You are on page 1of 140

Wi,ffllû,tt,l'1"

li!!!i,.q*tu"§lffi

æ'Sl*#l k#l *ffi| $

S@ "l------M---m ,hkl tu S*§m .â r(s)âkff d# ffi êMr


gkmdt W #k e,ffik#,fu kMl kâ*tk k#f s*e :sffiÆ* ffikekdl
or@ *HSIS .bl##h
,o &,MJffi#l ËM eidl &§**

:k kb -M,g&t**,# kMl âÆI W *m4 *ü§ g


üm# *4# dk effinfu kMT tun#*tl-Mâ hl$*k @#
k*#LI effit W # w*Wl '#*ffit ffiT â§*hm** -hb#$k
ær& - fu*Ml

.â*,â11.s411d *kffi âSâ11$1 r$; tu#l#M ffi## effiSk#l

§*§§/.I- ç, &,T, 6-,pl&§râe*#l sk#*l &


h#r#d*dl
lrl..wi
Éd$l r#r
?ü?l sl" 2 3
iiisâsni îS--.#&

\ ttj-1".'o

*
Wi,ffllû,tt,l'1"
li!!!i,.q*tu"§lffi

æ'Sl*#l k#l *ffi| $

S@ "l------M---m ,hkl tu S*§m .â r(s)âkff d# ffi êMr


gkmdt W #k e,ffik#,fu kMl kâ*tk k#f s*e :sffiÆ* ffikekdl
or@ *HSIS .bl##h
,o &,MJffi#l ËM eidl &§**

:k kb -M,g&t**,# kMl âÆI W *m4 *ü§ g


üm# *4# dk effinfu kMT tun#*tl-Mâ hl$*k @#
k*#LI effit W # w*Wl '#*ffit ffiT â§*hm** -hb#$k
ær& - fu*Ml

.â*,â11.s411d *kffi âSâ11$1 r$; tu#l#M ffi## effiSk#l

§*§§/.I- ç, &,T, 6-,pl&§râe*#l sk#*l &


h#r#d*dl
lrl..wi
Éd$l r#r
?ü?l sl" 2 3
iiisâsni îS--.#&

\ ttj-1".'o

*
‫أهمية وقيمة المطبوعة العلمية بالنسبة للطلبة الموجهة إليهم‪:‬‬

‫يعتبر مقياس مدخل إلى علوم التربية من المقاييس المهمة التي يجب على‬
‫طالب المدرسة العليا أن يتناولها لما تحتويه من مواضيع تخص التربية‪ ،‬فهو‬
‫يدرس لجميع طلبة سنة أولى لمختلف التخصصات فهذه المطبوعة العلمية‬
‫موجهة إلى طلبة سنة األولى لمختلف التخصصات‪ ،‬وهي ذات قيمة علمية‪،‬‬
‫حيث تتناول محاور مقياس مدخل إلى علوم التربية الذي يقدم فائدة كبير‬
‫للمعلم والمتعلم من خالل المعلومات المقدمة في ميدان التربية والتعليم‪ ،‬فعلى‬
‫الطالب الذي سيصبح معلم في المستقبل أن يلم بهذا المقياس لكي يؤدي واجبه‬
‫على أكمل وجه ويحقق نجاح في مسيرته المهنية التربوية‪.‬‬
‫الفهرس‬
‫ص‪01‬‬ ‫مقدمة‬
‫ص‪02‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬ماهية التربية‬
‫ص‪02‬‬ ‫‪-1-1‬مفهوم التربية‬
‫ص‪07‬‬ ‫‪-2-1‬أهمية التربية‬
‫ص‪00‬‬ ‫‪-3-1‬األهداف التربوية‬
‫ص‪11‬‬ ‫‪-4-1‬تعري ف بعض المصطلحات المرتبطة بالتربية‬
‫ص‪10‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬فلسفة التربية‬
‫ص‪10‬‬ ‫‪-1-2‬الفلسفة‬
‫ص‪24‬‬ ‫‪-2-2‬العالقة المتبادلة بين الفلسفة والتربية‬
‫ص‪22‬‬ ‫‪-3-2‬تطبيقات الفلسفة على التربية‬
‫ص‪30‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬تطور الفكر التربوي عبر العصور‬
‫ص‪00‬‬ ‫‪-1-3‬تعريف الحضارة‬
‫ص‪03‬‬ ‫‪-2-3‬تعريف الفكر التربوي‬
‫ص‪03‬‬ ‫‪-3-3‬تطور الفكر التربوي عبر العصور‬
‫ص‪101‬‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬المؤسسات االجتماعية التربوية‬
‫ص‪101‬‬ ‫‪-1-4‬األسرة‬
‫ص‪103‬‬ ‫‪-2-4‬المسجد‬
‫ص‪103‬‬ ‫‪-3-4‬المدرسة‬
‫ص‪110‬‬ ‫‪-4-4‬جماعات الرفاق‬
‫ص‪112‬‬ ‫‪-5-4‬وسائل االعالم‬
‫ص‪112‬‬ ‫‪-6-4‬الدور التربوي لألندية‬
‫ص‪117‬‬ ‫الفصل الخامس‪ :‬النظام التربوي في الجزائر‬
‫ص‪117‬‬ ‫‪-1-5‬لمحة تاريخية عن تطور النظام التربوي في الجزائر‬
‫ص‪117‬‬ ‫‪-1-1-5‬قبل االحتالل الفرنسي للجزائر(قبل ‪)1331‬‬
‫ص‪110‬‬ ‫‪-2-1-5‬أثناء االحتالل الفرنسي (‪)1662-1331‬‬
‫ص‪120‬‬ ‫‪-3-1-5‬بعد االستقالل(‪ 1662‬إلى غاية اليوم)‬
‫ص‪122‬‬ ‫‪-2-5‬المنظومة التربوية الجزائرية‬
‫ص‪120‬‬ ‫الخاتمة‬
‫قائمة المراجع‬
‫مقدمة‪ :‬إن الرتبية تستند إىل أصول مستمدة من العلوم اليت تفيد يف فهم جوانبها املختلفة مثل علم النفس وعلم االجتماع‬

‫والتاريخ وعلم السياسة وعلم االقتصاد والفلسفة وعلم احلياة‪ ،‬فالرتبية هلا أصوهلا االجتماعية والثقافية املستمدة من علم‬
‫االجتماع وعلم االنثروبولوجيا‪ ،‬وهي األصول اليت حولت الرتبية من عملية فردية إيل عملية اجتماعية ثقافية ‪،‬ذلك أن املدخل‬
‫إيل فهم الرتبية ينبغي أن يقوم علي الدراسة العضوية بني الفرد وبيئته اليت تعين غريه من األفراد وما يعيشون فيه من أنظمة‬
‫وعالقات وقيم وتقاليد ومفاهيم‪ ،‬فالرتبية ال ميكن تصورها يف فراغ إذ تستمد مقوماهتا من اجملتمع الذي تعمل فيه كما أهنا‬
‫هتدف إيل حتويل الفرد من مواطن بالقوة حبكم مولده يف اجملتمع إيل مواطن بالفعل يفهم دوره االجتماعي ومسئولياته وسط‬
‫اجلماعة اليت ينتمي إليها‪ ،‬وهي حتدث بطريقة مباشرة فهي حتدث يف املدرسة ويف املنزل ويف غريهم من املنظمات واملؤسسات‬
‫وهذه( الرتبية ) وسيلة الستمرار الثقافة مهما كان الطابع العام هلذه الثقافة ودرجة تطورها‪ ،‬حيث أن الثقافة ال تولد مع‬
‫األفراد وال تنتقل إليهم بيولوجيا كما هو احلال بالنسبة للون الشعر أو البشرة وإمنا يكتسبوهنا بالتعلم والتدريب واملمارسة يف‬
‫دوائر احلياة االجتماعية اليت يعيشون منذ مولدهم ‪.‬‬
‫إن املمارسات الرتبوية اليت نتبعها اليوم ال متثل عصرا واحدا معينا من عصور التاريخ‪ ،‬بل هي مزيج من مجيع العصور‪ ،‬فقد‬
‫قدم كل عصر بعض النظريات اجليدة والرديئة‪ ،‬ومن واجبنا كمربني ان منزج هذه النظريات ومنحصها مث خنتار منها ما كان‬
‫جيدا وهنمل ما كان رديئا أو ما كان يهدد أهدافنا الرتبوية املستحبة‪.‬‬

‫ومصطلح علوم الرتبية حد يث استعمل لإلشارة اىل جمموع الدراسات واألحباث املتنوعة االختصاصات اليت تناولت الرتبية‬
‫من خمتلف الزوايا‪ ،‬ورغم حداثة هذه العلوم اال اهنا استطاعت ان تراكم عددا هائال من النظريات والنماذج التفسريية ‪ ،‬كما‬
‫اهنا متكنت من تطوير أساليب ومناهج يف البحث جعلتها ترقى اىل وضع العلوم املعرتف هبا من طرف اجملتمع العلمي الدويل‬
‫حىت جعلتها ترقى اىل وضع العلوم املعرتف هبا من طرف اجملتمع العلمي الدويل حىت وإن كانت تتداخل مع اختصاصات‬
‫املشرتك(الرتبية)‬ ‫موضوعها‬ ‫هو‬ ‫وحدهتا‬ ‫يضمن‬ ‫ما‬ ‫أن‬ ‫غري‬ ‫بالرتبية‬ ‫مباشرة‬ ‫هتتم‬ ‫ال‬ ‫أخرى‬
‫ويعرفها (غاستون مياالري) " على أهنا جمموع احلقول املعرفية اليت تدرس االحداث والوضعيات الرتبوية وتفهمها داخل‬
‫سياقاهتا التارخيية واالجتماعية واالقتصادية والنفسية والسياسية"‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫الفصل األول‪ :‬مفهوم التربية‬
‫‪-1‬مفهوم التربية‪:‬‬
‫‪-‬لغة واصطالحا‪:‬‬
‫أ‪-‬التربية لغة‪ :‬إذا رجعنا إىل معاجم اللغة العربية وجدنا لكلمة الرتبية أصوال لغوية ثالثة‪.‬‬
‫‪-‬األصل األول‪ :‬ربا مضارعه يربو مبعىن زاد ومنا ويف هذا املعىن تزل قوله تعاىل‪َ (( :‬وَما آَتَْيتُ ْم ِم ْن ِربًا لِيَ ْربُ َو ِيف أ َْم َو ِال الن ِ‬
‫َّاس فَ َال‬
‫ضعِ ُفو َن)) (الروم‪)39 ،‬‬ ‫يَ ْربُو ِعْن َد اللَّ ِه َوَما آَتَْيتُ ْم ِم ْن َزَكاةٍ تُِر ُ‬
‫يدو َن َو ْج َه اللَّ ِه فَأُولَئِ َ‬
‫ك ُه ُم الْ ُم ْ‬
‫‪-‬األصل الثاني‪ :‬ريب مضارعه على وزن خفي خيفي مبعىن‪ :‬نشأ وترعرع وعليه قول ابن األعرايب‪:‬‬
‫مبكة منزيل وهبا ربيت‬ ‫فمن بك سائال عين فإين‬
‫ِِ‬ ‫يدا ولَبِثْ ِ ِ‬‫ال أَ ََل ن ربِّ ِ ِ‬
‫ت فينَا م ْن ُع ُم ِرَك سن َ‬
‫ني))‬ ‫ك فينَا َول ً َ َ‬
‫ويف ذلك يقول اهلل تعاىل على لسان فرعون ملوسى عليه السالم‪( (:‬قَ َ ْ َُ َ‬
‫(الشعراء‪)81 ،‬‬
‫‪-‬األصل الثالث‪ :‬رب مضارعه يرب على وزن مد ميد مبعىن أصلحه وتوىل أمره‪ ،‬وساسه وقام عليه وعاه‪ ،‬ومن هذا املعىن قول‬
‫حسان بن ثابت كما أورده ابن منظور يف لسان العرب‪.‬‬
‫يوم اخلروج سباحة القصر‬ ‫وألنت أحسن إذ برزت لنا‬
‫مما تربت حائر البحر‬ ‫من درة بيضاء صافية‬
‫(عبد الغين حممد مساعيل‪ ،4182،‬ص‪.)89‬‬
‫ض َه ِام َد ًة فَِإ َذا‬
‫‪-‬جاء يف لسان العرب البن منظور‪" :‬ربا يربو مبعىن زاد ومنا"‪ ،‬ويف القرآن الكرمي‪ ،‬قال تعاىل‪َ ...{ :‬وتَ َرى ْاأل َْر َ‬
‫ت ِمن ُك ِّل َزْو ٍج َهبِ ٍ‬
‫يج}‪( .‬احلج‪ ،)5 ،‬أي منت وازدادت‪ ،‬ورباه مبعىن أنشأه‪ ،‬ومنّى قواه‬ ‫ت َوأَنبَتَ ْ‬
‫ت َوَربَ ْ‬
‫َنزلْنَا َعلَْي َها الْ َماء ْاهتَ َّز ْ‬
‫أَ‬
‫ِِ‬ ‫يدا ولَبِثْ ِ ِ‬‫ال أَ ََل ن ربِّ ِ ِ‬
‫ت فينَا م ْن عُ ُم ِرَك سن َ‬
‫ني "‪( .‬الشعراء‪ .)81،‬وأيضا‬ ‫ك فينَا َول ً َ َ‬
‫اجلسدية والعقلية واخللقية‪ .‬ويف قوله تعاىل‪ ":‬قَ َ ْ َُ َ‬

‫صغِ ًريا"‪(.‬االسراء‪ )42 ،‬إشارات إىل ذلك‬ ‫الر ْْحَِة َوقُ ْل َر ِّ‬
‫الذ ِّل ِم َن َّ‬ ‫قوله تعاىل‪ ":‬و ِ‬
‫ب ْارْحَْ ُه َما َك َما َربَّيَ ِاين َ‬ ‫اح ُّ‬
‫ض َهلَُما َجنَ َ‬
‫اخف ْ‬
‫َ ْ‬
‫املعىن اللغوي للرتبية‪ ،‬فهي مبعناها الواسع تعين كل عملية تساعد على تشكيل عقل الفرد وجسمه وخلقه باستثناء ما قد‬

‫‪2‬‬
‫يتدخل فيه من عمليات تكوينية أو وراثية‪ ،‬ومبعناها الضيق تعين غرس املعلومات واملهارات املعرفية من خالل مؤسسات‬

‫أنشئت هلذا الغرض كاملدارس‪ ،‬كذلك فإن تعريف الرتبية خيتلف باختالف وجهات النظر ويتعدد حسب اجلوانب واجملاالت‬

‫املؤثرة فيها واملتأثرة هبا‪.‬‬

‫والرتبية الصحيحة هي اليت ال تفرض على الفرد فرضا‪ ،‬بل هي اليت تأيت نتيجة تفاعل عفوي بني املعلم واملتعلم‪ ،‬أو باألحرى‬

‫بني التلميذ واملريب املاهر‪( .‬كمال عبد اهلل وعبد اهلل قلي‪ ،4112،‬ص‪)13‬‬

‫وقد يشار إىل الرتبية بالبيداغوجيا ‪ Pedagogy‬اليت ترجع إىل أصلها اإلغريقي الذي يعين توجيه األوالد حيث تتكون هذه‬

‫الكلمة من مقطعني ‪ Pais‬وتعين ولد و‪ Ogogé‬وتعين توجيه والبيداجوج يعين عند اإلغريق املريب‪ ،‬أو املشرف على تربية‬

‫األوالد‪ ،‬ويف معجم ال علوم السلوكية إن الرتبية تعين التغريات املتتابعة اليت حتدث للفرد‪ ،‬واليت تؤثر يف معرفته واجتاهاته وسلوكه‪،‬‬

‫وهي تعين منو الفرد الناتج عن اخلربة أكثر من كونه ناجتا عن النضج‪.‬‬

‫ب‪-‬التربية اصطالحا‪:‬‬
‫‪-‬الرتبية هي‪ :‬العملية املقصودة أو غري املقصودة اليت حيددها اجملتمع حسب ثقافته لتنشئة األجيال اجلديدة مبا جيعلهم على‬
‫علم ووعي بوظائفهم يف اجملتمع‪.‬‬
‫‪-‬الرتبية هي‪ :‬العمليات اليت يتفاعل معها اإلنسان املتعلم من أجل النهوض بقواه‪.‬‬
‫‪-‬الرتبية هي‪ :‬العقلية والفطرية واإلدراكية واالنفعالية واالجتماعية واحلركية واكسابه اخلربة املعرفية ملواجهة احلياة والتكيف معها‪.‬‬
‫‪-‬الرتبية هي‪ :‬عملية تطبيع مع اجلماعة وتعايش مع الثقافة‪ ،‬وبذلك تكون حياة كاملة وحتت ظروف معينة ويف ظل حكم‬
‫معني ومتشي مع نظام حمدود خضوعا لعقيدة ثابتة فهي عملية تشكيل وصقل اإلنسان‪.‬‬
‫وجند أن الرتبية مبعناها الضيق‪ :‬هي كل ما يتصل بالتعليم واملدرسة‪ ،‬أما مبعناها الواسع‪ :‬فهي مجيع العمليات االجتماعية‬
‫والفردية اليت مير هبا اإلنسان يف مجيع مراحل حياته‪ ،‬من طفولته ونضجه إىل شبابه وهرمه‪.‬‬
‫(عبد الغين حممد إمساعيل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.)41‬‬

‫‪3‬‬
‫‪-‬ورد يف "الصحاح" يف اللغة والعلوم أن الرتبية هي‪" :‬تنمية الوظائف اجلسمية والعقلية واخللقية كي تبلغ كماهلا عن طريق‬

‫التدريب والتثقيف"‪.‬‬

‫‪-‬الرتبية هي عملية هادفة هلا أغراضها وأهدافها وغاياهتا‪ ،‬وهي تقتضي خططا ووسائل تنتقل مع الناشئ من طور إىل طور‬

‫ومن مرحلة إىل مرحلة أخرى‪.‬‬

‫‪-‬أما الرتبية باملعىن الواسع‪ ،‬فهي تتضمن كل عملية تساعد على تشكيل عقل الفرد وخلقه وجسمه باستثناء ما قد يتدخل يف‬

‫هذا التشكيل من عمليات تكوينية أو وراثية‪ .‬وإذا رجعنا إىل مفكري الرتبية عرب العصور‪ ،‬فإننا جند عدة تعريفات للرتبية منها‪:‬‬

‫‪-‬عرفها أفالطون "بأهنا تدريب الفطرة األوىل للطفل على الفضيلة من خالل اكتسابه العادات املناسبة"‪.‬‬

‫‪-‬أما ميلتون (‪ )8262-8211‬فإنه يقول" بأن الرتبية الصحيحة هي اليت تساعد الفرد على تأدية واجباته العامة واخلاصة‬

‫يف السلم واحلرب بصورة مناسبة وماهرة"‪.‬‬

‫‪-‬ويرى هيجل‪" :‬أن اهلدف من الرتبية هو حتقيق العمل وتشجيع روح اجلماعة"‪.‬‬

‫‪ -‬أما بستالوتزي فشبه الرتبية الصحيحة بالشجرة املثمرة‪ ،‬اليت غرست جبانب مياه جارية‪.‬‬

‫‪-‬ويرى جون ديوي أن الرتبية هي‪" :‬عملية مستمرة إلعادة بناء اخلربة‪ ،‬هبدف توسيع وتعميق مضموهنا االجتماعي"‪.‬‬

‫فالرتبية عموما تعترب عملية شاملة‪ ،‬تتناول اإلنسان من مجيع جوانبه النفسية والعقلية والعاطفية والشخصية والسلوكية وطريقة‬

‫تفكريه وأسلوبه يف احلياة‪ ،‬وتعامله مع اآلخرين‪ ،‬كذلك تناوله يف البيت واملدرسة ويف كل مكان يكون فيه‪.‬‬

‫(كمال عبداهلل وعبداهلل قلي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪)15‬‬

‫والرتبية مبعناها الكامل‪ ،‬هي وسيلة االستمرار االجتماعي للحياة‪ ،‬وهي السبيل كذلك لتجديد احلياة مبستوياهتا االجتماعية‬

‫واخللقية‪ ،‬وعن طريقها يكتسب الفرد املهارات واالجتاهات اليت تساعدها على مواكبة متطلبات احلياة‪.‬‬

‫(حممد اهلادي عفيفي‪،8915،‬ص‪)15‬‬

‫‪4‬‬
‫‪-‬وللرتبية مفاهيم فردية‪ ،‬واجتماعية‪ ،‬ومثالية‪.‬‬

‫‪-‬التربية بالمعنى الفردي‪ :‬هي إعداد الفرد حلياته املستقبلية‪ ،‬وبذلك فهي تع ّده ملواجهة الطبيعة‪ ،‬كما تكشف بذلك عن‬

‫مواهب الطفل واستعداداته الفطرية‪ ،‬وتعمل على تنميتها وتفتحها وتغذيتها‪.‬‬

‫‪-‬أما بالمعنى االجتماعي‪ :‬فهي تعلم الفرد كيف يتعامل مع جمتمعه وتعلمه خربات جمتمعه السابقة‪ ،‬واحلفاظ على تراثه ألن‬

‫الرتاث هو أساس بقاء اجملتمعات‪ ،‬فاجملتمع الذي ال حيرص على بقاء تراثه مصريه الزوال‪ ،‬وبذلك فالرتبية باملعىن االجتماعي‬

‫حترص على متكني اجملتمع من التقدم وتدفعه حنو التطور واالزدهار‪.‬‬

‫‪-‬وبالمعنى المثالي‪ :‬فهي تعين احلفاظ على املثل العليا للمجتمع‪ ،‬األخالقية واالقتصادية واإلنسانية النابعة من تاريخ األمة‬

‫ومن حضارهتا وثقافتها ومن خرباهتا املاضية ومن دينها‪ ،‬وعن طريق تعاملها وعالقتها باألمم األخرى‪ ،‬وعالقات األفراد فيها‬

‫وغريها‪.‬‬

‫عموما فالرتبية ما هي إال وسيلة للتقدم البشري يف كل مكان وللعملية الرتبوية ثالثة أطراف هي‪ :‬املريب واملرتيب والوسط‬

‫الذي تتم فيه العملية الرتبوي‪ ،‬وهي عملية هادفة ال عشوائية‪ ،‬أي أهنا عملية منو اجتماعي وإنساين ال تقوم على التلقني‪،‬‬

‫وإمنا هي مبنية على التفاعل بني طرائقها اخلاصة للوصول إىل عقل املرتيب ولتوجيهه وتربيته‪.‬‬

‫أما الرتبية مبفهومها احلديث فتنظر إىل الطفل كنقطة انطالق يف عملية الرتبية اليت ترتبط باحلياة سواء يف بنائها كعملية تربوية‬

‫أو يف نتائجها املعرفية والسلوكية‪ ،‬فالطفل هو مركز العملية الرتبوية وتنميته هي هدفها‪،‬‬

‫(عبدالغين حممد إمساعيل العمراين‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪)41‬‬

‫الرتبية هي عملية تكيف ما بني الفرد وبيئته االجتماعية والطبيعي ة‪ ،‬باعتبار أن اإلنسان مثل غريه من الكائنات احلية‪ ،‬يسعى‬
‫دوما إىل احملافظة على بقائه‪ ،‬والبحث على الوسيلة اليت تساعده على تعديل سلوكه‪ ،‬وتنمية قدراته‪ ،‬وتكوين عادات‬
‫ومهارات تفيده يف حياته‪ ،‬فالوظيفة األساسية للرتبية هنا أن اإلنسان يصبح قادرا بواسطتها على مالئمة حاجاته مع الظروف‬
‫احمليطة به‪ ،‬وكذا إمكانية تسخريها مبا يستجيب لدوافع ه ومتطلباته ليحقق له النمو املتوازن‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫كما أن الرتبية هي عملية نمو‪ ،‬أي‪ ،‬أهنا تكفل للطفل منوا منسجما يف جوانب خمتلفة من شخصيته اجلسمية والعقلية‬
‫والنفسية واالجتماعية‪ ،‬من خالل ما توفره األس رة‪ ،‬واملؤسسات الرتبوية‪ ،‬من إمكانيات مادية ومعنوية من شأهنا أن تضمن له‬
‫االرتقاء النفسي واالجتماعي الضروريني‪.‬‬
‫و خالصة‪ ،‬أن الرتبية عملية اجتماعية و خلقية‪ ،‬يضطلع هبا اجملتمع من أجل بناء شخصيات أفراده على حنو‪ ،‬ميكنهم من‬
‫مواصلة حياة اجلماعة‪ ،‬وتطويرها عند اللزوم‪ ،‬فهي عملية واعية موجهة إلحداث التغيري يف سلوك األفراد و اجلماعات‪ ،‬وهبذا‬
‫تصبح الرتبية أداة اجتماعية و جتديدا حضاريا‪ .‬ذلك أن املعىن األصلي للفظ الرتبية‪ ،‬هو عملية ختريج إمكانات األفراد يف‬
‫إطارهم االجتماعي والثقايف‪ ،‬وتكوين اجتاهاهتم‪ ،‬وتوجيه منوهم‪ ،‬و إمناء وعيهم بالغايات اليت يسعى إليها جمتمعهم‪.‬‬
‫(حممد بريقو وآخرون‪ ،‬ب ت‪ ،‬ص‪)85‬‬
‫‪ -3‬أهم الخصائص المميزة لمفهوم التربية‬
‫أ‪ -‬أنها عملية تكاملية‪ :‬أي أهنا ال تقتصر على جانب واحد من جوانب شخصية الفرد‪ ،‬بل تتناول مجيع جوانبه اجلسمية‬
‫و العقلية و النفسية و اخللقية‪ ،‬و أيضا فهي تربية لضمريه و تسخري لعواطفه يف جمال اخلري و االبتعاد عن أعمال الشر‬
‫و االحنراف‪.‬‬
‫ب‪ -‬أنها عملية فردية اجتماعية‪ :‬فهي ال تقتصر على تنمية الفرد وحده‪ ،‬بل تتعداه إىل اجملتمع ككل‪ .‬فهي تنمي أفراد‬
‫اجملتمع و جتعل منهم مواطنني صاحلني يعملون لرقي اجملتمع الذي ينتمون إليه‪ .‬وبالتايل فهي عملية تطبيع اجتماعي‪ ،‬يكتسب‬
‫الفرد من خالهلا صفته إلنسانية‪ ،‬عن طريق التنشئة االجتماعية و التفاعل و التطبيع االجتماعي‪( .‬نفس املرجع‪،‬ص‪)82‬‬
‫ج‪ -‬أنها تختلف باختالف الزمان و المكان‪ :‬الرتبية عملية دائمة متغرية و متطورة‪ ،‬وما دام الذي يقوم هبا هو العنصر‬
‫البشري الذي يتصف بالتغيري حسب الظروف واملواقف‪ ،‬فهي دائما ختتلف من عصر لعصر‪ ،‬ومن جمتمع جملتمع‪ ،‬بل إهنا‬
‫ختتلف يف داخل اجملتمع الواحد‪ ،‬من مكان ملكان و من مرحلة زمنية إىل مرحلة أخرى‪ ،‬ولذلك فإن من صفاهتا إحداث‬
‫التغري‪ ،‬كما أن من صفات التغري تطوير الرتبية‪.‬‬
‫د‪ -‬أنها عملية إنسانية ‪ :‬فهي ختتص باإلنسان‪ ،‬واإلنسان مهنته الرتبية‪ ،‬فهي ختص اإلنسان ألنه هو املريب‪ ،‬وهي تنظر إليه‬
‫وْحلناهم يف‬ ‫على أنه خليفة اهلل يف األرض‪ ،‬والذي فضله وكرمه على سائر خملوقاته؛ ويف قوله تعاىل‪ " :‬ولقد كرمنا بين آدم‬
‫الرب والبحر ورزقناهم من الطيبات‪ ،‬و فضلناهم على كثري ممن خلقنا تفضيال "‪ .‬وهي أيضا هتيئه لإلميان باهلل ومالئكته و‬

‫‪6‬‬
‫كتبه و رسله واالمتثال ألوامر خالقه و اجتناب نواهيه‪ ،‬وأن يعمل دائما مع أخيه اإلنسان كأسنان املشط ال فرق بني أسود‬
‫وأبيض‪ ،‬وال فضل ألبيض على أسود إال بالتقوى‪.‬‬
‫ه‪ -‬أنها عملية مستمرة ‪ :‬الرتبية تستمر باستمرار حياة اإلنسان‪ ،‬فهو يطورها و يتطور هبا و يتفاعل معها حبسب‬
‫مستجدات و متطلبات احلياة نفسها‪ " .‬أطلبوا العلم من املهد إىل اللحد "‪ ،‬حديث شريف‪ (.‬نفس املرجع‪)86،‬‬
‫‪ -‬أهميـة التـربيـة‪:‬‬

‫‪-1‬التربية وسيلة اتصال وتنمية لألفراد‪ :‬إن بقاء اجملتمع ال يعتمد فقط علي نقل منط احلياة عن طريق اتصال الكبار‬

‫بالصغار أيا كان نوع هذا االتصال ولكن بقاء اجملتمع يتم باالتصال الذي يؤكد املشاركة يف املفاهيم والتشابه يف املشاعر‬

‫للحصول علي االستجابات املتوقعة من أفراد اجملتمع يف املواقف‪.‬‬

‫‪-2‬التربية ت عمل علي استمرار ثقافة المجتمع وتجديدها ونقل التراث الثقافي‪ :‬وهبذا املعىن حتتل الرتبية مكاهنا البارز يف‬

‫ثقافة اجملتمع فهي السبيل مهما كانت صورهتا ومنظماهتا إيل تشكيل األفراد وحتقيق االستمرار بني األجيال املختلفة ويف حياة‬

‫اجملتمع بصفة عامة فالبد لكل جيل أن ي درك إيل أين وصل أسالفه حىت يبدأ سريه من حيث قطعت عليهم آجاهلم املسري‬

‫تنتقل وتستمر عن طريق التفاعل والتنشئة والرتبية‪.‬‬

‫‪-3‬تكون االتجاهات السلوكية‪ :‬هذا وهناك وظائف اجتماعية أخرى كثرية للرتبية تتحقق م ن خ الل عم ل البيئ ة االجتماعي ة‬

‫ذلك أن الطريقة الوحيدة اليت يسيطر هبا الكبار على تربية الصغار إمنا حتدث بالس يطرة عل ي البيئ ة ال يت يعمل ون فيه ا ويفك رون‬

‫و يش عرون‪ ،‬إن األث ر الرتب وي للبيئ ة االجتماعي ة ي نعكس يف تك ون شخص ية الف رد واجتاهات ه العقلي ة العاطفي ة ويف حتدي د أمناط ه‬

‫السلوكية‪.‬‬

‫‪-4‬تك ون البيئ ة عملي ة تعل م ألمن ا س لوكية موج ودة يف البيئ ة لوج ود مثرياهت ا كم ا أن األمن ا ختتل ف م ن بيئ ة ألخ رى تبع ا‬

‫الختالف املثريات واختالف االستجابات املرتتبة عليها‪( .‬طارق عبدالرؤوف عامر‪،4111،‬ص‪)28‬‬

‫‪7‬‬
‫‪-5‬تحقيق النمو الشامل واكتساب الخبرة‪ :‬هتيئ الرتبية الوسائل املختلفة لتحقيق إمكانيات النمو للطفل عقليا واجتماعيا‬

‫وجسما نيا والبيئة هي الوسط الرتبوي لذلك فالطفل يعتمد علي الكبار يف إكسابه اخلربة الالزمة لتكيفه وتفاعله مع اآلخرين‬

‫وتكتسب هذه اخلربة بتكوين العادات اإلجيابية اليت يسيطر هبا الطفل علي بيئته ويستخدمها يف حتقيق أهدافه‪.‬‬

‫‪-6‬اكتساب اللغة‪ :‬يتضح أثر البيئة يف تعليم اللغة وحتصيل املعرفة فالطفل يتعلم اللغة وأساليب الكالم ممن خيتلط هبم يف‬

‫مراحل منوه األوىل وتكون اللغة واملعرفة عندئذ يف أبسط صورمها فالطفل عند مساعه للصوت فإنه غالبا ما يسمعه مصاحبا أو‬

‫مرتبطا بشيء حمسوس‪.‬‬

‫‪-7‬التربية تعمل علي تحقيق الديموقراطية‪ :‬وللرتبية يف عاملنا املعاصر املكانة األوىل يف حتقيق آمال الشعوب يف حياة‬

‫تستند إيل احلرية والعدالة وحكم القانون‪ ،‬فهذه املفاهيم وما يرتبط هبا من ممارسات ال تولد مع األفراد وإمنا يكتسبوهنا‬

‫بالتعليم واملمارسة و التطبيق‪ ،‬وهلذا طا لب أصحاب الرتبية احملدثون بأن تكون املدرسة مكانا يتهيأ فيه الناشئون ألساليب‬

‫احلياة الدميوقراطية‪ ،‬فيفهمون مبادئ هذه احلياة وميارسوهنا يف خربات تربوية منظمة‪ ،‬فالدميوقراطية تستمر من تلقاء نفسها وال‬

‫تستقيم بإطالق حرية األفراد وإمنا هي قيم وعالقات وأساليب تفكري وقواعد وضوابط جيمع الفرد مبقتضاها بني حريته‬

‫ومسئوليته وبني حقه يف النمو وواجبة حنو اجلماعة‪ ،‬وبني التفكري وكل هذا يتطلب نوعا من الرتبية ميكنه من ممارسة احلرية‬

‫علي أساس من العلم ويتيح الفرصة أمام كل الناس مع الكشف عن االمتياز والتفوق بينهم وهكذا ‪( .‬نفس املرجع‪)24،‬‬

‫‪-8‬التربيــة تعمــل علــي تــوويق الفــوارق بــين الطبقــات‪ :‬ذل ك ألن انتش ار املعرف ة وذي وع العل م ينح و إيل إض عاف املي زات‬

‫الص ناعية ال يت تف رق ب ني الن اس وي دعو إيل حس ن التف اهم والتع اون ب ني ه ذه الطبق ات وب ذلك تك ون الرتبي ة ه ي الدعام ة‬

‫األساسية يف حتقيق أي حت ول اجتم اعي يه دف إيل إذاب ة الف وارق ب ني الطبق ات وجع ل االمتي از يف امله ارة والعم ل ال الث روة أو‬

‫النسب أو األصل هو أساس احلكم علي األفراد ‪.‬ومن هنا ارتبطت الرتبي ة يف عاملن ا املعاص ر بالفلس فات االجتماعي ة حي ث أن‬

‫‪8‬‬
‫أية فلسفة ال ميكن أن تتحقق بالقانون وحده أو بإجراءات وتنظيمات إدارية دون أن تستند إيل فكرة وسلوك يع رب عن ه األف راد‬

‫يف تفاعالهتم وعالقاهتم ويف داخل أنظمتهم ودوائر نشاطهم ‪.‬‬

‫‪-90‬اكتس ــاب الق ــيم الخلقي ــة والجمالي ــة و ت ــووقها‪ :‬لق د عرفن ا أن للبيئ ة تأثريه ا الالش عوري يف اكتس اب ع ادات اللغ ة‬

‫وأساليب الك الم م ن خ الل نش ا الص غار وتف اعلهم م ع الكب ار‪ ،‬كم ا أن ه ذا التفاع ل ي رتك أث اره العميق ة يف اكتس اهبم الق يم‬

‫واالجتاهات والعادات اخللقية‪.‬‬

‫‪-19‬تحقق التطور وتشكل المستقبل‪ :‬تعترب الرتبية دائما عامال من عوامل التطور دافعا إىل التبديل و التقدمي‪ ،‬والرتبية هي‬
‫تشكل الفرد والثقافة وتقوم بدورها يف اجملاالت السياسة واالقتصادية واالجتماعية ترتبط باملستقبل وتؤثر فيه بل ميكن القول‬
‫أهنا صانعة املستقبل‪( .‬نفس املرجع‪،‬ص‪)23‬‬
‫‪-4‬األهداف التربوية‬

‫‪-‬فوائد األهداف التربوية‪ :‬إن حتديد األهداف الرتبوية يعد نقطة االرتكاز واملنطلق األساس يف العمل الرتبوي‪.‬‬

‫‪-1‬أهنا تؤدي على تنسيق اجلهود بني مؤسسات اجملتمع اليت تسهم يف بناء االنسان‪.‬‬

‫‪-2‬أهنا تشكل األساس واملنطلق يف العملية الرتبوية كلها‪ :‬إذ هي تعين حشد الطاقات واإلمكانات للوصول هلذه األهداف‪.‬‬

‫‪-3‬أهنا متكن من اختيار املادة والطريقة املناسبة هلا والوسيلة املعينة وما يرتتب عليها من أنشطة وخربات تعليمية‪.‬‬

‫‪-4‬إهنا تسهم يف اختيار املربني وتتحكم يف ذلك‪ ،‬فاملريب الناجح هو الذي يستطيع حتقيق هذه األهداف وحتويلها اىل واقع‬

‫ملموس‪.‬‬

‫‪-5‬أهنا تسهم يف حتديد الربامج والوسائل الرتبوية‪ ،‬فهي إمنا تقام لتحقيق هذه األهداف‪.‬‬

‫‪-6‬أن األهداف تزود التلميذ بتغذية راجعة لتقدمه الشخصي يف عملية التعلم‪.‬‬

‫‪-7‬أن األهداف تساعد على تقييم مقدرة التلميذ على أداء عمل أو سلوك مرغوب نتيجة لعملية التعلم‪ ،‬حيث أن‬

‫‪9‬‬
‫االختبارات املتنوعة تعد حمطات رئيسية على طريق التعلم ومن املفروض أن تعطى تغذية راجعة لكل من املعلم والتلميذ حول‬

‫جناحهم يف حتقيق األهداف للمادة املعطاة‪.‬‬

‫‪-8‬أهنا تسهم يف استثمار األمثل ألوقات العاملني وجهودهم‪ ،‬فعدم ووضوح األهداف يؤدي اىل ضياع أوقات وجهود كثرية‪.‬‬

‫‪-19‬أهنا متثل األساس واملنطلق يف تقومي العمل الرتبوي‪ ،‬فالتقومي يتم بناءا على مستوى ما حتقق من األهداف‪.‬‬

‫(عبد الغين حممد إمساعيل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪)46‬‬

‫‪-5‬لمحة تاريخية عن تطور حركة األهداف التربوية‪:‬‬

‫‪ -‬إن األهداف الرتبوية كانت دائما موجودة عرب العصور‪ ،‬الرتباطها بالعمل الرتبوي ولو يف أبسط صوره البدائية كتنشئة اآلباء‬

‫لألبناء من أجل إعدادهم للحياة وما تطلبه من خصائص مهارية يف شىت جماالت البيئة ومعطياهتا يف كل زمن‪ .‬ولعل نظرة‬

‫بسيطة لتطور النظريات الرتبوية والفكر الرتبوي عموما كافية ملالحظة تطور وتنوع أهداف الرتبية‪ ،‬فنظرة الفالسفة اليونان مثال‬

‫ملالمح شخصية الرجل املراد تكوينه‪ ،‬حماربا كان‪ ،‬أو فيلسوفا حكيما‪ ،‬وهدف الرتبية املسيحية لتكوين الراهب املتعبد‪ ،‬وغريها‬

‫من األفكار الرتبوية‪ .‬كل ذلك َل يكن وليد زمن حمدد بل ميتد امتداد تاريخ اإلنسان‪ .‬غري أن الدراسة العلمية لألهداف‪،‬‬

‫ظهرت يف وقت متأخر نسبيا‪ .‬وخضعت لتطور كان نتيجة تراكم دراسات وحماوالت عديدة‪ ،‬قام هبا علماء كثريون‪.‬‬

‫(كمال عبداهلل وعبداهلل قلي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪)19‬‬

‫لقد متيزت األهداف الرتبوية بصفة عامة قبل احلرب العاملية األوىل بالعمومية والتجريد‪ ،‬إىل أن ظهرت االجتاهات األوىل يف‬

‫التفكري ملا جيري داخل القسم مع أعمال (بوبيت) سنة ‪ ، 8981‬الذي اهتم بوضع منهج أكثر توافقا مع الوقت وكيفية‬

‫استخدام الطرق اجلديدة‪ ،‬وهو يقول خبصوص األهداف‪:‬‬

‫" طاملا أن األهداف ال خترج أن تكون ختمينات غامضة‪ ،‬فيجب أن نتوقع أن تكون الطرق والوسائل غامضة أيضا‪ ،‬ولكن‬

‫عصر الرضا الكامل بالعمليات غري احملددة مير بسرعة وعصر العلم يطلب الدقة و التحديد"‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫وكان اهلدف عنده هو رسم منهج مدرسي‪ ،‬مث رأى أنه من الضروري حتديد األهداف لكل منهج حتديدا أدائيا واضحا‪.‬‬

‫وتعترب أعمال (رالف تايلور)(‪ )8949‬أول خطوة هامة يف حركة األهداف الرتبوية و تصنيفها‪ ،‬فقد وضحها يف عبارات‬

‫سلوكية‪ .‬وتأثر الكثري من املفكرين هبذه األفكار الرتبوية‪ ،‬واعتربوا األهداف أساسا لكل منهج مدرسي أثناء بنائه والتخطيط‬

‫لتنفيذه‪ .‬وهذا يعين أنه أثناء التخطيط للتدريس ينبغي حتديد األهداف أوال‪ ،‬مث وضع املادة التعليمية‪ ،‬فوضع اخلطة‪ ،‬فتحديد‬

‫الوسائل‪ ،‬فالتنفيذ‪ ،‬مث التقومي‪ .‬ولعل أهم دراسة‪ ،‬اختذت شكال متميزا يف تاريخ حركة األهداف الرتبوية‪ ،‬وكان هلا أثرها‬

‫الواضح يف حتديد املسار العلمي املوضوعي لألهداف الرتبوية‪ ،‬وتصنيفها‪ ،‬وحماولة التحكم فيها علميا‪ ،‬هي ما قام به بلوم‬

‫وزمالؤه من دراسات يف هذا اجملال‪ ،‬وما توصلوا إليه من نتائج‪ .‬ذلك أهنم حاوال ربط األهداف الرتبوية مبكونات الفرد‬

‫البشري مثلما صنف سابقوهم سلوك البشر يف ثالثة جماالت أساسية‪ :‬الفكر‪ ،‬االنفعال‪ ،‬العمل‪ .‬وهي أهم الوظائف اليت‬

‫يقوم هبا الكائن البشري‪ ،‬واليت يتوجه الفعل التعليمي إىل إمنائها‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪)81‬‬

‫وتلتها أعمال ودراسات أخرى عديدة‪ ،‬هتدف إىل ختصيص األهداف وإجراءاهتا كالنتائج اليت توصل إليها (ماجر)‬

‫(‪ ، )8924‬واليت تؤكد ضرورة توفر ثالثة عناصر أساسية يف اهلدف الرتبوي جيد الصياغة‪ ،‬وهي‪ :‬حتديد السلوك املرغوب‬

‫حتديد الشرو اليت يتحقق هبا اهلدف‪ ،‬حتديد املعايري ومستوى األداء املقبول‪ ،‬على أن يكون هذا السلوك مبثابة الدليل على‬

‫التغري الذي حدث يف شخصية املتعلم نتيجة تعلم ما‪( .‬نفس املرجع ‪،‬ص‪)81‬‬

‫من خالل هذا العرض التارخيي لتطور حركة األهداف‪ ،‬يستنتج بأن األهداف الرتبوية تعكس فلسفة اجملتمع وقيمه وثقافته‬

‫وعاداته وتقاليده واجتاهاته يف كل جماالت احلياة‪ ،‬فبعد ما كانت تتميز بالعمومية والتجريد الفلسفي صارت تتميز باخلصوصية‬

‫والدقة نتيجة تطور الدراسات النفسية والرتبوية اليت هتتم مبالحظة السلوك وقياسه قياسا علميا‪،‬كما أن هناك من يستعمل‬

‫عبارة األهداف العامة للتعبري عن الغايات‪ ،‬ومن يستعمل األهداف اخلاصة ليدل هبا على األهداف اإلجرائية‪.‬‬

‫إن حتليل األهداف الرتبوية مير عرب مستويات خمتلفة تتدرج من العام إىل اخلاص‪ ،‬ومن اجملرد إىل احملسوس‪ ،‬ومن التخمينات‬

‫‪11‬‬
‫العقلية إىل الفعل السلوكي الذي يتجلى لدى املتعلم‪.‬‬

‫‪-6‬مستويات األهداف التربوية‪:‬‬

‫‪-1-6‬الغايات‪ :‬هي عبارات فلسفية عامة وواسعة‪ ،‬طموحة‪ ،‬تتسم بالتجريد واملثالية والتعقيد‪ ،‬بعيدة املدى غري حمددة من‬

‫حيث مدة تطبيقها‪ ،‬إهنا متثل املستوى النظري الذي يضبط التوجهات الكربى للنظام الرتبوي اعتمادا على فلسفة وقيم جمتمع‬

‫ما‪.‬‬

‫يعرفها مادي حلسن‪" :‬عبارة عن صيغ يطبعها التجريد والعمومية تعرب عن املقاصد العامة والبعيدة املدى اليت تريد الرتبية أن‬

‫حتققها" (عبد الغين حممد امساعيل العمراين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪)45‬‬

‫إهنا نواتج مستقبلية متعلقة بالفرد واجملتمع‪ ،‬ترغب يف حتقيقها سلطة سياسية قائمة‪ ،‬يف ضوء مقومات فلسفية‪ ،‬دينية‪،‬أخالقية‬

‫جملتمع ما‪ ،‬وعليه فهي ختتلف من جمتمع آلخر باختالف األنظمة السياسية والرتبوية السائدة‪ ،‬ومتثل بذلك اجملال الذي يتم‬

‫فيه العمل الرتبوي مراعيا طبيعة الفرد واجملتمع الذي يطمح إليهما‪ .‬وتزود املربني باملرجعية واملسار القيمي وهذا ما جاءت به‬

‫أمرية ‪ 82‬أفريل ‪ 8962‬اليت ترسم األبعاد املعربة عن خصائص املواطن اجلزائري‪.‬‬

‫‪-4-2‬المرامي‪-‬المقاصد‪ :‬وهي أقل عمومية وجتريدا وأكثر وضوحا وحتديدا من الغايات‪ ،‬لكنها ال ختلو من العمومية‬

‫والتجريد‪ ،‬وترتبط بالنظام الرتبوي والتعليمي‪ .‬وتظهر على مستوى التسيري الرتبوي‪ ،‬وهي تعرب عن نوايا املؤسسة الرتبوية‬

‫ونظامها التعليمي‪ ،‬وتتجلى يف أهداف الربامج واملواد التعليمية وأسالك التعليم‪ .‬وتعترب املرامي وسيلة لتحقيق الغايات‪ ،‬كما‬

‫أهنا أكثر تعرضا لإلصالح والتغيري‪ .‬وأهنا تلك النوايا اليت تعلن آلفاق أقصر أمد من الغايات وتبقى نوعية‪ ،‬وبذلك فاملرامي‬

‫أقل أمد من الغايات‪ ،‬وأهنا عبارات جمزأة وحتليلية للغايات‪ ،‬وترتبط املرامي بالقرارات واملناشري السياسية والرتبوي‪.‬‬

‫‪-3-2‬األهداف العامة‪ :‬إذا كانت الغايات هي ما يريد اجملتمع حتقيقها يف أبنائه‪ ،‬فإن ذلك ال يتم إال بعد املرور بأهداف‬

‫صغرية تتحقق عرب حلقات تفضي السابقة منها إىل الالحقة‪ .‬فتحقيق أهداف حصص مادة ما يفضي إىل حتقيق األهداف‬

‫‪12‬‬
‫العامة لتلك املادة‪ ،‬وحتقيق مرامي مواد التعليم يفضي إىل حتقيق الغايات اليت ضبطها اجملتمع لتكوين الناشئة على أساسها‪.‬‬

‫إن اهلدف العام هو صياغة وتعيني املعطيات العامة للتعلم اليت ميكن توقعها من تعليم وحدة تعليمية أو مقرر‪ .‬و األهداف‬

‫العامة متثل قائمة من املعطيات للعمل هبا‪ ،‬وليست قائمة من ألوان السلوك حيققها كل املتعلمني‪ ،‬وكل هدف تعليمي عام‬

‫يتطلب حتديدا دقيقا لعينة من السلوك اليت تتطلب بدورها حتديدا أكثر دقة‪ ،‬متثل إجناز أمنا سلوكية معينة من طرف املتعلم‪.‬‬

‫(كمال عبداهلل وعبداهلل قلي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪)83‬‬

‫و الهدف العام هو عبارة على درجة متوسطة من حيث التعميم والتحديد و الدقة‪ ،‬وهو ميثل األداء النهائي املتوقع صدوره‬

‫عن املتعلم بعد تدريس مادة دراسية أو منهج دراسي معني‪ ،‬ويكون مرتبطا بوحدة دراسية أو نشا حمدد‪ ،‬وهو ميثل مجلة من‬

‫القدرات واملهارات العامة اليت يكتسبها التلميذ بعد انتهائه من منهج أو برنامج معني‪ .‬ويعلن عن األهداف العامة عند بداية‬

‫وضع الربامج واملقررات الدراسية‪ ،‬وهكذا ميكن االطالع عليها يف مقدمة الكتب اليت تقررها وزارة الرتبية الوطنية‪" .‬فهي‬

‫تبحث يف أنشطة التعليم والتعلم‪ ،‬مستعينة باجلرد واالصطفاء والتبويب‪ ،‬الستخالص طائفة من القدرات واملهارات واملواقف‬

‫وأنواع السلوك‪ .‬مث تتناوهلا بالتوضيح والتحديد‪ ،‬وجيعلها أهداف تسعى الرتبية إىل إثارهتا وتنميتها لدى التالميذ"‪ .‬يستنتج من‬

‫هذا التعريف أن األهداف العامة تصف جماالت سلوك شخصية املتعلم‪ :‬العقلية‪ ،‬الوجدانية‪ ،‬احلس حركية‪ ،‬وتتجلى يف‬

‫القدرات واملهارات والتغريات‪ ،‬اليت يراد إحداثها لدى املتعلم‪ .‬ويتوجه عمل املدرس بكل وعي إىل تنمية هذه اجلوانب خالل‬

‫فرتة تعليمية معينة أو خالل سنة دراسية أو فصل‪( .‬نفس املرجع ‪،‬ص‪)83‬‬

‫‪-4-6‬األهداف الخاصة (األهداف السلوكية)‪ :‬وهي ترمجة األهداف العامة إىل أهداف للدروس‪ ،‬وهي متثل جمال التنفيذ‬

‫على املدى القصري والعاجل وعلى مستوى حصة دراسية معينة يف مادة ما‪ ،‬حيث يتحصل فيها املتعلم على قدرة أو مهارة‬

‫ما‪ ،‬عند االنتهاء من تعلم معني‪ ،‬ويتضمن اهلدف اخلاص جمموعة من األهداف اإلجرائية اليت تتحدد بشرو ومعايري معينة‬

‫يف املوقف التعليمي‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫وعرف اهلدف السلوكي بأنه‪ :‬تلك الصياغة اليت تعرب بدقة ووضوح عن التغري املرجو احداثه لدى التلميذ من خالل مروره‬

‫خبربة تعليمية معينة"‪ ،‬وهو أيضا "عبارة مصاغة بشكل دقيق وواضح لتصف التغري املتوقع حدوثه يف سلوك املتعلم بعد مروره‬

‫خبربة تعليمية جديدة مع إمكانية مالحظته وقياسه"‪( .‬عبد الغين حممد إمساعيل العمراين‪ ،‬مرجع سابق ‪،‬ص‪)41‬‬

‫‪-‬أسباب الفشل في تحقيق األهداف التربوية‪:‬‬

‫هناك عدة أسباب تعيق األهداف الرتبوية‪ ،‬منها ما هو ذايت ومنها ما هو موضوعي‪ .‬إن فشل الطالب يف حتصيل مستوى‬

‫معني من املعارف بعد فرتة تعليمية معينة قد يعود إىل جمموعة من األسباب نذكر منها ما يلي‪:‬‬

‫*أسباب تتعلق بالطالب نفسه‪ ،‬وهذه تكون على ثالثة أشكال‪:‬‬

‫‪-‬حمدودية إمكانياته الذهنية‪.‬‬

‫‪-‬مشاكل صحية ونفسية‪.‬‬

‫‪-‬ضعف اجملهود املبذول‪.‬‬

‫*أسباب تتعلق باملعلم‪ ،‬وهي أيضا تكون على ثالثة أشكال هي‪:‬‬

‫‪-‬حمدودية اإلمكانيات الذهنية اليت تسمح مبساعدة الطالب على حتقيق األهداف املسطرة‪.‬‬

‫‪-‬مشاكل صحية ونفسية‪.‬‬

‫‪-‬ضعف اجملهود املبذول يف إعداد وتقدمي دروسه‪.‬‬

‫*أسباب تتعلق بالتفاعل بني املعلم والتلميذ‪ ،‬إن سوء التفاعل بني خصائص املعلم وتالمذته قد يؤدي إىل سوء التوافق الذي‬

‫ينعكس سلبا على حتصيل التالميذ‪.‬‬

‫*أسباب تتعلق بالطرق والوسائل املستعملة يف حتقيق هذه األهداف‪.‬‬

‫*أسباب تتعلق باألهداف نفسها كأن تكون صعبة جدا فوق مستوى التالميذ أو غامضة أو غري واقعية‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫*أسباب تتعلق بتنظيم وتسيري املؤسسات التعليمية‪( .‬نفس املرجع ‪)35 ،‬‬

‫ج‪-‬تعريف بعض المصطلحات المرتبطة بالتربية‪:‬‬


‫‪ -1‬التعلم‪ :‬التعلم جمهود شخصي ونشا ذايت يصدر من املتعلم نفسه‪ ،‬وقد يكون كذلك مبعونة من املعلم وإرشاده ويعرف‬
‫التعلم على أنه تغري يف السلوك ثابت سببيا وناتج عن التدريس‪ ،‬والتعلم بكون تعلما حقيقيا حينما ال يكون ناجتا بفعل أو‬
‫تأثري عوامل مثل النمو والنضج‪ ،‬وال يالحظ التعلم مباشرة ولكن يستدل عليه من األداء الذي يصدر عن الفرد‪.‬‬
‫‪ -‬التعلم‪:‬تعريف (ودورث)‪" :‬التعلم نشا يصدر عن الفرد ويؤدي إىل تعديل يف سلوكه ويؤثر يف نشاطه املقبل"‪.‬‬
‫‪-‬تعريف (ما كونل)‪ " :‬والتعلم هو التغري املطرد يف السلوك الذي يرتبط من ناحية باملواقف املتغرية اليت يوجد فيها الفرد‪،‬‬
‫ويرتبط من ناحية أخرى مبحاوالت الفرد املستمرة لالستجابة هلا بنجاح"‪.‬‬
‫‪-‬تعريف (كتيس)‪" :‬التعلم تغري يف األداء‪ ،‬أو تعديل يف السلوك عن طريق اخلربة واملران‪ ،‬وأن هذا التعديل حيدث يف أثناء‬
‫إشباع الدوافع وبلوغ األهداف‪.‬‬
‫‪-‬التعلم عملية عقلية داخلية نستدل على حدوثها عن طريق آثارها أو النتائج املرتتبة عليها‪ ،‬وذلك يف صورة تعديل يطرأ على‬
‫سلوك الفرد سواء من الناحية االنفعالية مثل اكتساب اجتاهات وقيم وعواطف وميول جديدة أو من الناحية العقلية مثله‬
‫اكتساب معلومات ومهارات لالستعانة هبا عند التفكري يف موافق معينة‪ ،‬وذلك يف حماولة الوصول إىل هدف معني أو حل‬
‫بعض املشكالت احملددة‪( .‬عبد اهلل قلي‪ ،‬خناش فضيلة‪،4119،‬ص‪.)849‬‬
‫‪-4‬التعليم‪ :‬هو عملية نقل املعلومات من املعلم إىل املتعلم‪ ،‬ويعين الفن الذي بواسطته يستطيع املعلم حتفيز املتعلم وتشجيعه‬
‫توجيهه توجيها‪ ،‬يكفل فيه تصميم حاجات املتعلم وحتقيق غاياته وأهدافه ومقاصده‪ ،‬والذي يرتتب عليها ْحل املتعلم على‬
‫القناعة والرضا واالستقرار العاطفي‪ ،‬وهذا يعين أن التعليم يعكس عالقات متبادلة بني فرد أو أكثر من ناحية‪ ،‬وبني فرد أو‬
‫جمموعة أفراد من ناحية أخرى‪ ،‬ويكون من شأهنا إحداث تأثري فعال يتغري على إثرها سلوك األفراد الذين يراد التغيري يف‬
‫سلوكاهتم‪.‬‬
‫‪-‬التعليم هو العملية اليت تؤدي إىل متكني املتعلم من احلصول على االستجابات املناسبة واملواقف املالئمة من خالل إثارة‬
‫فاعليته يف املواقف اليت ينظمها املعلم‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫‪ -‬التعليم هو النشا الذي يسهم به كل من املعلم واملتعلم حبيث يقع تعليم املعارف‪ ،‬من قبل املتعلم واستيعاهبا وتعلمها من‬
‫قبل املتعلم‪ ،‬ويتم ذلك بصيغ آلية متوازنة‪ ،‬إال أن نشا املعلم ال يقتصر على إيصال املعارف و املعلومات‪ ،‬بل يتعداه إىل‬
‫تنظيم العمل املستقل للمتعلمني و توجيهه‪ ،‬واإلشراف و التقومي‪ ،‬وتدريب القدرات العقلية واألخالقية واجلمالية واحلسية‪.‬‬
‫‪-‬التعليم هو التفاعل بني املعلم واملتعلمني يف داخل الصف‪( .‬سهلة حمن كاظم الفتالوي‪ ،4113 ،‬ص‪)13‬‬
‫‪ -‬التعليم هو جمهود شخصي ملعرفة شخص آخر على التعلم‪ ،‬وهو عملية واستثارة لقوى املتعلم العقلية‪ ،‬ونشاطها الذايت‬
‫وهتيئه الظروف املناسبة اليت متكن املتعلم من التعلم‪ ،‬كما أن التعليم اجليد يكفل انتقال أثر التدريب والتعلم‪ ،‬وتطبيق املبادئ‬
‫العامة اليت يكتسبها املتعلم على جماالت أخرى ومواقف متشاهبة‪( .‬عاطف الصيفي‪ ،4119 ،‬ص‪)82‬‬
‫‪ -‬التعليم‪ :‬التعليم عملية غرضها األساسي مساعدة الطفل على حتقيق ذاته ومنو شخصيته وتلبية حاجاته النفسية ومطالب‬
‫منوه‪ ،‬ويكون دور املتعلم إجيابيا وفعاال‪ ،‬يف حني يقوم املعلم بدور املوجه واملرشد واملساعد على النمو مبا يوفره من مناخ نفسي‬
‫يساعد على االنطالق والتعبري عن الذات ومواجهة مواقف اإلحبا وحتمل املسؤولية والشعور بالنجاح وتكوين مفهوم ذات‬
‫إجيايب‪.‬‬
‫‪ -3‬التدريس‪ :‬يعترب التدريس نشا متواصال يهدف إىل إثارة التعلم وتسهيل مهمة حتقيقه‪ ،‬ويتضمن سلوك التدريس‬
‫جمموعة األفعال املتواصلة والقرارات اليت مت استغالهلا وتوظيفها بكيفية مقصودة من املدرس الذي يعمل كوسيط يف إطار‬
‫موقف تربوي تعليمي (سهيلة حمسن كاظم الفتالوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.)85‬‬
‫‪ -4‬طرائق التدريس‪ :‬هي اإلجراءات اليت يتبعها املعلم ملساعدة تالميذه على حتقيق األهداف‪ ،‬وقد تكون تلك اإلجراءات‬
‫مناقشات أو توجيه أسئلة أو ختطيط ملشروع أو إثارة مشكلة تدعو التالميذ إىل التساؤل‪ ،‬أو حماولة الكتشاف أو فرض‬
‫فروض‪...‬‬
‫‪-‬هي كيفية تنظيم واستعمال مواد التعلم والتعليم ألجل بلوغ األهداف الرتبوية املعنية‪ ،‬والطريقة حلقة الوصل بني التلميذ‬
‫واملنهج ويتوقف عليها جناح وإخراج املقرر أو املنهج إىل حيز التنفيذ‪.‬‬
‫‪-‬هي كيفية إعداد املواقف التعليمية املناسبة وجعلها غنية باملعلومات واالجتاهات والقيم واملرغوب فيها‪.‬‬
‫(عبد اهلل قلي‪ ،‬فضيلة حناش‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.)94‬‬

‫‪16‬‬
‫‪ -5‬الوسائل التعليمية‪( :‬وسائل اإليضاح‪ ،‬املعينات الرتبوية معينات التدريس‪ ،‬الوسائل املعينة‪ )...‬وآخر هذه التسميات هي‬
‫تقنيات التعليم وتكنولوجيات التدريس)‬
‫وهي (جمموعة املواقف واألجهزة التعليمية واألشخاص الذين مت توظيفهم ضمن إجراءات التدريس بغية تسهيل عملية التعليم‬
‫والتعلم‪ ،‬مما يسهم يف حتقيق األهداف التعليمية املرجوة يف هناية املطاف)‪.‬‬

‫(عبد اهلل قلي‪ ،‬خناش فضيلة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪)882‬‬

‫‪-6‬التعليمي ــة ‪( :‬ديداكتيك)‬

‫التحـديد اللغـوي‪ :‬أ‪ -‬في اللغة الالتينية‪ :‬مصطلح التعليمية ه و حماولة ترمجة كلمة (ديداكتيك) – ‪Didactikos‬‬
‫‪ Didactique‬ذات األصل االغريقي ‪ Didaskein‬وتعين التدريس‪ :‬إذا كانت الديداكتيك عند اليونان تطلق على‬
‫ضرب من الشعر يتناول بالشرح مذاهب فلسفية ومعارف علمية وتقنية وقد تطور مدلول الكلمة ليصبح علما موضوعه‬
‫طرائق التدريس‪ ،‬وهكذا َل تكن الديداكتيك ختتلف كثريا عن العلم الذي يهتم مبشاكل املتعلم أي (البيداغوجيا)‪.‬‬

