقل باإلنسان خطوة فكرية جديدة جزئية ،من رواية
األساطري وقص القصص إىل العلم والتفكري ،وَل يعد يطمئن إىل تقديس الكون وعبادة ظواهره ،فأخذ يبحث عن عللها
وأسباهبا لكي يرضى منطقه اجلديد املستقيم ،لقد مجع لنفسه طائفة قيمة من املعلومات الصحيحة كانت ينبوعاً تفجرت منه
الفلسفة يف القرن السادس قبل امليالد( .نفس املرجع ،ص.)29
واتسعت أمالكهم اتساعاً عظيما ،أدى إىل هجرة اليونان أفواجا إىل مستعمراهتم اجلديدة فخالطوا شعوهبم ودرسوا ما هلا من
أخالق وعادات تباين ما ألفوه يف بالدهم ،فوسع ذلك من أفقهم القصصي واقرتن ذلك التوسيع يف االستعمار بانقالب
سياسي واجتماعي يف بالد اليونان نفسها ،إذ بدأت سلطة األشراف تزعزع ومتيل إىل السقو وساعد ذلك نظام جديد
اصطنعه اليونان يف معاملتهم االقتصادية إىل نظام النقد الذي استبدلوه بنظام املقايضة ،وتبادل السلع.
(نفس املرجع ،ص.)21
-أين بدأت الفلسفة؟ :مرت الفلسفة عند اليونان يف مراحل ثالث ،ما قبل (سقرا ) وفيها نشأت الفلسفة ،مث من
(السوفسطائني) إىل آخر عهد (أرسطو) ،وفيها بلغت الفلسفة اليونانية رشدها وأخريا ما بعد (أرسطو) حىت بدء العصور
الوسطى ،وفيها أخذت الفلسفة اليونانية يف التدهور( .نفس املرجع ،ص.)52
-2-2تعريف الفلسفة:
أ-إن املعىن االشتقاقي للداللة اللغوية-لكلمة "الفلسفة" ( )Philosophieيعود إىل لفظني يونانيني مها فيلو ()Philo
وتعين حمبة ،صوفيا( )Sophiaوتعين احلكمة ،فيكون املعىن أن الفلسفة هي حمبة احلكمة ،ومن بني ما تشري إليه احلكمة يف
العربية النظر الصحيح والعمل املتقن وصواب األمر وسداده ووضع الشيء يف موضعه ،كما يصف القرآن الكرمي احلكمة بأهنا
ُويت َخْي را َكثِريا وما ي َّذ َّكر إَِّال أُولُو ْاألَلْب ِ
اب)). ِ احلِكْمةَ من ي َشاء ومن ي ْؤت ِْ
"خري" ،فيقول تعاىل(( :يُ ْؤِيت ْ َ َ ْ َ ُ َ َ ْ ُ َ
َ ْمةَ فَ َق ْد أ َ ً ً َ َ َ ُ احلك َ
( البقرة.)421،
21
-وقد زعم (هريقليدس) وأيده (شيشرون) أن أول من استعملها أي لفظة الفلسفة الفيسلوف اليوناين (فيتاغورس)
( 296-564( )Phythagorasق.م) الذي وصف نفسه بالفيلسوف الذي كان يقصد من وراء ذلك أنه جمرد حمب
احلكمة وليس من وصلوا إليها وإمتلكوا ناصيتها (أي ليس حكيما).
ب-الداللة االصطالحية:
أ /عند اليونان :يذهب (سقرا ) (399-261ق.م) إىل رفض اعتبار الفلسفة حبثا يف طبيعة الكون وعناصره ومكوناته
وإمنا الفلسفة هو حبث يف اإلنسان ودراسته ملشاكله وقضاياه وحياته ودراسة األخالق والسياسة ،فالفلسفة يف نظره هي
حماولة لتبيان معاين األشياء وحقائق األمور بوضوح.
-أما(أفالطون) ( 326-246ق.م) فإنه سار على هنج أستاذه (سقرا ) وجعل من معرفة الذات أهم نقطة يف كل حبث
فلسفي ،ولكنه َل يلبث أن أرجع للفلسفة طابعها العام ،إذ جعلها تستوعب موضوعات الطبيعة والنفس واألخالق وما وراء
الطبيعة( .صربي حممد خليل ،4115 ،ص.)12
يعرف الفلسفة بعديد التعريفات أمهها أن الفلسفة هي "البحث
يف حني فضل املعلم األول ( أرسطو 344-312ق.م) أن ّ
يف الوجود مبا هو موجود" ،أي علم املبادئ أو العلل األوىل للوجود ،كما أهنا أيضا علم العلة األوىل أو الوجود اإلهلي الثابت،
علم اإلهليات كما قالت العرب أو التيولوجيا ( ،)La Théologieأي العلم اإلهلي الذي يتخذ من اهلل مبحثا مركزيا
باعتباره املوجود األول ،كما استخدم (ارسطو) الفلسفة كمرادف للعلم ووعاءا جامعا لكامل املعرفة اإلنسانية.
(نفس املرجع ،ص)15
ب /عند فالسفة اإلسالم :عرفت الفلسفة يف بالد اإلسالم بعد حركة الرتمجة اليت قامت بنقل الرتاث اليوناين اىل اللغة
العربية.
( /1الكندري) (163-115م).
أ /صناعة الصناعات وحكمة احلكم.
ب /معرفة اإلنسان بنفسه تؤدي اىل معرفة العاَل األكرب أي املعرفة بالطبيعة والكون ومن مث ترتقي إىل معرفة اخلالق.
( /2الفارايب) (951-162م) :نظر إىل الفلسفة باعتبارها الصناعة اليت تؤدي إىل إصابة احلكمة ملن يتمتعون جبودة التمييز
الناجتة عن جودة الذهن ،واقتناء احلكمة-أي معرفة احلق على طريقة الفالسفة-يعين اقتناء األشياء اجلميلة نظراً وعمالً فهناك
21
يف نظره اجلمال النظري الذي هو املعرفة النظرية للحقيقة على أساس من التأمل املتصف باحلكمة ،وهناك اجلمال العملي
الذي هو السلوك الفاضل الذي يتخذ من املوقف الوسط حدا يلتزم به فال يتجه إىل أحد الطريقني املرذولني.
(نفس املرجع ،ص.)15
ج /عند فالسفة العصر الحديث:
( /1رينيه ديكارت) ( :)8251/8592يقول " إن الفلسفة كلها مبثابة شجرة جذورها امليتافيزيقا وجذعها الفيزياء وغصوهنا
املتفرعة عن هذا اجلذع هي كل العلوم األخرى ،وهي ترجع إىل ثالثة رئيسية :هي الطب وامليكانيكا واألخالق ،وهذه هي
أعلى درجات احلكمة ،وتفرتض معرفة كاملة بسائر العلوم.
( /2فرانسيس بيكون) ( :)8242/8528ويذهب إىل تعريفها من خالل أن الفلسفة تدع األفراد جانبا ،وال هتتم
باالنطباعات األوىل اليت تستمد منها بالتجريد ،"...وهذا هو دور العقل ومهمته ،ويف هذا السياق نشري إىل أن (بيكون) َل
يرتدد يف نقد الفلسفة التقليدية ،ومهامجتها وحتميلها أوزار اجلمود العلمي والفقر العقلي والعقم والعجز عن اإلسهام الفاعل
يف رفاهية اإلنسان وتقدمه وسعادته ،وطلب من أجل ذلك بضرورة إصالح منهج التفكري.
د /عند الفالسفة المعاصرين :مثّلت الفلسفة املعاصرة نظرة جديدة يف التفكري الفلسفي ،من حيث املنهج واملنطلقات
والوسائل والغايات ،ومن بني أشكال الفلسفة املعاصرة نذكر العديد من االجتاهات املاركسية والوجودية والوضعية املنطقية
والرباغماتية.
/8الوضعية المنطقية :وترى أن الفلسفة ليست البحث يف حقيقة الوجود أو طبيعة املعرفة على حنو ما ذهب أتباع الفلسفة
التقليدية بل هي جمرد منهج للبحث ،هدفه التحليل املنطقي للغة اليت تستخدمها يف حياتنا أو يصطنعها العلماء يف مباحثهم
العلمية ،رغبة يف إزالة اللبس والغموض الذي يعرتي األفكار وبيان عناصرها حىت تبدو واضحة وجلية.
/4البراغماتية :الفلسفة عند هذا االجتاه املعاصر ليست حبثا تأمليا يف خمتلف القضايا واملوضوعات التقليدية ،بل الفلسفة
هي التطبيق العملي ملختلف األفكار والتصورات اليت ينتجها العقل البشري مث فحص نتائج تلك األفكار ،ومبعىن آخر فإن
الرباغماتية تعترب أن الفكرة الصادقة والصحيحة هي ما حيقق لنا نتائج نفعية-مفيدة والعكس صحيح ،وبغري هذا املعيار
ستبقى أفكارنا جمرد تصورات نظرية ال نستطيع احلكم عليها( .نفس املرجع ،ص)16
22
-3-2موضوع الفلسفة :يتخذ الفالسفة من املشكالت اليت متس خمتلف نواحي احلياة موضوعا لنشاطهم الفكري ،فقدميا
اهتم هؤالء مبحاولة فهم طبيعة الكون واألشياء ،مثال تصور اليوناين (طاليس) (551-248ق.م) أن أصل الكون هو املاء
ما دامت احلياة تتوقف على هذا العنصر احليوي ،يف حني اعتقد فليسوق آخر وهو(اميدوقليس) (235-291ق.م) أن كل
األشياء ترجع إىل العناصر الطبيعية األربعة وهي :املاء ،اهلواء ،النار ،الرتاب ،وأن حمرك هذه العناصر قوتان مها احلب والكره.
وإىل جانب االهتمام بطبيعة األشياء والكون اهتم كذلك الفالسفة مبحاولة فهم طبيعة اإلنسان ،وقد كان سقرا من
السباقني لذلك من خالل مقولته الشهري" ،أيها اإلنسان اعرف نفسك بنفسك" ،مؤكدا أن احلقيقة ليست جمرد أمر فردي
مثلما تصور السفسطائيون الذي اعتربوا أن "اإلنسان مقياس األشياء كلها" .إذ آمن (سقرا ) بالعقل كعنصر مشرتك بني
مجيع الناس ،وكمقياس للحقيقة ال تتغري أحكامه ونتائجه بتغري الظروف.
ولو أردنا أن حنصر املواضيع الفلسفية لوجدنا أن الفالسفة يبحثون يف أربعة املشكالت (قضايا) هي:
/1مشكالت المعرفة :وتشتمل األبستمولوجيا ونظرية املعرفة واملنطق وفلسفة العلوم وفلسفة اللغة.
/2مشكالت الوجود :أو الواقع وتشمل امليتافيزيقا ،والوجود ،وعلم الكونيات.
/3مشكالت القيم :وتشمل مبحث القيم وفلسفة اجلمال وفلسفة األخالق وفلسفة الدين.
/4مشكالت المجتمع :وتشمل الفلسفة االجتماعية واالقتصادية والسياسية وهذه املشكالت كلها متشابكة متداخلة
مرتابطة فيما بينها ،ووظيفة الفلسفة أن جتعل من هذا التنوع تناسق يف صورة فهم كلي للعاَل ،ولذلك تسمى الفلسفة عند
القدماء با لتعلم الكلي أو علم العلوم ،وعلى الرغم من أن مواضيع أو قضايا التفكري الفلسفي قدمية إال أهنا تظل تطرح يف كل
عصر بسبب كوهنا أصلية وجوهرية ،وهي تأخذ يف كل زمن مظهر أو شكال جديدا يتناسب والظروف واملستجدات
واملالبسات اليت يتميز هبا العصر ،ومع أن بعض املشاكل كان قد مت حلها إال أن هذه احللول تثري من جديد إشكاليات
جديدة يقول (كارل ياسربس " )8929 -8113إن األسئلة يف الفلسفة أهم من األجوبة وجيب أن يتحول كل جواب إىل
سؤال جديد( .حماضرات السنة األوىل علوم اجتماعية ،4182 ،ص.)81
-خصائص المنهج الفلسفي :وللفلسفة منهج خاص حلل املشاكل الفلسفية يتصف بالشك املنهجي والعقالنية واملنطقية
والنقدية.
23
/1الشك المنهجي(النسبي) :يقوم املنهج الفلسفي على الشك املنهجي أو النسيب ،وهو شك مؤقت ووسيلة ال غاية يف
ذاهتا ،إذ غايته الوصول إىل اليقني ،أي مضمونه املنهجي عدم التسليم بصحة حل معني للمشكلة إال بعد التحقق من كونه
صحيح.
/2العقالنية :ويتصف املنهج الفلسفي بالعقالنية ،أي استخدام ملكة اإلدراك (اجملرد) كوسيلة للمعرفة إذا الفلسفة هي
حماولة إدراك احللول الصحيحة للمشاكل الكلية اجملردة والقرآن يدعو إىل العقالنية اليت ال تناقض الدين والعلم (أي اليت ال
تناقض فيها استخدام اإلدراك أو العقل مع استخدام الوحي واحلواس كوسائل للمعرفة كوسائل للمعرفة.
/3المنطقية :أن املنهج الفلسفي يستند إىل املنطق مبا هو القوانني (السنن اإلهلية) اليت تضبط حركة الفكر اإلنساين ،ذلك
أن الفلسفة لكي تصل إىل حلول صحيحة ملشاكلها جيب أن يستند إىل القوانني أو السنن اإلهلية اليت تضبط حركة حتول
الطبقة وتطور اإلنسان وحركة الفكر.
/4النقدية :واملنهج الفلسفي قائم على املوقف الرافض لكل من القبول املطلق والرفض املطلق والذي يرى أن كل اآلراء (مبا
قدرا من الصواب واخلطأ ،وبالتايل تأخذ ما نراه صواب وترفض ما نراه خطأ.
هي اجتهادات إنسانية) تتضمن ً
(صربي حممد خليل ،مرجع سابق ،ص)19
-4-2العالقة المتبادلة بين الفلسفة والتربية :إن الفلسفة والرتبية وجهان خمتلفان لشيء واحد وذلك من حيث أن
الفلسفة يف مفهومها املطلوب هي "فلسفة احلياة" ،وأن الرتبية هي الوسيلة أو السبيل الذي يراهن عليه يف نقل الفلسفة
وترمجتها يف شؤون احلياة.
إن الفلسفة والرتبية وجهان لعملة واحدة ،ويتأكد التالحم بني الفلسفة والرتبية عندما نسعى إىل حتديد أهداف الرتبية
وغاياهتا ،ومن الثابت أن غاية الرتبية هي بالتأكيد غاية احلياة ،والفلسفة تبحث وتنقب من أجل بيان ما هي الغاية من
احلياة ،وأن الرتبية تتقدم بوسائل وطرائق من أجل إجناز هذه الغاية ،وملا كانت الرتبية وما زالت املضمار املتحرك للفلسفة
وهي الدرب الذي يرتجم إىل أرض الواقع "املثل العليا" ،فإن ما يرتتب على ذلك االستنتاج الالزم القائل :إن الفلسفة هي
عقل الرتبية وهي ا جلانب النظري ،وأن الرتبية هي مضمار التجربة للفلسفة ،إن الرتبية متثل "العمل املتناسق الذي يهدف إىل
نقل املعرفة ،وإىل تنمية القدرات وتدريب وحتسني األداء اإلنساين يف اجملاالت مجيعا ،وخالل حياة اإلنسان كلها والفلسفة
هي ميدان يثابر يف صياغة النظريات اليت تنزع الرتبية إىل تطبيقها( .حممد مرسي وحممد فرحة ،ب ت ،ص.)83
24
إن الرتبية والفلسفة تشرتكان يف املوضوع ،فمن املعلوم أن موضوع الرتبية هو اإلنسان ،وأن االنسان هو احملور األساسي يف
مباحث الفلسفة.
أما وسائل الرتبية والفلسفة فمن الثابت أن وسيلة الرتبية عملية علمية تطبيقية ،وأن وسيلة الفلسفة نظرية تأملية أو هذه
احلقيقة لطبيعة كل منهما حتملنا على القول أن موضوع الفلسفة أكرب من موضوع الرتبية ،أما وسائل الرتبية فهي متعددة
متنوعة ،حبيث أهنا أكثر من وسائل الفلسفة ،وأن هذا الواقع يؤكد ضرورة التفاعل املستمر والدائم بينهما ،حيث أن الفلسفة
حتتاج إىل الرتبية وذلك لرتمجة النظريات الفلسفية ونقلها إىل امليدان الرتبوي،وأن الرتبية يف الوقت ذاته حتتاج إىل الفلسفة فهي
ال تستطيع أن تتحرك خطوة واحدة دون حتديد أهدافها...وهذه األهداف يف واقع األمر مت اشتقاقها أو صياغتها باالعتماد
على احتاد فلسفي معني( .نفس مرجع ،ص.)41
إن فلسفة الرتبية تعد من أكثر العناصر الثقافة تفاعال مع الفلسفة ولعلى ذلك يعود إىل أن فلسفة الرتبية هي النشا
الفكري املنظم الذي يتخذ من الفلسفة وسيلة للتنظيم العملية الرتبوية وتنسيقها وانسجامها وتوضيح القيم واألهداف اليت
ترنو إىل حتقيقها ،وعلى هذا تكون الفلسفة وفلسفة الرتبية واخلربة اإلنسانية ثالثة مكونات لكل واحد متكامل.
(نفس املرجع ،ص)31
إن التيارات الفكرية االجتماعية والسي اسية أو االقتصادية ،ال ميكن أن ينتج عنها تغيري جذري أساسي حقيقي ما َل تكن
الرتبية الوسيلة لذلك ،متصلة باخلربة األساسية املتعددة النواحي املختلفة األنواع املتشعبة االجتاهات ،ومن أجل هذه فتجديد
الفلسفة والرتبية واملثل العليا ،واألساليب االجتماعية ،إمنا يسري بعضه إىل جنب بعض ،فإذا كان مثة حاجة خاصة لتجديد
الرتبية يف الوقت احلاضر ،وإذا كانت هذه احلاجة ملحة يف جتديد األفكار األساسية للنظم الفلسفية التقليدية ،فإن مصدر
ذلك هو ما أصاب احلياة االجتماعية من تبدل هائل مصاحب لتقدم العلم والثورة الصناعية وارتقاء الدميقراطية ،ومثل هذه
التبدالت ال ميكن أن حتدث من دون أن تتطلب إصالحا تربويا يرافقها ،ومن دون أن تدفع الرجال إىل التساؤل عن األفكار
واملثل اليت تشري إليها هذه التبدالت وعما تتطلبه من إعادة النظر.
و الرتبية البد هلا من نظريات تقوم عليها ،هذه النظريات اليت تعرف بأهنا جمموعة من الفروض العلمية قد تثبت صحتها
جتريبيا ،وارتبطت فيما بينها ارتباطا منطقيا ،ولكي حتقق النظرية أهدافها ،البد أن تقوم على تفسري سليم للفروض اليت تعتمد
25
وتفسر ،وتبحث املشكالت الرتبوية حبثا فلسفيا.
عليها ،وهنا كان احتياج الرتبية إىل الفلسفة كطريقة لتحلل ،وتنقدّ ،
(نفس املرجع ،ص)38
-5-2تطبيقات الفلسفة على التربية :تسعى فلسفة الرتبية إىل فهم الرتبية يف جمموعها ،وتفسريها مبفاهيم عامة ،بغية
الغايات الرتبوية وترشيد سياستها وكذلك تفسري املكتشفات العلمية املتجددة وفق عالقتها بالرتبية.
وميكن القول أن معظم املشكالت الرتبوية الرئيسية هي يف صميمها مشكالت فلسفية ،ذلك أن انتقاء ُمثل عليا تربوية أو
سياسات تربوية ،أو اقرتاح مثل عليا يلزمنا باألخذ بعني االعتبار تلك املشكالت الفلسفية العامة مثل :طبيعة احلياة الصاحلة
اليت ينبغي أن تؤدي إليها الرتبية ،طبيعة اإلنسان ذاته ،طبيعة اجملتمع ،طبيعة احلقيقة النهائية اليت تنشد املعرفة سرب أغوارها،من
هنا ميكن أن نلخص إىل أن الفلسفة الرتبوية تتضمن تطبيق الفلسفة النظرية على جمال الرتبية بل ذهب (ديوي) إىل القول
أنه" :ميكن وصف الفلسفة بأهنا النظرية العامة للرتبية"( .حممد منري مرسى ،4114 ،ص.)46
/1الفلسفة التربوية تأملية :فهي تسعى إىل إقامة نظريات حول طبيعة اإلنسان واجملتمع والعاَل ،وذلك عن طريق تنظيم
املعلومات املتصارعة املتعلق ة بالبحث الرتبوي والعلوم اإلنسانية والعمل على تفسريها ،وذلك إما باستنتاج تلك النظريات من
نظريات فلسفية عامة وتطبيقها على الرتبية أو باالنطالق من مشكالت تربوية بالذات ،مت وضعها يف إطار فلسفي قادر على
حلها ،إن الرتبية تثري عدة مشكالت ال تستطيع هي أو العلم القيام حبلها كل على حدة ،ذلك ألهنا جمرد أمثلة عن املسائل
اخلاصة بالفلسفة ذاهتا واليت تتكرر وتتواتر.
/2الفلسفة التربوية إرشادية :وتقوم بتحديد الغايات اليت جيب على الرتبية أن تستهدفها والوسائل العامة اليت ينبغي أن
تستخدمها لبلوغ تلك األهداف ،وال ميكن وضع األهداف وال أي من وسائلها إال من خالل معايري صحيحة ،يقوم
بتمحيصها ووضعها فيلسوف الرتبية ،فالرتبية كفرع من فروع املعرفة ال ميكن أن تقوم وحدها ،وإمنا على توجيه فلسفي هلا.
/3الفلسفة التربوية تحليلية ونقدية :تسعي إىل حتليل نظرياهتا التأملية واإلرشادية ،وكذلك وزن معقولية ُمثلنا العليا الرتبوية،
واتساقها مع املثل العليا األخرى ،مث فحص الدور الذي يلعبه التفكري غري املتفحص والتفكري الذي توجهه الرغبة ،وأيضا
اختيار املنطق املوجود يف مفاهيمنا وكفاءته يف جماهبة احلقائق اليت تنشد تفسريها ،وذلك بفضح املتناقضات املوجودة بني
نظرياتنا ،وتوجيه األنظار إىل جمموعة النظريات الدقيقة اليت تبقى بعد إزالة املتناقضات ،دراسة االنتشار الكبري اهلائل
للمفاهيم الرتبوية املتخصصة( .حممد لبيب النجيجي ،8994 ،ص.)49
26
-6-2وظيفة فلسفة التربية:
/1تساعد على التفكري يف املفاهيم واملشكالت الرتبوية بصورة واضحة ودقيقة وعميقة ومنتظمة ،وهذا بدوره يؤدي إىل وعي
أكثر وإدراك ألبعاد املوضوعات اهلامة ،وتساعدنا هذه الفلسفة أيضا على تقومي احلجج واألدلة اليت تقوم عليها اآلراء
الرتبوية.
/2تساعدنا على ت صور التفاعل بني األهداف الرتبوية واملواقف الرتبوية احملددة والربط بينها لتوجيه قراراتنا مما يسمح برؤيه
أوضح لألهداف اجلديدة.
-فلسفة الرتبية هي فلسفة موجهة للعمل الرتبوي ومهزة وصل بني املستوى النظري للتحليل الفلسفي واملستوى العملي
للقرارات واالختيارات الرتبوية.
-وميكن لفلسفة الرتبية أن توجه النظرية والتطبيق يف جمال الرتبية بطرق ثالث:
/1تضع نتائج وفروع املعرفة ذات الصلة الوثيقة بالرتبية مما يف ذلك الرتبية ذاهتا ،يف نطاق نظرة شاملة لإلنسان ونوع الرتبية
الذي يليق به.
/2توصي باألهداف والوسائل العامة للعملية الرتبوية بعد فحصها ومتحيصها.
/3توضح وتنسق بني املفاهيم الرتبوية األساسية اليت جتعل للعملية الرتبوية معىن ومغزى واضحا.
-فلسفة الرتبية تعمل على نقد العملية الرتبوية وتعديلها والعمل على اتساقها وتوضيحها ،حىت تتالءم هذه اخلربة اإلنسانية
مع احلياة املعاصرة ،وذلك من خالل البحث عن املفاهيم اليت توجه اإلنسان بني املظاهر املختلفة للعملية الرتبوية يف خطى
متكاملة شاملة ،وتوضيح املعاين اليت تقوم عليها التعبريات الرتبوية ،وفلسفة الرتبية" :هي النشا الفكري املنظم الذي يتخذ
الفلسفة وسيلة لتنظيم العملية الرتبوية وتنسيقها وانسجامها وتوضيح القيم واألهداف اليت ترنو لتحقيقها.
-ففلسفة الرتبية هي تطبيق الفلسفة على مشكالت الرتبية ،وعلى هذا ففلسفة الرتبية ُسبل تطبيقات األفكار واملبادئ
والطرق الفلسفية على تلك املشكالت الرتبوية اليت تناسبها املعاجلة الفلسفية أكثر مما تناسبها املعاجلة العلمية.
-وهي تشكل جمموعة األفكار العامة واملبادئ الكلية اليت توجه العملية الرتبوية ،فكل منهاج ينطلق من فلسفة تربوية معينة
هي فلسفة اجملتمع وثقافته ،ذلك أن املنهاج هو أداة اجملتمع الرئيسية الرتبية أبنائه وفقا للصورة اليت يريدها عاكسة ملثله العليا
واجتاهاته واهتماماته ،حىت حيافظ هذا اجملتمع على ثباته وحيوتيه وفقا للمعايري اليت ارتضاها.
27
-ومن الضروري أن تكون األهداف األساسية للرتبية واإلطار الفلسفي الذي تنتظم فيه هذه األهداف واضحة يف ذهن واضع
املنهاج ،ويف ذهن مؤلف الكتاب املدرسي ،ويف ذهن املشرفني على تطبيق املناهج ،وتطويرها ،ويف ذهن املعلم الذي يتوىل
املهام املباشرة أهداف الرتبية ،وإذا َل تكن أهداف الرتبية والفلسفة اليت تنبثق عنها تلك األهداف واضحة يف أذهان هؤالء
مجيعا ،وإذا َل يربط املعلم أهدافه الصفية الصغرية باإلطار الفلسفي الكلي فليس من املتوقع أن تفلح الرتبية يف حتقيق اآلمال
املعلقة عليها( .سعيد التل وآخرون ،ب ت ،ص)25
-7-2الفلسفة والتربية :تبحث األصول الفلسفية للرتبية يف العالقة القائمة اليت تربط الفلسفة بالرتبية ،ويف الفلسفة
السائدة يف اجملتمع اليت توجه العمل الرتبوي ،وحتدد أهدافه وحمتوى مناهجه والطرق واألساليب واإلجراءات اليت حتقق هذه
األهداف من خالل تلك املناهج ،إهنا تبحث يف الفرضيات وامل سلمات والنظريات اليت يعتمد عليها الفالسفة يف تفسري
الكون وظواهره واإلنسان وطبيعته والنظريات االجتماعية والفلسفية اليت تسعى اىل تفسري وحتليل ما هو كائن بالنسبة للفرد
واجملتمع ورسم صورة ملا ينبغي أن يكون.
-وهتدف األسس الفلسفية للرتبية إىل دراسة بعض النظريات واألفكار واملبادئ الفلسفية اليت هلا صلة باألبنية الرتبوية سواء
النظري منها أو التطبيقي ،وإن كانت تعىن بصفة خاصة باألجزاء النظرية بغية الوصول إىل أفضل صيغة ممكنة لتحقيق
األهداف واملثل اجملتمعية يف البناء الرتبوي.
وللرتبية صلة واضحة بتاريخ الفلسفة ،فإن هذا التاريخ يسجل اجلهود العقلية لإلنسان يف حماوالته لتفسري احلياة اإلنسانية
وفهم صلتها بالوجود ،ويتضح تأثري الفكر اإلنساين الذي متثله الفلسفة على الرتبية من خالل معرفة منط الرتبية اليت سادت
يف كل جمتمع وعصر ،ومن املقارنة بني الرتبية التقليدية والرتبية احلديثة ،فكل منط من هذه األمنا الرتبوية كان خلفه فلسفة
خاصة استمد منها أسسه قواعده ومبادئه.
إن من أهم األسئلة الفلسفية اليت تظهر يف كتب الفالسفة ،من أين جئنا؟ وكيف سنعيش؟ وملاذا اخرتنا هذا املذهب من
التفكري؟ ما طبيعة النفس البشرية؟...ما حقيقة العلم واحلياة؟ كيف نصل إىل احلقائق؟ وكيف تتفاعل مع االختالفات؟ ما
القيم الثابتة؟ ما املراد باحلرية؟( .عبد الغين حممد إمساعيل العمراين ،مرجع سابق ،ص)842
28
إننا نقصد باألصول الرتبوية الفلسفية حصيلة األفكار القدمية واجلديدة اليت حتاول بصورة منهجية أن تفهم األسس املؤثرة يف
الرتبية ومصادرها ،وأهدافها وقضاياها الكربى ،لذلك تساعدنا الفلسفة يف اإلجابة عن األسئلة الكربى مثل :ملاذا نتعلم؟
وماذا نتعلم؟ ومىت نتعلم؟ وأين وكيف نتعلم؟.
حتتوي الفلسفة على تصورات اجتهادية كلية لقضايا مصريية متس كينونة اإلنسان يف املاضي واحلاضر واملستقبل واملعطيات
الفلسفية هلا انعكاسات واضحة على صياغة األهداف وعلى خطط التعليم والسياسات الضابطة للعمل الرتبوي.
(نفس املرجع ،ص)842
إن الفلسفة سلسلة من اخلطوات تقود الفكر حنو تكوين تصورات مبدئية لفهم قضايا إنسانية شائكة متس اهتمامات الفرد
واجملتمع وتسعى الفلسفة إىل حتقيق عدة أهداف منها:
/1تشجيع النقد اإلجيايب ،واجلدل املنطقي والشك املنهجي.
/2دراسة الطرف املخالف لنا يف الرأي وفتح احلوار املوضوعي.
/3حتليل األفكار والنظم والقيم.
/4حماولة فكرية دائمة للوصول إىل حقائق األمور.
/5توفري اعتقادات ملواجهة أحداث احلياة ،والتخطيط للمستقبل وفهم التغريات.
/6تنشيط العقل وتشجيع طرح األسئلة وفتح أبواب احلوار.
/7االطالع على أفكار الفالسفة( .نفس املرجع ،ص.)846
29
الفصل الثالث :تطور الفكر التربوي عبر العصور:
قبل التطرق إىل الفكر الرتبوي البد من التطرق للحديث عن احلضارة.
أ-تعريف الحضارة :احلضارة لغة" :احلضارة ،ويفتح خالق البادية ،واحلضارة :اإلقامة أعجبته ّ
فأي رجال بادية ترانا،
يعرف احلضارة" :واحلضارة إمنا هي تفنن يف
واحلضارة من مظاهر الرقي يف شئون احلياة ،قال (ابن خلدون) يف املقدمة وهو ّ
الرتف وإحكام الصنائع املستعملة يف وجوهه ومذاهبه" ،واحلضارة تقدم إنساين ورقي واستكشاف احلياة للوصول حياة أفضل
وهي حصيلة هبو األمم( .لطيفة حسني الكندري ،ب ت ،ص)88
وعرف (ديوارنت) احلضارة يف بداية كتابة قصة احلضارة " احلضارة نظام اجتماعي يعني اإلنسان على الزيادة من إنتاجه ّ
الثقايف ،وإمنا تتألف احلضارة من عناصر أربعة :املوارد االقتصادية ،والنظم السياسية والتقاليد اخللقية ،ومتابعة العلوم والفتون،
وهي تبدأ حيث ينتهي االضطراب والقلق ،ألنه إذا م ا أمن اإلنسان من اخلوف ،حتررت يف نفسه دوافع التطلع وعوامل
اإلبداع واإلنشاء ،وبعدئذ ال تنفك احلوافز الطبيعية تستنهضه للمضي يف طريقه إىل فهم احلياة وازدهارها .وعليه فإن احلضارة
عند (ديورانت)" .ذلك النظام االجتماعي الذي يدعم اإلبداع الثقايف ،فهو إذن ينظم أبواب احلكم ،واالقتصاد( ،أي الزراعة
والصناعة والتجارة واملالية) .واألخالق ،وآداب السلوك ،والدين والفن واألدب ،واملوسيقى والعلم والفلسفة ،وهدفه التاريخ
املتكامل-أي تغطية مجيع نواحي النشا لشعب ما يف منظور واحد ورواية موحدة" ،واحلضارة عنده ،يعين صريورة الناس
مواطنني متمدنني ،وأن الرتبية نقل للحضارة من جيل آلخر ،وأن مجيع العلوم تبدأ بالفلسفة وتنتهي بالعلوم بالفن".
(نفس املرجع ،ص)84
وكذلك عرف (ديوارنت)احلضارة بأهنا "شع ب له نظام اجتماعي قامت عليه حكومة وقانون ودين وأخالق وعادات وتقاليد
ونظام تعليمي ،مع إتاحة قدر كاف من احلرية لإلبداع والتجربة وقدر كاف من احلرية لتكوين الصداقات وعالقات احلب
وأعمال اخلري وتطويرها ،وقدر كاف من احلرية يتيح إبداع الفن وأدب وعلم وفلسفة"" ،وليس التاريخ إال موكب الدول
كال منها ختلف وراءها تراثا من العادات واألخالق والفنون تتلقاه
واحلضارات اليت تنشأ وتزدهر مث تضمحل وتفىن ،ولكن ّ
عنها احلضارات اليت تأيت من بعدها".
31
وتطرق (ديورانت) إىل قضية هناية احلضارات فقال" :ما سبب اهنيار هذه احلضارات القدمية الكثرية؟ وقد أجاب(فولين) على
هذا السؤال بقوله إهنا اهنارت بسبب اجلهل املبثوث يف شعوب هذه احلضارات ،بفعل األديان الغيبية اليت تدعمها حكومات
استبدادية ويسبب صعوبة نقل املعرفة من جيل إىل آخر ،واآلن وقد فقدت هذه العقائد اخلرافية أساسها ،وسرت الطباعة
حفظ املعرفة وانتقال العناصر احلضارية ،فإن على البشر أن يأملوا يف بناء ثقافات (حضارات) دائمة قائمة على نظم أخالقية
تقضي إىل امتداد سيطرة اإلنسان على نزعاته غري االجتماعية وتساعده على التعاون والوحدة خاصة وأن املعرفة قادرة اآلن
على التطور واالنتشار"( .نفس املرجع ،ص)83
وتناول (ديورانت) باستفاضة احلضارة النصرانية ،لقد عاىن العاَل النصراين من االضطهاد الديين لعدة قرون ،وكان احلرق
والقتل عالج اهلرطقة ،كانت حمكمة التفتيش اإلسبانية تقوم بتفتيش كل خمزن للكتب ،وأمرت بإحراق الكتب ،وهذه احملاكم
مرتبطة بطغيان الكنيسة ودورها بتقليص احلريات ،وتقييد الفكر وتقمع اإلبداع العلمي مما انعكس على دوائر التعليم عرب
عدة قرون.
وكانت السلطة الدينية تسيطر على أمور التعليم يف األقطار الكاثوليكية والكلفنية ،ويف إجنلرتا والبالد اللوثرية ،كان رجال
الدين يديرون معظم التعليم حتت إشراف الدولة ويف معظم اجلامعات تقريبا كان مطلوب من املعلمني والطلبة أن يعتقوا
املذهب الرمسي.
وكانت الدولة والكنيسة كلتامها حتد من احلرية اجلامعية بدرجة كبرية وقضت اخلالفات الدينية على الصبغة العلمية
للجامعات ،فاحنصر الطلبة اإلسبان يف إسبانيا وَل يعد الطلبة اإلجنليز يلتحقون جبامعة باريس ،وظلت (أكسفورد) حىت
( )8168تفرض على طالب الدرجة اجلامعية املوافقة على موارد الكنيسة الرمسية ،ومال الفكر األصيل اخلالق إىل االختفاء
من اجلامعات والتمس امللجأ يف األكادمييات اخلاصية والدراسات غري النظامية أو غري النمطية ،وسرعان ما تأسست الحقا
مجعيات ثقافية يف إجنلرتا وفرنسا وأملانيا بعثت الروح العلمية امللهمة يف العلوم ووضعت األسس الفكرية والتكنولوجية للعاَل
احلديث( .نفس املرجع ،ص.)81
وكانت نظريات رجال الكنيسة بوجه عام معادية للمرأة وكان (توماس اكويناس) ،وهو يف العادة رسول الرْحة ،يتحدث عنها
كما يتحدث الرهبان ،فينزهلا من بعض النواحي منزلة أقل من منزلة الرقيق ،إن املرأة خاضعة للرجل لضعف طبيعتها ،اجلسمية
والعقلية معا ،والرجل مبدأ املرأة ومنتهاها كما أن اهلل مبدأ كل شيء ومنتهاه....
31
وقد فرض اخلضوع على املرأة عمال بقانون الطبيعة ،أما العبد فليس كذلك ،وجيب على األبناء أن حيبوا آباءهم أكثر مما
حيبون أمهاهتم.
عصر التنوير هي النقطة الفارقة والقفزة النوعية يف احلضارة األوروبية ،كتب (ديورانت) "لقد بدأت اليقظة (بروجر
بيكون)( ،)8492وكربت وترعرعت يف ليوناردو ( ،)8589وبلغت كماهلا يف فلك (كوبرنيكوس)(ت )8523و(جاليلو)
(ت ،)8224ويف أحباث (جلربت) ( )8215يف املغنطيسية والكهربائية ،وأحباث(فاسيلبوس)(ت )8522يف علم التشريح
وأحباث (هاريف)( )8252يف الدورة الدموية ،وعندما منت املعرفة ،ضعف اخلوف ،وضعف تفكري الناس يف عبادة اجملهول
وزاد يف حماولة التغلب عليه وارتفعت كل نفس نشيطة بثقة جديدة وحتطمت احلدود ،وقام (فرنسيس بيكون) أعظم عقل يف
العصور احلديثة وقرع اجلرس الذي مجع العقول والذكاء ،وأعلن أن أوروبا قد اقبلت على عصر جديد.
(نفس املرجع ،ص)81
قام (روجر بيكون) بالدعوة لتعليم حر ليربايل طالب بتمويل البحث العلمي ودفع أجور املعلمني،وتطوير اجلامعات"،كانت
املهمة املميزة للجامعات واألكادمييات والعلماء اإلنسانيني يف عصر النهضة هي مجع تراث العاَل القدمي ،عاَل اليونان
والرومان ،وترمجته ونقله إىل جيل الشباب يف أوروبا احلديثة ،وقد أجنزت هذه املهمة على وجه رائع ،وكان الكشف عن وحي
العاَل القدمي كامال ،وأن النهضة واإلصالح الربوتستنيت مها ينبوعا التاريخ احلديث ،واملصدران املتنافسان لتجديد الفكر
واخللقي الذي طرأ على احلياة احلديثة.
أبرز (فرانسيس بيكون) أمهية التجربة والنتيجة اليت متيز الفلسفة اإلجنليزية ،واليت بلغت ذروهتا يف الفلسفة الربامجاتية
(العملية) ،وهو املذهب الذي يؤكد على أمهية املبادئ يف نتائجها العملية ،فرد (بيكون) يف فلسفته الرتبوية أن املعرفة هي
العقل ،وأن اإلنسان ال يشبع من لذة البحث ،والبحث عن احلقيقة هو حبها وتعشقها ،غاية تقدم بعدم العلم سيادة
اإلنسان عرب تعلم قوانني الطبيعة ،إن خطأ فالسفة اليونان الكبري هو أهنم صرفوا وقتا كبريا يف النواحي النظرية ،والقليل من
املالحظة والبحث العلمي ،والفكر ينبغي أن يكون مساعداً للمالحظة ال بديال هلا ،وأخريا تنبه (بيكون) إىل أن أسباب خطأ
اإلنسان ناجتة من أربعة أوهام ،أوهام القبيلة الناجتة من التسليم وعدم الشك أوهام الكهف الناجتة من طبيعة اإلنسان
ومزاجه وعقله وجسمه ،وأوهام السوق وهي الناجتة من اجتماع الناس بعضهم ببعض ،وأخريا أوهام املسرح وهي املرتبطة
32
بالنظريات واألدلة اخلاطئة املتوارثة آمن (بيكون) أن مزاولة العلم بطريقة علمية ستؤدي إىل اكتشاف وسائل أفضل يف
البحث ،وقبل موته كان مشغوال بإجراء جتارب عملية سريعة عن حفظ اللحوم يف الثلج( .نفس املرجع ،ص)89
ب-الفكر التربوي :هو كل تعميم نظري لتجارب البشر اجلزئية أو مبعىن آخر هو جمموع األسس النظرية واملفاهيم واملعاين
اليت تكمن خلق مظاهر السلوك اإلنساين ،والفكر بذلك هو نتاج لعقالنية اإلنسان ،أي إعماله لعقله وتفكريه يف ذاته ويف
املخلوقات ويف هذا الكون من حوله ،ومن مث فالفكر قرين الوجود اإلنساين ،فأينما وجد اإلنسان يف بيئة أو جمتمع معني
ويفسرهبا وجوده ومستقبله.
أعمل عقله وأنتج أفكارا يتوجه هبا يف معاشهّ ،
غريوا
-والفكر إذا كان تعبرياً عن واقع اجتماعي ،فإنه يف الوقت ذاته أداة للتغيري هذا الواقع أيضا ،فالفالسفة واملصلحون قد ّ
الرسل واألنبياء مبا ْحلوه من أفكار مستمدة من الرساالت
بأفكارهم األوضاع االجتماعية اليت كانت تعاين منها جمتمعاهتم ،و ّ
السماوية ،فقد متكنوا من تغيري جمتمعاهتم إىل األفضل واألرقى واألمسى.
(مصطفى عبد القادر زيادة وآخرون ،4112 ،ص.)48
الفكر الرتبوي هو ما أبدعته عقول الفالسفة واملربني عرب التاريخ فيما خيص جمال التعلم اإلنساين ،وتنمية الشخصية وشحذ
قدراهتا ،ويتضمن النظريات واملفاهيم واآلراء اليت وجهت عملية تربية اإلنسان عرب العصور ومن الطبيعي أن يتأثر الفكر
الرتبوي مبجموعة من القوى والعوامل اليت أنتجته وأحاطت به ،وكذلك بشخصية املفكر ذاته من حيث تكوينه العقلي ،ولعلى
معىن الفكر الرتبوي يزداد وضوحاً من خالل معرفة القوى والعوامل اليت أنتجته ووجهت حركته.
(نفس املرجع ،ص)48
-8-3ماهية الفكر التربوي :موضوع الفكر الرتبوي هو حتليل الرتبية ومعاجلتها من املنظور التارخيي ،فإذا كان التاريخ
يدرس األحداث واألشخاص وفق العالقات الزمنية واملكانية ،وحماولة تفسريها ،فإن الفكر الرتبوي أو ما يصلح عليه تاريخ
الرتبية يتناول جانب واحد من الثقافة هو نظام الرتبية ،وهو نظام يعين باملمارسات الرتبوية اليت اتبعتها الشعوب واجملتمعات
عرب العصور ،وما ابتدعته من أمنا تربوية من مؤسسات وأهداف وأساليب اختلفت باختالف العصور واجملتمعات وتباين
أوضاعها الثقافية واالجتماعية واالقتصادية( .احلاج أْحد علي ،4183 ،ص)68
33
أ-أهمية دراسة الفكر التربوي:
/1معرفة تطوره مدخل الزم ملن أراد فهم النظريات واالجتاهات والنظم الرتبوية يف الوقت احلاضر فهذه النظريات واالجتاهات
والنظم َل تأت من فراغ ،إمنا هي وليدة خماض تارخيي طويل وجتربة إنسانية بعيدة اجلذور.
/2األمهية احلضارية اليت تأيت من دراسة حضارات الشعوب األخرى والتعرف على جوانبها املختلفة ،ملساعدة العملية الرتبوية
يف معرفة وما ورثته من املاضي وما أعدته للحاضر وكيف ختطط للمستقبل.
/3األمهية النفعية اليت تتمثل يف الدروس املستخلصة من تاريخ الرتبية فنجاح الثورة الرتبوية اليت نشهدها اليوم يف حتقيقها
ملقاصدها وأهدافها عن طريق دراسة تاريخ الرتبية ،وفهم املفاهيم الرتبوية املتبعة يف املاضي واإلفادة من نتائجها.
