Professional Documents
Culture Documents
الفقه
الفقه
الفقه
القسمة في اللغة :مأخوذة من قسم الشيء يقسمه ،قسما ،إذا جزأه ،يقال قسمت
الشيء بني الشركاء ،إذا أعطيت كل شريك قسمة.
واصطالحا :قال ابن عرفة " :القسمة تصيري مشاع من مملوك مالكني فأكثر معينا ولو
باختصاص تصرف فيه بقرعة أو تراض ".
أما الكتاب :فقوله تعاىل{ :وإذا حضر القسمة أولو القرىب} وقوله{ :مما قل منه أو كثر
نصيبا مفروضا}
يقسم الغنائيم.
عليه وسلم -خيرب على مثانيية عشر سهما ،وكان ي
النِب -صلى اهلل ي
وقسم ي
-وقول رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم « :-أميا دار قسمت يف اجلاهلية فهي على
قسم اجلاهلية ،وأميا دار أدركها اإلسالم ومل تقسم فهي على قسم اإلسالم» .
وأما اإلمجاع :فقد أمجعت األمة على جوا يز ي
الق ي
سمة.
ي
التصرف احد يمن الشر ي
كاء يمن سمة؛ لييتمكن كل و ي الناس حاجة إىل ي
الق ي وأما املعقول :فإن بي ي
كة وكثرةي ي
األيدي ،والسهمة إمنا جعلها الفقهاء يف وفق إرادته ،ويتخلص يمن ي
سوء املشار ي
القسمة :تطييبا لنفوس املتقامسني ،وهي موجودة يف الشرع يف مواضع:
1
منها :قوله تعاىل{ :فساهم فكان من املدحضني} وقوله{ :وما كنت لديهم إذ يلقون
أقالمهم أيهم يكفل مرمي}
ومن ذلك األثر الثابت الذي جاء فيه« :أن رجال أعتق ستة أعبد عند موته ،فأسهم رسول
اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -بينهم ،فأعتق ثلث ذلك الرقيق»
الركن االول :القاسم :ويكفي فيه الواحد ،ويقبل القاضي قوله ؛ إن كان بتوليته ،فإن
ويل القسم اثنان فهو أحسن.
قال ابن شاس ":ولينظر اإلمام رجالً يرضاه بقيمة لذلك ،وجيرى له عطاءه مع الناس ،كما
جيرى للقاضي وغريه ممن حيتاج إليه املسلمون ..فإذا أجري له عطاؤه من بيت املال أو من
الفيء مل حيل له أن يأخذ ممن يقسم بينهم شيئًا .،فإن مل جير له رزق فال بأس أن يأخذ
منهم ،ولو قسم احتساباً كان أفضل له." .
وهم كل من اشرتك يف مال مشاع ،بسبب من أسباب التملك ،فيقوم أحدهم أو كلهم
بطلب تعيني نصيب كل واحد منهم ،ليصبح كل شريك مالكا ملا خرج له ملكية مفرزة،
ويشرتط يف الطالب أن يكون تام التصرف ،وإال قام من ينوب عنه مقامه.
2
القسم األول قسمة رقاب األموال :إما أن تكون قابلة للكيل أو الوزن ،أو ال.
أوال :الرقاب التي تقبل الكيل أو الوزن :فقسمتها بالكيل فيما يكال ،وبالوزن فيما
يوزن.
ثانيا :الرقاب التي ال تقبل الكيل أو الوزن :فتنقسم بالجملة إلى ثالثة أقسام:
- 1قسمة قرعة بعد تقويم ،وتعديل .أي بعد أن يقوم الشيء ويعادل بغيره ،ومن
أهم أحكامها:
-أن الحكم بها واجب إذا دعى إليها أحد الشركاء ،ويجبر عليها من أباها فيما
ينقسم،
-أنها ال يصح إال فيما تماثل أو تجانس من األصول والحيوان والعروض ،ال فيما
اختلف وتباين من ذلك.
-يجب القيام فيها بالغبن إذا ثبت؛ ألن كل واحد منهما دخل على قيمة مقدرة
وذرع معلوم ،فإذا وجد نقصا من ذلك وجب له الرجوع به.
3
-أنها تصح في المكيل والموزون إال فيما كان منه صنفا واحدا مدخرا ال يجوز فيه
التفاضل.
-أنها متى ظهر فيها غبن في ذرع أو قيمة كان للمغبون الرجوع بذلك للعلة التي
قدمناها.
-هذه القسمة والتي قبلها اختلف العلماء فيها :هل هي تمييز حق أو بيع من
البيوع؟.
فنص مالك -رحمه اهلل -في المدونة على أنها بيع من البيوع.
وحجته أنها غير موقوفة على اختيار المتقاسمين بل قد تجوز فيها المخاطرة بالقرعة،
وذلك ينافي البيع ،فثبت أنها لتمييز الحق.
وابن رشد فرق بينهما فقال :واألظهر في قسمة القرعة أنها تمييز حق ،وفي قسمة
المراضاة بعد التعديل والتقويم أنها بيع من البيوع.
-تصح في المكيل والموزون إال فيما ال يجوز فيه التفاضل من الطعام .
4
-ال قيام فيها لواحد منهم على صاحبه بالغبن ،ألنه لم يأخذها أحد على قيمة
مقدرة ،وال على ذرع معلوم ،وإنما أخذه بعينه على أن يخرج فيما سواه من جميع
حقه سواء كان أقل منه أو أكثر كبيع المكايسة سواء.
-هذه القسمة ال يختلف العلماء فيها على أنها بيع من البيوع ،وإنما يحكم فيها
بحكم البيع فيما يطرأ من االستحقاق والرد بالعيوب وسائر األحكام المتعلقة بالبيوع.
-2وما ينقل ويحول ،وهذان قسمان :إما غير مكيل وال موزون ،وهو الحيوان،
والعروض.
-يجوز أن تقسم بالتراضي وبالسهمة إذا عدلت بالقيمة ،اتفق أهل العلم على ذلك
اتفاقا جممال ،وإن كانوا اختلفوا يف حمل ذلك وشروطه.
-القسمة في الرباع واألصول :ال تخلو أن تكون في محل واحد أو في محال كثيرة:
5
فإذا كانت في محل واحد ،فال يخلو ؛ إما أن تنقسم انقساما يصلح معه االنتفاع أو
ال.
-ال خالف في جواز هذه القسمة إذا انقسمت إلى أجزاء متساوية بالصفة ،ولم
تنقص منفعة األجزاء باالنقسام ،ويجبر الشركاء على ذلك.
القول األول :إنها تنقسم بينهم إذا دعا أحدهم إلى ذلك ،ولو لم يصر لواحد منهم
إال ما ال منفعة فيه ،مثل قدر القدم ،وهو قول مالك ،وبه قال ابن كنانة من أصحابه
فقط ،وهو قول أيب حنيفة ،والشافعي ،وعمدهتم يف ذلك قوله تعاىل{ :مما قل منه أو كثر
نصيبا مفروضا}
القول الثاني :ال يقسم إال أن يصير لكل واحد في حظه ما ينتفع به من غير مضرة
داخلة عليه في االنتفاع من قبل القسمة ،وإن كان ال يراعي يف ذلك نقصان الثمن .وهو
قول ابن القاسم.
القول الثالث :يقسم إذا صار لكل واحد منهم ما ينتفع به ،وإن كان من غري جنس
املنفعة اليت كانت يف االشرتاك أو كانت أقل .وهو قول ابن املاجشون:
6
القول الرابع :إن لم يصر في حظ كل واحد ما ينتفع به لم يقسم ،وإن صار في حظ
بعضهم ما ينتفع به ،وفي حظ بعضهم ما ال ينتفع به ،قسم وجبروا على ذلك ،سواء
دعا إىل ذلك صاحب النصيب القليل أو الكثري ،وهو قول مطرف.
وقيل جيرب إن دعا صاحب النصيب القليل ،وال جيرب إن دعا صاحب النصيب الكثري ،وقيل
بعكس هذا وهو ضعيف.
اختلفوا من هذا الباب فيما إذا قسم انتقلت منفعته إلى منفعة أخرى مثل الحمام:
فقال مالك :يقسم إذا طلب ذلك أحد الشريكني ،وبه قال أشهب.
فعمدة من منع القسمة :قوله -صلى اهلل عليه وسلم « :-ال ضرر وال ضرار» .
وعمدة من رأى القسمة قوله تعاىل{ :مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا}
ومن احلجة ملن مل ير القسمة حديث جابر ،عن أبيه« :ال تعضية على أهل املرياث إال ما
محل القسم» .والتعضية :التفرقة ،يقول :ال قسمة بينهم.
وأما إذا كان الرباع أكثر من واحد :فإهنا ال ختلو أيضا أن تكون من نوع واحد أو خمتلفة
األنواع:
-1فقال مالك :إذا كانت متفقة األنواع قسمت بالتقومي والتعديل والسهمة.
7
-2وقال أبو حنيفة ،والشافعي :بل يقسم كل عقار على حدته.
وعمدة أيب حنيفة والشافعي :أن كل عقار تعينه بنفسه ؛ألنه تتعلق به الشفعة.
واختلف أصحاب مالك إذا اختلفت األنواع يف النفاق ،وإن تباعدت مواضعها على ثالثة
أقوال.
إذا كانت الرباع خمتلفة االنواع ،مثل أن يكون منها دور ،ومنها حوائط ،ومنها أرض ،فال
خالف أنه ال جيمع يف القسمة بالسهمة.
-من شرط قسمة احلوائط املثمرة أن ال تقسم مع الثمرة إذا بدا صالحها باتفاق يف
املذهب ؛ ألنه يكون بيع الطعام بالطعام على رءوس الثمر وذلك مزابنة.
-أما قسمتها قبل بدو الصالح :ففيه اختالف بني أصحاب مالك:
أنه ال جييز ذلك قبل اإلبار حبال من األحوال ،ويعتل لذلك؛ ألنه يددي إىل بيع طعام
بطعام متفاضال ،ولذلك زعم أنه مل جيز مالك شراء الثمر الذي مل يطب بالطعام ،ال نسيئة
وال نقدا.
وأما إن كان بعد اإلبار ،فإنه ال جيوز عنده إال بشرط أن يشرتط أحدمها على اآلخر أن ما
وقع من الثمر يف نصيبه فهو داخل يف القسمة ،وما مل يدخل يف نصيبه فهم فيه على
الشركة ،والعلة يف ذلك عنده أنه جيوز اشرتاط املشرتي الثمر بعد اإلبار وال جيوز قبل اإلبار،
8
فكأن أحدمها اشرتى حظ صاحبه من مجيع الثمرات اليت وقعت له يف القسمة حبظه من
الثمرات اليت وقعت لشريكه واشرتط الثمر.
أن تقسم الفريضة ،وحتقق ،وتضرب إن كان يف سهامهم كسر إىل أن تصح السهام ،مث
يقوم كل موضع منها وكل نوع من غراساهتا ،مث يعدل على أقل السهام بالقيمة ،فرمبا عدل
جزء من موضع ثالثة أجزاء من موضع آخر على قيم األرضني ومواضعها ،فإذا قسمت
على هذه الصفات ،وعدلت كتبت يف بطائق أمساء األشراك ،وأمساء اجلهات ،فمن خرج
امسه يف جهة أخذ منها ،وقيل :يرمى باألمساء يف اجلهات ،فمن خرج امسه يف جهة أخذ
منها ،فإن كان أكثر من ذلك السهم ضوعف له حىت يتم حظه ،فهذه هي حال قرعة
السهم يف الرقاب.
وأما القسمة بالرتاضي سواء أكانت بعد تعديل وتقومي ،أو بغري تقومي وتعديل; فتجوز يف
الرقاب املتفقة واملختلفة; ألنه بيع من البيوع ،وإمنا حيرم فيها ما حيرم يف البيوع.
اتفق الفقهاء على أنه ال جيوز قسمة واحد منهما للفساد الداخل يف ذلك .واختلفوا إذا
تشاح الشريكان يف العني الواحدة منهما ،ومل يرتاضيا باالنتفاع هبا على الشياع ،وأراد
أحدمها أن يبيع صاحبه معه ،فقال مالك ،وأصحابه :جيرب على ذلك ،فإن أراد أحدمها أن
يأخذه بالقيمة اليت أعطى فيها أخذه .وقال أهل الظاهر :ال جيرب; ألن األصول تقتضي أن
ال خيرج ملك أحد من يده إال بدليل من كتاب ،أو سنة ،أو إمجاع.
9
وحجة مالك أن يف ترك اإلجبار ضررا ،وهذا من باب القياس المرسل ،وقد قلنا يف غري
ما موضع :إنه ليس يقول به أحد من فقهاء األمصار إال مالك ،ولكنه كالضروري يف بعض
األشياء.
فاتفق العلماء على قسمتها على الرتاضي من غري تقومي وال تعديل ،وال قرعة .
اختلف أصحاب مالك في تمييز الصنف الواحد الذي تجوز فيه السهمة من التي ال
تجوز:
-وأما ابن القاسم فاضطرب :فمرة أجاز القسم بالسهمة فيما ال جيوز تسليم بعضه يف
بعض ،فجعل القسمة أخف من السلم .ومرة منع القسمة فيما منع فيه السلم.
وقد قيل :إن مذهبه أن القسمة يف ذلك أخف ،وأن مسائله اليت يظن من قبلها أن القسمة
عنده أشد من السلم تقبل التأويل على أصله الثاين.
-وذهب ابن حبيب إىل أنه جيمع يف القسمة ما تقارب من الصنفني مثل اخلز ،واحلرير،
والقطن ،والكتان .وأجاز أشهب مجع صنفني يف القسمة بالسهمة مع الرتاضي ،وذلك
ضعيف; ألن الغرر ال جيوز بالرتاضي.
10
في أحكام قسمة المكيل أو الموزون:
فإن كان صنفا واحدا; فال خيلو أن تكون قسمته على االعتدال بالكيل أو الوزن إذا دعا
إىل ذلك أحد الشريكني،
-ال خالف يف جواز قسمة املكيل أو املوزون على الرتاضي ،وعلى التفضيل البني كان
ذلك من الربوي ،أو من غري الربوي (أعين :الذي ال جيوز فيه التفاضل) .
وأما إن كانت قسمته حتريا :فقيل ال جيوز يف املكيل ،وجيوز يف املوزون ،ويدخل يف ذلك
من اخلالف ما يدخل يف جواز بيعه حتريا.
-على مذهب مالك :إن كان ذلك مما ال جيوز فيه التفاضل :فال جتوز قسمتها على جهة
اجلمع إال بالكيل املعلوم فيما يكال ،وبالوزن بالصنجة املعروفة فيما يوزن; ألنه إذا كان
مبكيال جمهول مل يدر كم حيصل فيه من الصنف الواحد إذا كانا خمتلفني من الكيل املعلوم;
ألن أصل مذهبه أنه حيرم التفاضل يف الصنفني إذا تقاربت منافعهما ،مثل القمح والشعري.
11
-وأما إن كان مما جيوز فيه التفاضل :فيجوز قسمته على االعتدال ،والتفاضل البني
املعروف; باملكيال املعروف أو الصنجة املعروفة (أعين :على جهة اجلمع وإن كانا صنفني) ،
وهذا اجلواز كله يف املذهب على جهة الرضا.
وأما في واجب الحكم أي ما يلزم به القاضي الطالبني للقسمة ؛ فال تنقسم كل صربة
إال على حدة ،وإذا قسمت كل صربة على حدة جازت قسمتها باملكيال املعلوم واجملهول.
قسمة المنافع.
-ابن القاسم ال جتوز عنده قسمة املنافع بالسهمة ،وال جيرب عليها من أباها ،وال تكون
القرعة على قسمة املنافع.
وذهب أبو حنيفة ،وأصحابه إلى أنه يجبر على قسمة المنافع.
وقسمة املنافع هي عند اجلميع باملهايأة ،وذلك إما باألزمان ،وإما باألعيان:
أما قسمة المنافع باألزمان :فهو أن ينتفع كل واحد منهما بالعين مدة مساوية لمدة
انتفاع صاحبه.
وأما قسم األعيان :بأن يقسما الرقاب على أن ينتفع كل واحد منهما بما حصل له
مدة محدودة ،والرقاب باقية على أصل الشركة.
-ويف املذهب يف قسمة املنافع بالزمان اختالف يف حتديد املدة اليت جتوز فيها القسمة
لبعض املنافع دون بعض لالغتالل ،أو االنتفاع ،مثل استخدام العبد وركوب الدابة ،
وزراعة األرض ،وذلك أيضا فيما ينقل وحيول ،أو ال ينقل وال حيول.
12
فأما فيما ينقل ويحول :فال جيوز عند مالك ،وأصحابه يف املدة الكثرية ،وجيوز يف املدة
اليسرية ،وذلك يف االغتالل ،واالنتفاع.
واختلفوا يف املدة اليسرية فيما ينقل وحيول يف االغتالل :فقيل اليوم الواحد وحنوه ،وقيل :ال
جيوز ذلك يف الدابة والعبد .وأما االستخدام فقيل :جيوز يف مثل مخسة األيام ،وقيل :يف
الشهر وأكثر من الشهر قليال.
وأما فيما ال ينقل وال يحول :فيجوز يف املدة البعيدة ،واألجل البعيد ،وذلك يف االغتالل
واالنتفاع.
وأما التهايؤ في األعيان :بأن يستعمل هذا دارا مدة من الزمان ،وهذا دارا تلك المدة
بعينها،
-فقيل :جيوز يف سكىن الدار وزراعة األرضني ،وال جيوز ذلك يف الغلة والكراء إال يف الزمان
اليسري.
وكذلك القول يف استخدام العبد والدواب جيري القول فيه على االختالف يف قسمتها
بالزمان.
والقسمة من العقود الالزمة ال جيوز للمتقامسني نقضها ،وال الرجوع فيها إال بالطوارئ
عليها.
13
فأما الغبن :فال يوجب الفسخ إال يف قسمة القرعة باتفاق يف املذهب إال على قياس من
يرى له تأثري يف البيع ،فيلزم على مذهبه أن يدثر يف القسمة.
وأما الرد بالعيب :فإنه ال خيلو على مذهب ابن القاسم أن جيد العيب يف جل نصيبه أو
يف أقله.
فإن وجده يف جل نصيبه ؛ فإنه ال خيلو أن يكون النصيب الذي حصل لشريكه قد فات
أو مل يفت:
-فإن كان قد فات رد الواجد للعيب نصيبه على الشركة ،وأخذ من شريكه نصف قيمة
نصيبه يوم قبضه.
-وإن كان العيب يف أقل ذلك :رد ذلك األقل على أصل الشركة فقط ،سواء فات
نصيب صاحبه أو مل يفت ،ورجع على شريكه بنصف قيمة الزيادة ،وال يرجع يف شيء مما
يف يده ،وإن كان قائما بالعيب.
وقال عبد العزيز بن الماجشون :وجود العيب يفسخ القسمة اليت بالقرعة وال يفسخ اليت
بالرتاضي ; ألن اليت بالرتاضي هي بيع ،وأما اليت بالقرعة فهي متييز حق ،وإذا فسخت
بالغنب وجب أن تفسخ بالرد بالعيب.
14
وحكم االستحقاق عند ابن القاسم حكم وجود العيب :إن كان املستحق كثريا وحظ
الشريك مل يفت رجع معه شريكا فيما يف يديه ،وإن كان قد فات رجع عليه بنصف قيمة
ما يف يديه ،وإن كان يسريا رجع عليه بنصف قيمة ذلك الشيء.
وقال حممد :إذا استحق ما يف يد أحدمها بطلت القسمة يف قسمة القرعة؛ ألنه قد تبني أن
القسمة مل تقع على عدل كقول ابن املاجشون يف العيب.
وأما إذا طرأ على المال حق فيه مثل طوارئ الدين على التركة بعد القسمة ،أو طرو
الوصية أو طرو وارث،
فأما إن طرأ الدين :قيل يف املشهور يف املذهب ،وهو قول ابن القاسم :إن القسمة تنتقض
إال أن يتفق الورثة على أن يعطوا الدين من عندهم ،وسواء أكانت حظوظهم باقية
بأيديهم أو مل تكن ،هلكت بأمر من السماء أو مل هتلك.
وقد قيل أيضا :إن القسمة إمنا تنتقض بيد من بقي يف يده حظه ،ومل هتلك بأمر من
السماء.
وأما من هلك حظه بأمر من السماء فال يرجع هو على الورثة مبا بقي بأيديهم بعد أداء
الدين .وقيل :بل تنتقض القسمة وال بد ،حلق اهلل تعاىل لقوله{ :من بعد وصية يوصى هبا
أو دين}
15
وأما طرو الوارث على الشركة بعد القسمة ،وقبل أن يفوت حظ كل واحد منهم :فال
تنتقض القسمة ،وأخذ من كل واحد حظه إن كان ذلك مكيال ،أو موزونا ،وإن كان
حيوانا ،أو عروضا انتقضت القسمة.
وهل يضمن كل واحد منهم ما تلف يف يده بغري سبب منه؟ فقيل :يضمن ،وقيل :ال
يضمن.
واصطالحا :احتباس العين وثيقة بالحق ،ليستوفي الحق من ثمنها أو من ثمن منافعها عند
تعذر أخذه من الغريم .
واألصل يف هذا الكتاب قوله تعاىل{ :ومل جتدوا كاتبا فرهان مقبوضة} ويف السنة ,فعل النِب صلى
اهلل عليه وسلم (( :أنه مات ودرعه مرهونة عند يهودي
األركان هي النظر يف الراهن ،واملرهون ،واملرهتن ،والشيء الذي فيه الرهن ،وصفة عقد الرهن.
والوصي عند مالك يرهن ملن يلي النظر عليه إذا كان ذلك سدادا ،ودعت إليه الضرورة.
واتفق مالك ،والشافعي على أن املفلس ال جيوز رهنه .وقال أبو حنيفة :جيوز.
16
رهنه؟ الذي أحاط الدين بماله هل يجوز
اختلف قول مالك فيه :هل يلزم أم ال يلزم؟
فاملشهور عنه أنه ال جيوز ،واخلالف آيل إىل هل املفلس حمجور عليه أم ال؟ .
الثاين :أن ال ميتنع إثبات يد الراهن على املرتَ َهن عليه كاملصحف.
ومالك جييز رهن املصحف ،وال يقرأ فيه املرهتن ،واخلالف مبين على بيع املصحف هل جيوز أم ال؟
-وعن الشافعي قوالن يف رهن الثمر الذي مل يبد صالحه ،ويباع عنده عند حلول الدين على شرط
القطع .قال أبو حامد :واألصح جوازه.
-وليس من شرط الرهن أن يكون ملكا للراهن ال عند مالك ،وال عند الشافعي ،بل قد جيوز
عندمها أن يكون مستعارا.
17
-واتفقوا على أن من شرطه أن يكون إقراره يف يد املرهتن من قبل الراهن.
إذا قبض المرتهن الرهن بغصب ،هل ينقل إلى ضمان الرهن؟
واختلفوا إذا كان قبض املرهتن له بغصب ،مث أقره املغصوب منه يف يده رهنا :فقال مالك :يصح أن
املغصوب
َ املغصوب منه الشيءَ
ُ ينقل الشيء املغصوب من ضمان الغصب إىل ضمان الرهن ،فيجعل
رهنا يف يد الغاصب قبل قبضه منه.
ويرده. وقال الشافعي :ال جيوز ،بل يبقى على ضمان الغصب إال أن يقبضه .الراهن
رهن المشاع:
واختلفوا فيه فمنعه أبو حنيفة ،وأجازه مالك ،والشافعي.
-وقال قوم من أهل الظاهر :ال جيوز أخذ الرهن إال يف السلم خاصة (أي :يف املسلم فيه) ،وهدالء
ذهبوا إىل ذلك لكون آية الرهن واردة يف الدين يف املبيعات ،وهو السلم عندهم ،فكأهنم جعلوا هذا
شرطا من شروط صحة الرهن؛ ألنه قال يف أول اآلية{ :يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إىل أجل
مسمى فاكتبوه} ،مث قال{ :وإن كنتم على سفر ومل جتدوا كاتبا فرهان مقبوضة}
فعلى مذهب مالك :جيوز أخذ الرهن يف السلم ،ويف القرض ،ويف قيم املتلفات ،ويف أروش اجلنايات
يف األموال ،ويف جراح العمد الذي ال قود فيه كاملأمومة واجلائفة.
وأما قتل العمد ،والجراح التي يقاد منها فيتخرج يف جواز أخذ الرهن يف الدية فيها إذا عفا
الويل قوالن:
18
أحدهما :أن ذلك جيوز ،وذلك على القول بأن الويل خمري يف العمد بني الدية والقود.
والقول الثاني :أن ذلك ال جيوز ،وذلك أيضا مبين على أن ليس للويل إال القود فقط إذا أىب اجلاين
من إعطاء الدية.
وجيوز يف قتل اخلطإ أخذ الرهن ممن يتعني من العاقلة ،وذلك بعد احللول.
-وجيوز أخذه يف اإلجارات ،وجيوز يف اجلعل بعد العمل ،وال جيوز قبله - .وجيوز الرهن يف املهر.
-وال جيوز يف احلدود وال يف القصاص وال يف الكتابة ،وباجلملة فيما ال تصح فيه الكفالة.
والثاني :أن يكون واجبا ،فإنه ال يرهن قبل الوجوب ،مبعىن أن يكون ثابتا مثل أن يسرتهنه مبا
يستقرضه ،وجيوز ذلك عند مالك.
والثالث :أن ال يكون لزومه متوقعا أن جيب ،وأن ال جيب كالرهن يف الكتابة ،وهذا املذهب قريب
من مذهب مالك.
الشروط الرهن المنطوق بها في الشرع ضربان :شروط صحة ،وشروط فساد.
فأما شروط الصحة المنطوق بها في الرهن شرطان:
19
والثاني :خمتلف يف اشرتاطه.
فأما القبض :فاتفقوا باجلملة على أنه شرط يف الرهن لقوله تعاىل{ :فرهان مقبوضة}
وفائدة الفرق :أن من قال :شرط صحة قال :ما مل يقع القبض مل يلزم الرهن الراهن.
ومن قال :شرط متام قال :يلزم العقد وجيرب الراهن على اإلقباض إال أن يرتاخى املرهتن عن املطالبة
حىت يفلس الراهن ،أو ميرض ،أو ميوت.
فذهب مالك إىل أنه من شروط التمام ،وعمدته :قياس الرهن على سائر العقود الالزمة بالقول.
وذهب أبو حنيفة ،والشافعي ،وأهل الظاهر إىل أنه من شروط الصحة .وعمدتهم قوله تعاىل:
{فرهان مقبوضة}
وقال بعض أهل الظاهر :ال جيوز الرهن إال أن يكون هنالك كاتب ؛ لقوله تعاىل{ :ومل جتدوا كاتبا
فرهان مقبوضة} وال جيوز أهل الظاهر أن يوضع الرهن على يدي عدل.
فمالك عمم الشرط على ظاهره ،فألزم من قوله تعاىل{ :فرهان مقبوضة }وجود القبض واستدامته.
والشافعي يقول :إذا وجد القبض فقد صح الرهن وانعقد ،فال حيل ذلك إعارته وال غري ذلك من
التصرف فيه كاحلال يف البيع.
20
واتفقوا على جوازه يف السفر .واختلفوا يف احلضر; فذهب اجلمهور إىل جوازه.
وقال أهل الظاهر ،وجماهد :ال جيوز يف احلضر لظاهر قوله تعاىل{ :وإن كنتم على سفر} ومتسك
اجلمهور مبا ورد من« :أنه -صلى اهلل عليه وسلم -رهن يف احلضر » .
والقول يف استنباط منع الرهن يف احلضر من اآلية هو من باب دليل اخلطاب = .مفهوم املخالفة.
وأما الشرط المحرم الممنوع بالنص فهو :أن يرهن الرجل رهنا على أنه إن جاء حبقه عند
أجله ،وإال فالرهن له؛ فاتفقوا على أن هذا الشرط يوجب الفسخ ،وأنه معىن قوله -عليه الصالة
والسالم « :-ال يَغلَ ُق الرهن» َغليق من فريح ،فريح يفَرح فرحا ،يقال :غليق الرهن إذا امتنعُ ،منع
صاحبه منه".
-إذا وكل الراهن املرهتن على بيع الرهن عند حلول األجل جاز; وكرهه مالك إال أن يرفع األمر إىل
السلطان.
وقال قوم :بل يبقى من الرهن بيد املرهتن بقدر ما يبقى من احلق.
وحجة الجمهور :أنه حمبوس حبق ،فوجب أن يكون حمبوسا بكل جزء منه ،أصله حبس الرتكة على
الورثة حىت يددوا الدين الذي على امليت.
21
وحجة الفريق الثاني :أن مجيعه حمبوس جبميعه ،فوجب أن يكون أبعاضه حمبوسة بأبعاضه ،أصله
الكفالة.
أن مناء الرهن املنفصل ال يدخل شيء منه يف الرهن (أعين :الذي حيدث منه يف يد املرهتن)، األول:
وممن قال هبذا القول الشافعي.
من رأى أن مناء الرهن وغلته للراهن :قوله -عليه الصالة والسالم « :-الرهن حملوب وعمدة
ومركوب » .قالوا :ووجه الدليل من ذلك أنه مل يرد بقوله« :مركوب وحملوب» ; أي يركبه الراهن
وحيلبه; ألنه كأن يكون غري مقبوض ،وذلك مناقض لكونه رهنا ،فإن الرهن من شرطه القبض ،قالوا:
وال يصح أن يكون معناه أن املرهتن حيلبه ويركبه ،فلم يبق إال أن يكون املعىن يف ذلك أن أجرة ظهره
لربه ،ونفقته عليه.
واستدلوا أيضا بعموم قوله -عليه الصالة والسالم « :-الرهن ممن رهنه ،له غنمه ،وعليه غرمه» .
قالوا :وألنه مناء زائد على ما رضيه رهنا ،فوجب أن ال يكون له إال بشرط زائد.
الثاني :أن مجيع النماء احلاصل للذات املرهونة يدخل يف الرهن ،وممن قال هبذا القول أبو حنيفة
والثوري.
وعمدة أبي حنيفة :أن الفروع تابعة لألصول فوجب هلا حكم األصل; ولذلك حكم الولد تابع
حلكم أمه يف التدبري والكتابة.
22
التفصيل وهو قول مالك وبيانه :أن ما كان من مناء الرهن املنفصل على خلقته وصورته، الثالث:
فإنه داخل يف الرهن كولد اجلارية مع اجلارية ،وولد الناقة مع الناقة ..
وأما ما مل يكن على خلقته فإنه ال يدخل يف الرهن ،كان متولدا عنه كثمر النخل ،أو غري متولد
ككراء الدار وخراج الغالم.
بأن الولد حكمه حكم أمه يف البيع (أي :هو تابع هلا) ،وفرق بني الثمرة وأما مالك فاحتج
والولد يف ذلك بالسنة املفرقة يف ذلك ،فولد اجلارية يتبع بغري شرط .وهو قول النِب صلى اهلل عليه
وسلم :من فرق بني الوالدة وولدها فرق بينه وبني أحبته يوم القيامة" ..وأما الثمر فال يتبع بيع األصل
إال بالشرط ،لقوله صلى اهلل عليه وسلم :من باع خنال قد أبرت فثمرهتا للبائع إال أن يشرتط
املبتاع ".
قوم :إذا كان الرهن حيوانا فللمرهتن أن حيلبه ويركبه بقدر ما يعلفه وينفق عليه ،وهو قول وقال
أمحد وإسحاق ،واحتجوا مبا رواه أبو هريرة عن النِب -عليه الصالة والسالم -أنه قال« :الرهن
حملوب ومركوب» .
فقال قوم :الرهن أمانة وهو من الراهن ،والقول قول املرهتن مع ميينه أنه ما فرط فيه
وما جىن عليه ،وممن قال هبذا القول الشافعي ،وأمحد ،وأبو ثور ،ومجهور أهل احلديث.
23
وعمدتهم :حديث سعيد بن املسيب ،عن أيب هريرة أن النِب -صلى اهلل عليه وسلم -قال:
«ال يغلق الرهن وهو ممن رهنه ،له غنمه ،وعليه غرمه» (أي :له غلته وخراجه ،وعليه افتكاكه،
ومصيبته منه) .قالوا :وقد رضي الراهن أمانته فأشبه املودع عنده.
وأما أبو حنيفة ،وأصحابه :فتأولوا قوله -عليه الصالة والسالم « :-له غنمه وعليه غرمه» ،أن
غنمه ما فضل منه على الدين ،وغرمه ما نقص.
وقال قوم :الرهن من المرتهن ومصيبته منه ،وممن قال هبذا القول أبو حنيفة ،ومجهور
الكوفيني.
وعمدتهم :أنه عني تعلق هبا حق االستيفاء ابتداء ،فوجب أن يسقط بتلفه ،أصله تلف املبيع عند
البائع إذا أمسكه حىت يستويف الثمن ،وهذا متفق عليه من اجلمهور ،وإن كان عند مالك كالرهن.