‫على الرغم من أن األخرية هتتم على اخلصوص باملتعلم‪ ،‬بينما ترتكز األخرى أي (الديداكتيك) على املعارف‪ ،‬ويستعمل‬
‫مصطلح ‪ Didactique‬يف جمال العالج النفسي‪ ،‬وتطلق ‪ Didactogenie‬على االضطرابات النفسية أو النفس –‬
‫جسدية‪ ،‬اليت يثريها املعلم يف املتعلم‪ ،‬كما جند استعمال مصطلح ‪ Didacticiel‬من حيث هو يسم ح للفرد على التعلم‬
‫(بوداود حسني‪ ،4182:‬ص‪)52‬‬ ‫الذايت بفضل احلاسوب‪ ،‬وهو على شكل تعليم م ربمج‪.‬‬
‫وتذهب بعض املعاجم اللغوية عند التعريف بكلمة ‪ Didactique‬على أهنا مرادفة لكلمة بيداغوجيا ومعناها فن التعليم‪،‬‬
‫ومن مرادفاهتا يف الفرنسية أيضا ‪( Educatif‬تربوي)‪ ( culturel -‬ثقايف )‪( Documentaire-‬وثائقي)‪-‬‬
‫مرادفا ل ‪Instrution‬‬ ‫‪( Pédagogique.‬بيداغوجي)‪( Scolaire-‬مدرسي)‪ ،‬كما تعترب ‪Didactique‬‬
‫وتستعمل مبعىن تعليمي‪ ،‬ارشادي‪ ،‬مواعظي من حيث هي صفة ال اسم‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص ‪)51‬‬

‫‪17‬‬
‫وكلمة‪ Didactique‬يف اللغات األوروبية مشتقة من ‪ Didaktikos‬وتعين "فلنتعلم" أي يعلم بعضنا بعض‬
‫واملشتقة من الكلمة اإلغريقية ‪ Didaskein‬ومعناها التعليم‪ ،‬وقد استخدمت هذه الكلمة يف الرتبية كمرادف لفن التعليم‬
‫وقد استخدمها ‪ Comenius‬كومينيوس ألول مرة والذي يعد األب الروحي للبيداغوجيا الكربى ‪Didactica‬‬
‫‪ Magna‬حيث يعرفها بالفن العام للتعليم يف خمتلف املواد التعليمية ويضيف بأهنا ليست فنا للتعليم فقط بل للرتبية أيضا‪.‬‬
‫إن كلمة الديداكتيك حسب كومنيوس تدل على تبليغ وايصال املعارف جلميع الناس‪( .‬حممد الدريج‪ ،4118،‬ص‪)13‬‬
‫ب‪ -‬فـي اللغـة العربيـة ‪:‬‬
‫لغــة‪ :‬كلمة التعليمية يف اللغة مصدر صناعي لكلمة تعليم‪ ،‬وجاءت على صيغة املصدر الذي وزنه(تفعيل) وأصل اشتقاق‬
‫(ابن منظور‪ ،8996،‬ص‪)282‬‬ ‫"تعليم" من "علم"‪ ،‬وجاء يف لسان العرب "علم وفقه وعلم األمر وتعلمه وأتقنه"‪.‬‬
‫ونقول" علمه العلم تعليما‪...‬وعلمه إياه فتعلمه"‬
‫فمادة "علم" من علم‪ ،‬تعلم‪ ،‬تعليما أي وضع عالمة أو امارة لتدل على الشيء لكي ينوب عنه‪.‬‬
‫ويف االستعمال العريب‪ ،‬تواجهنا مخسة مصطلحات‪ ،‬وهي‪ :‬ديداكتيك – تعليمية – تعليميات – علم التدريس – تدريسية ‪.‬‬
‫فمصطلح ديداكتيك هو الكلمة املعربة للكلمة الالتينية ‪ ،Didactique‬وهو مصطلح األكثر استعماال وتأيت يف الدرجة‬
‫الثانيةمن حيث االستعمال كلمة تعليمية‪ ،‬واليت اعتربت ترمجة لكلمة ‪ Didactique‬يف العربية ‪ ،‬وإن كان البعض يرى أن‬
‫هذا االستعمال ينأى عن قواعد اللغة العربية ‪ ،‬ألهنا صفة مثلما نقول ‪ ":‬وسائل تعليمية "‪ ،‬وأن األصح هو مصطلح‬
‫(تعليميات)‪( .‬بوداود حسني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪)59‬‬

‫ويقصد محمد الدريج بالديداكتيك أو علم التدريس‪ ،‬الدراسة العلمية لطرق التدريس وتقنياته وألشكال تنظيم مواقف التعلم‬
‫اليت خيضع هلا التلميذ يف املؤسسة التعليمية‪ ،‬قصد بلوغ األهداف املسطرة مؤسسيا‪ ،‬سواء على املستوى العقلي أو الوجداين‬
‫أو احلسي – احلركي‪ ،‬وحتقيق لديه املعارف و الكفايات والقدرات و االجتاهات و القيم‪ ،‬إن الديداكتيك أو علم التدريس‬
‫جيعل بالتعريف من التدريس م وضوعا له‪ ،‬فينصب اهتمامه على نشا كل من املدرس والتالميذ وتفاعلهم داخل القسم‪،‬‬
‫وعلى خمتلف املواقف اليت تساعد على حصول التعلم‪ ،‬لذا يصري حتليل العملية التعليمية يف طليعة انشغاالته‪ ،‬ويستهدف يف‬
‫جانبه النظري صياغة مناذج ونظريات تطبيقية – معيارية‪ ،‬كما يعين يف جانبه التطبيقي السعي للتوصل إىل حصيلة متنوعة من‬

‫‪18‬‬
‫النتائج اليت تساعد كال من املدرس و املؤطر واملشرف الرتبوي وغريهم ‪...‬على إدراك طبيعة عملهم والتبصر باملشاكل اليت‬
‫تعرتضهم‪ ،‬مما ييسر سبل التغلب عليها ويسهل قيامهم بواجباهتم الرتبوية التعليمية على أحسن وجه‪.‬‬

‫( حممد الدريج‪،4118:‬ص‪)13‬‬

‫‪-7‬مفهوم البيداغوجيا‪:‬ملصطلح البيداغوجيا عدة معاين ودالالت تستخدم يف عدة سياقات و وضعيات‪ ،‬تتكون كلمة‬
‫بيداغوجيا يف األصل اليوناين مكون من كلمتني ‪ PEDA‬وتعين الطفل‪ AGOGE ،‬وتعين القيادة والسياقة‪ ،‬وكذا‬
‫التوجيه‪.‬‬
‫‪-‬ومن التعريفات العامة هلذا املصطلح أهنا فن الرتبية‪.‬‬
‫‪-‬كما تشري إىل الطرق وممارسات التعليم والرتبية‪.‬‬
‫‪-‬العلم الذي يهدف إىل دراسة مذاهب والتقنيات اليت يبىن عليها عمل املربني‪.‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬فلسفة التربية‪:‬‬


‫‪-1-2‬متى بدأت الفلسفة؟‪ :‬كانت قيادة الفكر عند األمة اليونانية منذ القرن العاشر( قبل ميالد املسيح) يف أيدي الشعر‬
‫والشعراء‪ ،‬وكانت السيادة فيه هلذا اخليال الرائع الذي تراه يف الشعر‪ ،‬والذي يستهوي األمة يف مراحل الطفولة‪ ،‬فكانت‬
‫قصائد (هومر)‪ ،‬شاعر يوناين ك بري عاش بني القرنني العاشر واحلادي عشر قبل امليالد‪ ،‬ضاع كثري من شعر وَل يبق منه إال‬
‫االلياذة واألوديسا)‪ ،‬و(هوزيود) شاعر يوناين عاش خالل القرن الثامن قبل امليالد‪ ،‬وصل إلينا من شعره قصيدتان مها‬
‫(األعمال واأليام) و(درع هرقلس)‪ ،‬شائعة ذائعة بني الناس حيفظوهنا وينشروهنا‪ ،‬فلما كان القرن السادس قبل امليالد حدث‬
‫يف األمة اليونانية انقالبا خطري‪ ،‬عظيم األثر يف شىت نواحي احلياة‪ ،‬وكان الطابع الذي رسم به ذلك االنقالب هو حرية الفرد‬
‫وظهور شخصيته‪ ،‬فقد بسط اليونان سلطاهنم على البالد اجملاورة واتسعت أمالكهم اتساعا عظيما‪...‬‬
‫(كامل حممد عويضة‪ ،8995 ،‬ص‪.)21‬‬
‫وظهرت شخصية الفرد يف الشعر كما ظهرت يف السياسة‪ ،‬فقد كان الشعراء من قبل ينظمون القصائد دون أن ينقصوا من‬
‫مشاعرهم املكبوتة يف صدورهم فهذا (هومر) يق ص عليك أقاصيص األبطال وأساطري اآلهلة مستقلة عن نفسه‪ ،‬فكان أثر‬
‫هذا االنقالب أن ظهر عنصر جديد يف الشعر‪ ،‬أضيف إىل تلك املالحم القدمية‪ ،‬هو الشعر الغنائي الذي هو أشد فنون‬

‫‪19‬‬
‫الشعر اتصاالً بالنفس‪ ،‬فتغري موقف الشاعر عما كان عليه من قبل‪ ،‬وأصبحت عواطف الشاعر هي احملور الذي تدور عليه‬
‫القصيدة الغنائية كلها‪.‬‬
‫وَل ينج الدين عند اليونان من هذه الغزوة الفردية‪ ،‬فقلبت بعض أوضاعه القدمية‪ ،‬وأزيح من الطريق كل ما حيول بني‬
‫الشخص وآهلته‪ ،‬فأصبح اتصاله هبا مباشرا ال حيتاج إىل وساطة الوسطاء‪ ،‬انقالب يف االجتماع‪ ،‬وانقالب يف االقتصاد‬
‫وانقالب يف الفن والدين أدى ذلك كله إىل ظهور الشخصية الفردية‪ ،‬وانتقل باإلنسان خطوة فكرية جديدة جزئية‪ ،‬من رواية‬
‫األساطري وقص القصص إىل العلم والتفكري‪ ،‬وَل يعد يطمئن إىل تقديس الكون وعبادة ظواهره‪ ،‬فأخذ يبحث عن عللها‬
‫وأسباهبا لكي يرضى منطقه اجلديد املستقيم‪ ،‬لقد مجع لنفسه طائفة قيمة من املعلومات الصحيحة كانت ينبوعاً تفجرت منه‬
‫الفلسفة يف القرن السادس قبل امليالد‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.)29‬‬
‫واتسعت أمالكهم اتساعاً عظيما‪ ،‬أدى إىل هجرة اليونان أفواجا إىل مستعمراهتم اجلديدة فخالطوا شعوهبم ودرسوا ما هلا من‬
‫أخالق وعادات تباين ما ألفوه يف بالدهم‪ ،‬فوسع ذلك من أفقهم القصصي واقرتن ذلك التوسيع يف االستعمار بانقالب‬
‫سياسي واجتماعي يف بالد اليونان نفسها‪ ،‬إذ بدأت سلطة األشراف تزعزع ومتيل إىل السقو وساعد ذلك نظام جديد‬
‫اصطنعه اليونان يف معاملتهم االقتصادية إىل نظام النقد الذي استبدلوه بنظام املقايضة‪ ،‬وتبادل السلع‪.‬‬
‫(نفس املرجع‪ ،‬ص‪.)21‬‬
‫‪-‬أين بدأت الفلسفة؟‪ :‬مرت الفلسفة عند اليونان يف مراحل ثالث‪ ،‬ما قبل (سقرا ) وفيها نشأت الفلسفة‪ ،‬مث من‬
‫(السوفسطائني) إىل آخر عهد (أرسطو)‪ ،‬وفيها بلغت الفلسفة اليونانية رشدها وأخريا ما بعد (أرسطو) حىت بدء العصور‬
‫الوسطى‪ ،‬وفيها أخذت الفلسفة اليونانية يف التدهور‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.)52‬‬
‫‪-2-2‬تعريف الفلسفة‪:‬‬
‫أ‪-‬إن املعىن االشتقاقي للداللة اللغوية‪-‬لكلمة "الفلسفة" (‪ )Philosophie‬يعود إىل لفظني يونانيني مها فيلو (‪)Philo‬‬
‫وتعين حمبة‪ ،‬صوفيا(‪ )Sophia‬وتعين احلكمة‪ ،‬فيكون املعىن أن الفلسفة هي حمبة احلكمة‪ ،‬ومن بني ما تشري إليه احلكمة يف‬
‫العربية النظر الصحيح والعمل املتقن وصواب األمر وسداده ووضع الشيء يف موضعه‪ ،‬كما يصف القرآن الكرمي احلكمة بأهنا‬
‫ُويت َخْي را َكثِريا وما ي َّذ َّكر إَِّال أُولُو ْاألَلْب ِ‬
‫اب))‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫احلِكْمةَ من ي َشاء ومن ي ْؤت ِْ‬
‫"خري"‪ ،‬فيقول تعاىل‪(( :‬يُ ْؤِيت ْ َ َ ْ َ ُ َ َ ْ ُ َ‬
‫َ‬ ‫ْمةَ فَ َق ْد أ َ ً ً َ َ َ ُ‬ ‫احلك َ‬
‫( البقرة‪.)421،‬‬

‫‪21‬‬
‫‪-‬وقد زعم (هريقليدس) وأيده (شيشرون) أن أول من استعملها أي لفظة الفلسفة الفيسلوف اليوناين (فيتاغورس)‬
‫(‪ 296-564( )Phythagoras‬ق‪.‬م) الذي وصف نفسه بالفيلسوف الذي كان يقصد من وراء ذلك أنه جمرد حمب‬
‫احلكمة وليس من وصلوا إليها وإمتلكوا ناصيتها (أي ليس حكيما)‪.‬‬
‫ب‪-‬الداللة االصطالحية‪:‬‬
‫أ‪ /‬عند اليونان‪ :‬يذهب (سقرا ) (‪399-261‬ق‪.‬م) إىل رفض اعتبار الفلسفة حبثا يف طبيعة الكون وعناصره ومكوناته‬
‫وإمنا الفلسفة هو حبث يف اإلنسان ودراسته ملشاكله وقضاياه وحياته ودراسة األخالق والسياسة‪ ،‬فالفلسفة يف نظره هي‬
‫حماولة لتبيان معاين األشياء وحقائق األمور بوضوح‪.‬‬
‫‪-‬أما(أفالطون) (‪ 326-246‬ق‪.‬م) فإنه سار على هنج أستاذه (سقرا ) وجعل من معرفة الذات أهم نقطة يف كل حبث‬
‫فلسفي‪ ،‬ولكنه َل يلبث أن أرجع للفلسفة طابعها العام‪ ،‬إذ جعلها تستوعب موضوعات الطبيعة والنفس واألخالق وما وراء‬
‫الطبيعة‪( .‬صربي حممد خليل‪ ،4115 ،‬ص‪.)12‬‬
‫يعرف الفلسفة بعديد التعريفات أمهها أن الفلسفة هي "البحث‬
‫يف حني فضل املعلم األول ( أرسطو‪ 344-312‬ق‪.‬م) أن ّ‬
‫يف الوجود مبا هو موجود"‪ ،‬أي علم املبادئ أو العلل األوىل للوجود‪ ،‬كما أهنا أيضا علم العلة األوىل أو الوجود اإلهلي الثابت‪،‬‬
‫علم اإلهليات كما قالت العرب أو التيولوجيا (‪ ،)La Théologie‬أي العلم اإلهلي الذي يتخذ من اهلل مبحثا مركزيا‬
‫باعتباره املوجود األول‪ ،‬كما استخدم (ارسطو) الفلسفة كمرادف للعلم ووعاءا جامعا لكامل املعرفة اإلنسانية‪.‬‬
‫(نفس املرجع‪ ،‬ص‪)15‬‬
‫ب‪ /‬عند فالسفة اإلسالم‪ :‬عرفت الفلسفة يف بالد اإلسالم بعد حركة الرتمجة اليت قامت بنقل الرتاث اليوناين اىل اللغة‬
‫العربية‪.‬‬
‫‪( /1‬الكندري) (‪163-115‬م)‪.‬‬
‫أ‪ /‬صناعة الصناعات وحكمة احلكم‪.‬‬
‫ب‪ /‬معرفة اإلنسان بنفسه تؤدي اىل معرفة العاَل األكرب أي املعرفة بالطبيعة والكون ومن مث ترتقي إىل معرفة اخلالق‪.‬‬
‫‪( /2‬الفارايب) (‪951-162‬م)‪ :‬نظر إىل الفلسفة باعتبارها الصناعة اليت تؤدي إىل إصابة احلكمة ملن يتمتعون جبودة التمييز‬
‫الناجتة عن جودة الذهن‪ ،‬واقتناء احلكمة‪-‬أي معرفة احلق على طريقة الفالسفة‪-‬يعين اقتناء األشياء اجلميلة نظراً وعمالً فهناك‬

‫‪21‬‬
‫يف نظره اجلمال النظري الذي هو املعرفة النظرية للحقيقة على أساس من التأمل املتصف باحلكمة‪ ،‬وهناك اجلمال العملي‬
‫الذي هو السلوك الفاضل الذي يتخذ من املوقف الوسط حدا يلتزم به فال يتجه إىل أحد الطريقني املرذولني‪.‬‬
‫(نفس املرجع‪ ،‬ص‪.)15‬‬
‫ج‪ /‬عند فالسفة العصر الحديث‪:‬‬
‫‪( /1‬رينيه ديكارت) (‪ :)8251/8592‬يقول " إن الفلسفة كلها مبثابة شجرة جذورها امليتافيزيقا وجذعها الفيزياء وغصوهنا‬
‫املتفرعة عن هذا اجلذع هي كل العلوم األخرى‪ ،‬وهي ترجع إىل ثالثة رئيسية‪ :‬هي الطب وامليكانيكا واألخالق‪ ،‬وهذه هي‬
‫أعلى درجات احلكمة‪ ،‬وتفرتض معرفة كاملة بسائر العلوم‪.‬‬
‫‪( /2‬فرانسيس بيكون) (‪ :)8242/8528‬ويذهب إىل تعريفها من خالل أن الفلسفة تدع األفراد جانبا‪ ،‬وال هتتم‬
‫باالنطباعات األوىل اليت تستمد منها بالتجريد‪ ،"...‬وهذا هو دور العقل ومهمته‪ ،‬ويف هذا السياق نشري إىل أن (بيكون) َل‬
‫يرتدد يف نقد الفلسفة التقليدية‪ ،‬ومهامجتها وحتميلها أوزار اجلمود العلمي والفقر العقلي والعقم والعجز عن اإلسهام الفاعل‬
‫يف رفاهية اإلنسان وتقدمه وسعادته‪ ،‬وطلب من أجل ذلك بضرورة إصالح منهج التفكري‪.‬‬
‫د‪ /‬عند الفالسفة المعاصرين‪ :‬مثّلت الفلسفة املعاصرة نظرة جديدة يف التفكري الفلسفي‪ ،‬من حيث املنهج واملنطلقات‬
‫والوسائل والغايات‪ ،‬ومن بني أشكال الفلسفة املعاصرة نذكر العديد من االجتاهات املاركسية والوجودية والوضعية املنطقية‬
‫والرباغماتية‪.‬‬
‫‪ /8‬الوضعية المنطقية‪ :‬وترى أن الفلسفة ليست البحث يف حقيقة الوجود أو طبيعة املعرفة على حنو ما ذهب أتباع الفلسفة‬
‫التقليدية بل هي جمرد منهج للبحث‪ ،‬هدفه التحليل املنطقي للغة اليت تستخدمها يف حياتنا أو يصطنعها العلماء يف مباحثهم‬
‫العلمية‪ ،‬رغبة يف إزالة اللبس والغموض الذي يعرتي األفكار وبيان عناصرها حىت تبدو واضحة وجلية‪.‬‬
‫‪ /4‬البراغماتية‪ :‬الفلسفة عند هذا االجتاه املعاصر ليست حبثا تأمليا يف خمتلف القضايا واملوضوعات التقليدية‪ ،‬بل الفلسفة‬
‫هي التطبيق العملي ملختلف األفكار والتصورات اليت ينتجها العقل البشري مث فحص نتائج تلك األفكار‪ ،‬ومبعىن آخر فإن‬
‫الرباغماتية تعترب أن الفكرة الصادقة والصحيحة هي ما حيقق لنا نتائج نفعية‪-‬مفيدة والعكس صحيح‪ ،‬وبغري هذا املعيار‬
‫ستبقى أفكارنا جمرد تصورات نظرية ال نستطيع احلكم عليها‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪)16‬‬

‫‪22‬‬
‫‪-3-2‬موضوع الفلسفة‪ :‬يتخذ الفالسفة من املشكالت اليت متس خمتلف نواحي احلياة موضوعا لنشاطهم الفكري‪ ،‬فقدميا‬
‫اهتم هؤالء مبحاولة فهم طبيعة الكون واألشياء‪ ،‬مثال تصور اليوناين (طاليس) (‪551-248‬ق‪.‬م) أن أصل الكون هو املاء‬
‫ما دامت احلياة تتوقف على هذا العنصر احليوي‪ ،‬يف حني اعتقد فليسوق آخر وهو(اميدوقليس) (‪235-291‬ق‪.‬م) أن كل‬
‫األشياء ترجع إىل العناصر الطبيعية األربعة وهي‪ :‬املاء‪ ،‬اهلواء‪ ،‬النار‪ ،‬الرتاب‪ ،‬وأن حمرك هذه العناصر قوتان مها احلب والكره‪.‬‬
‫وإىل جانب االهتمام بطبيعة األشياء والكون اهتم كذلك الفالسفة مبحاولة فهم طبيعة اإلنسان‪ ،‬وقد كان سقرا من‬
‫السباقني لذلك من خالل مقولته الشهري‪" ،‬أيها اإلنسان اعرف نفسك بنفسك"‪ ،‬مؤكدا أن احلقيقة ليست جمرد أمر فردي‬
‫مثلما تصور السفسطائيون الذي اعتربوا أن "اإلنسان مقياس األشياء كلها"‪ .‬إذ آمن (سقرا ) بالعقل كعنصر مشرتك بني‬
‫مجيع الناس‪ ،‬وكمقياس للحقيقة ال تتغري أحكامه ونتائجه بتغري الظروف‪.‬‬
‫ولو أردنا أن حنصر املواضيع الفلسفية لوجدنا أن الفالسفة يبحثون يف أربعة املشكالت (قضايا) هي‪:‬‬
‫‪ /1‬مشكالت المعرفة‪ :‬وتشتمل األبستمولوجيا ونظرية املعرفة واملنطق وفلسفة العلوم وفلسفة اللغة‪.‬‬
‫‪ /2‬مشكالت الوجود‪ :‬أو الواقع وتشمل امليتافيزيقا‪ ،‬والوجود‪ ،‬وعلم الكونيات‪.‬‬
‫‪ /3‬مشكالت القيم‪ :‬وتشمل مبحث القيم وفلسفة اجلمال وفلسفة األخالق وفلسفة الدين‪.‬‬
‫‪ /4‬مشكالت المجتمع‪ :‬وتشمل الفلسفة االجتماعية واالقتصادية والسياسية وهذه املشكالت كلها متشابكة متداخلة‬
‫مرتابطة فيما بينها‪ ،‬ووظيفة الفلسفة أن جتعل من هذا التنوع تناسق يف صورة فهم كلي للعاَل‪ ،‬ولذلك تسمى الفلسفة عند‬
‫القدماء با لتعلم الكلي أو علم العلوم‪ ،‬وعلى الرغم من أن مواضيع أو قضايا التفكري الفلسفي قدمية إال أهنا تظل تطرح يف كل‬
‫عصر بسبب كوهنا أصلية وجوهرية‪ ،‬وهي تأخذ يف كل زمن مظهر أو شكال جديدا يتناسب والظروف واملستجدات‬
‫واملالبسات اليت يتميز هبا العصر‪ ،‬ومع أن بعض املشاكل كان قد مت حلها إال أن هذه احللول تثري من جديد إشكاليات‬
‫جديدة يقول (كارل ياسربس ‪" )8929 -8113‬إن األسئلة يف الفلسفة أهم من األجوبة وجيب أن يتحول كل جواب إىل‬
‫سؤال جديد‪( .‬حماضرات السنة األوىل علوم اجتماعية‪ ،4182 ،‬ص‪.)81‬‬
‫‪-‬خصائص المنهج الفلسفي‪ :‬وللفلسفة منهج خاص حلل املشاكل الفلسفية يتصف بالشك املنهجي والعقالنية واملنطقية‬
‫والنقدية‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫‪ /1‬الشك المنهجي(النسبي)‪ :‬يقوم املنهج الفلسفي على الشك املنهجي أو النسيب‪ ،‬وهو شك مؤقت ووسيلة ال غاية يف‬
‫ذاهتا‪ ،‬إذ غايته الوصول إىل اليقني‪ ،‬أي مضمونه املنهجي عدم التسليم بصحة حل معني للمشكلة إال بعد التحقق من كونه‬
‫صحيح‪.‬‬
‫‪ /2‬العقالنية‪ :‬ويتصف املنهج الفلسفي بالعقالنية‪ ،‬أي استخدام ملكة اإلدراك (اجملرد) كوسيلة للمعرفة إذا الفلسفة هي‬
‫حماولة إدراك احللول الصحيحة للمشاكل الكلية اجملردة والقرآن يدعو إىل العقالنية اليت ال تناقض الدين والعلم (أي اليت ال‬
‫تناقض فيها استخدام اإلدراك أو العقل مع استخدام الوحي واحلواس كوسائل للمعرفة كوسائل للمعرفة‪.‬‬
‫‪ /3‬المنطقية‪ :‬أن املنهج الفلسفي يستند إىل املنطق مبا هو القوانني (السنن اإلهلية) اليت تضبط حركة الفكر اإلنساين‪ ،‬ذلك‬
‫أن الفلسفة لكي تصل إىل حلول صحيحة ملشاكلها جيب أن يستند إىل القوانني أو السنن اإلهلية اليت تضبط حركة حتول‬
‫الطبقة وتطور اإلنسان وحركة الفكر‪.‬‬
‫‪ /4‬النقدية‪ :‬واملنهج الفلسفي قائم على املوقف الرافض لكل من القبول املطلق والرفض املطلق والذي يرى أن كل اآلراء (مبا‬
‫قدرا من الصواب واخلطأ‪ ،‬وبالتايل تأخذ ما نراه صواب وترفض ما نراه خطأ‪.‬‬
‫هي اجتهادات إنسانية) تتضمن ً‬
‫(صربي حممد خليل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪)19‬‬
‫‪-4-2‬العالقة المتبادلة بين الفلسفة والتربية‪ :‬إن الفلسفة والرتبية وجهان خمتلفان لشيء واحد وذلك من حيث أن‬
‫الفلسفة يف مفهومها املطلوب هي "فلسفة احلياة" ‪ ،‬وأن الرتبية هي الوسيلة أو السبيل الذي يراهن عليه يف نقل الفلسفة‬
‫وترمجتها يف شؤون احلياة‪.‬‬
‫إن الفلسفة والرتبية وجهان لعملة واحدة‪ ،‬ويتأكد التالحم بني الفلسفة والرتبية عندما نسعى إىل حتديد أهداف الرتبية‬
‫وغاياهتا‪ ،‬ومن الثابت أن غاية الرتبية هي بالتأكيد غاية احلياة‪ ،‬والفلسفة تبحث وتنقب من أجل بيان ما هي الغاية من‬
‫احلياة‪ ،‬وأن الرتبية تتقدم بوسائل وطرائق من أجل إجناز هذه الغاية‪ ،‬وملا كانت الرتبية وما زالت املضمار املتحرك للفلسفة‬
‫وهي الدرب الذي يرتجم إىل أرض الواقع "املثل العليا"‪ ،‬فإن ما يرتتب على ذلك االستنتاج الالزم القائل‪ :‬إن الفلسفة هي‬
‫عقل الرتبية وهي ا جلانب النظري‪ ،‬وأن الرتبية هي مضمار التجربة للفلسفة‪ ،‬إن الرتبية متثل "العمل املتناسق الذي يهدف إىل‬
‫نقل املعرفة‪ ،‬وإىل تنمية القدرات وتدريب وحتسني األداء اإلنساين يف اجملاالت مجيعا‪ ،‬وخالل حياة اإلنسان كلها والفلسفة‬
‫هي ميدان يثابر يف صياغة النظريات اليت تنزع الرتبية إىل تطبيقها‪( .‬حممد مرسي وحممد فرحة‪ ،‬ب ت‪ ،‬ص‪.)83‬‬

‫‪24‬‬
‫إن الرتبية والفلسفة تشرتكان يف املوضوع‪ ،‬فمن املعلوم أن موضوع الرتبية هو اإلنسان‪ ،‬وأن االنسان هو احملور األساسي يف‬
‫مباحث الفلسفة‪.‬‬
‫أما وسائل الرتبية والفلسفة فمن الثابت أن وسيلة الرتبية عملية علمية تطبيقية‪ ،‬وأن وسيلة الفلسفة نظرية تأملية أو هذه‬
‫احلقيقة لطبيعة كل منهما حتملنا على القول أن موضوع الفلسفة أكرب من موضوع الرتبية‪ ،‬أما وسائل الرتبية فهي متعددة‬
‫متنوعة‪ ،‬حبيث أهنا أكثر من وسائل الفلسفة‪ ،‬وأن هذا الواقع يؤكد ضرورة التفاعل املستمر والدائم بينهما‪ ،‬حيث أن الفلسفة‬
‫حتتاج إىل الرتبية وذلك لرتمجة النظريات الفلسفية ونقلها إىل امليدان الرتبوي‪،‬وأن الرتبية يف الوقت ذاته حتتاج إىل الفلسفة فهي‬
‫ال تستطيع أن تتحرك خطوة واحدة دون حتديد أهدافها‪...‬وهذه األهداف يف واقع األمر مت اشتقاقها أو صياغتها باالعتماد‬
‫على احتاد فلسفي معني‪( .‬نفس مرجع‪ ،‬ص‪.)41‬‬
‫إن فلسفة الرتبية تعد من أكثر العناصر الثقافة تفاعال مع الفلسفة ولعلى ذلك يعود إىل أن فلسفة الرتبية هي النشا‬
‫الفكري املنظم الذي يتخذ من الفلسفة وسيلة للتنظيم العملية الرتبوية وتنسيقها وانسجامها وتوضيح القيم واألهداف اليت‬
‫ترنو إىل حتقيقها‪ ،‬وعلى هذا تكون الفلسفة وفلسفة الرتبية واخلربة اإلنسانية ثالثة مكونات لكل واحد متكامل‪.‬‬
‫(نفس املرجع‪ ،‬ص‪)31‬‬
‫إن التيارات الفكرية االجتماعية والسي اسية أو االقتصادية‪ ،‬ال ميكن أن ينتج عنها تغيري جذري أساسي حقيقي ما َل تكن‬
‫الرتبية الوسيلة لذلك‪ ،‬متصلة باخلربة األساسية املتعددة النواحي املختلفة األنواع املتشعبة االجتاهات‪ ،‬ومن أجل هذه فتجديد‬
‫الفلسفة والرتبية واملثل العليا‪ ،‬واألساليب االجتماعية‪ ،‬إمنا يسري بعضه إىل جنب بعض‪ ،‬فإذا كان مثة حاجة خاصة لتجديد‬
‫الرتبية يف الوقت احلاضر‪ ،‬وإذا كانت هذه احلاجة ملحة يف جتديد األفكار األساسية للنظم الفلسفية التقليدية‪ ،‬فإن مصدر‬
‫ذلك هو ما أصاب احلياة االجتماعية من تبدل هائل مصاحب لتقدم العلم والثورة الصناعية وارتقاء الدميقراطية‪ ،‬ومثل هذه‬
‫التبدالت ال ميكن أن حتدث من دون أن تتطلب إصالحا تربويا يرافقها‪ ،‬ومن دون أن تدفع الرجال إىل التساؤل عن األفكار‬
‫واملثل اليت تشري إليها هذه التبدالت وعما تتطلبه من إعادة النظر‪.‬‬
‫و الرتبية البد هلا من نظريات تقوم عليها‪ ،‬هذه النظريات اليت تعرف بأهنا جمموعة من الفروض العلمية قد تثبت صحتها‬
‫جتريبيا‪ ،‬وارتبطت فيما بينها ارتباطا منطقيا‪ ،‬ولكي حتقق النظرية أهدافها‪ ،‬البد أن تقوم على تفسري سليم للفروض اليت تعتمد‬

‫‪25‬‬
‫وتفسر‪ ،‬وتبحث املشكالت الرتبوية حبثا فلسفيا‪.‬‬
‫عليها‪ ،‬وهنا كان احتياج الرتبية إىل الفلسفة كطريقة لتحلل‪ ،‬وتنقد‪ّ ،‬‬
‫(نفس املرجع‪ ،‬ص‪)38‬‬
‫‪-5-2‬تطبيقات الفلسفة على التربية‪ :‬تسعى فلسفة الرتبية إىل فهم الرتبية يف جمموعها‪ ،‬وتفسريها مبفاهيم عامة‪ ،‬بغية‬
‫الغايات الرتبوية وترشيد سياستها وكذلك تفسري املكتشفات العلمية املتجددة وفق عالقتها بالرتبية‪.‬‬
‫وميكن القول أن معظم املشكالت الرتبوية الرئيسية هي يف صميمها مشكالت فلسفية‪ ،‬ذلك أن انتقاء ُمثل عليا تربوية أو‬
‫سياسات تربوية‪ ،‬أو اقرتاح مثل عليا يلزمنا باألخذ بعني االعتبار تلك املشكالت الفلسفية العامة مثل‪ :‬طبيعة احلياة الصاحلة‬
‫اليت ينبغي أن تؤدي إليها الرتبية‪ ،‬طبيعة اإلنسان ذاته‪ ،‬طبيعة اجملتمع‪ ،‬طبيعة احلقيقة النهائية اليت تنشد املعرفة سرب أغوارها‪،‬من‬
‫هنا ميكن أن نلخص إىل أن الفلسفة الرتبوية تتضمن تطبيق الفلسفة النظرية على جمال الرتبية بل ذهب (ديوي) إىل القول‬
‫أنه‪" :‬ميكن وصف الفلسفة بأهنا النظرية العامة للرتبية"‪( .‬حممد منري مرسى‪ ،4114 ،‬ص‪.)46‬‬
‫‪ /1‬الفلسفة التربوية تأملية‪ :‬فهي تسعى إىل إقامة نظريات حول طبيعة اإلنسان واجملتمع والعاَل‪ ،‬وذلك عن طريق تنظيم‬
‫املعلومات املتصارعة املتعلق ة بالبحث الرتبوي والعلوم اإلنسانية والعمل على تفسريها‪ ،‬وذلك إما باستنتاج تلك النظريات من‬
‫نظريات فلسفية عامة وتطبيقها على الرتبية أو باالنطالق من مشكالت تربوية بالذات‪ ،‬مت وضعها يف إطار فلسفي قادر على‬
‫حلها‪ ،‬إن الرتبية تثري عدة مشكالت ال تستطيع هي أو العلم القيام حبلها كل على حدة‪ ،‬ذلك ألهنا جمرد أمثلة عن املسائل‬
‫اخلاصة بالفلسفة ذاهتا واليت تتكرر وتتواتر‪.‬‬
‫‪ /2‬الفلسفة التربوية إرشادية‪ :‬وتقوم بتحديد الغايات اليت جيب على الرتبية أن تستهدفها والوسائل العامة اليت ينبغي أن‬
‫تستخدمها لبلوغ تلك األهداف‪ ،‬وال ميكن وضع األهداف وال أي من وسائلها إال من خالل معايري صحيحة‪ ،‬يقوم‬
‫بتمحيصها ووضعها فيلسوف الرتبية‪ ،‬فالرتبية كفرع من فروع املعرفة ال ميكن أن تقوم وحدها‪ ،‬وإمنا على توجيه فلسفي هلا‪.‬‬
‫‪ /3‬الفلسفة التربوية تحليلية ونقدية‪ :‬تسعي إىل حتليل نظرياهتا التأملية واإلرشادية‪ ،‬وكذلك وزن معقولية ُمثلنا العليا الرتبوية‪،‬‬
‫واتساقها مع املثل العليا األخرى‪ ،‬مث فحص الدور الذي يلعبه التفكري غري املتفحص والتفكري الذي توجهه الرغبة‪ ،‬وأيضا‬
‫اختيار املنطق املوجود يف مفاهيمنا وكفاءته يف جماهبة احلقائق اليت تنشد تفسريها‪ ،‬وذلك بفضح املتناقضات املوجودة بني‬
‫نظرياتنا‪ ،‬وتوجيه األنظار إىل جمموعة النظريات الدقيقة اليت تبقى بعد إزالة املتناقضات‪ ،‬دراسة االنتشار الكبري اهلائل‬
‫للمفاهيم الرتبوية املتخصصة‪( .‬حممد لبيب النجيجي‪ ،8994 ،‬ص‪.)49‬‬

‫‪26‬‬
‫‪-6-2‬وظيفة فلسفة التربية‪:‬‬
‫‪ /1‬تساعد على التفكري يف املفاهيم واملشكالت الرتبوية بصورة واضحة ودقيقة وعميقة ومنتظمة‪ ،‬وهذا بدوره يؤدي إىل وعي‬
‫أكثر وإدراك ألبعاد املوضوعات اهلامة‪ ،‬وتساعدنا هذه الفلسفة أيضا على تقومي احلجج واألدلة اليت تقوم عليها اآلراء‬
‫الرتبوية‪.‬‬
‫‪ /2‬تساعدنا على ت صور التفاعل بني األهداف الرتبوية واملواقف الرتبوية احملددة والربط بينها لتوجيه قراراتنا مما يسمح برؤيه‬
‫أوضح لألهداف اجلديدة‪.‬‬
‫‪ -‬فلسفة الرتبية هي فلسفة موجهة للعمل الرتبوي ومهزة وصل بني املستوى النظري للتحليل الفلسفي واملستوى العملي‬
‫للقرارات واالختيارات الرتبوية‪.‬‬
‫‪-‬وميكن لفلسفة الرتبية أن توجه النظرية والتطبيق يف جمال الرتبية بطرق ثالث‪:‬‬
‫‪ /1‬تضع نتائج وفروع املعرفة ذات الصلة الوثيقة بالرتبية مما يف ذلك الرتبية ذاهتا‪ ،‬يف نطاق نظرة شاملة لإلنسان ونوع الرتبية‬
‫الذي يليق به‪.‬‬
‫‪ /2‬توصي باألهداف والوسائل العامة للعملية الرتبوية بعد فحصها ومتحيصها‪.‬‬
‫‪ /3‬توضح وتنسق بني املفاهيم الرتبوية األساسية اليت جتعل للعملية الرتبوية معىن ومغزى واضحا‪.‬‬
‫‪ -‬فلسفة الرتبية تعمل على نقد العملية الرتبوية وتعديلها والعمل على اتساقها وتوضيحها‪ ،‬حىت تتالءم هذه اخلربة اإلنسانية‬
‫مع احلياة املعاصرة‪ ،‬وذلك من خالل البحث عن املفاهيم اليت توجه اإلنسان بني املظاهر املختلفة للعملية الرتبوية يف خطى‬
‫متكاملة شاملة‪ ،‬وتوضيح املعاين اليت تقوم عليها التعبريات الرتبوية‪ ،‬وفلسفة الرتبية‪" :‬هي النشا الفكري املنظم الذي يتخذ‬
‫الفلسفة وسيلة لتنظيم العملية الرتبوية وتنسيقها وانسجامها وتوضيح القيم واألهداف اليت ترنو لتحقيقها‪.‬‬
‫‪-‬ففلسفة الرتبية هي تطبيق الفلسفة على مشكالت الرتبية‪ ،‬وعلى هذا ففلسفة الرتبية ُسبل تطبيقات األفكار واملبادئ‬
‫والطرق الفلسفية على تلك املشكالت الرتبوية اليت تناسبها املعاجلة الفلسفية أكثر مما تناسبها املعاجلة العلمية‪.‬‬
‫‪ -‬وهي تشكل جمموعة األفكار العامة واملبادئ الكلية اليت توجه العملية الرتبوية‪ ،‬فكل منهاج ينطلق من فلسفة تربوية معينة‬
‫هي فلسفة اجملتمع وثقافته‪ ،‬ذلك أن املنهاج هو أداة اجملتمع الرئيسية الرتبية أبنائه وفقا للصورة اليت يريدها عاكسة ملثله العليا‬
‫واجتاهاته واهتماماته‪ ،‬حىت حيافظ هذا اجملتمع على ثباته وحيوتيه وفقا للمعايري اليت ارتضاها‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫‪ -‬ومن الضروري أن تكون األهداف األساسية للرتبية واإلطار الفلسفي الذي تنتظم فيه هذه األهداف واضحة يف ذهن واضع‬
‫املنهاج‪ ،‬ويف ذهن مؤلف الكتاب املدرسي‪ ،‬ويف ذهن املشرفني على تطبيق املناهج‪ ،‬وتطويرها‪ ،‬ويف ذهن املعلم الذي يتوىل‬
‫املهام املباشرة أهداف الرتبية‪ ،‬وإذا َل تكن أهداف الرتبية والفلسفة اليت تنبثق عنها تلك األهداف واضحة يف أذهان هؤالء‬
‫مجيعا‪ ،‬وإذا َل يربط املعلم أهدافه الصفية الصغرية باإلطار الفلسفي الكلي فليس من املتوقع أن تفلح الرتبية يف حتقيق اآلمال‬
‫املعلقة عليها‪( .‬سعيد التل وآخرون‪ ،‬ب ت‪ ،‬ص‪)25‬‬
‫‪-7-2‬الفلسفة والتربية‪ :‬تبحث األصول الفلسفية للرتبية يف العالقة القائمة اليت تربط الفلسفة بالرتبية‪ ،‬ويف الفلسفة‬
‫السائدة يف اجملتمع اليت توجه العمل الرتبوي‪ ،‬وحتدد أهدافه وحمتوى مناهجه والطرق واألساليب واإلجراءات اليت حتقق هذه‬
‫األهداف من خالل تلك املناهج‪ ،‬إهنا تبحث يف الفرضيات وامل سلمات والنظريات اليت يعتمد عليها الفالسفة يف تفسري‬
‫الكون وظواهره واإلنسان وطبيعته والنظريات االجتماعية والفلسفية اليت تسعى اىل تفسري وحتليل ما هو كائن بالنسبة للفرد‬
‫واجملتمع ورسم صورة ملا ينبغي أن يكون‪.‬‬
‫‪-‬وهتدف األسس الفلسفية للرتبية إىل دراسة بعض النظريات واألفكار واملبادئ الفلسفية اليت هلا صلة باألبنية الرتبوية سواء‬
‫النظري منها أو التطبيقي‪ ،‬وإن كانت تعىن بصفة خاصة باألجزاء النظرية بغية الوصول إىل أفضل صيغة ممكنة لتحقيق‬
‫األهداف واملثل اجملتمعية يف البناء الرتبوي‪.‬‬
‫وللرتبية صلة واضحة بتاريخ الفلسفة‪ ،‬فإن هذا التاريخ يسجل اجلهود العقلية لإلنسان يف حماوالته لتفسري احلياة اإلنسانية‬
‫وفهم صلتها بالوجود‪ ،‬ويتضح تأثري الفكر اإلنساين الذي متثله الفلسفة على الرتبية من خالل معرفة منط الرتبية اليت سادت‬
‫يف كل جمتمع وعصر‪ ،‬ومن املقارنة بني الرتبية التقليدية والرتبية احلديثة‪ ،‬فكل منط من هذه األمنا الرتبوية كان خلفه فلسفة‬
‫خاصة استمد منها أسسه قواعده ومبادئه‪.‬‬
‫إن من أهم األسئلة الفلسفية اليت تظهر يف كتب الفالسفة‪ ،‬من أين جئنا؟ وكيف سنعيش؟ وملاذا اخرتنا هذا املذهب من‬
‫التفكري؟ ما طبيعة النفس البشرية؟‪...‬ما حقيقة العلم واحلياة؟ كيف نصل إىل احلقائق؟ وكيف تتفاعل مع االختالفات؟ ما‬
‫القيم الثابتة؟ ما املراد باحلرية؟‪( .‬عبد الغين حممد إمساعيل العمراين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪)842‬‬

‫‪28‬‬
‫إننا نقصد باألصول الرتبوية الفلسفية حصيلة األفكار القدمية واجلديدة اليت حتاول بصورة منهجية أن تفهم األسس املؤثرة يف‬
‫الرتبية ومصادرها‪ ،‬وأهدافها وقضاياها الكربى‪ ،‬لذلك تساعدنا الفلسفة يف اإلجابة عن األسئلة الكربى مثل‪ :‬ملاذا نتعلم؟‬
‫وماذا نتعلم؟ ومىت نتعلم؟ وأين وكيف نتعلم؟‪.‬‬
‫حتتوي الفلسفة على تصورات اجتهادية كلية لقضايا مصريية متس كينونة اإلنسان يف املاضي واحلاضر واملستقبل واملعطيات‬
‫الفلسفية هلا انعكاسات واضحة على صياغة األهداف وعلى خطط التعليم والسياسات الضابطة للعمل الرتبوي‪.‬‬
‫(نفس املرجع‪ ،‬ص‪)842‬‬
‫إن الفلسفة سلسلة من اخلطوات تقود الفكر حنو تكوين تصورات مبدئية لفهم قضايا إنسانية شائكة متس اهتمامات الفرد‬
‫واجملتمع وتسعى الفلسفة إىل حتقيق عدة أهداف منها‪:‬‬
‫‪ /1‬تشجيع النقد اإلجيايب‪ ،‬واجلدل املنطقي والشك املنهجي‪.‬‬
‫‪ /2‬دراسة الطرف املخالف لنا يف الرأي وفتح احلوار املوضوعي‪.‬‬
‫‪ /3‬حتليل األفكار والنظم والقيم‪.‬‬
‫‪ /4‬حماولة فكرية دائمة للوصول إىل حقائق األمور‪.‬‬
‫‪ /5‬توفري اعتقادات ملواجهة أحداث احلياة‪ ،‬والتخطيط للمستقبل وفهم التغريات‪.‬‬
‫‪ /6‬تنشيط العقل وتشجيع طرح األسئلة وفتح أبواب احلوار‪.‬‬
‫‪ /7‬االطالع على أفكار الفالسفة‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.)846‬‬

‫‪29‬‬
‫الفصل الثالث ‪:‬تطور الفكر التربوي عبر العصور‪:‬‬
‫قبل التطرق إىل الفكر الرتبوي البد من التطرق للحديث عن احلضارة‪.‬‬

‫أ‪-‬تعريف الحضارة‪ :‬احلضارة لغة‪" :‬احلضارة‪ ،‬ويفتح خالق البادية‪ ،‬واحلضارة‪ :‬اإلقامة أعجبته ّ‬
‫فأي رجال بادية ترانا‪،‬‬
‫يعرف احلضارة‪" :‬واحلضارة إمنا هي تفنن يف‬
‫واحلضارة من مظاهر الرقي يف شئون احلياة‪ ،‬قال (ابن خلدون) يف املقدمة وهو ّ‬
‫الرتف وإحكام الصنائع املستعملة يف وجوهه ومذاهبه"‪ ،‬واحلضارة تقدم إنساين ورقي واستكشاف احلياة للوصول حياة أفضل‬
‫وهي حصيلة هبو األمم‪( .‬لطيفة حسني الكندري‪ ،‬ب ت‪ ،‬ص‪)88‬‬
‫وعرف (ديوارنت) احلضارة يف بداية كتابة قصة احلضارة " احلضارة نظام اجتماعي يعني اإلنسان على الزيادة من إنتاجه‬ ‫ّ‬
‫الثقايف‪ ،‬وإمنا تتألف احلضارة من عناصر أربعة‪ :‬املوارد االقتصادية‪ ،‬والنظم السياسية والتقاليد اخللقية‪ ،‬ومتابعة العلوم والفتون‪،‬‬
‫وهي تبدأ حيث ينتهي االضطراب والقلق‪ ،‬ألنه إذا م ا أمن اإلنسان من اخلوف‪ ،‬حتررت يف نفسه دوافع التطلع وعوامل‬
‫اإلبداع واإلنشاء‪ ،‬وبعدئذ ال تنفك احلوافز الطبيعية تستنهضه للمضي يف طريقه إىل فهم احلياة وازدهارها‪ .‬وعليه فإن احلضارة‬
‫عند (ديورانت)‪" .‬ذلك النظام االجتماعي الذي يدعم اإلبداع الثقايف‪ ،‬فهو إذن ينظم أبواب احلكم‪ ،‬واالقتصاد‪( ،‬أي الزراعة‬
‫والصناعة والتجارة واملالية)‪ .‬واألخالق‪ ،‬وآداب السلوك‪ ،‬والدين والفن واألدب‪ ،‬واملوسيقى والعلم والفلسفة‪ ،‬وهدفه التاريخ‬
‫املتكامل‪-‬أي تغطية مجيع نواحي النشا لشعب ما يف منظور واحد ورواية موحدة"‪ ،‬واحلضارة عنده‪ ،‬يعين صريورة الناس‬
‫مواطنني متمدنني‪ ،‬وأن الرتبية نقل للحضارة من جيل آلخر‪ ،‬وأن مجيع العلوم تبدأ بالفلسفة وتنتهي بالعلوم بالفن"‪.‬‬
‫(نفس املرجع‪ ،‬ص‪)84‬‬
‫وكذلك عرف (ديوارنت)احلضارة بأهنا "شع ب له نظام اجتماعي قامت عليه حكومة وقانون ودين وأخالق وعادات وتقاليد‬
‫ونظام تعليمي‪ ،‬مع إتاحة قدر كاف من احلرية لإلبداع والتجربة وقدر كاف من احلرية لتكوين الصداقات وعالقات احلب‬
‫وأعمال اخلري وتطويرها‪ ،‬وقدر كاف من احلرية يتيح إبداع الفن وأدب وعلم وفلسفة"‪" ،‬وليس التاريخ إال موكب الدول‬
‫كال منها ختلف وراءها تراثا من العادات واألخالق والفنون تتلقاه‬
‫واحلضارات اليت تنشأ وتزدهر مث تضمحل وتفىن‪ ،‬ولكن ّ‬
‫عنها احلضارات اليت تأيت من بعدها"‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫وتطرق (ديورانت) إىل قضية هناية احلضارات فقال‪" :‬ما سبب اهنيار هذه احلضارات القدمية الكثرية؟ وقد أجاب(فولين) على‬
‫هذا السؤال بقوله إهنا اهنارت بسبب اجلهل املبثوث يف شعوب هذه احلضارات‪ ،‬بفعل األديان الغيبية اليت تدعمها حكومات‬
‫استبدادية ويسبب صعوبة نقل املعرفة من جيل إىل آخر‪ ،‬واآلن وقد فقدت هذه العقائد اخلرافية أساسها‪ ،‬وسرت الطباعة‬
‫حفظ املعرفة وانتقال العناصر احلضارية‪ ،‬فإن على البشر أن يأملوا يف بناء ثقافات (حضارات) دائمة قائمة على نظم أخالقية‬
‫تقضي إىل امتداد سيطرة اإلنسان على نزعاته غري االجتماعية وتساعده على التعاون والوحدة خاصة وأن املعرفة قادرة اآلن‬
‫على التطور واالنتشار"‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪)83‬‬
‫وتناول (ديورانت) باستفاضة احلضارة النصرانية‪ ،‬لقد عاىن العاَل النصراين من االضطهاد الديين لعدة قرون‪ ،‬وكان احلرق‬
‫والقتل عالج اهلرطقة‪ ،‬كانت حمكمة التفتيش اإلسبانية تقوم بتفتيش كل خمزن للكتب‪ ،‬وأمرت بإحراق الكتب‪ ،‬وهذه احملاكم‬
‫مرتبطة بطغيان الكنيسة ودورها بتقليص احلريات‪ ،‬وتقييد الفكر وتقمع اإلبداع العلمي مما انعكس على دوائر التعليم عرب‬
‫عدة قرون‪.‬‬
‫وكانت السلطة الدينية تسيطر على أمور التعليم يف األقطار الكاثوليكية والكلفنية‪ ،‬ويف إجنلرتا والبالد اللوثرية‪ ،‬كان رجال‬
‫الدين يديرون معظم التعليم حتت إشراف الدولة ويف معظم اجلامعات تقريبا كان مطلوب من املعلمني والطلبة أن يعتقوا‬
‫املذهب الرمسي‪.‬‬
‫وكانت الدولة والكنيسة كلتامها حتد من احلرية اجلامعية بدرجة كبرية وقضت اخلالفات الدينية على الصبغة العلمية‬
‫للجامعات‪ ،‬فاحنصر الطلبة اإلسبان يف إسبانيا وَل يعد الطلبة اإلجنليز يلتحقون جبامعة باريس‪ ،‬وظلت (أكسفورد) حىت‬
‫(‪ )8168‬تفرض على طالب الدرجة اجلامعية املوافقة على موارد الكنيسة الرمسية‪ ،‬ومال الفكر األصيل اخلالق إىل االختفاء‬
‫من اجلامعات والتمس امللجأ يف األكادمييات اخلاصية والدراسات غري النظامية أو غري النمطية‪ ،‬وسرعان ما تأسست الحقا‬
‫مجعيات ثقافية يف إجنلرتا وفرنسا وأملانيا بعثت الروح العلمية امللهمة يف العلوم ووضعت األسس الفكرية والتكنولوجية للعاَل‬
‫احلديث‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.)81‬‬
‫وكانت نظريات رجال الكنيسة بوجه عام معادية للمرأة وكان (توماس اكويناس)‪ ،‬وهو يف العادة رسول الرْحة‪ ،‬يتحدث عنها‬
‫كما يتحدث الرهبان‪ ،‬فينزهلا من بعض النواحي منزلة أقل من منزلة الرقيق‪ ،‬إن املرأة خاضعة للرجل لضعف طبيعتها‪ ،‬اجلسمية‬
‫والعقلية معا‪ ،‬والرجل مبدأ املرأة ومنتهاها كما أن اهلل مبدأ كل شيء ومنتهاه‪....‬‬

‫‪31‬‬
‫وقد فرض اخلضوع على املرأة عمال بقانون الطبيعة‪ ،‬أما العبد فليس كذلك‪ ،‬وجيب على األبناء أن حيبوا آباءهم أكثر مما‬
‫حيبون أمهاهتم‪.‬‬
‫عصر التنوير هي النقطة الفارقة والقفزة النوعية يف احلضارة األوروبية‪ ،‬كتب (ديورانت) "لقد بدأت اليقظة (بروجر‬
‫بيكون)(‪ ،)8492‬وكربت وترعرعت يف ليوناردو (‪ ،)8589‬وبلغت كماهلا يف فلك (كوبرنيكوس)(ت‪ )8523‬و(جاليلو)‬
‫(ت‪ ،)8224‬ويف أحباث (جلربت) (‪ )8215‬يف املغنطيسية والكهربائية‪ ،‬وأحباث(فاسيلبوس)(ت‪ )8522‬يف علم التشريح‬
‫وأحباث (هاريف)(‪ )8252‬يف الدورة الدموية‪ ،‬وعندما منت املعرفة‪ ،‬ضعف اخلوف‪ ،‬وضعف تفكري الناس يف عبادة اجملهول‬
‫وزاد يف حماولة التغلب عليه وارتفعت كل نفس نشيطة بثقة جديدة وحتطمت احلدود‪ ،‬وقام (فرنسيس بيكون) أعظم عقل يف‬
‫العصور احلديثة وقرع اجلرس الذي مجع العقول والذكاء‪ ،‬وأعلن أن أوروبا قد اقبلت على عصر جديد‪.‬‬
‫(نفس املرجع‪ ،‬ص‪)81‬‬
‫قام (روجر بيكون) بالدعوة لتعليم حر ليربايل طالب بتمويل البحث العلمي ودفع أجور املعلمني‪،‬وتطوير اجلامعات‪"،‬كانت‬
‫املهمة املميزة للجامعات واألكادمييات والعلماء اإلنسانيني يف عصر النهضة هي مجع تراث العاَل القدمي‪ ،‬عاَل اليونان‬
‫والرومان‪ ،‬وترمجته ونقله إىل جيل الشباب يف أوروبا احلديثة‪ ،‬وقد أجنزت هذه املهمة على وجه رائع‪ ،‬وكان الكشف عن وحي‬
‫العاَل القدمي كامال‪ ،‬وأن النهضة واإلصالح الربوتستنيت مها ينبوعا التاريخ احلديث‪ ،‬واملصدران املتنافسان لتجديد الفكر‬
‫واخللقي الذي طرأ على احلياة احلديثة‪.‬‬
‫أبرز (فرانسيس بيكون) أمهية التجربة والنتيجة اليت متيز الفلسفة اإلجنليزية‪ ،‬واليت بلغت ذروهتا يف الفلسفة الربامجاتية‬
‫(العملية) ‪ ،‬وهو املذهب الذي يؤكد على أمهية املبادئ يف نتائجها العملية‪ ،‬فرد (بيكون) يف فلسفته الرتبوية أن املعرفة هي‬
‫العقل‪ ،‬وأن اإلنسان ال يشبع من لذة البحث‪ ،‬والبحث عن احلقيقة هو حبها وتعشقها‪ ،‬غاية تقدم بعدم العلم سيادة‬
‫اإلنسان عرب تعلم قوانني الطبيعة‪ ،‬إن خطأ فالسفة اليونان الكبري هو أهنم صرفوا وقتا كبريا يف النواحي النظرية‪ ،‬والقليل من‬
‫املالحظة والبحث العلمي‪ ،‬والفكر ينبغي أن يكون مساعداً للمالحظة ال بديال هلا‪ ،‬وأخريا تنبه (بيكون) إىل أن أسباب خطأ‬
‫اإلنسان ناجتة من أربعة أوهام‪ ،‬أوهام القبيلة الناجتة من التسليم وعدم الشك أوهام الكهف الناجتة من طبيعة اإلنسان‬
‫ومزاجه وعقله وجسمه‪ ،‬وأوهام السوق وهي الناجتة من اجتماع الناس بعضهم ببعض‪ ،‬وأخريا أوهام املسرح وهي املرتبطة‬

‫‪32‬‬
‫بالنظريات واألدلة اخلاطئة املتوارثة آمن (بيكون) أن مزاولة العلم بطريقة علمية ستؤدي إىل اكتشاف وسائل أفضل يف‬
‫البحث‪ ،‬وقبل موته كان مشغوال بإجراء جتارب عملية سريعة عن حفظ اللحوم يف الثلج‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪)89‬‬
‫ب‪-‬الفكر التربوي‪ :‬هو كل تعميم نظري لتجارب البشر اجلزئية أو مبعىن آخر هو جمموع األسس النظرية واملفاهيم واملعاين‬
‫اليت تكمن خلق مظاهر السلوك اإلنساين‪ ،‬والفكر بذلك هو نتاج لعقالنية اإلنسان‪ ،‬أي إعماله لعقله وتفكريه يف ذاته ويف‬
‫املخلوقات ويف هذا الكون من حوله‪ ،‬ومن مث فالفكر قرين الوجود اإلنساين‪ ،‬فأينما وجد اإلنسان يف بيئة أو جمتمع معني‬
‫ويفسرهبا وجوده ومستقبله‪.‬‬
‫أعمل عقله وأنتج أفكارا يتوجه هبا يف معاشه‪ّ ،‬‬
‫غريوا‬
‫‪ -‬والفكر إذا كان تعبرياً عن واقع اجتماعي‪ ،‬فإنه يف الوقت ذاته أداة للتغيري هذا الواقع أيضا‪ ،‬فالفالسفة واملصلحون قد ّ‬
‫الرسل واألنبياء مبا ْحلوه من أفكار مستمدة من الرساالت‬
‫بأفكارهم األوضاع االجتماعية اليت كانت تعاين منها جمتمعاهتم‪ ،‬و ّ‬
‫السماوية‪ ،‬فقد متكنوا من تغيري جمتمعاهتم إىل األفضل واألرقى واألمسى‪.‬‬
‫(مصطفى عبد القادر زيادة وآخرون‪ ،4112 ،‬ص‪.)48‬‬
‫الفكر الرتبوي هو ما أبدعته عقول الفالسفة واملربني عرب التاريخ فيما خيص جمال التعلم اإلنساين‪ ،‬وتنمية الشخصية وشحذ‬
‫قدراهتا‪ ،‬ويتضمن النظريات واملفاهيم واآلراء اليت وجهت عملية تربية اإلنسان عرب العصور ومن الطبيعي أن يتأثر الفكر‬
‫الرتبوي مبجموعة من القوى والعوامل اليت أنتجته وأحاطت به‪ ،‬وكذلك بشخصية املفكر ذاته من حيث تكوينه العقلي‪ ،‬ولعلى‬
‫معىن الفكر الرتبوي يزداد وضوحاً من خالل معرفة القوى والعوامل اليت أنتجته ووجهت حركته‪.‬‬
‫(نفس املرجع‪ ،‬ص‪)48‬‬
‫‪ -8-3‬ماهية الفكر التربوي‪ :‬موضوع الفكر الرتبوي هو حتليل الرتبية ومعاجلتها من املنظور التارخيي‪ ،‬فإذا كان التاريخ‬
‫يدرس األحداث واألشخاص وفق العالقات الزمنية واملكانية‪ ،‬وحماولة تفسريها‪ ،‬فإن الفكر الرتبوي أو ما يصلح عليه تاريخ‬
‫الرتبية يتناول جانب واحد من الثقافة هو نظام الرتبية‪ ،‬وهو نظام يعين باملمارسات الرتبوية اليت اتبعتها الشعوب واجملتمعات‬
‫عرب العصور‪ ،‬وما ابتدعته من أمنا تربوية من مؤسسات وأهداف وأساليب اختلفت باختالف العصور واجملتمعات وتباين‬
‫أوضاعها الثقافية واالجتماعية واالقتصادية‪( .‬احلاج أْحد علي‪ ،4183 ،‬ص‪)68‬‬

