You are on page 1of 12

‫بحث عن حجية السنة النبوية‬

‫إعداد طالب‪:‬‬
‫حبيب الهدى دووي حوسودو (اإلندونيسي)‬
‫‪FU/BS/F17-6111‬‬

‫تحت إشراف‪:‬‬
‫الدكتور عبيد الرحمن – حفظه اهلل ‪-‬‬
‫(أستاذ يف قسم احلديث النبوي الشريف)‬

‫العام الجامعي‬
‫‪١٤٤٣‬ه‪٢٠٢٢-‬م‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬


‫شكر و تقدير‬

‫الصحة والعافية والعزمية‪ ..‬فاحلمد هلل محدا كثريا‪.‬‬


‫وجل الذي وفقنا يف إمتام هذا البحث العلمي‪ ،‬والذي أهلنا ّ‬
‫عز ّ‬‫حنمد اهلل ّ‬

‫وأتقدم بالشكر والتقدير إىل أستاذ الفاضل الدكتور عبيد الرمحن ‪-‬حفظه اهلل‪ -‬الذي تفضل بإشرافه على هذا البحث‪،‬‬
‫ولكل ما قدمه يل من دعم وتوجيه وإرشاد إلمتام هذا العمل على ما هو عليه فله أمسى عبارات الثناء والتقدير‪.‬‬

‫حبيب الهدى دووي حوسودو‬

‫المقدمة‪:‬‬
‫احلمد هلل الذي علمنا ونورنا بالوحي‪ ،‬والصالة ريب وسالمه على املبعوث رمحة للعاملني سيدنا حممد ‪-‬صلى اهلل عليه‬
‫َّك لَ َعلى ُخلُ ٍق َعظي ٍم﴾‪ ،1‬مث بعثه إىل الناس بشرياً ونذيراً فقال‪﴿ :‬يا َأيُّ َها النَّيِب ُّ ِإنّا‬
‫﴿وِإن َ‬
‫وسلم‪ -‬رباه فأحسن تربيته حيث قال‪َ :‬‬
‫ِ ِإ ِ ِِإ ِِ ِ‬ ‫َأرس َ ِ‬
‫سول َبلِّغ ما‬ ‫ذيرا ۝ َوداعيًا ىَل اللَّه ب ذنه َوس ً‬
‫‪2‬‬
‫الر ُ‬ ‫نريا﴾ ‪ ،‬مث أمره بالتبليغ فقال‪﴿ :‬يا َأيُّ َها َّ‬
‫راجا ُم ً‬ ‫لناك شاه ًدا َو ُمبَشًِّرا َونَ ً‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك ِم َن النّ ِ‬ ‫ك وِإن مَل تَفعل فَما بلَّغت ِرسالَتَه واللَّه ي ِ‬ ‫ُأن ِز َل ِإلَ َ ِ‬
‫رين﴾‪.3‬‬ ‫اس ِإ َّن اللَّهَ ال يَهدي ال َق َ‬
‫وم الكاف َ‬ ‫عص ُم َ‬‫َُ َُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫يك من َربِّ َ َ‬
‫وبعد‪:‬‬
‫فإن أشرف العلوم‪ k‬وأحسنها وأقوامها ما كان متعلقا بكتاب اهلل وسنة رسوله ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬الذي وصفه‬
‫حي يوحى﴾‪ .4‬فالسنة النبوية من الوحي‪.‬‬ ‫ِإ‬ ‫ِإ‬ ‫تبارك وتعاىل بقوله‪ِ ِ َ :‬‬
‫﴿وما يَنط ُق َعن اهلَوى ۝ ن ُه َو اّل َو ٌ‬
‫وقد أمر اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬باتباع على ما جاء به رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬وحذر من خمالفته‪ ،‬وتواتر األحاديث‬
‫عن رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يف وجوب طاعته واتباع ما جاء به‪ ،‬وحترمي معصيته‪ ،‬وذلك يف حق من كان يف عصره‬
‫ويف حق من يأيت بعده إىل يوم الدين‪ ،‬ومن ذلك ما ثبت عنه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يف صحيحني أنه قال‪(( :‬من رغب عن‬
‫سنّيت فليس ميّن ))‪.5‬‬
‫وإ ّن احلديث والبحث يف السنة النبوية بابه عظيم وواسع‪ ،‬وجماله متنوع‪ ،‬وقد كتبت هذا البحث املوسوم باحلجية‬
‫السنة النبوية‪ ،‬ورمست منهج سريه يف ثالثة مباحث تضمن كل مبحث عدة مطالب فكان على الوجه اآليت‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬تعريف السنة النبوية لغة واصطالحا عند احملدثني والفقهاء واألصوليني‪ ،‬وذكر وجه اجلمع بني هذا‬ ‫‪‬‬
‫التعاريف‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬حجية السنة النبوية بأهنا مصدر الثاين للتشريع اإلسالمي بعد القرآن الكرمي‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬تدوين السنة النبوية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ونشرع فيه وعلى اهلل نتوكل وبه نستعني فنقول‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬تعريف السنة النبوية لغة واصطالحا عند المحدثين والفقهاء واألصوليين‪ ،‬وذكر وجه الجمع‬ ‫‪‬‬
‫بين هذا التعاريف‪ ،‬وفيه ثالثة مطالب‪.‬‬

‫‪ 1‬سورة القلم‪ ،‬اآلية‪.٤ :‬‬


‫‪ 2‬سورة األحزاب‪ ،‬اآلية‪.٤٦-٤٥ :‬‬
‫‪ 3‬سورة املائدة‪ ،‬اآلية ‪.٦٧‬‬
‫‪ 4‬سورة النجم‪ ،‬اآلية‪.٤-٣ :‬‬
‫‪ 5‬متفق عليه‬
‫املطلب األول‪ :‬تعريف السنة لغة واصطالحاً‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬السنة يف اصطالح احملدثني والفقهاء واألصوليني‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬وجه اجلمع بني هذا التعارف‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫المطلب األول‪ :‬تعريف السنة لغة واصطالحاً‬ ‫‪o‬‬

‫أوالً‪ :‬السنة لغة‪ :‬الطريقة‪ ،‬أو السرية محيدة كانت أو ذمية‪ ،6‬يقال‪ :‬سن الطريق يسنها سناً سارها‪ ،‬وجاء يف لسان العرب‬
‫ك ِمن ُر ُسلِنا‬
‫َأرسلنا قَبلَ َ‬
‫﴿سنَّةَ َمن قَد َ‬
‫‪7‬‬
‫أن السنة‪" :‬السرية حسنة أو قبيحة" ‪ .‬فمن إطالقها على السرية احلسنة قول اهلل تعاىل‪ُ :‬‬
‫َوال جَتِ ُد لِ ُسنَّتِنا حَت وياًل ﴾‪ ، 8‬قال األزهري‪" :‬السنة الطريقة احملمودة املستقيمة؛ ولذلك قيل‪ :‬فالن من أهل السنة‪ ،‬معناه‪ :‬من‬
‫طريقة املستقيمة احملمودة"‪ ،9‬وبذلك فهي إذا أطلقت تعين احلميدة‪ ،‬أما إذا قيدت فتتبع قيدها‪.‬‬
‫أجرها‪ ،‬وأجر من عمل هبا بعده‪ ،‬من غري أن ينقص‬
‫((من َس َّن يف اإلسالم ُسنّةً حسنةً فله ُ‬
‫وقوله ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪َ :-‬‬
‫سن يف اإلسالم سنةً سيئةً‪ ،‬كان عليه ِو ُ‬
‫زرها ووزر‪ k‬من عمل هبا من بعده‪ ،‬من غري أن ينقص من‬ ‫من أجورهم شيءٌ‪ ،‬ومن ّ‬
‫ِ‬
‫أوزارهم شيء))‪.10‬‬
‫يف كا َن عاقِبَةُ‬ ‫ِ‬
‫اَألرض فَانظُروا َك َ‬ ‫ومن إطالقها على الشر‪ :‬قوله تعاىل‪﴿ :‬قَد َخلَت ِمن قَبلِ ُكم ُسنَ ٌن فَسريوا يِف‬

