Professional Documents
Culture Documents
نظرية الوحي والالهام
نظرية الوحي والالهام
خاتمة:
كان وال يزال موض++وع نش++أة اللغ++ة اإلنس++انية .كي++ف؟ وم++تى؟ وأين؟ من أهم وأخط++ر
الموضوعات التي تطرح نفسها لتتحدى علماء ،اللغات ،والتاريخ اإلنس++اني ،وتحثهم
على تحدي++د اإلجاب++ات الص++حيحة والش++املة والمقنع++ة المس++تمدة من الدراس++ات العلمي++ة
الميدانية لما أبدعته وتركت++ه تل++ك األجي++ال اإلنس++انية في أم++اكن تواج++دها األولى ،وفي
نبرات ومفردات بعض تلك األقوام ال+تي ال ت+زال تعيش في أيامن+ا ه+ذه ،منح+درة من
أولئ++ك األق++دمين ال++ذين نطقت ألس++نتهم أول ح++روف لغ++اتهم واتفق++وا على مع++اني تلكم
األص++وات ال++تي نطقوه++ا .يع++ود الفض++ل في نش++أة اللغ++ة اإلنس++انية إلى اهلل ثم المجتم++ع
نفس++ه ،واجتم++اع األف++راد بعض++هم إلى بعض ،وح++اجتهم إلى التف++اهم والتع++اون وتب++ادل
األفك++ +ار والتعب++ +ير عن األحاس++ +يس والخ++ +واطر ،وغ++ +ير ذل++ +ك من متطلب++ +ات المجتم++ +ع
اإلنساني .وقد تمكن اإلنسان من النط+ق بكلم+ات ذات دالالت ،وعب+ارات ذات مع+نى
عن++ +دما بل++ +غ مرحل++ +ة متقدم++ +ة من التط++ +ور العض++ +وي وبال++ +ذات عن++ +دما اكتم++ +ل جه++ +ازه
الصوتي ،وحينما كثرت حاجاته وتنوعت أغراضه وتعددت مطالبه
.واختلفت الدراسات حول نشأة اللغ++ة االنس+انية ،تأخ+ذ ص++ورا ش+تى واراء ونظري++ات
منها نظرية الوحي وااللهام
تعريف اللغة:
تعريف اللغة معجمًي ا( :لغا يلغو بكذا ،أي :تكلم به)
وه++ذا التعري++ف ،يجب أن يش++ار إلي++ه لألمان++ة العلمي++ة ،في دائ++رة المع++ارف البريطاني++ة
حيث تعرف اللغة بأنها( :نظام من الرموز الصوتية)
وفي دائ++رة المع++ارف األمريكي++ة :إن اللغ++ة يمكن تحدي++دها بأنه++ا نظ++ام من المعلوم++ات
الصوتية االصطالحية
وعلى ض ++وء تعري ++ف ابن ج ++ني ،ق ++امت دراس ++ات اللغ ++ة على أنه ++ا أص ++وات منطوق ++ة
وليست حروًفا مكتوبة
واللغ++ة في رأي بعض علم++اء الغ++رب؛ ومنهم دوسيس+ير هي (ك++ل م++ا يمكن أن ي++دخل
في نطاق النشاط اللغوي؛ من رمز صوتي ،أو كتابي ،أو إشارة؛ أي أن اللغة تع++ني
الكي ++ان الع ++ام ال ++ذي يض ++م النش ++اط اللغ ++وي اإلنس ++اني في ص ++ورة ثقافي ++ة؛ منطوق ++ة ،أو
مكتوبة ،معاصرة أو متوارثة)
تذهب هذه النظرية الى أن اهلل الخ++الق أوحى الى االنس++ان األول وأوقف++ه على أس++ماء
األش++ياء بع++د أن علم++ه النط++ق .ي++رى أص++حاب ه++ذه النظري++ة أن اللغ++ة هب++ة من اهلل
تع ++الى ،وال ش ++أن لإلنس ++ان بوض ++عها ،وأّو ل من ق ++ال به ++ذه النظري ++ة ك ++ان الفيلس ++وف