ورمبا احتجوا مبا روي عن النِب -صلى اهلل عليه وسلم « :-أن رجال ارهتن فرسا من رجل ،فنفق يف
يده ،فقال -عليه الصالة والسالم -للمرهتن " :ذهب حقك» .
والذين قالوا بالضمان انقسموا قسمين:
فمنهم من رأى أن الرهن مضمون باألقل من قيمته ،أو قيمة الدين ،وبه قال أبو حنيفة،
وسفيان ،ومجاعة.
ومنهم من قال :هو مضمون بقيمته قلت أو كثرت ،وإنه إن فضل للراهن شيء فوق دينه
وإسحاق. أخذه من املرهتن ،وبه قال علي بن أيب طالب ،وعطاء،
وفرق قوم بين ما ال يغاب عليه مثل الحيوان ،والعقار مما ال يخفى هالكه ،وبني ما
يغاب عليه من العروض ،فقالوا :هو ضامن فيما يغاب عليه ،ومدمتن فيما ال يغاب عليه ،وممن قال
24
هبذا القول مالك ،واألوزاعي ،وعثمان البيت ،إال أن مالكا يقول :إذا شهد الشهود هبالك ما يغاب
عليه من غري تضييع ،وال تفريط ،فإنه ال يضمن .وبقول مالك قال ابن القاسم.
وعمدته :أن التهمة تلحق فيما يغاب عليه ،وال تلحق فيما ال يغاب عليه .وهذا استحسان ومعىن
االستحسان عند مالك هو مجع بني األدلة املتعارضة ،فضعفه قوم وقالوا :إنه مثل استحسان أيب
حنيفة ،وحدوا االستحسان بأنه قول بغري دليل.
قال أشهب .واألوزاعي وعثمان البيت :بل يضمن على كل حال قامت بينة أو مل تقم، .
قال مالك :وإن زعم املرهتن أن إجازته ليتعجل حقه حلف على ذلك ،وكان له .وقال قوم :جيوز
بيعه .بدون حلف
وإن كان الرهن غالما ،أو أمة فأعتقها الراهن؛ فعند مالك أنه إن كان الراهن موسرا جاز عتقه وعجل
للمرهتن حقه ،وإن كان معسرا بيعت وقضي احلق من مثنها .وعند الشافعي ثالثة أقوال :الرد،
واإلجازة ،والثالث :مثل قول مالك.
وأما اختالف الراهن ،والمرتهن في قدر الحق الذي وجب به الرهن:
فقال مالك :القول قول املرهتن فيما ذكره من قدر احلق ما مل تكن قيمة الرهن أقل من ذلك ،فما زاد
على قيمة الرهن فالقول قول الراهن.
وقال الشافعي ،وأبو حنيفة ،والثوري ،ومجهور فقهاء األمصار :القول يف قدر احلق قول الراهن.
وعمدة اجلمهور :أن الراهن مدعى عليه ،واملرهتن مدع ،فوجب أن تكون اليمني على الراهن على
ظاهر السنة املشهورة.
25
وعمدة مالك هاهنا :أن املرهتن وإن كان مدعيا فله هاهنا شبهة بنقل اليمني إىل حيزه ،وهو كون
الرهن شاهدا له ،ومن أصوله أن حيلف أقوى املتداعيني شبهة ،وهذا ال يلزم عند اجلمهور; ألنه قد
يرهن الراهن الشيء وقيمته أكثر من املرهون فيه.
وأما إذا تلف الرهن ،واختلفوا في صفته :فالقول هاهنا عند مالك قول املرهتن؛ ألنه مدعى عليه،
وهو مقر ببعض ما ادعى عليه وهذا على أصوله ،فإن املرهتن أيضا هو الضامن فيما يغاب عليه.
وأما على أصول الشافعي ،فال يتصور على املرهتن ميني إال أن يناكره الراهن يف إتالفه.
وأما عند أيب حنيفة فالقول قول املرهتن يف قيمة الرهن ،وليس حيتاج إىل صفة; ألن عند مالك حيلف
على الصفة ،وتقومي تلك الصفة.
وإذا اختلفوا يف األمرين مجيعا (أعين :يف صفة الرهن ،ويف مقدار الرهن) كان القول قول املرهتن يف
صفة الرهن ،ويف احلق ما كانت قيمته الصفة اليت حلف عليها شاهدة له ،وفيه ضعف.
وهل يشهد احلق لقيمة الرهن إذا اتفقا يف احلق ،واختلفا يف قيمة الرهن؟ يف املذهب فيه قوالن،
واألقيس الشهادة ؛ ألنه إذا شهد الرهن للدين شهد الدين للمرهون.
3كتاب الحجر
الباب األول :في أصناف المحجورين:
الثاني :متى يخرجون من الحجر ،ومتى يحجر عليهم ،وبأي شروط يخرجون؟
26
احلجر لغة املنع من التصرف ويف الشرع " صفة حكمية توجب منع موصوفها نفوذ تصرفه
يف الزائد على قوته أو تربعه مباله " .
أجمع العلماء على وجوب الحجر على األيتام الذين لم يبلغوا الحلم لقوله تعاىل:
{وابتلوا اليتامى حىت إذا بلغوا النكاح}
اختلف العلماء في الحجر على العقالء الكبار إذا ظهر منهم تبذير ألموالهم:
فذهب مالك ،والشافعي ،وأهل المدينة ،وكثير من أهل العراق وهو مذهب ابن عباس،
وابن الزبري .إىل جواز ابتداء احلجر عليهم حبكم احلاكم ،وذلك بشرطني:
-2أن يعذر إليهم فيما ثبت عنده من سفههم ،فلم يكن عندهم مدفع.
أن الحجر على الصغار إنما وجب لمعنى التبذير الذي يوجد فيهم غالبا ،فوجب أن
يجب الحجر على من وجد فيه هذا المعنى ،وإن لم يكن صغيرا.
قالوا :ولذلك اشرتط يف رفع احلجر عنهم مع ارتفاع الصغر إيناس الرشد ،قال اهلل تعاىل:
{فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أمواهلم} فدل هذا على أن السبب المقتضي
للحجر هو السفه.
27
وذهب أبو حنيفة ،وجماعة من أهل العراق إىل أن ال يبتدأ احلجر على الكبار ،وهو قول
إبراهيم ،وابن سريين.
-1فمنهم من قال :الحجر ال يجوز عليهم بعد البلوغ بحال ،وإن ظهر منهم
التبذير.
-2ومنهم من قال :إن استصحبوا التبذير من الصغر يستمر الحجر عليهم ،وإن ظهر
منهم رشد بعد البلوغ ،ثم ظهر منهم سفه ،فهؤالء ال يبدأ بالحجر عليهم.
وأبو حنيفة حيد يف ارتفاع احلجر ،وإن ظهر سفهه مخسة وعشرين عاما.
وعمدة احلنفية :حديث حبان بن منقذ« :إذ ذكر فيه لرسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -
أنه خيدع يف البيوع ،فجعل له رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -الخيار ثالثا ،ولم
يحجر عليه» .
وربما قالوا :الصغر هو المؤثر في منع التصرف بالمال ،بدليل تأثريه يف إسقاط
التكليف ،وإمنا اعترب الصغر ; ألنه الذي يوجد فيه السفه غالبا ،كما يوجد فيه نقص
العقل غالبا؛ ولذلك جعل البلوغ عالمة وجوب التكليف وعالمة الرشد ؛ إذ كانا
يوجدان فيه غالبا (ونعني :العقل والرشد) ،وكما مل يعترب النادر يف التكليف (أعين :أن
يكون قبل البلوغ عاقال فيكلف؛ كذلك مل يعترب النادر يف السفه ،وهو أن يكون بعد البلوغ
سفيها فيحجر عليه ،كما مل يعترب كونه قبل البلوغ رشيدا.
قالوا :وقوله تعاىل{ :وال تدتوا السفهاء أموالكم} ،ليس فيها أكثر من منعهم من
أموالهم ،وذلك ال يوجب فسخ بيوعها وإبطالها.
28
المسألة الثالثة :في أصناف المحجورين عند مالك
الباب الثاني :متى يخرجون من الحجر ،ومتى يحجر عليهم ،وبأي شروط يخرجون؟
والنظر يف هذا الباب يف موضعني :يف وقت خروج الصغار من احلجر ،ووقت خروج
السفهاء .فنقول:
الصغار باجلملة صنفان :ذكور ،وإناث ،وكل واحد من هدالء إما ذو أب ،وإما ذو وصي،
وإما مهمل ،وهم الذين يبلغون وال وصي هلم وال أب.
اتفق العلماء على أهنم ال خيرجون من احلجر إال ببلوغ سن التكليف ،وإيناس الرشد
منهم ،وإن كانوا قد اختلفوا يف الرشد ما هو ،وذلك لقوله تعاىل{ :وابتلوا اليتامى حىت إذا
بلغوا النكاح ،فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أمواهلم}
وأما اختالفهم في الرشد ما هو؟ فإن مالكا يرى أن الرشد هو تثمير المال وإصالحه
فقط ،والشافعي يشترط مع هذا صالح الدين .وسبب اختالفهم :هل ينطلق اسم
الرشد على غير صالح الدين؟
قال ابن عاصم :الرشد حفظ املال مع حسن النظر ...وبعضهم له الصالح معترب ،قال
شارحوه ":يعين أن حقيقة الرشد هي حفظ املال مع حسن النظر فيه ،وهذا هو املعتمد يف
29
املذهب ،وهو قول ابن القاسم ،وعن بعضهم أنه زاد فيها صالح الحال أيضا ،فهي
عنده حفظ املال وحسن النظر فيه وصالح احلال ،قال ابن سلمون :واختلف هل من
شرطه الصالح يف الدين أم ال ؟ على قولني ،قال املدنيون من أصحاب مالك :الرشد هو
صحة العقل وصالح الدين وتثمري املال وحفظه ،وقال ابن القاسم إذا أمثر ماله وحاطه
استوجب اسم الرشد وإن كان غري مرضي احلال وبذلك احلكم.
-1ذهب الجمهور إلى أن حكم اإلناث في ذلك حكم الذكور (أعين :بلوغ احمليض،
وإيناس الرشد) .
-2وقال مالك :هي في والية أبيها -يف املشهور عنه -حتى تتزوج ،ويدخل بها
زوجها ،ويؤنس رشدها ،وروي عنه مثل قول اجلمهور.
إنها في والية أبيها حتى يمر بها سنة بعد دخول زوجها بها.
وقيل :حتى يمر بها عامان .وقيل :حتى تمر بها سبعة أعوام.
وحجة مالك :أن إيناس الرشد ال يتصور من المرأة إال بعد اختبار الرجال .وأما أقاويل
أصحابه فضعيفة خمالفة للنص ،والقياس :أما خمالفتها للنص :فإهنم مل يشرتطوا الرشد .وأما
خمالفتها للقياس :فألن الرشد ممكن تصوره منها قبل هذه املدة احملدودة.
30
وإذا قلنا على قول مالك ال على قول اجلمهور :إن االعتبار يف الذكور ذوي اآلباء البلوغ،
وإيناس الرشد.
فاختلف قول مالك إذا بلغ ولم يعلم سفهه من رشده ،وكان مجهول الحال :فقيل
عنه :إنه محمول على السفه حتى يتبين رشده ،وهو المشهور .وقيل عنه :إنه محمول
على الرشد حتى يتبين سفهه.
وحكمهم أنهم ال خيرجون من الوالية يف املشهور عن مالك إال بإطالق وصيه له من
احلجر( ،أي :يقول فيه إنه رشيد) إن كان مقدما من قبل األب بال خالف ،أو بإذن
القاضي مع الوصي إن كان مقدما من غري األب على اختالف يف ذلك.
وقد قيل في وصي األب :إنه ال يقبل قوله يف أنه رشيد حىت يعلم رشده ،وقد قيل :إن
حاله مع الوصي كحاله مع األب خيرجه من احلجر إذا آنس منه الرشد ،وإن مل خيرجه
وصيه باإلشهاد ،وإن اجملهول احلال يف هذا حكمه حكم اجملهول احلال ذي األب.
وأما ابن القاسم فمذهبه أن الوالية غير معتبر ثبوتها إذا علم الرشد ،وال سقوطها إذا
علم السفه ،وهي رواية عن مالك ،وذلك من قوله يف اليتيم ال يف البكر.
والفرق بين المذهبين :أن من يعتبر الوالية يقول أفعاله كلها مردودة وإن ظهر رشده
حتى يخرج من الوالية ،وهو قول ضعيف ،فإن المؤثر هو الرشد ال حكم الحاكم.
31
وحال البكر مع الوصي كحال الذكر ،ال خترج من الوالية إال باإلخراج ما مل تعنس على
اختالف يف مدة التعنيس .قال (ابن سلمون) واختلف يف حد التعنيس يف هذه على أربعة
أقوال :قيل :ثالثون.
وقيل :أقل .وقيل :أربعون .وقيل :من اخلمسني إىل الستني انتهى باختصار
وقيل :حاهلا مع الوصي كحاهلا مع األب ،وهو قول ابن املاجشون .ومل خيتلف قوهلم إنه ال
يعترب فيها الرشد كاختالفهم يف اليتيم.
وأما المهمل من الذكور :فإن املشهور أن أفعاله جائزة إذا بلغ احللم كان سفيها متصل
السفه ،أو غري متصل السفه ،معلنا به أو غري معلن .وأما ابن القاسم فيعترب نفس فعله إذا
وقع ،فإن كان رشدا جاز ،وإال رده.
وأما المهمل من النساء اليتيمة التي ال أب لها وال وصي :فإن فيها يف املذهب قولني:
أحدمها :أن أفعاهلا جائزة إذا بلغت احمليض .والثاين :أفعاهلا مردودة ما مل تعنس ،وهو
املشهور.
أوال :حكم تصرف الصغار الذين لم يبلغوا الحلم من الرجال ،وال المحيض من
النساء.
32
-ال خالف في المذهب في أنه ال يجوز له في ماله معروف بغير عوض ؛ من هبة،
وال صدقة ،وال عطية ،وال عتق ،وإن أذن له األب يف ذلك ،أو الوصي ،فإن أخرج من يده
شيئا بغري عوض كان موقوفا على نظر وليه ؛ إن كان له ويل ،فإن رآه رشدا أجازه ،وإال
أبطله ،وإن مل يكن له ويل ،قدم له ويل ينظر يف ذلك ،وإن عمل يف ذلك -حىت يلي
أمره -كان النظر إليه يف اإلجازة ،أو الرد.
واختلف إذا كان فعله سدادا ونظرا ؛ فيما كان يلزم الولي أن يفعله :هل له أن ينقضه
إذا آل األمر إىل خالف حبوالة األسواق ،أو مناء فيما باعه ،أو نقصان فيما ابتاعه:
فاملشهور أن ذلك له ،وقيل إن ذلك ليس له.
-ويلزم الصغير ما أفسد في ماله مما لم يؤتمن عليه .واختلف فيما أفسد وكسر مما
اؤمتن عليه.
-وال يلزمه بعد بلوغه ورشده عتق ما حلف بحريته في صغره وحنث به في صغره.
واختلف فيما حنث فيه يف كربه وحلف به يف صغره :فاملشهور أنه ال يلزمه .وقال ابن
كنانة :يلزمه.
-وال يلزمه فيما ادعي عليه يمين .واختلف إذا كان له شاهد واحد :هل يحلف معه؟
فالمشهور أنه ال يحلف ،وروي عن مالك ،والليث أنه يحلف.
وحال البكر ذات األب والوصي كالذكر ما لم تعنس على مذهب من يعتبر تعنيسها.
33
جمهور العلماء على أن السفيه البالغ المحجورعليه إذا طلق زوجته ،أو خالعها مضى
طالقه ،وخلعه ،إال ابن أيب ليلى ،وأبا يوسف ،وخالف ابن أيب ليلى يف العتق فقال :إنه
ينفذ .وقال اجلمهور :إنه ال ينفذ.
-2حكم وصيته:
وال تلزمه هبة ،وال صدقة ،وال عطية ،وال عتق ،وال شيء من المعروف إال أن يعتق أم
ولده ،فيلزمه عتقها ،وهذا كله يف املذهب ،وهل يتبعها ماهلا؟ فيه خالف :قيل :يتبع،
وقيل :ال يتبع ،وقيل :بالفرق بني القليل والكثري.
وأما ما يفعله بعوض :فهو أيضا موقوف على نظر وليه إن كان له ويل ،فإن مل يكن له ويل
قدم له ويل ،فإن رد بيعه الويل وكان قد أتلف الثمن مل يتبع من ذلك بشيء ،وكذلك إن
أتلف عني املبيع.
أفعال المحجورين ،أو المهملين على مذهب مالك :تنقسم إلى أربع أحوال:
- 2ومنهم ضد هذا ،وهو أن تكون أفعاله كلها محمولة على الرشد ،وإن ظهر فيها
ما هو سفه.
- 4وعكس هذا أيضا أن تكون أفعاله كلها محمولة على الرشد حتى يتبين سفهه.
34
-1فأما الذي يحكم له بالسفه ،وإن ظهر رشده ؛ فهو الصغير الذي لم يبلغ،
والبكر ذات األب والوصي ما لم تعنس على مذهب من يعتبر التعنيس.
-2والذي يحكم له بحكم الرشد ،وإن علم سفهه :فمنه :السفيه إذا لم تثبت عليه
والية من قبل أبيه ،وال من قبل السلطان على مشهور مذهب مالك ،خالفا البن
القاسم الذي يعترب نفس الرشد ال نفس الوالية ،والبكر اليتيمة املهملة على مذهب
سحنون.
-2البكر ذات األب التي ال وصي لها إذا تزوجت ودخل بها زوجها ما لم يظهر
رشدها ،أوما مل تبلغ احلد املعترب يف ذلك من السنني عند من يعترب ذلك.
-وأما الحال التي يحكم فيها بحكم الرشد حتى يتبين السفه:
-2البنت اليت دخل هبا زوجها ومضى لدخوله احلد املعترب من السنني عند من يعترب احلد.
-4االبنة البكر بعد بلوغها على الرواية اليت ال تعترب فيها دخوهلا مع زوجها.
35
:4التفليس
وعرفه ابن عرفة ":حكم الحاكم بخلع كل مال المدين لغرمائه لعجزه عن قضاء ما لزمه" وله معنيان
أحدهما :أن يستغرق الدين مال المدين ،فال يكون في ماله وفاء بديونه .والثاني :أن ال يكون له مال
معلوم أصال .وفي كال الفلسين قد اختلف العلماء في أحكامهما
فيه خالف القول األول وبه قال مالك ،والشافعي :.أن يحجر عليه الحاكم التصرف في ماله حتى
يبيعه عليه ويقسمه على الغرماء على نسبة ديونهم إن كان مليا ،أو يحكم عليه باإلفالس ويحجر
عليه التصرف،إن لم يكن مليا وحجتهم« :حديث معاذ بن جبل " :أنه كثر دينه في عهد رسول اهلل
-صلى اهلل عليه وسلم -فلم يزد غرماءه على أن جعله لهم من ماله» .وحديث أبي سعيد
الخدري« :أن رجال أصيب على عهد رسول اهلل في ثمر ابتاعها ،فكثر دينه ،فقال رسول اهلل -
صلى اهلل عليه وسلم :-تصدقوا عليه ،فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء بدينه ،فقال رسول
اهلل -صلى اهلل عليه وسلم :-خذوا ما وجدتم ،وليس لكم إال ذلك» :القول الثاني وبه قال أبو
حنيفة :أن للحاكم أن يحبسه حتى يعطيهم بيده ما عليه .وحجته حديث جابر بن عبد اهلل حين
استشهد أبوه بأحد ،وعليه دين ،فلما طالبه الغرماء «قال جابر " :فأتيت النبي -صلى اهلل عليه
وسلم -فكلمته ،فسألهم أن يقبلوا مني حائطي ،ويحللوا أبي ،فأبوا ،فلم يعطهم رسول اهلل -صلى
اهلل عليه وسلم – حائطي .قال :ولكن سأغدو عليك ،قال :فغدا علينا حين أصبح فطاف بالنخل
فدعا في ثمرها بالبركة ،قال :فجذذتها فقضيت منها حقوقهم ،وبقي من ثمرها بقية» .قالوا :ويدل
36
على حبسه قوله -صلى اهلل عليه وسلم « :-لي الواجد يحل عرضه ،وعقوبته» .قالوا :والعقوبة
هي حبسه.
في ماذا يحجر عليه ،وبأي ديون تكون المحاصة في ماله ،وفي أي شيء من ماله تكون المحاصة؟
وكيف تكون؟
فأما المفلس :فله حاالن :حال في وقت الفلس قبل الحجر عليه ،وحال بعد الحجر.
أوال :األحكام قبل الحجر ،وفيها مذهبان :أ مذهب مالك 1 :ـ ال يجوز له إتالف شيء من ماله
بغير عوض إذا كان مما ال يلزمه ،ومما ال تجري العادة بفعله .ألن له أن يفعل ما يلزم بالشرع، ،
كنفقته على اآلباء المعسرين ،أو األبناء -2..يجوز بيعه ،وابتياعه ما لم تكن فيه محاباة-3.
يجوز إقراره بالدين لمن ال يتهم عليه .ب -مذهب الجمهور :وأما جمهور من قال بالحجر على
المفلس فقالوا :هو قبل الحكم كسائر الناس قالوا ألن األصل هو جواز األفعال حتى يقع الحجر،
ومالك كأنه اعتبر المعنى نفسه ،وهو إحاطة الدين بماله ،لكن لم يعتبره في كل حال؛ ألنه يجوز
بيعه ،وشراؤه إذا لم يكن فيه محاباة ،وال يجوزه للمحجور عليه.
ثانيا :األحكام بعد الحجر :.وأما حاله بعد التفليس :فال يجوز له فيها عند مالك بيع ،وال شراء،
وال أخذ ،وال عطاء ،وال يجوز إقراره بدين في ذمته لقريب وال بعيد ،قيل :إال أن يكون لواحد منهم
بينة ،واختلف في إقراره بمال معين هل يصدق أم ال ؟ مثل القراض ،والوديعة على ثالثة أقوال في
المذهب :بالجواز ،والمنع ،والثالث :بالفرق بين أن يكون على أصل القراض ،أو الوديعة ببينة ،إن
كانت صدق وإن لم تكن لم يصدق.
37
واختلفوا فذهب مالك إلى أن التفليس في ذلك كالموت .وذهب غيره إلى خالف ذلك ،وجمهور
العلماء على أن الديون تحل بالموت .وحجتهم :أن اهلل تبارك وتعالى لم يبح التوارث إال بعد قضاء
الدين ،فالورثة مخيرين في ذلك :إما أن يجعلوا الدين حاال ،وإما أن يرضوا بتأخير إلى أجله .وقال
ابن شهاب :مضت السنة بأن دينه قد حل حين مات.قال ابن سيرين إن رضي الغرماء بتحمله في
ذممهم أبقيت الديون إلى أجلها ، ،واختاره أبو عبيد من فقهاء األمصار،
الشبه بين الفلس والموت ال يشبه الفلس في هذا المعنى الموت كل الشبه ،وإن كانت كلتا
الذمتين قد خرجت ،فإن ذمة المفلس يرجى المال لها ،بخالف ذمة الميت
فإن ذلك يرجع إلى الجنس ،والقدر .أوال :الحكم في ذهاب عين السلعة بعد التفليس؛ أو بقائها
يم على المفلس ؛ فإن دينه في
على حالها 1إذا ذهب عين العوض الذي استوجب من قبله الغر ُ
ذمة المفلس -2 .وأما إذا كان عين العوض باقيا بعينه لم يفت إال أنه لم يقبض ثمنه ،فاختلف في
ذلك فقهاء األمصار على أربعة أقوال:
األول :وبه قال الشافعي ،وأحمد ،وأبو ثور أن صاحب السلعة أحق بها على كل حال إال أن
يتركها ،ويختار المحاصة .،وحجته :ما ثبت من حديث أبي هريرة أن رسول اهلل -صلى اهلل عليه
الرجل مالَه بعينه فهو أحق به من غيره»
ُ وسلم -قال« :أيما رجل أفلس فأدرك
والقول الثاني :وبه قال مالك ،وأصحابه.ينظر إلى قيمة السلعة يوم الحكم بالتفليس ،فإن كانت أقل
من الثمن خير صاحب السلعة بين أن يأخذها ،أو يحاص الغرماء ،وإن كانت أكثر أو مساوية للثمن
أخذها بعينها ،وحجتهم خصصه بالقياس وقالوا :إن معقوله إنما هو الرفق بصاحب السلعة لكون
سلعته باقية،
38
القول الثالث :قال به جماعة من أهل األثر :تقوم السلعة بعد التفليس ،فإن كانت قيمتها مساوية
للثمن ،أو أقل منه قضي للبائع بها ،وإن كانت أكثر دفع إليه مقدار ثمنه ،ويتحاصون في الباقي،
والقول الرابع :وهو قول أبي حنيفة ،وأهل الكوفة :أنه أسوة الغرماء فيها على كل حال .،وحجتهم
أن هذا الحديث مخالف لألصول المتواترة على طريقتهم في رد خبر الواحد إذا خالف األصول
المتواترة ،لكون خبر الواحد مظنونا ،واألصول يقينية مقطوع بها ،كما قال عمر في حديث فاطمة
بنت قيس :ما كنا لندع كتاب اهلل وسنة نبينا لحديث امرأة .وربما احتجوا بأن حديث أبي هريرة
مختلف فيه ،وروي بلفظ آخر وهو« :أيما رجل مات ،أو أفلس فوجد بعض غرمائه ماله بعينه فهو
أسوة الغرماء» .وهذا الحديث أولى؛ ألنه موافق لألصول الثابتة -3..إذا لم يقبض المشتري
السلعة وبقيت بيد البائع ؛ فالعلماء متفقون أهل الحجاز ،وأهل العراق أن صاحب السلعة أحق بها؛
الرجل مالَه بعينه فهو أحق به من غيره»
ُ ألنها في ضمانه .وحجتهم حديث «أيما رجل أفلس فأدرك
؛
- 1فقال مالك :إن شاء أن يرد ما قبض ويأخذ السلعة كلها ،وإن شاء حاص الغرماء فيما بقي من
سلعته.
-2وقال الشافعي :بل يأخذ ما بقي من سلعته بما بقي من الثمن .وحجة الشافعي :أن كل السلعة،
أو بعضها في الحكم واحد.
-3وقالت جماعة من أهل العلم داود ،وإسحاق ،وأحمد :إن قبض من الثمن شيئا فهو أسوة
الغرماء .وحجتهم :ما روى مالك ،أن رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -قال« :أيما رجل باع
39
متاعا ،فأفلس الذي ابتاعه ،ولم يقبض الذي باعه شيئا ،فوجده بعينه فهو أحق به ،وإن مات الذي
ابتاعه فصاحب المتاع أسوة الغرماء» وقد روي «فإن كان قبض من ثمنه شيئا فهو أسوة الغرماء»
-4واتفقوا :أنه إذا فوت المشتري بعضها أن البائع أحق بالمقدار الذي أدرك من سلعته ،إال عطاء
فإنه قال :إذا فوت المشتري بعضها كان البائع أسوة الغرماء.
اختلف الشافعي ومالك في هذه المسألة :فقال مالك :الدائن في موت المدين أسوة الغرماء ،
بخالف الفلس .وقال الشافعي :األمر في ذلك واحد.وعمدة مالك :ما رواه عن ابن شهاب ،عن
أبي بكر ،والشاهد منه قوله صلى اهلل عليه وسلم.. ":وإن مات الذي ابتاعه فصاحب المتاع أسوة
الغرماء» وأيضا من جهة النظر :هناك فرق بين الذمة في الفلس والموت أن المفلس ممكن أن تثرى
حاله فيتبعه غرماؤه بما بقي عليه ،وذلك غير متصور في الموت وأما الشافعي :فعمدته ما رواه ابن
أبي ذئب بسنده عن أبي هريرة قال :قال رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم « :-أيما رجل مات أو
أفلس فصاحب المتاع أحق به» ،فسوى في هذه الرواية بين الموت ،والفلس .وقال :وحديث ابن
أبي ذئب أولى من حديث ابن شهاب؛ ألن حديث ابن شهاب مرسل ،وهذا مسند .ومن طريق
المعنى :فهو مال ال تصرف فيه لمالكه إال بعد أداء ما عليه ،فأشبه مال المفلس .وقياس مالك
أقوى من قياس الشافعي ،وترجيح حديثه على حديث ابن أبي ذئب من جهة أن موافقة القياس له
أقوى -.وذلك أن ما وافق من األحاديث المتعارضة قياس المعنى فهو أقوى مما وافقه قياس
الشبه.فسبب الخالف :تعارض اآلثار في هذا المعنى ،والمقاييس ،وأيضا فإن األصل يشهد لقول
مالك في الموت (أعني :أن من باع شيئا فليس يرجع إليه) ،فمالك :أقوى في هذه المسألة،
والشافعي إنما ضعف عنده فيها قول مالك لما روي أن المسند المرسل عنده ال يجب العمل
40
ب .المسألة السادسة :فيمن وجد سلعته بعينها عند المفلس ،وقد أحدث زيادة.
اختلف مالك والشافعي ،في ذالك :مثل أن تكون أرضا يغرسها ،أو عرصة يبنيها -1.فقال مالك:
العمل الزائد فيها هو فوت ،ويرجع صاحب السلعة شريك الغرماء -2 .وقال الشافعي :بل يخير
البائع بين أن يعطي قيمة ما أحدث المشتري في سلعته ويأخذها ،أو أن يأخذ أصل السلعة ويحاص
الغرماء في الزيادة.
وتحصيل مذهب مالك فيما يكون الغريم به أحق من سائر الغرماء في الموت والفلس ،أو في
الفلس دون الموت:
أن األشياء المبيعة بالدين تنقسم في التفليس ثالثة أقسام :عرض يتعين ،وعين اختلف فيه هل يتعين
أم ال؟ وعمل ال يتعين .
أوال -العرض المتعين -1 :إن كان في يد بائعه لم يسلمه حتى أفلس المشتري ،فهو أحق به في
الموت ،والفلس ،وهذا ما ال خالف فيه -2 .إن كان قد دفعه إلى المشتري ثم أفلس ،وهو قائم
بيده فهو أحق به من الغرماء في الفلس دون الموت ،ولهم عند مالك أن يأخذوا سلعته بالثمن.
وقال الشافعي :ليس لهم .وقال أشهب :ال يأخذونها إال بزيادة يحطونها عن المفلس .وقال ابن
الماجشون :إن شاءوا كان الثمن من أموالهم ،أو من مال الغريم .وقال ابن كنانة :بل يكون من
أموالهم.
األول :العين المتعينة ،وحكمها -1:إن كانت في يده فهو أحق بها في الموت ،والفلس -2.
اختلف إذا دفعه إلى بائعه فيه ،ففلس أو مات وهو قائم بيده يعرف بعينه -،فقيل :إنه أحق به
41
كالعروض في الفلس دون الموت ،وهو قول ابن القاسم -.وقيل :إنه ال سبيل له عليه ،وهو أسوة
الغرماء ،وهو قول أشهب ،والقوالن جاريان على االختالف في تعيين العين.
الثاني :العين غير المتعينة :وحكمها أن الدائن يكون فيها أسوة الغرماء في الموت والفلس جميعا.
1األجير - :إذا أفلس المستأجر قبل أن يستوفي عمل األجير ،كان األجير أحق بما عمله في
الموت والفلس جميعا ،كالسلعة إذا كانت بيد البائع في وقت الفلس.ـ إن كان فلس المستأجر بعد
أن استوفى عمل األجير :فاألجير أسوة الغرماء بأجرته التي شارطه عليها في الفلس والموت جميعا ،
إال أن تكون بيده السلعة التي استؤجر على عملها ،فيكون أحق بذلك في الموت ،والفلس جميعا؛
ألنه كالرهن بيده -.إن أسلم األجير محل العمل للمستأجر كان األجير أسوة الغرماء بعمله ،إال أن
يكون له فيه شيء أخرجه فيكون أحق به في الفلس دون الموت.
-2مكري الدواب والسفن -:إذا أفلس مكتري الدواب عند مالك ،فهو أحق بما على
الدابة من المتاع بأن يأخذ منها أجرة كرائه في الموت والفلس جميعا ،وكذلك مكتري
السفينة ،وهذا كله شبهه مالك بالرهن.
:فقيل في المذهب :يترك له ما يعيش به هو وأهله وولده الصغار لأليام .وقال في الواضحة
والعتبية :الشهر ونحوه ،ويترك له كسوة مثله .وتوقف مالك في كسوة زوجته لكونها هل تجب لها
بعوض مقبوض أو بغير عوض .وقال سحنون :ال يترك له كسوة زوجته .وروى ابن نافع عن مالك:
أنه ال يترك له إال ما يواريه ،وبه قال ابن كنانة .واختلفوا في بيع كتب العلم عليه على قولين :وهذا
مبني على كراهية بيع كتب الفقه ،أو ال كراهية ذلك.