‫املُ َك ِّذ َ‬
‫بني﴾‪.11‬‬
‫قال القرطيب‪ :‬والسنن‪ :‬مجع سنة وهي الطريق املستقيم‪ ،‬وفالن على السنة‪ ،‬أي‪ :‬على طريق االستواء ال مييل إىل شيء من‬
‫األهواء‪ ،‬والسنة‪ :‬اإلمام املتبع املؤمت به‪ ،‬يقال‪ :‬سن فالن سنة حسنة وسيئة‪ :‬إذا عمل عمالً اقتدي به فيه من خري أو شر"‪.12‬‬
‫لني﴾‪ .13‬فسنة األولني‪ :‬عادة األولني يف عذاب االستئصال‪ ،14‬وقال الزجاج‪" :‬أي‬ ‫وقال تعاىل‪ِ﴿ :‬إاّل َأن تَأتَِي ُهم ُسنَّةُ َّ‬
‫اَألو َ‬
‫معاينة العذاب"‪.15‬‬
‫ك الكافِرو َن﴾‪ .16‬سنة اهلل مصدر‪ ،‬أل العرب تقول‪ :‬سن‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َّت اللَّ ِه الَّيت قَد َخلَت يف ِعباده َو َخ ِسَر ُهنال َ‬
‫﴿سن َ‬
‫وقوله تعاىل‪ُ :‬‬
‫يسن‪-‬سناً‪-‬سنةً‪ ،‬أي‪ :‬سن اهلل عز وجل يف الكفار أنه ال ينفعهم اإلميان إذا رأوا العذاب‪.17‬‬

‫‪ 6‬املصباح املنري‪.٤٤٥ :‬‬


‫‪ 7‬لسان العرب‪.١٣/٢٢٥ :‬‬
‫‪ 8‬سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية‪.٧٧ :‬‬
‫‪ 9‬لسان العرب‪.١٣/٢٢٦ :‬‬
‫‪ 10‬رواه مسلم‪.‬‬
‫‪ 11‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية‪.١٣٧ :‬‬
‫‪ 12‬تفسري القرطيب‪.٤/٢٢٧ :‬‬
‫‪ 13‬سورة الكهف‪ ،‬اآلية‪.٥٥ :‬‬
‫‪ 14‬تفسري القرطيب‪.١١/١٠ :‬‬
‫‪ 15‬تاج االلعروس‪.٩/٢٤٤ :‬‬
‫‪ 16‬سورة غافر‪ ،‬اآلية‪.٨٥ :‬‬
‫‪17‬تفسري القرطيب‪.١٥/٣٢٢ :‬‬
‫وعن أيب سعيد اخلدري ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬عن النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬لتتبعن سنن من كان قبلكم شربا بشرب‪،‬‬
‫وذراعاً بذراع حىت لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم‪ ،‬قلنا‪ :‬يا رسول اهلل اليهود والنصارى؟ قال‪ :‬فمن"‪.18‬‬

‫ثانياً‪ :‬السنة اصطالحاً‪:‬‬


‫استعملت‪ k‬السنة استعماالت كثرية‪ ،‬حسب نوع العلم الذي يستعمل على ألسنة وأقالم املشتغلني به فيما بينهم فكل‬
‫استعملها باملعىن الذي يهمه‪.‬‬
‫فكان منهم من غاينه إثبات كل ما نقل عن النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬وتصحيحه ليقتدي به‪ ،‬وهم احملدثون فرتاهم‬
‫يبحثون يف حديثه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬من حيث كونه اإلمام اهلادي‪ ،‬والقدرة احلسنة لقوله تعاىل‪﴿ :‬لََقد كا َن لَ ُكم يف‬
‫ُأسوةٌ َح َسنَةٌ﴾‪ ، 19‬فنقلوا عنه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬سريته‪ ،‬ومشائله‪ ،‬وأخباره‪ ،‬وأقواله‪ ،‬وأفعاله‪.‬‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫َرسول الله َ‬
‫وكان منهم من هدفه البحث عن اجلانب التشريعي فيها ليستنبط منها األحكام‪ ،‬وهم علماء أصول الفقه‪ ،‬فيبحثون يف‬
‫حديث رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬من حيث كونه املشرع الذي يضع القواعد للمجتهدين من بعده‪.‬‬
‫وأما عند علماء الفقه فيبحثون عن كل ما ثبت عنه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬من أفعال العباد وجوباً‪ ،‬أو حرمة أو إباحة‬
‫وغريها‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬السنة في اصطالح المحدثين والفقهاء واألصوليين‪.‬‬ ‫‪o‬‬

‫أوالً‪ :‬السنة في اصطالح المحدثين‪:‬‬


‫هي كل ما أثر عن النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬من قول‪ ،‬أو فعل‪ ،‬أو تقرير‪ ،‬أو صفة ُخلقية أو َخلقية‪ ،‬أو سرية‪ ،‬سواء‬
‫أكان ذلك قبل البعثة كتحنثه يف غار حراء‪ ،‬أم بعدها‪.20‬‬
‫ويراد بسريته قبل البعثة‪ :‬حتنثه يف غار حراء‪ ،‬وأخالقه الفاضلة كما شهدت بذلك أم املؤمنني خدجية ‪-‬رضي اهلل عنها‪-‬‬
‫الكل‪ ،‬وتكسب املعدوم‪ ،‬وتقري الضيف‪ ،‬وتعني‬
‫حيث قالت له‪" :‬كال واهلل ال خيزيك اهلل أبدا‪ ،‬إنك لتصل الرحم‪ ،‬وحتمل ّ‬
‫على نوائب احلق"‪.21‬‬
‫وقد أورد السيوطي عن أمحد بن حنبل‪" :‬السنة عندنا آثار رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪.22"-‬‬

‫ثانياً‪ :‬السنة في اصطالح الفقهاء‪]:‬‬

‫‪ 18‬رواه البخاري‪.‬‬
‫‪ 19‬سورة األحزاب‪ ،‬اآلية‪.٢١ :‬‬
‫‪ 20‬السنة ومكانتها للسباعي‪.١/٤٧ :‬‬
‫‪ 21‬رواه البخاري‪.‬‬
‫‪ 22‬مفتاح اجلنة يف االحتجاج بالسنة‪.٦٦ :‬‬
‫وهم الذين يبحثون فيها ليعطوا أفعال العباد ما تستحق من حكم‪ ،‬سواء كان احلكم واجباً أو حمرماً أو مباحاً أو مندوباً‬
‫أو مكروهاً‪.‬‬
‫وقد تطلق السنة عند الفقهاء يف مقابل البدعة‪ ،‬فيقال‪ :‬فالن على السنة إذا عمل على وفق ما عمل على وفق ما عمل عليه‬
‫النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬كان ذلك مما نص عليه يف الكتاب أو ال‪.23‬‬
‫وأورد الشوكاين تعريفها عند الفقهاء بقوله‪" :‬وأما يف عرف أهل الفقه فإمنا يطلقوهنا على ما ليس بواجب وتطلق على ما‬
‫يقابل البدعة كقوهلم فالن أهل السنة"‪ ،‬وقيل‪ :‬هي يف العبادات النافلة‪ ،‬ويف األدلة ما صدر عن النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬‬
‫من غري القرآن من قول أو فعل أو تقرير‪.24‬‬
‫فهي كل ما ثبت عن النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ومل يكن من باب الفرض وال الواجب‪ ،‬فهي الطريقة املتبعة يف الدين‬
‫من غري افرتاض وال وجوب‪.25‬‬