اليون ++ +اني ه ++ +يرقليطس ال ++ +ذي رأى أن ( األس ++ +ماء ت ++ +دل على ُم سّ+ + +م ياتها بالطبيع ++ +ة ال
ب ++التواطؤ واالص ++طالح ،و أن ه ++ذه األس ++ماء ق ++د أُع طيت من ل ++دن قّ+ +و ة إلهّي ة لتك ++ون
أسماء لمسَّم ياتها )
واس++تمّر ت ه++ذه النظري++ة في العص++ور الوس++طى ،والقت قب++وًال عن++د رج++ال ال++دين
المسيحي ،ولم تعد براهين هذه النظرية تعتمد على األدّل ة العقلّي ة والفلس+فّية فحس+ب؛
ب ++ل أض ++حت تس ++تمّد ش ++رعيتها من الكتب الس ++ماوّية ( اإلنجي ++ل والت ++وراة ) ،من ذل ++ك
الجمل++ة ال++تي وردت في ص++در إنجي++ل يوحّن ا ( :في الب++دء ك++ان الكلم++ة والكلم++ة ك++ان
عند اهلل )
واستمّر ت هذه النظرّية بع++د ظه++ور اإلس+الم ،ب++ل ازدادت قّ+و ة بفض++ل آي++ة قرآنّي ة
رأى معظم المفسرين أنها دليل على توقيفّي ة اللغ++ة ،وهي قول++ه تع++الى ( :وعّلم آدم
األس++ماء كّله++ا ،وت++ابع ع++دد من علم++اء العربي++ة المفس++رين فيم++ا ذهب++وا إلي++ه من الق++ول
بتوقيفّي ة اللغ ++ة ،منطلقين في ذل ++ك من اآلي ++ة القرآنّي ة ذاته ++ا ،وأهمهم :ابن دري ++د في
كتاب++ه االش++تقاق ،وابن ف++ارس في كتابي++ه :الص++احبي في فق++ه اللغ++ة ،ومعجم مق++اييس
اللغة.
أّم ا في العص++ر الح++ديث فق++د انحس++رت ه++ذه النظري++ة نوعً+ا م++ا ،إّال أنه++ا لم تن++دثر
نهائيًا ،ففي القرن الثامن عشر ن++ادى به++ا المفك++ر الفرنس++ي دي بونال++د ،ال++ذي رأى أن
( اللغة ليست تواطئّية من خلق اإلرادة البش+رية فالن++اس لم يتفق++وا فيم++ا بينهم على أن
يك++ون ثّم ة لغ++ة فك++ان هن++اك لغ++ة . . .فاإلنس++ان ال يق++در على خل++ق ش++يء م++ا لم يكن
لديه فكرة صريحة عنه ،ولكي يحصل على هذه الفكرة الصريحة ينبغي له أن يعّبر
عنها
في العص++ +ور القديم++ +ة الفيلس++ +وف اليون++ +اني هيراقلي++ +ط ( ت 480 :ق .م ) ،و في
العص ++ور الحديث ++ة طائف ++ة من العلم ++اء على رأس ++ها المي والفيلس ++وف دونال ++د .ومن
علم++اء المس++لمين في العص++ور الوس++طى :أب++و عثم++ان الجاح++ظ (ت 255ه) و أب++و
الحسن األش+عري (ت 324ه) ،و أحم+د بن ف+ارس (ت 395ه ) ،ال+ذي ي+رى أن
لغة العرب توقيفية .
ويبدو من قول ابن فارس أن اللغة العربية هي لغ+ة آدم علي+ه الس+الم ،ألن+ه ذك+ر أن
أول من كتب الكتاب العربي والسرياني و الكتب كلها آدم ـ عليه الس++الم ـ قب++ل موت++ه
ب300س++نة .وق++د ذك++ر الس++يوطي عن ابن عس++اكر في الت++اريخ عن ابن عب++اس ،أن
آدم (عليه السالم ) كانت لغته في الجنة العربية .