/4األمهية املعرفية واللغوية حيث ميثل أمهية ملعلمي املستقبل فمهارات املعلمني تتطور من خالل معرفتهم لتطور املمارسات
الرتبوية عرب العصور.
/5مواجهة املشكالت الرتبوية املختلفة ،فكثري من مشكالتنا الرتبوية املعاصرة ال ميكن فهمها إال يف ضوء دراسة العوامل
والقوى اليت أثرت فيها يف املاضي( .مهشري عمر أْحد ،4116 ،ص.)22
ب-أهداف دراسة أصول التربية:
/1تنمية االجتاهات اإلجيابية حنو األصول الرتبوية واالعتزاز ب شرف مهنة املعلم وأمهيتها يف دفع عجلة اجملتمع حنو الرقي
والسعادة.
/2التعريف بالرتبية لغة واصطالحا وفلسفة والتعريف جبوانب العملية التعليمية مع الرتكيز على أهم األصول اليت تشتق منها
الرتبية مساراهتا( .األصول الفلسفية التارخيية ،النفسية)...
/3تشجيع الطالب والطالبات على االستفادة العلمية والعملية من مبادئ ومنابع الرتبية على حسب ختصصه.
/4تكوين فكرة عامة حول كيفية إصالح الفرد واألسرة واجملتمع والنهوض باألمة.
/5التعرف على بعض اآلراء لعلماء الرتبية يف مفهوم الرتبية وأصوهلا.
/6تأصيل فكرة املعاصرة واألصالة وأن ال دين اإلسالمي أساس العملية الرتبوية ،وأن النظريات الرتبوية احلديثة النافعة تنسجم
متاما مع مبادئ ديننا احلنيف ،ومن جهة أخرى فإن األصول الرتبوية تستمد من الدين اإلسالمي الرؤى واحلقائق.
34
/7ربط املتعلم بنصوص تراثية متنوعة تعكس أصول الرتبية يف كتابات املفكرين األوائل عند العرب وغريهم.
/8دراسة بعض املؤسسات االجتماعية الرتبوية كاألسرة واملدرسة والرتكيز على طبيعتها واألدوار اليت تقوم هبا ومدى حيوهتا
وأمهيتها.
/0دراسة الواقع الرتبوي والتعليمي بصورة نقدية مثل دراسة األمية وانعكاساهتا وكيفية مواجهتها.
-2-3العوامل والقوى المؤثرة في حركة الفكر التربوي:
هناك من علماء الفكر الرتبوي والرتبية املقارنة احملدثني من أمثال (كاندل ،نيقوال ،هانز) وغريهم من يرى أن شخصية األمة
هي نتيجة تفاعل للعوامل التارخيية واجلغرافية والدينية واللغوية والساللية ،والبد للنظم التعليمية أن تتأثر هبذه العوامل ،ولقد
توصل (هانز) إىل ثالثة جمموعات من العوامل كان هلا دور يف حتديد نظم الرتبية والتعليم اليت درسها.
أ /العوامل الطبيعية :وتشمل :اجلنس واللغة والبيئة مبناخها واقتصادياهتا.
ب /العوامل الدينية :وتشمل الدين أو األديان اليت تسود يف اجملتمع.
ج /الالدينية :وتشمل املذاهب الفكرية والسياسية( .نفس املرجع ،ص.)43
/8العامل الديني :الدين من أهم العناصر اليت تشكل ثقافة اجملتمعات وحتدد قيم ومفاهيم األفراد فيها ،وأمنا تفكريهم
وعاداهتم وتقاليدهم ووجهة نظرهم إزاء احلياة والكون والوجود ،وتوضح دراسة الفكر الرتبوي مدى تأثر آراء املفكرين واملربني
وبالتايل النظم الرتبوية بالعامل الديين ،حدث هذا يف أوروبا املسيحية ويف الشرق ،وعلى شكل وتصميم املباين املدرسية ،بل
إن حالة اجلو واملناخ هلا تأثريها على دافعية التالميذ وتعلقهم بقيمة التعليم واملثابرة على حتصيليه.
/4العامل السياسي :ليس التعليم عمالً تربويا فحسب ،إمنا هو عمل سياسي يف املكان األول ،ولذلك فليس غريب أن
تكون سياسة التعليم يف جمتمع معني انعكاس لنظامه السياسي ،وما يتضمنه هذا النظام من قيم وتوجهات ومعتقدات ومهما
كان إ مياننا بالغايات النهائية للعملية الرتبوية اليت تنبع من تصور معني لإلنسان وقيمته ومكانه يف اجملتمع ومصريه ،فإننا جيب
أن نؤمن أيضا بأن الرتبية قوة اجتماعية خطرية يستخدمها اجملتمع أو الدولة لتحقيق غايات أو أهداف سياسية خاصة يتبناها
اجملتمع وتدافع عنها الدولة.
-وقد ال ختتلف الغايات النهائية للرتبية بني جمتمع وآخر أو بني دولة وأخرى ،وإمنا ينبع اخلالف وقد يشتد عند حماولة
تفسري أو ترمجة هذه األهداف إىل إجراءات ومناهج ،ولعلى التاريخ يزخر بأمثلة توضح كيف أن التوجهات السياسية ونوعية
35
السلطة احلاكمة كانت عامال رئيسيا يف تشكيل الفكر الرتبوي ،ويف توجيه النظم التعليمية ،ولعلى هذا التأثري قد وضح بصفة
خاصة عند صياغة األهداف الرتبوية والتعليمية أو موقف األهداف من قضايا أساسية .مثل:
/1مفهوم المواطنة :مبا يعين نوعية القيم واحلقوق والواجبات اليت يراد للتعليم أن يكتسبها لألفراد.
/2مفهوم تكافؤ الفرص التعليمية :وما ينطوي عليه من إتاحته فرص التعليم أمام كافة الطبقات االجتماعية من دون متييز
من لون أو عرق.
/3مفهوم الحراك االجتماعي :وما يتضمنه من توجيه سياسي لتحريك فئات أو شرائح اجتماعية معينة يف السلم
االجتماعي.
/2مفهوم دميقراطية التعليم وما ينطوي عليه من حريات يتدرب عليها األفراد وتشجع عليها السلطة احلاكمة.
(نفس املرجع ،ص.)42
-3عامل اللغة :تعد اللغة أحد العناصر األساسية يف ثقافة أي جمتمع ،يؤكد (أبن خلدون) دور اللغة يف تكوين اهلوية
فيقول ":إن اللغة هي أ هم الروابط املعنوية اليت تربط الفرد البشري بغريه من الناس ،فاللغة قادرة على إحداث هذه الروابط
ألهنا أ وال واسطة التفاهم بني األفراد مث هي فضال عن ذلك واسطة نقل األفكار واملكتسبات من اآلباء إىل األبناء ومن
األجداد إىل األحفاد ،ومن األسالف إىل األخالف".
وعلى ذلك فإ ن وحدة اللغة توجد نوعا من الوحدة الفكرية والعاطفية لدى األفراد يف اجملتمع ،ويصبح التعليم هو أداة اجملتمع
يف بلوغ هذه الوحدة الفكرية ،ومثة تأثري لعامل اللغة يف تشكيل مضمون الفكر الرتبوي وتوجهاته ويتضح هذا التأثري فيما
يلي:
/1إن املفاهيم واألهداف الرتبوية اليت نادى هبا املفكرون والفالسفة قد صبغت بلغة تلقي قبوال ورواجا من أبناء اجملتمع.
/2إن قوة األفكار الرتبوية واستمراريتها كانت تتوقف دوماً على عوامل اللغة ،باعتبار اللغة اليت تسود يف ثقافة اجملتمع هي
لغة الغالب وأن اللغة اليت تتوارى هي لغة املغلوب.
/3أن كثري من توجهات الفكر الرتبوي عرب التاريخ اعتمدت على تأثري اللغة يف تكوين معتقدات األفراد حدث هذا دائما
وقد وضح بصفة من توجهات الفكر الرتبوي اإل سالمي الذي اعتمد على ترسيخ اللغة العربية كلغة للتعليم والثقافة ،وألهنا
اللغة اليت عظمها القرآن الكرمي .قال تعاىل(( :قُ ْرآَنًا َعَربِيًّا َغْي َر ِذي ِع َو ٍج لَ َعلَّ ُه ْم يَتَّ ُقو َن))( .الزمر)41 :
36
-4العامل االقتصادي :ويتعلق بنوعية األنشطة اليت ميارسها السكان يف جماالت العمل واإلنتاج ،واملوارد املادية والبشرية
اليت ميتلكها اجملتمع لتحقيق أ هداف النظام االقتصادي ،ومثة عالقة وثيقة بني النظام االقتصادي والنظام التعليمي ،وهي
العالقة اليت حركت تفكري فالسفة الرتبية يف إقرار مفاهيم وأنظمة تربوية ختدم النظام االقتصادي يف اجملتمع ،وميكن بيان قوة
تأثري العامل االقتصادي على تشكيل الفكر الرتبوي عرب مسرية التاريخ ،فاجملتمعات البدائية اليت يعيش أفرادها على الصيد أو
القنص أو الرعي ال حتتاج إ ىل نظم متقدمة للتعليم ،بل توجد هلا مؤسسات خاصة به ،حيث أن عمليات الرتبية والتنشئة
االجتماعية اليت تتم داخل األسرة أو اجملتمع مباشرة تعد الفرد ملزاولة مجيع األعمال اليت تتطلبها احلياة البدائية ،أما يف
اجملتمعات الزراعية التقليدية فتحتاج إىل أنواع ومستويات معينة من التعليم موجهة ناحية النشا الزراعي ،ويف اجملتمعات
الصناعية فتزداد حاجاهتا إىل التعليم املتخصص القائم على تعلم مهارات التقنية ،والشك أنه عندما يزداد التقدم الصناعي
نتيجة استخدام العلم أو التكنولوجيا احلديثة ،فإن احلاجة سوف تزداد إىل نوعيات من التعليم تفي مبطالب اجملتمع الصناعي.
(نفس املرجع ،ص)46
ج-مفهوم تاريخ التربية :هو علم استعراض ونقد وتقييم مناذج الرتبية يف اجملتمعات البشرية ودراسة املراحل اليت مرت هبا ،مبا
تتضمنه من أساليب ومناهج وأنظمة تعليمية وأفكار وفلسفات اليت وجهت الرتبية وأثرت فيها.
د-موضوع تاريخ التربية :يتعلق موضوع تاريخ الرتبية مبعاجلة الرتبية من منظور التارخيي ،ويتعلق موضوع التاريخ باألحداث
واألشخاص والعالقات الزمنية واملكانية ،وحماولة تفسري كل هذه األمور تفسريا ذات معىن يربط بينها وينظم عالقاهتا ،وعلى
هذا األساس ميكن أن نفهم أن موضوع تاريخ الرتبية يتعلق بالتأريخ لقطاع واحد من قطاعات الثقافة اإلنسانية العريضة وهو
قطاع الرتبية( .إميان ْحدي ،4141 ،ص.)89
ه-أهمية دراسة تاريخ التربية للمشتغلين بالتربية بصفة خاصة:
/1ال يكتمل إعداد الطالب يف كليات الرتبية بدون التعرف على تاريخ النظريات واألفكار الرتبوية عرب العصور ،ودراسة أمور
التعليم يف بلده ويف غريها من بالد العاَل ،والقوى املؤثرة يف تشكيلها وتوجيهها.
/2دراسة تاريخ الرتبية تؤكد العالقة الوثيقة بني الثقافة والرتبية وبني النظم اجملتمعية (سياسية ،اقتصادية ،اجتماعية ،دينية)..
وبني الرتبية ،كما تفسر إىل حد كبري ملاذا وجد منوذج دون آخر يف جمتمع ما؟ ،واألهداف اليت كان يسعى إىل حتقيقها
العوامل اليت أدت إىل جناحها وفشلها.
37
/3معرفة األصول التارخيي للرتبية تكسبنا النظرة العلمية النقدية اليت يف ضوئها نربط األسباب بالنتائج وتقيم اخلربات
واملواقف الرتبوية ،والتنظيمات يف ضوء الظروف اليت نشأت فيها ،ومن مت تكتسب وجهة نظر أكثر مرونة وأكثر تبصريا.
/4توفري قدر كاف من احلقائق التارخيية اليت تعني الدارس على الوصول إىل الفروض والنظريات املتعلقة بالرتبية من املنظور
التارخيي.
/5مساعدة الدراسة على القيام بتفسري احلقائق املتصلة بتطور الفكر الرتبوي ،وذلك باالعتماد على املادة التارخيية ومنهج
تصنيفها يهدف الوصول إىل إصدار أحكام سليمة.
/6إثراء القدرة على التذوق التارخيي ،وذلك بتتبع األصول األوىل للظاهرات املختلفة وحماولة ربط املاضي باحلاضر فيما
يتعلق بقضايا الرتبية والتعليم.
/7حماولة تفسري بعض مسائل التعليم املعاصر يف ضوء التطور التارخيي هلا وذلك بالتزود بقدر كاف من اخلربات والتطبيقات
الرتبوية يف املاضي وتفسري هذه اخلربات مبا يفيد توجيه العملية الرتبوية توجيها سليما.
/8تنمية القدرة على اكتشاف العالقة بني النظريات الرتبوية املختلفة وبني التطبيقات العملية هلا داخل املدرسة ،وإرجاع
النظريات إىل إطارها االجتماعي الثقايف الذي ولدت فيه.
/0تكوين مفهوم سليم ملعىن التطور وما يرتبط به من عناصر البطء والسرعة يف حركة التاريخ وقيمة الذكاء اإلنساين يف صنع
التقدم االجتماعي ومكان الرتبية من هذا كله( .نفس املرجع ،ص)422
-3-3تطور الفكر التربوي عبر العصور:
-1-3-3التربية في المجتمعات البدائية :استمرت حياة اإلنسان األول يف التعقيد والتشابك وتطورت حياته االجتماعية
من العزلة إىل التعاون وأ خذت التنظيمات االجتماعية يف الظهور وخاصة بعد استقراره يف وديان األهنار ،وتكونت األسر مث
العشائر والقبائل وتكونت لكل مجاعة جمموعة من النظم والطقوس الدينية وأوجه النشا املختلفة اليت ميارسها ،كما أصبح
هلذه التجمعات أهداف مشرتكة ،وبدأ التوسع وتكوين اإلمرباطوريات وانتقلت تبعا لذلك الثقافة واشرتت من بلد آلخر ،وزاد
االتصال والتبادل التجاري ومنت احلضارة بأبعادها املختلفة من صناعة وأدب وفن ،ونشأت طبقة الكهنة واألطباء والسحرة
الذين قاموا بوظائف الرتبية يف هذه اجملتمعات األوىل ،كما تولوا تفسري ظواهر العاَل احمليط باإلنسان األول واالتصال هبذا
العاَل واسرتضاء اآلهلة ودرء اخلطر عن اجلماعة( .إميان ْحدي ،مرجع سابق ،ص.)32
38
*السمات العامة للتربية البدائية:
أ /أهداف التربية البدائية :كان اخلوف أقدم حافز للتعليم ،فاإلنسان القدمي كان مهددا بالقوى اخلفية اليت تسبب الكوارث له
و ألسرته ،وَل يكن خوفه قاصرا على األشياء احلية بل امتد إىل اجلماء أيضا العتقاده أن هلذه اجلمادات (أشجار ،صخور،
عواصف) أزواجا ميكن أن ترضى وتغضب ،وحتل به نقمتها ،ونتيجة هلذا اخلوف من اجملهول واخلوف من املستقبل أدرك اإلنسان
القدمي أمهية توفري األمن له وألسرته وقبيلته ،وبدأ اإلنسان القدمي ميارس جمموعة من الشعائر والطقوس السرتضاء هذه األرواح
اخلفية ،وينقل هذه اخلربات إىل اجليل األصغر بواسطة الكبار يف اجلماعة.
/1تدريب الفرد على القيام بأعمال العشرية من صيد أو قنص أو مجع ،حىت حيصل على قوته الضروري وقوت باقي أفراده.
/2تلقني الفرد األفكار واملعتقدات اليت تؤمن هبا العشرية واليت تتكون منها البيئة الثقافية هلا.
/3إدماج الفرد يف اجملتمع عن طريق إشراكه يف الطقوس الدينية واالحتفاالت واألعياد اليت تشرتك فيها العشرية.
/4إشعار الفرد باألمن واالستقرار واالعرتاف به كائنا ذا قيمة وإرضاء حاجاته اجلسمية والنفسية.
وبالتايل فالرتبية يف اجملتمع البدائي تعمل على وضع الطفل يف القالب االجتماعي الذي تعيش فيه أسرته وعشريته ،إذ تقوم
بتعليمه السلوك االجتماعي الذي يتفق مع العشرية واحلرفة اليت حيرتفها ،وتلقينه األفكار وتعلمه الطقوس الواجب عليه إتباعها يف
(نفس املرجع ،ص)36 الظروف املختلفة ،وتريب فيه الشعور بالوالء للكبار والشيوخ واآلباء.
ب /أنماط التربية :تتضمن الرتبية البدائية منطني:
/1التربية النظرية :وتتضمن الرتبية الدينية والفنية واملوسيقية واألدبية والعقلية.
/2التربية العملية :وتتضمن الرتبية البدنية وتعليم األطفال حرفة الصيد والقنص والغزل ودبغ اجللود والقيام مبهام احلروب
بالنسبة للذكور (التدريب العسكري إىل جانب صنع األسلحة) وتعليم إعداد الطعام والبحث عن املأوى بالنسبة لإلناث.
*المؤسسات:
/1األسرة :هي الوحدة االجتماعية األوىل اليت تتوىل أمر التعليم العملي لإلنسان البدائي ،فاألب هو املعلم األول يف األسرة
وكذلك األم وباقي األفراد الكبار ،إذ يقوم األب بتعليم أبناءه عادات وتقاليد وأفكار اجملتمع ،كما يدرهبم على احلرفة اليت يتقنها
ويدرهبم على القتال وصنع األسلحة ،وتقوم األم بتعليم البنات أعمال املنزل مثل طهي الطعام وإعداد املالبس...
39
/2الكهنة والسحرة ورجال الطق :وتوكل إليهم عملية الرتبية النظرية ،فهم الذين يقومون بتفسري مظاهر البيئة اليت حتيط
بالرجل اهلمجي ويتصلون بعاَل األرواح ،ومن مث هم املسؤولني عن توجيه سلوك القبيلة وتصريف األعمال والقيام بالطقوس
الدينية ،والعبادات كلها متثل أول بداية لرتبية اجلنس البشري تربية نظرية ،وقد يشارك الكهنة والسحرة أحيانا زعيم العائلة ،مث
تطور األمر إىل نوع من التخصص ،حيث اقتصرت مهمة الكهنة على العلم الديين ،...،ويتضمن التعليم الديين تلقني جمموعة
من التعاليم الدينية والتدريب على طقوسها ،وتظهر هذه التعاليم يف جمموعة من القوانني العامة ميكننا تطبيقها عمليا ،هذا
التطبيق يستلزم التدريب على أعمال معنية مرتبطة باحلفالت الدينية الغناء ،الرقص ،تقدمي القرابني ،)...ويقوم رجال الدين
بتدريب الشعب على هذه األعمال( .نفس املرجع ،ص)39
ويتوىل رجال الدين إىل جانب ذلك نشر الدعوة والتعليم بني طائفة الرهبان اجلديدة ،وهذا يستلزم نوعا مميزا من التعليم أرفع مما
يتقدم لعامة الشعب ،يقوم به طبقة من الكهنة املستبشرين ،وهبذا التعليم األخري تتكون (املدرسة) بكل معاين الكلمة يف العصر
احلديث ،وكانت أول نشأة هلا هلذه املدارس أيام قدماء املصريني.
هناك جمال ثان جتلى فيه تقدمي وظيفة الرتبية على يد الكهنة هو االهتمام بالعلوم الكونية واملبادئ الفلسفية والرياضيات والعلوم
الطبقية واحليوية ،وهذا االهتمام عربت بعقيدة البدائي مرحلة حياة اجلمود أو مرحلة التفسري الروحي إىل مرحلة البحث فيما وراء
الطبيعة ،وكل هذه املعلومات اليت اختصت هبا طائفة الكهنة كانت شرا خفيا على عامة الناس.
أما اجملال الثالث لتقدمي الرتبية على يد الكهنة فنجده يف اخرتاع لغة الكتابة لالحتفاظ بالطقوس الدينية والشعائر والتفاسري
الفلسفية والكونية والعملية ،وتطلب ذلك من الكهنة اإلملام باللغة املكتوبة وباآلداب اليت تتضمنها تلك اللغة.
*التنظيم :كان هناك تنظيم قليل يف التعليم البدائي ،وَل تكن هناك مراحل للتعليم وال مستويات دراسية ،وكان معظم التدريب
يعطي بطريقة عشوائية عرضية ال يشمل إال األنشطة والواجبات الضرورة لألسرة والقبيلة ،ورمبا كان املظهر الوحيد للتنظيم يف
التعلم البدائي هو االحتفاالت اهلامة اليت عن طريقها يتعلم الشاب املراهق االنتقال إىل حياة الرجولة الكاملة وعضوية القبيلة.
(نفس املرجع،ص)21
*طرق التربية البدائية :ما قام به اإلنسان القدمي فإنه َل يتعد التدريب التقليد الالشعوري الالمقصود ،فهو َل حياول مطلقا
التفسري أو التعليق بل كان يرى العمل ويعرف كيف يعمله ،بطريقة املالحظة تارة وباحملاولة تارة أخرى ،وبتكرار التقليد وحبذف
األخطاء يصل الطفل البدائي إىل مرحلة االتقان ،وبظهور نظام الطبقات وبتوزيع العمل تصبح عملية التقليد عملية شعورية
41
ولكنها ال تصبح عملية تعليم عقلية ،ويف املراحل املتأخرة لنمو البدائي ظهرت طريقة التقليد ،وبدأ الكبار يتدخلون يف توجيه
النشء والشباب لالقتداء هبم وتوجيه سلوكهم ،وكان واجب الشباب أن يقبلوا دون اعرتاض عادات قبيلتهم ،استخدمت
طريقة احملاولة واخلطأ يف نطاق ضيق يف بعض األعمال اليت تتعارض مع العرف أو احملرمات ،واستخدمت طريقة الوعظ
واإلرشاد عن طريق الكهنة خاصة فيما يتعلق باألنشطة اخلاصة.
-الدروس المستفادة من التربية البدائية :إن سر قوة الرتبية يف اجملتمعات البدائية يكمن يف أمرين رئيسني:
األول :جناح هذه اجملتمعات يف تربية صغارها وإ دماجهم يف جمتمع الكبار ،فقد استهدفت األساليب الرتبوية للمجتمعات
البدائية مساعدة الفرد على أن يصبح جزء متكامال مع ثقافة اليت ينتمي إليها ،على عكس ينشأ الطفل املعاصر غريبا على
جمتمع الكبار ألنه يف معظم حياته ال جيد اجملال الكايف لالحتكاك هبم.
الثاني :متيز الرتبية البدائية بإثارة الطفل للرتبية وإ قباله على التعلم بدافع داخلي واستثارة حقيقية ،يف حني أن الطفل احلديث
جيد أن كثريا مما يدرسه يف املدرسة نظريا وجافا ومعزوال عن دنيا حياته( .نفس املرجع ،ص.)23
-2-3-3التربية في الحضارة المصرية(الفرعونية):
إن املنجزات املادية وغريها هي نتاج سياسة تعليمية عملية ال ينبغي أن يغفل عنها املريب ،فإن كانت مبانيهم رائعة فإن
حبهم للكتاب واملكتبات أروع ،فحصيلة العلم والفكر والتفاين يف العمل عز وتفوق وجمد.
-قبل حوايل (311ق.م) عرف املصريون القدماء نظام الكتابة وما زالت آثارهم الباقية تبهر العقول ،لقد برع املصريون يف
علوم كثري منها علم اهلندسة والطب والزراعة والفنون اجلميلة كالرسم والنحت واملوسيقى ،كان املصريون أصحاب عملية إىل
أبعد احلدود ،وأعظمها آثارهم اخلالدة ورسوماهتم الساحرة.
-ومن الناحية الدينية فحظه كحظ احلضارة الغريبة احلديثة ،حيث الفارق بني تطورهم املادي ونظامهم الروحي ،ميكن
مالحظته بوضوح ،فلقد عبد الفراعنة الشمس وقدسوا احليوانات ولقد قام (أخناتون)(8353-8329ق.م) باختبار إله
واحد وهو الشمس فعبدوه ومن الناحية االجتماعية ،لعبت املرأة دورا مذكورا على ساحة األحداث العامة ،وكانت للمرأة
الفرعونية منزلة عظيمة يف اجملتمع( .الكندري لطيفة حسني ،و ملك بدر حممد ،4111 ،ص.)15
كان النظام التعليمي يركز على حفظ املعلومات وتنمية املهارات مثلها ميثل احلضارة السومرية ،وكان على املتعلم أن يبدأ
من البسيط إىل املعقد وكان التعليم مرتبط بأمهية اإلنتاج والعمل.
41
إن التعلم العايل كان مقره غالبا املعابد ،ومن أشهر املعابد جامعة (أون) أي (عني الشمس) ،ومعبد (الكرنك) (وادفو) ،وأن
األطفال من سن (88-5سنة) كانوا يتعلمون "قراءة وكتابة اللغة اهلريوغليفية ،...وكانوا يدونون نصوصهم الدينية على
خشب األبنوس والعاج وصفحات ورق الربدي ،كان التعليم يف مراحله األوىل حيصل عليه عامة الناس ،أما التعليم العايل
فكان من مجلة احلقوق اليت ال يناهلا ويتمتع بنورها إال أبناء الفراعنة النبالء.
ومن احلكم املصرية املأثورة يف ميدان التعليم قوهلم يف حتديد شأن الكتابة "كن كاتبا تبلغ اجملد والثروة" ،وقوهلم "تذكر يا بين
أن أي مهنة من املهن حمكومة بسواها إال الرجل املثقف فإنه حيكم نفسه بنفسه".
ومن العبارات املنحوتة على جدار مصري فرعوين "سأجعلك يا بين حتب الكتاب...كما حتب أمك...أو أكثر" ألن
الكتاب ال مثي ل له ،فلقد اهتم القدماء يف مصر بتعليم القراءة للطفل كما يعلمونه املشي واألكل "هنا عالج الروح"" ،هنا
بيت عالج النفس" ،كلمات كانت تكتب على جدران املكتبات املصرية القدمية مثل( :مكتبة معبد رمسيس) و(مكتبة معبد
ادفو)( .نفس املرجع ،ص)26
مث ينتقل هذا الشعار إىل احلضارات األخرى ويف ذلك داللة واضحة على أن الكتاب ميكن أن يستخدم يف عالج الروح إذا
سقمت والنفس إذا اعتلت ،وهذه العبقرية املصرية تسمى يف العلوم املعاصرة بالعالج بالقراءة ،وهذا العلم من العلوم تندرج
حتت علم النفس وتعين استخدام الكتب يف عالج املرض.
ركزت الرتبية املصرية على قضية البعث والنشور واعتناء الفراعنة ببناء األهرامات وعلم التخليط يدل تعدد اآلهلة عند
املصريني القدماء على تربية دينية قلقة تتخللها صراعات سياسية لفرض عقائد وثنية على اجملتمع.
*بعض قسمات التربية عند المصريين القدماء:
ّ /1
كون املصريون نظاما للكتابة وجنح اخلط اهلريوغليفي يف تعليم املصريني ونقل الرتاث إىل العصور األخرى ،وما زالت هذه
الكتابة متد الباحثني واملؤرخني يف علم املصريات بالكثري من املعلومات التارخيية.
/2عرف املصريون القدامى املكتبات العامة وكان ختزين الكتب يتم بإشراف متخصصني حيرصون على حسن تنظيمها
واملبالغة يف احلفاظ عليها.
/3استخدم املصريون األشكال اهلندسية والرسومات على أوراق الربدي وعلى اجلدران كوسيلة من الوسائل احلسية لتوصيل
املعلومات.
42
/4بلع التعليم إىل مرحلة التخصص الدقيق يف علوم متنوعة إذ ظهر التعليم العايل لتغطية حاجة اجملتمع ،وَل تكن الرتبية
األساسية واملتوسطة هي هناية الطريق.
/5امتازت احلضارة املصرية بالتميز واإلبداع والتفوق ،فالبناء اهلندسي لألهرامات واملعابد واملقابر مثال من الشواهد الدالة
على درجة عالية من االتقان يف اإلنتاج ،والشك أن النظام الرتبوي كان خلف هذا النجاح.
/6لعب الدين دوراً عظيما يف مجيع احلضارات ،والرتبية الدينية اليت شكلت ثقافة الناس َل تكن سليمة احملتوى ،حيث
توجها أنظار املصريني إىل الفضاء فعبدوا الشمس كما عبدوا احليوانات وظنوا أن أرواح اآلهلة حتل يف التماثيل ،أمنوا بالبعث
بعد املوت كما أمنوا باجلنة والنار وخلود األرواح ،لذلك كانت وظيفة املؤسسات التعليمية أن تقوم بتعليم الناس الطقوس
الدينية اليت كانت حافلة باألساطري واخلرافات والطالسم.
ّ /7
رسخ النظام الرتبوي يف مصر قدميا الطبقية يف اجملتمع ،حيث كان التعليم يُعزز دور الكهنة الذين كانوا يقودون احلركة
التعليمية ويوفرون الرتبية الراقية ألبناء النبالء ،ورجال البال .
/8عرف املصريون مؤسسات خاصة بالدراسات العليا وبنوا املعابد اليت ترعى العلم مثل معبد الكرنك.
/0كانت الرتبية بالعقوبة البدنية وسيلة قاسية من وسائل الرتبية يف ذلك العصر( .نفس املرجع ،ص.)61
-3-3-3التربية عند اليونان:
يعرف الفكر الرتبوي عند اإلغريق بالتنوع الشديد (فسقرا ) و(أفالطون) ينزعون إىل املثالية يف حديثهم عن العدل واخلري
واجلمال ،بينما مييل الفيلسوف اليوناين (أرسطو) إىل الواقعية يف حني يذهب السفسطائيون إىل اجلدل والشك يف كل
املسائل.
إن احلضارة اليونانية والرومانية استطاعت التغلغل يف الثقافة الغربية احلديثة لتصبح أصالً من أصوهلا الفكرية،وحىت بذور فكرة
الدميقراطية يعتقد بعض الباحثني أهنا كانت من أدبيات أفكار اليونانيني،ومن الثابت تارخييا أن الغرب عرف علوم اليونان عرب
الرتاث اإلسالمي العريب الذي ساد بالد األندلس ومن خالل احلروب الصليبية اكتشفت الغرب علوم اليونان ،درس اإلغريق
علوم اليونان ،درس اإلغريق علوما كثرية وأمهها علم اإلهليات ،لقد تكلموا عن اجلوهر ،والطبع والفعل واخلري ،واملكان
واألجناس ،واألبدان والروح ،والبعث والنشور والعدل ،وهي من القضايا الدينية الفلسفية الشائعة والشائكة ،واليت شغلت
مساحات واسعة من كتبهم.
43
*أثينا وأسبرطة :مها املدينتان اهلامتان يف تاريخ اليونان ،ورغم اختالف نظمهما السياسية وطبيعة احلياة االقتصادية فيهما،
إال أهنما اتفقتا يف جعل الرتبية وسيلة إلعداد املواطن الذي خيدم بلده ،فيحفظ األمن داخليا كما يدفع هجمات الطامعني
فال يهاب احلروب وال يقبل اهلزائم واالستسالم( .نفس املرجع ،ص.)68
*في أسبرطة :كانت االسرتاتيجية التعليمية تركز على التدريبات العسكرية املستمرة لنخبة معينة من أبناء اجملتمع ليكونوا
مواطنني صاحلني ،لعبت الدولة دوراً بارزاً يف صياغة النظام التعليمي الذي كان يسوده اجلمود والقسوة والتسلط ،الشجاعة
النابعة من التمرينات الرياضية الشاقة كانت من أهم القيم الرتبوية يف حياة الفتيان والفتيات وكانت كل املواعظ املتوارثة
والتدريبات القاسية تعمل على ترسيخ هذه الفضيلة يف نفس املواطن اإلسربطي لدرء املخاطر اخلارجية ،وتأمني حياة قوية
وحضارة متفوقة.
انبثقت جمموعة قيم اسربطية من قيمة الشجاعة مثل :شيم الصرب والتعاون وحتمل املشاق وضبط النفس والثبات واخلشونة
يف العيش والطاعة العمياء للقادة والوالء املطلق هلم واحرتام النظام.
متتع التعليم يف أثينا حبرية سياسية ومال إىل إعالء شأن الفكر ،فركز على املهارات العقلية واآلداب االجتماعية ومث استخدام
التهديد والضرب حني احلاجة بغرض التقومي ،وكانت املهارات العقلية متصلة بالفنون كما يُستخدم الشعر للغناء ،والقت
املناقشات الفكرية القائمة على مهارة اخلطابة تشجيعا كبرياً كانت الرتبية الرياضية للطفل هتدف إىل إعداد املواطن القوي
جسديا والقادر على الصمود واالنتصار.
الرتبية العسكرية يف أسبرطة مبنية على الشدة والعنف يف تربية األحداث حىت إذا ناهز الغالم احللم ،فإن الرتبية تزداد شدة
من خالل املزيد من التمارين الشاقة ،إذ أ ن املراهق يف فلسفتهم السائدة هو شخصية جاحمة جيب أن تضبط من خالل
اشتغاهلا باألنشطة.
حركة السوفسطائيني من أبرز احلركات الفكرية اليت ظهرت يف اليونان فهم ينكرون وجود حقائق ثابتة يف احلياة وجيادلون يف
أن ما يراه أحد باللون األبيض قد يكون عند اآلخر بلون خمتلف متاماً ،مما جعل اجلدل يف البديهيات يستفحل يف املدينة.
جند أن الرتبية املوسيقية القت عناية فائقة وبلغت شأنا عظيما إذ انتبه اليونانيون إىل أثر النغمات واألحلان يف مالمسة
أحاسيس اإلنسان.
44
(أبو قرا ) هو أبو الطب ،ألنه هنض هبذا العلم وأفاض تعزيزه بالتجربة والدليل ،لقد ناقش (أبو قرا ) املسائل الطبية نظريا
ونشر آداهبا عمليا ،فأصبح قسم (أبو قرا ) من أهم معاَل تاريخ احلركة الطبية يف العاَل أمجع وهذا القسم من أقدم الوثائق
التارخيية النادرة اليت تبني أخالقيات ُممارس مهنة الطب.
كان علماؤهم يُسمون بالفالسفة اإلهليني ،أعظمهم (فيتاغورس) و(سقرا ) و(أفالطون) و(أرسطو طاليس) وهم من أرفع
الناس طبقة وأجل أهل العلم منزلة ملا ظهر منهم من االعتناء الصحيح بفنون احلكمة من العلوم الرياضية واملنطقية ،واملعارف
الطبيعية واإلهلية والسياسات املنزلية واملدنية ،ومجع العلوم العقلية ،مأخوذة عنهم ،ولغة قدمائهم تسمى اإلغريقية.
(نفس املرجع ،ص)62
اليونانيون القدماء هم أول الناس الذين شرعوا يف دراسة الذاكرة ،ولقد ناقشوا أشكال التذكر ،وحتدثوا عن عوامل النسيان
وحاولوا حتديد مكان الذاكرة يف اجلسم اإلنساين ،كما حددوا وظائف ُكل من الدماغ والقلب.
انصرف الفيلسوف (زينون) إىل التدريس يف أحد أروقة ميادين أثينا الكربى ،وكان هذا الرواق ملا حيتويه من صور شهرية
يسمى الرواق املزدان بالصور وكان (زينون) يسري يف التعليم على طريقة الفيلسوف (أرسطو) الذي علم تالميذه وهو يتمشى
ذاهبا عائدا بينما كانوا يتحلقون حوله ما شني جبواره مستمعني إليه حماورين له ...ولذلك نسب (زينون) إىل الرواق ،ونسب
إليه تالميذه الذين حافظوا على طريقته يف التعليم يف أروقة املعابد ،آنذاك فقيل هلم (الرواقيون).
احلكيم (إيسوب) من أبرز األدباء الذين تركوا حكايات خالدة دخلت ذاكرة الثقافة العاملية ،ورغم اخلرافات اليت أوردها إال
أنه أعطى القصص قوة هائلة كقناة من قنوات العظة األخالقية ،إذ أن (إيسوب) جعل احلكمة وفنوهنا تنساب من فم الطيور
واحليوانات ،وسخر اخليال لألغراض التعليمية ،فغرس احلكمة يف النفوس من دون استخدام الكلمات اجلافة واألفكار اجملردة،
ما زالت مكتبة الطفل على مستوى العاَل تستوحي من قصص (إيسوب) حكايات بال حصر( .نفس املرجع ،ص)65
أكثر من 4511سنة ما زالت الشعوب تروي قصة السلحفاة اليت سبقت األرنب بسبب الغرور ،وقصة األب واالبن
عندما ركب أحدمها احلمار فتحدث عنهما الناس بسوء ،فإرضاء الناس غاية ال تدرك وما زال الناس يذكرون بإعجاب قصة
الغراب واجلرة ،وقصة الفأر الذي أنقذ األسد من الشباك ،وقصة األسد والثريان الثالثة ،إذ فرق األسد بينهم مث افرتسهم
والراعي الكاذب والذئب ،كثرية هي القصص اليت تعرفها من الصفر ،ولكن جنهل جذورها هي أساطري منسوبة إىل (إيسوب)
من عهد بعيد.
45
إن بعض األفكار الرتبوية املعاصرة مبا كان سائدا يف اليونان ،فما زالت الدول والشعوب تتخذ من الرتبية الوطنية أساس
للتعليم ومن الرتبية البدنية والعقلية والعسكرية أساسيات إعداد املواطن الصاحل ،وفوق ذلك كله أجنبت اليونان أبرز رواد
الفلسفة والرتبية والطب والتاريخ ،وما زالت دراسات (سقرا ) و(أفالطون) و(أرسطو) تدرس يف اجلامعات واملعاهد
والكليات يف مشارق ومغارب األرض ،تنهل كليات املعلمني واملعلمات إىل يومنا هذا من عصارة فكر السابقني ،وما زال
مرياث علماء اليونان أساس الفلسفة ومسائلها السائدة( .نفس املرجع ،ص)62
-4-3-3التربية عند الرومان:
احلضارة الرومانية من احلضارات اليت عاشت ملدة مئات السنني ولعبت دوراً يف تاريخ الفكر البشري احلضارة الرومانية وريثة
احلضارة اليونانية ،حيث حولت اآلراء الفلسفية السابقة إىل نظريات وابتكارات مادية ملموسة ،لقد حتولت النظريات املنطقية
والعلوم األكادميية إىل إجنازات علمية نفعت الرومانيني ،كانت الرتبية عند الرومان تقوم على التقليد والقسوة يف دفع املتعلم
إىل الدراسة( .الكندري لطيفة حسني وملك بدر حممد ،مرجع سابق ،ص.)66
وعندما تقدمت الرتبية عند الرومان أصبح التعليم يركز على مهارة القراءة والكتابة واحملادثة ،وكان الرتكيز واضحا على تبين
فكرة أمهية اخلطابة يف إعداد املواطن كما فعل (شيشرون) (812ق.م) وهو أحد أعالم الرتبية الرومانية ،آمن (شيشرون)
بضرورة االعتناء الرتبوي بالشبيبة وترك وصايا عديدة هي من أقدم الوصايا الرتبوية الرومانية.
وعلى خطاه جاء (كونتليان)(95-35م) ،إال أنه أسهم إسهاما بارزا يف حقل التعليم عندما أكد على أمهية تعليم الصغار
يف املدارس ،إذ كان السائد من قبل أن الطفل يدرس أكثر وقته يف حميط األسرة وشن(كونتليان) هجومه على استخدام
العقاب البدين ،فلم يقر به واعتربه صورة متخلفة ،مجع هذا املفكر يف عمله كمعلم-بني التعليم اخلاص والتعليم العام ،حيث
عمل يف تدريس أ بناء امللوك السمة العامة لنمط الرتبية الرومانية هي التمحور حول الرتبية األخالقية ،وإعداد اخلطيب والرجل
النبيل ،ولقد ترك (كونتليان) املريب الروماين مقطوعات نثرية هلا قيمة تربوية كبرية ،وكأنه استلهمها من دراسة عميقة ملبادئ
علم النفس احلديث ،فمثال رأيه يف استخدام اللعب كوسيلة من وسائل الرتبية وحديثة عن أمهية الرتويح والتسلية يف جتديد
نشا الطفل من املباحث العصرية ال شك يف أن جتربته يف سلك التعليم كانت ثرية وأتاحت له فرصة التعرف على مفاهيم
تربوية هامة فطالب بتوظيفها يف احلقل الرتبوي( .نفس املرجع ،ص.)66
46
-يقول (كونتليان) "مع هذا فإن مجيع تالمذتنا حباجة إىل االستجمام ،ليس ألنه ال يوجد يف هذا العاَل من يستطيع أن
يتحمل اجلهد املستمر ،حىت األشياء غري املفكرة واجلامدة ما َل يعط فرتات من الراحة ،ولكن ألن الدرس يعتمد على ممارسة
التلميذ أيضا وهي صفة ال ميكن حتقيقها بالقوة ،وكنتيجة لذلك فإهنم إذا ما انتعشوا وعاد إليهم نشاطهم بعطلة (يتمتعون
هبا) ،فإهنم سيعودون بطاقة أ عظم يف تعلمهم ويواجهون عملهم بروح عظيمة من عن ال ميكن أن يرتاجع ،إنين أوافق على
اللعب عند األطفال ،ألنه دليل احليوية وينبغي أن ال يكون هذا االستجمام بغري حدود ،وإال فإن رفض منح عطلة للصبيان
سيجعلهم يكرهون عملهم ،بينما الزيادة يف االستجمام ستعودهم الكسل.
وطالب بضرورة االعتناء بطريقة التدريس ،وقال إهنا أهم شيء يف التعليم.
عرفت احلضارة الرومانية املدارس االبتدائية اليت كانت معروفة باسم (للودوس) واملعلم يسمى (املؤدب) ،أما اآلباء األغنياء
فكانوا جيلبون لصغارهم معلمني أكفاء يالزموهنم يف البيت واملدرسة ،فيقدم هلم التوجيه الالزمة أخالقيا ودراسيا ،وكان اآلباء
األغنياء من الرومان يضعون أبناءهم يف رعاية عبد يطلق عليه اسم "بيداغوج" منذ دخوهلم مدارس (اللودوس) حىت سن
السادسة عشر.
إن األفكار الرتبوية اليت برزت يف (روما) ما زالت بارزة للعيان كتوجهات تربوية ،جندها تؤكد على النمط التعليمي يف التعلم
ذلك النمط الذي يؤكد على الشدة باملتعلمني وضرورة حفظ املعلومات عن ظهر القلب ،وأما توجه (كونتليان) الذي َل
ينتشر كثريا ،فإنه توجه يتماشى مع التوجه احلديث يف علم التنفس الرتبوي ،ألنه يؤكد على فهم طبيعة املتعلم ويركز على
ضرورة احرتام حريته( .نفس املرجع ،ص)69
-5-3-3التربية عند الصينيين:
لعلى احلضارة الصينية من أبعد احلضارات عهداً بالرتبية وأشهرها ذكرا يف التاريخ ،كان الصينيون مييلون إىل التأمل
امليتافيزيقي ،والبحث عن احلكمة الدينية ،فلذلك جند املذاهب الفلسفية مثل -الطاوية والكونفوشيوسية-لعبت دوراً كبرياً يف
تشكيل الرؤى املعرفية واآلداب االجتماعية يف حياة الصينيني منذ القرن السادس قبل امليالد إىل العصر احلديث ،ولقد سبقت
احلضارة الصينية يف علوم كثرية منها الطب فمازالت اإلبر الصينية وسيلة من وسائل العالج يف أقطار العاَل إىل جانب
العالج بالعقاقري واجلراحة ،واشتهر الصينيون منذ القدم باجلد واملثابرة والعمل الدؤوب دون كلل وملل ،وللصينيني تاريخ قدمي
وهلا تربية شرقية عريقة تتسم بالصرامة يف حفظ العادات ،والتمسك بالتقاليد ،وتقدير املاضي ،وتقديس أرواح األجداد،
47
والعمل اجلماعي صيغة كنفوشيوسية قد تقلل من اإلبداع الفردي ،ولكنها أثبتت جدواها فإن اليابان تنهج منهجا تعليميا
يُعلى من شأن اجلماعة ال الفرد ،وبلغت مرتبة تكنولوجية ال تقل عن الغرب القائم على النزعة الفردية املالية.