‫ثالثاً‪ :‬السنة في اصطالح األصوليين‪:‬‬


‫هي أقواله ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬وأفعاله‪ ،‬وتقريراته‪ ،‬وطريقة أصحابه‪ ،‬وأقواهلم‪.‬‬
‫فقد عرفها اآلمدي بقوله‪" :‬وقد تطلق على ما صدر عن النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬من األدلة الشرعية مما ليس مبتلو‬
‫والهو معجز‪،‬وال داخل يف املعجزة‪ ،‬ويدخل يف ذلك أقوال النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬وأفعاله‪ ،‬وتقاريره"‪ ،26‬فقد نص على‬
‫أن السنة هي األقوال واألفعال والتقريرات‪.‬‬
‫ويف املوافقات للشاطيب‪" :‬يطلق لفظ السنة على ما جاء منقوال عن النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬على اخلصوص مما مل‬
‫ينص عليه يف الكتاب العزيز‪ ،‬بل إمنا نص عليه من جهته عليه الصالة والسالم كان بيانا ملا يف الكتاب أو ال"‪.27‬‬
‫وعرفها الشوكاين أيضا بقوله‪" :‬و أما معناها شرعا أي‪ :‬يف اصطالح أهل الشرع فهي قول النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪،-‬‬
‫وفعله‪ ،‬وتقريره"‪.28‬‬
‫وقد جاءت تعريفات للسنة عند علماء األصول بصيغ متعددة‪ ،‬إال أهنا مبعىن واحد ال خيرج عما ذكرته آنفاً‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬وجه الجمع بين هذا التعاريف‬ ‫‪o‬‬

‫ومرد هذا االختالف يف االصطالح إىل اختالفهم يف األغراض اليت يعين هبا كل فئة من أهل العلم‪.‬‬

‫‪ 23‬املوافقات‪.٢/٤:‬‬
‫‪ 24‬إرشاد الفحول‪.٣٣:‬‬
‫‪ 25‬السنة قبل التدوين‪.١٨ :‬‬
‫‪ 26‬اإلحكام يف أصول األحكام لآلمدي‪.١/١٤٥ :‬‬
‫‪ 27‬املوافقات للشاطيب‪.٤/٢ :‬‬
‫‪ 28‬إشاد الفحول‪.١/٣٣ :‬‬
‫فعلماء احلديث إمنا حبثوا عن رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬اإلمام اهلادي الذي أخرب اهلل عنه أنه أسوة لنا وقدرة‪،‬‬
‫فنقولوا كل ما يتصل به من سرية وخلق ومشائل وأخبار وأقوال وأفعال‪ ،‬سواء أثبت ذلك حكماً شرعياً أم ال‪.‬‬
‫وعلماء األصول إمنا حبثوا عن رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬الذي يضع القواعد للمجتهدين‪ k‬من بعده‪ ،‬ويبني للناس‬
‫دستور احلياة‪ ،‬فعنوا بأقواله وأفعاله وتقريراته اليت تثبت األحكام وتقررها‪.‬‬
‫وعلماء الفقه إمنا حبثوا عن رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬الذي ال خترج أفعاله عن الداللة على حكم شرعي‪ ،‬وهم‬
‫يبحثون عن حكم الشرع على أفعال العباد وجوباً أو حرمة أو إباحة أو غري ذلك‪.‬‬
‫وحنن هنا نريد بالسنة ما عناه األصوليون‪ ،‬ألهنا ‪-‬بتعريفهم‪ -‬هي اليت يبحث عن حجيتها ومكانتها يف التشريع‪ ،‬وإن كنا‬
‫تعرضنا إلثبات السنة تارخيياً باملعىن األعم الذي عناه احملدثون‪.29‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬حجية السنة النبوية بأنها مصدر الثاني للتشريع اإلسالمي بعد القرآن الكريم‪ ،‬وفيه ثالثة‬ ‫‪‬‬
‫مطالب‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬السنة النبوية مبينة للقرآن الكرمي‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬وجوب طاعة رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪.-‬‬ ‫‪‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬أوجه بيان السنة للقرآن الكرمي‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫المطلب األول‪ :‬السنة النبوية ُمبيِّنة للقرآن الكريم‪:‬‬ ‫‪o‬‬

‫ج‪kk‬اء الق‪kk‬رآن الك‪kk‬رمي باألص‪kk‬ول العام‪kk‬ة ومل يتع‪kَّ k‬رض للتفاص‪kk‬يل واجلزئي‪kk‬ات‪ ،‬ومل يُف‪kِّ k‬رع عليه‪kk‬ا إال بالق‪kk‬در‪ k‬ال‪kk‬ذي يتف‪kk‬ق م‪kk‬ع تل‪kk‬ك‬
‫ص ‪k‬ا يعج‪kk‬ز البش‪kk‬ر عن فهم‬ ‫األص‪kk‬ول‪ ،‬وتكفَّلت‪ k‬الس‪kk‬نة النبوي‪kk‬ة ببي‪kk‬ان الق‪kk‬رآن الك‪kk‬رمي‪ ،‬فل‪kk‬وال الس‪kk‬نة لظلَّت آي‪kk‬ات الق‪kk‬رآن الك‪kk‬رمي نصو ً‬
‫ص ‪k‬اَل ةَ﴾‪ ،30‬وق‪kk‬ال رس‪kk‬ول اهلل ‪-‬ص‪kk‬لى اهلل علي‪kk‬ه‬ ‫معانيه‪kk‬ا‪ ،‬فق‪kk‬د ج‪kk‬اء فيه‪kk‬ا بي‪kk‬ان كيفي‪kk‬ة الص‪kk‬الة ومواقيته‪kk‬ا‪ ،‬فق‪kk‬ال تع‪kk‬اىل‪َ ﴿ :‬وَأقِ ُ‪k‬‬
‫يم‪k‬وا ال َّ‬
‫وس‪kk‬لم‪(( :-‬ص ‪k‬لُّوا كم‪kk‬ا رأيتم‪kk‬وين ُأص ‪k‬لِّي))‪ ،31‬فنق‪kk‬ل الص‪kk‬حابة كيفي‪kk‬ة ص‪kk‬الته ‪-‬ص‪kk‬لى اهلل علي‪kk‬ه وس‪kk‬لم‪ ،-‬وق‪kk‬ال‪(( :‬ي‪kk‬ا أيه‪kk‬ا الن‪kk‬اس‪،‬‬
‫ُخ ُذوا عيِّن مناسككم))‪ ،32‬فشاهدها الصحابة رضي اهلل عنهم ونقلوها إلينا بكل دقَّة‪.‬‬
‫‪k‬ك ال ِّ‪k‬ذ ْكَر‬ ‫وقد ج‪k‬اءت النص‪k‬وص ت‪k‬ذكر ص‪k‬راحةً أن اهلل أن‪k‬زل الق‪k‬رآن الك‪k‬رمي وأن‪k‬زل الس‪k‬نة تبيانً‪k‬ا ل‪k‬ه‪ ،‬فق‪k‬ال تع‪k‬اىل‪َ ﴿ :‬وَأْنَزلْنَ‪k‬ا ِإلَْي َ‬
‫اخَتلَ ُف‪kk k‬وا فِي‪kِ k k‬ه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪k‬اب ِإاَّل لتَُبنِّي َ هَلُ ُم الَّذي ْ‬
‫َّاس ‪k‬م ‪kk‬ا نُ‪kِّ k k‬ز َل ِإلَي ِهم ولَعلَّهم يَت َف َّكرو َن﴾‪ ،33‬وق‪kk k‬ال تع‪kk k‬اىل‪﴿ :‬و ‪k‬م ‪kk‬ا َأْنزلْنَ ‪kk‬ا علَي ‪ِ َ k‬‬
‫‪k‬ك الْكتَ ‪َ k‬‬ ‫ََ َ َ ْ‬ ‫ْ ْ َ َ ُْ َ ُ‬
‫ِ ِ‬
‫لتَُبنِّي َ للن ِ َ‬

