You are on page 1of 107

‫َ‬ ‫َ َّ َ َ ُ ْ ُ ُ َ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ‬

‫﴿﴿ربنا لا ت ِزغ قلوبنا بعد إِذ هديتنا وهب لنا مِن‬


‫ُ‬ ‫َّ ُ َ َ ْ َ ً َّ َ َ َ ْ َ َّ‬
‫لدنك رحمة ۚ إِنك أنت الوهاب﴾﴾ (آل عمران‪. )٨ :‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫أحدكم كما َي ْخ َل ُق‬


‫جوف ِ‬
‫ِ‬ ‫ليخ َل ُق يف‬
‫اإلميان َ‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫‪َّ (-‬‬
‫قلوبكم )‪.‬‬ ‫فاسألوا َ‬
‫َ‬
‫اإلميان يف ِ‬
‫َ‬ ‫جد َد‬
‫اهلل أن ُي ِّ‬ ‫الثوب ‪،‬‬
‫ُ‬
‫حديث صحيح ‪.‬‬

‫اهلل ص َّلى َّ ُ‬
‫الل عليه‬ ‫كان َر ُ‬ ‫‪َ ( -‬ل ْس ُت َت ِار ًكا ً‬
‫سول ِ َ‬ ‫شيئا َ‬
‫وس َّل َم َي ْع َم ُل به‪َّ ،‬إل َع ِمل ُْت به‪ ،‬إ ِّني َأ ْخ َشى ْ‬
‫إن َت َركْ ُت ً‬
‫شيئا‬
‫الصديق رضي اهلل عنه ‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫ِمن َأ ْم ِر ِه َأ ْن َأ ِز َ‬
‫يغ )‪.‬‬

‫ملك‪ ،‬واألعضاء جنوده‪ ،‬فإذا طاب ُ‬


‫امللك‬ ‫القلب ِ‬
‫ُ‬ ‫‪(-‬‬
‫طابت جنوده‪ ،‬وإذا خبث القلب خبثت جنوده ) أبو‬
‫هريرة رضي اهلل عنه‪.‬‬

‫‪٤‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫ومثل القلب ُ‬
‫مثل الطائر‪ ،‬كلما عال‪ ،‬بعد عن‬ ‫ُ‬ ‫‪(-‬‬
‫اآلفات‪ ،‬وكلما نزل‪ ،‬احتوشته اآلفات )‪ .‬ابن القيم‬
‫رحمه اهلل ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫البداية‬
‫وغافر الذنوب‪،‬‬
‫ِ‬ ‫عالم الغيوب‪ ،‬وهادي القلوب ‪،‬‬
‫ِ‬ ‫احلم ُد ِ‬
‫هلل‬

‫هدانا لطاعته ‪ ،‬ووفقنا حملبته‪ ،‬وام َّ‬


‫نت علينا برحمته‪ ،‬والصالة‬

‫والسالم على رسول االستقامة ‪ ،‬والداعي بالثبات والسالمة ‪،‬‬

‫نبينا محمد وعلى آلهِ وصحبه وسلم تسلي ًما كثي ًرا‪:‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫ُ‬
‫اخلوف ليعتري أهل اإلميان إال من بوابة القلوب ‪،‬‬ ‫فما كان‬

‫ونافذة الصدور‪ ،‬فهي مفتاح الهداية والضالل ‪ ،‬ولذلك تضافرت‬

‫النصوص ‪ ،‬وحذرت اآليات ‪ ،‬ونبهت البراهني ‪ ،‬وجاءت الوقائع‬


‫ُ‬

‫لتُرينا خطورةَ الزيغ والضالل ‪ ،‬وذهاب الفكر والسلوك ‪.‬‬

‫أشد الناس خوفا‪ ،‬وأكث َرهم رعبا‪،‬‬


‫العلم َّ‬
‫ِ‬ ‫وكان الراسخون يف‬

‫‪6‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫ملا علموه عن اهلل‪ ،‬وفقههم لشرعه‪ ،‬ودرايتهم بأحوالهم‪ ،‬وما يُلم‬

‫من خالل القلب وتغيره‪ ،‬حتى جاء من دعائهم املشفق اجلميل‬


‫﴿ َو َما يَعلَم تَ ْأ ِويل َ ُه إ َِّل َّ‬
‫اللُ َوال َّر ِ‬
‫اس ُخو َن ِف الْعِ ل ْ ِم يَ ُقولُو َن آ َمنَّا ِبهِ ُك ّ ٌل‬ ‫ْ ُ‬

‫ِ ّم ْن ِعندِ َر ِ ّبنَا َو َما يَ َّذ َّك ُر إ َِّل أُولُو ْالَلْ َب ِ‬


‫اب َر ّبَنَا َل ت ُِز ْغ ُقلُوبَنَا بَ ْع َد ِإ ْذ‬

‫نك َر ْح َم ًة ِإ ّنَ َك أَ َ‬
‫نت الْ َو َّه ُ‬
‫اب﴾ سورة آل‬ ‫َه َديْتَنَا َو َه ْب لَنَا مِ ن ّلَ ُد َ‬

‫عمران‪. ٨-٧:‬‬

‫علم ج ٍّم‪،‬‬
‫فتخوفوا الزيع واالنحراف برغم ما يحملونه من ٍ‬

‫ودراية عالية‪.‬‬

‫واستطاب القل ُم جتلي َة َ‬


‫ذلك من خالل هذا الدعاء العظيم‪،‬‬ ‫َ‬

‫ٍ‬
‫بتأمالت وتعليقات‪ ،‬تكشف معناها‪ ،‬وتظه ُر‬ ‫والعيش مع اآلية‬

‫صنع يف‬
‫مغزاها‪ ،‬أوصلناها إلــى (مائة فــائــدة) تقري ًبا‪ ،‬كما ُ‬

‫‪7‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫أخواتها السابقة من الرسائل القرآنية‪.‬‬


‫ولعل فيها تذكي ًرا بالقرآن ومعانيه ‪ ،‬وأدعيته ونسماتها‪،‬‬
‫ونصوصه وفوائدها ‪.‬‬
‫فهنا الوقف ُة مع دعاءٍ قرآني‪ ،‬وموعظة مؤثرة ‪ ،‬وذكرى فريدة ‪،‬‬
‫مؤمن‪ ،‬ال سيما العلماء والدعاة‪ ،‬ا َّلذي َن هم محل نظر الناس‬
‫ٍ‬ ‫لكل‬
‫‪ ،‬واالصغاء لدروسهم ومواعظهم ‪ ،‬وقد يخالطهم مِ ن العثرات ‪،‬‬
‫القلب وجوهره وسحره‪ ،‬حتى‬
‫ِ‬ ‫ذهب بالقربات ‪ ،‬فيُ ُّ‬
‫لتف على‬ ‫ما يُ ُ‬
‫خطئ سبيلَه ‪.‬‬
‫َ‬ ‫يفق َد صوابَه‪ ،‬ويَ َّ‬
‫ضل وجهتَه‪ ،‬ويُ‬
‫ولذلك جتي ُئ هذه اآلي ُة لتكو َن مركزي ًة يف الشعور اإلمياني‪،‬‬
‫وعــمــد ًة يف النهج العلمي‪ ،‬فيستشعرها ك ـ ُّل عــالــم‪ ،‬ويتهيب‬
‫خطورتها‪ ،‬وأن زلـ َل العالم وزيغه تلويثٌ لعلمه ‪ ،‬واعوجاج يف‬
‫البليات‪ ،‬وتنهمر الرزايا‪ ،‬واهللُ‬
‫ُ‬ ‫التصور ‪ ،‬وإذهاب للبركة ‪ ،‬فتقع‬
‫املستعان ‪!..‬‬

‫‪8‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫ولذلك يجعل العلماءُ من عدتهم مع قيامهم بالعلم دعاءهم‬


‫ربهم‪ ،‬والضراعة إليه بصالح قلوبهم ‪ ،‬وسالمتها من الزيغ‬
‫َّ‬
‫وتضل بهم املسالك‪،‬‬ ‫َ‬
‫تختلف عليهم العلوم‪،‬‬ ‫والتباب‪ ،‬حتى ال‬
‫فيغدوا يف شر أعمالهم ‪ ،‬وأشقى أحوالهم ‪ (..‬ر َّبنا ال تزغ قلوبنا )‬
‫استغاثة واستلطاف‪ ،‬وجلوء وإشفاق‪ ..‬فكم َّ‬
‫ضل من األنام ‪ ،‬وتاه‬
‫من الفضالء بسبب الركون العلمي‪ ،‬أو التفاخر الذاتي‪ ،‬فانقلبوا‬
‫على وجوههم‪ ،‬وأصبحوا خاسرين ‪!..‬‬
‫أقبحها من خسارة ‪ ،‬وأشنعها من نهاية ‪ ،‬أصلح اهلل‬
‫َ‬ ‫ومــا‬
‫قلوبنا ‪ ،‬وثبتنا على دينه‪ ،‬وجنبنا الفِ َ َ‬
‫ت ما ظهر منها وما بطن ‪،‬‬
‫إنه على كل شيءٍ قدير ‪.‬‬
‫محايل عسير‬
‫‪١٤٤٣/١١/١١‬هـ‬

‫‪9‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫الفوائد امل�ستخل�صة‬
‫حول هذه الآية‪ ،‬ودعائها العظيم‬
‫َ‬
‫ُخيفك وق ًعا وختا ًما‬ ‫‪ -١‬تش ُّد َك هذه اآلي ُة حس ًنا وجماالً ‪ ،‬وت‬

‫بذهاب‬
‫ِ‬ ‫نفوسا نهايتها بانتهاء قلوبها‪ ،‬وتنتهي القلوب‬
‫ً‬ ‫‪ ،‬وأن ثم َة‬

‫زيغ‬
‫نبضها‪ ،‬وتكدر مسارها‪ ،‬أو اســوداد دواخلها‪ ،‬فتأوي إلى ٍ‬

‫وضالل‪ ،‬وانحراف وتباب‪!..‬‬

‫بأنوار احلق ‪ ،‬وهدايةِ اهلل‪ ،‬واتباع‬


‫ِ‬ ‫فالقلب جمي ٌل عاطر‪،‬‬
‫ُ‬

‫الشرع ‪ ،‬والتسليم لألحكام ‪ ،‬والسير على الطريق ‪!..‬‬

‫نكص على عقبيه ‪ ،‬وخال من الزاد‪ ،‬وج ّفت‬


‫َ‬ ‫ٌ‬
‫موحش إذا‬ ‫وهو‬

‫ميرته‪ ،‬واختا َر غوايته ‪ ،‬وسلك هواه ‪ ،‬وانتهج نهجا مبدال ‪ ،‬أو‬

‫ض َغ ًة‪،‬‬ ‫وإن يف ا َ‬
‫جل َسدِ ُم ْ‬ ‫ً‬
‫سبيل مبددا ‪ ،‬ويف احلديث الصحيح‪( :‬أال َّ‬

‫جل َس ُد ُكلُّ ُه‪،‬‬ ‫صل َ َح ا َ‬


‫جل َس ُد ُكلُّ ُه‪ ،‬وإذا َف َس َد ْت‪َ ،‬ف َس َد ا َ‬ ‫صل َ َح ْت‪َ ،‬‬
‫إذا َ‬
‫‪10‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫(‪)١‬‬
‫أال وهي ال َقل ْ ُب )‪ .‬متفق عليه ‪.‬‬

‫‪ -٢‬ومكم ُن ذلك الطاق ُة املوضوعة داخله‪ ،‬وامليرةُ احملشودة‬

‫يف باطنه ‪ ،‬بحيث إذا استُص ِل َح باخليرات سط َع ونفع‪ ،‬وإذا أُزكم‬

‫َ‬
‫وهلك‬ ‫أجدب‬
‫َ‬ ‫بالسيئات عمي ومرض‪ ،‬وإذا تُرك بال رسالة ومناء‬

‫‪ ،‬وبات عام ًيا تائ ًها ‪ ،‬ال يلوي على شيء…‪!!.‬‬

‫القلوب وموادها مصد َر سعادة اإلنسان أو‬


‫ُ‬ ‫‪ -٣‬ولذلك كانت‬

‫شقاوته ‪ ،‬وصالحه أو فساده ‪ ،‬ومجده أو سقوطه ‪ ،‬ويف القرآن‬

‫على وجه اإلشــادة ذكر القلب (املنيب) (والسليم) و(املخبت)‬

‫و(الوجل) و (التقي) و (املَهدي) و (احلي) و(املطمئن) وشبهها‬


‫ِ‬

‫من املمادح الزاكية ‪!..‬‬

‫‪ -٤‬وهذه اجلملة تعلمنا أهمية معاجلة القلب واستصالحه‬


‫(‪ )١‬البخاري( ‪ )٥٢‬مسلم (‪.)١٥٩٩‬‬

‫‪11‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫على الدوام ‪ ،‬وجتنيبه األسقام الضارة ‪ ،‬واآلفات العارضة ‪ ،‬ولذلك‬

‫خلطورة إهمال القلب وتركه سبهلال ‪ ،‬علمنا صلى اهلل عليه وسالم‬

‫هر بْ ُن َح ْو َش ٍب َقا َل ‪:‬‬


‫أدعية الثبات القلبي ‪ ،‬كما يف السنن‪ :‬عن َش ِ‬

‫ُقل ْ ُت ِلُ ِّم َسل َ َم َة رضي اهلل عنها ‪ :‬يَا أ ُ َّم ْالُؤْمِ ِن َ‬
‫ني‪َ ،‬ما َكا َن أَ ْكثَ ُر ُد َعاءِ‬
‫صلَّى َّ‬
‫اللُ َعلَيْهِ َو َسلَّ َم ِإ َذا َكا َن ِعنْ َد ِك ؟ َقالَ ْت ‪َ :‬كا َن أَ ْكثَ ُر‬ ‫َر ُسولِ َّ ِ‬
‫الل َ‬

‫ُد َعائِهِ ‪ « :‬يَا ُم َقلِّ َب الْ ُقل ُ ِ‬


‫وب‪ ،‬ثَ ِّب ْت َقل ْ ِبي َعلَى دِ ين َ‬
‫ِك «‪َ .‬قالَ ْت ‪َ :‬ف ُقل ْ ُت ‪:‬‬
‫يَا رسو َل َّ‬
‫اللِ‪َ ،‬ما ألَ ْكثَ ِر ُد َعا َء َك ‪ « :‬يَا ُم َقلِّ َب الْ ُقل ُ ِ‬
‫وب‪ ،‬ثَ ِّب ْت َقل ْ ِبي َعلَى‬ ‫َ ُ‬

‫ي‬ ‫ي أُ ْ‬
‫صبُ َع ْ ِ‬ ‫ِك ؟ «‪َ .‬قا َل ‪ :‬يَا أ ُ َّم َسل َ َم َة‪ِ ،‬إ َّن ُه لَيْ َ‬
‫س آ َدمِ ٌّي إ َِّل َو َقلْبُ ُه بَ ْ َ‬ ‫دِ ين َ‬
‫صابِع َّ‬
‫اللِ‪َ ،‬ف َم ْن َشا َء أَ َقا َم‪َ ،‬و َم ْن َشا َء أَزَا َغ‪َ ،‬فت ََل ُم َعا ٌذ { َر َّبنَا َل‬ ‫مِ ْن أَ َ ِ‬
‫(‪)١‬‬
‫ت ُِز ْغ ُقلُوبَنَا بَ ْع َد ِإ ْذ َه َديْتَنَا ‪.‬‬

‫اص ‪ :‬أنه َسمِ َع َر ُسو َل َّ ِ‬


‫الل‬ ‫ويف حديث عبدِ َّ ِ‬
‫الل بْ َن َع ْم ِرو بْ ِن الْ َع ِ‬

‫(‪ )١‬الترمذي (‪.)٣٥٢٢‬‬


‫‪12‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫ي‬
‫ِصبَ َع ْ ِ‬ ‫وب بَنِي آ َد َم ُكلَّ َها بَ ْ َ‬ ‫صلَّى َّ‬
‫اللُ َعلَيْهِ َو َسلَّ َم يَ ُقو ُل ‪ ( :‬إ َِّن ُقل ُ َ‬
‫يإ ْ‬ ‫َ‬

‫ص ِّر ُف ُه َحيْثُ يَ َشاءُ)‪ .‬ثُ َّم َقا َل‬


‫اح ٍد‪ ،‬يُ َ‬ ‫مِ ْن أَ َ‬
‫صاب ِِع ال َّر ْح َم ِن َك َقل ْ ٍب َو ِ‬

‫ص ِّر ْ‬
‫ف‬ ‫وب‪َ ،‬‬ ‫صلَّى َّ‬
‫اللُ َعلَيْهِ َو َسلَّ َم ‪« :‬اللَّ ُه َّم ُم َ‬
‫ص ِّر َف الْ ُقل ُ ِ‬ ‫َر ُسو ُل َّ ِ‬
‫الل َ‬

‫وغيرها من األحاديث الصحيحة ‪.‬‬ ‫(‪)١‬‬


‫ِك»‪.‬‬ ‫ُقلُوبَنَا َعلَى َط َ‬
‫اعت َ‬

‫‪ -٥‬وتأتي هذه الدعوة العظيم ُة استعصاماً باهلل واعتما ًدا‬

‫القلوب منتهاها إليه ‪ ،‬فال يحميك عل ٌم وسيع‪،‬‬


‫َ‬ ‫عليه ‪ ،‬وأن هذ ِه‬

‫وال عقل كبير‪ ،‬وإمنا إميا ٌن صادق ‪ ،‬وتوك ٌل مشفق ﴿وعلى اهلل‬

‫فتوكلوا إن ُكنتُم مؤمنني﴾ سورة املائدة‪. ٢٣ :‬‬

‫ولعظم هذه الدعوة‪ ،‬كانت من ألسنةِ الراسخني يف العلم‪،‬‬


‫ِ‬

‫والرائعني يف الفقه‪ ،‬والرائدين يف الكلمة ‪ ،‬ولــم يتكلوا على‬

‫فالقلب تسقطه زلة‪ ،‬وقد تذهب‬


‫ُ‬ ‫ذواتهم ‪ ،‬أو يغتروا بإمكانياتهم ‪،‬‬

‫(‪ )١‬مسلم (‪.)٢٦٥٤‬‬


‫‪13‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫به زيغ ٌة وغفلة ‪ ،‬واهلل املستعان ‪.‬‬

‫‪ -٦‬ومن ث َّم كان العال ُم الرباني معتم ًدا على اهلل ‪ ،‬ذاك ًرا كل‬

‫وحسن‬ ‫ً‬
‫وسائل الثبات ُ‬ ‫ساعة‪ ،‬مناجياً ربــه‪ ،‬متخوفا العاقبة‪،‬‬

‫اخلامتة …﴿ َر ّبَنَا َل ت ُِز ْغ ُقلُوبَنَا بَ ْع َد ِإ ْذ َه َديْتَنَا َو َه ْب لَنَا مِ ن ّلَ ُد َ‬


‫نك‬

‫َر ْح َم ًة ِإ ّنَ َك أَ َ‬
‫نت الْ َو َّه ُ‬
‫اب﴾ (آل عمران‪.)٨ :‬‬

‫يُ ْحتَ َم ُل أ ْن يَ ُكو َن مِ ن َت ِام َمقالَةِ ال ّر ِ‬


‫اس ِخ َ‬
‫ني القائلني قبلها‪:‬‬

‫اس ُخو َن ِف الْعِ ل ْ ِم يَ ُقولُو َن آ َمنَّا ِبهِ ُك ّ ٌل ِ ّم ْن ِعندِ َر ِ ّبنَا َو َما يَ َّذ َّك ُر‬
‫﴿ َوال َّر ِ‬

‫إ َِّل أُولُو ْالَلْبَ ِ‬


‫اب﴾ (آل عمران‪.)٧ :‬‬

‫أي ُقولُوا‪ :‬أو قل يا‬ ‫ويُ ْحتَ َم ُل أ ْن يَ ُكو َن َعلى َم ْعنى ال َّت ْعل ِ‬
‫ِيم‪ْ ،‬‬

‫باع املُتَشا ِبهِ‬ ‫محمد…‪َ :‬ر َّبنا ال ِتُــز ْغ ُقلُوبَنا َع ْن نَ ْه ِج ا َ‬


‫حل ِّق إلى ِا ِّت ِ‬
‫ِبتَ ْأ ِو ٍيل ال تَ ْرت َِضيهِ بَ ْع َد إ ْذ َه َديْتَنا إلى َمعال ِِم ا َ‬
‫حل ِّق مِ َن ال َّتف ِْو ِ‬
‫يض يف‬

‫‪14‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫يح‪ ،‬ويَ ُؤو ُل امل َ ْعنى‬ ‫ي ِأو ال َّت ْأ ِويلِ َّ‬


‫الص ِح ِ‬ ‫املُتَشا ِبهِ ِأو اإلميانِ بِال َق َس َم ْ ِ‬

‫وب يف ُمقابَلَةِ الهِ دايَةِ ‪،‬‬


‫إلى ال ت ُِضلَّنا بَ ْع َد الهِ دايَةِ ِل َّن َزيْ َغ ال ُقل ُ ِ‬

‫اإلضال ُل‪!.. ،‬‬


‫ْ‬ ‫و ُمقابَل َ َة الهِ دايَةِ‬

‫ت ْل ُقلُوبَنا َع ْن ال ُهدى بَ ْع َد إ ْذ أ َق ْمتَها َعلَيْهِ ‪،‬‬


‫أي‪ :‬ال ُ ِ‬
‫‪-٧‬واملعنى ْ‬

‫ت َعلْها كاَ َّلذِ ِ‬


‫ين يف ُقلُو ِبهِ ْم َزيْ ٌغ ‪ ،‬ا َّلذِ ي َن‬ ‫وعافها من االنحراف ‪ ،‬وال َ ْ‬

‫يَ َّت ِب ُعو َن ما تَشابَ َه مِ َن ال ُق ْرآنِ ‪ ،‬ولَكِ ْن ثَ ِّبتْنا َعلى ِص ِ‬


‫راط َك امل ُ ْستَقِ ِ‬
‫يم‪،‬‬

‫﴿وه ْب لَنا مِ ن لَ ُدنْ َك َر ْح َم ًة﴾ تُثَ ُّب ُت بِها ُقلُوبَنا‪:‬‬


‫َ‬ ‫ودينك القومي ‪:‬‬

‫ـاب﴾ َكثِي ُر ال ِّن َع ِم واإل ْفــضــالِ ‪َ ،‬ج ِزي ُل ال َعطايا‬ ‫﴿إ َّنـ َ‬
‫ـك أنْـ َ‬
‫ـت الـ َو ّهـ ُ‬

‫والضال َل مِ ن قِ بَلِهِ تَعالى‪.‬‬


‫َّ‬ ‫والنَّوالِ ‪ .‬وفِ يهِ دِ اللَ ٌــة َعلى َّ‬
‫أن ال ُهدى‬

‫وفحواها يحمل علماءها على االفتقار واخلضوع‪.‬‬

‫‪ -٨‬وإمنا قالها الراسخون ‪-‬على األشهر‪ -‬ملا رأوا من انحراف‬

‫‪15‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫آيات الكتاب ﴿ َف َأ َّما ا ّلَذِ ي َن‬


‫أرباب القلوب املريضة وزيغهم‪ ،‬جتاه ِ‬

‫فِ ى ُقلُو ِبهِ ْم َزيْـ ٌغ َفيَ ّتَ ِب ُعو َن َما ت ََشابَ َه مِ نْ ُه ابْ ِت َغآ َء الْفِ تْنَةِ َوابْ ِت َغآ َء‬

‫تَ ْأ ِويلِهِ ﴾‪ .‬فهجروا طريقتهم‪ ،‬وخالفوا مسلكهم ‪!..‬‬

‫‪ -٩‬لم يزل الصاحلون يف خوف من قلوبهم وتقلباتها « ويقال‪:‬‬

‫ين‪ ،‬أَ َف َكانُوا يَ َخا ُفو َن َو َق ْد ُه ُدوا‬


‫َاغ ُة القلب فساد َو َميْ ٌل َع ِن ال ِّد ِ‬
‫ِإز َ‬
‫أَ ْن يَنْ ُقل َ ُهم َّ‬
‫اللُ ِإلَى الْ َف َسادِ ؟‬ ‫ُ‬

‫با‬ ‫اب ‪ :‬أَ ْن يَ ُكونُوا س َألُوا ِإ ْذ َه َدا ُهم َّ‬


‫اللُ أَ َّل يَبْتَ ِل َي ُه ْم ِ َ‬ ‫َف ْ َ‬
‫ال َو ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬

‫يَثْ ُق ُل َعلَيْهِ ْم مِ َن ْالَ ْع َمالِ َفيَ ْع ِجزُوا َعنْ ُه‪ ،‬نَ ْح َو» َولَ ْو أَ َّنا َكتَبْنا َعلَيْهِ ْم‬