‫‪33‬‬
‫أ‪-‬أهمية دراسة الفكر التربوي‪:‬‬
‫‪ /1‬معرفة تطوره مدخل الزم ملن أراد فهم النظريات واالجتاهات والنظم الرتبوية يف الوقت احلاضر فهذه النظريات واالجتاهات‬
‫والنظم َل تأت من فراغ‪ ،‬إمنا هي وليدة خماض تارخيي طويل وجتربة إنسانية بعيدة اجلذور‪.‬‬
‫‪ /2‬األمهية احلضارية اليت تأيت من دراسة حضارات الشعوب األخرى والتعرف على جوانبها املختلفة‪ ،‬ملساعدة العملية الرتبوية‬
‫يف معرفة وما ورثته من املاضي وما أعدته للحاضر وكيف ختطط للمستقبل‪.‬‬
‫‪ /3‬األمهية النفعية اليت تتمثل يف الدروس املستخلصة من تاريخ الرتبية فنجاح الثورة الرتبوية اليت نشهدها اليوم يف حتقيقها‬
‫ملقاصدها وأهدافها عن طريق دراسة تاريخ الرتبية‪ ،‬وفهم املفاهيم الرتبوية املتبعة يف املاضي واإلفادة من نتائجها‪.‬‬
‫‪ /4‬األمهية املعرفية واللغوية حيث ميثل أمهية ملعلمي املستقبل فمهارات املعلمني تتطور من خالل معرفتهم لتطور املمارسات‬
‫الرتبوية عرب العصور‪.‬‬
‫‪ /5‬مواجهة املشكالت الرتبوية املختلفة‪ ،‬فكثري من مشكالتنا الرتبوية املعاصرة ال ميكن فهمها إال يف ضوء دراسة العوامل‬
‫والقوى اليت أثرت فيها يف املاضي‪( .‬مهشري عمر أْحد‪ ،4116 ،‬ص‪.)22‬‬
‫ب‪-‬أهداف دراسة أصول التربية‪:‬‬
‫‪ /1‬تنمية االجتاهات اإلجيابية حنو األصول الرتبوية واالعتزاز ب شرف مهنة املعلم وأمهيتها يف دفع عجلة اجملتمع حنو الرقي‬
‫والسعادة‪.‬‬
‫‪ /2‬التعريف بالرتبية لغة واصطالحا وفلسفة والتعريف جبوانب العملية التعليمية مع الرتكيز على أهم األصول اليت تشتق منها‬
‫الرتبية مساراهتا‪( .‬األصول الفلسفية التارخيية‪ ،‬النفسية‪)...‬‬
‫‪ /3‬تشجيع الطالب والطالبات على االستفادة العلمية والعملية من مبادئ ومنابع الرتبية على حسب ختصصه‪.‬‬
‫‪ /4‬تكوين فكرة عامة حول كيفية إصالح الفرد واألسرة واجملتمع والنهوض باألمة‪.‬‬
‫‪ /5‬التعرف على بعض اآلراء لعلماء الرتبية يف مفهوم الرتبية وأصوهلا‪.‬‬
‫‪ /6‬تأصيل فكرة املعاصرة واألصالة وأن ال دين اإلسالمي أساس العملية الرتبوية‪ ،‬وأن النظريات الرتبوية احلديثة النافعة تنسجم‬
‫متاما مع مبادئ ديننا احلنيف‪ ،‬ومن جهة أخرى فإن األصول الرتبوية تستمد من الدين اإلسالمي الرؤى واحلقائق‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫‪ /7‬ربط املتعلم بنصوص تراثية متنوعة تعكس أصول الرتبية يف كتابات املفكرين األوائل عند العرب وغريهم‪.‬‬
‫‪ /8‬دراسة بعض املؤسسات االجتماعية الرتبوية كاألسرة واملدرسة والرتكيز على طبيعتها واألدوار اليت تقوم هبا ومدى حيوهتا‬
‫وأمهيتها‪.‬‬
‫‪ /0‬دراسة الواقع الرتبوي والتعليمي بصورة نقدية مثل دراسة األمية وانعكاساهتا وكيفية مواجهتها‪.‬‬
‫‪ -2-3‬العوامل والقوى المؤثرة في حركة الفكر التربوي‪:‬‬
‫هناك من علماء الفكر الرتبوي والرتبية املقارنة احملدثني من أمثال (كاندل‪ ،‬نيقوال‪ ،‬هانز) وغريهم من يرى أن شخصية األمة‬
‫هي نتيجة تفاعل للعوامل التارخيية واجلغرافية والدينية واللغوية والساللية‪ ،‬والبد للنظم التعليمية أن تتأثر هبذه العوامل‪ ،‬ولقد‬
‫توصل (هانز) إىل ثالثة جمموعات من العوامل كان هلا دور يف حتديد نظم الرتبية والتعليم اليت درسها‪.‬‬
‫أ‪ /‬العوامل الطبيعية‪ :‬وتشمل‪ :‬اجلنس واللغة والبيئة مبناخها واقتصادياهتا‪.‬‬
‫ب‪ /‬العوامل الدينية‪ :‬وتشمل الدين أو األديان اليت تسود يف اجملتمع‪.‬‬
‫ج‪ /‬الالدينية‪ :‬وتشمل املذاهب الفكرية والسياسية‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.)43‬‬
‫‪ /8‬العامل الديني‪ :‬الدين من أهم العناصر اليت تشكل ثقافة اجملتمعات وحتدد قيم ومفاهيم األفراد فيها‪ ،‬وأمنا تفكريهم‬
‫وعاداهتم وتقاليدهم ووجهة نظرهم إزاء احلياة والكون والوجود‪ ،‬وتوضح دراسة الفكر الرتبوي مدى تأثر آراء املفكرين واملربني‬
‫وبالتايل النظم الرتبوية بالعامل الديين‪ ،‬حدث هذا يف أوروبا املسيحية ويف الشرق‪ ،‬وعلى شكل وتصميم املباين املدرسية‪ ،‬بل‬
‫إن حالة اجلو واملناخ هلا تأثريها على دافعية التالميذ وتعلقهم بقيمة التعليم واملثابرة على حتصيليه‪.‬‬
‫‪ /4‬العامل السياسي‪ :‬ليس التعليم عمالً تربويا فحسب‪ ،‬إمنا هو عمل سياسي يف املكان األول‪ ،‬ولذلك فليس غريب أن‬
‫تكون سياسة التعليم يف جمتمع معني انعكاس لنظامه السياسي‪ ،‬وما يتضمنه هذا النظام من قيم وتوجهات ومعتقدات ومهما‬
‫كان إ مياننا بالغايات النهائية للعملية الرتبوية اليت تنبع من تصور معني لإلنسان وقيمته ومكانه يف اجملتمع ومصريه‪ ،‬فإننا جيب‬
‫أن نؤمن أيضا بأن الرتبية قوة اجتماعية خطرية يستخدمها اجملتمع أو الدولة لتحقيق غايات أو أهداف سياسية خاصة يتبناها‬
‫اجملتمع وتدافع عنها الدولة‪.‬‬
‫‪ -‬وقد ال ختتلف الغايات النهائية للرتبية بني جمتمع وآخر أو بني دولة وأخرى‪ ،‬وإمنا ينبع اخلالف وقد يشتد عند حماولة‬
‫تفسري أو ترمجة هذه األهداف إىل إجراءات ومناهج‪ ،‬ولعلى التاريخ يزخر بأمثلة توضح كيف أن التوجهات السياسية ونوعية‬

‫‪35‬‬
‫السلطة احلاكمة كانت عامال رئيسيا يف تشكيل الفكر الرتبوي‪ ،‬ويف توجيه النظم التعليمية‪ ،‬ولعلى هذا التأثري قد وضح بصفة‬
‫خاصة عند صياغة األهداف الرتبوية والتعليمية أو موقف األهداف من قضايا أساسية‪ .‬مثل‪:‬‬
‫‪ /1‬مفهوم المواطنة‪ :‬مبا يعين نوعية القيم واحلقوق والواجبات اليت يراد للتعليم أن يكتسبها لألفراد‪.‬‬
‫‪ /2‬مفهوم تكافؤ الفرص التعليمية‪ :‬وما ينطوي عليه من إتاحته فرص التعليم أمام كافة الطبقات االجتماعية من دون متييز‬
‫من لون أو عرق‪.‬‬
‫‪ /3‬مفهوم الحراك االجتماعي‪ :‬وما يتضمنه من توجيه سياسي لتحريك فئات أو شرائح اجتماعية معينة يف السلم‬
‫االجتماعي‪.‬‬
‫‪ /2‬مفهوم دميقراطية التعليم وما ينطوي عليه من حريات يتدرب عليها األفراد وتشجع عليها السلطة احلاكمة‪.‬‬
‫(نفس املرجع‪ ،‬ص‪.)42‬‬
‫‪-3‬عامل اللغة‪ :‬تعد اللغة أحد العناصر األساسية يف ثقافة أي جمتمع‪ ،‬يؤكد (أبن خلدون) دور اللغة يف تكوين اهلوية‬
‫فيقول‪ ":‬إن اللغة هي أ هم الروابط املعنوية اليت تربط الفرد البشري بغريه من الناس‪ ،‬فاللغة قادرة على إحداث هذه الروابط‬
‫ألهنا أ وال واسطة التفاهم بني األفراد مث هي فضال عن ذلك واسطة نقل األفكار واملكتسبات من اآلباء إىل األبناء ومن‬
‫األجداد إىل األحفاد‪ ،‬ومن األسالف إىل األخالف"‪.‬‬
‫وعلى ذلك فإ ن وحدة اللغة توجد نوعا من الوحدة الفكرية والعاطفية لدى األفراد يف اجملتمع‪ ،‬ويصبح التعليم هو أداة اجملتمع‬
‫يف بلوغ هذه الوحدة الفكرية‪ ،‬ومثة تأثري لعامل اللغة يف تشكيل مضمون الفكر الرتبوي وتوجهاته ويتضح هذا التأثري فيما‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪ /1‬إن املفاهيم واألهداف الرتبوية اليت نادى هبا املفكرون والفالسفة قد صبغت بلغة تلقي قبوال ورواجا من أبناء اجملتمع‪.‬‬
‫‪ /2‬إن قوة األفكار الرتبوية واستمراريتها كانت تتوقف دوماً على عوامل اللغة‪ ،‬باعتبار اللغة اليت تسود يف ثقافة اجملتمع هي‬
‫لغة الغالب وأن اللغة اليت تتوارى هي لغة املغلوب‪.‬‬
‫‪ /3‬أن كثري من توجهات الفكر الرتبوي عرب التاريخ اعتمدت على تأثري اللغة يف تكوين معتقدات األفراد حدث هذا دائما‬
‫وقد وضح بصفة من توجهات الفكر الرتبوي اإل سالمي الذي اعتمد على ترسيخ اللغة العربية كلغة للتعليم والثقافة‪ ،‬وألهنا‬
‫اللغة اليت عظمها القرآن الكرمي‪ .‬قال تعاىل‪(( :‬قُ ْرآَنًا َعَربِيًّا َغْي َر ِذي ِع َو ٍج لَ َعلَّ ُه ْم يَتَّ ُقو َن))‪( .‬الزمر‪)41 :‬‬

‫‪36‬‬
‫‪ -4‬العامل االقتصادي‪ :‬ويتعلق بنوعية األنشطة اليت ميارسها السكان يف جماالت العمل واإلنتاج‪ ،‬واملوارد املادية والبشرية‬
‫اليت ميتلكها اجملتمع لتحقيق أ هداف النظام االقتصادي‪ ،‬ومثة عالقة وثيقة بني النظام االقتصادي والنظام التعليمي‪ ،‬وهي‬
‫العالقة اليت حركت تفكري فالسفة الرتبية يف إقرار مفاهيم وأنظمة تربوية ختدم النظام االقتصادي يف اجملتمع‪ ،‬وميكن بيان قوة‬
‫تأثري العامل االقتصادي على تشكيل الفكر الرتبوي عرب مسرية التاريخ‪ ،‬فاجملتمعات البدائية اليت يعيش أفرادها على الصيد أو‬
‫القنص أو الرعي ال حتتاج إ ىل نظم متقدمة للتعليم‪ ،‬بل توجد هلا مؤسسات خاصة به‪ ،‬حيث أن عمليات الرتبية والتنشئة‬
‫االجتماعية اليت تتم داخل األسرة أو اجملتمع مباشرة تعد الفرد ملزاولة مجيع األعمال اليت تتطلبها احلياة البدائية‪ ،‬أما يف‬
‫اجملتمعات الزراعية التقليدية فتحتاج إىل أنواع ومستويات معينة من التعليم موجهة ناحية النشا الزراعي‪ ،‬ويف اجملتمعات‬
‫الصناعية فتزداد حاجاهتا إىل التعليم املتخصص القائم على تعلم مهارات التقنية‪ ،‬والشك أنه عندما يزداد التقدم الصناعي‬
‫نتيجة استخدام العلم أو التكنولوجيا احلديثة‪ ،‬فإن احلاجة سوف تزداد إىل نوعيات من التعليم تفي مبطالب اجملتمع الصناعي‪.‬‬
‫(نفس املرجع‪ ،‬ص‪)46‬‬
‫ج‪-‬مفهوم تاريخ التربية‪ :‬هو علم استعراض ونقد وتقييم مناذج الرتبية يف اجملتمعات البشرية ودراسة املراحل اليت مرت هبا‪ ،‬مبا‬
‫تتضمنه من أساليب ومناهج وأنظمة تعليمية وأفكار وفلسفات اليت وجهت الرتبية وأثرت فيها‪.‬‬
‫د‪-‬موضوع تاريخ التربية‪ :‬يتعلق موضوع تاريخ الرتبية مبعاجلة الرتبية من منظور التارخيي‪ ،‬ويتعلق موضوع التاريخ باألحداث‬
‫واألشخاص والعالقات الزمنية واملكانية‪ ،‬وحماولة تفسري كل هذه األمور تفسريا ذات معىن يربط بينها وينظم عالقاهتا‪ ،‬وعلى‬
‫هذا األساس ميكن أن نفهم أن موضوع تاريخ الرتبية يتعلق بالتأريخ لقطاع واحد من قطاعات الثقافة اإلنسانية العريضة وهو‬
‫قطاع الرتبية‪( .‬إميان ْحدي‪ ،4141 ،‬ص‪.)89‬‬
‫ه‪-‬أهمية دراسة تاريخ التربية للمشتغلين بالتربية بصفة خاصة‪:‬‬
‫‪ /1‬ال يكتمل إعداد الطالب يف كليات الرتبية بدون التعرف على تاريخ النظريات واألفكار الرتبوية عرب العصور‪ ،‬ودراسة أمور‬
‫التعليم يف بلده ويف غريها من بالد العاَل‪ ،‬والقوى املؤثرة يف تشكيلها وتوجيهها‪.‬‬
‫‪ /2‬دراسة تاريخ الرتبية تؤكد العالقة الوثيقة بني الثقافة والرتبية وبني النظم اجملتمعية (سياسية‪ ،‬اقتصادية‪ ،‬اجتماعية‪ ،‬دينية‪)..‬‬
‫وبني الرتبية‪ ،‬كما تفسر إىل حد كبري ملاذا وجد منوذج دون آخر يف جمتمع ما؟‪ ،‬واألهداف اليت كان يسعى إىل حتقيقها‬
‫العوامل اليت أدت إىل جناحها وفشلها‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫‪ /3‬معرفة األصول التارخيي للرتبية تكسبنا النظرة العلمية النقدية اليت يف ضوئها نربط األسباب بالنتائج وتقيم اخلربات‬
‫واملواقف الرتبوية‪ ،‬والتنظيمات يف ضوء الظروف اليت نشأت فيها‪ ،‬ومن مت تكتسب وجهة نظر أكثر مرونة وأكثر تبصريا‪.‬‬
‫‪ /4‬توفري قدر كاف من احلقائق التارخيية اليت تعني الدارس على الوصول إىل الفروض والنظريات املتعلقة بالرتبية من املنظور‬
‫التارخيي‪.‬‬
‫‪ /5‬مساعدة الدراسة على القيام بتفسري احلقائق املتصلة بتطور الفكر الرتبوي‪ ،‬وذلك باالعتماد على املادة التارخيية ومنهج‬
‫تصنيفها يهدف الوصول إىل إصدار أحكام سليمة‪.‬‬
‫‪ /6‬إثراء القدرة على التذوق التارخيي‪ ،‬وذلك بتتبع األصول األوىل للظاهرات املختلفة وحماولة ربط املاضي باحلاضر فيما‬
‫يتعلق بقضايا الرتبية والتعليم‪.‬‬
‫‪ /7‬حماولة تفسري بعض مسائل التعليم املعاصر يف ضوء التطور التارخيي هلا وذلك بالتزود بقدر كاف من اخلربات والتطبيقات‬
‫الرتبوية يف املاضي وتفسري هذه اخلربات مبا يفيد توجيه العملية الرتبوية توجيها سليما‪.‬‬
‫‪ /8‬تنمية القدرة على اكتشاف العالقة بني النظريات الرتبوية املختلفة وبني التطبيقات العملية هلا داخل املدرسة‪ ،‬وإرجاع‬
‫النظريات إىل إطارها االجتماعي الثقايف الذي ولدت فيه‪.‬‬
‫‪ /0‬تكوين مفهوم سليم ملعىن التطور وما يرتبط به من عناصر البطء والسرعة يف حركة التاريخ وقيمة الذكاء اإلنساين يف صنع‬
‫التقدم االجتماعي ومكان الرتبية من هذا كله‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪)422‬‬
‫‪-3-3‬تطور الفكر التربوي عبر العصور‪:‬‬
‫‪-1-3-3‬التربية في المجتمعات البدائية‪ :‬استمرت حياة اإلنسان األول يف التعقيد والتشابك وتطورت حياته االجتماعية‬
‫من العزلة إىل التعاون وأ خذت التنظيمات االجتماعية يف الظهور وخاصة بعد استقراره يف وديان األهنار‪ ،‬وتكونت األسر مث‬
‫العشائر والقبائل وتكونت لكل مجاعة جمموعة من النظم والطقوس الدينية وأوجه النشا املختلفة اليت ميارسها‪ ،‬كما أصبح‬
‫هلذه التجمعات أهداف مشرتكة‪ ،‬وبدأ التوسع وتكوين اإلمرباطوريات وانتقلت تبعا لذلك الثقافة واشرتت من بلد آلخر‪ ،‬وزاد‬
‫االتصال والتبادل التجاري ومنت احلضارة بأبعادها املختلفة من صناعة وأدب وفن‪ ،‬ونشأت طبقة الكهنة واألطباء والسحرة‬
‫الذين قاموا بوظائف الرتبية يف هذه اجملتمعات األوىل‪ ،‬كما تولوا تفسري ظواهر العاَل احمليط باإلنسان األول واالتصال هبذا‬
‫العاَل واسرتضاء اآلهلة ودرء اخلطر عن اجلماعة‪( .‬إميان ْحدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.)32‬‬

‫‪38‬‬
‫*السمات العامة للتربية البدائية‪:‬‬
‫أ‪ /‬أهداف التربية البدائية‪ :‬كان اخلوف أقدم حافز للتعليم‪ ،‬فاإلنسان القدمي كان مهددا بالقوى اخلفية اليت تسبب الكوارث له‬
‫و ألسرته‪ ،‬وَل يكن خوفه قاصرا على األشياء احلية بل امتد إىل اجلماء أيضا العتقاده أن هلذه اجلمادات (أشجار‪ ،‬صخور‪،‬‬
‫عواصف) أزواجا ميكن أن ترضى وتغضب‪ ،‬وحتل به نقمتها‪ ،‬ونتيجة هلذا اخلوف من اجملهول واخلوف من املستقبل أدرك اإلنسان‬
‫القدمي أمهية توفري األمن له وألسرته وقبيلته‪ ،‬وبدأ اإلنسان القدمي ميارس جمموعة من الشعائر والطقوس السرتضاء هذه األرواح‬
‫اخلفية‪ ،‬وينقل هذه اخلربات إىل اجليل األصغر بواسطة الكبار يف اجلماعة‪.‬‬
‫‪ /1‬تدريب الفرد على القيام بأعمال العشرية من صيد أو قنص أو مجع‪ ،‬حىت حيصل على قوته الضروري وقوت باقي أفراده‪.‬‬
‫‪ /2‬تلقني الفرد األفكار واملعتقدات اليت تؤمن هبا العشرية واليت تتكون منها البيئة الثقافية هلا‪.‬‬
‫‪ /3‬إدماج الفرد يف اجملتمع عن طريق إشراكه يف الطقوس الدينية واالحتفاالت واألعياد اليت تشرتك فيها العشرية‪.‬‬
‫‪ /4‬إشعار الفرد باألمن واالستقرار واالعرتاف به كائنا ذا قيمة وإرضاء حاجاته اجلسمية والنفسية‪.‬‬
‫وبالتايل فالرتبية يف اجملتمع البدائي تعمل على وضع الطفل يف القالب االجتماعي الذي تعيش فيه أسرته وعشريته‪ ،‬إذ تقوم‬
‫بتعليمه السلوك االجتماعي الذي يتفق مع العشرية واحلرفة اليت حيرتفها‪ ،‬وتلقينه األفكار وتعلمه الطقوس الواجب عليه إتباعها يف‬
‫(نفس املرجع‪ ،‬ص‪)36‬‬ ‫الظروف املختلفة‪ ،‬وتريب فيه الشعور بالوالء للكبار والشيوخ واآلباء‪.‬‬
‫ب‪ /‬أنماط التربية‪ :‬تتضمن الرتبية البدائية منطني‪:‬‬
‫‪ /1‬التربية النظرية‪ :‬وتتضمن الرتبية الدينية والفنية واملوسيقية واألدبية والعقلية‪.‬‬
‫‪ /2‬التربية العملية‪ :‬وتتضمن الرتبية البدنية وتعليم األطفال حرفة الصيد والقنص والغزل ودبغ اجللود والقيام مبهام احلروب‬
‫بالنسبة للذكور (التدريب العسكري إىل جانب صنع األسلحة) وتعليم إعداد الطعام والبحث عن املأوى بالنسبة لإلناث‪.‬‬
‫*المؤسسات‪:‬‬
‫‪ /1‬األسرة‪ :‬هي الوحدة االجتماعية األوىل اليت تتوىل أمر التعليم العملي لإلنسان البدائي‪ ،‬فاألب هو املعلم األول يف األسرة‬
‫وكذلك األم وباقي األفراد الكبار‪ ،‬إذ يقوم األب بتعليم أبناءه عادات وتقاليد وأفكار اجملتمع‪ ،‬كما يدرهبم على احلرفة اليت يتقنها‬
‫ويدرهبم على القتال وصنع األسلحة‪ ،‬وتقوم األم بتعليم البنات أعمال املنزل مثل طهي الطعام وإعداد املالبس‪...‬‬

‫‪39‬‬
‫‪ /2‬الكهنة والسحرة ورجال الطق‪ :‬وتوكل إليهم عملية الرتبية النظرية‪ ،‬فهم الذين يقومون بتفسري مظاهر البيئة اليت حتيط‬
‫بالرجل اهلمجي ويتصلون بعاَل األرواح‪ ،‬ومن مث هم املسؤولني عن توجيه سلوك القبيلة وتصريف األعمال والقيام بالطقوس‬
‫الدينية‪ ،‬والعبادات كلها متثل أول بداية لرتبية اجلنس البشري تربية نظرية‪ ،‬وقد يشارك الكهنة والسحرة أحيانا زعيم العائلة‪ ،‬مث‬
‫تطور األمر إىل نوع من التخصص‪ ،‬حيث اقتصرت مهمة الكهنة على العلم الديين‪ ،...،‬ويتضمن التعليم الديين تلقني جمموعة‬
‫من التعاليم الدينية والتدريب على طقوسها‪ ،‬وتظهر هذه التعاليم يف جمموعة من القوانني العامة ميكننا تطبيقها عمليا‪ ،‬هذا‬
‫التطبيق يستلزم التدريب على أعمال معنية مرتبطة باحلفالت الدينية الغناء‪ ،‬الرقص‪ ،‬تقدمي القرابني‪ ،)...‬ويقوم رجال الدين‬
‫بتدريب الشعب على هذه األعمال‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪)39‬‬
‫ويتوىل رجال الدين إىل جانب ذلك نشر الدعوة والتعليم بني طائفة الرهبان اجلديدة‪ ،‬وهذا يستلزم نوعا مميزا من التعليم أرفع مما‬
‫يتقدم لعامة الشعب‪ ،‬يقوم به طبقة من الكهنة املستبشرين‪ ،‬وهبذا التعليم األخري تتكون (املدرسة) بكل معاين الكلمة يف العصر‬
‫احلديث‪ ،‬وكانت أول نشأة هلا هلذه املدارس أيام قدماء املصريني‪.‬‬
‫هناك جمال ثان جتلى فيه تقدمي وظيفة الرتبية على يد الكهنة هو االهتمام بالعلوم الكونية واملبادئ الفلسفية والرياضيات والعلوم‬
‫الطبقية واحليوية‪ ،‬وهذا االهتمام عربت بعقيدة البدائي مرحلة حياة اجلمود أو مرحلة التفسري الروحي إىل مرحلة البحث فيما وراء‬
‫الطبيعة‪ ،‬وكل هذه املعلومات اليت اختصت هبا طائفة الكهنة كانت شرا خفيا على عامة الناس‪.‬‬
‫أما اجملال الثالث لتقدمي الرتبية على يد الكهنة فنجده يف اخرتاع لغة الكتابة لالحتفاظ بالطقوس الدينية والشعائر والتفاسري‬
‫الفلسفية والكونية والعملية‪ ،‬وتطلب ذلك من الكهنة اإلملام باللغة املكتوبة وباآلداب اليت تتضمنها تلك اللغة‪.‬‬
‫*التنظيم‪ :‬كان هناك تنظيم قليل يف التعليم البدائي‪ ،‬وَل تكن هناك مراحل للتعليم وال مستويات دراسية‪ ،‬وكان معظم التدريب‬
‫يعطي بطريقة عشوائية عرضية ال يشمل إال األنشطة والواجبات الضرورة لألسرة والقبيلة‪ ،‬ورمبا كان املظهر الوحيد للتنظيم يف‬
‫التعلم البدائي هو االحتفاالت اهلامة اليت عن طريقها يتعلم الشاب املراهق االنتقال إىل حياة الرجولة الكاملة وعضوية القبيلة‪.‬‬
‫(نفس املرجع‪،‬ص‪)21‬‬
‫*طرق التربية البدائية‪ :‬ما قام به اإلنسان القدمي فإنه َل يتعد التدريب التقليد الالشعوري الالمقصود‪ ،‬فهو َل حياول مطلقا‬
‫التفسري أو التعليق بل كان يرى العمل ويعرف كيف يعمله‪ ،‬بطريقة املالحظة تارة وباحملاولة تارة أخرى‪ ،‬وبتكرار التقليد وحبذف‬
‫األخطاء يصل الطفل البدائي إىل مرحلة االتقان‪ ،‬وبظهور نظام الطبقات وبتوزيع العمل تصبح عملية التقليد عملية شعورية‬

‫‪41‬‬
‫ولكنها ال تصبح عملية تعليم عقلية‪ ،‬ويف املراحل املتأخرة لنمو البدائي ظهرت طريقة التقليد‪ ،‬وبدأ الكبار يتدخلون يف توجيه‬
‫النشء والشباب لالقتداء هبم وتوجيه سلوكهم‪ ،‬وكان واجب الشباب أن يقبلوا دون اعرتاض عادات قبيلتهم‪ ،‬استخدمت‬
‫طريقة احملاولة واخلطأ يف نطاق ضيق يف بعض األعمال اليت تتعارض مع العرف أو احملرمات‪ ،‬واستخدمت طريقة الوعظ‬
‫واإلرشاد عن طريق الكهنة خاصة فيما يتعلق باألنشطة اخلاصة‪.‬‬
‫‪-‬الدروس المستفادة من التربية البدائية‪ :‬إن سر قوة الرتبية يف اجملتمعات البدائية يكمن يف أمرين رئيسني‪:‬‬
‫األول‪ :‬جناح هذه اجملتمعات يف تربية صغارها وإ دماجهم يف جمتمع الكبار‪ ،‬فقد استهدفت األساليب الرتبوية للمجتمعات‬
‫البدائية مساعدة الفرد على أن يصبح جزء متكامال مع ثقافة اليت ينتمي إليها‪ ،‬على عكس ينشأ الطفل املعاصر غريبا على‬
‫جمتمع الكبار ألنه يف معظم حياته ال جيد اجملال الكايف لالحتكاك هبم‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬متيز الرتبية البدائية بإثارة الطفل للرتبية وإ قباله على التعلم بدافع داخلي واستثارة حقيقية‪ ،‬يف حني أن الطفل احلديث‬
‫جيد أن كثريا مما يدرسه يف املدرسة نظريا وجافا ومعزوال عن دنيا حياته‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.)23‬‬
‫‪-2-3-3‬التربية في الحضارة المصرية(الفرعونية)‪:‬‬
‫إن املنجزات املادية وغريها هي نتاج سياسة تعليمية عملية ال ينبغي أن يغفل عنها املريب‪ ،‬فإن كانت مبانيهم رائعة فإن‬
‫حبهم للكتاب واملكتبات أروع‪ ،‬فحصيلة العلم والفكر والتفاين يف العمل عز وتفوق وجمد‪.‬‬
‫‪-‬قبل حوايل (‪311‬ق‪.‬م) عرف املصريون القدماء نظام الكتابة وما زالت آثارهم الباقية تبهر العقول‪ ،‬لقد برع املصريون يف‬
‫علوم كثري منها علم اهلندسة والطب والزراعة والفنون اجلميلة كالرسم والنحت واملوسيقى‪ ،‬كان املصريون أصحاب عملية إىل‬
‫أبعد احلدود‪ ،‬وأعظمها آثارهم اخلالدة ورسوماهتم الساحرة‪.‬‬
‫‪ -‬ومن الناحية الدينية فحظه كحظ احلضارة الغريبة احلديثة‪ ،‬حيث الفارق بني تطورهم املادي ونظامهم الروحي‪ ،‬ميكن‬
‫مالحظته بوضوح‪ ،‬فلقد عبد الفراعنة الشمس وقدسوا احليوانات ولقد قام (أخناتون)(‪8353-8329‬ق‪.‬م) باختبار إله‬
‫واحد وهو الشمس فعبدوه ومن الناحية االجتماعية‪ ،‬لعبت املرأة دورا مذكورا على ساحة األحداث العامة‪ ،‬وكانت للمرأة‬
‫الفرعونية منزلة عظيمة يف اجملتمع‪( .‬الكندري لطيفة حسني‪ ،‬و ملك بدر حممد‪ ،4111 ،‬ص‪.)15‬‬
‫كان النظام التعليمي يركز على حفظ املعلومات وتنمية املهارات مثلها ميثل احلضارة السومرية‪ ،‬وكان على املتعلم أن يبدأ‬
‫من البسيط إىل املعقد وكان التعليم مرتبط بأمهية اإلنتاج والعمل‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫إن التعلم العايل كان مقره غالبا املعابد‪ ،‬ومن أشهر املعابد جامعة (أون) أي (عني الشمس)‪ ،‬ومعبد (الكرنك) (وادفو)‪ ،‬وأن‬
‫األطفال من سن (‪88-5‬سنة) كانوا يتعلمون "قراءة وكتابة اللغة اهلريوغليفية‪ ،...‬وكانوا يدونون نصوصهم الدينية على‬
‫خشب األبنوس والعاج وصفحات ورق الربدي‪ ،‬كان التعليم يف مراحله األوىل حيصل عليه عامة الناس‪ ،‬أما التعليم العايل‬
‫فكان من مجلة احلقوق اليت ال يناهلا ويتمتع بنورها إال أبناء الفراعنة النبالء‪.‬‬
‫ومن احلكم املصرية املأثورة يف ميدان التعليم قوهلم يف حتديد شأن الكتابة "كن كاتبا تبلغ اجملد والثروة"‪ ،‬وقوهلم "تذكر يا بين‬
‫أن أي مهنة من املهن حمكومة بسواها إال الرجل املثقف فإنه حيكم نفسه بنفسه"‪.‬‬
‫ومن العبارات املنحوتة على جدار مصري فرعوين "سأجعلك يا بين حتب الكتاب‪...‬كما حتب أمك‪...‬أو أكثر" ألن‬
‫الكتاب ال مثي ل له‪ ،‬فلقد اهتم القدماء يف مصر بتعليم القراءة للطفل كما يعلمونه املشي واألكل "هنا عالج الروح"‪" ،‬هنا‬
‫بيت عالج النفس"‪ ،‬كلمات كانت تكتب على جدران املكتبات املصرية القدمية مثل‪( :‬مكتبة معبد رمسيس) و(مكتبة معبد‬
‫ادفو)‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪)26‬‬
‫مث ينتقل هذا الشعار إىل احلضارات األخرى ويف ذلك داللة واضحة على أن الكتاب ميكن أن يستخدم يف عالج الروح إذا‬
‫سقمت والنفس إذا اعتلت‪ ،‬وهذه العبقرية املصرية تسمى يف العلوم املعاصرة بالعالج بالقراءة‪ ،‬وهذا العلم من العلوم تندرج‬
‫حتت علم النفس وتعين استخدام الكتب يف عالج املرض‪.‬‬
‫ركزت الرتبية املصرية على قضية البعث والنشور واعتناء الفراعنة ببناء األهرامات وعلم التخليط يدل تعدد اآلهلة عند‬
‫املصريني القدماء على تربية دينية قلقة تتخللها صراعات سياسية لفرض عقائد وثنية على اجملتمع‪.‬‬
‫*بعض قسمات التربية عند المصريين القدماء‪:‬‬

‫‪ّ /1‬‬
‫كون املصريون نظاما للكتابة وجنح اخلط اهلريوغليفي يف تعليم املصريني ونقل الرتاث إىل العصور األخرى‪ ،‬وما زالت هذه‬
‫الكتابة متد الباحثني واملؤرخني يف علم املصريات بالكثري من املعلومات التارخيية‪.‬‬
‫‪ /2‬عرف املصريون القدامى املكتبات العامة وكان ختزين الكتب يتم بإشراف متخصصني حيرصون على حسن تنظيمها‬
‫واملبالغة يف احلفاظ عليها‪.‬‬
‫‪ /3‬استخدم املصريون األشكال اهلندسية والرسومات على أوراق الربدي وعلى اجلدران كوسيلة من الوسائل احلسية لتوصيل‬
‫املعلومات‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫‪ /4‬بلع التعليم إىل مرحلة التخصص الدقيق يف علوم متنوعة إذ ظهر التعليم العايل لتغطية حاجة اجملتمع‪ ،‬وَل تكن الرتبية‬
‫األساسية واملتوسطة هي هناية الطريق‪.‬‬
‫‪ /5‬امتازت احلضارة املصرية بالتميز واإلبداع والتفوق‪ ،‬فالبناء اهلندسي لألهرامات واملعابد واملقابر مثال من الشواهد الدالة‬
‫على درجة عالية من االتقان يف اإلنتاج‪ ،‬والشك أن النظام الرتبوي كان خلف هذا النجاح‪.‬‬
‫‪ /6‬لعب الدين دوراً عظيما يف مجيع احلضارات‪ ،‬والرتبية الدينية اليت شكلت ثقافة الناس َل تكن سليمة احملتوى‪ ،‬حيث‬
‫توجها أنظار املصريني إىل الفضاء فعبدوا الشمس كما عبدوا احليوانات وظنوا أن أرواح اآلهلة حتل يف التماثيل‪ ،‬أمنوا بالبعث‬
‫بعد املوت كما أمنوا باجلنة والنار وخلود األرواح‪ ،‬لذلك كانت وظيفة املؤسسات التعليمية أن تقوم بتعليم الناس الطقوس‬
‫الدينية اليت كانت حافلة باألساطري واخلرافات والطالسم‪.‬‬

‫‪ّ /7‬‬
‫رسخ النظام الرتبوي يف مصر قدميا الطبقية يف اجملتمع‪ ،‬حيث كان التعليم يُعزز دور الكهنة الذين كانوا يقودون احلركة‬
‫التعليمية ويوفرون الرتبية الراقية ألبناء النبالء‪ ،‬ورجال البال ‪.‬‬
‫‪ /8‬عرف املصريون مؤسسات خاصة بالدراسات العليا وبنوا املعابد اليت ترعى العلم مثل معبد الكرنك‪.‬‬
‫‪ /0‬كانت الرتبية بالعقوبة البدنية وسيلة قاسية من وسائل الرتبية يف ذلك العصر‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.)61‬‬
‫‪-3-3-3‬التربية عند اليونان‪:‬‬
‫يعرف الفكر الرتبوي عند اإلغريق بالتنوع الشديد (فسقرا ) و(أفالطون) ينزعون إىل املثالية يف حديثهم عن العدل واخلري‬
‫واجلمال‪ ،‬بينما مييل الفيلسوف اليوناين (أرسطو) إىل الواقعية يف حني يذهب السفسطائيون إىل اجلدل والشك يف كل‬
‫املسائل‪.‬‬
‫إن احلضارة اليونانية والرومانية استطاعت التغلغل يف الثقافة الغربية احلديثة لتصبح أصالً من أصوهلا الفكرية‪،‬وحىت بذور فكرة‬
‫الدميقراطية يعتقد بعض الباحثني أهنا كانت من أدبيات أفكار اليونانيني‪،‬ومن الثابت تارخييا أن الغرب عرف علوم اليونان عرب‬
‫الرتاث اإلسالمي العريب الذي ساد بالد األندلس ومن خالل احلروب الصليبية اكتشفت الغرب علوم اليونان‪ ،‬درس اإلغريق‬
‫علوم اليونان‪ ،‬درس اإلغريق علوما كثرية وأمهها علم اإلهليات‪ ،‬لقد تكلموا عن اجلوهر‪ ،‬والطبع والفعل واخلري‪ ،‬واملكان‬
‫واألجناس‪ ،‬واألبدان والروح‪ ،‬والبعث والنشور والعدل‪ ،‬وهي من القضايا الدينية الفلسفية الشائعة والشائكة‪ ،‬واليت شغلت‬
‫مساحات واسعة من كتبهم‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫*أثينا وأسبرطة‪ :‬مها املدينتان اهلامتان يف تاريخ اليونان‪ ،‬ورغم اختالف نظمهما السياسية وطبيعة احلياة االقتصادية فيهما‪،‬‬
‫إال أهنما اتفقتا يف جعل الرتبية وسيلة إلعداد املواطن الذي خيدم بلده‪ ،‬فيحفظ األمن داخليا كما يدفع هجمات الطامعني‬
‫فال يهاب احلروب وال يقبل اهلزائم واالستسالم‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.)68‬‬
‫*في أسبرطة‪ :‬كانت االسرتاتيجية التعليمية تركز على التدريبات العسكرية املستمرة لنخبة معينة من أبناء اجملتمع ليكونوا‬
‫مواطنني صاحلني‪ ،‬لعبت الدولة دوراً بارزاً يف صياغة النظام التعليمي الذي كان يسوده اجلمود والقسوة والتسلط‪ ،‬الشجاعة‬
‫النابعة من التمرينات الرياضية الشاقة كانت من أهم القيم الرتبوية يف حياة الفتيان والفتيات وكانت كل املواعظ املتوارثة‬
‫والتدريبات القاسية تعمل على ترسيخ هذه الفضيلة يف نفس املواطن اإلسربطي لدرء املخاطر اخلارجية‪ ،‬وتأمني حياة قوية‬
‫وحضارة متفوقة‪.‬‬
‫انبثقت جمموعة قيم اسربطية من قيمة الشجاعة مثل‪ :‬شيم الصرب والتعاون وحتمل املشاق وضبط النفس والثبات واخلشونة‬
‫يف العيش والطاعة العمياء للقادة والوالء املطلق هلم واحرتام النظام‪.‬‬
‫متتع التعليم يف أثينا حبرية سياسية ومال إىل إعالء شأن الفكر‪ ،‬فركز على املهارات العقلية واآلداب االجتماعية ومث استخدام‬
‫التهديد والضرب حني احلاجة بغرض التقومي‪ ،‬وكانت املهارات العقلية متصلة بالفنون كما يُستخدم الشعر للغناء‪ ،‬والقت‬
‫املناقشات الفكرية القائمة على مهارة اخلطابة تشجيعا كبرياً كانت الرتبية الرياضية للطفل هتدف إىل إعداد املواطن القوي‬
‫جسديا والقادر على الصمود واالنتصار‪.‬‬
‫الرتبية العسكرية يف أسبرطة مبنية على الشدة والعنف يف تربية األحداث حىت إذا ناهز الغالم احللم‪ ،‬فإن الرتبية تزداد شدة‬
‫من خالل املزيد من التمارين الشاقة‪ ،‬إذ أ ن املراهق يف فلسفتهم السائدة هو شخصية جاحمة جيب أن تضبط من خالل‬
‫اشتغاهلا باألنشطة‪.‬‬
‫حركة السوفسطائيني من أبرز احلركات الفكرية اليت ظهرت يف اليونان فهم ينكرون وجود حقائق ثابتة يف احلياة وجيادلون يف‬
‫أن ما يراه أحد باللون األبيض قد يكون عند اآلخر بلون خمتلف متاماً‪ ،‬مما جعل اجلدل يف البديهيات يستفحل يف املدينة‪.‬‬
‫جند أن الرتبية املوسيقية القت عناية فائقة وبلغت شأنا عظيما إذ انتبه اليونانيون إىل أثر النغمات واألحلان يف مالمسة‬
‫أحاسيس اإلنسان‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫(أبو قرا ) هو أبو الطب‪ ،‬ألنه هنض هبذا العلم وأفاض تعزيزه بالتجربة والدليل‪ ،‬لقد ناقش (أبو قرا ) املسائل الطبية نظريا‬
‫ونشر آداهبا عمليا‪ ،‬فأصبح قسم (أبو قرا ) من أهم معاَل تاريخ احلركة الطبية يف العاَل أمجع وهذا القسم من أقدم الوثائق‬
‫التارخيية النادرة اليت تبني أخالقيات ُممارس مهنة الطب‪.‬‬
‫كان علماؤهم يُسمون بالفالسفة اإلهليني‪ ،‬أعظمهم (فيتاغورس) و(سقرا ) و(أفالطون) و(أرسطو طاليس) وهم من أرفع‬
‫الناس طبقة وأجل أهل العلم منزلة ملا ظهر منهم من االعتناء الصحيح بفنون احلكمة من العلوم الرياضية واملنطقية‪ ،‬واملعارف‬
‫الطبيعية واإلهلية والسياسات املنزلية واملدنية‪ ،‬ومجع العلوم العقلية‪ ،‬مأخوذة عنهم‪ ،‬ولغة قدمائهم تسمى اإلغريقية‪.‬‬
‫(نفس املرجع‪ ،‬ص‪)62‬‬
‫اليونانيون القدماء هم أول الناس الذين شرعوا يف دراسة الذاكرة‪ ،‬ولقد ناقشوا أشكال التذكر‪ ،‬وحتدثوا عن عوامل النسيان‬
‫وحاولوا حتديد مكان الذاكرة يف اجلسم اإلنساين‪ ،‬كما حددوا وظائف ُكل من الدماغ والقلب‪.‬‬
‫انصرف الفيلسوف (زينون) إىل التدريس يف أحد أروقة ميادين أثينا الكربى‪ ،‬وكان هذا الرواق ملا حيتويه من صور شهرية‬
‫يسمى الرواق املزدان بالصور وكان (زينون) يسري يف التعليم على طريقة الفيلسوف (أرسطو) الذي علم تالميذه وهو يتمشى‬
‫ذاهبا عائدا بينما كانوا يتحلقون حوله ما شني جبواره مستمعني إليه حماورين له‪ ...‬ولذلك نسب (زينون) إىل الرواق‪ ،‬ونسب‬
‫إليه تالميذه الذين حافظوا على طريقته يف التعليم يف أروقة املعابد‪ ،‬آنذاك فقيل هلم (الرواقيون)‪.‬‬
‫احلكيم (إيسوب) من أبرز األدباء الذين تركوا حكايات خالدة دخلت ذاكرة الثقافة العاملية‪ ،‬ورغم اخلرافات اليت أوردها إال‬
‫أنه أعطى القصص قوة هائلة كقناة من قنوات العظة األخالقية‪ ،‬إذ أن (إيسوب) جعل احلكمة وفنوهنا تنساب من فم الطيور‬
‫واحليوانات‪ ،‬وسخر اخليال لألغراض التعليمية‪ ،‬فغرس احلكمة يف النفوس من دون استخدام الكلمات اجلافة واألفكار اجملردة‪،‬‬
‫ما زالت مكتبة الطفل على مستوى العاَل تستوحي من قصص (إيسوب) حكايات بال حصر‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪)65‬‬
‫أكثر من ‪ 4511‬سنة ما زالت الشعوب تروي قصة السلحفاة اليت سبقت األرنب بسبب الغرور‪ ،‬وقصة األب واالبن‬
‫عندما ركب أحدمها احلمار فتحدث عنهما الناس بسوء‪ ،‬فإرضاء الناس غاية ال تدرك وما زال الناس يذكرون بإعجاب قصة‬
‫الغراب واجلرة‪ ،‬وقصة الفأر الذي أنقذ األسد من الشباك‪ ،‬وقصة األسد والثريان الثالثة‪ ،‬إذ فرق األسد بينهم مث افرتسهم‬
‫والراعي الكاذب والذئب‪ ،‬كثرية هي القصص اليت تعرفها من الصفر‪ ،‬ولكن جنهل جذورها هي أساطري منسوبة إىل (إيسوب)‬
‫من عهد بعيد‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫إن بعض األفكار الرتبوية املعاصرة مبا كان سائدا يف اليونان‪ ،‬فما زالت الدول والشعوب تتخذ من الرتبية الوطنية أساس‬
‫للتعليم ومن الرتبية البدنية والعقلية والعسكرية أساسيات إعداد املواطن الصاحل‪ ،‬وفوق ذلك كله أجنبت اليونان أبرز رواد‬
‫الفلسفة والرتبية والطب والتاريخ‪ ،‬وما زالت دراسات (سقرا ) و(أفالطون) و(أرسطو) تدرس يف اجلامعات واملعاهد‬
‫والكليات يف مشارق ومغارب األرض‪ ،‬تنهل كليات املعلمني واملعلمات إىل يومنا هذا من عصارة فكر السابقني‪ ،‬وما زال‬
‫مرياث علماء اليونان أساس الفلسفة ومسائلها السائدة‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪)62‬‬
‫‪-4-3-3‬التربية عند الرومان‪:‬‬
‫احلضارة الرومانية من احلضارات اليت عاشت ملدة مئات السنني ولعبت دوراً يف تاريخ الفكر البشري احلضارة الرومانية وريثة‬
‫احلضارة اليونانية‪ ،‬حيث حولت اآلراء الفلسفية السابقة إىل نظريات وابتكارات مادية ملموسة‪ ،‬لقد حتولت النظريات املنطقية‬
‫والعلوم األكادميية إىل إجنازات علمية نفعت الرومانيني‪ ،‬كانت الرتبية عند الرومان تقوم على التقليد والقسوة يف دفع املتعلم‬
‫إىل الدراسة‪( .‬الكندري لطيفة حسني وملك بدر حممد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.)66‬‬
‫وعندما تقدمت الرتبية عند الرومان أصبح التعليم يركز على مهارة القراءة والكتابة واحملادثة‪ ،‬وكان الرتكيز واضحا على تبين‬
‫فكرة أمهية اخلطابة يف إعداد املواطن كما فعل (شيشرون) (‪812‬ق‪.‬م) وهو أحد أعالم الرتبية الرومانية‪ ،‬آمن (شيشرون)‬
‫بضرورة االعتناء الرتبوي بالشبيبة وترك وصايا عديدة هي من أقدم الوصايا الرتبوية الرومانية‪.‬‬
‫وعلى خطاه جاء (كونتليان)(‪95-35‬م)‪ ،‬إال أنه أسهم إسهاما بارزا يف حقل التعليم عندما أكد على أمهية تعليم الصغار‬
‫يف املدارس‪ ،‬إذ كان السائد من قبل أن الطفل يدرس أكثر وقته يف حميط األسرة وشن(كونتليان) هجومه على استخدام‬
‫العقاب البدين‪ ،‬فلم يقر به واعتربه صورة متخلفة‪ ،‬مجع هذا املفكر يف عمله كمعلم‪-‬بني التعليم اخلاص والتعليم العام‪ ،‬حيث‬
‫عمل يف تدريس أ بناء امللوك السمة العامة لنمط الرتبية الرومانية هي التمحور حول الرتبية األخالقية‪ ،‬وإعداد اخلطيب والرجل‬
‫النبيل‪ ،‬ولقد ترك (كونتليان) املريب الروماين مقطوعات نثرية هلا قيمة تربوية كبرية‪ ،‬وكأنه استلهمها من دراسة عميقة ملبادئ‬
‫علم النفس احلديث‪ ،‬فمثال رأيه يف استخدام اللعب كوسيلة من وسائل الرتبية وحديثة عن أمهية الرتويح والتسلية يف جتديد‬
‫نشا الطفل من املباحث العصرية ال شك يف أن جتربته يف سلك التعليم كانت ثرية وأتاحت له فرصة التعرف على مفاهيم‬
‫تربوية هامة فطالب بتوظيفها يف احلقل الرتبوي‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.)66‬‬

‫‪46‬‬
‫‪-‬يقول (كونتليان) "مع هذا فإن مجيع تالمذتنا حباجة إىل االستجمام‪ ،‬ليس ألنه ال يوجد يف هذا العاَل من يستطيع أن‬
‫يتحمل اجلهد املستمر‪ ،‬حىت األشياء غري املفكرة واجلامدة ما َل يعط فرتات من الراحة‪ ،‬ولكن ألن الدرس يعتمد على ممارسة‬
‫التلميذ أيضا وهي صفة ال ميكن حتقيقها بالقوة‪ ،‬وكنتيجة لذلك فإهنم إذا ما انتعشوا وعاد إليهم نشاطهم بعطلة (يتمتعون‬
‫هبا)‪ ،‬فإهنم سيعودون بطاقة أ عظم يف تعلمهم ويواجهون عملهم بروح عظيمة من عن ال ميكن أن يرتاجع‪ ،‬إنين أوافق على‬
‫اللعب عند األطفال‪ ،‬ألنه دليل احليوية وينبغي أن ال يكون هذا االستجمام بغري حدود‪ ،‬وإال فإن رفض منح عطلة للصبيان‬
‫سيجعلهم يكرهون عملهم‪ ،‬بينما الزيادة يف االستجمام ستعودهم الكسل‪.‬‬
‫وطالب بضرورة االعتناء بطريقة التدريس‪ ،‬وقال إهنا أهم شيء يف التعليم‪.‬‬
‫عرفت احلضارة الرومانية املدارس االبتدائية اليت كانت معروفة باسم (للودوس) واملعلم يسمى (املؤدب)‪ ،‬أما اآلباء األغنياء‬
‫فكانوا جيلبون لصغارهم معلمني أكفاء يالزموهنم يف البيت واملدرسة‪ ،‬فيقدم هلم التوجيه الالزمة أخالقيا ودراسيا‪ ،‬وكان اآلباء‬
‫األغنياء من الرومان يضعون أبناءهم يف رعاية عبد يطلق عليه اسم "بيداغوج" منذ دخوهلم مدارس (اللودوس) حىت سن‬
‫السادسة عشر‪.‬‬
‫إن األفكار الرتبوية اليت برزت يف (روما) ما زالت بارزة للعيان كتوجهات تربوية‪ ،‬جندها تؤكد على النمط التعليمي يف التعلم‬
‫ذلك النمط الذي يؤكد على الشدة باملتعلمني وضرورة حفظ املعلومات عن ظهر القلب‪ ،‬وأما توجه (كونتليان) الذي َل‬
‫ينتشر كثريا‪ ،‬فإنه توجه يتماشى مع التوجه احلديث يف علم التنفس الرتبوي‪ ،‬ألنه يؤكد على فهم طبيعة املتعلم ويركز على‬
‫ضرورة احرتام حريته‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪)69‬‬
‫‪-5-3-3‬التربية عند الصينيين‪:‬‬
‫لعلى احلضارة الصينية من أبعد احلضارات عهداً بالرتبية وأشهرها ذكرا يف التاريخ‪ ،‬كان الصينيون مييلون إىل التأمل‬
‫امليتافيزيقي‪ ،‬والبحث عن احلكمة الدينية‪ ،‬فلذلك جند املذاهب الفلسفية مثل‪ -‬الطاوية والكونفوشيوسية‪-‬لعبت دوراً كبرياً يف‬
‫تشكيل الرؤى املعرفية واآلداب االجتماعية يف حياة الصينيني منذ القرن السادس قبل امليالد إىل العصر احلديث‪ ،‬ولقد سبقت‬
‫احلضارة الصينية يف علوم كثرية منها الطب فمازالت اإلبر الصينية وسيلة من وسائل العالج يف أقطار العاَل إىل جانب‬
‫العالج بالعقاقري واجلراحة‪ ،‬واشتهر الصينيون منذ القدم باجلد واملثابرة والعمل الدؤوب دون كلل وملل‪ ،‬وللصينيني تاريخ قدمي‬
‫وهلا تربية شرقية عريقة تتسم بالصرامة يف حفظ العادات‪ ،‬والتمسك بالتقاليد‪ ،‬وتقدير املاضي‪ ،‬وتقديس أرواح األجداد‪،‬‬

‫‪47‬‬
‫والعمل اجلماعي صيغة كنفوشيوسية قد تقلل من اإلبداع الفردي‪ ،‬ولكنها أثبتت جدواها فإن اليابان تنهج منهجا تعليميا‬
‫يُعلى من شأن اجلماعة ال الفرد‪ ،‬وبلغت مرتبة تكنولوجية ال تقل عن الغرب القائم على النزعة الفردية املالية‪.‬‬
‫(الكندري لطيفة حسني وملك يدر حممد‪ ،‬مرجع سابق ص‪)11‬‬
‫وركزت الرتبية الصينية على ضرورة عقد االختبارات للطالب‪ ،‬وعلى أمهية احلفظ للمعلومات‪ ،‬وَل تنس فلسفة الرتبية الصينية‬
‫أن تؤكد على الروحانيات‪ ،‬ويف اجلانب األخالقي فإهنا اهتمت بإلزام املتعلم بالقوانني والتشريعات‪ ،‬كان هناك اعتناء بالرتبية‬
‫املهنية للعمل يف اجملتمع ونظام التعليم يشرت اجتياز اختبار تثبت متكن املتعلم من فهم وحفظ املناهج‪ ،‬ولقد اعتىن الصينيون‬
‫بشكل خاص بعلم الكيمياء‪ ،‬هناك صلة مباشرة بني حبهم لعلم الكيمياء وارتباطهم بالقيم الروحية‪ ،‬إذ كان هدفهم من‬
‫دراسة الكيمياء اكتشاف سر البقاء فكرسوا جهودهم يف البحث عن مادة هتب حياهتم اخللود على أن هذا االهتمام‬
‫املتواصل قادهم إىل دراسة النباتات فكتبوا عن فوائد الثوم واألعشاب‪.‬‬
‫وال ميكن فهم اخللفية النظرية للصني من غري التعرف على رواد احلركة الدينية‪ ،‬ولد (لوتس) (‪ )laot zu‬مؤسس الطاوية‬
‫يف(ق ‪ 12‬ق‪.‬م)(‪516‬ق‪.‬م)‪ ،‬وله إصالحات مجة بالنسبة للصينيني منها أن فكرة االصالحي ظل قرابة ألفي سنة‬
‫(‪ ،)4111‬من ركائز الفكر الفلسفي واالجتماعي يف الصني‪ ،‬اهتم(لوتسو)‪- ،‬أي املعلم الكبري‪ -‬بالروحانيات‪ ،‬وبالصحة‬
‫البدنية من أجل طول العمر‪ ،‬فأكد على أمهية اختيار الطعام املفيد‪ ،‬يرى (لوتس) أن يعيش اإلنسان مع غريه باحلب ال‬
‫بالعنف ومن ال يعمل عقله ال يشعر باملشكالت‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪)11‬‬
‫َل تركز التعاليم على العمل الصاحل بقدر ما كانت تركز على حالة التفاعل واالنسجام مع البيئة‪ ،‬وهو األمر الكفيل بإعداد‬
‫اإلنسان لألخالق الفاضلة كان التعليم اليومي لألطفال يف املدارس يبدأ باكراً‪ ،‬وقد يستمر إىل العصر وحىت الغروب‪ ،‬وتعترب‬
‫اللغة الصينية ذات تفصيالت كثرية يف رموزها وحروفها تستلزم وقتا طويال ملعرفتها‪ ،‬األمر الذي يتطلب املزيد من اجلهد‪.‬‬
‫‪-‬الكونفوشيوسية‪ :‬ديانة فلسفية كانت وما زالت مصدر إهلام وإشعاع فكري وروحي واجتماعي وتعليمي يف الصني‪.‬‬
‫‪-‬الفيلسوف احلكيم(كونفشيوس)(‪269‬ق‪.‬م‪588 ،‬ق‪،‬م)‪ ،‬هو املعلم الرتبوي الذي استمر فكره واستقر سحره يف أعماق‬
‫الفكر الرتبوي الصيين حىت أطلق عليه "أعظم معلم صيين"‪ ،‬لعب هذا الفيلسوف دورا هاما يف رعاية الفقراء وحاول أن يقوم‬
‫باإلصالحات احلكومية واإلدارية اليت من شأهنا أن تسعد احملتاجني واملساكني‪ ،‬بدأ رحلته الفكرية مع أستاذه (لوتس) الذي‬
‫أنشأ الطاوية‪ ،‬لكنه سرعان ما اختلف معه وانفصل عنه‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫وقامت احلركة الكونف وشيسية باستخدام عدة وسائل للتنشئة االجتماعية منها تسخري املناصب السياسية ألغراضهم‪،‬‬
‫واالعتناء مبهارة مطالعة الكتب‪ ،‬ودراسة اللغة واآلداب‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.)18‬‬
‫واملوسيقى وغرس فكرة تقديس األرواح لتهذيب النفس‪ ،‬األخالق هي األمر األساسي الذي تدعو إليه الكونفوشيسية‪ ،‬وهي‬
‫تسعى إ ليه برتبية الوازع الداخلي لدى الفرد ليشعر باالنسجام الذي يسيطر على حياته النفسية‪ ،‬مما خيضعها للقوانني‬
‫االجتماعية والقانونية بشكل تلقائي‪.‬‬
‫‪-‬كان(كونفشيوس) مصلحا أكثر منه رجل دين‪ ،‬احرتم اآلهلة‪ ،‬وحرص على إقامة الشعائر والطقوس‪ ،‬كانت عنايته متجهة‬
‫إىل إصالح النفس اإلنسانية‪ ،‬وتكوين جمتمع سليم قوامه احملبة واإلخاء والعدل‪.‬‬
‫ويرتكز القانون األخالقي عنده على أربع فضائل رئيسية هي‪:‬‬
‫‪ /1‬وجوب طاعة الوالد واخلضوع له‪.‬‬
‫‪ /2‬وجوب طاعة احلاكم واالنقياد له‪.‬‬
‫‪ /3‬على األخ األصغر أن يطيع أخاه األكرب‬
‫‪ /4‬على األصغر أن يلخصوا يف معاملة بعضهم البعض‪.‬‬
‫وهذه الفضائل يف نظر(الكونفشيوس) خالدة وجيب على كل فرد يف اجملتمع أن يتحلى هبا باستمرار‪ ،‬ألن االستمرار يف‬
‫التحلي بالفضيلة هو نفسه جزء ال يتجزأ من الفضيلة‪ ،‬التعليم عندهم من أهم العوامل اليت جتعل األفراد يفهمون القانون‬
‫األخالقي‪ ،‬ويسريون عليه‪ ،‬ولذلك جيب أن يتعلم األفراد آراء القدماء واحلكماء وما ورد عنهم من قصص‪ ،‬وعليهم أن يطلعوا‬
‫على مؤلفات (الكونفشيوس) حىت يلموا إملاما جيدا بآرائهم العامة‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.)14‬‬
‫كان األستقراطيون حيتكرون التعليم‪ ،‬فال يتعلم إال أبناؤهم‪ ،‬حىت جاء (كونفشيوس) وطبق فكرة التعليم اخلاص‪ ،‬فكان أول‬
‫معلم يفتح مدرسة خاصة يف تاريخ الصني‪َ ،‬ل يهمه األصل العائلي لتالميذه‪ ،‬وأعد أكثر من ثالثة آالف تلميذ‪ ،‬وزاد عدد‬
‫املتفوقني منهم السبعني‪.‬‬
‫وظهرت القاعدة الذهبية يف الصني لتنص على أن الفضيلة الكاملة "أن ال تفعل بغريك ما ال حتب أن يفعل بك"‪.‬‬
‫تتميز توجيهات (كونفشيوس) باإلجياز والرتكيز على البعد األخالقي‪ ،‬فيقول يف موعظته (يضع الرجل األعلى نصب عينيه‬
‫تسعة أمور ال ينفك يقلبها يف فكره‪ ،‬فأما من حيث عيناه فهو حيرص على أن يرى بوضوح‪ ،‬وأما من حيث وجهه فهو‬

‫‪49‬‬
‫حيرص على أن يكون بشوش ظريف‪ ،‬وأما من حيث سلوكه فهو حيرص على أن يكون وقودا‪ ،‬ويف حديثه حيرص على أن‬
‫يكون خملص‪ ،‬ويف تصريف شؤون عمله حيرص على أن يبذل فيه عنايته‪ ،‬وأن يبعث االحرتام فيمن معه‪ ،‬ويف األمور اليت‬
‫يشك فيها حيرص على أن يسأل غريه من الناس‪ ،‬وإذا غضب فكر فيما قد جيره عليه غضبه من الصعاب‪ ،‬وإذا الحت له‬
‫املكاسب فكر يف العدالة واالستقامة)‪.‬‬
‫ومن روائعه (إذا اختربت نفس فوجدتين على خطأ‪ ،‬وجدتين عاجزا حىت عن مواجهة الضعيف‪ ،‬وإذا اختربت نفسي‬
‫فوجدتين على حق‪ ،‬وجدتين قادرا على مواجهة األلوف‪.).‬‬
‫وعرف الصينيون القدماء علوما كثري منها علم اهلندسة‪ ،‬واخرتعوا العربات والسهام‪ ،‬والنقود كما أن النساء اكتشفت تربية‬
‫دود القز واهتموا بالكتب‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.)13‬‬
‫*سمات التربية الصينية‪:‬‬
‫‪ /1‬اهتم الفكر الصيين ب ربط الذات باجملتمع‪ ،‬العمل اجلماعي القائم على الوالء والطاعة من دعائم الفلسفة الرتبوية الصينية‪.‬‬
‫‪ /2‬الرتبية األخالقية‪ ،‬القت اهتماما بالغا يف العصور القدمية‪.‬‬
‫‪ /3‬وضوح الرؤية واالبتسامة‪ ،‬والوقار واإلخالص واإلحسان يف العمل‪ ،‬احرتام اآلخرين‪ ،‬االستفادة من علم اآلخرين كظم‬
‫الغيط‪ ،‬العدل واالستقامة يف التصرف‪...‬‬
‫‪ /4‬اإلميان بالرتبية املستمرة (يضع الرجل نصب عينيه‪.)...‬‬
‫‪ /5‬سامهت العبارة املوجزة كوسيلة تعليمية يف خلود اآلراء الرتبوية يف الفكر الصيين‪ ،‬حظيت احلكمة باهتمام كبري كوسيلة‬
‫لرتبية اجملتمع وهي مثرة التأمل الفردي والوالء للجماعة‪.‬‬
‫‪ /6‬الرتبية عرب غرس املبادئ جوهر الرتبية العقلية والنفسية واالجتماعية والبدنية‪.‬‬
‫‪ /7‬إ ن الرتبية الصينية ركزت على تراث السابقني‪ ،‬مما جعل اهلدف الرئيسي للرتبية هو نقل الرتاث واحلفاظ عليه‪ ،‬وَل تكن‬
‫فكرة جتديد الرتاث أو متحيص بعض نصوصه واإلضافة عليه التوجه الظاهر يف تاريخ الرتبية الصينية‪.‬‬
‫‪-‬فهي تربية ذات مقاصد تقليدية حمافظة هلا اعتناء فائق بالروحانيات وترهق املتعلم حبفظ املعلومات وتصقله باالختبارات‬
‫وتربية على تقديس املاضي ورموزه وأن االنسجام مع الطبيعة غاية االرتقاء الروحي‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫‪-6-3-3‬التربية في الحضارة الهندية‪:‬‬
‫اعتنت احلضارة اهلندية برتبية الطفل تربية حسنة ألجل مستقبل زاهر‪ ،‬وكما يقول املثل اهلندي (عندما يكون األوالد صغارا‬
‫زودهم جبذور عميقة‪ ،‬فإذا كربوا زودهم أجنحة طليقة)‪ ،‬درس اهلنود العديد من العلوم مثل احلساب والطب وجنحوا يف مترير‬
‫مرياثهم العلمي لألمم األخرى‪ ،‬ظل التعليم الرفيع بيد الكهنة (الربامهانيني) كي يفسروا النصوص الدينية املقدسة‪.‬‬
‫تأسست البوذية يف اهلند على يد األمري وسيدهارت جوتاما (‪213-523‬ق‪.‬م) والذي عرف يف اللغة السنكرينية باسم‬
‫(بوذا) أي الرجل احلكيم أ و املستنري واملتنور وهو مصلح اجتماعي مرموق‪ ،‬وفليسوف قدمي‪ ،‬وزعيم دنيي بارز‪ ،‬كان (بوذا)‬
‫من أسرة ثرية‪ ،‬فعاش يف نعيم مث بدا له أ ن يرتك احلياة املرتفة ليطوي حياته مع التقشف والتأمل والروحانيات النبيلة‪ ،‬لقد‬
‫طالب (بوذا) بتهذيب األخالق من خالل معاجلة عيوب النفس‪ ،‬ومع مرور الوقت تشكلت جمموعة تعاليم دينية لتصبح‬
‫مادة التعليم يف اهلند والصني‪( .‬الكندري لطيفة‪ ،‬حسني ملك بدر حممد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.)15‬‬
‫وتؤمن البوذية الوثنية أن السعادة تكمن يف كبح مجاح النفس وقمع الشهوات والتفرغ للعبادة وتصفيه النفس‪ ،‬لذلك فإن‬
‫البوذية حتث على الرهبة والعزلة والتفكري التأملي من أجل هتذيب النفس على متارين روحية وجسدية معينة‪ ،‬تقوم البوذية على‬
‫فكرة األَل الذي ال ينفك عن اإلنسان إال بالعبادة(النريفان)‪ ،‬حيث حيصل العابد على اللذة الروحية ويتمتع بالتأمل العميق‬
‫لقد أحرزت تعاليم بوذا شهرة واسعة على مستوى العاَل وعلى مر القرون‪ ،‬استقطبت الفقراء‪ ،‬لقد ترك بوذا بذور التصوف‬
‫الذي يقضي حبرمان الذات من امللذات‪.‬‬
‫واألركان األربعة لتعاليم بوذا هي‪:‬‬
‫‪ /1‬كل األشياء واخلربات حتوطها الصعوبات واالحباطات‪.‬‬
‫‪ /2‬الشهوات من أسباب املعاناة‪.‬‬
‫‪ /3‬احلل هو التخلص من الشهوات‪.‬‬
‫‪ /4‬اخلالص ال يتحقق إال بااللتزام بثمانية آداب وهي (العلم الصحيح‪ ،‬التطبيق‪ ،‬احلياة الصحيحة‪ ،‬بذل اجلهد‪ ،‬التفكري‬
‫السليم‪ ،‬الرتكيز السليم)‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.)12‬‬