‫‪ 29‬أنظر السنة ومكانتها يف التشريع اإلسالمي‪.٦٧ :‬‬


‫‪30‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.٤٣:‬‬
‫‪ 31‬رواه البخاري‪.‬‬
‫‪ 32‬رواه النسائي ‪ -‬صحيح اجلامع لأللباين‪.‬‬
‫‪ 33‬سورة النحل‪ ،‬اآلية‪.٤٤ :‬‬
‫خ ُذوهُ َو َم‪k‬ا َن َه‪k‬ا ُك ْم َعْن‪k‬هُ فَ‪k‬ا ْنَت ُهوا ﴾‪ ،35‬وعلى ه‪k‬ذا فك ُّ‪k‬ل أم‪ٍ k‬ر‬ ‫َو ُه ًدى َو َرمْح َةً لَِق ْوٍم يُْؤ ِمنُو َن﴾ ‪ ،‬وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬و َم‪k‬ا آتَ‪k‬ا ُك ُم َّ‬
‫‪34‬‬
‫ول فَ ُ‪k‬‬
‫الر ُس‪ُ k‬‬
‫وهني من رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪َ -‬مَر ُّده يف احلقيقة إىل اهلل‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬وجوب طاعة رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪:-‬‬ ‫‪o‬‬

‫حكم‪k‬ا ش‪kk‬رعيًّا‪ ،‬ال خيتل‪kk‬ف يف‬


‫‪k‬ول رس‪kk‬ول اهلل ص‪kk‬لى اهلل علي‪kk‬ه وس‪kk‬لم وفعلَ‪kk‬ه وتقري‪kَk‬ره ً‪k‬‬
‫ك‪kk‬ان الص‪kk‬حابة رض‪kk‬ي اهلل عنهم يعت‪kk‬ربون ق‪َ k‬‬
‫كنت قرأتِه لق‪k‬د وجدتِه"‪ ،‬عن‪kk‬دما س‪k‬ألته عن لعن‬ ‫ذلك واح‪ٌ k‬د منهم‪ ،‬ومتثَّل ذل‪kk‬ك يف ق‪kk‬ول ابن مس‪k‬عود‪ k‬رض‪k‬ي اهلل عن‪kk‬ه للم‪k‬رأة‪" :‬لئن ِ‬
‫للح ْس ‪k‬ن‪ ،‬املغرِّي ات خل‪kk‬ق اهلل‪ ،‬أهنا ال جتده يف كت‪kk‬اب اهلل‪ ،‬فق‪kk‬ال هلا‪" :‬وم‪kk‬ا يل‬ ‫واملتنمص‪kk‬ات‪ ،‬واملتفلِّج‪kk‬ات‬ ‫مِش‬
‫ُ‬ ‫الوامشات‪ ،‬واملستو ات‪ِّ ،‬‬
‫ُ‬
‫خ ُذوهُ َو َم‪k‬ا‬
‫ول فَ ُ‪k‬‬‫‪k‬‬‫س‬‫الر‬ ‫م‬‫ك‬‫‪k‬ا‬ ‫ت‬ ‫آ‬
‫َ َ َ ُ ُ َّ ُ ُ‬ ‫‪k‬ا‬
‫م‬ ‫و‬‫﴿‬ ‫‪k‬اىل‪:‬‬‫ع‬‫ت‬ ‫‪k‬ه‬‫ل‬‫قو‬ ‫‪k‬ا‬‫ه‬‫علي‬ ‫فتال‬ ‫اهلل؟‬ ‫ال ألعن َمن لعنه رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وهو يف كتاب‬
‫َن َ‪k‬ه‪k‬ا ُك ْم َعْن‪kk‬هُ فَ‪kk‬ا ْنَت ُهوا﴾ ‪ ،‬والق‪kk‬رآن الك‪kk‬رمي يُثبِت أن طاع‪kk‬ة رس‪kk‬ول اهلل ص‪kk‬لى اهلل علي‪kk‬ه وس‪kk‬لم طاع‪k‬ةٌ هلل تع‪kk‬اىل‪ ،‬ومجع بني الط‪َ k‬‬
‫‪k‬اعتنْي ِ ‪،‬‬ ‫‪36‬‬

‫اع اللَّهَ﴾‪.37‬‬
‫ول َف َق ْد َأطَ َ‬ ‫فقال سبحانه‪َ ﴿ :‬م ْن يُ ِط ِع َّ‬
‫الر ُس َ‬
‫ص َيب ُه ْم فِْتنَ‪k‬ةٌ‬ ‫خمالفة رسوله صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فقال سبحانه‪َ ﴿ :‬ف ْليح َذ ِر الَّ ِذين خُيَالُِفو َن عن َأم ِر ِه َأ ْن تُ ِ‬
‫َْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫وحذر اهلل تعاىل من ِ‬ ‫َّ‬
‫عمن ي‪kk‬رفض حكم رس‪kk‬وله ص‪kk‬لى اهلل علي‪kk‬ه وس‪kk‬لم واالنقي‪kk‬اد ل‪kk‬ه‪ ،‬فق‪kk‬ال‬ ‫يم﴾ ‪ ،‬وأقس‪kk‬م س‪kk‬بحانه بنفي اإلميان َّ‬
‫‪38‬‬ ‫ص ‪k‬يبهم ع‪َ k‬ذ ِ‬ ‫ِ‬
‫اب َأل ٌ‬
‫َْأو يُ َ ُ ْ َ ٌ‬
‫مِم‬ ‫ِ‬ ‫ج‪kk k‬ل وعال‪﴿ :‬فَاَل وربِّك اَل ي ِمن ‪kk k‬و َن حىَّت حُي ِّكم‪ِ َ k k‬‬
‫ت َويُ َس‪k k k‬لِّ ُموا‬ ‫ِدوا يِف َأْن ُفس ‪ِ k k‬ه ْ‪k‬م َحَر ً‪k‬ج ‪kk‬ا َّا قَ َ‬
‫ض‪ْk k k‬ي َ‬ ‫يم‪kk k‬ا َش‪َ k k k‬جَر َبْيَن ُه ْم مُثَّ اَل جَي ُ‬
‫‪k‬وك ف َ‬ ‫َ َ َ ُْؤ ُ َ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يما﴾ ‪ ،‬ب‪k‬ل جع‪kk‬ل اهلل تع‪kk‬اىل متابع‪k‬ةَ الن‪k‬يب ص‪k‬لى اهلل علي‪k‬ه وس‪kk‬لم عالم‪k‬ةً على حب‪kk‬ه ج‪k‬ل وعال‪ ،‬فق‪k‬ال‪﴿ :‬قُ ْ‪k‬ل ِإ ْن ُكْنتُ ْم حُت بُّو َن اللَّهَ‬
‫‪39‬‬
‫تَ ْس‪k‬ل ً‬
‫يم﴾‪.40‬‬ ‫فَاتَّبِعويِن حُي بِب ُكم اللَّه وي ْغ ِفر لَ ُكم ذُنُوب ُكم واللَّه َغ ُف ِ‬
‫ور َرح ٌ‬ ‫ُ ْ ْ ُ ُ ََ ْ ْ َ ْ َ ُ ٌ‬