‫أَنِ ا ْقتُلُوا أَنْ ُف َس ُك ْم أَ ِو اخْ ُر ُجوا مِ ْن دِ ِ‬


‫يار ُك ْم «‪َ .‬قا َل ابْ ُن َكيْ َسا َن‪:‬‬
‫اللُ ُقلُوبَ ُهم‪ ،‬نَحو « َفلَما زا ُغوا أَزا َغ َّ‬
‫اللُ‬ ‫س َألُوا أَ َّل يَ ِزي ُغوا َفي ِزي َغ َّ‬
‫ْ ْ َ َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬

‫ِك ِإ ْذ َه َديْتَنَا َوأَ َّل نَ ِزي َغ َفن َْست َِحقَّ أَ ْن‬


‫ُقلُوبَ ُه ْم» أَ ْي ثَ ِّبتْنَا َعلَى ِه َدايَت َ‬

‫‪16‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫ِك أَ َّن ُه تَ َعالَى َلَّا َذ َك َر‬ ‫ت ُِزي َغ ُقلُوبَنَا‪َ .‬وقِ ي َل‪ُ :‬ه َو ُمنْ َق ِط ٌع ِ َّ‬
‫ما َقبْ ُل‪َ ،‬و َذل َ‬

‫ِك ِب َأ ْن َعلَّ َم ِعبَا َدهُ ال ُّد َعا َء ِإلَيْهِ ِف أَ َّل يَ ُكونُوا مِ َن‬
‫أَ ْه َل ال َّزيْ ِغ َع َّق َب َذل َ‬

‫الطا ِئفَةِ الذميمة التي ذكرت وهى واهل ال َّزيْ ِغ‪َ .‬و ِف ْال ُ َو َّطأِ َع ْن‬
‫َّ‬

‫الصنَاب ِِح ِّي أَ َّن ُه َقا َل‪َ :‬قدِ ْم ُت ْالَدِ ينَ َة ِف ِخ َل َفةِ أَبِي‬ ‫أَبِي َعبْدِ َّ ِ‬
‫الل ُّ‬

‫َي ْالُولَ َي ْ ِ‬
‫ي‬ ‫صلَّيْ ُت َو َرا َءهُ ْالَغ ِْر َب‪َ ،‬ف َق َرأَ ِف ال َّر ْك َعت ْ ِ‬
‫يق َف َ‬ ‫بَ ْك ٍر ِّ‬
‫الص ِّد ِ‬

‫ِبأُ ِّم الْ ُق ْرآنِ َو ُسو َرةٍ مِ ْن قِ َ‬


‫ص ِار ْال ُ َف َّصلِ ‪ ،‬ثُ َّم َقا َم ِف ال َّثا ِلثَةِ ‪َ ،‬ف َدنَ ْو ُت‬

‫س ِث َيابَ ُه‪َ ،‬ف َسمِ ْعتُ ُه يَ ْق َرأ ُ ِبأُ ِّم الْ ُق ْرآنِ‬ ‫مِ نْ ُه َحتَّى إ َِّن ِث َيابِي لَتَ َكا ُد َ َ‬
‫ت ُّ‬
‫(‪)١‬‬
‫َو َهذِ ِه ْاليَةِ ﴿ َر َّبنا َل ت ُِز ْغ ُقلُوبَنا﴾ (آل عمران‪.)٨ :‬‬

‫الصديق رضــي اهلل بخطب الــردة‬


‫ابتلي ّ‬
‫َ‬ ‫‪ -١٠‬وقيل ‪ :‬ملــا‬

‫ومعضلتهم يف أول اخلالفة‪ ،‬وكيف تقلبت القلوب‪ ،‬ومزجت‬

‫العهود قنت وسأل الثبات ‪َ ،‬قا َل الْ ُعل َ َماءُ‪ :‬قِ َرا َءتُ ُه ِب َهذِ ِه ْاليَةِ َ‬
‫ض ْر ٌب‬
‫(‪ )١‬انظر تفسير القرطبي ‪٢٩/٤‬‬

‫‪17‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫ُوت َوال ُّد َعاءِ ِلَا َكا َن فِ يهِ مِ ْن أَ ْم ِر أَ ْهلِ ال ِّر َّدةِ‪َ .‬والْ ُقن ُ‬
‫ُوت َجا ِئ ٌز‬ ‫مِ َن الْ ُقن ِ‬

‫ص َلةٍ أَيْ ً‬
‫ضا ِإ َذا‬ ‫اع ٍة مِ ْن أَ ْهلِ الْعِ ل ْ ِم‪َ ،‬و ِف ُك ِّل َ‬
‫ِف ْالَغ ِْر ِب ِعنْ َد َج َم َ‬

‫ني أَ ْم ٌر َع ِظي ٌم يُف ِْز ُع ُه ْم َويَ َخا ُفو َن مِ نْ ُه َعلَى أَنْ ُف ِسهِ ْم‪.‬‬
‫َد َه َم ْال ُ ْسلِمِ َ‬

‫‪ -١١‬حقيق ُة الزيغ‪ :‬هو امليل عن االستقامة‪ ،‬وال َّتزَايُ ُغ‪ :‬التمايل‪،‬‬

‫َاغ ٌة‪ ،‬وزائغون‪ ،‬وزاغت الشمس‪ ،‬وزَا َغ البصر‪،‬‬


‫ورجل زَا ِئغٌ‪ ،‬وقوم ز َ‬

‫يصح أن‬
‫ّ‬ ‫زاغ ِت ْالَبْصا ُر﴾ (األحزاب ‪، )10 :‬‬
‫وقال تعالى‪َ ﴿ :‬و ِإ ْذ َ‬

‫يكون إشارة إلى ما يداخلهم من اخلوف حتى أظلمت أبصارهم‪،‬‬

‫ويصح أن يكون إشارة إلى ما قال‪﴿ :‬يَ َر ْونَ ُه ْم مِ ثْلَيْهِ ْم َرأْ َي الْ َع ْ ِ‬
‫ي﴾‬ ‫ّ‬

‫ص ُر َوما َطغى﴾ (النجم ‪:‬‬


‫(آل عمران ‪ ، )13 :‬وقال‪﴿ :‬ما زا َغ الْ َب َ‬
‫‪َ ﴿ ، )17‬فلَما زا ُغوا أَزا َغ َّ‬
‫اللُ ُقلُوبَ ُه ْم﴾ (الصف ‪ ، )5 :‬ملّا فارقوا‬ ‫َّ‬

‫االستقامة عاملهم بذلك‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫َو َق ْولُ ُه تَ َعالَى‪َ ﴿ :‬ر َّبنا َل ت ُِز ْغ ُقلُوبَنا بَ ْع َد ِإ ْذ َه َديْتَنا﴾ ؛ أَي َل ُ ِ‬


‫تلْنا‬

‫صدِ َو َل ت ُِضلَّنا‪َ ،‬وقِ ي َل‪َ :‬ل ت ُِز ْغ ُقلُوبَنا ال تَتَ َع َّب ْدنا ِ َ‬
‫با‬ ‫َع ِن ال ُه َدى وال َق ْ‬

‫يَ ُكو ُن َس َب ًبا ِل َزيْ ِغ قلوبِنا‪.‬‬

‫والزيغ اصطالحا‪« :‬هو اخلرو ُج عن احلق‪ ،‬إما بالشرك‪ ،‬وإما‬

‫بالبدعة‪ ،‬وإما بالشبهة‪ ،‬وإما بالشكوك‪ ،‬وإما باجلرأة‪ ،‬والقول‬

‫على اهلل بغير علم ‪.‬‬

‫‪ -١٢‬وإمنا يزي ُغ العالم عن الطريق‪ :‬إذا ساء منه ُج العلم عنده‪،‬‬

‫وآث َر هواه على هداه ‪ ،‬أو استرس َل مع الوساوس واخلطرات ‪،‬‬

‫وجالس املبتدعة والزائغني ‪ ،‬أو انغمس يف الدنيا وضيع ذكر‬

‫اآلخرة‪ ،‬او ترك شي ًئا من سنة النبي صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬قال‬

‫سبحانه ﴿ َفل ْ َي ْح َذ ِر ا َّلذِ ي َن يُ َخا ِل ُفو َن َع ْن أَ ْم ِر ِه أَ ْن ت ُِصي َب ُه ْم فِ تْنَ ٌة ﴾‪،‬‬

‫‪19‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫يقول أبو بكر الصديق رضي اهلل عنه‪ « :‬لست تاركا شيئا كان‬

‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يعم ُل به إال عملت به ‪ ،‬وإني‬

‫تركت شيئاً من أمره أن أزيغ «‪.‬‬


‫ُ‬ ‫ألخشى إن‬

‫شيخنا ابــن عثيمني رحمه اهللُ‪ »:‬وقوله‪﴿ :‬بَ ْع َد‬


‫ُ‬ ‫‪ -١٣‬قــال‬

‫ِإ ْذ َه َديْتَنَا﴾ هذه اجلملة ال يُراد بها االفتخار‪ ،‬وإمنا يُراد بها‬

‫التوسل بالنعم السابقة إلى النعم الالحقة‪ ،‬فكأنهم يقولون‪ :‬ربنا‬


‫إنك َمنَنْت علينا بالهداية ً‬
‫أول فنسألك أن متن علينا بثبوت هذه‬

‫الهداية فال تزغها‪ ،‬فيكون يف هذا الدعاء ثناء على اهلل عز وجل‬

‫مباذا؟ بالهداية السابقة‪ ،‬هم لو قالوا‪َ ﴿ :‬ر ّبَنَا َل ِتُــز ْغ ُقلُوبَنَا﴾‬

‫كفى‪ ،‬لكن قالوا‪﴿ :‬بَ ْع َد ِإ ْذ َه َديْتَنَا﴾ ليتوسلوا بنِعم اهلل السابقة‬

‫إلى نعمه الالحقة‪ ،‬وليثنوا على اهلل عز وجل بنعمه السابقة‪،‬‬

‫وأنه عز وجل أه ٌل للفضل واإلنعام‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫‪ -١٤‬وهذا الدعاءُ متفر ٌع من ُحسن منهج الراسخني يف طلب‬

‫العلم وجمعه‪ ،‬وهو أنهم يؤمنون بالكتاب كله‪ ،‬بال تناقض أو‬

‫حتريف ‪.‬‬

‫قال الشي ُخ ابن عثيمني رحمه اهلل ‪ :‬فالزائغون يتخذون من‬

‫هذه اآليات املشتبهات وسيل ًة للطعن يف كتاب اهلل‪ ،‬وفتنة الناس‬

‫عنه‪ ،‬وتأويله لغير ما أراد اهلل تعالى به‪َ ،‬ف ِ‬


‫يضلون‪ ،‬ويُ ِضلو َن‪.‬‬

‫وأما الراسخون يف العلم‪ ،‬فيؤمنون بأن ما جاء يف كتاب اهلل‬

‫تعالى فهو حق‪ ،‬وليس فيه اختالف‪ ،‬وال تناقض؛ ألنه من عند‬

‫اهلل‪َ ﴿ :‬ولَ ْو َكا َن مِ ْن ِعنْدِ َغيْ ِر َّ ِ‬


‫الل لَ َو َج ُدوا فِ يهِ اخْ تِالفاً َكثِيرا﴾‬

‫(النساء ‪ )82 :‬وما جاء مشتبهاً ردوه إلى احملكم؛ ليكون اجلميع‬

‫محكماً‪ ،‬ويقولون يف املثال األول‪ :‬إن هلل تعالى يدين حقيقيتني‬

‫‪21‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫على ما يليق بجالله وعظمته‪ ،‬ال متاثالن أيدي املخلوقني‪ ،‬كما‬

‫أن له ذاتاً ال متاثل ذوات املخلوقني؛ ألن اهلل تعالى يقول‪﴿ :‬لَيْ َ‬
‫س‬

‫َكمِ ثْلِهِ َش ْيءٌ َو ُه َو َّ‬


‫السمِ ي ُع الْ َب ِصي ُر﴾ (الشورى‪ :‬اآلية‪. )11‬‬
‫ويقولون يف املثال الثاني‪ :‬إن احلسن َة والسيئة كلتاهما بتقدير‬
‫اهلل‪ ،‬لكن احلسن َة سببها التفضل من اهلل تعالى‪ .‬على عباده‪،‬‬

‫أما السيئة فسببها فعل العبد كما قال تعالى‪َ ﴿ :‬و َمــا أَ َ‬
‫صابَ ُك ْم‬
‫مِ ْن ُم ِصي َب ٍة َف ِب َما َك َس َب ْت أَيْدِ ي ُك ْم َويَ ْع ُفو َع ْن َكث ٍ‬
‫ِير﴾ (الشورى‪)30:‬‬
‫فإضاف ُة السيئة إلــى العبد من إضافة الشيء إلــى سببه‪ ،‬ال‬
‫من إضافته إلى ُم َق ِّدره‪ ،‬أما إضافة احلسنة والسيئة إلى اهلل‬
‫تعالى فمن باب إضافة الشيء إلى مقدره‪ ،‬وبهذا يزول ما يوهم‬
‫االختالف بني اآليتني النفكاك اجلهة‪.‬‬
‫‪ -١٥‬واآليــ ُة أصــل يف اتباع املنهج الشرعي يف جمع العلم‬
‫وكيفية تعاطيه‪ ،‬فليست العبرة بكثرة العلوم‪ ،‬أو سكب الكالم ‪،‬‬

‫‪22‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫أو عقد الدروس‪ ،‬ولكن العبرة بامتالك الوعي واالستهداء باهلل‬


‫وشرعه‪ ،‬واإلميان بكل ذلك ‪ ،‬وسؤاله التوفيق واإلعانة‪،‬‬

‫قال اإلما ُم ابن تيمي َة رحمه اهلل‪َ »:‬و ِإ َذا َكا َن الْعِ ل ْ ُم ِب ُع ُم ِ‬
‫وم َد َع ْوتِهِ‬
‫ض ِط َر ِار َقبْ َل الْعِ ل ْ ِم ِبنُبُ َّوتِهِ ‪َ ،‬وبَ ْع َد الْعِ ل ْ ِم ِبنُبُ َّوتِهِ ‪،‬‬
‫َو ِر َسالَتِهِ َم ْعلُو ًما ب ِِال ْ‬
‫ض ُه َش ْيءٌ‪َ ،‬ولَكِ َّن َه َذا َش ْأ ُن ا َّلذِ ي َن‬
‫ور ُّي الْيَقِ ين ُِّي َل يُ َع ِار ُ‬ ‫َفالْعِ ل ْ ُم َّ‬
‫الض ُر ِ‬
‫ِف ُقلُو ِبهِ ْم َزيْ ٌغ مِ ْن أَ ْهلِ الْ ِب َد ِع‪ :‬الن َ‬
‫َّصا َرى َو َغيْ ِر ِه ْم يَ َّت ِب ُعو َن ْالُت ََشا ِب َه‬
‫صلَّى َّ‬
‫اللُ َعلَيْهِ‬ ‫ِسبَ ِب ُمن َ‬
‫َّصا َرى لِل َّن ِب ِّي َ‬ ‫َاظ َر ِة الن َ‬ ‫ال َك َم‪َ ،‬وب َ‬‫َويَ َد ُعو َن ْ ُ ْ‬
‫اللُ تَبَا َر َك َوتَ َعالَى‬ ‫ال َكم أَنْ َز َل َّ‬ ‫َو َسلَّ َم ب ْ‬
‫ِالُت ََشا ِبهِ ‪َ ،‬و ُع ُدولِهِ ْم َع ِن ْ ُ ْ ِ‬
‫ات ُه َّن أ ُ ُّم‬
‫ات ُم ْح َك َم ٌ‬ ‫فِ يهِ ْم‪ُ ﴿ :‬ه َو ا َّلذِ ي أَنْ َز َل َعلَيْ َك الْكِ ت َ‬
‫َاب مِ نْ ُه آيَ ٌ‬
‫ات َف َأ َّما ا َّلذِ ي َن ِف ُقلُو ِبهِ ْم َزيْ ٌغ َفيَ َّت ِب ُعو َن َما‬
‫َاب َوأ ُ َخ ُر ُمت ََشا ِب َه ٌ‬
‫الْكِ ت ِ‬
‫ت ََشابَ َه مِ نْ ُه ابْ ِت َغاء الْفِ تْنَةِ َوابْ ِت َغاء تَ ْأ ِويلِهِ َو َما يَعلَم تَ ْأ ِويل َ ُه إ َِّل َّ‬
‫اللُ‬
‫ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اس ُخو َن ِف الْعِ ل ْ ِم يَ ُقولُو َن آ َمنَّا ِبهِ ُك ٌّل مِ ْن ِعنْدِ َر ِّبنَا َو َما يَ َّذ َّك ُر‬
‫َوال َّر ِ‬
‫(‪)١‬‬
‫إ َِّل أُولُو ْالَلْ َب ِ‬
‫اب﴾ (آل عمران‪. )7 :‬‬
‫(‪ )١‬اجلواب الصحيح‪. ٣٧٦ / ١‬‬
‫‪23‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫‪ -١٦‬وقد حذرت السن ُة من هذه املسالك حتذي ًرا شديدا ‪،‬‬

‫ِش َة ‪َ ،‬قالَ ْت ‪ :‬ت ََل َر ُسو ُل‬


‫ورد يف صحيح مسلم رحمه اهلل َع ْن َعائ َ‬
‫صلَّى َّ‬
‫اللُ َعلَيْهِ َو َسلَّ َم ‪ُ « :‬ه َو ا َّلذِ ي أَنْ َز َل َعلَيْ َك الْكِ ت َ‬
‫َاب مِ نْ ُه‬ ‫َّ ِ‬
‫الل َ‬

‫ات َف َأ َّما ا َّلذِ ي َن ِف‬


‫َاب َوأ ُ َخ ُر ُمت ََشا ِب َه ٌ‬
‫ات ُه َّن أ ُ ُّم الْكِ ت ِ‬
‫ات ُم ْح َك َم ٌ‬
‫آيَ ٌ‬

‫ُقلُو ِبهِ ْم َزيْ ٌغ َف َي َّت ِب ُعو َن َما ت ََشابَ َه مِ نْ ُه ابْ ِت َغا َء الْفِ تْنَةِ َوابْ ِت َغا َء تَ ْأ ِويلِهِ‬
‫َو َما يَعلَم تَ ْأ ِويل َ ُه إ َِّل َّ‬
‫اللُ َوال َّر ِ‬
‫اس ُخو َن ِف الْعِ ل ْ ِم يَ ُقولُو َن آ َمنَّا ِبهِ ُك ٌّل‬ ‫ْ ُ‬

‫اب»‪َ .‬قالَ ْت ‪َ :‬قا َل َر ُسو ُل َّ ِ‬


‫الل‬ ‫مِ ْن ِعنْدِ َر ِّبنَا َو َما يَ َّذ َّك ُر إ َِّل أُولُو ْالَلْ َب ِ‬
‫صلَّى َّ‬
‫اللُ َعلَيْهِ َو َسلَّ َم ‪ِ « :‬إ َذا َرأَيْتُ ُم ا َّلذِ ي َن يَ َّت ِب ُعو َن َما ت ََشابَ َه مِ نْ ُه‪،‬‬ ‫َ‬
‫َّ ُ‬ ‫َفأُولَئ َ‬
‫(‪)١‬‬
‫ِك ا َّلذِ ي َن َس َّمى الل‪َ ،‬ف ْ‬
‫اح َذ ُرو ُه ْم »‪.‬‬

‫ـووي رحمه اهلل‪ »:‬ويف هــذا احلديث التحذير من‬


‫قــال الــنـ ّ‬

‫مخالطة أهل الزيغ وأهــل البدع ‪ ،‬ومن يتبع املشكالت للفتنة‬


‫(‪ )١‬مسلم (‪.)٢٦٦٥‬‬

‫‪24‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫‪ ،‬فأما من سأل عما أشكل عليه منها لالسترشاد ‪ ،‬وتلطف يف‬

‫ذلك فال بأس عليه ‪ ،‬وجوابه واجب ‪ ،‬وأما األول فال يجاب ‪ ،‬بل‬

‫يزجر ويعزر كما عزر عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه صبيغ بن‬

‫عسل حني كان يتبع املتشابه ‪ ،‬واهلل أعلم «‪.‬‬

‫‪ -١٧‬خالص ُة احملكم واملتشابه ‪ :‬أن احمل َك ُم مِ ن ِ‬


‫آيات القرآنِ ‪:‬‬

‫َّض َح ْت دِ اللتُه َ‬
‫وظ َه َر م ْعناه‪ ،‬واملتشاب ُه‪ :‬ما احت َم َل أكث َر مِ ن‬ ‫ما ات َ‬
‫نظ ٍر وتَخريج‪ ،‬وقيل‪ :‬املتشا ِب ُه ما استأثر اهللُ‬
‫م ْع ًنى واحتا َج إلى َ‬
‫َ‬ ‫ٍ‬

‫بعِ لمِ ه‪.‬‬

‫قال ابن سعدي رحمه اهلل‪ »:‬وأما اإلحكام والتشابه املذكور يف‬

‫هذه اآلية فإن القرآن كما ذكره اهلل ﴿منه آيات محكمات﴾ أي‪:‬‬

‫واضحات الداللة‪ ،‬ليس فيها شبهة وال إشكال ﴿هن أم الكتاب﴾‬

‫‪25‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫أي‪ :‬أصله الذي يرجع إليه كل متشابه‪ ،‬وهي معظمه وأكثره‪،‬‬

‫﴿و﴾ منه آيات ﴿أخر متشابهات﴾ أي‪ :‬يلتبس معناها على كثير‬

‫من األذهان‪ :‬لكون داللتها مجملة‪ ،‬أو يتبادر إلى بعض األفهام‬

‫غير املراد منها‪ ،‬فاحلاصل أن منها آيات بينة واضحة لكل أحد‪،‬‬

‫وهي األكثر التي يرجع إليها‪ ،‬ومنه آيات تشكل على بعض الناس‪،‬‬

‫فالواجب يف هذا أن يرد املتشابه إلى احملكم واخلفي إلى اجللي‪،‬‬

‫فبهذه الطريق يصدق بعضه بعضا وال يحصل فيه مناقضة وال‬
‫(‪)١‬‬
‫معارضة‪ ،‬ولكن الناس انقسموا إلى فرقتني »‪.‬‬

‫‪ -١٨‬والعا ِل ُم وجمي ُع العباد محتاجون إلى رحمة اهلل وهدايته‪،‬‬

‫والتثبيت على الطريق‪ ،‬ومجانبة الزيغ والضالل‪ ،‬ويف ذلك ارتكا ٌن‬

‫إلى اهلل عظيم‪ ،‬واعتماد على فضله عميق ‪ ،‬وتبرؤ من النفس‬


‫(‪ )١‬تيسير الكرمي املنان البن سعدي ص‪. ١٢٢:‬‬

‫‪26‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫وحولها وطولها ‪.‬‬

‫القلوب انحراف عن االستقامة ‪ ،‬ومجانب ٌة للهدي‬


‫ِ‬ ‫‪ -١٩‬وزي ُغ‬

‫والسداد ‪ ،‬وهو مرض من أمراض الطريق القلبي ‪ ،‬وقلة العلم‬

‫أن كثرة العلم املتعالية أو الغالية من أسبابه‪،‬‬


‫من أسبابه ‪ ،‬كما ّ‬

‫والسنة االعــتــدا ُل‪ ،‬واالعتماد على اهلل‪ ،‬وطلب التوفيق منه‬

‫والهداية ‪ ،‬واحلذر من غرور النفس وجتاوزاتها ‪ ،‬قال العالم ُة ابن‬

‫القيم رحمه اهلل‪َ (:‬وقد أجم َع العارفون على أَن َّ‬


‫كل خير فأصلُه‬

‫ِبتَ ْوفِ يق اهلل لل ْ َعبد‪ ،‬وكل َش ّر فأصله خذالنُه ل َعبْدِ هِ‪َ ،‬وأَ ْجم ُعوا أَن‬

‫نفسك‪ ،‬وأن اخلذالن أَن يُخلي بَيْنك‬


‫َ‬ ‫ال ّتَ ْوفِ يق أَن َل يَ َ‬
‫كلك اهلل‬
‫(‪)١‬‬
‫َوبَني نَ ِ‬
‫فسك)‪.‬‬

‫ٌ‬
‫مسلك قدمي للنصارى ‪ ،‬قلدهم يف ذلك‬ ‫‪ -٢٠‬اقتفاءُ املتشابه‬
‫(‪ )١‬مدارج السالكني‪. ٤١٥ /١‬‬

‫‪27‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫أهل البدع ‪ ،‬يقول شي ُخ االسالم ابن تيمية رحمه اهلل‪َ »:‬ولَكِ َّن‬

‫ال ْ ِ‬
‫نيلِ ‪،‬‬ ‫َه ُؤ َلءِ الن َ‬
‫َّصا َرى َسل َ ُكوا ِف الْ ُق ْرآنِ َما َسل َ ُكوهُ ِف ال َّت ْو َرا ِة َو ْ ِ‬