قال عبد الملك بن حبيب " :كان اللسان األول الذي نزل به آ دم من الجنة عربيا .
إال أن بعد العهد و طال صار سريانيا ،وكان يشاكل اللسان العربي اال أنه محرف
....وبقي اللس+ان في ول++د أرفش+ذ بن س+ام الى أن وص++ل الى يش+جب بن قحط++ان من
ذريته وكان باليمن ،فنزل بنو اسماعيل ،فتعلم منهم بنو قحطان اللسان العربي .
وي++رى علم++اء العبراني++ة وت++ابعهم كث++ير من مش++اهير علم++اء النص++رانية وغ++يرهم :أن
اللغ++ة العبراني++ة هي اللغ++ة ال++تي فت++ق اهلل به++ا لس++ان آدم ـ علي++ه الس++الم ـ في ول++ده ش++يث
ح ++تى انتهت الى اب ++راهيم عن طري ++ق ع ++ابر بن س ++ام ويس ++تدلون على ذل ++ك بع ++دد من
األس++ماء ال++واردة في ح++ديث الخل++ق وم++ا بع++ده الى الطوف++ان مث++ل آدم وع++دن و فيش++ون
وجيجون وغيرها أسماء عبرانية
يعتم ++د علم ++اء الغ ++رب المؤي ++دون له ++ذه النظري ++ة على م ++ا ورد به ++ذا الص ++دد في العه ++د
الق++ديم من االنجي++ل" و اهلل خل++ق من طين جمي++ع حيوان++ات الحق++ول ،و جمي++ع طي++ور
الس+ماء ،ثم دع++ا آدم ل++يرى كي++ف يس+ميها .وليحم++ل ك++ل منه++ا االس+م ال++ذي يض++عه ل++ه
االنسان .فوضع آدم أسماء لجميع الحيوانات المستأنس+ة ،ولطي++ور الس+ماء و دواب
الحقول "
وهذا النص اليدل على ش+يء مم++ا يقول++ه أص++حاب ه++ذه النظري++ة ب++ل يك++اد يك++ون دليال
على عكس النظرية .
ويرى الدكتور توفيق شاهين أن أبا عثمان الجاحظ ارتضى هذه النظرية حيث ق++رر
أن اهلل سبحانه و تعالى أنطق نبيه اسماعيل بالعربية دون سابق تمهيد أو تعليم وأن++ه
ـتعالىفطره على الفصاحة على غير النشوء والتمرين .
1ـ أن++ه س++بحانه وتع++الى ذم قوم++ا في اطالقهم أس++ماء غ++ير توقيفي++ة في قول++ه تع++الى ":
ان هي اال أسماء سميتموها أنتم "...وذلك يقتضي كون البواقي توقيفية
2ـ قوله تعالى ":ومن آياته خلق الس++ماوات واألرض و اختالف ألس++نتكم و أل++وانكم
" و األلس++نة اللحماني++ة غ++ير م++رادة لع++دم اختالفه++ا .و ألن ب++دائع الص++نع في غيره++ا
أكثر .فالمراد هي اللغات.
3ـ وه++و عقلي :فل++و ك++انت اللغ++ات اص++طالحية الحتجن++ا في التخ++اطب بوض++عها الى
اص++طالح آخ++ر من لغ++ة أو كتاب++ة ،يع++ود الي++ه الكالم ،و يل++زم ام++ا ال++دور أو التسلس++ل
في األوضاع و هو محال فال بد من االنتهاء الى التوقيف.
وبناء على كالم أهل التوقيف ،ال يجوز قلب اللغة مطلقا :فال يجوز تسمية الث++وب
فرسا مثال .