‫‪51‬‬
‫ال شك أن اهلند هلا مآ ثر علمية كثرية‪ ،‬نقل وهنل منها املسلمون وغريهم ملدة قرون‪ ،‬ولقد نقل (البريوين) (‪8121‬م) اثنني‬
‫وعشرين (‪ )44‬كتاب من الرتاث اهلند العلمي إ ىل اللغة العربية‪ ،‬وكان حييط بعلوم اهلند ولغتها‪ ،‬وعرف ما عندهم من العلم‬
‫واملعرفة‪ ،‬واطلع على كتبهم يف العلوم والرياضيات ودرس جغرافية اهلند‪.‬‬
‫من املعروف أن كتاب (كليلة ودمنة) أصله هندي وهو كتاب يهتم بإصالح النُفوس وضعه الفيلسوف اهلندي (بيديا)‬
‫للحاكم يف زمنه‪ ،‬وهو كتاب حافل باحلكم املروية على لسان احليوانات والطيور‪ ،‬مما يدل على تنويع فنون التعليم يف بالد‬
‫اهلند‪ ،‬كما يدل على معرفتهم يف بالد اهلند‪ ،‬كما يدل على معرفتهم الرتبية السياسية وضرورة التوعية اجلماهريية‪.‬‬
‫(نفس املرجع‪ ،‬ص‪)16‬‬
‫*بعض مالمح التربية في الحضارة الهندية‪:‬‬
‫‪ /1‬أعطت اهتماما كبريا للرتبية الروحية واألخالقية واالجتماعية‪.‬‬
‫‪ /2‬اعتنت يف مناهجها التعليمية بالفلسفة والرياضيات والطب ودراسة النجوم‪.‬‬
‫‪ /3‬أعطت املعلم مكانة رفيعة‪.‬‬
‫‪ /4‬خضعت املرأة لسلطان الرجل متاما وَل تنل حق التعلم‪.‬‬
‫‪ /5‬أولت الرتبية بالرتغيب عناية كبرية مما عزز مفهوم تقدير السالم والتسامح‪.‬‬
‫‪ /6‬استخدمت احلضارة اهلندية الشعر يف التعليم‪ ،‬ألنه أسهل يف احلفظ‪ ،‬مما يدل على أن تاريخ املنظومات التعليمية ضارب‬
‫يف القدم‪.‬‬
‫‪ /7‬نشرت أفكار الزهد وإنكار الذات وهجر امللذات‪ ،‬مما أضعف النظرة اإلجيابية حنو تعمري احلياة‪ ،‬كما انتشرت اخلرافات يف‬
‫مجيع طبقات اجملتمع فشاعت عن فكرة تناسخ األرواح‪ ،‬وحرق األصوات‪ ،‬والتسليم بالسحر واإلميان بعدد كبري من األرباب‪،‬‬
‫ال شك أن مثل هذه املعتقدات من أهم املعوقات للعقل البشري‪ ،‬واملنهج العلمي‪ ،‬والتوحيد الديين‪.‬‬
‫‪ /8‬اجملتمع اهلندي القدمي جمتمع حمافظ شديد االعتزاز بتقاليده وطقوسه الدينية مما يدل على تربية دينية مكثفة وصارمة‪.‬‬
‫‪ /0‬أمهلت طبقة العبيد وعاشوا يف منزلة وضيعة ألداء املهن الشاقة وعلى نقيض ذلك كان وضع الكهان واألثرياء‪.‬‬
‫(نفس املرجع‪ ،‬ص‪)11‬‬

‫‪52‬‬
‫‪-7-3-3‬الفكر التربوي االسالمي‬
‫‪-‬تعريف الفكر التربوي اإلسالمي‪ " :‬عبارة عن التميز الفكري الذي وجد يف القرآن الكرمي والسنة النبوية الشريفة‪ ،‬وضمن‬
‫الكتابات الرتبوية اليت جاءت عن طريق مؤلفات أو رسائل أو وصايا أو إشارات يف مواضع شىت من اإلبداعات واملؤلفات‬
‫ختصصوا يف اجلانب الرتبوي أو غريه من جوانب احلياة العملية املختلفة"‪.‬‬
‫اإلسالمية‪ ،‬أنشأها جمموعة من املفكرين ممّن ّ‬
‫(الرشدان عبد اهلل زاهي‪.)82 ،4112 ،‬‬
‫‪-‬مصادر الفكر التربوي اإلسالمي‬
‫ميتاز الفكر الرتبوي اإلسالمي بوضوح مصادره ومصداقيتها وحيويتها يف بناء الفكر واستمراره يف تأسيس احلضارة اإلسالمية‬
‫عرب عصورها الزاهية وتنقسم مصادره إىل قسمني‪:‬‬
‫ْح ٍ‬
‫ني ي َدي ِه وَال ِمن خ ْل ِف ِه ۖ تَ ْن ِزيل ِمن ح ِكي ٍم َِ‬ ‫ِِ ِ ِ‬
‫يد ﴿‪﴾٢٤‬‬ ‫ٌ ْ َ‬ ‫أوالً ‪-‬الوح ــي‪ :‬وهو ثابت قال تعالى‪َ " :‬ال يَأْتيه الْبَاط ُل م ْن بَ ْ ِ َ ْ َ ْ َ‬
‫الذ ْكر َوإِنَّا لَهُ َحلَافِظُو َن} (احلجر‪ ،)9 ،‬وبيان هذين‬
‫(فصلت‪ ،)24 ،‬وهذا يشمل القرآن والسنة قال تعاىل {إِنَّا َْحنن نََّزلْنَا ِّ‬
‫ُ‬
‫املصدرين كالتايل‪:‬‬
‫أ ‪ -‬القرآن الكريم ‪ :‬وهو كالم اهلل املنزل على رسوله بواسطة جربيل األمني منجماً ‪ ،‬احملفوظ بني دفيت املصحف ‪ ،‬املبدوء‬
‫فالقرآن الكرمي جاء كمصدر أول رسالةً‪ ،‬للعاملني وأساساً للعلوم‪ ،‬فيه جيد الناس حاجتهم‬ ‫بالفاحتة واملنتهي بسورة الناس‪،‬‬
‫اب ِم ْن َش ْي ٍء ۖ‬
‫ض وَال طَائٍِر ي ِطري ِجبَنَاحْي ِه إَِّال أُمم أ َْمثَالُ ُكم ۖ ما فَ َّرطْنَا ِيف الْ ِكتَ ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ٌَ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫على السواء قال تعاىل { َ ِ ٍ ِ‬
‫وما م ْن َدابَّة يف ْاأل َْر ِ َ‬
‫كل منهم ما يشاء‬ ‫ِ ِ‬
‫ُمثَّ إ َ ٰىل َرِّهب ْم ُْحي َش ُرو َن} ( األنعام ‪ ، ) 31 ،‬فهذا زاد للعابد وللعاَل وللعامل وللمفكر والفيلسوف ينهل ٌ‬
‫ويتضمن ما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬اشتماله على املعطيات األساسية واملبادئ العامة واملسلمات للنظام الرتبوي اإلسالمي‪ ،‬واليت يعتمد عليها الفكر الرتبوي‬
‫ك‬ ‫ك الَّ ِذي َخلَ َق ‪َ 8‬خلَ َق ِْ‬
‫اإلنْ َسا َن ِم ْن َعلَ ٍق ‪4‬اقْ َرأْ َوَربُّ َ‬ ‫يف صياغ ة اإلنسان كهدف للرتبية اإلسالمية قال تعاىل ‪ :‬اقْ َرأْ بِ ْ‬
‫اس ِم َربِّ َ‬
‫اإلنْ َسا َن َما ََلْ يَ ْعلَ ْم‪ ( }5‬العلق ‪.) 5-8 ،‬‬ ‫ْاألَ ْكرُم‪ 3‬الَّ ِذي َعلَّم بِالْ َقلَ ِم ‪َ 2‬علَّم ِْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪ -2‬مشولية القرآن على املنهج الرباين القادر على حتقيق سعادة اإلنسان‪ ،‬يف الدنيا واآلخرة من خالل خطابه الشامل‪،‬‬
‫وغذائه للعقل والقلب والروح مصداقاً لقوله تعاىل‪{ :‬لََق ْد أَنْ َزلْنَا إِلَْي ُك ْم كِتَابًا فِ ِيه ِذ ْك ُرُك ْم ۖ أَفَ َال تَ ْع ِقلُو َن} (األنبياء‪.)81 ،‬‬
‫‪ -3‬مشوليته على تصور متكامل عن اإلنسان والكون واحلياة‪ ،‬حيث يسعى لتحقيق حياة سعيدة تتفق مع نظام الكون‬
‫وح ِم ْن‬‫الر ُ‬ ‫وح ۖ قُ ِل ُّ‬ ‫ك َع ِن ُّ‬
‫الر ِ‬ ‫ويستغ ل مبوجبها اإلنسان قدرات ه لتسخي ر ما يف الكون خلدمته‪ ،‬مصداقاً لقوله تعاىل‪َ { :‬ويَ ْسأَلُونَ َ‬
‫أ َْم ِر َرِّيب َوَما أُوتِيتُ ْم ِم َن الْعِْل ِم إَِّال قَلِيال} (اإلسراء ‪)15،‬‬
‫‪ - 4‬هو اإلطار املرجعي لنواحي احلياة‪ ،‬وهو أصل التشريع واملصدر األول واألساس للفكر وفيه بيان حلياة اإلنسان كلها من‬
‫مطالب وتطلعات‪ ،‬بدايات وهنايات‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫‪ -5‬ربط القرآن الكرمي املباحث املتفرعة يف جمال التخصص‪ ،‬ليوفر الرؤية الكلية املستمدة من طبيعته‪ ،‬حيث حيفظ الفروع‬
‫ويقيم بينهما عالقة نسبه وتناسب وحيميها من االنشطار ليكون بقاؤها مرهوناً ببقاء الرؤيا الكلية للمعرفة‬
‫ك الَّ ِذي َخلَ َق ‪َ 8‬خلَ َق ِْ‬
‫اإلنْ َسا َن‬ ‫كأسس لعملية التعلم قال تعاىل‪ { :‬اقْ َرأْ بِ ْ‬
‫اس ِم َربِّ َ‬ ‫ٍ‬ ‫‪-6‬إشارته يف أول آياته إىل القراءة والكتابة‬
‫اإلنْ َسا َن َما ََلْ يَ ْعلَ ْم‪ ( }5‬العلق ‪.) 5-8 ،‬وهذا يدفع باجتاه أن‬ ‫ك ْاألَ ْكرُم‪ 3‬الَّ ِذي َعلَّم بِالْ َقلَ ِم ‪َ 2‬علَّم ِْ‬
‫ِم ْن َعلَ ٍق ‪4‬اقْ َرأْ َوَربُّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فحري برجال الفكر أن يتناولونه من زاوية أخرى من زاوية‬ ‫القرآن كزاد للجميع قد تناوله الفقهاء الستنبا األحكام الفقهية‪ٌ ،‬‬
‫الرتبية والتنشئة االجتماعية ‪،‬إلعادة هذه األمة فكرياً وتربوياً ‪ ،‬وذلك على ضوء فقه العصر وحركة الواقع ‪.‬‬
‫(ماهية الفكر الرتبوي اإلسالمي‪) Http //site. iugaza .edu ps. islemanhm/fils/2010/02.‬‬

‫ب‪ -‬السنة النبوية ‪:‬السنة يف اللغة تعىن الطريق لقوله‪ (:‬لتتبعن سنن من قبلكم شرباً بشرب وذراعاً بذراع حيت لو دخلتموه )‬
‫( البخاري ‪ ،‬أحاديث األنبياء ‪ ، ) 3228 :‬أي طريقهم ويف اصطالح األصوليني وهي ما أثر عن النيب من ٍ‬
‫قول أو فعل أو‬
‫تقرير أو صفة خلقية أو خلقية ‪ ،‬فالسنة وحي من اهلل كلف النيب بتبليغها والعمل وفق هديها‪ ،‬قال تعاىل‪ {:‬إِ ْن ُه َو إَِّال َو ْح ٌي‬
‫وح ٰى} ( النجم ‪ ) 2 ،‬وهي اجملال التطبيقي ‪ ،‬وصورة االلتزام احلقيق بدين اهلل عز وجل ‪ ،‬حيث أمره ربه‬ ‫يُ َ‬
‫َّاس ۖ‬ ‫ك ِم َن الن ِ‬ ‫ك ۖ وإِ ْن ََل تَ ْفعل فَما ب لَّ ْغت ِرسالَتَه ۖ واللَّه ي ع ِ‬
‫ص ُم َ‬ ‫ك م ْن َربِّ َ َ ْ َ ْ َ َ َ َ ُ َ ُ َ ْ‬
‫ول ب لِّ ْغ ما أُنْ ِزَل إِلَي َ ِ‬
‫ْ‬ ‫الر ُس ُ َ َ‬ ‫فقال تعاىل‪ { :‬ا أَيُّ َها َّ‬
‫َّك لَ َعلَ ٰى ُخلُ ٍق َع ِظي ٍم} ( القلم ‪ ) 2 ،‬وتأتى أمهية‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين} (املائدة‪، )26،‬مث زكاه فقال تعاىل‪َ { :‬وإِن َ‬ ‫ِ َّ‬
‫إ َّن الل َه َال يَ ْهدي الْ َق ْوَم الْ َكاف ِر َ‬
‫السنة كمصدر هام من مصادر الفكر الرتبوي اإلسالمي من خالل‪:‬‬
‫‪-1‬أهنا متثل اجلانب التطبيقي لنصوص الوحي‪ ،‬فأفعال الرسول وسلوكياته وحركاته وسكناته ترمجةٌ ملا جاء به الوحي‪.‬‬
‫‪-2‬أهنا شارحة للكتاب مبينه حملكمه مثل أحاديث الصالة والزكاة‪.‬‬
‫‪ -3‬فيها بيان ألحكام القرآن من خالل تقييد مطلقه أو تفصيل جممله‪ ،‬أو ختصيص عامه‪ ،‬كاألحاديث اليت فصلت أحكام‬
‫الصالة والصيام والزكاة والبيوع‪ ،‬وهذا هو أغلب ما جاءت به األحاديث‪.‬‬
‫‪-4‬إحلاق أمر َل يرد فيه نص بأمر ورد فيه نص بالقياس كتحرمي اخلمر‪.‬‬
‫‪-5‬فيها بيان ما سكت عن ه الق رآن مث ل‪ :‬أحاديث مرياث اجلدة واجلمع بني املرأة وخالتها وعمتها‪ ،‬وأحكام الشفعة‪ ،‬ورجم‬
‫الزاين احملصن وتغريب البكر‪.‬‬
‫اسع طرقه العلماء‪ ،‬وأعملوا فيه عقوهلم؛ فأمثرت بذلك جهودهم يف إثراء الفكر الرتبوي اإلسالمي‪ ،‬باعتباره‬ ‫وهذا ميدا ٌن و ٌ‬
‫ميدان واسعاً لالجتهاد واإلبداع واالبتكار‪ ،‬والتدقيق والتحقيق والتأويل يف ظل حرية الفكر وْحاسة العلماء‪ .‬مما سبق يتبني أن‬
‫القرآن والسنة مثَّال اآليت‪:‬‬
‫‪ -1‬مثال املرجعية الرئيسة للمربني املسلمني‪.‬‬
‫‪ -2‬أمثرا العقيدة اإلسالمية السليمة حصناً واقياً من الزيغ واالحنراف‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫‪ -3‬شكال وسيلة الفهم للرتبية اإلسالمية الصحيحة‪ ،‬والفكر الرتبوي اإلسالمي الذي يسهم بدوره يف هنضة األمة الفكرية‬
‫وبناء حضارهتا‪.‬‬
‫‪ -4‬إمتازا بالواقعية والتفاعل مع البيئة اإلسالمية ولقد صورت السرية النبوية طبيعة احلياة على ضوء القرآن والسنة على مدار‬
‫عدة عصور‪( .‬نفس املوقع)‬
‫ثانياً‪ :‬التراث اإلسالمي‪ :‬ويشمل اجتهادات العلماء حول نصوص الكتاب والسنة‪ ،‬والعلوم املتعلقة هبما والعلوم القدمية اليت‬
‫ذابت يف الفكر اإلسالمي وتشرهبا؛ وميثل كل ما وصل من املاضي وشكل جزءاً من احلضارة السائدة يف حينه‪ ،‬فهو موروث‬
‫ويف نفس الوقت يعطى على العدي د من األصعدة‪ ،‬والرتاث يأخذ معىن الثروة اليت انتقلت إلينا من أسالفنا يف كافة اجملاالت‬
‫سواء كانت مادية أو معنوية زمانية أو مكانيه‪ ،‬ويوجد الرتاث اإلسالمي يف مستويني على النحو التايل‪:‬‬
‫‪-1‬المستوى المادي‪ :‬وهو عبارة عن تراث مكتوب مكانه املكتبات واملخازن‪ ،‬وهو إما مطبوع‪ ،‬أو أنه خمطو فهو‬
‫تراث مادي له وجود على مستوى أوىل مستوى األشياء احملسوسة‪.‬‬
‫‪ -2‬المستوى المعنوي‪ :‬وهذا النوع موجود يف نفسية اجلماهري وهو عبارة عن خمزون نفسي‪ ،‬وهو قيمه يف الوجدان‪،‬‬
‫ميكن أن يؤثر ويبعث على السلوك‪.‬‬
‫ويف كال املستويني الرتاث ليس كياناً منفصالً عن األمة بل هو سلوك معاش يف حياة الناس‪.‬‬
‫وللرتاث صور وأشكال أمهها‪- :‬‬

‫أ‪ -‬اجتهادات المفكرين المسلمين‪“ :‬أهل السنة واجلماعة “وهي نتاج تفكري متواصل واجتهاد مستمر من علماء املسلمني‬
‫يف القرآن والسنة دراسة وشرحاً؛ للوصول إىل قواعد أصول وقضايا ومبادئ‪ ،‬كونت يف جمملها تراثاُ فكرياً ويف ضوء ثقافة‬
‫العصر تعترب هذه االجتهادات مصدراً من مصادر الفكر الرتبوي‪.‬‬
‫ويرى الما وردي أن اجتهادات العلماء مصدر هام من مصادر الفكر الرتبوي فيقول مث جعل للعلماء بعد رسول اهلل استنبا‬
‫ما فيه على معانيه وأشار إىل أصوله ليتواصلوا باالجتهاد في ه‬
‫إل ى عل م املراد فيمتازوا بذلك عن غريهم وخيتصوا بثواب اجتهادهم‪.‬‬
‫ب‪ -‬تراث الفرق والجماعات اإلسالمية‪ :‬وهلذا القسم مكانه خاصة يف الرتاث اإلسالمي وذلك من عدة نو ٍاح هي‪- :‬‬
‫‪-1‬أنه اعتمد على القرآن والسنة كمصدرين من مصادر الفكر الرتبوي‪.‬‬
‫‪ -2‬اهتم بالعلوم العقلية وجعلها مقدمه على العلوم النقلية‪.‬‬
‫‪ -3‬تفاعل مع علوم السابقني من فلسفة ومنطق وطبيعة‪.‬‬
‫‪-4‬أطلق علماؤهم العنان لعقوهلم يف التفكري ورمبا جاوزوا الصواب‪.‬‬
‫‪ -5‬أن قاده هذه الفرق أصحاب دعوه وهلم هويتهم الفكرية والسياسية‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫ويندرج حتت الرتاث اإلسالمي فكر وثقافة الشعوب اجملاورة‪ ،‬وتلك اليت فتحها املسلمون فذابت بفكرها وثقافتها يف فكر‬
‫أىن وجدها فهو أحق هبا) (الرتمذي‪ ،‬كتاب العلم‪.)4288 :‬‬
‫الدولة اإلسالمية‪( :‬إذ احلكمة ضالة املؤمن َّ‬
‫فكل ما دخل يف حوزة العرب من ثقافات وأفكار عرب مراكز العلم القدمية َل يتجمد على أيديهم بل تطور يف ظل ظروف‬
‫طبيعية فبلغ القمة وحقق غاية النمو‪ ،‬كل ذلك يف إطار الفكرة اإلسالمية الصحيحة القائمة على أساس من التحرر من‬
‫اهلوى والعصبية واحلقد مستمدة مفاهيمها وأصول حركتها من مصادر الفطرة‪( .‬نفس املوقع)‬
‫‪-‬أهداف التربية اإلسالمية‪:‬‬
‫‪ -1‬البحث عن احلق من خالل النظر والتأمل يف آفاق األمساء واألرض‪ ،‬وحب البحث والشغف مبعرفة اسرار الكون ومن‬
‫الضروري وضع املناهج التعليمية والرتبوية بصورة حتقيق هذا اهلدف‪.‬‬
‫‪ -2‬االميان باحلق والثبات عليه ألنه أساس جلميع القيم الصاحلة يف حياته االنسان‪.‬‬
‫‪-3‬إعالن احلق وإظهاره‪.‬‬
‫‪ -4‬االستمرار يف حتصيل العم وتعميق البحث يف ميادينه‪.‬‬
‫‪-5‬الصدق يف اخبار عن احلقائق العلمية‪( .‬حسن بن علي احلجاجي‪ ،8243،‬ص‪)12‬‬
‫*سمات الفكر التربوي اإلسالمي‬
‫الفكر الرتبوي اإلسالمي فكر أصيل اتسم بسمات استمدها من مصادره ومنابعه وحركته احليوية‪ ،‬اليت اجتازت اختبار الزمن‬
‫مما جعلها بارزة ومتميزة وميكن مالحظتها فيما يلي‪- :‬‬
‫أهم مسات الفكر الرتبوي اإلسالمي‪:‬‬
‫‪ -1‬الشمول ‪ :‬يتسع الفكر الرتبوي اإلسالمي ليشمل مجيع جوانب اإلنسان ‪ ،‬سواء على صعيده الشخصي أم على صعيد‬
‫عالقته باإلنسان وتفاعله معه أو ما يتعلق بالقوي اخلارجية ‪،‬وذلك يف كل حلظة من حلظات حياته ويف كل أحواله ليال أو‬
‫هنارا ضمن فلسفة احلياة الشاملة لبعدي الدنيا واآلخرة عرب منهاج رباين فريد ‪ ،‬ووفقا ألهداف إنسانيه يف تدرج عجيب ومع‬
‫مشولية التقومي لكافة خطواته املادية واملعنوية ‪ ،‬وذلك يتمشى مع الطبيعة الكلية لإلنسان وهذه الشمولية يف الفكر الرتبوي‬
‫الس ْل ِم َكافَّةً وَال تَتَّبِعوا خطُو ِ‬
‫ات‬ ‫ين َآمنُوا ْاد ُخلُوا ِيف ِّ‬ ‫َّ ِ‬
‫َ ُ ُ َ‬ ‫مستمدة من مشولية هذا الدين وذلك مصداقاً لقوله تعايل { يَا أَيُّ َها الذ َ‬
‫الشَّيطَ ِ‬
‫ان ۖ إِنَّهُ لَ ُك ْم َع ُد ٌّو ُمبِ ٌ‬
‫ني} ( البقرة ‪. ) 411 ،‬‬ ‫ْ‬
‫وهذه الشمولية مستمدة من طبيعة املنهاج الرباين الذي سار عليه العلماء واملسلمون حيث اشتمل علي العلوم العقلية‬
‫والنقلية مع مالئمة العلوم العقلية النقلية و موافتها لروحها‪ ،‬ألن الفكر الناجح حيتاج غلي مشولية العلوم وتنوعها ليتسم‬

‫‪56‬‬
‫بالشمولية والتنوع‪ .‬وهلذا جاءت رسالة طاش كربي زاده شاملة لكافة أنواع العلوم سواء يف ذلك علوم الدنيا واآلخرة فلم يرتك‬
‫علما إال وأحصاه وأشار إىل طريقة حتصيله ومراجعه وأشهر املؤلفني فيه وفائدته‪.‬‬
‫‪ -2‬التكامل‪ :‬ومعناه أن يتناول اإلنسان أن كالً ال يقبل التجزئة ومن مجيع جوانبه يف صورة متكاملة مع اجملتمع الذى‬
‫يعيش فيه ؛ و للتكامل عدة أمنا فقد يكون تكامالً بني الوسائل واألهداف أو تكامالً بني النظرية والتطبيق أو بني العلم‬
‫والعمل أو بني مؤسسات الرتبية النظامية وغري النظامية و بناءاً على ذلك وضع العلماء املسلمون قدميا تصورهم الفكري‬
‫حول اإلنسان ورمسوا له منهاجاً تربوياً يتسموا بالتكامل وربطوا بني أجزاء أمناطه فجعلوا مثالً ضرورة العلم بالعمل وكذا بيان‬
‫ين َآمنُوا َِلَ تَ ُقولُو َن َما َال تَ ْف َعلُو َن‬ ‫َّ ِ‬
‫األهداف وحتديد الوسائل ووظيفية املعرفة يف الواقع ويف هذا املعين يقول تعايل { يَا أَيُّ َها الذ َ‬
‫‪َ 4‬كبُ َر َم ْقتًا ِعْن َد اللَّ ِه أَ ْن تَ ُقولُوا َما َال تَ ْف َعلُو َن‪ ( }3‬الصف ‪. ) 3-4 :‬‬
‫وعلى هذا األمر من الشمولية والتكامل تكونت ثقافة املسلمون وفكرهم وأصبح ميداناً فسيحاً تتبلور من خالله شخصية‬
‫اإلنسان املسلم‪.‬‬
‫‪ -3‬التوازن‪ :‬يتعامل الفكر الرتبوي مع الواقع فهو وليد احلركة وال ينطلق من التصورات العقلية اجملردة وال املثاليات متجاهالً‬
‫واقعه من مجيع جوانبه وذلك يف إطار من الوسطية والتوازن‪.‬‬
‫(موقع سابق‪ ،‬ماهية الفكر الرتبوي اإلسالمي‪)http //site. iugaza .edu ps islemanhm/fils/2010/02 .‬‬
‫ويستمد الفكر الرتبوي مساته من مسات هذا الذين حيث يبلور لنا الرسول الكرمي( ص) منهاجا للسري على الوسطية يف‬
‫معاجلته للرهط الذين سألوا عن عبادته يف بيته وكأهنم تقالُّوها قائالً هلم ( أما أنا فأصوم وأفطر وأصلي وأركض وأتزوج النساء‬
‫ِ‬
‫ك‬‫فمن رغب عن سنيت فليس مين ) كذلك يستمد الفكر الرتبوي مساته من مسات هذه العقيدة لقوله تعايل { َوَك َٰذل َ‬
‫يدا ۖ (البقرة ‪ ،)823 :‬وتأيت ضرورة التوازن‬ ‫ول َعلَْي ُك ْم َش ِه ً‬
‫الر ُس ُ‬ ‫َج َع ْلنَا ُك ْم أ َُّم ًة َو َسطًا لِتَ ُكونُوا ُش َه َداءَ َعلَى الن ِ‬
‫َّاس َويَ ُكو َن َّ‬
‫والوسطية منسجمةً مع فطرة اهلل لإلنسا ن حيث تنازعه عدة قوى من الغرائز ويتحتم عليه جتاه ذلك أن يتسم بالتوازن‬
‫والوسطية والسري على املنهاج النبوي والسعي لتحقيق أهدافه العليا والدنيا ‪.‬‬
‫‪ -4‬الوظيفية‪َ :‬ل يكن الفكر الرتبوي وال الرتبية يف عمومهما منعزلني عن احلياة االجتماعية بل كان يلبيان حاجات اجملتمع‬
‫ويسريان مع تطوره ومنوه فاملتعلمون هم صناع اجملتمع وبناته حضارياً ومن هنا أحلت حاجة اجملتمع على تربية أبنائه للمستقبل‬
‫ويقول يف ذلك اإلمام علي رضي اهلل عنه (ال تقصروا أوالدكم على آدابكم فإهنم خملوقون لزمان غري زمانكم)‬
‫وعلي هذا سار املربون املسلمون وَل يقف وا رقباء علي حركة التاريخ بل كان اجملتمع له حاجاته ومتطلباته وكان عليه إزاء ذلك‬
‫أن يسايروا تطوراته ويعملوا علي حتقيق حاجاته والوفاء مبتطلباته ومن خالل هذا حيقق العلماء ذاهتم وهذا ما قاموا به وترمجوه‬
‫على أرض الواقع فالكثري منهم اختذ له مهنه ووظيفه قاموا هبا إيل جانب اهتمامهم بالتعلم وهذا ما جعل طاش كربي زاده‬
‫إسوةً بالعلماء السابقني أن يضع منهاجاً تربوياً وروحياً للعاَل واملتعلم والعامل على السواء كي حيقق ذاته وذلك يعكس مشولية‬

‫‪57‬‬
‫الفكر الرتبوي وتكامله و توازنه ووظيفته ومما يؤكد ذلك تصنيفه للعلوم اليت ختص املهن يف كتابة مفتاح السعادة مؤكد علي‬
‫كل ما سبق من مسات الفكر الرتبوي‪( .‬نفس املوقع)‬
‫من خالل ما سبق جند أن أهم مسات الفكر الرتبوي اإلسالمي تتلخص يف اآليت ‪ :‬أنه فكر قوى ذابت فيه أفكار األمم‬
‫والشعوب املغلوبة والتسامه أيضاَ باحليوية واملرونة يف تعامله مع الفكر اإلنساين فكان فكراً انتقائيا اتسع لريسم اخلطو‬
‫العريضة إلعداد اإلنسان للدنيا واآلخرة موظفاً العلوم العقلية والنقلية يف صورة شاملة متكاملة مراعياً طبيعة اإلنسان وفقاً ملا‬
‫ك َو ِاس ُع الْ َم ْغ ِفَرِة ۖ ُه َو أ َْعلَ ُم‬
‫ش إَِّال اللَّ َم َم ۖ إِ َّن َربَّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ين َْجيتَنِبُو َن َكبَائِر ِْ‬
‫اإل ِْمث َوالْ َف َواح َ‬ ‫َ‬
‫َّ ِ‬
‫نص اإلسالم مصداقاً لقوله تعايل‪ { :‬الذ َ‬
‫ون أ َُّم َهاتِ ُك ْم ۖ فَ َال تَُزُّكوا أَنْ ُف َس ُك ْم ۖ ُه َو أ َْعلَ ُم ِمبَ ِن اتَّ َق ٰى }( النجم‪) 34 :‬‬ ‫ض وإِ ْذ أَنْتُم أ َِجنَّةٌ ِيف بطُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ب ُك ْم إ ْذ أَنْ َشأَ ُك ْم م َن ْاأل َْر ِ َ‬
‫‪-‬جند أن فلسلفة الرتبية اإلسالمية تشكلت بفعل عوامل أربعة‪:‬‬
‫األول‪ :‬عامل عقائدي وهو حتديد الصلة القائمة بني اخلالق املريب وبني االنسان املخلوق‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬عامل اجتماعي وهو بلوة العالقات وأمنا السلوك يف الدائرة البشرية اليت ينتمي إليها املتعلم‪ ،‬وهي دائرة مشلت مجيع؟‬
‫أفراد النوع اإلنساين‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬عامل املكاين وهو أسلوب العيش على الرقعة املكانية اليت استخلف اهلل املتعلم فيها وهي رقعة مشلت الكرة األرضية‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬عامل زماين وهو مراعاة البعد الزماين لعمر املتعلم وهو بعد يبدأ بالدنيا وميتد إىل اآلخرة عرب مستقبل ال متناهي‪.‬‬
‫(ماجد عرسان الكيالين‪،8915،‬ص‪)31‬‬
‫وهبذا جند أن الفكر الرتبوي اإلسالمي يف مشوليته وتكامله وتوازنه ووظيفته قادراً على العطاء املستمر مواجهاً لتغريات‬
‫العصور قادراً على التكيف ملبياً حلاجيات اجملتمع ومطالبه ملتحماً مع الواقع مما أضفى بضالله على الفرد واجملتمع يف صورة‬
‫متميزة وفريدة‪.‬‬
‫‪-‬الفكر التربوي عند أبي حامد الغزالي(‪1111/1958‬م)‪:‬‬
‫الغرض من الرتبية يف نظر الغزايل‪" :‬أن الغرض بطلب العلوم القرب إىل اهلل تعاىل دون الرياسة واملباهاة واملنافسة"‪.‬‬

‫‪-‬العلم لوات اهلل‪" :‬إذا نظرت إىل العلم رأيته لذيذا يف نفسه فيكون مطلوبا لذاته ووجدته وسيلة إىل دار اآلخرة وسعادهتا‬
‫وذريعة إىل القرب من اهلل تعال وال يتوصل إليه إال به وأعظم األشياء رتبة يف حق اآلدمي السعادة األبدية وأفضل األشياء ما‬
‫هو وسيلة اليها ولن يتوصل إليها إال بالعلم والعمل وال يتوصل اىل العمل إال بالعلم بكيفية العمل فأصل السعادة يف الدنيا‬
‫واآلخرة هو العلم فهو اذن أفضل األعمال"‬

‫‪-‬التربية اإلسالمية تجمع بين الدين والدنيا‪ :‬قال الغزايل "وقد عرفت أن مثرة العلم القرب من رب العاملني وااللتحاق بأفق‬
‫املالئكة ومقارنة املأل األعلى هذا يف اآلخرة‪ ،‬وأما يف الدنيا فعز والوقار ونفوذ احلكم على امللوك ولزوم االحرتام يف الطباع‪..‬‬

‫‪58‬‬
‫"والغرض من الرتبية يف رأيه؟ العلم عبادة القبل وصالة السر وقربة الباطن إىل اهلل تعاىل "والرتبية يف رأيه "إخراج األخالق‬
‫السيئة‪ ،‬وغرس األخالق احلسنة"‪.‬‬

‫‪-‬مراعاة االستعداد في تعليم العلوم‪ :‬طالب الغزايل مراعاة االستعداد يف التعليم‪ ،‬فالواجب أن يراعى املعلم مستوى الفهم‬
‫عند الطالب فال يرقيه إىل الدقيق اجللي‪ ،‬وإىل اخلفي من الظاهر هجوما ويف أول رتبة"‪.‬‬

‫(عبد الغين حممد إمساعيل العمراين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪)813‬‬

‫‪-‬مراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين‪ :‬أشار إىل مفهوم الفروق الفردية بني املتعلمني وعالقتها باألساليب املستعملة يف‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫احلِكْم ِة والْمو ِعظَِة ْ ِ‬
‫ك ُه َو‬ ‫احلَ َسنَة ۖ َو َجاد ْهلُ ْم بِالَِّيت ه َي أ ْ‬
‫َح َس ُن ۖ إِ َّن َربَّ َ‬ ‫ك ب ْ َ َ َْ‬
‫التعليم استنادا لقوله تعاىل‪ْ { :‬ادعُ إِ َ ٰىل سبِ ِيل ربِّ َ ِ‬
‫َ َ‬
‫ين} (النحل ‪ ،)845،‬فاحلكمة تستعمل مع قوم واملوعظة مع قوم واجملادلة‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫ض َّل َع ْن َسبيله ۖ َوُه َو أ َْعلَ ُم بالْ ُم ْهتَد َ‬
‫أ َْعلَ ُم مبَ ْن َ‬
‫مع قوم‪.‬‬

‫‪-‬الممارسة سبيل التعلم‪ :‬وهي نظرية تربوية حديثة كان الغزايل من أوائل الذين أشاروا إليها حني كتب يقول‪" :‬قد عرفت‬
‫هبذا قطعا أن هذه األخالق اجلميلة ميكن اكتساهبا بالرياضة وهي تكلف األفعال الصادرة عليها ابتداء‪ ،‬لتصري طبعا انتهاء‪،‬‬
‫وهذا من عجيب العالقة بني القلب واجلوارح‪ ،‬أعين النفس والبدن فإن كل صفة تظهر يف القلب يفيض اثرها يف اجلوارح حىت‬
‫ال تتحرك إال على وقتها الحمالة‪ ،‬وكل فعل جيري على اجلوارح فإنه قد يرتفع منه أثر القلب‪ ،‬واالمر فيه دور ذلك مبثال‪ :‬وهو‬
‫من أراد ان يصري احلذق يف الكتابة له صفة نفسية حىت يصري كاتبا بالطبع فال طريق هلا إال أن يتعاطى جبارحه اليد ما‬
‫يتعاطاه الكاتب احلاذق ويواظب عليه مدة طويلة حياكي اخلط احلسن‪ ،‬فإن فعل الكاتب هو اخلط احلسن‪ ،‬فيشتبه بالكاتب‬
‫تكلفا‪ ،‬مث اليزال يواظب عليه حىت يصري صفة راسخة يف نفسه فيصدر من اآلخر اخلط احلسن طبعا‪ ،‬كما كان يصدر منه يف‬
‫االبتداء تكلفا‪ ،‬فكان اخلط احلسن هو الذي جعل خطه حسنا ولكن األول يتكلف إال إنه ارتفع منه أثر القلب مث اخنفض‬
‫من القلب إىل اجلارحة فصار يكتب اخلط احلسن بالطبع‪(.‬نفس املرجع ‪)812،‬‬

‫‪-‬نظريته في تربية األوالد‪ :‬وللغزايل نظرية تربوية مميزة ورائدة قياسا إىل زماننا‪ ،‬يف تربية الصبيان نشرها يف كتابه "إحياء علوم‬
‫الدين" وتتلخص يف‪:‬‬

‫أوال‪ :‬إشغال وقت الفراغ عند األوالد حىت تبعدهم عن العبث واجملون وخري طرائق شغل هذه األوقات تعويد الولد القراءة‬
‫وخاصة قراءة القرآن وأحاديث األخبار وحكايات االبرار‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫ثانيا‪ :‬هتذيب األوالد من خالل التعليم الديين‪ ،‬وإلزامه القيام بالعبادات وتعريفهم علوم الشرع وختويفهم من السرقة وأكل‬
‫احلرام ومن الكذب واخليانة والفحش‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬التوسط واالعتدال يف عملية التهذيب‪:‬‬

‫رابعا‪ :‬إبعاد األوالد عن قرناء السوء‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬عدم تعويدهم الرتاخي والتكاسل‪ ،‬وهذا يعين حثهم عن العمل والتحضري والدراسة‪.‬‬

‫عدم التساهل معهم‪ ،‬وهذا يعين احلرص على الثواب والعقاب حىت يدرك التلميذ أن هناك نظاما عاما حيكم اجملموعة‪ ،‬وإنه ال‬
‫فرق بينهم يف تطبيقه وهذا يرتبط بضرورة إبعادهم على التدليل‪.‬‬

‫‪-‬نظريته في اللعق‪ :‬وقد تنبه الغزايل إىل أمهية اللعب بعد االنصراف من املدرسة أو الكتاب أو املكان الذي يتلقى فيه العلم‬
‫وهو يرى أن للعب ثالث وظائف أساسية هي‪:‬‬

‫‪ -1‬املساعدة يف ترويض جسم الصغري وتنمية عضالته وتقويتها‪.‬‬

‫‪-2‬املساعدة يف إدخال السرور يف قلوب الصغار‪ ،‬ألن اللعب يكرس العلم اجلماعي‪.‬‬

‫‪-3‬املساعدة على االسرتخاء الذهين والراحة بعد الدرس‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪)815‬‬
‫‪-8-3-3‬التربية األوروبية في العصر الحديث‪:‬‬
‫‪-‬يتفق أغلب املؤرخني على أن عصر النهضة اإليطالية حيدد بداية العصر احلديث‪ ،‬ففي (ق‪82‬م) حدثت تغريات عميقة يف‬
‫خمتلف جوانب احلياة االجتماعية واالقتصادية والسياسية والدينية والعلمية والفلسفية واألدبية والرتبوية يف إيطاليا‪ ،‬وانتقلت‬
‫هذه التغريات إىل خمتلف أجزاء أوروبا‪ ،‬وحدد(اييب واروود)(‪ ،)1940 Eby , Arrowood‬أهم مالمح عصر النهضة‬
‫يف االجتاه اجلديد حنو احرتام البدن بدال من اعتباره سجنا للروح‪ ،‬وزيادة الثروة واإلجتار مع الشرق والشمال‪ ،‬والسفر واملغامرة‬
‫واالكتشافات اجلغرافية‪ ،‬ومنو اللغات القومية والفردية والفنون‪ ،‬واخرتاع الطباعة‪ ،‬وظهور االجتاهات العلمية‪ ،‬ولقد صاحب‬
‫هذه التغريات مفاهيم أو اجتاهات أو نظريات تربوية كان من أمهها احلركة اإلنسانية‪ ،‬واإلصالح الديين واحلركات الواقعية‬
‫والطبيعية والنفسية واالجتماعية‪( .‬عبد اجمليد عبد الثواب شيحة‪ ،4112 ،‬ص‪.)415‬‬

‫‪61‬‬
‫‪-1-8-3-3‬الحركة اإلنسانية‪ :‬يف عصر النهضة ظهر اجتاهان إنسانيان‪.‬‬
‫‪-‬اجتاه فردي يف إ يطاليا يؤكد على الثقافة الشخصية والنمو الفردي واحلرية الفردية باعتبارها أساسا للحياة الثرية اجلديرة بأن‬
‫تعاش‪ ،‬وعين هذا االجتاه بالثقافة الكالسيكية القدمية يونانية ورومانية‪ ،‬واالجتاه الثاين ظهر يف مشال أوروبا‪ ،‬ويؤكد أصحاب‬
‫هذه االجتاه على مفاهيم اإلصالح اخللقي واالجتماعي باعتبارها أنسب طريقة إلثراء احلياة اإلنسانية‪.‬‬
‫‪-‬أهداف التربية‪ :‬أكدت احلركة اإلنسانية حرية الفكر والتعبري عن الذات من خالل الفن واألدب واملوسيقى‪ ،‬ولقد متثل‬
‫هدف الرتبية اإلنسانية يف االستمتاع باحلياة الراهنة وحتقيق االنسجام بني العقل واجلسم واخللق‪ ،‬يقول (بول مونرو‬
‫‪ )Monroé‬لقد استهدفت هذه الرتبية تنمية اإلنسان احلر الذي ميتلك فرديته وقوة املشاركة يف احلياة اليومية‪ ،‬استنادا إىل‬
‫معرفة واسعة باحلياة يف املاضي وتقدير غرض احلياة يف الوقت الراهن‪ ،‬لقد آمنوا بأهداف إنسانية ال أهداف أزلية‪ ،‬وواجب‬
‫الرتبية يف رأيهم تنمية هذه اإلمكانات اإلنسانية بأقصى ما تستطيع الطبيعة اإلنسانية‪.‬‬
‫‪-‬أما أصحاب االجتاه اإلنساين االجتماعي الديين‪ ،‬فقد استهدفوا اإلصالح االجتماعي وترقية العالقات اإلنسانية‬
‫االجتماعية عن طريق استيعاب األنانية والطمع والنفاق‪ ،‬ولذلك وضع (رازموس) اهلدف الديين قبل اهلدف التعليمي‪،‬‬
‫والواجبات الدينية قبل األخالق االجتماعية يف مناقشته أهداف الرتبية‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.)412‬‬
‫‪-‬أنواع التربية‪ :‬اعتمدت حتقيق األهداف اإلنسانية على عدة أ نواع من الرتبية هي الرتبية األدبية والرتبية اجلمالية والدينية‬
‫واخللقية واالجتماعية‪ ،‬لقد أ كد اإلنسانيون الفرديون على الرتبية املهنية يف مقابل إعالئهم للعلوم الليربالية‪ ،‬وأكد اإلنسانيون‬
‫االجتماعيون والدينيون على الرتبية الدينية واخللقية واالجتماعية أكثر من اهتمامهم بالرتبية األدبية واجلمالية‪.‬‬
‫محتوى التربية‪ :‬استبدل اإل نسانيون مبنهج العصور الوسطى الذي يؤكد فقط على الرتبية الدينية منهجا يؤكد االهتمام بالعاَل‬
‫الواقعي‪ ،‬وكان هنا املنهج اجلديد شامال حبيث غطى خمتلف جوانب احلياة‪.‬‬
‫–المؤسسات التعليمية والتنظيم التعليمي‪ :‬ترتب على إحياء الرتاث اإلغريقي والروماين نشأة نوع من املدارس الثانوية‬
‫احلديثة‪ ،‬ومدارس البال اليت كانت تعلم أبناء األغنياء باملصروفات‪ ،‬وأبناء اخلدم يف القصر باجملان‪ ،‬أنواع املدارس اليت ظهرت‬
‫يف عصر النهضة األوروبية‪ ،‬وهي املدارس األولية احمللية اليت كانت تعلم القراءة والكتابة واحلساب والغناء واملدارس الثانوية اليت‬
‫كانت مدارس البال يف إيطاليا منوذجا هلا ونشأ على غرارها مدارس النحو الالتيين يف إجنلرتا‪ ،‬ومدارس الليسيه يف فرنسا‪،‬‬
‫واجلامعات اليت قامت بدور كبري يف دفع احلركة اإلنسانية‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.)416‬‬

‫‪61‬‬
‫‪-‬من خالل اهتمامها بالدراسات واآلداب الكالسيكية‪ ،‬ولقد اختلفت التنظيمات التعليمية يف مشال أوروبا عنها يف إيطاليا‪،‬‬
‫فمدارس اجلمبازيوم يف أملانيا كانت هنارية‪ ،‬وكانت املدارس واجلامعات مفتوحة للبنني فقط‪ ،‬وحرم منها النساء‪ ،‬أما يف إيطاليا‬
‫فكانت مجيع املدارس داخلية وتعد لاللتحاق باجلامعة‪.‬‬
‫‪-‬طرق التعليم‪ :‬صاحب تأسيس املدارس الثانوية اإلنسانية استخدام طرق التعليم اجلديدة‪ ،‬فمع ظهور الكتابة وكثرة تداوهلا‬
‫بني الطلبة جتنب األساتذة طريقة احملاضرة واعتمدوا على تدريس موضوعات مكتوبة‪ ،‬وحتينوا طريقة املناظرة اليت كانت متبعة‬
‫يف العصور الوسطى‪ ،‬واهتم املعلمون بتدريب التالميذ على التعبري عن أنفسهم باستخدام اللغات القدمية واعتربوها كما لو‬
‫كانت لغات حية‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.)411‬‬
‫‪-2-8-3-3‬الحركة الواقعية‪ :‬يقول (وايلدز ‪ )Wilds‬كانت احلركة الواقعية رد فعل أو احتجاج على ضيق أفق احلركتني‬
‫اإلنسانية والدينية‪ ،‬بينما كان رجال الكنيسة مستغرقني يف خالفات تتعلق باحلياة األبدية املطلقة‪ ،‬ورجال التعليم منجرين‬
‫حملاربة الشكلية والروتني‪ ،‬كان العلماء يزيدون رصيد املعرفة اإلنسانية من خالل الكشف عن اجلديد‪ ،‬فلقد أعلن (ديكارت)‬
‫والءه للواقعية باعتقاده يف وجود العاَل الواقعي مستقال عن الذهن‪ ،‬وأعلن (لوك) انتماءه إىل الواقعية بإنكاره لنظرية األفكار‬
‫الفطرية‪ ،‬واعتقاده أن العقل صفحة بيضاء وأن التجربة هي اليت ختط املعرفة من خالل االنطباعات احلسية‪ ،‬ويف منتصف‬
‫القرن السادس عشر (‪ )82‬بدأ احلديث باكتشافات (لكوبرينكس وجليلو) واستطاع (إسحاق نيوتن) وضع قواعد الطريقة‬
‫العلمية‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.)484‬‬
‫‪-‬أهداف التربية‪ :‬اتفق الواقعيون الكالسيكيون مع اإلنسانيني يف عصر النهضة على أن اللغات واآلداب الكالسيكية هي‬
‫خري وسيلة للتعليم الليربايل‪ ،‬واستهدفوا البلوغ إىل املعرفة الكاملة عن اجملتمع اإلنساين‪.‬‬
‫‪-‬الدوافع اإل نسانية والعالقات االجتماعية عن طريق دراسة املدنيات القدمية واللغات الكالسيكية لذاهتا‪ ،‬وإمنا باعتبارها‬
‫وسيلة للحصول على معرفة شاملة عن اجملتمع اإلنساين‪ ،‬أما الواقعية االجتماعية فقد استهدفت إعداد الشباب األرستقراطي‬
‫حلياة الرجل املذهب يف عاَل العمل وتزويده بالقدرات اليت تعينه على النجاح يف احلياة االجتماعية‪ ،‬واالستمتاع بوقت الفراغ‪،‬‬
‫ومعىن ذلك أن إعداد الفرد للحياة االجتماعية مع اآلخرين والتكيف معهم هي أهم أهداف الواقعني االجتماعية‪ ،‬أما الواقعية‬
‫احلسية فقد استهدفت تزويد الناشئة باحلقائق األساسية عن العاَل الطبيعي واالجتماعي اليت ينبغي أن ينصرف وفقا هلا وتبدو‬
‫هذه االجتاهات يف أعمال (بيكون وكومينوس ولوك)‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.)484‬‬

‫‪62‬‬
‫‪-‬المؤسسات التعليمية‪ :‬اهتم الواقعيون بصفة عامة باملؤسسات التعليمية غري الرمسية‪ ،‬ودعوا إىل االعتماد على املربني‬
‫اخلصوصيني‪ ،‬وأخذ هبذا االجتاه معظم الدول األوروبية مثل‪ :‬فرنسا وإجنلرتا‪ ،‬وأملانيا وهولندا‪.‬‬
‫‪-‬طرق التعليم‪ :‬جعل الواقعيون التعليم خربة سارة بالنسبة للمتعلمني‪ ،‬وأكدوا أمهية مراعاة الفروق الفردية بني التالميذ‬
‫واملشاركة يف األنشطة العملية‪ ،‬ونقد الطرق الشكلية‪ ،‬وأنكر (مونتايل) طريقة احلفظ‪ ،‬وأكد أمهية الفهم واالحتكاك بالطبيعة‬
‫واألشياء والناس‪ ،‬وأمهية نشا املتعلم‪ ،‬وأكد الواقعيون احلسيون على أمهية التلقي عن العاَل الطبيعي واخلربة احلسية ومالحظة‬
‫األشياء‪ ،‬واقرتح (بيكون) الطريقة العلمية يف التدريس بطريقة علمية وسوف ينشأ نظام اجتماعي جديد مؤسس على البحث‬
‫العلمي يف مظاهر الطبيعة‪.‬‬
‫باستخدام االستدالل االستقرائي‪...،‬وإذا استطاعت املدارس أن تنشر املعرفة فإن هذا سيؤدي إىل حل املشكالت اليت‬
‫حريت البشرية‪.‬‬
‫‪-‬ولقد صاغ (كومينوس) عدة مبادئ تعليمية وهي‪:‬‬
‫‪ /1‬جيب أن يوافق التعليم االهتمامات الطبيعية للطفل‪.‬‬
‫‪ /2‬االعتماد على األشياء يف تعليم الطفل‪.‬‬
‫‪ /3‬ما يعلم جيب أن يكون تطبيق عمليا على احلياة‪.‬‬
‫‪ /4‬تعليم األصول البسيطة أوال‪.‬‬
‫‪ /5‬شرح املبادئ العامة مث االهتمام بالتفاصيل‪.‬‬
‫‪ /6‬جيب دراسة األشياء يف تتابعها‪.‬‬
‫‪ /7‬ال جيب االنتقال من موضوع اىل موضوع حىت يتمكن الطالب من املوضوع األول‪.‬‬
‫‪ /8‬جيب التأكيد على الفروق بني األشياء حىت تكون املعرفة واضحة ومتميزة‪.‬‬
‫‪ /0‬جيب تدريب احلواس والذاكرة واخليال والفهم يوميا‪.‬‬
‫‪ /19‬جيب أن يسري التعلم من املعروف إىل غري املعروف‪.‬‬
‫‪ /11‬جيب أن يكون التعليم مناسبا ملستوى فهم الطالب‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫‪ /12‬جيب أن يتعلم األطفال العمل عن طريق العمل‪.‬‬
‫‪ /13‬ال ينبغي االعتماد على الكلمات اجلوفاء يف التعليم‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.)483‬‬
‫*الفكر التربوي عند (أرسطو طاليس) ‪:‬‬
‫‪-‬أرسطو وفكره التربوي‪ :‬ولد سنة (‪312‬ق‪.‬م) يف أسرة مقدونية‪ ،‬وقد ترك مقدونيا إىل أثينا يف (‪ )86‬من عمره لينال‬
‫تعليمه‪ ،‬وفيها التحق بأكادميية (أفالطون) وتتلمذ عليه مدة (‪41‬سنة)‪ ،‬وبعد وفاة (أفالطون) أنشأ (أرسطو) مدرسة اليت‬
‫مسيت الليسيه (‪ )Lyceeum‬نسبة إىل املكان الذي أنشئت فيه‪ ،‬كما مسي أتباعه (املشأين) ألهنم أخذوا عنه عادة املشيء‬
‫أثناء تعليمه‪.‬‬
‫‪-‬وقد كتب (أرسطو) يف املنطق والطبيعة وما وراء الطبيعة يف الفلسفة العملية‪ ،‬ومن كتبه املقوالت‪ ،‬التحليل بالقياس‪ ،‬الربهان‪،‬‬
‫اجلدل‪ ،‬اخلطابة‪ ،‬الشعر‪ ،‬النبات‪ ،‬طبائع احليوان‪ ،‬األخالق والسياسة‪ ،‬وإذا كان (أفالطون) هو رائد االجتاه املثايل‪ ،‬فإن‬
‫(أرسطو) هو رائد االجتاه الواقعي يف الفكر والفلسفة‪.‬‬
‫‪-‬األسس الفكرية للتربية عند(ارسطو)‪:‬‬
‫‪ /1‬اإلنسان‪ :‬يفرق (أرسطو) بني النفس‪ :‬ملعناها العام‪ ،‬وهي املشرتكة بني مجيع الكائنات احلية‪ ،‬ويطلق عليها (صورة اجلسم‬
‫الطبيعي املركب) ‪ ،‬مث النفس مبعناها اخلاص اليت ال توجد إال يف اإلنسان‪ ،‬وهي ليست شيئا مفرتقا عن اجلسم‪ ،‬وهي يف‬
‫ارتباطها باجلسم تتولد عنها (قوى النفس) النامية احلاسة‪ ،‬احملركة‪ ،‬الناطقة‪.‬‬
‫(مصطفى عبد القادر زيادة وآخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪)69‬‬
‫‪ /2‬المنطق‪ :‬ينقسم اىل ثالث‪:‬‬
‫أ‪ /‬المفردات‪ :‬يتعرض (أرسطو) ملاهية األلفاظ املفردة ويقسمها إىل عشرة فصائل خمتلفة ويتم الوصول إليها عن طريق‬
‫االستقراء‪ ،‬ويعرض (أرسطو) للقضايا واألحكام ويقسمها إىل بسيطة ومركبة‪ ،‬وتتكون القضية املركبة من جمموعة من القضايا‬
‫البسيطة‪ ،‬والقضية الواحدة حتتمل النفي أو اإلثبات‪.‬‬
‫‪/3‬الطبيعة‪ :‬ال يؤمن (أرسطو) بنظرية املثل األفالطونية‪ ،‬ويرى أن املوجودات على نوعني‪ ،‬األجسام املادية (كاحليوانات‬
‫والنباتات) ‪ ،‬وهذه تتميز بأهنا قادرة على احلركة بذاهتا‪ ،‬وثانيتهما األجسام غري الطبيعية (كاملصنوعات كاملقعد‪ ،‬والرداء‪)...‬‬
‫وهذه حيركها صانعها أو غريه‪( ،‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.)69‬‬