(الكندري لطيفة حسني وملك يدر حممد ،مرجع سابق ص)11
وركزت الرتبية الصينية على ضرورة عقد االختبارات للطالب ،وعلى أمهية احلفظ للمعلومات ،وَل تنس فلسفة الرتبية الصينية
أن تؤكد على الروحانيات ،ويف اجلانب األخالقي فإهنا اهتمت بإلزام املتعلم بالقوانني والتشريعات ،كان هناك اعتناء بالرتبية
املهنية للعمل يف اجملتمع ونظام التعليم يشرت اجتياز اختبار تثبت متكن املتعلم من فهم وحفظ املناهج ،ولقد اعتىن الصينيون
بشكل خاص بعلم الكيمياء ،هناك صلة مباشرة بني حبهم لعلم الكيمياء وارتباطهم بالقيم الروحية ،إذ كان هدفهم من
دراسة الكيمياء اكتشاف سر البقاء فكرسوا جهودهم يف البحث عن مادة هتب حياهتم اخللود على أن هذا االهتمام
املتواصل قادهم إىل دراسة النباتات فكتبوا عن فوائد الثوم واألعشاب.
وال ميكن فهم اخللفية النظرية للصني من غري التعرف على رواد احلركة الدينية ،ولد (لوتس) ( )laot zuمؤسس الطاوية
يف(ق 12ق.م)(516ق.م) ،وله إصالحات مجة بالنسبة للصينيني منها أن فكرة االصالحي ظل قرابة ألفي سنة
( ،)4111من ركائز الفكر الفلسفي واالجتماعي يف الصني ،اهتم(لوتسو)- ،أي املعلم الكبري -بالروحانيات ،وبالصحة
البدنية من أجل طول العمر ،فأكد على أمهية اختيار الطعام املفيد ،يرى (لوتس) أن يعيش اإلنسان مع غريه باحلب ال
بالعنف ومن ال يعمل عقله ال يشعر باملشكالت( .نفس املرجع ،ص)11
َل تركز التعاليم على العمل الصاحل بقدر ما كانت تركز على حالة التفاعل واالنسجام مع البيئة ،وهو األمر الكفيل بإعداد
اإلنسان لألخالق الفاضلة كان التعليم اليومي لألطفال يف املدارس يبدأ باكراً ،وقد يستمر إىل العصر وحىت الغروب ،وتعترب
اللغة الصينية ذات تفصيالت كثرية يف رموزها وحروفها تستلزم وقتا طويال ملعرفتها ،األمر الذي يتطلب املزيد من اجلهد.
-الكونفوشيوسية :ديانة فلسفية كانت وما زالت مصدر إهلام وإشعاع فكري وروحي واجتماعي وتعليمي يف الصني.
-الفيلسوف احلكيم(كونفشيوس)(269ق.م588 ،ق،م) ،هو املعلم الرتبوي الذي استمر فكره واستقر سحره يف أعماق
الفكر الرتبوي الصيين حىت أطلق عليه "أعظم معلم صيين" ،لعب هذا الفيلسوف دورا هاما يف رعاية الفقراء وحاول أن يقوم
باإلصالحات احلكومية واإلدارية اليت من شأهنا أن تسعد احملتاجني واملساكني ،بدأ رحلته الفكرية مع أستاذه (لوتس) الذي
أنشأ الطاوية ،لكنه سرعان ما اختلف معه وانفصل عنه.
48
وقامت احلركة الكونف وشيسية باستخدام عدة وسائل للتنشئة االجتماعية منها تسخري املناصب السياسية ألغراضهم،
واالعتناء مبهارة مطالعة الكتب ،ودراسة اللغة واآلداب( .نفس املرجع ،ص.)18
واملوسيقى وغرس فكرة تقديس األرواح لتهذيب النفس ،األخالق هي األمر األساسي الذي تدعو إليه الكونفوشيسية ،وهي
تسعى إ ليه برتبية الوازع الداخلي لدى الفرد ليشعر باالنسجام الذي يسيطر على حياته النفسية ،مما خيضعها للقوانني
االجتماعية والقانونية بشكل تلقائي.
-كان(كونفشيوس) مصلحا أكثر منه رجل دين ،احرتم اآلهلة ،وحرص على إقامة الشعائر والطقوس ،كانت عنايته متجهة
إىل إصالح النفس اإلنسانية ،وتكوين جمتمع سليم قوامه احملبة واإلخاء والعدل.
ويرتكز القانون األخالقي عنده على أربع فضائل رئيسية هي:
/1وجوب طاعة الوالد واخلضوع له.
/2وجوب طاعة احلاكم واالنقياد له.
/3على األخ األصغر أن يطيع أخاه األكرب
/4على األصغر أن يلخصوا يف معاملة بعضهم البعض.
وهذه الفضائل يف نظر(الكونفشيوس) خالدة وجيب على كل فرد يف اجملتمع أن يتحلى هبا باستمرار ،ألن االستمرار يف
التحلي بالفضيلة هو نفسه جزء ال يتجزأ من الفضيلة ،التعليم عندهم من أهم العوامل اليت جتعل األفراد يفهمون القانون
األخالقي ،ويسريون عليه ،ولذلك جيب أن يتعلم األفراد آراء القدماء واحلكماء وما ورد عنهم من قصص ،وعليهم أن يطلعوا
على مؤلفات (الكونفشيوس) حىت يلموا إملاما جيدا بآرائهم العامة( .نفس املرجع ،ص.)14
كان األستقراطيون حيتكرون التعليم ،فال يتعلم إال أبناؤهم ،حىت جاء (كونفشيوس) وطبق فكرة التعليم اخلاص ،فكان أول
معلم يفتح مدرسة خاصة يف تاريخ الصنيَ ،ل يهمه األصل العائلي لتالميذه ،وأعد أكثر من ثالثة آالف تلميذ ،وزاد عدد
املتفوقني منهم السبعني.
وظهرت القاعدة الذهبية يف الصني لتنص على أن الفضيلة الكاملة "أن ال تفعل بغريك ما ال حتب أن يفعل بك".
تتميز توجيهات (كونفشيوس) باإلجياز والرتكيز على البعد األخالقي ،فيقول يف موعظته (يضع الرجل األعلى نصب عينيه
تسعة أمور ال ينفك يقلبها يف فكره ،فأما من حيث عيناه فهو حيرص على أن يرى بوضوح ،وأما من حيث وجهه فهو
49
حيرص على أن يكون بشوش ظريف ،وأما من حيث سلوكه فهو حيرص على أن يكون وقودا ،ويف حديثه حيرص على أن
يكون خملص ،ويف تصريف شؤون عمله حيرص على أن يبذل فيه عنايته ،وأن يبعث االحرتام فيمن معه ،ويف األمور اليت
يشك فيها حيرص على أن يسأل غريه من الناس ،وإذا غضب فكر فيما قد جيره عليه غضبه من الصعاب ،وإذا الحت له
املكاسب فكر يف العدالة واالستقامة).
ومن روائعه (إذا اختربت نفس فوجدتين على خطأ ،وجدتين عاجزا حىت عن مواجهة الضعيف ،وإذا اختربت نفسي
فوجدتين على حق ،وجدتين قادرا على مواجهة األلوف.).
وعرف الصينيون القدماء علوما كثري منها علم اهلندسة ،واخرتعوا العربات والسهام ،والنقود كما أن النساء اكتشفت تربية
دود القز واهتموا بالكتب( .نفس املرجع ،ص.)13
*سمات التربية الصينية:
/1اهتم الفكر الصيين ب ربط الذات باجملتمع ،العمل اجلماعي القائم على الوالء والطاعة من دعائم الفلسفة الرتبوية الصينية.
/2الرتبية األخالقية ،القت اهتماما بالغا يف العصور القدمية.
/3وضوح الرؤية واالبتسامة ،والوقار واإلخالص واإلحسان يف العمل ،احرتام اآلخرين ،االستفادة من علم اآلخرين كظم
الغيط ،العدل واالستقامة يف التصرف...
/4اإلميان بالرتبية املستمرة (يضع الرجل نصب عينيه.)...
/5سامهت العبارة املوجزة كوسيلة تعليمية يف خلود اآلراء الرتبوية يف الفكر الصيين ،حظيت احلكمة باهتمام كبري كوسيلة
لرتبية اجملتمع وهي مثرة التأمل الفردي والوالء للجماعة.
/6الرتبية عرب غرس املبادئ جوهر الرتبية العقلية والنفسية واالجتماعية والبدنية.
/7إ ن الرتبية الصينية ركزت على تراث السابقني ،مما جعل اهلدف الرئيسي للرتبية هو نقل الرتاث واحلفاظ عليه ،وَل تكن
فكرة جتديد الرتاث أو متحيص بعض نصوصه واإلضافة عليه التوجه الظاهر يف تاريخ الرتبية الصينية.
-فهي تربية ذات مقاصد تقليدية حمافظة هلا اعتناء فائق بالروحانيات وترهق املتعلم حبفظ املعلومات وتصقله باالختبارات
وتربية على تقديس املاضي ورموزه وأن االنسجام مع الطبيعة غاية االرتقاء الروحي.
51
-6-3-3التربية في الحضارة الهندية:
اعتنت احلضارة اهلندية برتبية الطفل تربية حسنة ألجل مستقبل زاهر ،وكما يقول املثل اهلندي (عندما يكون األوالد صغارا
زودهم جبذور عميقة ،فإذا كربوا زودهم أجنحة طليقة) ،درس اهلنود العديد من العلوم مثل احلساب والطب وجنحوا يف مترير
مرياثهم العلمي لألمم األخرى ،ظل التعليم الرفيع بيد الكهنة (الربامهانيني) كي يفسروا النصوص الدينية املقدسة.
تأسست البوذية يف اهلند على يد األمري وسيدهارت جوتاما (213-523ق.م) والذي عرف يف اللغة السنكرينية باسم
(بوذا) أي الرجل احلكيم أ و املستنري واملتنور وهو مصلح اجتماعي مرموق ،وفليسوف قدمي ،وزعيم دنيي بارز ،كان (بوذا)
من أسرة ثرية ،فعاش يف نعيم مث بدا له أ ن يرتك احلياة املرتفة ليطوي حياته مع التقشف والتأمل والروحانيات النبيلة ،لقد
طالب (بوذا) بتهذيب األخالق من خالل معاجلة عيوب النفس ،ومع مرور الوقت تشكلت جمموعة تعاليم دينية لتصبح
مادة التعليم يف اهلند والصني( .الكندري لطيفة ،حسني ملك بدر حممد ،مرجع سابق ،ص.)15
وتؤمن البوذية الوثنية أن السعادة تكمن يف كبح مجاح النفس وقمع الشهوات والتفرغ للعبادة وتصفيه النفس ،لذلك فإن
البوذية حتث على الرهبة والعزلة والتفكري التأملي من أجل هتذيب النفس على متارين روحية وجسدية معينة ،تقوم البوذية على
فكرة األَل الذي ال ينفك عن اإلنسان إال بالعبادة(النريفان) ،حيث حيصل العابد على اللذة الروحية ويتمتع بالتأمل العميق
لقد أحرزت تعاليم بوذا شهرة واسعة على مستوى العاَل وعلى مر القرون ،استقطبت الفقراء ،لقد ترك بوذا بذور التصوف
الذي يقضي حبرمان الذات من امللذات.
واألركان األربعة لتعاليم بوذا هي:
/1كل األشياء واخلربات حتوطها الصعوبات واالحباطات.
/2الشهوات من أسباب املعاناة.
/3احلل هو التخلص من الشهوات.
/4اخلالص ال يتحقق إال بااللتزام بثمانية آداب وهي (العلم الصحيح ،التطبيق ،احلياة الصحيحة ،بذل اجلهد ،التفكري
السليم ،الرتكيز السليم)( .نفس املرجع ،ص.)12
51
ال شك أن اهلند هلا مآ ثر علمية كثرية ،نقل وهنل منها املسلمون وغريهم ملدة قرون ،ولقد نقل (البريوين) (8121م) اثنني
وعشرين ( )44كتاب من الرتاث اهلند العلمي إ ىل اللغة العربية ،وكان حييط بعلوم اهلند ولغتها ،وعرف ما عندهم من العلم
واملعرفة ،واطلع على كتبهم يف العلوم والرياضيات ودرس جغرافية اهلند.
من املعروف أن كتاب (كليلة ودمنة) أصله هندي وهو كتاب يهتم بإصالح النُفوس وضعه الفيلسوف اهلندي (بيديا)
للحاكم يف زمنه ،وهو كتاب حافل باحلكم املروية على لسان احليوانات والطيور ،مما يدل على تنويع فنون التعليم يف بالد
اهلند ،كما يدل على معرفتهم يف بالد اهلند ،كما يدل على معرفتهم الرتبية السياسية وضرورة التوعية اجلماهريية.
(نفس املرجع ،ص)16
*بعض مالمح التربية في الحضارة الهندية:
/1أعطت اهتماما كبريا للرتبية الروحية واألخالقية واالجتماعية.
/2اعتنت يف مناهجها التعليمية بالفلسفة والرياضيات والطب ودراسة النجوم.
/3أعطت املعلم مكانة رفيعة.
/4خضعت املرأة لسلطان الرجل متاما وَل تنل حق التعلم.
/5أولت الرتبية بالرتغيب عناية كبرية مما عزز مفهوم تقدير السالم والتسامح.
/6استخدمت احلضارة اهلندية الشعر يف التعليم ،ألنه أسهل يف احلفظ ،مما يدل على أن تاريخ املنظومات التعليمية ضارب
يف القدم.
/7نشرت أفكار الزهد وإنكار الذات وهجر امللذات ،مما أضعف النظرة اإلجيابية حنو تعمري احلياة ،كما انتشرت اخلرافات يف
مجيع طبقات اجملتمع فشاعت عن فكرة تناسخ األرواح ،وحرق األصوات ،والتسليم بالسحر واإلميان بعدد كبري من األرباب،
ال شك أن مثل هذه املعتقدات من أهم املعوقات للعقل البشري ،واملنهج العلمي ،والتوحيد الديين.
/8اجملتمع اهلندي القدمي جمتمع حمافظ شديد االعتزاز بتقاليده وطقوسه الدينية مما يدل على تربية دينية مكثفة وصارمة.
/0أمهلت طبقة العبيد وعاشوا يف منزلة وضيعة ألداء املهن الشاقة وعلى نقيض ذلك كان وضع الكهان واألثرياء.
(نفس املرجع ،ص)11
52
-7-3-3الفكر التربوي االسالمي
-تعريف الفكر التربوي اإلسالمي " :عبارة عن التميز الفكري الذي وجد يف القرآن الكرمي والسنة النبوية الشريفة ،وضمن
الكتابات الرتبوية اليت جاءت عن طريق مؤلفات أو رسائل أو وصايا أو إشارات يف مواضع شىت من اإلبداعات واملؤلفات
ختصصوا يف اجلانب الرتبوي أو غريه من جوانب احلياة العملية املختلفة".
اإلسالمية ،أنشأها جمموعة من املفكرين ممّن ّ
(الرشدان عبد اهلل زاهي.)82 ،4112 ،
-مصادر الفكر التربوي اإلسالمي
ميتاز الفكر الرتبوي اإلسالمي بوضوح مصادره ومصداقيتها وحيويتها يف بناء الفكر واستمراره يف تأسيس احلضارة اإلسالمية
عرب عصورها الزاهية وتنقسم مصادره إىل قسمني:
ْح ٍ
ني ي َدي ِه وَال ِمن خ ْل ِف ِه ۖ تَ ْن ِزيل ِمن ح ِكي ٍم َِ ِِ ِ ِ
يد ﴿﴾٢٤ ٌ ْ َ أوالً -الوح ــي :وهو ثابت قال تعالىَ " :ال يَأْتيه الْبَاط ُل م ْن بَ ْ ِ َ ْ َ ْ َ
الذ ْكر َوإِنَّا لَهُ َحلَافِظُو َن} (احلجر ،)9 ،وبيان هذين
(فصلت ،)24 ،وهذا يشمل القرآن والسنة قال تعاىل {إِنَّا َْحنن نََّزلْنَا ِّ
ُ
املصدرين كالتايل:
أ -القرآن الكريم :وهو كالم اهلل املنزل على رسوله بواسطة جربيل األمني منجماً ،احملفوظ بني دفيت املصحف ،املبدوء
فالقرآن الكرمي جاء كمصدر أول رسالةً ،للعاملني وأساساً للعلوم ،فيه جيد الناس حاجتهم بالفاحتة واملنتهي بسورة الناس،
اب ِم ْن َش ْي ٍء ۖ
ض وَال طَائٍِر ي ِطري ِجبَنَاحْي ِه إَِّال أُمم أ َْمثَالُ ُكم ۖ ما فَ َّرطْنَا ِيف الْ ِكتَ ِ
ْ َ ٌَ َ ُ َ على السواء قال تعاىل { َ ِ ٍ ِ
وما م ْن َدابَّة يف ْاأل َْر ِ َ
كل منهم ما يشاء ِ ِ
ُمثَّ إ َ ٰىل َرِّهب ْم ُْحي َش ُرو َن} ( األنعام ، ) 31 ،فهذا زاد للعابد وللعاَل وللعامل وللمفكر والفيلسوف ينهل ٌ
ويتضمن ما يلي :
-1اشتماله على املعطيات األساسية واملبادئ العامة واملسلمات للنظام الرتبوي اإلسالمي ،واليت يعتمد عليها الفكر الرتبوي
ك ك الَّ ِذي َخلَ َق َ 8خلَ َق ِْ
اإلنْ َسا َن ِم ْن َعلَ ٍق 4اقْ َرأْ َوَربُّ َ يف صياغ ة اإلنسان كهدف للرتبية اإلسالمية قال تعاىل :اقْ َرأْ بِ ْ
اس ِم َربِّ َ
اإلنْ َسا َن َما ََلْ يَ ْعلَ ْم ( }5العلق .) 5-8 ، ْاألَ ْكرُم 3الَّ ِذي َعلَّم بِالْ َقلَ ِم َ 2علَّم ِْ
َ َ َ
-2مشولية القرآن على املنهج الرباين القادر على حتقيق سعادة اإلنسان ،يف الدنيا واآلخرة من خالل خطابه الشامل،
وغذائه للعقل والقلب والروح مصداقاً لقوله تعاىل{ :لََق ْد أَنْ َزلْنَا إِلَْي ُك ْم كِتَابًا فِ ِيه ِذ ْك ُرُك ْم ۖ أَفَ َال تَ ْع ِقلُو َن} (األنبياء.)81 ،
-3مشوليته على تصور متكامل عن اإلنسان والكون واحلياة ،حيث يسعى لتحقيق حياة سعيدة تتفق مع نظام الكون
وح ِم ْنالر ُ وح ۖ قُ ِل ُّ ك َع ِن ُّ
الر ِ ويستغ ل مبوجبها اإلنسان قدرات ه لتسخي ر ما يف الكون خلدمته ،مصداقاً لقوله تعاىلَ { :ويَ ْسأَلُونَ َ
أ َْم ِر َرِّيب َوَما أُوتِيتُ ْم ِم َن الْعِْل ِم إَِّال قَلِيال} (اإلسراء )15،
- 4هو اإلطار املرجعي لنواحي احلياة ،وهو أصل التشريع واملصدر األول واألساس للفكر وفيه بيان حلياة اإلنسان كلها من
مطالب وتطلعات ،بدايات وهنايات.
53
-5ربط القرآن الكرمي املباحث املتفرعة يف جمال التخصص ،ليوفر الرؤية الكلية املستمدة من طبيعته ،حيث حيفظ الفروع
ويقيم بينهما عالقة نسبه وتناسب وحيميها من االنشطار ليكون بقاؤها مرهوناً ببقاء الرؤيا الكلية للمعرفة
ك الَّ ِذي َخلَ َق َ 8خلَ َق ِْ
اإلنْ َسا َن كأسس لعملية التعلم قال تعاىل { :اقْ َرأْ بِ ْ
اس ِم َربِّ َ ٍ -6إشارته يف أول آياته إىل القراءة والكتابة
اإلنْ َسا َن َما ََلْ يَ ْعلَ ْم ( }5العلق .) 5-8 ،وهذا يدفع باجتاه أن ك ْاألَ ْكرُم 3الَّ ِذي َعلَّم بِالْ َقلَ ِم َ 2علَّم ِْ
ِم ْن َعلَ ٍق 4اقْ َرأْ َوَربُّ َ
َ َ َ
فحري برجال الفكر أن يتناولونه من زاوية أخرى من زاوية القرآن كزاد للجميع قد تناوله الفقهاء الستنبا األحكام الفقهيةٌ ،
الرتبية والتنشئة االجتماعية ،إلعادة هذه األمة فكرياً وتربوياً ،وذلك على ضوء فقه العصر وحركة الواقع .
(ماهية الفكر الرتبوي اإلسالمي) Http //site. iugaza .edu ps. islemanhm/fils/2010/02.
ب -السنة النبوية :السنة يف اللغة تعىن الطريق لقوله (:لتتبعن سنن من قبلكم شرباً بشرب وذراعاً بذراع حيت لو دخلتموه )
( البخاري ،أحاديث األنبياء ، ) 3228 :أي طريقهم ويف اصطالح األصوليني وهي ما أثر عن النيب من ٍ
قول أو فعل أو
تقرير أو صفة خلقية أو خلقية ،فالسنة وحي من اهلل كلف النيب بتبليغها والعمل وفق هديها ،قال تعاىل {:إِ ْن ُه َو إَِّال َو ْح ٌي
وح ٰى} ( النجم ) 2 ،وهي اجملال التطبيقي ،وصورة االلتزام احلقيق بدين اهلل عز وجل ،حيث أمره ربه يُ َ
َّاس ۖ ك ِم َن الن ِ ك ۖ وإِ ْن ََل تَ ْفعل فَما ب لَّ ْغت ِرسالَتَه ۖ واللَّه ي ع ِ
ص ُم َ ك م ْن َربِّ َ َ ْ َ ْ َ َ َ َ ُ َ ُ َ ْ
ول ب لِّ ْغ ما أُنْ ِزَل إِلَي َ ِ
ْ الر ُس ُ َ َ فقال تعاىل { :ا أَيُّ َها َّ
َّك لَ َعلَ ٰى ُخلُ ٍق َع ِظي ٍم} ( القلم ) 2 ،وتأتى أمهية ِ ِ
ين} (املائدة، )26،مث زكاه فقال تعاىلَ { :وإِن َ ِ َّ
إ َّن الل َه َال يَ ْهدي الْ َق ْوَم الْ َكاف ِر َ
السنة كمصدر هام من مصادر الفكر الرتبوي اإلسالمي من خالل:
-1أهنا متثل اجلانب التطبيقي لنصوص الوحي ،فأفعال الرسول وسلوكياته وحركاته وسكناته ترمجةٌ ملا جاء به الوحي.
-2أهنا شارحة للكتاب مبينه حملكمه مثل أحاديث الصالة والزكاة.
-3فيها بيان ألحكام القرآن من خالل تقييد مطلقه أو تفصيل جممله ،أو ختصيص عامه ،كاألحاديث اليت فصلت أحكام
الصالة والصيام والزكاة والبيوع ،وهذا هو أغلب ما جاءت به األحاديث.
-4إحلاق أمر َل يرد فيه نص بأمر ورد فيه نص بالقياس كتحرمي اخلمر.
-5فيها بيان ما سكت عن ه الق رآن مث ل :أحاديث مرياث اجلدة واجلمع بني املرأة وخالتها وعمتها ،وأحكام الشفعة ،ورجم
الزاين احملصن وتغريب البكر.
اسع طرقه العلماء ،وأعملوا فيه عقوهلم؛ فأمثرت بذلك جهودهم يف إثراء الفكر الرتبوي اإلسالمي ،باعتباره وهذا ميدا ٌن و ٌ
ميدان واسعاً لالجتهاد واإلبداع واالبتكار ،والتدقيق والتحقيق والتأويل يف ظل حرية الفكر وْحاسة العلماء .مما سبق يتبني أن
القرآن والسنة مثَّال اآليت:
-1مثال املرجعية الرئيسة للمربني املسلمني.
-2أمثرا العقيدة اإلسالمية السليمة حصناً واقياً من الزيغ واالحنراف.
54
-3شكال وسيلة الفهم للرتبية اإلسالمية الصحيحة ،والفكر الرتبوي اإلسالمي الذي يسهم بدوره يف هنضة األمة الفكرية
وبناء حضارهتا.
-4إمتازا بالواقعية والتفاعل مع البيئة اإلسالمية ولقد صورت السرية النبوية طبيعة احلياة على ضوء القرآن والسنة على مدار
عدة عصور( .نفس املوقع)
ثانياً :التراث اإلسالمي :ويشمل اجتهادات العلماء حول نصوص الكتاب والسنة ،والعلوم املتعلقة هبما والعلوم القدمية اليت
ذابت يف الفكر اإلسالمي وتشرهبا؛ وميثل كل ما وصل من املاضي وشكل جزءاً من احلضارة السائدة يف حينه ،فهو موروث
ويف نفس الوقت يعطى على العدي د من األصعدة ،والرتاث يأخذ معىن الثروة اليت انتقلت إلينا من أسالفنا يف كافة اجملاالت
سواء كانت مادية أو معنوية زمانية أو مكانيه ،ويوجد الرتاث اإلسالمي يف مستويني على النحو التايل:
-1المستوى المادي :وهو عبارة عن تراث مكتوب مكانه املكتبات واملخازن ،وهو إما مطبوع ،أو أنه خمطو فهو
تراث مادي له وجود على مستوى أوىل مستوى األشياء احملسوسة.
-2المستوى المعنوي :وهذا النوع موجود يف نفسية اجلماهري وهو عبارة عن خمزون نفسي ،وهو قيمه يف الوجدان،
ميكن أن يؤثر ويبعث على السلوك.
ويف كال املستويني الرتاث ليس كياناً منفصالً عن األمة بل هو سلوك معاش يف حياة الناس.
وللرتاث صور وأشكال أمهها- :
أ -اجتهادات المفكرين المسلمين“ :أهل السنة واجلماعة “وهي نتاج تفكري متواصل واجتهاد مستمر من علماء املسلمني
يف القرآن والسنة دراسة وشرحاً؛ للوصول إىل قواعد أصول وقضايا ومبادئ ،كونت يف جمملها تراثاُ فكرياً ويف ضوء ثقافة
العصر تعترب هذه االجتهادات مصدراً من مصادر الفكر الرتبوي.
ويرى الما وردي أن اجتهادات العلماء مصدر هام من مصادر الفكر الرتبوي فيقول مث جعل للعلماء بعد رسول اهلل استنبا
ما فيه على معانيه وأشار إىل أصوله ليتواصلوا باالجتهاد في ه
إل ى عل م املراد فيمتازوا بذلك عن غريهم وخيتصوا بثواب اجتهادهم.
ب -تراث الفرق والجماعات اإلسالمية :وهلذا القسم مكانه خاصة يف الرتاث اإلسالمي وذلك من عدة نو ٍاح هي- :
-1أنه اعتمد على القرآن والسنة كمصدرين من مصادر الفكر الرتبوي.
-2اهتم بالعلوم العقلية وجعلها مقدمه على العلوم النقلية.
-3تفاعل مع علوم السابقني من فلسفة ومنطق وطبيعة.
-4أطلق علماؤهم العنان لعقوهلم يف التفكري ورمبا جاوزوا الصواب.
-5أن قاده هذه الفرق أصحاب دعوه وهلم هويتهم الفكرية والسياسية.
55
ويندرج حتت الرتاث اإلسالمي فكر وثقافة الشعوب اجملاورة ،وتلك اليت فتحها املسلمون فذابت بفكرها وثقافتها يف فكر
أىن وجدها فهو أحق هبا) (الرتمذي ،كتاب العلم.)4288 :
الدولة اإلسالمية( :إذ احلكمة ضالة املؤمن َّ
فكل ما دخل يف حوزة العرب من ثقافات وأفكار عرب مراكز العلم القدمية َل يتجمد على أيديهم بل تطور يف ظل ظروف
طبيعية فبلغ القمة وحقق غاية النمو ،كل ذلك يف إطار الفكرة اإلسالمية الصحيحة القائمة على أساس من التحرر من
اهلوى والعصبية واحلقد مستمدة مفاهيمها وأصول حركتها من مصادر الفطرة( .نفس املوقع)
-أهداف التربية اإلسالمية:
-1البحث عن احلق من خالل النظر والتأمل يف آفاق األمساء واألرض ،وحب البحث والشغف مبعرفة اسرار الكون ومن
الضروري وضع املناهج التعليمية والرتبوية بصورة حتقيق هذا اهلدف.
-2االميان باحلق والثبات عليه ألنه أساس جلميع القيم الصاحلة يف حياته االنسان.
-3إعالن احلق وإظهاره.
-4االستمرار يف حتصيل العم وتعميق البحث يف ميادينه.
-5الصدق يف اخبار عن احلقائق العلمية( .حسن بن علي احلجاجي ،8243،ص)12
*سمات الفكر التربوي اإلسالمي
الفكر الرتبوي اإلسالمي فكر أصيل اتسم بسمات استمدها من مصادره ومنابعه وحركته احليوية ،اليت اجتازت اختبار الزمن
مما جعلها بارزة ومتميزة وميكن مالحظتها فيما يلي- :
أهم مسات الفكر الرتبوي اإلسالمي:
-1الشمول :يتسع الفكر الرتبوي اإلسالمي ليشمل مجيع جوانب اإلنسان ،سواء على صعيده الشخصي أم على صعيد
عالقته باإلنسان وتفاعله معه أو ما يتعلق بالقوي اخلارجية ،وذلك يف كل حلظة من حلظات حياته ويف كل أحواله ليال أو
هنارا ضمن فلسفة احلياة الشاملة لبعدي الدنيا واآلخرة عرب منهاج رباين فريد ،ووفقا ألهداف إنسانيه يف تدرج عجيب ومع
مشولية التقومي لكافة خطواته املادية واملعنوية ،وذلك يتمشى مع الطبيعة الكلية لإلنسان وهذه الشمولية يف الفكر الرتبوي
الس ْل ِم َكافَّةً وَال تَتَّبِعوا خطُو ِ
ات ين َآمنُوا ْاد ُخلُوا ِيف ِّ َّ ِ
َ ُ ُ َ مستمدة من مشولية هذا الدين وذلك مصداقاً لقوله تعايل { يَا أَيُّ َها الذ َ
الشَّيطَ ِ
ان ۖ إِنَّهُ لَ ُك ْم َع ُد ٌّو ُمبِ ٌ
ني} ( البقرة . ) 411 ، ْ
وهذه الشمولية مستمدة من طبيعة املنهاج الرباين الذي سار عليه العلماء واملسلمون حيث اشتمل علي العلوم العقلية
والنقلية مع مالئمة العلوم العقلية النقلية و موافتها لروحها ،ألن الفكر الناجح حيتاج غلي مشولية العلوم وتنوعها ليتسم
56
بالشمولية والتنوع .وهلذا جاءت رسالة طاش كربي زاده شاملة لكافة أنواع العلوم سواء يف ذلك علوم الدنيا واآلخرة فلم يرتك
علما إال وأحصاه وأشار إىل طريقة حتصيله ومراجعه وأشهر املؤلفني فيه وفائدته.
-2التكامل :ومعناه أن يتناول اإلنسان أن كالً ال يقبل التجزئة ومن مجيع جوانبه يف صورة متكاملة مع اجملتمع الذى
يعيش فيه ؛ و للتكامل عدة أمنا فقد يكون تكامالً بني الوسائل واألهداف أو تكامالً بني النظرية والتطبيق أو بني العلم
والعمل أو بني مؤسسات الرتبية النظامية وغري النظامية و بناءاً على ذلك وضع العلماء املسلمون قدميا تصورهم الفكري
حول اإلنسان ورمسوا له منهاجاً تربوياً يتسموا بالتكامل وربطوا بني أجزاء أمناطه فجعلوا مثالً ضرورة العلم بالعمل وكذا بيان
ين َآمنُوا َِلَ تَ ُقولُو َن َما َال تَ ْف َعلُو َن َّ ِ
األهداف وحتديد الوسائل ووظيفية املعرفة يف الواقع ويف هذا املعين يقول تعايل { يَا أَيُّ َها الذ َ
َ 4كبُ َر َم ْقتًا ِعْن َد اللَّ ِه أَ ْن تَ ُقولُوا َما َال تَ ْف َعلُو َن ( }3الصف . ) 3-4 :
وعلى هذا األمر من الشمولية والتكامل تكونت ثقافة املسلمون وفكرهم وأصبح ميداناً فسيحاً تتبلور من خالله شخصية
اإلنسان املسلم.
-3التوازن :يتعامل الفكر الرتبوي مع الواقع فهو وليد احلركة وال ينطلق من التصورات العقلية اجملردة وال املثاليات متجاهالً
واقعه من مجيع جوانبه وذلك يف إطار من الوسطية والتوازن.
(موقع سابق ،ماهية الفكر الرتبوي اإلسالمي)http //site. iugaza .edu ps islemanhm/fils/2010/02 .
ويستمد الفكر الرتبوي مساته من مسات هذا الذين حيث يبلور لنا الرسول الكرمي( ص) منهاجا للسري على الوسطية يف
معاجلته للرهط الذين سألوا عن عبادته يف بيته وكأهنم تقالُّوها قائالً هلم ( أما أنا فأصوم وأفطر وأصلي وأركض وأتزوج النساء
ِ
كفمن رغب عن سنيت فليس مين ) كذلك يستمد الفكر الرتبوي مساته من مسات هذه العقيدة لقوله تعايل { َوَك َٰذل َ
يدا ۖ (البقرة ،)823 :وتأيت ضرورة التوازن ول َعلَْي ُك ْم َش ِه ً
الر ُس ُ َج َع ْلنَا ُك ْم أ َُّم ًة َو َسطًا لِتَ ُكونُوا ُش َه َداءَ َعلَى الن ِ
َّاس َويَ ُكو َن َّ
والوسطية منسجمةً مع فطرة اهلل لإلنسا ن حيث تنازعه عدة قوى من الغرائز ويتحتم عليه جتاه ذلك أن يتسم بالتوازن
والوسطية والسري على املنهاج النبوي والسعي لتحقيق أهدافه العليا والدنيا .
-4الوظيفيةَ :ل يكن الفكر الرتبوي وال الرتبية يف عمومهما منعزلني عن احلياة االجتماعية بل كان يلبيان حاجات اجملتمع
ويسريان مع تطوره ومنوه فاملتعلمون هم صناع اجملتمع وبناته حضارياً ومن هنا أحلت حاجة اجملتمع على تربية أبنائه للمستقبل
ويقول يف ذلك اإلمام علي رضي اهلل عنه (ال تقصروا أوالدكم على آدابكم فإهنم خملوقون لزمان غري زمانكم)
وعلي هذا سار املربون املسلمون وَل يقف وا رقباء علي حركة التاريخ بل كان اجملتمع له حاجاته ومتطلباته وكان عليه إزاء ذلك
أن يسايروا تطوراته ويعملوا علي حتقيق حاجاته والوفاء مبتطلباته ومن خالل هذا حيقق العلماء ذاهتم وهذا ما قاموا به وترمجوه
على أرض الواقع فالكثري منهم اختذ له مهنه ووظيفه قاموا هبا إيل جانب اهتمامهم بالتعلم وهذا ما جعل طاش كربي زاده
إسوةً بالعلماء السابقني أن يضع منهاجاً تربوياً وروحياً للعاَل واملتعلم والعامل على السواء كي حيقق ذاته وذلك يعكس مشولية
57
الفكر الرتبوي وتكامله و توازنه ووظيفته ومما يؤكد ذلك تصنيفه للعلوم اليت ختص املهن يف كتابة مفتاح السعادة مؤكد علي
كل ما سبق من مسات الفكر الرتبوي( .نفس املوقع)
من خالل ما سبق جند أن أهم مسات الفكر الرتبوي اإلسالمي تتلخص يف اآليت :أنه فكر قوى ذابت فيه أفكار األمم
والشعوب املغلوبة والتسامه أيضاَ باحليوية واملرونة يف تعامله مع الفكر اإلنساين فكان فكراً انتقائيا اتسع لريسم اخلطو
العريضة إلعداد اإلنسان للدنيا واآلخرة موظفاً العلوم العقلية والنقلية يف صورة شاملة متكاملة مراعياً طبيعة اإلنسان وفقاً ملا
ك َو ِاس ُع الْ َم ْغ ِفَرِة ۖ ُه َو أ َْعلَ ُم
ش إَِّال اللَّ َم َم ۖ إِ َّن َربَّ َ ِ ين َْجيتَنِبُو َن َكبَائِر ِْ
اإل ِْمث َوالْ َف َواح َ َ
َّ ِ
نص اإلسالم مصداقاً لقوله تعايل { :الذ َ
ون أ َُّم َهاتِ ُك ْم ۖ فَ َال تَُزُّكوا أَنْ ُف َس ُك ْم ۖ ُه َو أ َْعلَ ُم ِمبَ ِن اتَّ َق ٰى }( النجم) 34 : ض وإِ ْذ أَنْتُم أ َِجنَّةٌ ِيف بطُ ِ ِ ِ ِ
ُ ْ ب ُك ْم إ ْذ أَنْ َشأَ ُك ْم م َن ْاأل َْر ِ َ
-جند أن فلسلفة الرتبية اإلسالمية تشكلت بفعل عوامل أربعة:
األول :عامل عقائدي وهو حتديد الصلة القائمة بني اخلالق املريب وبني االنسان املخلوق.
الثاني :عامل اجتماعي وهو بلوة العالقات وأمنا السلوك يف الدائرة البشرية اليت ينتمي إليها املتعلم ،وهي دائرة مشلت مجيع؟
أفراد النوع اإلنساين.
الثالث :عامل املكاين وهو أسلوب العيش على الرقعة املكانية اليت استخلف اهلل املتعلم فيها وهي رقعة مشلت الكرة األرضية.
الرابع :عامل زماين وهو مراعاة البعد الزماين لعمر املتعلم وهو بعد يبدأ بالدنيا وميتد إىل اآلخرة عرب مستقبل ال متناهي.
(ماجد عرسان الكيالين،8915،ص)31
وهبذا جند أن الفكر الرتبوي اإلسالمي يف مشوليته وتكامله وتوازنه ووظيفته قادراً على العطاء املستمر مواجهاً لتغريات
العصور قادراً على التكيف ملبياً حلاجيات اجملتمع ومطالبه ملتحماً مع الواقع مما أضفى بضالله على الفرد واجملتمع يف صورة
متميزة وفريدة.
-الفكر التربوي عند أبي حامد الغزالي(1111/1958م):
الغرض من الرتبية يف نظر الغزايل" :أن الغرض بطلب العلوم القرب إىل اهلل تعاىل دون الرياسة واملباهاة واملنافسة".
-العلم لوات اهلل" :إذا نظرت إىل العلم رأيته لذيذا يف نفسه فيكون مطلوبا لذاته ووجدته وسيلة إىل دار اآلخرة وسعادهتا
وذريعة إىل القرب من اهلل تعال وال يتوصل إليه إال به وأعظم األشياء رتبة يف حق اآلدمي السعادة األبدية وأفضل األشياء ما
هو وسيلة اليها ولن يتوصل إليها إال بالعلم والعمل وال يتوصل اىل العمل إال بالعلم بكيفية العمل فأصل السعادة يف الدنيا
واآلخرة هو العلم فهو اذن أفضل األعمال"
-التربية اإلسالمية تجمع بين الدين والدنيا :قال الغزايل "وقد عرفت أن مثرة العلم القرب من رب العاملني وااللتحاق بأفق
املالئكة ومقارنة املأل األعلى هذا يف اآلخرة ،وأما يف الدنيا فعز والوقار ونفوذ احلكم على امللوك ولزوم االحرتام يف الطباع..
58
"والغرض من الرتبية يف رأيه؟ العلم عبادة القبل وصالة السر وقربة الباطن إىل اهلل تعاىل "والرتبية يف رأيه "إخراج األخالق
السيئة ،وغرس األخالق احلسنة".
-مراعاة االستعداد في تعليم العلوم :طالب الغزايل مراعاة االستعداد يف التعليم ،فالواجب أن يراعى املعلم مستوى الفهم
عند الطالب فال يرقيه إىل الدقيق اجللي ،وإىل اخلفي من الظاهر هجوما ويف أول رتبة".
-مراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين :أشار إىل مفهوم الفروق الفردية بني املتعلمني وعالقتها باألساليب املستعملة يف
ِ ِ احلِكْم ِة والْمو ِعظَِة ْ ِ
ك ُه َو احلَ َسنَة ۖ َو َجاد ْهلُ ْم بِالَِّيت ه َي أ ْ
َح َس ُن ۖ إِ َّن َربَّ َ ك ب ْ َ َ َْ
التعليم استنادا لقوله تعاىلْ { :ادعُ إِ َ ٰىل سبِ ِيل ربِّ َ ِ
َ َ
ين} (النحل ،)845،فاحلكمة تستعمل مع قوم واملوعظة مع قوم واجملادلة ِ ِ ِ ِِ ِ
ض َّل َع ْن َسبيله ۖ َوُه َو أ َْعلَ ُم بالْ ُم ْهتَد َ
أ َْعلَ ُم مبَ ْن َ
مع قوم.
-الممارسة سبيل التعلم :وهي نظرية تربوية حديثة كان الغزايل من أوائل الذين أشاروا إليها حني كتب يقول" :قد عرفت
هبذا قطعا أن هذه األخالق اجلميلة ميكن اكتساهبا بالرياضة وهي تكلف األفعال الصادرة عليها ابتداء ،لتصري طبعا انتهاء،
وهذا من عجيب العالقة بني القلب واجلوارح ،أعين النفس والبدن فإن كل صفة تظهر يف القلب يفيض اثرها يف اجلوارح حىت
ال تتحرك إال على وقتها الحمالة ،وكل فعل جيري على اجلوارح فإنه قد يرتفع منه أثر القلب ،واالمر فيه دور ذلك مبثال :وهو
من أراد ان يصري احلذق يف الكتابة له صفة نفسية حىت يصري كاتبا بالطبع فال طريق هلا إال أن يتعاطى جبارحه اليد ما
يتعاطاه الكاتب احلاذق ويواظب عليه مدة طويلة حياكي اخلط احلسن ،فإن فعل الكاتب هو اخلط احلسن ،فيشتبه بالكاتب
تكلفا ،مث اليزال يواظب عليه حىت يصري صفة راسخة يف نفسه فيصدر من اآلخر اخلط احلسن طبعا ،كما كان يصدر منه يف
االبتداء تكلفا ،فكان اخلط احلسن هو الذي جعل خطه حسنا ولكن األول يتكلف إال إنه ارتفع منه أثر القلب مث اخنفض
من القلب إىل اجلارحة فصار يكتب اخلط احلسن بالطبع(.نفس املرجع )812،
-نظريته في تربية األوالد :وللغزايل نظرية تربوية مميزة ورائدة قياسا إىل زماننا ،يف تربية الصبيان نشرها يف كتابه "إحياء علوم
الدين" وتتلخص يف:
أوال :إشغال وقت الفراغ عند األوالد حىت تبعدهم عن العبث واجملون وخري طرائق شغل هذه األوقات تعويد الولد القراءة
وخاصة قراءة القرآن وأحاديث األخبار وحكايات االبرار.
59
ثانيا :هتذيب األوالد من خالل التعليم الديين ،وإلزامه القيام بالعبادات وتعريفهم علوم الشرع وختويفهم من السرقة وأكل
احلرام ومن الكذب واخليانة والفحش.
خامسا :عدم تعويدهم الرتاخي والتكاسل ،وهذا يعين حثهم عن العمل والتحضري والدراسة.
عدم التساهل معهم ،وهذا يعين احلرص على الثواب والعقاب حىت يدرك التلميذ أن هناك نظاما عاما حيكم اجملموعة ،وإنه ال
فرق بينهم يف تطبيقه وهذا يرتبط بضرورة إبعادهم على التدليل.