‫المطلب الثالث‪ :‬أوجه بيان السنة للقرآن الكريم‪:‬‬ ‫‪o‬‬

‫دل على وج‪k‬وب العم‪kk‬ل بالس‪kk‬نة‪ ،‬فك‪k‬ل عم‪kk‬ل ج‪k‬اءت ب‪k‬ه الس‪kk‬نة يُ َع ُّ‪k‬د عمالً ب‪k‬القرآن الك‪k‬رمي‪ ،‬فالكت‪k‬اب جمم‪kٌ k‬ل‬ ‫إن الق‪k‬رآن الك‪kk‬رمي َّ‬
‫‪k‬ل َش‪ْ k‬ي ٍء﴾‪،41‬‬ ‫ِ‬
‫‪k‬اب تِْبيَانً‪k‬ا ل ُك‪ِّ k‬‬ ‫فرع‪kk‬ة‪ ،‬ق‪kk‬ال تع‪k‬اىل‪﴿ :‬ونََّزلْنَ‪k‬ا علَي‪ِ َ k‬‬
‫‪k‬ك الْكتَ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫وم ِّ‬
‫ؤكدة‪ُ ،‬‬ ‫وم ِّ‬ ‫ومقيِّدة‪ُ ،‬‬
‫صص‪kk‬ة‪ُ ،‬‬ ‫ص‪k‬لة‪ ،‬وخُم ِّ‬ ‫ومف ِّ‬ ‫ض‪k‬حة‪ُ ،‬‬ ‫والس‪k‬نة ُمو ِّ‬
‫الذ ْكَر لِتَُبنِّي َ لِلن ِ‬
‫َّاس َما نُ ِّ‪k‬ز َل ِإلَْي ِه ْم َولَ َعلَّ ُه ْم َيَت َف َّك ُرو َن﴾‪ ،42‬وال ِّ‪k‬ذكر ه‪k‬و ال ُّس‪k‬نة‪ ،‬وم‪k‬ا ن‪k‬زل إليهم؛ أي‪:‬‬ ‫ك ِّ‬ ‫وقال سبحانه‪َ ﴿ :‬وَأْنَزلْنَا ِإلَْي َ‬
‫القرآن الكرمي‪ ،‬وعلى ذلك فإن أوجه بيان السنة للقرآن متعدِّدة؛ منها‪:‬‬
‫‪ 34‬سورة النحل‪ ،‬اآلية‪.٦٤ :‬‬
‫‪ 35‬سورة احلشر‪ ،‬اآلية‪.٧ :‬‬
‫‪36‬سورة احلشر‪ ،‬اآلية‪.٧ :‬‬
‫‪37‬سورة النساء‪ ،‬اآلية‪.٨٠ :‬‬
‫‪ 38‬سورة النور‪ ،‬اآلية‪.٦٣ :‬‬
‫‪ 39‬سورة النساء‪ ،‬اآلية‪.٦٥ :‬‬
‫‪ 40‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية‪.٣١ :‬‬
‫‪ 41‬سورة النحل‪ ،‬اآلية‪.٨٩ :‬‬
‫‪ 42‬سورة النحل اآلية‪.٤٤ :‬‬
‫أوالً‪ُ :‬موضِّحة] لمعاني القرآن الكريم‪:‬‬
‫ض‪k‬ا﴾‪ ،43‬بيَّنه‪kk‬ا الن‪kk‬يب ‪-‬ص‪kk‬لى اهلل علي‪kk‬ه‬
‫ض‪ُ k‬ك ْم َب ْع ً‬
‫ب َب ْع ُ‬
‫ض‪k‬حة؛ مث‪kk‬ل قول‪kk‬ه تع‪kk‬اىل‪َ ﴿ :‬واَل َي ْغتَ ْ‬‫ومو ِّ‬
‫فق‪kk‬د ج‪kk‬اءت ال ُّس‪k‬نة ُمف ِّس‪k‬رة‪ُ k‬‬
‫أرأيت إن‬ ‫ِ‬
‫وسلم‪ -‬يف احلديث‪ ،‬فق‪k‬ال‪(( :‬أت‪k‬درون م‪k‬ا الغيب‪k‬ة؟))‪ ،‬ق‪k‬الوا‪ :‬اهلل ورس‪k‬وله أعلم‪ ،‬ق‪k‬ال‪(( :‬ذك ُ‪k‬رك أخ‪k‬اك مبا يك‪k‬ره))‪ ،‬قي‪k‬ل‪َ :‬‬
‫كان يف أخي ما أقول؟ قال‪(( :‬إن كان فيه ما تقول فقد اغتَْبتَه‪ ،‬وإن مل يكن فيه فقد هَب تَّه))‪.44‬‬
‫ص ‪k‬وا‬ ‫نت الس‪kk‬نةُ أيض ‪k‬ا األحك‪kk‬ام ال‪kk‬يت وردت‪ ،‬كقول‪kk‬ه تع‪kk‬اىل‪﴿ :‬ي ‪kk‬ا َأيُّ ‪k‬ه‪k‬ا النَّيِب ِإ َذا طَلَّ ْقت ‪k‬م النِّس ‪k‬اء فَطَلِّ ُق‪kk‬وه َّن لِ َّ هِتِ‬
‫وبيَّ ِ‬
‫َأح ُ‬
‫عِد َّن َو ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُُ َ َ‬ ‫َ َ ُّ‬ ‫ً‬
‫حائض على عهد رسول‬ ‫ٌ‬ ‫الْعِ َّد َة‪ ،45﴾ ...‬فقد أخرج الشيخان أن عبداهلل بن عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنهما طلَّق امرأته وهى‬
‫((م‪kْ k‬ره‬
‫اهلل ص‪kk‬لى اهلل علي‪kk‬ه وس‪kk‬لم‪ ،‬فس‪kk‬أل عم‪kk‬ر رس‪kk‬ول اهلل ص‪kk‬لى اهلل علي‪kk‬ه وس‪kk‬لم‪ ،‬فق‪kk‬ال ل‪kk‬ه رس‪kk‬ول اهلل ‪-‬ص‪kk‬لى اهلل علي‪kk‬ه وس‪kk‬لم‪ُ :-‬‬
‫تطهَر‪ ،‬مث حتيض‪ ،‬مث تطهر‪ ،‬مث إن شاء أمسك وإن شاء طلَّق‪ ،‬فتلك الع‪kk‬دة ال‪kk‬يت أم‪kk‬ر اهلل أن تطل‪kk‬ق هلا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فلرُي اج ْعها‪ ،‬مث ليُمسكْها حىت ُ‬
‫النساء))‪.46‬‬