‫‪64‬‬
‫ويقسم (أرسطو) العاَل إىل درجات من أدىن إىل أعلى‬
‫أ‪ /‬األجسام الالعضوية‪( :‬األولية ويطلق عليها اهليويل) وهي األقل رقيا‪.‬‬
‫ب‪ /‬األجسام العضوية (الحيوان ويليه النباتات)‪ ،‬واحليوان أرقى من النبات‪.‬‬
‫ج‪ /‬األفالك‪( :‬الكواكب ومنها الشمس والقمر‪ ،‬وهذه الكواكب أزلية‪ ،‬فهي تفىن وال تفسد‪.‬‬
‫‪ /4‬األخالق‪ :‬استمد (أرسطو) مفهومه عن األخالق من العاَل الواقي احملسوس بعكس (أفالطون) الذي اعترب أن مصدرها‬
‫علوي مثايل‪ ،‬يطلق على األخالق عند (أرسطو) باألخالق العملية‪ ،‬ولذلك فاألخالق عنده مكتسبة من الوسط الطبيعي‪،‬‬
‫وليس جمرد أمور فطرية يف داخل اإلنسان‪ ،‬ومن مث فهي يتم تعليمها باملران والتدريب‪ ،‬وللرتبية أثر كبري يف هذا السبيل‪.‬‬
‫ويقول (أرسطو) أن الفضيلة وسط بني رذيلتني‪ :‬وهي وسط يتم تعيينه باحلكمة واإلرادة بعد األخذ يف االعتبار كافة‬
‫الظروف احمليطة بالفرد‪.‬‬
‫فمثال‪ :‬الشجاعة هي وسط بني التهور واجلنب وكال مها مذموم‪ ،‬واالعتدال فضيلة أخرى ومتثل وسط بني رذيلتني ومها الشره‬
‫واإلسراف‪ ،‬والكرم وسط بني التبذير والبخل‪ ،‬واحلياء وسط بني كل من اخلجل الشديد والسعة أو القحه وهكذا‪....‬‬
‫(نفس املرجع‪ ،‬ص‪)11‬‬
‫‪ /5‬السياسة‪( :‬ألرسطو) كتاب يف السياسة‪ ،‬يتكون من مثان مقاالت منها‪:‬‬
‫تدبري املنزل‪ ،‬احلكومات املقرتحة‪ ،‬الدولة والوطن‪ ،‬الدساتري الوضعية‪ ،‬الدولة املثلى‪...‬‬
‫ويرى يف تكوين (اجلماعة السياسة) أهنا تبدأ باألسرة مث القرية مث املدنية اليت تكفي أهنا تتألف من الزوج والزوجة والذرية‬
‫والعبيد‪ ،‬والرجل رأس املرأة‪ ،‬واملرأة أقل عقال ووظيفتها العناية باملنزل واألوالد حتت إشراف الرجل‪.‬‬
‫ويرى (أرسطو) أن احلكومة الصاحلة هي اليت ترمي إىل خري اجملموع‪ ،‬والفاسدة هي اليت تعمل خلري احلكام ومصاحلهم‬
‫اخلاصة‪ ،‬ومن أشكال احلكومات الصاحلة‪ ،‬امللكية واألرستقراطية‪،‬والدميقراطية‪ ،‬ومن أشكال احلكومات الفاسدة الديكتاتورية‪.‬‬
‫*آراء (أرسطو) التربوية‪:‬‬
‫‪ /1‬إن الرتبية من مهام الدولة وغايتها تكوين املواطن الصاحل‪.‬‬
‫‪ /2‬اهتم (أرسطو) بتنمية العقل جبانب تنمية اجلسم‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫‪ /3‬وأن تنمية العقل تتم من إميان املرء بقوة عليا هي قوة اإلله‪ ،‬وأن اإلميان البشري هو الذي ميكن صاحبه من إصدار‬
‫(قرارات حكيمة يف خمتلف سبل احلياة)‪.‬‬
‫‪ /4‬من األمهية أن تعتمد طرائق الرتبية على طبيعة الفرد وأن تعمل على تنمية قدراته‪.‬‬
‫‪ /5‬من آراء (ارسطو) الرتبية أن كل فرد ينزع إىل التقليد‪ ،‬والتقليد هو أساس الفنون اجلميلة‪.‬‬
‫‪ /6‬تتصف طاقات الفرد يف طفولته مبيلها إىل الناحية الغريزية أكثر من خضوعها ألحكام وتوجيهات العقل‪ ،‬ومهمة املريب‬
‫العمل على أن تسمو الفضيلة فوق الرغبات والنزعات غري الفاضلة‪.‬‬
‫*نظرية المعرفة عند (جون لوك)‪:‬‬
‫املتطهرين‪ ،‬الطبقة الوسطى‪،‬‬
‫ولد عام(‪ )8612-8234‬أثناء حكم امللك شارل األول ملك إجنلرتا وينتمي إىل أسرة من ّ‬
‫نشأ(لوك) يف بيئة حمافظة متدينة‪ ،‬وقد تأثر (لوك) بتعاليم ((املتطهرين))‪ ،‬ومن بينها حب احلرية والرْحة والشفقة بالغري‪،‬‬
‫ويقظة الضمري وإتزان الشخصية ومتاسكها واحلذر واالعتماد على النفس‪( .‬أبو ريان حممد علي‪ ،8992 ،‬ص‪)828‬‬
‫تعترب املعرفة من األقسام األساسية يف الفلسفة ذلك ألن معرفة كيف نعرف؟ وقيمة ما نعرف وحدود معرفتنا باألشياء‪ ،‬كل‬
‫تلك تدخل ضمن جمال املعرفة‪ ،‬بل إن نقد املعرفة العلمية تدخل كذلك يف جمال نظرية املعرفة‪.‬‬
‫ويعترب (لوك) أول من درس نظرية املعرفة يف العصر احلديث دراسة علمية ومستقلة‪ ،‬بل إن املؤرخني حيددون بداية التفكري‬
‫احلديث بنظرية املعرفة بسنة (‪ )8941‬وهي السنة اليت طبع فيها (لوك) كتابه الرئيسي يف (حماولة يف الفهم البشري)‪ ،‬وافتتح‬
‫من خالله عصرا جديدا يف جمال نظرية املعرفة‪( .‬بشار مالك سليمان‪ ،4185 ،‬ص‪)34‬‬
‫‪-‬نقد األفكار الفطرية‪ :‬نظرية املعرفة عند (لوك) ذات جانبني‪.‬‬
‫اجلانب األول‪ :‬سليب يرفض فيه (لوك) األفكار الفطرية اليت نادى هبا الفالسفة العقليون‪ ،‬واجلانب اإلجيايب يقر فيه أن‬
‫التجربة هي املصدر الوحيد للمعرفة‪ ،‬واألفكار الفكرية هي األفكار اليت توجد يف العقل البشري منذ حلظة الوالدة‪ ،‬أو هي‬
‫أفكار موجودة يف العقل وغري مستمدة من التجربة حيث يسلم مجيع الناس بصحتها ومعرفتها‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪)34‬‬
‫"إن الطريقة اليت تظهر الكيفية اليت حتصل من خالهلا على معرفة كافية لتثبيتها ليست طريقة فطرية‪ ،‬فاملعرفة الفطرية وجهة‬
‫نظر مت تأسيسها يف أوسا البشر‪ ،‬ومفادها أن هناك مبادئ فطرية يف الفهم اإلنساين‪( ،‬كبعض املفاهيم األساسية‪ ،‬وبعض‬
‫الشخصيات)‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫تأيت كما لو أهنا كانت مطب وعة يف عقل اإلنسان‪ ،‬حيث أن الروح تلقتها يف بدايات تكوهنا وجاءت معها إىل احلياة‪ ،‬وسوف‬
‫يكون من السهل إقناع القارئ غري املتحيز خبطأ هذا االفرتاض إذا وضحت له فقط‪ ،‬أنه ميكن للناس عرب استخدام قدراهتم‬
‫الطبيعية الوصول للمعارف بدون مساعدة أي انطباعات فطرية‪ ،‬بل ميكنهم بلوغ اليقني دون احلاجة ألي تلك املبادئ‪.‬‬
‫(نفس املرجع‪ ،‬ص‪)33‬‬
‫‪-‬ويرفض (لوك) التسليم بوجود أفكار ومبادئ فطرية يف العقل البشري‪ ،‬وينتقد أصحاب هذه النظرية بشدة‪ ،‬ويقسم األفكار‬
‫الفطرية إىل نوعني مها‪:‬‬
‫أ‪ /‬المبادئ النظرية‪ :‬وتشمل املبادئ املنطقية اليت هي أساس كل استدالل‪ ،‬وتكون واضحة بذاهتا وال حتتاج إىل برهان مثل‬
‫قانون الذاتية وقانون التناقض‪ ،‬حيث ذهب الفالسفة العقليون إىل أن هذه املبادئ فطرية ألهنا حمل إمجاع الناس‪ ،‬لكن (لوك)‬
‫رد عليهم بأن هذه األفكار ليست معروفة عند مجيع الناس بدليل أن األطفال والبلهاء ال يعرفوهنا‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪)32‬‬
‫ويعتقد (لوك) أن اإلنسان يولد وعقله كالسبورة املمسوحة وبالتجربة والتجربة وحدها يعرف اإلنسان ما يعرف‪( ،‬املاء يغلي‬
‫يف درجة ‪ )811‬ألن هذا ما نشاهده بالتجربة والقياس‪ ،‬وليس هناك طريقة أو أسلوب ما ميكننا من استنتاج هذه املعلومة‬
‫بدون جتربة‪...‬‬
‫ب‪ /‬المبادئ العملية‪ :‬رفض (لوك) كذلك أن تكون املبادئ العملية فطرية‪ ،‬واليت تشمل على األخالق والقانون والضمري‪،‬‬
‫وذهب إىل أن األخالق ليست حمل إمجاع الناس‪ ،‬إذ خيتلف املفهوم األخالقي بني شعب وآخر‪ ،‬وكذلك العقائد الدينية‪،‬‬
‫وكذلك فإن الضمري ليس فطري يف العقل فلو كان كذلك ألصبح حمل إمجاع الناس‪.‬‬
‫ال شيء يف العقل إذا سوى ما تنقله احلواس‪ ،‬والعقل يكون عند الوالدة كالصفحة البيضاء خاليا من كل شيء وتأخذ‬
‫احلواس والتجارب يف الكتابة على هذه الصفحة بوسائل كبرية إىل أن تلد احلواس الذاكرة والذاكرة تلد اآلراء‪.‬‬
‫‪-‬تصنيف األفكار‪:‬‬
‫‪ /1‬األفكار البسيطة‪ :‬وهي األفكار اليت حنصل عليها عن طريق احلواس بصورة بسيطة وغري ممتزجة مع غريها‪.‬‬
‫‪ /2‬األفكار المركبة‪ :‬هي اليت يكوهنا العقل من خالل العمليات العقلية العليا ومقارنة وجتريد‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪)32‬‬
‫فاألفكار البسيطة هي ما كان معطى حسيا يف مقابل الفكرة اليت يوحها العقل‪ ،‬أو يكون عنصرا يف تأليفها‪ ،‬واألفكار‬
‫البسيطة هي صفات األشياء مثل الربودة والصالبة واحلالوة واأللوان‪ ،‬وهي صفات تنبع إما من اإلحساس أو من الفكر‪،‬‬

‫‪67‬‬
‫وهذه األفكار البسيطة حيصل عليها العقل من اخلربة‪ -‬وال يستطيع العقل اإلنساين ابتكارها‪ ،‬وإن كان يستطيع ابتكار فكرة‬
‫مركبة‪ ،‬ومثال ذلك أن األعمى منذ الوالدة لن جيد يف عقله فكرة األلوان واألصم كذلك ميكن أن يضعها له اآلخرون‪ ،‬لكنه‬
‫هو ذاته ال يستطيع احلصول عليها بنفسه‪ ،‬بعكس األفكار املركبة‪( .‬إبراهيم ابراهيم‪،4111 ،‬ص ‪.)425‬‬
‫أما األفكار املركبة فهي اليت يصنعها العقل من األفكار البسيطة عن طريق العمليات الذهنية اليت يقوم هبا‪ ،‬ومعىن هذا أن‬
‫األفكار املركبة ليست جمرد صور ذهنية عن األشياء مثل األفكار البسيطة بل هي من إنتاج العقل‪.‬‬
‫(بشار مالك سلمان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪)31‬‬
‫* التربية األخالقية‪ :‬فقد أكد (لوك) على أمهية الفضائل األخالقية واالجتماعية يف شخصية الطفل منذ تربيته األوىل فالرتبية‬
‫اخللقية مقدمة على الثقافة‪ ،‬ويؤكد يف الرتبية على أمهية القدوة احلسنة واملمارسة العملية بدال من اللجوء إىل التعليمات‬
‫والنصائح والقواعد‪ ،‬حيث تبدأ هذه القدوة مع األبوين‪ ،‬مع جتنب العقاب الشديد والضرب‪ ،‬كذلك جتنب املكافآت‬
‫املصطنعة‪ ،‬ويرى أن احلنان والصداقة وسائل وغايات يف آن معا للرتبية احلسنة وذلك ألمهية تنمية الفضائل األخالقية‬
‫واالجتماعية‪.)Root, 2005, p75( .‬‬

‫وأعطى أمهية للرتبية البدنية‪ ،‬وكذلك تكلم على نوعية غذاء الطفل ولباسه‪.‬‬
‫‪-‬منهج الدراسات عند (جون لوك)‪ :‬وجهت فلسفة (لوك) الواقعية اهتمامها‪ ،‬على املواد الدراسية‪ ،‬وتعد الظواهر الطبيعية‬
‫أهم مادة دراسية بعكس الدراسات األدبية اللغوية‪.‬‬
‫(جون لوك) يرى بأن الرتبية ترويض‪ ،‬وبأن العقل هو الدليل للوصول إىل احلقيقة‪ ،‬لكن النفس ال تستطيع بلوغ هذا اهلدف‬
‫إال إذا ربيت تربية خاصة عن طريق الرتويض الشديد‪ ،‬ويرى أن كل معرفة مصدرها اإلدراك احلسي واإلدراك العقلي‪ ،‬وأن هذا‬
‫اإلدراك العقلي إمنا ينمى عن طريق القوى العقلية وملكات النفس والسيما العقل‪ ،‬ويؤكد على دور التأمل يف الرتبية‪ ،‬حيث‬
‫أن القراءة وحدها غري كافية‪( .‬عاقل فاخر‪ ،8915 ،‬ص‪.)835‬‬
‫وهو يرى أن الرتبية العقلية تنحصر يف تكوين العادات الفكرية عن طريق التمرين واالنضبا ‪ ،‬ويرى أن الرياضيات هي خري‬
‫ما يستعمل هلذه الغاية وليس لغاية جعلهم رياضيني‪ ،‬بقدر ما جعلهم خملوقات عاقلة‪.‬‬
‫‪-3-8-3-3‬الحركة الطبيعية‪ :‬كانت احلركة الطبيعية من أكثر احلركات الرتبوية تأثريا يف (ق ‪81‬م)‪ ،‬وما تاله من قرون‬
‫بتأكيدها على الفردية واحلقوق الشخصية والعدالة واملساواة واحلرية‪ ،‬وكانت احلركة الطبيعية أيضا مقدمة للنزعتني‬

‫‪68‬‬
‫السيكولوجية اليت ظهرت يف (ق‪89‬م)‪ ،‬االجتماعية اليت ظهرت يف (ق‪ ،)41‬ولقد اختلف مؤرخو الرتبية على معرفة‬
‫الدالالت الرتبوية للحركة الطبيعية الختالف املفاهيم اليت أثارهتا هذه احلركة‪ ،‬إذ فهم البعض عبارة الرتبية وفقا للطبيعة على‬
‫أهنا تطبيق للقوانني الطبيعية على الرتبية‪ ،‬وفهم منها آخرون مسايرة قوانني النمو اإلنساين‪ ،‬فاملريب جيب أن يعرف طبيعة‬
‫وقوانني النمو الشخص الذي يقوم على ترتيبه‪ ،‬وفهم منها البعض العودة إىل الطبيعة ومعارضة الظروف الصناعية املتكلفة اليت‬
‫حيي فيها أبناء الطبقة العليا‪ ،‬وقراءة أعمال (روسو) تشري إىل خمتلف هذه املفاهيم‪ ،‬فاملفهومات األول والثاين يتعلقان بالطبيعة‬
‫كما تدركها اخلربة احلسية‪ ،‬والطفل هنا يكون موضوعا طبيعيا أو حيوانا لفكر(روسو) الذي يؤكد معاملة األطفال باعتبارهم‬
‫أ طفاال راشدين صغار‪ ،‬فاألطفال يف رأيه ال يفكرون كما يفكر الكبار‪ ،‬وليس هلم حاجات الكبار‪ ،‬ولذلك قبل أن (روسو)‬
‫اكتشف الطفولة‪ ،‬ويف كتابه (أصل الالمساواة) حتدث (روسو) عن الطبيعة باملفهوم الثالث‪ ،‬فاحلياة الطبيعية يف رأيه هي ما‬
‫قبل احلياة االجتماعية فالشر ال يصدر عن الطبيعة‪ ،‬وإمنا يصدر عن اجملتمع الفاسد‪ ،‬ومن مث دعا (روسو) إىل إقصاء الطفل‬
‫عن اجملتمع الفاسد حىت يتسىن له إظهار خريتيه الكافية‪ ،‬ولذلك تبىن (روسو) سياسة (ارفعوا أيديكم)‪ ،‬ودعا إىل الرتبية‬
‫السلبية ورفع القيود االجتماعية عن الطفل لزيادة تلقائيته والتعلم من اخلربة املباشرة والنتائج الطبيعية اليت ترتتب على سلوكه‪.‬‬
‫(نفس املرجع‪ ،‬ص‪)482‬‬
‫*االتجاهات التربوية للحركة الطبيعية‪:‬‬
‫* أهداف التربية‪ :‬حاولت احلركة الطبيعية كما قدمها (روسو) احملافظة على خريية الفرد‪ ،‬وفضائله الطبيعية‪ ،‬وإعادة خلق‬
‫اجملتمع وتأسيسه على االعرتاف باحلقوق الطبيعية لألفراد‪ ،‬ففي كتابه (العقد االجتماعي) حاول (روسو) إعادة تشكيل‬
‫اجملتمع السياسي يف فرنسا من خالل دعوته إىل إ نشاء جمتمع جديد يقوم على املصاحل احلقيقية لكل أعضائه‪ ،‬وليس فيه‬
‫امتياز لألرستقراطية‪ ،‬والكتاب حماولة لبيان كيف ميكن لألفراد احلصول على خريات احلياة االجتماعية‪ ،‬دون فقد حرياهتم ويف‬
‫كتابه (إميل) حاول (روسو) إعداد اإلنسان الطبيعي أو تربية اإلنسان الربجوازي وفقا ألفكاره الطبيعية‪ ،‬والعالقة بني العقد‬
‫االجتماعي وأميل عالقة قوية‪ ،‬ففي العقد االجتماعي أخذ (روسو) الناس على ما هم عليه وحاول خلق جمتمع فاضل جتتمع‬
‫فيه احلرية والنظام‪ ،‬ولعل ذلك يبدو من قوله يف العقد االجتماعي (أريد أن أحبث فيما إذا كان ميكن أن تكون يف النظام‬
‫املدين قاعدة ما لإلرادة شرعية وأكيدة‪ ،‬وذلك بتناول البشر كما هم‪ ،‬والقوانني كما ميكنها أن تكون‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫إن الربنامج الرتبوي الذي قدمه (روسو) يف كتابه (إميل) كان موجها لرتبية أبناء الطبقات العليا‪ ،‬ألن أبناء الفالحني والفقراء‬
‫يف رأيه ليسوا يف حاجة إىل تربية خمتلفة‪ ،‬فهم على صلة بالطبيعة ويف مأمن من املفاسد اليت جلبتها الرتبية املتكلفة على أبناء‬
‫الطبقات العليا ( الفالحون أسعد الناس يف العاَل ألهنم مستقيمون وبسطاء ويستطيعون تنظيم شؤون دولتهم يف ظل شجرة‬
‫البلو )‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪)485‬‬
‫*أنماط التربية‪ :‬لقد كره (روسو) التخصص ألن فيه زيادة لتبعية األفراد وإخضاعا لبعض األفراد إىل غريهم‪ ،‬لقد أقر (روسو)‬
‫أن يتلقى كل فرد تدريبا مهنيا ولكن جيب أن يكون شامال‪ ،‬واهتمت الرتبية الطبيعية بالرتبية البدنية والصحية‪ ،‬ووضع (روسو)‬
‫بعض القواعد اليت تتحدد مالمح الرتبية الطبي عية اليت يريدها كاحملافظة على تلقائية األفراد وجتنب احلماية املسرفة أو تقييد‬
‫حركة الصغار ودعا (روسو) إىل قيام الوالدين برتبية الطفل بأنفسهما وعدم تركه إىل اخلدم‪ ،‬ودعا اآلباء إىل تعريض أبنائهم‬
‫ملختلف الظروف املناخية من حر وبرد وجتنب األطباء واألدوية الصناعية والرتبية الطبيعية تؤكد كذلك على الرتبية اخللقية من‬
‫خالل التعرض للجزاءات الطبيعية على السلوك ال عن طريق املواعظ اخللقية اليت ال يفهمها األطفال‪ ،‬واهتمت الرتبية‬
‫الطبيعية بالرتبية العقلية والدينية ولكنها أجلت العناية هبا حىت تكتمل نضوج األطفال ويستطيعوا التفكري واملفاضلة بني‬
‫البدائل واختاذ القرار‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪)482‬‬
‫*محتوى التربية‪ :‬حرص (روسو) على جتنب املقررات املألوفة ودعا إىل التعلم من الظاهرات الطبيعية وتدريب حواس الطفل‬
‫ولذلك كان املنهج الذي اقرتحه بتألف من أنشطة حسية وحركية كاجلري والتسلق والعوم والرقص والزراعة واستخدام‬
‫األدوات‪ ،‬ودعا (روسو) إىل جتنب تعليم اللغات األجنبية واالهتمام باللغة القومية‪ ،‬وأجل (روسو) الرتبية العقلية والدينية حىت‬
‫يبلغ األطفال إىل النضج العقلي‪ ،‬وكان النهج الذي اقرتحه (روسو) لرتبية النساء قاصراً ألنه أراد إعداد النساء للقيام‬
‫بالواجبات حمدودة‪ ،‬هي إعانة الرجل والعمل على إسعاده وتربية األبناء‪ ،‬ومن مث اهتم بالرتبية البدنية للمرأة أبناؤها أقوياء‬
‫ودعا إىل تعليمها الغناء والرقص والتطريز‪ ،...‬ودعا إىل تزويدها بالتعليم الديين واخللقي حىت توفر بيئة منزلية حسنة‪.‬‬
‫(نفس املرجع‪ ،‬ص‪)482‬‬
‫*المؤسسات والتنظيمات التعليمية‪ :‬أكد (روسو) أمهية األسرة باعتبارها مؤسسة تعليمية وكانت معظم نصائحه الرتبوية‬
‫موجهة إىل األسرة‪ ،‬وَل يكن (روسو) موافقا على الظروف التعليمية املتاحة يف املدارس والكنائس‪ ،‬ودعا إىل إصالحها وفقا‬
‫للمذهب الطبيعي‪ ،‬ودعا إىل إعداد املعلمني إعدادا تربويا من خالل احلقائق اخلاصة مبراحل منو األطفال وطرق التعامل معهم‬

‫‪71‬‬
‫يف املراحل العمرية والتعليمية املختلفة‪ ،‬فالنظام الرتبوي الذي وضعه (روسو) أوجب معاملة الطفل وفقا ملستوى نضجه‬
‫فالطفل يعامل باعتباره حيوانا مث كشخص بدائي مث كائن عاقل مث كائن اجتماعي‪ ،‬ونظم (روسو) تربية (إميل) يف أربعة‬
‫مراحل‪:‬‬
‫هي مرحلة الطفولة املبكرة (من امليالد حىت مخسة سنوات)‪ ،‬وفيها يعامل الطفل باعتباره حيوانا والعمل على إشباع حاجاته‬
‫ومرحلة الطفولة املتوسطة (من اخلاصة حىت الثانية عشرة) وفيها يعامل باعتباره شخصا بدائيا قليل احلاجات‪ ،‬ومرحلة الطفولة‬
‫املتأخرة من (الثانية عشرة حىت اخلامسة عشرة) وفيها يعامل الطفل بطريقة (رونبسون كروزو)‪ ،‬ومرحلة املراهقة (من اخلامسة‬
‫عشرة حىت العشرين) وفيها يعامل املراهق ملستوى نضجه العقلي‪ ،‬فتقدم له املعارف العقلية واخللقية والدينية‪.‬‬
‫‪-‬طرق التعليم‪ :‬متثلت الطريقة الرتبوية اليت اقرتحها (روسو) يف جعل الطفل مركز للعملية التعليمية ودعا الكبار إىل معرفة‬
‫طبيعة األطفال وحقائق منوهم اليت حتدد أسلوب تعليمهم والعناية مبيوهلم الطبيعية وإشباع اهتماماهتم والتعلم من الطبيعة‪.‬‬
‫‪-‬إن جوهر الطريقة الرتبوية (لورسو) يتمثل يف ثالثة مبادئ تعليمية هي مراعاة مبدأ النمو ومبدأ النشا ومبدأ الفردية‪.‬‬
‫(نفس املرجع‪ ،‬ص‪)486‬‬
‫*الفكر التربوي عند(جان جاك روسو)‪:‬‬
‫أ‪ /‬الحالة الطبيعية عند (روسو)‪ :‬بدأ(روسو) كتابه(إميل) مبقولة مشهورة " وهي خيرج كل شيء من يد اخلالق صاحلا‪ ،‬وكل‬
‫شيء يف أيدي البشر يلحقه االضمحالل" (جان جاك روسو‪ ،‬إميل أو تربية‪،‬ص‪.)41‬‬
‫يرى (روسو) أن اإلنسان األول كان يعيش حياة بسيطة تتسم بالرباءة واحلرية واملساواة‪ ،‬فهذا اإلنسان َل يكن يف حاجة إىل‬
‫االستعانة بالكذب أو النفاق‪ ،‬فال حاجة له هلا ما دام ال يوجد تفاوت أو متايز بني الناس‪ ،‬فاإلنسان األول حسب (روسو)‬
‫ظاهرا شريفا‪ ،‬ففي الطبيعة ما يكفي حاجاته ويزيد‪ ،‬فهو يف هذا الصدد يقول "راقبوا الطبيعة وأنظروا كيف تبني لكم السبيل‪،‬‬
‫فإهنا تعمل على متريس األطفال باألحداث واألشياء‪ ،‬وتعليمهم منذ البداية كيف يكونوا األَل"‪.‬‬
‫واحلقيقة أن (روسو) يعتزم أن جيعلنا نرى إنسان الطبيعة وقد حتول إىل إنسان اإلنسان‪ ،‬إنه ينوي وصف حياة النوع البشري‬
‫وفق اخلصال املستمدة من الطبيعة‪ ،‬واليت متكنت الرتبية املشوهة والعادات السيئة من إفسادها‪ ،‬إنه يعتزم أن يرينا اإلنسان عما‬
‫كان عليه‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫وهو يقول‪ :‬أيها اإلنسان من أي قطر كنت‪ ،‬ومهما كانت‪ ،‬أمثلك يكذبوا وإمنا الطبيعة اليت ال تكذب أبدا‪ ،‬إن كل ما جييء‬
‫منها سيكون صحيحا‪ ،‬ولن يكون فيه عندي دون أن أريد ذلك ‪( .‬عزة أْحد صيام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.)845‬‬
‫إن الطبيعة عند (روسو) خرية وخريها يتدفق باملطلق‪ ،‬وعلينا أن نؤمن إميانا قويا بأن احلركات األوىل للطبيعة دوما رشيقة وما‬
‫من فساد أصيل يف النفس اإلنسانية‪ ،‬ويف القلب البشري فعلتها يد اإلنسان‪ ،‬فالطبيعة هي املبتدأ واخلرب يف معادلة البناء‬
‫اإلنساين اخلري‪-‬ويف أحضاهنا جيب أن ينمو األطفال ليكون يف منعة‪ ،‬وامتناع عن كل ضروب اإلمث والشر يف التكوين اإلنساين‬
‫(فإميل) ابن الطبيعة‬
‫يرى (روسو) أن االجتماع اإلنساين أو اجملتمع منبع الشر واآلثام (يرى بأن احلالة الطبيعية تتميز بالبساطة‪ ،‬فاإلنسان فيها‬
‫صاحل مادام يف أحضاهنا فإذا انتقل إىل املدنية مسته يد الشر واآلثام‪.‬‬
‫ب‪-‬الحالة المدنية عند (روسو)‪ :‬تتميز يف ظهور امللكية اخلاصة اليت تبدأ باستنزاع األراضي واستئناس احليوان‪ ،‬وظهور‬
‫تقسيم العمل‪ ،‬وبداية تشكل التفاوت االجتماعي بني خمتلف أفراد اجملتمع‪ ،‬وظهور التمايز الطبقي‪ ،‬وحرص األغنياء يف‬
‫اكتناز الثروة ويقل يف املقابل فرص الفقراء يف احلصول على نصيبهم من ثروة اجملتمع‪.‬‬
‫ويف ظل هذه احلالة (اجملتمع املدين) يبدأ األغنياء يف السيطرة على الفقراء بوسائل خمتلفة وتظهر كنتيجة لذلك مشاعر احلقد‬
‫والكراهية واحلسد‪.‬‬
‫ولكي حيافظ األغنياء على حقوقهم تصدر القوانني املنظمة للملكية واليت تدعم أوضاعهم داخل اجملتمع‪ ،‬فيزداد النفاق‬
‫وختتفي الصداقة املخلصة وتضعف الثقة املتبادلة‪ ،‬ويسود اخلوف والكراهية والقتل‪ ،‬وظواهر َل يعرفها اجملتمع يف احلالة السابقة‬
‫بقدر ما عرفها إبان نشأة اجملتمع اإلنساين‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.)831‬‬
‫وميز (روسو) بني إنسان الطبيعة (كما خرج من يد صانعه) وإنسان اإلنسان كما شكله اجملتمع بواسطة الرتبية والتعليم‪ ،‬عرب‬
‫نشر العلوم وتلقني الفنون سعيد بطبعه شقي بثقافته‪ ،‬فاإلسراف يف جمال املعرفة والذوق ال يزيد اإلنسان انسياق للشهوات‪،‬‬
‫وتباعد عن أخيه اإلنسان‪.‬‬
‫*التربية بمفهوم (روسو)‪ :‬يقول (روسو)‪ " :‬الرتبية تأتينا إما من الطبيعة أو من اإلنسان أو من األشياء‪ ،‬فنمو وظائفنا‬
‫وجوارحنا الداخلي‪ ،‬هو تربية الطبيعة‪ ،‬وما نتعلمه من اإلفادة من ذلك النمو ذلكم هو تربية اإلنسان‪ ،‬وما تكتسبه من خربتنا‬
‫عن األشياء اليت تتأثر هبا‪ ،‬فذلك هو تربية األشياء‪( .‬جان جاك روسو‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.)82‬‬

‫‪72‬‬
‫ويرى أن اإلنسان يسيطر على اثنني فقط‪ ،‬ومن هذه القوى‪ ،‬بينما يعجز عن السيطرة عن قوة الطبيعة‪ ،‬أي النمو الباطين‬
‫مللكاته‪ ،‬إن االنسجام يف الرتبية ال يأيت إال إذا اخضعت تربية اإلنسان واألشياء للطبيعة‪.‬‬
‫قد رأى أن الطبيعة تتطلب أن يكون األطفال أطفاال قبل أن يكونوا رجاال‪ ،‬وال جيوز أن نفرض عليهم حياة الراشدين‬
‫وأفكارهم ومقاييسهم يف السلوك‪ ،‬ألن الطفل ليس مصغر الرجل‪ ،‬لكنه كائنا يف طريق النمو‪ ،‬ورأى ضرورة العناية بنشا‬
‫الطفل وإتاحة الفرصة أمامه ليتحرك حبرية ليلعب ويتمتع حبياة الطفولة والتقليل من األوامر والنواهي اليت يصدرها الكبار له‪،‬‬
‫ألن التضيق على الطفل قد يؤدي إىل ضرر بالغ‪ ،‬وأن الرتبية األوىل الذي تقدم للطفل جيب أن يكون قوامها احملافظة على‬
‫القلب من الرذيلة‪ ،‬وعلى العقل من الزلل‪ ،‬وليس تلقني مبادئ الفضيلة واحلق‪.‬‬
‫حتقق الرتبية عند (روسو) هدفها عندم ا تسمح للطفل أن يعيش حياته وفق ميله الطبيعي‪ ،‬حيث يرى أن الرتبية وفقا لقوانني‬
‫الطبيعة معناها أن األحكام الغريزية واالنفعاالت الفطرية‪ ،‬والغرائز الطبيعية‪ ،‬واآلثار األوىل هي أصدق أساس للعمل من‬
‫التفكري واحلذر واخلربة الناشئة عن االرتبا باآلخرين‪ ،‬ويرى أن الرتبي ة السيئة اليت تصدر عن اإلنسان جيب أن يقابلها ضرب‬
‫آخر من الرتبية مصدره الطبيعة اآلمنة اليت ال يعرتيها اخلوف حبيواناهتا ونباتاهتا‪ ،‬وقواها الطبيعية املختلفة‪.‬‬
‫ونالحظ أن (روسو) أعطى لكتابه (إميل) كل الوقت واجلهد‪ ،‬وأثرى من قيمته وأوالده من الرعاية واالهتمام وحاول‬
‫اإلصالح يف اجملتمع األورويب بقدر املستطاع على الرغم من الناشئ أي األطفال باعتبارهم نواه اجملتمع األويل‪ ،‬ألن غرس‬
‫املبادئ واألخالق يف نفوس الناشئ هي الركيزة اليت تكون اجملتمع الصاحل‪.‬‬
‫يتضح من كتاب (إميل) أن العلمية الرتبوية يف نظر (روسو) ينبغي أن ترتكز على تدريب احلواس‪ ،‬ويؤكد على الرتبية اليت‬
‫تعتمد اخلربة املمارسة العملية واالحتكاك باألشياء تدل الرتبية القائمة على التلقني واأللفاظ‪ ،‬وبالتايل فإنه يتجنب تعلم‬
‫الكتب واحلقائق اجملردة اليت َل تقع يف إطار‪-‬املشاهدة‪-‬واالختبار‪ ،‬وأن كتاب (احلياة) وكتاب(الطبيعة) هو ما جيب أن ينشأ‬
‫على دراسته الطفل ومتاشيا مع هذا التصور يرى (روسو) أن يدرس الطفل اجلغرافيا يف الغابات واحلقول وعن طريق وضع‬
‫مالحظة وضع الشمس واألرض ودراسة اجلداول واملطر‪ ،...‬أما دراسة الفلك فتكون عن طريق دراسته األجرام السماوية‪ ،‬أما‬
‫دراسة الفيزياء والكيمياء فتكون عن طريق املالحظة والتجريب والرياضيات الزمة لضرورهتا يف هذه الدراسة‪.‬‬
‫أما القاعدة العامة اليت يوصي هبا فهي عدم استعمال اإلشارة أو الرمز حني ميكن استعمال الشيء نفسه‪ ،‬وذلك ألن الرمز‬
‫سيستويل على انتباه الطفل فينسيه الشيء نفسه‪ ،‬وذلك ألن الرمز سيتويل على انتباه الطفل فينسيه الشيء األصلي‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫‪-‬كتاب إميل‪:‬‬
‫‪-‬الكتاب األولى‪ 5-9( :‬سنوات)‪ :‬أمهية العناية باجلسم وضرورة اهتمام األم بنفسها‪ ،‬وأمهية منح الطفل احلرية منذ والدته‬
‫دون تكبيله بأي نوع من القيود اليت حتيل دون حريته‪ ،‬ويرى بأن هذه املرحلة هي أخطر مراحل الرتبية‪ ،‬وهي بكل ما فيها‬
‫موكلة إىل النساء‪ ،‬وحيرص على عدم تربية الطفل على يد الغرباء‪.‬‬
‫ورأى أنه األفضل أن تكون األم احلقيقية هي األم أو املربية ويكون املؤدب واملوجه هو األب احلقيقي ليحصل االنسجام‬
‫والتفاهم بني املرضعة واملؤدب‪ ،‬وهذا ما جيعل عملية االنتقال من يد املرضعة إىل يد املؤدب السهلة ال تكلف الطفل عناء‬
‫االنتقال من مرحلة إىل أخرى دون تفاهم بني املرضعة واملريب‪ ،‬واهتم باجلانب النفسي‪.‬‬
‫‪-‬الكتاب الثاني‪ 12-5(:‬سنة)‪ :‬حيث يرى أن الطفل يف هذه املرحلة يصبح جاهزا للتعليم والتعلم‪ ،‬ويؤكد على أنه جيب‬
‫أن ال نعلم الطفل تعليما نظاميا‪ ،‬بل يرتك يتعلم بالتجربة والنشا احلي يف الطبيعة‪ ،‬وعلى أنه ينبغي أال يتعاطى الطفل سوى‬
‫األشياء اليت تناسب عمره وتفكريه واهتمامه بشكل مباشر‪ ،‬والرتبية هنا تركز على تربية اجلسد واحلواس‪ ،‬فالعقل جيب أن‬
‫يتعلم الطاعة على أهنا واجب طبيعي‪ ،‬وجيب أن يبتعد الطفل من الشر‪ ،‬ويشري هنا إىل انتهاء مرحلة الطفولة‪.‬‬
‫‪-‬أما الكتاب الثالث‪( :‬من‪ 85-84‬سنة) هنا تبدأ الرتبية الذهنية والتعليم اإلجيايب‪ ،‬حيث يرى أنه ينبغي أن نعود اإلنسان‬
‫على مالحظة ما يدور حوله وأن نعلمه من كتاب واحد هو كتاب العاَل احمليط به‪ ،‬فيتعلم اجلغرافيا مبشاهدته املباشرة‬
‫للطبيعة‪( .‬وائل عبد الرْحن التل وأْحد شعراوي‪( ،‬ب ت)‪ ،‬ص‪.)828‬‬
‫إضافة إىل تشجيع ه وتعليمه االعتماد على نفسه يف التعليم‪ ،‬تبدأ مرحلة التفكري والتعقل ومنعه مبقارنة نفسه بسواه من‬
‫األطفال‪ ،‬ألنه ال جيين من ذلك إال إحدى السيئتني مها احلسد والغرور‪ ،‬فليكن هو معيار نفسه‪ ،‬إضافة إىل ذلك البد أن‬
‫يدرس العالقات االجتماعية ويقدر الفنون املختلفة على أساس منفعتها احلقيقية‪.‬‬
‫‪-‬أما الكتاب الرابع‪ :‬حتت عنوان املراهقة والتعليم الديين‪ ،‬يتضمن الرتبية اخللقية والدينية‪ ،‬حيث يؤكد (روسو) أن أول شعور‬
‫حيس به الطفل هو أن حيب نفسه أما الشعور الثاين فهو حمبة اآلخرين‪ ،‬ويرى أن املبدأ األساسي يف األخالق أن قواعد‬
‫السلوك ال تأيت نتيجة لدروس فلسفية عالية‪ ،‬بل هي مكتوبة يف أعماق كل إنسان بشكل طبيعي وبأحرف ال متحى ويرى أن‬
‫الصوت الداخلي (الضمري) هو املبدأ األساسي للعدالة والفضيلة والفضل يعود إليه بتأمني سعادتنا أو شقائنا‪ ،‬بسماع صوته‬

‫‪74‬‬
‫أو عدم مساعه تقرر حالتنا على األرض ومن مث احلياة األبدية‪ ،‬فقد وهبنا اهلل الضمري كي حنب اخلري‪ ،‬والعقل كي نتعرف إليه‪،‬‬
‫واحلرية ختتار الطريقة‪ ،‬ويف الثامنة من عمره يتعلم مبادئ الدين األوىل‪ ،‬فال نفرض عليه أي مذهب أو ديانة ونرتك له اخليار‪.‬‬
‫(وائل عبد الرْحن التل‪ ،‬وأْحد حممد شعراوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪)824‬‬
‫‪-‬أما الكتاب الخامس‪ :‬فهو يتحدث عن (صويف) رفيقة (إميل) إال أن إميل ال يتزوج من صويف إال بعد أن يقوم برحلة ملدة‬
‫سنتني ينتقل خالهلا يف الدول األوروبية يتعرف على أنظمتها االجتماعية على شعوهبا وعلى عاداهتا وتقاليدها‪ ،‬وبذلك يصبح‬
‫عنده فضيلة أكثر وقوة عامرة يف نفسه أكثر‪ .‬كما أبرز دور املرأة الفاضلة يف الرتبية واألسرة واجملتمع‬
‫‪-4-8-3-3‬الحركتان النفسية واالجتماعية‪:‬‬
‫ظهرت احلركة النفسية يف أواخر القرن (‪81‬م) وتطورت يف ق(‪89‬م)‪ ،‬وظهرت احلركة االجتماعية يف (ق‪41‬م)‪ ،‬فاحلركة‬
‫النفسية أكدت على الطفل ومنوه واحلركة االجتماعية أكدت على البناء االجتماعي والشرو االجتماعية الالزمة للنمو‪ ،‬وال غىن‬
‫عن اجلانب النفسي واالجتماعي يف فهم الرتبية يف العصر احلديث‪ ،‬وخباصة يف (ق‪41‬م)‪ ،‬أما احلركة النفسية يف الرتبية فقد‬
‫مناها (بستالوتزي وفروبل) يف املراحل األوىل‪:‬‬
‫وكان (لستانلي هول) و(وليم جيمس) و(ثورندايك) فضل تعميق نتائج علم النفس واإلفادة منها يف خمتلف املراحل‬
‫التعليمية ويف طرق التعليم وتدريب املعلمني وشرو التعلم وخصائص النمو يف املراحل العمرية املختلفة‪.‬‬
‫‪-‬وأما احلركة االجتماعية يف الرتبية فقد مناها رواد علم االجتماعي الرتبوي مثل‪( :‬ليسرت وارد) (والبيون صمول) و(إميل‬
‫دوركامي)‪ ،‬فلقد انتظمت مجلة احلقائق االجتماعية ذات الصلة بالرتبية فاقرتح أصحاب االجتاه االجتماعي بدراسة موضوعات‬
‫ذات صلة مباشرة أ و غري مباشرة بالرتبية مثل عالقة النظام الرتبوي باألنظمة االجتماعية األخرى‪ ،‬وعالقة النظام الرتبوي‬
‫بعمليات التغري االجتماعي‪ ،‬ووظيفة النظام الرتبوي يف عمليات اإلصالح االجتماعي والضبط االجتماعي والتأثري الرتبوي‬
‫للمؤسسات التعليمية‪ ،‬غري أن علماء االجتماع األوائل اهتموا بالتطبيع االجتماعي واحملافظة على البناء االجتماعي أكثر من‬
‫عنايتهم بالنمو الفردي‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.)481‬‬
‫*االتجاهات التربوية للحركتين‪:‬‬
‫‪-‬أهداف التربية‪ :‬اهتمت احلركة النفسية باألهداف الفردية وحاولت جعل الطفل مركز للعملية التعليمية وعنيت باكتشاف‬
‫خصائص النمو يف املراحل العمرية املختلفة وقوانني التعلم‪ ،‬وتنمية الطفل من الداخل بدال من فرض معايري الكبار عليه‬

‫‪75‬‬
‫ولذلك أغفلت جانب التطبيع االجتماعي‪ ،‬أما احلركة االجتماعية اهتمت بالرتاث االجتماعي واملثل االجتماعي العليا‬
‫والعادات والتقاليد وإعداد الناشئة حلياة الكبار‪ ،‬وإعانة الفرد على التفاعل االجتماعي واالتصال وتزوده باالجتاهات املناسبة‬
‫للخدمة االجتماعي وزيادة كفاءاته املهنية واالجتماعي‪ ،‬والدينية واخللقية‪.‬‬
‫‪-‬أنواع التربية‪ :‬اهتم النفسانيون بالرتبية العقلية والرتبية اخللقية واملهنية من منظور تنمية امللكات الفردية‪ ،‬أما االجتماعي فقد‬
‫اهتموا بتنمية املهارات االجتماعية ومهارات االتصال وأكدوا على الرتبية املهنية يف اجملاالت الصناعية والزراعية والتجارية‪ ،‬كما‬
‫أكد االجتماعيون على الرتبية املدنية والرتفيهية وتنويع التعليم حبيث يناسب أبناء الطبقات االجتماعية املختلفة‪.‬‬
‫‪-‬محتوى التربية‪ :‬وسع النفسانيون املنهج الدراسي وخباصة يف املرحلة االبتدائية‪ ،‬حيث اعتقد (بستالوتزي) أن منهج املرحلة‬
‫االبتدائية جيب أن يشمل اللغة واحلساب واجلغرافيا ومبادئ العلم الطبيعي‪ ،‬ألنه كان يعتقد يف ضرورة تنمية مجيع ملكات‬
‫اإلنسان‪ ،‬إن الرتبية يف رأى (بستالوتزي) (هي منو مجيع قوى اإلنسان وملكاته منو طبيعيا يف اتساق وانسجام)‪ ،‬ولقد اعتقد‬
‫كل من (هاربارت وفروبل)‪ ،‬يف أن اهتمامات الفرد وميوله مستمدة من مصدرين مها احتكاكه باألشياء يف البيئة واحتكاكه‬
‫بالناس‪ ،‬ومن مث جيب أن تشكل تربية الفرد على هذين املصدرين‪ ،‬أما احلركة االجتماعية‪ ،‬فلقد اهتمت بتزويد األطفال‬
‫بأدوات االتصال االجتماعي والعالقات اإلنسانية‪ ،‬وإعانتهم على اكتشاف طبيعة احلياة االجتماعية‪ ،‬وبالتايل أكد أصحاهبا‬
‫على التعلم اال جتماعي والعمل والسفر واألنشطة الالصفية واحلياة والطالبية باعتبارها وسيلة إلعداد الفرد للحياة‬
‫االجتماعية‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.)441‬‬
‫‪-‬المؤسسات والتنظيمات التعليمية‪:‬‬
‫َل يفكر النفسيون يف مؤسسات تعليمية جديدة بل اعتقدوا يف أن املؤسسات التعليمية وافيه بتحقق أهدافها وتطبيقا‬
‫اجتاهاهتم الرتبوية‪ ،‬غري أهنم قسموا النمو إىل مراحل وجعلوا لكل مرحلة خصائص معينة جيب اإلفادة منها يف التعليم‪ ،‬واقرتاح‬
‫املقررات وطرق التعليم املناسبة‪ ،‬واعتقد االجتماعيون أن املدرسة أنسب مكان إلعداد الفرد للحياة االجتماعية من خالل‬
‫التنظيمات واألنشطة الرمسية وغري الرمسية اليت تقدمها للتالميذ‪ ،‬ودعا االجتماعيون إىل تأكيد العالقة بني املدرسة والبيت‬
‫وخدمة املدرسة اجملتمع احمللي يف التعليم‪ ،‬وكان هذا مدعاة لظهور فكرة مدرسة اجملتمع‪ ،‬ومال االجتماعيون إىل طرق التنظيم‬
‫غري الرمسية بصفة عامة‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.)441‬‬

‫‪76‬‬
‫‪-‬طرق التعليم‪ :‬كان إسهام النفسانيون يف طرق التعليم كبريا‪ ،‬فلقد أكدوا أمهية الطرق الكلية على الطرق اجلزئية يف تعليم‬
‫الناشئة ودراسة األشياء بدال من وضعها يف كلمات غامضة‪ ،‬وابتكر(هاربارت) طريقة تعليمية تتألف من مخس خطوات هي‪:‬‬
‫إعداد املعلم للتلميذ‪ ،‬وهتيئة لألفكار اجلديدة‪ ،‬وعرض األفكار اجلديدة‪ ،‬وربط باألفكار القدمية‪ ،‬والتعميم والتطبيق‪ ،‬وأكد‬
‫(ثورندايك) على اإل فادة من قوانني التعلم اليت اكتشفها مثل قانون االستعداد وقانون االستعمال‪ ،‬وقانون األثر‪ ،‬وأكد أيضا‬
‫على أمهية نشا التلميذ يف التعلم‪ ،‬أما االجتماعيون فقد أكدوا على الصلة الوثيقة بني املعلم واملتعلم وأمهية العالقات غري‬
‫الرمسية واملناقشات اجلماعية وطريقة املشروعات اجلماعية‪ ،‬وإشراك الطلبة يف إدارة املدرسة وتقييم احلياة الطالبية وتعويد الطلبة‬
‫على القيادة والتبعية واكتساب قيم التعاون واملسؤولية من خالل األنشطة احليوية ومراعاة املعايري االجتماعية وتدريب الفرد‬
‫على مواقف اجتماعية عيانية‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.)448‬‬
‫‪-5-8-3-3‬الفلسفة المثالية وأنواعها‪:‬‬
‫‪-‬إ ن الفلسفة فرضت هيمنتها على تاريخ الفلسفة‪ ،‬وهلذا فهي يف صورهتا القدمية تصعد إىل (سقرا ) و(أفالطون)‪ ،‬وهي‬
‫صورهتا احلديثة ترتبط بالفيلسوف (باركلي) و(كانط) و(هيغل) (وفيخته)‪ ،‬ويف صورهتا املعاصرة تتصل بكل من (كروتشه)‬
‫و(جنتيلي) و(كولريدج) و(كارالبل) و (بوزنكت)‪.‬‬
‫والفلسفة املثالية موقف فكري من العاَل واملعرفة والقيم واإلنسان واجملتمع‪ ،‬وهلذا وجدنا فالسفة املثالية جيمعون على أن‬
‫وجود العاَل (أشياء وظواهر وعالقات)‪ ،‬يعتمد على الذات العارفة أو القوى اليت تدرك وجود العاَل‪ ،‬وأن وجود العاَل يصبح‬
‫غري ممكن يف حالة انعدام الذات العارفة أو القوى املدركة‪ ،‬وهلذا ترى الفلسفة املثالية أن الوجود واملعرفة شيء واحد‪.‬‬
‫(حممود كيشانة‪،‬ب ت‪ ،‬ص‪)32‬‬
‫‪ -‬وعلى هذا األساس رتب فالسفة املثالية العمارة الفكرية للفلسفة املثالية‪ ،‬فذهبوا إىل أن األفكار تتقدم على احملسوسات‪،‬‬
‫واألخرية هي نسخة طبق األصل لألفكار‪ ،‬واحلال كذلك بالنسبة للمعاين الكلية‪ ،‬فهي تتقدم على اجلزئيات‪ ،‬وأن معرفة أي‬
‫شيء أو ظاهرة أو كائن يف عاَل احملسوسات تتحقق من خالل معرفة ماهيته‪ ،‬وماهية الشيء أو يشرتك الشيء فيها مع‬
‫أفراده‪ ،‬فمثاال ماهية اإلنسان (ناطق) وهي صفة يشرتك فيها مع مجيع أفراد جنسه‪ ،‬وهبذا تفهم قول املثالية "أن ماهية الشيء‬
‫سابقة على وجوده"‪ ،‬أي أن ماهية (النطق) سابقة على وجود (عمر) الذي يتميز بكونه إنسانا ناطقا‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫وهلذا أسست املثالية موقفها الفلسفي القال‪ :‬إن وجود الشيء مرهون بوجود الذات املدركة (العارفة)‪ ،‬وأن هناك تطابقا بني‬
‫وجود الشيء ومعرفته‪ ،‬ولذلك يصبح من غري املمكن أن توجد أشياء حمسوسة ال ميكن إدراكها (نفس املرجع‪،‬ص‪.)32‬‬
‫‪-‬ما هي أبرز المواهق التي ظهرت في تاريخ الفلسفة المثالية؟‪:‬‬
‫أ‪ /‬الموهق المثالي التقليدي‪ :‬يُعرف املثايل التقليدي يف دوائر األنظار الفلسفية باملذهب املثايل املفارق‪ ،‬ويرتبط باسم‬
‫الفيلسوف اليوناين (أفالطون)‪ ،‬وتعين املثالية باملفهوم األفالطوين‪ ،‬أن هناك ُمثال توجد أو صورا لألشياء‪ ،‬وأن وجود هذه املثل‬
‫ُ‬
‫مفارق لألشياء‪ ،‬وتقوم املثل املفارقة يف عقل إهلي‪ ،‬عنده الصور أو أعلى املثل درجة وأمساها مرتبة‪ ،‬ولذلك من الصحيح جدا‬
‫ُ‬
‫تسمية املثالية أفالطون باملثالية اإلهلية‪.‬‬
‫ويعتقد (أفالطون) أن األشياء مجيعا ما هي إال نسخ ناقصة ملثل أزلية كاملة‪ ،‬وأن الطبيعة احلقة للشيء ال توجد يف الظواهر‬
‫اليت تقدمها احلواس بل توجد يف املثال‪ ،‬ولذلك فإن الطريق الوحيد ملعرفة املثل هو طريق العقل ‪.‬‬
‫ب‪ /‬الموهق المثالي الواتي‪ :‬ارتبط هذا النوع من املثالية باسم الفيلسوف (جورج باركلي)‪ ،‬وتنهض حقيقة هذا املذهب‬
‫الفلسفي على أن وجود الشيء هو إدراكه‪ ،‬وأن الشيء ليس له وجود مادي مستقل عن إدراكي له‪( ،‬اإلدراكات احلسية‬
‫توجد بصورة مستقلة عن العقل الذي يقوم بإدراكها) و(باركلي) ال يعرتف بوجود املادة‪ ،‬فهي عنده ليست إال جمرد وهم‬
‫باطل‪ ،‬وهلذا وجدناه يدعونا للتخلص منها‪ ،‬وأن نلغي وجودها إطالق‪ ،‬وعلى أساس هذه الرؤية مسي مذهبه الفلسفي ب‬
‫(الالمادي) أي نقطة االنطالق والبداية يف فلسفة هي (الروح والعقل)‪.‬‬
‫لقد فطن (باركلي) إىل أن ما قام به من ربط لوجود األشياء بفعل اإلدراك سيفضي ال حمال إىل النتيجة القائلة‪" :‬إن وجود‬
‫العاَل جمرد وهم" يف حالة توقف اإلدراك‪ ،‬ومن املعلوم أن العاَل موجود سواء أدركته أم َل تدركه‪ ،‬فقد توجه (باركلي) إىل اهلل‬
‫فقال كلمته اليت فيها تفعيل للفلسفي‪ ،‬وتفعيل لإلميان الديين (إن العاَل اخلارجي موجود يف العقل اإلهلي)‪.‬‬
‫‪-‬إن هذا التوجه الديين هو الذي ْحل (باركلي) إىل االعرتاف بالوجود الواقعي للعاَل‪ ،‬أي أن واقعية العاَل مت إقرارها عن طريق‬
‫العقل اإلهلي‪(.‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪)21‬‬
‫ج‪ /‬الموهق المثالي النقدي‪ :‬إن هذا املذهب الفلسفي ارتبط بشخصية الفيلسوف (كانط)‪ ،‬وأن أهم اخلصائص اليت‬
‫يتميز هبا هذا املذهب ميزتان مها‪ :‬إهنا (مثالية نقدية) والثانية (مثالية متعالية)‪ ،‬وقد نزع إىل وضع حدود للعقل‪ ،‬ودعا إىل عدم‬
‫جتاوزها‪ ،‬حيث وجد أن العقل يرتك لذاته احلرية املطلقة يف التدخل يف مناقشة ودراسة موضوعات كثرية حبيث تثقل كاهله‬

‫‪78‬‬
‫وتتعبه‪ ،‬ألن إمكانات العقل حمدودة‪ ،‬وأن هذه املوضوعات غري حمددة خاصة تلك املوضوعات امليتافيزيقية مثل البحث يف‬
‫اهلل والبحث يف مسألة النفس وخلودها‪.‬‬
‫إن (كانط) وقف من هذه املوضوعات اليت خيوض فيها العقل فوق طاقاته البشرية‪ ،‬موقف الناقد‪ ،‬وتقدم لنا باملقابل مبشروع‬
‫فلسفي يدور يف حدود "التجربة املمكنة"‪ ،‬ولقد سعى إىل تثبيت الشرو األولية اليت جتعل التجربة ممكنة‪ ،‬ورأى أن هذه‬
‫الشرو ساكنة داخل التجربة‪ ،‬وهي مثل مفهوم املكان والزمان والسببية‪...‬وهي يف حقيقتها ليس إال أطرا عقلية تنظم املعرفة‬
‫اليت تأيت عن طريق احلواس‪.‬‬
‫لقد هنضت مثالية (كانط) النقدية من التمييز بني نوعني من الظواهر‪ ،‬الظواهر العقلية اليت تتقدم على كل جتربة وتسبقها‪،‬‬
‫والظواهر اليت حتصل عليها عن طريق التجربة‪ ،‬ويرى (كانط) أن الظواهر العقلية ضرورية عندما نسعى إىل إدراك األشياء‬
‫ونثابر على معرفتها وهبذا الفهم الكانطي تصبح مصادر املعرفة هي العقل واحلس‪( .‬نفس املرجع‪،‬ص‪)21‬‬
‫د‪ /‬الموهق المثالي الموضوعي (المطلق)‪ :‬ارتبط هذا املذهب باسم الفيلسوف (هيغل)‪ ،‬إن مثالية (هيغل) قد اختارت‬
‫هلا موقفا فلسفي يتوسط بني مذهبني فلسفيني‪ ،‬املذهب الطبيعي الذي يطرح فالسفته بأن الطبيعة توجد مستقلة عن الذات‪،‬‬
‫وبني املذهب املثايل (باركلي) الذايت الذي جعل وجود الطبيعة مرهونا ومعتمدا على الذات‪.‬‬
‫‪-‬إن مثالية (هيغل) تعرتف بوجود عقل مطلق (أو إهلي) يف الطبيعة وأن العقل اإلهلي متغلغل إىل باطن الطبيعة‪ ،‬وهلذا يصبح‬
‫مقبوال القول أن تطور الطبيعة‪ ،‬وأ ي حركة يف جوانبها املختلفة يعتمدان على حركة هذا العقل اإلهلي وإن أن حتوالت يف‬
‫العقل اإلهلي هي املصدر الوحيد للحركات البادية يف الطبيعة‪(.‬نفس املرجع‪،‬ص‪)29‬‬
‫‪-‬إن حقيقة املطلقة باملنظار اهليغلي هو "الوجود الواقعي كله" وإن الفكرة والطبيعة ما مها إال مظهران هلذا املطلق‪ ،‬وهبذا الفهم‬
‫يصبح املطلق حاضرا يف الطبيعة مباطنا هلا وليس منفصال عنها‪.‬‬
‫‪-‬اإلطار الفلسفي للنزعة المثالية‪:‬‬
‫‪-‬كيف نظرت هوه الفلسفة إلى اإلنسان؟‪:‬‬
‫على الرغم من تنوع النزعات املثالية إال أهنا تتفق يف الرأي حول اإلنسان‪ ،‬وهذا الرأي املشرتك يف حقيقة إعالن مثايل عن‬
‫طبيعة اإلنسان فهو (كائن روحي يعمل حبرية إرادته)‪ ،‬وأنه يف الوقت ذاته (مسؤول عن تصرفاته)‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫أ ما موقف املثالية من املعرفة‪ ،‬فيعتقد املثاليون أن املعرفة مستقلة عن اخلربات احلسية وال تستمد منها‪ ،‬ويؤكد (أفالطون) أن‬
‫املعرفة املكتسبة من خالل احلواس جيب أن تظل غري أكيدة‪ ،‬طاملا أن العاَل احملسوس وحده واقعي جزئيا‪ ،‬واملعرفة احلقيقة هي‬
‫نتاج العقل وحده‪ ،‬وذلك ألن العقل حبكم طبيعته يتحول من فوضى املادة إىل تأمل الرتتيب والوضوح يف أفكار العقل وليس‬
‫يف العاَل الفيزيائي‪(.‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪)39‬‬
‫والعقل وحده هو الذي يستطيع أن ميدنا باملعرفة احلقيقية من خالل عملية التفكري اليت هي وظيفة العقل‪.‬‬
‫أما املثاليون الذاتيون أمثال (باركلي) فريون أن اإلنسان قادر على معرفة ما يدركه فقط‪ ،‬وهذا يعين أن معرفته تتمثل يف حالته‬
‫العقلية‪ ،‬فالوجود يتوقف على العقل وإن كان مثريا يستقله العقل مستمدا يف النهاية من اإلله‪ ،‬ألن اإلله هو الروح الالهنائية‪.‬‬
‫واملثاليون يقررون اقتداء ب(كانط) أن العقل يفرض معىن ونظاما على احلواس‪ ،‬ولذا فإن التدريس ال يستهدف حفزه على‬
‫اكتشاف معىن هذه املعلومات النفسية‪ ،‬ونظرا ألن ما يعرف يعتمد جزئيا على املعارف املتاحة‪ ،‬فإن الطالب ينبغي أن يربط‬
‫معلوماته خبرباته السابقة الشخصية‪ ،‬حبيث يصبح ملا يتعلمه مغزى له شخصيا‪ ،‬ولذا فإن املتعلم ال تتكون من استيعاب مواد‬
‫معرفية خمتارة‪ ،‬بل من اكتشاف احلقيقة بنفسه تلك احلقيقة اليت حتيط بنا وبداخلنا‪.‬‬
‫‪-‬ونالحظ أن املثاليني مبختلف مذاهبهم جيتمعون على دحض الرأي الذي يذهب إىل أن الطرائق العلمية هي الطريق الوحيد‬
‫الذي يوصلنا اىل احلقيقة‪ ،‬وباملقابل يؤكدون دور التفكري احلدسي وبشكل خاصا يف احلياة الشخصية‪ ،‬بأنه أكثر أمهية من‬
‫التفكري العلمي‪ ،‬ولذلك وجدناهم يدعون إىل دراسة الفن واألدب‪ ،‬لفرض تنمية املوهبة احلدسية وتنظيمها‪.‬‬
‫‪-‬أما موقف املثالية من القيم‪ ،‬يعتقد املثاليون أن القيم مطلقة وليست متغرية متبدلة‪ ،‬وأن اخلري واجلمال ليسا من صنع‬
‫اإلنسان‪ ،‬بل مها جزء من نسيج الكون‪(.‬نفس املرجع‪،‬ص‪)39‬‬
‫‪-‬الفلسفة المثالية في الميدان التربوي‪:‬‬
‫أ‪ /‬مفهوم التربية المثالية‪ :‬يرى املثاليون أن الرتبية ما هي إال "جمهود اإلنسان للوصول إىل هزمية الشر وكمال العقل"‪.‬‬
‫‪-‬الرتبية عملية تدريب أ خالقي واجملهود االختياري الذي يبذله اجليل القدمي لنقل العادات الطيبة للحياة‪ ،‬ونقل حكمة‬
‫الكبار اليت وصلوا إليها بتجارهبم إىل اجليل الصغري‪.‬‬
‫‪-‬وأهنا نوع من التدريب الذي يتفق متاما مع احلياة العاقلة حينما تظهر‪.‬‬
‫‪-‬والرتبية هي علم اخلري والشر‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫أما مفهوم الرتبية عند (كانط) فهو فن يسعى إىل أن جيعل كل جيل يقوم برتبية اجليل الالحق‪ ،‬وأن الرتبية عمل نقل‬
‫للمعارف من األجيال السابقة إىل اجليل اجلديد‪ ،‬حبيث جتعله مؤهال أن يكون مربيا للجيل الالحق‪ ،‬وذلك ألن "الرتبية فن‬
‫جيب تكميل ممارسته بواسطة كثري من األجيال‪ ،‬وكل جيل وقد تعلم معارف من سبقوه يكون مؤهال لإلقامة تربية تنمي كل‬
‫االستعدادات الطبيعية يف اإلنسان‪ ،‬ويقود اجلنس البشري كله إىل مصريه"‪.‬‬
‫ويبني (كانط) "الرتبية هي عملية تصنيع لإلنسان"‪ ،‬وذلك ألنه ال ميكن أن يصري إنسانا إال بالرتبية‪ ،‬إنه ما صنع منه‬
‫الرتبية‪...‬وأن غاية الرتبية هي تربية الشخصية وتربية كائن يفعل حبرية‪ ،‬وحيافظ على كيان نفسه"‪(.‬نفس املرجع‪،‬ص‪)28‬‬
‫ب‪ /‬أهداف التربية عند المثالية‪:‬‬
‫‪ /1‬هتدف إىل رفع مكانة الشخصية‪ ،‬وحتقيق كمال الذات‪ ،‬واحلقيقة أن هذا اهلدف من أكثر األهداف تعبريا عن الفلسفية‬
‫املثالية‪ ،‬وذلك يكون طبيعية اإلنسان العليا‪ ،‬أو الروحية االجتماعية‪ ،‬والواقع أن الرتبية املثالية تدافع عن اهلدف االجتماعي‬
‫ومتنحه استثنائية يف عملها الرتبوي‪.‬‬
‫‪ /2‬هتدف إىل إدخال اإلنسان يف الرتاث الثقايف اإلنساين‪ ،‬حبيث ميكن من اكتساب ما هو ضروري‪ ،‬وذلك لتحقيق ذاته‪.‬‬
‫‪ /3‬هتدف إىل إحاطة الطفل باملثل العليا الصاحلة‪ ،‬وغرس فكرة اخلري والشر‪ ،‬والفضيلة والرذيلة يف ذهنه‪ ،‬وذلك ليرتعرع وينمو‬
‫حب اخلري والفضيلة‪ ،‬وكراهية الشر والرذيلة‪ ،‬إن املثالية يف كل ذلك تنزع إىل حتقيق تطور روحي لإلنسان‪.‬‬
‫‪ /4‬هتدف الرتبية املثالية إىل تنمية شخصية اإلنسان الذي حيرتم اآلخرين‪ ،‬وحيرتم القيم الروحية‪.‬‬
‫‪ /5‬هتدف إىل بناء شخصية تشعر بوالء عال للمثل السياسة العليا لألمة واجملتمع احمللي‪(.‬اليماين عبدالكرمي‪،4112،‬ص‪)24‬‬
‫ج‪ /‬شخصية الطالق المثالي‪ :‬يرى املثاليون أ ن الطالب كائن روحي له هدف يف احلياة‪ ،‬وهو التعبري عما يتمتع به من‬
‫طبيعة خاصة‪ ،‬وهلذا يرتتب على الرتبية أن تقدم له يد العون واملساعدة على حتقيق هدفه يف احلياة‪.‬‬
‫لفت املثاليون أنظار املربني إىل ضرورة التعامل مع الطالب‪ ،‬ال على أساس كونه عقال أو جهاز عصبيا وظيفته مجع‬
‫املعلومات داخل هذا اجلهاز‪ ،‬إ هنم وجدوا يف هذه النظرة ضررا كبريا‪ ،‬رمبا يلحق بالطالب ولذلك طالبوا املربني بدال من ذلك‬
‫أن ينظروا إليه على أنه إنسان له هدف روحي يتوجب حتقيقه‪ ،‬ومن هنا أكدوا على ضرورة تعليمه احرتام اآلخرين والقيم‬
‫الروحية‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫وهلذا نلحظ املثاليني يدعون إىل أفضل أ مر يؤكد عليه يف التعامل مع الطالب‪ ،‬هو فسح اجملال له لينمو بشكل أصيل‪ ،‬حبيث‬
‫ينسجم مع إمكاناته الفكرية‪ ،‬وذهبوا إىل أن من النافع جدا أن حيدث انسجام بني الطالب واآلخرين بشر أال يؤثر ذلك‬
‫على شخصية الطالب‪ ،‬فتكون هبذا االنسجام شخصية مزيفة‪.‬‬
‫وتدعو املثالية الطالب إىل أ ن يتعلم الطريقة اليت يعرب فيها عن احرتامه لوطنه وجملتمعه احمللي‪ ،‬خصوصا اجملتمع الذي ولد فيه‪،‬‬
‫وأن هذا األمر يفرض على الطالب التوجه حنو اإلملام باملكونات الثقافية ألمته وجمتمعه احمللي‪.‬‬
‫وأن أ خالقية الطالب تتقرر يف حالة انسجامه مع طبيعة األشياء‪ ،‬وأن سلوك الطالب يكون غري خلقي عندما يكون يف حالة‬
‫تنافر مع األشياء‪.‬‬
‫واحلقيقة أن من املالحظ على املثالية أهنا ال ترى بأن أي نظام مدرسي حيتوي يف سلمه التعليمي على "طالب رديئني"‪ ،‬وإمنا‬
‫تنظر إىل املسألة يف كل ما فيها إ ىل هناك عددا من الطلب قد ضلوا طريق النظام اخللقي األساسي للكون‪ ،‬أو رمبا أهنم َل‬
‫يتمكنوا من فهمه تاما ‪(.‬نفس املرجع‪،‬ص‪)36‬‬
‫د‪ /‬المعلم والمنهج وطريقة التدريس المثالية‪ :‬يرى املثاليون أن املعلم مبا يقوم به من نشا داخل حجرة الصف‪ ،‬فهو‬
‫يتوسط بني عاملني عامل كامل النمو‪ ،‬وهو العاَل الذي شكلته املثالية‪ ،‬وعاَل الطفل‪ ،‬وتطالبه الفلسفة املثالية بأن ينشط يف‬
‫تقدمي اإلرشاد للطالب (الطفل)‪ ،‬فهو يبقى حباجه إليه‪ ،‬وأن املعلم مبا حصل عليه من إعداد فهو قادر على قيادة برنامج منو‬
‫الطالب‪ ،‬وحتمله املسؤولية يف رصد ومراقبة منوهم‪ ،‬ألنه هو الوحيد مركز وقائد العملية الرتبوية‪ ،‬وهلذا دعت املثالية إىل ضرورة‬
‫أن يكون برنامج إ عداد املعلم من املستوى الرفيع‪ ،‬حبيث ميكنه من الناحيتني العلمية والسيكولوجية‪ ،‬وخصوصا سيكولوجية‬
‫الطالب قبل القيام بعمله‪.‬‬
‫ونلحظ أن عمل املعلم باملنظار املثايل يهدف إىل توليد األفكار واملعاين من عقل الطالب‪ ،‬إذ أن املثالية تعتقد أن األفكار‬
‫واملعاين‪ ،‬فطرية كاملة يف اإلنسان‪ ،‬وهلذا أكد الفيلسوف اليوناين (سقرا ) يف تدريسه على توليد ما بالعقل من أفكار وذلك‬
‫هبدف الوصول إىل مبادئ عامة مع طالبه‪ ،‬وهي املبادئ اليت تشكل ثوابت ميكن االحتكام إليها‪ ،‬ويرى (أفالطون) أن املعرفة‬
‫تذكر للمعاين الفطرية املوجودة يف النفس‪ ،‬واليت كانت تعرفها عندما كانت يف عاَل املثل‪ ،‬ولكنها نسيتها عندما هبطت إىل‬
‫األرض‪ ،‬واتصلت باجلسم‪ ،‬وهلذا يقول "إن العلم تذكر وإن اجلهل نسيان"‪(.‬نفس املرجع‪،‬ص‪)22‬‬
‫‪-‬وترى املثالية أن بإمكان املعلم املثايل أن يقدم املساعدة لطالبه من خالل اجلوانب اآلتية‪:‬‬