-نظريته في اللعق :وقد تنبه الغزايل إىل أمهية اللعب بعد االنصراف من املدرسة أو الكتاب أو املكان الذي يتلقى فيه العلم
وهو يرى أن للعب ثالث وظائف أساسية هي:
-2املساعدة يف إدخال السرور يف قلوب الصغار ،ألن اللعب يكرس العلم اجلماعي.
-3املساعدة على االسرتخاء الذهين والراحة بعد الدرس( .نفس املرجع ،ص)815
-8-3-3التربية األوروبية في العصر الحديث:
-يتفق أغلب املؤرخني على أن عصر النهضة اإليطالية حيدد بداية العصر احلديث ،ففي (ق82م) حدثت تغريات عميقة يف
خمتلف جوانب احلياة االجتماعية واالقتصادية والسياسية والدينية والعلمية والفلسفية واألدبية والرتبوية يف إيطاليا ،وانتقلت
هذه التغريات إىل خمتلف أجزاء أوروبا ،وحدد(اييب واروود)( ،)1940 Eby , Arrowoodأهم مالمح عصر النهضة
يف االجتاه اجلديد حنو احرتام البدن بدال من اعتباره سجنا للروح ،وزيادة الثروة واإلجتار مع الشرق والشمال ،والسفر واملغامرة
واالكتشافات اجلغرافية ،ومنو اللغات القومية والفردية والفنون ،واخرتاع الطباعة ،وظهور االجتاهات العلمية ،ولقد صاحب
هذه التغريات مفاهيم أو اجتاهات أو نظريات تربوية كان من أمهها احلركة اإلنسانية ،واإلصالح الديين واحلركات الواقعية
والطبيعية والنفسية واالجتماعية( .عبد اجمليد عبد الثواب شيحة ،4112 ،ص.)415
61
-1-8-3-3الحركة اإلنسانية :يف عصر النهضة ظهر اجتاهان إنسانيان.
-اجتاه فردي يف إ يطاليا يؤكد على الثقافة الشخصية والنمو الفردي واحلرية الفردية باعتبارها أساسا للحياة الثرية اجلديرة بأن
تعاش ،وعين هذا االجتاه بالثقافة الكالسيكية القدمية يونانية ورومانية ،واالجتاه الثاين ظهر يف مشال أوروبا ،ويؤكد أصحاب
هذه االجتاه على مفاهيم اإلصالح اخللقي واالجتماعي باعتبارها أنسب طريقة إلثراء احلياة اإلنسانية.
-أهداف التربية :أكدت احلركة اإلنسانية حرية الفكر والتعبري عن الذات من خالل الفن واألدب واملوسيقى ،ولقد متثل
هدف الرتبية اإلنسانية يف االستمتاع باحلياة الراهنة وحتقيق االنسجام بني العقل واجلسم واخللق ،يقول (بول مونرو
)Monroéلقد استهدفت هذه الرتبية تنمية اإلنسان احلر الذي ميتلك فرديته وقوة املشاركة يف احلياة اليومية ،استنادا إىل
معرفة واسعة باحلياة يف املاضي وتقدير غرض احلياة يف الوقت الراهن ،لقد آمنوا بأهداف إنسانية ال أهداف أزلية ،وواجب
الرتبية يف رأيهم تنمية هذه اإلمكانات اإلنسانية بأقصى ما تستطيع الطبيعة اإلنسانية.
-أما أصحاب االجتاه اإلنساين االجتماعي الديين ،فقد استهدفوا اإلصالح االجتماعي وترقية العالقات اإلنسانية
االجتماعية عن طريق استيعاب األنانية والطمع والنفاق ،ولذلك وضع (رازموس) اهلدف الديين قبل اهلدف التعليمي،
والواجبات الدينية قبل األخالق االجتماعية يف مناقشته أهداف الرتبية( .نفس املرجع ،ص.)412
-أنواع التربية :اعتمدت حتقيق األهداف اإلنسانية على عدة أ نواع من الرتبية هي الرتبية األدبية والرتبية اجلمالية والدينية
واخللقية واالجتماعية ،لقد أ كد اإلنسانيون الفرديون على الرتبية املهنية يف مقابل إعالئهم للعلوم الليربالية ،وأكد اإلنسانيون
االجتماعيون والدينيون على الرتبية الدينية واخللقية واالجتماعية أكثر من اهتمامهم بالرتبية األدبية واجلمالية.
محتوى التربية :استبدل اإل نسانيون مبنهج العصور الوسطى الذي يؤكد فقط على الرتبية الدينية منهجا يؤكد االهتمام بالعاَل
الواقعي ،وكان هنا املنهج اجلديد شامال حبيث غطى خمتلف جوانب احلياة.
–المؤسسات التعليمية والتنظيم التعليمي :ترتب على إحياء الرتاث اإلغريقي والروماين نشأة نوع من املدارس الثانوية
احلديثة ،ومدارس البال اليت كانت تعلم أبناء األغنياء باملصروفات ،وأبناء اخلدم يف القصر باجملان ،أنواع املدارس اليت ظهرت
يف عصر النهضة األوروبية ،وهي املدارس األولية احمللية اليت كانت تعلم القراءة والكتابة واحلساب والغناء واملدارس الثانوية اليت
كانت مدارس البال يف إيطاليا منوذجا هلا ونشأ على غرارها مدارس النحو الالتيين يف إجنلرتا ،ومدارس الليسيه يف فرنسا،
واجلامعات اليت قامت بدور كبري يف دفع احلركة اإلنسانية( .نفس املرجع ،ص.)416
61
-من خالل اهتمامها بالدراسات واآلداب الكالسيكية ،ولقد اختلفت التنظيمات التعليمية يف مشال أوروبا عنها يف إيطاليا،
فمدارس اجلمبازيوم يف أملانيا كانت هنارية ،وكانت املدارس واجلامعات مفتوحة للبنني فقط ،وحرم منها النساء ،أما يف إيطاليا
فكانت مجيع املدارس داخلية وتعد لاللتحاق باجلامعة.
-طرق التعليم :صاحب تأسيس املدارس الثانوية اإلنسانية استخدام طرق التعليم اجلديدة ،فمع ظهور الكتابة وكثرة تداوهلا
بني الطلبة جتنب األساتذة طريقة احملاضرة واعتمدوا على تدريس موضوعات مكتوبة ،وحتينوا طريقة املناظرة اليت كانت متبعة
يف العصور الوسطى ،واهتم املعلمون بتدريب التالميذ على التعبري عن أنفسهم باستخدام اللغات القدمية واعتربوها كما لو
كانت لغات حية( .نفس املرجع ،ص.)411
-2-8-3-3الحركة الواقعية :يقول (وايلدز )Wildsكانت احلركة الواقعية رد فعل أو احتجاج على ضيق أفق احلركتني
اإلنسانية والدينية ،بينما كان رجال الكنيسة مستغرقني يف خالفات تتعلق باحلياة األبدية املطلقة ،ورجال التعليم منجرين
حملاربة الشكلية والروتني ،كان العلماء يزيدون رصيد املعرفة اإلنسانية من خالل الكشف عن اجلديد ،فلقد أعلن (ديكارت)
والءه للواقعية باعتقاده يف وجود العاَل الواقعي مستقال عن الذهن ،وأعلن (لوك) انتماءه إىل الواقعية بإنكاره لنظرية األفكار
الفطرية ،واعتقاده أن العقل صفحة بيضاء وأن التجربة هي اليت ختط املعرفة من خالل االنطباعات احلسية ،ويف منتصف
القرن السادس عشر ( )82بدأ احلديث باكتشافات (لكوبرينكس وجليلو) واستطاع (إسحاق نيوتن) وضع قواعد الطريقة
العلمية( .نفس املرجع ،ص.)484
-أهداف التربية :اتفق الواقعيون الكالسيكيون مع اإلنسانيني يف عصر النهضة على أن اللغات واآلداب الكالسيكية هي
خري وسيلة للتعليم الليربايل ،واستهدفوا البلوغ إىل املعرفة الكاملة عن اجملتمع اإلنساين.
-الدوافع اإل نسانية والعالقات االجتماعية عن طريق دراسة املدنيات القدمية واللغات الكالسيكية لذاهتا ،وإمنا باعتبارها
وسيلة للحصول على معرفة شاملة عن اجملتمع اإلنساين ،أما الواقعية االجتماعية فقد استهدفت إعداد الشباب األرستقراطي
حلياة الرجل املذهب يف عاَل العمل وتزويده بالقدرات اليت تعينه على النجاح يف احلياة االجتماعية ،واالستمتاع بوقت الفراغ،
ومعىن ذلك أن إعداد الفرد للحياة االجتماعية مع اآلخرين والتكيف معهم هي أهم أهداف الواقعني االجتماعية ،أما الواقعية
احلسية فقد استهدفت تزويد الناشئة باحلقائق األساسية عن العاَل الطبيعي واالجتماعي اليت ينبغي أن ينصرف وفقا هلا وتبدو
هذه االجتاهات يف أعمال (بيكون وكومينوس ولوك)( .نفس املرجع ،ص.)484
62
-المؤسسات التعليمية :اهتم الواقعيون بصفة عامة باملؤسسات التعليمية غري الرمسية ،ودعوا إىل االعتماد على املربني
اخلصوصيني ،وأخذ هبذا االجتاه معظم الدول األوروبية مثل :فرنسا وإجنلرتا ،وأملانيا وهولندا.
-طرق التعليم :جعل الواقعيون التعليم خربة سارة بالنسبة للمتعلمني ،وأكدوا أمهية مراعاة الفروق الفردية بني التالميذ
واملشاركة يف األنشطة العملية ،ونقد الطرق الشكلية ،وأنكر (مونتايل) طريقة احلفظ ،وأكد أمهية الفهم واالحتكاك بالطبيعة
واألشياء والناس ،وأمهية نشا املتعلم ،وأكد الواقعيون احلسيون على أمهية التلقي عن العاَل الطبيعي واخلربة احلسية ومالحظة
األشياء ،واقرتح (بيكون) الطريقة العلمية يف التدريس بطريقة علمية وسوف ينشأ نظام اجتماعي جديد مؤسس على البحث
العلمي يف مظاهر الطبيعة.
باستخدام االستدالل االستقرائي...،وإذا استطاعت املدارس أن تنشر املعرفة فإن هذا سيؤدي إىل حل املشكالت اليت
حريت البشرية.
-ولقد صاغ (كومينوس) عدة مبادئ تعليمية وهي:
/1جيب أن يوافق التعليم االهتمامات الطبيعية للطفل.
/2االعتماد على األشياء يف تعليم الطفل.
/3ما يعلم جيب أن يكون تطبيق عمليا على احلياة.
/4تعليم األصول البسيطة أوال.
/5شرح املبادئ العامة مث االهتمام بالتفاصيل.
/6جيب دراسة األشياء يف تتابعها.
/7ال جيب االنتقال من موضوع اىل موضوع حىت يتمكن الطالب من املوضوع األول.
/8جيب التأكيد على الفروق بني األشياء حىت تكون املعرفة واضحة ومتميزة.
/0جيب تدريب احلواس والذاكرة واخليال والفهم يوميا.
/19جيب أن يسري التعلم من املعروف إىل غري املعروف.
/11جيب أن يكون التعليم مناسبا ملستوى فهم الطالب.
63
/12جيب أن يتعلم األطفال العمل عن طريق العمل.
/13ال ينبغي االعتماد على الكلمات اجلوفاء يف التعليم( .نفس املرجع ،ص.)483
*الفكر التربوي عند (أرسطو طاليس) :
-أرسطو وفكره التربوي :ولد سنة (312ق.م) يف أسرة مقدونية ،وقد ترك مقدونيا إىل أثينا يف ( )86من عمره لينال
تعليمه ،وفيها التحق بأكادميية (أفالطون) وتتلمذ عليه مدة (41سنة) ،وبعد وفاة (أفالطون) أنشأ (أرسطو) مدرسة اليت
مسيت الليسيه ( )Lyceeumنسبة إىل املكان الذي أنشئت فيه ،كما مسي أتباعه (املشأين) ألهنم أخذوا عنه عادة املشيء
أثناء تعليمه.
-وقد كتب (أرسطو) يف املنطق والطبيعة وما وراء الطبيعة يف الفلسفة العملية ،ومن كتبه املقوالت ،التحليل بالقياس ،الربهان،
اجلدل ،اخلطابة ،الشعر ،النبات ،طبائع احليوان ،األخالق والسياسة ،وإذا كان (أفالطون) هو رائد االجتاه املثايل ،فإن
(أرسطو) هو رائد االجتاه الواقعي يف الفكر والفلسفة.
-األسس الفكرية للتربية عند(ارسطو):
/1اإلنسان :يفرق (أرسطو) بني النفس :ملعناها العام ،وهي املشرتكة بني مجيع الكائنات احلية ،ويطلق عليها (صورة اجلسم
الطبيعي املركب) ،مث النفس مبعناها اخلاص اليت ال توجد إال يف اإلنسان ،وهي ليست شيئا مفرتقا عن اجلسم ،وهي يف
ارتباطها باجلسم تتولد عنها (قوى النفس) النامية احلاسة ،احملركة ،الناطقة.
(مصطفى عبد القادر زيادة وآخرون ،مرجع سابق ،ص)69
/2المنطق :ينقسم اىل ثالث:
أ /المفردات :يتعرض (أرسطو) ملاهية األلفاظ املفردة ويقسمها إىل عشرة فصائل خمتلفة ويتم الوصول إليها عن طريق
االستقراء ،ويعرض (أرسطو) للقضايا واألحكام ويقسمها إىل بسيطة ومركبة ،وتتكون القضية املركبة من جمموعة من القضايا
البسيطة ،والقضية الواحدة حتتمل النفي أو اإلثبات.
/3الطبيعة :ال يؤمن (أرسطو) بنظرية املثل األفالطونية ،ويرى أن املوجودات على نوعني ،األجسام املادية (كاحليوانات
والنباتات) ،وهذه تتميز بأهنا قادرة على احلركة بذاهتا ،وثانيتهما األجسام غري الطبيعية (كاملصنوعات كاملقعد ،والرداء)...
وهذه حيركها صانعها أو غريه( ،نفس املرجع ،ص.)69
64
ويقسم (أرسطو) العاَل إىل درجات من أدىن إىل أعلى
أ /األجسام الالعضوية( :األولية ويطلق عليها اهليويل) وهي األقل رقيا.
ب /األجسام العضوية (الحيوان ويليه النباتات) ،واحليوان أرقى من النبات.
ج /األفالك( :الكواكب ومنها الشمس والقمر ،وهذه الكواكب أزلية ،فهي تفىن وال تفسد.
/4األخالق :استمد (أرسطو) مفهومه عن األخالق من العاَل الواقي احملسوس بعكس (أفالطون) الذي اعترب أن مصدرها
علوي مثايل ،يطلق على األخالق عند (أرسطو) باألخالق العملية ،ولذلك فاألخالق عنده مكتسبة من الوسط الطبيعي،
وليس جمرد أمور فطرية يف داخل اإلنسان ،ومن مث فهي يتم تعليمها باملران والتدريب ،وللرتبية أثر كبري يف هذا السبيل.
ويقول (أرسطو) أن الفضيلة وسط بني رذيلتني :وهي وسط يتم تعيينه باحلكمة واإلرادة بعد األخذ يف االعتبار كافة
الظروف احمليطة بالفرد.
فمثال :الشجاعة هي وسط بني التهور واجلنب وكال مها مذموم ،واالعتدال فضيلة أخرى ومتثل وسط بني رذيلتني ومها الشره
واإلسراف ،والكرم وسط بني التبذير والبخل ،واحلياء وسط بني كل من اخلجل الشديد والسعة أو القحه وهكذا....
(نفس املرجع ،ص)11
/5السياسة( :ألرسطو) كتاب يف السياسة ،يتكون من مثان مقاالت منها:
تدبري املنزل ،احلكومات املقرتحة ،الدولة والوطن ،الدساتري الوضعية ،الدولة املثلى...
ويرى يف تكوين (اجلماعة السياسة) أهنا تبدأ باألسرة مث القرية مث املدنية اليت تكفي أهنا تتألف من الزوج والزوجة والذرية
والعبيد ،والرجل رأس املرأة ،واملرأة أقل عقال ووظيفتها العناية باملنزل واألوالد حتت إشراف الرجل.
ويرى (أرسطو) أن احلكومة الصاحلة هي اليت ترمي إىل خري اجملموع ،والفاسدة هي اليت تعمل خلري احلكام ومصاحلهم
اخلاصة ،ومن أشكال احلكومات الصاحلة ،امللكية واألرستقراطية،والدميقراطية ،ومن أشكال احلكومات الفاسدة الديكتاتورية.
*آراء (أرسطو) التربوية:
/1إن الرتبية من مهام الدولة وغايتها تكوين املواطن الصاحل.
/2اهتم (أرسطو) بتنمية العقل جبانب تنمية اجلسم.
65
/3وأن تنمية العقل تتم من إميان املرء بقوة عليا هي قوة اإلله ،وأن اإلميان البشري هو الذي ميكن صاحبه من إصدار
(قرارات حكيمة يف خمتلف سبل احلياة).
/4من األمهية أن تعتمد طرائق الرتبية على طبيعة الفرد وأن تعمل على تنمية قدراته.
/5من آراء (ارسطو) الرتبية أن كل فرد ينزع إىل التقليد ،والتقليد هو أساس الفنون اجلميلة.
/6تتصف طاقات الفرد يف طفولته مبيلها إىل الناحية الغريزية أكثر من خضوعها ألحكام وتوجيهات العقل ،ومهمة املريب
العمل على أن تسمو الفضيلة فوق الرغبات والنزعات غري الفاضلة.
*نظرية المعرفة عند (جون لوك):
املتطهرين ،الطبقة الوسطى،
ولد عام( )8612-8234أثناء حكم امللك شارل األول ملك إجنلرتا وينتمي إىل أسرة من ّ
نشأ(لوك) يف بيئة حمافظة متدينة ،وقد تأثر (لوك) بتعاليم ((املتطهرين)) ،ومن بينها حب احلرية والرْحة والشفقة بالغري،
ويقظة الضمري وإتزان الشخصية ومتاسكها واحلذر واالعتماد على النفس( .أبو ريان حممد علي ،8992 ،ص)828
تعترب املعرفة من األقسام األساسية يف الفلسفة ذلك ألن معرفة كيف نعرف؟ وقيمة ما نعرف وحدود معرفتنا باألشياء ،كل
تلك تدخل ضمن جمال املعرفة ،بل إن نقد املعرفة العلمية تدخل كذلك يف جمال نظرية املعرفة.
ويعترب (لوك) أول من درس نظرية املعرفة يف العصر احلديث دراسة علمية ومستقلة ،بل إن املؤرخني حيددون بداية التفكري
احلديث بنظرية املعرفة بسنة ( )8941وهي السنة اليت طبع فيها (لوك) كتابه الرئيسي يف (حماولة يف الفهم البشري) ،وافتتح
من خالله عصرا جديدا يف جمال نظرية املعرفة( .بشار مالك سليمان ،4185 ،ص)34
-نقد األفكار الفطرية :نظرية املعرفة عند (لوك) ذات جانبني.
اجلانب األول :سليب يرفض فيه (لوك) األفكار الفطرية اليت نادى هبا الفالسفة العقليون ،واجلانب اإلجيايب يقر فيه أن
التجربة هي املصدر الوحيد للمعرفة ،واألفكار الفكرية هي األفكار اليت توجد يف العقل البشري منذ حلظة الوالدة ،أو هي
أفكار موجودة يف العقل وغري مستمدة من التجربة حيث يسلم مجيع الناس بصحتها ومعرفتها( .نفس املرجع ،ص)34
"إن الطريقة اليت تظهر الكيفية اليت حتصل من خالهلا على معرفة كافية لتثبيتها ليست طريقة فطرية ،فاملعرفة الفطرية وجهة
نظر مت تأسيسها يف أوسا البشر ،ومفادها أن هناك مبادئ فطرية يف الفهم اإلنساين( ،كبعض املفاهيم األساسية ،وبعض
الشخصيات).
66
تأيت كما لو أهنا كانت مطب وعة يف عقل اإلنسان ،حيث أن الروح تلقتها يف بدايات تكوهنا وجاءت معها إىل احلياة ،وسوف
يكون من السهل إقناع القارئ غري املتحيز خبطأ هذا االفرتاض إذا وضحت له فقط ،أنه ميكن للناس عرب استخدام قدراهتم
الطبيعية الوصول للمعارف بدون مساعدة أي انطباعات فطرية ،بل ميكنهم بلوغ اليقني دون احلاجة ألي تلك املبادئ.
(نفس املرجع ،ص)33
-ويرفض (لوك) التسليم بوجود أفكار ومبادئ فطرية يف العقل البشري ،وينتقد أصحاب هذه النظرية بشدة ،ويقسم األفكار
الفطرية إىل نوعني مها:
أ /المبادئ النظرية :وتشمل املبادئ املنطقية اليت هي أساس كل استدالل ،وتكون واضحة بذاهتا وال حتتاج إىل برهان مثل
قانون الذاتية وقانون التناقض ،حيث ذهب الفالسفة العقليون إىل أن هذه املبادئ فطرية ألهنا حمل إمجاع الناس ،لكن (لوك)
رد عليهم بأن هذه األفكار ليست معروفة عند مجيع الناس بدليل أن األطفال والبلهاء ال يعرفوهنا( .نفس املرجع ،ص)32
ويعتقد (لوك) أن اإلنسان يولد وعقله كالسبورة املمسوحة وبالتجربة والتجربة وحدها يعرف اإلنسان ما يعرف( ،املاء يغلي
يف درجة )811ألن هذا ما نشاهده بالتجربة والقياس ،وليس هناك طريقة أو أسلوب ما ميكننا من استنتاج هذه املعلومة
بدون جتربة...
ب /المبادئ العملية :رفض (لوك) كذلك أن تكون املبادئ العملية فطرية ،واليت تشمل على األخالق والقانون والضمري،
وذهب إىل أن األخالق ليست حمل إمجاع الناس ،إذ خيتلف املفهوم األخالقي بني شعب وآخر ،وكذلك العقائد الدينية،
وكذلك فإن الضمري ليس فطري يف العقل فلو كان كذلك ألصبح حمل إمجاع الناس.
ال شيء يف العقل إذا سوى ما تنقله احلواس ،والعقل يكون عند الوالدة كالصفحة البيضاء خاليا من كل شيء وتأخذ
احلواس والتجارب يف الكتابة على هذه الصفحة بوسائل كبرية إىل أن تلد احلواس الذاكرة والذاكرة تلد اآلراء.
-تصنيف األفكار:
/1األفكار البسيطة :وهي األفكار اليت حنصل عليها عن طريق احلواس بصورة بسيطة وغري ممتزجة مع غريها.
/2األفكار المركبة :هي اليت يكوهنا العقل من خالل العمليات العقلية العليا ومقارنة وجتريد( .نفس املرجع ،ص)32
فاألفكار البسيطة هي ما كان معطى حسيا يف مقابل الفكرة اليت يوحها العقل ،أو يكون عنصرا يف تأليفها ،واألفكار
البسيطة هي صفات األشياء مثل الربودة والصالبة واحلالوة واأللوان ،وهي صفات تنبع إما من اإلحساس أو من الفكر،
67
وهذه األفكار البسيطة حيصل عليها العقل من اخلربة -وال يستطيع العقل اإلنساين ابتكارها ،وإن كان يستطيع ابتكار فكرة
مركبة ،ومثال ذلك أن األعمى منذ الوالدة لن جيد يف عقله فكرة األلوان واألصم كذلك ميكن أن يضعها له اآلخرون ،لكنه
هو ذاته ال يستطيع احلصول عليها بنفسه ،بعكس األفكار املركبة( .إبراهيم ابراهيم،4111 ،ص .)425
أما األفكار املركبة فهي اليت يصنعها العقل من األفكار البسيطة عن طريق العمليات الذهنية اليت يقوم هبا ،ومعىن هذا أن
األفكار املركبة ليست جمرد صور ذهنية عن األشياء مثل األفكار البسيطة بل هي من إنتاج العقل.
(بشار مالك سلمان ،مرجع سابق ،ص)31
* التربية األخالقية :فقد أكد (لوك) على أمهية الفضائل األخالقية واالجتماعية يف شخصية الطفل منذ تربيته األوىل فالرتبية
اخللقية مقدمة على الثقافة ،ويؤكد يف الرتبية على أمهية القدوة احلسنة واملمارسة العملية بدال من اللجوء إىل التعليمات
والنصائح والقواعد ،حيث تبدأ هذه القدوة مع األبوين ،مع جتنب العقاب الشديد والضرب ،كذلك جتنب املكافآت
املصطنعة ،ويرى أن احلنان والصداقة وسائل وغايات يف آن معا للرتبية احلسنة وذلك ألمهية تنمية الفضائل األخالقية
واالجتماعية.)Root, 2005, p75( .
وأعطى أمهية للرتبية البدنية ،وكذلك تكلم على نوعية غذاء الطفل ولباسه.
-منهج الدراسات عند (جون لوك) :وجهت فلسفة (لوك) الواقعية اهتمامها ،على املواد الدراسية ،وتعد الظواهر الطبيعية
أهم مادة دراسية بعكس الدراسات األدبية اللغوية.
(جون لوك) يرى بأن الرتبية ترويض ،وبأن العقل هو الدليل للوصول إىل احلقيقة ،لكن النفس ال تستطيع بلوغ هذا اهلدف
إال إذا ربيت تربية خاصة عن طريق الرتويض الشديد ،ويرى أن كل معرفة مصدرها اإلدراك احلسي واإلدراك العقلي ،وأن هذا
اإلدراك العقلي إمنا ينمى عن طريق القوى العقلية وملكات النفس والسيما العقل ،ويؤكد على دور التأمل يف الرتبية ،حيث
أن القراءة وحدها غري كافية( .عاقل فاخر ،8915 ،ص.)835
وهو يرى أن الرتبية العقلية تنحصر يف تكوين العادات الفكرية عن طريق التمرين واالنضبا ،ويرى أن الرياضيات هي خري
ما يستعمل هلذه الغاية وليس لغاية جعلهم رياضيني ،بقدر ما جعلهم خملوقات عاقلة.
-3-8-3-3الحركة الطبيعية :كانت احلركة الطبيعية من أكثر احلركات الرتبوية تأثريا يف (ق 81م) ،وما تاله من قرون
بتأكيدها على الفردية واحلقوق الشخصية والعدالة واملساواة واحلرية ،وكانت احلركة الطبيعية أيضا مقدمة للنزعتني
68
السيكولوجية اليت ظهرت يف (ق89م) ،االجتماعية اليت ظهرت يف (ق ،)41ولقد اختلف مؤرخو الرتبية على معرفة
الدالالت الرتبوية للحركة الطبيعية الختالف املفاهيم اليت أثارهتا هذه احلركة ،إذ فهم البعض عبارة الرتبية وفقا للطبيعة على
أهنا تطبيق للقوانني الطبيعية على الرتبية ،وفهم منها آخرون مسايرة قوانني النمو اإلنساين ،فاملريب جيب أن يعرف طبيعة
وقوانني النمو الشخص الذي يقوم على ترتيبه ،وفهم منها البعض العودة إىل الطبيعة ومعارضة الظروف الصناعية املتكلفة اليت
حيي فيها أبناء الطبقة العليا ،وقراءة أعمال (روسو) تشري إىل خمتلف هذه املفاهيم ،فاملفهومات األول والثاين يتعلقان بالطبيعة
كما تدركها اخلربة احلسية ،والطفل هنا يكون موضوعا طبيعيا أو حيوانا لفكر(روسو) الذي يؤكد معاملة األطفال باعتبارهم
أ طفاال راشدين صغار ،فاألطفال يف رأيه ال يفكرون كما يفكر الكبار ،وليس هلم حاجات الكبار ،ولذلك قبل أن (روسو)
اكتشف الطفولة ،ويف كتابه (أصل الالمساواة) حتدث (روسو) عن الطبيعة باملفهوم الثالث ،فاحلياة الطبيعية يف رأيه هي ما
قبل احلياة االجتماعية فالشر ال يصدر عن الطبيعة ،وإمنا يصدر عن اجملتمع الفاسد ،ومن مث دعا (روسو) إىل إقصاء الطفل
عن اجملتمع الفاسد حىت يتسىن له إظهار خريتيه الكافية ،ولذلك تبىن (روسو) سياسة (ارفعوا أيديكم) ،ودعا إىل الرتبية
السلبية ورفع القيود االجتماعية عن الطفل لزيادة تلقائيته والتعلم من اخلربة املباشرة والنتائج الطبيعية اليت ترتتب على سلوكه.
(نفس املرجع ،ص)482
*االتجاهات التربوية للحركة الطبيعية:
* أهداف التربية :حاولت احلركة الطبيعية كما قدمها (روسو) احملافظة على خريية الفرد ،وفضائله الطبيعية ،وإعادة خلق
اجملتمع وتأسيسه على االعرتاف باحلقوق الطبيعية لألفراد ،ففي كتابه (العقد االجتماعي) حاول (روسو) إعادة تشكيل
اجملتمع السياسي يف فرنسا من خالل دعوته إىل إ نشاء جمتمع جديد يقوم على املصاحل احلقيقية لكل أعضائه ،وليس فيه
امتياز لألرستقراطية ،والكتاب حماولة لبيان كيف ميكن لألفراد احلصول على خريات احلياة االجتماعية ،دون فقد حرياهتم ويف
كتابه (إميل) حاول (روسو) إعداد اإلنسان الطبيعي أو تربية اإلنسان الربجوازي وفقا ألفكاره الطبيعية ،والعالقة بني العقد
االجتماعي وأميل عالقة قوية ،ففي العقد االجتماعي أخذ (روسو) الناس على ما هم عليه وحاول خلق جمتمع فاضل جتتمع
فيه احلرية والنظام ،ولعل ذلك يبدو من قوله يف العقد االجتماعي (أريد أن أحبث فيما إذا كان ميكن أن تكون يف النظام
املدين قاعدة ما لإلرادة شرعية وأكيدة ،وذلك بتناول البشر كما هم ،والقوانني كما ميكنها أن تكون.
69
إن الربنامج الرتبوي الذي قدمه (روسو) يف كتابه (إميل) كان موجها لرتبية أبناء الطبقات العليا ،ألن أبناء الفالحني والفقراء
يف رأيه ليسوا يف حاجة إىل تربية خمتلفة ،فهم على صلة بالطبيعة ويف مأمن من املفاسد اليت جلبتها الرتبية املتكلفة على أبناء
الطبقات العليا ( الفالحون أسعد الناس يف العاَل ألهنم مستقيمون وبسطاء ويستطيعون تنظيم شؤون دولتهم يف ظل شجرة
البلو )( .نفس املرجع ،ص)485
*أنماط التربية :لقد كره (روسو) التخصص ألن فيه زيادة لتبعية األفراد وإخضاعا لبعض األفراد إىل غريهم ،لقد أقر (روسو)
أن يتلقى كل فرد تدريبا مهنيا ولكن جيب أن يكون شامال ،واهتمت الرتبية الطبيعية بالرتبية البدنية والصحية ،ووضع (روسو)
بعض القواعد اليت تتحدد مالمح الرتبية الطبي عية اليت يريدها كاحملافظة على تلقائية األفراد وجتنب احلماية املسرفة أو تقييد
حركة الصغار ودعا (روسو) إىل قيام الوالدين برتبية الطفل بأنفسهما وعدم تركه إىل اخلدم ،ودعا اآلباء إىل تعريض أبنائهم
ملختلف الظروف املناخية من حر وبرد وجتنب األطباء واألدوية الصناعية والرتبية الطبيعية تؤكد كذلك على الرتبية اخللقية من
خالل التعرض للجزاءات الطبيعية على السلوك ال عن طريق املواعظ اخللقية اليت ال يفهمها األطفال ،واهتمت الرتبية
الطبيعية بالرتبية العقلية والدينية ولكنها أجلت العناية هبا حىت تكتمل نضوج األطفال ويستطيعوا التفكري واملفاضلة بني
البدائل واختاذ القرار( .نفس املرجع ،ص)482
*محتوى التربية :حرص (روسو) على جتنب املقررات املألوفة ودعا إىل التعلم من الظاهرات الطبيعية وتدريب حواس الطفل
ولذلك كان املنهج الذي اقرتحه بتألف من أنشطة حسية وحركية كاجلري والتسلق والعوم والرقص والزراعة واستخدام
األدوات ،ودعا (روسو) إىل جتنب تعليم اللغات األجنبية واالهتمام باللغة القومية ،وأجل (روسو) الرتبية العقلية والدينية حىت
يبلغ األطفال إىل النضج العقلي ،وكان النهج الذي اقرتحه (روسو) لرتبية النساء قاصراً ألنه أراد إعداد النساء للقيام
بالواجبات حمدودة ،هي إعانة الرجل والعمل على إسعاده وتربية األبناء ،ومن مث اهتم بالرتبية البدنية للمرأة أبناؤها أقوياء
ودعا إىل تعليمها الغناء والرقص والتطريز ،...ودعا إىل تزويدها بالتعليم الديين واخللقي حىت توفر بيئة منزلية حسنة.
(نفس املرجع ،ص)482
*المؤسسات والتنظيمات التعليمية :أكد (روسو) أمهية األسرة باعتبارها مؤسسة تعليمية وكانت معظم نصائحه الرتبوية
موجهة إىل األسرة ،وَل يكن (روسو) موافقا على الظروف التعليمية املتاحة يف املدارس والكنائس ،ودعا إىل إصالحها وفقا
للمذهب الطبيعي ،ودعا إىل إعداد املعلمني إعدادا تربويا من خالل احلقائق اخلاصة مبراحل منو األطفال وطرق التعامل معهم
71
يف املراحل العمرية والتعليمية املختلفة ،فالنظام الرتبوي الذي وضعه (روسو) أوجب معاملة الطفل وفقا ملستوى نضجه
فالطفل يعامل باعتباره حيوانا مث كشخص بدائي مث كائن عاقل مث كائن اجتماعي ،ونظم (روسو) تربية (إميل) يف أربعة
مراحل:
هي مرحلة الطفولة املبكرة (من امليالد حىت مخسة سنوات) ،وفيها يعامل الطفل باعتباره حيوانا والعمل على إشباع حاجاته
ومرحلة الطفولة املتوسطة (من اخلاصة حىت الثانية عشرة) وفيها يعامل باعتباره شخصا بدائيا قليل احلاجات ،ومرحلة الطفولة
املتأخرة من (الثانية عشرة حىت اخلامسة عشرة) وفيها يعامل الطفل بطريقة (رونبسون كروزو) ،ومرحلة املراهقة (من اخلامسة
عشرة حىت العشرين) وفيها يعامل املراهق ملستوى نضجه العقلي ،فتقدم له املعارف العقلية واخللقية والدينية.
-طرق التعليم :متثلت الطريقة الرتبوية اليت اقرتحها (روسو) يف جعل الطفل مركز للعملية التعليمية ودعا الكبار إىل معرفة
طبيعة األطفال وحقائق منوهم اليت حتدد أسلوب تعليمهم والعناية مبيوهلم الطبيعية وإشباع اهتماماهتم والتعلم من الطبيعة.
-إن جوهر الطريقة الرتبوية (لورسو) يتمثل يف ثالثة مبادئ تعليمية هي مراعاة مبدأ النمو ومبدأ النشا ومبدأ الفردية.
(نفس املرجع ،ص)486
*الفكر التربوي عند(جان جاك روسو):
أ /الحالة الطبيعية عند (روسو) :بدأ(روسو) كتابه(إميل) مبقولة مشهورة " وهي خيرج كل شيء من يد اخلالق صاحلا ،وكل
شيء يف أيدي البشر يلحقه االضمحالل" (جان جاك روسو ،إميل أو تربية،ص.)41
يرى (روسو) أن اإلنسان األول كان يعيش حياة بسيطة تتسم بالرباءة واحلرية واملساواة ،فهذا اإلنسان َل يكن يف حاجة إىل
االستعانة بالكذب أو النفاق ،فال حاجة له هلا ما دام ال يوجد تفاوت أو متايز بني الناس ،فاإلنسان األول حسب (روسو)
ظاهرا شريفا ،ففي الطبيعة ما يكفي حاجاته ويزيد ،فهو يف هذا الصدد يقول "راقبوا الطبيعة وأنظروا كيف تبني لكم السبيل،
فإهنا تعمل على متريس األطفال باألحداث واألشياء ،وتعليمهم منذ البداية كيف يكونوا األَل".
واحلقيقة أن (روسو) يعتزم أن جيعلنا نرى إنسان الطبيعة وقد حتول إىل إنسان اإلنسان ،إنه ينوي وصف حياة النوع البشري
وفق اخلصال املستمدة من الطبيعة ،واليت متكنت الرتبية املشوهة والعادات السيئة من إفسادها ،إنه يعتزم أن يرينا اإلنسان عما
كان عليه.
71
وهو يقول :أيها اإلنسان من أي قطر كنت ،ومهما كانت ،أمثلك يكذبوا وإمنا الطبيعة اليت ال تكذب أبدا ،إن كل ما جييء
منها سيكون صحيحا ،ولن يكون فيه عندي دون أن أريد ذلك ( .عزة أْحد صيام ،مرجع سابق ،ص.)845
إن الطبيعة عند (روسو) خرية وخريها يتدفق باملطلق ،وعلينا أن نؤمن إميانا قويا بأن احلركات األوىل للطبيعة دوما رشيقة وما
من فساد أصيل يف النفس اإلنسانية ،ويف القلب البشري فعلتها يد اإلنسان ،فالطبيعة هي املبتدأ واخلرب يف معادلة البناء
اإلنساين اخلري-ويف أحضاهنا جيب أن ينمو األطفال ليكون يف منعة ،وامتناع عن كل ضروب اإلمث والشر يف التكوين اإلنساين
(فإميل) ابن الطبيعة
يرى (روسو) أن االجتماع اإلنساين أو اجملتمع منبع الشر واآلثام (يرى بأن احلالة الطبيعية تتميز بالبساطة ،فاإلنسان فيها
صاحل مادام يف أحضاهنا فإذا انتقل إىل املدنية مسته يد الشر واآلثام.
ب-الحالة المدنية عند (روسو) :تتميز يف ظهور امللكية اخلاصة اليت تبدأ باستنزاع األراضي واستئناس احليوان ،وظهور
تقسيم العمل ،وبداية تشكل التفاوت االجتماعي بني خمتلف أفراد اجملتمع ،وظهور التمايز الطبقي ،وحرص األغنياء يف
اكتناز الثروة ويقل يف املقابل فرص الفقراء يف احلصول على نصيبهم من ثروة اجملتمع.
ويف ظل هذه احلالة (اجملتمع املدين) يبدأ األغنياء يف السيطرة على الفقراء بوسائل خمتلفة وتظهر كنتيجة لذلك مشاعر احلقد
والكراهية واحلسد.
ولكي حيافظ األغنياء على حقوقهم تصدر القوانني املنظمة للملكية واليت تدعم أوضاعهم داخل اجملتمع ،فيزداد النفاق
وختتفي الصداقة املخلصة وتضعف الثقة املتبادلة ،ويسود اخلوف والكراهية والقتل ،وظواهر َل يعرفها اجملتمع يف احلالة السابقة
بقدر ما عرفها إبان نشأة اجملتمع اإلنساين( .نفس املرجع ،ص.)831
وميز (روسو) بني إنسان الطبيعة (كما خرج من يد صانعه) وإنسان اإلنسان كما شكله اجملتمع بواسطة الرتبية والتعليم ،عرب
نشر العلوم وتلقني الفنون سعيد بطبعه شقي بثقافته ،فاإلسراف يف جمال املعرفة والذوق ال يزيد اإلنسان انسياق للشهوات،
وتباعد عن أخيه اإلنسان.
*التربية بمفهوم (روسو) :يقول (روسو) " :الرتبية تأتينا إما من الطبيعة أو من اإلنسان أو من األشياء ،فنمو وظائفنا
وجوارحنا الداخلي ،هو تربية الطبيعة ،وما نتعلمه من اإلفادة من ذلك النمو ذلكم هو تربية اإلنسان ،وما تكتسبه من خربتنا
عن األشياء اليت تتأثر هبا ،فذلك هو تربية األشياء( .جان جاك روسو ،مرجع سابق ،ص.)82
72
ويرى أن اإلنسان يسيطر على اثنني فقط ،ومن هذه القوى ،بينما يعجز عن السيطرة عن قوة الطبيعة ،أي النمو الباطين
مللكاته ،إن االنسجام يف الرتبية ال يأيت إال إذا اخضعت تربية اإلنسان واألشياء للطبيعة.
قد رأى أن الطبيعة تتطلب أن يكون األطفال أطفاال قبل أن يكونوا رجاال ،وال جيوز أن نفرض عليهم حياة الراشدين
وأفكارهم ومقاييسهم يف السلوك ،ألن الطفل ليس مصغر الرجل ،لكنه كائنا يف طريق النمو ،ورأى ضرورة العناية بنشا
الطفل وإتاحة الفرصة أمامه ليتحرك حبرية ليلعب ويتمتع حبياة الطفولة والتقليل من األوامر والنواهي اليت يصدرها الكبار له،
ألن التضيق على الطفل قد يؤدي إىل ضرر بالغ ،وأن الرتبية األوىل الذي تقدم للطفل جيب أن يكون قوامها احملافظة على
القلب من الرذيلة ،وعلى العقل من الزلل ،وليس تلقني مبادئ الفضيلة واحلق.
حتقق الرتبية عند (روسو) هدفها عندم ا تسمح للطفل أن يعيش حياته وفق ميله الطبيعي ،حيث يرى أن الرتبية وفقا لقوانني
الطبيعة معناها أن األحكام الغريزية واالنفعاالت الفطرية ،والغرائز الطبيعية ،واآلثار األوىل هي أصدق أساس للعمل من
التفكري واحلذر واخلربة الناشئة عن االرتبا باآلخرين ،ويرى أن الرتبي ة السيئة اليت تصدر عن اإلنسان جيب أن يقابلها ضرب
آخر من الرتبية مصدره الطبيعة اآلمنة اليت ال يعرتيها اخلوف حبيواناهتا ونباتاهتا ،وقواها الطبيعية املختلفة.
ونالحظ أن (روسو) أعطى لكتابه (إميل) كل الوقت واجلهد ،وأثرى من قيمته وأوالده من الرعاية واالهتمام وحاول
اإلصالح يف اجملتمع األورويب بقدر املستطاع على الرغم من الناشئ أي األطفال باعتبارهم نواه اجملتمع األويل ،ألن غرس
املبادئ واألخالق يف نفوس الناشئ هي الركيزة اليت تكون اجملتمع الصاحل.
يتضح من كتاب (إميل) أن العلمية الرتبوية يف نظر (روسو) ينبغي أن ترتكز على تدريب احلواس ،ويؤكد على الرتبية اليت
تعتمد اخلربة املمارسة العملية واالحتكاك باألشياء تدل الرتبية القائمة على التلقني واأللفاظ ،وبالتايل فإنه يتجنب تعلم
الكتب واحلقائق اجملردة اليت َل تقع يف إطار-املشاهدة-واالختبار ،وأن كتاب (احلياة) وكتاب(الطبيعة) هو ما جيب أن ينشأ
على دراسته الطفل ومتاشيا مع هذا التصور يرى (روسو) أن يدرس الطفل اجلغرافيا يف الغابات واحلقول وعن طريق وضع
مالحظة وضع الشمس واألرض ودراسة اجلداول واملطر ،...أما دراسة الفلك فتكون عن طريق دراسته األجرام السماوية ،أما
دراسة الفيزياء والكيمياء فتكون عن طريق املالحظة والتجريب والرياضيات الزمة لضرورهتا يف هذه الدراسة.
أما القاعدة العامة اليت يوصي هبا فهي عدم استعمال اإلشارة أو الرمز حني ميكن استعمال الشيء نفسه ،وذلك ألن الرمز
سيستويل على انتباه الطفل فينسيه الشيء نفسه ،وذلك ألن الرمز سيتويل على انتباه الطفل فينسيه الشيء األصلي.
73
-كتاب إميل:
-الكتاب األولى 5-9( :سنوات) :أمهية العناية باجلسم وضرورة اهتمام األم بنفسها ،وأمهية منح الطفل احلرية منذ والدته
دون تكبيله بأي نوع من القيود اليت حتيل دون حريته ،ويرى بأن هذه املرحلة هي أخطر مراحل الرتبية ،وهي بكل ما فيها
موكلة إىل النساء ،وحيرص على عدم تربية الطفل على يد الغرباء.