‫جمله‪]:‬‬
‫لم َ‬
‫فصلة ُ‬
‫ثانياً‪ُ :‬م ِّ‬
‫مث ‪kk‬ل تفص ‪kk‬يل الص ‪kk‬الة على اختالف مواقيته ‪kk‬ا وركعاهتا وس ‪kk‬ننها ومبطالهتا‪ ،‬والص ‪kk‬لوات املفروض ‪kk‬ة واملس ‪kk‬نونة والنافل ‪kk‬ة‪،‬‬
‫وغريه‪kk‬ا كأحك‪kk‬ام الزك‪kk‬اة يف بي‪kk‬ان األنص‪kk‬بة‪ ،‬والص‪kk‬يام‪ ،‬واحلج‪ ،‬وال‪kk‬ذبائح‪ ،‬واألنكح‪kk‬ة‪ ،‬وال‪kk‬بيوع‪ ،‬واجلناي‪kk‬ات‪ ،‬ف‪kk‬إن ه‪kk‬ذه التفاص‪kk‬يل مل‬
‫تَ ِرد تفصيالً يف القرآن الكرمي‪.‬‬

‫لعامه‪:‬‬
‫خصصة ِّ‬
‫ثالثاً‪ُ :‬م ِّ‬
‫ص ‪k‬ت‬ ‫فق‪kk‬د ج‪kk‬اء يف األح‪kk‬اديث ختص‪kk‬يص األحك‪kk‬ام العام‪kk‬ة؛ مث‪kk‬ل نص‪kk‬يب ال‪kk‬وارث يف املرياث من أص‪kk‬حاب احلق‪kk‬وق ال‪kk‬يت ن َّ‬
‫العامة أن املس‪k‬لم ال‪k‬ذي يُت‪k‬وىَّف‬ ‫‪47‬‬
‫عليه‪k‬ا اآلي‪k‬ات؛ كقول‪k‬ه تع‪k‬اىل‪﴿ :‬يُو ِص‪k‬ي ُك ُم اللَّهُ يِف َْأواَل ِد ُك ْم لِل َّ‪k‬ذ َك ِر ِمثْ‪k‬ل َح ِّ‬
‫‪k‬ظ اُأْلْنَثَينْي ِ ﴾ ‪ ،‬فالقاع‪k‬دة َّ‬ ‫ُ‬
‫خصص‪k‬ت‪ k‬ه‪k‬ذه القاع‪k‬دة بالنس‪k‬بة لألنبي‪k‬اء‪ ،‬فق‪k‬ال ص‪k‬لى‬ ‫يرثُه أقرباؤه‪ ،‬كلٌّ بنس‪k‬بة حق‪k‬ه ال‪k‬ذي بيَّن‪k‬ه الق‪k‬رآن الك‪k‬رمي‪ ،‬لكن الس‪k‬نة النبوي‪k‬ة َّ‬
‫ورث‪ ،‬ما تركنا صدقةٌ))‪.48‬‬
‫اهلل عليه وسلم‪(( :‬ال نُ َّ‬
‫مرياث))‪.49‬‬ ‫خصصت السنة الوارث بغري القاتل‪ ،‬فقال صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬ليس ٍ‬
‫لقاتل ٌ‬ ‫كما َّ‬

‫‪ 43‬سورة احلجرات‪ ،‬اآلية‪.١٢ :‬‬


‫‪ 44‬رواه مسلم‪.‬‬
‫‪ 45‬سورة الطالق‪ ،‬اآلية‪.١ :‬‬
‫‪ 46‬رواه البخاري‪.‬‬
‫‪ 47‬سورة النساء‪ ،‬اآلية‪.١١ :‬‬
‫‪ 48‬رواه البخاري‪.‬‬
‫‪ 49‬أخرجه مالك يف املوطأ وابن ماجه يف سننه‪ ،‬صحيح اجلامع لأللباين‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬مقيِّدة لم ِ‬
‫طلقه‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فق‪kk‬د ج‪kk‬اءت األحك‪kk‬ام يف الق‪kk‬رآن الك‪kk‬رمي ُمطلق‪k‬ةً دون حتدي‪kk‬د أو تع‪kk‬يني‪ ،‬وتكفَّلت الس‪kk‬نة ببي‪kk‬ان القي‪kk‬ود والش‪kk‬روط الالزم‪kk‬ة‬
‫السا ِرقَةُ فَاقْطَعُوا َأيْ ِد َي ُه َما َجَزاءً مِب َا َك َسبَا‪.50﴾ ...‬‬
‫السا ِر ُق َو َّ‬
‫لتنفيذ هذه األحكام‪ ،‬كما جاء يف حد السرقة‪ ،‬فقال تعاىل‪َ ﴿ :‬و َّ‬

‫ؤكدة لِم]]ا ورد ب]]القرآن الك]]ريم‪ :‬مث‪kk‬ل قول‪kk‬ه تع‪kk‬اىل ﴿وعا ِش ‪k‬روه َّن بِالْمعر ِ‬
‫وف﴾‪،51‬فق‪kk‬د فق‪kk‬ال رس‪kk‬ول اهلل ‪-‬‬ ‫َ ُْ‬ ‫ََ ُ ُ‬ ‫خامس]اً‪ُ :‬م ِّ َ‬
‫فروجهن بكلمة اهلل))‪.52‬‬
‫وهن بأمان اهلل‪ ،‬واستحللتُم َ‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪((( :-‬اتقوا اهلل يف النساء‪ ،‬فإنكن أخذمُت َّ‬

‫فرعة] على األصول‪:‬‬


‫سادساً‪ُ :‬م ِّ‬
‫العامة‪ ،‬وي‪kk‬رتك للس‪k‬نة‪ k‬تط‪k‬بيق ه‪kk‬ذه القواع‪k‬د على األم‪kk‬ور‬ ‫قبل أن القرآن الكرمي ذك‪kk‬ر القواع‪k‬د الكلي‪kk‬ة واألص‪k‬ول َّ‬ ‫ذكرنا من ُ‬
‫ين َآمنُ‪kk‬وا اَل تَ‪ْk‬أ ُكلُوا ْ‪َk‬أم َ‪k‬والَ ُك ْم َبْينَ ُك ْم بِالْبَاط ِ‬
‫ِل ِإاَّل َأ ْن تَ ُ‪k‬ك‪k‬و َن‬ ‫َّ ِ‬
‫الفرعي‪kk‬ة وأوج‪kk‬ه نش‪kk‬اطات الن‪kk‬اس املختلف‪kk‬ة‪ ،‬كقول‪kk‬ه تع‪kk‬اىل‪﴿ :‬يَ‪kk‬ا َأيُّ َ‪k‬ه‪k‬ا الذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِإ‬ ‫جِت ارةً عن َتر ٍ ِ‬
‫يما﴾‪.53‬‬ ‫اض مْن ُك ْم َواَل َت ْقُتلُوا َأْن ُف َس ُك ْم َّن اللَّهَ َكا َن ب ُك ْم َرح ً‬ ‫ََ َْ َ‬
‫زوج أو‬ ‫‪k‬وال ٍ‬ ‫وطيب نفس‪ ،‬حىت ل‪kk‬و ك‪kk‬انت أم‪َ k‬‬ ‫فقد جاء القرآن الكرمي بتحرمي أخذ أموال الناس بغري حق‪ ،‬أو بغري رضا ِ‬
‫‪k‬وال الدول‪kk‬ة‪ ،‬فه‪kk‬ذه القاع‪kk‬دة (حترمي أخ‪kk‬ذ أم‪kk‬وال الغ‪kk‬ري بغ‪kk‬ري ح‪kk‬ق)‪ ،54‬جند أن الس‪kk‬نة ق‪kk‬د ف‪kَّ k‬رعت عليه‪kk‬ا‬ ‫زوج‪kٍ k‬ة‪ ،‬أو اب ٍن‪ ،‬أو ٍ‬
‫أب‪ ،‬أو أم‪َ k‬‬
‫قواعد فرعية؛ منها حترمي بي‪k‬ع الثِّم‪k‬ار قب‪k‬ل نض‪k‬جها‪ ،‬فعن ابن عم‪k‬ر رض‪k‬ي اهلل عنهم‪k‬ا أن رس‪k‬ول اهلل ‪-‬ص‪k‬لى اهلل علي‪k‬ه وس‪k‬لم‪(( -‬هنى‬
‫يبدو صالحها‪ ،‬هنى البائع واملبتاع))‪.55‬‬
‫عن بيع الثَّمر حىت َ‬
‫َّجش‪ ،‬وغريه ‪kk‬ا من بي ‪kk‬وع حتتم ‪kk‬ل الظلم والغَ ‪kَ k‬رر‬
‫وهنى الن ‪kk‬يب ‪-‬ص ‪kk‬لى اهلل علي ‪kk‬ه وس ‪kk‬لم‪ -‬عن بي ‪kk‬ع املالمس ‪kk‬ة‪ ،‬واملناب ‪kk‬ذة‪ ،‬والن ْ‬
‫تفريعا لآلية السابقة من سورة النساء‪.‬‬
‫حرم رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬هذه البيوع وأمثاهلا ً‬
‫للبائع أو املشرتى‪ ،‬لذلك َّ‬