‫‪82‬‬
‫‪ /1‬أن يعمق املعلم صلته بطالبه‪ ،‬ويتيح هلم الفرصة ليفهموا طبيعته ومكوناته شخصية‪ ،‬إذ أن هذا الطريق يلعب دورا مؤثرا‬
‫على شخصية املتعلم ذلك من خالل اختاذه املعلم قدوة له‪.‬‬
‫‪ /2‬أن حياول إفهام طالبه بأن حل أية مشكلة يتطلب منهم أ ن يبذلوا جهدا مبا يناسب املشكلة املطلوب حلها‪ ،‬وعلى هذا‬
‫السبيل يتحقق منو لطالبه‪.‬‬
‫‪ /3‬أن يعمل لكل جهد على مساعدة طالبه‪ ،‬وذلك من خالل إرشادهم لفهم أساسيات الطريقة العلمية‪.‬‬
‫‪-‬المنهج الدراسي المثالي‪ :‬ترى أن هدف املثايل من استخدام املادة الدراسية هو السعي إىل تطوير الشعور السامي بالذات‬
‫من جانب الطالب‪ ،‬وأن من استخدام املادة الدراسية هو السعي إىل تطوير الشعور السامي بالذات من جانب الطالب‪ ،‬وأن‬
‫من أهداف الرتبية املثالية تنمية الذات‪ ،‬إذن مطلوب من املنهج الدراسي أن يهدف إىل تنمية االنفعاالت البيولوجية‬
‫للطالب‪ ،‬ويرى أن ذلك يتم حتقيقه من خالل تقدمي املثاليات"‪(.‬نفس املرجع‪،‬ص‪)21‬‬
‫واليت تستعمل من جهتها كأحكام للطالب‪ ،‬وبذلك جيب أن يصمم املنهج الدراسي‪ ،‬حبيث يكون للمثاليات حضور كامل‬
‫فيه‪ ،‬وأال ننسى بأن هدف املنهج الدراسي املثايل تنمية االجتاه الشخصي للطالب‪.‬‬
‫‪-‬وينظر املثاليون‪ ،‬وهي نظرة ميزهتم من سواهم إىل أ ن مجيع املواد الدراسية اليت تتكون منها املنهج الدراسي هي فنون‪ ،‬وذلك‬
‫اعتقادا منهم بأن هذا الفهم يدفع الذات إىل دراسة هذه الفنون دراسة خالقة‪ ،‬ويعين أن الذات عن طريق الفنون حتقق منوا‬
‫خالق‪ ،‬وأن من املالحظ على املثالية أهنا ال ترجح مادة دراسية على أخرى يف املنهج الدراسي‪ ،‬وأن مجيع املواد الدراسية‬
‫مناسبة للدراسة‪ ،‬إذا أتيحت هلا الفرصة احلقيقية اليت تؤدي إىل منو الذات اخلالقة‪ ،‬وحيسبون أن مجيع املواد الدراسة بال‬
‫استثناء فيها إمكانية منو الذات اخلالقة‪.‬‬
‫ومن الالزم جدا أن يشمل املنهج الدراسي املثايل على نوعني من األنشطة‪ ،‬جند من النافع ذكرمها يف هذا اجملال‪.‬‬
‫‪ /1‬أنشطة ضرورية تسعى إىل احملافظة على حياة الفرد اجملتمع‪ ،‬وهي مثل العناية بالصحة والسلوك والدين واملؤسسة‬
‫االجتماعية‪ ،..‬واحلقيقة أن هذه األنشطة باإلمكان قبوهلا‪ ،‬كمواد دراسية رمسية‪.‬‬
‫‪ /2‬أنشطة تقدم معلومات ومعارف عن كل ماله صلة باحلضارات اإلنسانية‪ ،‬وتشكل هذه األنشطة مواد دراسية مثالية‪ ،‬وهي‬
‫تشمل األدب والفنون والصناعات اليدوية والعلوم والرياضيات والتاريخ واجلغرافيا‪(.‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪)25‬‬

‫‪83‬‬
‫‪-‬طرق التدريس المثالية‪ :‬تداول املثاليون طرق خمتلفة يف التدريس منها طريقة (سقرا )‪ ،‬وهي أسلوب يعتمد على احلوار‬
‫وتوليد األفكار‪ ،‬وطريقة (أفالطون) القائمة على أسلوب السؤال واجلواب‪.‬‬
‫وإن كانت طريقة التدريس املثالية تعتمد على احملاضرة ونقل املعلومات احلقيقة‪ ،‬وعلى الغالب فإهنا تؤمن يف الوقت ذاته‬
‫بطريقة السؤال واحلوار واملناقشة‪ ،‬واملقصود مناقشة املشكالت املشرتكة للطالب‪ ،‬والوصول إىل حل هلا‪ ،‬واستخدام طريقة‬
‫التحليل والرتكيب وهي طريقة متكن املعلم من قيادة طالبه باجتاه التحقق من أن الكثري من املشكالت الصعبة ميكن حلها‬
‫بيسر‪ ،‬عندما تفكك وجتزأ إىل جمموعات صغرية‪ ،‬والواقع أن طريقة التحليل والرتكيب تسريان جنبا إىل جنب يف حل أحد‬
‫األجزاء‪ ،‬وأهنما قادرتان على أن حتال الكل‪.‬‬
‫‪-‬إن هدف املثالية من استخدام هذه الطرق‪.‬‬
‫‪ /8‬أن يقود املعلم طالبه حبيث يبدو هلم أهنم وصلوا إىل احلقائق بأنفسهم‪.‬‬
‫‪ /4‬أن تتوافر فرصة للمعلم حبيث يتمكن من خالهلا التأثري يف طالبه‪.‬‬
‫‪ /3‬أن ينتقل املعلم والطالب من جمرد اجملال الدنيوي إىل اجملال األزيل‪ ،‬حبيث يكون يف إمكاهنما اشتقاق القيم اليت فيها‬
‫إمكانية تنوير وإضاءة منطقة اجملال الدنيوي‪(.‬نفس املرجع‪،‬ص‪)25‬‬
‫‪-‬االنتقادات التي وجهت للفلسفة المثالية‪:‬‬
‫‪ /1‬نتيجة الهتمامها بالعقل‪ ،‬فقد أمهلت اجلوانب األخرى كاملهارات واألنشطة اإلنسانية مثل‪ :‬املهن واحلرف‪ ،...‬وأمهلت ما‬
‫ميت بصلة إىل النواحي اجلسمية‪.‬‬
‫‪ /2‬أعلت شأن الروح‪ ،‬وأ مهلت تربية اجلسم‪ ،‬وركزت على املعلومات وجعلت هلا كيان مستقال بعيدا عن اهتمام الطالب‬
‫وميوله‪ ،‬مما أدى إىل انفصال الطالب على املدرسة والبيئة االجتماعية واملادية اليت يعيش فيها كل منهما‪.‬‬
‫‪ /3‬النظر إىل الطالب على أنه سليب يتلقى املعلومات اليت يتلقاها من املدارس‪ ،‬فاملوقف التعليمي هو موقف تفاعل وليس‬
‫موقفا جامدا ثابتا‪ ،‬فيه طرف إجيايب هو املعلم وآخر سليب هو الطالب‪.‬‬
‫‪ /4‬ثبوت األهداف الرتبوية جعل املنهج ثابتا غري قابل للتطور‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫‪ /5‬واملنهج املثايل قد صمم من أجل صقل العقل وصفاء الروح ونقل الرتاث الثقايف‪ ،‬واملواد الدراسية تقدم بصورة منطقية‬
‫مرتبطة‪ ،‬لكنها ال تدرس أساس فهم العالقات‪ ،‬فالتاريخ مثال يدرس كتاريخ‪.‬‬
‫(نفس املرجع‪،‬ص‪.)29‬‬
‫*أفالطون وفكره التربوي‪ :‬ولد أفالطون بني سنتني(‪246-249‬ق‪.‬م)‪ ،‬من أسرة أرستقراطية ميسرة‪ ،‬وقد تتلمذ على يد‬
‫أستاذه (سقرا ) وجلس إليه‪ ،‬بينما كانت احلرب بني أسربطة وأثينا مشتعلة‪ ،‬أخذ يعلم الناس يف معهده الذي أطلق عليه‬
‫(األكادميية) قرابة األربعني عاما‪ ،‬ويف خالل هذه الفرتة كتب (أفالطون) الكثري وعلم الكثريين‪ ،‬وكانت أشهر أعماله كتابه‬
‫(اجلمهورية) ‪( .‬مصطفى عبد القادر زيادة وآخرون‪ ،4112 ،‬ص‪.)63‬‬
‫‪-‬مفهوم التربية عند أفالطون‪ :‬الرتبية هي عملية تدريب أخالقي واجملهود االختياري الذي يبذله اجليل القدمي لنقل العادات‬
‫الطيبة للحياة ونقل حكمة الكبار اليت وصلوا إليها بتجارهبم إىل اجليل الصغري‪ ،‬وأهنا نوع من التدين الذي يتفق متاما مع‬
‫احلياة العاقلة حني يظهر‪( .‬عبد اهلل عبد الدائم‪ ،8921 ،‬ص‪.)83‬‬
‫‪-‬أهداف التربية عند (أفالطون)‪:‬‬
‫‪ /1‬اإلعالء من شأن العقل على األمور احلسية وذلك من خالل تنمية امللكة العاقلة اجملردة‪.‬‬
‫‪ /2‬رفع مكانة الشخصية وحتقيق ((كمال الذات))‪ ،‬وذلك عن طريق عملية التطور الروحي‪.‬‬
‫‪ /3‬إحاطة العقل باملثل العليا الصاحلة‪ ،‬وتعريفه باخلري األمسى‬
‫‪ /2‬بناء شخصية تشعر بوالء عال للمثل السياسية العليا للمجتمع والدولة‪.‬‬
‫‪ /5‬حتقيق وحدة الدولة وذلك عن طريق هدم روح الفردية السلبية‪.‬‬
‫‪-‬األسس الفكرية للتربية عند أفالطون‪:‬‬
‫‪ /1‬اإلنسان‪ :‬استنتج (أفالطون) من مالحظاته يف احلياة أن النفس تتكون من ثالثة أنواع من القوى أو القدرات‪.‬‬
‫أ‪ /‬قوة العقل (التفكري) وموضعها الدماغ‪.‬‬
‫ب‪ /‬قوة الغضب (اإلرادة) وموضعها الصدر أو القلب‪.‬‬
‫ج‪ /‬قوة الشهوة (الغريزة) وموضعها البطن‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫‪-‬والعقل هو الذي ميدنا بالقدرة على اكتشاف احلق والباطل‪.‬‬
‫‪-‬والتفكري هو الدافع املؤدي لكل معرفة‪ ،‬وأهم أنواع املعرفة اليت يؤدي إليها نشا العقل هي احلكمة أي معرفة طبيعية اخلري‬
‫والطرائق السليمة للحياة السليمة للفرد واجملتمع‪.‬‬
‫‪-‬والقوة العصبية عند (أفالطون) هي اإلرادة كما نطلق عليها اليوم‪ ،‬وتنفذ ما يقرره العقل‪.‬‬
‫‪-‬أما الشهوة‪ :‬فهي مرتبطة بالوظائف اجلسمية‪ ،‬وهي تعترب عن رغبات اجلسد‪ ،‬وهي إما ضرورية (اجلوع‪ ،‬اجلنس‪ ،‬املأوى) وإما‬
‫غري ضرورية‪ ،‬فهي ال تعمل على بقاء واستمرار احلياة‪ ،‬وقد ميكن االستغناء عنها‪( ،‬كالطعام الفاخر‪ ،‬الثور املزركش‪.)...‬‬
‫(نفس املرجع‪ ،‬ص ‪)62‬‬
‫وباختالف األفراد يف القوى‪ ،‬خيتلفون أيضا يف املهن اليت يصلون هلا‪ ،‬فحيث يكون للعقل الغلبة فصاحبه يصلح للمهن اليت‬
‫تتطلب الدرس والتحصيل والتفكري‪ ،‬وحيث تغلب اإلرادة‪ ،‬فاملهن اليت يصلح هلا الفرد هي اليت تتطلب أعماال تتسم بالقوة‬
‫كاحلرب والشرطة‪ ،‬أما حيث تسود الشهوات ما يصلح هلا هو التجارة أو اإلنتاج‪ ،‬حيث الربح وحيث الربح تتحقق للذات‬
‫الشخصية‪ ،‬ويؤكد (أفالطون) ضرورة إتاحة الفرصة لكل فرد ليعمل حسب إمكاناته وقدراته حىت يتمكن من حسن‬
‫استغالهلا‪ ،‬وعلى اجملتمع أن يهيئ لكل فرد الفرص الستغالل إمكاناته‪.‬‬
‫‪ /4‬المجتمع‪ :‬طبقا ملفهومه عن الفرد والقوى اليت حتكمه‪ ،‬فقد رأى (أفالطون) أن اجملتمع ينقسم إىل طبقات حسب طباع‬
‫األفراد‪ ،‬وهذه الطبقات تعادل املعادن من حيث خصائصها‪.‬‬
‫أ‪ /‬أناس من الوهق‪ :‬وهم الفالسفة واملفكرون‪ ،‬وفيهم القوة العاقلة وفضيلتهم التفكري‪ ،‬وهؤالء مبثابة العقل من اجلسم‪.‬‬
‫ب‪ /‬أناس من فضة‪ :‬وهم اجلند وفيهم القوة الغاضبة وفضيلتهم الشجاعة وهؤالء مبثابة القلب او الصدر من اجلسد‪.‬‬
‫ج‪ /‬أناس من نحاس‪ :‬وفيهم القوة الشهوانية‪ ،‬ويتميزون بعدم القدرة على إدراك األمور اليت تتميز هبا الطبقتان األوليان‬
‫وفضيلتهم القناعة‪ ،‬وهم مبثابة البطن من اجلسد‪ ،‬ويف رأي (أفالطون) أنه ال ميكن الفرد مهما أحسنت تربيته وتوجيهه أن‬
‫خيرج عن مسار (الطبقة اليت فطر عليها‪( ،‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.)65‬‬
‫ولكي تنجح وظائف اجملتمع جيب أن يستشعر كل فرد السعادة يف عمله‪ ،‬ولن يتأتى هذا إال بإتقانه هذا العمل‪ ،‬فالصناع‬
‫مثال عليهم أن جييدوا صناعاهتم وحرفهم حىت يقبل الناس على شرائها‪ ،‬وبذلك يقتنون املال الذي عرضي شهوهتم‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫‪-‬وكذلك بالنسبة للشرطة واجليش‪ ،‬فعلى كل عامل هبما أن يعتز بعمله ويسعد ويقبل عليه حىت يتفق للدولة النصر اخلارجي‬
‫واألمن والنظام يف الداخل مث طبقة احلكام الذين يهيمنون على املدنية عاملني على خريها وموجهني الطبقتني األخريتني‪.‬‬
‫‪ /3‬العالم‪ :‬وقد أحا (أفالطون) نظامه االجتماعي هذا بتنظيم للعاَل الذي حييط به وينقسم إىل‪:‬‬
‫أ‪ /‬العالم األول‪ :‬وهو عاَل املثل واألفكار وهذا العاَل هو الذي ميثل حقائق األشياء يف صورها الكاملة‪ ،‬إنه عاَل القيم واملثل‬
‫العليا والفضيلة‪.‬‬
‫ب‪ /‬العالم الثاني‪ :‬وهو عاَل الواقع أ و احملسوسات‪ ،‬وهذا العاَل هو الذي حيي فيه اإلنسان بواسطة احلواس‪ ،‬وهو يتضمن كل‬
‫ما يقدم عليه من نشا أو عمل‪.‬‬
‫ويعد عاَل املثل واألفكار هو العاَل املثايل الذي يتسم بالثبات بينما عاَل الواقع هذا قد يتسم بالزيف وبأنه صورة مشوهة‬
‫لعاَل املثل‪ ،‬ولذلك فإن على الرتبية أ ن تتدخل يف هذا العاَل الواقعي للمحافظة على طبائع األشياء وثباهتا وحماولة التطابق مع‬
‫عاَل املثل‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.)62‬‬
‫‪ /2‬العدالة‪ :‬كان سؤال (أفالطون)‪ :‬ما هي العدالة؟ مفتاحا لدراسات طويلة يف األخالق ويف املعرفة ويف النفس اإلنسانية‬
‫وإىل دراسات يف السياسة والرتبية‪ ،‬وكان (أفالطون) بذلك أول من نبه األذهان إىل أمهية الرتبية يف إحداث التغيري‬
‫االجتماعي‪ ،‬ويف إعادة بناء اجملتمع‪ ،‬وقد خلص (أفالطون) إىل أن (العدالة)‪ ،‬هي التزام طبائع األمور واحملافظة عليها دون‬
‫تغيري أو تبديل أو تعديل على اإلطالق‪ ،‬وأن الفرد العادل "هو ذلك الشخص الذي يوضع يف الوضع املناسب له يف جمتمعه‬
‫أي يف املكان الذي أعدته له الطبيعة منذ مولده و(اجملتمع العادل)‪ ،‬هو ذلك اجملتمع الذي يتميز بالثبات ويتوافر فيه‬
‫االنسجام بني أفراده حبكم أوضاعهم املناسبة ملعادهنم األصلية‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.)66‬‬
‫‪ /5‬األخالق‪ :‬تظهر فلسفة (أفالطون) يف األخالق منعكسة على الرتبية يف نظريته العامة عن طبيعة اخلري‪ ،‬ويرى (أفالطون)‬
‫أن اخلري يف كل شيء مدرك يتوقف على الدرجة اليت يقرتب فيها هذا من صورته املثالية أو يعرب عنها‪ ،‬هذا وقد حدد‬
‫(أفالطون) القيم كمحدد لألخالق‪ ،‬وصنفها إىل ثالثة قيم شهرية وهي‪ :‬احلق‪ ،‬اخلري‪ ،‬الباطل‪ ،‬وأن احلق يفضي إىل العلم‬
‫واملعرفة‪ ،‬واخلري يعرب عن الطبيعة اخلرية لإلنسان‪ ،‬بينما اجلمال يعرب عن الفنون بأنواعها‪ -‬والرتبية أساسية يف تعلم القيم ويف‬
‫التدريب اخللقي لألفراد‪:‬‬

‫‪87‬‬
‫‪-‬وقد تعرض (أفالطون) يف كتبه (اجلمهورية) و(القوانني) و(األخالق) إىل مسائل متصلة بالرتبية عموما والرتبية اخللقية‬
‫خصوصا ولعل أكثر أشكال الوجود البشري قيمة يف نظر (أفالطون) هو أن يوفق بني جانيب الغريزة واإلرادة على هدى من‬
‫القيم الثابتة آنفة الذكر‪ ،‬وقد رأى (أفالطون) أ ن الكمال البشري مستحيل ما َل يعرف اإلنسان كيف حيول نواياه إىل واقع‪،‬‬
‫وهنا فالرتبية ضرورة لتمكني اإلنسان من السمو بنفسه والوصول إىل حالة الكمال البشري‪.‬‬
‫‪ /2‬المعرفة‪ :‬يرى أفالطون أ ن املعرفة حالة تتميز بالتأكيد من طبيعة شيء ما‪ ،‬وهذا الشيء غري موجود يف عاَل الواقع‬
‫املتغري‪ ،‬ومن مث فإن األشياء اليت يعرفها بيقني هي (األفكار)‪ ،‬وموقعها يف عاَل (املثل)‪ ،‬وهناك درجتان يف التأكد من املعرفة‪:‬‬
‫التأكد القائم على فرض والتأكد املطلق‪ ،‬فما يعرفه عن العلوم والرياضيات هو تأكد فرضي ألن تأكدنا من صدقها يعتمد‬
‫على تأكدنا من صدق الفروض اليت اشتقت منها‪ ،‬أما التأكد املطلق فهو يرتبط بوعينا بفكرة اخلري‪ ،‬وهذا التأكد املطلق‬
‫صعب املنال‪ ،‬وهو حبلول املعرفة الفرضية يف العلوم إىل مطلقات‪ ،‬ومنها املثل والقيم‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.)61‬‬
‫‪-‬سقراط وفكره التربوي‪ :‬ولد يف أثينا سنة (‪261‬ق‪.‬م) اشتهر مبيله للحكمة يف سن مبكرة‪ ،‬فأخذ يغذي عقله ويهذب‬
‫نفسه مب يله للحكمة يف سن مبكرة‪ ،‬فأخذ يغذي عقله ويهذب نفسه ألنه فهم احلكمة على أهنا العلم لكمال العمل‪ ،‬واقتنع‬
‫بأن العلم هو العلم بالنفس ألجل تقوميها‪ ،‬واختذ شعارا له ((أعرف نفسك بنفسك))‪.‬‬
‫‪-‬فلسفته‪ :‬يعرف (سقرا ) الفلسفة على أهنا البحث يف احلقائق حبثا نظريا‪ ،‬وخاصة احلقائق واملبادئ اخللقية‪ ،‬من خري‬
‫وعدل وفضيلة‪.‬‬
‫وفلسفته تدور حول موضوع واحد وهو اإلنسان‪ ،‬وإ ذا ما تناولت الكون الطبيعي وموجوداته احلسية وظواهره‪ ،‬فإمنا لكوهنا‬
‫مركز اإلنسان ومكان نشأته ومنوه‪ ،‬ومن أشهر ما قيل عن فلسفة (سقرا ) هي عبارة (سيشرون)‪" :‬إن سقرا قد أنزل‬
‫الفلسفة من السماء إىل األرض‪ ،‬وأدخلها املنازل وجعلها تسوس أفعال البشر"‪.‬‬
‫‪-‬آرائه الفلسفية‪:‬‬
‫أ‪ /‬اعتقاده بوجود احلقيقة وبإمكان معرفتها‪.‬‬
‫ب‪ /‬ربط العمل بالعلم‪ ،‬أي جعله املعرفة أساس السلوك‪.‬‬
‫‪-‬المعرفة عند سقراط‪ :‬رأى أن الطريق الوحيد للمعرفة وإمنا هو املفاهيم‪ ،‬العلم بالنسبة له هو يف املدركات العقلية‪ ،‬وإن‬
‫املعرفة تتكون من حقائق كلية‪:‬‬

‫‪88‬‬
‫‪-‬فكان سقرا يرى أن لكل شيء طبيعة أو ماهية هي حقيقته الكلية اليت يقوم الفعل باكتشافها وراء األعراض احملسوسة‪،‬‬
‫ويعرب عنها باجلد‪ ،‬ويرى كل جدل إىل احلد واملاهية‪ ،‬فسأل ما اخلري وما الشر‪ ،‬وما العدل وما الظلم‪ ،...‬ولقد كان الكتشافه‬
‫احلد واملاهية أكرب أثر يف مصري الفلسفة‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.)29‬‬
‫فقد ميز بصفة هنائية بني موضوع العقل وموضوع احلس‪ ،‬وجعل العقل عنصرا مشرتكا بني الكائنات البشرية كلها‪ ،‬فلزم‬
‫بذلك أن تكون املعرفة عند شخص معني هي نفسها احلقيقة عند شخص آخر‪.‬‬
‫وهكذا فإن (سقرا ) يكون قد أ سس لفكرة احلقيقة الكلية اليت تشرتك فيها كل الكائنات العقلية الصادقة‪ ،‬وبالتايل فإن‬
‫احلقيقة تتأسس ال على أهنا جمرد مظهر ذايت بل كحقيقة موضوعية مستقلة عن اإلحساسات واألهواء وإرادة الفرد‪.‬‬
‫‪-‬منهجه‪ :‬ابتدع (سقرا ) منهجا جديدا يف التفكري واحملاورة يقوم على أمرين‪:‬‬
‫أ‪ /‬التهكم‪ :‬بناه على تصنّع اجلهل‪ ،‬والتظاهر بالتسليم جلهة نظر اخلصوم‪ ،‬مث االنتقال إىل إثارة الشكوك حوهلا‪ ،‬مث تستخلص‬
‫من آراء اخلصوم (‪ )...‬ال يستطيعون االلتزام هبا‪ ،‬لكوهنا متناقضة مع آرائهم ومعتقداهتم‪ ،‬بذلك يوقعهم يف احلرج والتناقض‪،‬‬
‫وكان قصد (سقرا ) من ذلك تنقية أذهان الناس من املعلومات الفاسدة‪ ،‬وتطهرها من القضايا الكاذبة واملعارف اخلاطئة اليت‬
‫ورثوها من السفسطائيني‪.‬‬
‫ب‪ /‬التوليد‪ :‬إن كلمة التوليد استعارها من صنعة أمه القابلة‪ ،‬وذلك لكي يشري إىل نظرية يف أن املعرفة فطرية يف النفس‪ ،‬وإن‬
‫مهمة املعلم تستخلص يف مساعدة اآلخر على استخراج الكامن عنده وليس يف إضافة شيء جديد إليه‪.‬‬
‫‪-‬يقول‪":‬إن فين يف التوليد شبيه بفن القابالت‪ ،‬لكن الفرق بيين وبينهن يتلخص يف أن زبائين من الرجال وليسوا من النساء‪،‬‬
‫وأنين أ ولد النفوس ال األجساد‪ ،‬لكن امليزة الرئيسية اليت يتميز هبا فين الذي أمارسه أنه يف قدريت أن أميز جيدا بني ما هو‬
‫كاذب زائف من أفكار الشباب وما هو مثرة التجربة وناتج احلقيقة"‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.)51‬‬
‫‪-‬التربية عند سقراط‪ :‬ليس غريبا أبدا أن يكون منهج (سقرا ) أحد أركان الرتبية احلديثة‪ ،‬وقد أطلق عليه املنهج احلواري‬
‫التوليدي‪ ،‬أ و املنهج السقراطي الذي يعتمد يف حترير عقول األطفال من دائرة اجلمود اليت تفرضها املناهج التقليدية اليت تعتمد‬
‫على التلقني واالستظهار واجلمود يف تكوين العقل‪ ،‬لقد أثر سقرا يف الرتبية تأثريا مشل املضمون والطريقة‪:‬‬
‫أ‪ /‬لقد أعطى (سقرا ) للرتبية مضموهنا األخالقي وربط بشكل جوهري بني املعرفة والفضيلة‬

‫‪89‬‬
‫ب‪ /‬أما فيما يتعلق باملنهج العقلي الذي قدمه (سقرا ) لإلنسان منهج تربوي مبعامله وخطواته وغاياته‪ ،‬فهو املنهج الذي‬
‫ينمي العقل ويفجر املعرفة ويسقط عن العقل صدأ اجلمود وحترره من حقبة الرتويض والوقوع يف مصائد اجلمود والتلقني‪.‬‬
‫ج‪ /‬كان سقرا يعتقد أن األهداف احلقيقية للرتبية تكون يف تنمية عقل الفرد وصقل قواه العقلية‪ ،‬ومتكينه من التفكري‬
‫منهجيا يف خمتلف جوانب احلياة املعرفية من أجل الوصول إىل احلقائق اليقينية‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.)54‬‬
‫‪ /7‬منوذج الشخصية الذي تسعى إليه الرتبية هو منوذج الرجل احلر وهو يعين الشخصية اليت تتكامل فيها‪ :‬احلكمة النظرية‬
‫والعملية ومستوى الكمال (نفس املرجع‪ ،‬ص‪.)18‬‬
‫*األحوال الفكرية والدينية واالجتماعية في أوروبا وانعكاساتها على الفكر التربوي‪:‬‬
‫‪-‬شهدت اإلمرباطورية الرومانية مع هناية (ق‪5‬م) ضعفا واحنالال‪ ،‬متثل يف انتشار الوثنية وعبودية األشخاص‪ ،‬وشيوع الظلم‬
‫االجتماعي والسياسي وتفشي االحنالل األخالقي يف أوصال الدولة‪ ،‬هذه العوامل وغريها مهدت لقبول املسيحية باعتبارها‬
‫دين جديد يدعو إىل عبادة اهلل وإىل العدل واملس اواة والرتاحم بني الناس‪ ،‬وبالرغم من املعارضة الشديدة للدين اجلديد من‬
‫قبل احلكام وذوي املصاحل الدنيوية‪ ،‬إال أنه ومبرور الوقت انتشر أتباع املسيحية وقويت شوكتهم يف كافة أحناء اإلمرباطورية‬
‫الرومانية‪ ،‬وأ صبح لرجال الكنيسة اهليمنة التامة على الشؤون الدينية والدنيوية للدولة‪ ،‬وأصبحت الثقافة املسيحية هي‬
‫السائدة‪ ،‬وقد أصدر اإلمرباطور (جو ستنيان) مرسوما يف عام (‪549‬م) يقضي بإغالق املدارس الوثنية وترك اجملال للمدارس‬
‫املسيحية وحدها دون منافس وهذه الفرتة يطلق عليها (العصور الوسطى)‪ ،‬وقد امتدت من بداية القرن السادس امليالدي إىل‬
‫القرن الرابع عشر امليالدي‪ ،‬بداية عصر النهضة‪ ،‬وقد حدثت صراعات وخالفات قد دبت يف أحناء اإلمرباطورية أدت إىل‬
‫تقسيمها وضعفها بسبب الصراع بني رجاالت الدولة والكنيسة حول السيطرة على مقاليد األمور‪.‬‬
‫(مصطفى عبد القادر زيادة وآخرون‪ ،4112 ،‬ص‪)98‬‬
‫ونشري إىل أن مثة أحوال سادت أوروبا يف العصور الوسطى‪ ،‬كان هلا انعكاسها على الفكر الرتبوي يف هذه الفرتة أمهها‪ :‬شيوع‬
‫اإلقطاع‪ ،‬وغياب احلكومات املركزية‪ ،‬وامتالك ذوي السلطة لألرض نتيجة حلدوث الصراعات بني األمراء وبعضها البعض‪،‬‬
‫وبينهم وبني رجال الكنيسة‪ ،‬كذلك ظهور املدن وتوسيع نطاق التجارة بني أوروبا والشرق‪ ،‬فضال عن ظهور النقابات نتيجة‬
‫لنمو الصناعة والتجارة‪ ،‬وكانت تعىن بشؤون أعضائها‪ ،‬باإلضافة إىل ذلك احلالة الدينية يف أوروبا وما شهدته من سيطرة للكنيسة‬

‫‪91‬‬
‫على مجيع مناشط احلياة‪ ،‬ومتركزها حول البابوية والتنظيمات الكهنوتية‪ ،‬وكانت بدايات التفكري احلر يف أوروبا بظهور بعض‬
‫اجلماعات اليت عنيت مبحاربة اجتاهات الكنيسة والسلطات املتزايدة لرجال الدين‪ ،‬ومن هؤالء (اهلراطقة)‪.‬‬
‫(نفس املرجع‪ ،‬ص‪)94‬‬
‫وامتد سلطان الكنيسة على مناشط احلياة كلها‪ ،‬حيث قامت بتسخري الناس وظلمهم‪ ،‬ومتثل ذلك يف إجبار الناس على العمل‬
‫يوما من كل أسبوع بدون أجر يف األرض اليت متلكها الكنيسة‪ ،‬وكذا مطالبتهم (باملعشار)‪ ،‬ومعناه أن يدفع الناس عشر أمواهلم‬
‫للكنيسة حتصل صاحل رجال الدين وتكون حتت تصرفهم‪.‬‬
‫‪-‬موقع الكنيسة من العلم‪ :‬وقفت الكنيسة من العلم وحقائقه النظرية والتجريبية موقفا معاديا واعتربت البحث عن احلقيقة يف‬

‫غري الكتاب املقدس ضالال‪ ،‬ورفضت استخدام العقل وإعماله للبحث يف الكون وأسراره ‪ ،‬واعتربت أن من يأيت بشيء ليس مقراً‬
‫من الكنيسة يعد كفرا وإحلادا‪ ،‬كما حدث اضطهاد للعلماء مبا ميكن أن يسمى إرهابا فكريا جعل العلماء يكتمون آراءهم وما‬
‫لديهم من نظريات علمية خوفا من عقاب الكنيسة‪ ،‬ومن العلماء الذين متت حماكمتهم على يد الكنيسة يف العصور الوسطى‪-‬‬
‫(جاليلو) القائل بدوران األرض حول الشمس تعرض للتعذيب والسجن‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.)93‬‬
‫‪(-‬نيوتن) القائل بقانون اجلاذبية‪.‬‬
‫‪(-‬كوبرنيكوس) الذي صودرت كتبه وأحرقت‪.‬‬
‫‪(-‬سيكوداسكويل)‪ :‬عاَل الفلك الذي مت حرقه حيا‪.‬‬
‫وغريهم كثريون ممن تعرضوا للبطش والتعذيب‪ ،‬بسبب آرائهم فغابت احلرية وحورب الفكر‪ ،‬وأصيبت احلركة العقلية باجلمود‪،‬‬
‫واستمرت هذه األحوال يف أوروبا إىل أن حدث االحتكاك باملسلمني من خالل حضارهتم يف األندلس‪ ،‬والشمال اإلفريقي‪،‬‬
‫حيث انتشرت املدارس واجلامعات يف البالد اإلسالمية‪ ،‬وقصدها األوروبيون للتعلم فيها‪ ،‬كما ترمجت بعض الكتب إىل اللغة‬
‫الالتينية‪ ،‬كما أن احتكاك الصليبيني باملسلمني وانبهارهم بالفكر اإلسالمي وأخالق املسلمني‪ ،‬كل ذلك انتقل بالعقلية‬
‫األوروبية وحررها من سلطان الكنيسة وجاء (مارتن لوثر) حبركته االصالحية (‪ ،)8522-8214‬ونادى بالتحرر من سلطان‬
‫الكنيسة وأخذ حيارب تعاليمها اليت أمساها "تعاليم الشيطان" واعترب صكوك الغفران وسائل للذل والعبودية وهلذه احلركة دورها يف‬
‫تغيري كبري من املفاهيم واالجتاهات‪ ،‬بيد أهنا جعلت الكتاب املقدس مصدر احلقيقة فيما يتصل باإلميان وميكن أن يطلق على‬
‫(نفس املرجع‪ ،‬ص‪.)92‬‬ ‫هذا العصر (عصر سيطرة الكنيسة)‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫‪-7-8-3-3‬الفلسفة البراغماتية‪ :‬تعد احلركة الرباغماتية يف الرتبية اليت ظهرت يف (و‪،‬م‪،‬أ) تطوير حقيقي للرتبية احلديثة‪،‬‬
‫فهي استوعبت كافة احلركات السابقة عليها‪ ،‬منذ بواكر النهضة األوروبية‪ ،‬ومزجت بني أفكارها العلمية والنفسية االجتماعية‪،‬‬
‫وبني حياة الفكر يف العاَل اجلديد‪ ،‬ومن هذا املزيج تولدت الرباغماتية كفلسفة وكرتبية‪ ،‬وقد أطلق عليها الفلسفة (العلمية)‬
‫ملعرفة مدى قيمتها وفائدهتا‪ ،‬لتأكيدها على أمهية الطريقة التجريبية (أمسيت الفلسفة التجريبية) يف كسب املعرفة اإلنسانية‬
‫(والفلسفة النفعية)‪ ،‬ألهنا ترى أن األفكار واألعمال اليت يقوم هبا الفرد تستمد قيمتها من نفعها له وللمجتمع‪.‬‬
‫(مصطفى عبد القادر وزيادة وآخرون‪ ،4112 ،‬ص‪)434‬‬
‫‪-‬معنى كلمة البراغماتية‪:‬‬
‫أ‪ /‬من حيث املعىن اللغوي‪ :‬فإن كلمة (‪ )PRAGMATIC‬تعين من بني ما تعين النشيط والواقعي والعلمي‪ ،‬وترجع جذورها‬
‫إىل كلمة يونانية (‪ )PAYUA‬واليت تعين العقل والعمل يف حالة من املمارسة‪.‬‬
‫ب‪ /‬من حيث املعىن االصطالحي‪ :‬استخدم (كانط) (براغمايت) صفة للتاريخ (‪ )PRAGMATICHISTORY‬مبعىن‬
‫يرمي إىل كشف املستقبل يف ضوء احلاضر‪.‬‬
‫‪-‬أما استخدام اللفظ (‪ )PRAGMA‬مضاف إليه ما يفيد املذهب (‪ ،)ISM‬فإن (شارس بريس) أول من استخدم هذا‬
‫املصطلح يف تسمية املذهب الذي أصبح يعرف الحقا باملذهب الرباغمايت‪ ،‬قاصدا به (أن معيار احلقيقة هو العمل املنتج ال جمرد‬
‫التأمل النظري)‪.‬‬
‫‪-‬كان (بريس) يعتقد أن قيمة األفكار تكمن يف التأثري الذي ترتكه هذه األفكار أي يف القيمة العملية هلذه األفكار ويف النتائج‬
‫اليت حتققها‪ ،‬وكان يلح على أمهية العمل والنتائج يف األفكار‪ ،‬وقد أطلق على هذه العالقة بني الفكرة والعمل تسمية الرباغماتيزم‬
‫(‪( .)PRAGMATISM‬حممد موسى‪ ،‬وحممد فرحة‪ ،‬ب ت‪ ،‬ص‪)822‬‬
‫‪-‬النشأة والتطور‪ :‬يعترب املذهب الرباغمايت يف الفلسفة املعاصرة أمريكي النشأة والتطوير والتطبيق‪ ،‬وال يوجد مذهب آخر من‬
‫مذاهب فلسفية أو تربوية تزامجه يف القوة والتأثري واالنتشار‬
‫ويرد يف العصر احلديث إىل ثالثة من فالسفة األمريكيني هم‪:‬‬
‫‪( /1‬تشالز بريس)‪ :‬الذي يرجع أليه تأصيل الفكرة الرباغماتية ووضع أسسها يف الفلسفة‪.‬‬
‫‪( /2‬وليم جيمس)‪ :‬الذي كان له فضل إشاعة الفكرة الرباغماتية‪،‬‬

‫‪92‬‬
‫‪( /3‬جون ديوي)‪ :‬الذي مت على يده نضج الفكرة الرباغماتية كمذهب فلسفي‪ ،‬من خالل رؤية نفسية جديدة والذي بين هلا‬
‫وجهة نظر خاصة من خالل تطبيقها يف جماالت احلياة االجتماعية األمريكية‪ ،‬وخباصة يف جمال الرتبية‪ ،‬وقد أطلق على مذهبه‬
‫اجلديد مصطلحني (املذهب األدائي والنزعة التجريبية) ‪( .‬مصطفى عبد القادر زيادة وآخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪)493‬‬
‫‪-‬المبادئ واألسس الفكرية البراغماتية‪:‬‬
‫أ‪ /‬الكون‪ :‬بنكر (الرباغماتيون الثنائية يف تكوين الكون‪ ،‬فال يؤمنون بوجود جانب (ميتافيزيقي) غري مدرك باحلواس‪ ،‬وغري مرئي‬
‫للعيان‪ ،‬بل الكون من وجهة نظرهم‪ .‬متعني وليس جمرد‪ ،‬فهم ينكرون اجلانب الروحي متاما‪.‬‬
‫الكون حمكوم بقوانني التغري والتقدم واحلركة الدائمة واالستمرارية وخيضع هلذه القوانني كل ما فيه ومن فيه‪ ،‬وهذا النمو مستمر‪،‬‬
‫ويسري حنو التحسن‪ ،‬ويتغري حنو األمام‪.‬‬
‫الكون ليس ثابت وال آمنا ما دام حمكوم بقانون التغري واحلركة‪ ،‬ذلك ألن التغري يعين املخاطرة‪ ،‬ونُدرة القدرة على توقع النتائج‪.‬‬
‫فهي إما أن تكون مؤملة حمزنة وإما أن تكون سارة‪.‬‬
‫ب‪ /‬القيم‪ :‬للقيم عندهم عدة مسات ومعاين منها‪:‬‬
‫‪ /1‬أهنا واقعية ليست نابعة من الذات أو الضمري أو العقل‪ ،‬وليست مفروضة على اإلنسان من جهة عليا‪ ،‬لكنها تأيت نتيجة‬
‫للتفاعل مع الواقع االجتماعي املعاش‪.‬‬
‫‪ /2‬موضوعية ختضع لالختبار والتقييم والتعديل‪ ،‬وتطبق عليها الطريقة العلمية‪.‬‬
‫‪ /3‬اختيارية‪ ،‬تتحدد بواسطة االختيار واحلرية‪.‬‬
‫‪ /4‬إنسانية‪ ،‬فاإلنسان هو العنصر الفعال يف جعلها مبثابة معايري ألن هو املكون هلا‪.‬‬
‫‪ /5‬متغرية‪ ،‬نظرا ألن اخلربة وهي مصدر القيم يف حالة تغري دائم‪ ،‬فإن القيم ذاهتا يف تغري متصل‪.‬‬
‫‪ /6‬نسبية‪ ،‬فهي ليست مطلقة أو هنائية أو ثابتة تضم مجيع اجملتمعات وكل العصور‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪)432‬‬
‫ج‪ /‬طبيعة اإلنسان‪ :‬ينكر املذهب الرباغمايت الثنائية يف فهم الطبيعة البشرية‪ ،‬أي الثنائية بني اإلنسان مبكوناته الوراثية اجلسمية‬
‫والعقلية والروحية من ناحية‪ ،‬بني البيئة أو الطبيعة من ناحية أخرى‪ ،‬فهم يرون أن نشا اإلنسان حيدث نتيجة للتأثري اخلارجي‬
‫من البيئة‪ ،‬ونتيجة لألحوال الداخلية يف اإلنسان‪ ،‬أي أن هناك وحدة عضوية متصلة بني اإلنسان والبيئة‪.‬‬
‫‪-‬أن اإلنسان قادر على التعلم‪ ،‬أي أنه يستطيع أن يراجع خربته وحيددها يف ضوء نتائج خرباته السابقة‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫‪-‬عن طريق التفاعل االجتماعي تتكون شخصية اإلنسان‪ ،‬فيميز بني نفسه بني اآلخرين‪ ،‬ويوجه سلوكه يف ضوء التوقعات‬
‫االجتماعية اليت ترضي اجلماعة‪.‬‬
‫‪ -‬يرى الرباغماتيون بأنه ليس مثة سلوك حمدد مسبق للطبيعة اإلنسانية‪ ،‬كما يف احليوانات‪ ،‬بل يستطيع اإلنسان أن يكتسب‬
‫آالف العادات أثناء تفاعله مع البيئة‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪)43‬‬
‫د‪ /‬املعرفة‪ :‬يذهب الرباغماتيون إىل أن املعرفة احلقيقية هي اليت تساعد الفرد يف التغلب على مشكالت احلياة‪ ،‬وعلى تكييف‬
‫بيئته وتطويرها خلدمة أغراضه‪ ،‬وإشباع حاجاته‪.‬‬
‫‪-‬يرون أنه ال قيمة ألي معرفة جديدة كانت أم ماضية ال ميكن استعماهلا وتطبيقها يف احلياة احلاضرة‪.‬‬
‫‪-‬للمعرفة عندهم عدة خصائص منها‪:‬‬
‫‪-‬أهنا ليست قبلية (سابقة) بل نابعة من اخلربة املباشرة ومثرة هلا‪.‬‬
‫‪-‬ليست تراكمية بل تتضمن فروض (حلوال)‪ ،‬توضع موضع التجريب وفقا للطريقة العلمية‪.‬‬
‫‪-‬أهنا وسيلة وليست غاية‪ ،‬وتكتسب بالتدرج يف البحث‪.‬‬
‫‪-‬أهنا عمليات إجرائية يف حركة وعمل مستمر يف اخلربة املباشرة للتوصل إىل خربة جديدة‪.‬‬
‫‪-‬من حيث وسائل اكتساب املعرفة عندهم فقد تعددت كما يلي‪:‬‬
‫‪ /8‬الخبرة‪ :‬وهي موقف له زمان ومكان معينني يتفاعل فيه الفرد‪ ،‬ويعيش مع عناصره املختلفة‪ ،‬وينشأ عن ذلك استجابات‬
‫وردود أفعال نتيجة ملا حيدث من مثريات خالل عملية التفاعل‪.‬‬
‫‪ /4‬الطريقة التجريبية‬
‫‪ /3‬التفكير الناتج عن نشا الفرد وتفاعله مع بيئته‪ ،‬وما يواجه يف سياق هذا التفاعل من مواقف مشكلة يرغب يف التغلب‬
‫عليها‪ ،‬وإجياد احلل الذي حيقق له التكيف‪ ،‬وهذا التفكري وضع له (ديوى) خطوات مخس هي خطوات املنهج العلمي‪.‬‬
‫(نفس املرجع‪ ،‬ص‪)432‬‬

‫‪94‬‬
‫‪-‬أهداف التربية البراغماتية وتطبيقاتها‪:‬‬
‫نالت الرتبية يف املذهب الرباغمايت مكان الصدارة‪ ،‬حىت أطلق كثريون عليها بأهنا (نظرة عامة يف الرتبية) أو(فلسفة تربوية‬
‫رائدة)‪ ،‬وكان ذلك على يد (جون ديوى) الذي جعل من مدرسته التجريبية اليت أسسها يف شيكاغو‪-‬خمترب ألفكاره‪ ،‬ومصدرا‬
‫ملا أضيف إىل فلسفة الرتبية من قواعد ومبادئ‪.‬‬
‫اهلدف العام للرتبية الرباغماتية حتقيق استمرارية الرتبية فكل تربية تؤدي إىل مزيد من الرتبية والتعليم والتكيف مع البيئة‪ ،‬وكل‬
‫منو يؤدي إىل مزيد من النمو بدون قسر من السلطة اخلارجية‪ ،‬أو ضغط من تراث تقليدي‪.‬‬
‫األهداف اخلاصة للرتبية تنبع من اخلربة اليت عن طريقها ميكن الرتبية أن حتقق الكشف عن قدرات الفرد البيولوجية والنفسية‬
‫واالجتماعية من خالل تعامله مع املواقف التعليمية‪.‬‬
‫‪-‬المنهج الدراسي وطريقة التدريس في التربية البراغماتية‪:‬‬
‫‪ -‬يرفض الرباغماتيون املنهج التقليدي يف الرتبية ذلك املنهج املكون من مواد منفصلة‪ ،‬مواد تتعلق بالنواحي اإلنسانية وأخرى‬
‫بالنواحي الطبيعية‪ ،‬وإمنا يرون أن املنهج حمكوم بوحدة أو تكامل املعرفة‪.‬‬
‫من طرق التدريب طريقة النشا والعمل‪ ،‬وذلك جيعل املعرفة وحدة نشا حية واقعية يف املدرسة كما هي يف الطبيعة‪ ،‬ميكن‬
‫أن يتفاعل فيها املتعلم‪ ،‬وتعاجل مشكلة حيوية‪ ،‬ويرتب عليها زيادة اخلربة والتعلم‪.‬‬
‫تذهب الرتبية الرباغماتية إىل أنه ينبغي أن يشارك يف وضع اخلطة التعليمية كل من التالميذ وأولياء األمور‪ ،‬واملعلمني وكل من‬
‫له صلة بالعملية الرتبوية‪( .‬انطالقا من مبدأ الدميقراطي يف اختاذ القرارات الرتبوية‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.)436‬‬
‫‪-‬األساس الخبري للتعليم‪ :‬على عكس ما سار عليه الفكر الرتبوي طوال عصوره السابقة‪ ،‬فإن الرباغماتية قد اعتدت‬
‫باخلربة احلية الواقعية أساسا تقوم عليه الرتبية وحمور تدور حوله عملية التعليم‪.‬‬
‫*جون ديوي وفكرة التربوي‪:‬‬
‫(جون ديوي‪ :)8954-8159‬فيلسوف ومريب أمريكي أنشأ سنة (‪ )8192‬حتت رعاية جامعة شيكاغو‪-‬مدرسة‬
‫التطبيقات أو مدرسة املخترب املعمل اليت تضم معامل الكيمياء وحنوها‪ ،‬ليقوم فيها بإجراء جتاربه وتطبيق نظرياته‪ ،‬وليخترب‬
‫عمليا آراءه الرتبوية‪ ،‬وأهم كتابات (ديوي) الرتبوية اليت ضمنها نظرياته وخرباته يف آن واحد هي‪ :‬الطفل واملنهج‪ ،‬علم‬
‫النفس‪ ،‬املنهج الفلسفي‪ ،‬األخالق‪ ،‬مدارس الغد‪ ،‬الدميقراطية والرتبية‪...‬‬

‫‪95‬‬
‫‪-‬مالمح الفكر التربوي عند ديوي‪ :‬أ كد اجتاهات عديدة يف الرتبية شكلت نسقا متكامال‪ ،‬أو ما ميكن تسميته (نظرية‬
‫الفلسفة الرتبوية)‪ ،‬واليت عرفت (باسم الفلسفة الرباغماتية الرتبوية)‪.‬‬
‫‪-‬أكد على أ مهية املدرسة وضرورة كوهنا مؤسسة اجتماعية وصورة احلياة اجملتمع‪ ،‬يتم التدريب فيها عن طريق اخلربة املباشرة‬
‫على التفكري املتطور وشعور الفرد مبسؤوليته‪ ،‬وأن تكون وسيلة لتجديد الرتاث وليس جمرد نقله من جيل إىل جيل‪.‬‬
‫الرتبية يف نظره ظاهرة طبيعية يف اجلنس البشري‪ ،‬تتم بطريقة ال شعورية منذ الوالدة حبكم وجود الفرد يف اجملتمع‪ ،‬وهي عملية‬
‫مستمرة ومتطورة‪ ،‬كما أهنا ليست جمرد إعداد حلياة مستقبلية بل هي احلياة ذاهتا وعملية من عملياهتا‪ ،‬أي البد أن تكون‬
‫حياة اجلماعة املدرسية من وجهة نظره‪ ،‬حياة حقيقية يتم فيها احلصول على اخلربة املباشرة وأن تشبه يف واقعيتها حياة الطفل‬
‫يف البيت أو البيئة اليت يعيشها‪.‬‬
‫الرتبية يف رأي (ديوي) نفسية واجتماعية معا‪ :‬نفسية تعتمد يف مبادئها على فهم نفسية الطفل واستعداده‪ ،‬واجتماعية‪ ،‬هتيئ‬
‫الطفل ليكون عضوا صاحلا يف اجملتمع الذي يعيش فيه‪.‬‬
‫هدف الرتبية عند (ديوي) إ كساب الفرد عادات ومهارات واجتاهات تناسب اجملتمع الذي يعيش فيه من ناحية‪ ،‬والعمل‬
‫على رفاهيته من ناحية أخرى‪ ،‬ومساعدته على االستمرار يف التعلم والنمو‪ ،‬وتربية ذاته‪ ،‬وتكيفه مع بيئته من ناحية ثالث‪.‬‬
‫(مصطفى عبد القادر زيادة وآخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪)428‬‬
‫عارض (ديوي) النظم التقليدية يف الرتبية اليت جتعل الطالب جمرد آلة يستقبل املعلومات وحيفظها دون أن يكون له أي نشا‬
‫أو فاعلية‪ ،‬ومن هنا دعا إىل طريقة (املشروع) اليت جتمع بني النشا البدين والعقلي واالجتماعي للطالب وتساعده على‬
‫التعلم‪ ،‬وفيها يكون منطقيا موضوعيا يف تفكريه‪ ،‬معتمدا على نفسه‪ ،‬متعاون مع غريه مبتكرا‪ ،‬ولقد اختار (ديوي) هلذه‬
‫الطريقة مخس مراحل هي‪ :‬الشعور باملشكلة‪ ،‬مث معرفة موضع املشكلة وحتديدها عن طريق املالحظة واملشاهدة‪ ،‬يلي ذلك‬
‫فرض الفروض أو احللول‪ ،‬وبعدها اختبار الفروض واحللول‪ ،‬وأخريا تطبيق احللول‪.‬‬
‫وأكد على أمهية الدميقراطية كمفهوم اجتماعي سياسي‪ ،‬وكإطار للعملية الرتبوية‪ ،‬وأمهية أن ينشأ الطفل يف جو من‬
‫الدميقراطية‪ ،‬فهو يرى أن الدميقراطية هي خري نظام للمجتمع‪ ،‬حيث أهنا تتيح الفرص للتجربة‪ ،‬وتعطي الفرد احلرية‪ ،‬وجتعله‬
‫مسؤوال عن سلوكه‪ ،‬كما أهنا تتيح فرصة التعليم لكل من مواطن حبسب ما تؤهله له مواهبه واستعداداته‪.‬‬
‫إهتم بشخصية الطفل‪ ،‬وهو عنده غاية يف حد ذاهتا‪ ،‬ووحدة متكاملة ألفضل بني جوانبها اجلسمية والعقلية والروحية‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫يرى (ديوي) بأنه البد أن يتعاون يف وضع املنهج كل من له اهتمام باملناهج الدراسية‪ ،‬واملنهج املقرتح جيب أن يكون مرنا‪،‬‬
‫هادفا قابال للتغيري‪ ،‬وليس جمرد تنظيم معريف جامد‪ ،‬ويرمي إىل إعطاء الطالب أكثر عدد ممكن من البدائل حلل املشكالت‬
‫اليت قد تعرتض طريقهم يف احلياة‪.‬‬
‫أكد (ديوي) أ مهية جعل الطفل مركز العملية الرتبوية‪ ،‬جيعل الطرق واملناهج تدور حوله بدال من جعله يدور حول مناهج‬
‫وطرق وضعت يف عزله‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.)424‬‬
‫أكد أمهية القيم األخالقية‪ ،‬واعتربها أمور إنسانية تنبع من صميم احلياة‪ ،‬وأن املصدر األساسي هلا اخلربة املكتسبة نتيجة‬
‫تفاعل الفرد مع اجملتمع‪.‬‬
‫وذهب إىل أن حمتويات املنهج ليست مهمة بقدر أ مهية الطريقة اليت يعاجل هبا املدرس هذه احملتويات‪ ،‬ومن مث دعا املدرس‬
‫بعدم التقييد بطريقة من الطرق‪ ،‬بل خيتار الطريقة املناسبة اليت هتم درسه ومستوى تالميذه وظروفهم النفسية‪.‬‬
‫لقد حاول (ديوي) نزع الغموض الذي أحا بكلمة الرباغماتية واصطنع الوسيلة كاجتاه براغمايت خاص به‪ ،‬وصارت‬
‫الرباغماتية عنده تستخدم النتائج على أهنا اختبارات الزمة للوقوف على صدق القضايا لتكون عمليات قابلة للتطبيق‬
‫واإلجراء باعتبارها أدوات تؤدي إىل حل املشكالت اليت تقتضي تلك اإلجراءات‪.‬‬
‫فاخلربة احلسية عند الرباغماتيني تتجاوز ما تقدمه احلواس من الواقع‪ ،‬إ ذ تشتمل اآلثار احلسية واألفعال السلوكية‪ ،‬فهي كما‬
‫يصورها لنا (ديوي) تتعدى االنطباعات احلسية املتفرقة إىل العالقات االجتماعية فهي تنشأ من اخلربة أو التجربة‪.‬‬
‫(حيي هويدي‪ ،8993 ،‬ص‪)835‬‬
‫مما يعين أن الرباغماتية قدمت معىن جديد للتجربة فأخرجتها من دائرة املخرب إىل نطاق الفكر الذي يكون يف خدمة‬
‫اإلنسان‪ ،‬فهي متثل الرتابط بني ما أجنبته العلوم وما حيقق الفرد من خدمة عملية‪( .‬زكريا إبراهيم ب ت‪ ،‬ص‪)39‬‬
‫من هذا املنطلق يسعى الرباغماتيون إىل بناء منهج يتجاوز املثالية اجملردة‪ ،‬وال يقف على ما تقدمه احلواس بل يتجه بالفكر‬
‫إىل العمل تلبية ملقتضيات احلياة املتغرية وحتقيق الستمراريتها‪.‬‬
‫إن التفاعل بني الفكر والواقع هو الذي حيقق النجاح‪ ،‬وهو منطلق لكل فرضية أو فكرة براغماتية‪ ،‬ويف يرى (جيمس) أن‬
‫آية احلق النجاح وآية الباطل اإلخفاق‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫ويدعم (ديوي) هذا املوقف مستندا ملذهبه الذرائعي‪ ،‬إ ذ جيعل من الفكر ذريعة خلدمة احلياة القائمة على االنسجام بني الفرد‬
‫وحميطه والفكرة الصائبة يف الفلسفة الذرائعية يكمن معناها يف نتائجها العملية وهلذا حتولت وجهة الفكر حنو العمل‬
‫واملستقبل‪( .‬ويل ديوارنت‪ ،8922 ،‬ص‪.)281‬‬
‫‪(-‬فبريس) يقر بأن الصدق واحلق ال يكون إال يف األفكار العملية اليت تنتهي إىل سلوك عملي ال إىل ختمينات جمردة فارغة‪.‬‬
‫(توفيق الطويل‪ ،8926 ،‬ص‪.)29‬‬
‫وكذلك األمر بالنسبة (جليمس) إ ذ يعترب الفكرة اليت حتقق لسلوكنا ما ينفعه من نتائج صادقة فهو من الصدق واملنفعة صفتان‬
‫مرتادفتان للفكرة‪.‬‬
‫فأسس فلسفته الرباغماتية القائمة بذاهتا واليت هتدف إىل‪:‬‬
‫‪ /1‬أن تصبح الفلسفة أداة فعالة تفسر األحداث وتساعد الناس على حل املشكالت للتكيف‪.‬‬
‫‪ /2‬أ ن تكون للفلسفة آثارا عملية اجتماعية حتقق تطلعات اجملتمع اليت يتطلبها الواقع املتغري ومن غري ذلك فال قيمة للفلسفة‬
‫مهما كانت صحتها الفعلية‪( .‬عبد الراضي إبراهيم حممد عبد الرْحن‪ ،4114 ،‬ص‪.)815‬‬
‫‪-‬فقد شق (ديوي) لنفسه يف هذه الفلسفة خطة جديدة فعرفت فلسفته (الوسيلة) وقد أمساها كذلك‪ ،‬ألنه يرى يف التفكري‬
‫سوى وسيلة أو أداة حلل املشكالت الناس اليت يواجهوهنا يف حياهتم االجتماعية واخلاصة‪.‬‬
‫(جون ديوي‪ ،‬تر‪ :‬أمني مرسي قنديل‪ ،8955 ،‬ص‪.)11‬‬
‫يبدو أن الرباغماتيني متفقني على أن العقل ال يبلغ هدفه إال إذا قاد صاحبه إىل العمل املنتج‪ ،‬فالفكرة تكون صحيحة يف‬
‫حالة حتقيقها يف التجربة‪ ،‬ومقياس صدق القضية هو نتائجها العملية‪ ،‬على هذا األساس ال ميكن أن ميلك العقل معرفة أولية‬
‫يستنبط منها نتائج صحيحة‪ ،‬فاحلقيقة عندهم متغري وليست ثابتة‪ ،‬فإ ن ما هو صادق يف احلاضر قد يصبح غري صادق يف‬
‫املستقبل‪ ،‬فليس املهم أن يقودنا العقل إىل معرفة األشياء وإمنا يقودنا إىل التأثري فيها‪.‬‬
‫وكان (ديوي) داعية قوي التأثري إ ىل اإلميان بفاعلية الفكر وبالروح الدميقراطية‪ ،‬وهو يف كل هذا ماضي مع العقلية األمريكية‬
‫املتجهة إىل العمل واحلرية‪( .‬يوسف كرم‪ ،‬ب ت‪ ،‬ص‪)245‬‬
‫إن الرؤية الفلسفية (لديوي) تقوم على ربط بني الوعي والطبيعة‪ ،‬وهذا ما يدل على قيام مذهبه على دعاميت الفكر واخلربة‬
‫يف ترابط وانسجام‪ ،‬وهذه األخرية تتميز باحلركية والنمو والتطور‪ ،‬فهي حمصلة التفاعل بني الكائن وبيئته‪ ،‬فالفلسفة عنده‬