‫اض َح َة ا َّلتِي َل‬


‫يح َة الْ َب ِّينَ َة الْ َو ِ‬ ‫ال َك َم َة َّ‬
‫الص ِر َ‬ ‫وص ْ ُ ْ‬
‫ُّص َ‬
‫يَ َد ُعو َن الن ُ‬

‫التَ َملِ ‪َ ،‬و ِإ ْن َكا َن‬ ‫تتَمِ ُل إ َِّل َم ْع ًنى َو ِ‬


‫اح ًدا‪َ ،‬ويَتَ َم َّس ُكو َن ب ْ‬
‫ِالُت ََشا ِبهِ ْ ُ ْ‬ ‫َ ْ‬

‫فِ يهِ َما يَ ُد ُّل َعلَى ِخ َل ِف ُم َرادِ ِه ْم‪َ ،‬ك َما َقا َل ‪ -‬تَ َعالَى ‪ -‬فِ يهِ ْم َو ِف‬

‫ات ُم ْح َك َم ٌ‬
‫ات ُه َّن‬ ‫أَ ْمثَالِهِ ْم‪ُ ﴿ :‬ه َو ا َّلذِ ي أَنْ َز َل َعلَيْ َك الْكِ ت َ‬
‫َاب مِ نْ ُه آيَ ٌ‬

‫ات َف َأ َّما ا َّلذِ ي َن ِف ُقلُو ِبهِ ْم َزيْ ٌغ َف َي َّت ِب ُعو َن‬


‫َاب َوأ ُ َخ ُر ُمت ََشا ِب َه ٌ‬
‫أ ُ ُّم الْكِ ت ِ‬
‫َما ت ََشابَ َه مِ نْ ُه ابْ ِت َغاء الْفِ تْنَةِ َوابْ ِت َغاء تَ ْأ ِويلِهِ َو َما يَعلَم تَ ْأ ِويل َ ُه إ َِّل َّ‬
‫اللُ‬
‫ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫اس ُخو َن ِف الْعِ ل ْ ِم يَ ُقولُو َن آ َمنَّا ِبهِ ُك ٌّل مِ ْن ِعنْدِ َر ِّبنَا َو َما يَ َّذ َّك ُر‬
‫َوال َّر ِ‬
‫(‪)١‬‬
‫إ َِّل أُولُو ْالَلْبَ ِ‬
‫اب﴾(آل عمران‪. )7 :‬‬

‫‪ -٢١‬قوله‪﴿ :‬بَ ْع َد إ ْذ َه َديْتَنا﴾ فيه إسنا ُد الهدى إلى اهلل ‪،‬‬


‫(‪ )١‬اجلواب الصحيح ملن بدل دين املسيح ‪. ١٢٥/٣‬‬

‫‪28‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫مي ال يعود يف كرمه وعطيته‪،‬‬


‫وأن الكر َ‬
‫اعترافا بكرمه عليهم‪ّ ،‬‬

‫وتأكيد أن الهداي َة نعم ٌة ال تُستجلب باألموال واجلاه‪ ،‬وال تنا ُل‬

‫محض توفيق الباري تبارك وتعالى‪.‬‬


‫ُ‬ ‫باحملاسن والفضائل‪ ،‬ولكنها‬

‫وام‬ ‫﴿وه ْب لَنا مِ ن لَ ُدنْ َك َر ْح َم ًة﴾ َطلَبُوا أثَ َر َّ‬


‫الد ِ‬ ‫َ‬ ‫‪ -٢٢‬و َق ْولُ ُه‪:‬‬

‫واآلخ َرةِ‪ ،‬و َمن َع َد ِ‬


‫واعي ال َّزيْ ِغ‬ ‫ِ‬ ‫َعلى ال ُهدى‪ ،‬وهو ال َّر ْح َم ُة يف ال ُّدنْيا‬
‫َّ‬
‫وجعِ ل َ ِت ال َّر ْح َم ُة مِ ن ِعنْدِ اللِ؛ ِل َّن تَيْ ِسي َر ْ‬
‫أسبابِها وتَ ْك ِوي َن‬ ‫َّ‬
‫والش ِّر‪ُ .‬‬
‫اللِ؛ إ ْذ لَو شاء َّ‬
‫اللُ لَكا َن اإلنْسا ُن ُم َع َّر ً‬
‫ضا ِلنُزُولِ‬ ‫ُم َه ِّيئاتِها ِبتَقْدِ ِير َّ‬
‫ْ َ‬

‫ودات َكثِي َرةٍ ‪،‬‬


‫ب ْو ُج ٍ‬ ‫ور يف ُك ِّل َ ْ َ‬
‫ل ٍة؛ َفإ َّن ُه َم ْح ُف ٌ‬
‫وف ِ َ‬ ‫املَصائ ِِب ُّ‬
‫والش ُر ِ‬

‫ف َّ ِ‬
‫الل ِبهِ‬ ‫الض ْع ِف‪ ،‬لَ ْوال لُ ْط ُ‬
‫وغيْ ِر َح َّي ٍة‪ ،‬هو ِتلْقا َءها يف غايَةِ َّ‬
‫َح َّي ٍة َ‬

‫ور‬ ‫ِناب أ ْفعالِ ُّ‬


‫الش ُر ِ‬ ‫ِإيقاظ َع ْقلِهِ ِل ِّتقاءِ ا َ‬
‫حلوادِ ِث‪ ،‬وبِإ ْرشادِ ِه ِل ْجت ِ‬ ‫ب ِ‬

‫امل ُ ْه ِل َكةِ ‪ ،‬وبِإلْهامِ هِ إلى ما فِ يهِ نَ ْف ُع ُه‪ ،‬وب َ‬


‫ِج ْعلِ ِتل ْ َك ال ُقوى الغا ِل َبةِ لَ ُه‬
‫(‪ )١‬انظر التحرير والتنوير‪. ١٧٠/ ٣‬‬

‫‪29‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫صدِ هِ‪ ،‬وال تُصادِ ُف ُه ّإل َعلى‬ ‫ُقوى َع ْميا َء ال تَ ْهتَدِ ي َس ِب ً‬


‫يل إلى َق ْ‬

‫يف ِبعِ بادِ هِ﴾ (الشورى‪:‬‬ ‫َّ‬


‫﴿اللُ لَ ِط ٌ‬ ‫ور و ِل َهذا قا َل تَعالى‪:‬‬
‫َسبِيلِ النُّ ُد ِ‬
‫(‪)١‬‬
‫‪.)١٩‬‬

‫ـوهــاب ‪ :‬هو الــذي ي َه ُب‬


‫إثبات اســم ( الوهاب ) ‪ :‬والـ َّ‬
‫ُ‬ ‫‪-٢٣‬‬

‫العطاء دون ِعـ َوض ويعطي احلاجة بغير سؤال ‪ ،‬كثير النعم ‪،‬‬

‫دائم العطاء ‪.‬‬

‫ِ‬
‫مواضع ‪:‬‬ ‫وقد جاء يف القرآن الكرمي يف ثالثة‬

‫‪ -1‬قال تعالى‪َ ﴿ :‬ر َّبنَا الَ ت ُِز ْغ ُقلُوبَنَا بَ ْع َد ِإ ْذ َه َديْتَنَا َو َه ْب لَنَا مِ ْن‬

‫لَ ُدنْ َك َر ْح َم ًة ِإ َّن َك أَنْ َت الْ َو َّه ُ‬


‫اب﴾ (آل عمران ‪.) 8 :‬‬

‫‪ -2‬و ﴿أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب﴾‬

‫ص‪.9:‬‬

‫‪30‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫اغفِ ْر لِي َو َه ْب لِي ُمل ْ ًكا الَ يَنْبَغِ ي ِلَ َحـ ٍـد مِ ْن‬
‫‪ -3‬و﴿ َقــا َل َر ِّب ْ‬

‫بَ ْعدِ ي ِإ َّن َك أَنْ َت الْ َو َّه ُ‬


‫اب﴾ ص ‪. ٣٥ :‬‬

‫وقال ابن القيم يف النونية‪:‬‬

‫األزمان‬
‫ِ‬ ‫مواهبه مدى‬
‫َ‬ ‫فانظر‬ ‫اب من أسمائه‬
‫الوه ُ‬
‫وكذلك َّ‬

‫ينفكان‬
‫ِ‬ ‫املواهب ليس‬ ‫ُ‬
‫أهل السماوات العال واألرض عن تلك‬

‫آثار اسم اهلل الوهاب‪ :‬أن الوهاب هو اهلل وحده‪،‬‬


‫‪ -٢٤‬ومن ِ‬

‫بيده خزائ ُن كل شيء‪ ،‬الذي له ملك السماوات واألرض ومن‬

‫فيهن‪ ،‬فاهلل سبحانه يهب ما يشاء ملن يشاء‪ ،‬ألنه مالك امللك‬

‫وأمــا العباد فإنهم ملك هلل سبحانه‪ ،‬والعبد ال ميلك أن يهب‬

‫﴿ض َر َب اهللُ َمثَ ًل َعبْ ًدا َ ْ‬


‫ملُو ًكا َل‬ ‫شيئاً على احلقيقة‪ .‬قال تعالى َ‬

‫يَقْدِ ُر َعلَى َش ْيءٍ ﴾ (النحل‪.)75 :‬‬

‫‪31‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫وهب شيئاً من عرض‬


‫َ‬ ‫وقال اخلطابي رحمه اهلل‪ :‬فكل من‬

‫الدنيا لصاحبه فهو واهــب وال يستحق أن يسمى وهــابـاً إال‬

‫من تصرفت مواهبه يف أنــواع العطايا فكثرت نوافله ودامت‪،‬‬

‫واملخلوقون إمنا ميلكون أن يهبوا ماالً أو نواالً يف حال دون حال‪،‬‬

‫وال ميلكون أن يهبوا شفاء لسقيم‪ ،‬وال ولــداً لعقيم‪ ،‬وال هدى‬

‫لضال‪ ،‬وال عافية لذي بالء‪ ،‬واهلل الوهاب سبحانه ميلك جميع‬

‫ذلك‪ ،‬وسع اخللق جوده‪ ،‬فدامت مواهبه واتصلت منه وعوائده ‪.‬‬

‫‪ -٢٥‬واجتما ُع هذه الدعوة العظيمة مع األدعية املتقدمة تدل‬

‫على ضرورة العناية بالقلب وتعاهده بالتزكية والصالح‪ ،‬وعدم‬

‫الغفلة عنه ‪ .‬ولذلك قالوا‪ :‬من عالمات زيغ القلب‪ :‬الشك يف‬

‫ثوابت الدين ومحكماته‪ ،‬كمن شكك يف تكفير اليهود والنصارى‬

‫‪32‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫بعد بعثة النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،-‬أو شكك يف حرمة‬

‫اختالط الرجال بالنساء فيما ال ضرورة فيه؛ أو مراجعة كثير‬

‫من احملرمات يف عصر موبوء بالفنت ‪ ،‬واملورثة للحيرة ‪ ،‬فقد‬

‫فسر ترجمان القرآن ابــن عباس رضــي اهلل عنهما قــول اهلل‬
‫َّ‬

‫تعالى‪َ ﴿ :‬ف َأ َّما ا َّلذِ ي َن ِف ُقلُو ِبهِ ْم َزيْ ٌغ ﴾ بأنهم أهل الشك‪ ،‬ومن‬

‫عالمات الزيغ‪ :‬تبدل اآلراء الشرعية مبعزل عن األدلة املعتبرة‪،‬‬

‫يقول حذيفة رضي اهلل عنه‪َ « :‬م ْن أَ َح َّب مِ نْ ُك ْم أَ ْن يَ ْعل َ َم أَ َ‬


‫صابَتْ ُه‬

‫الْفِ تْنَ ُة أَ ْم َل َفلْيَن ُْظ ْر ‪َ ،‬ف ِإ ْن َكا َن يَ َرى َح َرا ًما َما َكا َن يَ َراهُ َح َل ًل‪ ،‬أَ ْو‬

‫يَ َرى َح َل ًل َما َكا َن يَ َراهُ َح َرا ًما‪َ ،‬ف َق ْد أَ َ‬


‫صابَتْ ُه الْفِ تْنَ ُة» رواه احلاكم‬

‫وصححه على شرط الشيخني ووافقه الذهبي‪.‬‬

‫ومن عالماته ‪ :‬الهزمي ُة أمام الضغوط الواقعية ‪ ،‬ومعاجلتها‬

‫‪33‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫بالهوى مثال وليس بالهدي الشرعي الصحيح ‪ .‬ومنها‪ :‬اجلرأةُ‬

‫على دين اهلل ووصفه بأوصاف التخلف والهوان ‪ ،‬ورد النصوص‬

‫الثابتة أو إخضاعها للعقل البشري‪ ،‬وقد قال اإلمام أحم ُد رحمه‬

‫اهلل‪ ( :‬من رد حديثَ رسولِ اهلل فهو على شفا هلكة )‪.‬‬

‫‪ -٢٦‬وملا كان أكث ُر املبدلني‪ ،‬إمنا أُتوا من جهة قلوبهم ‪ ،‬تخوفه‬

‫ُ‬
‫السلف قبلنا ‪ ،‬وعملوا على عالجه‪ ،‬وتطهيره‪ ،‬وأدمنوا الذك َر‬

‫والتوبة واالستغفار ‪ ،‬وجانبوا املعاصي والشهوات ‪ ،‬قال حذيفة‬

‫رضي اهلل عنه ‪ :‬سمِ ْع ُت رسو َل اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول‪:‬‬

‫قلب‬
‫فأي ٍ‬ ‫ض الف ُ‬
‫نت على القلوب؛ كاحلصير عــو ًدا عــو ًدا‪ُّ ،‬‬ ‫(تُ ْع َر ُ‬

‫أ ُ ْش ِربَها نُكِ َت فيه نكت ٌة سوداء‪ُّ ،‬‬


‫وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة‬

‫بيضاء حتى تصير على قلبني‪ ،‬على أبيض مثل الصفا‪ ،‬فال تضره‬

‫‪34‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫فتن ٌة ما دامت السموات واألرض‪ ،‬واآلخر أسود ُم ْربَا ًّدا؛كالكوز‬

‫ُم َج ِّخ ًيا‪ ،‬ال يعرف معرو ًفا‪ ،‬وال ينكر منك ًرا‪ ،‬إال ما أ ُ ْش ِــر َب من‬

‫هواه)‪ .‬متفق عليه ‪.‬‬

‫قال املنذري ‪ -‬رحمه اهلل تعالى ‪« :-‬ومعنى احلديث‪ :‬أن القلب‬

‫إذا افتنت وخرجت منه حرمة املعاصي واملنكرات خرج منه نور‬

‫اإلميان؛ كما يخرج املاء من الكوز إذا مال وانتكس»‪.‬‬

‫‪ -٢٧‬وال يص ُّح استسها ُل املعاصي وأهلها ومجالسهم ‪ ،‬ملا‬

‫فيها من الفتنة واالغترار ‪ ،‬يف احلديث الصحيح عن النبي صلى‬

‫ِالد َّجالِ َفلْيَنْ َأ َعنْ ُه ؛ َف َو َّ ِ‬


‫الل‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪َ ( :‬م ْن َسمِ َع ب َّ‬

‫إ َِّن ال َّر ُج َل لَ َي ْأتِيهِ َو ُه َو يَ ْح ِس ُب أَ َّن ُه ُمؤْمِ ٌن َف َي َّت ِب ُع ُه ِ َّ‬


‫ما يُبْ َعثُ ِبهِ مِ َن‬
‫(‪)١‬‬
‫ات ) ‪.‬‬ ‫ات «‪ .‬أَ ْو ‪«ِ :‬لَا يُبْ َعثُ ِبهِ مِ َن ُّ‬
‫الشبُ َه ِ‬ ‫ُّ‬
‫الشبُ َه ِ‬

‫(‪ )١‬رواه اإلمام أحمد( ‪ )١٩٨٧٥‬وأبو داود (‪.)٤٣١٩‬‬

‫‪35‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫قال الشي ُخ ابـ ُن بطة ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬معلقاً عليه‪« :‬هــذا قول‬
‫ـاهلل َ‬
‫اهلل يا معش َر املسلمني‬ ‫الرسول صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فـ َ‬

‫يحملن أحدا منكم ُحس ُن ظنه بنفسه وما عهـد مـن معرفتـه‬
‫َّ‬ ‫ال‬

‫بصحة مذهبه‪ ،‬على املخاطرة بدينـه يف مجالسة بعـض أهـل‬

‫هـذه األهـواء فيقو ُل أُداخله ألناظ َره‪ ،‬أو ألستخر َج منه مذهبه‪،‬‬

‫فإنهم أش ُّد فتن ًة من الدجـال وكالمهم ألصق من اجلرب‪ ،‬وأحر ُق‬

‫رأيت جماع ًة مـن الناس كانوا يلعنونهم‪،‬‬


‫للقلوب من اللهب‪ ،‬ولقد ُ‬

‫ويسبونهم يف مجالسهم على سبيل اإلنــكــار والـــــرد عليهـم‪،‬‬

‫صبُوا‬
‫فمازالت بهم املباسطة‪ ،‬وخفي املكر‪ ،‬ودقيق الكفر‪ ،‬حتى َ‬
‫(‪)١‬‬
‫إليهـم» ‪.‬‬

‫ُ‬
‫السلف ينفرون من أولئك الذين تتكدر القلوب‬ ‫‪ -٢٨‬وكان‬
‫(‪ )١‬اإلبانة ‪. ٣ /٤٧٠‬‬

‫‪36‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫بكتبهم أو مبجالستهم ‪ ،‬قال اإلمام مالك رضي اهلل عنه ‪( :‬ال‬

‫مت ِّكن زائ َغ القلب من أذنك فإنك ال تدري ما يعلقك من ذلك)‪.‬‬

‫صاحب بدعة‬
‫َ‬ ‫جالس‬
‫َ‬ ‫وقال سفيا ُن الثوري رحمه اهلل ‪( :‬من‬

‫لم يسلم من إحدى ثالث‪ :‬إما أن يكو َن فتن ًة لغيره وإما أن يق َع يف‬

‫َّ‬
‫فيزل به فيدخله اهلل النار‪ ،‬وإما أن يقول‪ :‬واهلل ما‬ ‫قلبه شيء‬

‫أبالي ما تكلموا وإني واثق بنفسي فمن أمن اهلل على دينه طرفة‬

‫عني ‪ ،‬سلبه إياه)‪.‬‬

‫جتالس أهل األهواء‬


‫ْ‬ ‫وقال ابن عباس رضي اهلل عنهما‪( :‬ال‬

‫فإن مجالستهم ممرضة للقلب)‪.‬‬

‫وقــال أبو قالب َة رحمه اهلل ‪( :‬ال جتالسوا أهل األهــواء وال‬

‫جتادلوهم فإني ال آمن أن يغمسوكم يف ضاللهم أو يلبسوا عليكم‬

‫‪37‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫ما تعرفون)‪ .‬وقــال إبراهيم النخعي‪( :‬ال جتالسوا أصحاب‬

‫األهواء وال تكلموهم فإني أخاف أن ترتد قلوبكم)‪ .‬وقال عمرو‬

‫بن قيس املالئي‪( :‬كــان يقال‪ :‬ال تصاحب صاحب زيــغ فيزيغ‬

‫قلبك)‪.‬‬

‫صاحب بدعة من‬


‫َ‬ ‫وقال مسلم بن يسار رحمه اهلل ‪( :‬ال متك ْن‬

‫سمعك فيصب فيها ما ال تقدر أن تخرجه من قلبك)‪.‬‬

‫‪ -٢٩‬ويف اآليــة دلــيـ ٌل على وجــوب توقي الشكوك املُــرديــة‬

‫بالقلب‪ ،‬وهي التي تكو ُن سب ًبا يف الزيغ واالنحراف عن سواء‬

‫طلب العلم الشرعي واتباع‬


‫ُ‬ ‫السبيل ‪ ،‬ويتقيها املسلم مبا يلي‪:‬‬

‫السنن‪ ،‬واستيقان موعود اهلل‪ ،‬واملواظبة على األذكــار‪ ،‬وعدم‬

‫االسترسال معها‪ ،‬وكبحها بالعلم والثبات‪ ،‬وملء الزمان بالفوائد‬

‫‪38‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫واملنافع ‪ ،‬وهجران رفقة السوء والتهريج ‪.‬‬

‫قال العالم ُة احملق ُق ابن القيم رحمه اهلل‪:‬‬

‫« فمن أراد التخلص من هذه البلية فليستشعر أن احلق يف‬

‫اتباع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يف قوله وفعله ‪ ،‬وليعزم على‬

‫سلوك طريقته عزمية من ال يشك أنه على الصراط املستقيم‪،‬‬

‫وأن ما خالفه من تسويل إبليس ووسوسته ‪ ،‬ويوقن أنه عدو‬

‫له ‪ ،‬ال يدعوه إلى خير ‪ ،‬إمنا يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب‬

‫السعير ‪ ،‬وليترك التعريج على كل ما خالف طريقة رسول اهلل‬

‫صلى اهلل عليه وسلم كائنا ما كان ‪ ،‬فإنه ال يشك أن رسول اهلل‬

‫صلى اهلل عليه وسلم كان على الصراط املستقيم ‪ ،‬ومن شك يف‬

‫هذا فليس مبسلم ‪ ،‬ومن علمه فإلى أين العدول عن سنته ‪ ،‬وأي‬
‫(‪ )١‬إغاثة اللهفان ‪.١٣٥/١‬‬

‫‪39‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫شيء يبتغي العبد غير طريقته ‪ ،‬ويقول لنفسه ‪ :‬ألست تعلمني أن‬

‫طريقة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم هي الصراط املستقيم‬

‫؟! فإذا قالت له ‪ :‬بلى ‪ .‬قال لها ‪ :‬فهل كان يفعل هذا ؟ فستقول‪:‬‬

‫ال‪ .‬فقل لها ‪ :‬فماذا بعد احلق إال الضالل ؟! وهل بعد طريق‬

‫اجلنة إال طريق النار ‪ ،‬وهل بعد سبيل اهلل وسبيل رسوله إال‬

‫اتبعت سبيله كنت قرينه ‪ ،‬وستقولني ‪ :‬يا‬


‫َ‬ ‫سبيل الشيطان ‪ ،‬فإن‬
‫(‪)١‬‬
‫ليت بيني وبينك بُعد املشرقني فبئس القرين » ‪.‬‬

‫ـاب الــزيــغ معاندة احلــق ‪ ،‬واإلصـ ــرار على‬


‫‪ -٣٠‬ومــن أســبـ ِ‬

‫املعصية‪ ،‬ورد املواعظ والزواجر ‪ ،‬كما قال تعالى‪َ ﴿ :‬فل َ َّما زَا ُغوا‬
‫أَزَا َغ َّ‬
‫اللُ ُقلُوبَ ُه ْم﴾ أَ ْي‪َ :‬فل َ َّما َع َدلُوا َع ِن ا ِّت َب ِاع ْ َ‬
‫ال ِّق َم َع ِعلْمِ هِ ْم ِبهِ ‪،‬‬

‫ال ْذ َل َن‪،‬‬ ‫الش َّك َو ْ َ‬


‫اليْ َرةَ َو ْ ُ‬ ‫أَزَا َغ َّ‬
‫اللُ ُقلُوبَ ُه ْم َع ِن الْ ُه َدى‪َ ،‬وأَ ْس َكنَ َها َّ‬

‫‪40‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫َك َما َقا َل تَ َعالَى‪َ ﴿ :‬ونُ َقلِّ ُب أَ ْف ِئ َدتَ ُه ْم َوأَبْ َ‬


‫صا َر ُه ْم َك َما لَ ْم يُؤْمِ نُوا ِبهِ‬

‫(الَنْ َع ِام‪َ )١١٠ :‬و َقا َل‬


‫أَ َّو َل َم َّرةٍ َونَ َذ ُر ُه ْم ِف ُط ْغيَانِهِ ْم يَ ْع َم ُهو َن﴾ ْ‬

‫ي لَ ُه الْ ُه َدى َويَ َّت ِب ْع َغيْ َر َسبِيلِ‬


‫﴿ َو َم ْن يُ َشاقِ ِق ال َّر ُسو َل مِ ْن بَ ْعدِ َما تَ َب َّ َ‬

‫ني نُ َو ِّلهِ َما تَ َو َّلى َونُ ْ‬


‫صلِهِ َج َه َّن َم َو َسا َء ْت َم ِصي ًرا﴾ (ال ِّن َساءِ ‪:‬‬ ‫ْالُؤْمِ ِن َ‬
‫اللُ تَ َعالَى ِف َهذِ ِه ْاليَةِ ‪َ ﴿ :‬و َّ‬
‫اللُ َل يَ ْهدِ ي الْ َق ْو َم‬ ‫‪َ )١١٥‬و ِل َه َذا َقا َل َّ‬