وق++ +دم ابن ج++ +ني تفس++ +يرا آخ++ +ر ه++ +و أن اهلل تب++ +ارك وتع++ +الى :علم آدم أس++ +ماء جمي++ +ع
المخلوق ++ات بجمي ++ع اللغ ++ات :العربي ++ة والس ++ريانية و الفارس ++ية والعبراني ++ة و الرومي ++ة
وغير ذلك من سائر اللغات .فكان هو و ول+ده يتكلم+ون به+ا ،ثم ان ول+ده تفرق+وا في
الدنيا وعلق كل منهم بلغة من تل+ك اللغ+ات ،فغلبت علي+ه و اض+محل عن+ه م+ا س+واها
عهدهم بها.
ويلح ++ +ظ أن ه ++ +ذه النظري ++ +ة تعتم ++ +د على النص ++ +وص النقلي ++ +ة ،كم ++ +ا أنه ++ +ا ال تخل ++ +و من
اعتراضات ،وقد رد عليهم المحتجون بردود منها:
_1أن نص الت++وراة يض++عف دليلهم ،وأن++ه حج++ة عليهم ال لهم؛ ألن في++ه إش++عارًا ب++أن
آدم _عليه السالم_ هو الذي وضع األسماء.
_2أن اآلي++ + +ة ال++ + +تي احتج به++ + +ا علم++ + +اء المس++ + +لمين ليس++ + +ت دليًال قاطع ً+ + +ا؛ فق++ + +داختلف
المفسرون في المراد باألسماء.
_3أن++ه ل++و ك++انت اللغ++ة توقيفي++ة لم++ا ج+از لن++ا أن ُن دخل فيه++ا ش+يئًا ،أال ت++رى إلى لغتن++ا
العربية اليوم ونحن ندخل فيها من مصطلحات العلوم والفنون الشيء الكثير؟
أال ترى أننا ننقل دالالت بعض األلفاظ كالسيارة ،والدراجة وغيرها؟.
إن ح++دوث ال++ترادف ،واالش++تراك ،والتض++اد في اللغ++ة _ ل++دليل على أن اللغ++ة ليس++ت
كلها توقيفًا من اهلل _تعالى_.
وبه++ +ذا وغ++ +يره يت++ +بين أن األدل++ +ة الُم س++ +اقة ال تنهض به++ +ذه النظري++ +ة ،وال تق++ +وى على
الوقوف في وجه االعتراضات.
خاتمة:
إذا كانت اللغة توقيفية من اهلل تعالى ،فهل استمرت هذه اللغة لدى أبناء آدم عليه
السالم بعد وفاته؟ وما مصير لغة من انقطع عن التجمعات البشرية في كهوف
الجبال ،وفي جزائر البحور؟ هذه كلها مجال بحث ،ولكن أهم شيء هو أن اللغة
من اهلل تعالى .فالقائل بهذه النظرية يتوقف عن البحث في أصل نشأة اللغة ألنها
وقف على اهلل تعالى .ولذلك سميت :النظرية التوقيفية.
قائمة المصادر والمراجع:
-1الخصائص البن جني ج 1بتحقيق محمد علي النجار ص .23
-3األنطاكي ،محمد ،دون تاريخ ،الوجيز في فقه اللغة ،الطبعة الثانية ،مكتبة دار
الشرق – بيروت ،ص. 56 :
-4الحاج ،كمال يوسف ،في فلسفة اللغة ،الطبعة الثانية – 1978م ،دار النهار –
بيروت ،ص . 26 :
-5السيوطي ،جالل الدين عبد الرحمن ،المزهر في علوم اللغة وأنواعها ،تحقيق :
فؤاد علي منصور ،الطبعة األولى – 1998م ،دار الكتب العلمّية – بيروت ،ص
،19 :ج . 1 :
-6ابن جني ،أبو الفتح عثمان ،الخصائص ،دون طبعة – دون تاريخ ،عالم الكتب
– بيروت ،تحقيق :محمد علي النجار ،ص ،41 :ج . 1 :