ورأى أنه األفضل أن تكون األم احلقيقية هي األم أو املربية ويكون املؤدب واملوجه هو األب احلقيقي ليحصل االنسجام
والتفاهم بني املرضعة واملؤدب ،وهذا ما جيعل عملية االنتقال من يد املرضعة إىل يد املؤدب السهلة ال تكلف الطفل عناء
االنتقال من مرحلة إىل أخرى دون تفاهم بني املرضعة واملريب ،واهتم باجلانب النفسي.
-الكتاب الثاني 12-5(:سنة) :حيث يرى أن الطفل يف هذه املرحلة يصبح جاهزا للتعليم والتعلم ،ويؤكد على أنه جيب
أن ال نعلم الطفل تعليما نظاميا ،بل يرتك يتعلم بالتجربة والنشا احلي يف الطبيعة ،وعلى أنه ينبغي أال يتعاطى الطفل سوى
األشياء اليت تناسب عمره وتفكريه واهتمامه بشكل مباشر ،والرتبية هنا تركز على تربية اجلسد واحلواس ،فالعقل جيب أن
يتعلم الطاعة على أهنا واجب طبيعي ،وجيب أن يبتعد الطفل من الشر ،ويشري هنا إىل انتهاء مرحلة الطفولة.
-أما الكتاب الثالث( :من 85-84سنة) هنا تبدأ الرتبية الذهنية والتعليم اإلجيايب ،حيث يرى أنه ينبغي أن نعود اإلنسان
على مالحظة ما يدور حوله وأن نعلمه من كتاب واحد هو كتاب العاَل احمليط به ،فيتعلم اجلغرافيا مبشاهدته املباشرة
للطبيعة( .وائل عبد الرْحن التل وأْحد شعراوي( ،ب ت) ،ص.)828
إضافة إىل تشجيع ه وتعليمه االعتماد على نفسه يف التعليم ،تبدأ مرحلة التفكري والتعقل ومنعه مبقارنة نفسه بسواه من
األطفال ،ألنه ال جيين من ذلك إال إحدى السيئتني مها احلسد والغرور ،فليكن هو معيار نفسه ،إضافة إىل ذلك البد أن
يدرس العالقات االجتماعية ويقدر الفنون املختلفة على أساس منفعتها احلقيقية.
-أما الكتاب الرابع :حتت عنوان املراهقة والتعليم الديين ،يتضمن الرتبية اخللقية والدينية ،حيث يؤكد (روسو) أن أول شعور
حيس به الطفل هو أن حيب نفسه أما الشعور الثاين فهو حمبة اآلخرين ،ويرى أن املبدأ األساسي يف األخالق أن قواعد
السلوك ال تأيت نتيجة لدروس فلسفية عالية ،بل هي مكتوبة يف أعماق كل إنسان بشكل طبيعي وبأحرف ال متحى ويرى أن
الصوت الداخلي (الضمري) هو املبدأ األساسي للعدالة والفضيلة والفضل يعود إليه بتأمني سعادتنا أو شقائنا ،بسماع صوته
74
أو عدم مساعه تقرر حالتنا على األرض ومن مث احلياة األبدية ،فقد وهبنا اهلل الضمري كي حنب اخلري ،والعقل كي نتعرف إليه،
واحلرية ختتار الطريقة ،ويف الثامنة من عمره يتعلم مبادئ الدين األوىل ،فال نفرض عليه أي مذهب أو ديانة ونرتك له اخليار.
(وائل عبد الرْحن التل ،وأْحد حممد شعراوي ،مرجع سابق ،ص)824
-أما الكتاب الخامس :فهو يتحدث عن (صويف) رفيقة (إميل) إال أن إميل ال يتزوج من صويف إال بعد أن يقوم برحلة ملدة
سنتني ينتقل خالهلا يف الدول األوروبية يتعرف على أنظمتها االجتماعية على شعوهبا وعلى عاداهتا وتقاليدها ،وبذلك يصبح
عنده فضيلة أكثر وقوة عامرة يف نفسه أكثر .كما أبرز دور املرأة الفاضلة يف الرتبية واألسرة واجملتمع
-4-8-3-3الحركتان النفسية واالجتماعية:
ظهرت احلركة النفسية يف أواخر القرن (81م) وتطورت يف ق(89م) ،وظهرت احلركة االجتماعية يف (ق41م) ،فاحلركة
النفسية أكدت على الطفل ومنوه واحلركة االجتماعية أكدت على البناء االجتماعي والشرو االجتماعية الالزمة للنمو ،وال غىن
عن اجلانب النفسي واالجتماعي يف فهم الرتبية يف العصر احلديث ،وخباصة يف (ق41م) ،أما احلركة النفسية يف الرتبية فقد
مناها (بستالوتزي وفروبل) يف املراحل األوىل:
وكان (لستانلي هول) و(وليم جيمس) و(ثورندايك) فضل تعميق نتائج علم النفس واإلفادة منها يف خمتلف املراحل
التعليمية ويف طرق التعليم وتدريب املعلمني وشرو التعلم وخصائص النمو يف املراحل العمرية املختلفة.
-وأما احلركة االجتماعية يف الرتبية فقد مناها رواد علم االجتماعي الرتبوي مثل( :ليسرت وارد) (والبيون صمول) و(إميل
دوركامي) ،فلقد انتظمت مجلة احلقائق االجتماعية ذات الصلة بالرتبية فاقرتح أصحاب االجتاه االجتماعي بدراسة موضوعات
ذات صلة مباشرة أ و غري مباشرة بالرتبية مثل عالقة النظام الرتبوي باألنظمة االجتماعية األخرى ،وعالقة النظام الرتبوي
بعمليات التغري االجتماعي ،ووظيفة النظام الرتبوي يف عمليات اإلصالح االجتماعي والضبط االجتماعي والتأثري الرتبوي
للمؤسسات التعليمية ،غري أن علماء االجتماع األوائل اهتموا بالتطبيع االجتماعي واحملافظة على البناء االجتماعي أكثر من
عنايتهم بالنمو الفردي( .نفس املرجع ،ص.)481
*االتجاهات التربوية للحركتين:
-أهداف التربية :اهتمت احلركة النفسية باألهداف الفردية وحاولت جعل الطفل مركز للعملية التعليمية وعنيت باكتشاف
خصائص النمو يف املراحل العمرية املختلفة وقوانني التعلم ،وتنمية الطفل من الداخل بدال من فرض معايري الكبار عليه
75
ولذلك أغفلت جانب التطبيع االجتماعي ،أما احلركة االجتماعية اهتمت بالرتاث االجتماعي واملثل االجتماعي العليا
والعادات والتقاليد وإعداد الناشئة حلياة الكبار ،وإعانة الفرد على التفاعل االجتماعي واالتصال وتزوده باالجتاهات املناسبة
للخدمة االجتماعي وزيادة كفاءاته املهنية واالجتماعي ،والدينية واخللقية.
-أنواع التربية :اهتم النفسانيون بالرتبية العقلية والرتبية اخللقية واملهنية من منظور تنمية امللكات الفردية ،أما االجتماعي فقد
اهتموا بتنمية املهارات االجتماعية ومهارات االتصال وأكدوا على الرتبية املهنية يف اجملاالت الصناعية والزراعية والتجارية ،كما
أكد االجتماعيون على الرتبية املدنية والرتفيهية وتنويع التعليم حبيث يناسب أبناء الطبقات االجتماعية املختلفة.
-محتوى التربية :وسع النفسانيون املنهج الدراسي وخباصة يف املرحلة االبتدائية ،حيث اعتقد (بستالوتزي) أن منهج املرحلة
االبتدائية جيب أن يشمل اللغة واحلساب واجلغرافيا ومبادئ العلم الطبيعي ،ألنه كان يعتقد يف ضرورة تنمية مجيع ملكات
اإلنسان ،إن الرتبية يف رأى (بستالوتزي) (هي منو مجيع قوى اإلنسان وملكاته منو طبيعيا يف اتساق وانسجام) ،ولقد اعتقد
كل من (هاربارت وفروبل) ،يف أن اهتمامات الفرد وميوله مستمدة من مصدرين مها احتكاكه باألشياء يف البيئة واحتكاكه
بالناس ،ومن مث جيب أن تشكل تربية الفرد على هذين املصدرين ،أما احلركة االجتماعية ،فلقد اهتمت بتزويد األطفال
بأدوات االتصال االجتماعي والعالقات اإلنسانية ،وإعانتهم على اكتشاف طبيعة احلياة االجتماعية ،وبالتايل أكد أصحاهبا
على التعلم اال جتماعي والعمل والسفر واألنشطة الالصفية واحلياة والطالبية باعتبارها وسيلة إلعداد الفرد للحياة
االجتماعية( .نفس املرجع ،ص.)441
-المؤسسات والتنظيمات التعليمية:
َل يفكر النفسيون يف مؤسسات تعليمية جديدة بل اعتقدوا يف أن املؤسسات التعليمية وافيه بتحقق أهدافها وتطبيقا
اجتاهاهتم الرتبوية ،غري أهنم قسموا النمو إىل مراحل وجعلوا لكل مرحلة خصائص معينة جيب اإلفادة منها يف التعليم ،واقرتاح
املقررات وطرق التعليم املناسبة ،واعتقد االجتماعيون أن املدرسة أنسب مكان إلعداد الفرد للحياة االجتماعية من خالل
التنظيمات واألنشطة الرمسية وغري الرمسية اليت تقدمها للتالميذ ،ودعا االجتماعيون إىل تأكيد العالقة بني املدرسة والبيت
وخدمة املدرسة اجملتمع احمللي يف التعليم ،وكان هذا مدعاة لظهور فكرة مدرسة اجملتمع ،ومال االجتماعيون إىل طرق التنظيم
غري الرمسية بصفة عامة( .نفس املرجع ،ص.)441
76
-طرق التعليم :كان إسهام النفسانيون يف طرق التعليم كبريا ،فلقد أكدوا أمهية الطرق الكلية على الطرق اجلزئية يف تعليم
الناشئة ودراسة األشياء بدال من وضعها يف كلمات غامضة ،وابتكر(هاربارت) طريقة تعليمية تتألف من مخس خطوات هي:
إعداد املعلم للتلميذ ،وهتيئة لألفكار اجلديدة ،وعرض األفكار اجلديدة ،وربط باألفكار القدمية ،والتعميم والتطبيق ،وأكد
(ثورندايك) على اإل فادة من قوانني التعلم اليت اكتشفها مثل قانون االستعداد وقانون االستعمال ،وقانون األثر ،وأكد أيضا
على أمهية نشا التلميذ يف التعلم ،أما االجتماعيون فقد أكدوا على الصلة الوثيقة بني املعلم واملتعلم وأمهية العالقات غري
الرمسية واملناقشات اجلماعية وطريقة املشروعات اجلماعية ،وإشراك الطلبة يف إدارة املدرسة وتقييم احلياة الطالبية وتعويد الطلبة
على القيادة والتبعية واكتساب قيم التعاون واملسؤولية من خالل األنشطة احليوية ومراعاة املعايري االجتماعية وتدريب الفرد
على مواقف اجتماعية عيانية( .نفس املرجع ،ص.)448
-5-8-3-3الفلسفة المثالية وأنواعها:
-إ ن الفلسفة فرضت هيمنتها على تاريخ الفلسفة ،وهلذا فهي يف صورهتا القدمية تصعد إىل (سقرا ) و(أفالطون) ،وهي
صورهتا احلديثة ترتبط بالفيلسوف (باركلي) و(كانط) و(هيغل) (وفيخته) ،ويف صورهتا املعاصرة تتصل بكل من (كروتشه)
و(جنتيلي) و(كولريدج) و(كارالبل) و (بوزنكت).
والفلسفة املثالية موقف فكري من العاَل واملعرفة والقيم واإلنسان واجملتمع ،وهلذا وجدنا فالسفة املثالية جيمعون على أن
وجود العاَل (أشياء وظواهر وعالقات) ،يعتمد على الذات العارفة أو القوى اليت تدرك وجود العاَل ،وأن وجود العاَل يصبح
غري ممكن يف حالة انعدام الذات العارفة أو القوى املدركة ،وهلذا ترى الفلسفة املثالية أن الوجود واملعرفة شيء واحد.
(حممود كيشانة،ب ت ،ص)32
-وعلى هذا األساس رتب فالسفة املثالية العمارة الفكرية للفلسفة املثالية ،فذهبوا إىل أن األفكار تتقدم على احملسوسات،
واألخرية هي نسخة طبق األصل لألفكار ،واحلال كذلك بالنسبة للمعاين الكلية ،فهي تتقدم على اجلزئيات ،وأن معرفة أي
شيء أو ظاهرة أو كائن يف عاَل احملسوسات تتحقق من خالل معرفة ماهيته ،وماهية الشيء أو يشرتك الشيء فيها مع
أفراده ،فمثاال ماهية اإلنسان (ناطق) وهي صفة يشرتك فيها مع مجيع أفراد جنسه ،وهبذا تفهم قول املثالية "أن ماهية الشيء
سابقة على وجوده" ،أي أن ماهية (النطق) سابقة على وجود (عمر) الذي يتميز بكونه إنسانا ناطقا.
77
وهلذا أسست املثالية موقفها الفلسفي القال :إن وجود الشيء مرهون بوجود الذات املدركة (العارفة) ،وأن هناك تطابقا بني
وجود الشيء ومعرفته ،ولذلك يصبح من غري املمكن أن توجد أشياء حمسوسة ال ميكن إدراكها (نفس املرجع،ص.)32
-ما هي أبرز المواهق التي ظهرت في تاريخ الفلسفة المثالية؟:
أ /الموهق المثالي التقليدي :يُعرف املثايل التقليدي يف دوائر األنظار الفلسفية باملذهب املثايل املفارق ،ويرتبط باسم
الفيلسوف اليوناين (أفالطون) ،وتعين املثالية باملفهوم األفالطوين ،أن هناك ُمثال توجد أو صورا لألشياء ،وأن وجود هذه املثل
ُ
مفارق لألشياء ،وتقوم املثل املفارقة يف عقل إهلي ،عنده الصور أو أعلى املثل درجة وأمساها مرتبة ،ولذلك من الصحيح جدا
ُ
تسمية املثالية أفالطون باملثالية اإلهلية.
ويعتقد (أفالطون) أن األشياء مجيعا ما هي إال نسخ ناقصة ملثل أزلية كاملة ،وأن الطبيعة احلقة للشيء ال توجد يف الظواهر
اليت تقدمها احلواس بل توجد يف املثال ،ولذلك فإن الطريق الوحيد ملعرفة املثل هو طريق العقل .
ب /الموهق المثالي الواتي :ارتبط هذا النوع من املثالية باسم الفيلسوف (جورج باركلي) ،وتنهض حقيقة هذا املذهب
الفلسفي على أن وجود الشيء هو إدراكه ،وأن الشيء ليس له وجود مادي مستقل عن إدراكي له( ،اإلدراكات احلسية
توجد بصورة مستقلة عن العقل الذي يقوم بإدراكها) و(باركلي) ال يعرتف بوجود املادة ،فهي عنده ليست إال جمرد وهم
باطل ،وهلذا وجدناه يدعونا للتخلص منها ،وأن نلغي وجودها إطالق ،وعلى أساس هذه الرؤية مسي مذهبه الفلسفي ب
(الالمادي) أي نقطة االنطالق والبداية يف فلسفة هي (الروح والعقل).
لقد فطن (باركلي) إىل أن ما قام به من ربط لوجود األشياء بفعل اإلدراك سيفضي ال حمال إىل النتيجة القائلة" :إن وجود
العاَل جمرد وهم" يف حالة توقف اإلدراك ،ومن املعلوم أن العاَل موجود سواء أدركته أم َل تدركه ،فقد توجه (باركلي) إىل اهلل
فقال كلمته اليت فيها تفعيل للفلسفي ،وتفعيل لإلميان الديين (إن العاَل اخلارجي موجود يف العقل اإلهلي).
-إن هذا التوجه الديين هو الذي ْحل (باركلي) إىل االعرتاف بالوجود الواقعي للعاَل ،أي أن واقعية العاَل مت إقرارها عن طريق
العقل اإلهلي(.نفس املرجع ،ص)21
ج /الموهق المثالي النقدي :إن هذا املذهب الفلسفي ارتبط بشخصية الفيلسوف (كانط) ،وأن أهم اخلصائص اليت
يتميز هبا هذا املذهب ميزتان مها :إهنا (مثالية نقدية) والثانية (مثالية متعالية) ،وقد نزع إىل وضع حدود للعقل ،ودعا إىل عدم
جتاوزها ،حيث وجد أن العقل يرتك لذاته احلرية املطلقة يف التدخل يف مناقشة ودراسة موضوعات كثرية حبيث تثقل كاهله
78
وتتعبه ،ألن إمكانات العقل حمدودة ،وأن هذه املوضوعات غري حمددة خاصة تلك املوضوعات امليتافيزيقية مثل البحث يف
اهلل والبحث يف مسألة النفس وخلودها.
إن (كانط) وقف من هذه املوضوعات اليت خيوض فيها العقل فوق طاقاته البشرية ،موقف الناقد ،وتقدم لنا باملقابل مبشروع
فلسفي يدور يف حدود "التجربة املمكنة" ،ولقد سعى إىل تثبيت الشرو األولية اليت جتعل التجربة ممكنة ،ورأى أن هذه
الشرو ساكنة داخل التجربة ،وهي مثل مفهوم املكان والزمان والسببية...وهي يف حقيقتها ليس إال أطرا عقلية تنظم املعرفة
اليت تأيت عن طريق احلواس.
لقد هنضت مثالية (كانط) النقدية من التمييز بني نوعني من الظواهر ،الظواهر العقلية اليت تتقدم على كل جتربة وتسبقها،
والظواهر اليت حتصل عليها عن طريق التجربة ،ويرى (كانط) أن الظواهر العقلية ضرورية عندما نسعى إىل إدراك األشياء
ونثابر على معرفتها وهبذا الفهم الكانطي تصبح مصادر املعرفة هي العقل واحلس( .نفس املرجع،ص)21
د /الموهق المثالي الموضوعي (المطلق) :ارتبط هذا املذهب باسم الفيلسوف (هيغل) ،إن مثالية (هيغل) قد اختارت
هلا موقفا فلسفي يتوسط بني مذهبني فلسفيني ،املذهب الطبيعي الذي يطرح فالسفته بأن الطبيعة توجد مستقلة عن الذات،
وبني املذهب املثايل (باركلي) الذايت الذي جعل وجود الطبيعة مرهونا ومعتمدا على الذات.
-إن مثالية (هيغل) تعرتف بوجود عقل مطلق (أو إهلي) يف الطبيعة وأن العقل اإلهلي متغلغل إىل باطن الطبيعة ،وهلذا يصبح
مقبوال القول أن تطور الطبيعة ،وأ ي حركة يف جوانبها املختلفة يعتمدان على حركة هذا العقل اإلهلي وإن أن حتوالت يف
العقل اإلهلي هي املصدر الوحيد للحركات البادية يف الطبيعة(.نفس املرجع،ص)29
-إن حقيقة املطلقة باملنظار اهليغلي هو "الوجود الواقعي كله" وإن الفكرة والطبيعة ما مها إال مظهران هلذا املطلق ،وهبذا الفهم
يصبح املطلق حاضرا يف الطبيعة مباطنا هلا وليس منفصال عنها.
-اإلطار الفلسفي للنزعة المثالية:
-كيف نظرت هوه الفلسفة إلى اإلنسان؟:
على الرغم من تنوع النزعات املثالية إال أهنا تتفق يف الرأي حول اإلنسان ،وهذا الرأي املشرتك يف حقيقة إعالن مثايل عن
طبيعة اإلنسان فهو (كائن روحي يعمل حبرية إرادته) ،وأنه يف الوقت ذاته (مسؤول عن تصرفاته).
79
أ ما موقف املثالية من املعرفة ،فيعتقد املثاليون أن املعرفة مستقلة عن اخلربات احلسية وال تستمد منها ،ويؤكد (أفالطون) أن
املعرفة املكتسبة من خالل احلواس جيب أن تظل غري أكيدة ،طاملا أن العاَل احملسوس وحده واقعي جزئيا ،واملعرفة احلقيقة هي
نتاج العقل وحده ،وذلك ألن العقل حبكم طبيعته يتحول من فوضى املادة إىل تأمل الرتتيب والوضوح يف أفكار العقل وليس
يف العاَل الفيزيائي(.نفس املرجع ،ص)39
والعقل وحده هو الذي يستطيع أن ميدنا باملعرفة احلقيقية من خالل عملية التفكري اليت هي وظيفة العقل.
أما املثاليون الذاتيون أمثال (باركلي) فريون أن اإلنسان قادر على معرفة ما يدركه فقط ،وهذا يعين أن معرفته تتمثل يف حالته
العقلية ،فالوجود يتوقف على العقل وإن كان مثريا يستقله العقل مستمدا يف النهاية من اإلله ،ألن اإلله هو الروح الالهنائية.
واملثاليون يقررون اقتداء ب(كانط) أن العقل يفرض معىن ونظاما على احلواس ،ولذا فإن التدريس ال يستهدف حفزه على
اكتشاف معىن هذه املعلومات النفسية ،ونظرا ألن ما يعرف يعتمد جزئيا على املعارف املتاحة ،فإن الطالب ينبغي أن يربط
معلوماته خبرباته السابقة الشخصية ،حبيث يصبح ملا يتعلمه مغزى له شخصيا ،ولذا فإن املتعلم ال تتكون من استيعاب مواد
معرفية خمتارة ،بل من اكتشاف احلقيقة بنفسه تلك احلقيقة اليت حتيط بنا وبداخلنا.
-ونالحظ أن املثاليني مبختلف مذاهبهم جيتمعون على دحض الرأي الذي يذهب إىل أن الطرائق العلمية هي الطريق الوحيد
الذي يوصلنا اىل احلقيقة ،وباملقابل يؤكدون دور التفكري احلدسي وبشكل خاصا يف احلياة الشخصية ،بأنه أكثر أمهية من
التفكري العلمي ،ولذلك وجدناهم يدعون إىل دراسة الفن واألدب ،لفرض تنمية املوهبة احلدسية وتنظيمها.
-أما موقف املثالية من القيم ،يعتقد املثاليون أن القيم مطلقة وليست متغرية متبدلة ،وأن اخلري واجلمال ليسا من صنع
اإلنسان ،بل مها جزء من نسيج الكون(.نفس املرجع،ص)39
-الفلسفة المثالية في الميدان التربوي:
أ /مفهوم التربية المثالية :يرى املثاليون أن الرتبية ما هي إال "جمهود اإلنسان للوصول إىل هزمية الشر وكمال العقل".
-الرتبية عملية تدريب أ خالقي واجملهود االختياري الذي يبذله اجليل القدمي لنقل العادات الطيبة للحياة ،ونقل حكمة
الكبار اليت وصلوا إليها بتجارهبم إىل اجليل الصغري.
-وأهنا نوع من التدريب الذي يتفق متاما مع احلياة العاقلة حينما تظهر.
-والرتبية هي علم اخلري والشر.
81
أما مفهوم الرتبية عند (كانط) فهو فن يسعى إىل أن جيعل كل جيل يقوم برتبية اجليل الالحق ،وأن الرتبية عمل نقل
للمعارف من األجيال السابقة إىل اجليل اجلديد ،حبيث جتعله مؤهال أن يكون مربيا للجيل الالحق ،وذلك ألن "الرتبية فن
جيب تكميل ممارسته بواسطة كثري من األجيال ،وكل جيل وقد تعلم معارف من سبقوه يكون مؤهال لإلقامة تربية تنمي كل
االستعدادات الطبيعية يف اإلنسان ،ويقود اجلنس البشري كله إىل مصريه".
ويبني (كانط) "الرتبية هي عملية تصنيع لإلنسان" ،وذلك ألنه ال ميكن أن يصري إنسانا إال بالرتبية ،إنه ما صنع منه
الرتبية...وأن غاية الرتبية هي تربية الشخصية وتربية كائن يفعل حبرية ،وحيافظ على كيان نفسه"(.نفس املرجع،ص)28
ب /أهداف التربية عند المثالية:
/1هتدف إىل رفع مكانة الشخصية ،وحتقيق كمال الذات ،واحلقيقة أن هذا اهلدف من أكثر األهداف تعبريا عن الفلسفية
املثالية ،وذلك يكون طبيعية اإلنسان العليا ،أو الروحية االجتماعية ،والواقع أن الرتبية املثالية تدافع عن اهلدف االجتماعي
ومتنحه استثنائية يف عملها الرتبوي.
/2هتدف إىل إدخال اإلنسان يف الرتاث الثقايف اإلنساين ،حبيث ميكن من اكتساب ما هو ضروري ،وذلك لتحقيق ذاته.
/3هتدف إىل إحاطة الطفل باملثل العليا الصاحلة ،وغرس فكرة اخلري والشر ،والفضيلة والرذيلة يف ذهنه ،وذلك ليرتعرع وينمو
حب اخلري والفضيلة ،وكراهية الشر والرذيلة ،إن املثالية يف كل ذلك تنزع إىل حتقيق تطور روحي لإلنسان.
/4هتدف الرتبية املثالية إىل تنمية شخصية اإلنسان الذي حيرتم اآلخرين ،وحيرتم القيم الروحية.
/5هتدف إىل بناء شخصية تشعر بوالء عال للمثل السياسة العليا لألمة واجملتمع احمللي(.اليماين عبدالكرمي،4112،ص)24
ج /شخصية الطالق المثالي :يرى املثاليون أ ن الطالب كائن روحي له هدف يف احلياة ،وهو التعبري عما يتمتع به من
طبيعة خاصة ،وهلذا يرتتب على الرتبية أن تقدم له يد العون واملساعدة على حتقيق هدفه يف احلياة.
لفت املثاليون أنظار املربني إىل ضرورة التعامل مع الطالب ،ال على أساس كونه عقال أو جهاز عصبيا وظيفته مجع
املعلومات داخل هذا اجلهاز ،إ هنم وجدوا يف هذه النظرة ضررا كبريا ،رمبا يلحق بالطالب ولذلك طالبوا املربني بدال من ذلك
أن ينظروا إليه على أنه إنسان له هدف روحي يتوجب حتقيقه ،ومن هنا أكدوا على ضرورة تعليمه احرتام اآلخرين والقيم
الروحية.
81
وهلذا نلحظ املثاليني يدعون إىل أفضل أ مر يؤكد عليه يف التعامل مع الطالب ،هو فسح اجملال له لينمو بشكل أصيل ،حبيث
ينسجم مع إمكاناته الفكرية ،وذهبوا إىل أن من النافع جدا أن حيدث انسجام بني الطالب واآلخرين بشر أال يؤثر ذلك
على شخصية الطالب ،فتكون هبذا االنسجام شخصية مزيفة.
وتدعو املثالية الطالب إىل أ ن يتعلم الطريقة اليت يعرب فيها عن احرتامه لوطنه وجملتمعه احمللي ،خصوصا اجملتمع الذي ولد فيه،
وأن هذا األمر يفرض على الطالب التوجه حنو اإلملام باملكونات الثقافية ألمته وجمتمعه احمللي.
وأن أ خالقية الطالب تتقرر يف حالة انسجامه مع طبيعة األشياء ،وأن سلوك الطالب يكون غري خلقي عندما يكون يف حالة
تنافر مع األشياء.
واحلقيقة أن من املالحظ على املثالية أهنا ال ترى بأن أي نظام مدرسي حيتوي يف سلمه التعليمي على "طالب رديئني" ،وإمنا
تنظر إىل املسألة يف كل ما فيها إ ىل هناك عددا من الطلب قد ضلوا طريق النظام اخللقي األساسي للكون ،أو رمبا أهنم َل
يتمكنوا من فهمه تاما (.نفس املرجع،ص)36
د /المعلم والمنهج وطريقة التدريس المثالية :يرى املثاليون أن املعلم مبا يقوم به من نشا داخل حجرة الصف ،فهو
يتوسط بني عاملني عامل كامل النمو ،وهو العاَل الذي شكلته املثالية ،وعاَل الطفل ،وتطالبه الفلسفة املثالية بأن ينشط يف
تقدمي اإلرشاد للطالب (الطفل) ،فهو يبقى حباجه إليه ،وأن املعلم مبا حصل عليه من إعداد فهو قادر على قيادة برنامج منو
الطالب ،وحتمله املسؤولية يف رصد ومراقبة منوهم ،ألنه هو الوحيد مركز وقائد العملية الرتبوية ،وهلذا دعت املثالية إىل ضرورة
أن يكون برنامج إ عداد املعلم من املستوى الرفيع ،حبيث ميكنه من الناحيتني العلمية والسيكولوجية ،وخصوصا سيكولوجية
الطالب قبل القيام بعمله.
ونلحظ أن عمل املعلم باملنظار املثايل يهدف إىل توليد األفكار واملعاين من عقل الطالب ،إذ أن املثالية تعتقد أن األفكار
واملعاين ،فطرية كاملة يف اإلنسان ،وهلذا أكد الفيلسوف اليوناين (سقرا ) يف تدريسه على توليد ما بالعقل من أفكار وذلك
هبدف الوصول إىل مبادئ عامة مع طالبه ،وهي املبادئ اليت تشكل ثوابت ميكن االحتكام إليها ،ويرى (أفالطون) أن املعرفة
تذكر للمعاين الفطرية املوجودة يف النفس ،واليت كانت تعرفها عندما كانت يف عاَل املثل ،ولكنها نسيتها عندما هبطت إىل
األرض ،واتصلت باجلسم ،وهلذا يقول "إن العلم تذكر وإن اجلهل نسيان"(.نفس املرجع،ص)22
-وترى املثالية أن بإمكان املعلم املثايل أن يقدم املساعدة لطالبه من خالل اجلوانب اآلتية:
82
/1أن يعمق املعلم صلته بطالبه ،ويتيح هلم الفرصة ليفهموا طبيعته ومكوناته شخصية ،إذ أن هذا الطريق يلعب دورا مؤثرا
على شخصية املتعلم ذلك من خالل اختاذه املعلم قدوة له.
/2أن حياول إفهام طالبه بأن حل أية مشكلة يتطلب منهم أ ن يبذلوا جهدا مبا يناسب املشكلة املطلوب حلها ،وعلى هذا
السبيل يتحقق منو لطالبه.
/3أن يعمل لكل جهد على مساعدة طالبه ،وذلك من خالل إرشادهم لفهم أساسيات الطريقة العلمية.
-المنهج الدراسي المثالي :ترى أن هدف املثايل من استخدام املادة الدراسية هو السعي إىل تطوير الشعور السامي بالذات
من جانب الطالب ،وأن من استخدام املادة الدراسية هو السعي إىل تطوير الشعور السامي بالذات من جانب الطالب ،وأن
من أهداف الرتبية املثالية تنمية الذات ،إذن مطلوب من املنهج الدراسي أن يهدف إىل تنمية االنفعاالت البيولوجية
للطالب ،ويرى أن ذلك يتم حتقيقه من خالل تقدمي املثاليات"(.نفس املرجع،ص)21
واليت تستعمل من جهتها كأحكام للطالب ،وبذلك جيب أن يصمم املنهج الدراسي ،حبيث يكون للمثاليات حضور كامل
فيه ،وأال ننسى بأن هدف املنهج الدراسي املثايل تنمية االجتاه الشخصي للطالب.
-وينظر املثاليون ،وهي نظرة ميزهتم من سواهم إىل أ ن مجيع املواد الدراسية اليت تتكون منها املنهج الدراسي هي فنون ،وذلك
اعتقادا منهم بأن هذا الفهم يدفع الذات إىل دراسة هذه الفنون دراسة خالقة ،ويعين أن الذات عن طريق الفنون حتقق منوا
خالق ،وأن من املالحظ على املثالية أهنا ال ترجح مادة دراسية على أخرى يف املنهج الدراسي ،وأن مجيع املواد الدراسية
مناسبة للدراسة ،إذا أتيحت هلا الفرصة احلقيقية اليت تؤدي إىل منو الذات اخلالقة ،وحيسبون أن مجيع املواد الدراسة بال
استثناء فيها إمكانية منو الذات اخلالقة.
ومن الالزم جدا أن يشمل املنهج الدراسي املثايل على نوعني من األنشطة ،جند من النافع ذكرمها يف هذا اجملال.
/1أنشطة ضرورية تسعى إىل احملافظة على حياة الفرد اجملتمع ،وهي مثل العناية بالصحة والسلوك والدين واملؤسسة
االجتماعية ،..واحلقيقة أن هذه األنشطة باإلمكان قبوهلا ،كمواد دراسية رمسية.
/2أنشطة تقدم معلومات ومعارف عن كل ماله صلة باحلضارات اإلنسانية ،وتشكل هذه األنشطة مواد دراسية مثالية ،وهي
تشمل األدب والفنون والصناعات اليدوية والعلوم والرياضيات والتاريخ واجلغرافيا(.نفس املرجع ،ص)25
83
-طرق التدريس المثالية :تداول املثاليون طرق خمتلفة يف التدريس منها طريقة (سقرا ) ،وهي أسلوب يعتمد على احلوار
وتوليد األفكار ،وطريقة (أفالطون) القائمة على أسلوب السؤال واجلواب.
وإن كانت طريقة التدريس املثالية تعتمد على احملاضرة ونقل املعلومات احلقيقة ،وعلى الغالب فإهنا تؤمن يف الوقت ذاته
بطريقة السؤال واحلوار واملناقشة ،واملقصود مناقشة املشكالت املشرتكة للطالب ،والوصول إىل حل هلا ،واستخدام طريقة
التحليل والرتكيب وهي طريقة متكن املعلم من قيادة طالبه باجتاه التحقق من أن الكثري من املشكالت الصعبة ميكن حلها
بيسر ،عندما تفكك وجتزأ إىل جمموعات صغرية ،والواقع أن طريقة التحليل والرتكيب تسريان جنبا إىل جنب يف حل أحد
األجزاء ،وأهنما قادرتان على أن حتال الكل.
-إن هدف املثالية من استخدام هذه الطرق.
/8أن يقود املعلم طالبه حبيث يبدو هلم أهنم وصلوا إىل احلقائق بأنفسهم.
/4أن تتوافر فرصة للمعلم حبيث يتمكن من خالهلا التأثري يف طالبه.
/3أن ينتقل املعلم والطالب من جمرد اجملال الدنيوي إىل اجملال األزيل ،حبيث يكون يف إمكاهنما اشتقاق القيم اليت فيها
إمكانية تنوير وإضاءة منطقة اجملال الدنيوي(.نفس املرجع،ص)25
-االنتقادات التي وجهت للفلسفة المثالية:
/1نتيجة الهتمامها بالعقل ،فقد أمهلت اجلوانب األخرى كاملهارات واألنشطة اإلنسانية مثل :املهن واحلرف ،...وأمهلت ما
ميت بصلة إىل النواحي اجلسمية.
/2أعلت شأن الروح ،وأ مهلت تربية اجلسم ،وركزت على املعلومات وجعلت هلا كيان مستقال بعيدا عن اهتمام الطالب
وميوله ،مما أدى إىل انفصال الطالب على املدرسة والبيئة االجتماعية واملادية اليت يعيش فيها كل منهما.
/3النظر إىل الطالب على أنه سليب يتلقى املعلومات اليت يتلقاها من املدارس ،فاملوقف التعليمي هو موقف تفاعل وليس
موقفا جامدا ثابتا ،فيه طرف إجيايب هو املعلم وآخر سليب هو الطالب.
/4ثبوت األهداف الرتبوية جعل املنهج ثابتا غري قابل للتطور.
84
/5واملنهج املثايل قد صمم من أجل صقل العقل وصفاء الروح ونقل الرتاث الثقايف ،واملواد الدراسية تقدم بصورة منطقية
مرتبطة ،لكنها ال تدرس أساس فهم العالقات ،فالتاريخ مثال يدرس كتاريخ.
(نفس املرجع،ص.)29
*أفالطون وفكره التربوي :ولد أفالطون بني سنتني(246-249ق.م) ،من أسرة أرستقراطية ميسرة ،وقد تتلمذ على يد
أستاذه (سقرا ) وجلس إليه ،بينما كانت احلرب بني أسربطة وأثينا مشتعلة ،أخذ يعلم الناس يف معهده الذي أطلق عليه
(األكادميية) قرابة األربعني عاما ،ويف خالل هذه الفرتة كتب (أفالطون) الكثري وعلم الكثريين ،وكانت أشهر أعماله كتابه
(اجلمهورية) ( .مصطفى عبد القادر زيادة وآخرون ،4112 ،ص.)63
-مفهوم التربية عند أفالطون :الرتبية هي عملية تدريب أخالقي واجملهود االختياري الذي يبذله اجليل القدمي لنقل العادات
الطيبة للحياة ونقل حكمة الكبار اليت وصلوا إليها بتجارهبم إىل اجليل الصغري ،وأهنا نوع من التدين الذي يتفق متاما مع
احلياة العاقلة حني يظهر( .عبد اهلل عبد الدائم ،8921 ،ص.)83
-أهداف التربية عند (أفالطون):
/1اإلعالء من شأن العقل على األمور احلسية وذلك من خالل تنمية امللكة العاقلة اجملردة.
/2رفع مكانة الشخصية وحتقيق ((كمال الذات)) ،وذلك عن طريق عملية التطور الروحي.
/3إحاطة العقل باملثل العليا الصاحلة ،وتعريفه باخلري األمسى
/2بناء شخصية تشعر بوالء عال للمثل السياسية العليا للمجتمع والدولة.
/5حتقيق وحدة الدولة وذلك عن طريق هدم روح الفردية السلبية.
-األسس الفكرية للتربية عند أفالطون:
/1اإلنسان :استنتج (أفالطون) من مالحظاته يف احلياة أن النفس تتكون من ثالثة أنواع من القوى أو القدرات.
أ /قوة العقل (التفكري) وموضعها الدماغ.
ب /قوة الغضب (اإلرادة) وموضعها الصدر أو القلب.
ج /قوة الشهوة (الغريزة) وموضعها البطن.
85
-والعقل هو الذي ميدنا بالقدرة على اكتشاف احلق والباطل.
-والتفكري هو الدافع املؤدي لكل معرفة ،وأهم أنواع املعرفة اليت يؤدي إليها نشا العقل هي احلكمة أي معرفة طبيعية اخلري
والطرائق السليمة للحياة السليمة للفرد واجملتمع.
-والقوة العصبية عند (أفالطون) هي اإلرادة كما نطلق عليها اليوم ،وتنفذ ما يقرره العقل.
-أما الشهوة :فهي مرتبطة بالوظائف اجلسمية ،وهي تعترب عن رغبات اجلسد ،وهي إما ضرورية (اجلوع ،اجلنس ،املأوى) وإما
غري ضرورية ،فهي ال تعمل على بقاء واستمرار احلياة ،وقد ميكن االستغناء عنها( ،كالطعام الفاخر ،الثور املزركش.)...
(نفس املرجع ،ص )62
وباختالف األفراد يف القوى ،خيتلفون أيضا يف املهن اليت يصلون هلا ،فحيث يكون للعقل الغلبة فصاحبه يصلح للمهن اليت
تتطلب الدرس والتحصيل والتفكري ،وحيث تغلب اإلرادة ،فاملهن اليت يصلح هلا الفرد هي اليت تتطلب أعماال تتسم بالقوة
كاحلرب والشرطة ،أما حيث تسود الشهوات ما يصلح هلا هو التجارة أو اإلنتاج ،حيث الربح وحيث الربح تتحقق للذات
الشخصية ،ويؤكد (أفالطون) ضرورة إتاحة الفرصة لكل فرد ليعمل حسب إمكاناته وقدراته حىت يتمكن من حسن
استغالهلا ،وعلى اجملتمع أن يهيئ لكل فرد الفرص الستغالل إمكاناته.
/4المجتمع :طبقا ملفهومه عن الفرد والقوى اليت حتكمه ،فقد رأى (أفالطون) أن اجملتمع ينقسم إىل طبقات حسب طباع
األفراد ،وهذه الطبقات تعادل املعادن من حيث خصائصها.
أ /أناس من الوهق :وهم الفالسفة واملفكرون ،وفيهم القوة العاقلة وفضيلتهم التفكري ،وهؤالء مبثابة العقل من اجلسم.
ب /أناس من فضة :وهم اجلند وفيهم القوة الغاضبة وفضيلتهم الشجاعة وهؤالء مبثابة القلب او الصدر من اجلسد.
ج /أناس من نحاس :وفيهم القوة الشهوانية ،ويتميزون بعدم القدرة على إدراك األمور اليت تتميز هبا الطبقتان األوليان
وفضيلتهم القناعة ،وهم مبثابة البطن من اجلسد ،ويف رأي (أفالطون) أنه ال ميكن الفرد مهما أحسنت تربيته وتوجيهه أن
خيرج عن مسار (الطبقة اليت فطر عليها( ،نفس املرجع ،ص.)65
ولكي تنجح وظائف اجملتمع جيب أن يستشعر كل فرد السعادة يف عمله ،ولن يتأتى هذا إال بإتقانه هذا العمل ،فالصناع
مثال عليهم أن جييدوا صناعاهتم وحرفهم حىت يقبل الناس على شرائها ،وبذلك يقتنون املال الذي عرضي شهوهتم.
86
-وكذلك بالنسبة للشرطة واجليش ،فعلى كل عامل هبما أن يعتز بعمله ويسعد ويقبل عليه حىت يتفق للدولة النصر اخلارجي
واألمن والنظام يف الداخل مث طبقة احلكام الذين يهيمنون على املدنية عاملني على خريها وموجهني الطبقتني األخريتني.
/3العالم :وقد أحا (أفالطون) نظامه االجتماعي هذا بتنظيم للعاَل الذي حييط به وينقسم إىل:
أ /العالم األول :وهو عاَل املثل واألفكار وهذا العاَل هو الذي ميثل حقائق األشياء يف صورها الكاملة ،إنه عاَل القيم واملثل
العليا والفضيلة.
ب /العالم الثاني :وهو عاَل الواقع أ و احملسوسات ،وهذا العاَل هو الذي حيي فيه اإلنسان بواسطة احلواس ،وهو يتضمن كل
ما يقدم عليه من نشا أو عمل.
ويعد عاَل املثل واألفكار هو العاَل املثايل الذي يتسم بالثبات بينما عاَل الواقع هذا قد يتسم بالزيف وبأنه صورة مشوهة
لعاَل املثل ،ولذلك فإن على الرتبية أ ن تتدخل يف هذا العاَل الواقعي للمحافظة على طبائع األشياء وثباهتا وحماولة التطابق مع
عاَل املثل( .نفس املرجع ،ص.)62
/2العدالة :كان سؤال (أفالطون) :ما هي العدالة؟ مفتاحا لدراسات طويلة يف األخالق ويف املعرفة ويف النفس اإلنسانية
وإىل دراسات يف السياسة والرتبية ،وكان (أفالطون) بذلك أول من نبه األذهان إىل أمهية الرتبية يف إحداث التغيري
االجتماعي ،ويف إعادة بناء اجملتمع ،وقد خلص (أفالطون) إىل أن (العدالة) ،هي التزام طبائع األمور واحملافظة عليها دون
تغيري أو تبديل أو تعديل على اإلطالق ،وأن الفرد العادل "هو ذلك الشخص الذي يوضع يف الوضع املناسب له يف جمتمعه
أي يف املكان الذي أعدته له الطبيعة منذ مولده و(اجملتمع العادل) ،هو ذلك اجملتمع الذي يتميز بالثبات ويتوافر فيه
االنسجام بني أفراده حبكم أوضاعهم املناسبة ملعادهنم األصلية( .نفس املرجع ،ص.)66
/5األخالق :تظهر فلسفة (أفالطون) يف األخالق منعكسة على الرتبية يف نظريته العامة عن طبيعة اخلري ،ويرى (أفالطون)
أن اخلري يف كل شيء مدرك يتوقف على الدرجة اليت يقرتب فيها هذا من صورته املثالية أو يعرب عنها ،هذا وقد حدد
(أفالطون) القيم كمحدد لألخالق ،وصنفها إىل ثالثة قيم شهرية وهي :احلق ،اخلري ،الباطل ،وأن احلق يفضي إىل العلم
واملعرفة ،واخلري يعرب عن الطبيعة اخلرية لإلنسان ،بينما اجلمال يعرب عن الفنون بأنواعها -والرتبية أساسية يف تعلم القيم ويف
التدريب اخللقي لألفراد:
87
-وقد تعرض (أفالطون) يف كتبه (اجلمهورية) و(القوانني) و(األخالق) إىل مسائل متصلة بالرتبية عموما والرتبية اخللقية
خصوصا ولعل أكثر أشكال الوجود البشري قيمة يف نظر (أفالطون) هو أن يوفق بني جانيب الغريزة واإلرادة على هدى من
القيم الثابتة آنفة الذكر ،وقد رأى (أفالطون) أ ن الكمال البشري مستحيل ما َل يعرف اإلنسان كيف حيول نواياه إىل واقع،
وهنا فالرتبية ضرورة لتمكني اإلنسان من السمو بنفسه والوصول إىل حالة الكمال البشري.