‫الْ َف ِ‬
‫اسقِ َ‬
‫ني﴾‪.‬‬

‫‪ -٣١‬ويستفا ُد من هذه اآلية‪ :‬فض ُل الثبات ‪ ،‬وحاجتنا املاسة‬

‫إليه ‪ ،‬فقد سألوا اهلل التثبيت على الهدى بقولهم‪َ ﴿ :‬ر َّبنا ال ت ُِز ْغ‬

‫ُقلُوبَنا بَ ْع َد إ ْذ َه َديْتَنا﴾‪ .‬وأن العل َم لوحده ال يكفي دو َن توفيق‬

‫اهلل وتسديده ‪ .‬ولذلك امرنا بطلب الهداية والثبات عليها يف ك ِّل‬

‫الص َر َ‬
‫اط ْال ُ ْستَقِ ي َم﴾ سورة الفاحتة ‪. ٥ :‬‬ ‫﴿اهدِ نَا ِ ّ‬
‫ركعة‪ْ ..‬‬

‫‪41‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫إدراك املرء وعقله ومتييزه ‪ ،‬خال ًفا‬


‫ِ‬ ‫القلب مح ّ ُل‬
‫َ‬ ‫‪ -٣٢‬وأن‬

‫ملن يقول أن العقل يف الــرأس ‪ .‬قال الشي ُخ ابن عثيمني رحمه‬

‫اهلل‪ :‬والقلب هو هذا اجلزء املستقر يف الصدر لقول اهلل تعالى‪:‬‬

‫ور﴾‬ ‫وب ا ّلَتِي ِف ّ ُ‬


‫الص ُد ِ‬ ‫﴿ َف ِإ ّنَ َها َل تَ ْع َمى ْالَبْ َ‬
‫صا ُر َولَكِ ْن تَ ْع َمى الْ ُقل ُ ُ‬

‫(احلج ‪ ،)٤٦‬وبهذا القلب يكون العقل لقوله تعالى‪﴿ :‬أَ َفل َ ْم يَ ِسي ُروا‬

‫ِف ْالَ ْر ِ‬
‫ض َفتَ ُكو َن لَ ُه ْم ُقل ُ ٌ‬
‫وب يَ ْعقِ لُو َن ِب َها﴾ (احلج ‪ ،)٤٦‬وبنا ًء على‬

‫هذه األدلة يتبني أن العقل يف القلب‪ ،‬وليس يف الدماغ‪ ،‬والعلماء‬

‫ميا وحدي ًثا هل العقل يف الدماغ أو العقل يف القلب؟‬


‫اختلفوا قد ً‬

‫والذي دل عليه القرآن أنه يف القلب‪ ،‬والقرآن كالم اخلالق‪،‬‬

‫واخلــا ِلــق عز وجــل أعلم مبا خلق‪ ،‬فالعقل بالقلب‪ ،‬لكن عقل‬

‫القلب هو عقل التصرف والتدبير ليس عقل اإلدراك والتصور‪،‬‬

‫‪42‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫فإن عقل اإلدراك والتصور يكون يف املخ‪ ،‬فاملخ يتصور ويعقِ ل‪،‬‬

‫وهو مبنزلة السكرتير للقلب يشرح ما يريد رفعه إلى القلب‪ ،‬ثم‬

‫يرفعه إلى القلب‪ ،‬ثم يصدر القلب األوامر‪ ،‬والذي يُبلغ األوامر‬

‫إلى الرعية َمـ ْن؟ الدماغ هو الذي يبلغ األوامــر‪ ،‬ولهذا تنشط‬

‫العضالت كلها بنشاط الدماغ‪ ،‬فصارت املسألة سلسلة يتصور‬

‫الذي يتصور ويدرك وفيه عقل اإلدراك هو الدماغ‪!.. .‬‬

‫‪ -٣٣‬وقال ‪ :‬وأما عقل التصرف والتدبير والرشاد والفساد‬

‫فهو عقل القلب‪ ،‬فالدماغ يتصور‪ ،‬ويدرك األشياء‪ ،‬وينظر فيها‪،‬‬

‫ثم يرفعها مكتوبة ِ ّ‬


‫ليوقع عليها القلب‪ ،‬ترد على القلب والقلب‬

‫يأمر وينهى‪ ،‬لكن القلب ال يباشر‪ ،‬هو بنفسه أعلى من أن يباشر‬

‫مخاطبة هؤالء اجلنود‪ ،‬يرسل القضية إلى َم ْن؟ إلى الدماغ مرة‬

‫‪43‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫ثانية‪ ،‬الدماغ يوجه األوامــر ويقول‪ :‬امللك يأمركم بكذا وكذا‬

‫فتمتثل لألوامر‪ ،‬ولهذا قال النبي عليه الصالة والسالم‪« :‬أَ َل‬

‫صل َ َح ْ َ‬
‫ال َس ُد ُكلّ ُ ُه‪َ ،‬و ِإ َذا َف َس َد ْت‬ ‫صل َ َح ْت َ‬
‫ض َغ ًة ِإ َذا َ‬ ‫َو ِإ َّن ِف ْ َ‬
‫ال َسدِ ُم ْ‬

‫ٍ‬
‫وحينئذ يزول اإلشكال‬ ‫ال َس ُد ُكلّ ُ ُه؛ أَ َل َو ِ َهــي الْ َقل ْ ُب» ‪.‬‬
‫َف َس َد ْ َ‬

‫وجتتمع األدلة احلسية والشرعية‪!..،‬‬

‫‪ -٣٤‬وحينما تكون هذه اآلي ُة يف معرض الراسخني يف العلم‬

‫وتخوفهم السلوكي من تخبط القلوب وزيغها‪ ،‬ينبئك ذلك عن‬

‫خطورة األمر ‪ ،‬وضرورة استيقاظ َمن دونهم دعاء وإشفا ًقا ‪ ،‬ال‬

‫سيما والرسوخ معنى إضايف فوق مجرد العلم وطلبه ‪!..‬‬

‫العلم ‪ ،‬ودمية توكلهم‬


‫ِ‬ ‫‪ -٣٥‬ويؤخذ منها فض ُل الراسخني يف‬

‫سبب ‪ ،‬والعقل وسيلة ‪ ،‬وال‬


‫ٌ‬ ‫والتجائهم إلى ربهم تعالى‪ ..‬وأن العلم‬

‫‪44‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫يغنيان عن الدعاءِ وسؤال َ‬


‫اهلل التثبيت والهداية‪.‬‬

‫‪ -٣٦‬جاء يف صحيح مسلم عن أَبي َسل َ َم َة بن َعبْدِ ال َّر ْح َم ِن بْ ِن‬

‫ني ؛ ِب َأ ِّي َش ْيءٍ َكا َن نَ ِب ُّي َّ ِ‬


‫الل‬ ‫َع ْو ٍف ‪َ ،‬قا َل ‪َ :‬س َألْ ُت َعائ َ‬
‫ِش َة أ ُ َّم ْالُؤْمِ ِن َ‬

‫ص َلتَ ُه ِإ َذا َقا َم مِ َن اللَّيْلِ ؟ َقالَ ْت ‪َ :‬كا َن‬ ‫صلَّى َّ‬


‫اللُ َعلَيْهِ َو َسلَّ َم يَ ْفتَ ِت ُح َ‬ ‫َ‬

‫ص َلتَ ُه ‪ ( :‬اللَّ ُه َّم َر َّب َجبْ َرائِي َل َومِ ي َكائِي َل‬


‫ِإ َذا َقا َم مِ َن اللَّيْلِ ا ْفتَتَ َح َ‬

‫الش َها َد ِة أَنْ َت‬ ‫ات َو ْالَ ْر ِ‬


‫ض‪َ ،‬عا ِل َم الْ َغيْ ِب َو َّ‬ ‫الس َما َو ِ‬ ‫ِس َرافِ ي َل َف ِ‬
‫اط َر َّ‬ ‫َوإ ْ‬

‫ي ِع َبادِ َك فِ ي َما َكانُوا فِ يهِ يَخْ تَ ِل ُفو َن‪ْ ،‬‬


‫اهدِ نِي ِلَا اخْ تُل َ‬
‫ِف فِ يهِ‬ ‫ت ُك ُم بَ ْ َ‬
‫َ ْ‬
‫(‪)١‬‬
‫ِك ؛ ِإ َّن َك تَ ْهدِ ي َم ْن ت ََشاءُ ِإلَى ِص َر ٍ‬
‫اط ُم ْستَقِ ٍيم )‪.‬‬ ‫ال ِّق ِب ِإ ْذن َ‬
‫مِ َن ْ َ‬

‫ِك»‪ ،‬أي‪ :‬ثَ ِّبتْني‬


‫احلق بإذن َ‬
‫ِّ‬ ‫اهدِ نِي ِلَا اخْ تُل َ‬
‫ِف فيه مِ َن‬ ‫واملعنى ‪ْ :‬‬

‫يم ا َّلــذي َد َعــا إليه األنبياءُ‬


‫ريق امل ُ ْستَقِ ِ‬ ‫وز ْدنــي الهِ داي َة إلى َّ‬
‫الط ِ‬ ‫ِ‬

‫واملرسلَون‪ ،‬بتَوفيقِ َك وتَيْ ِس ِ‬


‫ير َك‪ ،‬وجنبني الضالل َة واالنحراف‪،‬‬ ‫َ‬
‫(‪ )١‬مسلم (‪.)٧٧٠‬‬

‫‪45‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫ِّ‬
‫احلق‬ ‫ستقيم» وهو َطري ُق‬
‫ٍ‬ ‫«إ َّنــك تَهدِ ي َمن تشاءُ إلى ِصـ ٍ‬
‫ـراط ُم‬

‫ـي‬
‫وسـ ِّمـ َ‬
‫اإلســـام‪ُ ،‬‬
‫ِ‬ ‫املستبني ا َّل ــذي ال اعـ ِـوجــا َج فيه‪ ،‬وهــو دِ يــ ُن‬

‫أن َّ‬
‫الطري َق احلِ ِّس َّي كذلك‪،‬‬ ‫وص ٌل للمقصودِ كما َّ‬ ‫ِص ً‬
‫راطا؛ أل َّنه ُم ِ‬

‫جلمل ُة تَعلي ٌل لطل َ ِب الهِ دايةِ منه ُسبحانه وتعالَى‪ ،‬أي‪ :‬أل َّنك‬
‫وا ُ‬

‫تَ ْهدي َمن تَشاءُ‪ ،‬وهذا ال ُّدعاءُ مِ ن َكمالِ التذلل واالفتقار ِ‬


‫هلل‬

‫ُسبحانه وتعالَى‪.‬‬

‫‪ -٣٧‬قال اب ُن القيم رحمه اهلل‪ :‬حقيق باملفتي أن يكثر الدعاء‬

‫باحلديث الصحيح‪« :‬اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل‬

‫فاطر السموات واألرض عالم الغيب والشهادة أنت حتكم بني‬

‫عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني ملا اختلف فيه من احلق‬

‫بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم» وكان شيخنا‬

‫‪46‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫كثير الدعاء بذلك‪ ،‬وكان إذا أشكلت عليه املسائل يقول‪« :‬يا معلم‬

‫إبراهيم علمني» ويكثر االستعانة بذلك اقتداء مبعاذ بن جبل‬

‫رضي اهلل عنه حيث قال ملالك بن يخامر السكسكي عند موته‬

‫وقد رآه يبكي‪ ،‬فقال‪ :‬واهلل ما أبكي على دنيا كنت أصيبها منك‪،‬‬

‫ولكن أبكي على العلم واإلميان اللذين كنت أتعلمهما منك‪ ،‬فقال‬

‫معاذ بن جبل رضي اهلل عنه‪ :‬إن العلم واإلميــان مكانهما من‬

‫ابتغاهما وجدهما‪.‬‬

‫اطلب العلم عند أربعة‪ :‬عند عومير أبي الدرداء‪ ،‬وعند عبد‬

‫اهلل بن مسعود‪ ،‬وأبي موسى األشعري‪ ،‬وذكر الرابع‪ ،‬فإن عجز‬

‫عنه هؤالء فسائر أهل األرض عنه أعجز‪ ،‬فعليك مبعلم إبراهيم‪.‬‬

‫قال ابن القيم رحمه اهلل‪ :‬وسمعت شيخنا رحمه اهلل يقول‪:‬‬

‫‪47‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫جاءني بعض الفقهاء من احلنفية فقال‪ :‬أستشيرك يف أمرك‪،‬‬

‫قلت‪ :‬ما هو؟ قــال‪ :‬أري ـ ُد أن انتقل عن مذهبي‪ ،‬قلت له‪ :‬ولم؟‬

‫قال‪ :‬ألني أرى األحاديث الصحيحة كثيرا تخالفه‪ ،‬واستشرت‬

‫يف هذا بعض أئمة أصحاب الشافعي‪ ،‬فقال لي‪ :‬لو رجعت عن‬

‫مذهبك لم يرتفع ذلك من املذهب‪ ،‬ورجوعك غير مفيد‪ ،‬وأشار‬

‫علي بعض أصحاب التصوف باالفتقار إلى اهلل والتضرع إليه‪،‬‬

‫وسؤال الهداية ملا يحبه ويرضاه فماذا تشير به أنت علي؟ قال‪:‬‬

‫فقلت له‪ :‬اجعل املذهب ثالث َة أقسام‪ :‬قسم ُ‬


‫احلــق فيه ظاهر‬

‫طيب النفس‪،‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫وافت به‬ ‫بي ‪ ،‬مواف ٌق للكتاب والسنة فاقض به‪،‬‬
‫ّ‬

‫منشرح الصدر وقس ٌم مرجوح ومخالفه مع الدليل‪ ،‬فال تفت‬

‫به‪ ،‬وال حتكم به‪ ،‬وادفعه عنك‪ ،‬وقسم من مسائل االجتهاد التي‬

‫‪48‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫األدلة فيها متجاذبة‪ ،‬فإن شئت أن تفتي به‪ ،‬وإن شئت أن تدفعه‬
‫(‪)١‬‬
‫عنك‪ ،‬فقال‪ :‬جزاك اهلل خيرا‪ ،‬أو كما قال‪.‬‬

‫‪ -٣٨‬أن كثرةَ العلوم وزيادتها وتنوعها ‪ ،‬ال متنع من الدعاء ‪،‬‬

‫العلوم مفتاح خشية‬


‫ِ‬ ‫وال تغني عن االنكسار بني يدي اهلل‪ ،‬بل كثرة‬
‫اهلل مِ ن ِعبادِ ِه العلَماء إ َّن َ‬
‫اهلل‬ ‫﴿إنا يَخْ شى َ‬
‫اهلل والقربى منه َّ‬
‫ُ ُ‬

‫َع ِزي ٌز َغ ُفو ٌر﴾ (فاطر ‪.)٢٨‬‬

‫قــال مجاهد رحمه اهلل ‪ ( :‬إمنــا العالم من خشي اهلل عز‬

‫وجل)‪.‬‬

‫وقــال مسروق رحمه اهلل ‪ ( :‬كفى بخشية اهلل علماً وكفى‬

‫باالغترار جه ً‬
‫ال) ‪ ،‬وعن ابن مسعود نحوه ( فمن كان أعلم باهلل‬

‫كان أخشاهم له) ‪ .‬قال الربيع بن أنس رحمه اهلل ‪ ( :‬من لم‬
‫(‪ )١‬انظر املستدرك على مجموع الفتاوى‪. ١٥١/٥‬‬

‫‪49‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫َ‬
‫يخش اهلل فليس بعالم )‪ .‬وعن ابن مسعود قال‪ ( :‬ليس العل ُم من‬

‫كثرة احلديث‪ ،‬لكن العلم من اخلشية‪ ،‬ويف لفظ ‪ :‬بكثرة الرواية‬

‫وعن حذيفة‪ ( :‬بحسب املؤمن من العلم أن يخشى اهلل) ‪.‬‬

‫وعن عائشة قالت‪ :‬صنع رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‬

‫‪ -‬شيئاً فرخص فيه فتنزه عنه قوم فبلغ ذلك النبي ‪ -‬صلى‬

‫أقوام‬
‫ٍ‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪ -‬فخطب فحمد اهلل‪ ،‬ثم قال‪ ( :‬ما با ُل‬

‫يتنزهون عن الشيء أصنعه فواهلل إني ألعل ُمهم باهلل وأش ُّدهم‬

‫له خشي ًة )‪ .‬أخرجه البخاري ومسلم ‪.‬‬

‫يالمس‬
‫ُ‬ ‫‪ -٣٩‬أن مــواط ـ َن الــزيــغ كثيرةٌ يف احلــيــاة منها مــا‬

‫العلم والــدعــوة ‪ ،‬نحو‪ :‬التالعب بالعلم والترخص بــه‪ ،‬وجعله‬

‫ساللم للدنيا‪ ،‬وخدمة اآلخري َن به واالشتراء به ثم ًنا ً‬


‫قليل ‪،‬‬

‫‪50‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫وإذا استُطيب ذلك وتعلل به‪ُ ،‬حرم برك َة العلم ‪ ،‬ولم يعمل به‪،‬‬

‫ُ‬
‫يعرف معروفا وال ينكر منك ًرا ‪ ،‬قد جفا‬ ‫وصــار ُمتصنعاً‪ ،‬ال‬

‫يالمس الدنيا ‪ ،‬كالتقاتل‬


‫ُ‬ ‫قلبُه ‪ ،‬وانطمست بصيرتُه ‪ .‬ومنها ما‬

‫عليها وإشغال الفؤاد بها وبهمومها ‪ ،‬حتى جتره إلى تبديد العلم‬

‫ونسيان معانيه…!‬

‫‪ -٤٠‬أن انتفا َء زيغ القلب يعني صحتَه ‪ ،‬وسالمتَه من األسقام‪،‬‬

‫ودقـ َة اختياراته ‪ ،‬وصوابي َة توجهاته‪ ،‬وتعني الفه َم الصحيح‪،‬‬

‫وحسن اجلمع والتأليف‪ .‬وثمرةُ ذلك الهداية‬


‫والنظ َر السليم ‪ُ ،‬‬

‫التامة املــورثــة للسعادة واالنــشــراح‪ ،‬وانقشاع الهموم والقلق‬

‫والضيقات ‪!..‬‬

‫‪ -٤١‬إمنا يصل ُح العلماء بالعمل والثبات على احلق ‪ ،‬وعدم‬

‫‪51‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫اس رضي اهلل عنه ‪( :‬الْ َعا ِل ُم بِال َّر ْح َم ِن َم ْن‬


‫التأكل به ‪ ،‬قال اب ُن َع َّب ٍ‬

‫لَ ْم يُ ْش ِر ْك ِبهِ َشيْ ًئا‪َ ،‬وأَ َح َّل َح َللَ ُه‪َ ،‬و َح َّر َم َح َرا َم ُه‪َ ،‬و َحفِ َظ َو ِص َّيتَ ُه‪،‬‬

‫َوأَيْ َق َن أَ َّن ُه ُم َلقِ يهِ ومحاسب بعمله) ‪.‬‬

‫َو َقا َل َسعِ ي ُد بْ ُن ُجبَيْ ٍر رحمه اهلل ‪َ ْ ( :‬‬


‫ال ْشيَ ُة ِه َي ا َّلتِي َ ُ‬
‫تو ُل‬

‫ي َم ْع ِص َيةِ َّ ِ‬
‫الل َع َّز َو َج َّل) ‪.‬‬ ‫بَيْن ََك َوبَ ْ َ‬

‫ص ِر ُّي رحمه اهلل ‪ ( :‬الْ َعا ِل ُم َمن َخ ِش َي ال َّر ْح َم َن‬ ‫َو َقا َل ْ َ‬
‫ال َس ُن الْبَ ْ‬
‫اللُ فِ يهِ ‪َ ،‬وز َِه َد فِ يما سخط َّ‬
‫اللُ فِ يهِ ‪،‬‬ ‫بِالْ َغي ِب‪َ ،‬ور ِغ َب فِ يما ر ِغ َب َّ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫الل مِ ْن ِعبادِ ِه الْعلَماء إ َِّن َّ َ‬
‫الل َع ِزي ٌز‬ ‫ِنا يَخْ َشى َّ َ‬ ‫ثُ َّم ت ََل ْ َ‬
‫ال َس ُن‪﴿ :‬إ َّ َ‬
‫ُ َ ُ‬ ‫َ‬

‫َغ ُفو ٌر﴾ ‪.‬‬

‫‪ -٤٢‬أن أعظ َم نعمة يف الوجود نعمة الهداية وإصابة الطريق‬

‫املستقيم ‪ ،‬ومنها نع ٌم خاصة للعلماء الراسخني كالبصيرة ‪،‬‬

‫‪52‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫الناس‪ ،‬وإحياء‬
‫َ‬ ‫وحسن العمل‪ ،‬واتباع السنن ونشرها‪ ،‬ومبادرتها‬
‫ُ‬

‫ما اندرس من الشرائع ‪ ،‬وانشراح الصدر‪ ،‬وبلوغ السعادة ‪ ،‬وزيادة‬

‫اليقني ‪ ،‬واستبيان املنهاج‪ ،‬والنجاة من الضاللة والشكوك‪ ،‬وبقدر‬

‫تكون العلم املخبت هلل‪ ،‬تسفر تلك الثمار ‪!..‬‬

‫‪ -٤٣‬ويجد ُر مبن وعى الشرائع أن ال يرد الشرع واألحكام ‪،‬‬

‫قال ابن القيم رحمه اهلل ‪َ :‬قا َل تَ َعالَى ﴿ َوإِذ َقا َل ُم َ‬


‫وسى ِل َق ْومِ هِ‬

‫يَا قوم لم تؤذونني َوقد تعل ُمو َن أَ ِّني َر ُسول اهلل ِإلَيْ ُكم َفل َ َّما زاغوا‬

‫أزاغ اهلل ُقلُوبهم َواهلل َل يهدي الْ َــق ْــوم الْ َف ِ‬


‫اسقني﴾ فعاقبهم‬

‫ُسبْ َحانَ ُه بازاغة ُقلُوبهم َعن ْ‬


‫الق ملا زاغوا َعن ُه ابْ ِت َداء َونَ ِظيره‬

‫َق ْوله تَ َعالَى «ونقلب أفئدتهم وأبصارهم َك َما لم يُؤمنُوا ِبهِ أول‬

‫م ّرة ونذرهم ِف طغيانهم يعمهون» َو ِل َه َذا قيل من عرض َعلَيْهِ‬

‫‪53‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫حق َفرده َفلم يقبله ُعوقِ َب بِفساد قلبه وعقله ورأيه َومن ُهنَا‬

‫قيل َل َرأْي َ‬
‫لصاحب هوى فان َه َواهُ يحمل ُه على رد ْ‬
‫الق َفيفْسد‬

‫اهلل َعلَيْهِ َرأْيه وعقله َقا َل تَ َعالَى ﴿فب َما نقضهم ميثاقهم وكفرهم‬

‫بآيَات اهلل وقتلهم ْالَنْ ِبيَاء ِب َغيْر حق َو َق ْوله ْم ُقلُوبنَا غلف﴾ اخبر‬

‫ِال ِّق بعد ان علموه َكا َن َسببا لطبع اهلل على‬


‫ُسبْ َحانَ ُه ان كفرهم ب ْ َ‬

‫ُقلُوبهم ﴿بل طبع اهلل َعلَيْ َها بكفرهم﴾ َحتَّى َ‬


‫صا َرت غل ًفا والغلف‬

‫جمع اغلف َو ُه َو الْقلب ا َّلذِ ي قد غشيه غالف كالسيف ا َّلذِ ي ِف‬

‫غالفه وكل َش ْيء ِف غالفه َف ُه َو اغلف َوجمعه غلف يُ َقال سيف‬

‫اغلف وقوس غلفاء َورجــل اغلف واقلف اذا لم يخنت َو ْال ْعنَى‬

‫ُقلُوبنَا َعلَيْ َها غشاوة وغطاء َف َل تفقه َما تَقول يَا ُم َح َّمد َولم تع‬
‫(‪)١‬‬
‫َشيْئا …!‬

‫(‪ )١‬مفتاح دار السعادة ‪. ٩٩/١‬‬


‫‪54‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫حس َن قصده ‪ ،‬وابتغى الرشد ُفتح‬


‫‪ -٤٤‬وفيها أن العال َم كلما ّ‬

‫وعف ثوابه‪ ،‬قال اإلما ُم اب ُن القيم رحمه اهلل‪﴿ :‬ثُ َّم ت َ‬


‫َاب‬ ‫وض َ‬‫عليه ُ‬

‫اب ال َّر ِحي ُم﴾ (التوبة‪)118 - 117 :‬‬ ‫َعلَيهِ م ِليتُوبُوا إ َِّن َّ َ‬
‫الل ُه َو ال َّت َّو ُ‬ ‫ْ ْ َ‬

‫َف َأخْ بَ َر ُسبْ َحانَ ُه أَ َّن تَ ْوبَتَ ُه َعلَيْهِ ْم َسبَ َق ْت تَ ْوبَتَ ُه ْم‪َ ،‬وأَ َّن َها ِه َي ا َّلتِي‬