42
المسألة الثامنة :في معرفة الديون التي يحاص بها من الديون التي ال يحاص بها على مذهب مالك
:
أحدهما :أن تكون واجبة عن عوض.والثاني :أن تكون واجبة من غير عوض.
القسم األول :الديون الواجبة عن عوض تنقسم إلى عوض مقبوض ،وإلى عوض غير مقبوض:
أوال :الديون المترتبة عن عوض مقبوض سواء أكانت ماال ،أو أرش جناية؛ فال خالف في المذهب
أن محاصة الغرماء بها واجبة.
ثانيا :الديون المترتبة عن عوض غير مقبوض :فإنها تنقسم خمسة أقسام:
أحدها :أن ال يمكنه دفع العوض بحال كنفقة الزوجات لما يأتي من المدة .فهذا ال محاصة في
ذلك إال في مهور الزوجات إذا أفلس الزوج قبل الدخول
والثاني :أن ال يمكنه دفع العوض ،ولكن يمكنه دفع ما يستوفى فيه ،مثل أن يكتري الرجل الدار
بالنقد ،أو يكون العرف فيه النقد ،ففلس المكتري قبل أن يسكن ،أو بعد ما سكن بعض السكنى،
وقبل أن يدفع الكراء .فقيل :للمكري المحاصة بجميع الثمن وإسالم الدار للغرماء .وقيل :ليس له
إال المحاصة بما سكن ويأخذ داره ،وإن كان لم يسكن فليس له إال أخذ داره.
والثالث :أن يكون دفع العوض يمكنه ويلزمه ،كرأس مال السلم إذا أفلس المسلم إليه قبل دفع
رأس المال .فقيل :يحاص به الغرماء في الواجب له بالعوض ،ويدفعه ،وقيل :هو أحق به ،وعلى
هذا ال يلزمه دفع العوض.
43
والرابع :أن يمكنه دفع العوض وال يلزمه ،مثل السلعة إذا باعها ففلس المبتاع قبل أن يدفعها إليه
البائع .فهو بالخيار بين المحاصة ،واإلمساك ،وذلك هو إذا كان العوض عينا.
والخامس :أن ال يكون إليه تعجيل دفع العوض ،مثل أن يسلم الرجل إلى الرجل دنانير في عروض
إلى أجل فيفلس المسلم قبل أن يدفع رأس المال ،وقبل أن يحل أجل السلم .فإن رضي المسلم
إليه أن يعجل العروض ،ويحاصص الغرماء برأس مال السلم ،فذلك جائز إن رضي بذلك الغرماء،
فإن أبى ذلك أحد الغرماء حاص الغرماء برأس المال الواجب له فيما وجد للغريم من مال ،وفي
العروض التي عليه إذا حلت; ألنها من مال الفلس ،وإن شاءوا أن يبيعوها بالنقد ،ويتحاصوا فيها
كان ذلك لهم.
القسم اللثاني :الديون الواجبة عن غير عوض :وأما ما كان من الحقوق الواجبة عن غير عوض فهي
على قسمين -1:ما كان منها غير واجب بالشرع ،بل بااللتزام ،كالهبات والصدقات فال محاصة
فيها -2 .وأما ما كان منها واجبا بالشرع كنفقة اآلباء واألبناء ،ففيها قوالن :أحدهما :أن المحاصة
ال تجب بها ،وهو قول ابن القاسم .والثاني :أنها تجب بها إذا لزمت بحكم من السلطان ،وهو قول
أشهب.
معرفة وجه التحاص :فإن الحكم في ذلك أن يصرف مال الغريم من جنس ديون الغرماء ،وسواء
أكان مال الغرماء من جنس واحد أو من أجناس مختلفة؛ إذ كان ال يقتضي في الديون إال ما هو من
جنس الدين إال أن يتفقوا من ذلك على شيء يجوز
.واختلفوا من هذا الباب في فرع طارئ ،وهو إذا هلك مال المحجور عليه بعد الحجر وقبل قبض
الغرماء :ممن مصيبته؟
44
فقال أشهب :مصيبته من المفلس .وقال ابن الماجشون :مصيبته من الغرماء إذا وقفه السلطان.
وقال ابن القاسم :ما يحتاج إلى بيعه فضمانه من الغريم؛ ألنه إنما يباع على ملكه ،وما ال يحتاج إلى
بيعه فضمانه من الغرماء ،مثل أن يكون المال عينا والدين عينا .وكلهم روى قوله عن مالك .وفرق
أصبغ بين الموت والفلس فقال :المصيبة في الموت من الغرماء ،وفي الفلس من المفلس.
وأما المفلس الذي ال مال له أصال -فإن فقهاء األمصار مجمعون على أن العدم له تأثير في إسقاط
الدين إلى وقت ميسرته ،إال ما حكي عن عمر بن عبد العزيز :أن لهم أن يؤاجروه ،وقال به أحمد
من فقهاء األمصار.
-المدين إذا ادعى الفلس ،ولم يعلم صدقه أن الفقهاء مجمعون على أنه يحبس حتى يتبين صدقه
أو يقر له بذلك صاحب الدين ،فإذا كان ذلك خلي سبيله .وحكي عن أبي حنيفة :أن لغرمائه أن
يدوروا معه حيث دار .وإنما صار الكل إلى القول بالحبس في الديون ،وإن كان لم يأت في ذلك
أثر صحيح؛ ألن ذلك أمر ضروري في استيفاء الناس حقوقهم بعضهم من بعض ،وهذا دليل على
القول بالقياس الذي يقتضي المصلحة ،وهو الذي يسمى بالقياس المرسل .وقد روي« :أن النبي -
عليه الصالة والسالم -حبس رجال في تهمة».
والمحجورون عند مالك :السفهاء ،والمفلسون ،والعبيد ،والمرضى ،والزوجة فيما فوق الثلث ؛ ألنه
يرى أن للزوج حقا في المال ،وخالفه في ذلك األكثر.
45
5الصلح
تعريفه " :انتقال عن حق أو دعوى بعوض لرفع نزاع ،أو خوف وقوعه " وقيل " :هو
قبض شيء عن عوض"
واألصل في هذا الكتاب والسنة :قوله تعالى{ :والصلح خير} وما روي عن النبي -
عليه الصالة والسالم -مرفوعا وموقوفا على عمر« :إمضاء الصلح جائز بين
المسلمين إال صلحا أحل حراما ،أو حرم حالال» .
وقال الشافعي :ال يجوز على اإلنكار؛ ألنه من أكل المال بالباطل من غير عوض.
والمالكية تقول فيه عوض ،وهو سقوط الخصومة واندفاع اليمين عنه.
وال خالف في مذهب مالك أن الصلح الذي يقع على اإلقرار يراعى في صحته ما
يراعى في البيوع ،فيفسد بما تفسد به البيوع من أنواع الفساد الخاص بالبيوع ،ويصح
بصحته ،وهذا هو مثل أن يدعي إنسان على آخر دراهم فيصالحه عليها بعد اإلقرار
بدنانير نسيئة ،وما أشبه هذا من البيوع الفاسدة من قبل الربا والغرر.
46
وأما الصلح على اإلنكار :فالمشهور فيه عن مالك ،وأصحابه أنه يراعى فيه من
الصحة ما يراعى في البيوع ،مثل أن يدعي إنسان على آخر دراهم فينكر ،ثم يصالحه
عليها بدنانير مؤجلة ،فهذا ال يجوز عند مالك ،وأصحابه.
وقال أصبغ :هو جائز؛ ألن المكروه فيه من الطرف الواحد ،وهو من جهة الطالب;
ألنه يعترف أنه أخذ دنانير نسيئة في دراهم حلت له .وأما الدافع فيقول :هي هبة
مني.
وأما إن ارتفع المكروه من الطرفين ،مثل أن يدعي كل واحد منهما على صاحبه
دنانير ،أو دراهم فينكر كل واحد منهما صاحبه ،ثم يصطلحان على أن يؤخر كل
واحد منهما صاحبه فيما يدعيه قبله إلى أجل ،فهذا عندهم هو مكروه.
أما كراهيته :فمخافة أن يكون كل واحد منهما صادقا ،فيكون كل واحد منهما قد
أنظر صاحبه إلنظار اآلخر إياه ،فيدخله أسلفني ،وأسلفك.
وأما وجه جوازه :فألن كل واحد منهما إنما يقول :ما فعلت إنما هو تبرع مني ،وما
كان يجب علي شيء ،وهذا النحو من البيوع قيل :إنه يجوز إذا وقع ،وقال ابن
الماجشون :يفسخ إذاوقع عليه أثر عقده ،فإن طال مضى.
فالصلح الذي يقع فيه مما ال يجوز في البيوع هو في مذهب مالك على ثالثة أقسام:
صلح يفسخ باتفاق ،وصلح يفسخ باختالف ،وصلح ال يفسخ باتفاق إن طال ،وإن
لم يطل فيه اختالف.
47
الكفالة 6
قال ابن عرفة" :الحمالة التزام دين ال يسقطه ،أو طلب من هو عليه لمن هو له".
أما الكفالة بالمال :فقهاء األمصارأنها :فثابتة بالسنة ،ومجمع عليها من الصدر األول .وحكي عن
قوم أنها ليست الزمة تشبيها بالوعد وهذا قول شاذ .وعمدة الجمهورقوله عليه الصالة والسالم :-
«الزعيم غارم» .
وأما الكفالة بالنفس " :وهي التي تعرف بضمان الوجه" فجمهور فقهاء األمصار على جواز وقوعها
شرعا إذا كانت بسبب المال وحجتهم «الزعيم غارم»وقالوا بأن ذلك مصلحة وحكي عن الشافعي
في الجديد أنها ال تجوز ،وبه قال داود ،وحجتهما قوله تعالى{ :معاذ اهلل أن نأخذ إال من وجدنا
متاعنا عنده}
وأما الحكم الالزم عن الكفالة :فجمهور القائلين بحمالة النفس متفقون على أن المتحمل عنه إذا
مات لم يلزم الكفيل بالوجه شيء .وحكي عن بعضهم لزوم ذلك وفرق ابن القاسم بين أن يموت
الرجل حاضرا أو غائبا ،فقال :إن مات حاضرا لم يلزم الكفيل شيء ،وإن مات غائبا نظر ،فإن كانت
المسافة التي بين البلدين مسافة يمكن الحميل فيها إحضاره في األجل المضروب له مثل اليومين
إلى الثالثة) ،ففرط :غرم ،وإال لم يغرم
إذا غاب المتحمل عنه؛ ما حكم الحميل بالوجه على ثالثة أقوال:القول األول :قول مالك
وأصحابه ،أنه يلزمه أن يحضره أو يغرم ،وعمدته :أن المتحمل بالوجه غارم لصاحب الحق فوجب
عليه الغرم إذا غاب وربما احتج «أن رجال سأل غريمه أن يؤدي إليه ماله أو يعطيه حميال ،فلم يقدر
حتى حاكمه إلى النبي -عليه الصالة والسالم ،-فتحمل عنه رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -
ثم أدى المال إليه» والقول الثاني :قول أبي حنيفة ،وأهل العراق أنه يحبس الحميل إلى أن يأتي به
أو يعلم موته.،عمدتهم :إنما يجب عليه إحضار ما تحمل به وقد قال عليه الصالة والسالم :-
48
«المؤمنون عند شروطهم» .فإنما عليه أن يحضر المال أو يحبس فيه ،والقول الثالث :أنه إذا كان
قادرا على إحضاره فإنه يحبس إذا لم يحضره،أما إذا مات فال يجب عليه إحضاره .
فأما إذا اشترط الوجه دون المال وصرح بالشرط فقد قال مالك :إن المال ال يلزمه وقد قال بن
رشد أن هذا ال خالف فيه ألنه كان يكون قد ألزم ضد ما اشترط ،وأما حكم ضمان المال :فإن
الفقهاء متفقون على أنه إذا عدم المضمون أو غاب أن الضامن غارم
واختلفوا إذا حضر الضامن والمضمون وكالهما موسر؟ فقال الجمهور :للطالب أن يؤاخذ من شاء
من الكفيل ،أو المكفول وحجتهم حديث قبيصة بن المخارقي قال« :تحملت حمالة فأتيت النبي
-صلى اهلل عليه وسلم -فسألته عنها ،فقال :نخرجها عنك من إبل الصدقة يا قبيصة ،إن المسألة
ال تحل إال في ثالث ،وذكر رجال تحمل حمالة رجل حتى يؤديها » ووجه الدليل من هذا أن النبي
-صلى اهلل عليه وسلم -أباح المسألة للمتحمل دون اعتبار حال المتحمل عنه ..وقال مالك في
أحد قوليه :ليس له أن يأخذ الكفيل مع وجود المتكفل عنه .وله قول آخر مثل قول الجمهور وقال
أبو ثور :الحمالة ،والكفالة واحدة ،ومن ضمن عن رجل ماال لزمه وبرئ المضمون ،وال يجوز أن
يكون مال واحد على اثنين وبه قال ابن أبي ليلى ،وابن شبرمة.
وأما محل الكفالة :فهي األموال عند جمهور أهل العلم « :-الزعيم غارم» وسواء تعلقت األموال
من قبل أموال ،أو من قبل حدود ،مثل المال الواجب في قتل الخطأ ،أو السرقة التي ليس يتعلق
بها قطع ،وروي عن أبي حنيفة إجازة الكفالة في الحدود والقصاص قال عثمان البتي .في القصاص
فقط
أما وقت وجوب مطالبة الكفالة بالمال فأجمع العلماء على أن ذلك بعد ثبوت الحق على المكفول
إما بإقرار وإما ببينة.
وأما وقت وجوب الكفالة بالوجه :فاختلفوا هل تلزم قبل إثبات الحق أم ال؟ فقال قوم :إنها ال تلزم
قبل إثبات الحق بوجه من الوجوه ،وبه قال سحنون من أصحاب مالك .وبعض العلماء وقال قوم:
49
بل يجب أخذ الكفيل بالوجه على إثبات الحق واختلفوا في المدة ومتى يلزم فقال قوم :إن أتى
بشبهة قوية مثل شاهد فال تلزم لزمه أن يعطي ضامنا بوجهه وإال لم يلزمه الكفيل وهو قول ابن
القاسم وقال أهل العراق :ال يؤخذ عليهم حميل قبل ثبوت الحق إال أن يدعي بينة حاضرة في
المصر نحو قول ابن القاسم ،إال أنهم حدوا ذلك بالثالثة األيام
وسبب هذا االختالف :تعارض وجه العدل بين الخصمين
فأما أصناف المضمونين الحي ال خالف فيه أما الميت اختلفوا الشافعي ومالك أن عليه الضمان
«أن النبي صلى اهلل كان في صدر اإلسالم ال يصلي على من مات وعليه دين حتى يضمن عنه» .
أبو حنيفة ال ضمان عليه واستدل أن الضمان ال يتعلق بمعدوم قطعا والجمهور يصح عندهم وال
يصح عند أبي حنيفة كفالة المحبوس والغائب،
.وأما شروط الكفالة فإن أبا حنيفة والشافعي يشترطان في وجوب رجوع الضامن على المضمون بما
أدى عنه ومالك ال يشترط ذلك.وال تجوز عند الشافعي كفالة المجهول وتجوز عند مالك
وأما ما تجوز فيه الحمالة بالمال مما ال تجوز :فإنها تجوز عند مالك بكل مال ثابت في الذمة إال
الكتابة
7الحوالة :
تعريفها :هي نقل الدين من ذمة بمثله إلى أخرى تبرأ به األولى " وهي معاملة صحيحة مستثناة من
الدين بالدين،لقوله صلى اهلل « .مطل الغني ظلم ،وإذا أحيل أحدكم على غني فليستحل»
50
رضا من يعتبر في الحوالة مالك اعتبر رضا المحال ولم يعتبر المحال عليه ومن الناس من اعتبر
رضاهما معا.ومن الناس من لم يعتبر رضا المحال ،واعتبر رضا المحال عليه ،وهو نقيض مذهب
مالك ،وبه قال داود وحجة مالك رأى أنها معاملة اعتبر رضا الصنفين ،داوود أنزل المحال عليه
منزلة المحيل و لم يعتبر رضاه معه لقوله صلى اهلل «إذا أحيل أحدكم على مليء فليتبع»
الشروط التي اتفق عليها :كون ما على المحال عليه مجانسا لما على المحيل قدرا ووصفا ،إال أن
منهم من أجازها في الذهب والدراهم فقط ،ومنعها في الطعام والذين منعوها في ذلك رأوا أنها من
باب بيع الطعام قبل أن يستوفى وأجاز ذلك مالك إذا كان الطعامان كالهما من قرض بشرط أن
يكون دين المحال حاال .وأما إن كان أحدهما من سلم فإنه ال يجوز ،إال أن يكون الدينان حالين;
وعند ابن القاسم يجوز ذلك إذا كان الدين المحال به حاال; الشافعي ولم يفرق بين ذلك ; ألنه
كالبيع في ضمان المستقرض.وعلل ابن رشد فقال وإنما رخص مالك في القرض; ألنه يجوز عنده
بيع القرض قبل أن يستوفى وأما أبو حنيفة :فأجاز الحوالة بالطعام ،وشبهها بالدراهم وسبب الخالف
مبني على أن ما شذ عن األصول هل يقاس عليه أم ال؟
أحدها :أن يكون دين المحال حاال; ألنه إن لم يكن حاال كان دينا بدين.
والثاني :أن يكون الدين الذي يحيله به مثل الذي يحيله عليه في القدر والصفة
الثالث :أن ال يكون الدين طعاما من سلم أو أحدهما ،وإذا كان الطعامان جميعا من سلم فال تجوز
الحوالة فيهما ،حلت اآلجال أو لم تحل ،أو حل أحدهما ولم يحل اآلخر; ألنه يدخله بيع الطعام
قبل أن يستوفى لكن أشهب يقول :إن استوت رءوس أموالهما جازت الحوالة وكانت تولية وابن
51
القاسم ال يجوز له من ذلك إال ما يجوز له مع الذي أحاله وما يجوز للذي أحال مع الذي أحاله
عليه
أحكامها :فإن جمهور العلماء على أن الحوالة ضد الكفالة في أنه إذا أفلس المحال عليه لم يرجع
صاحب الدين على المحيل بشيء .قال مالك ،وأصحابه :إال أن يكون المحيل غره فأحاله على
عديم .وقال أبو حنيفة :يرجع صاحب الدين على المحيل إذا مات مفلسا ،أو جحد الحوالة وإن لم
تكن له بينة ،وبه ،وجماعة.وسبب اختالفهم :مشابهة الحوالة للحمالة.
8الوكالة
الوكالة عرفها ابن عرفة بقوله" :نيابة ذي حق غير ذي امرأة وال عبادة ،لغيره فيه ،غير
مشروطة بموته".
الباب األول :في أركانها ،وهي النظر فيما فيه التوكيل ،وفي الموكل.
الباب األول :في أركانها ،وهي النظر فيما فيه التوكيل ،وفي الموكل ،وفي الموكل.
52
ما اتفقوا عليه من الشروط واتفقوا على وكالة الغائب والمريض والمرأة المالكين ألمور
أنفسهم.
فقال مالك :تجوز وكالة الحاضر الصحيح الذكر ،وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة :ال تجوز وكالة الصحيح الحاضر وال المرأة إال أن تكون برزة.
فمن رأى أن األصل ال ينوب فعل الغير عن فعل الغير إال ما دعت إليه الضرورة ،
وانعقد اإلجماع عليه قال :ال تجوز نيابة من اختلف في نيابته .ومن رأى أن األصل
هو الجواز قال :الوكالة في كل شيء جائزة إال فيما أجمع على أنه ال تصح فيه من
العبادات وما جرى مجراها.
وشرط الوكيل أن ال يكون ممنوعا بالشرع من تصرفه في الشيء الذي وكل فيه ،فال
يصح توكيل الصبي وال المجنون وال المرأة عند مالك والشافعي على عقد النكاح.
أما عند الشافعي فال بمباشرة وال بواسطة :أي بأن توكل هي من يلي عقد النكاح
ويجوز عن مالك بالواسطة الذكر.
وشرط محل التوكيل أن يكون قابال للنيابة مثل البيع والحوالة والضمان وسائر العقود
والفسوخ والشركة والوكالة والمصارفة والمجاعلة والمساقاة والطالق والنكاح والخلع
والصلح
53
ماال يصح فيه التوكيل
وقال الشافعي في أحد قوليه :ال تجوز على اإلقرار ،وشبه ذلك بالشهادة واأليمان.
وتجوز الوكالة على استيفاء العقوبات عند مالك ،وعند الشافعي مع الحضور قوالن.
والذين قالوا :إن الوكالة تجوز على اإلقرار اختلفوا في مطلق الوكالة على الخصومة
هل يتضمن اإلقرار أم ال؟ فقال مالك :ال يتضمن .وقال أبو حنيفة :يتضمن.
وهي عقد يلزم باإليجاب والقبول كسائر العقود ،وليست هي من العقود الالزمة بل
الجائزة .وهي ضربان عند مالك :عامة وخاصة ،فالعامة هي التي تقع عنده بالتوكيل
العام الذي ال يسمى فيه شيء دون شيء ،وذلك أنه إن سمى عنده لم ينتفع بالتعميم
والتفويض ،وقال الشافعي :ال تجوز الوكالة بالتعميم وهي غرر ،وإنما يجوز منها ما
سمي وحدد ونص عليه ،وهو األقيس إذ كان األصل فيها المنع ،إال ما وقع عليه
اإلجماع.
-1فأما هذا العقد فهو كما قلنا عقد غير الزم؛ للوكيل أن يدع الوكالة متى شاء عند
الجميع ،لكن أبو حنيفة يشترط في ذلك حضور الموكل ،وللموكل أن يعزله متى شاء.
54
قالوا :إال أن تكون وكالة في خصومة .وقال أصبغ :له ذلك ما لم يشرف على تمام
الحكم ،وليس للوكيل أن يعزل نفسه في الموضع الذي ال يجوز أن يعزله الموكل.
وليس من شروط انعقاد هذا العقد حضور الخصم عند مالك والشافعي.
وقال أبو حنيفة :ذلك من شروطه .وكذلك ليس من شرط إثباتها عند الحاكم حضوره
عند مالك .وقال الشافعي :من شرطه.
والثاني أنها تنفسخ في حق كل واحد منهم بالعلم ،فمن علم انفسخت في حقه ،ومن
لم يعلم لم تنفسخ في حقه.
والثالث :أنها تنفسخ في حق عامل الوكيل بعلم الوكيل وإن لم يعلم هو ،وال تنفسخ
في حق الوكيل بعلم الذي عامله إذا لم يعلم الوكيل ،ولكن من دفع إليه شيئا بعد
العلم بعزله ضمنه ،ألنه دفع إلى من يعلم أنه ليس بوكيل.
-أحدها :إذا وكل على بيع شيء هل يجوز له أن يشتريه لنفسه؟ فقال مالك :يجوز،
وقد قيل عنه :ال يجوز ،وقال الشافعي :ال يجوز ،وكذلك عند مالك األب والوصي.
55
-ومنها إذا وكله في البيع وكالة مطلقة لم يجز له عند مالك أن يبيع إال بثمن مثله
نقدا بنقد البلد ،وال يجوز إن باع نسيئة ،أو بغير نقد البلد ،أو بغير ثمن المثل،
وكذلك األمر عنده في الشراء .وفرق أبو حنيفة بين البيع والشراء لمعين ،فقال:
يجوز في البيع أن يبيع بغير ثمن المثل ،وأن يبيع نسيئة ،ولم يجز إذا وكله في شراء
عبد بعينه أن يشتريه إال بثمن المثل نقدا ،ويشبه أن يكون أبو حنيفة إنما فرق بين
الوكالة على شراء شيء بعينه ،ألن من حجته أنه كما أن الرجل قد يبيع بأقل من ثمن
مثله ونساء لمصلحة يراها في ذلك كله ،كذلك حكم الوكيل إذ قد أنزله منزلته ،وقول
الجمهور أبين.
وإذا اشترى الوكيل شيئا وأعلم أن الشراء للموكل فالملك ينتقل إلى الموكل ،وقال
أبو حنيفة :إلى الوكيل أوال ثم إلى الموكل.
وإذا دفع الوكيل دينا عن الموكل ولم يشهد فأنكر الذي له الدين القبض ضمن
الوكيل.
-1فإذا اختلفا في ضياع المال ،فقال الوكيل :ضاع مني ،وقال الموكل :لم يضع،
فالقول قول الوكيل إن كان لم يقبضه ببينة ،فإن كان المال قد قبضه الوكيل من غريم
الموكل ولم يشهد الغريم على الدفع لم يبرأ الغريم بإقرار الوكيل عند مالك وغرم
56
ثانية ،وهل يرجع الغريم على الوكيل؟ فيه خالف ،وإن كان قد قبضه ببينة برئ ولم
يلزم الوكيل شيء.
-2وأما إذا اختلفا في الدفع ،فقال الوكيل :دفعته إليك ،وقال الموكل :ال ،فقيل
القول قول الوكيل .وقيل :القول قول الموكل .وقيل إن تباعد ذلك فالقول قول
الوكيل.
-3وأما اختالفهم في مقدار الثمن الذي به أمره بالشراء ،فقال ابن القاسم :إن لم
تفت السلعة فالقول قول المشتري ،وإن فاتت فالقول قول الوكيل ،وقيل يتحالفان،
وينفسخ البيع ويتراجعان ،وإن فاتت بالقيمة.
وإن كان اختالفهم في مقدار الثمن الذي أمره به في البيع ،فعند ابن القاسم أن القول
فيه قول الموكل ؛ ألنه جعل دفع الثمن بمنزلة فوات السلعة في الشراء.
-4وأما إذا اختلفا فيمن أمره بالدفع ففي المذهب فيه قوالن :المشهور أن القول
قول المأمور ،وقيل القول قول اآلمر.
-5وأما إذا فعل الوكيل فعال هو تعد ،وزعم أن الموكل أمره ،فالمشهور أن القول
قول الموكل ،وقد قيل إن القول قول الوكيل :إنه قد أمره؛ ألنه قد ائتمنه على الفعل.
57
9كتاب اللقطة
تعريفها :اللقطة بضم الالم وفتح القاف ما يلتقط ،وأصل االلتقاط وجود الشيء على غري
طلب ؛ وحدها ابن عرفة بقوله "مال وجد بغري حرز حمرتما ليس حيوانا ناطقا وال نعما" أو
هي ":كل مال ملسلم معرض للضياع كان ذلك يف عامر األرض أو غامرها ،واجلماد
واحليوان يف ذلك سواء إال اإلبل باتفاق.
فقال أبو حنيفة :األفضل االلتقاط ؛ ألنه من الواجب على املسلم أن حيفظ مال أخيه
املسلم ،وبه قال الشافعي.
وقال مالك وجماعة بكراهية االلتقاط ،وروي عن ابن عمر وابن عباس ،وبه قال أمحد،
وذلك ألمرين :أحدمها ما روي أنه -صلى اهلل عليه وسلم -قال «ضالة املدمن حرق
النار» .وملا خياف أيضا من التقصري يف القيام مبا جيب هلا من التعريف وترك التعدي عليها،
وتأول الذين رأوا االلتقاط أول احلديث ،وقالوا :أراد بذلك االنتفاع هبا ال أخذها للتعريف،
وقال قوم :بل لقطها واجب.
وقد قيل :إن هذا االختالف إذا كانت اللقطة بين قوم مأمونين واإلمام عادل .قالوا:
وإن كانت اللقطة بني قوم غري مأمونني واإلمام عادل فواجب التقاطها ،وإن كانت بني قوم
58
مأمونني واإلمام جائر ،فاألفضل أن ال يلتقطها ،وإن كانت بني قوم غري مأمونني واإلمام
غري عادل فهو خمري حبسب ما يغلب على ظنه من سالمتها أكثر من أحد الطرفني.
وهذا كله ما عدا لقطة الحاج ،فإن العلماء أجمعوا على أنه ال يجوز التقاطها لنهيه -
عليه الصالة والسالم -عن ذلك ،ولقطة مكة أيضا ال جيوز التقاطها إال ملنشد؛ لورود
النص يف ذلك ،واملروي يف ذلك لفظان :أحدمها أنه ال ترفع لقطتها إال ملنشد .والثاين :ال
يرفع لقطتها إال منشد ،فاملعىن الواحد أهنا ال ترفع إال ملن ينشدها ،واملعىن الثاين ال يلتقطها
إال من ينشدها ليعرف الناس .وقال مالك :تعرف هاتان اللقطتان أبدا.
الملتقط:
-2فأما الملتقط فهو كل حر مسلم بالغ ألنها والية ،واختلف عن الشافعي يف جواز
التقاط الكافر .قال أبو حامد :واألصح جواز ذلك يف دار اإلسالم ،قال :ويف أهلية العبد
والفاسق له قوالن :فوجه املنع عدم أهلية الوالية ،ووجه اجلواز عموم أحاديث اللقطة.
واألصل في اللقطة حديث يزيد بن خالد اجلهين ،وهو متفق على صحته أنه قال« :جاء
رجل إىل رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -فسأله عن اللقطة ،فقال :اعرف عفاصها
ووكاءها مث عرفها سنة ،فإن جاء صاحبها وإال فشأنك هبا ،قال :فضالة الغنم يا رسول اهلل؟
قال :هي لك أو ألخيك أو للذئب ،قال :فضالة اإلبل؟ قال :ما لك وهلا معها سقاؤها
وحذاؤها ترد املاء وتأكل الشجر حىت يلقاها رهبا»
فأما اإلبل فاتفقوا على أنها ال تلتقط ،واتفقوا على الغنم أنها تلتقط ،وترددوا في
البقر ،والنص عن الشافعي أنها كاإلبل ،وعن مالك أنها كالغنم ،وعنه خالف.
59
أحكام اللقطة :والمدة:
1وأما حكم التعريف ،فاتفق العلماء على التعريف بها سنة ما لم تكن من الغنم.
2اختلفوا في حكمها بعد السنة ،فاتفق فقهاء األمصار مالك والثوري ،واألوزاعي ،وأبو
حنيفة ،والشافعي ،وأمحد ،وأبو عبيد ،وأبو ثور إذا انقضت كان له أن يأكلها إن كان
فقريا ،أو يتصدق هبا إن كان غنيا ،فإن جاء صاحبها كان خمريا بني أن جييز الصدقة فينزل
على ثواهبا أو يضمنه إياها.
فقال مالك والشافعي :له ذلك ،وقال أبو حنيفة :ليس له أن يأكلها أو يتصدق هبا ،وروي
مثل قوله عن علي وابن عباس ومجاعة من التابعني .وقال األوزاعي :إن كان ماال كثريا جعله
يف بيت املال ،وروي مثل قول مالك والشافعي عن عمر وابن مسعود وابن عمر وعائشة.
وكلهم متفقون على أنه إن أكلها ضمنها لصاحبها إال أهل الظاهر.
واستدل مالك والشافعي بقوله -عليه الصالة والسالم « :-فشأنك هبا» ومل يفرق بني
غين وفقري .ومن احلجة هلما ما رواه البخاري والرتمذي عن سويد بن غفلة قال« :لقيت
أويس بن كعب فقال :وجدت صرة فيها مائة دينار ،فأتيت النِب -صلى اهلل عليه وسلم
-فقال :عرفها حوال ،فعرفتها فلم أجد ،مث أتيته ثالثا فقال :احفظ وعاءها ووكاءها ،فإن
جاء صاحبها وإال فاستمتع هبا» وخرج الرتمذي وأبو داود " فاستنفقها ".
فسبب الخالف معارضة ظاهر لفظ حديث اللقطة ألصل الشرع ،وهو أنه ال يحل
مال امرئ مسلم إال عن طيب نفس منه.
60
فمن غلب هذا األصل على ظاهر الحديث ،وهو قوله بعد التعريف «فشأنك بها»
قال :ال يجوز فيها تصرف إال بالصدقة فقط على أن يضمن إن لم يجز صاحب
اللقطة الصدقة ،ومن غلب ظاهر الحديث على هذا األصل ورأى أنه مستثنى عنه،
قال :تحل له بعد العام وهي مال من ماله ال يضمنها إن جاء صاحبها .ومن توسط
قال :يتصرف بعد العام فيها وإن كانت عينا على جهة الضمان.
-2وأما حكم دفع اللقطة لمن ادعاها ،فاتفقوا على أهنا ال تدفع إليه إذا مل يعرف
العفاص وال الوكاء.
واختلفوا إذا عرف ذلك هل حيتاج إىل بينة أم ال؟ فقال مالك :يستحق بالعالمة وال حيتاج
إىل بينة ،وقال أبو حنيفة ،والشافعي :ال يستحق إال ببينة.
وسبب الخالف معارضة األصل في اشتراط الشهادة في صحة الدعوى لظاهر هذا
الحديث.
فمن غلب األصل قال :ال بد من البينة ،ومن غلب ظاهر الحديث ،قال :ال يحتاج
إلى بينة.
