Professional Documents
Culture Documents
SJAM - Volume 31 - Issue العدد 123 - Pages 1-14
SJAM - Volume 31 - Issue العدد 123 - Pages 1-14
1
خاليا اإلنصات والدعم النفسي بالمغرب في مواجهة آثار جائحة كوفيد 19
فاطمة الزهراء الكتاني ،أستاذة بالتعليم العالي -جامعة سيدي محمد بن عبد هللا -فاس
مريم المفرج ،طالبة باحثة بسلك الدكتوراه -جامعة محمد الخامس -الرباط
ملخص:
يعيش المغرب اليوم ،وعلى غرار باقي بلدان المعمور ،حالة من القلق والخوف جراء
جائحة فيروس كوفيد ،19فرض نمطا جديدا من الحياة ،يحد من حرية األفراد في التنقل
وممارسة أنشطتهم الحياتية اليومية العادية،مع ضرورة االلتزام بقواعد وقائية احترازية
الوضعيات،كالتباعد االجتماعي وشروط النظافة الصحية وارتداء الكمامات واالمتناع عن
التصافح وغيرها .كل هذه السلوكات الجديدة من شأنها أن تتسبب في اضطرابات نفسية
تتفاوت في درجة خطورتها بين األفراد .أمام هذه الوضعية وألجل مساعدة المواطنين
والمواطنات على التكيف مع المستجدات الراهنة الوضع الجديد ،تم خلق خاليا اإلنصات
وال دعم النفسي،تضم أساتذة جامعيين متخصصين في علم النفس وفي العالج النفسي وأطباء،
وتهدف إلى مواكبة الحاالت المرضية لمساعدتهم على التأقلم االيجابي وتدبير مظاهر األزمة
وضغوطاتها النفسية واالجتماعية بعقالنية ويقظة ،من خالل الرفع من مستوى المرونة
النفسية لألشخاص واألطفال في وضعية إعاقة على وجه التخصيص.
هنا تكمن أهمية دراستنا التي تحاول أن تستعرض أهم تجارب خاليا اإلنصات و الدعم
النفسي بالمغرب ومدى مساهمتها في تجاوز التداعيات النفسية التي خلفها والزال يحصدها
فيروس كورونا المستجد .خلصت الدراسة إلى فعالية خاليا الدعم النفسي واإلنصات على
المستوى الوطني في التخفيف من آثار كوفيد 19وتداعياته النفسية الخطيرة ،مع الرفع من
القدرات التكيفية لدى المواطنات والمواطنين وحسن تدبير انفعاالتهم السلبية.
الكلمات المفاتيح
خاليا اإلنصات ،الدعم النفسي ،كوفيد19
تمهيد
تشكل جائحة كوفيد 19أشد صدمات عصر العولمة الحديث .لما لها من تداعيات
صحية واقتصادية واجتماعية وثقافية خطيرة ،خلفت آثارا عميقة في النفوس واألذهان،
تولدت عنها شحنات انفعالية قوية يصعب التحكم فيها .وهي شحنات صاحبتها بالتأكيد
تداعيات نفسية كثيرة ،من قبيل الخوف والقلق واضطرابات في المزاج والنوم والتغذية
وغيرها .لمواجهة هذه التداعيات النفسية الخطيرة أضحى من الضروري العمل أوال
باالحتياط والنظافة والعزل الصحي والتباعد االجتماعي وغيرها من التدابير االحترازية
الوقائية .ثانيا في األخذ بتوجيهات وإرشادات علماء وأطباء النفس التي أضحى الكثير منها
في المتناول عبر ما تقدمه مختلف وسائل اإلعالم و شبكات التواصل االجتماعي .وسنركز
في بحثنا هذا على الجزء الثاني المتعلق بالتدخالت السيكولوجية الموجهة لألشخاص في
1تم عرض ورقة العمل هذه في المؤتمر االفتراضي الدولي األول لقسم علم النفس بكلية اآلداب ،جامعة
المنوفية ،تحت عنوان" :دور العلوم النفسية والتربوية في مواجهة أزمة كورونا "COVID-19في الفترة -9
10أغسطس 2020
4انظر في هذا الصدد :منظمة الصحة العالمية ،االعتبارات المتعلقة بالحجر الصحي لألفراد في
سياق احتواء مرض فيروس كورونا (كوفيد ،)19-إرشادات مبدئية 29 ،شباط/فبراير .2020
5انظر في هذا الصدد :الوقاية من االنعكاسات النفسية للحجر الصحي ،إعداد دكاترة المستشفى
الجامعي الرازي للطب النفسي بسال ،والمركز االستشفائي الجامعي ابن سينا بالرباط
6انظر في هذا الصدد :مبادئ الدعم النفسي األولي للقائمين على الرعاية النفسية للمصابين بالصدمة
النفسية الناجمة عن حوادث العنف والكوارث ،من إعداد مكتب منظمة الصحة العالمية في العراق،
.2007
7انظر في هذا الصدد :الدعم النفسي االجتماعي القائم على المجتمع المحلي (دليل المشارك) ،إعداد
االتحاد الدولي لجمعيات الصليب األحمر والهالل األحمر.