‫ني‪َ ،‬ف َكانَ ْت َس َب ًبا ُم ْقت َِض ًيا ِلتَ ْوبَتِهِ ْم‪َ ،‬ف َد َّل َعلَى أَ َّن ُه ْم َما‬
‫َج َعلَتْ ُه ْم تَا ِئ ِب َ‬

‫ال ْك ُم يَنْتَفِ ي ِلنْ ِت َفاءِ ِعلَّتِهِ ‪،‬‬ ‫َاب َّ‬


‫اللُ تَ َعالَى َعلَيْهِ ْم‪َ ،‬و ْ ُ‬ ‫تَابُوا َحتَّى ت َ‬

‫َونَ ِظي ُر َه َذا ِه َدايَتُ ُه ِل َعبْدِ ِه َقبْ َل ِال ْه ِت َداءِ ‪َ ،‬ف َي ْهتَدِ ي ِبهِ َدايَتِهِ ‪َ ،‬فت ِ‬
‫ُوج ُب‬
‫لَ ُه ِتل ْ َك الْهِ َدايَ ُة ِه َدايَ ًة أُخْ رى يُثِيب ُه َّ‬
‫اللُ ِب َها ِه َدايَ ًة َعلَى ِه َدايَتِهِ ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬

‫اب الْ ُه َدى الْ ُه َدى بَ ْع َدهُ‪َ ،‬ك َما أَ َّن مِ ْن ُع ُقوبَةِ َّ‬
‫الض َللَةِ‬ ‫َف ِإ َّن مِ ْن ثَ َو ِ‬

‫اهتَ َد ْوا زَا َد ُه ْم ُه ًدى﴾‬ ‫الض َللَ ُة بَع َد َها‪َ ،‬قا َل َّ‬
‫اللُ تَ َعالَى ﴿ َوا َّلذِ ي َن ْ‬ ‫َّ‬
‫ْ‬

‫(محمد‪َ )17 :‬ف َه َدا ُه ْم أَ ْو ًل َف ْ‬


‫اهتَ َد ْوا‪َ ،‬فزَا َد ُه ْم ُه ًدى ثَا ِن ًيا‪َ ،‬و َع ْك ُس ُه‬

‫‪55‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫ِف أَ ْهــلِ ال َّزيْغ َك َقولِهِ تَ َعالَى ﴿ َفلَما زَا ُغــوا أَزَا َغ َّ‬
‫اللُ ُقلُوبَ ُه ْم﴾‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫(‪)١‬‬
‫َاغ ُة ال َّثا ِن َي ُة ُع ُقوبَ ٌة لَ ُه ْم َعلَى َزيْغِ هِ ْم»‪.‬‬ ‫(الصف‪َ )5 :‬ف َهذِ ِه ْ ِ‬
‫الز َ‬

‫‪ -٤٥‬هداي ُة العلماء تكم ُن يف إميانهم ُ‬


‫وحسن تدينهم‪ ،‬وعلمهم‬

‫الفائق‪ ،‬وبصيرتهم النافذة ‪ ،‬ووضــوح الطريق ‪ ،‬والسالمة من‬

‫البدع‪ ،‬ومتييز احلق من الباطل ‪.‬‬

‫‪ -٤٦‬ويف اآلية دلي ٌل على فضل العلم وطلبه والرسوخ فيه‪،‬‬

‫سبب بعد توفيق املولى لإلميان وفهم النصوص‪ ،‬وعدم‬


‫ٌ‬ ‫وأنــه‬

‫االضطراب فيها‪ ،‬أو تعمد تأويلها بالباطل كطريقة أهلِ األهواء‬

‫والفتنة‪.‬‬

‫‪ -٤٧‬وفيها فض ُل العلماء املؤمنني بك ِّل الكتاب بال تفريق‪ ،‬وإن‬

‫ض ُل بَ ْع ِضهِ ْم َعلَى‬ ‫خفي بعضه ‪ِ ،‬لَ َّن ُه لَ ْو َكا َن ُكلُّ ُه َو ِ‬


‫اض ًحا لَ ْم يَ ْظ َه ْر َف ْ‬
‫(‪ )١‬مدارج السالكني ‪. ١ /٣١٩‬‬

‫‪56‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫َصنِي ًفا يَ ْج َع ُل بَ ْع َ‬
‫ض ُه َو ِ‬
‫اض ًحا‬ ‫فت ْ‬ ‫بَ ْع ٍض‪َ .‬و َه َك َذا يَ ْف َع ُل َم ْن يُ َ‬
‫ص ِّن ُ‬

‫ض ُه ُم ْشكِ ًل‪َ ،‬ويَتْ ُر ُك ِلل ْ ُجثْ َوةِ‪ -‬اجلماعة‪َ -‬م ْو ِض ًعا‪ِ ،‬لَ َّن َما َها َن‬
‫َوبَ ْع َ‬

‫ُو ُجو ُدهُ َق َّل بَ َها ُؤهُ‪.‬‬

‫‪ -٤٨‬وإمنا يف َقه هذا املعنى َمن ج ّمله اهللُ بكمالِ اللب‪ ،‬ومتام‬

‫العقل ‪ ،‬وانتفع بهذه املواعظ ‪ ،‬ووقف عند حدود اهلل وشرعه‬

‫اس ُخو َن ِف الْعِ ل ْ ِم يَ ُقولُو َن آ َمنَّا ِبهِ ُك ّ ٌل ِ ّم ْن ِعندِ َر ِ ّبنَا َو َما يَ َّذ َّك ُر‬
‫﴿ َوال َّر ِ‬

‫إ َِّل أُولُو ْالَلْبَ ِ‬


‫اب﴾ (آل عمران ‪.)٧‬‬

‫سبب لذهاب الزيغ ‪ ،‬إذا‬


‫ٌ‬ ‫‪ -٤٩‬وأ َّن العل َم الشرعي النافع‬

‫حسنت النية ‪ ،‬وصح املقص ُد ‪ ،‬واستعصم الطالب والعال ُم باهلل‬


‫ُ‬

‫دعاء وإشفا ًقا ‪ ،‬كما قال سبحانه‪ُ ﴿ :‬ق ْل آمِ نُوا ِبهِ أَ ْو َل تُؤْمِ نُوا ِإ َّن‬
‫ا ّلَذِ ي َن أُوتُوا الْعِ ل ْ َم مِ ن َقبْلِهِ ِإ َذا يُتْلَى َعلَيْهِ ْم يَ ِخ ّ ُرو َن ل ْ َ‬
‫ِل ْذ َقانِ ُس َّج ًدا‬

‫‪57‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫(‪َ )١٠٧‬ويَ ُقولُو َن ُسبْ َحا َن َر ِ ّبنَآ إِن َكا َن َو ْع ُد َر ِ ّبنَا َل َ ْف ُع ً‬


‫ول (‪)١٠٨‬‬
‫َويَ ِخ ّ ُرو َن ل ْ َ‬
‫ِل ْذ َقانِ يَبْ ُكو َن َويَ ِزي ُد ُه ْم ُخ ُش ً‬
‫وعا﴾ (اإلسراء‪-١٠٧ :‬‬

‫‪.)١٠٩‬‬

‫سبب للوعي‬
‫ٌ‬ ‫‪ -٥٠‬أن استيقان منتهى العلم‪ ،‬وهو اهلل تعالى ‪،‬‬

‫والهداية وانشراح النّفوس ( كل من عند ر ِّبنا)‪.‬‬

‫‪ -٥١‬من منهج أهل السنة‪ :‬ر ُّد املتشابه للمح َكم وليس العكس‬

‫كما هو عادة أهل البدع‪ ،‬يقول اإلمام ابن القيم رحمه اهلل ‪:‬‬

‫يث َك َّ‬
‫الشافِ عِ ِّي‬ ‫ني َوأَئ َِّمةِ ْ َ‬
‫الدِ ِ‬ ‫« َوأَ َّما َط ِري َق ُة َّ‬
‫الص َحابَةِ َوالتَّا ِبعِ َ‬

‫ـــام أَ ْحـ َمـ َد َو َمــا ِلـ ٍـك َوأَ ِبــي َحنِي َف َة َوأَ ِبــي يُ ُ‬
‫وس َف َوالْبُ َخ ِار ِّي‬ ‫َو ْ ِ‬
‫ال َم ِ‬

‫يق‪َ ،‬و ِه َي أَ َّن ُه ْم يَ ُــر ُّدو َن ْالُت ََشا ِب َه إلَى‬ ‫س َهذِ ِه َّ‬
‫الط ِر ِ‬ ‫ِس َحا َق َف َع ْك ُ‬
‫َوإ ْ‬
‫ال َك ِم‪َ ،‬ويَ ْأ ُخ ُذو َن مِ ْن ْ ُ ْ‬
‫ال َك ِم َما يُ َف ِّس ُر لَ ُه ْم ْالُت ََشا ِب َه َويُبَ ِّينُ ُه لَ ُه ْم‪،‬‬ ‫ُْْ‬

‫ض َها بَ ْع ً‬
‫ضا‪،‬‬ ‫وص بَ ْع ُ‬
‫ُّص ُ‬ ‫َفتَتَّفِ ُق َد َللَتَ ُه َم َع َد َللَةِ ْ ُ ْ‬
‫ال َك ِم‪َ ،‬وتُ َوافِ ُق الن ُ‬
‫‪58‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫ضا‪َ ،‬ف ِإ َّن َها ُكلَّ َها مِ ْن ِعنْدِ َّ‬


‫اللِ‪َ ،‬و َما َكا َن مِ ْن ِعنْدِ‬ ‫ص ِّد ُق بَ ْع ُ‬
‫ض َها بَ ْع ً‬ ‫َويُ َ‬

‫ِنا ِالخْ ت َِل ُ‬


‫ف َوال َّتنَا ُق ُ‬
‫ض‬ ‫ض‪َ ،‬وإ َّ َ‬ ‫َّ ِ‬
‫الل َف َل اخْ ت َِل َف فِ يهِ َو َل تَنَا ُق َ‬

‫فِ ي َما َكا َن مِ ْن ِعنْدِ َغيْ ِرهِ‪.‬‬

‫‪ -٥٢‬بطال ُن طريقة أهل البدع يف رد احملكمات ‪ ،‬وآثارها‬


‫(‪)١‬‬
‫السيئة على الدين والعمل ‪!..‬‬

‫يح َة‬
‫الص ِر َ‬
‫وص َّ‬ ‫ض ُة الن ُ‬
‫ُّص َ‬ ‫قال ابن القيم رحمه اهلل ‪َ »:‬ر َّد ال َّرافِ َ‬

‫اص ْالُ َّمةِ َو َعا َّم ِت َها ب َّ‬


‫ِالض ُرو َر ِة ِف َم ْد ِح‬ ‫ال َك َم َة ْال َ ْعلُو َم َة ِعنْ َد َخ ِّ‬
‫ُْْ‬

‫ضاءِ َّ ِ‬
‫الل َعنْ ُه ْم َو َمغْفِ َرتِهِ لَ ُه ْم َو َ َ‬
‫تا ُو ِز ِه‬ ‫الص َحابَةِ َوال َّثنَاءِ َعلَيْهِ ْم َو ِر َ‬
‫َّ‬

‫اس ِت ْغ َف ِار ِه ْم لَ ُه ْم‬ ‫وب َم َح َّبةِ ْالُ َّمةِ َوا ِّتبَ ِ‬


‫اعهِ ْم لَ ُه ْم َو ْ‬ ‫َع ْن َس ِّيئَاتِهِ ْم َو ُو ُج ِ‬

‫الص ِري َح مِ ْن أَ ْف َعالِهِ ْم َو ِإ َ‬


‫ميانِهِ ْم‬ ‫َوا ْق ِت َدائِهِ ْم ِبهِ ْم َك َما َر ُّدوا ْ ُ ْ‬
‫ال َك َم َّ‬
‫ِالُت ََشا ِبهِ مِ ْن أَ ْف َعالِهِ ْم‪َ ،‬كفِ ْعلِ إخْ َوانِهِ ْم مِ ْن ْ َ‬
‫ال َو ِار ِج ِح َ‬
‫ني‬ ‫َو َط َ‬
‫اعتِهِ ْم ب ْ‬

‫(‪ )١‬إعال ُم املوقعني ‪. ٢٠٨/٢‬‬


‫‪59‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫ال َك َم َة ِف ُم َو َال ِة ْالُؤْمِ ِن َ‬


‫ني َو َم َح َّبتِهِ ْم‬ ‫يح َة ْ ُ ْ‬
‫الص ِح َ‬
‫وص َّ‬
‫ُّص َ‬
‫َر ُّدوا الن ُ‬

‫وح‪،‬‬ ‫وب ا َّلتِي تَ َق ُع ُم َك َّف َر ًة بِال َّت ْوبَةِ الن ُ‬


‫َّص ِ‬ ‫َو ِإ ْن ا ْرتَ َكبُوا بَ ْع َ‬
‫ض ال ُّذنُ ِ‬

‫صائ ِِب ْال ُ َك ِّف َرةِ‪َ ،‬و ُد َعــاءِ‬


‫اح َيةِ ‪َ ،‬و ْال َ َ‬
‫َات ْال َ ِ‬ ‫َو ِال ْس ِت ْغ َف ِار‪َ ،‬و ْ َ‬
‫ال َسن ِ‬

‫ني لَ ُه ْم ِف َحيَاتِهِ ْم َوبَ ْع َد َم ْوتِهِ ْم‪َ ،‬وب ِِال ْمت َ‬


‫ِحانِ ِف الْبَ ْرز َِخ‬ ‫ْال ُ ْسلِمِ َ‬

‫الش َف َ‬
‫اعةِ ‪،‬‬ ‫اعةِ َم ْن يَـ ْأ َذ ُن َّ‬
‫اللُ لَ ُه ِف َّ‬ ‫َو ِف َم ْوقِ ِف الْقِ َيا َمةِ ‪َ ،‬وب َ‬
‫ِش َف َ‬

‫ني؛ َف َهذِ ِه َع َش َرةُ أَ ْسبَ ٍ‬


‫اب‬ ‫ِص ْدقِ ال َّت ْو ِحيدِ ‪َ ،‬و ِب َر ْح َمةِ أَ ْر َح ِم ال َّر ِ‬
‫احمِ َ‬ ‫َوب ِ‬

‫َت َهذِ ِه ْالَ ْس َب ُ‬


‫اب َعنْ َها َف َل بُ َّد مِ ْن‬ ‫ت َح ُق أَثَ َر ال ُّذنُ ِ‬
‫وب‪َ ،‬ف ِإ ْن َع َجز ْ‬ ‫َْ‬

‫ُد ُخولِ الن َِّار‪ ،‬ثُ َّم يُخْ َر ُجو َن مِ نْ َها؛ َفتَ َر ُكوا َذل َ‬
‫ِك ُكلَّ ُه ب ْ‬
‫ِالُت ََشا ِبهِ مِ ْن‬

‫اعتِهِ ْم‬ ‫ال َك َم مِ ْن أَ ْف َعالِهِ ْم َو ِإ َ‬


‫ميانِهِ ْم َو َط َ‬ ‫وص الْ َو ِعيدِ ‪َ ،‬و َر ُّدوا ْ ُ ْ‬
‫ص ِ‬‫نُ ُ‬

‫اع َة‬ ‫ِالُت ََشا ِبهِ مِ ْن أَ ْف َعالِهِ ْم ا َّلتِي يُ ْحتَ َم ُل أَ ْن يَ ُكونُوا َق َ‬


‫ص ُدوا ِب َها َط َ‬ ‫ب ْ‬

‫صلُوا فِ يهِ َعلَى‬ ‫اجتَ َه ُدوا َف َأ َّدا ُه ْم ْ‬


‫اج ِت َها ُد ُه ْم إلَى َذل َ‬
‫ِك َف َح َ‬ ‫َّ ِ‬
‫الل َف ْ‬

‫‪60‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫ْالَ ْج ِر ْال ُ ْف َردِ ‪َ ،‬و َكا َن َح ُّظ أَ ْع َدائِهِ ْم مِ نْ ُه تَ ْكفِ ي َر ُه ْم َو ْ‬


‫است « َح َل َل‬

‫ِك َكا َن َغايَتُ ُه ْم أَ ْن‬ ‫دِ َمائِهِ ْم َوأَ ْم َوالِهِ ْم‪َ ،‬و ِإ ْن لَ ْم يَ ُكونُوا َق َ‬
‫ص ُدوا َذل َ‬

‫َات َوال َّت ْوبَةِ َو َغيْ ِر َها َما يَ ْر َف ُع‬ ‫يَ ُكونُوا َق ْد أَ ْذنَبُوا‪َ ،‬ولَ ُه ْم مِ ْن ْ َ‬
‫ال َسن ِ‬

‫الـ َكـ ِـم مِ ْن‬ ‫اشتَ َر ُكوا ُهـ ْم َوالـ َّرافِ ـ َ‬


‫ـضـ ُة ِف َر ِّد ْ ُ ْ‬ ‫وج َب الـ َّـذنْـ ِـب‪َ ،‬ف ْ‬
‫ُم ِ‬

‫ِالُت ََشا ِبهِ مِ نْ َها؛ َف َك َّف ُرو ُه ْم َو َخ َر ُجوا‬ ‫وص َوأَ ْف َعالِ ْالُؤْمِ ِن َ‬
‫ني ب ْ‬ ‫ُّص ِ‬
‫الن ُ‬

‫ميانِ َويَ ْد ُعو َن أَ ْه َل ْالَ ْوثَانِ ‪َ ،‬ف َف َسا ُد‬ ‫ِالسيْ ِف يَ ْقتُلُو َن أَ ْه َل ْ ِ‬
‫ال َ‬ ‫َعلَيْهِ ْم ب َّ‬

‫مي ال َّرأْ ِي‬


‫ال َك ِم‪َ ،‬وتَقْدِ ِ‬
‫مي ْالُت ََشا ِبهِ َعلَى ْ ُ ْ‬ ‫ال ُّدنْ َيا َوال ِّد ِ‬
‫ين مِ ْن تَقْدِ ِ‬
‫(‪)١‬‬
‫الش ْر ِع َوالْ َه َوى َعلَى الْ ُه َدى‪َ ،‬و ِباَ َّ ِ‬
‫لل ال َّت ْوفِ يقُ»‪.‬‬ ‫َعلَى َّ‬

‫‪ -٥٣‬من قواع ُد أهل السنة يف االستدالل التسلي ُم للنص‬

‫الشرعي كما قال ابن أبي العز رحمه اهلل يف شرح الطحاوية‬

‫«الواجب كما ُل التسليم للرسول صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬واالنقياد‬


‫ُ‬
‫(‪ )١‬إعال ُم املوقعني ‪. ٢١٧/٢‬‬

‫‪61‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫بخيال‬
‫ٍ‬ ‫ألمره‪ ،‬وتلقي خبره بالقبول والتصديق‪ ،‬دون أن يُعارضه‬

‫باطل يسميه معقوالً‪ ،‬أو يحمله شبهة أو شكاً‪ ،‬أو يقدم عليه آراء‬

‫الرجال وزبالة أذهانهم‪ ،‬فيوحده بالتحكيم والتسليم واالنقياد‬

‫واإلذعــان‪ ،‬كما وحد املرسل بالعبادة واخلضوع والذل واإلنابة‬

‫والتوكل‪ ،‬فهما توحيدان‪ ،‬ال جناةَ للعبد من عذاب اهلل إال بهما‪:‬‬
‫(‪)١‬‬
‫توحيد املرسل‪ ،‬وتوحيد متابعة الرسول »‪.‬‬

‫‪ -٥٤‬يف تصديرهم دعاءهم بالربوبية وهي أسمى الغايات‬

‫وأعظمها …( َر َّبنَا الَ ِتُــز ْغ ُقلُوبَنَا بَ ْع َد ِإ ْذ َه َديْتَنَا‪ .)..‬دليل على‬

‫خضوعهم لربهم ‪ ،‬واعترافهم بخالقهم ومدبر أمورهم ‪ ،‬كطريقة‬

‫املرسلني يف الدعاء والرهبانية‪.‬‬

‫(‪ )١‬شر ُح ابن أبي العزاحلنفي ص‪. ٢٠٠:‬‬

‫‪62‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫‪ -٥٥‬وإميانُهم الصاد ُق‪ ،‬وعلمهم الراسخ جعلهم مقرين بيوم‬

‫وحتاسب األمم ‪َ ﴿..‬ر ّبَنَا ِإ ّنَ َك‬


‫ُ‬ ‫ال ريب فيه ‪ ،‬يجتمع فيه اخلالئق‪،‬‬
‫ّاس ِليوم َّل ريب فِ يهِ ِإ َّن َّ َ‬
‫الل َل يُخْ ل ُ‬
‫ِف ْالِي َعا َد (‪. ﴾ )9‬‬ ‫َْ َ‬ ‫َجامِ ُع النَ ِ َ ْ ٍ‬

‫ِك ِل َّنهم َلّا َطلَبُوا‬


‫ني يف العِ ل ْ ِم‪ ،‬و َذل َ‬
‫اس ِخ َ‬ ‫وهذا مِ ن تَت َِّمةِ َك ِ‬
‫الم ال ّر ِ‬ ‫َ‬

‫صونَهم َع ْن ال َّزيْ ِغ‪ ،‬وأ ْن يَ ُخ َّصهم ِبالهِ دايَةِ‬ ‫مِ َن َّ ِ‬


‫الل تَعالى أ ْن يَ ُ‬

‫السؤالِ ما يَتَ َعلَّ ُق‬ ‫وال َّر ْح َمةِ ‪َ ،‬ف َكأ َّنهم قالُوا‪ :‬لَيْ َ‬
‫س ال َغ َر ُ‬
‫ض مِ ن َهذا ُّ‬

‫األع َظ ُم‬
‫ض ْ‬ ‫ض ٌة‪َّ .‬‬
‫وإنا ال َغ َر ُ‬ ‫بصا ِل َح ال ُّدنْيا‪َ ،‬فإ َّنها ُمنْ َق ِض َي ٌة ُمنْ َق ِر َ‬
‫ِ َ‬

‫ص ُد واملَآ ُل‪َ .‬فإ ّنا نَ ْعل َ ُم أ َّن َك يا إلَ َهنا‬ ‫مِ ن ُه‪ :‬ما يَتَ َعلَّ ُق ب ِ‬
‫ِاآلخ َر ِة َفإ َّنها ال َق ْ‬

‫وع َد َك ال يَ ُكو ُن‬ ‫ّاس ِلل ْ َجزاءِ يف يَ ْو ِم القِ يا َمةِ ‪ ،‬ونَ ْعل َ ُم َّ‬
‫أن ْ‬ ‫جامِ ُع الن ِ‬

‫ذاب أبَـ ًدا‪ ،‬و َمن َمن َْحتَ ُه‬ ‫ُخل ْ ًفا‪َ ،‬ف َمن زا َغ َقلْبُ ُه بَقِ َي ُه َ‬
‫ناك يف ال َع ِ‬

‫السعا َد ِة وال َكرا َمةِ أبَ ًدا‪ .‬فال َغ َر ُ‬


‫ض‬ ‫ال َّر ْح َم َة والهِ دايَ َة بَقِ َي ُه َ‬
‫ناك يف َّ‬

‫‪63‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫(‪)١‬‬
‫ِاآلخ َر ِة ‪!..‬‬ ‫األع َظ ُم مِ ن َذل َ‬
‫ِك ال ُّدعاءِ ؛ ما يَتَ َعلَّ ُق ب ِ‬ ‫ْ‬

‫‪ -٥٦‬ويف سؤالهم (الرحمة) دالل ٌــة على التفخيم والتعظيم‬

‫‪ ،‬أي نسألك رحم ًة عظيمة واسعة شاملة‪ ،‬تقتضي حصول‬

‫نور اإلميان والتوحيد واملعرفة يف القلب‪ ،‬وحصول الطاعة يف‬

‫اجلوارح واألركان‪.‬‬

‫‏فالرحم ُة من آثارها التوفيق‪ ،‬والدوام على الهدى يف الدنيا‪،‬‬


‫والنعيم األبدي يف اآلخــرة؛ ولهذا كثُرت األدعية يف كتاب َّ‬
‫الل‬

‫لهذا املطلب اجلليل ‪.‬‬

‫‪ -٥٧‬وليكن هــذا الــدعــاء ديــدن كل مؤمن‪ ،‬يتخذه ور ًدا له‬

‫يف صلواته ‪ ،‬كأدعية الثبات األخرى‪ ،‬قال سماحة الشيخ عبد‬

‫أن هذا ال ّدعاء‬


‫العزيز بن باز رحمه اهلل ‪ »:‬واملقصود من هذا َّ‬
‫(‪ )١‬انظر محاسن التأويل للقاسمي‪. ٢٨٧/ ٢‬‬

‫‪64‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫من ال ّدعاء العظيم‪ ،‬من ُدعاء ال َّراسخني يف العلم‪َ ﴿ :‬ر َّبنَا َل ت ُِز ْغ‬

‫ُقلُوبَنَا بَ ْع َد ِإ ْذ َه َديْتَنَا َو َه ْب لَنَا مِ ْن لَ ُدنْ َك َر ْح َم ًة ِإ َّن َك أَنْ َت الْ َو َّه ُ‬