وإنما اشترط الشهادة في ذلك الشافعي ،وأبو حنيفة ألن قوله -عليه الصالة والسالم
« -اعرف عفاصها ووكاءها ; فإن جاء صاحبها وإال فشأنك هبا» حيتمل أن يكون إمنا
أمره بذلك ليدفعها لصاحبها بالعفاص والوكاء ،فلما وقع االحتمال وجب الرجوع إىل
األصل ،فإن األصول ال تعارض باالحتماالت املخالفة هلا إال أن تصح الزيادة اليت نذكرها
بعد
61
هل البد من صفة الدنانير وعددها؟
وعند مالك وأصحابه أن على صاحب اللقطة أن يصف مع العفاص والوكاء صفة
الدنانير والعدد ،قالوا :وذلك موجود يف بعض روايات احلديث ،ولفظه« :فإن جاء
صاحبها ووصف عفاصها ووكاءها وعددها فادفعها إليه» قالوا :ولكن ال يضره اجلهل
بالعدد إذا عرف العفاص والوكاء ،وكذلك إن زاد فيه.
-3واختلفوا إن نقص من العدد على قولين ،وكذلك اختلفوا إذا جهل الصفة وجاء
بالعفاص والوكاء .وأما إذا غلط فيها فال شيء له .وأما إذا عرف إحدى العالمتني اللتني
وقع النص عليهما وجهل األخرى فقيل إنه ال شيء له إال مبعرفتهما مجيعا ،وقيل يدفع إليه
بعد االسترباء ،وقيل إن ادعى اجلهالة استربئ ،وإن غلط مل تدفع إليه.
-4واختلف المذهب إذا أتى بالعالمة المستحقة هل يدفع إليه بيمين أو بغير يمين؟
فقال ابن القاسم بغير يمين :وقال أشهب :بيمين.
-5وأما ضالة الغنم ،فإن العلماء اتفقوا على أن لواجد ضالة الغنم في المكان القفر
البعيد من العمران أن يأكلها «لقوله -عليه الصالة والسالم -يف الشاة " :هي لك أو
ألخيك أو للذئب».
واختلفوا هل يضمن قيمتها لصاحبها أم ال؟ فقال مجهور العلماء إنه يضمن قيمتها ،وقال
مالك يف أشهر األقاويل عنه :إنه ال يضمن.
وسبب الخالف معارضة الظاهر كما قلنا لألصل المعلوم من الشريعة ،إال أن مالكا
هنا غلب الظاهر فجرى على حكم الظاهر ،ومل جيز كذلك التصرف فيما وجب تعريفه بعد
62
العام لقوة اللفظ هاهنا ،وعنه رواية أخرى أنه يضمن ،وكذلك كل طعام ال يبقى إذا خشي
عليه التلف إن تركه.
وتحصيل مذهب مالك عند أصحابه في ذلك أنها على ثالثة أقسام:
- 1قسم يبقى في يد ملتقطه ويخشى عليه التلف إن ترك كالشاة في القفر ،والطعام
الذي يسرع إليه الفساد.
فأما القسم األول ،وهو ما يبقى في يد ملتقطه ويخشى عليه التلف ،فإنه ينقسم إلى
ثالثة أقسام:
أحدها :أن يكون يسيرا ال بال له وال قدر لقيمته ،ويعلم أن صاحبه ال يطلبه لتفاهته،
فهذا ال يعرف عنده ،وهو لمن وجده.
واألصل يف ذلك ما روي «أن رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -مر بتمرة يف الطريق
فقال :لوال أن تكون من الصدقة ألكلتها » ،ومل يذكر فيها تعريفا ،وهذا مثل العصا
والسوط ،وإن كان أشهب قد استحسن تعريف ذلك.
والثاني :أن يكون يسيرا إال أن له قدرا ومنفعة ،فهذا ال خالف يف املذهب يف تعريفه،
واختلفوا يف قدر ما يعرف ،فقيل سنة ،وقيل أياما.
وأما الثالث فهو أن يكون كثيرا أو له قدر ،فهذا ال اختالف في وجوب تعريفه حوال.
63
وأما القسم الثاني :وهو ما ال يبقى بيد ملتقطه ويخشى عليه التلف ،فإن هذا يأكله
غنيا كان أم فقريا ،وهل يضمن؟ فيه روايتان كما قلنا :األشهر أن ال ضمان عليه.
واختلفوا إن وجد ما يسرع إليه الفساد يف احلاضرة ،فقيل ال ضمان عليه ،وقيل عليه
الضمان ،وقيل بالفرق بني أن يتصدق به فال يضمن ،أو يأكله فيضمن.
وأما القسم الثالث :فهو كاإلبل ،أعين أن االختيار عنده فيه الرتك للنص الوارد يف ذلك،
فإن أخذها وجب تعريفها ،واالختيار تركها ،وقيل يف املذهب هو عام يف مجيع األزمنة،
وقيل إمنا هو يف زمان العدل ،وأن األفضل يف زمان غري العدل التقاطها.
فإن العلماء اتفقوا على أن من التقطها وأشهد على التقاطها فهلكت عنده أنه غري ضامن.
واختلفوا إذا مل يشهد ،فقال مالك ،والشافعي ،وأبو يوسف ،وحممد بن احلسن :ال ضمان
عليه إن مل يضيع وإن مل يشهد ،وقال أبو حنيفة ،وزفر :يضمنها إن هلكت ومل يشهد.
واستدل مالك والشافعي بأن اللقطة وديعة فال ينقلها ترك اإلشهاد من األمانة إىل الضمان،
قالوا :وهي وديعة مبا جاء من حديث سليمان بن بالل وغريه أنه قال :إن جاء صاحبها
وإال فلتكن وديعة عندك.
واستدل أبو حنيفة وزفر حبديث مطرف بن الشخري ،عن عياض بن محار قال :قال رسول
اهلل -صلى اهلل عليه وسلم « :-من التقط لقطة فليشهد ذوي عدل عليها وال يكتم وال
يعنت ،فإن جاء صاحبها فهو أحق هبا ،وإال فهو مال اهلل يدتيه من يشاء» .
64
وتحصيل المذهب في ذلك أن واجد اللقطة عند مالك ال يخلو التقاطه لها من ثالثة
أوجه:
والثالث :أن يأخذها ال على جهة االلتقاط وال على جهة االغتيال.
وأما إذا قبضها مغتاال لها فهو ضامن لها ،ولكن ال يعرف هذا الوجه إال من قبله.
فإن أخذها على جهة االلتقاط فهي أمانة عنده ،عليه حفظها وتعريفها ،فإن ردها بعد
أن التقطها ،فقال ابن القاسم :يضمن ،وقال أشهب :ال يضمن إذا ردها يف موضعها ،فإن
ردها يف غري موضعها ضمن كالوديعة ،والقول قوله يف تلفها دون ميني إال أن يتهم.
وأما الوجه الثالث ،فهو مثل أن جيد ثوبا فيأخذه ،وهو يظنه لقوم بني يديه ليسأهلم عنه،
فهذا إن مل يعرفوه وال ادعوه كان له أن يرده حيث وجده وال ضمان عليه باتفاق عند
أصحاب مالك.
.
-7واختلفوا هل يرجع الملتقط بما أنفق على اللقطة على صاحبها أم ال؟
فقال اجلمهور :ملتقط اللقطة متطوع حبفظها فال يرجع بشيء من ذلك على صاحب
اللقطة.
وقال الكوفيون :ال يرجع مبا أنفق إال أن تكون النفقة عن إذن احلاكم ،وهذه املسألة هي
من أحكام االلتقاط.
65
باب في اللقيط.
وعرفه ابن عرفة بقوله " صغير آدمي لم يُعلم أبوه وال رقه "
وقال الشافعي :كل شيء ضائع ال كافل له فالتقاطه من فروض الكفايات ،ويف وجوب
اإلشهاد عليه خيفة االسرتقاق خالف ،واخلالف فيه مبين على االختالف يف اإلشهاد على
اللقطة.
واللقيط :هو الصبي الصغير غير البالغ ،وإن كان مميزا ،ففيه يف مذهب الشافعي تردد.
والملتقط :هو كل حر عدل رشيد ،وليس العبد والمكاتب بملتقط ،والكافر دون
املسلم ؛ ألنه ال والية له عليه ،ويلتقط املسلم الكافر ،وينزع من يد الفاسق واملبذر.
وليس من شرط الملتقط الغنى ،نفقة اللقيط وال تلزم نفقة الملتقط على من التقطه،
وإن أنفق لم يرجع عليه بشيء.
وأما أحكامه ،فإنه يحكم له بحكم اإلسالم إن التقطه في دار المسلمين ،وحيكم
للطفل باإلسالم حبكم أبيه عند مالك ،وعند الشافعي حبكم من أسلم منهما ،وبه قال ابن
وهب من أصحاب مالك.
وقد اختلف يف اللقيط فقيل إنه عبد ملن التقطه ،وقيل إنه حر ووالؤه ملن التقطه ،وقيل إنه
حر ووالؤه للمسلمني ،وهو مذهب مالك .والذي تشهد له األصول إال أن يثبت يف ذلك
66
أثر ختصص به األصول مثل قوله -عليه الصالة والسالم « :-ترث املرأة ثالثة :لقيطها
وعتيقها وولدها الذي العنت عليه» .
11الوديعة
الوديعة في اصطالح الفقهاء اسم لما يودع ،مأخوذة من الودع وهو الترك ومنه قوله
تعالى {ما ودعك ربك وما قلى} وهي لغة األمانة وتطلق على االستنابة في الحفظ،
وذلك يعم حق اهلل وحق اآلدمي ،اإليداع مصدر وهو توكيل بحفظ مال ،أو استنابة
في حفظ مال.
-1فمنها :أنهم اتفقوا على أنها أمانة ال مضمونة ،إال ما حكي عن عمر بن اخلطاب.
قال املالكيون :والدليل على أهنا أمانة أن اهلل أمر برد األمانات ومل يأمر باإلشهاد ،فوجب
أن يصدق املستودع الذي توضع عنده يف دعواه رد الوديعة مع ميينه إن كذبه املودع.
قالوا :إال أن يدفعها إليه ببينة ،فإنه ال يكون القول قوله ،قالوا :ألهنا إذا دفعها إليه ببينة
فكأنه ائتمنه على حفظها ومل يأمتنه على ردها ،فيصدق يف تلفها وال يصدق على ردها،
هذا هو املشهور عن مالك وأصحابه.
67
وقد قيل عن ابن القاسم :إن القول قوله وإن دفعها إليه ببينة ،وبه قال الشافعي وأبو
حنيفة ،وهو القياس ؛ألنه فرق بني التلف ودعوى الرد ،ويبعد أن تنتقض األمانة ،وهذا
فيمن دفع األمانة إىل اليد اليت دفعتها إليه.
-2وأما من دفعها إلى غير اليد التي دفعتها إليه ،فعليه ما على ويل اليتيم من اإلشهاد
عند مالك ،وإال ضمن ،يريد قول اهلل -عز وجل { :-فإذا دفعتم إليهم أمواهلم فأشهدوا
عليهم} ؛ فإن أنكر القابض القبض فال يصدق املستودع يف الدفع عند مالك وأصحابه إال
ببينة.
وقد قيل إنه يتخرج من املذهب أنه يصدق يف ذلك ،وسواء عند مالك أمر صاحب الوديعة
بدفعها إىل الذي دفعها أو مل يأمر.
وقال أبو حنيفة :إن كان ادعى دفعها إىل من أمره بدفعها ؛ فالقول قول املستودع مع ميينه.
فإن أقر المدفوع إليه بالوديعة( ،أعني :إذا كان غير المودع) وادعى التلف ،فال خيلو
أن يكون املستودع دفعها إىل أمانة (وهو وكيل املستودع) أو إىل ذمة.
فإن كان القابض أمينا فاختلف يف ذلك قول ابن القاسم ،فقال مرة :يربأ الدافع بتصديق
القابض ،وتكون املصيبة من اآلمر الوكيل بالقبض ،ومرة قال :ال يربأ الدافع إال بإقامة
البينة على الدفع أو يأيت القابض باملال.
وأما إن دفع إلى ذمة ،مثل أن يقول رجل للذي عنده الوديعة ادفعها إيل سلفا أو تسلفا
يف سلعة أو ما أشبه ذلك ،فإن كانت الذمة قائمة برئ الدافع يف املذهب من غري خالف،
وإن كانت الذمة خربة ،فقوالن.
68
والسبب في هذا االختالف كله أن األمانة تقوي دعوى المدعي حتى يكون القول
قوله مع يمينه.
فمن شبه أمانة الذي أمره المودع أن يدفعها إليه (أعني :الوكيل) بأمانة المودع عنده،
قال :يكون القول قوله في دعواه التلف ،كدعوى المستودع عنده.
ومن رأى أن تلك األمانة أضعف ،قال :ال يبرأ الدافع بتصديق القابض مع دعوى
التلف.
ومن رأى المأمور بمنزلة اآلمر قال :القول قول الدافع للمأمور ،كما كان القول قوله
مع اآلمر ،وهو مذهب أبي حنيفة.
ومن رأى أنه أضعف منه ،قال :الدافع ضامن إال أن يحضر القابض المال.
-3وإذا أودعها بشرط الضمان ،فاجلمهور على أنه ال يضمن ،وقال الغري :يضمن.
وباجلملة فالفقهاء يرون بأمجعهم أنه ال ضمان على صاحب الوديعة إال أن يتعدى،
وخيتلفون يف أشياء هل هي تعد أم ليس بتعد؟
-4إذا أنفق الوديعة ،ثم رد مثلها ،أو أخرجها لنفقته ثم ردها ،فقال مالك :يسقط عنه
الضمان حبالة مثل إذا ردها.
وقال أبو حنيفة :إن ردها بعينها قبل أن ينفقها مل يضمن ،وإن رد مثلها ضمن ،وقال عبد
امللك والشافعي :يضمن يف الوجهني مجيعا.
فمن غلظ األمر ضمنه إياها بتحريكها ونية استنفاقها ،ومن رخص لم يضمنها إذا أعاد
مثلها.
69
-5ومنها :اختالفهم في السفر بها ،فقال مالك :ليس له أن يسافر هبا إال أن تعطى له
يف سفر ،وقال أبو حنيفة :له أن يسافر هبا إذا كان الطريق آمنا ومل ينهه صاحب الوديعة.
-6ومنها أنه ليس للمودع عنده أن يودع الوديعة غيره من غير عذر ،فإن فعل ضمن،
وقال أبو حنيفة :إن أودعها عند من تلزمه نفقته مل يضمن ؛ ألنه شبهه بأهل بيته .وعند
مالك له أن يستودع ما أودع عند عياله الذين يأمنهم ،وهم حتت غلقه من زوج أو ولد أو
أمة ومن أشبههم.
وبالجملة فعند الجميع أنه يجب عليه أن يحفظها مما جرت به عادة الناس أن تحفظ
أموالهم ،فما كان بينا من ذلك أنه حفظ اتفق عليه ،وما كان غير بين أنه حفظ
اختلف فيه ،مثل اختالفهم يف املذهب فيمن جعل وديعة يف جيبه فذهبت ،واألشهر أنه
يضمن.
وعند ابن وهب أن من أودع وديعة يف املسجد فجعلها على نعله فذهبت أنه ال ضمان
عليه.
وإذا أراد السفر فله عند مالك أن يودعها عند ثقة من أهل البلد ،وال ضمان عليه قدر
على دفعها إىل احلاكم أو مل يقدر .واختلف يف ذلك أصحاب الشافعي ،فمنهم من يقول:
إن أودعها لغري احلاكم ضمن.
70
-7وقبول الوديعة عند مالك ال يجب في حال ،ومن العلماء من يرى أنه واجب إذا مل
جيد املودع من يودعها عنده.
-8وال أجر للمودع عنده على حفظ الوديعة ،وما تحتاج إليه من مسكن أو نفقة
فعلى ربها.
-9فيمن أودع ماال فتعدى فيه واتجر به فربح فيه ،هل ذلك الربح حالل له أم ال؟ .
فقال مالك ،والليث ،وأبو يوسف وجماعة :إذا رد المال طاب له الربح ،وإن كان
غاصبا للمال فضال عن أن يكون مستودعا عنده.
وقال أبو حنيفة ،وزفر ومحمد بن الحسن :يؤدي األصل ويتصدق بالربح.
وقال قوم :لرب الوديعة األصل والربح ،وقال قوم :هو مخير بين األصل والربح،
وقال قوم :البيع الواقع في تلك التجارة فاسد ،وهدالء هم الذين أوجبوا التصدق بالربح
إذا مات.
فمن اعتبر التصرف ،قال :الربح للمتصرف ،ومن اعتبر األصل ،قال :الربح لصاحب
المال .ولذلك ملا أمر عمر -رضي اهلل عنه -ابنيه عبد اهلل وعبيد اهلل أن يصرفا املال
الذي أسلفهما أبو موسى األشعري من بيت املال ،فاجترا فيه فرحبا ،قيل له :لو جعلته
قراضا ،فأجاب إىل ذلك،ألنه قد روي أنه قد حصل للعامل جزء ولصاحب املال جزء ،وأن
ذلك عدل.
71
11العارية
العارية واإلعارة مصدر أعرت املتاع إعارة ،واالسم منه عارية بتشديد الياء كأهنا منسوبة إىل
العار ؛ ألن طلبها عار وقد حدها ابن عرفة فقال ":تمليك منفعة مؤقتة ال بعوض " أو
هي " مال ذو منفعة مؤقتة ملكت بغير عوض".
-1أما اإلعارة :فهي فعل خري ومندوب إليه ،وقد شدد فيها قوم من السلف األول .روي
عن عبد اهلل بن عباس وعبد اهلل بن مسعود أهنما قاال يف قوله تعاىل{ :ومينعون املاعون} أنه
متاع البيت الذي يتعاطاه الناس بينهم من الفأس والدلو واحلبل والقدر وما أشبه ذلك.
-2وأما المعير :فال يعترب فيه إال كونه مالكا للعارية إما لرقبتها وإما ملنفعتها ،واألظهر أهنا
ال تصلح من املستعري (أعين :أن يعريها) .
-3وأما العارية فتكون يف الدور واألرضني واحليوان ،ومجيع ما يعرف بعينه إذا كانت
منفعته مباحة االستعمال ،ولذلك ال جتوز إباحة اجلواري لالستمتاع .ويكره لالستخدام إال
أن تكون ذات حمرم.
وهي عقد جائز عند الشافعي ،وأبي حنيفة :أي للمعير أن يسترد عاريته إذا شاء.
وقال مالك في المشهور :ليس له استرجاعها قبل االنتفاع ،وإن شرط مدة لزمته من
المدة ما يرى الناس أنه مدة لمثل تلك العارية.
72
وسبب الخالف ما يوجد فيها من شبه العقود الالزمة وغير الالزمة.
-فمنهم من قال :إنها مضمونة وإن قامت البينة على تلفها ،وهو قول أشهب،
والشافعي ،وأحد قويل مالك،
-ومنهم من قال نقيض هذا ،وهو أهنا ليست مضمونة أصال ،وهو قول أيب حنيفة.
-ومنهم من قال :يضمن فيما يغاب عليه إذا لم يكن على التلف بينة ،وال يضمن
فيما ال يغاب عليه ،وال فيما قامت البينة على تلفه ،وهو مذهب مالك المشهور ،وابن
القاسم وأكثر أصحابه.
وسبب الخالف تعارض اآلثار في ذلك ،وذلك أنه ورد في الحديث الثابت أنه قال -
عليه الصالة والسالم -لصفوان بن أمية« :بل عارية مضمونة مؤداة» ،وفي بعضها
«بل عارية مؤداة» ،وروي عنه أنه قال« :ليس على المستعير ضمان» .فمن رجح
وأخذ هبذا أسقط الضمان عنه ،ومن أخذ حبديث صفوان بن أمية ألزمه الضمان ،ومن
ذهب مذهب اجلمع فرق بني ما يغاب عليه وبني ما ال يغاب عليه ،فحمل هذا الضمان
على ما يغاب عليه ،واحلديث اآلخر على ما ال يغاب عليه ،إال أن احلديث الذي فيه
«ليس على املستعري ضمان» غري مشهور ،وحديث صفوان صحيح.
ومن لم ير الضمان شبهها بالوديعة ،ومن فرق قال :الوديعة مقبوضة لمنفعة الدافع،
والعارية لمنفعة القابض.
واتفقوا يف اإلجارة على أهنا غري مضمونة (أعين :الشافعي وأبا حنيفة ومالكا) ،ويلزم
الشافعي إذا سلم أنه ال ضمان عليه يف اإلجارة أن ال يكون ضمان يف العارية إن سلم أن
73
سبب الضمان هو االنتفاع ،ألنه إذا مل يضمن حيث قبض ملنفعتهما فأحرى أن ال يضمن
حيث قبض ملنفعته؛ إذا كانت منفعة الدافع مؤثرة في إسقاط الضمان.
-2واختلفوا إذا شرط الضمان ،فقال قوم :يضمن ،وقال قوم :ال يضمن ،والشرط
باطل ،وجييء على قول مالك إذا اشرتط الضمان يف املوضع الذي ال جيب فيه عليه
الضمان أن يلزم إجارة املثل يف استعماله العارية ؛ ألن الشرط خيرج العارية عن حكم العارية
إىل باب اإلجارة الفاسدة إذا كان صاحبها لم يرض أن يعير إال بأن يخرجها في ضمانه،
فهو عوض مجهول فيجب أن يرد إلى معلوم.
-3واختلف عن مالك والشافعي إذا غرس المستعير وبنى ثم انقضت المدة التي
استعار إليها.
فقال مالك :المالك بالخيار إن شاء أخذ املستعري بقلع غراسته وبنائه ،وإن شاء أعطاه
قيمته مقلوعا إذا كان مما له قيمة بعد القلع ،وسواء عند مالك انقضت املدة احملدودة
بالشرط أو بالعرف أو العادة.
وقال الشافعي :إذا لم يشترط عليه القلع فليس له مطالبته بالقلع ،بل خيري املعري بأن
يبقيه بأجر يعطاه ،أو ينقض بأرش ،أو يتملك ببدل ،فأيها أراد املعري أجرب عليه املستعري،
فإن أىب كلف تفريغ امللك .ويف جواز بيعته للنقض عنده خالف؛ ألنه معرض للنقض.
فرأى الشافعي أخذه املستعري بالقلع دون أرش هو ظلم ،ورأى مالك أن عليه إخالء احملل،
وأن العرف يف ذلك يتنزل منزلة الشروط.
وعند مالك أنه إن استعمل العارية استعماال ينقصها عن االستعمال المأذون فيه ضمن
ما نقصها باالستعمال.
74
-4واختلفوا من هذا الباب في الرجل يسأل جاره أن يعيره جداره ليغرز فيه خشبة
لمنفعته وال تضر صاحب الجدار ،وباجلملة يف كل ما ينتفع به املستعري وال ضرر على
املعري فيه ،فقال مالك وأبو حنيفة :ال يقضى عليه به؛ إذ العارية ال يقضى هبا ،وقال
الشافعي وأمحد ،وأبو ثور ،وداود ومجاعة أهل احلديث :يقضى بذلك.
وحجتهم ما خرجه مالك عن ابن شهاب ،عن األعرج عن أيب هريرة أن رسول اهلل -صلى
اهلل عليه وسلم -قال« :ال مينع أحدكم جاره أن يغرز خشبة يف جداره» ،مث يقول أبو
هريرة :ما يل أراكم عنها معرضني ،واهلل ألرمني هبا بني أكتافكم.
وكذلك حديث عمرو بن حيىي املازين عن أبيه أنه قال :كان يف حائط جدي ربيع لعبد
الرمحن بن عوف ،فأراد أن حيوله إىل ناحية من احلائط ،فمنعه صاحب احلائط ،فكلم عمر
بن اخلطاب ،فقضى لعبد الرمحن بن عوف بتحويله ،وقد عذل الشافعي مالكا إلدخاله
هذه األحاديث في موطئه ،وتركه األخذ بها.
وعمدة مالك ،وأيب حنيفة قوله -عليه الصالة والسالم « :-ال حيل مال امرئ مسلم إال
عن طيب نفس منه».
وعمدة الغري أن عموم هذا خمصص هبذه األحاديث ،وخباصة حديث أيب هريرة.
وعند مالك أهنا حممولة على الندب ،وأنه إذا أمكن أن تكون خمتصة ،وأن تكون على
الندب فحملها على الندب أوىل؛ ألن بناء العام على اخلاص إمنا جيب إذا مل ميكن بينهما
مجع ووقع التعارض.
75
وروى أصبغ عن ابن القاسم :أنه ال يدخذ بقضاء عمر على حممد بن مسلمة يف اخلليج،
ويدخذ بقضائه لعبد الرمحن بن عوف يف حتويل الربيع ،وذلك أنه رأى أن حتويل الربيع أيسر
من أن مير عليه بطريق مل يكن قبل ،وهذا القدر كاف حبسب غرضنا.
كتاب الغصب
الغصب لغة أخذ الشيء ظلما ،وحده ابن عرفة بقوله" أخذ مال غير منفعة ظلما قهرا
ال لخوف قتال"
وأما املوجب للضمان ،فهو إما املباشرة ألخذ املال املغصوب أو إلتالفه ،وإما املباشرة
للسبب املتلف ،وإما إثبات اليد عليه.
واختلفوا في السبب الذي يحصل بمباشرته الضمان إذا تناول التلف بواسطة سبب
آخر ،هل يحصل به ضمان أم ال؟ وذلك مثل أن يفتح قفصا فيه طائر فيطري بعد الفتح،
فقال مالك :يضمنه ،هاجه على الطريان أو مل يهجه .وقال أبو حنيفة :ال يضمن على
حال .وفرق الشافعي بني أن يهيجه على الطريان أو ال يهيجه ،فقال :يضمن إن هاجه،
وال يضمن إن مل يهجه.
ومن هذا من حفر بئرا فسقط فيه شيء فهلك ،فمالك والشافعي يقوالن :إن حفره
حبيث أن يكون حفره تعديا ضمن ما تلف فيه وإال مل يضمن ،وجييء على أصل أيب حنيفة
أنه ال يضمن يف مسألة الطائر.
76
وهل يشترط في المباشرة العمد أو ال يشترط؟ فاألشهر أن األموال تضمن عمدا وخطأ،
وإن كانوا قد اختلفوا يف مسائل جزئية من هذا الباب.
وهل يشرتط يف املكره أن يكون خمتارا؟ فاملعلوم عند الشافعي أنه يشرتط أن يكون خمتارا،
ولذلك رأى على املكره الضمان
الركن الثاني ؛ وأما ما يجب فيه الضمان فهو كل مال أتلفت عينه أو تلفت عند
الغاصب عينه بأمر من السماء ،أو سلطت اليد عليه وتملك ،وذلك فيما ينقل ويحول
باتفاق.
واختلفوا فيما ال ينقل وال يحول مثل العقار ،فقال اجلمهور :إهنا تضمن بالغصب -
أعين أهنا إن اهندمت الدار ضمن قيمتها ،-وقال أبو حنيفة :ال يضمن.
الركن الثالث وهو الواجب في الغصب ،والواجب على الغاصب إن كان املال قائما
عنده بعينه مل تدخله زيادة وال نقصان أن يرده بعينه ،وهذا ال اختالف فيه ،فإذا ذهبت
عينه فإهنم اتفقوا على أنه إذا كان مكيال أو موزونا أن على الغاصب المثل (أعني :مثل
ما استهلك صفة ووزنا) .
واختلفوا يف العروض فقال مالك :ال يقضى يف العروض من احليوان وغريه إال بالقيمة يوم
استهلك ،وقال الشافعي ،وأبو حنيفة ،وداود :الواجب يف ذلك املثل وال تلزم القيمة إال
عند عدم املثل.
وعمدة مالك حديث أيب هريرة املشهور عن النِب -صلى اهلل عليه وسلم « :-من أعتق
شقصا له يف عبد قوم عليه الباقي قيمة العدل» احلديث .ووجه الدليل منه أنه مل يلزمه املثل
وألزمه القيمة.
77
وعمدة الطائفة الثانية قوله تعاىل{ :فجزاء مثل ما قتل من النعم} ؛ وألن منفعة الشيء قد
تكون هي املقصودة عند املتعدى عليه.
ومن الحجة لهم ما خرجه أبو داود من حديث أنس وغيره «أن رسول اهلل -صلى اهلل
عليه وسلم -كان عند بعض نسائه ،فأرسلت إحدى أمهات املدمنني جارية بقصعة هلا
فيها طعام ،قال :فضربت بيدها فكسرت القصعة ،فأخذ النِب -صلى اهلل عليه وسلم -
الكسرتني فضم إحدامها إىل األخرى وجعل فيها مجيع الطعام وهو يقول :غارت أمكم كلوا
كلوا ،حىت جاءت قصعتها اليت يف بيتها ،وحبس رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -
القصعة حىت فرغوا ،فدفع الصحفة الصحيحة إىل الرسول ،وحبس املكسورة يف بيته» ويف
حديث آخر «أن عائشة كانت هي اليت غارت وكسرت اإلناء ،وأهنا قالت لرسول اهلل -
صلى اهلل عليه وسلم :-ما كفارة ما صنعت؟ قال :إناء مثل إناء ،وطعام مثل طعام» ".
والطوارئ على المغصوب إما بزيادة وإما بنقصان ،وهذان إما من قبل المخلوق ،وإما
من قبل الخالق.
-1فأما النقصان الذي يكون بأمر من السماء ،فإنه ليس له إال أن يأخذه ناقصا ،أو
يضمنه قيمته يوم الغصب ،وقيل إن له أن يأخذه ويضمن الغاصب قيمة العيب.
-2وأما إن كان النقص بجناية الغاصب ،فالمغصوب مخير في المذهب بين أن
يضمنه القيمة يوم الغصب أو يأخذه ،وما نقصته اجلناية يوم اجلناية عند ابن القاسم،
وعند سحنون ما نقصته اجلناية يوم الغصب.
78
وذهب أشهب إىل أنه خمري بني أن يضمنه القيمة أو يأخذه ناقصا ،وال شيء له يف اجلناية،
كالذي يصاب بأمر من السماء ،وإليه ذهب ابن املواز.
والسبب يف هذا االختالف أن من جعل املغصوب مضمونا على الغاصب بالقيمة يوم
الغصب جعل ما حدث فيه من مناء أو نقصان ،كأنه حدث يف ملك صحيح ،فأوجب له
الغلة ،ومل يوجب عليه يف النقصان شيئا سواء أكان من سببه أو من عند اهلل ،وهو قياس
قول أيب حنيفة.
-3وأما إن كانت الجناية عند الغاصب من غير فعل الغاصب ،فاملغصوب خمري بني أن
يضمن الغاصب القيمة يوم الغصب ،ويتبع الغاصب اجلاين ،وبني أن يرتك الغاصب ويتبع
اجلاين حبكم اجلنايات ،فهذا حكم اجلنايات على العني يف يد الغاصب.
-4وأما الجناية على العين من غير أن يغصبها غاصب ،فإنها تنقسم عند مالك إلى
قسمين:
- 1جناية تبطل يسيرا من المنفعة ،والمقصود من الشيء باق ،فهذا يجب فيه ما
نقص يوم الجناية ،وذلك بأن يقوم صحيحا ويقوم بالجناية ،فيعطى ما بين القيمتين.
- 2وأما إن كانت الجناية مما تبطل الغرض المقصود ،فإن صاحبه يكون مخيرا إن
شاء أسلمه للجاني وأخذ قيمته ،وإن شاء أخذ قيمة الجناية ،وقال الشافعي وأبو
حنيفة :ليس له إال قيمة الجناية.
وسبب االختالف االلتفات إلى الحمل على الغاصب ،وتشبيه إتالف أكثر المنفعة
بإتالف العين.
79
أحدهما :أن يكون بفعل اهلل كالصغير يكبر ،والمهزول يسمن والعيب يذهب.
وأما النماء بما أحدثه الغاصب في الشيء المغصوب ،فإنه ينقسم فيما رواه ابن
القاسم عن مالك إلى قسمين:
أحدهما :أن يكون قد جعل فيه من ماله ما له عين قائمة كالصبغ في الثوب والنقش
في البناء وما أشبه ذلك.
والثاني :أن ال يكون قد جعل فيه من ماله سوى العمل كالخياطة والنسج وطحن
الحنطة والخشبة يعمل منها توابيت.
فأما الوجه األول -وهو أن يجعل فيه من ماله ما له عين قائمة -فإنه ينقسم إلى
قسمين:
أحدهما :أن يكون ذلك الشيء مما يمكنه إعادته على حاله كالبقعة يبنيها وما أشبه
ذلك.