8انظر في هذا الصدد:
FELIPE SOTO-PEREZ y otros, internet y psicología clínica: revisión
de las ciber-terapias, Asociación Española de Psicología Clínica y
Psicopatología, Revista de Psicopatología y Psicología Clínica Vol.
15, N°1, pp. 19-37, 2010, p: 19.
9 Op, cit, p : 20.
لتمكين معرفة ما إذا كان المشاركون يشتكون أو يعانون من تراجع جودة النوم نتيجة تفشي
كوفيد . 19وأيضا تم استخدام معيار الوقت الذي يستغرقه الفرد في التفكير بالفيروس ،وعدد
ساعات تطلعه أو قراءته لألخبار المتعلقة بالفيروس عبر جميع الوسائل المتاحة ،وأيضا عدد
ساعات مناقشة موضوع الفيروس مع المحيط االجتماعي.
وعليه تم تصنيف المشاركين في االستطالع إلى ثالث فئات؛ الفئة األولى أفراد واسعة
المعرفة بأضرار كوفيد ،19الفئة الثانية أفراد متوسط المعرفة ،والفئة الثالثة أفراد ليست
لديهم أي معرفة بأضرار أو احتماالت اإلصابة بالفيروس.
لتخلص الدراسة في األخير إلى أن اإلصابة بوسواس المرض ،بمعنى القلق والخوف
من اإلصابة بالفيروس ،خاصة مع صعوبة التحكم والسيطرة عليه ،يعتبر السبب في ارتفاع
نسبة اإلصابة باالضطرابات النفسية العقلية خالل فترة انتشار الجائحة ،ناهيك عن تأثير
طول مدة الحجر الصحي ،على اعتبار أن انخفاض مدة التعرض لألشعة الشمسية التي
تحتوي على مادة "السيروتونين" 15من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع نسبة اإلصابة بالقلق
واالكتئاب.
.1.2خاليا اإلنصات والدعم النفسي بالمغرب
لقد كانت الجامعات المغربية خاصة كلية علوم التربية جامعة محمد الخامس بالرباط ،سباقة
إلى إطالق مبادرة خلية الدعم النفسي عن بعد ،لتقديم الدعم والمواكبة النفسية للمواطنين قصد
تمكينهم من مواجهة الضغط النفسي الناتج تفشي فيروس كوفيد .19هدف هذه المبادرة كان
تقديم النصح والتوجيه واإلرشاد حول السلوك الصحي لجميع فئات المجتمع ،عبر التدخل عن
طريق اإلنصات والدعم النفسي للحاالت التي تعاني من القلق والذعر مع تقديم دروس حول
الصحة النفسية إضافة إلى توفير دالئل وملصقات وفيديوهات علمية ،في محاولة منها السعي
إلى تقوية المناعة النفسية العصبية للمواطن وتحريره من الخوف والتوتر المصاحب لفترة
انتشار فيروس كوفيد ،19وإمداد المواطنين باستراتيجيات موجهة ،وبطرق مواجهة الضغط
النفسي الناتج عنه ،وتقديم الدعم النفسي التربوي لجمعيات المجتمع المدني واألسر
واألشخاص في وضعية إعاقة.
وقد ضمت هذه الخلية مجموعة من الدكاترة المختصين في علم النفس بكلية علوم
التربية بالرباط ،يشرفون على تلقي الرسائل عبر الهاتف ووسائط التواصل االجتماعي
(فيسبوك ،واتساب )...ومحاولة معالجتها والتفاعل معها بما يساهم في طمأنة المواطنين
ودعمهم ومواكبتهم وتوجيههم نفسيا.
14والذي يعتمد على عدة متغيرات ،مثل عدد الساعات التي يستغرقها الشخص في النوم باليوم
الواحد ،ومدى استخدام األدوية التي تساعد على النوم ،وعدد ساعات الشعور بالخمول خاصة خالل
فترات النهار.