‫اب﴾‬

‫(آل عمران‪ ،)8:‬فينبغي اإلكثار من هذا الدعاء العظيم؛ ملا فيه‬

‫من اخلير العظيم‪ ،‬وطلب ال َّثبات يف القلب‪ ،‬وطلب الرحمة‪ ،‬فهو‬

‫علم أن يدعو‬
‫دعاء عظيم‪ ،‬جدي ٌر باملؤمن واملؤمنة‪ ،‬وبكل طالب ٍ‬

‫به‪ ،‬كما دعا به ال َّراسخون يف العلم‪َ :‬ر َّبنَا َل ت ُِز ْغ ُقلُوبَنَا بَ ْع َد ِإ ْذ‬

‫َه َديْتَنَا َو َه ْب لَنَا مِ ْن لَ ُدنْ َك َر ْح َم ًة ِإ َّن َك أَنْ َت الْ َو َّه ُ‬


‫اب‪ ،‬حتى ولو يف‬

‫ألن هذا يُقصد به ال ّدعاء‪ ،‬ال يقصد‬


‫الصالة؛ َّ‬
‫السجود‪ ،‬ولو يف ّ‬
‫ّ‬

‫القراءة‪ ،‬يدعو به يقصد ال ّدعاء‪ ،‬ال يقصد القراءة «‪.‬‬

‫ـب لنا‪ :‬أي امنحنا على وجه التفضل منك وليس‬


‫‪ -٥٨‬وهـ ْ‬

‫اإليجاب‪ ،‬ويف ذلك داللة على حسن أدبهم مع خالقهم تعالى ‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫(هب‬
‫ْ‬ ‫اختصاص الرحمات والهبات من الواحد األحد‬
‫ُ‬ ‫‪-٥٩‬‬

‫لنا) ‪ ،‬والكرمي املنان تبارك وتعالى‪( ..‬ما يفتح اهلل للناس من‬

‫َ‬
‫ممسك لها )‪.‬‬ ‫رحمة فال‬

‫وقال‪َ ﴿ :‬و َر ْح َمتِي َو ِس َع ْت ُك َّل َش ْيءٍ َف َس َأ ْكتُبُ َها ِللَّذِ ي َن يَ َّت ُقو َن‬

‫َويُ ْؤتُو َن ال َّز َكاةَ َوا َّلذِ ي َن ُهم بِآيَا ِتنَا يُؤْمِ نُو َن﴾ (سورة األعراف‪.)١٥٦:‬‬

‫وكأن الرحم َة والفضل ال يلتمس من سواه سبحانه وتعالى ‪.‬‬

‫‪ -٦٠‬أن بلو َغ الهداية ال يعني االطمئنان بها وامتالكها ‪ ،‬بل‬

‫البد من احملافظة عليها بالدعاء وسلوك االستقامة‪ ،‬واقتفاء‬

‫منهج السلف ‪ ،‬لتأم َن الزيغ والتبدل ‪!..‬‬

‫‪ -٦١‬وفيها تواض ُع الراسخني يف العلم وإشفاقهم مما هم‬

‫القلوب بيد اهلل يصرفها كيف يشاء …!‬


‫َ‬ ‫فيه‪ ،‬وأن‬

‫‪66‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫‪ -٦٢‬أن العاصم واحلافظ من الفنت والزيغ هو اهلل تعالى‬

‫بدعائه واستغاثته واالنطراح بني يديه ‪.‬‬

‫‪ -٦٣‬وحاجتنا جمي ًعا يف أزمنة الفنت والــزيــغ إلــى الصبر‬

‫والكف عن مجادلة أهل األهواء ‪ ،‬والثبات على مبادئنا ‪ ،‬يقول‬

‫ابن القيم رحمه اهلل ‪ »:‬إن الصبر سبب فى حصول كل كمال‪،‬‬

‫فأكمل اخللق أصبرهم‪ ،‬ولم يتخلف عن أحد كماله املمكن إال‬

‫من ضعف صبره‪ ،‬فإن كمال العبد بالعزمية والثبات‪ ،‬فمن لم‬

‫يكن له عزمية فهو ناقص‪ ،‬ومن كانت له عزمية ولكن ال ثبات‬

‫له عليها فهو ناقص‪ .‬فإذا انضم الثبات إلى العزمية أثمر كل‬

‫مقام شريف وحال كامل‪ ،‬ولهذا فى دعاء النبى صلى اهلل عليه‬

‫وسلم الذى رواه اإلمام أحمد وابن حبان فى صحيحه‪« :‬اللَّهم‬

‫‪67‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫إنى أسألك الثبات فى األمر والعزمية على الرشد»‪ ،‬ومعلوم أن‬

‫شجرة الثبات والعزمية ال تقوم إال على ساق الصبر‪ ،‬فلو علم‬

‫العبد الكنز الذى حتت هذه األحرف الثالثة أعنى اسم «الصبر»‬

‫ملا تخلف عنه‪.‬‬


‫قال النبى صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬ما أُعطى أحد عطاء خيراً‬

‫وأوســع من الصبر»‪ ،‬وقال عمر بن اخلطاب «رضى اهلل عنه»‬

‫حني ُغ َ‬
‫شي عليه‪ :‬أدركناه بالصبر»‪.‬‬
‫(‪)١‬‬

‫لصغار الطلبة وناشئة الدعاة‬


‫ِ‬ ‫‪ -٦٤‬ويف اآلية حتذي ٌر مبط ٌن‬

‫الذين يتفاخرون بالظهور اإلعالمي ‪ ،‬يف زمان اشتعل الظهور‪،‬‬

‫وس ُهل التواصل‪ ،‬وتشد َق فيه اجلهال ‪ ،‬وبر َز ك ُّل صاعق وناعق‪!..‬‬

‫‪ -٦٥‬وكثرةُ مواد الزيغ وأسبابه ومعامله هذه األيام ‪ ،‬جتعلنا‬

‫(‪ )١‬طريق الهجريني ص ‪. ٢٦٦‬‬

‫‪68‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫نتريث كثي ًرا ‪ ،‬ونصب ُر على الطريق‪ ،‬ونتباعد عن األذيــات ‪،‬‬

‫ونسأل اهلل الثبات وحسن اخلتام ‪ ،‬ومن األدعية اجلميلة الدالة‬

‫على الثبات أيضا قولهم يف دعاء السفر ‪ (:‬كان ِإ َذا َسا َف َر يَتَ َع َّو ُذ‬

‫الس َف ِر ‪َ ،‬و َكآبَةِ ْالُنْ َقل َ ِب ‪َ ،‬و ْ َ‬


‫ال ْــو ِر بَ ْع َد الْ َك ْو ِر ‪َ ،‬و َد ْع َو ِة‬ ‫مِ ْن َو ْعثَاءِ َّ‬

‫ْال َ ْظل ُ ِ‬
‫وم )‪.‬‬
‫(‪)١‬‬

‫قال النووي رحمه اهلل ناقال عن الترمذي ‪ :‬قال ويقال ‪ :‬هو‬

‫الرجوع من اإلميــان إلى الكفر ‪ ،‬أو من الطاعة إلى املعصية ‪،‬‬

‫ومعناه الرجوع من شيء إلى شيء من الشر ‪ ،‬هذا كالم الترمذي‪،‬‬

‫وكذا قال غيره من العلماء معناه ‪ :‬بالراء والنون جميعا ‪ :‬الرجوع‬

‫من االستقامة أو الــزيــادة إلــى النقص ‪ ،‬قالوا ‪ :‬وروايــة الــراء‬

‫مأخوذة من تكوير العمامة وهو لفها وجمعها ‪ ،‬وروايــة النون‬

‫(‪ )١‬مسلم ( ‪.)١٣٤٣‬‬

‫‪69‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫مأخوذة من الكون مصدر كان يكون كونا إذا وجد واستقر ‪ ،‬قال‬

‫املازري يف رواية الراء ‪ :‬قيل أيضا ‪ :‬إن معناه ‪ :‬أعوذ بك من الرجوع‬

‫عن اجلماعة بعد أن كنا فيها ‪ ،‬يقال ‪ :‬كار عمامته إذا لفها ‪ ،‬وحارها‬

‫إذا نقضها ‪ ،‬وقيل ‪ :‬نعوذ بك من أن تفسد أمورنا بعد صالحها‬

‫كفساد العمامة بعد استقامتها على الرأس ‪ ،‬وعلى رواية النون قال‬

‫أبو عبيد ‪ :‬سئل عاصم عن معناه فقال ‪ :‬ألم تسمع قولهم حار بعد‬
‫(‪)١‬‬
‫ما كان ؟ أي أنه كان على حالة جميلة فرجع عنها ‪.‬‬
‫‪ -٦٦‬والهداي ُة نعم ٌة يحوطها العاق ُل بك ِّل جنود احلراسة‪،‬‬

‫الثبات والدعاء واإلشفاق ‪ ،‬ومن‬


‫ُ‬ ‫فيض النعمتني ‪ ،‬وحقه‬
‫ُ‬ ‫والعلم‬

‫روائع أدعيته صلى اهلل عليه وسلم يف هذا السياق قوله ‪ ( :‬اللَّ ُه َّم‬
‫ِك‪َ ،‬و ُف َجا َء ِة ِن ْق َمت َ‬
‫ِك‪،‬‬ ‫ت ُّولِ َعافِ يَت َ‬ ‫ِإ ِّني أَ ُعو ُذ ب َ‬
‫ِك مِ ْن َز َوالِ ِن ْع َمت َ‬
‫ِك‪َ ،‬و َ َ‬
‫(‪)٢‬‬
‫يع َس َخ ِط َك )‪.‬‬
‫َو َجمِ ِ‬
‫(‪ )١‬شرح النووي ‪.١٢/٩‬‬
‫(‪ )٢‬مسلم (‪.)٢٧٣٩‬‬
‫‪70‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫‪ -٦٧‬واملعنى ‪ :‬أي يا َّ‬


‫الل إني ألتجئ إليك من ذهاب جميع‬

‫نعمك الظاهرة والباطنة‪ ،‬الدنيوية واألخروية ما علمتها‪ ،‬وما‬

‫لم أعلمها؛ ألن نعمك ال ُتصى‪ ،‬وال تُع ُّد وأجلُّها نعمة اإلسالم‬

‫والهداية ‪ .‬واستعاذ النبي صلى اهلل عليه وسلم من زوال نعمته؛‬

‫ألن ذلك ال يكون إال عند عدم شكرها ‪ ،‬فتض ّمنت هذه االستعاذة‬

‫املباركة التوفيق لشكر النعم‪ ،‬واحلفظ من الوقوع يف املعاصي؛‬


‫ألنها تزيل النعم‪ ،‬قال َّ‬
‫الل سبحانه وتعالى ﴿ َو ِإ ْذ تَ َأ َّذ َن َربُّ ُك ْم لَ ِئ ْن‬

‫ت َلَ ِزي َد َّن ُك ْم َولَ ِئ ْن َك َف ْر ُ ْ‬


‫ت إ َِّن َع َذابِي لَ َشدِ ي ٌد﴾ سورةُ إبراهيم‪.‬‬ ‫َش َك ْر ُ ْ‬
‫قــولــه‪( :‬وحت ــول عافيتك)‪ :‬أي أعــوذ بــك يــا َّ‬
‫الل مــن تب ّدل‬

‫العافية التي أعطيتني إياها‪ ،‬وهي السالمة من األسقام والبالء‬

‫واملصائب‪ ،‬إلى األمراض والبالء‪ ،‬فتض ّمنت أيضاً هذه االستعاذة‬

‫‪71‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫سؤال َّ‬
‫الل دوام العافية وثباتها‪ ،‬واالستعاذة به عز وجل من حت ّول‬

‫العافية؛ ألن بزوالها تسوء عيشة العبد‪ ،‬فال يستطيع القيام‬

‫بأمور دنياه ودينه‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وفجأة نقمتك)‪ :‬أي أعوذ بك من العقوبة‪ ،‬واالنتقام‬

‫ـص فجاءت النقمة‬ ‫بالعذاب مباغتة‪ ،‬دون توقع وحتسب‪ُ ،‬‬


‫وخـ َّ‬

‫باالستعاذة؛ ألنها أشد و أصعب من أن تأتي تدريجياً‪ ،‬بحيث ال‬

‫تكون فرصة للتوبة‪.‬‬

‫قــولــه‪( :‬وجميع سخطك)‪ :‬أي ألتجئ وأعتصم إليك أن‬

‫تعيذني من جميع األسباب املوجبة لسخطك ج ّل شأنك؛ ّ‬


‫فإن‬

‫من سخطت عليه فقد خاب وخسر‪ ،‬ولو كان يف أدنــى شيء‪،‬‬

‫وبأيسر سبب؛ ولهذا قال النبي صلى اهلل عليه وسلم ( وجميع‬

‫سخطك) ‪.‬‬
‫‪72‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫‪ -٦٨‬قال ابن القيم رحمه اهلل‪( :‬أَ َ ْقــســا ُم ال ِّن ْع َمةِ ) َوال ِّن ْع َم ُة‬

‫ِن ْع َمتَانِ ‪ِ :‬ن ْع َم ٌة ُم ْطل َ َق ٌة َو ِن ْع َم ٌة ُم َق َّي َدةٌ‪َ .‬فال ِّن ْع َم ُة ْال ُ ْطل َ َق ُة‪ِ :‬ه َي ْالُت َِّصل َ ُة‬

‫السنَّةِ َو ِه َي ال ِّن ْع َم ُة ا َّلتِي أَ َم َرنَا‬ ‫ِس َعا َد ِة ْالَبَدِ َو ِه َي ِن ْع َم ُة ْ ِ‬


‫ال ْس َل ِم َو ُّ‬ ‫ب َ‬

‫اط أَ ْه ِل َها َو َم ْن‬


‫ص َل ِتنَا أَ ْن يَ ْهدِ يَنَا ِص َر َ‬ ‫َّ‬
‫اللُ ُسبْ َحانَ ُه أَ ْن نَ ْس َألَ ُه ِف َ‬

‫يق ْالَ ْعلَى َحيْثُ يَ ُقو ُل تَ َعالَى‪:‬‬


‫َخ َّص ُه ْم ِب َها َو َج َعل َ ُه ْم أَ ْه ـ َل ال َّرفِ ِ‬
‫ِك َم َع ا َّلذِ ي َن أَنْ َعم َّ‬
‫اللُ َعلَيْهِ ْم مِ َن‬ ‫﴿ َو َم ْن يُ ِطع َّ َ‬
‫الل َوال َّر ُسو َل َفأُولَئ َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫ني َو َح ُس َن أُولَئ َ‬
‫ِك َرفِ ي ًقا﴾‬ ‫الص ِ ِ‬
‫ال َ‬ ‫ني َو ُّ‬
‫الش َه َداءِ َو َّ‬ ‫الص ِّديقِ َ‬ ‫ال َّن ِب ِّي َ‬
‫ني َو ِّ‬

‫(النساء‪. )69 :‬‬

‫ـاف ْالَ ْربَـ َع ـ ُة‪ُ ،‬ه ْم أَ ْه ـ ُل َهــذِ ِه ال ِّن ْع َمةِ ْال ُ ْطلَقَةِ ‪،‬‬ ‫َف َه ُؤ َلءِ ْالَ ْ‬
‫ص َــنـ ُ‬

‫ضا ُه ُم ْال َ ْع ِن ُّيو َن ِب َق ْولِهِ تَ َعالَى‪{ :‬الْيَ ْو َم أَ ْك َمل ْ ُت لَ ُك ْم‬


‫ص َحابُ َها أَيْ ً‬
‫َوأَ ْ‬
‫(‪)١‬‬
‫ال ْس َل َم دِ ي ًنا …!‬
‫يت لَ ُك ُم ْ ِ‬ ‫دِ ينَ ُك ْم َوأَ ْ َ‬
‫ت ْم ُت َعلَيْ ُك ْم ِن ْع َمتِي َو َر ِض ُ‬
‫(‪ )١‬انظر اجتماع اجليوش ‪. ٣٣/٢‬‬

‫‪73‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫ـب بن ُمن ّبه رحمه اهلل‪ »:‬رءوس النعم ثالثة‬


‫‪ -٦٩‬وقــال وهـ ُ‬

‫فأولها‪ :‬نعمة االسالم التى ال تتم نعمه اال بها والثانية ‪ :‬نعمة‬

‫العافية التى ال تطيب احلياة اال بها ‪ ،‬والثالثة ‪ :‬نعمة الغنى التى‬

‫ال يتم العيش اال بــه»‪ .‬وقــدم سعيد ا ُ‬


‫جلريرى من احلج فجعل‬

‫يقول‪« :‬أنعم اهلل علينا يف سفرنا بكذا وكذا ثم قال ‪ :‬تعدا ُد النعم‬
‫(‪)١‬‬
‫من الشكر»‪.‬‬

‫‪ -٧٠‬وقال رحمه اهلل‪ :‬وله تعالى‪َ ﴿ :‬و َما ِب ُك ْم مِ ْن ِن ْع َم ٍة َفمِ َن‬


‫َّ‬
‫اللِ﴾ (سورةُ النحل ‪ . )٥٣ :‬واإلميا ُن والطاعة من أج ِّل النعم بل‬

‫هما أجل النعم على اإلطالق فهما منه سبحانه تعليما وإرشادا‬
‫(‪)٢‬‬
‫وإلهاما وتوفيقا ومشيئة وخلقا ‪!،.‬‬

‫(‪ُ )١‬عدة الصابرين ص ‪. ١٤٢‬‬


‫(‪ )٢‬انظر شفاء العليل ص ‪. ٥٧‬‬

‫‪74‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫سبب الستنارته واستكشافه‬


‫ٌ‬ ‫‪ -٧١‬وليُعلم أن صفا َء القلب‬

‫ملعاني القرآن ‪ ،‬فرحم ُة اهلل واسعة يف ّ‬


‫املن عليهم بكنوز كتابه‪..‬‬

‫ن أيْ َقنُوا أ َّن ـ ُه مِ ــن ِعنْدِ َّ ِ‬


‫الل‬ ‫اسـ ِـخـ َ‬
‫أن الـ ّر ِ‬ ‫ولّــا ُع ِل َم ِبـ َذ ِلـ َ‬
‫ـك َّ‬ ‫« َ‬

‫َّض ُّر ِع إلَيْهِ يف‬


‫امل ُ ْستَل ْ ِز ِم ِل َّن ُه ال ِع َو َج فِ يهِ أخْ بَ َر أ َّنهم أ ْقبَلُوا َعلى الت َ‬

‫أش َك َل َعلَيْهِ ْم ِب َق ْولِهِ‬


‫أ ْن يُثَ ِّبتَهم بَ ْع َد ِهدايَتِهِ ثُ َّم أ ْن يَ ْر َح َمهم ِب َبيانِ ما ْ‬

‫ني مِ ن ُه لَهم ل ُ ْط ًفا ِبهِ ْم ُم َق ِّد ًما‬ ‫حاكِ ًيا َعنْهم وهو يف ا َ‬
‫حلقِ يقَةِ تَلْقِ ٌ‬

‫السؤالِ يف ت َْطهِ ِ‬
‫ير ال َقل ْ ِب َع ّما ال يَنْ َبغِ ي‬ ‫مي ُه مِ َن ُّ‬
‫ما يَنْ َبغِ ي تَقْدِ ُ‬

‫َعلى َطل َ ِب تَن ِْو ِير ِه ِبا يَنْبَغِ ي ِل َّن إزالَ َة املان ِِع َقبْ َل إيجادِ امل ُ ْقت َِضي‬

‫امل ِس َن إلَيْنا ﴿ال ت ُِز ْغ ُقلُوبَنا﴾ ْ‬


‫أي َع ِن‬ ‫ي احلِ ْك َمةِ ‪َ ﴿ :‬ر َّبنا﴾ ِ‬
‫أي ُ ْ‬ ‫َع ْ ُ‬
‫(‪)١‬‬ ‫ا َ‬
‫حل ِّق» ‪.‬‬

‫العلم من شرفهم ‪ ،‬إميانُهم بكل الكتاب‬


‫ِ‬ ‫‪ -٧٢‬والراسخون يف‬
‫(‪ )١‬انظر نظم الدرر للبقاعي‪. ٢٤٩/ ٤‬‬

‫‪75‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫على وجه سليم‪ ،‬وحرصهم على طهارة قلوبهم ودفع العوارض‬

‫عنها‪ ،‬وتخوفهم من يوم القيامة احملاسب املجازي ﴿ َر ّبَنَا ِإ ّنَ َك‬


‫ّاس ِليوم َّل ريب فِ يهِ ِإ َّن َّ َ‬
‫الل َل يُخْ ل ُ‬
‫ِف ْالِي َعا َد (‪( ﴾ )9‬آل‬ ‫َجامِ ُع النَ ِ َ ْ ٍ َ ْ َ‬
‫عمران ‪.)٩-٨‬‬

‫‪ -٧٣‬وتعاه ُد القلوب منه ٌج معلوم ألهل اإلميان والراسخني‬

‫يف العلم‪ ،‬ويف احلديث الصحيح ‪ (:‬لَ َقل ْ ُب اب ُن آد َم أش ُّد انقال ًبا مِ ْن‬

‫استجمعت غليا ًنا )‪.‬‬


‫ْ‬ ‫القِ ْد ِر إذا‬

‫وه ــذا ي ــد ُّل عــلــى خــطــورة تــركــهــا‪ ،‬وإهــمــالــهــا مــن الــدعــاء‬

‫والتزكية‪!..‬‬

‫وعن عبد اهلل بن عمرو ‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬قال‪ :‬قال رسول‬

‫ميا َن لَيَخْ ل َ ُق ِف َج ْو ِف أَ َحدِ ُك ْم‬ ‫اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ ( :-‬إ َِّن ْ ِ‬
‫ال َ‬
‫(‪)١‬‬
‫ميا َن ِف ُقلُو ِب ُك ْم) ‪.‬‬
‫ال َ‬ ‫َكما يَخْ ل َ ُق ال َّثو ُب‪َ ،‬فاس َألُوا َ‬
‫اهلل أَ ْن يُ َج ِّد َد ْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫(‪ )١‬رواه الطبراني (‪ ،)١٤٦٦٨( )٧٠/١٤‬واحلاكم (‪ )٥‬وصححه األلباني‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫ُ‬
‫وخلوقه كالثوب يوحي بالتغير السريع‪ ،‬وتراجعه ما لم يُ َحط‬

‫ٍ‬
‫وإنابة وابتهال (ادعوني أستجب لكم)‪ .‬سورة غافر‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بطاعات وذكر ‪،‬‬

‫وقال القرطبي رحمه اهلل وهو يشرح معنى كلمة القلب‪« :‬وهو‬

‫يف األصل مصدر قلبت الشيء أقلبه قلباً إذا رددته على بداءته‪،‬‬

‫وقلبت اإلناء‪ :‬رددته على وجهه‪ ،‬ثم نُقِ ل هذا اللفظ ُ‬


‫فس ِّمي به‬

‫هذا العضو الــذي هو أشــرف احليوان لسرعة اخلواطر إليه‬

‫القلب إال من تقلُّبه فاحذر‬


‫ُ‬ ‫ولترددها عليه كما قيل‪ :‬ما ُس ِّمي‬

‫قلب وحتويلِ » ‪.‬‬


‫على القلب من ٍ‬

‫‪ -٧٤‬وحينما يَعل ُم املــؤمـ ُن أن قل َبه ومصيره متعل ٌق بربه‬

‫وبات على‬
‫َ‬ ‫واإلخالص له‪ ،‬دفعه ذلك ملزيد التعلق والتعبد هلل ‪،‬‬

‫عمل واستعداد ‪.‬‬


‫وجل وإشفاق ‪ ،‬وحسن ٍ‬

‫‪77‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫‪ -٧٥‬ويف اآلي ِــة حـ ٌّ‬


‫ـض على طلب الرسوخ يف العلم ‪ ،‬وعدم‬

‫االكتفاء باحملصول ‪ ..‬وقد أثنى اهللُ تَ َعالَى على ال َّراسخني يف‬

‫صفات هي ُعنوان سعاد ِة العبد‪:‬‬


‫ٍ‬ ‫بسبع‬
‫ِ‬ ‫العلم‬

‫ِ‬
‫املوصل إلــى اهلل‪ ،‬املبني‬ ‫إحــداهــا‪ :‬العل ُم الــذي هو الطري ُق‬

‫ألحكامه وشرائعه‪.‬‬

‫الثانية‪ :‬الرسو ُخ يف العلم‪ ،‬وهذا َق ْد ٌر زائد على مجردِ العلم؛‬

‫فإن الراس َخ يف العلم يقتضي أن يَكون عاملًا ُمح ِّق ًقا‪ ،‬وعار ًفا‬
‫ّ‬

‫العلم وباطنَه‪ ،‬ف َرسخ َق َدمه يف‬


‫ِ‬ ‫مد ِّق ًقا‪ ،‬قد علَّمه اهللُ ظاه َر‬
‫أسرار الشريعة ِعل ًما وحاالً وعم ً‬
‫ال‪.‬‬