فأما الوجه األول ،فاملغصوب منه خمري بني أن يأمر الغاصب بإعادة البقعة على حاهلا ،
وإزالة ما له فيها مما جعله من نقض أو غريه ،وبني أن يعطي الغاصب قيمة ماله فيها من
النقض مقلوعا بعد حط أجر القلع ،وهذا إن كان الغاصب ممن ال يتوىل ذلك بنفسه وال
بغريه ،وإمنا يستأجر عليه ،وقيل :إنه ال حيط من ذلك أجر القلع ،هذا إن كانت له قيمة،
80
وأما إن مل تكن له قيمة مل يكن للغاصب على املغصوب فيه شيء ؛ ألن من حق
املغصوب أن يعيد له الغاصب ما غصب منه على هيئته ،فإن مل يطالبه بذلك مل يكن له
مقال.
وأما الوجه الثاني ،فهو فيه خمري بني أن يدفع قيمة الصبغ وما أشبهه ويأخذ ثوبه ،وبني أن
يضمنه قيمة الثوب يوم غصبه ،إال يف السويق الذي يلته يف السمن وما أشبه ذلك من
الطعام ،فال خيري فيه ملا يدخله من الربا ،ويكون ذلك فوتا يلزم الغاصب فيه املثل ،أو القيمة
فيما ال مثل له.
وأما الوجه الثاني من التقسيم األول (وهو أن ال يكون أحدث الغاصب فيما أحدثه
في الشيء المغصوب سوى العمل) فإن ذلك أيضا ينقسم قسمين:
أحدهما :أن يكون ذلك يسيرا ال ينتقل به الشيء عن اسمه بمنزلة الخياطة في الثوب
أو الرفولة.
والثاني أن يكون العمل كثيرا ينتقل به الشيء المغصوب عن اسمه ،كالخشبة يعمل
منها تابوتا ،والقمح يطحنه ،والغزل ينسجه ،والفضة يصوغها حليا أو دراهم.
فأما الوجه األول :فال حق فيه للغاصب ،ويأخذ املغصوب منه الشيء املغصوب معموال.
وأما الوجه الثاني :فهو فوت يلزم الغاصب قيمة الشيء املغصوب يوم غصبه أو مثله فيما
له مثل ،هذا تفصيل مذهب ابن القاسم يف هذا املعىن.
وأشهب جيعل ذلك كله للمغصوب ،أصله مسألة البنيان فيقول :إنه ال حق للغاصب فيما
ال يقدر على أخذه من الصبغ والرفولة والنسج والدباغ والطحني .وقد روي عن ابن عباس
أن الصبغ تفويت يلزم الغاصب فيه القيمة يوم الغصب.
81
وقد قيل إهنما يكونان شريكني ،هذا بقيمة الصبغ ،وهذا بقيمة الثوب إن أىب رب الثوب
أن يدفع قيمة الصبغ ،وإن أىب الغاصب أن يدفع قيمة الثوب ،وهذا القول أنكره ابن
القاسم يف املدونة يف كتاب اللقطة ،وقال :إن الشركة ال تكون إال فيما كان بوجه شبهة
جلية.
وقول الشافعي في الصبغ مثل قول ابن القاسم إال أنه يجيز الشركة بينهما ،ويقول :إنه
يدمر الغاصب بقلب الصبغ إن أمكنه وإن نقص الثوب ،ويضمن للمغصوب مقدار
النقصان ،وأصول الشرع تقتضي أن ال يستحل مال الغاصب من أجل غصبه ،وسواء
أكان منفعة أو عينا ،إال أن حيتج حمتج بقوله -عليه الصالة والسالم « :-ليس لعرق
ظامل حق» لكن هذا جممل ،ومفهومه األول أنه ليس له منفعة متولدة بني ماله وبني الشيء
الذي غصبه (أعين :ماله املتعلق باملغصوب) ،فهذا هو حكم الواجب يف عني املغصوب
تغري أو مل يتغري.
فمن ذهب إلى أن حكمهما حكم الشيء المغصوب -وبه قال أشهب من أصحاب
مالك -يقول :إمنا تلزمه الغلة يوم قبضها ،أو أكثر مما انتهت إليه بقيمتها على قول من
يرى أن الغاصب يلزمه أرفع القيم من يوم غصبها ال قيمة الشيء املغصوب يوم الغصب.
82
وأما الذين ذهبوا إلى أن حكم الغلة بخالف حكم الشيء المغصوب ،فاختلفوا يف
حكمها اختالفا كثريا بعد اتفاقهم على أهنا إن تلفت ببينة أنه ال ضمان على الغاصب،
وأنه إن ادعى تلفها مل يصدق وإن كان مما ال يغلب عليه.
وحتصيل مذهب هدالء يف حكم الغلة هو أن الغالل تنقسم إىل ثالثة أقسام:
- 1أحدها :غلة متولدة عن الشيء المغصوب على نوعه وخلقته وهو الولد.
- 2وغلة متولدة عن الشيء ال على صورته ،وهو مثل الثمر ولبن الماشية وجبنها
وصوفها.
-3وغالل غير متولدة بل هي منافع ،وهي األكرية والخراجات وما أشبه ذلك.
فأما ما كان على خلقته وصورته فال خالف أعلمه أن الغاصب يرده كالولد مع األم
املغصوبة وإن كان ولد الغاصب.
وإنما اختلفوا في ذلك إذا ماتت األم فقال مالك :هو مخير بين الولد وقيمة األم،
وقال الشافعي :بل يرد الولد وقيمة األم وهو القياس.
وأما إن كان متولدا على غري خلقة األصل وصورته ففيه قوالن:
والثاين :أنه يلزمه رده مع الشيء املغصوب إن كان قائما ،أو قيمتها إن ادعى تلفها ومل
يعرف ذلك إال من قوله ،فإن تلف الشيء املغصوب كان خمريا بني أن يضمنه وال شيء له
يف الغلة ،وبني أن يأخذه وبالغلة وال شيء له من القيمة.
83
أحدها :أنه ال يلزمه رده مجلة من غري تفصيل.
والثالث :أنه يلزمه الرد إن أكرى ،وال يلزمه الرد إن انتفع أو عطل.
واخلامس :الفرق بني احليوان واألصول (أعين أنه يرد قيمة منافع األصول ،وال يرد قيمة
منافع احليوان) .
وأما ما اغتل منها بتصريفها وتحويل عينها ،كالدنانير فيغتصبها فيتجر بها فيربح،
فالغلة له قوال واحدا في المذهب ،وقال قوم :الربح للمغصوب.
وهذا أيضا إذا قصد غصب األصل .وأما إذا قصد غصب الغلة دون األصل فهو ضامن
للغلة بإطالق ،وال خالف يف ذلك سواء عطل أو انتفع أو أكرى ،كان مما يزال به أو مبا ال
يزال به.
وقال أبو حنيفة :إنه من تعدى على دابة رجل فركبها أو محل عليها فال كراء عليه يف ركوبه
إياها وال يف محله ; ألنه ضامن هلا إن تلفت يف تعديه ،وهذا قوله يف كل ما ينقل وحيول؛
فإنه ملا رأى أنه قد ضمنه بالتعدي وصار يف ذمته جازت له املنفعة كما تقول املالكية فيما
جتر به من املال املغصوب ،وإن كان الفرق بينهما أن الذي اجتر به حتولت عينه ،وهذا مل
تتحول عينه.
84
وسبب اختالفهم في هل يرد الغاصب الغلة أو ال يردها اختالفهم في تعميم قوله -
عليه الصالة والسالم « :-الخراج بالضمان» وقوله -عليه الصالة والسالم :-
«ليس لعرق ظالم حق» .
وذلك أن قوله -صلى اهلل عليه وسلم -هذا خرج على سبب ،وهو يف غالم قيم فيه
بعيب ،فأراد الذي صرف عليه أن يرد املشرتي غلته ،وإذا خرج العام على سبب هل يقصر
على سببه أم حيمل على عمومه؟ فيه خالف فقهاء األمصار مشهور ،فمن قصر هاهنا هذا
احلكم على سببه ،قال :إمنا جتب الغلة من قبل الضمان فيما صار إىل اإلنسان بشبهة،
مثل أن يشرتي شيئا فيستغله فيستحق منه .وأما ما صار إليه بغري وجه شبهة فال جتوز له
الغلة ألنه ظامل ،وليس لعرق ظامل حق ،فعمم هذا احلديث يف األصل والغلة (أعين :عموم
هذا احلديث) وخصص الثاين.
وأما من عكس األمر فعمم قوله -عليه الصالة والسالم « :-اخلراج بالضمان» على
أكثر من السبب الذي خرج عليه ،وخصص قوله -عليه الصالة والسالم « :-ليس لعرق
ظامل حق» بأن جعل ذلك يف الرقبة دون الغلة ،قال :ال يرد الغلة الغاصب.
وأما من المعنى كما تقدم من قولنا فالقياس أن تجري المنافع واألعيان المتولدة
مجرى واحدا ،وأن يعتبر التضمن أو ال يعتبر .وأما سائر األقاويل التي بين هذين فهي
استحسان.
-7وأجمع العلماء على أن من اغترس نخال أو ثمرا بالجملة وبنيانا في غير أرضه أنه
يؤمر بالقلع ؛ ملا ثبت من حديث مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول اهلل -
صلى اهلل عليه وسلم -قال« :من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظامل حق» والعرق
85
الظامل عندهم هو ما اغرتس يف أرض الغري .وروى أبو داود يف هذا احلديث زيادة :قال
عروة :ولقد حدثين الذي حدثين هذا احلديث« :أن رجلني اختصما إىل رسول اهلل -صلى
اهلل عليه وسلم -غرس أحدمها خنال يف أرض اآلخر ،فقضى لصاحب األرض بأرضه ،وأمر
صاحب النخل أن خيرج خنله منها قال :فلقد رأيتها وإهنا لتضرب أصوهلا بالفدوس ،وإهنا
لنخل عم حىت أخرجت منها» ،إال ما روي يف املشهور عن مالك «أن من زرع زرعا يف
أرض غريه وفات أوان زراعته مل يكن لصاحب األرض أن يقلع زرعه ،وكان على الزارع كراء
األرض» .وقد روي عنه ما يشبه قياس قول اجلمهور ،وعلى قوله :إن كل ما ال ينتفع
الغاصب به إذا قلعه وأزاله أنه للمغصوب ،يكون الزرع على هذا للزارع.
وفرق قوم بين الزرع والثمار فقالوا :الزارع يف أرض غريه له نفقته وزريعته ،وهو قول كثري
من أهل املدينة ،وبه قال أبو عبيد ،وروي عن رافع بن خديج ،أنه قال -عليه الصالة
والسالم « :-من زرع يف أرض قوم بغري إذهنم فله نفقته وليس له من الزرع شيء» .
-8واختلف العلماء في القضاء فيما أفسدته المواشي والدواب على أربعة أقوال:
والثالث :أن الضمان على أرباب البهائم بالليل ،وال ضمان عليهم فيما أفسدته بالنهار.
وممن قال :يضمن بالليل وال يضمن بالنهار مالك والشافعي ،وبأن ال ضمان عليهم أصال
قال أبو حنيفة وأصحابه ،وبالضمان بإطالق قال الليث ،إال أن الليث قال :ال يضمن
أكثر من قيمة املاشية ،والقول الرابع مروي عن عمر -رضي اهلل عنه .-
86
فعمدة مالك والشافعي في هذا الباب شيئان:
أحدهما :قوله تعالى{ :وداود وسليمان إذ حيكمان يف احلرث إذ نفشت فيه غنم القوم}
[األنبياء ]87 :والنفش عند أهل اللغة ال يكون إال بالليل ،وهذا االحتجاج على مذهب
من يرى أنا خماطبون بشرع من قبلنا.
والثاني :مرسله عن ابن شهاب «أن ناقة للرباء بن عازب دخلت حائط قوم فأفسدت
فيه ،فقضى رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -أن على أهل احلوائط بالنهار حفظها،
وأن ما أفسدته املواشي بالليل ضامن على أهلها» أي مضمون.
وعمدة أبي حنيفة قوله -عليه الصالة والسالم « :-العجماء جرحها جبار» وقال
الطحاوي :وحتقيق مذهب أيب حنيفة أنه ال يضمن إذا أرسلها حمفوظة ،فأما إذا مل يرسلها
حمفوظة فيضمن.
واملالكية تقول :من شرط قولنا أن تكون الغنم يف املسرح ،وأما إذا كانت يف أرض مزرعة ال
مسرح فيها فهم يضمنون ليال وهنارا.
وعمدة من رأى الضمان فيما أفسدت ليال وهنارا شهادة األصول له ،وذلك أنه تعد من
املرسل ،واألصول على أن على املتعدي الضمان.
ووجه من فرق بني املنفلت وغري املنفلت بني ،فإن املنفلت ال ميلك.
فسبب الخالف في هذا الباب معارضة األصل للسمع ،ومعارضة السماع بعضه
لبعض ،أعني :أن األصل يعارض «جرح العجماء جبار» ،ويعارض أيضا التفرقة التي
في حديث البراء ،وكذلك التفرقة التي في حديث البراء تعارض أيضا قوله «جرح
العجماء جبار» .
87
-9ومن مسائل هذا الباب المشهورة اختالفهم في ما يصاب من أعضاء الحيوان،
فروي عن عمر بن اخلطاب أنه قضى يف عني الدابة بربع مثنها ،وكتب إىل شريح فأمره
بذلك ،وبه قال الكوفيون ،وقضى به عمر بن عبد العزيز.
وقال الشافعي ومالك :يلزم فيما أصيب من البهيمة ما نقص يف مثنها قياسا على التعدي
يف األموال.
والكوفيون اعتمدوا يف ذلك على قول عمر -رضي اهلل عنه -وقالوا :إذا قال الصاحب
قوال وال مخالف له من الصحابة ؛ وقوله مع هذا مخالف للقياس وجب العمل به ؛
ألنه يعلم أنه إنما صار إلى القول به من جهة التوقيف .فسبب الخالف إذن معارضة
القياس لقول الصاحب.
-11ومن هذا الباب اختالفهم في الجمل الصئول وما أشبهه يخاف الرجل على
نفسه فيقتله،
هل جيب عليه غرمه أم ال؟ فقال مالك والشافعي :ال غرم عليه إذا بان أنه خافه على
نفسه ،وقال أبو حنيفة والثوري :يضمن قيمته على كل حال.
وعمدة من مل ير الضمان القياس على من قصد رجال فأراد قتله ،فدافع املقصود عن نفسه
فقتل يف املدافعة القاصد املتعدي أنه ليس عليه قود ،وإذا كان ذلك يف النفس كان يف املال
أحرى ؛ألن النفس أعظم حرمة من املال ،وقياسا أيضا على إهدار دم الصيد احلرمي إذا
صال ومتسك به حذاق أصحاب الشافعي.
وعمدة أبي حنيفة أن األموال تضمن بالضرورة إليها ،أصله المضطر إلى طعام الغير ،
وال حرمة للبعير من جهة ما هو ذو نفس.
88
-11ومن هذا الباب اختالفهم في المكرهة على الزنا ،هل على مكرهها مع الحد
صداق أم ال؟ فقال مالك والشافعي والليث :عليه الصداق واحلد مجيعا ،وقال أبو حنيفة
والثوري :عليه احلد وال صداق عليه ،وهو قول ابن شربمة .وعمدة مالك أنه جيب عليه
حقان :حق اهلل وحق لآلدمي ،فلم يسقط أحدمها اآلخر ،أصله السرقة اليت جيب هبا
عندهم غرم املال والقطع.
أحدهما :أنه إذا اجتمع حقان :حق هلل وحق للمخلوق سقط حق المخلوق لحق اهلل،
وهذا على رأي الكوفيين في أنه ال يجمع على السارق غرم وقطع.
والمعنى الثاني :أن الصداق ليس مقابل البضع ،وإنما هو عبادة إذ كان النكاح
شرعيا ،وإذا كان ذلك كذلك فال صداق في النكاح الذي على غير الشرع.
-12ومن مسائلهم المشهورة في هذا الباب من غصب أسطوانة فبنى عليها بناء
يساوي قائما أضعاف قيمة األسطوانة،
فقال مالك والشافعي :حيكم على الغاصب باهلدم ويأخذ املغصوب منه أسطوانته ،وقال
أبو حنيفة :تفوت بالقيمة كقول مالك فيمن غري املغصوب بصناعة هلا قيمة كثرية ،وعند
الشافعي ال يفوت املغصوب بشيء من الزيادة .وهنا انقضى هذا الكتاب.
89
االستحقاق 13
،وله فيه حق كاستحقاق هذا من الوقف مثال بوصف الفقر ،أو العلم ويف عرف الشرع
مستعمل يف معىن ما أشار إليه ابن عرفة بقوله " رفع ملك شيء بثبوت ملك قبله بغير
عوض"
أنواع اإلستحقاق
أن الشيء املسحق من يد إنسان ملكه بالشرع ال خيرج عن ثالثة أشياء :إما أن يستحق
من ذلك الشيء أقله أو كله أو جله .مث إذا استحق منه كله أو جله فال خيلو أن يكون قد
تغري عند الذي هو بيده بزيادة أو نقصان أو يكون مل يتغري ،مث ال خيلو أيضا أن يكون
املستحق منه قد اشرتاه بثمن أو مثمون.
-1فأما إن كان استحق منه أقله ،فعند مالك يرجع على الذي اشتراه منه بقيمة ما
استحق من يده ،وليس له أن يرجع بالجملة.
ِ
المستحق ،ورجع -2وأما إن كان استحق كله أو جله ،فإن كان لم يتغير أخذه
املستحق منه على الذي اشرتاه منه بثمن ما اشرتاه منه ،وإن كان اشرتاه باملثمون رجع
َ
90
باملثمون بعينه إن كان مل يتغري ،فإن تغري تغريا يوجب اختالف قيمته رجع بقيمته يوم
الشراء.
-3وإن كان المال المستحق قد بيع ؛ فإن المستحق مخير بين أن يمضي البيع
ويأخذ الثمن أو يأخذه بعينه،
املستحق
َ املستحق منه فال شيء على
َ وأما إن كان تغير بنقصان ،فإن كان من غري سبب
منه .وأما إن كان أخذ من هذا النقصان مثنا مثل أن يهدم الدار فيبيع نقضها مث يستحقها
من يده رجل آخر ،فإنه يرجع عليه بثمن ما باع من النقض.
-5وأما غلة الشيء المستحق ،فإن المستحق منه إذا كان ضامنا ونعين بالضمان :أهنا
تكون من خسارته إذا هلكت عنده فهنا ال خالف أن الغلة للمستحق منه ،وأما إذا
91
كان غري ضامن ،فإنه يرد الغلة .مثل أن يكون وارثا فيطرأ عليه وارث آخر فيستحق بعض
ما يف يده؛
6وأما من أي وقت تصح الغلة للمستحق؟ فقيل يوم الحكم ،وقيل من يوم ثبوت
الحق ،وقيل من يوم توقيفه.
-فإذا كانت أصوال فيها ثمار فأدرك أحد هذه األوقات الثمر ومل يقطف بعده ،فقيل
إهنا للمستحق ما مل تقطف وقيل مامل تيبس ،وقيل ما مل يطب ،ويرجع عليه مبا سقى
وعاجل املستحق منه ،وهذا إن كان اشرتى األصول قبل اإلبار .وأما إن كان اشرتاها بعد
اإلبار فالثمرة للمستحق عند ابن القاسم إن جذت ويرجع بالسقي والعالج ،وقال أشهب:
هي للمستحق ما مل جتذ.
كراء األرض إذا استحقت ،فالكراء إنما هو للمستحق إن وقع االستحقاق في إبان
زريعة األرض .أي في وقت الحرث وأما إذا خرج اإلبان فقد وجب كراء األرض
للمستحق منه.
92
14الهبات
تعريف الهبة :لغة :قال أهل اللغة يقال وهبت له شيئا وهبا بإسكان اهلاء وفتحها وهبة ،
واالسم املوهب واملوهبة بكسر اهلاء فيهما ،واالهتاب قبول اهلبة ،
وعرفها ابن عرفة " :متليك متمول بغري عوض إنشاء "
) 1الواهب :فإهنم اتفقوا على أنه جتوز هبته إذا كان مالكا للموهوب صحيح امللك،
وذلك إذا كان يف حال الصحة وحال إطالق اليد .واختلفوا يف حال املرض ويف حال
السفه والفلس .
المريض :فقال اجلمهور :إهنا يف ثلثه تشبيها بالوصية .وقالت طائفة من السلف ومجاعة
أهل الظاهر :إن هبته خترج من رأس ماله إذا مات ،وال خالف بينهم أنه إذا صح من
مرضه أن اهلبة صحيحة.
وعمدة الجمهور حديث عمران بن حصني عن النِب -عليه الصالة والسالم « -يف
الذي أعتق ستة أعبد عند موته ،فأمره رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -فأعتق ثلثهم
وأرق الباقي» .
وعمدة أهل الظاهر :استصحاب احلال :ونعين به :حال اإلمجاع ،وذلك أهنم ملا اتفقوا
على جواز هبته يف الصحة وجب استصحاب حكم اإلمجاع يف املرض إال أن يدل الدليل
من كتاب أو سنة بينة ،واحلديث عند اجلمهور حممول على الوصية.
93
واألمراض التي يحجر فيها عند الجمهور هي األمراض المخوفة ،وكذلك عند مالك
احلاالت املخوفة ،مثل الكون بني الصفني أي يف حال احلرب ،وقرب احلامل من الوضع،
وراكب البحر املرتج ،وفيه اختالف .وأما األمراض املزمنة فليس عندهم فيها حتجري،
وأما السفهاء والمفلسون فال خالف عند من يقول باحلجر عليهم أن هبتهم غري
صحيحة
واختلفوا يف تفضيل الرجل بعض ولده على بعض يف اهلبة ،أو يف مجيع ماله لبعضهم دون
بعض
،فقال جمهور فقهاء األمصار بكراهية ذلك له ،ولكن إذا وقع عندهم جاز ذلك.
وقال أهل الظاهر :ال جيوز التفضيل فضال عن أن يهب مجيع ماله،
وقال مالك جيوز التفضيل وال جيوز أن يهب بعضهم مجيع املال دون بعض.
ودليل أهل الظاهر حديث النعمان بن بشري ،وهو حديث متفق على صحته ،وإن كان قد
اختلف يف ألفاظه ،واحلديث أنه قال «إن أباه بشريا أتى به إىل رسول اهلل -صلى اهلل عليه
وسلم -فقال :إين حنلت ابين هذا غالما كان يل ،فقال رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم
:-أكل ولدك حنلته مثل هذا؟ قال :ال ،قال رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم :-
فارجتعه»
94
وعمدة الجمهور :أن اإلمجاع منعقد على أن للرجل أن يهب يف صحته مجيع ماله
لألجانب دون أوالده ،فإن كان ذلك لألجنِب فهو للولد أحرى.
واحتجوا حبديث أيب بكر املشهور أنه كان حنل عائشة جذاذ عشرين وسقا فلما حضرته
الوفاة ،قال" :واهلل يا بنية ما من الناس أحد أحب إيل غىن بعدي منك ،وال أعز علي فقرا
بعدي منك ،وإين كنت حنلتك جذاذ عشرين وسقا فلو كنت جذذتيه واحتزتيه كان لك،
وإمنا هو اليوم مال وارث" .قالوا :وذلك احلديث املراد به الندب،
وعمدة مالك :أنه رأى أن النهي عن أن يهب الرجل مجيع ماله لواحد من ولده هو أحرى
أن حيمل على الوجوب ،فأوجب عنده مفهوم هذا احلديث النهي عن أن خيص الرجل
بعض أوالده جبميع ماله.
فسبب الخالف يف هذه املسألة :معارضة القياس للفظ النهي الوارد ،وذلك أن النهي
يقتضي عند األكثر التحرمي ،فاجلمهور :ذهبوا إىل اجلمع بني السماع والقياس ومحل
احلديث على الندب ومالك خصصه يف بعض الصور كما جيوز ختصيص السنة بالقياس
وأما أهل الظاهر :مل جيز القياس عندهم يف الشرع واعتمدوا على ظاهر احلديث .
هبة المشاع غير المقسوم :،اختلفوا :فقال مالك والشافعي وأمحد وأبو ثور :تصح ،وقال
أبو حنيفة :ال تصح.
وعمدة أبي حنيفة :أن القبض فيها ال يصح إال مفردة كالرهن.
هبة المجهول والمعدوم المتوقع الوجود جيوز يف املذهب ،وباجلملة كل ما ال يصح بيعه
يف الشرع من جهة الغرر ،وقال الشافعي :ما جاز بيعه جازت هبته وما مل جيز بيعه مل جتز
95
هبته ،وكل ما ال يصح قبضه عند الشافعية ال تصح هبته كالدين والرهن .وأما اهلبة فال بد
من اإلجياب فيها والقبول عند اجلميع.
فاتفق الثوري ،والشافعي ،وأبو حنيفة أن من شرط صحة اهلبة القبض ،وأنه إذا مل يقبض مل
يلزم الواهب.
وقال مالك :ينعقد بالقبول وجيرب على القبض كالبيع سواء ،فإن تأخر املوهوب له عن
طلب القبض حىت أفلس الواهب أو مرض بطلت اهلبة ،وله إذا باع تفصيل :إن علم فتأخر
مل يكن له إال الثمن ،وإن قام يف الفور كان له املوهوب.
فمالك :القبض عنده يف اهلبة من شروط التمام ال من شروط الصحة ،وهو عند الشافعي،
وأيب حنيفة من شروط الصحة.
وقال أمحد ،وأبو ثور وأهل الظاهر :تصح اهلبة بالعقد ،وليس القبض من شروطها أصال ،ال
من شرط متام وال من شرط صحة ،وهو قول.
وعمدة من اشترط القبض أن ذلك مروي عن أيب بكر -رضي اهلل عنه -يف حديث
هبته لعائشة املتقدم ،وهو نص يف اشرتاط القبض يف صحة اهلبة.
96
وأما مالك فاعتمد األمرين مجيعا( :القياس وما روي عن الصحابة) ومجع بينهما .فمن
حيث هي عقد من العقود مل يكن القبض شرطا من شروط صحتها .ومن حيث شرطت
الصحابة فيه القبض لسد الذريعة جعل القبض فيها من شرط التمام.
لمن يحوز االب من ولده :جمهور فقهاء األمصار على أن األب حيوز البنه الصغري
الذي يف والية نظره ،وللكبري السفيه الذي ما وهبه ،كما حيوز هلما ما وهبه غريه هلما ،وأنه
يكفي يف احليازة له إشهاده باهلبة واإلعالن بذلك ،وذلك كله فيما عدا الذهب والفضة
وفيما ال يتعني.
وحجتهم :يف ذلك عندهم ما رواه مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن املسيب أن عثمان
بن عفان قال :من حنل ابنا له صغريا مل يبلغ أن حيوز حنلته فأعلن ذلك وأشهد عليه فهي
حيازة وإن وليها.
شروط الحيازة في المسكون والملبوس للولد وقال مالك وأصحابه ، :فإن كانت دارا
سكن فيها خرج منها ،وكذلك امللبوس إن لبسه بطلت اهلبة ،وقالوا يف سائر العروض مبثل
قول الفقهاء أنه يكفي يف ذلك إعالنه وإشهاده.
وأما الذهب والورق فاختلفت الرواية فيه عن مالك ،فروي عنه أنه ال جيوز إال أن خيرجه
األب عن يده إىل يد غريه ،وروي عنه أنه جيوز إذا جعلها يف ظرف أو إناء وختم عليها
خبامت وأشهد على ذلك الشهود.
هل الوصي يقوم في ذلك مقام األب ؟ ال خالف بني أصحاب مالك .يف ذلك .
واختلفوا في األم؛ فقال ابن القاسم :ال تقوم مقام األب ،ورواه عن مالك،
97
وقال الشافعي :اجلد مبنزلة األب ،واجلدة أم األم عند ابن وهب تقوم مقام األم ،واألم
عنده تقوم مقام األب.
أنواع الهبات
و اهلبة منها ما هي هبة عني أي رقبة ،ومنها ما هي هبة منفعة .أي عوض وهبة العني منها
ما يقصد هبا الثواب ،ومنها ما ال يقصد هبا الثواب .واليت يقصد هبا الثواب منها ما يقصد
هبا وجه اهلل ،ومنها ما يقصد به وجه املخلوق.
فأما الهبة لغير الثواب فال خالف يف جوازها ،وإمنا اختلفوا يف أحكامها.
وأما هبة الثواب فاختلفوا فيها ،فأجازها مالك وأبو حنيفة ؛ ومنعها الشافعي ،وبه قال
داود وأبو ثور.
وسبب الخالف :هل هي بيع جمهول الثمن أو ليس بيعا جمهول الثمن؟
فمن رآه بيعا جمهول الثمن قال :هو من بيوع الغرر اليت ال جتوز ،ومن مل ير أهنا بيع
جمهول ،قال :جيوز ؛ قال ابن رشد :وكأن مالكا جعل العرف فيها مبنزلة الشرط ،وهو
ثواب مثلها.
إذا لم يرض الواهب بالثواب ما الحكم؟ فقيل تلزمه اهلبة إذا أعطاه املوهوب القيمة،
وقال عمر ال تلزمه إال أن يرضيه ، ،فإذا اشرتط فيه الرضا فليس هنالك بيع انعقد ،واألول
هو املشهور عن مالك.
98
وإمنا حيمل مالك اهلبة على الثواب إذا اختلفوا يف ذلك ،وخصوصا إذا دلت قرينة احلال
على ذلك مثل أن يهب الفقري للغين ،أو ملن يرى أنه إمنا قصد بذلك الثواب.
وأما هبات المنافع :فمنها ما هي مؤجلة ،وهذه تسمى عارية ومنحة وما أشبه ذلك،
ومنها ما يشرتط فيها ما بقيت حياة املوهوب له ،وهذه تسمى العمرى ،مثل أن يهب رجل
رجال سكىن دار حياته ،وهذه اختلف العلماء فيها على ثالثة أقوال:
أحدها :أهنا هبة مبتوتة :أي أهنا هبة للرقبة ،وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ،والثوري ،وأمحد
ومجاعة.
والثاني :أنه ليس للمعمر فيها إال املنفعة ،فإذا مات عادت الرقبة للمعمر أو إىل ورثته ،وبه
قال مالك وأصحابه،
والثالث :وبه قال داود ،وأبو ثور أنه إذا قال :هي عمرى لك ولعقبك كانت الرقبة ملكا
للمعمر أو لورثته.،
للمعمر ،فإذا مل يذكر العقب عادت الرقبة بعد موت املعمر َّ
ِّ
وسبب الخالف يف هذا الباب اختالف اآلثار ،ومعارضة الشرط والعمل لألثر.
أحدمها متفق على صحته ،وهو ما رواه مالك عن جابر أن رسول اهلل -صلى اهلل عليه
وسلم -قال« :أميا رجل أعمر عمرى له ولعقبه فإهنا للذي يعطاها ،ال ترجع إىل الذي
أعطاها أبدا ؛ألنه أعطى عطاء وقعت فيه املواريث» .
واحلديث الثاين :حديث أيب الزبري عن جابر قال :قال رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -
«يا معشر األنصار أمسكوا عليكم أموالكم وال تعمروها ؛ فمن أعمر شيئا حياته فهو له
99
حياته ومماته» .وقد روي عن جابر بلفظ آخر« :ال تعمروا وال ترقبوا فمن أعمر شيئا أو
أرقبه فهو لورثته» .
فحديث أيب الزبري عن جابر خمالف لشرط املعمر .وحديث مالك عنه خمالف أيضا لشرط
املعمر
فمن غلب احلديث على الشرط قال حبديث أيب الزبري عن جابر ،وحديث مالك عن
املعمر إن مل
جابر ،ومن غلب الشرط قال بقول مالك ،وأما من قال :إن العمرى تعود إىل ِّ
يذكر العقب ،وال تعود إن ذكر ،فإنه أخذ بظاهر احلديث.
هبة االسكان إذا أتى بلفظ اإلسكان ،فقال :أسكنتك هذه الدار حياتك ،فاجلمهور على
بالع َقب ،ومالك سوى بني
ظ َ أن اإلسكان عندهم ،أو اإلخدام خبالف العمرى ،وإن ل َف َ
التعمري واإلسكان .وكان احلسن وعطاء وقتادة ،يسوون بني السكىن والتعمري يف أهنا ال
تنصرف إىل املسكن أبدا واحلق أن اإلسكان والتعمري هلما معىن واحد ،وأنه جيب أن يكون
بالع يقب خمالفا له إذا مل يصرح بذكر العقب على ما ذهب إليه أهل
احلكم إذا صرح َ
الظاهر.
جواز االعتصار في الهبة وهو الرجوع فيها :فذهب مالك ومجهور علماء املدينة أن
لألب أن يعتصر ما وهبه البنه ما مل يتزوج االبن ،أو مل يستحدث َدينا أو باجلملة ما مل
يرتتب عليه حق للغري ،وأن لألم أيضا أن تعتصر ما وهبت إن كان األب حيا ،وقد روي
عن مالك أهنا ال تعتصر.
100
وقال أبو حنيفة :جيوز لكل أحد أن يعتصر ما وهبه إال ما وهب لذي حمرم حمرمة عليه.