/2المعرفة :يرى أفالطون أ ن املعرفة حالة تتميز بالتأكيد من طبيعة شيء ما ،وهذا الشيء غري موجود يف عاَل الواقع
املتغري ،ومن مث فإن األشياء اليت يعرفها بيقني هي (األفكار) ،وموقعها يف عاَل (املثل) ،وهناك درجتان يف التأكد من املعرفة:
التأكد القائم على فرض والتأكد املطلق ،فما يعرفه عن العلوم والرياضيات هو تأكد فرضي ألن تأكدنا من صدقها يعتمد
على تأكدنا من صدق الفروض اليت اشتقت منها ،أما التأكد املطلق فهو يرتبط بوعينا بفكرة اخلري ،وهذا التأكد املطلق
صعب املنال ،وهو حبلول املعرفة الفرضية يف العلوم إىل مطلقات ،ومنها املثل والقيم( .نفس املرجع ،ص.)61
-سقراط وفكره التربوي :ولد يف أثينا سنة (261ق.م) اشتهر مبيله للحكمة يف سن مبكرة ،فأخذ يغذي عقله ويهذب
نفسه مب يله للحكمة يف سن مبكرة ،فأخذ يغذي عقله ويهذب نفسه ألنه فهم احلكمة على أهنا العلم لكمال العمل ،واقتنع
بأن العلم هو العلم بالنفس ألجل تقوميها ،واختذ شعارا له ((أعرف نفسك بنفسك)).
-فلسفته :يعرف (سقرا ) الفلسفة على أهنا البحث يف احلقائق حبثا نظريا ،وخاصة احلقائق واملبادئ اخللقية ،من خري
وعدل وفضيلة.
وفلسفته تدور حول موضوع واحد وهو اإلنسان ،وإ ذا ما تناولت الكون الطبيعي وموجوداته احلسية وظواهره ،فإمنا لكوهنا
مركز اإلنسان ومكان نشأته ومنوه ،ومن أشهر ما قيل عن فلسفة (سقرا ) هي عبارة (سيشرون)" :إن سقرا قد أنزل
الفلسفة من السماء إىل األرض ،وأدخلها املنازل وجعلها تسوس أفعال البشر".
-آرائه الفلسفية:
أ /اعتقاده بوجود احلقيقة وبإمكان معرفتها.
ب /ربط العمل بالعلم ،أي جعله املعرفة أساس السلوك.
-المعرفة عند سقراط :رأى أن الطريق الوحيد للمعرفة وإمنا هو املفاهيم ،العلم بالنسبة له هو يف املدركات العقلية ،وإن
املعرفة تتكون من حقائق كلية:
88
-فكان سقرا يرى أن لكل شيء طبيعة أو ماهية هي حقيقته الكلية اليت يقوم الفعل باكتشافها وراء األعراض احملسوسة،
ويعرب عنها باجلد ،ويرى كل جدل إىل احلد واملاهية ،فسأل ما اخلري وما الشر ،وما العدل وما الظلم ،...ولقد كان الكتشافه
احلد واملاهية أكرب أثر يف مصري الفلسفة( .نفس املرجع ،ص.)29
فقد ميز بصفة هنائية بني موضوع العقل وموضوع احلس ،وجعل العقل عنصرا مشرتكا بني الكائنات البشرية كلها ،فلزم
بذلك أن تكون املعرفة عند شخص معني هي نفسها احلقيقة عند شخص آخر.
وهكذا فإن (سقرا ) يكون قد أ سس لفكرة احلقيقة الكلية اليت تشرتك فيها كل الكائنات العقلية الصادقة ،وبالتايل فإن
احلقيقة تتأسس ال على أهنا جمرد مظهر ذايت بل كحقيقة موضوعية مستقلة عن اإلحساسات واألهواء وإرادة الفرد.
-منهجه :ابتدع (سقرا ) منهجا جديدا يف التفكري واحملاورة يقوم على أمرين:
أ /التهكم :بناه على تصنّع اجلهل ،والتظاهر بالتسليم جلهة نظر اخلصوم ،مث االنتقال إىل إثارة الشكوك حوهلا ،مث تستخلص
من آراء اخلصوم ( )...ال يستطيعون االلتزام هبا ،لكوهنا متناقضة مع آرائهم ومعتقداهتم ،بذلك يوقعهم يف احلرج والتناقض،
وكان قصد (سقرا ) من ذلك تنقية أذهان الناس من املعلومات الفاسدة ،وتطهرها من القضايا الكاذبة واملعارف اخلاطئة اليت
ورثوها من السفسطائيني.
ب /التوليد :إن كلمة التوليد استعارها من صنعة أمه القابلة ،وذلك لكي يشري إىل نظرية يف أن املعرفة فطرية يف النفس ،وإن
مهمة املعلم تستخلص يف مساعدة اآلخر على استخراج الكامن عنده وليس يف إضافة شيء جديد إليه.
-يقول":إن فين يف التوليد شبيه بفن القابالت ،لكن الفرق بيين وبينهن يتلخص يف أن زبائين من الرجال وليسوا من النساء،
وأنين أ ولد النفوس ال األجساد ،لكن امليزة الرئيسية اليت يتميز هبا فين الذي أمارسه أنه يف قدريت أن أميز جيدا بني ما هو
كاذب زائف من أفكار الشباب وما هو مثرة التجربة وناتج احلقيقة"( .نفس املرجع ،ص.)51
-التربية عند سقراط :ليس غريبا أبدا أن يكون منهج (سقرا ) أحد أركان الرتبية احلديثة ،وقد أطلق عليه املنهج احلواري
التوليدي ،أ و املنهج السقراطي الذي يعتمد يف حترير عقول األطفال من دائرة اجلمود اليت تفرضها املناهج التقليدية اليت تعتمد
على التلقني واالستظهار واجلمود يف تكوين العقل ،لقد أثر سقرا يف الرتبية تأثريا مشل املضمون والطريقة:
أ /لقد أعطى (سقرا ) للرتبية مضموهنا األخالقي وربط بشكل جوهري بني املعرفة والفضيلة
89
ب /أما فيما يتعلق باملنهج العقلي الذي قدمه (سقرا ) لإلنسان منهج تربوي مبعامله وخطواته وغاياته ،فهو املنهج الذي
ينمي العقل ويفجر املعرفة ويسقط عن العقل صدأ اجلمود وحترره من حقبة الرتويض والوقوع يف مصائد اجلمود والتلقني.
ج /كان سقرا يعتقد أن األهداف احلقيقية للرتبية تكون يف تنمية عقل الفرد وصقل قواه العقلية ،ومتكينه من التفكري
منهجيا يف خمتلف جوانب احلياة املعرفية من أجل الوصول إىل احلقائق اليقينية( .نفس املرجع ،ص.)54
/7منوذج الشخصية الذي تسعى إليه الرتبية هو منوذج الرجل احلر وهو يعين الشخصية اليت تتكامل فيها :احلكمة النظرية
والعملية ومستوى الكمال (نفس املرجع ،ص.)18
*األحوال الفكرية والدينية واالجتماعية في أوروبا وانعكاساتها على الفكر التربوي:
-شهدت اإلمرباطورية الرومانية مع هناية (ق5م) ضعفا واحنالال ،متثل يف انتشار الوثنية وعبودية األشخاص ،وشيوع الظلم
االجتماعي والسياسي وتفشي االحنالل األخالقي يف أوصال الدولة ،هذه العوامل وغريها مهدت لقبول املسيحية باعتبارها
دين جديد يدعو إىل عبادة اهلل وإىل العدل واملس اواة والرتاحم بني الناس ،وبالرغم من املعارضة الشديدة للدين اجلديد من
قبل احلكام وذوي املصاحل الدنيوية ،إال أنه ومبرور الوقت انتشر أتباع املسيحية وقويت شوكتهم يف كافة أحناء اإلمرباطورية
الرومانية ،وأ صبح لرجال الكنيسة اهليمنة التامة على الشؤون الدينية والدنيوية للدولة ،وأصبحت الثقافة املسيحية هي
السائدة ،وقد أصدر اإلمرباطور (جو ستنيان) مرسوما يف عام (549م) يقضي بإغالق املدارس الوثنية وترك اجملال للمدارس
املسيحية وحدها دون منافس وهذه الفرتة يطلق عليها (العصور الوسطى) ،وقد امتدت من بداية القرن السادس امليالدي إىل
القرن الرابع عشر امليالدي ،بداية عصر النهضة ،وقد حدثت صراعات وخالفات قد دبت يف أحناء اإلمرباطورية أدت إىل
تقسيمها وضعفها بسبب الصراع بني رجاالت الدولة والكنيسة حول السيطرة على مقاليد األمور.
(مصطفى عبد القادر زيادة وآخرون ،4112 ،ص)98
ونشري إىل أن مثة أحوال سادت أوروبا يف العصور الوسطى ،كان هلا انعكاسها على الفكر الرتبوي يف هذه الفرتة أمهها :شيوع
اإلقطاع ،وغياب احلكومات املركزية ،وامتالك ذوي السلطة لألرض نتيجة حلدوث الصراعات بني األمراء وبعضها البعض،
وبينهم وبني رجال الكنيسة ،كذلك ظهور املدن وتوسيع نطاق التجارة بني أوروبا والشرق ،فضال عن ظهور النقابات نتيجة
لنمو الصناعة والتجارة ،وكانت تعىن بشؤون أعضائها ،باإلضافة إىل ذلك احلالة الدينية يف أوروبا وما شهدته من سيطرة للكنيسة
91
على مجيع مناشط احلياة ،ومتركزها حول البابوية والتنظيمات الكهنوتية ،وكانت بدايات التفكري احلر يف أوروبا بظهور بعض
اجلماعات اليت عنيت مبحاربة اجتاهات الكنيسة والسلطات املتزايدة لرجال الدين ،ومن هؤالء (اهلراطقة).
(نفس املرجع ،ص)94
وامتد سلطان الكنيسة على مناشط احلياة كلها ،حيث قامت بتسخري الناس وظلمهم ،ومتثل ذلك يف إجبار الناس على العمل
يوما من كل أسبوع بدون أجر يف األرض اليت متلكها الكنيسة ،وكذا مطالبتهم (باملعشار) ،ومعناه أن يدفع الناس عشر أمواهلم
للكنيسة حتصل صاحل رجال الدين وتكون حتت تصرفهم.
-موقع الكنيسة من العلم :وقفت الكنيسة من العلم وحقائقه النظرية والتجريبية موقفا معاديا واعتربت البحث عن احلقيقة يف
غري الكتاب املقدس ضالال ،ورفضت استخدام العقل وإعماله للبحث يف الكون وأسراره ،واعتربت أن من يأيت بشيء ليس مقراً
من الكنيسة يعد كفرا وإحلادا ،كما حدث اضطهاد للعلماء مبا ميكن أن يسمى إرهابا فكريا جعل العلماء يكتمون آراءهم وما
لديهم من نظريات علمية خوفا من عقاب الكنيسة ،ومن العلماء الذين متت حماكمتهم على يد الكنيسة يف العصور الوسطى-
(جاليلو) القائل بدوران األرض حول الشمس تعرض للتعذيب والسجن( .نفس املرجع ،ص.)93
(-نيوتن) القائل بقانون اجلاذبية.
(-كوبرنيكوس) الذي صودرت كتبه وأحرقت.
(-سيكوداسكويل) :عاَل الفلك الذي مت حرقه حيا.
وغريهم كثريون ممن تعرضوا للبطش والتعذيب ،بسبب آرائهم فغابت احلرية وحورب الفكر ،وأصيبت احلركة العقلية باجلمود،
واستمرت هذه األحوال يف أوروبا إىل أن حدث االحتكاك باملسلمني من خالل حضارهتم يف األندلس ،والشمال اإلفريقي،
حيث انتشرت املدارس واجلامعات يف البالد اإلسالمية ،وقصدها األوروبيون للتعلم فيها ،كما ترمجت بعض الكتب إىل اللغة
الالتينية ،كما أن احتكاك الصليبيني باملسلمني وانبهارهم بالفكر اإلسالمي وأخالق املسلمني ،كل ذلك انتقل بالعقلية
األوروبية وحررها من سلطان الكنيسة وجاء (مارتن لوثر) حبركته االصالحية ( ،)8522-8214ونادى بالتحرر من سلطان
الكنيسة وأخذ حيارب تعاليمها اليت أمساها "تعاليم الشيطان" واعترب صكوك الغفران وسائل للذل والعبودية وهلذه احلركة دورها يف
تغيري كبري من املفاهيم واالجتاهات ،بيد أهنا جعلت الكتاب املقدس مصدر احلقيقة فيما يتصل باإلميان وميكن أن يطلق على
(نفس املرجع ،ص.)92 هذا العصر (عصر سيطرة الكنيسة).
91
-7-8-3-3الفلسفة البراغماتية :تعد احلركة الرباغماتية يف الرتبية اليت ظهرت يف (و،م،أ) تطوير حقيقي للرتبية احلديثة،
فهي استوعبت كافة احلركات السابقة عليها ،منذ بواكر النهضة األوروبية ،ومزجت بني أفكارها العلمية والنفسية االجتماعية،
وبني حياة الفكر يف العاَل اجلديد ،ومن هذا املزيج تولدت الرباغماتية كفلسفة وكرتبية ،وقد أطلق عليها الفلسفة (العلمية)
ملعرفة مدى قيمتها وفائدهتا ،لتأكيدها على أمهية الطريقة التجريبية (أمسيت الفلسفة التجريبية) يف كسب املعرفة اإلنسانية
(والفلسفة النفعية) ،ألهنا ترى أن األفكار واألعمال اليت يقوم هبا الفرد تستمد قيمتها من نفعها له وللمجتمع.
(مصطفى عبد القادر وزيادة وآخرون ،4112 ،ص)434
-معنى كلمة البراغماتية:
أ /من حيث املعىن اللغوي :فإن كلمة ( )PRAGMATICتعين من بني ما تعين النشيط والواقعي والعلمي ،وترجع جذورها
إىل كلمة يونانية ( )PAYUAواليت تعين العقل والعمل يف حالة من املمارسة.
ب /من حيث املعىن االصطالحي :استخدم (كانط) (براغمايت) صفة للتاريخ ( )PRAGMATICHISTORYمبعىن
يرمي إىل كشف املستقبل يف ضوء احلاضر.
-أما استخدام اللفظ ( )PRAGMAمضاف إليه ما يفيد املذهب ( ،)ISMفإن (شارس بريس) أول من استخدم هذا
املصطلح يف تسمية املذهب الذي أصبح يعرف الحقا باملذهب الرباغمايت ،قاصدا به (أن معيار احلقيقة هو العمل املنتج ال جمرد
التأمل النظري).
-كان (بريس) يعتقد أن قيمة األفكار تكمن يف التأثري الذي ترتكه هذه األفكار أي يف القيمة العملية هلذه األفكار ويف النتائج
اليت حتققها ،وكان يلح على أمهية العمل والنتائج يف األفكار ،وقد أطلق على هذه العالقة بني الفكرة والعمل تسمية الرباغماتيزم
(( .)PRAGMATISMحممد موسى ،وحممد فرحة ،ب ت ،ص)822
-النشأة والتطور :يعترب املذهب الرباغمايت يف الفلسفة املعاصرة أمريكي النشأة والتطوير والتطبيق ،وال يوجد مذهب آخر من
مذاهب فلسفية أو تربوية تزامجه يف القوة والتأثري واالنتشار
ويرد يف العصر احلديث إىل ثالثة من فالسفة األمريكيني هم:
( /1تشالز بريس) :الذي يرجع أليه تأصيل الفكرة الرباغماتية ووضع أسسها يف الفلسفة.
( /2وليم جيمس) :الذي كان له فضل إشاعة الفكرة الرباغماتية،
92
( /3جون ديوي) :الذي مت على يده نضج الفكرة الرباغماتية كمذهب فلسفي ،من خالل رؤية نفسية جديدة والذي بين هلا
وجهة نظر خاصة من خالل تطبيقها يف جماالت احلياة االجتماعية األمريكية ،وخباصة يف جمال الرتبية ،وقد أطلق على مذهبه
اجلديد مصطلحني (املذهب األدائي والنزعة التجريبية) ( .مصطفى عبد القادر زيادة وآخرون ،مرجع سابق ،ص)493
-المبادئ واألسس الفكرية البراغماتية:
أ /الكون :بنكر (الرباغماتيون الثنائية يف تكوين الكون ،فال يؤمنون بوجود جانب (ميتافيزيقي) غري مدرك باحلواس ،وغري مرئي
للعيان ،بل الكون من وجهة نظرهم .متعني وليس جمرد ،فهم ينكرون اجلانب الروحي متاما.
الكون حمكوم بقوانني التغري والتقدم واحلركة الدائمة واالستمرارية وخيضع هلذه القوانني كل ما فيه ومن فيه ،وهذا النمو مستمر،
ويسري حنو التحسن ،ويتغري حنو األمام.
الكون ليس ثابت وال آمنا ما دام حمكوم بقانون التغري واحلركة ،ذلك ألن التغري يعين املخاطرة ،ونُدرة القدرة على توقع النتائج.
فهي إما أن تكون مؤملة حمزنة وإما أن تكون سارة.
ب /القيم :للقيم عندهم عدة مسات ومعاين منها:
/1أهنا واقعية ليست نابعة من الذات أو الضمري أو العقل ،وليست مفروضة على اإلنسان من جهة عليا ،لكنها تأيت نتيجة
للتفاعل مع الواقع االجتماعي املعاش.
/2موضوعية ختضع لالختبار والتقييم والتعديل ،وتطبق عليها الطريقة العلمية.
/3اختيارية ،تتحدد بواسطة االختيار واحلرية.
/4إنسانية ،فاإلنسان هو العنصر الفعال يف جعلها مبثابة معايري ألن هو املكون هلا.
/5متغرية ،نظرا ألن اخلربة وهي مصدر القيم يف حالة تغري دائم ،فإن القيم ذاهتا يف تغري متصل.
/6نسبية ،فهي ليست مطلقة أو هنائية أو ثابتة تضم مجيع اجملتمعات وكل العصور( .نفس املرجع ،ص)432
ج /طبيعة اإلنسان :ينكر املذهب الرباغمايت الثنائية يف فهم الطبيعة البشرية ،أي الثنائية بني اإلنسان مبكوناته الوراثية اجلسمية
والعقلية والروحية من ناحية ،بني البيئة أو الطبيعة من ناحية أخرى ،فهم يرون أن نشا اإلنسان حيدث نتيجة للتأثري اخلارجي
من البيئة ،ونتيجة لألحوال الداخلية يف اإلنسان ،أي أن هناك وحدة عضوية متصلة بني اإلنسان والبيئة.
-أن اإلنسان قادر على التعلم ،أي أنه يستطيع أن يراجع خربته وحيددها يف ضوء نتائج خرباته السابقة.
93
-عن طريق التفاعل االجتماعي تتكون شخصية اإلنسان ،فيميز بني نفسه بني اآلخرين ،ويوجه سلوكه يف ضوء التوقعات
االجتماعية اليت ترضي اجلماعة.
-يرى الرباغماتيون بأنه ليس مثة سلوك حمدد مسبق للطبيعة اإلنسانية ،كما يف احليوانات ،بل يستطيع اإلنسان أن يكتسب
آالف العادات أثناء تفاعله مع البيئة( .نفس املرجع ،ص)43
د /املعرفة :يذهب الرباغماتيون إىل أن املعرفة احلقيقية هي اليت تساعد الفرد يف التغلب على مشكالت احلياة ،وعلى تكييف
بيئته وتطويرها خلدمة أغراضه ،وإشباع حاجاته.
-يرون أنه ال قيمة ألي معرفة جديدة كانت أم ماضية ال ميكن استعماهلا وتطبيقها يف احلياة احلاضرة.
-للمعرفة عندهم عدة خصائص منها:
-أهنا ليست قبلية (سابقة) بل نابعة من اخلربة املباشرة ومثرة هلا.
-ليست تراكمية بل تتضمن فروض (حلوال) ،توضع موضع التجريب وفقا للطريقة العلمية.
-أهنا وسيلة وليست غاية ،وتكتسب بالتدرج يف البحث.
-أهنا عمليات إجرائية يف حركة وعمل مستمر يف اخلربة املباشرة للتوصل إىل خربة جديدة.
-من حيث وسائل اكتساب املعرفة عندهم فقد تعددت كما يلي:
/8الخبرة :وهي موقف له زمان ومكان معينني يتفاعل فيه الفرد ،ويعيش مع عناصره املختلفة ،وينشأ عن ذلك استجابات
وردود أفعال نتيجة ملا حيدث من مثريات خالل عملية التفاعل.
/4الطريقة التجريبية
/3التفكير الناتج عن نشا الفرد وتفاعله مع بيئته ،وما يواجه يف سياق هذا التفاعل من مواقف مشكلة يرغب يف التغلب
عليها ،وإجياد احلل الذي حيقق له التكيف ،وهذا التفكري وضع له (ديوى) خطوات مخس هي خطوات املنهج العلمي.
(نفس املرجع ،ص)432
94
-أهداف التربية البراغماتية وتطبيقاتها:
نالت الرتبية يف املذهب الرباغمايت مكان الصدارة ،حىت أطلق كثريون عليها بأهنا (نظرة عامة يف الرتبية) أو(فلسفة تربوية
رائدة) ،وكان ذلك على يد (جون ديوى) الذي جعل من مدرسته التجريبية اليت أسسها يف شيكاغو-خمترب ألفكاره ،ومصدرا
ملا أضيف إىل فلسفة الرتبية من قواعد ومبادئ.
اهلدف العام للرتبية الرباغماتية حتقيق استمرارية الرتبية فكل تربية تؤدي إىل مزيد من الرتبية والتعليم والتكيف مع البيئة ،وكل
منو يؤدي إىل مزيد من النمو بدون قسر من السلطة اخلارجية ،أو ضغط من تراث تقليدي.
األهداف اخلاصة للرتبية تنبع من اخلربة اليت عن طريقها ميكن الرتبية أن حتقق الكشف عن قدرات الفرد البيولوجية والنفسية
واالجتماعية من خالل تعامله مع املواقف التعليمية.
-المنهج الدراسي وطريقة التدريس في التربية البراغماتية:
-يرفض الرباغماتيون املنهج التقليدي يف الرتبية ذلك املنهج املكون من مواد منفصلة ،مواد تتعلق بالنواحي اإلنسانية وأخرى
بالنواحي الطبيعية ،وإمنا يرون أن املنهج حمكوم بوحدة أو تكامل املعرفة.
من طرق التدريب طريقة النشا والعمل ،وذلك جيعل املعرفة وحدة نشا حية واقعية يف املدرسة كما هي يف الطبيعة ،ميكن
أن يتفاعل فيها املتعلم ،وتعاجل مشكلة حيوية ،ويرتب عليها زيادة اخلربة والتعلم.
تذهب الرتبية الرباغماتية إىل أنه ينبغي أن يشارك يف وضع اخلطة التعليمية كل من التالميذ وأولياء األمور ،واملعلمني وكل من
له صلة بالعملية الرتبوية( .انطالقا من مبدأ الدميقراطي يف اختاذ القرارات الرتبوية( .نفس املرجع ،ص.)436
-األساس الخبري للتعليم :على عكس ما سار عليه الفكر الرتبوي طوال عصوره السابقة ،فإن الرباغماتية قد اعتدت
باخلربة احلية الواقعية أساسا تقوم عليه الرتبية وحمور تدور حوله عملية التعليم.
*جون ديوي وفكرة التربوي:
(جون ديوي :)8954-8159فيلسوف ومريب أمريكي أنشأ سنة ( )8192حتت رعاية جامعة شيكاغو-مدرسة
التطبيقات أو مدرسة املخترب املعمل اليت تضم معامل الكيمياء وحنوها ،ليقوم فيها بإجراء جتاربه وتطبيق نظرياته ،وليخترب
عمليا آراءه الرتبوية ،وأهم كتابات (ديوي) الرتبوية اليت ضمنها نظرياته وخرباته يف آن واحد هي :الطفل واملنهج ،علم
النفس ،املنهج الفلسفي ،األخالق ،مدارس الغد ،الدميقراطية والرتبية...
95
-مالمح الفكر التربوي عند ديوي :أ كد اجتاهات عديدة يف الرتبية شكلت نسقا متكامال ،أو ما ميكن تسميته (نظرية
الفلسفة الرتبوية) ،واليت عرفت (باسم الفلسفة الرباغماتية الرتبوية).
-أكد على أ مهية املدرسة وضرورة كوهنا مؤسسة اجتماعية وصورة احلياة اجملتمع ،يتم التدريب فيها عن طريق اخلربة املباشرة
على التفكري املتطور وشعور الفرد مبسؤوليته ،وأن تكون وسيلة لتجديد الرتاث وليس جمرد نقله من جيل إىل جيل.
الرتبية يف نظره ظاهرة طبيعية يف اجلنس البشري ،تتم بطريقة ال شعورية منذ الوالدة حبكم وجود الفرد يف اجملتمع ،وهي عملية
مستمرة ومتطورة ،كما أهنا ليست جمرد إعداد حلياة مستقبلية بل هي احلياة ذاهتا وعملية من عملياهتا ،أي البد أن تكون
حياة اجلماعة املدرسية من وجهة نظره ،حياة حقيقية يتم فيها احلصول على اخلربة املباشرة وأن تشبه يف واقعيتها حياة الطفل
يف البيت أو البيئة اليت يعيشها.
الرتبية يف رأي (ديوي) نفسية واجتماعية معا :نفسية تعتمد يف مبادئها على فهم نفسية الطفل واستعداده ،واجتماعية ،هتيئ
الطفل ليكون عضوا صاحلا يف اجملتمع الذي يعيش فيه.
هدف الرتبية عند (ديوي) إ كساب الفرد عادات ومهارات واجتاهات تناسب اجملتمع الذي يعيش فيه من ناحية ،والعمل
على رفاهيته من ناحية أخرى ،ومساعدته على االستمرار يف التعلم والنمو ،وتربية ذاته ،وتكيفه مع بيئته من ناحية ثالث.
(مصطفى عبد القادر زيادة وآخرون ،مرجع سابق ،ص)428
عارض (ديوي) النظم التقليدية يف الرتبية اليت جتعل الطالب جمرد آلة يستقبل املعلومات وحيفظها دون أن يكون له أي نشا
أو فاعلية ،ومن هنا دعا إىل طريقة (املشروع) اليت جتمع بني النشا البدين والعقلي واالجتماعي للطالب وتساعده على
التعلم ،وفيها يكون منطقيا موضوعيا يف تفكريه ،معتمدا على نفسه ،متعاون مع غريه مبتكرا ،ولقد اختار (ديوي) هلذه
الطريقة مخس مراحل هي :الشعور باملشكلة ،مث معرفة موضع املشكلة وحتديدها عن طريق املالحظة واملشاهدة ،يلي ذلك
فرض الفروض أو احللول ،وبعدها اختبار الفروض واحللول ،وأخريا تطبيق احللول.
وأكد على أمهية الدميقراطية كمفهوم اجتماعي سياسي ،وكإطار للعملية الرتبوية ،وأمهية أن ينشأ الطفل يف جو من
الدميقراطية ،فهو يرى أن الدميقراطية هي خري نظام للمجتمع ،حيث أهنا تتيح الفرص للتجربة ،وتعطي الفرد احلرية ،وجتعله
مسؤوال عن سلوكه ،كما أهنا تتيح فرصة التعليم لكل من مواطن حبسب ما تؤهله له مواهبه واستعداداته.
إهتم بشخصية الطفل ،وهو عنده غاية يف حد ذاهتا ،ووحدة متكاملة ألفضل بني جوانبها اجلسمية والعقلية والروحية.
96
يرى (ديوي) بأنه البد أن يتعاون يف وضع املنهج كل من له اهتمام باملناهج الدراسية ،واملنهج املقرتح جيب أن يكون مرنا،
هادفا قابال للتغيري ،وليس جمرد تنظيم معريف جامد ،ويرمي إىل إعطاء الطالب أكثر عدد ممكن من البدائل حلل املشكالت
اليت قد تعرتض طريقهم يف احلياة.
أكد (ديوي) أ مهية جعل الطفل مركز العملية الرتبوية ،جيعل الطرق واملناهج تدور حوله بدال من جعله يدور حول مناهج
وطرق وضعت يف عزله( .نفس املرجع ،ص.)424
أكد أمهية القيم األخالقية ،واعتربها أمور إنسانية تنبع من صميم احلياة ،وأن املصدر األساسي هلا اخلربة املكتسبة نتيجة
تفاعل الفرد مع اجملتمع.
وذهب إىل أن حمتويات املنهج ليست مهمة بقدر أ مهية الطريقة اليت يعاجل هبا املدرس هذه احملتويات ،ومن مث دعا املدرس
بعدم التقييد بطريقة من الطرق ،بل خيتار الطريقة املناسبة اليت هتم درسه ومستوى تالميذه وظروفهم النفسية.
لقد حاول (ديوي) نزع الغموض الذي أحا بكلمة الرباغماتية واصطنع الوسيلة كاجتاه براغمايت خاص به ،وصارت
الرباغماتية عنده تستخدم النتائج على أهنا اختبارات الزمة للوقوف على صدق القضايا لتكون عمليات قابلة للتطبيق
واإلجراء باعتبارها أدوات تؤدي إىل حل املشكالت اليت تقتضي تلك اإلجراءات.
فاخلربة احلسية عند الرباغماتيني تتجاوز ما تقدمه احلواس من الواقع ،إ ذ تشتمل اآلثار احلسية واألفعال السلوكية ،فهي كما
يصورها لنا (ديوي) تتعدى االنطباعات احلسية املتفرقة إىل العالقات االجتماعية فهي تنشأ من اخلربة أو التجربة.
(حيي هويدي ،8993 ،ص)835
مما يعين أن الرباغماتية قدمت معىن جديد للتجربة فأخرجتها من دائرة املخرب إىل نطاق الفكر الذي يكون يف خدمة
اإلنسان ،فهي متثل الرتابط بني ما أجنبته العلوم وما حيقق الفرد من خدمة عملية( .زكريا إبراهيم ب ت ،ص)39
من هذا املنطلق يسعى الرباغماتيون إىل بناء منهج يتجاوز املثالية اجملردة ،وال يقف على ما تقدمه احلواس بل يتجه بالفكر
إىل العمل تلبية ملقتضيات احلياة املتغرية وحتقيق الستمراريتها.
إن التفاعل بني الفكر والواقع هو الذي حيقق النجاح ،وهو منطلق لكل فرضية أو فكرة براغماتية ،ويف يرى (جيمس) أن
آية احلق النجاح وآية الباطل اإلخفاق.
97
ويدعم (ديوي) هذا املوقف مستندا ملذهبه الذرائعي ،إ ذ جيعل من الفكر ذريعة خلدمة احلياة القائمة على االنسجام بني الفرد
وحميطه والفكرة الصائبة يف الفلسفة الذرائعية يكمن معناها يف نتائجها العملية وهلذا حتولت وجهة الفكر حنو العمل
واملستقبل( .ويل ديوارنت ،8922 ،ص.)281
(-فبريس) يقر بأن الصدق واحلق ال يكون إال يف األفكار العملية اليت تنتهي إىل سلوك عملي ال إىل ختمينات جمردة فارغة.
(توفيق الطويل ،8926 ،ص.)29
وكذلك األمر بالنسبة (جليمس) إ ذ يعترب الفكرة اليت حتقق لسلوكنا ما ينفعه من نتائج صادقة فهو من الصدق واملنفعة صفتان
مرتادفتان للفكرة.
فأسس فلسفته الرباغماتية القائمة بذاهتا واليت هتدف إىل:
/1أن تصبح الفلسفة أداة فعالة تفسر األحداث وتساعد الناس على حل املشكالت للتكيف.
/2أ ن تكون للفلسفة آثارا عملية اجتماعية حتقق تطلعات اجملتمع اليت يتطلبها الواقع املتغري ومن غري ذلك فال قيمة للفلسفة
مهما كانت صحتها الفعلية( .عبد الراضي إبراهيم حممد عبد الرْحن ،4114 ،ص.)815
-فقد شق (ديوي) لنفسه يف هذه الفلسفة خطة جديدة فعرفت فلسفته (الوسيلة) وقد أمساها كذلك ،ألنه يرى يف التفكري
سوى وسيلة أو أداة حلل املشكالت الناس اليت يواجهوهنا يف حياهتم االجتماعية واخلاصة.
(جون ديوي ،تر :أمني مرسي قنديل ،8955 ،ص.)11
يبدو أن الرباغماتيني متفقني على أن العقل ال يبلغ هدفه إال إذا قاد صاحبه إىل العمل املنتج ،فالفكرة تكون صحيحة يف
حالة حتقيقها يف التجربة ،ومقياس صدق القضية هو نتائجها العملية ،على هذا األساس ال ميكن أن ميلك العقل معرفة أولية
يستنبط منها نتائج صحيحة ،فاحلقيقة عندهم متغري وليست ثابتة ،فإ ن ما هو صادق يف احلاضر قد يصبح غري صادق يف
املستقبل ،فليس املهم أن يقودنا العقل إىل معرفة األشياء وإمنا يقودنا إىل التأثري فيها.
وكان (ديوي) داعية قوي التأثري إ ىل اإلميان بفاعلية الفكر وبالروح الدميقراطية ،وهو يف كل هذا ماضي مع العقلية األمريكية
املتجهة إىل العمل واحلرية( .يوسف كرم ،ب ت ،ص)245
إن الرؤية الفلسفية (لديوي) تقوم على ربط بني الوعي والطبيعة ،وهذا ما يدل على قيام مذهبه على دعاميت الفكر واخلربة
يف ترابط وانسجام ،وهذه األخرية تتميز باحلركية والنمو والتطور ،فهي حمصلة التفاعل بني الكائن وبيئته ،فالفلسفة عنده
98
ليست طريقا خاصا ينتهي إىل أشياء غريبة عن الفكر أ و احمليط يف املعارف واألخالق والعقائد ،بل هي نقد فاحص لكل
األفكار التقليدية لتجديدها وجعلها متماشية مع مقتضيات الراهنة( .حمروس سيد مرسي ،8911 ،ص)812
لقد اعتمد (ديوي) يف فلسفته على منهج التقييم النقدي للتجربة ،ذلك أن الفلسفة هي عملية بناء مستمرة للتجربة
البشرية ،واختبار أي أفكار فلسفية يتوقف على ما تصل إليه من نتائج يف إطار اخلربة العامة.
(زكريا إبراهيم ،8912 ،ص)22
-نظرة (ديوي) للقيم األخالقية :إ ن املصدر األساسي للقيم األخالقية هي اخلربة والتجربة ،فالفرد عنده يكتسب قيمته
األخالقية وضمريه األخالقي عن طريق خربته وتفاعله مع البيئة احمليطة به ،مثلما يف ذلك مثل بقية معارفه ومهاراته وعاداته
واجتاهاته اليت يكتسبها هي األخرى عن طريق اخلربة( .عمر حممد التومي الشيباين ،ب ت ،ص)322
-إضافة إىل ذلك إميانه بأن القيم األخالقية أو األخالقيات االجتماعية ال تنبع من الذات أو الضمري أو العقل ،ولكنها
تكتسب نتيجة تتفاعل الفرد أو أعماله بأهنا أخالقية إذا ما ساعدت على النمو الكامل للفرد ،وعلى النهوض باجملتمع وحل
مشاكله ،على حتقيق املصلحة العامة( .نفس املرجع ،ص.)325
يقول (جون ديوي) خبصوص الرتبية ،إن احلياة يف أصل طبيعتها تسعى إىل دوام وجودها عن طريق التجدد املستمر ،فهي
إ ذن عملية التجدد بذاهتا ،فجيل ميوت لقيام جيل آخر ،وهذا النقل للرتاث الثقايف اإلنساين من جيل آلخر يظهر لعملية
بأمجلها على أنه عملية جتدد تستطيع احلياة بواسطتها احملافظة على دوامها ،فالرتبية هي جمموعة العمليات اليت هبا يستطيع
اجملتمع أن ينقل معارفه وأهدافه املكتسبة ليحافظ على بقائه ،وتعين يف الوقت نفسه التجدد املستمر هلذا الرتاث ،وأيضا
لألفراد الذي حيملونه ،فالرتبية ،هي عملية منو وليس هلا غاية إال املزيد من النمو ،إهنا احلياة نفسها بنموها وجتددها.
(جون ديوي ،تر :أْحد حسن الرحيم ،8961 ،ص)55
يؤمن (ديوي) بأن تكوين اخلريات ال يتم إال عن طريق حل املشكالت ،وأن ال حيز يف شيء ال تكون خربة عند الطفل،
وبالنسبة لطبيعية العملية الرتبوية ،يؤمن بأن الرتبية هي احلياة نفسها ،وليس جمرد إعداد للحياة ،وبأهنا عملية منو وعملية
تقدم ،وعملية بناء وجتديد مستمرين وعملية اجتماعية ،ولتكون الرتبية عملية حياة البد أن ترتبط بشؤون احلياة ،ولتكون
99
عملية منو عملية تعلم وعملية اكتساب للخربة البد أن تراعي فيها شرو النمو وشرو التعلم وشرو اكتساب اخلربة،
وتكون اجتماعية البد أن تتضمن تفاعال اجتماعيا والبد من أن تتم يف وجوه اجتماعية دميقراطي وجو اجتماعي.
(عمر حممد التومي الشيباين ،مرجع سابق ،ص)392
مفهوم فلسفة التربية عند(ديوي) :لقد أشار بوضوح أن الفلسفة هي الرتبية وأن الرتبية هي الفلسفة ،فالفلسفة متصلة أوثق
اتصال باحلياة ،ويقول يف ذلك "أن أي شخص عاقل قد يرى من املمكن أن التفلسف جيب أن يدور حول (الرتبية باعتبارها
أقصى اهتمام إنساين ،وتتواجد معه عالوة على ذلك مشكالت أخرى كونية وأخالقية ومنطقية).
(إبراهيم ناصر ،مرجع سابق ،ص)811
كما ذهب إىل أن الفلسفة ضربان :ضرب متصل باحلياة وضرب منعزل عن احلياة ،األول يستمد وجوده وطبيعته ووظيفته
منها ،مث حياول بعد ذلك تنظيم هذه احلياة وتوجيهها ،وهذا هو الرتبية.
واآلخر ينعزل عن احلياة فيفقد معناها ،ويصبح فلسفته لفظية ،ويتحول إىل قضايا ميتافيزيقية لن تصل منها إىل نتيجة.
ولقد وضح (ديوي) عالقة الفلسفة بالرتبية بقوله" :يف احلق إن كل نظرية فلسفية ال تؤدي إىل تبديل يف العمل الرتبوي البد
أن تكون مصطنعة ،ذلك بأ ن وجهة نظر الرتبية تعيينا على فهم املشاكل الفلسفية يف منابتها اليت نشأت فيها ،حيث يؤدي
قبوهلا أو رفضها إىل تبديل يف الناحية العملية يف الرتبية( .نفس املرجع ،ص)818
ويربز مفهوم فلسفة الرتبية يف أ هنا استخدام الطريقة الفلسفية يف التفكري ملناقشة املسائل الرتبوية حيث اعترب الفلسفة هي
(النظرية العامة يف الرتبية)( .جون ديوي ،مرجع سابق ،ص)42
وهي من جهة أخرى النشا املنظم الذي يتخذ من الفلسفة وسيلة لتحديد منطلقات وتوضيح األهداف اليت يود حتقيقها،
وفيلسوف الرتبية هو أيضا "ذلك املهندس الذي خيطط ويرسم خمططاته انطالقا من حاجات اجملتمع."...
-مفهوم المدرسة عند (ديوي) :فاملدرسة يف الرتبية التقدمية مؤسسة اجتماعية متثل استمرار للحياة املنزلية اليت تعود عليها
الطفل وآلفها ،وإذ تعمل على جتسيدها حىت تقوم هبا ،ويأخذ نصيبه فيها.
-فهي جزء من احلياة الواقعية متثل مجيع النظم االجتماعية بقدر اإلمكان اليت يشبع فيها النشا واحلركة ،وحييا فيها األطفال
حلياة اجتماعية.
111
-لقد جعل املدرسة جمتمعا مصغرا يعكس كل املظاهر االجتماعية واألخالقية والسياسية بتفاعل أفراده مع ظروفها ،واليت ال
ختتلف عما يوجد خارجها أي جمتمعا مصغرا متفاعال مع ضرورة اخلربة االجتماعية خارج جدران املدرسة.
-مفهوم التربية التقدمية :هي النهج الرتبوي الذي يؤكد على دميقراطية الرتبية واإلبداع الذي يتناسب مع ميول التالميذ
وتعليمهم بالعمل ،والعالقة الوطيدة بني املعلم والتلميذ.
-أن يساهم التلميذ أو ويل أ مره واملعلم وكل من له عالقة وطيدة بالعملية الرتبوية يف وضع اخلطط اخلاصة بعملية التعليم
وإدارة املدرسة.
-أن اإلبداع يف جمال معني ال يكون إال مبا يناسب ميول التلميذ واهتماماته.
-أن أفضل طريقة للتعليم هي التعلم بالعمل.
-أن عالقة املعلم بالتلميذ عالقة مبنية على النصح واإلرشاد على التلقني وحشو العقول باملعلومات.
-المنهج التربوي في المدرسة الديوية :يعترب املنهج اجملموعة من اإلجراءات والطرق الدقيقة املتبناة من أجل الوصول إىل
نتيجة وهو أيضا جمموعة اخلربات الرتبوية والثقافية واالجتماعية اليت هتيؤها املدرسة لتالميذها يف الداخل واخلارج".
-فإن أساس املنهج الرتبوي اجلديد هو اخلربة اليت ترتبط مبا يكسبه من املواقف املتغرية اليت يواجهها يف حياته ،فكل ما مير
خبربة التلميذ جزء من املنهج ،وذلك أ ن احلياة االجتماعية للطفل هي األساس جلميع جهوده ،وبالتايل جيب إضفاء الوعي
االجتماعي على املنهج الدراسي ،وكذا مراعاة التقدم العلمي( .حمروس سيد مرسي ،مرجع سابق،ص)449
-وهناك مبدأين أساسيني يرامها (ديوي) ضروري يف املنهج الرتبوي أوالمها اخلربة التفكريية والذكاء منهج أدائي.
-اعترب(ديوي) اخلربة أساس الرتبية اجلديدة ،وهو مييز بني اخلربات اليت تصدر من احلياة اليومية املعاشة ،واخلربات الناجتة عن
التطور العلمي احلاصل .األوىل تقوم على تقبل املعتقدات واألفكار دون تفحص وال تدبر .أما الثانية فهي اليت جتعل الفرد
أ كثر تكيفا ألهنا تقوم على الفهم الصحيح إلدراك العالقات بني األشياء وما يرتبط بالقوانني اليت حتكم الظواهر يف الطبيعة
واحلياة االجتماعية( .فريدة غيوة ،ب ت ،ص.)844
-إن اخلربة الصاحلة هي اليت تساهم يف تنمية الذكاء وحتصيل الفهم واإلدراك وال يكون ذلك دون ولوج املنهج العلمي إىل
احلياة ،وأ كد على ضرورة اصطناع األعمال التطبيقية العلمية يف الرتبية املدرسية لربطها بالواقع الذي يتصل باخلربة اإلنسانية.
وهناك مبدأين أساسيني وضروريني لنظرية اخلربة ومها التفاعل ومبدأ االستمرار.
111
*أسس التربية الحديثة ومبادئها التربوية:
/1المعلم :ضرورة تزويده باخلربات التعليمية والنفسية والرتبوية احلديثة.
/2المنهج :أن يكون مرنا قابال للتقييم والتقومي ،ومواكبة العصر ،ومتطلبات اجملتمع باستمرار.
/3الكتاب المدرسي :أن يكون سهل الفهم معززا بالصور ،مناسبا للمتعلمني ،حيقق أهداف املنهج
/4طرق التعليم :االبتعاد عن العقاب البدين واملعنوي ،وحتاشي استعمال الطرق القدمية كالتلقني واحلفظ اآليل ،والتأكيد
على طرق حديثة تراعي حاالت املتعلمني النفسية والعقلية وطبيعة املادة وتنويع طرق التدريس.