‫ص َفهم باإلميان بجميع كتابِه‪ ،‬و َر ٍّد ِلُتشابهه إلى‬


‫الثالثة‪ :‬أنه َو َ‬
‫ُم ْح َكمِ ه؛ بقولِه‪:‬‬

‫( يَ ُقولُو َن آَ َمنَّا ِبهِ ُك ٌّل مِ ْن ِعنْدِ َر ِّبنَا)‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫الرابعة‪ :‬أنهم سألوا َ‬


‫اهلل الع ْف َو والعافية مما ابتُلي به الزائغون‬

‫املنحرفون‪.‬‬

‫هلل عليهم بالهداية‪ ،‬وذٰلك قولُه‪:‬‬


‫اخلامسة‪ :‬اعترا ُفهم مبنَّةِ ا ِ‬

‫( َر َّبنَا ال ت ُِز ْغ ُقلُوبَنَا بَ ْع َد ِإ ْذ َه َديْتَنَا)‪.‬‬

‫السادسة‪ :‬أنهم مع هذا سألوه رحمتَه املتض ِّمن َة حصول ك ِّل‬

‫وتوسلوا إليه باسمه الوهاب‪.‬‬


‫َّ‬ ‫خير واندفاع ك ِّل ش ّر‪،‬‬

‫السابعة‪ :‬أنه أَخبر عن إميانهم وإيقانِهم ِ‬


‫بيوم القيامة وخوفِ هم‬
‫(‪)١‬‬
‫املوجب ِللعملِ ال َّرادِ ع عن الزَّلل» ‪.‬‬
‫منه‪ ،‬وهذا هو ِ‬

‫‪ -٧٦‬و ُم ــد َح الــراســخــون يف العلم يف ســورة النساء ( لكن‬

‫الراسخون يف العلم منهم…)‪ .‬والراس ُخ هو املبالغ يف علم الكتاب‬

‫س ُك ُّل أَ ْهلِ الْكِ ت ِ‬


‫َاب ِب َهذِ ِه‬ ‫الثابت فيه‪ ،‬والرسوخ الثبوت‪ .‬يَ ْعنِي‪ :‬لَيْ َ‬
‫(‪ )١‬تيسير الكرمي الرحمن ص‪.123‬‬

‫‪79‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫اس ُخو َن الْ َبا ِل ُغو َن ِف الْعِ ل ْ ِم أُولُو الْ َب َ‬


‫صائ ِِر مِ نْ ُه ْم‪،‬‬ ‫الصفَةِ ‪ ،‬لَكِ ِن ال َّر ِ‬
‫ِّ‬

‫َوأَ َرا َد ِبهِ ا َّلذِ ي َن أَ ْسل َ ُموا مِ ْن ُعل َ َماءِ الْيَ ُهودِ مِ ثْ َل َعبْدِ َّ ِ‬
‫الل بْ ِن َس َل ٍم‬

‫اج ُرو َن َو ْالَنْ َ‬


‫صا ُر‪﴿ ،‬يُؤْمِ نُو َن‬ ‫َوأَ ْ‬
‫ص َحا ِبهِ ‪َ ﴿ ،‬و ْالُؤْمِ نُو َن﴾ يَ ْعنِي‪ْ :‬ال ُ َه ِ‬

‫با أُنْـ ِـز َل ِإلَيْ َك﴾ يَ ْعنِي‪ :‬الْ ُق ْرآ َن‪َ ﴿ ،‬و َما أُنْـ ِـز َل مِ ْن َقبْل َ‬
‫ِك﴾ يَ ْعنِي‪:‬‬ ‫ِ َ‬

‫َسا ِئ َر الْ ُكت ُِب ْالُنَ َّزلَةِ ‪!.. ،‬‬

‫قال الطبري رحمه اهلل ‪ :‬وهم الذين قد َرسخوا يف العلم‬

‫بأحكام اهلل التي جــاءت بها أنبياؤه‪ ،‬وأتقنوا ذلــك‪ ،‬وعرفوا‬


‫(‪)1‬‬
‫حقيقته ‪.‬‬

‫ت َّكنُوا يف ِعل ْ ِم‬


‫ني يف العِ ل ْ ِم‪ :‬ا َّلذِ ي َن َ َ‬ ‫‪ -٧٧‬واملُــرا ُد بِال ّر ِ‬
‫اس ِخ َ‬

‫تاب‪ ،‬و َم ْع ِر َفةِ َمحامِ لِهِ ‪ ،‬وقا َم ِعنْ َدهم مِ َن األدِ َّلةِ ما أ ْر َش َدهم إلى‬
‫الكِ ِ‬

‫الش َب ُه‪ .‬وال ُّر ُسو ُخ يف َك ِ‬


‫الم‬ ‫ِحيْثُ ال تَ ُرو ُج َعلَيْهِ ُم ُّ‬ ‫ُمرادِ َّ ِ‬
‫الل تَعالى‪ ،‬ب َ‬
‫(‪ )١‬انظر تفسير الطبري‪. ٣٩٣/٩‬‬

‫‪80‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫ال َع َر ِب‪ :‬ال َّث ُ‬


‫بات وال َّت َم ُّك ُن يف املَكانِ ‪ ،‬يُقا ُل‪َ :‬ر َس َخ ِت ال َق َد ُم تَ ْر َس ُخ‬

‫وخا إذا ثَبَت َْت ِعنْ َد امل َ ْش ِي ولَ ْم تَتَ َزلْ َز ْل‪ْ ،‬‬
‫واستُعِ ي َر ال ُّر ُسو ُخ ِل َكمالِ‬ ‫ُر ُس ً‬

‫ِحيْثُ ال ت َُضلِّل ُ ُه ُّ‬


‫الش َب ُه‪ ،‬وال تَت ََط َّر ُق ُه األخْ طاءُ غا ِل ًبا‪،‬‬ ‫ال َع ْقلِ والعِ ل ْ ِم ب َ‬

‫اس ُخو َن‬ ‫وشاع ْت َهذِ ِه ِال ْستِعا َرةُ َحتّى صا َر ْت كا َ‬


‫حلقِ يقَةِ ‪ .‬فال ّر ِ‬ ‫َ‬

‫العار ُفو َن ِب َدقائِقِ هِ ‪َ ،‬فهم يُ ْح ِسنُو َن َمواقِ َع‬


‫ِ‬ ‫يف العِ ل ْ ِم‪ :‬ال ّثا ِبتُو َن فِ يهِ‬

‫ال َّت ْأ ِويلِ ويَ ْعل َ ُمونَ ُه‪.‬‬

‫جلاللَةِ ‪ ،‬ويف‬
‫اسـ ِـم ا َ‬ ‫اس ُخو َن َم ْع ُط ٌ‬
‫وف َعلى ْ‬ ‫و ِلــذا َف َق ْولُ ُه وال ّر ِ‬
‫﴿شهِ َد َّ‬
‫اللُ أ َّن ُه ال إلَ َه ّإل هو‬ ‫يف َع ِظي ٌم‪َ :‬ك َق ْولِهِ َ‬
‫َهذا ال َع ْط ِف ت َْش ِر ٌ‬

‫واملَال ِئ َك ُة وأُولُو العِ ل ْ ِم﴾ (آل عمران‪ )١٨ :‬وإلى َهذا ال َّتف ِْس ِ‬
‫ير ما َل‬

‫ِ‬
‫والقاس ُم بْ ُن ُم َح َّم ٍد‪،‬‬ ‫جاه ٌد‪ ،‬وال َّربِي ُع بْ ُن ُسلَيْما َن‪،‬‬
‫اس‪ ،‬و ُم ِ‬
‫ابْ ُن َع ّب ٍ‬

‫أح َم ُد ال ُق ْر ُط ِب ُّي‪ ،‬وابْ ُن َع ِط َّي َة‪،‬‬ ‫َّ‬


‫والشيْ ُخ ْ‬ ‫والشافِ عِ َّي ُة‪ ،‬وابْ ُن َف ْو َر ٍك‪،‬‬
‫ّ‬

‫‪81‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫وعلى َهذا َفلَيس يف ال ُقرآنِ آيَ ٌة استَ ْأثَر َّ‬


‫اللُ ِبعِ لْمِ ها‪ ،‬ويُ َؤ ِّي ُد َهذا‬ ‫َ‬
‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬
‫أن َّ َ‬
‫وخ‪،‬‬ ‫ني يف العِ ل ْ ِم َف ِضيل َ ًة‪ ،‬و َو َ‬
‫ص َفهم بِال ُّر ُس ِ‬ ‫الل أثْ َب َت لِل ّر ِ‬
‫اس ِخ َ‬ ‫َّ‬

‫امل َك َم يَ ْست َِوي يف ِعلْمِ هِ‬


‫ِأن لَهم َم ِز َّي ًة يف َف ْه ِم املُتَشا ِبهِ ؛ ِل َّن ُ ْ‬
‫َفآ َذ َن ب َّ‬

‫وحكى إما ُم‬


‫وخهم ؟ َ‬ ‫َجمِ ي ُع َمن يَ ْف َه ُم ال َكال َم‪َ ،‬ففي ِّ‬
‫أي َش ْيءٍ ُر ُس ُ‬

‫م ْن يَ ْعل َ ُم‬
‫اس‪ :‬أ َّن ُه قا َل يف هاتِهِ اآليَةِ أنا ِ َّ‬
‫ي‪َ ،‬ع ِن ابْ ِن َع ّب ٍ‬ ‫ا َ‬
‫حل َر َم ْ ِ‬
‫(‪)١‬‬
‫تَ ْأ ِويل َ ُه‪.‬‬

‫وإن ُج ْمل َ َة وال ّر ِ‬


‫اس ُخو َن‬ ‫ف َعلى َقولِهِ ّإل َّ‬
‫اللُ‪َّ ،‬‬ ‫‪ -٧٨‬وقِ ي َل‪ :‬ال َو ْق ُ‬
‫ْ‬

‫السل َ ِف‪ ،‬وهو َق ْو ُل‬


‫ور َّ‬ ‫يف العِ ل ْ ِم ُم ْستَ ْأنَ َف ٌة‪َ ،‬‬
‫وهذا َم ْر ِو ٌّي َع ْن ُج ْم ُه ِ‬

‫ِش َة‪ ،‬وابْ ِن َم ْس ُع ٍود‪ ،‬وأُبَ ٍّي…‪ .‬ويُ َؤ ِّي ُد األ َّو َل ْ‬
‫وص ُفهم‬ ‫ابْ ِن ُع َم َر‪ ،‬وعائ َ‬

‫حل ْك َم ا ِ َّلــذي أُثْ ِب َت‬


‫أن ا ُ‬ ‫وخ يف العِ ل ْ ِم؛ َفإ َّن ُه َدلِي ٌل بَ ِّ ٌ‬
‫ي َعلى َّ‬ ‫بِال ُّر ُس ِ‬

‫يق‪ ،‬هو ُح ْك ٌم مِ ن َم ْعنى العِ ل ْ ِم وال َف ْه ِم يف امل ُ ْع ِض ِ‬


‫الت‪،‬‬ ‫ِل َهذا ال َف ِر ِ‬
‫(‪ )١‬انظر التحرير والتنوير ‪. ١٦٥/٣‬‬

‫‪82‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫أص َل ال َع ْط ِف هو َع ْط ُ‬
‫ف امل ُ ْف َر ِ‬
‫دات‬ ‫وهو تَ ْأ ِوي ُل املُتَشا ِبهِ ‪َ ،‬على َّ‬
‫أن ْ‬

‫جلاللَةِ‬ ‫اس ُخو َن َم ْع ُطو ًفا َعلى ْ‬


‫اس ِم ا َ‬ ‫ُدو َن َع ْط ِف ا ُ‬
‫جل َملِ ‪َ ،‬ف َي ُكو ُن ال ّر ِ‬

‫َف َي ْد ُخلُو َن يف أ َّنهم يَ ْعل َ ُمو َن تَ ْأ ِويل َ ُه…‪ .‬قا َل ابْ ُن َع ِط َّي َة ت َْسمِ َيتُهم‬

‫ني تَ ْقت َِضي أ َّنهم يَ ْعل َ ُمو َن أ ْكثَ َر مِ َن ُ ْ‬


‫امل َك ِم ا َّلذِ ي يَ ْست َِوي يف‬ ‫راس ِخ َ‬
‫ِ‬

‫يف ال َك ِ‬
‫الم ِب َق ِر َ‬
‫يح ٍة‬ ‫جلمِ ي ُع وما ال ُّر ُسو ُخ ّإل امل َ ْع ِر َف ُة ِبت ِ‬
‫َصار ِ‬ ‫ِعلْمِ هِ ا َ‬

‫ُم َع َّدةٍ ‪ ،‬وما َذ َك ْرناهُ و َذ َكـ َرهُ ابْ ُن َع ِط َّي َة ال يَ ْع ُدو أ ْن يَ ُكو َن تَ ْر ِج ً‬
‫يحا‬

‫وخ‬ ‫وص ُ‬
‫ف بِال ُّر ُس ِ‬ ‫س إبْ ً‬
‫طال ِلُقا ِبلِهِ إ ْذ َق ْد يُ َ‬ ‫ِل َحدِ ال َّتف ِْسي َريْ ِن‪ ،‬ولَيْ َ‬

‫ي ما يَ ْستَقِ ي ُم تَ ْأ ِويل ُ ُه‪ ،‬وما ال َم ْط َم َع يف تَ ْأ ِويلِهِ ‪.‬‬


‫َمن يُ َف ِّر ُق بَ ْ َ‬

‫اس ِخ َ‬
‫ني‬ ‫ِأن ال ّر ِ‬
‫إشعا ٌر ب َّ‬ ‫وف َق ْولِهِ ‪﴿ :‬وما يَ َّذ َّك ُر ّإل أُولُو األلْ ِ‬
‫باب﴾ ْ‬ ‫ِ‬
‫(‪)١‬‬
‫يَ ْعل َ ُمو َن تَ ْأ ِوي َل املُتَشا ِبهِ ‪.‬‬

‫‪ -٧٩‬حقيق ُة التأويل‪ :‬هو نقل اللفظ عما اقتضاه ظاهره وعما‬


‫(‪ )١‬انظر التحرير والتنوير ‪. ١٦٥/٣‬‬

‫‪83‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫وضع له يف اللغة الى معنى آخر فإن كان نقله قد صح ببرهان‬

‫وكان ناقله واجب الطاعة فهو حق وإن كان نقله بخالف ذلك‬

‫اطرح ولم يلتفت إليه وحكم لذلك النقل بأنه باطل ‪ .‬هكذا عرفه‬

‫ابن حزم رحمه اهلل ‪.‬‬

‫معان‪:‬‬
‫وله ٍ‬

‫مبعنى التفسير‪ ،‬فهو الكالم الذي يفسر به‬


‫األول‪ :‬التأويل‪َ :‬‬

‫اللفظ حتى يفهم معناه‪ ،‬وهذا هو الغالب على اصطالح املفسرين‬

‫للقرآن كابن جرير الطبري وأمثاله من املفسرين‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬التأويل‪ :‬هو احلقيقة التي يؤول إليها الكالم‪ ،‬فتأويل‬

‫ما أخبر اهلل به عن ذاته وصفاته هو حقيقة ذاته املقدسة وما‬

‫لها من حقائق الصفات‪ ،‬وتأويل ما أخبر اهلل به عن اليوم اآلخر‬

‫هو نفس ما يكون يف اليوم اآلخر‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫‪ - 1‬فالذين يقولون بالوقف على قوله تعالى‪َ ﴿ :‬ف َأ َّما ا َّلذِ ي َن‬

‫ِف ُقلُو ِبهِ ْم َزيْ ٌغ َف َي َّت ِب ُعو َن َما ت ََشابَ َه مِ نْ ُه ابْ ِت َغا َء الْفِ تْنَةِ َوابْ ِت َغا َء تَ ْأ ِويلِهِ‬
‫َو َما يَعلَم تَ ْأ ِويل َ ُه إ َِّل َّ‬
‫اللُ ﴾ (آل عمران‪ )7 :‬ويجعلون ﴿ َوال َّر ِ‬
‫اس ُخو َن‬ ‫ْ ُ‬

‫ِف الْعِ ل ْ ِم ﴾ استئنا ًفا‪ ،‬إمنا َعنَوا بذلك التأويل باملعنى الثاني‪،‬‬

‫أي احلقيقة التي يؤول إليها الكالم‪ ،‬فحقيقة ذات اهلل وكنهها‪،‬‬

‫وكيفية أسمائه وصفاته‪ ،‬وحقيقة امليعاد ال يعلمها إال اهلل‪.‬‬

‫‪ - 2‬والذين يقولون بالوقف على قوله‪َ ﴿ :‬و َما يَ ْعل َ ُم تَ ْأ ِويل َ ُه إ َِّل‬
‫َّ‬
‫اللُ َوال َّر ِ‬
‫اس ُخو َن ِف الْعِ ل ْ ِم﴾ (آل عمران‪ )7 :‬على أن الواو للعطف‪،‬‬

‫وليست لالستئناف‪ ،‬إمنا َعنَوا بذلك التأويل باملعنى األول وهو‬

‫التفسير‪ ،‬فإذا ذكر عن مجاهد أنه يعلم تأويل املتشابه فاملراد به‬

‫أنه يعرف تفسيره‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫وبهذا يتضح أنه ال منافاة بني القولني يف النهاية‪ ،‬وإمنا األمر‬

‫يرجع إلى االختالف يف معنى التأويل ‪،‬‬

‫‪ - 3‬وقال ابن عباس رضي اهلل عنهما‪ :‬التفسي ُر على أربعة‬

‫أنواع‪:‬‬

‫‪ - 1‬فتفسير ال يعذر أحد يف فهمه ‪.‬‬

‫‪ - 2‬وتفسير تعرفه العرب من لغاتها (كمعنى اإللــه‪ :‬وهو‬

‫املعبود)‪.‬‬

‫‪ - 3‬وتفسير يعلمه الراسخون يف العلم (كمعنى االستواء‪:‬‬

‫العلو)‪.‬‬

‫‪ - 4‬وتفسير ال يعلمه إال اهلل (كــمــعــرفــة كيفية ال ــذات‬

‫والصفات)‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫التأويل املذموم‪:‬‬

‫الثالث‪ :‬التأويل املــذمــوم‪ :‬هو صــرف اللفظ عن االحتمال‬

‫الــراجــح إلــى االحتمال املــرجــوح لدليل يقترن بــه‪ ،‬وهــو الذي‬

‫عناه أكثر املتأخرين يف تأويل نصوص الصفات‪ ،‬وإمنا جلأوا‬

‫إليه مبالغة منهم يف تنزيه اهلل تعالى عن مماثلة املخلوقني يف‬

‫زعمهم؛ وهذا زعم باطل أوقعهم يف مثل ما هربوا منه أو أشد‪،‬‬

‫فهم حني يؤولون اليد بالقدرة ً‬


‫مثل إمنا قصدوا الفرار من أن‬

‫يثبتوا للخالق ي ًدا‪ ،‬ألن للمخلوقني ي ًدا فاشتبه عليهم لفظ اليد‬

‫فأولوها بالقدرة‪ ،‬وذلك تناقض منهم‪ ،‬ألنهم يلزمهم يف املعنى‬

‫الذي أثبتوه نظير ما زعموا أنه يلزم يف املعنى الذي نفوه‪ ،‬ألن‬

‫أيضا‪ .‬فإن كان ما أثبتوه من القدرة ح ًقا ممك ًنا‬


‫العباد لهم قدرة ً‬

‫‪87‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫ً‬
‫باطل‬ ‫كان إثبات اليد هلل ح ًقا ممك ًنا ً‬
‫أيضا‪ .‬وإن كان إثبات اليد‬
‫ً‬
‫باطل‬ ‫ممتن ًعا ملا يلزمه من التشبيه يف زعمهم كان إثبات القدرة‬

‫ممتن ًعا كذلك‪ ،‬فال يجوز أن يقال‪ :‬إن هذا اللفظ ُمؤ َّول مبعنى‬

‫أنه مصروف عن االحتمال الراجح إلى االحتمال املرجوح‪ .‬وما‬

‫جاء عن أئمة السلف وغيرهم من ذم للمتأولني إمنا هو ملثل‬

‫هؤالء الذين تأ َّولوا ما يشتبه عليهم معناه على غير تأويله وإن‬

‫كان ال يشتبه على غيرهم ‪.‬‬

‫فوجب احلذر‬
‫َ‬ ‫زيغ العلماء ‪،‬‬
‫ضرب من ِ‬
‫ٌ‬ ‫‪ -٨٠‬والتأوي ُل املذموم‬

‫وسلوك اجلادة واقتفاء آثار السلف‪ .‬ومن زيغ العلماء عد ُم عملهم‬

‫بالعلم واملفاخرة به‪ ،‬وعدم تطبيقه يف احليا ِة ‪ ،‬والتأكل به وجعله‬


‫ِ‬
‫ساللم للدنيا وجمعها ‪ .‬ومن الزيغ توظيفه ألربــاب الشهوات‬

‫وجعله مرت ًعا لكل طالب وراغب ‪!..‬‬

‫‪88‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫‪ -٨١‬ومن فوائدِ اآلية ‪ :‬أن العل َم إذا لم َ‬


‫يزك ويبت َغ به وج ُه اهلل‬

‫كان حج ًة على صاحبه‪ ،‬ووباالً على حامله ‪ ،‬وقد اشتهر عن ابن‬

‫رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه من جوفه )‬


‫املبارك رحمه اهلل‪ِّ (:‬‬

‫وال يصح مرفوعا ‪ ،‬ويروى عنه انس رضي اهلل عنه نحوه ‪.‬‬

‫حلظت العالم ال يعمل بعلمه‪ ،‬أو يأتي ما يناقضه فاعلم‬


‫َ‬ ‫واذا‬

‫ديب الفائدة ‪ ،‬ثقيـل احلسرة ‪ ،‬واهلل املستعان‬


‫مي البركة ‪َ ،‬ج ُ‬
‫أنه عد ُ‬

‫‪ ،‬وعــن سفيان بن عيينة رحمه اهلل قــال‪ ( :‬إمنــا أربــاب العلم‬

‫الذين هم أهله الذين يعملون به )‪ .‬وقال احلسن البصري رحمه‬

‫اهلل قال‪ ( :‬إذا كنت آم ًرا باملعروف فكن من آخذ الناس به وإال‬

‫هلكت‪ ،‬وإذا كنت ممن ينهى عن املنكر فكن من أنكر الناس له‬
‫(‪)١‬‬
‫وإال هلكت) ‪.‬‬
‫(‪ )١‬الزهد لإلمام أحمد ‪. 444 /‬‬

‫‪89‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫‪ -٨٢‬وقد استفاض عن السلف ذمهم ترك العمل ملن علم‬

‫وحفظ وحتمل ‪:‬‬

‫قال الفضيل بن عياض رحمه اهلل‪ ( :‬أي حسرة على امرئ‬

‫أكبر من أن يؤتيه اهلل ‪ -‬ع َّز َّ‬


‫وجل ‪ -‬عل ًما فلم يعمل به‪ ،‬فسمعه‬

‫منه غيره فعمل به‪ ،‬فيرى منفعته يوم القيامة لغيره‪.).‬‬

‫قال بشر بن احلارث رحمه اهلل‪ :‬ال تسأل عن مسائل تعرف‬

‫بها عيوب الناس‪ ،‬ال تقع يف ألسنة الناس‪ ،‬إذا سألت عن مسألة‬

‫فاعمل‪ ،‬فإن لم تطق فاستعن باهلل‪.‬‬

‫هيب بن الورد رحمه اهلل‪ ( :‬ال يكن ه ّم أحدكم يف كثرة‬


‫قال ُو ُ‬

‫العمل‪ ،‬ولكن ليك ْن ه ّمه يف إحكامه وحتسينه‪ ،‬فإن العبد قد‬

‫يصلّي وهو يعصي اهلل يف صالته‪ ،‬وقد يصوم وهو يعصي اهلل‬

‫‪90‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫(‪)١‬‬
‫يف صيامه)‪.‬‬
‫وقــال ابــن القيم رحمه اهلل يف قــولــه‪ (:‬مثل الــذيــن حملوا‬
‫التوراة‪« : )..‬فقاس َمن ح َّمله سبحانه كتابه ليؤمن به ويتدبره‬
‫ويعمل به ويدعو إليه ثم خالف ذلك ولم يحمله إال على ظهر‬
‫قلب؛ فقراءتُه بغير تد ُّبر وال تف ُّهم وال اتباع وال حتكيم له وعمل‬
‫مبوجبه ‪ -‬كحمار على ظهره زاملة أسفار ال يــدري ما فيها‪،‬‬
‫وحظه منها حملها على ظهره ليس إال؛ فحظه من كتاب اهلل‬
‫(‪)٢‬‬
‫كحظ هذا احلمار من الكتب التي على ظهره»‪.‬‬
‫وقال اب ُن رجب احلنبلي رحمه اهلل‪ ( :‬العلم شجرة والعمل‬
‫ً‬
‫عامل )‪.‬‬ ‫ثمرة‪ ،‬وليس يعد عاملًا من لم يكن بعلمه‬
‫وقال أبو الدرداء رضي اهلل عنه ‪« :‬ويل للذي ال يعلم‪ ،‬وويل‬