‫‪98‬‬
‫ليست طريقا خاصا ينتهي إىل أشياء غريبة عن الفكر أ و احمليط يف املعارف واألخالق والعقائد‪ ،‬بل هي نقد فاحص لكل‬
‫األفكار التقليدية لتجديدها وجعلها متماشية مع مقتضيات الراهنة‪( .‬حمروس سيد مرسي‪ ،8911 ،‬ص‪)812‬‬
‫لقد اعتمد (ديوي) يف فلسفته على منهج التقييم النقدي للتجربة‪ ،‬ذلك أن الفلسفة هي عملية بناء مستمرة للتجربة‬
‫البشرية‪ ،‬واختبار أي أفكار فلسفية يتوقف على ما تصل إليه من نتائج يف إطار اخلربة العامة‪.‬‬
‫(زكريا إبراهيم‪ ،8912 ،‬ص‪)22‬‬
‫‪-‬نظرة (ديوي) للقيم األخالقية‪ :‬إ ن املصدر األساسي للقيم األخالقية هي اخلربة والتجربة‪ ،‬فالفرد عنده يكتسب قيمته‬
‫األخالقية وضمريه األخالقي عن طريق خربته وتفاعله مع البيئة احمليطة به‪ ،‬مثلما يف ذلك مثل بقية معارفه ومهاراته وعاداته‬
‫واجتاهاته اليت يكتسبها هي األخرى عن طريق اخلربة‪( .‬عمر حممد التومي الشيباين‪ ،‬ب ت‪ ،‬ص‪)322‬‬
‫‪-‬إضافة إىل ذلك إميانه بأن القيم األخالقية أو األخالقيات االجتماعية ال تنبع من الذات أو الضمري أو العقل‪ ،‬ولكنها‬
‫تكتسب نتيجة تتفاعل الفرد أو أعماله بأهنا أخالقية إذا ما ساعدت على النمو الكامل للفرد‪ ،‬وعلى النهوض باجملتمع وحل‬
‫مشاكله‪ ،‬على حتقيق املصلحة العامة‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.)325‬‬
‫يقول (جون ديوي) خبصوص الرتبية‪ ،‬إن احلياة يف أصل طبيعتها تسعى إىل دوام وجودها عن طريق التجدد املستمر‪ ،‬فهي‬
‫إ ذن عملية التجدد بذاهتا‪ ،‬فجيل ميوت لقيام جيل آخر‪ ،‬وهذا النقل للرتاث الثقايف اإلنساين من جيل آلخر يظهر لعملية‬
‫بأمجلها على أنه عملية جتدد تستطيع احلياة بواسطتها احملافظة على دوامها‪ ،‬فالرتبية هي جمموعة العمليات اليت هبا يستطيع‬
‫اجملتمع أن ينقل معارفه وأهدافه املكتسبة ليحافظ على بقائه‪ ،‬وتعين يف الوقت نفسه التجدد املستمر هلذا الرتاث‪ ،‬وأيضا‬
‫لألفراد الذي حيملونه‪ ،‬فالرتبية‪ ،‬هي عملية منو وليس هلا غاية إال املزيد من النمو‪ ،‬إهنا احلياة نفسها بنموها وجتددها‪.‬‬
‫(جون ديوي‪ ،‬تر‪ :‬أْحد حسن الرحيم‪ ،8961 ،‬ص‪)55‬‬
‫يؤمن (ديوي) بأن تكوين اخلريات ال يتم إال عن طريق حل املشكالت‪ ،‬وأن ال حيز يف شيء ال تكون خربة عند الطفل‪،‬‬
‫وبالنسبة لطبيعية العملية الرتبوية‪ ،‬يؤمن بأن الرتبية هي احلياة نفسها‪ ،‬وليس جمرد إعداد للحياة‪ ،‬وبأهنا عملية منو وعملية‬
‫تقدم‪ ،‬وعملية بناء وجتديد مستمرين وعملية اجتماعية‪ ،‬ولتكون الرتبية عملية حياة البد أن ترتبط بشؤون احلياة‪ ،‬ولتكون‬

‫‪99‬‬
‫عملية منو عملية تعلم وعملية اكتساب للخربة البد أن تراعي فيها شرو النمو وشرو التعلم وشرو اكتساب اخلربة‪،‬‬
‫وتكون اجتماعية البد أن تتضمن تفاعال اجتماعيا والبد من أن تتم يف وجوه اجتماعية دميقراطي وجو اجتماعي‪.‬‬
‫(عمر حممد التومي الشيباين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪)392‬‬
‫مفهوم فلسفة التربية عند(ديوي)‪ :‬لقد أشار بوضوح أن الفلسفة هي الرتبية وأن الرتبية هي الفلسفة‪ ،‬فالفلسفة متصلة أوثق‬
‫اتصال باحلياة‪ ،‬ويقول يف ذلك "أن أي شخص عاقل قد يرى من املمكن أن التفلسف جيب أن يدور حول (الرتبية باعتبارها‬
‫أقصى اهتمام إنساين‪ ،‬وتتواجد معه عالوة على ذلك مشكالت أخرى كونية وأخالقية ومنطقية)‪.‬‬
‫(إبراهيم ناصر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪)811‬‬
‫كما ذهب إىل أن الفلسفة ضربان‪ :‬ضرب متصل باحلياة وضرب منعزل عن احلياة‪ ،‬األول يستمد وجوده وطبيعته ووظيفته‬
‫منها‪ ،‬مث حياول بعد ذلك تنظيم هذه احلياة وتوجيهها‪ ،‬وهذا هو الرتبية‪.‬‬
‫واآلخر ينعزل عن احلياة فيفقد معناها‪ ،‬ويصبح فلسفته لفظية‪ ،‬ويتحول إىل قضايا ميتافيزيقية لن تصل منها إىل نتيجة‪.‬‬
‫ولقد وضح (ديوي) عالقة الفلسفة بالرتبية بقوله‪" :‬يف احلق إن كل نظرية فلسفية ال تؤدي إىل تبديل يف العمل الرتبوي البد‬
‫أن تكون مصطنعة‪ ،‬ذلك بأ ن وجهة نظر الرتبية تعيينا على فهم املشاكل الفلسفية يف منابتها اليت نشأت فيها‪ ،‬حيث يؤدي‬
‫قبوهلا أو رفضها إىل تبديل يف الناحية العملية يف الرتبية‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪)818‬‬
‫ويربز مفهوم فلسفة الرتبية يف أ هنا استخدام الطريقة الفلسفية يف التفكري ملناقشة املسائل الرتبوية حيث اعترب الفلسفة هي‬
‫(النظرية العامة يف الرتبية)‪( .‬جون ديوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪)42‬‬
‫وهي من جهة أخرى النشا املنظم الذي يتخذ من الفلسفة وسيلة لتحديد منطلقات وتوضيح األهداف اليت يود حتقيقها‪،‬‬
‫وفيلسوف الرتبية هو أيضا "ذلك املهندس الذي خيطط ويرسم خمططاته انطالقا من حاجات اجملتمع‪."...‬‬
‫‪-‬مفهوم المدرسة عند (ديوي)‪ :‬فاملدرسة يف الرتبية التقدمية مؤسسة اجتماعية متثل استمرار للحياة املنزلية اليت تعود عليها‬
‫الطفل وآلفها‪ ،‬وإذ تعمل على جتسيدها حىت تقوم هبا‪ ،‬ويأخذ نصيبه فيها‪.‬‬
‫‪ -‬فهي جزء من احلياة الواقعية متثل مجيع النظم االجتماعية بقدر اإلمكان اليت يشبع فيها النشا واحلركة‪ ،‬وحييا فيها األطفال‬
‫حلياة اجتماعية‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫‪-‬لقد جعل املدرسة جمتمعا مصغرا يعكس كل املظاهر االجتماعية واألخالقية والسياسية بتفاعل أفراده مع ظروفها‪ ،‬واليت ال‬
‫ختتلف عما يوجد خارجها أي جمتمعا مصغرا متفاعال مع ضرورة اخلربة االجتماعية خارج جدران املدرسة‪.‬‬
‫‪-‬مفهوم التربية التقدمية‪ :‬هي النهج الرتبوي الذي يؤكد على دميقراطية الرتبية واإلبداع الذي يتناسب مع ميول التالميذ‬
‫وتعليمهم بالعمل‪ ،‬والعالقة الوطيدة بني املعلم والتلميذ‪.‬‬
‫‪-‬أن يساهم التلميذ أو ويل أ مره واملعلم وكل من له عالقة وطيدة بالعملية الرتبوية يف وضع اخلطط اخلاصة بعملية التعليم‬
‫وإدارة املدرسة‪.‬‬
‫‪-‬أن اإلبداع يف جمال معني ال يكون إال مبا يناسب ميول التلميذ واهتماماته‪.‬‬
‫‪-‬أن أفضل طريقة للتعليم هي التعلم بالعمل‪.‬‬
‫‪-‬أن عالقة املعلم بالتلميذ عالقة مبنية على النصح واإلرشاد على التلقني وحشو العقول باملعلومات‪.‬‬
‫‪-‬المنهج التربوي في المدرسة الديوية‪ :‬يعترب املنهج اجملموعة من اإلجراءات والطرق الدقيقة املتبناة من أجل الوصول إىل‬
‫نتيجة وهو أيضا جمموعة اخلربات الرتبوية والثقافية واالجتماعية اليت هتيؤها املدرسة لتالميذها يف الداخل واخلارج"‪.‬‬
‫‪ -‬فإن أساس املنهج الرتبوي اجلديد هو اخلربة اليت ترتبط مبا يكسبه من املواقف املتغرية اليت يواجهها يف حياته‪ ،‬فكل ما مير‬
‫خبربة التلميذ جزء من املنهج‪ ،‬وذلك أ ن احلياة االجتماعية للطفل هي األساس جلميع جهوده‪ ،‬وبالتايل جيب إضفاء الوعي‬
‫االجتماعي على املنهج الدراسي‪ ،‬وكذا مراعاة التقدم العلمي‪( .‬حمروس سيد مرسي‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪)449‬‬
‫‪-‬وهناك مبدأين أساسيني يرامها (ديوي) ضروري يف املنهج الرتبوي أوالمها اخلربة التفكريية والذكاء منهج أدائي‪.‬‬
‫‪-‬اعترب(ديوي) اخلربة أساس الرتبية اجلديدة‪ ،‬وهو مييز بني اخلربات اليت تصدر من احلياة اليومية املعاشة‪ ،‬واخلربات الناجتة عن‬
‫التطور العلمي احلاصل‪ .‬األوىل تقوم على تقبل املعتقدات واألفكار دون تفحص وال تدبر‪ .‬أما الثانية فهي اليت جتعل الفرد‬
‫أ كثر تكيفا ألهنا تقوم على الفهم الصحيح إلدراك العالقات بني األشياء وما يرتبط بالقوانني اليت حتكم الظواهر يف الطبيعة‬
‫واحلياة االجتماعية‪( .‬فريدة غيوة‪ ،‬ب ت‪ ،‬ص‪.)844‬‬
‫‪-‬إن اخلربة الصاحلة هي اليت تساهم يف تنمية الذكاء وحتصيل الفهم واإلدراك وال يكون ذلك دون ولوج املنهج العلمي إىل‬
‫احلياة‪ ،‬وأ كد على ضرورة اصطناع األعمال التطبيقية العلمية يف الرتبية املدرسية لربطها بالواقع الذي يتصل باخلربة اإلنسانية‪.‬‬
‫وهناك مبدأين أساسيني وضروريني لنظرية اخلربة ومها التفاعل ومبدأ االستمرار‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫*أسس التربية الحديثة ومبادئها التربوية‪:‬‬
‫‪ /1‬المعلم‪ :‬ضرورة تزويده باخلربات التعليمية والنفسية والرتبوية احلديثة‪.‬‬
‫‪ /2‬المنهج‪ :‬أن يكون مرنا قابال للتقييم والتقومي‪ ،‬ومواكبة العصر‪ ،‬ومتطلبات اجملتمع باستمرار‪.‬‬
‫‪ /3‬الكتاب المدرسي‪ :‬أن يكون سهل الفهم معززا بالصور‪ ،‬مناسبا للمتعلمني‪ ،‬حيقق أهداف املنهج‬
‫‪ /4‬طرق التعليم‪ :‬االبتعاد عن العقاب البدين واملعنوي‪ ،‬وحتاشي استعمال الطرق القدمية كالتلقني واحلفظ اآليل‪ ،‬والتأكيد‬
‫على طرق حديثة تراعي حاالت املتعلمني النفسية والعقلية وطبيعة املادة وتنويع طرق التدريس‪.‬‬
‫‪ /5‬الثقافة النفسية‪ :‬االستفادة مما توصلت إليه الدراسات النفسية يف جمال النمو اجلسمي والعقلي‪ ،‬وأن يتضمن إعداد‬
‫املعلمني االستفادة من نتائج البحوث والدراسات النفسية يف جمال الرتبية واإلعداد‪.‬‬
‫‪ /6‬التقييم والتقويم‪ :‬استخدام أساليب واختبارات دقيقة لتقييم وتقومي املتعلمني‪ ،‬لكشف مهاراهتم يف مواقف متعددة‬
‫ك (االمتحانات‪ ،‬األنشطة الصفية واالجتماعية‪ ،‬إعداد البحوث‪.).....‬‬
‫‪ /7‬اإلرشاد والتوجيه‪ :‬غايته معاجلة املشكالت املختلفة للمتعلمني قبل تفاقهما‪ ،‬وإجياد احللول املناسبة هلا‪.‬‬
‫‪ /8‬ربط التربية بالمجتمع‪ :‬إعداد املتعلمني القادرين على التكيف مع ظروف اجملتمع واملسامهة يف تطويره‬
‫‪ /0‬التخطيط‪ :‬هناك أنظمة ختضع هلا الرتبية‪ ،‬فكل مرحلة دراسية مناهجها‪ ،‬ولكل منهج طرقه وأساتذته املختصون‪ ،‬وهناك‬
‫شرو لقبول الطلبة يف كل مرحلة‪ ،‬ويف كل ختصص‪.‬‬
‫‪ /19‬شمولية التعليم‪َ :‬ل تعد الرتبية حكرا على األغنياء دون الفقراء‪ ،‬وال على الرجال دون النساء‪.‬‬
‫‪ /11‬استعمال األسلوب العلمي‪ :‬ويكون ذلك يف جمال البحث ويف إعداد املناهج ويف إتباع طرق التعليم ويف معاجلة‬
‫مشكالت املتعلمني واجملتمع‪( .‬الديلمي حمسن علي‪ ،4182 ،‬ص‪.)28‬‬
‫وظائف التربية الحديثة في المدرسة‪ :‬إ ن رسالة املدرسة يف املراحل األوىل تنحصر يف تربية التلميذ على مقومات تربوية‬
‫حديثة تتجلى يف النواحي اآلتية‪:‬‬

‫‪112‬‬
‫أ‪ /‬النمو الجسمي‪ :‬تعىن املدرسة بالنمو اجلسمي للتلميذ من حيث تزويده بقواعد حفظ الصحة والسالمة اجلسدية والتغذية‬
‫ووسائل الوقاية من األمراض وتكوين العادات الصحية‪ ،‬وذلك عن طريق وسائل عدة منها (الكتب واجملالت‪ ،‬الدروس‬
‫املقدمة يف القسم‪.)...‬‬
‫ب‪ /‬النمو العقلي‪ :‬للمدرسة دورا كبريا يف النمو العقلي للتلميذ‪ ،‬ومن الوسائل اليت تستخدمها املدرسة لتنمية هذا اجلانب ما‬
‫يلي‪( :‬الكتب اجملالت‪ ،‬الزيارات امليدانية)‪.‬‬
‫ج‪ /‬النمو االجتماعي‪ :‬للمدرسة وظيفة كبرية يف تعريف التلميذ بالنظم االجتماعية والوظائف اليت تقوم هبا املنظمات‬
‫املختلفة‪ ،‬وكيف يستفيد منها الفرد واجلماعة‪ ،‬وللمدرسة وظيفة يف اكتساب التالميذ للمهارات الالزمة لكي يعيش يف اجملتمع‬
‫ويزاول مسؤولياته على أكمل وجه‪ ،‬ويتم ذلك بطرق خمتلفة منها‪( :‬دراسة القوانني املدنية واألخالقية‪ ،‬احرتام العادات‬
‫والتقاليد‪ ،‬تنمية عادات التهذيب واللطف والعدالة واملوضوعية‪)...‬‬
‫د‪ /‬النمو النفسي‪ :‬للمدرسة وظيفة كبرية يف اكتساب التلميذ للصفات واالجتاهات اليت جتعله حيرتم اآلخرين ويثق فيهم ومييل‬
‫إىل ممارسة الصراحة واحلرية والتحرر من االعتداء على حرية اآلخرين وحقوقهم‪ ،‬ويتم ذلك بطرق خمتلفة منها‪( :‬دراسة‬
‫الشخصية التوازن االنفعايل والعاطفي‪ ،‬وفهم الذات‪.)...‬‬
‫و‪ /‬النمو الفني والجمالي‪ :‬للمدرسة دور يف اكساب التلميذ تذوق اآلداب والفنون واملوسيقى واحلرف اليدوية وغري ذلك‬
‫من األنشطة املبدعة‪ ،‬وتصل املدرسة إىل ذلك مبا يلي‪( :‬معارض الفنون اجلميلة‪ ،‬الرتبية املوسيقية‪ ،‬احملاضرات‪.‬‬
‫(بوقطاية مراد‪ ،4114 ،‬ص‪.)52‬‬
‫‪-‬خصائص التربية الحديثة‪ :‬من أهم خصائصها‪:‬‬
‫‪ /1‬حولت مركز الطفل يف العملية الرتبوية من دور املشاهدة واالستماع إىل مركز االهتمام واستغالل اخلربة الشخصية‪ ،‬أي‬
‫من متعلم سليب إىل متعلم فاعل متفاعل‪.‬‬
‫‪ /2‬جعلت دور املعلم أكثر إجيابية يف تعامله مع الطفل‪ ،‬أي من معلم حمتكر للمعرفة إىل معلم يتميز بالقدرة على التنشيط‬
‫التوجيه والتنظيم والتقومي‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫‪ /3‬أحدثت تغيريات عميقة للمناهج يف حمتوياهتم وطرائقها‪ ،‬ووسائلها‪ ،‬حيث جعلتها أكثر مرونة ومالئمة مع طبيعة املتعلم‪،‬‬
‫وخصائصه العقلية والنفسية وبيئته االجتماعية لتمكنه من اكتساب كفاءات ومهارات تيسر له عملية االندماج يف اجملتمع‬
‫وعاَل الشغل بدال من تلك املناهج اليت يغلب عليها الكثافة واحلشو والتلقني‪(.‬الطراونة أخليف يوسف‪ ،4112 ،‬ص‪)58‬‬
‫‪-‬اهتمامات التربية الحديثة‪ :‬الذي ينحصر يف املعلم‪-‬الطالب‪-‬الصف‬
‫‪ /1‬تنمية مفاهيم التعليم الذايت ومبادئه لدى األفراد‪.‬‬
‫‪ /2‬تنمية مفاهيم الرتبية املستدمية ومبادئها‪.‬‬
‫‪ /3‬توثيق الصلة بني الرتبية والتعليم وحاجات اجملتمع‪.‬‬
‫‪ /4‬االهتمام بدور املعلم وبسلوكياته وإعداده وتدريبه قبل اخلدمة وأثنائها‪.‬‬
‫‪ /5‬االهتمام مبشكالت البيئة ودور الرتبية يف حلها ومعاجلتها‪.‬‬
‫‪ /6‬تطوير أساليب التقومي وتنويعها ومشوليتها‬
‫‪ /7‬االهتمام بتنمية الشخصية املتكاملة للفرد من مجيع جوانبها‬
‫‪ /8‬االهتمام بالربط بني اجلوانب النظرية والتطبيق العملي‬
‫‪ /0‬تفجري الطاقات الكامنة للمتعلم‪ :‬مبا يعود بالنفع على الفرد واجملتمع‪.‬‬
‫‪ /19‬الرتكيز على مفهوم الرتبية اجلماعية القائمة على مبدأ الرتبية للجميع‪.‬‬
‫‪ /11‬الرتكيز على مبدأ احلرية واالستقاللية يف التفكري والنقد واحلوار (املعلم واملتعلم قطبني متكاملني)‪.‬‬
‫‪ /12‬االهتمام بالكيف ال بالكم يف العملية الرتبوية (كيفية التعليم املادة الدراسية‪ ،‬املواضيع املقررة‪ ،‬نوعية املتخرجني)‪.‬‬
‫‪ /13‬ظهور مفهوم النظم الرتبوية وتطوره على اعتبار أن الرتبية هي نظام فرعي من النظام الكلي للمجتمع‪ ،‬وله نظمه الفرعية‬
‫اخلاصة به مثل نظام الطلبة‪ ،‬نظام املعلم نظام اإلدارة‪ ،‬نظام التمويل‪( .)...‬جرادات عزت وآخرون‪ ،8912 ،‬ص‪)31‬‬

‫‪114‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬المؤسسات االجتماعية التربوية"‬
‫‪ /1‬األُسرة‪ :‬وهي اخللية األوىل اليت يتكون منها نسيج اجملتمع ‪ ،‬كما أهنا الوسط الطبيعي الذي يتعهد اإلنسان بالرعاية‬
‫والعناية منذ سنوات عمره األوىل‪ ،‬وقد حث اإلسالم على تكوينها واالهتمام هبا ألثرها البارز يف بناء شخصية اإلنسان‬

‫وحتديد معاملها منذ الصغر‪ ،‬وتتكون األسرة يف الغالب من جمموعة أفراد جتمعهم فيها ظروف املعيشة الواحدة؛ وتربطهم رابطةٌ‬
‫شرعيةٌ قائمةٌ على املودة واحملبة‪ ،‬وتُعد األسرة أهم املؤسسات الرتبوية االجتماعية اليت هلا الكثي ر من الوظائف‪ ،‬وعليها العديد‬
‫من الواجبات األساسية حيث تُعترب مبثابة احملضن األول الذي يعيش اإلنسان فيها أطول ٍ‬
‫فرتة من حياته‪ ،‬كما أن اإلنسان‬
‫يأخذ عن األُسرة العقيدة‪ ،‬واألخالق‪ ،‬واألفكار‪ ،‬والعادات‪ ،‬والتقاليد‪ ،‬وغري ذلك من السلوكيات اإلجيابية أو السلبية‪.‬‬
‫(كمال عبداهلل وعبداهلل قلي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪)821‬‬
‫ولألسرة وظائف كثريةٌ ومتنوعة السيما أهنا تُعىن بتنمية ورعاية مجيع اجلوانب الشخصية لإلنسان يف خمتلف مراحل عمره‪.‬‬
‫وعلى الرغم من اشرتاك األسرة املسلمة مع غريها من األسر يف أداء بعض الوظائف الرتبوية‪ ،‬إال أن لألُسرة املسلمة بعضاً من‬
‫الوظائف الرتبوية املميزة اليت من أبرزها ما يلي‪:‬‬

‫أ‪ -‬العمل على تزويد اجملتمع املسلم بالذرية الصاحلة اليت ُحتقق قوله صلى اهلل عليه وسلم‪ " :‬تزوجوا الولود الودود فإين ُم ٌ‬
‫كاثر‬
‫بكم " ( رواه النسائي)‪ .‬واليت تكون عامالً قوياً يف حتقق واستمرار احلياة األُسرية‪ ،‬وضمان استقرارها‪.‬‬
‫جو ُمفع ٍم بالسعادة بعيداً عن‬
‫ب‪ -‬حتقيق عوامل السكون النفسي والطمأنينة جلميع أفراد األسرة حىت تتم عملية تربيتهم يف ٍّ‬
‫القلق والتوتر والضياع ‪ ،‬ويأيت ذلك حتقيقاً لقوله تعاىل‪َ " :‬وِم ْن آيَاتِِه أَ ْن َخلَ َق لَ ُك ْم ِم ْن أَنْ ُف ِس ُك ْم أ َْزَواجاً لِتَ ْس ُكنُوا إِلَْي َها َو َج َع َل‬
‫آليات لَِق ْوٍم يَتَ َف َّك ُرونَ " (الروم ‪) 48 ،‬‬
‫ب ي نَ ُكم موَّد ًة ور ْْحةً إِ َّن ِيف َذلِك ٍ‬
‫َ‬ ‫َْ ْ َ َ َ َ َ‬
‫ج‪ُ -‬حسن تربية األبناء والقيام بواجب التنشئة االجتماعية اإلجيابية‪ ،‬والعمل على صيانة فطرهتم عن االحنراف والضالل‬
‫نصرانِِه ‪ ،‬أو ُمي ِّجسانِِه " ( رواه‬
‫هودانِِه ‪ ،‬أو يُ ِّ‬ ‫حتقيقاً لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ُ ":‬ك ُّل مو ٍ‬
‫لود يُو ُلد على الفطرة فأبواهُ يُ ِّ‬
‫البخاري) ‪.‬‬

‫د‪ -‬توفري مقومات الرتبية اإلسالمية الصحيحة ألفراد األسرة عن طريق العناية مبختلف اجلوانب الشخصية لإلنسان ( روحياً‬
‫وعقلياً‪ ،‬وجسمياً)‪ ،‬واحلرص على توازهنا وتكاملها ملا لذلك كله من األثر الكبري يف تشكيل وتكوين الشخصية املسلمة‬
‫ٍ‬
‫اجيابية‪ ،‬ومستمرةٍ طول‬ ‫السوية‪ ،‬والعمل على تفاعلها وتكيفها مع ما حوهلا من املكونات‪ ،‬ومن حوهلا من الكائنات بصورةٍ‬

‫‪115‬‬
‫فرتة احلياة‪.‬‬
‫هـ‪ -‬احلرص على توعية أعضاء األسرة وخاصة الصغار منهم بكل ناف ٍع ومفيد‪ ،‬والعمل على تصحيح مفاهيمهم املغلوطة‬
‫وْحايتهم من كل ما يُهدد سالمتهم وسالمة غريهم‪ ،‬وتعليمهم األخالق الكرمية‪ ،‬واآلداب الفاضلة‪ ،‬والعادات احلسنة حىت‬
‫يشبون عليها‪ ،‬ويتعودون على مبدأ التحلي بالفضائل‪ ،‬والتخلي عن الرذائل ‪.‬‬
‫و‪ -‬إكساب أعضاء األسرة اخلربات األساسية واملهارات األولية الالزمة لتحقيق تكيفهم وتفاعلهم املطلوب مع احلياة‪،‬‬
‫وإكساهبم الثقة بالنفس‪ ،‬والقدرة على التعامل مع اآلخرين‪( ..‬رنا عبد اللطيف شويعر وآخرون‪ ،‬ب ت‪ ،‬ص‪)88‬‬
‫وهنا جتدر اإلشارة إىل أن الدور الرتبوي لألُسرة يف عصرنا احلاضر قد تقلص بعض الشيء وَل يعد بنفس املن زلة اليت كان‬
‫ٍ‬
‫اجتماعية أُخرى متكنت يف العصر احلاضر من ُمزاْحة األسرة والسيطرة‬ ‫ٍ‬
‫مؤسسات‬ ‫عليها من قبل‪ ،‬والسبب يف ذلك أن هناك‬
‫على معظم الوقت الذي يقضيه اإلنسان حتت تأثريها ومن هذه املؤسسات وسائل اإلعالم اليت تُعد حبق يف عصرنا أهم وأبرز‬
‫املؤسسات الرتبوية االجتماعية املؤثرة تأثرياً فاعالً يف حياة اإلنسان صغرياً كان أو كبرياً‪ ،‬جاهالً أو ُمتعلماً‪ ،‬ذكراً أو أُنثى‪.‬‬
‫‪-‬الدور التربوي لألسرة ‪:‬يأيت مفهوم البيت واألسرة دائماً مع وجود األبناء فاهلدف من تكوين األسرة هو حصول الوالدين‬
‫على أبناء ومبعىن آخر فاألسرة كيان يتم بناءه من أجل الوصول إىل أهداف معينة أمهها إجناب األبناء وتربيتهم‪ ،‬والواقع أن‬
‫تربية األبناء ليس باألمر السهل بل هي مسؤولية كبرية تقع على عاتق األسرة حيث يتطلب األمر الكثري من اجلهد والتخطيط‬
‫فإذا ابتغى الوالدان التوفيق يف تربية أبناء صاحلني وبناء مستقبل واعد هلم ينبغي عليهما حتديد أهداف تربوية معينة ومعرفة‬
‫الوسائل والطرق الالزمة للحصول على تلك األهداف حيث يشكل ذلك برناجماً تربوياً متكامالً وعلى الوالدين تربية أبنائهم‬
‫وفق هذا الربنامج‪ .‬فالوالدان اللذان ال يفكران يف تربية أبنائهم ال حيق هلما انتظار املعجزة واملستقبل من أبنائهم فكما نسمع‬
‫يف الزراعة اصطالحات الري والغرس وجين الثمار ففي عملية الرتبية والتعليم أيضاً ما يشابه ذلك أي أن األبناء يعتربون‬
‫الثمار الناجتة من اجلهود الرتبوية للوالدين وهناك جوانب أساسية يف الرتبية ينبغي على األسرة مراعاهتا أمهها‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬تنمية شخصية الطفل واكتشاف القدرات الواتية‪ :‬اإلنسان يف طفولته ميلك مواهب فكرية ونفسية وعاطفية وجسمية‬
‫ووظيفة األسرة تنمية هذه املواهب واكتشاف القدرات والصفات اليت ميلكها أبنائهم والتعرف إىل نقا القوة والضعف ويف‬
‫الواقع ختتلف قابلية األطفال ومقدرهتم يف تلقي الدروس حيث التباين الفردي والتنوع يف امليول واالجتاهات ويف هذا اجلانب‬
‫ينبغي على األسرة واملدرسة مراعاة ذلك‪( .‬كمال عبد اهلل وعبد اهلل قلي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪)828‬‬

‫‪116‬‬
‫ثانيا‪ :‬تنمية العواطف والمشاعر‪ :‬العواطف واملشاعر مثلها مثل غريها من مقومات الشخصية لدى اإلنسان حتتاج إىل الرتبية‬
‫واإلرشاد ولعل من أهم العوامل اليت جيب أن تراعيها األسرة الالمباالة وعدم االكرتاث واالهتمام مبطالبهم ألن هذه املشاعر‬
‫هي عالمات تدل على ميل حنو بعض األمور أو بالعكس تفسر نفوره وعدم ميله حنو أمور أخرى فإذا علم الوالدان ذلك‬
‫أمكنهم تصحيح املسار حنو الوجهة السليمة‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬تنظيم وقت الطالق واستغالل ساعات الفراغ‪ :‬هذا اجلانب من أهم اجلوانب اليت جيب على األسرة مراعاهتا حيث‬
‫يعترب الفراغ مشكلة املشاكل عند الشباب وعليه فإن املسؤولية تقع على ويل األمر فيجب عليه تنظيم وقت الطالب‬
‫حبيث يكون هناك وقت كايف ومناسب للمذاكرة ووقت مناسب آخر للرتفيه يف األشياء املفيدة ويف هذا اجلانب يعترب قرب‬
‫ويل األمر من أبنائه ومتابعته هلم ومنحهم الرعاية هي أقصر الطرق لسد ساعات الفراغ‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬مراعاة توفير الحاجات النفسية‪ :‬إن األطفال هلم حاجات نفسية خمتلفة منها اطمئنان النفس واخللو من اخلوف‬
‫واالضطراب واحلاجة للحصول على مكانة اجتماعية واقتصادية مالئمة واحلاجة إىل الفوز والنجاح والسمعة احلسنة والقبول‬
‫من اآلخرين وسالمة اجلسم والروح‪ ،‬وعلى الوالدين إرشاد أبنائهم وتربيتهم الرتبية الصحيحة حىت ال تنحرف حاجاهتم فتتولد‬
‫لديهم مشكالت نفسية واجتماعية‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪)824‬‬
‫خامسا‪ :‬اختيار األصدقاء‪ :‬تعترب الصداقة وإقامة العالقات مع اآلخرين من احلاجات األساسية لألبناء خصوصاً يف سن‬
‫الشباب فاألطفال والناشئون يؤثرون على بعضهم البعض ويكررون ما يفعل أصدقاؤهم وبكل أسف يتور عدد من شبابنا‬
‫يف احنرافات خلقية نتيجة مصاحبة أصحاب السوء‪ ،‬ومن أجل اختيار الصديق الصاحل جيب على الوالدين أو على األسرة‬
‫كلها توضيح معايري الصداقة ألبنائهم وصفات الصديق غري السوي مع املتابعة املستمرة لذلك‪.‬‬

‫سادسا‪ :‬العالقات األسرية وأسس التعامل مع األبناء‪ :‬إذا بنيت عالقات األسرة على االحرتام سيكون بناؤها قوياً متيناً‬
‫وهذا يف الواقع يؤثر تأثرياً إجيابياً على مستقبل األبناء وعالقاهتم االجتماعية وإذا عامل األبوان أبناءهم معاملة حب وتكرمي‬
‫فإن حياهتم تكون خالية من القلق واالضطراب أما استعمال العنف واأللفاظ البذيئة يسبب إضعاف شخصية االبن وتوتره‬
‫وعموماً ينبغي التوازن يف الرتبية أي ال إفرا وال تفريط حىت ال تكون هناك نواحي عكسية‪.‬‬
‫سابعاً‪ :‬القدوة الحسنة‪ :‬األطفال يقلدون يف سلوكياهتم اآلباء واألمهات واملعلمني فاألطفال الصغار يتأثرون أكثر بآبائهم‬
‫وأمهاهتم لكن عند ذهاهبم إىل املدرسة يتأثرون أكثر مبعلميهم‪ ،‬وعلى هذا جيب أن يعلم املربون أن أفكارهم وسلوكهم‬

‫‪117‬‬
‫وكالمهم منوذج حيتذى به من قبل األبناء وعليه جيب أن يكونوا قدوة يف كافة تصرفاهتم‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪)823‬‬
‫‪ /2‬المسجد‪ :‬يعد املسجد أبرز وأهم املؤسسات االجتماعية الرتبوية اليت ارتبطت بالرتبية اإلسالمية ارتباطاً وثيقاً نظراً ٍ‬
‫لعدد‬ ‫ُ‬
‫من العوامل اليت أدت يف جمموعها إىل ذلك االرتبا والتالزم‪ ،‬السيما وأن املسجد َل يكن يف اجملتمع املسلم األول جمرد‬
‫السنن والنوافل‪،‬‬
‫مكان ألداء العبادات املختلفة فقط بل كان أمشل من ذلك ؛ إذ كان جامعاً ألداء العبادات من الفرائض و ُ‬
‫وجامعةً للتعليم وختريج األكفاء من اخللفاء والعلماء والفقهاء واألمراء‪ ،‬ومعهداً لطلب العلم ونشر الدعوة يف اجملتمع ‪ ،‬ومركزاً‬
‫للقضاء والفتوى ‪ ،‬وداراً للشورى وتبادل اآلراء‪ ،‬ومنرباً إعالمياً إلذاعة األخبار وتبليغها‪ ،‬ومن زالً للضيافة وإيواء الغرباء‪ ،‬ومكاناً‬
‫ومنتدى للثقافة ونشر الوعي بني الناس‪ ،‬إىل غري ذلك من‬
‫لعقد األلوية وانطالق اجليوش للجهاد يف سبيل اهلل تعاىل ‪ُ ،‬‬
‫الوظائف االجتماعية املختلفة‪.‬‬
‫وبذلك ميكن القول إن املسجد يف اإلسالم يُعد جامعاً وجامعةً‪ ،‬ومركزاً لنشر الوعي يف اجملتمع‪ ،‬ومكاناً الجتماع املسلمني‪،‬‬
‫حمل ميكن أن تتم فيه تربية اإلنسان املسلم وتنشئته‪،‬‬ ‫مكان‪ ،‬وأطهر ٍ‬
‫بقعة‪ ،‬وأقدس ِّ‬ ‫وَل مشلهم‪ ،‬وتوحيد صفهم‪ ،‬وهو حبق أفضل ٍ‬

‫ليكون بإذن اهلل تعاىل فرداً صاحلاً يف جمتم ٍع صا ٍحل‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪)825‬‬
‫ولعل من أهم ما ُمييز رسالة املسجد الرتبوية يف اجملتمع املسلم أنه يُعطي الرتبية اإلسالمية هويةً مميزًة هلا عن غريها‪ ،‬وأنه مكا ٌن‬
‫للتعليم والتوعية الشاملة‪ ،‬اليت يُفيد منها مجيع أفراد اجملتمع على اختالف مستوياهتم‪ ،‬وأعمارهم‪ ،‬وثقافاهتم‪ ،‬وأجناسهم‪،‬‬
‫إضافةً إىل فضل التعلم يف املسجد‪ ،‬وما يرتتب على ذلك من عظيم األجر وجزيل الثواب‪ .‬فقد روي عن أيب هريرة رضي اهلل‬
‫عنه أنه قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ " :‬وما اجتمع قوم يف ٍ‬
‫بيت من بيوت اهلل‪ ،‬يتلون كتاب اهلل‪ ،‬ويتدارسونه‬ ‫ٌ‬
‫بينهم إال حفتهم املالئكة‪ ،‬ونزلت عليهم السكينة‪ ،‬وغشيتهم الرْحة‪ ،‬وذكرهم اهلل فيمن عنده " ‪(.‬رواه ابن ماجة‪ ،‬ج ‪،8‬‬
‫احلديث رقم ‪ ،445‬ص ‪( )14‬نفس الرجع‪ ،‬ص‪)825‬‬
‫‪ /3‬المدرسة‪ :‬إن قوة اجملتمع واستمراره ال تعتمد فقط على القراءة والكتابة وتعلم العلوم والفنون واإلعداد للحياة‪ ،‬وإمنا‬
‫يعتمد ذلك االستمرار وتلك القوة يف البناء االجتماعي على السلوكيات واالجتاهات والقيم اليت ترسها املدرسة يف الناشئة‬
‫خلدمة الوطن واجملتمع‪ ،‬واالنتماء إليهما والتضحية يف سبيلهما‪ ،‬واحرتام العادات ولتقاليد والنظم والتعليمات اليت يرتضيها‬
‫اجملتمع واحرتام أخالقيات اجلماعة وإن على املدرسة وباختصار إعداد التالميذ إعدادا مناسبا للقيام بدورهم يف اجملتمع‪.‬‬
‫(ناصر ابراهيم عبد اهلل‪)884 ،4188،‬‬

‫‪118‬‬
‫وهي من أهم وأبرز املؤسسات االجتماعية الرتبوية اليت أنشأها اجملتمع للعناية بالتنشئة االجتماعية ألبنائه‪ ،‬وتربيتهم‪ ،‬وهتيئتهم‬
‫وإعدادهم للحياة‪ ،‬كانت تربية األبناء قبل إنشاء املدارس بيد اآلباء ورجال الدين وكان األطفال يتعلمون عن طريق تقليد‬
‫الكبار ونتيجة لتضخم الرتاث البشري وصعوبة تقليد الصغار للكبار نشأت احلاجة للمدارس‪.‬‬
‫فاملدرسة مؤسسة اجتماعية تعمل على حتقيق أهداف اجملتمع واحملافظة عليها من خالل مسئوليتها برتبية التالميذ وإعدادهم‬
‫باملعلومات واالجتاهات والقيم الالزمة هلم يف احلياة‪.‬‬
‫ولقد متيز القرن العشرين بازدياد إشراف الدول على التعليم لدرجة أن معظم الدساتري احلديثة تتضمن مواد تتعلق بالتعليم من‬
‫حيث ختطيطه وتنظيمه ومتويله كما توسعت الدول يف فتح املدارس من أجل احملافظة على الرتاث الثقايف للمجتمع وإعداد‬
‫املواطنني مبا يتفق وخصائص اجملتمع وأهدافه‪ ،‬وهو مما جيب أن يقوم به املنهج ويعمل على حتقيقه‪.‬‬
‫فاملدرسة ال تعمل يف فراغ وإمنا هلا عالقة بكل مؤسسات اجملتمع من األسرة‪ ،‬املؤسسات الدينية وسائل اإلعالم‪ ،‬مؤسسات‬
‫أخرى مثل السينما واملسرح واألندية واجلمعيات واملعارض واملكتبات واملتاحف‪.‬‬
‫(كمال عبد اهلل وعبد اهلل قلي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪)822‬‬
‫إن الوظيفة األوىل للمدرسة هي إعداد الناشئة للمحافظة على القيم واملبادئ األساسية السائدة يف اجملتمع فمن واجب‬
‫القائمني على ختطيط املنهج حتليل هذه القيم واملبادئ للتمكن من وضع منهاج تربوي يساير األوضاع االجتماعية‪ ،‬ويليب‬
‫احتياجاهتا‪ ،‬وانطالقاً من أمهية التعليم كقوة فاعلة يف حتقيق األهداف اليت يسعى إليها كل جمتمع فقد أصبح وظيفة عامة‬
‫تشرف عليها الدولة‪ ،‬وهذا ما دفع معظم الدول احلديثة إىل جعل التعليم جمانياً وإلزامياً لفرتة من الوقت املنهج يقوم على‬
‫أساسني مها‪:‬‬
‫من أول واجبات املدرسة تزويد التالميذ بالقدر املناسب من ثقافة جمتمعهم الذي يعيشون فيه‪ ،‬وال بد ملعرفة العالقة بني‬
‫املنهج املدرسي وثقافة اجملتمع من توضيح مفهوم الثقافة وما أصابه من تطور‪ ،‬فالثقافة – أو الرتاث الثقايف– هي طريقة احلياة‬
‫الكلية للمجتمع جبوانبها الفكرية واملادية وتشمل الثقافة اللغة وأسلوب تناول الطعام وارتداء املالبس والعادات والتقاليد‬
‫واملعارف العلمية والنظم العائلية واالقتصادية والسياسية‪ ،‬ومما يعتنقه الناس من قيم دينية وخلقية وآراء سياسية وغريها من‬
‫أساليب احلياة‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪)822‬‬
‫وقد نتج عن هذا التطور يف مفهوم الثقافة تغري يف مفهوم املنهج فبعد أن كانت املناهج تتناول اجلانب الفكري املعريف من‬

‫‪119‬‬
‫حياة اجملتمع أصبحت تتناول أوجه احلياة اليت تؤثر يف الفرد واجملتمع‪ .‬وعلى الرغم من أنه ال يُعرف مىت وأين وكيف ظهرت‬
‫ٍ‬
‫مدرسة يف التاريخ إال أنه ُميكن القول إهنا ظهرت عندما دعت احلاجة إليها‪ ،‬ولعل من أبرز وأهم وظائف املدرسة ما‬ ‫أول‬
‫يلي‪:‬‬
‫الرتاث املعريف والثقايف وحنو ذلك من جيل الكبار إىل جيل الصغار‪ ،‬أو من املعلمني إىل‬
‫* أهنا تعمل على تبسيط ونقل ُ‬
‫ومثقف‪.‬‬
‫متعلم ُ‬
‫جيل ٌ‬‫الطالب تبعاً ملا يتناسب واستعداداهتم وقدراهتم املختلفة‪ ،‬فينتج عن ذلك ٌ‬
‫* أهنا تعمل على استكمال ما كان قد مت البدء فيه من تر ٍ‬
‫بية منزلية للفرد‪ ،‬مث تتوىل تصحيح املفاهيم املغلوطة‪ ،‬وتعديل السلوك‬
‫اخلاطئ‪ ،‬إضاف ًة إىل قيامها مبهمة التنسيق والتنظيم بني خمتلف املؤسسات االجتماعية ذات األثر الرتبوي يف حياة الفرد فال‬
‫حيدث نوع من التضارب أو التصادم أو العشوائية‪.‬‬
‫* أهنا تقوم بدوٍر كب ٍري يف عصرنا احلاضر حينما تكون يف معظم األحيان بديالً لألُسرة إذ يتشرب الصغار فيها عادات وقيم‬
‫وأخالق وسلوكيات جمتمعهم الذي يعيشون فيه‪.‬‬
‫ٍ‬
‫خدمات كثرية ومنافع عديدة من خالل‬ ‫* أهنا مبثابة مركز اإلشعاع املعريف يف البيئة اليت توجد فيها‪ ،‬إذ إهنا تُقدم للمجتمع كله‬
‫نشر الوعي الصحيح مبختلف القضايا‪ ،‬وكيفية التعامل السليم مع من حول اإلنسان وما حوله‪.‬‬
‫* أهنا تعمل على إشاعة الوعي اإلجيايب عند أبناء اجملتمع جتاه خمتلف القضايا الفردية أو اجلماعية سواءً كان ذلك بطر ٍيق‬
‫ُمباش ٍر أو غري ُمباشر‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪)825‬‬

‫‪/7‬جماعات الرفاق‪ :‬وهي نوعٌ من املؤسسات االجتماعية الرتبوية اليت هلا تأثريٌ كبري يف تربية اإلنسان انطالقاً من كونه كائناً‬
‫حيًّا اجتماعيًّا مييل بفطرته إىل االجتماع بغريه‪ ،‬ولذلك فإن مجاعة الرفاق يف أي جمتمع مبثابة مجاع ًة أوليةً شأهنا شأن األُسرة‬
‫العمرية‪ ،‬وامليول‪ ،‬والدور الذي يؤديه‬
‫يف الغالب‪ ،‬ألهنا صغرية العدد‪ ،‬وتكون عضوية الفرد فيها تبعاً لروابط اجلوار‪ ،‬والشرحية ُ‬
‫الفرد يف اجلماعة ‪.‬‬
‫‪-‬آثار جماعة الرفاق في عملية التنشئة االجتماعية‪:‬‬
‫‪-1‬املس اعدة يف النم و اجلس مي ع ن طري ق ممارس ة النش ا الرياض ي والنم و العقل ي ع ن طري ق ممارس ة اهلواي ات والنم و‬

‫االجتماعي عن طريق ممارسة اهلوايات‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫‪ -2‬تكوين معايري اجتماعية وتنمية احلساسية والنقد حنو بعض املعايري‪.‬‬

‫‪ -3‬القيام بأدوار اجتماعية جديدة مثل القيادة‪.‬‬

‫‪ -4‬املساعدة على حتقيق أهم مطالب النمو االجتماعي وهو االستقالل واالعتماد على النفس‪.‬‬

‫‪ -5‬تنمية اجتاهات نفسية حنو كثري من موضوعات البيئة االجتماعية‪.‬‬

‫‪ -6‬إتاحة فرصة التجربة والتدريب علي اجلديد واملستحدث من معايري السلوك‪.‬‬

‫‪ -7‬إتاحة فرصة تقليد سلوك الكبار‪.‬‬

‫‪ -8‬إتاحة فرصة حتمل املسئولية االجتماعية‪.‬‬

‫وتمارس جماعة الرفاق األقران أساليق نفسية واجتماعية في عملية التنشئة االجتماعية وهي تتمثل بما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬الثواب االجتماعي والتقبل‪.‬‬

‫‪ -2‬العقاب والزجر والرفض االجتماعي يف حالة خمالفة العضو ملعايري اجلماعة‪.‬‬

‫‪ -3‬تقدمي مناذج سلوكية يتوحد معها بعض األعضاء‪.‬‬

‫‪ -4‬املشاركة يف النشا االجتماعي وخاصة اللعب‪ ( .‬عامر طارق عبدالرؤوف‪ ،4111 ،‬ص‪)432‬‬

‫* مهام ووظائف جماعة الرفاق ودورها التربـوي‪ :‬ميك ن إمج ال الوظ ائف وامله ام الرتبوي ة ال يت تؤديه ا مجاع ة الرف اق فيم ا‬

‫يلي‪:‬‬

‫‪-1‬حتقق مجاعة الرفاق للفرد إش باعا للحاج ات النفس ية واالجتماعي ة كاحلاج ة إيل التق دير واحلاج ة إيل االطمئن ان واألم ن‬

‫النفس ي وغريه ا وذل ك يف عالقت ه م ع أف راد ه ذه اجلماع ة مم ا يقض ي عل ي خماوف ه وتوترات ه املرض ية ويق وي ارتباط ه بأعض اء‬

‫مجاعت ه وحب ه هل م وتعلق ه هب م وانتمائ ه للجماع ة ووالئ ه هل ا واإلخ الص والتف اين يف س بيلها وبتعب ري أخ ر ف إن مجاع ة الرف اق‬

‫متث ل مص درا لل دعم االجتم اعي والنفس ي للف رد فالتش ارك يف االهتمام ات واملش كالت حب د ذات ه متث ل عنص ر ج ذب‬

‫‪111‬‬
‫لألط راف املختلف ة يف اجلماع ة باإلض افة إيل أن التقب ل املس تمر للعض و فيه ا يؤك د ل ه قيمت ه كش خص وجدران ه كش ريك‬

‫اجتماعي ‪.‬‬

‫‪ -2‬تسهم مجاعة الرفاق يف تنمية الفرد علي حتمل املسئولية االجتماعية وتغرس يف قيمة االعرتاف حبقوق اآلخرين‬

‫ومراعاهتا وهذه خطوة هامة من خطوات الرتبية والتنشئة االجتماعية إذ أنه لكي يعرتف الطفل حبقوق اآلخرين البد‬

‫من أن ميارس ذلك عمليا من خالل أنشطته وتفاعله مع رفاقه فإن الطفل بارتباطه باآلخرين من رفاقه يكتسب‬

‫الوعي بالقيود والضوابط اليت تفرضها اجلماعة علي الفرد ‪ ....‬حيث خيضع الطفل مع رفاقه لقواعد اللعبة ويعترب‬

‫اخلضوع هلذه القواعد أول الدروس اليت يتعلمها الطفل من حياته مع اآلخرين‪.‬‬

‫‪-3‬تعم ل مجاع ة الرف اق عل ي ض بط س لوك الف رد يف املواق ف املختلف ة ه ي ب ذلك أداة فعال ة لض بط س لوك األعض اء‬

‫الذين ينتمون إليها ألن ه ح ىت يش عر ك ل ف رد فيه ا بالتقب ل ينبغ ي أن خيض ع للمع ايري ال يت حتك م مجاعت ه كم ا جي ب أن‬

‫خيضع لقواعد ألعاهبا فال خيالفها وإن مجاعة الرفق مت ارس درج ة م ن الض بط أك رب مم ا متارس ه غريه ا م ن اجلماع ات أو‬

‫الكبار الراشدين‪( .‬رنا عبد اللطيف الشويعر وآخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪)22‬‬

‫وتحقق جماعة الرفاق مهامها ووظائفها عن طريق مجموعة من الوسائل واألساليق ومنها‬

‫‪ -2‬الث واب والتقب ل االجتم اعي أو ال رفض‬ ‫‪ -3‬أنش طة اللع ب‬ ‫‪ -8‬الق دوة ‪ -4‬املش اركة االجتماعي ة‬

‫االجتماعي‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬وسائل اإلعالم ‪:‬إن وسائل اإلعالم يف العصر احلديث تعترب من أهم الوسائل الرتبوي ة حي ث تق دم م واد علمي ة وثقافي ة‬

‫متنوع ة م ن خ الل املس رح والس ينما واإلذاع ة املرئي ة واملس موعة والص حف واجمل الت املختلف ة ولعله ا تعت رب م ن الوس ائل الرتبوي ة‬

‫الشيقة فهي جتذب الناس من خمتل ف األعم ار وم ن اجلنس ني وه ي أداة هام ة م ن أدوات الرتبي ة املس تدمية وم ن أدوات النه وض‬

‫باجملتمع ات ثقافي ا‪ ،‬كم ا أهن ا متت از مبي زات ال تت وافر يف غريه ا م ن وس ائط الثقاف ة األخ رى حي ث أهن ا س ريعة االس تجابة لنش ر‬

‫‪112‬‬
‫املس تحدثات يف جم ال العل م واملعرف ة والتطبي ق س ريعة اإلذاع ة هل ا وق د مكنه ا م ن ذل ك اعتماده ا أساس ا عل ي العل م احل ديث‬

‫وتطبيقاته يف جماهلا ‪.‬‬

‫اإلع الم ه و وس يلة تف اهم ق وم عل ي تنظ يم التفاع ل ب ني الن اس ويق وم اإلع الم عل ي االتص ال بواس طة اللغ ة اللفظي ة وي ذكر ب أن‬

‫اإلع الم كك ل ق د ب دأ وتك ون م ع الص حافة يف الق رون الس ابقة ف إن ظه ور وس ائل إعالمي ة جدي دة يف الق رن وس ائل اإلع الم‬

‫املختلف ة مب ا تنش ره م ن معلوم ات وحق ائق ووق ائع وأفك ار لتح يط الن اس علم ا مبوض وعات معين ة م ن الس لوك م ع إتاح ة فرص ة‬

‫الرتفيه والرتويح‪ ،‬وهي بذلك قد مكنت ك ل الن اس م ن التع رف عل ي أش ياء وأم اكن كث رية ق د يص عب الوص ول إليه ا مباش رة مم ا‬

‫يثري ْحاسهم ونشاطهم واهتم امهم ببعض هم وتتب ع هنض تاهم‪ ،‬وه ي ب ذلك ذات ت أثري ق وي عل ي ال رأي الع ام وتكوين ه وتوجيه ه‬

‫يف القضايا املصريية واملعاصرة والقضايا االجتماعية والقومية اهلامة ‪( .‬طارق عبد الرؤوف عامر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪)431‬‬

‫وهي ختتلف عن وسائط الثقافة األخرى يف اهنا تنقل إىل الناس خ ربات ليس ت يف جم ال تف اعالهتم البيئي ة واالجتماعي ة املباش رة‬

‫كما أهنا تنقل موادا ثقافية متنوعة جدا مما يكون له أثره علي تربية األجيال ولذلك فهي يف حاج ة إيل أن تتكام ل م ع وس ائط‬

‫الرتبي ة األخ رى يف أه داف عام ة مش رتكة ح ىت ال تؤك د اجتاه ات ق د تك ون خمتلف ة عم ا تؤك ده األس رة أو املدرس ة م ثال ول ذلك‬

‫فمن الضروري مشاركة اجملتمع يف ختطيط براجمها‪.‬‬

‫ومم ا يزي د م ن أمهي ة ه ذه الوس ائل أن الرتبي ة املدرس ية نفس ها أص بحت يف كث ري م ن دول الع اَل تعتم د عليه ا يف تنفي ذ كث ري م ن‬

‫براجمها وأهدافها ‪.‬‬

‫* خصائص وسائل اإلعالم‪:‬‬

‫‪ -8‬وسائل اإلعالم غالبا فهي ذات اجتاه واحد‪.‬‬

‫‪ -4‬فهي تضمن قسطا كبري من االختيار (اختيار الربامج)‪.‬‬

‫‪ -3‬تسعى الجتذاب أكرب عدد ممكن من اجلمهور‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫‪ -2‬اإلعالم مؤسسة االجتماعية تستجيب إىل البيئة اليت تعمل فيها أهداف وسائل اإلعالم‬

‫تسعى وسائل اإلعالم مبختلف أشكاهلا ومسمياهتا إىل حتقيق العديد من األهداف وهي على النمو التايل‪:‬‬

‫‪ -1‬تربية الناس وتعليمهم وتوجيههم إىل إتباع األصول والعادات واألعراف االجتماعية‪.‬‬

‫‪ -2‬تثبيت القيم واملبادئ واالجتاهات العامة واحملافظة عليها‪.‬‬

‫‪ -3‬مجع األخبار وتفسريها والتعليق عليها‪.‬‬

‫‪ -4‬خدمة الناس عن طريق الدعاية واإلعالن‪.‬‬

‫‪ -5‬تتيح فرصة التفاعل االجتماعي بني األفراد واجلماعات‪.‬‬

‫‪ -6‬ترفيه الناس وإقناعهم وتسليتهم‪.‬‬

‫‪ -7‬اإلرشاد والتوجيه وبيان املواقف واالجتاهات‪.‬‬

‫‪ -8‬التثقيف‪.‬‬

‫‪ -0‬تنمية العالقات االجتماعية بني الناس‪.‬‬

‫‪-19‬الرتبية والتعليم بطريق هادفة وموجهه من خالل التلفزيون الرتبوي واإلذاعة أو الصحف أو اجمللة املدرسية‬

‫(طارق عب الرؤوف عامر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪)431‬‬

‫* وظائف وسائل اإلعالم وأبعادها التربوية‪:‬‬

‫اإلع الم بوس ائله مي د الف رد بف رص تعل م مس تمرة م دى احلي اة ويس اعده عل ي مواجه ة متطلب ات النم و املتزاي دة واملتغ رية وال يت َل‬

‫تعد املؤسسات الرتبوية النظامية قادرة وحدها علي توفريها يف ظل ما يشهده العصر احلايل من انفجار معريف‪.‬‬

‫ومن املالحظ أن الوظائف اليت تؤديها وسائل اإلعالم للمجتمع تتنوع تبعا الحتياجات ك ل جمتم ع م ن اجملتمع ات وم ن مث ف إن‬

‫وس ائل اإلع الم تتص ل اتص اال وثيق ا بالتنش ئة االجتماعي ة حي ث ت ؤدي دورا مهم ا يف توس يع آف اق الف رد وإث راء حص يلته م ن‬

‫‪114‬‬
‫املعرفة فيسمع ويرى أشياء َل يتعرفها من قب ل كم ا تس اعد عل ي رف ع مس توى تطلع ات األف راد إيل حي اة أفض ل مم ا ي ؤثر بش كل‬

‫إجيايب يف تطور احلياة وتقدمها حنو األفضل‪.‬‬

‫وال تتوقف مهمة وسائل اإلع الم عن د ح د إخب ار اجلمه ور أو إعالم ه مب ا ي دور حول ه م ن أح داث ب ل عليه ا أيض ا أن تس اعده‬

‫علي فهم املادة اليت تقدمها إليه فتتوىل شرحها وتوضيح غري املع روف منه ا ذل ك أن التط ور الس ريع يف جم االت املعرف ة أدى إيل‬

‫زيادة األعباء امللقاة علي الفرد العادي فلم يعد ميلك الوقت أو اجلهد أو املال أو العلم الذي ميكن ه م ن فه م اجلوان ب املختلف ة‬

‫لشىت املعارف خاصة يف العص ر ال راهن بع د أن ص ار مع دل تض اعف املعرف ة اإلنس انية ي تم ك ل بض ع س نوات ب دال م ن مخس ني‬

‫عاما كما كان يف احلرب العاملية الثانية‪.‬‬

‫وي ربز ال دور احلي وي لوس ائل اإلع الم يف جم ال التوجي ه املعتم د عل ي ال دالئل واحلق ائق يف لغ ة س هلة مبس طة مم ا يس اعد عل ي‬

‫إكس اب اجلم اهري يف التعام ل ال ذكي م ع وس ائل اإلع الم حبي ث ال يتقبل ون ك ل م ا تقدم ه وس ائل اإلع الم وإمن ا يتف اعلون مع ه‬

‫بعقلية واعية ناقدة‪.‬‬

‫وق د أص بحت وظيف ة التثقي ف إح دى الوظ ائف املهم ة لوس ائل اإلع الم خاص ة م ع النم و الس ريع للمعلوم ات ال ذي جع ل‬

‫ال بعض يش ري إيل أن عملي ة احل ث عل ى املعلوم ات ق د أص بحت الوظيف ة األساس ية يف جم ال االتص ال وب رز مفه وم تفج ر‬

‫املعلومات باعتباره عنصرا أساسيا يف التنافس بني ال دول ويكف ي الق ول ب أن املعلوم ات اآلن ل دى ال دول املتقدم ة ق د أص بحت‬

‫املعدل التنافسي ملا متلكه الدول النامية من موارد الطاقة والثروات الطبيعية‪.‬‬

‫ويف إطار دور وسائل اإلعالم يف جمال التنش ئة االجتماعي ة تق وم بالعم ل عل ي تكام ل اجملتم ع م ن خ الل ترس يخ الق يم واملب ادئ‬

‫وتثبي ت االجتاه ات واحملافظ ة عليه ا واملس اعدة عل ي نق ل ال رتاث الثق ايف م ن جي ل إيل جي ل وذل ك بتوحي د اجملتم ع ع ن طري ق‬

‫تكوين قاعدة مشرتكة بني أبناء اجملتمع من القيم واخلربات االجتماعية‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫كم ا جي ب عل ي وس ائل اإلع الم أن تت يح الفرص ة لإلس هام يف عملي ة اخت اذ الق رارات وأن يعم ل عل ي أن يق وم ن وع م ن احل واجز‬

‫يشمل مجيع من جيب عليهم اختاذ قرار التغيري‪.‬‬

‫ويالحظ أن هذه األدوار ال ميكن الفصل بينها فصال مطلقا حيث يتداخل كل هدف مع غريه من األهداف‪.‬‬

‫وميكن إمجال األبعاد الرتبوية اليت تقوم وسائل اإلعالم بتغطيتها والوظائف اليت تؤديها يف النقا التالية‪:‬‬

‫‪ -3‬التثقيف‬ ‫‪ -4‬التعليم‬ ‫‪ -8‬اإلعالم‬

‫‪ -2‬التنشئة االجتماعية‬ ‫‪-5‬التعارف االجتماعي‬ ‫‪ -2‬التوجيه‬

‫‪ -1‬الدعاية واإلعالن (طارق عب الرؤوف عامر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪)421‬‬ ‫‪ -6‬الرتفيه‬

‫خامسا‪ :‬دور األندية التربوي‪:‬‬

‫تلع ب األندي ة دورا مم اثال مل ا تلعب ه مجاع ة الرف اق يف بع ض األم ور ومم اثال مل ا تلعب ه الطبق ة واألس رة والثقاف ة الوطني ة يف بع ض‬

‫األمور األخرى فقد تق وم بتغذي ة الطف ل بك ل م ا تغذي ه ب ه ه ذه اجلماع ات تأكي دا وت دعيما أو دحض ا وحتري را عل ي أن األندي ة‬

‫هب ا نش اطات غني ة باجمل االت الرتبوي ة فامللع ب يع رف الطف ل كث ريا م ن ق وانني اللع ب وتنظيم ات الف رق الرياض ية واالجتماعي ة‬

‫واملسرحية كم ا ي تعلم منه ا مع ىن العم ل م ن خ الل فري ق ومع ىن القي ادة والتبعي ة ومع ىن كث ري م ن الق يم ال يت ت ربط الف رق املختلف ة‬

‫وفيه ا يكش ف العض و ع ن إمكانات ه واس تعداداته فف ي امللع ب يس تطيع الطف ل أن يكتش ف نفس ه كم ا يس تطيع الكب ار‬