/5الثقافة النفسية :االستفادة مما توصلت إليه الدراسات النفسية يف جمال النمو اجلسمي والعقلي ،وأن يتضمن إعداد
املعلمني االستفادة من نتائج البحوث والدراسات النفسية يف جمال الرتبية واإلعداد.
/6التقييم والتقويم :استخدام أساليب واختبارات دقيقة لتقييم وتقومي املتعلمني ،لكشف مهاراهتم يف مواقف متعددة
ك (االمتحانات ،األنشطة الصفية واالجتماعية ،إعداد البحوث.).....
/7اإلرشاد والتوجيه :غايته معاجلة املشكالت املختلفة للمتعلمني قبل تفاقهما ،وإجياد احللول املناسبة هلا.
/8ربط التربية بالمجتمع :إعداد املتعلمني القادرين على التكيف مع ظروف اجملتمع واملسامهة يف تطويره
/0التخطيط :هناك أنظمة ختضع هلا الرتبية ،فكل مرحلة دراسية مناهجها ،ولكل منهج طرقه وأساتذته املختصون ،وهناك
شرو لقبول الطلبة يف كل مرحلة ،ويف كل ختصص.
/19شمولية التعليمَ :ل تعد الرتبية حكرا على األغنياء دون الفقراء ،وال على الرجال دون النساء.
/11استعمال األسلوب العلمي :ويكون ذلك يف جمال البحث ويف إعداد املناهج ويف إتباع طرق التعليم ويف معاجلة
مشكالت املتعلمني واجملتمع( .الديلمي حمسن علي ،4182 ،ص.)28
وظائف التربية الحديثة في المدرسة :إ ن رسالة املدرسة يف املراحل األوىل تنحصر يف تربية التلميذ على مقومات تربوية
حديثة تتجلى يف النواحي اآلتية:
112
أ /النمو الجسمي :تعىن املدرسة بالنمو اجلسمي للتلميذ من حيث تزويده بقواعد حفظ الصحة والسالمة اجلسدية والتغذية
ووسائل الوقاية من األمراض وتكوين العادات الصحية ،وذلك عن طريق وسائل عدة منها (الكتب واجملالت ،الدروس
املقدمة يف القسم.)...
ب /النمو العقلي :للمدرسة دورا كبريا يف النمو العقلي للتلميذ ،ومن الوسائل اليت تستخدمها املدرسة لتنمية هذا اجلانب ما
يلي( :الكتب اجملالت ،الزيارات امليدانية).
ج /النمو االجتماعي :للمدرسة وظيفة كبرية يف تعريف التلميذ بالنظم االجتماعية والوظائف اليت تقوم هبا املنظمات
املختلفة ،وكيف يستفيد منها الفرد واجلماعة ،وللمدرسة وظيفة يف اكتساب التالميذ للمهارات الالزمة لكي يعيش يف اجملتمع
ويزاول مسؤولياته على أكمل وجه ،ويتم ذلك بطرق خمتلفة منها( :دراسة القوانني املدنية واألخالقية ،احرتام العادات
والتقاليد ،تنمية عادات التهذيب واللطف والعدالة واملوضوعية)...
د /النمو النفسي :للمدرسة وظيفة كبرية يف اكتساب التلميذ للصفات واالجتاهات اليت جتعله حيرتم اآلخرين ويثق فيهم ومييل
إىل ممارسة الصراحة واحلرية والتحرر من االعتداء على حرية اآلخرين وحقوقهم ،ويتم ذلك بطرق خمتلفة منها( :دراسة
الشخصية التوازن االنفعايل والعاطفي ،وفهم الذات.)...
و /النمو الفني والجمالي :للمدرسة دور يف اكساب التلميذ تذوق اآلداب والفنون واملوسيقى واحلرف اليدوية وغري ذلك
من األنشطة املبدعة ،وتصل املدرسة إىل ذلك مبا يلي( :معارض الفنون اجلميلة ،الرتبية املوسيقية ،احملاضرات.
(بوقطاية مراد ،4114 ،ص.)52
-خصائص التربية الحديثة :من أهم خصائصها:
/1حولت مركز الطفل يف العملية الرتبوية من دور املشاهدة واالستماع إىل مركز االهتمام واستغالل اخلربة الشخصية ،أي
من متعلم سليب إىل متعلم فاعل متفاعل.
/2جعلت دور املعلم أكثر إجيابية يف تعامله مع الطفل ،أي من معلم حمتكر للمعرفة إىل معلم يتميز بالقدرة على التنشيط
التوجيه والتنظيم والتقومي.
113
/3أحدثت تغيريات عميقة للمناهج يف حمتوياهتم وطرائقها ،ووسائلها ،حيث جعلتها أكثر مرونة ومالئمة مع طبيعة املتعلم،
وخصائصه العقلية والنفسية وبيئته االجتماعية لتمكنه من اكتساب كفاءات ومهارات تيسر له عملية االندماج يف اجملتمع
وعاَل الشغل بدال من تلك املناهج اليت يغلب عليها الكثافة واحلشو والتلقني(.الطراونة أخليف يوسف ،4112 ،ص)58
-اهتمامات التربية الحديثة :الذي ينحصر يف املعلم-الطالب-الصف
/1تنمية مفاهيم التعليم الذايت ومبادئه لدى األفراد.
/2تنمية مفاهيم الرتبية املستدمية ومبادئها.
/3توثيق الصلة بني الرتبية والتعليم وحاجات اجملتمع.
/4االهتمام بدور املعلم وبسلوكياته وإعداده وتدريبه قبل اخلدمة وأثنائها.
/5االهتمام مبشكالت البيئة ودور الرتبية يف حلها ومعاجلتها.
/6تطوير أساليب التقومي وتنويعها ومشوليتها
/7االهتمام بتنمية الشخصية املتكاملة للفرد من مجيع جوانبها
/8االهتمام بالربط بني اجلوانب النظرية والتطبيق العملي
/0تفجري الطاقات الكامنة للمتعلم :مبا يعود بالنفع على الفرد واجملتمع.
/19الرتكيز على مفهوم الرتبية اجلماعية القائمة على مبدأ الرتبية للجميع.
/11الرتكيز على مبدأ احلرية واالستقاللية يف التفكري والنقد واحلوار (املعلم واملتعلم قطبني متكاملني).
/12االهتمام بالكيف ال بالكم يف العملية الرتبوية (كيفية التعليم املادة الدراسية ،املواضيع املقررة ،نوعية املتخرجني).
/13ظهور مفهوم النظم الرتبوية وتطوره على اعتبار أن الرتبية هي نظام فرعي من النظام الكلي للمجتمع ،وله نظمه الفرعية
اخلاصة به مثل نظام الطلبة ،نظام املعلم نظام اإلدارة ،نظام التمويل( .)...جرادات عزت وآخرون ،8912 ،ص)31
114
الفصل الرابع :المؤسسات االجتماعية التربوية"
/1األُسرة :وهي اخللية األوىل اليت يتكون منها نسيج اجملتمع ،كما أهنا الوسط الطبيعي الذي يتعهد اإلنسان بالرعاية
والعناية منذ سنوات عمره األوىل ،وقد حث اإلسالم على تكوينها واالهتمام هبا ألثرها البارز يف بناء شخصية اإلنسان
وحتديد معاملها منذ الصغر ،وتتكون األسرة يف الغالب من جمموعة أفراد جتمعهم فيها ظروف املعيشة الواحدة؛ وتربطهم رابطةٌ
شرعيةٌ قائمةٌ على املودة واحملبة ،وتُعد األسرة أهم املؤسسات الرتبوية االجتماعية اليت هلا الكثي ر من الوظائف ،وعليها العديد
من الواجبات األساسية حيث تُعترب مبثابة احملضن األول الذي يعيش اإلنسان فيها أطول ٍ
فرتة من حياته ،كما أن اإلنسان
يأخذ عن األُسرة العقيدة ،واألخالق ،واألفكار ،والعادات ،والتقاليد ،وغري ذلك من السلوكيات اإلجيابية أو السلبية.
(كمال عبداهلل وعبداهلل قلي ،مرجع سابق ،ص)821
ولألسرة وظائف كثريةٌ ومتنوعة السيما أهنا تُعىن بتنمية ورعاية مجيع اجلوانب الشخصية لإلنسان يف خمتلف مراحل عمره.
وعلى الرغم من اشرتاك األسرة املسلمة مع غريها من األسر يف أداء بعض الوظائف الرتبوية ،إال أن لألُسرة املسلمة بعضاً من
الوظائف الرتبوية املميزة اليت من أبرزها ما يلي:
أ -العمل على تزويد اجملتمع املسلم بالذرية الصاحلة اليت ُحتقق قوله صلى اهلل عليه وسلم " :تزوجوا الولود الودود فإين ُم ٌ
كاثر
بكم " ( رواه النسائي) .واليت تكون عامالً قوياً يف حتقق واستمرار احلياة األُسرية ،وضمان استقرارها.
جو ُمفع ٍم بالسعادة بعيداً عن
ب -حتقيق عوامل السكون النفسي والطمأنينة جلميع أفراد األسرة حىت تتم عملية تربيتهم يف ٍّ
القلق والتوتر والضياع ،ويأيت ذلك حتقيقاً لقوله تعاىلَ " :وِم ْن آيَاتِِه أَ ْن َخلَ َق لَ ُك ْم ِم ْن أَنْ ُف ِس ُك ْم أ َْزَواجاً لِتَ ْس ُكنُوا إِلَْي َها َو َج َع َل
آليات لَِق ْوٍم يَتَ َف َّك ُرونَ " (الروم ) 48 ،
ب ي نَ ُكم موَّد ًة ور ْْحةً إِ َّن ِيف َذلِك ٍ
َ َْ ْ َ َ َ َ َ
جُ -حسن تربية األبناء والقيام بواجب التنشئة االجتماعية اإلجيابية ،والعمل على صيانة فطرهتم عن االحنراف والضالل
نصرانِِه ،أو ُمي ِّجسانِِه " ( رواه
هودانِِه ،أو يُ ِّ حتقيقاً لقوله صلى اهلل عليه وسلم ُ ":ك ُّل مو ٍ
لود يُو ُلد على الفطرة فأبواهُ يُ ِّ
البخاري) .
د -توفري مقومات الرتبية اإلسالمية الصحيحة ألفراد األسرة عن طريق العناية مبختلف اجلوانب الشخصية لإلنسان ( روحياً
وعقلياً ،وجسمياً) ،واحلرص على توازهنا وتكاملها ملا لذلك كله من األثر الكبري يف تشكيل وتكوين الشخصية املسلمة
ٍ
اجيابية ،ومستمرةٍ طول السوية ،والعمل على تفاعلها وتكيفها مع ما حوهلا من املكونات ،ومن حوهلا من الكائنات بصورةٍ
115
فرتة احلياة.
هـ -احلرص على توعية أعضاء األسرة وخاصة الصغار منهم بكل ناف ٍع ومفيد ،والعمل على تصحيح مفاهيمهم املغلوطة
وْحايتهم من كل ما يُهدد سالمتهم وسالمة غريهم ،وتعليمهم األخالق الكرمية ،واآلداب الفاضلة ،والعادات احلسنة حىت
يشبون عليها ،ويتعودون على مبدأ التحلي بالفضائل ،والتخلي عن الرذائل .
و -إكساب أعضاء األسرة اخلربات األساسية واملهارات األولية الالزمة لتحقيق تكيفهم وتفاعلهم املطلوب مع احلياة،
وإكساهبم الثقة بالنفس ،والقدرة على التعامل مع اآلخرين( ..رنا عبد اللطيف شويعر وآخرون ،ب ت ،ص)88
وهنا جتدر اإلشارة إىل أن الدور الرتبوي لألُسرة يف عصرنا احلاضر قد تقلص بعض الشيء وَل يعد بنفس املن زلة اليت كان
ٍ
اجتماعية أُخرى متكنت يف العصر احلاضر من ُمزاْحة األسرة والسيطرة ٍ
مؤسسات عليها من قبل ،والسبب يف ذلك أن هناك
على معظم الوقت الذي يقضيه اإلنسان حتت تأثريها ومن هذه املؤسسات وسائل اإلعالم اليت تُعد حبق يف عصرنا أهم وأبرز
املؤسسات الرتبوية االجتماعية املؤثرة تأثرياً فاعالً يف حياة اإلنسان صغرياً كان أو كبرياً ،جاهالً أو ُمتعلماً ،ذكراً أو أُنثى.
-الدور التربوي لألسرة :يأيت مفهوم البيت واألسرة دائماً مع وجود األبناء فاهلدف من تكوين األسرة هو حصول الوالدين
على أبناء ومبعىن آخر فاألسرة كيان يتم بناءه من أجل الوصول إىل أهداف معينة أمهها إجناب األبناء وتربيتهم ،والواقع أن
تربية األبناء ليس باألمر السهل بل هي مسؤولية كبرية تقع على عاتق األسرة حيث يتطلب األمر الكثري من اجلهد والتخطيط
فإذا ابتغى الوالدان التوفيق يف تربية أبناء صاحلني وبناء مستقبل واعد هلم ينبغي عليهما حتديد أهداف تربوية معينة ومعرفة
الوسائل والطرق الالزمة للحصول على تلك األهداف حيث يشكل ذلك برناجماً تربوياً متكامالً وعلى الوالدين تربية أبنائهم
وفق هذا الربنامج .فالوالدان اللذان ال يفكران يف تربية أبنائهم ال حيق هلما انتظار املعجزة واملستقبل من أبنائهم فكما نسمع
يف الزراعة اصطالحات الري والغرس وجين الثمار ففي عملية الرتبية والتعليم أيضاً ما يشابه ذلك أي أن األبناء يعتربون
الثمار الناجتة من اجلهود الرتبوية للوالدين وهناك جوانب أساسية يف الرتبية ينبغي على األسرة مراعاهتا أمهها:
أوالً :تنمية شخصية الطفل واكتشاف القدرات الواتية :اإلنسان يف طفولته ميلك مواهب فكرية ونفسية وعاطفية وجسمية
ووظيفة األسرة تنمية هذه املواهب واكتشاف القدرات والصفات اليت ميلكها أبنائهم والتعرف إىل نقا القوة والضعف ويف
الواقع ختتلف قابلية األطفال ومقدرهتم يف تلقي الدروس حيث التباين الفردي والتنوع يف امليول واالجتاهات ويف هذا اجلانب
ينبغي على األسرة واملدرسة مراعاة ذلك( .كمال عبد اهلل وعبد اهلل قلي ،مرجع سابق ،ص)828
116
ثانيا :تنمية العواطف والمشاعر :العواطف واملشاعر مثلها مثل غريها من مقومات الشخصية لدى اإلنسان حتتاج إىل الرتبية
واإلرشاد ولعل من أهم العوامل اليت جيب أن تراعيها األسرة الالمباالة وعدم االكرتاث واالهتمام مبطالبهم ألن هذه املشاعر
هي عالمات تدل على ميل حنو بعض األمور أو بالعكس تفسر نفوره وعدم ميله حنو أمور أخرى فإذا علم الوالدان ذلك
أمكنهم تصحيح املسار حنو الوجهة السليمة.
ثالثاً :تنظيم وقت الطالق واستغالل ساعات الفراغ :هذا اجلانب من أهم اجلوانب اليت جيب على األسرة مراعاهتا حيث
يعترب الفراغ مشكلة املشاكل عند الشباب وعليه فإن املسؤولية تقع على ويل األمر فيجب عليه تنظيم وقت الطالب
حبيث يكون هناك وقت كايف ومناسب للمذاكرة ووقت مناسب آخر للرتفيه يف األشياء املفيدة ويف هذا اجلانب يعترب قرب
ويل األمر من أبنائه ومتابعته هلم ومنحهم الرعاية هي أقصر الطرق لسد ساعات الفراغ.
رابعاً :مراعاة توفير الحاجات النفسية :إن األطفال هلم حاجات نفسية خمتلفة منها اطمئنان النفس واخللو من اخلوف
واالضطراب واحلاجة للحصول على مكانة اجتماعية واقتصادية مالئمة واحلاجة إىل الفوز والنجاح والسمعة احلسنة والقبول
من اآلخرين وسالمة اجلسم والروح ،وعلى الوالدين إرشاد أبنائهم وتربيتهم الرتبية الصحيحة حىت ال تنحرف حاجاهتم فتتولد
لديهم مشكالت نفسية واجتماعية( .نفس املرجع ،ص)824
خامسا :اختيار األصدقاء :تعترب الصداقة وإقامة العالقات مع اآلخرين من احلاجات األساسية لألبناء خصوصاً يف سن
الشباب فاألطفال والناشئون يؤثرون على بعضهم البعض ويكررون ما يفعل أصدقاؤهم وبكل أسف يتور عدد من شبابنا
يف احنرافات خلقية نتيجة مصاحبة أصحاب السوء ،ومن أجل اختيار الصديق الصاحل جيب على الوالدين أو على األسرة
كلها توضيح معايري الصداقة ألبنائهم وصفات الصديق غري السوي مع املتابعة املستمرة لذلك.
سادسا :العالقات األسرية وأسس التعامل مع األبناء :إذا بنيت عالقات األسرة على االحرتام سيكون بناؤها قوياً متيناً
وهذا يف الواقع يؤثر تأثرياً إجيابياً على مستقبل األبناء وعالقاهتم االجتماعية وإذا عامل األبوان أبناءهم معاملة حب وتكرمي
فإن حياهتم تكون خالية من القلق واالضطراب أما استعمال العنف واأللفاظ البذيئة يسبب إضعاف شخصية االبن وتوتره
وعموماً ينبغي التوازن يف الرتبية أي ال إفرا وال تفريط حىت ال تكون هناك نواحي عكسية.
سابعاً :القدوة الحسنة :األطفال يقلدون يف سلوكياهتم اآلباء واألمهات واملعلمني فاألطفال الصغار يتأثرون أكثر بآبائهم
وأمهاهتم لكن عند ذهاهبم إىل املدرسة يتأثرون أكثر مبعلميهم ،وعلى هذا جيب أن يعلم املربون أن أفكارهم وسلوكهم
117
وكالمهم منوذج حيتذى به من قبل األبناء وعليه جيب أن يكونوا قدوة يف كافة تصرفاهتم( .نفس املرجع ،ص)823
/2المسجد :يعد املسجد أبرز وأهم املؤسسات االجتماعية الرتبوية اليت ارتبطت بالرتبية اإلسالمية ارتباطاً وثيقاً نظراً ٍ
لعدد ُ
من العوامل اليت أدت يف جمموعها إىل ذلك االرتبا والتالزم ،السيما وأن املسجد َل يكن يف اجملتمع املسلم األول جمرد
السنن والنوافل،
مكان ألداء العبادات املختلفة فقط بل كان أمشل من ذلك ؛ إذ كان جامعاً ألداء العبادات من الفرائض و ُ
وجامعةً للتعليم وختريج األكفاء من اخللفاء والعلماء والفقهاء واألمراء ،ومعهداً لطلب العلم ونشر الدعوة يف اجملتمع ،ومركزاً
للقضاء والفتوى ،وداراً للشورى وتبادل اآلراء ،ومنرباً إعالمياً إلذاعة األخبار وتبليغها ،ومن زالً للضيافة وإيواء الغرباء ،ومكاناً
ومنتدى للثقافة ونشر الوعي بني الناس ،إىل غري ذلك من
لعقد األلوية وانطالق اجليوش للجهاد يف سبيل اهلل تعاىل ُ ،
الوظائف االجتماعية املختلفة.
وبذلك ميكن القول إن املسجد يف اإلسالم يُعد جامعاً وجامعةً ،ومركزاً لنشر الوعي يف اجملتمع ،ومكاناً الجتماع املسلمني،
حمل ميكن أن تتم فيه تربية اإلنسان املسلم وتنشئته، مكان ،وأطهر ٍ
بقعة ،وأقدس ِّ وَل مشلهم ،وتوحيد صفهم ،وهو حبق أفضل ٍ
ليكون بإذن اهلل تعاىل فرداً صاحلاً يف جمتم ٍع صا ٍحل( .نفس املرجع ،ص)825
ولعل من أهم ما ُمييز رسالة املسجد الرتبوية يف اجملتمع املسلم أنه يُعطي الرتبية اإلسالمية هويةً مميزًة هلا عن غريها ،وأنه مكا ٌن
للتعليم والتوعية الشاملة ،اليت يُفيد منها مجيع أفراد اجملتمع على اختالف مستوياهتم ،وأعمارهم ،وثقافاهتم ،وأجناسهم،
إضافةً إىل فضل التعلم يف املسجد ،وما يرتتب على ذلك من عظيم األجر وجزيل الثواب .فقد روي عن أيب هريرة رضي اهلل
عنه أنه قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم " :وما اجتمع قوم يف ٍ
بيت من بيوت اهلل ،يتلون كتاب اهلل ،ويتدارسونه ٌ
بينهم إال حفتهم املالئكة ،ونزلت عليهم السكينة ،وغشيتهم الرْحة ،وذكرهم اهلل فيمن عنده " (.رواه ابن ماجة ،ج ،8
احلديث رقم ،445ص ( )14نفس الرجع ،ص)825
/3المدرسة :إن قوة اجملتمع واستمراره ال تعتمد فقط على القراءة والكتابة وتعلم العلوم والفنون واإلعداد للحياة ،وإمنا
يعتمد ذلك االستمرار وتلك القوة يف البناء االجتماعي على السلوكيات واالجتاهات والقيم اليت ترسها املدرسة يف الناشئة
خلدمة الوطن واجملتمع ،واالنتماء إليهما والتضحية يف سبيلهما ،واحرتام العادات ولتقاليد والنظم والتعليمات اليت يرتضيها
اجملتمع واحرتام أخالقيات اجلماعة وإن على املدرسة وباختصار إعداد التالميذ إعدادا مناسبا للقيام بدورهم يف اجملتمع.
(ناصر ابراهيم عبد اهلل)884 ،4188،
118
وهي من أهم وأبرز املؤسسات االجتماعية الرتبوية اليت أنشأها اجملتمع للعناية بالتنشئة االجتماعية ألبنائه ،وتربيتهم ،وهتيئتهم
وإعدادهم للحياة ،كانت تربية األبناء قبل إنشاء املدارس بيد اآلباء ورجال الدين وكان األطفال يتعلمون عن طريق تقليد
الكبار ونتيجة لتضخم الرتاث البشري وصعوبة تقليد الصغار للكبار نشأت احلاجة للمدارس.
فاملدرسة مؤسسة اجتماعية تعمل على حتقيق أهداف اجملتمع واحملافظة عليها من خالل مسئوليتها برتبية التالميذ وإعدادهم
باملعلومات واالجتاهات والقيم الالزمة هلم يف احلياة.
ولقد متيز القرن العشرين بازدياد إشراف الدول على التعليم لدرجة أن معظم الدساتري احلديثة تتضمن مواد تتعلق بالتعليم من
حيث ختطيطه وتنظيمه ومتويله كما توسعت الدول يف فتح املدارس من أجل احملافظة على الرتاث الثقايف للمجتمع وإعداد
املواطنني مبا يتفق وخصائص اجملتمع وأهدافه ،وهو مما جيب أن يقوم به املنهج ويعمل على حتقيقه.
فاملدرسة ال تعمل يف فراغ وإمنا هلا عالقة بكل مؤسسات اجملتمع من األسرة ،املؤسسات الدينية وسائل اإلعالم ،مؤسسات
أخرى مثل السينما واملسرح واألندية واجلمعيات واملعارض واملكتبات واملتاحف.
(كمال عبد اهلل وعبد اهلل قلي ،مرجع سابق ،ص)822
إن الوظيفة األوىل للمدرسة هي إعداد الناشئة للمحافظة على القيم واملبادئ األساسية السائدة يف اجملتمع فمن واجب
القائمني على ختطيط املنهج حتليل هذه القيم واملبادئ للتمكن من وضع منهاج تربوي يساير األوضاع االجتماعية ،ويليب
احتياجاهتا ،وانطالقاً من أمهية التعليم كقوة فاعلة يف حتقيق األهداف اليت يسعى إليها كل جمتمع فقد أصبح وظيفة عامة
تشرف عليها الدولة ،وهذا ما دفع معظم الدول احلديثة إىل جعل التعليم جمانياً وإلزامياً لفرتة من الوقت املنهج يقوم على
أساسني مها:
من أول واجبات املدرسة تزويد التالميذ بالقدر املناسب من ثقافة جمتمعهم الذي يعيشون فيه ،وال بد ملعرفة العالقة بني
املنهج املدرسي وثقافة اجملتمع من توضيح مفهوم الثقافة وما أصابه من تطور ،فالثقافة – أو الرتاث الثقايف– هي طريقة احلياة
الكلية للمجتمع جبوانبها الفكرية واملادية وتشمل الثقافة اللغة وأسلوب تناول الطعام وارتداء املالبس والعادات والتقاليد
واملعارف العلمية والنظم العائلية واالقتصادية والسياسية ،ومما يعتنقه الناس من قيم دينية وخلقية وآراء سياسية وغريها من
أساليب احلياة( .نفس املرجع ،ص)822
وقد نتج عن هذا التطور يف مفهوم الثقافة تغري يف مفهوم املنهج فبعد أن كانت املناهج تتناول اجلانب الفكري املعريف من
119
حياة اجملتمع أصبحت تتناول أوجه احلياة اليت تؤثر يف الفرد واجملتمع .وعلى الرغم من أنه ال يُعرف مىت وأين وكيف ظهرت
ٍ
مدرسة يف التاريخ إال أنه ُميكن القول إهنا ظهرت عندما دعت احلاجة إليها ،ولعل من أبرز وأهم وظائف املدرسة ما أول
يلي:
الرتاث املعريف والثقايف وحنو ذلك من جيل الكبار إىل جيل الصغار ،أو من املعلمني إىل
* أهنا تعمل على تبسيط ونقل ُ
ومثقف.
متعلم ُ
جيل ٌالطالب تبعاً ملا يتناسب واستعداداهتم وقدراهتم املختلفة ،فينتج عن ذلك ٌ
* أهنا تعمل على استكمال ما كان قد مت البدء فيه من تر ٍ
بية منزلية للفرد ،مث تتوىل تصحيح املفاهيم املغلوطة ،وتعديل السلوك
اخلاطئ ،إضاف ًة إىل قيامها مبهمة التنسيق والتنظيم بني خمتلف املؤسسات االجتماعية ذات األثر الرتبوي يف حياة الفرد فال
حيدث نوع من التضارب أو التصادم أو العشوائية.
* أهنا تقوم بدوٍر كب ٍري يف عصرنا احلاضر حينما تكون يف معظم األحيان بديالً لألُسرة إذ يتشرب الصغار فيها عادات وقيم
وأخالق وسلوكيات جمتمعهم الذي يعيشون فيه.
ٍ
خدمات كثرية ومنافع عديدة من خالل * أهنا مبثابة مركز اإلشعاع املعريف يف البيئة اليت توجد فيها ،إذ إهنا تُقدم للمجتمع كله
نشر الوعي الصحيح مبختلف القضايا ،وكيفية التعامل السليم مع من حول اإلنسان وما حوله.
* أهنا تعمل على إشاعة الوعي اإلجيايب عند أبناء اجملتمع جتاه خمتلف القضايا الفردية أو اجلماعية سواءً كان ذلك بطر ٍيق
ُمباش ٍر أو غري ُمباشر( .نفس املرجع ،ص)825
/7جماعات الرفاق :وهي نوعٌ من املؤسسات االجتماعية الرتبوية اليت هلا تأثريٌ كبري يف تربية اإلنسان انطالقاً من كونه كائناً
حيًّا اجتماعيًّا مييل بفطرته إىل االجتماع بغريه ،ولذلك فإن مجاعة الرفاق يف أي جمتمع مبثابة مجاع ًة أوليةً شأهنا شأن األُسرة
العمرية ،وامليول ،والدور الذي يؤديه
يف الغالب ،ألهنا صغرية العدد ،وتكون عضوية الفرد فيها تبعاً لروابط اجلوار ،والشرحية ُ
الفرد يف اجلماعة .
-آثار جماعة الرفاق في عملية التنشئة االجتماعية:
-1املس اعدة يف النم و اجلس مي ع ن طري ق ممارس ة النش ا الرياض ي والنم و العقل ي ع ن طري ق ممارس ة اهلواي ات والنم و
111
-2تكوين معايري اجتماعية وتنمية احلساسية والنقد حنو بعض املعايري.
-4املساعدة على حتقيق أهم مطالب النمو االجتماعي وهو االستقالل واالعتماد على النفس.
وتمارس جماعة الرفاق األقران أساليق نفسية واجتماعية في عملية التنشئة االجتماعية وهي تتمثل بما يلي:
-4املشاركة يف النشا االجتماعي وخاصة اللعب ( .عامر طارق عبدالرؤوف ،4111 ،ص)432
* مهام ووظائف جماعة الرفاق ودورها التربـوي :ميك ن إمج ال الوظ ائف وامله ام الرتبوي ة ال يت تؤديه ا مجاع ة الرف اق فيم ا
يلي:
-1حتقق مجاعة الرفاق للفرد إش باعا للحاج ات النفس ية واالجتماعي ة كاحلاج ة إيل التق دير واحلاج ة إيل االطمئن ان واألم ن
النفس ي وغريه ا وذل ك يف عالقت ه م ع أف راد ه ذه اجلماع ة مم ا يقض ي عل ي خماوف ه وتوترات ه املرض ية ويق وي ارتباط ه بأعض اء
مجاعت ه وحب ه هل م وتعلق ه هب م وانتمائ ه للجماع ة ووالئ ه هل ا واإلخ الص والتف اين يف س بيلها وبتعب ري أخ ر ف إن مجاع ة الرف اق
متث ل مص درا لل دعم االجتم اعي والنفس ي للف رد فالتش ارك يف االهتمام ات واملش كالت حب د ذات ه متث ل عنص ر ج ذب
111
لألط راف املختلف ة يف اجلماع ة باإلض افة إيل أن التقب ل املس تمر للعض و فيه ا يؤك د ل ه قيمت ه كش خص وجدران ه كش ريك
اجتماعي .
-2تسهم مجاعة الرفاق يف تنمية الفرد علي حتمل املسئولية االجتماعية وتغرس يف قيمة االعرتاف حبقوق اآلخرين
ومراعاهتا وهذه خطوة هامة من خطوات الرتبية والتنشئة االجتماعية إذ أنه لكي يعرتف الطفل حبقوق اآلخرين البد
من أن ميارس ذلك عمليا من خالل أنشطته وتفاعله مع رفاقه فإن الطفل بارتباطه باآلخرين من رفاقه يكتسب
الوعي بالقيود والضوابط اليت تفرضها اجلماعة علي الفرد ....حيث خيضع الطفل مع رفاقه لقواعد اللعبة ويعترب
اخلضوع هلذه القواعد أول الدروس اليت يتعلمها الطفل من حياته مع اآلخرين.
-3تعم ل مجاع ة الرف اق عل ي ض بط س لوك الف رد يف املواق ف املختلف ة ه ي ب ذلك أداة فعال ة لض بط س لوك األعض اء
الذين ينتمون إليها ألن ه ح ىت يش عر ك ل ف رد فيه ا بالتقب ل ينبغ ي أن خيض ع للمع ايري ال يت حتك م مجاعت ه كم ا جي ب أن
خيضع لقواعد ألعاهبا فال خيالفها وإن مجاعة الرفق مت ارس درج ة م ن الض بط أك رب مم ا متارس ه غريه ا م ن اجلماع ات أو
الكبار الراشدين( .رنا عبد اللطيف الشويعر وآخرون ،مرجع سابق ،ص)22
وتحقق جماعة الرفاق مهامها ووظائفها عن طريق مجموعة من الوسائل واألساليق ومنها
-2الث واب والتقب ل االجتم اعي أو ال رفض -3أنش طة اللع ب -8الق دوة -4املش اركة االجتماعي ة
االجتماعي.
رابعا :وسائل اإلعالم :إن وسائل اإلعالم يف العصر احلديث تعترب من أهم الوسائل الرتبوي ة حي ث تق دم م واد علمي ة وثقافي ة
متنوع ة م ن خ الل املس رح والس ينما واإلذاع ة املرئي ة واملس موعة والص حف واجمل الت املختلف ة ولعله ا تعت رب م ن الوس ائل الرتبوي ة
الشيقة فهي جتذب الناس من خمتل ف األعم ار وم ن اجلنس ني وه ي أداة هام ة م ن أدوات الرتبي ة املس تدمية وم ن أدوات النه وض
باجملتمع ات ثقافي ا ،كم ا أهن ا متت از مبي زات ال تت وافر يف غريه ا م ن وس ائط الثقاف ة األخ رى حي ث أهن ا س ريعة االس تجابة لنش ر
112
املس تحدثات يف جم ال العل م واملعرف ة والتطبي ق س ريعة اإلذاع ة هل ا وق د مكنه ا م ن ذل ك اعتماده ا أساس ا عل ي العل م احل ديث
اإلع الم ه و وس يلة تف اهم ق وم عل ي تنظ يم التفاع ل ب ني الن اس ويق وم اإلع الم عل ي االتص ال بواس طة اللغ ة اللفظي ة وي ذكر ب أن
اإلع الم كك ل ق د ب دأ وتك ون م ع الص حافة يف الق رون الس ابقة ف إن ظه ور وس ائل إعالمي ة جدي دة يف الق رن وس ائل اإلع الم
املختلف ة مب ا تنش ره م ن معلوم ات وحق ائق ووق ائع وأفك ار لتح يط الن اس علم ا مبوض وعات معين ة م ن الس لوك م ع إتاح ة فرص ة
الرتفيه والرتويح ،وهي بذلك قد مكنت ك ل الن اس م ن التع رف عل ي أش ياء وأم اكن كث رية ق د يص عب الوص ول إليه ا مباش رة مم ا
يثري ْحاسهم ونشاطهم واهتم امهم ببعض هم وتتب ع هنض تاهم ،وه ي ب ذلك ذات ت أثري ق وي عل ي ال رأي الع ام وتكوين ه وتوجيه ه
يف القضايا املصريية واملعاصرة والقضايا االجتماعية والقومية اهلامة ( .طارق عبد الرؤوف عامر ،مرجع سابق ،ص)431
وهي ختتلف عن وسائط الثقافة األخرى يف اهنا تنقل إىل الناس خ ربات ليس ت يف جم ال تف اعالهتم البيئي ة واالجتماعي ة املباش رة
كما أهنا تنقل موادا ثقافية متنوعة جدا مما يكون له أثره علي تربية األجيال ولذلك فهي يف حاج ة إيل أن تتكام ل م ع وس ائط
الرتبي ة األخ رى يف أه داف عام ة مش رتكة ح ىت ال تؤك د اجتاه ات ق د تك ون خمتلف ة عم ا تؤك ده األس رة أو املدرس ة م ثال ول ذلك
ومم ا يزي د م ن أمهي ة ه ذه الوس ائل أن الرتبي ة املدرس ية نفس ها أص بحت يف كث ري م ن دول الع اَل تعتم د عليه ا يف تنفي ذ كث ري م ن
113
-2اإلعالم مؤسسة االجتماعية تستجيب إىل البيئة اليت تعمل فيها أهداف وسائل اإلعالم
تسعى وسائل اإلعالم مبختلف أشكاهلا ومسمياهتا إىل حتقيق العديد من األهداف وهي على النمو التايل:
-1تربية الناس وتعليمهم وتوجيههم إىل إتباع األصول والعادات واألعراف االجتماعية.
-8التثقيف.
-19الرتبية والتعليم بطريق هادفة وموجهه من خالل التلفزيون الرتبوي واإلذاعة أو الصحف أو اجمللة املدرسية
اإلع الم بوس ائله مي د الف رد بف رص تعل م مس تمرة م دى احلي اة ويس اعده عل ي مواجه ة متطلب ات النم و املتزاي دة واملتغ رية وال يت َل
تعد املؤسسات الرتبوية النظامية قادرة وحدها علي توفريها يف ظل ما يشهده العصر احلايل من انفجار معريف.
ومن املالحظ أن الوظائف اليت تؤديها وسائل اإلعالم للمجتمع تتنوع تبعا الحتياجات ك ل جمتم ع م ن اجملتمع ات وم ن مث ف إن
وس ائل اإلع الم تتص ل اتص اال وثيق ا بالتنش ئة االجتماعي ة حي ث ت ؤدي دورا مهم ا يف توس يع آف اق الف رد وإث راء حص يلته م ن
114
املعرفة فيسمع ويرى أشياء َل يتعرفها من قب ل كم ا تس اعد عل ي رف ع مس توى تطلع ات األف راد إيل حي اة أفض ل مم ا ي ؤثر بش كل
وال تتوقف مهمة وسائل اإلع الم عن د ح د إخب ار اجلمه ور أو إعالم ه مب ا ي دور حول ه م ن أح داث ب ل عليه ا أيض ا أن تس اعده
علي فهم املادة اليت تقدمها إليه فتتوىل شرحها وتوضيح غري املع روف منه ا ذل ك أن التط ور الس ريع يف جم االت املعرف ة أدى إيل
زيادة األعباء امللقاة علي الفرد العادي فلم يعد ميلك الوقت أو اجلهد أو املال أو العلم الذي ميكن ه م ن فه م اجلوان ب املختلف ة
لشىت املعارف خاصة يف العص ر ال راهن بع د أن ص ار مع دل تض اعف املعرف ة اإلنس انية ي تم ك ل بض ع س نوات ب دال م ن مخس ني
وي ربز ال دور احلي وي لوس ائل اإلع الم يف جم ال التوجي ه املعتم د عل ي ال دالئل واحلق ائق يف لغ ة س هلة مبس طة مم ا يس اعد عل ي
إكس اب اجلم اهري يف التعام ل ال ذكي م ع وس ائل اإلع الم حبي ث ال يتقبل ون ك ل م ا تقدم ه وس ائل اإلع الم وإمن ا يتف اعلون مع ه
وق د أص بحت وظيف ة التثقي ف إح دى الوظ ائف املهم ة لوس ائل اإلع الم خاص ة م ع النم و الس ريع للمعلوم ات ال ذي جع ل
ال بعض يش ري إيل أن عملي ة احل ث عل ى املعلوم ات ق د أص بحت الوظيف ة األساس ية يف جم ال االتص ال وب رز مفه وم تفج ر
املعلومات باعتباره عنصرا أساسيا يف التنافس بني ال دول ويكف ي الق ول ب أن املعلوم ات اآلن ل دى ال دول املتقدم ة ق د أص بحت
املعدل التنافسي ملا متلكه الدول النامية من موارد الطاقة والثروات الطبيعية.
ويف إطار دور وسائل اإلعالم يف جمال التنش ئة االجتماعي ة تق وم بالعم ل عل ي تكام ل اجملتم ع م ن خ الل ترس يخ الق يم واملب ادئ
وتثبي ت االجتاه ات واحملافظ ة عليه ا واملس اعدة عل ي نق ل ال رتاث الثق ايف م ن جي ل إيل جي ل وذل ك بتوحي د اجملتم ع ع ن طري ق
115
كم ا جي ب عل ي وس ائل اإلع الم أن تت يح الفرص ة لإلس هام يف عملي ة اخت اذ الق رارات وأن يعم ل عل ي أن يق وم ن وع م ن احل واجز
ويالحظ أن هذه األدوار ال ميكن الفصل بينها فصال مطلقا حيث يتداخل كل هدف مع غريه من األهداف.
وميكن إمجال األبعاد الرتبوية اليت تقوم وسائل اإلعالم بتغطيتها والوظائف اليت تؤديها يف النقا التالية:
تلع ب األندي ة دورا مم اثال مل ا تلعب ه مجاع ة الرف اق يف بع ض األم ور ومم اثال مل ا تلعب ه الطبق ة واألس رة والثقاف ة الوطني ة يف بع ض
األمور األخرى فقد تق وم بتغذي ة الطف ل بك ل م ا تغذي ه ب ه ه ذه اجلماع ات تأكي دا وت دعيما أو دحض ا وحتري را عل ي أن األندي ة
هب ا نش اطات غني ة باجمل االت الرتبوي ة فامللع ب يع رف الطف ل كث ريا م ن ق وانني اللع ب وتنظيم ات الف رق الرياض ية واالجتماعي ة
واملسرحية كم ا ي تعلم منه ا مع ىن العم ل م ن خ الل فري ق ومع ىن القي ادة والتبعي ة ومع ىن كث ري م ن الق يم ال يت ت ربط الف رق املختلف ة
وفيه ا يكش ف العض و ع ن إمكانات ه واس تعداداته فف ي امللع ب يس تطيع الطف ل أن يكتش ف نفس ه كم ا يس تطيع الكب ار
األندي ة أم اكن لش غل أوق ات الف راغ مب ا يع ود عل ي الف رد ب النفع حي ث جي د ال نشء فيه ا فرص ة لتنمي ة مواهب ه وس ط من اخ أس ري
جيد فيه حرية التحرك والتوجيه املطلوب له حنو ممارسة اهلوايات واألنشطة.
إن أهم ما مييز األندية ه و تع دد ن واحي النش ا فيه ا مث ل :النش ا الثق ايف ،والنش ا الرياض ي ،والنش ا االجتم اعي ....اخل
ح ىت ميك ن للف رد أن مي ارس النش ا ال ذي ميي ل إلي ه ويرغ ب في ه ويتمش ى م ع قدرات ه وامكانات ه واجتاهات ه الثقافي ة واالجتماعي ة
116
والنفس ية وإذا كان ت األندي ة ترك ز عل ي الناحي ة الرياض ية ف إن انط الق الطاق ة اجلس مية خ الل ممارس ة لعب ة معين ة ت ؤدي إيل
االس تقرار النفس ي والع اطفي كم ا أن التع اون ب ني األعض اء خيل ق عالق ات إنس انية س وية ت ؤدي إيل تقوي ة بع ض الق يم اخللقي ة
117
مثال 91مدرسة حتتوي على 8211تلميذ سنة ،8163وسكاهنا قدروا حبوايل 42111نسمة يف نفس السنة حسب
اإلحصائيات الرمسية ،كان يف نواحي تلمسان 21زاوية والعاصمة 811مدرسة لتعليم القراءة والكتابة واحلساب.
(بوفلجة غياث،8993،ص)41
أما مصادر التكوين يف اجلزائر لتخريج العلماء قبل االحتالل الفرنسي فقد تباينت إىل ثالث مصادر للتكوين ذكرها أبو
القاسم سعد اهلل هي:
أ -المدرسة الجزائرية:
ومتثلها املساجد والزوايا مبا تقدمه من دروس يف جماالت خمتلفة ،لعل أبرزها حتفيظ القرآن الكرمي والنحو والبالغة والتفسري
....اخل .من العلوم ذات الصلة بالقرآن الكرمي والسنة النبوية املطهرة.
ب -المدرسة المزدوجة الجزائرية اإلسالمية:
وهي املدرسة اليت جيمع فيها الطالب بني تكوينه يف اجلزائر ومن مث االلتحاق باملعاهد واملدارس العربية إلكمال الدراسة مث
العودة للجزائر ملباشرة العمل الوظيفي ،كمثال على ذلك جامع الزيتونة واألزهر الشريف اللذين كانا يقصدمها الكثري من طلبة
العلم من اجلزائريني وبعض املعاهد يف الشام واحلجاز.
ج -المدرسة اإلسالمية عموما:
وهذه املدرسة جاءت هبا طائفة من علماء املسلمني الذين َل يكونوا جزائريني يف األصل ولكنهم استوطنوا اجلزائر وتولوا فيها
وظائف خمتلفة كاإلفتاء واإلمامة وسامهوا هم أيضا يف عمليات التكوين( .أبو القاسم سعداهلل ،مرجع سابق،ص)394
فالتعليم يف تلك الفرتة وبشهادة احملتل نفسه الذي يقر بأن حالة التعليم يف اجلزائر يف بداية االحتالل كانت أفضل من حالته
يف جنوب أوربا ،أما فيما خيص األمية فاجلزائر يف ذلك العهد كانت أفضل من فرنسا ذاهتا وهذا بشهادة اجلنرال ولسن استر
هازي أن اجلزائريني الذين حيسنون القراءة والكتابة كانوا يف ذلك العهد أكثر من الفرنسيني الذين كانوا يقرؤون ويكتبون وأن
%25من الفرنسيني كانوا أميني حينذاك وأن اجلزائر احتلها جنود فرنسيون من طبقة جاهلة متام اجلهل.