وأمجعوا على أن اهلبة اليت يراد هبا الصدقة أنه ال جيوز ألحد الرجوع فيها.
فمن مل ير االعتصار أصال :احتج بعموم احلديث الثابت ،وهو قوله -عليه الصالة
والسالم « :-العائد يف هبته كالكلب يعود يف قيئه» .
ومن استثىن األبوين احتج حبديث طاوس أنه قال -عليه الصالة والسالم « :-ال حيل
لواهب أن يرجع يف هبته إال الوالد» ،وقاس األم على الوالد ،وقال الشافعي :لو اتصل
حديث طاوس لقلت به ،وقال غريه :قد اتصل من طريق حسني املعلم ،وهو ثقة.
وأما من أجاز االعتصار إال لذوي الرحم احملرمة ،فاحتج مبا رواه مالك عن عمر بن
اخلطاب -رضي اهلل عنه -أنه قال" :من وهب هبة لصلة رحم أو على جهة صدقة ،فإنه
ال يرجع فيها ،ومن وهب هبة يرى أنه إمنا أراد الثواب هبا فهو على هبته يرجع فيها إذا مل
يرض منها" .قالوا :وأيضا فإن األصل أن من وهب شيئا عن غري عوض أنه ال يقضي عليه
به كما لو وعد ،إال ما اتفقوا عليه من اهلبة على وجه الصدقة.
من تصدق على ابنه فمات االبن بعد أن حازها فجمهور العلماء على أنه يرثها .ويف
مرسالت مالك «أن رجال أنصاريا من اخلزرج تصدق على أبويه بصدقة فهلكا فورث
ابنهما املال وهو خنل ،فسأل عن ذلك النِب -عليه الصالة والسالم -فقال " :قد أجرت
يف صدقتك ،وخذها مبرياثك» وخرج أبو داود أن امرأة أتت رسول اهلل -صلى اهلل عليه
وسلم -فقالت« :كنت قد تصدقت على أمي بوليدة ،وإهنا ماتت وتركت تلك الوليدة،
فقال -صلى اهلل عليه وسلم :-وجب أجرك ورجعت إليك باملرياث» .
101
وقال أهل الظاهر :ال جيوز االعتصار ألحد لعموم قوله -عليه الصالة والسالم -لعمر:
«ال تشرته" ،يف الفرس الذي تصدق به ،فإن العائد يف هبته كالكلب يعود يف قيئه»
واحلديث متفق على صحته.
قال القاضي :والرجوع يف اهلبة ليس من حماسن األخالق ،والشارع -عليه الصالة والسالم
-إمنا بعث ليتمم حماسن األخالق.
15الوصية
الوصية :لغة :مشتقة من وصيت الشيء بالشيء إذا وصلته ،كأن املوصي ملا أوصى هبا
وصل ما بعد املوت مبا قبله يف نفوذ التصرف ،
واصطالحا قال ابن عرفة هي يف عرف الفقهاء ال الفراض "عقد يوجب حقا يف ثلث
عاقده يلزم مبوته أو نيابة عنه بعده "
فاتفقوا على أنه كل مالك صحيح امللك ،ويصح عند مالك وصية السفيه والصِب الذي
يعقل ،وقال أبو حنيفة ال جتوز وصية الصِب الذي مل يبلغ ،وعن الشافعي القوالن وكذلك
وصية الكافر تصح عندهم إذا مل يوص مبحرم.
102
-2وأما الموصى له :
فإهنم اتفقوا على أن الوصية ال جتوز لوارث لقوله -عليه الصالة والسالم « :-ال وصية
لوارث» ،
واختلفوا هل جتوز لغري القرابة؟ فقال مجهور العلماء :إهنا جتوز لغري األقربني مع الكراهية،
وقال احلسن ،وطاوس :ترد الوصية على القرابة ،وبه قال إسحاق.
وحجة هدالء ظاهر قوله تعاىل{ :الوصية للوالدين واألقربني} واأللف والالم تقتضي احلصر.
واحتج اجلمهور حبديث عمران بن حصني املشهور وهو «أن رجال أعتق ستة أعبد له يف
مرضه عند موته ،ال مال له غريهم ،فأقرع رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -بينهم،
وأرق أربعة» والعبيد غري القرابة.
واختلفوا -إذا أجازهتا الورثة ،فقال اجلمهور :جتوز ،وقال أهل الظاهر واملزين :ال جتوز.
وسبب اخلالف هل املنع لعلة الورثة أو عبادة؟ فمن قال عبادة قال :ال جتوز وإن أجازها
الورثة ،ومن قال بالبيع حلق الورثة أجازها إذا أجازها الورثة.
وتردد هذا اخلالف راجع إىل تردد املفهوم من قوله -عليه الصالة والسالم « :-ال وصية
لوارث» هل هو معقول املعىن أم ليس مبعقول؟
الوصية للميت واختلفوا فيها ،فقال قوم :تبطل مبوت املوصى له ،وهم اجلمهور؛ وقال
قوم :ال تبطل.
103
الوصية للقاتل خطأ وعمدا .إذا أذن الورثة للميت هل هلم أن يرجعوا يف ذلك بعد موته؟
فقيل هلم ،وقيل ليس هلم ،وقيل بالفرق بني أن يكون الورثة يف عيال امليت أو ال يكونوا،
أعين أهنم إن كانوا يف عياله كان هلم الرجوع ،و األقوال ثالثة يف املذهب
واختلفوا يف املنافع ،فقال مجهور فقهاء األمصار :ذلك جائز ،وقال ابن أيب ليلى وابن
شربمة ،وأهل الظاهر :الوصية باملنافع باطلة.
وعمدة الطائفة الثانية أن املنافع منتقلة إىل ملك الورثة ؛ ألن امليت ال ملك له فال تصح له
وصية مبا يوجد يف ملك غريه ،وإىل هذا القول ذهب أبو عمر بن عبد الرب.
وأما القدر :فإن العلماء اتفقوا على أنه ال جتوز الوصية يف أكثر من الثلث ملن ترك ورثة.
واختلفوا فيمن مل يرتك ورثة ،ويف القدر املستحب منها ،هل هو الثلث أو دونه؟
وإمنا صار اجلميع إىل أن الوصية ال جتوز يف أكثر من الثلث ملن له وارث مبا ثبت عنه -
صلى اهلل عليه وسلم « -أنه عاد سعد بن أيب وقاص ،قال له يا رسول اهلل :قد بلغ مين
الوجع ما ترى وأنا ذو مال وال يرثين إال ابنة يل ،أفأتصدق بثلثي مايل؟ فقال له رسول اهلل
-صلى اهلل عليه وسلم :-ال ،فقال له سعد :فالشطر؟ قال :ال ،مث قال رسول اهلل -
صلى اهلل عليه وسلم :-الثلث والثلث كثري إنك أن تذر ورثتك أغنياء خري من أن تذرهم
عالة يتكففون الناس» ،فصار الناس ملكان هذا احلديث إىل أن الوصية ال جتوز بأكثر من
الثلث.
104
المستحب في مقدار الوصية
واختلفوا فيه فذهب قوم إىل أنه ما دون الثلث ،لقوله -عليه الصالة والسالم -يف هذا
احلديث« :والثلث كثري» ،وقال هبذا كثري من السلف .قال قتادة :أوصى أبو بكر
باخلمس ،وأوصى عمر بالربع ،واخلمس أحب إيل.
وأما من ذهب إىل أن املستحب هو الثلث فإهنم اعتمدوا على ما روي عن النِب -صلى
اهلل عليه وسلم -أنه قال« :إن اهلل جعل لكم يف الوصية ثلث أموالكم زيادة يف أعمالكم»
وهذا احلديث ضعيف عند أهل احلديث.
وثبت عن ابن عباس أنه قال :لو غض الناس يف الوصية من الثلث إىل الربع لكان أحب
إيل ؛ ألن رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -قال« :الثلث والثلث كثري» .
وأما اختالفهم في جواز الوصية بأكثر من الثلث لمن ال وارث له ،فإن مالكا ال جييز
ذلك واألوزاعي ،واختلف فيه قول أمحد،
وسبب اخلالف هل هذا احلكم خاص بالعلة اليت علله هبا الشارع أم ليس خباص ،وهو أن
ال يرتك ورثته عالة يتكففون الناس ،كما قال -عليه الصالة والسالم « :-إنك أن تذر
ورثتك أغنياء خري من أن تذرهم عالة يتكففون الناس» فمن جعل هذا السبب خاصا
وجب أن يرتفع احلكم بارتفاع هذه العلة ،ومن جعل احلكم عبادة وإن كان قد علل بعلة،
أو جعل مجيع املسلمني يف هذا املعىن مبنزلة الورثة ،قال :ال جتوز الوصية بإطالق بأكثر من
الثلث.
105
القول في المعنى الذي يدل عليه لفظ الوصية ،والوصية باجلملة هي هبة الرجل ماله
لشخص آخر ،أو ألشخاص بعد موته ،أو عتق غالمه سواء صرح بلفظ الوصية أو مل
يصرح به ،وهذا العقد هو من العقود اجلائزة باتفاق ونعين أن للموصي أن يرجع فيما أوصى
به إال املدبر فإهنم اختلفوا فيه .
فقال مالك :قبول املوصى له إياها شرط يف صحة الوصية ،وروي عن الشافعي أنه ليس
القبول شرطا يف صحتها ،ومالك شبهها باهلبة.
حكم من أوصى لرجل بالثلث ،وعين ما هو الثلث ،فقال الورثة :هو أكثر من الثلث،
فقال مالك :الورثة خمريون بني أن يعطوه ذلك الذي عينه املوصي أو يعطوه الثلث من
مجيع مال امليت ،وخالفه يف ذلك أبو حنيفة ،والشافعي ،وأبو ثور ،وأمحد ،وداود.
وعمدهتم أن الوصية قد وجبت للموصى له مبوت املوصي وقبوله إياها باتفاق ،فكيف ينقل
عن ملكه ما وجب له بغري طيب نفس منه ،وتغري الوصية.
وعمدة مالك إمكان صدق الورثة فيما ادعوه ،وما أحسن ما رأى أبو عمر بن عبد الرب
يف هذه املسألة ،وذلك أنه قال :إذا ادعى الورثة ذلك كلفوا بيان ما ادعوا ،فإن ثبت ذلك
أخذ منه املوصى له قدر الثلث من ذلك الشيء املوصى به ،وكان شريكا للورثة ،وإن كان
الثلث فأقل جربوا على إخراجه.
106
وإذا لم يختلفوا أنه فوق الثلث ولم يردوا إعطاءه بعينه ،فعند مالك أن الورثة خمريون
بني أن يدفعوا إليه ما أوصى له به ،أو يفرجوا له عن مجيع ثلث مال امليت ،إما يف ذلك
الشيء بعينه ،وإما يف مجيع املال على اختالف الرواية عن مالك يف ذلك.
وقال أبو حنيفة والشافعي :له ثلث تلك العني ويكون بباقيه شريكا للورثة يف مجيع ما ترك
امليت حىت يستويف متام الثلث.
وسبب الخالف أن الميت لما تعدى في أن جعل وصيته في شيء بعينه ،فهل األعدل
في حق الورثة أن يخيروا بين إمضاء الوصية أو يفرجوا له إلى غاية ما يجوز للميت أن
يخرج عنهم من ماله ،أو يبطل التعدي ويعود ذلك الحق مشتركا ،وهذا هو األولى
إذا قلنا :إن التعدي هو يف التعيني لكونه أكثر من الثلث (أعين :أن الواجب أن يسقط
التعيني) وأما أن يكلف الورثة أن ميضوا التعيني أو يتخلوا عن مجيع الثلث فهو محل عليهم.
فيمن وجبت عليه زكاة فمات ولم يوص بها فهل هي من الثلث ،أو من رأس المال؟
اختلفوا :فقال مالك :إذا مل يوص هبا مل يلزم الورثة إخراجها ،وقال الشافعي :يلزم الورثة
إخراجها من رأس املال.
وإذا وصى ،فعند مالك يلزم الورثة إخراجها وهي عنده من الثلث ،وهي عند الشافعي
يف الوجهني من رأس املال شبهها بالدين لقول رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم « -فدين
اهلل أحق أن يقضى» ،وكذلك الكفارات الواجبة ،واحلج الواجب عنده ،ومالك جيعلها من
جنس الوصايا بالتوصية بإخراجها بعد املوت ،وال خالف أنه لو أخرجها يف احلياة أهنا من
رأس املال ولو كان يف السياق.
107
وكأن مالكا اتهمه هنا على الورثة (أعني :في توصيته بإخراجها) ،قال :ولو أجيز هذا
لجاز لإلنسان أن يؤخر جميع زكاته طول عمره حتى إذا دنا من الموت وصى بها.
فإذا زاحمت الوصايا الزكاة قدمت عند مالك على ما هو أضعف منها ،وقال أبو حنيفة:
هي وسائر الوصايا سواء ،يريد يف احملاصة.
واتفق مالك ومجيع أصحابه على أن الوصايا اليت يضيق عنها الثلث إذا كانت مستوية أهنا
تتحاص يف الثلث ،وإذا كان بعضها أهم من بعض قدم األهم .واختلفوا يف الرتتيب على ما
هو مسطور يف كتبهم.
ومن مسائلهم الحسابية المشهورة في هذا الباب ،إذا أوصى لرجل بنصف ماله وآلخر
بثلثيه ،ورد الورثة الزائد،
فعند مالك والشافعي أهنما يقتسمان الثلث بينهما أمخاسا ،وقال أبو حنيفة :بل يقتسمان
الثلث بالسوية .وسبب اخلالف هل الزائد على الثلث الساقط هل يسقط االعتبار به يف
القسمة كما يسقط يف نفسه بإسقاط الورثة؟ فمن قال يبطل يف نفسه ،وال يبطل االعتبار
به يف القسمة إذ كان مشاعا قال :يقتسمون املال أمخاسا ،ومن قال يبطل االعتبار به كما
لو كان معينا قال :يقتسمون الباقي على السواء.
إذا أوصى بجزء من ماله وله مال يعلم به ،ومال ال يعلم به،
فعند مالك أن الوصية تكون فيما علم به دون ما مل يعلم ،وعند الشافعي تكون يف املالني.
وسبب الخالف هل اسم المال الذي نطق به يتضمن ما علم وما لم يعلم ،أو ما علم
فقط؟ والمشهور عن مالك أن المدبر يكون في المالين إذا لم يخرج من المال الذي
يعلم.
108
فهرس الموضوعات
القسمة 1...................................
مسألة :مشروعية القسمة :الكتاب والسنة واإلجماع و المعقول 1..............
مسألة :األركان القاسم ،والمقسوم عليه ،والقسمة 2...............................
أوال :القاسم 2...............................................................................
ثانيا :المقسوم عليه2.................................................................... .
ثالثا :القسمة 2..............................................................................
أنواع القسمة2............................................................................ .
قسمة رقاب األموال 2.......................................................................
- 1قسمة قرعة بعد تقويم ،وتعديل3.................................................. .
- 2وقسمة مراضاة بعد تقويم وتعديل3.................................................
- 3وقسمة مراضاة بغير تقويم وال تعديل4.............................................
والرقاب تنقسم إلى ثالثة أقسام5........................................................:
أحكام قسمة الرباع واألصول5........................................................... :
النوع األول :االنقسام الذي يصلح معه االنتفاع6.....................................:
النوع الثاني :االنقسام الذي ال يصلح معه االنتفاع6.................................:
اختلفوا من هذا الباب فيما إذا قسم انتقلت منفعته إلى منفعة أخرى مثل الحمام7..
قسمة الرباع واألصول ذوات المحل المتعدد7.........................................
حكم قسمة الحوائط المثمرة8........................................................... :
109
صفة القسم بالقرعة8..................................................................... :
في العروض والحيوان9................................................................. ،
العروض ذوات الجنس الواحد9........................................................ :
العروض ذوات الجنس المتعدد9........................................................ :
ضابط الصنف الواحد عند مالك وأصحابه11.........................................:
في أحكام قسمة المكيل أو الموزون11.................................................:
قسمة المنافع12............................................................................ .
القول في األحكام القسمة 13............................................................. :
والطوارئ ثالثة :غبن ،أو وجود عيب ،أو استحقاق13..............................
110
رهن المشاع17................................................................ ......... :
الركن الثالث( :وهو الشيء المرهون فيه) :وهو الدين18.........................
شروط الشافعية :في المرهون فيه 19..................................................
الشروط الرهن المنطوق بها في الشرع ضربان :شروط صحة ،وشروط فساد21
هل من شرط صحة الرهن استدامة القبض أم ال؟21.................................
هل الرهن جائز في الحضر أم ال؟21......................................................
وأما الشرط المحرم الممنوع بالنص 21...................................................
حقوق المرتهن في الرهن21....................................................... ....:
هل يتعلق الرهن بالمرهون فيه كامال أم ببعضه؟21....................................
النماء الرهن المنفصل هل يدخل في الرهن؟21.........................................
هل للمرتهن أن ينتفع بشيء من الرهن؟23..............................................
من يضمن الرهن إذا هلك؟ 23.............................................................
هل يجوز للراهن بيع العين المرهونة وهي تحت يد المرتهن؟24....................
وأما اختالف الراهن ،والمرتهن في قدر الحق الذي وجب به الرهن25.............:
وأما إذا تلف الرهن ،واختلفوا في صفته25.............................................. :
111
الباب الثاني :متى يخرجون من الحجر ،ومتى يحجر عليهم ،وبأي شروط
يخرجون؟ 28...................................................................................
المسألة الرابعة :في وقت خروج الصغار عن الحجر28.............................:
الذكور الصغار ذوو اآلباء29..............................................................
وأما اختالفهم في الرشد ما هو؟ 29....................................................
اإلناث الصغار ذوو اآلباء 29...............................................................
إذا بلغ ولم يعلم سفهه من رشده 31.......................................................
في وقت خروج الموصى عليهم عن الحجر31........................................:
المحجور عليهم ذوو األوصياء 31.................................................... :
حال البكر مع الوصي كحال الذكر31......................................................
في حكم المهمل من الذكور والنساء32................................................ .
في معرفة أحكام أفعال المحجورين في الرد واإلجازة32.............................
حكم تصرف الصغار الذين لم يبلغوا الحلم من الرجال ،وال المحيض من النساء32
حكم تصرفات السفيه البالغ33............................................................ :
حكم وصيته33.............................................................................. :
ما يفعله السفيه بعوض34................................................................ :
أفعال المحجورين ،أو المهملين على مذهب مالك :تنقسم إلى أربع أحوال34.....:
التفليس 35...................................................
إذا استغرق الدين مال المدين 35...............................................................
112
في ماذا يحجر عليه ،وبأي ديون تكون المحاصة في ماله ،وفي أي شيء من ماله تكون
المحاصة؟ وكيف تكون؟ 36....................................................................
هل ديون المفلس المؤجلة هل تحل بالتفليس أم ال؟ 37...................................
.المسألة الرابعة :فيما يرجع به أصحاب الديون من مال المفلس37..................:
إذا قبض البائع بعض الثمن39............................................................... :
الموت هل حكمه حكم الفلس ؟ 39..............................................................
من وجد سلعته بعينها عند المفلس ،وقد أحدث زيادة41..................................
وتحصيل مذهب مالك فيما يكون الغريم به أحق من سائر الغرماء في الموت والفلس،
أو في الفلس دون الموت41...................................................................:
في مقدار ما يترك للمفلس من ماله 42.......................................................
في معرفة الديون التي يحاص بها من الديون التي ال يحاص بها على مذهب مالك 42...
واختلفوا من هذا الباب في فرع طارئ ،وهو إذا هلك مال المحجور عليه بعد الحجر
وقبل قبض الغرماء :ممن مصيبته؟ 44....................................................
المفلس الذي ال مال له أصال 44...............................................................
المدين إذا ادعى الفلس ،ولم يعلم صدقه 44................................................
والمحجورون عند مالك 45......................................................................
5الصلح46...............................................
تعريف الصلح 46.............................................................................
واتفق المسلمون على جوازه على اإلقرار46...........................................
واختلفوا في جوازه على اإلنكار46.....................................................:
113
وأما الصلح على اإلنكار47................................................................ :
أما كراهيته 47.................................................................................
وأما وجه جوازه 47..........................................................................
6الكفالة 48.........................................
الكفالة بالمال 48 ..............................................................................
الكفالة بالنفس 48 ..........................................................................
الحكم الالزم عن الكفالة 48 ...............................................................
إذا غاب المتحمل عنه؛ ما حكم الحميل بالوجه 48 ....................................
إذا اشترط الوجه دون المال وصرح بالشرط 49.....................................
إذا حضر الضامن والمضمون وكالهما موسر 49 ...................................
محل الكفالة 49 ............................................................................
وقت وجوب مطالبة الكفالة بالمال 49 ..................................................
وقت وجوب الكفالة بالوجه 49 ...........................................................
أصناف المضمونين 49 ....................................................................
شروط الكفالة 51...........................................................................
ما تجوز فيه الحمالة بالمال مما ال تجوز 51..........................................
7الحوالة 51..............................................
تعريف الحوال 51...................................................................................
114
رضا من يعتبر في الحوالة 51....................................................................
الشروط التي اتفق عليها 51......................................................................
وللحوالة عند مالك ثالثة شروط51............................................................ :
أحكامها52......................................................................................... :
الوكالة 52..............................................
تعريف الوكالة 52 ............................................................................
الباب األول :في أركانها ،وهي النظر فيما فيه التوكيل ،وفي الموكل52 ..............
الركن األول :في الموكل52 ................................................................ .
الركن الثاني :في الوكيل 53..................................................................
الركن الثالث :فما فيه التوكيل53.......................................................... .
شرط محل التوكيل 54.........................................................................
ماال يصح فيه التوكيل 54......................................................................
الركن الرابع :الوكالة 54....................................................................
الباب الثاني :في أحكام الوكالة54.......................................................... .
األحكام :فمنها أحكام العقد ،ومنها أحكام فعل الوكيل54................................
متى يكون الوكيل معزوال ؟ 55...............................................................
أحكام الوكيل 55...............................................................................
إذا وكل على بيع شيء هل يجوز له أن يشتريه لنفسه؟ 55...........................
إذا وكله في البيع وكالة مطلقة 56.........................................................
وإذا اشترى الوكيل شيئا وأعلم أن الشراء للموكل 56 ..................................
115
الباب الثالث في مخالفة الموكل للوكيل56 ................................................
اختالف الوكيل مع الموكل56 ........................................................... ،
إذا اختلفا في ضياع المال56 ............................................................... ،
إذا اختلفا في الدفع57....................................................................... ،
اختالفهم في مقدار الثمن الذي به أمره بالشراء57 ................................... ،
اختالفهم في مقدار الثمن الذي أمره به في البيع57 ................................... ،
إذا اختلفا فيمن أمره بالدفع 57 ..............................................................
إذا فعل الوكيل فعال هو تعد 57 ...............................................................
116
هل البد من يمين صاحب اللقطة 62 ...........................................................
-5وأما ضالة الغنم 62 .........................................................................
أقسام اللقطة عند مالك 62 ......................................................................
-6وأما ضمانها 64........................................................................... ،
وتحصيل المذهب في ذلك أن واجد اللقطة عند مالك ال يخلو التقاطه لها من ثالثة أوجه:
64.........................................................................................
أحدها :أن يأخذها على جهة االغتيال لها65...............................................
والثاني :أن يأخذها على جهة االلتقاط65 .................................................. .
والثالث :أن يأخذها ال على جهة االلتقاط وال على جهة االغتيال65 ................. .
واختلفوا هل يرجع الملتقط بما أنفق على اللقطة على صاحبها أم ال؟ 65 ............
باب في اللقيط65 .............................................................................. .
قول في وجوب االشهاد على اللقيط 65 ......................................................
11الوديعة 67...............................................
تعريفها 67.........................................................................................
أحكام الوديعة 67.................................................................................
هل هي أمانة مضمونة أم ال؟ 67..............................................................
من دفعها إلى غير اليد التي دفعتها إليه 68...............................................
فإن أقر المدفوع إليه بالوديعة 68..........................................................
إذا أودعها بشرط الضمان 69................................................................
إذا أنفق الوديعة ،ثم رد مثلها ،أو أخرجها لنفقته ثم ردها 69........................
117
إذا سافر بها 71...............................................................................
ليس للمودع عنده أن يودع الوديعة غيره من غير عذر 71.........................
ويختلف في المذهب في ضمانها بالنسيان 71...........................................
وقبول الوديعة عند مالك ال يجب في حال 71...........................................
فيمن أودع ماال فتعدى فيه واتجر به فربح فيه ،هل ذلك الربح حالل له أم ال؟71.
11العارية72..................................................
تعريفها 72 .........................................................................................
وأركانها خمسة :اإلعارة ،والمعير ،والمستعير ،والمعار ،والصيغة72 ..............
-1اإلعارة 72 ...................................................................................
-2المعير 72 .....................................................................................
-3العارية 72 ....................................................................................
-4صيغة اإلعارة 72 ...........................................................................
هل هي عقد جائز أم الزم؟72..................................................................
-1هل هي مضمونة أو أمانة؟ 73............................................................
واتفقوا في اإلجارة على أنها غير مضمونة 73............................................
-2واختلفوا إذا شرط الضمان ؟74............................................................
-3إذا غرس المستعير وبنى ثم انقضت المدة التي استعار إليها74....................
-4واختلفوا من هذا الباب في الرجل يسأل جاره أن يعيره جداره ليغرز فيه
خشبة لمنفعته وال تضر صاحب الجدار 75..................................................
118
كتاب الغصب 76.......................................................
تعرفه 76............................................................................................
واختلفوا في السبب الذي يحصل بمباشرته الضمان إذا تناول التلف بواسطة
سبب آخر ،هل يحصل به ضمان أم ال؟ 76...................................................
ما يجب فيه الضمان فهو ما أتلفت عينه أو تلفت عند الغاصب عينه 77.............
119
من غصب أسطوانة فبنى عليها بناء يساوي قائما أضعاف قيمة األسطوانة89....،
االستحقاق91............................................... 13
تعريفه 91 ..........................................................................................
أنواع اإلستحقاق 91 ............................................................................
إذا لم يتغير الشيء المستحق 91 .............................................................
المستحق إما بزيادة أو نقصان91......................................
َ فإن تغير الشيء
غلة الشيء المستحق 91....................................................................
من أي وقت تصح الغلة للمستحق؟ 92 ....................................................
كراء األرض إذا استحقت 92 .................................................................
الهبات93........................................................... 14
تعريف الهبة 93 .................................................................................
األركان الهبة ثالثة :الواهب والموهوب له ،والهبة93 ..................................
) 1الواهب 93 .................................................................................
) 2أما الموهوب 94...........................................................................
هبة المشاع غير المقسوم 95................................................................
هبة المجهول والمعدوم المتوقع الوجود 95...............................................
الموهوب له 96.................................................................................
لمن يحوز االب من ولده 97..................................................................
120
شروط الحيازة في المسكون والملبوس للولد 97.......................................
واختلف في الذهب والورق 97.............................................................
هل الوصي يقوم في ذلك مقام األب ؟ 97..................................................
أنواع الهبات 98................................................................................
إذا لم يرض الواهب بالثواب ما الحكم؟ 98................................................
وأما هبات المنافع 99........................................................................
هبة االسكان إذا أتى بلفظ اإلسكان 111......................................................
جواز االعتصار في الهبة وهو الرجوع فيها 111.........................................
من تصدق على ابنه فمات االبن بعد أن حازها 111.......................................
الوصية112............................................. 15
تعريفها 112........................................................................................
واألركان أربعة :الموصي ،والموصى له ،والموصى به ،والصيغة112................
-1أما الموصي 112............................................................................ :
-2وأما الموصى له 113..................................................................... :
-إذا أجاز الورثة الوصية لوارث 113 .......................................................
الوصية للميت 113 .............................................................................
الوصية للقاتل خطأ وعمدا114............................................................. .
الموصى به والنظر في جنسه وقدره 114.................................................. :
واختلفوا فيمن لم يترك ورثة ،وفي القدر المستحب منها ،هل هو الثلث أو دونه؟114.
المستحب في مقدار الوصية 115..............................................................
وأما اختالفهم في جواز الوصية بأكثر من الثلث لمن ال وارث له115................ ،
121
القول في المعنى الذي يدل عليه لفظ الوصية 116..........................................
متى تجب الوصية للموصى له116............................................................ .
حكم من أوصى لرجل بالثلث ،وعين ما هو الثلث ،فقال الورثة :هو أكثر من الثلث116،
إذا لم يختلفوا أنه فوق الثلث ولم يردوا إعطاءه بعينه 117 ...............................
فيمن وجبت عليه زكاة فمات ولم يوص بها فهل هي من الثلث ،أو من رأس المال؟ 117
فإذا زاحمت الوصايا الزكاة قدمت 118.........................................................
ومن مسائلهم الحسابية المشهورة في هذا الباب ،إذا أوصى لرجل بنصف ماله
وآلخر بثلثيه ،ورد الورثة الزائد118........................................................ ،
إذا أوصى بجزء من ماله وله مال يعلم به ،ومال ال يعلم به118........................ ،
122
1القسمة
القسمة في اللغة :مأخوذة من قسم الشيء يقسمه ،قسما ،إذا جزأه ،يقال قسمت
الشيء بني الشركاء ،إذا أعطيت كل شريك قسمة.
واصطالحا :قال ابن عرفة " :القسمة تصيري مشاع من مملوك مالكني فأكثر معينا ولو
باختصاص تصرف فيه بقرعة أو تراض ".
أما الكتاب :فقوله تعاىل{ :وإذا حضر القسمة أولو القرىب} وقوله{ :مما قل منه أو كثر
نصيبا مفروضا}
يقسم الغنائيم.
عليه وسلم -خيرب على مثانيية عشر سهما ،وكان ي
النِب -صلى اهلل ي
وقسم ي
-وقول رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم « :-أميا دار قسمت يف اجلاهلية فهي على
قسم اجلاهلية ،وأميا دار أدركها اإلسالم ومل تقسم فهي على قسم اإلسالم» .
وأما اإلمجاع :فقد أمجعت األمة على جوا يز ي
الق ي
سمة.
ي
التصرف احد يمن الشر ي
كاء يمن سمة؛ لييتمكن كل و ي الناس حاجة إىل ي
الق ي وأما املعقول :فإن بي ي
كة وكثرةي ي
األيدي ،والسهمة إمنا جعلها الفقهاء يف وفق إرادته ،ويتخلص يمن ي
سوء املشار ي
القسمة :تطييبا لنفوس املتقامسني ،وهي موجودة يف الشرع يف مواضع:
123
منها :قوله تعاىل{ :فساهم فكان من املدحضني} وقوله{ :وما كنت لديهم إذ يلقون
أقالمهم أيهم يكفل مرمي}
ومن ذلك األثر الثابت الذي جاء فيه« :أن رجال أعتق ستة أعبد عند موته ،فأسهم رسول
اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -بينهم ،فأعتق ثلث ذلك الرقيق»
الركن االول :القاسم :ويكفي فيه الواحد ،ويقبل القاضي قوله ؛ إن كان بتوليته ،فإن
ويل القسم اثنان فهو أحسن.
قال ابن شاس ":ولينظر اإلمام رجالً يرضاه بقيمة لذلك ،وجيرى له عطاءه مع الناس ،كما
جيرى للقاضي وغريه ممن حيتاج إليه املسلمون ..فإذا أجري له عطاؤه من بيت املال أو من
الفيء مل حيل له أن يأخذ ممن يقسم بينهم شيئًا .،فإن مل جير له رزق فال بأس أن يأخذ
منهم ،ولو قسم احتساباً كان أفضل له." .
وهم كل من اشرتك يف مال مشاع ،بسبب من أسباب التملك ،فيقوم أحدهم أو كلهم
بطلب تعيني نصيب كل واحد منهم ،ليصبح كل شريك مالكا ملا خرج له ملكية مفرزة،
ويشرتط يف الطالب أن يكون تام التصرف ،وإال قام من ينوب عنه مقامه.
124
القسم األول قسمة رقاب األموال :إما أن تكون قابلة للكيل أو الوزن ،أو ال.
أوال :الرقاب التي تقبل الكيل أو الوزن :فقسمتها بالكيل فيما يكال ،وبالوزن فيما
يوزن.
ثانيا :الرقاب التي ال تقبل الكيل أو الوزن :فتنقسم بالجملة إلى ثالثة أقسام:
- 1قسمة قرعة بعد تقويم ،وتعديل .أي بعد أن يقوم الشيء ويعادل بغيره ،ومن
أهم أحكامها:
-أن الحكم بها واجب إذا دعى إليها أحد الشركاء ،ويجبر عليها من أباها فيما
ينقسم،
-أنها ال يصح إال فيما تماثل أو تجانس من األصول والحيوان والعروض ،ال فيما
اختلف وتباين من ذلك.