‫واألخصائيون والنفسييون واالجتماعيون أن يكتشفوه كذلك ‪.‬‬

‫األندي ة أم اكن لش غل أوق ات الف راغ مب ا يع ود عل ي الف رد ب النفع حي ث جي د ال نشء فيه ا فرص ة لتنمي ة مواهب ه وس ط من اخ أس ري‬

‫جيد فيه حرية التحرك والتوجيه املطلوب له حنو ممارسة اهلوايات واألنشطة‪.‬‬

‫إن أهم ما مييز األندية ه و تع دد ن واحي النش ا فيه ا مث ل‪ :‬النش ا الثق ايف‪ ،‬والنش ا الرياض ي‪ ،‬والنش ا االجتم اعي ‪....‬اخل‬

‫ح ىت ميك ن للف رد أن مي ارس النش ا ال ذي ميي ل إلي ه ويرغ ب في ه ويتمش ى م ع قدرات ه وامكانات ه واجتاهات ه الثقافي ة واالجتماعي ة‬

‫‪116‬‬
‫والنفس ية وإذا كان ت األندي ة ترك ز عل ي الناحي ة الرياض ية ف إن انط الق الطاق ة اجلس مية خ الل ممارس ة لعب ة معين ة ت ؤدي إيل‬

‫االس تقرار النفس ي والع اطفي كم ا أن التع اون ب ني األعض اء خيل ق عالق ات إنس انية س وية ت ؤدي إيل تقوي ة بع ض الق يم اخللقي ة‬

‫واالجتماعية كحب اجلماعة والوالء هلا ‪( .‬نفس املرجع‪)428،‬‬

‫الفصل الخامس‪ :‬النظام التربوي في الجزائر‪:‬‬


‫‪-1‬لمحة تاريخية عن تطور النظام التربوي في الجزائر‪.‬‬
‫‪-1‬ـ‪ -1‬قبل االحتالل الفرنسي للجزائر (قبل ‪.)1839‬‬
‫إن التعليم يف مرحلة ما قبل االحتالل الفرنسي للجزائر كان تعليما مزدهرا تتكفل بتمويله فئات الشعب اجلزائري بكل‬
‫الوسائل واآلليات املتوفرة‪ ،‬سواء من هبات وعطايا أو الوقف اإلسالمي أو الصدقات املمولة من الزكاة‪ ،‬تقدم لدور العلم‬
‫والعبادة يف املساجد والزوايا والكتاتيب‪َ ،‬ل يكن األتراك ينظمون العملية التعليمية يف اجلزائر‪ ،‬بل كانت مرتوكة للعمل‬
‫اجلمعوي إن جاز التعبري‪ ،‬لكنهم َل يعرقلوا نشر العلم وَل يقفوا يف وجه من يتصدر لذلك بل كان هناك تشجيع يف فرتات‬
‫معينة من خالل إكرام أهل العلم يف املناسبات الرمسية‪َ ،‬ل يكن العثمانيني يف اجلزائر سياسية للتعليم‪ ،‬وال خطة رمسية‬
‫لتشجيعه والعناية بأهله وتطويره وتوجيهه وجهة ختدم املصاحل اإلسالمية العليا من جهة واملصاحل الوطنية اجلزائرية من جهة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫فحب التعليم كان نابعا من التمسك بالدين لدى الفرد اجلزائري‪ ،‬فحث الدين على طلب العاَل كان دافعا قويا للجزائريني‬
‫لتحصيل العلمي‪ ،‬وَل يقتصر التعليم على الذكور فقط‪ ،‬بل امتد لتعليم اإلناث ودوما حتت غطاء الدين وتوجيهه رغبة يف‬
‫تعلم الفرائض والقرآن الكرمي من أجل إقامة الشعائر اإلسالمية بصورة صحيحة‪.‬‬
‫فالتعليم كان قبل كل شيء لرفع األمية واستجابة لدعوة الدين يف طالب العلم ومعرفة الفروض وليس ألغراض أدبية أو‬
‫اجتماعية‪ ،‬وقد ذكر السيد شيلر الذي عاش يف اجلزائر أكثر من مخسة عشر سنة أن يف اجلزائر مدارس خاصة لتعليم البنات‬
‫َل يشهدها هو لكن الناس حدثوه عنها وأن النساء هن الاليت يدرن هذه املدارس‪( .‬أبو القاسم سعداهلل‪،8998،‬ص‪)342‬‬
‫واإلحصائيات واألرقام املوثقة تدل على هذه احلقيقة يف مدينة قسنطينة فقط كان يوجد هبا عام ‪ 8136‬أي قبل احتالهلا‬
‫‪ 69‬كتابا ومدرسة قرآنية يرتدد عليها حوايل ‪ 8351‬طفال وطفلةكما قدرت الكتاتيب والزوايا يف اجلزائر سنة ‪ 8168‬حبوايل‬
‫‪ 4111‬بني زاوية وكتاب‪ ،‬موزعة على القطر اجلزائري مشاال وجنوبا‪ ،‬تقدم لتعليم ‪ 41111‬تلميذ تقريبا‪ ،‬فكانت يف قسنطينة‬

‫‪117‬‬
‫مثال ‪ 91‬مدرسة حتتوي على ‪ 8211‬تلميذ سنة ‪ ،8163‬وسكاهنا قدروا حبوايل ‪ 42111‬نسمة يف نفس السنة حسب‬
‫اإلحصائيات الرمسية‪ ،‬كان يف نواحي تلمسان ‪ 21‬زاوية والعاصمة ‪ 811‬مدرسة لتعليم القراءة والكتابة واحلساب‪.‬‬
‫(بوفلجة غياث‪،8993،‬ص‪)41‬‬
‫أما مصادر التكوين يف اجلزائر لتخريج العلماء قبل االحتالل الفرنسي فقد تباينت إىل ثالث مصادر للتكوين ذكرها أبو‬
‫القاسم سعد اهلل هي‪:‬‬
‫أ‪ -‬المدرسة الجزائرية‪:‬‬
‫ومتثلها املساجد والزوايا مبا تقدمه من دروس يف جماالت خمتلفة‪ ،‬لعل أبرزها حتفيظ القرآن الكرمي والنحو والبالغة والتفسري‬
‫‪ ....‬اخل‪ .‬من العلوم ذات الصلة بالقرآن الكرمي والسنة النبوية املطهرة‪.‬‬
‫ب‪ -‬المدرسة المزدوجة الجزائرية اإلسالمية‪:‬‬
‫وهي املدرسة اليت جيمع فيها الطالب بني تكوينه يف اجلزائر ومن مث االلتحاق باملعاهد واملدارس العربية إلكمال الدراسة مث‬
‫العودة للجزائر ملباشرة العمل الوظيفي‪ ،‬كمثال على ذلك جامع الزيتونة واألزهر الشريف اللذين كانا يقصدمها الكثري من طلبة‬
‫العلم من اجلزائريني وبعض املعاهد يف الشام واحلجاز‪.‬‬
‫ج‪ -‬المدرسة اإلسالمية عموما‪:‬‬
‫وهذه املدرسة جاءت هبا طائفة من علماء املسلمني الذين َل يكونوا جزائريني يف األصل ولكنهم استوطنوا اجلزائر وتولوا فيها‬
‫وظائف خمتلفة كاإلفتاء واإلمامة وسامهوا هم أيضا يف عمليات التكوين‪( .‬أبو القاسم سعداهلل‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪)394‬‬
‫فالتعليم يف تلك الفرتة وبشهادة احملتل نفسه الذي يقر بأن حالة التعليم يف اجلزائر يف بداية االحتالل كانت أفضل من حالته‬
‫يف جنوب أوربا‪ ،‬أما فيما خيص األمية فاجلزائر يف ذلك العهد كانت أفضل من فرنسا ذاهتا وهذا بشهادة اجلنرال ولسن استر‬
‫هازي أن اجلزائريني الذين حيسنون القراءة والكتابة كانوا يف ذلك العهد أكثر من الفرنسيني الذين كانوا يقرؤون ويكتبون وأن‬
‫‪ %25‬من الفرنسيني كانوا أميني حينذاك وأن اجلزائر احتلها جنود فرنسيون من طبقة جاهلة متام اجلهل‪.‬‬
‫جيب علينا أن نعرتف احرتاما للحقيقة أن املسلمني يف إفريقيا الشمالية رغم اخنفاض مستوى العلوم فيها وقلة الكتب كانوا‬
‫يولون مسائل الرتبية والتعليم عناية هلا قيمتها‪ ،‬أما إيفون توران فقد ذكرت يف كتاهبا "املواجهة الثقافية يف اجلزائر املستعمرة"‬
‫عن دوماس قوله‪ " :‬إن التعليم االبتدائي كان كثري االنتشار باجلزائر أكثر مما نعتقد عادة‪ ،‬أن عالقتنا باألهايل يف املقاطعات‬
‫الثالث أثبتت أن متوسط األفراد من الذكور حيسنون القراءة والكتابة"‪( .‬الطاهر زرهوين‪ ،8992،‬ص‪)82‬‬

‫‪118‬‬
‫فالفرتة اليت سبقت احملتل كانت فرتة مضيئة يف تاريخ الرتبية والتعليم يف اجلزائر رغم ما اعرتاها من نقائص نابعة عن قدم وجود‬
‫خطة مدروسة وأهداف حمددة‪ ،‬ولكن على األقل على الصعيد الشخصي لألفراد كانت نسبة األمية يف حدودها املتدنية‪،‬‬
‫حيث نسبة األمية يف اجلزائر عند دخول احملتل قدرت ب ‪ %5‬فقط‪ ،‬وكتب عن ذلك الرحالة األملاين فيلهم شيمبرا حني زار‬
‫اجلزائر يف شهر ديسمرب ‪ 8138‬يقول‪ " :‬لقد حبثت قصدا عن عريب واحد يف اجلزائر جيهل القراءة والكتابة‪ ،‬غري أين َل أعثر‬
‫عليه يف حني أنين وجدت ذلك يف بلدان جنوب أوربا"‪( .‬أبو القاسم سعداهلل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪)394‬‬
‫‪ -2-1‬أثناء االحتالل الفرنسي (‪:)1062/1839‬‬
‫تعترب الفرتة اليت قضاها االحتالل الفرنسي يف اجلزائر أقسى أنواع االحتالل يف العاَل‪ ،‬حيث مارس فيها احملتل كل أنواع‬
‫السياسات اليت يرى فيها القدرة على إخراج الشعب من هويته وإلباسه ثوبا غري ثوبه‪ ،‬ترغيبا حينا وترهيبا أحيانا‪ ،‬كل هذا‬
‫حيدث وفق خطة ممنهجة يساهم يف وضعها ثلة من املفكرين واملنظرين يساعدهم على تنفيذها جيش من األعوان حتت‬
‫مظالت عديدة لتربير األفعال اليت يقومون هبا تارة‪ ،‬حتت غطاء الدين ومرة أخرى من أجل احلضارة ولنشر العلم والتنوير‪،‬‬
‫لكن ما يؤكد ذلك هو ما مت تسجيله على أرض الواقع ال ما يتفوه به ساستهم وقادهتم ولعل يف التصريح الذي جاء على‬
‫لسان الكاردينال الفيجري (‪ )8194-8145‬وهو يقول سنة ‪" :8129‬علينا أن خنلص هذا الشعب من قرآنه وعلينا أن‬
‫نعتين على األقل باألطفال لتنشئتهم على مبادئ غري اليت شب عليها أجدادهم‪ ،‬فإن من واجب فرنسا تعليمهم اإلجنيل أو‬
‫طردهم إىل أقاصي الصحراء بعيدين عن العاَل املتحضر"‪.‬‬
‫إن هذا التصريح الواضح الذي ال لبس عليه يربز بصورة جلية لكل متتبع النوايا احلقيقية لالحتالل الفرنسي للجزائر‪ ،‬وهذا ما‬
‫جتسد فعليا من خالل خططهم يف جمال الرتبية والتعليم واليت سنتعرض هلا بشيء من التفصيل‪.‬‬
‫إن نسبة األمية يف اجلزائر غداة دخول احملتل كانت يف حدود ‪ %15‬غري أن األرقام من أجل التنوير ونشر احلضارة األوروبية‬
‫املزعومة صارت وضعية التعليم يف اجلزائر وهذا بشهادة اجلنرال الفرنسي دوماس الذي قال سنة ‪ 8918‬أي بعد حوايل ‪61‬‬
‫سنة من االحتالل "أن نسبة املتعلمني من األهايل ال تتعدى ‪ ،%3.1‬وبعد قرن من االحتالل أصبح أصبحت نسبة األميني‬
‫يف اجلزائر ‪ %94.4‬بني من ترتاوح أعمارهم من ‪ 15‬إىل ‪ 81‬سنة‪ ،‬و‪ %91‬بني ما جتاوزت أعمارهم مثانني عاما‪ ،‬وتشرد‬
‫أكثر من مليون ونصف املليون طفل جزائري يف الشوارع وهم يف سن الدراسة ألهنم َل جيدوا املكان وال من ينفق عليهم‪.‬‬
‫(الطاهر زرهوين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪)33‬‬

‫‪119‬‬
‫‪ -‬أهداف السياسة التعليمية للمحتل في الجزائر‪:‬‬
‫لقد وضع احملتل الفرنسي أهدافا أساسية لسياسة التعليمية يف اجلزائر تتمثل يف القضاء على الشخصية الوطنية اجلزائرية بكل‬
‫أبعادها ومقوماهتا األساسية متهيدا لدجمها يف اجملتمع الفرنسي من خالل مناداته باجلزائر فرنسية‪ ،‬ولن يتحقق له ذلك إال من‬
‫خالل سلخ هذا الشعب من جذوره كما دعا لذلك الكاردينال الفيجري‪ ،‬فتم وضع آلية لتحقيق ذلك تتجسد يف نقطتني‬
‫هامتني مها‪:‬‬
‫‪-‬الفرنسة‪ :‬أي جيب فرنسة الشعب حبيث ينسى لغته األصلية ويصبح ال يفكر إال بلغة الغالب احملتل‪.‬‬
‫‪-‬التنصير‪ :‬من خالل احلركات التبشريية إلبعاد الشعب عن مقومه الثاين اهلام وهو اإلسالم‪ ،‬فباعتناقه املسيحية يسهل فصله‬
‫عن ماضيه وحضارته األصلية‪.‬‬
‫حيث مت تأسيس مدارس دينية مسيحية ابتداء من سنة ‪ 8161‬يسريها مسيحيون وتركزت هذه املدارس يف مناطق القبائل‬
‫اجلزائرية‪ ،‬حيث سجل مننها ‪ 48‬مدرسة مسرية من طرف اآلباء يدرس هبا حوايل ‪ 8139‬تلميذ‪ ،‬كمما مت فتح مدارس يف‬
‫كل من البيض وأوالد سيدي الشيخ وورقلة قصد التمسيح وجتريد بعض النواحي من العربية واإلسالم‪( .‬نفس املرجع‪،‬ص‪)82‬‬
‫لقد خاض احملتل حربا شرسة على مؤسسات التعليم القائمة يف اجلزائر منذ دخوله أرض اجلزائر‪ ،‬حيث مت غلق وحماربة التعليم‬
‫العريب بكل أشكاله‪ ،‬فلم تسلم الزوايا وال املدارس وال املساجد والكتاتيب‪ ،‬فاالستيالء على املؤسسات وحماربة مصادر متويلها‬
‫مت بطريقة منظمة من خالل مصادرة األوقاف اإلسالمية‪ ،‬واالستيالء على املؤسسات اليت تقدم خدمات تعليمية للمواطنني‪،‬‬
‫وتدمري الكثري منها حتت حجج واهية وحتويل البعض منها إىل مقرات إدارية وعسكرية للمحتل‪ ،‬حيث عملت على تدمري‬
‫الكثري من تلك املؤسسات بأن أقامت عليها مشاري ع عمرانية وعسكرية‪ ،‬ونذكر من املثال ما حدث يف مدينة قسنطينة ويف‬
‫زاوية التلمساين اليت حولت إىل مقر للهندسة العسكرية‪ ،‬مث إىل مركز تبشريي للراهبات‪ ،‬وسيدي بومعزة الذي كان يلقي فيه‬
‫الشيخ عبد احلميد بن باديس دروسا خصوصية قبل تأسيس مجعية الرتبية والتعليم‪ ،‬ومن املؤسسات املندثرة أيضا عمر الوزان‬
‫اليت هي مسرح بلدي اآلن ‪ ...‬اخل‪ ،‬والكثري من املعاَل التارخيية والثقافية اليت مت االستيالء عليها وختريبها من طرف املستعمر‬
‫للقضاء على اهلوية الوطنية‪.‬‬
‫كما سن قوانني متنع فتح املدارس التعليمية إال بعد طلب رخصة من السلطات احملتلة أيضا مت التضييق على املعلمني‬
‫اجلزائريني واعتبارهم خطرا حمدقا بالسياسة التعليمية الفرنسية ودفعهم للهجرة وترك الوطن‪ ،‬مما حيقق لفرنسا انتشار اجلهل‬
‫واألمية بني أفراد اجملتمع خدمة ملصاحلها‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫وَل تكتف فرنسا بتحرمي فتح املدارس يف اجلزائر من قبل اجلزائريني‪ ،‬بتضييقها عليهم وعدم منح الرخصة هلم‪ ،‬بل حاربتهم يف‬
‫عقيدهتم وذلك من خالل منعهم من فتح املدارس القرآنية بدون رخصة أيضا‪ ،‬ألهنا تنبهت أن سر احملافظة على اللغة العربية‬
‫واإلسالم تتكفل به بشكل واضح الكتاتيب والزوايا املنتشرة يف أرجاء البالد‪.‬‬
‫والمتصاص غضب األهايل كما يصفهم احملتل وحتت وطأة االحتجاجات مت مبوجب املرسوم الصادر يف ‪8151/16/82‬‬
‫إنشاء املدارس الفرنسية يف كل من اجلزائر‪ ،‬قسنطينية‪ ،‬وهران‪ ،‬عنابة‪ ،‬مستغامن هبدف تكوين مرشحني للوظائف املدنية‬
‫والقضائية والتعليمية واإلدارية‪ ،‬لكن هذه املدارس َل تكن خلدمة الشعب اجلزائري‪ ،‬بل كانت ألهداف استعمارية حبتة‪ ،‬صرح‬
‫هبا احملتل‪ ،‬كما ذهب إىل ذلك أحد الفرنسيني بأن " اهلدف املنشود ليس تكوين موظفني خاصني وال حتضري مدرسني للتعليم‬
‫العمومي‪ ،‬وإمنا تكوين رجال بتأثريهم على إخواهنم يساعدوننا على حتويل اجملتمع العريب وفق متطلبات حضارتنا‪.‬‬
‫(الطاهر زرهوين‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪)82‬‬
‫َل يكتف االحتالل الفرنسي هبذا نتيجة لصمود اجلزائريني يف وجه التغريب واهليمنة الفرنسية وحتصنهم بدينهم وذودهم عن‬
‫لغتهم مبا استطاعوا من قوة‪ ،‬فك انت الكتاتيب والزوايا هي املالذ اآلمن للحفاظ على اللغة والتعاليم اإلسالمية من أن‬
‫تضمحل وتزول إال أن احملافظة على اللغة العربية وصون تعاليم اإلسالم يف نفوس ووجدان اجلزائريني كان هو الغالب‪.‬‬
‫لقد عمدت فرنسا على إنشاء نوعني من املدارس الفرنسية والعربية كما يسموهنا‪ ،‬فاألوىل ألبناء احملتلني والثانية ألبناء األهايل‪،‬‬
‫طبقا للمرسوم الصادر يف ‪ 83‬فيفري ‪ ، 8113‬والذي يسعى إىل تنظيم التعليم يف اجلزائر‪ ،‬فكانت هذه املدارس هتدف إىل‬
‫استقطاب عينة من أبناء اجلزائريني لتكوينها وفقا للمناهج املعدة من قبل احملتل‪ ،‬واليت تدرس باللغة الفرنسية‪ ،‬رغم أن املدارس‬
‫أعدت من أجل املواطنني األصليني‪ ،‬حيث نص هذا القانون على أن العربية لغة اختيارية واعتبارها لغة أجنبية‪.‬‬
‫أما الفرنسة فهي اللغة األم والبد من تعلمها وإتقاهنا‪ ،‬أما التعليم الثانوي فلم يكن بعيدا عن هذه الدوائر اليت تستهدف‬
‫الشعب اجلزائري يف هويته‪ ،‬بل كان التعليم الثانوي حكرا فقط على من ترضى عنهم اإلدارة الفرنسية‪ ،‬فال ميكن االلتحاق‬
‫بالثانويات إال ملن هم يف كنف احملتل‪ ،‬أما بقية الشعب فالتعليم االبتدائي يعترب أقصى ما ميكن الوصول إليه‪ ،‬ولذلك خلدمة‬
‫املصاحل الفرنسية بتوجيه الشباب اجلزائري إىل ختصصات وأعمال يكون احملتل يف حاجة إليها‪.‬‬
‫لقد كان السكان الوافدون مع احملتل وال نسميهم معمرين متشددون حيال نشر التعليم بني صفوف اجلزائريني‪ ،‬حىت وإن كان‬
‫حتت غطاء التبشري ألن يف نظرهم تعلم اجلزائري يؤدي إىل الوعي‪ ،‬ومن مث املشاركة يف السلطة والنفوذ هلذا احملتل وإن كان‬

‫‪121‬‬
‫البد من تعليمهم فيجب أن يتعلموا حرفا‪ ،‬لذلك كانوا ينادون دوما باملدرسة الفالحية اليت هتيأ هلم كفاءات تساعدهم يف‬
‫استغالل خريات البالد وهنبها‪.‬‬
‫إن الشعب اجلزائري كما سبق اإلشارة إليه قاوم كل مظاهر التغريب من خالل املساجد والكتاتيب والزوايا‪ ،‬خالل القرن‬
‫الت اسع عشر‪ ،‬لكن مع مطلع القرن العشرين وبداية تشكل وعي جديد بضرورة القيام بأعمال لفائدة هذا الشعب الذي قاوم‬
‫أشرس قوة يف العاَل يف ذلك الوقت‪ ،‬فكان النضال متوجها على كافة األصعدة السياسية واالجتماعية والرتبوية‪ ،‬ولعل أبرز ما‬
‫ميز النشا الرتبوي واإلصالحي يف العقد الثالث من القرن املاضي هو تأسيس مجعية العلماء املسلمني اجلزائريني‪ ،‬كجمعية‬
‫إصالحية تربوية تعمل على ترسيخ ثوابت األمة والدفاع عنها‪ ،‬تأسست مجعية العلماء املسلمني اجلزائريني يوم الثالثاء ‪86‬‬
‫ذي احلجة ‪8329‬ه املوافق للخامس من ماي ‪8938‬م‪ ،‬يف نادي الرتقي بالعاصمة‪،‬إثر دعوة وجهت إىل كل عاَل من‬
‫علماء اإلسالم يف اجلزائر من طرف هيئة مؤسسة مؤلفة من أشخاص حياديني ينتمون إىل نادي الرتقي حىت ال يثري ذكرهم‬
‫حساسية أو شكوى لدى احلكومة الفرنسية‪ ،‬ومت اإلعالن عن طبيعة اجلمعية كجمعية دينية هتذيبية تعمل على خدمة اجملتمع‬
‫وهي غري سياسية‪( .‬حممد خري الدين‪،8915،‬ص‪)812‬‬
‫انطلقت اجلمعية من خالل رجاهلا بالتوعية يف صفوف الشعب اجلزائري من خالل اخلطب والدروس اليت كان يشرف عليها‬
‫ثلة من العلماء التابعني للجمعية‪ ،‬وإميانا منها بدور املسجد يف حياة املسلم‪ ،‬فقد ركزت اجلمعية على التعليم املسجدي‬
‫وذلك من خال ل تقدمي دروس الوعظ واإلرشاد للكبار‪ ،‬وتعليم وحتفيظ القرآن الكرمي للصغار‪ ،‬ناهيك عن فتح النوادي‬
‫الثقافية من أجل إلقاء احملاضرات وإقامة الندوات الفكرية وامللتقيات ينشطها مفكرون وأدباء وعلماء الشريعة لنشر الوعي بني‬
‫صفوف اجلزائريني‪ ،‬كما مت تأسيس املدارس احلرة التابعة للجمعية والدور املكلفة بالتدريس والتكوين السياسي على حب‬
‫الوطن والتضحية من أجله‪ ،‬فكانت هلذه املدارس املنتشرة يف أحناء اجلزائر بالغ األثر يف نشر املزيد من الوعي بني صفوف‬
‫اجلزائريني‪ ،‬اجتاه قضيتهم الوطنية‪ ،‬كما مت إنشاء الصحف للتعبري عن أفكار وآراء اجلمعية فيما خيص الوطن واألمة اإلسالمية‬
‫مجعاء‪ ،‬إميانا منها بضرورة التواصل مع الشعب لنشر الوعي بثوابت األمة‪ ،‬ولعل شعار اإلمام ابن باديس "اجلزائر وطننا‪،‬‬
‫العربية لغتنا‪ ،‬اإلسالم ديننا" كان من بني الشعارات املعربة واملؤثرة يف نفوس اجلزائريني للحفاظ على هويتهم الوطنية‪ ،‬كما‬
‫ثابر أعضاء اجلمعية للدفاع عن ثوابت األمة وضرورة أن يرىب أبناؤنا تربية صحيحة على قيمنا ومبادئ عقيدتنا اليت ال ميكن‬
‫التنازل عنها‪ ،‬ولعل التحذير الذي نشره الشيخ البشري اإلبراهيمي يف جريدة البصائر العدد ‪ 25‬لسنة ‪ 8929‬معرب بصدق‬

‫‪122‬‬
‫عن أهداف ومبادئ اجلمعية تربويا حيث يقول منبها احلكومة "إن هذه األمة رضيت ألبنائها سوء التغذية ولكنها ال ترضى‬
‫هلم أبدا سوء الرتبية‪ ،‬وأهنا صربت مكرهة على أسباب الفقر لكنها ال تصرب أبدا على موجبات الكفر"‪.‬‬
‫(حممد البشري االبراهيمي‪ ،8968،‬ص‪)436‬‬
‫‪ 3-1‬ـ ـ النظام التربوي بعد االستقالل‪1062( .‬إلى غاية اليوم)‬
‫للتغلب على مشاكل الرتبية واإلسراع يف بناء أركان الدولة‪ ،‬سارعت اجلزائر املستقلة يف البحث عن حلول سريعة ومن بني ما‬
‫تبنته من حلول أهنا أخذ التشريع املدرسي الذي كان معمول به قبل االستقالل فأخذت من النظام الرتبوي الفرنسي سن‬
‫بداية الدراسة يف املرحلة االبتدائية متتد فرتة ‪ 82-2‬سنة‪ ،‬وهي بعمر مثانية سنوات أي من السنة األوىل إىل السنة النهائية‬
‫الثانية اليت فيها يتقدم الطلبة المتحان القبول للسنة أوىل ثانوي –عام وتقين‪ -‬كما أنه اختذت تدابري لتغطية النقص الكبري يف‬
‫عدد اهلياكل التعليمية ومن هذه التدابري حتويل دور احلضانة إىل ما يشبه املدارس االبتدائية بعد أن ألغي القرار املؤرخ يف‬
‫‪ 8925/19/43‬دور احلضانة وهذه املرحلة كانت موجودة قبل االستقالل‪( .‬رابح تركي عمارة ‪ ،8918،‬ص‪)815‬‬
‫وإذا تكلمنا عن نقص املعلمني فهذا اجلانب هو اآلخر وجدت فيه مشاكل عديدة البد من حلها فقد كان البد أن يقوم‬
‫مبهمة التعليم بعد االستقالل ما يقارب ‪ 41.111‬معلم على أقل تقدير‪ ،‬إال أن اإلحصائيات بينت أن العدد وصل إىل‬
‫‪ 4211‬معلم إضافة إىل ألف معلم من أصل فرنسي‪ ،‬وهذا ما جعل الدولة تعتمد على خطط استثنائية منها‪:‬‬
‫‪-‬التوظيف املباشر ملن له مستوى مقبول من التعليم باللغتني الفرنسية والعربية‪.‬‬
‫‪ -‬اللجوء إىل التعاون الثقايف بني الدول خاصة تزويد اجلزائر مبعلمني من الشرق واملغرب العريب‪.‬‬
‫‪ -‬عقد تعاون ثقايف مع فرنسا لتزويد اجلزائر مبا يلزم من املعلمني إذ بلغ عدد املعلمني الفرنسيني حوايل ‪ 6298‬معلم فرنسي‪.‬‬
‫ورغم أن العدد وصل إىل ‪ 82112‬معلم إال أن عددا من التالميذ بقوا من دون معلم‪ ،‬فسارعت عدة مؤسسات تعليمية إىل‬
‫استعمال نظم بيداغوجية خاصة‪ ،‬كتجميع األفواج يف فوج واحد أو التناوب على حجرة دراسية عدة مرات يف اليوم‪ ،‬كذلك‬
‫التخفيف من احلجم الساعي واملقرر كله‪ ،‬وجعل معلم واحد يشرف على عدة أفواج دراسية‪ ،‬أما وضعية احلجرات الدراسية‬
‫فقد وصفها الباحثون واملهتمون بالقطاع بأهنا خطرية‪ ،‬فقد استعملت الثكنات العسكرية واملراكز واحملتشدات واملساكن‬
‫املدرسية وحىت احملالت التجارية وأحيانا املساجد يف بعض املناطق‪ ،‬هذه األماكن كانت تفتقر يف كثري من األحيان إىل‬
‫الشرو البيداغوجية الصحيحة للتعليم السليم كاإلنارة والتهوية واملساحة املخصصة لكل طفل‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫زد إىل ذلك املشاكل اليت جنمت عن إنشاء وزارة فتية سنة ‪ 8924‬مبوجب مرسوم رقم ‪ 81/24‬املؤسس للحكومة األوىل‬
‫واملؤرخ يف ‪ 8924/19/46‬ومن هذه املشاكل‪ :‬هيكلتها وتلبية حاجاهتا وحتديد طريقة عملها وتزويدها باإلطار والكفاءات‬
‫ذات اخلربة ‪ ..‬اخل‪ ،‬كما أنه البد منذ كر املشاكل اليت أتى هبا املساعدون العرب الذين جاؤوا لتعليم اجلزائريني فهم َل يكونوا‬
‫كلهم يف املستوى الثقايف والتكويين الكايف فأغلب املعلمني العرب كانوا مساعدين أو ممرنني مما كان لزاما على الوزارة الوصية‬
‫أن تتوىل تكوين هؤالء بواسطة برجمة دورات تكوينية يف املراكز الثقافية وإعطائهم دروسا مسائية أو تكوينا عن طريق املراسلة‬
‫أو الورشات الصيفية‪( .‬عبد الرْحان بن ساَل‪ ،4111،‬ص‪)82‬‬
‫وهي كلها إجراءات من أجل جعل الوافدين أكثر قربا من عادات وتاريخ الشعب اجلزائري‪ ،‬كذلك كان القصد من هذا كله‬
‫تعريف هؤالء املساعدين على خصائص ومميزات اجملتمع اجلزائري من الناحيتني الثقافية واالجتماعية حىت ال يعطوا التالميذ‬
‫معلومات ال تتماشى مع ذهنية الشعب كالدين والسياسة لذا فيمكن وصف واقع املنظومة الرتبوية بعد االستقالل بأنه كان‬
‫واقعا يضم‪:‬‬
‫‪-‬اخنفاض مستوى التمدرس عند اجلزائريني‪.‬‬
‫‪ -‬حاجة اجلزائر إىل إطارات فنية‪.‬‬
‫‪ -‬توفري قيادة وطنية حافظت على مستوى الوطنية مرتفعا حىت يعمل الشعب ويتغلب على الصعاب‪.‬‬
‫‪ -‬توفري اإلمكانيات املادية اليت هبا تبىن املنشآت واملرافق الرتبوية‪.‬‬
‫‪ -‬التعليم و مؤسساته في عهد االستقالل‪ :‬كان التعليم االبتدائي سنة ‪ 8924‬يف حالة يرثى هلا على غرار امليادين‬
‫األخرى‪،‬و اجلدير بالذكر أن نسبة االنتساب إليه كانت تقارب ‪ %41‬من جمموع التالميذ الذين بلغوا سن الدراسة‪ ،‬فقد‬
‫كانت مهمة املدرسة تتلخص يف تكوين ما حيتاج إليه االستعمار من مساعدين‪ ،‬وقد كان أول دخول مدرسي يف أكتوبر‬
‫‪ 8924‬اختذت وزارة الرتبية قرارا يقضي بإدخال اللغة العربية يف مجيع املدارس االبتدائية بنسبة سبع ساعات يف األسبوع‪ .‬وقد‬
‫مت توظيف ‪ 3254‬معلما للعربية و‪ 82251‬للغة األجنبية‪ ،‬منهم عدد من املرنني قصد سد الفراغ املدهش الذي أحدثه‬
‫عمدا أكثر من ‪81.111‬معلم فرنسي غادروا اجلزائر بصفة مجاعية‪.‬‬
‫وقد ورثت اجلزائر قلة هياكل االستقبال وقلة اإلطارات ومشكلة سيطرت اللغة الفرنسية واحنصار التعليم على مناطق وطبقات‬
‫دون أخرى‪ ،‬وقد عمدت السلطة اجلزائرية تعديالت خمتلفة منذ ‪ ،8924‬ومن اإلجراءات الفورية اليت اختذهتا اللجنة الوطنية‬
‫اليت عقدت اجتماعها األول يف ‪ 85‬ديسمرب‪ - 8924‬اجلزأرة‪ ،‬دميقراطية التعليم‪ ،‬التعريب‪ ،‬والتكوين العلمي و التكنولوجي‪.‬‬
‫واستمر تطبيق جمموع اإلجراءات السنة تلو األخرى‪ ،‬ففي أكتوبر‪8926‬طبق القرار القاضي بتعريب السنة الثانية االبتدائية‬

‫‪124‬‬
‫تعريبا كامال تدرس كل املواد املربجمة باللغة العربية وحدها بتوقيت ‪41‬ساعة أسبوعيا‪.‬‬
‫وميكن تلخيص النظام الرتبوي اجلزائري يف فرتتني‪( .‬كمال عبداهلل وعبداهلل قلي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪))826‬‬
‫*الفترة األولى(‪ :)1076-1062‬وهي فرتة انتقالية كان يسودها عدة نقائص‪ ،‬فاقتصرت على إدخال حتويالت تدرجيية‬
‫متهيدا لتأسيس نظام تربوي يساير متطلبات التنمية‪ ،‬ومن أولويات هذه الفرتة ‪:‬‬
‫‪ -‬تعميم التعليم بإقامة منشآت تعليمية وتوسيعها للمناطق النائية‪.‬‬
‫‪-‬جزأرة إطارات التعليم (أي إزالة آثار العناصر الدخيلة الوافدة من اجملتمعات والثقافات اليت ال متت بصلة للمجتمع‬
‫اجلزائري‪ ،‬كما يعين جزأرة نظام التعليم ومناهجه والبعد عن االستعارة من اجملتمعات األخرى‪ ،‬جزأرة اإلطارات غايتها‬
‫االعتماد على أبناء البالد من أهل االختصاص لتحقيق الكفاءة التعليمية)‪.‬‬
‫‪-‬كييف مضامني التعليم املوروثة عن النظام التعليمي الفرنسي‪.‬‬
‫‪-‬التعريب التدرجيي للتعليم‪.‬‬
‫وقد أدت هذه التدابري إىل ارتفاع نسبة املتمدرسني الذين بلغوا سن الدراسة‪ ،‬إذ قفزت من ‪ %41‬إبان الدخول املدرسي‬
‫األول إىل ‪ %61‬يف هناية هذه املرحلة‪.‬‬
‫*الفترة الثانية (‪ : )2992-1076‬ابتدأت بصدور أمر ‪ 35-62‬املؤرخ يف‪ 82‬أفريل ‪ 8962‬بتنظيم الرتبية والتكوين‬
‫باجلزائر‪ ،‬وأدخلت إصالحات على النظام لتتماشى و التحوالت االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬كما كرس الطابع اإللزامي وجمانية‬
‫التعليم‪ ،‬وتأمينه ملدة ‪ 9‬سنوات‪ ،‬قد شرع يف تعميم وتطبيق أحكام هذا األمر ابتداء من السنة الدراسية ‪-8911‬‬
‫‪(8918‬املدرسة األساسية)‪.‬‬
‫وقد عرفت املنظومة الرتبوية اجلزائرية خالل املوسم الدراسي ‪ 4112 - 4113‬تعديالت تتمثل يف‪:‬‬
‫‪-‬تنصيب السنة األوىل من التعليم االبتدائي ‪ ،4112 -4113‬وقد مت تغيري حمتويات بعض الكتب لنفس السنة يف‬
‫‪( 4115 - 4112‬كالرتبية اإلسالمية)‪.‬‬
‫‪-‬تنصيب السنة الثانية من التعليم االبتدائي ‪ ،4115-4112‬أضيفت إليها اللغة الفرنسية كلغة أجنبية أوىل‪ ،‬استعمال‬
‫الرتميز العلمي واملصطلحات العلمية‪ ،‬استعمال الوسائل التعبريية (العربية والفرنسية)‪.‬‬
‫‪-‬تنصيب السنة األوىل من التعليم املتوسط يف إطار اإلصالح التدرجيي والرتبوي (نظام األربع سنوات) ابتداء من املوسم‬
‫الدراسي‪ ،4112- 4113‬وظهور اللغة األمازيغية باعتبارها لغة وطنية‪.‬‬
‫أما التعليم الثانوي فعرف تعديالت يف هيكلته يف سنة ‪( .4112 - 4115‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪)821‬‬
‫أما التعليم العايل فقد عرف تعديالت على ضوء توصيات اللجنة الوطنية إلصالح املنظومة الرتبوية والتوجيهات املتضمنة يف‬
‫خمطط تطبيق اإلصالح الرتبوي الذي صودق عليه يف جملس الوزراء يوم ‪41‬أفريل ‪ ،4114‬سطرت وزارة التعليم العايل‬
‫والبحث العلمي كهدف اسرتاتيجي ملرحلة‪4183-4112‬إعداد ووضع أرضية إلصالح شامل للتعليم العايل ( )‪LMD‬‬

‫‪125‬‬
‫حبيث ميثل بنية العليم العايل املستلهمة من البنيات املعمول هبا يف البلدان االجنلوسكسونية‪ ،‬واملعممة يف البلدان املصنعة‪ ،‬متثل‬
‫هذه البنية حول ثالثة أطوار للتكوين يتوج كل منها بشهادة جامعية ‪:‬‬
‫‪-‬الطور األول بكالوريا‪ +‬ثالث سنوات‪ ،‬يتوج بليسانس(أكادميية‪-‬مهنية)‪.‬‬
‫‪-‬لطور الثاين بكالوريا ‪ +‬مخسة سنوات‪ ،‬يتوج ماجستري(أكادميية ‪-‬مهنية)‪.‬‬
‫‪-‬الطور الثالث بكالوريا ‪ +‬مثان سنوات‪ ،‬يتوج بدكتوراه‪.‬‬
‫وال تزال املنظومة الرتبوية اجلزائرية إىل حد اآلن جتري تعديالت على نظمها الرتبوية قصد التحسني من املردود الرتبوي والرفع‬
‫من مستواه‪.‬‬
‫املشاكل اليت تواجه املنظومة الرتبوية يف اجلزائر‪:‬‬
‫تعاين املنظومة الرتبوية من عدة مشاكل‪ ،‬وال ميكن إسناد مصدر هذه املشاكل إىل طرف دون آخر‪ ،‬ومن بني هذه‬
‫املشكالت‪:‬‬
‫*ضعف املستوى الدراسي‪.‬‬
‫*ارتفاع نسبة التسرب املدرسي‪.‬‬
‫*حصر الرتبية على املدرسة وغياب األولياء عنها‪.‬‬
‫*غياب منهجية علمية للتقومي‪.‬‬
‫*اكتظاظ األقسام مما يعرقل السري احلسن للدرس واستيعاب التالميذ‪.‬‬
‫*مشكالت مصدرها األستاذ نفسه‪.‬‬
‫*مشكالت مصدرها التلميذ‪.‬‬
‫*مشاكل مادية ومعنوية يعين منها الطرفني (معلم‪ ،‬متعلم)‪.‬‬
‫*نقص اإلمكانات املادية والوسائل البيداغوجية‪.‬‬
‫*نقص دراسات علمية ميدانية قبل إجراء تعديالت معينة‪.‬‬
‫*غموض سياسة التخطيط‪( .‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪)829‬‬
‫مفهوم النظام التربوي‪ :‬النظام الرتبوي يتضمن مجلة من القواعد والتنظيمات واإلجراءات اليت تتبعها الدولة لتسيري شؤون‬
‫الرتبية والتعليم‪ ،‬هتدف من وراءها للمحافظة على قيم ومبادئ األمة موجهة للنظام الرتبوي وفق هذه السياسات الرتبوية اليت‬
‫تعكس التوجهات العامة للمجتمع‪ ،‬وهذه النظم الرتبوية عامة هي انعكاس الفلسفة االجتماعية والسياسة السائدة "‬
‫(عبد اهلل الرشدان ونعيم جعنيين‪ ،4112،‬ص‪)356‬‬
‫فالنظام الرتبوي يعرب عن فلسفات تؤسس على ضوئها املناهج الرتبوية اليت تؤطر عملية التعليم على كافة املستويات‬
‫التنظيمية‪ ،‬فهي وحدة فنية اجتماعية مزودة جبملة من اإلجراءات ذات االستقالل الذايت يف نشاطاهتا املتفاعلة فيما بينها‬

‫‪126‬‬
‫خلدمة غرض حمدد يكون نابع من فلسفة اجملتمع والسياسة الرتبوية احملددة لذات الغرض ومؤسساته‪ ،‬مبا حتمله هذه‬
‫املؤسسات من روافد سوسيو ثقافية تعرب عن طموح وآمال الشعوب يف منظومتها الرتبوية‪.‬‬
‫إذا كان النظام قائما على أسس قيمية وعلمية فاعلة‪ ،‬انعكس ذلك على نوعية االنسان وكفاءته‪ ،‬ومن مث أدائه كعضو يساهم‬
‫إجيابيا يف تطوير جمتمعه وإنتاج حضارته والعكس صحيح‪ ،‬والنظام الرتبوي يف مفهومه العلمي هو نظام يتمون من العناصر‬
‫واملكونات والعالقات اليت تستمد م كوناهتا من النظام السوسيو ثقافية والسياسية واالقتصادية وغريها‪ ،‬ويتشكل النظام من‬
‫مستويني أساسيني مها املستوى البنائي الواصف للنظام‪ ،‬واملستوى الوظيفي الواصف لعملياته‪.‬‬
‫‪-8‬المستوى البنائي‪ :‬كليات من العناصر املتفاعلة تشكل عنصرا من عناصر النظام وتتفاعل فيما بينها ألجل أداء وظائف‬
‫معينة متكن من حتقيق الغايات البعيدة والقصرية املدى من وجود نظام ذاته‪.‬‬
‫‪-1-1‬بنيات سياسية تشمل وظيفة اختاذ قرارات السياسة التعليمية‪.‬‬
‫‪-2-1‬بنيات إدارية تدير شؤون النظام وتسريه‪.‬‬
‫‪-3-1‬بنيات بيداغوجية ختطط للربامج والطرق والوسائل او تنفذها او تقومها‪.‬‬
‫‪-2‬المستوى الوظيفي‪:‬‬
‫‪-1-2‬مستوى سياسي يشمل ختطيط الغايات وحتديد االختيارات‪.‬‬
‫‪-2-2‬مستوى اداري يشمل تسيري النظام وتدبري املوارد واخلدمات واصدار القرارات التنظيمية‪.‬‬
‫‪-3-2‬مستوى اداري يشمل عمليات التكوين والتأطري الرتبوي والتدريس‪.‬‬
‫( سند تكويين لفائدة مديري مؤسسات التعليم الثانوي واالكمايل‪ ،‬وحدة النظام الرتبوي ‪4115،‬ص‪)12‬‬
‫والنظام الرتبوي اجلزائري يسعى اىل حتقيق مجلة من املطالع والغايات السامية تضمنتها املواثيق الرمسية للدولة اجلزائرية السيما‬
‫ما جاء يف أمرية ‪82‬أفريل ‪ 8962‬املنتظمة تنظيم لرتبية والتعليم‪.‬‬
‫‪-‬غاياته‪:‬‬
‫أ‪-‬البعد الوطني‪ :‬أن اإلسالم والعروبة واألمازيغية هي مكونات األساسية هلوية األمة اجلزائرية اليت تكرس أصالتها ويتعني على‬
‫املنظومة الرتبوية أن تعمل على ترسيخها والنهوض هبا لضمان الوحدة الوطنية واحملافظة على الشخصية الوطنية‪.‬‬
‫ب‪-‬البعد الديمقراطي‪ :‬يتجلى هذا البعد يف التوجهات اجلديدة للبالد الرمية اىل بناء نظام دميقراطي يعمل على نشر الثقافة‬
‫الدميقراطية قيما وسلوكا‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫ج‪-‬البعد العلمي والتكنولوجي‪ :‬ينبغي إعادة تأكيد االختيار العلمي والتقين كأحد األسس اليت تقوم عليها املدرسة‬
‫اجلزائرية‪ ،‬غري ان ه ذا البعد جيب ان يتجسد علميا من خالل ختصيص توقيت مناسب للمواد العلمية والتكنولوجية خاصة يف‬
‫أطوار التعليم األساسي‪.‬‬
‫د‪-‬البعد العالمي‪ :‬جيب على النظام الرتبوي أن يتفاعل مع مستجدات العلمية مما يتطلب حتديث املناهج معصرنة الوسائل‬
‫قصد االسهام يف التنمية املستدمية واالشراك يف بناء سرح الرتاث اإلنساين مبراعاة االمتداد املغاريب والعريب اإلسالمي والتعايش‬
‫السلمي اإلجيايب وحقوق االنسان والتعاون الدويل واالحرتام املتبادل بني األمم‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪)11‬‬
‫‪-‬مرجعيته‪ :‬لقد استلهمت الدولة اجلزائرية مالمح هذه املنظومة من األصالة احلضارية لألمة ومن خمتلف املواثيق الرمسية اليت‬
‫منها‪:‬‬
‫‪-‬نداء أول نوفمرب‪.8952‬‬
‫‪-‬مؤمتر الصومام ‪ 41‬أوت‪.8952‬‬
‫‪-‬مؤمتر طرابلس جوان‪.8924‬‬
‫‪-‬امليثاق الوطين ‪.8962‬‬
‫‪-‬امليثاق الوطين ‪.8912‬‬
‫‪-‬الدساتري اجلزائرية منذ‪ 8924‬اىل يومنا هذا‪.‬‬
‫‪-‬أمرية ‪ 82‬أفريل ‪8962‬واملراسيم التابعة هلا‪( .‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪)81‬‬

‫‪128‬‬
‫الخاتمة‪:‬‬
‫إن الرتبية عملية فردية اجتماعية تتعامل مع فرد يف جمتمع تنقل إليه معارف ومهارات ومعتقدات ولغة اجلماعة من جيل‬

‫إيل جيل واإلنسان هو موضوع الرتبية تعين بسلوكه وتطويره ولكن ليس مبعزل عن اجلماعة ألن الذات اإلنسانية ال تتكون إال‬

‫يف جمتمع إنساين وبقدر ما يتوافر للرتبية من وضوح وعمق يف املفاهيم واألسس اليت تستند إليها تكون قوهتا وفعلها يف حياة‬

‫األمم والشعوب ويف اجتاهات األفراد ويف العالقات املختلفة ويف جماالت العمل املتعددة ونظرا هلذه األمهية للرتبية باعتبارها‬

‫مسألة حيوية الزمة وضرورة اجتماعية فلقد زاد اهتمام الناس هبا واشتدت احلاجة إيل دراستها والتعرف علي أبعادها ومن مث‬

‫كان ضروريا بالنسبة لدارس الرتبية وممارسها يف املستقبل أن يتعرف علي طبيعة هذه العملية ماهيتها وجوانبها املختلفة‬

‫وضرورهتا ‪،‬ميكن القول أن هدف الرتبية األساسي هو أنسنة اإلنسان أي جعله خملوقا إنسانيا يعيش يف جمتمع ضمن إطار‬

‫اجتماعي حيتوي علي تقاليد ونظم وقيم ومعايري وأفكار خاصة به ‪،‬والعملية الرتبوية تكسب الفرد حضارة املاضي ومتكنه من‬

‫املشاركة يف ممارسة حضارة احلاضر وهتيئة للتطوير وإضافة واخرتاع وتقدم حضارة املستقبل ‪،‬إهنا عملية تسهم وتشارك وتدفع‬

‫عجلة الزمن للبقاء إهنا حتصيل فرد يف تراث اجلماعة وتراث مجاعة ينتقل بواسطة فرد‪ ،‬فالرتبية وسيلة وهدف طريقة وغاية تبدأ‬

‫مع بدأ احلياة وال تنتهي رغم هناية حياة األفراد ألهنا اجتماعية ختص اجملتمع كما ختص كل فرد فيه هي راية تسلمها اجليل‬

‫احل اضر من اجليل املاضي وسيسلمها اجليل احلايل إيل األجيال القادمة هي عملية اجتماعية رغم كوهنا من العلوم التطبيقية‬

‫فهي جهد اجتماعي ميارس يف اجملتمع ويطبق علي مر األجيال ‪.‬‬

‫حترص الرتبية احلديثة على حتقيق التوازن يف بناء شخصية الطفل وتستهدف كل ابعاده الشخصية واجلسمية واحلركية والذهنية‬

‫والوجدانية واالجتماعية‪ ،‬أو كل االبعاد جمتمعة‪ ،‬وقد متارس الرتبية بشكل غري مباشر وال تعرف آثرها إال من خالل البحث‬

‫وربطها بالتجليات السلوكية للمتعلم‪ ،‬حيث توسع جمال حبث الرتبية وأصبحت تعىن جبميع املراحل العمرية مما فرض تكوين‬

‫أطر تعليمية‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫والرتبية ليست موضوعا مفردا بل هي حقل تتفاعل فيه (السياسة الرتبوية‪ ،‬القرارات‪ ،‬التخطيط‪ ،‬تنظيم‪ ،‬تعليم ‪ ،)..‬وتساهم‬
‫يف تكوين كفاءات تربوية تشتغل ضمن بىن وهياكل متنوعة خاضعة يف اشتغاهلا وتنظيمها لقواعد وقوانني حم ّددة‪ ،‬ويستفيد‬
‫املتعلمون من اشتغال هذه املكونات وتظافرها من أجل تكوين مواطن الغد القادر على التفاعل مع حميطه االجتماعي‪،‬‬

‫‪131‬‬
‫قائمة المراجع‪:‬‬
‫‪-8‬إبراهيم مصطفى إبراهيم‪ ،‬الفلسفة احلديثة من ديكارت إىل هيوم‪ ،)4111( ،‬دار الوفاء للنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪.‬‬

‫‪-4‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،)8996( ،‬دار صادر‪ ،8 ،‬ج‪ ،8996 ،2‬بريوت‪.‬‬
‫‪-3‬أبو القاسم سعد اهلل‪ ،‬تاريخ اجلزائر الثقايف‪ ،)8998( ،‬الشركة الوطنية للنشر والتوزيع‪ ،‬اجلزائر‪.‬‬
‫‪-2‬أبو ريان حممد علي‪ ،‬تاريخ الفكر الفلسفي‪ ،‬الفلسفة احلديثة‪ ،)8992( ،‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪-5‬بشار مالك سلمان‪ ،‬فلسفة جون لوك وأبعادها الرتبوية‪ ،)4185( ،‬كلية الرتبية‪ ،‬جامعة دمشق‪ ،‬أعدت لنيل درجة‬
‫املاجستري يف أصول الرتبية‪ ،‬دمشق‪.‬‬

‫‪-2‬بن ساَل‪ ،‬املرجع يف التشريع املدرسي‪ ،3 ،)4111( ،‬املكتبة الوطنية ودار اهلدى‪ ،‬اجلزائر‪.‬‬
‫‪-6‬بوداود حسني‪ :‬تعليمية الفلسفة ملرحلة التعليم الثانوي يف اجلزائر‪-‬دراسة حتليلية –نقدية يف األهداف والربامج الدراسية‪،‬‬
‫أطروحة دكتوراه ‪ 4116-4112،‬جامعة اجلزائر‪ .‬ص ‪.52‬‬

‫‪-1‬بوفلجة غياث‪ ،‬الرتبية ومتطلباهتا‪ )8993( ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪.‬‬


‫توفيق الطويل‪ ،‬أسس الفلسفة‪ ،5 ،)8926( ،‬دار النهضة العربية‪.‬‬

‫‪-9‬جرادات عزت وآخرون‪ ،‬مدخل إىل الرتبية‪ ،3 ،)8912( ،‬املكتبة الرتبوية املعاصرة‪ ،‬عمان‪.‬‬
‫‪-81‬جون ديوي‪ ،‬تر‪ :‬أمني مرسي قنديل‪ ،)8955( ،‬احلرية والثقافة‪ ،‬مكتبة االجنلو املصرية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪-88‬احلاج أْحد علي‪ ،‬أصول الرتبية‪( ،‬ب ت)‪ ،‬دار املناهج للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪.‬‬

‫‪-84‬رابح تركي عمامرة‪ ،‬التعليم القومي والشخصية اجلزائرية‪ ،4 ،)8918( ،‬الشركة الوطنية للنشر‪ ،‬اجلزائر‪.‬‬
‫‪-83‬الرشدان عبد اهلل زاهي‪ ،‬الفكر الرتبوي اإلسالمي‪ ،8 ،)4111( ،‬مكتبة الفالح‪ ،‬الكويت‪.‬‬

‫‪-82‬رنا عبد اللطيف الشويعر وآخرون‪ ،‬الدور الرتبوي للمؤسسات الرتبوية (الرمسية وغري الرمسية) ملواجهة املشكالت‬
‫اجملتمعية‪ ،‬جامعة االمام حممد بن سعود اإلسالمية‪( ،‬ب ت)‪ ،‬السعودية‪.‬‬

‫‪-85‬سعيد التل وآخرون‪ ،‬املرجع يف مبادئ الرتبية‪( ،‬ب ت)‪ ،‬دار الشروق‪ ،8 ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪-82‬سهيلة حمن كاظم الفتالوي‪ ،‬املدخل إىل التدريس‪،8 ،) 4113( ،‬دار الشروق للنشر والتوزيع‪ ،‬األردن‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫‪-86‬صربي حممد خليل‪ ،‬مقدمة يف الفلسفة وقضاياها‪ ،)4115( ،‬جامعة اخلرطوم‪ ،‬اخلرطوم‪.‬‬

‫‪-81‬الطاهر زرهوين‪ ،‬التعليم يف اجلزائر قبل وبعد االستقالل‪ )8992( ،‬املؤسسة الوطنية للفنون املطبعية‪ ،‬اجلزائر‪.‬‬
‫‪-89‬الطراونة أخليف يوسف‪ ،‬أساسيات يف الرتبية‪ ،)4112( ،‬دار الشروق للنشر والتوزيع‪ ،‬رام اهلل‪.‬‬

‫‪-41‬عاطف صيفي‪ ،‬املعلم واسرتاتيجيات التعليم احلديث‪ ،8 ،)4119( ،‬دار أسامة للنشر والتوزيع‪ ،‬األردن‪.‬‬
‫‪-48‬عاقل فاخر‪ ،‬الرتبية قدميها وحديثها‪ ،)8919( ،‬منشورات جامعية‪ ،‬دمشق‪.‬‬
‫‪-44‬عامر طارق عبد الرؤوف‪ ،‬أصول الرتبية الثقافية واالجتماعية واالقتصادية‪ ،)4111( ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪-43‬عبد الراضي إبراهيم حممد عبد الرْحان‪ ،‬دراسات يف فلسفة الرتبية املعاصرة‪ ،8 ،)4114( ،‬دار الفكر العريب‪،‬‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫‪-42‬عبد الغين حممد إمساعيل العمراين‪ ،‬كتاب أصول الرتبية‪ ،)4182( ،‬دار الكتاب اجلامعي‪ ،‬صنعاء‪.‬‬

‫‪-45‬عبد اهلل الرشدان ونعيم جعنيين‪ ،‬املدخل إىل الرتبية والتعليم‪ ،4 ،)4112( ،‬دار الشروق‪ ،‬عمان‪.‬‬
‫‪-42‬عبد اهلل قلي وفضيلة حناش‪ ،‬الرتبية العامة‪ ،‬سند للتكوين املتخصص‪ ،)4119( ،‬املعهد الوطين لتكوين مستخدمي‬
‫الرتبية وحتسني املستوى‪ ،‬اجلزائر‪.‬‬

‫‪-46‬عبد اجمليد عبد التواب شيحة‪ ،‬تطور الفكر الرتبوي يف العصور القدمية والوسطى‪ ،8 ،)4112( ،‬دار الثقافة للنشر‬
‫والتوزيع‪ .‬األردن‪.‬‬
‫‪-41‬فريدة غيوة‪ ،‬اجتاهات وشخصيات الفلسفة املعاصرة‪( ،‬ب ت)‪ ،‬دار اهلدى‪ ،‬عني مليلة‪.‬‬

‫‪-49‬حممد اهلادي عفيفي‪،)8918( ،‬يف أصول الرتبية (األصول الثقافية للرتبية)‪ ،‬مكتبة األجنلو مصرية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪-31‬كامل حممد عويضة‪ ،‬الفلسفة واملدارس احملدثة‪ ،)8995( ،‬دار الكتب العلمية‪ ،8 ،‬لبنا‪.‬‬

‫‪-38‬زكريا إبراهيم‪ ،‬دراسات يف الفلسفة املعاصرة‪ ،)8912( ،‬مكتبة مصر‪ ،‬مصر‪.‬‬


‫‪-34‬كمال عبد اهلل وعبد اهلل قلي‪ ،‬مدخل إىل علوم الرتبية‪ ،‬االرسال االول‪ ،)4112/4115( ،‬اجلزائر‪.‬‬

‫‪-33‬الكندري لطيفة حسني وملك بدر حممد‪ ،‬تعليمية أصول الرتبية‪ ،3 ،)4111( ،‬مكتب الفالح‪ ،‬الكويت‪.‬‬

‫‪-32‬لطيفة حسني الكندري‪ ،‬الفكر الرتبوي يف احلضارات‪( ،‬ب ت)‪ ،‬كلية الرتبية‪ ،‬الكويت‪.‬‬
‫‪-35‬ماجد عرسان الكيالين‪ ،‬تطور مفهوم النظرية الرتبوية اإلسالمية‪ ،)8915( ،‬دار ابن كثري‪ ،‬بريوت‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫‪-32‬حماضرات السنة األوىل علوم االجتماعية‪ ،‬مدخل إىل الفلسفة العامة‪ ،)4186/4182( ،‬قسم العلوم االجتماعية‪،‬‬
‫جامعة حممد البشري االبراهيمي‪.‬‬

‫‪-36‬حمروس سيد موسى‪ ،‬الرتبية والطبيعة اإلنسانية يف الفكر اإلسالمي وبعض الفلسفات الغربية‪ ،)8911( ،‬دار املعارف‪،‬‬
‫القاهرة‪.‬‬

‫‪-31‬حممد البشري اإلبراهيمي‪ ،‬التعليم العريب واحلكومة‪ ،)8968( ،‬عيون البصائر‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر والتوزيع‪ ،‬اجلزائر‪.‬‬
‫‪-39‬حممد الدريج‪ :‬عودة إىل تعريف الديداكتيك أو علم التدريس‪ ،‬جملة علوم الرتبية‪ ،‬عدد ‪ ،26‬مارس ‪.4118‬‬

‫‪-21‬حممد بريقو وآخرون‪ ،‬مقياس مدخل إىل علوم الرتبية‪( ،‬ب ت)‪ ،‬االرسال األول‪ ،‬املدرسة العليا ألساتذة التعليم التقين‬
‫بوهران‪-‬اجلزائر‪.‬‬

‫‪-28‬حممد خري الدين‪ ،‬مذكرات الشيخ حممد خري الدين‪ ،)8915( ،‬ج‪ ،8‬مطبعة حلب‪ ،‬اجلزائر‪.‬‬
‫‪-24‬حممد لبيب النجيجي‪ ،‬مقدمة يف فلسفة الرتبية‪ ،4 ،)8994( ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بريوت‪.‬‬

‫‪-23‬حممد مرسي وحممد فرحة‪ ،‬فلسفة الرتبية‪( ،‬ب ت)‪ ،‬كلية الرتبية‪ ،‬جامعة البعث‪.‬‬
‫‪-22‬حممد منري مرسي‪ ،‬فلسفة الرتبية‪ ،8 ،)4114( ،‬عاَل الكتب‪ ،‬بريوت‪.‬‬

‫‪-25‬حممود كيشانه‪ ،‬املثالية مفهومها وأنواعها وفالسفتها‪( ،‬ب ت)‪ ،‬املركز اإلسالمي للدراسات االسرتاتيجية ‪ ،‬سلسلة‬
‫مصطلحات معاصرة ‪.89‬مصر‪.‬‬

‫‪-22‬مصطفى عبد القادر زيادة آخرون‪ ،‬الفكر الرتبوي مدارسه واجتاهات تطوره‪ ،)4112( ،‬مكتبة الرشد‪ ،‬السعودية‪.‬‬

‫‪-26‬املعهد الوطين لتكوين مستخدم الرتبية وحتسني مستواهم‪ ،‬وحدة النظام الرتبوي‪ ،)4115( ،‬سند تكويين لفائدة مديري‬
‫مؤسسات التعليم الثانوي واالكمايل‪ ،‬احلراش‪-‬اجلزائر‪.‬‬

‫‪-21‬ناصر إبراهيم عبد اهلل‪ ،‬علم االجتماع الرتبوي‪ ،)4188( ،‬دار وائل للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪.‬‬
‫‪-29‬مهشري عمر أْحد‪ ،‬مدخل إىل الرتبية (‪ ،4 ،)4116‬دار صفاء‪ ،‬عمان‪.‬‬

‫‪-51‬ويل ديورانت‪ ،‬تر‪ :‬فتح اهلل حممد املشعشع‪ ،‬قصة الفلسفة من أفالطون إىل جون ديوي‪ ،)8922( ،‬مؤسسة املعارف‪،‬‬
‫بريوت‪.‬‬
‫‪-58‬حيي هويدي‪ ،‬قصة الفلسفة الغريب‪ ،)8993( ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫‪-54‬اليماين عبد الكرمي على سعيد‪ ،‬فلسفة الرتبية‪ ،)4112(،‬دار الشروق‪ ،‬بريوت‪.‬‬

‫‪-53‬يوسف كرم‪ ،‬تاريخ الفلسفة احلديثة‪( ،‬ب ت)‪ ،5 ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫اإلسالمي‪)http : //site. iugaza .edu ps. islemanhm/fils/2010/02 .‬‬ ‫‪-‬موقع االنترنيت‪ :‬ماهية الفكر الرتبوي‬

‫‪134‬‬

You might also like