جيب علينا أن نعرتف احرتاما للحقيقة أن املسلمني يف إفريقيا الشمالية رغم اخنفاض مستوى العلوم فيها وقلة الكتب كانوا
يولون مسائل الرتبية والتعليم عناية هلا قيمتها ،أما إيفون توران فقد ذكرت يف كتاهبا "املواجهة الثقافية يف اجلزائر املستعمرة"
عن دوماس قوله " :إن التعليم االبتدائي كان كثري االنتشار باجلزائر أكثر مما نعتقد عادة ،أن عالقتنا باألهايل يف املقاطعات
الثالث أثبتت أن متوسط األفراد من الذكور حيسنون القراءة والكتابة"( .الطاهر زرهوين ،8992،ص)82
118
فالفرتة اليت سبقت احملتل كانت فرتة مضيئة يف تاريخ الرتبية والتعليم يف اجلزائر رغم ما اعرتاها من نقائص نابعة عن قدم وجود
خطة مدروسة وأهداف حمددة ،ولكن على األقل على الصعيد الشخصي لألفراد كانت نسبة األمية يف حدودها املتدنية،
حيث نسبة األمية يف اجلزائر عند دخول احملتل قدرت ب %5فقط ،وكتب عن ذلك الرحالة األملاين فيلهم شيمبرا حني زار
اجلزائر يف شهر ديسمرب 8138يقول " :لقد حبثت قصدا عن عريب واحد يف اجلزائر جيهل القراءة والكتابة ،غري أين َل أعثر
عليه يف حني أنين وجدت ذلك يف بلدان جنوب أوربا"( .أبو القاسم سعداهلل ،مرجع سابق ،ص)394
-2-1أثناء االحتالل الفرنسي (:)1062/1839
تعترب الفرتة اليت قضاها االحتالل الفرنسي يف اجلزائر أقسى أنواع االحتالل يف العاَل ،حيث مارس فيها احملتل كل أنواع
السياسات اليت يرى فيها القدرة على إخراج الشعب من هويته وإلباسه ثوبا غري ثوبه ،ترغيبا حينا وترهيبا أحيانا ،كل هذا
حيدث وفق خطة ممنهجة يساهم يف وضعها ثلة من املفكرين واملنظرين يساعدهم على تنفيذها جيش من األعوان حتت
مظالت عديدة لتربير األفعال اليت يقومون هبا تارة ،حتت غطاء الدين ومرة أخرى من أجل احلضارة ولنشر العلم والتنوير،
لكن ما يؤكد ذلك هو ما مت تسجيله على أرض الواقع ال ما يتفوه به ساستهم وقادهتم ولعل يف التصريح الذي جاء على
لسان الكاردينال الفيجري ( )8194-8145وهو يقول سنة " :8129علينا أن خنلص هذا الشعب من قرآنه وعلينا أن
نعتين على األقل باألطفال لتنشئتهم على مبادئ غري اليت شب عليها أجدادهم ،فإن من واجب فرنسا تعليمهم اإلجنيل أو
طردهم إىل أقاصي الصحراء بعيدين عن العاَل املتحضر".
إن هذا التصريح الواضح الذي ال لبس عليه يربز بصورة جلية لكل متتبع النوايا احلقيقية لالحتالل الفرنسي للجزائر ،وهذا ما
جتسد فعليا من خالل خططهم يف جمال الرتبية والتعليم واليت سنتعرض هلا بشيء من التفصيل.
إن نسبة األمية يف اجلزائر غداة دخول احملتل كانت يف حدود %15غري أن األرقام من أجل التنوير ونشر احلضارة األوروبية
املزعومة صارت وضعية التعليم يف اجلزائر وهذا بشهادة اجلنرال الفرنسي دوماس الذي قال سنة 8918أي بعد حوايل 61
سنة من االحتالل "أن نسبة املتعلمني من األهايل ال تتعدى ،%3.1وبعد قرن من االحتالل أصبح أصبحت نسبة األميني
يف اجلزائر %94.4بني من ترتاوح أعمارهم من 15إىل 81سنة ،و %91بني ما جتاوزت أعمارهم مثانني عاما ،وتشرد
أكثر من مليون ونصف املليون طفل جزائري يف الشوارع وهم يف سن الدراسة ألهنم َل جيدوا املكان وال من ينفق عليهم.
(الطاهر زرهوين ،مرجع سابق ،ص)33
119
-أهداف السياسة التعليمية للمحتل في الجزائر:
لقد وضع احملتل الفرنسي أهدافا أساسية لسياسة التعليمية يف اجلزائر تتمثل يف القضاء على الشخصية الوطنية اجلزائرية بكل
أبعادها ومقوماهتا األساسية متهيدا لدجمها يف اجملتمع الفرنسي من خالل مناداته باجلزائر فرنسية ،ولن يتحقق له ذلك إال من
خالل سلخ هذا الشعب من جذوره كما دعا لذلك الكاردينال الفيجري ،فتم وضع آلية لتحقيق ذلك تتجسد يف نقطتني
هامتني مها:
-الفرنسة :أي جيب فرنسة الشعب حبيث ينسى لغته األصلية ويصبح ال يفكر إال بلغة الغالب احملتل.
-التنصير :من خالل احلركات التبشريية إلبعاد الشعب عن مقومه الثاين اهلام وهو اإلسالم ،فباعتناقه املسيحية يسهل فصله
عن ماضيه وحضارته األصلية.
حيث مت تأسيس مدارس دينية مسيحية ابتداء من سنة 8161يسريها مسيحيون وتركزت هذه املدارس يف مناطق القبائل
اجلزائرية ،حيث سجل مننها 48مدرسة مسرية من طرف اآلباء يدرس هبا حوايل 8139تلميذ ،كمما مت فتح مدارس يف
كل من البيض وأوالد سيدي الشيخ وورقلة قصد التمسيح وجتريد بعض النواحي من العربية واإلسالم( .نفس املرجع،ص)82
لقد خاض احملتل حربا شرسة على مؤسسات التعليم القائمة يف اجلزائر منذ دخوله أرض اجلزائر ،حيث مت غلق وحماربة التعليم
العريب بكل أشكاله ،فلم تسلم الزوايا وال املدارس وال املساجد والكتاتيب ،فاالستيالء على املؤسسات وحماربة مصادر متويلها
مت بطريقة منظمة من خالل مصادرة األوقاف اإلسالمية ،واالستيالء على املؤسسات اليت تقدم خدمات تعليمية للمواطنني،
وتدمري الكثري منها حتت حجج واهية وحتويل البعض منها إىل مقرات إدارية وعسكرية للمحتل ،حيث عملت على تدمري
الكثري من تلك املؤسسات بأن أقامت عليها مشاري ع عمرانية وعسكرية ،ونذكر من املثال ما حدث يف مدينة قسنطينة ويف
زاوية التلمساين اليت حولت إىل مقر للهندسة العسكرية ،مث إىل مركز تبشريي للراهبات ،وسيدي بومعزة الذي كان يلقي فيه
الشيخ عبد احلميد بن باديس دروسا خصوصية قبل تأسيس مجعية الرتبية والتعليم ،ومن املؤسسات املندثرة أيضا عمر الوزان
اليت هي مسرح بلدي اآلن ...اخل ،والكثري من املعاَل التارخيية والثقافية اليت مت االستيالء عليها وختريبها من طرف املستعمر
للقضاء على اهلوية الوطنية.
كما سن قوانني متنع فتح املدارس التعليمية إال بعد طلب رخصة من السلطات احملتلة أيضا مت التضييق على املعلمني
اجلزائريني واعتبارهم خطرا حمدقا بالسياسة التعليمية الفرنسية ودفعهم للهجرة وترك الوطن ،مما حيقق لفرنسا انتشار اجلهل
واألمية بني أفراد اجملتمع خدمة ملصاحلها.
121
وَل تكتف فرنسا بتحرمي فتح املدارس يف اجلزائر من قبل اجلزائريني ،بتضييقها عليهم وعدم منح الرخصة هلم ،بل حاربتهم يف
عقيدهتم وذلك من خالل منعهم من فتح املدارس القرآنية بدون رخصة أيضا ،ألهنا تنبهت أن سر احملافظة على اللغة العربية
واإلسالم تتكفل به بشكل واضح الكتاتيب والزوايا املنتشرة يف أرجاء البالد.
والمتصاص غضب األهايل كما يصفهم احملتل وحتت وطأة االحتجاجات مت مبوجب املرسوم الصادر يف 8151/16/82
إنشاء املدارس الفرنسية يف كل من اجلزائر ،قسنطينية ،وهران ،عنابة ،مستغامن هبدف تكوين مرشحني للوظائف املدنية
والقضائية والتعليمية واإلدارية ،لكن هذه املدارس َل تكن خلدمة الشعب اجلزائري ،بل كانت ألهداف استعمارية حبتة ،صرح
هبا احملتل ،كما ذهب إىل ذلك أحد الفرنسيني بأن " اهلدف املنشود ليس تكوين موظفني خاصني وال حتضري مدرسني للتعليم
العمومي ،وإمنا تكوين رجال بتأثريهم على إخواهنم يساعدوننا على حتويل اجملتمع العريب وفق متطلبات حضارتنا.
(الطاهر زرهوين،مرجع سابق،ص)82
َل يكتف االحتالل الفرنسي هبذا نتيجة لصمود اجلزائريني يف وجه التغريب واهليمنة الفرنسية وحتصنهم بدينهم وذودهم عن
لغتهم مبا استطاعوا من قوة ،فك انت الكتاتيب والزوايا هي املالذ اآلمن للحفاظ على اللغة والتعاليم اإلسالمية من أن
تضمحل وتزول إال أن احملافظة على اللغة العربية وصون تعاليم اإلسالم يف نفوس ووجدان اجلزائريني كان هو الغالب.
لقد عمدت فرنسا على إنشاء نوعني من املدارس الفرنسية والعربية كما يسموهنا ،فاألوىل ألبناء احملتلني والثانية ألبناء األهايل،
طبقا للمرسوم الصادر يف 83فيفري ، 8113والذي يسعى إىل تنظيم التعليم يف اجلزائر ،فكانت هذه املدارس هتدف إىل
استقطاب عينة من أبناء اجلزائريني لتكوينها وفقا للمناهج املعدة من قبل احملتل ،واليت تدرس باللغة الفرنسية ،رغم أن املدارس
أعدت من أجل املواطنني األصليني ،حيث نص هذا القانون على أن العربية لغة اختيارية واعتبارها لغة أجنبية.
أما الفرنسة فهي اللغة األم والبد من تعلمها وإتقاهنا ،أما التعليم الثانوي فلم يكن بعيدا عن هذه الدوائر اليت تستهدف
الشعب اجلزائري يف هويته ،بل كان التعليم الثانوي حكرا فقط على من ترضى عنهم اإلدارة الفرنسية ،فال ميكن االلتحاق
بالثانويات إال ملن هم يف كنف احملتل ،أما بقية الشعب فالتعليم االبتدائي يعترب أقصى ما ميكن الوصول إليه ،ولذلك خلدمة
املصاحل الفرنسية بتوجيه الشباب اجلزائري إىل ختصصات وأعمال يكون احملتل يف حاجة إليها.
لقد كان السكان الوافدون مع احملتل وال نسميهم معمرين متشددون حيال نشر التعليم بني صفوف اجلزائريني ،حىت وإن كان
حتت غطاء التبشري ألن يف نظرهم تعلم اجلزائري يؤدي إىل الوعي ،ومن مث املشاركة يف السلطة والنفوذ هلذا احملتل وإن كان
121
البد من تعليمهم فيجب أن يتعلموا حرفا ،لذلك كانوا ينادون دوما باملدرسة الفالحية اليت هتيأ هلم كفاءات تساعدهم يف
استغالل خريات البالد وهنبها.
إن الشعب اجلزائري كما سبق اإلشارة إليه قاوم كل مظاهر التغريب من خالل املساجد والكتاتيب والزوايا ،خالل القرن
الت اسع عشر ،لكن مع مطلع القرن العشرين وبداية تشكل وعي جديد بضرورة القيام بأعمال لفائدة هذا الشعب الذي قاوم
أشرس قوة يف العاَل يف ذلك الوقت ،فكان النضال متوجها على كافة األصعدة السياسية واالجتماعية والرتبوية ،ولعل أبرز ما
ميز النشا الرتبوي واإلصالحي يف العقد الثالث من القرن املاضي هو تأسيس مجعية العلماء املسلمني اجلزائريني ،كجمعية
إصالحية تربوية تعمل على ترسيخ ثوابت األمة والدفاع عنها ،تأسست مجعية العلماء املسلمني اجلزائريني يوم الثالثاء 86
ذي احلجة 8329ه املوافق للخامس من ماي 8938م ،يف نادي الرتقي بالعاصمة،إثر دعوة وجهت إىل كل عاَل من
علماء اإلسالم يف اجلزائر من طرف هيئة مؤسسة مؤلفة من أشخاص حياديني ينتمون إىل نادي الرتقي حىت ال يثري ذكرهم
حساسية أو شكوى لدى احلكومة الفرنسية ،ومت اإلعالن عن طبيعة اجلمعية كجمعية دينية هتذيبية تعمل على خدمة اجملتمع
وهي غري سياسية( .حممد خري الدين،8915،ص)812
انطلقت اجلمعية من خالل رجاهلا بالتوعية يف صفوف الشعب اجلزائري من خالل اخلطب والدروس اليت كان يشرف عليها
ثلة من العلماء التابعني للجمعية ،وإميانا منها بدور املسجد يف حياة املسلم ،فقد ركزت اجلمعية على التعليم املسجدي
وذلك من خال ل تقدمي دروس الوعظ واإلرشاد للكبار ،وتعليم وحتفيظ القرآن الكرمي للصغار ،ناهيك عن فتح النوادي
الثقافية من أجل إلقاء احملاضرات وإقامة الندوات الفكرية وامللتقيات ينشطها مفكرون وأدباء وعلماء الشريعة لنشر الوعي بني
صفوف اجلزائريني ،كما مت تأسيس املدارس احلرة التابعة للجمعية والدور املكلفة بالتدريس والتكوين السياسي على حب
الوطن والتضحية من أجله ،فكانت هلذه املدارس املنتشرة يف أحناء اجلزائر بالغ األثر يف نشر املزيد من الوعي بني صفوف
اجلزائريني ،اجتاه قضيتهم الوطنية ،كما مت إنشاء الصحف للتعبري عن أفكار وآراء اجلمعية فيما خيص الوطن واألمة اإلسالمية
مجعاء ،إميانا منها بضرورة التواصل مع الشعب لنشر الوعي بثوابت األمة ،ولعل شعار اإلمام ابن باديس "اجلزائر وطننا،
العربية لغتنا ،اإلسالم ديننا" كان من بني الشعارات املعربة واملؤثرة يف نفوس اجلزائريني للحفاظ على هويتهم الوطنية ،كما
ثابر أعضاء اجلمعية للدفاع عن ثوابت األمة وضرورة أن يرىب أبناؤنا تربية صحيحة على قيمنا ومبادئ عقيدتنا اليت ال ميكن
التنازل عنها ،ولعل التحذير الذي نشره الشيخ البشري اإلبراهيمي يف جريدة البصائر العدد 25لسنة 8929معرب بصدق
122
عن أهداف ومبادئ اجلمعية تربويا حيث يقول منبها احلكومة "إن هذه األمة رضيت ألبنائها سوء التغذية ولكنها ال ترضى
هلم أبدا سوء الرتبية ،وأهنا صربت مكرهة على أسباب الفقر لكنها ال تصرب أبدا على موجبات الكفر".
(حممد البشري االبراهيمي ،8968،ص)436
3-1ـ ـ النظام التربوي بعد االستقالل1062( .إلى غاية اليوم)
للتغلب على مشاكل الرتبية واإلسراع يف بناء أركان الدولة ،سارعت اجلزائر املستقلة يف البحث عن حلول سريعة ومن بني ما
تبنته من حلول أهنا أخذ التشريع املدرسي الذي كان معمول به قبل االستقالل فأخذت من النظام الرتبوي الفرنسي سن
بداية الدراسة يف املرحلة االبتدائية متتد فرتة 82-2سنة ،وهي بعمر مثانية سنوات أي من السنة األوىل إىل السنة النهائية
الثانية اليت فيها يتقدم الطلبة المتحان القبول للسنة أوىل ثانوي –عام وتقين -كما أنه اختذت تدابري لتغطية النقص الكبري يف
عدد اهلياكل التعليمية ومن هذه التدابري حتويل دور احلضانة إىل ما يشبه املدارس االبتدائية بعد أن ألغي القرار املؤرخ يف
8925/19/43دور احلضانة وهذه املرحلة كانت موجودة قبل االستقالل( .رابح تركي عمارة ،8918،ص)815
وإذا تكلمنا عن نقص املعلمني فهذا اجلانب هو اآلخر وجدت فيه مشاكل عديدة البد من حلها فقد كان البد أن يقوم
مبهمة التعليم بعد االستقالل ما يقارب 41.111معلم على أقل تقدير ،إال أن اإلحصائيات بينت أن العدد وصل إىل
4211معلم إضافة إىل ألف معلم من أصل فرنسي ،وهذا ما جعل الدولة تعتمد على خطط استثنائية منها:
-التوظيف املباشر ملن له مستوى مقبول من التعليم باللغتني الفرنسية والعربية.
-اللجوء إىل التعاون الثقايف بني الدول خاصة تزويد اجلزائر مبعلمني من الشرق واملغرب العريب.
-عقد تعاون ثقايف مع فرنسا لتزويد اجلزائر مبا يلزم من املعلمني إذ بلغ عدد املعلمني الفرنسيني حوايل 6298معلم فرنسي.
ورغم أن العدد وصل إىل 82112معلم إال أن عددا من التالميذ بقوا من دون معلم ،فسارعت عدة مؤسسات تعليمية إىل
استعمال نظم بيداغوجية خاصة ،كتجميع األفواج يف فوج واحد أو التناوب على حجرة دراسية عدة مرات يف اليوم ،كذلك
التخفيف من احلجم الساعي واملقرر كله ،وجعل معلم واحد يشرف على عدة أفواج دراسية ،أما وضعية احلجرات الدراسية
فقد وصفها الباحثون واملهتمون بالقطاع بأهنا خطرية ،فقد استعملت الثكنات العسكرية واملراكز واحملتشدات واملساكن
املدرسية وحىت احملالت التجارية وأحيانا املساجد يف بعض املناطق ،هذه األماكن كانت تفتقر يف كثري من األحيان إىل
الشرو البيداغوجية الصحيحة للتعليم السليم كاإلنارة والتهوية واملساحة املخصصة لكل طفل.
123
زد إىل ذلك املشاكل اليت جنمت عن إنشاء وزارة فتية سنة 8924مبوجب مرسوم رقم 81/24املؤسس للحكومة األوىل
واملؤرخ يف 8924/19/46ومن هذه املشاكل :هيكلتها وتلبية حاجاهتا وحتديد طريقة عملها وتزويدها باإلطار والكفاءات
ذات اخلربة ..اخل ،كما أنه البد منذ كر املشاكل اليت أتى هبا املساعدون العرب الذين جاؤوا لتعليم اجلزائريني فهم َل يكونوا
كلهم يف املستوى الثقايف والتكويين الكايف فأغلب املعلمني العرب كانوا مساعدين أو ممرنني مما كان لزاما على الوزارة الوصية
أن تتوىل تكوين هؤالء بواسطة برجمة دورات تكوينية يف املراكز الثقافية وإعطائهم دروسا مسائية أو تكوينا عن طريق املراسلة
أو الورشات الصيفية( .عبد الرْحان بن ساَل ،4111،ص)82
وهي كلها إجراءات من أجل جعل الوافدين أكثر قربا من عادات وتاريخ الشعب اجلزائري ،كذلك كان القصد من هذا كله
تعريف هؤالء املساعدين على خصائص ومميزات اجملتمع اجلزائري من الناحيتني الثقافية واالجتماعية حىت ال يعطوا التالميذ
معلومات ال تتماشى مع ذهنية الشعب كالدين والسياسة لذا فيمكن وصف واقع املنظومة الرتبوية بعد االستقالل بأنه كان
واقعا يضم:
-اخنفاض مستوى التمدرس عند اجلزائريني.
-حاجة اجلزائر إىل إطارات فنية.
-توفري قيادة وطنية حافظت على مستوى الوطنية مرتفعا حىت يعمل الشعب ويتغلب على الصعاب.
-توفري اإلمكانيات املادية اليت هبا تبىن املنشآت واملرافق الرتبوية.
-التعليم و مؤسساته في عهد االستقالل :كان التعليم االبتدائي سنة 8924يف حالة يرثى هلا على غرار امليادين
األخرى،و اجلدير بالذكر أن نسبة االنتساب إليه كانت تقارب %41من جمموع التالميذ الذين بلغوا سن الدراسة ،فقد
كانت مهمة املدرسة تتلخص يف تكوين ما حيتاج إليه االستعمار من مساعدين ،وقد كان أول دخول مدرسي يف أكتوبر
8924اختذت وزارة الرتبية قرارا يقضي بإدخال اللغة العربية يف مجيع املدارس االبتدائية بنسبة سبع ساعات يف األسبوع .وقد
مت توظيف 3254معلما للعربية و 82251للغة األجنبية ،منهم عدد من املرنني قصد سد الفراغ املدهش الذي أحدثه
عمدا أكثر من 81.111معلم فرنسي غادروا اجلزائر بصفة مجاعية.
وقد ورثت اجلزائر قلة هياكل االستقبال وقلة اإلطارات ومشكلة سيطرت اللغة الفرنسية واحنصار التعليم على مناطق وطبقات
دون أخرى ،وقد عمدت السلطة اجلزائرية تعديالت خمتلفة منذ ،8924ومن اإلجراءات الفورية اليت اختذهتا اللجنة الوطنية
اليت عقدت اجتماعها األول يف 85ديسمرب - 8924اجلزأرة ،دميقراطية التعليم ،التعريب ،والتكوين العلمي و التكنولوجي.
واستمر تطبيق جمموع اإلجراءات السنة تلو األخرى ،ففي أكتوبر8926طبق القرار القاضي بتعريب السنة الثانية االبتدائية
124
تعريبا كامال تدرس كل املواد املربجمة باللغة العربية وحدها بتوقيت 41ساعة أسبوعيا.
وميكن تلخيص النظام الرتبوي اجلزائري يف فرتتني( .كمال عبداهلل وعبداهلل قلي ،مرجع سابق ،ص))826
*الفترة األولى( :)1076-1062وهي فرتة انتقالية كان يسودها عدة نقائص ،فاقتصرت على إدخال حتويالت تدرجيية
متهيدا لتأسيس نظام تربوي يساير متطلبات التنمية ،ومن أولويات هذه الفرتة :
-تعميم التعليم بإقامة منشآت تعليمية وتوسيعها للمناطق النائية.
-جزأرة إطارات التعليم (أي إزالة آثار العناصر الدخيلة الوافدة من اجملتمعات والثقافات اليت ال متت بصلة للمجتمع
اجلزائري ،كما يعين جزأرة نظام التعليم ومناهجه والبعد عن االستعارة من اجملتمعات األخرى ،جزأرة اإلطارات غايتها
االعتماد على أبناء البالد من أهل االختصاص لتحقيق الكفاءة التعليمية).
-كييف مضامني التعليم املوروثة عن النظام التعليمي الفرنسي.
-التعريب التدرجيي للتعليم.
وقد أدت هذه التدابري إىل ارتفاع نسبة املتمدرسني الذين بلغوا سن الدراسة ،إذ قفزت من %41إبان الدخول املدرسي
األول إىل %61يف هناية هذه املرحلة.
*الفترة الثانية ( : )2992-1076ابتدأت بصدور أمر 35-62املؤرخ يف 82أفريل 8962بتنظيم الرتبية والتكوين
باجلزائر ،وأدخلت إصالحات على النظام لتتماشى و التحوالت االقتصادية واالجتماعية ،كما كرس الطابع اإللزامي وجمانية
التعليم ،وتأمينه ملدة 9سنوات ،قد شرع يف تعميم وتطبيق أحكام هذا األمر ابتداء من السنة الدراسية -8911
(8918املدرسة األساسية).
وقد عرفت املنظومة الرتبوية اجلزائرية خالل املوسم الدراسي 4112 - 4113تعديالت تتمثل يف:
-تنصيب السنة األوىل من التعليم االبتدائي ،4112 -4113وقد مت تغيري حمتويات بعض الكتب لنفس السنة يف
( 4115 - 4112كالرتبية اإلسالمية).
-تنصيب السنة الثانية من التعليم االبتدائي ،4115-4112أضيفت إليها اللغة الفرنسية كلغة أجنبية أوىل ،استعمال
الرتميز العلمي واملصطلحات العلمية ،استعمال الوسائل التعبريية (العربية والفرنسية).
-تنصيب السنة األوىل من التعليم املتوسط يف إطار اإلصالح التدرجيي والرتبوي (نظام األربع سنوات) ابتداء من املوسم
الدراسي ،4112- 4113وظهور اللغة األمازيغية باعتبارها لغة وطنية.
أما التعليم الثانوي فعرف تعديالت يف هيكلته يف سنة ( .4112 - 4115نفس املرجع ،ص)821
أما التعليم العايل فقد عرف تعديالت على ضوء توصيات اللجنة الوطنية إلصالح املنظومة الرتبوية والتوجيهات املتضمنة يف
خمطط تطبيق اإلصالح الرتبوي الذي صودق عليه يف جملس الوزراء يوم 41أفريل ،4114سطرت وزارة التعليم العايل
والبحث العلمي كهدف اسرتاتيجي ملرحلة4183-4112إعداد ووضع أرضية إلصالح شامل للتعليم العايل ( )LMD
125
حبيث ميثل بنية العليم العايل املستلهمة من البنيات املعمول هبا يف البلدان االجنلوسكسونية ،واملعممة يف البلدان املصنعة ،متثل
هذه البنية حول ثالثة أطوار للتكوين يتوج كل منها بشهادة جامعية :
-الطور األول بكالوريا +ثالث سنوات ،يتوج بليسانس(أكادميية-مهنية).
-لطور الثاين بكالوريا +مخسة سنوات ،يتوج ماجستري(أكادميية -مهنية).
-الطور الثالث بكالوريا +مثان سنوات ،يتوج بدكتوراه.
وال تزال املنظومة الرتبوية اجلزائرية إىل حد اآلن جتري تعديالت على نظمها الرتبوية قصد التحسني من املردود الرتبوي والرفع
من مستواه.
املشاكل اليت تواجه املنظومة الرتبوية يف اجلزائر:
تعاين املنظومة الرتبوية من عدة مشاكل ،وال ميكن إسناد مصدر هذه املشاكل إىل طرف دون آخر ،ومن بني هذه
املشكالت:
*ضعف املستوى الدراسي.
*ارتفاع نسبة التسرب املدرسي.
*حصر الرتبية على املدرسة وغياب األولياء عنها.
*غياب منهجية علمية للتقومي.
*اكتظاظ األقسام مما يعرقل السري احلسن للدرس واستيعاب التالميذ.
*مشكالت مصدرها األستاذ نفسه.
*مشكالت مصدرها التلميذ.
*مشاكل مادية ومعنوية يعين منها الطرفني (معلم ،متعلم).
*نقص اإلمكانات املادية والوسائل البيداغوجية.
*نقص دراسات علمية ميدانية قبل إجراء تعديالت معينة.
*غموض سياسة التخطيط( .مرجع سابق ،ص)829
مفهوم النظام التربوي :النظام الرتبوي يتضمن مجلة من القواعد والتنظيمات واإلجراءات اليت تتبعها الدولة لتسيري شؤون
الرتبية والتعليم ،هتدف من وراءها للمحافظة على قيم ومبادئ األمة موجهة للنظام الرتبوي وفق هذه السياسات الرتبوية اليت
تعكس التوجهات العامة للمجتمع ،وهذه النظم الرتبوية عامة هي انعكاس الفلسفة االجتماعية والسياسة السائدة "
(عبد اهلل الرشدان ونعيم جعنيين ،4112،ص)356
فالنظام الرتبوي يعرب عن فلسفات تؤسس على ضوئها املناهج الرتبوية اليت تؤطر عملية التعليم على كافة املستويات
التنظيمية ،فهي وحدة فنية اجتماعية مزودة جبملة من اإلجراءات ذات االستقالل الذايت يف نشاطاهتا املتفاعلة فيما بينها
126
خلدمة غرض حمدد يكون نابع من فلسفة اجملتمع والسياسة الرتبوية احملددة لذات الغرض ومؤسساته ،مبا حتمله هذه
املؤسسات من روافد سوسيو ثقافية تعرب عن طموح وآمال الشعوب يف منظومتها الرتبوية.
إذا كان النظام قائما على أسس قيمية وعلمية فاعلة ،انعكس ذلك على نوعية االنسان وكفاءته ،ومن مث أدائه كعضو يساهم
إجيابيا يف تطوير جمتمعه وإنتاج حضارته والعكس صحيح ،والنظام الرتبوي يف مفهومه العلمي هو نظام يتمون من العناصر
واملكونات والعالقات اليت تستمد م كوناهتا من النظام السوسيو ثقافية والسياسية واالقتصادية وغريها ،ويتشكل النظام من
مستويني أساسيني مها املستوى البنائي الواصف للنظام ،واملستوى الوظيفي الواصف لعملياته.
-8المستوى البنائي :كليات من العناصر املتفاعلة تشكل عنصرا من عناصر النظام وتتفاعل فيما بينها ألجل أداء وظائف
معينة متكن من حتقيق الغايات البعيدة والقصرية املدى من وجود نظام ذاته.
-1-1بنيات سياسية تشمل وظيفة اختاذ قرارات السياسة التعليمية.
-2-1بنيات إدارية تدير شؤون النظام وتسريه.
-3-1بنيات بيداغوجية ختطط للربامج والطرق والوسائل او تنفذها او تقومها.
-2المستوى الوظيفي:
-1-2مستوى سياسي يشمل ختطيط الغايات وحتديد االختيارات.
-2-2مستوى اداري يشمل تسيري النظام وتدبري املوارد واخلدمات واصدار القرارات التنظيمية.
-3-2مستوى اداري يشمل عمليات التكوين والتأطري الرتبوي والتدريس.
( سند تكويين لفائدة مديري مؤسسات التعليم الثانوي واالكمايل ،وحدة النظام الرتبوي 4115،ص)12
والنظام الرتبوي اجلزائري يسعى اىل حتقيق مجلة من املطالع والغايات السامية تضمنتها املواثيق الرمسية للدولة اجلزائرية السيما
ما جاء يف أمرية 82أفريل 8962املنتظمة تنظيم لرتبية والتعليم.
-غاياته:
أ-البعد الوطني :أن اإلسالم والعروبة واألمازيغية هي مكونات األساسية هلوية األمة اجلزائرية اليت تكرس أصالتها ويتعني على
املنظومة الرتبوية أن تعمل على ترسيخها والنهوض هبا لضمان الوحدة الوطنية واحملافظة على الشخصية الوطنية.
ب-البعد الديمقراطي :يتجلى هذا البعد يف التوجهات اجلديدة للبالد الرمية اىل بناء نظام دميقراطي يعمل على نشر الثقافة
الدميقراطية قيما وسلوكا.
127
ج-البعد العلمي والتكنولوجي :ينبغي إعادة تأكيد االختيار العلمي والتقين كأحد األسس اليت تقوم عليها املدرسة
اجلزائرية ،غري ان ه ذا البعد جيب ان يتجسد علميا من خالل ختصيص توقيت مناسب للمواد العلمية والتكنولوجية خاصة يف
أطوار التعليم األساسي.
د-البعد العالمي :جيب على النظام الرتبوي أن يتفاعل مع مستجدات العلمية مما يتطلب حتديث املناهج معصرنة الوسائل
قصد االسهام يف التنمية املستدمية واالشراك يف بناء سرح الرتاث اإلنساين مبراعاة االمتداد املغاريب والعريب اإلسالمي والتعايش
السلمي اإلجيايب وحقوق االنسان والتعاون الدويل واالحرتام املتبادل بني األمم( .نفس املرجع ،ص)11
-مرجعيته :لقد استلهمت الدولة اجلزائرية مالمح هذه املنظومة من األصالة احلضارية لألمة ومن خمتلف املواثيق الرمسية اليت
منها:
-نداء أول نوفمرب.8952
-مؤمتر الصومام 41أوت.8952
-مؤمتر طرابلس جوان.8924
-امليثاق الوطين .8962
-امليثاق الوطين .8912
-الدساتري اجلزائرية منذ 8924اىل يومنا هذا.
-أمرية 82أفريل 8962واملراسيم التابعة هلا( .نفس املرجع ،ص)81
128
الخاتمة:
إن الرتبية عملية فردية اجتماعية تتعامل مع فرد يف جمتمع تنقل إليه معارف ومهارات ومعتقدات ولغة اجلماعة من جيل
إيل جيل واإلنسان هو موضوع الرتبية تعين بسلوكه وتطويره ولكن ليس مبعزل عن اجلماعة ألن الذات اإلنسانية ال تتكون إال
يف جمتمع إنساين وبقدر ما يتوافر للرتبية من وضوح وعمق يف املفاهيم واألسس اليت تستند إليها تكون قوهتا وفعلها يف حياة
األمم والشعوب ويف اجتاهات األفراد ويف العالقات املختلفة ويف جماالت العمل املتعددة ونظرا هلذه األمهية للرتبية باعتبارها
مسألة حيوية الزمة وضرورة اجتماعية فلقد زاد اهتمام الناس هبا واشتدت احلاجة إيل دراستها والتعرف علي أبعادها ومن مث
كان ضروريا بالنسبة لدارس الرتبية وممارسها يف املستقبل أن يتعرف علي طبيعة هذه العملية ماهيتها وجوانبها املختلفة
وضرورهتا ،ميكن القول أن هدف الرتبية األساسي هو أنسنة اإلنسان أي جعله خملوقا إنسانيا يعيش يف جمتمع ضمن إطار
اجتماعي حيتوي علي تقاليد ونظم وقيم ومعايري وأفكار خاصة به ،والعملية الرتبوية تكسب الفرد حضارة املاضي ومتكنه من
املشاركة يف ممارسة حضارة احلاضر وهتيئة للتطوير وإضافة واخرتاع وتقدم حضارة املستقبل ،إهنا عملية تسهم وتشارك وتدفع
عجلة الزمن للبقاء إهنا حتصيل فرد يف تراث اجلماعة وتراث مجاعة ينتقل بواسطة فرد ،فالرتبية وسيلة وهدف طريقة وغاية تبدأ
مع بدأ احلياة وال تنتهي رغم هناية حياة األفراد ألهنا اجتماعية ختص اجملتمع كما ختص كل فرد فيه هي راية تسلمها اجليل
احل اضر من اجليل املاضي وسيسلمها اجليل احلايل إيل األجيال القادمة هي عملية اجتماعية رغم كوهنا من العلوم التطبيقية
حترص الرتبية احلديثة على حتقيق التوازن يف بناء شخصية الطفل وتستهدف كل ابعاده الشخصية واجلسمية واحلركية والذهنية
والوجدانية واالجتماعية ،أو كل االبعاد جمتمعة ،وقد متارس الرتبية بشكل غري مباشر وال تعرف آثرها إال من خالل البحث
وربطها بالتجليات السلوكية للمتعلم ،حيث توسع جمال حبث الرتبية وأصبحت تعىن جبميع املراحل العمرية مما فرض تكوين
أطر تعليمية.
129
والرتبية ليست موضوعا مفردا بل هي حقل تتفاعل فيه (السياسة الرتبوية ،القرارات ،التخطيط ،تنظيم ،تعليم ،)..وتساهم
يف تكوين كفاءات تربوية تشتغل ضمن بىن وهياكل متنوعة خاضعة يف اشتغاهلا وتنظيمها لقواعد وقوانني حم ّددة ،ويستفيد
املتعلمون من اشتغال هذه املكونات وتظافرها من أجل تكوين مواطن الغد القادر على التفاعل مع حميطه االجتماعي،
131
قائمة المراجع:
-8إبراهيم مصطفى إبراهيم ،الفلسفة احلديثة من ديكارت إىل هيوم ،)4111( ،دار الوفاء للنشر ،اإلسكندرية.
-4ابن منظور ،لسان العرب ،)8996( ،دار صادر ،8 ،ج ،8996 ،2بريوت.
-3أبو القاسم سعد اهلل ،تاريخ اجلزائر الثقايف ،)8998( ،الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ،اجلزائر.
-2أبو ريان حممد علي ،تاريخ الفكر الفلسفي ،الفلسفة احلديثة ،)8992( ،دار املعرفة اجلامعية ،القاهرة.
-5بشار مالك سلمان ،فلسفة جون لوك وأبعادها الرتبوية ،)4185( ،كلية الرتبية ،جامعة دمشق ،أعدت لنيل درجة
املاجستري يف أصول الرتبية ،دمشق.
-2بن ساَل ،املرجع يف التشريع املدرسي ،3 ،)4111( ،املكتبة الوطنية ودار اهلدى ،اجلزائر.
-6بوداود حسني :تعليمية الفلسفة ملرحلة التعليم الثانوي يف اجلزائر-دراسة حتليلية –نقدية يف األهداف والربامج الدراسية،
أطروحة دكتوراه 4116-4112،جامعة اجلزائر .ص .52
-9جرادات عزت وآخرون ،مدخل إىل الرتبية ،3 ،)8912( ،املكتبة الرتبوية املعاصرة ،عمان.
-81جون ديوي ،تر :أمني مرسي قنديل ،)8955( ،احلرية والثقافة ،مكتبة االجنلو املصرية ،القاهرة.
-88احلاج أْحد علي ،أصول الرتبية( ،ب ت) ،دار املناهج للنشر والتوزيع ،عمان.
-84رابح تركي عمامرة ،التعليم القومي والشخصية اجلزائرية ،4 ،)8918( ،الشركة الوطنية للنشر ،اجلزائر.
-83الرشدان عبد اهلل زاهي ،الفكر الرتبوي اإلسالمي ،8 ،)4111( ،مكتبة الفالح ،الكويت.
-82رنا عبد اللطيف الشويعر وآخرون ،الدور الرتبوي للمؤسسات الرتبوية (الرمسية وغري الرمسية) ملواجهة املشكالت
اجملتمعية ،جامعة االمام حممد بن سعود اإلسالمية( ،ب ت) ،السعودية.
-85سعيد التل وآخرون ،املرجع يف مبادئ الرتبية( ،ب ت) ،دار الشروق ،8 ،بريوت.
-82سهيلة حمن كاظم الفتالوي ،املدخل إىل التدريس،8 ،) 4113( ،دار الشروق للنشر والتوزيع ،األردن.
131
-86صربي حممد خليل ،مقدمة يف الفلسفة وقضاياها ،)4115( ،جامعة اخلرطوم ،اخلرطوم.
-81الطاهر زرهوين ،التعليم يف اجلزائر قبل وبعد االستقالل )8992( ،املؤسسة الوطنية للفنون املطبعية ،اجلزائر.
-89الطراونة أخليف يوسف ،أساسيات يف الرتبية ،)4112( ،دار الشروق للنشر والتوزيع ،رام اهلل.
-41عاطف صيفي ،املعلم واسرتاتيجيات التعليم احلديث ،8 ،)4119( ،دار أسامة للنشر والتوزيع ،األردن.
-48عاقل فاخر ،الرتبية قدميها وحديثها ،)8919( ،منشورات جامعية ،دمشق.
-44عامر طارق عبد الرؤوف ،أصول الرتبية الثقافية واالجتماعية واالقتصادية ،)4111( ،دار املعارف ،القاهرة.
-43عبد الراضي إبراهيم حممد عبد الرْحان ،دراسات يف فلسفة الرتبية املعاصرة ،8 ،)4114( ،دار الفكر العريب،
القاهرة.
-42عبد الغين حممد إمساعيل العمراين ،كتاب أصول الرتبية ،)4182( ،دار الكتاب اجلامعي ،صنعاء.
-45عبد اهلل الرشدان ونعيم جعنيين ،املدخل إىل الرتبية والتعليم ،4 ،)4112( ،دار الشروق ،عمان.
-42عبد اهلل قلي وفضيلة حناش ،الرتبية العامة ،سند للتكوين املتخصص ،)4119( ،املعهد الوطين لتكوين مستخدمي
الرتبية وحتسني املستوى ،اجلزائر.
-46عبد اجمليد عبد التواب شيحة ،تطور الفكر الرتبوي يف العصور القدمية والوسطى ،8 ،)4112( ،دار الثقافة للنشر
والتوزيع .األردن.
-41فريدة غيوة ،اجتاهات وشخصيات الفلسفة املعاصرة( ،ب ت) ،دار اهلدى ،عني مليلة.
-49حممد اهلادي عفيفي،)8918( ،يف أصول الرتبية (األصول الثقافية للرتبية) ،مكتبة األجنلو مصرية ،القاهرة.
-31كامل حممد عويضة ،الفلسفة واملدارس احملدثة ،)8995( ،دار الكتب العلمية ،8 ،لبنا.
-33الكندري لطيفة حسني وملك بدر حممد ،تعليمية أصول الرتبية ،3 ،)4111( ،مكتب الفالح ،الكويت.
-32لطيفة حسني الكندري ،الفكر الرتبوي يف احلضارات( ،ب ت) ،كلية الرتبية ،الكويت.
-35ماجد عرسان الكيالين ،تطور مفهوم النظرية الرتبوية اإلسالمية ،)8915( ،دار ابن كثري ،بريوت.
132
-32حماضرات السنة األوىل علوم االجتماعية ،مدخل إىل الفلسفة العامة ،)4186/4182( ،قسم العلوم االجتماعية،
جامعة حممد البشري االبراهيمي.
-36حمروس سيد موسى ،الرتبية والطبيعة اإلنسانية يف الفكر اإلسالمي وبعض الفلسفات الغربية ،)8911( ،دار املعارف،
القاهرة.
-31حممد البشري اإلبراهيمي ،التعليم العريب واحلكومة ،)8968( ،عيون البصائر ،الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ،اجلزائر.
-39حممد الدريج :عودة إىل تعريف الديداكتيك أو علم التدريس ،جملة علوم الرتبية ،عدد ،26مارس .4118
-21حممد بريقو وآخرون ،مقياس مدخل إىل علوم الرتبية( ،ب ت) ،االرسال األول ،املدرسة العليا ألساتذة التعليم التقين
بوهران-اجلزائر.
-28حممد خري الدين ،مذكرات الشيخ حممد خري الدين ،)8915( ،ج ،8مطبعة حلب ،اجلزائر.
-24حممد لبيب النجيجي ،مقدمة يف فلسفة الرتبية ،4 ،)8994( ،دار النهضة العربية ،بريوت.
-23حممد مرسي وحممد فرحة ،فلسفة الرتبية( ،ب ت) ،كلية الرتبية ،جامعة البعث.
-22حممد منري مرسي ،فلسفة الرتبية ،8 ،)4114( ،عاَل الكتب ،بريوت.
-25حممود كيشانه ،املثالية مفهومها وأنواعها وفالسفتها( ،ب ت) ،املركز اإلسالمي للدراسات االسرتاتيجية ،سلسلة
مصطلحات معاصرة .89مصر.
-22مصطفى عبد القادر زيادة آخرون ،الفكر الرتبوي مدارسه واجتاهات تطوره ،)4112( ،مكتبة الرشد ،السعودية.
-26املعهد الوطين لتكوين مستخدم الرتبية وحتسني مستواهم ،وحدة النظام الرتبوي ،)4115( ،سند تكويين لفائدة مديري
مؤسسات التعليم الثانوي واالكمايل ،احلراش-اجلزائر.
-21ناصر إبراهيم عبد اهلل ،علم االجتماع الرتبوي ،)4188( ،دار وائل للنشر والتوزيع ،عمان.
-29مهشري عمر أْحد ،مدخل إىل الرتبية ( ،4 ،)4116دار صفاء ،عمان.
-51ويل ديورانت ،تر :فتح اهلل حممد املشعشع ،قصة الفلسفة من أفالطون إىل جون ديوي ،)8922( ،مؤسسة املعارف،
بريوت.
-58حيي هويدي ،قصة الفلسفة الغريب ،)8993( ،دار الثقافة للنشر والتوزيع ،القاهرة.
133
-54اليماين عبد الكرمي على سعيد ،فلسفة الرتبية ،)4112(،دار الشروق ،بريوت.
-53يوسف كرم ،تاريخ الفلسفة احلديثة( ،ب ت) ،5 ،دار املعارف ،القاهرة.
اإلسالمي)http : //site. iugaza .edu ps. islemanhm/fils/2010/02 . -موقع االنترنيت :ماهية الفكر الرتبوي
134