-يجب القيام فيها بالغبن إذا ثبت؛ ألن كل واحد منهما دخل على قيمة مقدرة
وذرع معلوم ،فإذا وجد نقصا من ذلك وجب له الرجوع به.
125
-أنها تصح في المكيل والموزون إال فيما كان منه صنفا واحدا مدخرا ال يجوز فيه
التفاضل.
-أنها متى ظهر فيها غبن في ذرع أو قيمة كان للمغبون الرجوع بذلك للعلة التي
قدمناها.
-هذه القسمة والتي قبلها اختلف العلماء فيها :هل هي تمييز حق أو بيع من
البيوع؟.
فنص مالك -رحمه اهلل -في المدونة على أنها بيع من البيوع.
وحجته أنها غير موقوفة على اختيار المتقاسمين بل قد تجوز فيها المخاطرة بالقرعة،
وذلك ينافي البيع ،فثبت أنها لتمييز الحق.
وابن رشد فرق بينهما فقال :واألظهر في قسمة القرعة أنها تمييز حق ،وفي قسمة
المراضاة بعد التعديل والتقويم أنها بيع من البيوع.
-تصح في المكيل والموزون إال فيما ال يجوز فيه التفاضل من الطعام .
126
-ال قيام فيها لواحد منهم على صاحبه بالغبن ،ألنه لم يأخذها أحد على قيمة
مقدرة ،وال على ذرع معلوم ،وإنما أخذه بعينه على أن يخرج فيما سواه من جميع
حقه سواء كان أقل منه أو أكثر كبيع المكايسة سواء.
-هذه القسمة ال يختلف العلماء فيها على أنها بيع من البيوع ،وإنما يحكم فيها
بحكم البيع فيما يطرأ من االستحقاق والرد بالعيوب وسائر األحكام المتعلقة بالبيوع.
-2وما ينقل ويحول ،وهذان قسمان :إما غير مكيل وال موزون ،وهو الحيوان،
والعروض.
-يجوز أن تقسم بالتراضي وبالسهمة إذا عدلت بالقيمة ،اتفق أهل العلم على ذلك
اتفاقا جممال ،وإن كانوا اختلفوا يف حمل ذلك وشروطه.
-القسمة في الرباع واألصول :ال تخلو أن تكون في محل واحد أو في محال كثيرة:
127
فإذا كانت في محل واحد ،فال يخلو ؛ إما أن تنقسم انقساما يصلح معه االنتفاع أو
ال.
-ال خالف في جواز هذه القسمة إذا انقسمت إلى أجزاء متساوية بالصفة ،ولم
تنقص منفعة األجزاء باالنقسام ،ويجبر الشركاء على ذلك.
القول األول :إنها تنقسم بينهم إذا دعا أحدهم إلى ذلك ،ولو لم يصر لواحد منهم
إال ما ال منفعة فيه ،مثل قدر القدم ،وهو قول مالك ،وبه قال ابن كنانة من أصحابه
فقط ،وهو قول أيب حنيفة ،والشافعي ،وعمدهتم يف ذلك قوله تعاىل{ :مما قل منه أو كثر
نصيبا مفروضا}
القول الثاني :ال يقسم إال أن يصير لكل واحد في حظه ما ينتفع به من غير مضرة
داخلة عليه في االنتفاع من قبل القسمة ،وإن كان ال يراعي يف ذلك نقصان الثمن .وهو
قول ابن القاسم.
القول الثالث :يقسم إذا صار لكل واحد منهم ما ينتفع به ،وإن كان من غري جنس
املنفعة اليت كانت يف االشرتاك أو كانت أقل .وهو قول ابن املاجشون:
128
القول الرابع :إن لم يصر في حظ كل واحد ما ينتفع به لم يقسم ،وإن صار في حظ
بعضهم ما ينتفع به ،وفي حظ بعضهم ما ال ينتفع به ،قسم وجبروا على ذلك ،سواء
دعا إىل ذلك صاحب النصيب القليل أو الكثري ،وهو قول مطرف.
وقيل جيرب إن دعا صاحب النصيب القليل ،وال جيرب إن دعا صاحب النصيب الكثري ،وقيل
بعكس هذا وهو ضعيف.
اختلفوا من هذا الباب فيما إذا قسم انتقلت منفعته إلى منفعة أخرى مثل الحمام:
فقال مالك :يقسم إذا طلب ذلك أحد الشريكني ،وبه قال أشهب.
فعمدة من منع القسمة :قوله -صلى اهلل عليه وسلم « :-ال ضرر وال ضرار» .
وعمدة من رأى القسمة قوله تعاىل{ :مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا}
ومن احلجة ملن مل ير القسمة حديث جابر ،عن أبيه« :ال تعضية على أهل املرياث إال ما
محل القسم» .والتعضية :التفرقة ،يقول :ال قسمة بينهم.
وأما إذا كان الرباع أكثر من واحد :فإهنا ال ختلو أيضا أن تكون من نوع واحد أو خمتلفة
األنواع:
-1فقال مالك :إذا كانت متفقة األنواع قسمت بالتقومي والتعديل والسهمة.
129
-2وقال أبو حنيفة ،والشافعي :بل يقسم كل عقار على حدته.
وعمدة أيب حنيفة والشافعي :أن كل عقار تعينه بنفسه ؛ألنه تتعلق به الشفعة.
واختلف أصحاب مالك إذا اختلفت األنواع يف النفاق ،وإن تباعدت مواضعها على ثالثة
أقوال.
إذا كانت الرباع خمتلفة االنواع ،مثل أن يكون منها دور ،ومنها حوائط ،ومنها أرض ،فال
خالف أنه ال جيمع يف القسمة بالسهمة.
-من شرط قسمة احلوائط املثمرة أن ال تقسم مع الثمرة إذا بدا صالحها باتفاق يف
املذهب ؛ ألنه يكون بيع الطعام بالطعام على رءوس الثمر وذلك مزابنة.
-أما قسمتها قبل بدو الصالح :ففيه اختالف بني أصحاب مالك:
أنه ال جييز ذلك قبل اإلبار حبال من األحوال ،ويعتل لذلك؛ ألنه يددي إىل بيع طعام
بطعام متفاضال ،ولذلك زعم أنه مل جيز مالك شراء الثمر الذي مل يطب بالطعام ،ال نسيئة
وال نقدا.
وأما إن كان بعد اإلبار ،فإنه ال جيوز عنده إال بشرط أن يشرتط أحدمها على اآلخر أن ما
وقع من الثمر يف نصيبه فهو داخل يف القسمة ،وما مل يدخل يف نصيبه فهم فيه على
الشركة ،والعلة يف ذلك عنده أنه جيوز اشرتاط املشرتي الثمر بعد اإلبار وال جيوز قبل اإلبار،
130
فكأن أحدمها اشرتى حظ صاحبه من مجيع الثمرات اليت وقعت له يف القسمة حبظه من
الثمرات اليت وقعت لشريكه واشرتط الثمر.
أن تقسم الفريضة ،وحتقق ،وتضرب إن كان يف سهامهم كسر إىل أن تصح السهام ،مث
يقوم كل موضع منها وكل نوع من غراساهتا ،مث يعدل على أقل السهام بالقيمة ،فرمبا عدل
جزء من موضع ثالثة أجزاء من موضع آخر على قيم األرضني ومواضعها ،فإذا قسمت
على هذه الصفات ،وعدلت كتبت يف بطائق أمساء األشراك ،وأمساء اجلهات ،فمن خرج
امسه يف جهة أخذ منها ،وقيل :يرمى باألمساء يف اجلهات ،فمن خرج امسه يف جهة أخذ
منها ،فإن كان أكثر من ذلك السهم ضوعف له حىت يتم حظه ،فهذه هي حال قرعة
السهم يف الرقاب.
وأما القسمة بالرتاضي سواء أكانت بعد تعديل وتقومي ،أو بغري تقومي وتعديل; فتجوز يف
الرقاب املتفقة واملختلفة; ألنه بيع من البيوع ،وإمنا حيرم فيها ما حيرم يف البيوع.
اتفق الفقهاء على أنه ال جيوز قسمة واحد منهما للفساد الداخل يف ذلك .واختلفوا إذا
تشاح الشريكان يف العني الواحدة منهما ،ومل يرتاضيا باالنتفاع هبا على الشياع ،وأراد
أحدمها أن يبيع صاحبه معه ،فقال مالك ،وأصحابه :جيرب على ذلك ،فإن أراد أحدمها أن
يأخذه بالقيمة اليت أعطى فيها أخذه .وقال أهل الظاهر :ال جيرب; ألن األصول تقتضي أن
ال خيرج ملك أحد من يده إال بدليل من كتاب ،أو سنة ،أو إمجاع.
131
وحجة مالك أن يف ترك اإلجبار ضررا ،وهذا من باب القياس المرسل ،وقد قلنا يف غري
ما موضع :إنه ليس يقول به أحد من فقهاء األمصار إال مالك ،ولكنه كالضروري يف بعض
األشياء.
فاتفق العلماء على قسمتها على الرتاضي من غري تقومي وال تعديل ،وال قرعة .
اختلف أصحاب مالك في تمييز الصنف الواحد الذي تجوز فيه السهمة من التي ال
تجوز:
-وأما ابن القاسم فاضطرب :فمرة أجاز القسم بالسهمة فيما ال جيوز تسليم بعضه يف
بعض ،فجعل القسمة أخف من السلم .ومرة منع القسمة فيما منع فيه السلم.
وقد قيل :إن مذهبه أن القسمة يف ذلك أخف ،وأن مسائله اليت يظن من قبلها أن القسمة
عنده أشد من السلم تقبل التأويل على أصله الثاين.
-وذهب ابن حبيب إىل أنه جيمع يف القسمة ما تقارب من الصنفني مثل اخلز ،واحلرير،
والقطن ،والكتان .وأجاز أشهب مجع صنفني يف القسمة بالسهمة مع الرتاضي ،وذلك
ضعيف; ألن الغرر ال جيوز بالرتاضي.
132
في أحكام قسمة المكيل أو الموزون:
فإن كان صنفا واحدا; فال خيلو أن تكون قسمته على االعتدال بالكيل أو الوزن إذا دعا
إىل ذلك أحد الشريكني،
-ال خالف يف جواز قسمة املكيل أو املوزون على الرتاضي ،وعلى التفضيل البني كان
ذلك من الربوي ،أو من غري الربوي (أعين :الذي ال جيوز فيه التفاضل) .
وأما إن كانت قسمته حتريا :فقيل ال جيوز يف املكيل ،وجيوز يف املوزون ،ويدخل يف ذلك
من اخلالف ما يدخل يف جواز بيعه حتريا.
-على مذهب مالك :إن كان ذلك مما ال جيوز فيه التفاضل :فال جتوز قسمتها على جهة
اجلمع إال بالكيل املعلوم فيما يكال ،وبالوزن بالصنجة املعروفة فيما يوزن; ألنه إذا كان
مبكيال جمهول مل يدر كم حيصل فيه من الصنف الواحد إذا كانا خمتلفني من الكيل املعلوم;
ألن أصل مذهبه أنه حيرم التفاضل يف الصنفني إذا تقاربت منافعهما ،مثل القمح والشعري.
133
-وأما إن كان مما جيوز فيه التفاضل :فيجوز قسمته على االعتدال ،والتفاضل البني
املعروف; باملكيال املعروف أو الصنجة املعروفة (أعين :على جهة اجلمع وإن كانا صنفني) ،
وهذا اجلواز كله يف املذهب على جهة الرضا.
وأما في واجب الحكم أي ما يلزم به القاضي الطالبني للقسمة ؛ فال تنقسم كل صربة
إال على حدة ،وإذا قسمت كل صربة على حدة جازت قسمتها باملكيال املعلوم واجملهول.
قسمة المنافع.
-ابن القاسم ال جتوز عنده قسمة املنافع بالسهمة ،وال جيرب عليها من أباها ،وال تكون
القرعة على قسمة املنافع.
وذهب أبو حنيفة ،وأصحابه إلى أنه يجبر على قسمة المنافع.
وقسمة املنافع هي عند اجلميع باملهايأة ،وذلك إما باألزمان ،وإما باألعيان:
أما قسمة المنافع باألزمان :فهو أن ينتفع كل واحد منهما بالعين مدة مساوية لمدة
انتفاع صاحبه.
وأما قسم األعيان :بأن يقسما الرقاب على أن ينتفع كل واحد منهما بما حصل له
مدة محدودة ،والرقاب باقية على أصل الشركة.
-ويف املذهب يف قسمة املنافع بالزمان اختالف يف حتديد املدة اليت جتوز فيها القسمة
لبعض املنافع دون بعض لالغتالل ،أو االنتفاع ،مثل استخدام العبد وركوب الدابة ،
وزراعة األرض ،وذلك أيضا فيما ينقل وحيول ،أو ال ينقل وال حيول.
134
فأما فيما ينقل ويحول :فال جيوز عند مالك ،وأصحابه يف املدة الكثرية ،وجيوز يف املدة
اليسرية ،وذلك يف االغتالل ،واالنتفاع.
واختلفوا يف املدة اليسرية فيما ينقل وحيول يف االغتالل :فقيل اليوم الواحد وحنوه ،وقيل :ال
جيوز ذلك يف الدابة والعبد .وأما االستخدام فقيل :جيوز يف مثل مخسة األيام ،وقيل :يف
الشهر وأكثر من الشهر قليال.
وأما فيما ال ينقل وال يحول :فيجوز يف املدة البعيدة ،واألجل البعيد ،وذلك يف االغتالل
واالنتفاع.
وأما التهايؤ في األعيان :بأن يستعمل هذا دارا مدة من الزمان ،وهذا دارا تلك المدة
بعينها،
-فقيل :جيوز يف سكىن الدار وزراعة األرضني ،وال جيوز ذلك يف الغلة والكراء إال يف الزمان
اليسري.
وكذلك القول يف استخدام العبد والدواب جيري القول فيه على االختالف يف قسمتها
بالزمان.
والقسمة من العقود الالزمة ال جيوز للمتقامسني نقضها ،وال الرجوع فيها إال بالطوارئ
عليها.
135
فأما الغبن :فال يوجب الفسخ إال يف قسمة القرعة باتفاق يف املذهب إال على قياس من
يرى له تأثري يف البيع ،فيلزم على مذهبه أن يدثر يف القسمة.
وأما الرد بالعيب :فإنه ال خيلو على مذهب ابن القاسم أن جيد العيب يف جل نصيبه أو
يف أقله.
فإن وجده يف جل نصيبه ؛ فإنه ال خيلو أن يكون النصيب الذي حصل لشريكه قد فات
أو مل يفت:
-فإن كان قد فات رد الواجد للعيب نصيبه على الشركة ،وأخذ من شريكه نصف قيمة
نصيبه يوم قبضه.
-وإن كان العيب يف أقل ذلك :رد ذلك األقل على أصل الشركة فقط ،سواء فات
نصيب صاحبه أو مل يفت ،ورجع على شريكه بنصف قيمة الزيادة ،وال يرجع يف شيء مما
يف يده ،وإن كان قائما بالعيب.
وقال عبد العزيز بن الماجشون :وجود العيب يفسخ القسمة اليت بالقرعة وال يفسخ اليت
بالرتاضي ; ألن اليت بالرتاضي هي بيع ،وأما اليت بالقرعة فهي متييز حق ،وإذا فسخت
بالغنب وجب أن تفسخ بالرد بالعيب.
136
وحكم االستحقاق عند ابن القاسم حكم وجود العيب :إن كان املستحق كثريا وحظ
الشريك مل يفت رجع معه شريكا فيما يف يديه ،وإن كان قد فات رجع عليه بنصف قيمة
ما يف يديه ،وإن كان يسريا رجع عليه بنصف قيمة ذلك الشيء.
وقال حممد :إذا استحق ما يف يد أحدمها بطلت القسمة يف قسمة القرعة؛ ألنه قد تبني أن
القسمة مل تقع على عدل كقول ابن املاجشون يف العيب.
وأما إذا طرأ على المال حق فيه مثل طوارئ الدين على التركة بعد القسمة ،أو طرو
الوصية أو طرو وارث،
فأما إن طرأ الدين :قيل يف املشهور يف املذهب ،وهو قول ابن القاسم :إن القسمة تنتقض
إال أن يتفق الورثة على أن يعطوا الدين من عندهم ،وسواء أكانت حظوظهم باقية
بأيديهم أو مل تكن ،هلكت بأمر من السماء أو مل هتلك.
وقد قيل أيضا :إن القسمة إمنا تنتقض بيد من بقي يف يده حظه ،ومل هتلك بأمر من
السماء.
وأما من هلك حظه بأمر من السماء فال يرجع هو على الورثة مبا بقي بأيديهم بعد أداء
الدين .وقيل :بل تنتقض القسمة وال بد ،حلق اهلل تعاىل لقوله{ :من بعد وصية يوصى هبا
أو دين}
137
وأما طرو الوارث على الشركة بعد القسمة ،وقبل أن يفوت حظ كل واحد منهم :فال
تنتقض القسمة ،وأخذ من كل واحد حظه إن كان ذلك مكيال ،أو موزونا ،وإن كان
حيوانا ،أو عروضا انتقضت القسمة.
وهل يضمن كل واحد منهم ما تلف يف يده بغري سبب منه؟ فقيل :يضمن ،وقيل :ال
يضمن.
واصطالحا :احتباس العين وثيقة بالحق ،ليستوفي الحق من ثمنها أو من ثمن منافعها عند
تعذر أخذه من الغريم .
واألصل يف هذا الكتاب قوله تعاىل{ :ومل جتدوا كاتبا فرهان مقبوضة} ويف السنة ,فعل النِب صلى
اهلل عليه وسلم (( :أنه مات ودرعه مرهونة عند يهودي
األركان هي النظر يف الراهن ،واملرهون ،واملرهتن ،والشيء الذي فيه الرهن ،وصفة عقد الرهن.
والوصي عند مالك يرهن ملن يلي النظر عليه إذا كان ذلك سدادا ،ودعت إليه الضرورة.
واتفق مالك ،والشافعي على أن املفلس ال جيوز رهنه .وقال أبو حنيفة :جيوز.
138
رهنه؟ الذي أحاط الدين بماله هل يجوز
اختلف قول مالك فيه :هل يلزم أم ال يلزم؟
فاملشهور عنه أنه ال جيوز ،واخلالف آيل إىل هل املفلس حمجور عليه أم ال؟ .
الثاين :أن ال ميتنع إثبات يد الراهن على املرتَ َهن عليه كاملصحف.
ومالك جييز رهن املصحف ،وال يقرأ فيه املرهتن ،واخلالف مبين على بيع املصحف هل جيوز أم ال؟
-وعن الشافعي قوالن يف رهن الثمر الذي مل يبد صالحه ،ويباع عنده عند حلول الدين على شرط
القطع .قال أبو حامد :واألصح جوازه.
-وليس من شرط الرهن أن يكون ملكا للراهن ال عند مالك ،وال عند الشافعي ،بل قد جيوز
عندمها أن يكون مستعارا.
139
-واتفقوا على أن من شرطه أن يكون إقراره يف يد املرهتن من قبل الراهن.
إذا قبض المرتهن الرهن بغصب ،هل ينقل إلى ضمان الرهن؟
واختلفوا إذا كان قبض املرهتن له بغصب ،مث أقره املغصوب منه يف يده رهنا :فقال مالك :يصح أن
املغصوب
َ املغصوب منه الشيءَ
ُ ينقل الشيء املغصوب من ضمان الغصب إىل ضمان الرهن ،فيجعل
رهنا يف يد الغاصب قبل قبضه منه.
ويرده. وقال الشافعي :ال جيوز ،بل يبقى على ضمان الغصب إال أن يقبضه .الراهن
رهن المشاع:
واختلفوا فيه فمنعه أبو حنيفة ،وأجازه مالك ،والشافعي.
-وقال قوم من أهل الظاهر :ال جيوز أخذ الرهن إال يف السلم خاصة (أي :يف املسلم فيه) ،وهدالء
ذهبوا إىل ذلك لكون آية الرهن واردة يف الدين يف املبيعات ،وهو السلم عندهم ،فكأهنم جعلوا هذا
شرطا من شروط صحة الرهن؛ ألنه قال يف أول اآلية{ :يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إىل أجل
مسمى فاكتبوه} ،مث قال{ :وإن كنتم على سفر ومل جتدوا كاتبا فرهان مقبوضة}
فعلى مذهب مالك :جيوز أخذ الرهن يف السلم ،ويف القرض ،ويف قيم املتلفات ،ويف أروش اجلنايات
يف األموال ،ويف جراح العمد الذي ال قود فيه كاملأمومة واجلائفة.
وأما قتل العمد ،والجراح التي يقاد منها فيتخرج يف جواز أخذ الرهن يف الدية فيها إذا عفا
الويل قوالن:
140
أحدهما :أن ذلك جيوز ،وذلك على القول بأن الويل خمري يف العمد بني الدية والقود.
والقول الثاني :أن ذلك ال جيوز ،وذلك أيضا مبين على أن ليس للويل إال القود فقط إذا أىب اجلاين
من إعطاء الدية.
وجيوز يف قتل اخلطإ أخذ الرهن ممن يتعني من العاقلة ،وذلك بعد احللول.
-وجيوز أخذه يف اإلجارات ،وجيوز يف اجلعل بعد العمل ،وال جيوز قبله - .وجيوز الرهن يف املهر.
-وال جيوز يف احلدود وال يف القصاص وال يف الكتابة ،وباجلملة فيما ال تصح فيه الكفالة.
والثاني :أن يكون واجبا ،فإنه ال يرهن قبل الوجوب ،مبعىن أن يكون ثابتا مثل أن يسرتهنه مبا
يستقرضه ،وجيوز ذلك عند مالك.
والثالث :أن ال يكون لزومه متوقعا أن جيب ،وأن ال جيب كالرهن يف الكتابة ،وهذا املذهب قريب
من مذهب مالك.
الشروط الرهن المنطوق بها في الشرع ضربان :شروط صحة ،وشروط فساد.
فأما شروط الصحة المنطوق بها في الرهن شرطان:
141
والثاني :خمتلف يف اشرتاطه.
فأما القبض :فاتفقوا باجلملة على أنه شرط يف الرهن لقوله تعاىل{ :فرهان مقبوضة}
وفائدة الفرق :أن من قال :شرط صحة قال :ما مل يقع القبض مل يلزم الرهن الراهن.
ومن قال :شرط متام قال :يلزم العقد وجيرب الراهن على اإلقباض إال أن يرتاخى املرهتن عن املطالبة
حىت يفلس الراهن ،أو ميرض ،أو ميوت.
فذهب مالك إىل أنه من شروط التمام ،وعمدته :قياس الرهن على سائر العقود الالزمة بالقول.
وذهب أبو حنيفة ،والشافعي ،وأهل الظاهر إىل أنه من شروط الصحة .وعمدتهم قوله تعاىل:
{فرهان مقبوضة}
وقال بعض أهل الظاهر :ال جيوز الرهن إال أن يكون هنالك كاتب ؛ لقوله تعاىل{ :ومل جتدوا كاتبا
فرهان مقبوضة} وال جيوز أهل الظاهر أن يوضع الرهن على يدي عدل.
فمالك عمم الشرط على ظاهره ،فألزم من قوله تعاىل{ :فرهان مقبوضة }وجود القبض واستدامته.
والشافعي يقول :إذا وجد القبض فقد صح الرهن وانعقد ،فال حيل ذلك إعارته وال غري ذلك من
التصرف فيه كاحلال يف البيع.
142
واتفقوا على جوازه يف السفر .واختلفوا يف احلضر; فذهب اجلمهور إىل جوازه.
وقال أهل الظاهر ،وجماهد :ال جيوز يف احلضر لظاهر قوله تعاىل{ :وإن كنتم على سفر} ومتسك
اجلمهور مبا ورد من« :أنه -صلى اهلل عليه وسلم -رهن يف احلضر » .
والقول يف استنباط منع الرهن يف احلضر من اآلية هو من باب دليل اخلطاب = .مفهوم املخالفة.
وأما الشرط المحرم الممنوع بالنص فهو :أن يرهن الرجل رهنا على أنه إن جاء حبقه عند
أجله ،وإال فالرهن له؛ فاتفقوا على أن هذا الشرط يوجب الفسخ ،وأنه معىن قوله -عليه الصالة
والسالم « :-ال يَغلَ ُق الرهن» َغليق من فريح ،فريح يفَرح فرحا ،يقال :غليق الرهن إذا امتنعُ ،منع
صاحبه منه".
-إذا وكل الراهن املرهتن على بيع الرهن عند حلول األجل جاز; وكرهه مالك إال أن يرفع األمر إىل
السلطان.
وقال قوم :بل يبقى من الرهن بيد املرهتن بقدر ما يبقى من احلق.
وحجة الجمهور :أنه حمبوس حبق ،فوجب أن يكون حمبوسا بكل جزء منه ،أصله حبس الرتكة على
الورثة حىت يددوا الدين الذي على امليت.
143
وحجة الفريق الثاني :أن مجيعه حمبوس جبميعه ،فوجب أن يكون أبعاضه حمبوسة بأبعاضه ،أصله
الكفالة.
أن مناء الرهن املنفصل ال يدخل شيء منه يف الرهن (أعين :الذي حيدث منه يف يد املرهتن)، األول:
وممن قال هبذا القول الشافعي.
من رأى أن مناء الرهن وغلته للراهن :قوله -عليه الصالة والسالم « :-الرهن حملوب وعمدة
ومركوب » .قالوا :ووجه الدليل من ذلك أنه مل يرد بقوله« :مركوب وحملوب» ; أي يركبه الراهن
وحيلبه; ألنه كأن يكون غري مقبوض ،وذلك مناقض لكونه رهنا ،فإن الرهن من شرطه القبض ،قالوا:
وال يصح أن يكون معناه أن املرهتن حيلبه ويركبه ،فلم يبق إال أن يكون املعىن يف ذلك أن أجرة ظهره
لربه ،ونفقته عليه.
واستدلوا أيضا بعموم قوله -عليه الصالة والسالم « :-الرهن ممن رهنه ،له غنمه ،وعليه غرمه» .
قالوا :وألنه مناء زائد على ما رضيه رهنا ،فوجب أن ال يكون له إال بشرط زائد.
الثاني :أن مجيع النماء احلاصل للذات املرهونة يدخل يف الرهن ،وممن قال هبذا القول أبو حنيفة
والثوري.
وعمدة أبي حنيفة :أن الفروع تابعة لألصول فوجب هلا حكم األصل; ولذلك حكم الولد تابع
حلكم أمه يف التدبري والكتابة.
144
التفصيل وهو قول مالك وبيانه :أن ما كان من مناء الرهن املنفصل على خلقته وصورته، الثالث:
فإنه داخل يف الرهن كولد اجلارية مع اجلارية ،وولد الناقة مع الناقة ..
وأما ما مل يكن على خلقته فإنه ال يدخل يف الرهن ،كان متولدا عنه كثمر النخل ،أو غري متولد
ككراء الدار وخراج الغالم.
بأن الولد حكمه حكم أمه يف البيع (أي :هو تابع هلا) ،وفرق بني الثمرة وأما مالك فاحتج
والولد يف ذلك بالسنة املفرقة يف ذلك ،فولد اجلارية يتبع بغري شرط .وهو قول النِب صلى اهلل عليه
وسلم :من فرق بني الوالدة وولدها فرق بينه وبني أحبته يوم القيامة" ..وأما الثمر فال يتبع بيع األصل
إال بالشرط ،لقوله صلى اهلل عليه وسلم :من باع خنال قد أبرت فثمرهتا للبائع إال أن يشرتط
املبتاع ".
قوم :إذا كان الرهن حيوانا فللمرهتن أن حيلبه ويركبه بقدر ما يعلفه وينفق عليه ،وهو قول وقال
أمحد وإسحاق ،واحتجوا مبا رواه أبو هريرة عن النِب -عليه الصالة والسالم -أنه قال« :الرهن
حملوب ومركوب» .
فقال قوم :الرهن أمانة وهو من الراهن ،والقول قول املرهتن مع ميينه أنه ما فرط فيه
وما جىن عليه ،وممن قال هبذا القول الشافعي ،وأمحد ،وأبو ثور ،ومجهور أهل احلديث.
145
وعمدتهم :حديث سعيد بن املسيب ،عن أيب هريرة أن النِب -صلى اهلل عليه وسلم -قال:
«ال يغلق الرهن وهو ممن رهنه ،له غنمه ،وعليه غرمه» (أي :له غلته وخراجه ،وعليه افتكاكه،
ومصيبته منه) .قالوا :وقد رضي الراهن أمانته فأشبه املودع عنده.
وأما أبو حنيفة ،وأصحابه :فتأولوا قوله -عليه الصالة والسالم « :-له غنمه وعليه غرمه» ،أن
غنمه ما فضل منه على الدين ،وغرمه ما نقص.
وقال قوم :الرهن من المرتهن ومصيبته منه ،وممن قال هبذا القول أبو حنيفة ،ومجهور
الكوفيني.
وعمدتهم :أنه عني تعلق هبا حق االستيفاء ابتداء ،فوجب أن يسقط بتلفه ،أصله تلف املبيع عند
البائع إذا أمسكه حىت يستويف الثمن ،وهذا متفق عليه من اجلمهور ،وإن كان عند مالك كالرهن.
ورمبا احتجوا مبا روي عن النِب -صلى اهلل عليه وسلم « :-أن رجال ارهتن فرسا من رجل ،فنفق يف
يده ،فقال -عليه الصالة والسالم -للمرهتن " :ذهب حقك» .
والذين قالوا بالضمان انقسموا قسمين:
فمنهم من رأى أن الرهن مضمون باألقل من قيمته ،أو قيمة الدين ،وبه قال أبو حنيفة،
وسفيان ،ومجاعة.
ومنهم من قال :هو مضمون بقيمته قلت أو كثرت ،وإنه إن فضل للراهن شيء فوق دينه
وإسحاق. أخذه من املرهتن ،وبه قال علي بن أيب طالب ،وعطاء،
وفرق قوم بين ما ال يغاب عليه مثل الحيوان ،والعقار مما ال يخفى هالكه ،وبني ما
يغاب عليه من العروض ،فقالوا :هو ضامن فيما يغاب عليه ،ومدمتن فيما ال يغاب عليه ،وممن قال
146
هبذا القول مالك ،واألوزاعي ،وعثمان البيت ،إال أن مالكا يقول :إذا شهد الشهود هبالك ما يغاب
عليه من غري تضييع ،وال تفريط ،فإنه ال يضمن .وبقول مالك قال ابن القاسم.
وعمدته :أن التهمة تلحق فيما يغاب عليه ،وال تلحق فيما ال يغاب عليه .وهذا استحسان ومعىن
االستحسان عند مالك هو مجع بني األدلة املتعارضة ،فضعفه قوم وقالوا :إنه مثل استحسان أيب
حنيفة ،وحدوا االستحسان بأنه قول بغري دليل.
قال أشهب .واألوزاعي وعثمان البيت :بل يضمن على كل حال قامت بينة أو مل تقم، .
قال مالك :وإن زعم املرهتن أن إجازته ليتعجل حقه حلف على ذلك ،وكان له .وقال قوم :جيوز
بيعه .بدون حلف
وإن كان الرهن غالما ،أو أمة فأعتقها الراهن؛ فعند مالك أنه إن كان الراهن موسرا جاز عتقه وعجل
للمرهتن حقه ،وإن كان معسرا بيعت وقضي احلق من مثنها .وعند الشافعي ثالثة أقوال :الرد،
واإلجازة ،والثالث :مثل قول مالك.
وأما اختالف الراهن ،والمرتهن في قدر الحق الذي وجب به الرهن:
فقال مالك :القول قول املرهتن فيما ذكره من قدر احلق ما مل تكن قيمة الرهن أقل من ذلك ،فما زاد
على قيمة الرهن فالقول قول الراهن.
وقال الشافعي ،وأبو حنيفة ،والثوري ،ومجهور فقهاء األمصار :القول يف قدر احلق قول الراهن.
وعمدة اجلمهور :أن الراهن مدعى عليه ،واملرهتن مدع ،فوجب أن تكون اليمني على الراهن على
ظاهر السنة املشهورة.
147
وعمدة مالك هاهنا :أن املرهتن وإن كان مدعيا فله هاهنا شبهة بنقل اليمني إىل حيزه ،وهو كون
الرهن شاهدا له ،ومن أصوله أن حيلف أقوى املتداعيني شبهة ،وهذا ال يلزم عند اجلمهور; ألنه قد
يرهن الراهن الشيء وقيمته أكثر من املرهون فيه.
وأما إذا تلف الرهن ،واختلفوا في صفته :فالقول هاهنا عند مالك قول املرهتن؛ ألنه مدعى عليه،
وهو مقر ببعض ما ادعى عليه وهذا على أصوله ،فإن املرهتن أيضا هو الضامن فيما يغاب عليه.
وأما على أصول الشافعي ،فال يتصور على املرهتن ميني إال أن يناكره الراهن يف إتالفه.
وأما عند أيب حنيفة فالقول قول املرهتن يف قيمة الرهن ،وليس حيتاج إىل صفة; ألن عند مالك حيلف
على الصفة ،وتقومي تلك الصفة.