‫المبحث الثالث‪ :‬تدوين السنة النبوية‪ ،‬وفيه مطلب‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫املطلب األول‪ :‬كيفية بدء التدوين الرمسي للسنة النبوية‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫المطلب األول‪ :‬بدء التدوين الرسمي للسنة النبوية‪:‬‬ ‫‪o‬‬

‫‪ 50‬سورة املائدة‪ ،‬اآلية‪.٣٨ :‬‬


‫‪ 51‬سورة النساء‪ ،‬اآلية‪.١٩ :‬‬
‫‪ 52‬رواه مسلم‪.‬‬
‫‪ 53‬سورة النساء‪ ،‬اآلية‪.٢٩ :‬‬
‫‪ 54‬دراسات يف السنة النبوية الشريفة ص‪.٣٧:‬‬
‫‪ 55‬متفق عليه‪.‬‬
‫وتفرق الصحابة يف األقطار‪ ،‬وك‪k‬اد الق‪k‬رن األول ينتهي‪ ،‬وال ُّس‪k‬نة موكول‪k‬ة‬
‫َّسعت الفتوحات اإلسالمية‪َّ ،‬‬
‫لَ َّما انتشر اإلسالم‪ ،‬وات َ‬
‫‪k‬عيف احلف ‪kk‬ظ بس ‪kk‬بب اختالط الع ‪kk‬رب‬
‫إىل حف ‪kk‬ظ الص ‪kk‬حابة رض ‪kk‬ي اهلل عنهم والت ‪kk‬ابعني‪ ،‬فنش ‪kk‬أ جي ‪kٌ k‬ل بع ‪kk‬د ذل ‪kk‬ك قلي ‪kk‬ل الض ‪kk‬بط‪ ،‬ض ‪ُ k‬‬
‫باألعاجم يف البلدان املختلفة ‪ -‬كالعراق والشام ومصر ‪ -‬ف‪k‬دعت احلاج‪k‬ةُ إىل ت‪kk‬دوين احلديث النب‪k‬وي‪ ،‬ف‪k‬أكثر الت‪kk‬ابعون من كتاب‪k‬ة‬
‫تلهف في‪kk‬ه املس‪kk‬لمون يف األقط‪kk‬ار إىل معرف‪kk‬ة ش‪kk‬رائع اإلس‪kk‬الم وآداب‪kk‬ه‪،‬‬ ‫احلديث والس‪kk‬نن‪ ،‬ومل ي ِ‬
‫نكره‪kk‬ا واح ‪ٌ k‬د منهم يف ال‪kk‬وقت ال‪kk‬ذي َّ‬‫ُ‬
‫وإعجاهبم بالصحابة رض‪k‬ي اهلل عنهم‪ ،‬ومرافق‪k‬ة الت‪k‬ابعني واألخ‪k‬ذ عنهم‪ ،‬فض‪k‬الً عن ظه‪k‬ور الك‪k‬ذب والوض‪k‬ع على رس‪k‬ول اهلل ص‪k‬لى‬
‫اهلل علي‪k‬ه وس‪k‬لم من أنص‪k‬ار الف َِرق واملذاهب ال‪k‬ذين ظه‪k‬روا بع‪k‬د مقت‪k‬ل علي بن أيب ط‪k‬الب رض‪k‬ي اهلل عن‪k‬ه‪ ،‬ف‪k‬اقتنعوا بض‪k‬رورة ت‪k‬دوين‬
‫السنة النبوية الشريفة‪ ،‬وكان التدوين الرمسي يف القرون الثالثة على ثالثة مراحل‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬التدوين الرسمي األول‪:‬‬


‫يف هناي‪kk‬ة الق‪kk‬رن األول اهلج‪k‬ري أفض‪ِ k‬‬
‫‪k‬ت اخلالف‪k‬ةُ إىل اإلم‪k‬ام الع‪kk‬ادل عم‪k‬ر بن عب‪kk‬دالعزيز رمحه اهلل تع‪kk‬اىل‪ ،‬فه‪kk‬داه اهلل تع‪k‬اىل إىل مجع‬
‫‪k‬أمرهم جبم‪kk‬ع احلديث الش‪kk‬ريف‪ ،‬فكتب إىل أيب بك‪kk‬ر (عم‪kk‬رو بن ح‪kk‬زم) عاملِه وقاض‪kk‬يه‬
‫الس‪kk‬نة‪ ،‬فكتب إىل بعض علم‪kk‬اء األمص‪kk‬ار‪ k‬ي‪ُ k‬‬
‫توجهت الدولة اإلسالمية إىل تدوين السنة رمسيًّا‪ ،‬بعد أن كان تدوينها شخصيًّا‪.‬‬
‫على املدينة‪ ،‬وهبذا َّ‬
‫وق‪kk‬ام اإلم‪kk‬ام ابن ش‪kk‬هاب الزه‪kk‬ري ‪ -‬رمحه اهلل تع‪kk‬اىل ‪( -‬حمم‪kk‬د بن ش‪kk‬هاب الزه‪kk‬ري) جبم‪kk‬ع م‪kk‬ا ت‪kk‬وفَّر لدي‪kk‬ه من أح‪kk‬اديث وس‪kk‬نن‪،‬‬
‫فق‪kk‬د ك‪kk‬ان عامل ‪k‬ا خفاقً‪kk‬ا من أعالم الس‪kk‬نة يف عص‪kk‬ره‪ ،‬وهبذا انتقلت محاس‪kk‬ة ت‪kk‬دوين الس‪kk‬نة النبوي‪kk‬ة الش‪kk‬ريفة إىل علم‪kk‬اء األم‪kk‬ة األف‪kk‬ذاذ‪،‬‬
‫ً‬
‫منهجهم يف الت‪kk‬دوين ه‪kk‬و مجع األح‪kk‬اديث ال‪kk‬يت ت‪kk‬دور يف موض‪kk‬وع‬ ‫‪k‬ان‬‫‪k‬‬‫ك‬ ‫و‬ ‫‪k‬اء‪،‬‬‫‪k‬‬ ‫ن‬ ‫األم‬ ‫ا‬ ‫فتنافس‪kk‬وا يف مجعِه‪kk‬ا ومتابعتِه‪kk‬ا وطرقِه‪kk‬ا ورجاهِل‬
‫ُ‬
‫واحد يف مؤلَّف خاص؛ كالصالة‪ ،‬والزكاة‪ ،‬والصوم‪ ،‬والطالق‪ ،‬ومن أشهر َمن دون احلديث يف ذلك الوقت‪:‬‬
‫عبدامللك بن عبدالعزيز بن جريج‪ ،‬وحممد بن إسحاق يف مكة‬ ‫‪‬‬
‫مالك بن أنس يف املدينة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫سعيد بن أيب َعروبة‪ ،‬ومَحَّاد بن سلمة يف البصرة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫سفيان الثوري يف الكوفة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫األوزاعي يف الشام‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫َم ْع َمر بن راشد يف اليمن‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫عبداهلل بن وهب يف مصر‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وغريهم كثري‪ ،‬وق‪k‬ام ه‪k‬ؤالء جبم‪k‬ع أح‪k‬اديث ك‪k‬ل ب‪k‬اب من العلم‪ k‬على ِح َدة يف مؤلَّف واح‪kk‬د‪ ،‬لكنهم َ‬
‫مزج‪k‬وا األح‪kk‬اديث النبوي‪k‬ة‬
‫بأقوال الصحابة رضي اهلل عنهم والتابعني وفتاويهم‪ ،‬ونسج على هذا املنوال بقية أهل عصرهم‪.‬‬