15السيروتونين عبارة عن مادة كيميائية تنتج في الجسم (هرمون) ،كما أنها ناقل عصبي تتبادله
النهايات العصبية في الدماغ ،كما أنها المسؤولة عن تحسين المزاج عن طريق تقليل االضطرابات
العقلية كالقلق واالكتئاب
16على اعتبار أن لكل شخص موارده الذاتية للتعامل والتحكم في األزمة والضغط إذ تنشأ األزمة
من محاولة المرء التحكم في ما ال يمكن التحكم فيه ،لذلك وجب أن تقوم المساعدة على تحفيز مواطن
القوة لديهم وإعادة إبرازها للوجود وتكييفها مع الوضع الحالي.
باعتبار أن اإلناث أكثر فئة هشة في المجتمع وأكثر تضررا لتبعات الحجر الصحي
فهي أم وزوجة وعاملة ،تتحمل األعباء المنزلية من رعاية األسرة والدعم المدرسي ألطفالها
واألعمال المنزلية ،إذ تضاعف الوقت المخصص لكل هذا مقارنة مع فترة ما قبل الحجر
الصحي ،حيث أدى كل هذا إلى اختالل إيقاع الحياة اليومية والذي صاحبه إثقال كاهلها
وبالتالي تضاعف احتياجها للدعم النفسي.
أما فيما يخص السن فقد كانت فئة المراهقين والشباب كأكثر فئة مستفيدة من خدمة
الدعم النفسي ،وذلك لعدة اعتبارات من بينها أن هذه الفئة تواجه عدة صعوبات في ممارسة
أنشطتها اليومية (العمل والدراسة )...في ظل حضور أفراد آخرين من األسرة أثناء الحجر
الصحي ،فكما يبين المبيان رقم ،2أن نسبة الشباب ما بين 16و 30سنة هي األكثر إقباال
على االستفادة من الدعم النفسي ،كفئة أكثر نشاطا وطاقة وأكثر إقباال على الحياة وممارسة
للعادات اليومية من رياضة ودراسة وعمل ،وبالتالي فتقييد هذه الطاقة والحد منها بفعل
الحجر الصحي ،من شأنه أن يخلق نوعا من التوتر النفسي الداخلي على المستوى النفسي
للفرد ،وأيضا التوتر الخارجي مع اآلخر أي على مستوى محيط األسرة ثم المجتمع ككل،
فحسب دراسة المندوبية السامية للتخطيط 17فإن أكثر من مغربي واحد من بين كل أربعة
عاش حاالت صرا ع مع األشخاص الذين قضى معهم فترة الحجر الصحي ،وبالتالي نشوب
عدة صراعات بين األفراد من شأنها أن تعمق الشعور بالتوتر والضغط النفسي.
17انظر في هذا الصدد دراسة العالقات االجتماعية في ظل جائحة كوفيد ،19المرحلة الثانية من
البحث حول تأثير فيروس كورونا على الوضع االقتصادية واالجتماعي والنفسي لألسر ،المندوبية
السامية للتخطيط ،المغرب.2020 ،
في حين عرفت فئة العزاب المستفيدين من خدمة الدعم النفسي ارتفاعا حسب المبيان
رقم ،3وذلك راجع للشعور بالوحدة في ظل فقدام الرابط األسري أو االجتماعي والذي كان
يعمل كآلية للدعم النفسي ،وذلك بسبب الحجر الصحي وما فرضه من تباعد اجتماعي،
إضافة إلى ما سببه االزدحام داخل المسكن الواحد من انعدام الخصوصية أثناء الحجر.
لتبقى فئة المتزوجون هي النسبة البارزة ،حيث عرفت زيادة نشوب النزاعات الزوجية
بشكل يزيد عن المعتاد ،بسبب تربية األطفال وتدبير ميزانية األسرة واألشغال المنزلية.
فحسب نفس الدراسة 18فإن حوالي شخص من كل خمسة أشخاص عانى وبشكل يفوق المعتاد
من نزاع مع الزوج(ة) بسبب تربية األطفال ،خ اصة طريقة التعامل معهم والوقت الممنوح
لهم والوقت الذي يقضونه أمام الشاشات ،إضافة إلى المشكل المادي وما صاحبه من ضغط
وتوتر راجع على األسرة ككل .فلم تقتصر هذه الصراعات على األسرة فقط ،بل بلغت حد
المعانات من المشاكل مع الجيران من ضوضاء ومشاحنات وتوتر ،حيث ترتفع النسب كلما
كانت المساكن متزاحمة وعشوائية وصغيرة.
18انظر في هذا الصدد دراسة العالقات االجتماعية في ظل جائحة كوفيد ،19مرجع سابق.