‫للذي يعلم وال يعمل سبع مرات» )‪.‬‬


‫(‪« )١‬صفة الصفوة ‪.»535/2‬‬
‫(‪ )٢‬إعال ُم املوقعني ‪. ١٢٧/١‬‬
‫‪91‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫وعن يحيى بن معاذ الرازي رحمه اهللُ قال‪« :‬مسكني من كان‬

‫حجيجه‪ ،‬ولسانُه خصي َمه‪ ،‬وفهمه القاطع بعذره»‪.‬‬


‫َ‬ ‫عل ُمه‬

‫‪ -٨٣‬وإمنا يُبتلى بعضهم بهذه املعصية وهي ترك العمل بسبب‬

‫لوثة يف الطريق ‪ ،‬أو استهداف دنيوي ‪ ،‬أو خلل يف الطوية‪ ،‬وعدم‬

‫معاص حائلة متنع بركته ‪ ،‬وقلة التدين به‪،‬‬


‫ٍ‬ ‫تعظيم العلم‪ ،‬ووجود‬

‫وحمله للمفاخرة …!‬

‫والواجب يف املسار العلمي تعظيم العلم‪ ،‬وخشية اهلل‬


‫ُ‬ ‫‪-٨٤‬‬

‫فيه‪ ،‬وتوظيف السنن على الذات ‪ ،‬ونصح اخللق‪ ،‬وإحياء السنة ‪،‬‬

‫واقتفاء الهدي‪ ،‬وترك اجلدل واملباهاة ‪ ،‬والتشبة بسمت السلف‬

‫وطريقتهم ‪ (..‬أولئك الذين هدى اهلل فبهداهم اقتده) سورة‬

‫األنعام‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫‪ -٨٥‬قال العالم ُة ابن باز رحمه اهلل ‪ »:‬فالقلوب هي محل‬

‫النظر ومحل االعتبار‪ ،‬وهي أســاس الصالح والفساد‪ ،‬فمتى‬

‫صلح قلبك يف طاعة اهلل وخشيته واإلخ ــاص لــه وتوحيده‬

‫وتعظيم أمره ونهيه واملــواالة يف ذلك واملعاداة يف ذلك صلحت‬

‫أحوالك وأعمالك وانبعثت همتك إلى كل خير وتباعدت بذلك‬

‫عن كل شر‪ ،‬ومتى فسد القلب بالشهوات احملرمة والنفاق والكفر‬

‫والضالل فال تسأل عما يقع من الشرور والفساد واملعاصي‪،‬‬

‫كما أنها أسباب لفساد القلب ومرضه‪ ،‬كذلك من أسباب موته‬

‫والطبع عليه‪ ،‬وهي بريد الكفر‪ ،‬كما أن األمراض البدنية بريد‬

‫املوت فاألمراض القلبية بريد هالك القلب وبريد الطبع عليه‬

‫وموته‪ ،‬ومتى مات وطبع عليه وختم عليه فال تسأل عما يقع من‬

‫‪93‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫الشرور والفساد وعدم االنتباه ألي شيء‪ ،‬يقول‪َ ﴿ :‬فل َ َّما زَا ُغوا أي‬
‫انحرفوا أَزَا َغ َّ‬
‫اللُ ُقلُوبَ ُه ْم (الصف‪ ،)5:‬ويقول‪َ ﴿ :‬ونُ َقلِّ ُب أَ ْف ِئ َدتَ ُه ْم‬

‫صا َر ُه ْم َك َما لَ ْم يُؤْمِ نُوا ِبهِ أَ َّو َل َم َّرةٍ َونَ َذ ُر ُه ْم ِف ُط ْغ َيانِهِ ْم‬
‫َوأَبْ َ‬
‫يَ ْع َم ُهو َن﴾ (األنعام‪ )110:‬هذه من ثمرات الزيغ واالستمرار يف‬

‫املعاصي والشرور‪ ،‬فالواجب على املؤمن أن ينتبه لهذا األمر‪،‬‬

‫وأن يحاسب نفسه‪ ،‬وأن يجاهدها لعله ينجو‪ ،‬فــاهلل يقول‬


‫اه ُدوا فِ ينَا لَنَ ْهدِ يَ َّن ُهم سبلَنَا َو ِإ َّن َّ َ‬
‫الل َل َ َع‬ ‫سبحانه‪َ ﴿ :‬وا َّلذِ ي َن َج َ‬
‫ْ ُ ُ‬
‫ُْْ‬
‫ال ِس ِن َ‬
‫ني﴾ (العنكبوت‪.)69:‬‬

‫‪ -٨٦‬قال ابن القيم رحمه اهلل‪ ( :‬ومث ُل القلب مثل الطائر‪،‬‬

‫كلما عال‪ ،‬بعد عن اآلفات‪ ،‬وكلما نزل‪ ،‬احتوشته اآلفات) ‪.‬‬

‫وقال أيضا‪ (:‬ال يغتر العبد بأن مجرد علمه مبا ذكر كاف‬

‫‪94‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫يف حصول املقصود‪ ،‬بل ال بد أن يضيف إليه بذل اجلهد يف‬

‫العمل‪ ،‬واستفراغ الوسع والطاقة يف ذلك‪ ،‬ومالك ذلك اخلروج‬

‫عن العوائد؛ فإنها أعداء الكمال والفالح‪ ،‬ويستعني على ذلك‬


‫(‪)١‬‬
‫بالهروب من مظان الفتنة‪ ،‬والبعد عنها ما أمكنه)‪.‬‬

‫‪ -٨٧‬ومن األسباب التي لها تأثي ٌر خاص يف إصالح القلب‬

‫ما يلي ‪ :‬االستعانة باهلل جل وعال حتقي ًقا لقوله سبحانه ‪« :‬‬
‫اعبُ ْدهُ َوتَ َو َّك ْل َعلَيْهِ‬ ‫اك نَ ْعبُ ُد َو ِإ َّي َ‬
‫اك نَ ْستَعِ ُ‬
‫ني « وقوله تعالى ‪َ « :‬ف ْ‬ ‫ِإ َّي َ‬

‫« وعمال بوصية رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حلبيبه معاذ‬

‫(فعن معاذ رضي اهلل عنه أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬

‫أخذ بيده وقال ‪« :‬يا معاذ واهلل إني ألحبك » فقال ‪« :‬أوصيك يا‬

‫معاذ ال تدعن يف دبر كل صالة تقول ‪ :‬اللهم أعني على ذكرك‬

‫وشكرك وحسن عبادتك» ‪.‬‬


‫(‪ )١‬عدة الصابرين ص‪. ١٥٢ :‬‬

‫‪95‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫تضرعا‬
‫ً‬ ‫‪ -٨٨‬واالستعانة تكو ُن بالتوكل والدعاء ‪ ،‬الدعاء‬
‫وخيفة‪ ،‬وال يخفى فضل الدعاء وعظيم أثــره‪ ،‬لكن كثي ًرا من‬
‫الناس يغفلون عن الدعاء بصالح قلوبهم ‪.‬‬
‫يقول ابن القيم رحمه اهلل ‪( :‬العجب ممن تعرض له حاجة‬
‫فيصرف رغبته وهمته فيها إلى اهلل ليقضيها له‪ ،‬وال يتصدى‬
‫للسؤال حلياة قلبه من موت اجلهل واإلعراض‪ ،‬وشفائه من داء‬
‫(‪)١‬‬
‫الشهوات والشبهات‪ ،‬ولكن إذا مات القلب لم يشعر مبعصيته) ‪.‬‬
‫‪ -٨٩‬ومنها‪ :‬تالوة كتاب اهلل بالتدبر والتفهم ملعانيه‪ ،‬فالقراءة‬
‫بالتدبر من أعظم ما يصلح القلب ويشفيه من أمراض الشبهات‬
‫والشهوات‪ ،‬ملا يف القرآن من البراهني اجللية واملواعظ البليغة ‪.‬‬

‫يقول اهلل تعالى ‪﴿ :‬يَا أَيُّ َها الن ُ‬


‫َّاس َق ْد َجا َءتْ ُك ْم َم ْوعِ َظ ٌة مِ ْن َر ِّب ُك ْم‬

‫ور َو ُه ًدى َو َر ْح َم ٌة ِلل ْ ُمؤْمِ ِن َ‬


‫ني﴾ (يونس‪. )57 :‬‬ ‫َو ِش َفاءٌ ِلَا ِف ُّ‬
‫الص ُد ِ‬

‫(‪ )١‬الفوائد ص‪. ١١٢:‬‬

‫‪96‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫‪ -٩٠‬قال ابن القيم رحمه اهلل ‪( :‬فإن القلب ال يطمئن إال‬

‫باإلميان واليقني وال سبيل إلى حصول اإلميان واليقني إال من‬

‫القرآن فإن سكون القلب وطمأنينته من يقينه‪ ،‬واضطرابه وقلقه‬

‫من شكه‪ ،‬والقرآن هو احملصل لليقني الدافع للشكوك والظنون‬

‫واألوهام‪ ،‬فال تطمئن قلوب املؤمنني إال به)‪.‬‬


‫(‪)١‬‬

‫‪ -٩١‬ومنها‪ :‬دوا ُم ذكر اهلل عز وجل املطلق على كل حال‪،‬‬

‫فنصيب املؤمن من حياة القلب وطمأنينته‬


‫ُ‬ ‫باللسان والقلب‪،‬‬

‫ومحبته لربه على قدر نصيبه من الذكر ‪.‬‬

‫يقول تعالى ‪ ( :‬أَ َل ِبذِ ْك ِر ا ِ‬


‫هلل ت َْط َمئ ُِّن الْ ُقل ُ ُ‬
‫وب «ويقول صلى‬

‫اهلل عليه وسلم ‪« :‬مثل الذي يذكر ربه والذي ال يذكر ربه كمثل‬
‫(‪)٢‬‬
‫احلي وامليت) ‪.‬‬

‫(‪ )١‬مدارج السالكني‪. ٤٨٠/٢‬‬


‫(‪ )٢‬البخاري ( ‪)٦٤٠٧‬‬
‫‪97‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫‪ -٩٢‬ومنها‪ :‬مجالس ُة الصاحلني واالستمتاع بأحاديثهم ‪ ،‬فقد‬

‫(ال َْــرءُ َعلَى دِ ِ‬


‫ين َخلِيلِهِ ‪،‬‬ ‫قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ْ :‬‬
‫(‪)١‬‬
‫َفلْيَن ُْظ ْر أَ َح ُد ُك ْم َم ْن يُ َخا ِل ُل) ‪.‬‬

‫اص ِب ْر‬
‫وقد أمرنا اهلل مبجالسة الصاحلني يف قوله تعالى‪َ ﴿ :‬و ْ‬
‫نَف َْس َك َم َع ا َّلذِ ي َن يَ ْد ُعو َن َر َّب ُهم بِالْ َغ َدا ِة َوالْ َع ِش ِّي يُ ِري ُدو َن َو ْج َه ُه َو َل‬

‫ال َيا ِة ال ُّدنْ َيا َو َل ت ُِط ْع َم ْن أَ ْغ َفلْنَا‬


‫َاك َعنْ ُه ْم ت ُِري ُد ِزينَ َة ْ َ‬
‫تَ ْع ُد َعيْن َ‬

‫َقل ْ َب ُه َعن ذِ ْك ِرنَا َوا َّت َب َع َه َواهُ َو َكا َن أَ ْم ُرهُ ُف ُر ًطا﴾ الكهف‪. 28:‬‬

‫‪ -٩٣‬ذلك أن مجالسة الصاحلني حتيلك من ستة إلى ستة‪:‬‬

‫«من الشك إلى اليقني‪ ،‬ومن الرياء إلى اإلخالص‪،‬ومن الغفلة‬

‫إلى الذكر‪،‬ومن الرغبة يف الدنيا إلى الرغبة يف اآلخرة‪،‬ومن‬


‫(‪)٢‬‬
‫الكبر إلى التواضع‪،‬ومن سوء النية إلى النصيحة» ‪'.‬‬

‫(‪ )١‬رواه أبو داوود(‪ .)٤٨٣٣‬الترمذي (‪.)٢٣٧٨‬‬


‫(‪ )١‬موارد الظمآن ‪. ٥٦٢ /١‬‬

‫‪98‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫‪ -٩٤‬وحضو ُر دروس العلماء ‪،‬يقول العالم ُة ابن القيم رحمه‬

‫اهلل ‪( :‬وأمــا العلماءُ باهلل وأمــره فهم حياة الوجود وروحــه‪ ،‬ال‬

‫يُستغنى عنهم طرف ُة عني‪ ..‬فالعل ُم للقلب مثل املاء للسمك‪ ،‬إذا‬

‫فقده مات‪ .‬فنسبة العلم إلى القلب كنسبة ضوء العني إليها‪،‬‬

‫وكنسبة سمع األذن وكنسبة كالم اللسان إليه‪ ،‬فإذا عدمه كان‬

‫كالعني العمياء‪ ،‬واألذن الصماء‪ ،‬واللسان األخرس؛ ولهذا يصف‬

‫اهلل أهل اجلهل بالعمي والصم والبكم‪ ،‬وذلك صفة قلوبهم حيث‬

‫فقدت العلم النافع فبقيت على عماها وصممها وبكمها يقول‬

‫اهلل‪َ ﴿ :‬و َم ْــن َكــا َن ِف َهــذِ ِه أَ ْع َمى َف ُه َو ِف ْال ِخ ـ َر ِة أَ ْع َمى َوأَ َ‬


‫ضـ ُّل‬
‫(‪)١‬‬ ‫َس ِب ً‬
‫يل ﴾ (اإلسراء‪ )72 :‬واملراد عمى القلب يف الدنيا‪.‬‬

‫(‪ )١‬مفتاح دار السعادة‪. ١١١/١‬‬

‫‪99‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫‪ -٩٥‬ومنها ‪ :‬تعاه ُد القلب وملؤه بزاده وميرته احلقيقية من‬

‫اإلميــان والذكر البهيج‪ ،‬ويقول ابن القيم ‪( :‬ففي القلب شعث‬

‫ال يلمه إال اإلقبال على اهلل‪ ،‬وفيه وحشة ال يزيلها إال األنس‬

‫به يف خلوته‪ ،‬وفيه حزن ال يذهبه إال السرور مبعرفته وصدق‬

‫معاملته‪ ،‬وفيه قلق ال يسكنه إال االجتماع عليه والفرار إليه‬

‫وفيه نيران حسرات ال يطفئها إال الرضا بأمره ونهيه وقضائه‬

‫ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه‪ ..‬وفيه فاقة ال يسدها‬

‫إال محبته واإلنابة إليه ودوام ذكره‪ ،‬وصدق اإلخالص له‪ ،‬ولو‬
‫(‪)١‬‬
‫أعطي الدنيا وما فيها‪ ،‬لم تسد تلك الفاقة منه أب ًدا)‪.‬‬

‫‪ -٩٦‬وكذلك اعتزا ُل أماكن الفنت والشهوات واملناكر القاضية‬

‫‪،‬ففي احلديث الصحيح قال عليه الصالةُ والسالم ‪ ( :‬بَــادِ ُروا‬


‫(‪ )١‬مدارج السالكني ‪. ١٥٦ /٣‬‬

‫‪100‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫بِاألَ ْع َمالِ فِ تَ ًنا َكقِ َط ِع اللَّيْلِ ْال ُ ْظل ِِم‪ ،‬يُ ْ‬


‫ص ِب ُح ال َّر ُج ُل ُمؤْمِ ًنا َو ُ ْ‬
‫ي ِسي‬

‫ص ِب ُح َكافِ ًرا‪ ،‬يَ ِبي ُع دِ ينَ ُه ِب َع َر ٍض مِ َن‬ ‫َكافِ ًرا‪ ،‬أَ ْو ُ ْ‬


‫ي ِسي ُمؤْمِ ًنا َويُ ْ‬
‫(‪)١‬‬
‫ال ُّدنْ َيا) ‪.‬‬

‫قال النووي رحمه اهلل ‪« :‬معنى احلديث احلث على املبادرة‬

‫إلى األعمال الصاحلة قبل تعذرها واالشتغال عنها مبا يحدث‬

‫من الفنت الشاغلة املتكاثرة املتراكمة كتراكم ظالم الليل املظلم‬

‫ال املقمر» ‪.‬‬

‫القلب باحملافظة على الصلوات اخلمس‬


‫ُ‬ ‫‪ -٩٧‬ويستصلح‬

‫ومجاهدة النفس على املداومة عليها‪ ،‬وجلمام الروح باملكث يف‬

‫املساجد ‪.‬‬

‫(‪ )١‬مسلم (‪.)١٢٨‬‬

‫‪101‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫والتقرب إلى اهلل بالنوافل تسننا وحدا واهتماما ؛ ففي‬


‫ُ‬ ‫‪-٩٨‬‬
‫َّ‬
‫احلديث القدسي يقو ُل الل تبارك وتعالى‪ ( :‬ما تق َّر َب َّ‬
‫إلي عبدي‬

‫افترضت عليْهِ ‪ ،‬وما يزا ُل يتق َّر ُب عبدي‬


‫ُ‬ ‫بشيءٍ أفض َل من أداء ما‬

‫إلي بالنَّوافلِ حتَّى أُح َّب ُه‪ ،‬فإذا أحببتُ ُه ُ‬


‫كنت سم َع ُه ا َّلذي يسم ُع‬ ‫َّ‬
‫ُ‬
‫يبطش بِها‪ ،‬ولئن سألني‬ ‫ِبهِ ‪ ،‬وبص َرهُ ا َّلذي يبص ُر ِبهِ ‪ ،‬وي َدهُ ا َّلتي‬

‫ألعطي َّن ُه‪ ،‬ولئن دعاني ألجيبنه‪ ،‬ولئن استعا َذني ألعيذ َّن ُه‪ ،‬وما‬

‫املوت ‪،‬‬
‫َ‬ ‫املؤمن‪ ،‬يَك َرهُ‬
‫ِ‬ ‫دت عن شيءٍ أنا فاعل ُ ُه تر ُّددي عن ِ‬
‫نفس‬ ‫تر َّد ُ‬
‫(‪)١‬‬
‫وأَك َرهُ مساءتَ ُه )‪.‬‬

‫‪ -٩٩‬وكذلك زيارة املقابر وتذكر الدار اآلخرة ‪ ،‬فقد قال يف‬


‫بور ‪ ،‬ف َق ْد أذ َن ِ ُ‬
‫ل َّم ٍد يف‬ ‫احلديث ‪َ (:‬قد ُك ُ‬
‫نت نَ َهيتُ ُكم َعن زيار ِة ال ُق ِ‬
‫(‪)٢‬‬
‫قبر أ ِّمهِ ‪َ ،‬فزوروها فإ َّنها ت َذ ِّك ُر ِ‬
‫اآلخرةَ )‪.‬‬ ‫زيا َر ِة ِ‬
‫(‪ )١‬البخاري (‪.)٦٥٠٢‬‬
‫(‪ )٢‬مسلم (‪ ،)٩٧٧‬الترمذي (‪ )١٠٥٤‬وهذا لفظه‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫ومالك ذلك كله صيان ُة اجلوارح‪ ،‬وحفظها من الفضول‬


‫ُ‬ ‫‪-١٠٠‬‬
‫والتجاوزات ‪ ،‬فقد قال عليه الصالة والسالم كما يف حديث‬
‫مب ِ‬
‫الك‬ ‫معاذ املشهور بعد أن علمه طرق اخلير ‪ (:‬أال أخب ُرك ِ‬
‫َ‬
‫عليك‬ ‫نبي اهللِ‪ ،‬فأخ َذ بلسانِهِ ‪ ،‬وقال‪ُ :‬ك َّف‬ ‫ذلِك كلِّه؟ ُ‬
‫قلت‪ :‬بلَى‪ ،‬يا َّ‬
‫ملؤاخذو َن مبا نتَكلَّ ُم بِه؟ قال‪ :‬ثَ َ‬
‫كلتك‬ ‫َ‬ ‫نبي اهللِ‪ِ ،‬إ َّنا‬ ‫هذا‪ ،‬ف ُق ُ‬
‫لت‪ :‬يا َّ‬
‫وجوههِ م‪ ،‬أوعلَى‬
‫ِ‬ ‫َّاس يف الن َِّارعلَى‬ ‫أ ُّم َك يا معا ُذ‪َ ،‬وهل يَ ُّ‬
‫كب الن َ‬
‫(‪)١‬‬
‫مناخرهم‪َّ ،‬إل حصائ ُد ألسنتِهم )‪.‬‬
‫ِ‬
‫ومـ ُ‬
‫ـاك األمــر‪ :‬هو جما ُع األمــر‪ ،‬وما ميلك أطرافه وصلبه‬
‫وحواشيه‪ ،‬كأنه يقول‪ :‬ما متتلك به كل ما تقدم‪ ،‬ويعينك على‬
‫اجلد واملبادرة ‪.‬‬

‫الكتاب بحمد اهلل وتوفيقه ‪ ،‬واحلمد هلل‬


‫ُ‬ ‫ّ‬
‫مت‬
‫الذي بنعمته تتم الصاحلات ‪.‬‬

‫(‪ )١‬الترمذي (‪.)٢٦١٦‬‬

‫‪103‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫�إ�صدارات امل�ؤلف ‪:‬‬


‫صدر له أكثر من ( ‪ ) ١٤٠‬كتاب منها ‪:‬‬
‫العلم ومدار ُج الفهم ‪.‬‬
‫‪ -‬سالل ُم ِ‬
‫اخلطب احلديثية ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬األربعون املعالي‪.‬‬
‫‪ -‬األربعون األكثرية‬
‫موقظات التدبر القرآني‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬نثار العلم ‪.‬‬
‫‪ -‬من جماليات السيرة النبوية‪.‬‬
‫‪ -‬محائليات ( شعر )‪.‬‬
‫‪ -‬ال َيراع ُة الرمضانية ‪.‬‬
‫ُ‬
‫مواقف علمية لألئمة األسالف‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪104‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫‪ -‬طلع ُة الشمس ( سنن نورانية)‪.‬‬


‫‪ -‬وكلها من ( دار تكوين )‪.‬‬
‫‪ -‬طالئ ُع السلوان ‪ -‬دار ابن خزمية ‪.‬‬
‫نسمات من أم القرى ‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫‪-‬‬
‫موات املروءة ( شعر )‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬وطن ومنن ( شعر )‪.‬‬
‫‪ِّ -‬‬
‫الطالب األعظم ( شعر)‬
‫‪ -‬فهزموهم بإذن اهلل ( شعر)‪.‬‬
‫‪ -‬توهجات النيل( شعر )‪.‬‬
‫‪ -‬كورونا وليمونا (شعر)‪.‬‬
‫‪ -‬مدائن األلباني‪ (.‬شعر )‪.‬‬
‫‪ -‬عاصفة احلزم ( شعر )‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫‪ -‬اللؤلؤ املنظوم يف تقريب العلوم ‪.‬‬


‫‪ -‬سلسل ُة أربعينيات حديثية متنوعة ‪.‬‬
‫‪ -‬أزاهير الروضة‬
‫‪ -‬شجن املنابر‬
‫‪ -‬قواع ُد قرآنية لفهم الدعوة ‪.‬‬
‫‪ -‬مقدمات التغيير النبوي ‪.‬‬
‫‪ -‬من جماليات السيرة ‪.‬‬
‫‪ -‬االحتفا ُل بالسبع الطوال ‪.‬‬
‫‪ -‬محاس ُن التزيني مبعاني املئني‬
‫لب املثاني ‪.‬‬
‫‪ -‬حس ُن التداني من ّ‬
‫‪ -‬الغص ُن املكلل من معاني املفصل ‪.‬‬
‫‪ -‬شج ُن املنابر وه ُ‬
‫نت احملابر‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫السعد والسنا بفوائد « ربَّنا ال ُتزغ قلوبنا »‬
‫ُ‬

‫‪ -‬مسامرات أدبية على أنغام املتنبي‪.‬‬


‫‪ -‬اغتنا ُم الدرر من سورة العصر ‪.‬‬
‫‪ -‬النسي ُم البحري من أسرار رب اشرح لي صدري‪.‬‬
‫‪ -‬متع ُة الهيمان من أسرار ثلث القرآن‪.‬‬
‫‪ -‬سيدةُ اآليات وفريدة الهبات ‪.‬‬
‫والسنا بفَوائدِ ( ر ّبَنا ال ت ُِز ْغ ُقلوبَنا )‪.‬‬
‫السع ُد َّ‬
‫‪َّ -‬‬
‫للتواصل ‪:‬‬
‫‪hamzah10000@outlook.com‬‏‬

‫‪107‬‬

You might also like