‫ثالناً‪ :‬التدوين الرسمي الثاني‪:‬‬


‫أيام الدولة العباسية بأم ٍر من اخلليفة أيب جعفر املنصور حني اطَّلع على كتاب اإلمام مال‪kk‬ك رمحه اهلل تع‪kk‬اىل‪ ،‬وق‪kk‬د ك‪kk‬ان‬
‫وكان َ‬
‫عاما‪ ،‬فطلب اخلليف‪k‬ة من‪k‬ه أن يكتب كتابً‪k‬ا يُ‪k‬وطِّئ (يُيَ ِّس‪k‬ر) للن‪k‬اس ُس‪k‬نَّة رس‪k‬ول اهلل ص‪k‬لى اهلل علي‪k‬ه وس‪k‬لم‪ ،‬ومَسَّاه‬
‫عكف عليه أربعني ً‬
‫(املوطَّأ)‪ ،‬وق‪kk‬د متيز موطَّأ اإلم‪kk‬ام مال‪kk‬ك بتب‪kk‬ويب األح‪kk‬اديث حس‪kk‬ب املوض‪kk‬وعات م‪kk‬ع أق‪kk‬وال الص‪kk‬حابة رض‪kk‬ي اهلل عنهم والت‪kk‬ابعني‪،‬‬
‫ُ‬
‫واجتهاده الفقهي يف بعض املسائل‪ ،‬وفتح اهلل على باقي العلماء فبذلوا ما يف ُو ْسعهم خلدمة السنة النبوية الشريفة‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬التدوين الرسمي الثالث‪:‬‬


‫وج‪kk‬اء الق‪kk‬رن الث‪kk‬الث اهلج‪kk‬ري‪ ،‬وازده‪kk‬ر في‪kk‬ه ت‪kk‬دوين الس‪kk‬نة‪ ،‬وتن‪kَّ k‬وعت املؤلَّف‪kk‬ات فيه‪kk‬ا‪ ،‬ففي الق‪kk‬رن األول والث‪kk‬اين ك‪kk‬ان االهتم‪kk‬ام‬
‫ومجع‪kk‬ا فق‪kk‬ط‪ ،‬أم‪kk‬ا يف الق‪kk‬رن الث‪kk‬الث‪ ،‬فق‪kk‬د تن‪kk‬اول العلم‪kk‬اء الس‪kk‬نة من جه‪kk‬تني؛ مها اجلم‪kk‬ع والت‪kk‬دوين والتص‪kk‬نيف على‬
‫بالس‪kk‬نة ت‪kk‬دوينًا ً‬
‫املسانيد واجلوامع والسنن‪.‬‬
‫‪ .١‬المسانيد‪ :‬هي الكتب احلديثية اليت رتَّبها مؤلفوها على ما رواه كل صحايب على ِح َد ٍة‪ِّ ،‬‬
‫بغض النظر عن املوضوع؛ كمس‪kk‬ند‬
‫اإلمام أمحد بن حنبل‪ ،‬ومسند أيب َي ْعلَى‪.‬‬
‫‪ .٢‬الجوامع‪ :‬هي الكتب اليت اشتملت على مجي‪k‬ع أن‪kk‬واع احلديث يف العقائ‪k‬د‪ ،‬والفق‪k‬ه‪ ،‬والرق‪kk‬ائق‪ ،‬واآلداب‪ ،‬والتفس‪kk‬ري‪ ،‬واملن‪k‬اقب‪،‬‬
‫وغريها؛ كاجلامع الصحيح لإلمام البخاري‪.‬‬
‫‪ .٣‬السنن‪ :‬هي الكتب اليت ُرتِّبت على األبواب الفقهية؛ كسنن أيب داود‪ ،‬والنسائي‪ ،‬والرتمذي‪ ،‬وابن ماجه‪ ،‬رمحهم اهلل تعاىل‪.‬‬
‫هنج‪k‬ا خمال ًف‪kk‬ا بعض الش‪k‬يء يف حف‪kk‬ظ الس‪k‬نة‪ ،‬فأفردوه‪kk‬ا‬
‫‪k‬ود املبارك‪k‬ة للعلم‪kk‬اء الس‪k‬ابقني‪ ،‬وانتهج‪k‬وا ً‬
‫وتابع علماء القرن الثالث اجله َ‬
‫عن أق ‪kk‬وال الص ‪kk‬حابة والت ‪kk‬ابعني وأفع ‪kk‬اهلم وفت ‪kk‬اويهم وتفس ‪kk‬رياهتم‪ ،‬وال ‪kk‬تزموا ش ‪kk‬روطًا وض ‪kk‬عوها ألنفس ‪kk‬هم‪ ،‬م ‪kk‬ع اهتم ‪kk‬ام ب ‪kk‬ارز ب ‪kk‬الرواة‬
‫والروايات‪ ،‬وكان الداعي هلذه الطرق هو أن تكون عونًا للفقهاء‪ k‬وتس‪k‬هيالً هلم يف الوق‪kk‬وف على األح‪k‬اديث ال‪k‬يت يس‪kk‬تنبطون منه‪k‬ا‬
‫أحكامهم‪ ،‬أو يستدلون هبا‪ ،‬أو جيتهدون على ضوئها‪.‬‬
‫عظيم‪k‬ا من أبن‪kk‬اء ذل‪kk‬ك العص‪kk‬ر‪ ،‬ال‪kk‬ذين تولَّوا نقلَ‪kk‬ه بأمان‪kk‬ة وإخالص إىل اجلي‪kk‬ل ال‪kk‬ذي‬
‫واهتمام‪kk‬ا ً‪k‬‬
‫ً‬ ‫وق‪kk‬د لقي احلديث عناي‪k‬ةً وحفظً‪kk‬ا‬
‫تالهم‪ ،‬مث َّأدت األجيال املتعاقبة هذه األمانة‪ ،‬حىت وصلت إلينا يف َّأمهات الكتب الصحيحة‪.56‬‬

‫‪ 56‬السنة قبل التدوين ص‪.٦٢ :‬‬

You might also like