وإذا اختلفوا يف األمرين مجيعا (أعين :يف صفة الرهن ،ويف مقدار الرهن) كان القول قول املرهتن يف
صفة الرهن ،ويف احلق ما كانت قيمته الصفة اليت حلف عليها شاهدة له ،وفيه ضعف.
وهل يشهد احلق لقيمة الرهن إذا اتفقا يف احلق ،واختلفا يف قيمة الرهن؟ يف املذهب فيه قوالن،
واألقيس الشهادة ؛ ألنه إذا شهد الرهن للدين شهد الدين للمرهون.
3كتاب الحجر
الباب األول :في أصناف المحجورين:
الثاني :متى يخرجون من الحجر ،ومتى يحجر عليهم ،وبأي شروط يخرجون؟
148
احلجر لغة املنع من التصرف ويف الشرع " صفة حكمية توجب منع موصوفها نفوذ تصرفه
يف الزائد على قوته أو تربعه مباله " .
أجمع العلماء على وجوب الحجر على األيتام الذين لم يبلغوا الحلم لقوله تعاىل:
{وابتلوا اليتامى حىت إذا بلغوا النكاح}
اختلف العلماء في الحجر على العقالء الكبار إذا ظهر منهم تبذير ألموالهم:
فذهب مالك ،والشافعي ،وأهل المدينة ،وكثير من أهل العراق وهو مذهب ابن عباس،
وابن الزبري .إىل جواز ابتداء احلجر عليهم حبكم احلاكم ،وذلك بشرطني:
-2أن يعذر إليهم فيما ثبت عنده من سفههم ،فلم يكن عندهم مدفع.
أن الحجر على الصغار إنما وجب لمعنى التبذير الذي يوجد فيهم غالبا ،فوجب أن
يجب الحجر على من وجد فيه هذا المعنى ،وإن لم يكن صغيرا.
قالوا :ولذلك اشرتط يف رفع احلجر عنهم مع ارتفاع الصغر إيناس الرشد ،قال اهلل تعاىل:
{فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أمواهلم} فدل هذا على أن السبب المقتضي
للحجر هو السفه.
149
وذهب أبو حنيفة ،وجماعة من أهل العراق إىل أن ال يبتدأ احلجر على الكبار ،وهو قول
إبراهيم ،وابن سريين.
-1فمنهم من قال :الحجر ال يجوز عليهم بعد البلوغ بحال ،وإن ظهر منهم
التبذير.
-2ومنهم من قال :إن استصحبوا التبذير من الصغر يستمر الحجر عليهم ،وإن ظهر
منهم رشد بعد البلوغ ،ثم ظهر منهم سفه ،فهؤالء ال يبدأ بالحجر عليهم.
وأبو حنيفة حيد يف ارتفاع احلجر ،وإن ظهر سفهه مخسة وعشرين عاما.
وعمدة احلنفية :حديث حبان بن منقذ« :إذ ذكر فيه لرسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -
أنه خيدع يف البيوع ،فجعل له رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -الخيار ثالثا ،ولم
يحجر عليه» .
وربما قالوا :الصغر هو المؤثر في منع التصرف بالمال ،بدليل تأثريه يف إسقاط
التكليف ،وإمنا اعترب الصغر ; ألنه الذي يوجد فيه السفه غالبا ،كما يوجد فيه نقص
العقل غالبا؛ ولذلك جعل البلوغ عالمة وجوب التكليف وعالمة الرشد ؛ إذ كانا
يوجدان فيه غالبا (ونعني :العقل والرشد) ،وكما مل يعترب النادر يف التكليف (أعين :أن
يكون قبل البلوغ عاقال فيكلف؛ كذلك مل يعترب النادر يف السفه ،وهو أن يكون بعد البلوغ
سفيها فيحجر عليه ،كما مل يعترب كونه قبل البلوغ رشيدا.
قالوا :وقوله تعاىل{ :وال تدتوا السفهاء أموالكم} ،ليس فيها أكثر من منعهم من
أموالهم ،وذلك ال يوجب فسخ بيوعها وإبطالها.
150
المسألة الثالثة :في أصناف المحجورين عند مالك
الباب الثاني :متى يخرجون من الحجر ،ومتى يحجر عليهم ،وبأي شروط يخرجون؟
والنظر يف هذا الباب يف موضعني :يف وقت خروج الصغار من احلجر ،ووقت خروج
السفهاء .فنقول:
الصغار باجلملة صنفان :ذكور ،وإناث ،وكل واحد من هدالء إما ذو أب ،وإما ذو وصي،
وإما مهمل ،وهم الذين يبلغون وال وصي هلم وال أب.
اتفق العلماء على أهنم ال خيرجون من احلجر إال ببلوغ سن التكليف ،وإيناس الرشد
منهم ،وإن كانوا قد اختلفوا يف الرشد ما هو ،وذلك لقوله تعاىل{ :وابتلوا اليتامى حىت إذا
بلغوا النكاح ،فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أمواهلم}
وأما اختالفهم في الرشد ما هو؟ فإن مالكا يرى أن الرشد هو تثمير المال وإصالحه
فقط ،والشافعي يشترط مع هذا صالح الدين .وسبب اختالفهم :هل ينطلق اسم
الرشد على غير صالح الدين؟
قال ابن عاصم :الرشد حفظ املال مع حسن النظر ...وبعضهم له الصالح معترب ،قال
شارحوه ":يعين أن حقيقة الرشد هي حفظ املال مع حسن النظر فيه ،وهذا هو املعتمد يف
151
املذهب ،وهو قول ابن القاسم ،وعن بعضهم أنه زاد فيها صالح الحال أيضا ،فهي
عنده حفظ املال وحسن النظر فيه وصالح احلال ،قال ابن سلمون :واختلف هل من
شرطه الصالح يف الدين أم ال ؟ على قولني ،قال املدنيون من أصحاب مالك :الرشد هو
صحة العقل وصالح الدين وتثمري املال وحفظه ،وقال ابن القاسم إذا أمثر ماله وحاطه
استوجب اسم الرشد وإن كان غري مرضي احلال وبذلك احلكم.
-1ذهب الجمهور إلى أن حكم اإلناث في ذلك حكم الذكور (أعين :بلوغ احمليض،
وإيناس الرشد) .
-2وقال مالك :هي في والية أبيها -يف املشهور عنه -حتى تتزوج ،ويدخل بها
زوجها ،ويؤنس رشدها ،وروي عنه مثل قول اجلمهور.
إنها في والية أبيها حتى يمر بها سنة بعد دخول زوجها بها.
وقيل :حتى يمر بها عامان .وقيل :حتى تمر بها سبعة أعوام.
وحجة مالك :أن إيناس الرشد ال يتصور من المرأة إال بعد اختبار الرجال .وأما أقاويل
أصحابه فضعيفة خمالفة للنص ،والقياس :أما خمالفتها للنص :فإهنم مل يشرتطوا الرشد .وأما
خمالفتها للقياس :فألن الرشد ممكن تصوره منها قبل هذه املدة احملدودة.
152
وإذا قلنا على قول مالك ال على قول اجلمهور :إن االعتبار يف الذكور ذوي اآلباء البلوغ،
وإيناس الرشد.
فاختلف قول مالك إذا بلغ ولم يعلم سفهه من رشده ،وكان مجهول الحال :فقيل
عنه :إنه محمول على السفه حتى يتبين رشده ،وهو المشهور .وقيل عنه :إنه محمول
على الرشد حتى يتبين سفهه.
وحكمهم أنهم ال خيرجون من الوالية يف املشهور عن مالك إال بإطالق وصيه له من
احلجر( ،أي :يقول فيه إنه رشيد) إن كان مقدما من قبل األب بال خالف ،أو بإذن
القاضي مع الوصي إن كان مقدما من غري األب على اختالف يف ذلك.
وقد قيل في وصي األب :إنه ال يقبل قوله يف أنه رشيد حىت يعلم رشده ،وقد قيل :إن
حاله مع الوصي كحاله مع األب خيرجه من احلجر إذا آنس منه الرشد ،وإن مل خيرجه
وصيه باإلشهاد ،وإن اجملهول احلال يف هذا حكمه حكم اجملهول احلال ذي األب.
وأما ابن القاسم فمذهبه أن الوالية غير معتبر ثبوتها إذا علم الرشد ،وال سقوطها إذا
علم السفه ،وهي رواية عن مالك ،وذلك من قوله يف اليتيم ال يف البكر.
والفرق بين المذهبين :أن من يعتبر الوالية يقول أفعاله كلها مردودة وإن ظهر رشده
حتى يخرج من الوالية ،وهو قول ضعيف ،فإن المؤثر هو الرشد ال حكم الحاكم.
153
وحال البكر مع الوصي كحال الذكر ،ال خترج من الوالية إال باإلخراج ما مل تعنس على
اختالف يف مدة التعنيس .قال (ابن سلمون) واختلف يف حد التعنيس يف هذه على أربعة
أقوال :قيل :ثالثون.
وقيل :أقل .وقيل :أربعون .وقيل :من اخلمسني إىل الستني انتهى باختصار
وقيل :حاهلا مع الوصي كحاهلا مع األب ،وهو قول ابن املاجشون .ومل خيتلف قوهلم إنه ال
يعترب فيها الرشد كاختالفهم يف اليتيم.
وأما المهمل من الذكور :فإن املشهور أن أفعاله جائزة إذا بلغ احللم كان سفيها متصل
السفه ،أو غري متصل السفه ،معلنا به أو غري معلن .وأما ابن القاسم فيعترب نفس فعله إذا
وقع ،فإن كان رشدا جاز ،وإال رده.
وأما المهمل من النساء اليتيمة التي ال أب لها وال وصي :فإن فيها يف املذهب قولني:
أحدمها :أن أفعاهلا جائزة إذا بلغت احمليض .والثاين :أفعاهلا مردودة ما مل تعنس ،وهو
املشهور.
أوال :حكم تصرف الصغار الذين لم يبلغوا الحلم من الرجال ،وال المحيض من
النساء.
154
-ال خالف في المذهب في أنه ال يجوز له في ماله معروف بغير عوض ؛ من هبة،
وال صدقة ،وال عطية ،وال عتق ،وإن أذن له األب يف ذلك ،أو الوصي ،فإن أخرج من يده
شيئا بغري عوض كان موقوفا على نظر وليه ؛ إن كان له ويل ،فإن رآه رشدا أجازه ،وإال
أبطله ،وإن مل يكن له ويل ،قدم له ويل ينظر يف ذلك ،وإن عمل يف ذلك -حىت يلي
أمره -كان النظر إليه يف اإلجازة ،أو الرد.
واختلف إذا كان فعله سدادا ونظرا ؛ فيما كان يلزم الولي أن يفعله :هل له أن ينقضه
إذا آل األمر إىل خالف حبوالة األسواق ،أو مناء فيما باعه ،أو نقصان فيما ابتاعه:
فاملشهور أن ذلك له ،وقيل إن ذلك ليس له.
-ويلزم الصغير ما أفسد في ماله مما لم يؤتمن عليه .واختلف فيما أفسد وكسر مما
اؤمتن عليه.
-وال يلزمه بعد بلوغه ورشده عتق ما حلف بحريته في صغره وحنث به في صغره.
واختلف فيما حنث فيه يف كربه وحلف به يف صغره :فاملشهور أنه ال يلزمه .وقال ابن
كنانة :يلزمه.
-وال يلزمه فيما ادعي عليه يمين .واختلف إذا كان له شاهد واحد :هل يحلف معه؟
فالمشهور أنه ال يحلف ،وروي عن مالك ،والليث أنه يحلف.
وحال البكر ذات األب والوصي كالذكر ما لم تعنس على مذهب من يعتبر تعنيسها.
155
جمهور العلماء على أن السفيه البالغ المحجورعليه إذا طلق زوجته ،أو خالعها مضى
طالقه ،وخلعه ،إال ابن أيب ليلى ،وأبا يوسف ،وخالف ابن أيب ليلى يف العتق فقال :إنه
ينفذ .وقال اجلمهور :إنه ال ينفذ.
-2حكم وصيته:
وال تلزمه هبة ،وال صدقة ،وال عطية ،وال عتق ،وال شيء من المعروف إال أن يعتق أم
ولده ،فيلزمه عتقها ،وهذا كله يف املذهب ،وهل يتبعها ماهلا؟ فيه خالف :قيل :يتبع،
وقيل :ال يتبع ،وقيل :بالفرق بني القليل والكثري.
وأما ما يفعله بعوض :فهو أيضا موقوف على نظر وليه إن كان له ويل ،فإن مل يكن له ويل
قدم له ويل ،فإن رد بيعه الويل وكان قد أتلف الثمن مل يتبع من ذلك بشيء ،وكذلك إن
أتلف عني املبيع.
أفعال المحجورين ،أو المهملين على مذهب مالك :تنقسم إلى أربع أحوال:
- 2ومنهم ضد هذا ،وهو أن تكون أفعاله كلها محمولة على الرشد ،وإن ظهر فيها
ما هو سفه.
- 4وعكس هذا أيضا أن تكون أفعاله كلها محمولة على الرشد حتى يتبين سفهه.
156
-1فأما الذي يحكم له بالسفه ،وإن ظهر رشده ؛ فهو الصغير الذي لم يبلغ،
والبكر ذات األب والوصي ما لم تعنس على مذهب من يعتبر التعنيس.
-2والذي يحكم له بحكم الرشد ،وإن علم سفهه :فمنه :السفيه إذا لم تثبت عليه
والية من قبل أبيه ،وال من قبل السلطان على مشهور مذهب مالك ،خالفا البن
القاسم الذي يعترب نفس الرشد ال نفس الوالية ،والبكر اليتيمة املهملة على مذهب
سحنون.
-2البكر ذات األب التي ال وصي لها إذا تزوجت ودخل بها زوجها ما لم يظهر
رشدها ،أوما مل تبلغ احلد املعترب يف ذلك من السنني عند من يعترب ذلك.
-وأما الحال التي يحكم فيها بحكم الرشد حتى يتبين السفه:
-2البنت اليت دخل هبا زوجها ومضى لدخوله احلد املعترب من السنني عند من يعترب احلد.
-4االبنة البكر بعد بلوغها على الرواية اليت ال تعترب فيها دخوهلا مع زوجها.
157
:4التفليس
وعرفه ابن عرفة ":حكم الحاكم بخلع كل مال المدين لغرمائه لعجزه عن قضاء ما لزمه" وله معنيان
أحدهما :أن يستغرق الدين مال المدين ،فال يكون في ماله وفاء بديونه .والثاني :أن ال يكون له مال
معلوم أصال .وفي كال الفلسين قد اختلف العلماء في أحكامهما
فيه خالف القول األول وبه قال مالك ،والشافعي :.أن يحجر عليه الحاكم التصرف في ماله حتى
يبيعه عليه ويقسمه على الغرماء على نسبة ديونهم إن كان مليا ،أو يحكم عليه باإلفالس ويحجر
عليه التصرف،إن لم يكن مليا وحجتهم« :حديث معاذ بن جبل " :أنه كثر دينه في عهد رسول اهلل
-صلى اهلل عليه وسلم -فلم يزد غرماءه على أن جعله لهم من ماله» .وحديث أبي سعيد
الخدري« :أن رجال أصيب على عهد رسول اهلل في ثمر ابتاعها ،فكثر دينه ،فقال رسول اهلل -
صلى اهلل عليه وسلم :-تصدقوا عليه ،فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء بدينه ،فقال رسول
اهلل -صلى اهلل عليه وسلم :-خذوا ما وجدتم ،وليس لكم إال ذلك» :القول الثاني وبه قال أبو
حنيفة :أن للحاكم أن يحبسه حتى يعطيهم بيده ما عليه .وحجته حديث جابر بن عبد اهلل حين
استشهد أبوه بأحد ،وعليه دين ،فلما طالبه الغرماء «قال جابر " :فأتيت النبي -صلى اهلل عليه
وسلم -فكلمته ،فسألهم أن يقبلوا مني حائطي ،ويحللوا أبي ،فأبوا ،فلم يعطهم رسول اهلل -صلى
اهلل عليه وسلم – حائطي .قال :ولكن سأغدو عليك ،قال :فغدا علينا حين أصبح فطاف بالنخل
فدعا في ثمرها بالبركة ،قال :فجذذتها فقضيت منها حقوقهم ،وبقي من ثمرها بقية» .قالوا :ويدل
158
على حبسه قوله -صلى اهلل عليه وسلم « :-لي الواجد يحل عرضه ،وعقوبته» .قالوا :والعقوبة
هي حبسه.
في ماذا يحجر عليه ،وبأي ديون تكون المحاصة في ماله ،وفي أي شيء من ماله تكون المحاصة؟
وكيف تكون؟
فأما المفلس :فله حاالن :حال في وقت الفلس قبل الحجر عليه ،وحال بعد الحجر.
أوال :األحكام قبل الحجر ،وفيها مذهبان :أ مذهب مالك 1 :ـ ال يجوز له إتالف شيء من ماله
بغير عوض إذا كان مما ال يلزمه ،ومما ال تجري العادة بفعله .ألن له أن يفعل ما يلزم بالشرع، ،
كنفقته على اآلباء المعسرين ،أو األبناء -2..يجوز بيعه ،وابتياعه ما لم تكن فيه محاباة-3.
يجوز إقراره بالدين لمن ال يتهم عليه .ب -مذهب الجمهور :وأما جمهور من قال بالحجر على
المفلس فقالوا :هو قبل الحكم كسائر الناس قالوا ألن األصل هو جواز األفعال حتى يقع الحجر،
ومالك كأنه اعتبر المعنى نفسه ،وهو إحاطة الدين بماله ،لكن لم يعتبره في كل حال؛ ألنه يجوز
بيعه ،وشراؤه إذا لم يكن فيه محاباة ،وال يجوزه للمحجور عليه.
ثانيا :األحكام بعد الحجر :.وأما حاله بعد التفليس :فال يجوز له فيها عند مالك بيع ،وال شراء،
وال أخذ ،وال عطاء ،وال يجوز إقراره بدين في ذمته لقريب وال بعيد ،قيل :إال أن يكون لواحد منهم
بينة ،واختلف في إقراره بمال معين هل يصدق أم ال ؟ مثل القراض ،والوديعة على ثالثة أقوال في
المذهب :بالجواز ،والمنع ،والثالث :بالفرق بين أن يكون على أصل القراض ،أو الوديعة ببينة ،إن
كانت صدق وإن لم تكن لم يصدق.
159
واختلفوا فذهب مالك إلى أن التفليس في ذلك كالموت .وذهب غيره إلى خالف ذلك ،وجمهور
العلماء على أن الديون تحل بالموت .وحجتهم :أن اهلل تبارك وتعالى لم يبح التوارث إال بعد قضاء
الدين ،فالورثة مخيرين في ذلك :إما أن يجعلوا الدين حاال ،وإما أن يرضوا بتأخير إلى أجله .وقال
ابن شهاب :مضت السنة بأن دينه قد حل حين مات.قال ابن سيرين إن رضي الغرماء بتحمله في
ذممهم أبقيت الديون إلى أجلها ، ،واختاره أبو عبيد من فقهاء األمصار،
الشبه بين الفلس والموت ال يشبه الفلس في هذا المعنى الموت كل الشبه ،وإن كانت كلتا
الذمتين قد خرجت ،فإن ذمة المفلس يرجى المال لها ،بخالف ذمة الميت
فإن ذلك يرجع إلى الجنس ،والقدر .أوال :الحكم في ذهاب عين السلعة بعد التفليس؛ أو بقائها
يم على المفلس ؛ فإن دينه في
على حالها 1إذا ذهب عين العوض الذي استوجب من قبله الغر ُ
ذمة المفلس -2 .وأما إذا كان عين العوض باقيا بعينه لم يفت إال أنه لم يقبض ثمنه ،فاختلف في
ذلك فقهاء األمصار على أربعة أقوال:
األول :وبه قال الشافعي ،وأحمد ،وأبو ثور أن صاحب السلعة أحق بها على كل حال إال أن
يتركها ،ويختار المحاصة .،وحجته :ما ثبت من حديث أبي هريرة أن رسول اهلل -صلى اهلل عليه
الرجل مالَه بعينه فهو أحق به من غيره»
ُ وسلم -قال« :أيما رجل أفلس فأدرك
والقول الثاني :وبه قال مالك ،وأصحابه.ينظر إلى قيمة السلعة يوم الحكم بالتفليس ،فإن كانت أقل
من الثمن خير صاحب السلعة بين أن يأخذها ،أو يحاص الغرماء ،وإن كانت أكثر أو مساوية للثمن
أخذها بعينها ،وحجتهم خصصه بالقياس وقالوا :إن معقوله إنما هو الرفق بصاحب السلعة لكون
سلعته باقية،
160
القول الثالث :قال به جماعة من أهل األثر :تقوم السلعة بعد التفليس ،فإن كانت قيمتها مساوية
للثمن ،أو أقل منه قضي للبائع بها ،وإن كانت أكثر دفع إليه مقدار ثمنه ،ويتحاصون في الباقي،
والقول الرابع :وهو قول أبي حنيفة ،وأهل الكوفة :أنه أسوة الغرماء فيها على كل حال .،وحجتهم
أن هذا الحديث مخالف لألصول المتواترة على طريقتهم في رد خبر الواحد إذا خالف األصول
المتواترة ،لكون خبر الواحد مظنونا ،واألصول يقينية مقطوع بها ،كما قال عمر في حديث فاطمة
بنت قيس :ما كنا لندع كتاب اهلل وسنة نبينا لحديث امرأة .وربما احتجوا بأن حديث أبي هريرة
مختلف فيه ،وروي بلفظ آخر وهو« :أيما رجل مات ،أو أفلس فوجد بعض غرمائه ماله بعينه فهو
أسوة الغرماء» .وهذا الحديث أولى؛ ألنه موافق لألصول الثابتة -3..إذا لم يقبض المشتري
السلعة وبقيت بيد البائع ؛ فالعلماء متفقون أهل الحجاز ،وأهل العراق أن صاحب السلعة أحق بها؛
الرجل مالَه بعينه فهو أحق به من غيره»
ُ ألنها في ضمانه .وحجتهم حديث «أيما رجل أفلس فأدرك
؛
- 1فقال مالك :إن شاء أن يرد ما قبض ويأخذ السلعة كلها ،وإن شاء حاص الغرماء فيما بقي من
سلعته.
-2وقال الشافعي :بل يأخذ ما بقي من سلعته بما بقي من الثمن .وحجة الشافعي :أن كل السلعة،
أو بعضها في الحكم واحد.
-3وقالت جماعة من أهل العلم داود ،وإسحاق ،وأحمد :إن قبض من الثمن شيئا فهو أسوة
الغرماء .وحجتهم :ما روى مالك ،أن رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -قال« :أيما رجل باع
161
متاعا ،فأفلس الذي ابتاعه ،ولم يقبض الذي باعه شيئا ،فوجده بعينه فهو أحق به ،وإن مات الذي
ابتاعه فصاحب المتاع أسوة الغرماء» وقد روي «فإن كان قبض من ثمنه شيئا فهو أسوة الغرماء»
-4واتفقوا :أنه إذا فوت المشتري بعضها أن البائع أحق بالمقدار الذي أدرك من سلعته ،إال عطاء
فإنه قال :إذا فوت المشتري بعضها كان البائع أسوة الغرماء.
اختلف الشافعي ومالك في هذه المسألة :فقال مالك :الدائن في موت المدين أسوة الغرماء ،
بخالف الفلس .وقال الشافعي :األمر في ذلك واحد.وعمدة مالك :ما رواه عن ابن شهاب ،عن
أبي بكر ،والشاهد منه قوله صلى اهلل عليه وسلم.. ":وإن مات الذي ابتاعه فصاحب المتاع أسوة
الغرماء» وأيضا من جهة النظر :هناك فرق بين الذمة في الفلس والموت أن المفلس ممكن أن تثرى
حاله فيتبعه غرماؤه بما بقي عليه ،وذلك غير متصور في الموت وأما الشافعي :فعمدته ما رواه ابن
أبي ذئب بسنده عن أبي هريرة قال :قال رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم « :-أيما رجل مات أو
أفلس فصاحب المتاع أحق به» ،فسوى في هذه الرواية بين الموت ،والفلس .وقال :وحديث ابن
أبي ذئب أولى من حديث ابن شهاب؛ ألن حديث ابن شهاب مرسل ،وهذا مسند .ومن طريق
المعنى :فهو مال ال تصرف فيه لمالكه إال بعد أداء ما عليه ،فأشبه مال المفلس .وقياس مالك
أقوى من قياس الشافعي ،وترجيح حديثه على حديث ابن أبي ذئب من جهة أن موافقة القياس له
أقوى -.وذلك أن ما وافق من األحاديث المتعارضة قياس المعنى فهو أقوى مما وافقه قياس
الشبه.فسبب الخالف :تعارض اآلثار في هذا المعنى ،والمقاييس ،وأيضا فإن األصل يشهد لقول
مالك في الموت (أعني :أن من باع شيئا فليس يرجع إليه) ،فمالك :أقوى في هذه المسألة،
والشافعي إنما ضعف عنده فيها قول مالك لما روي أن المسند المرسل عنده ال يجب العمل
162
ب .المسألة السادسة :فيمن وجد سلعته بعينها عند المفلس ،وقد أحدث زيادة.
اختلف مالك والشافعي ،في ذالك :مثل أن تكون أرضا يغرسها ،أو عرصة يبنيها -1.فقال مالك:
العمل الزائد فيها هو فوت ،ويرجع صاحب السلعة شريك الغرماء -2 .وقال الشافعي :بل يخير
البائع بين أن يعطي قيمة ما أحدث المشتري في سلعته ويأخذها ،أو أن يأخذ أصل السلعة ويحاص
الغرماء في الزيادة.
وتحصيل مذهب مالك فيما يكون الغريم به أحق من سائر الغرماء في الموت والفلس ،أو في
الفلس دون الموت:
أن األشياء المبيعة بالدين تنقسم في التفليس ثالثة أقسام :عرض يتعين ،وعين اختلف فيه هل يتعين
أم ال؟ وعمل ال يتعين .
أوال -العرض المتعين -1 :إن كان في يد بائعه لم يسلمه حتى أفلس المشتري ،فهو أحق به في
الموت ،والفلس ،وهذا ما ال خالف فيه -2 .إن كان قد دفعه إلى المشتري ثم أفلس ،وهو قائم
بيده فهو أحق به من الغرماء في الفلس دون الموت ،ولهم عند مالك أن يأخذوا سلعته بالثمن.
وقال الشافعي :ليس لهم .وقال أشهب :ال يأخذونها إال بزيادة يحطونها عن المفلس .وقال ابن
الماجشون :إن شاءوا كان الثمن من أموالهم ،أو من مال الغريم .وقال ابن كنانة :بل يكون من
أموالهم.
األول :العين المتعينة ،وحكمها -1:إن كانت في يده فهو أحق بها في الموت ،والفلس -2.
اختلف إذا دفعه إلى بائعه فيه ،ففلس أو مات وهو قائم بيده يعرف بعينه -،فقيل :إنه أحق به
163
كالعروض في الفلس دون الموت ،وهو قول ابن القاسم -.وقيل :إنه ال سبيل له عليه ،وهو أسوة
الغرماء ،وهو قول أشهب ،والقوالن جاريان على االختالف في تعيين العين.
الثاني :العين غير المتعينة :وحكمها أن الدائن يكون فيها أسوة الغرماء في الموت والفلس جميعا.
1األجير - :إذا أفلس المستأجر قبل أن يستوفي عمل األجير ،كان األجير أحق بما عمله في
الموت والفلس جميعا ،كالسلعة إذا كانت بيد البائع في وقت الفلس.ـ إن كان فلس المستأجر بعد
أن استوفى عمل األجير :فاألجير أسوة الغرماء بأجرته التي شارطه عليها في الفلس والموت جميعا ،
إال أن تكون بيده السلعة التي استؤجر على عملها ،فيكون أحق بذلك في الموت ،والفلس جميعا؛
ألنه كالرهن بيده -.إن أسلم األجير محل العمل للمستأجر كان األجير أسوة الغرماء بعمله ،إال أن
يكون له فيه شيء أخرجه فيكون أحق به في الفلس دون الموت.
-2مكري الدواب والسفن -:إذا أفلس مكتري الدواب عند مالك ،فهو أحق بما على
الدابة من المتاع بأن يأخذ منها أجرة كرائه في الموت والفلس جميعا ،وكذلك مكتري
السفينة ،وهذا كله شبهه مالك بالرهن.
:فقيل في المذهب :يترك له ما يعيش به هو وأهله وولده الصغار لأليام .وقال في الواضحة
والعتبية :الشهر ونحوه ،ويترك له كسوة مثله .وتوقف مالك في كسوة زوجته لكونها هل تجب لها
بعوض مقبوض أو بغير عوض .وقال سحنون :ال يترك له كسوة زوجته .وروى ابن نافع عن مالك:
أنه ال يترك له إال ما يواريه ،وبه قال ابن كنانة .واختلفوا في بيع كتب العلم عليه على قولين :وهذا
مبني على كراهية بيع كتب الفقه ،أو ال كراهية ذلك.
164
المسألة الثامنة :في معرفة الديون التي يحاص بها من الديون التي ال يحاص بها على مذهب مالك
:
أحدهما :أن تكون واجبة عن عوض.والثاني :أن تكون واجبة من غير عوض.
القسم األول :الديون الواجبة عن عوض تنقسم إلى عوض مقبوض ،وإلى عوض غير مقبوض:
أوال :الديون المترتبة عن عوض مقبوض سواء أكانت ماال ،أو أرش جناية؛ فال خالف في المذهب
أن محاصة الغرماء بها واجبة.
ثانيا :الديون المترتبة عن عوض غير مقبوض :فإنها تنقسم خمسة أقسام:
أحدها :أن ال يمكنه دفع العوض بحال كنفقة الزوجات لما يأتي من المدة .فهذا ال محاصة في
ذلك إال في مهور الزوجات إذا أفلس الزوج قبل الدخول
والثاني :أن ال يمكنه دفع العوض ،ولكن يمكنه دفع ما يستوفى فيه ،مثل أن يكتري الرجل الدار
بالنقد ،أو يكون العرف فيه النقد ،ففلس المكتري قبل أن يسكن ،أو بعد ما سكن بعض السكنى،
وقبل أن يدفع الكراء .فقيل :للمكري المحاصة بجميع الثمن وإسالم الدار للغرماء .وقيل :ليس له
إال المحاصة بما سكن ويأخذ داره ،وإن كان لم يسكن فليس له إال أخذ داره.
والثالث :أن يكون دفع العوض يمكنه ويلزمه ،كرأس مال السلم إذا أفلس المسلم إليه قبل دفع
رأس المال .فقيل :يحاص به الغرماء في الواجب له بالعوض ،ويدفعه ،وقيل :هو أحق به ،وعلى
هذا ال يلزمه دفع العوض.
165
والرابع :أن يمكنه دفع العوض وال يلزمه ،مثل السلعة إذا باعها ففلس المبتاع قبل أن يدفعها إليه
البائع .فهو بالخيار بين المحاصة ،واإلمساك ،وذلك هو إذا كان العوض عينا.
والخامس :أن ال يكون إليه تعجيل دفع العوض ،مثل أن يسلم الرجل إلى الرجل دنانير في عروض
إلى أجل فيفلس المسلم قبل أن يدفع رأس المال ،وقبل أن يحل أجل السلم .فإن رضي المسلم
إليه أن يعجل العروض ،ويحاصص الغرماء برأس مال السلم ،فذلك جائز إن رضي بذلك الغرماء،
فإن أبى ذلك أحد الغرماء حاص الغرماء برأس المال الواجب له فيما وجد للغريم من مال ،وفي
العروض التي عليه إذا حلت; ألنها من مال الفلس ،وإن شاءوا أن يبيعوها بالنقد ،ويتحاصوا فيها
كان ذلك لهم.
القسم اللثاني :الديون الواجبة عن غير عوض :وأما ما كان من الحقوق الواجبة عن غير عوض فهي
على قسمين -1:ما كان منها غير واجب بالشرع ،بل بااللتزام ،كالهبات والصدقات فال محاصة
فيها -2 .وأما ما كان منها واجبا بالشرع كنفقة اآلباء واألبناء ،ففيها قوالن :أحدهما :أن المحاصة
ال تجب بها ،وهو قول ابن القاسم .والثاني :أنها تجب بها إذا لزمت بحكم من السلطان ،وهو قول
أشهب.
معرفة وجه التحاص :فإن الحكم في ذلك أن يصرف مال الغريم من جنس ديون الغرماء ،وسواء
أكان مال الغرماء من جنس واحد أو من أجناس مختلفة؛ إذ كان ال يقتضي في الديون إال ما هو من
جنس الدين إال أن يتفقوا من ذلك على شيء يجوز
.واختلفوا من هذا الباب في فرع طارئ ،وهو إذا هلك مال المحجور عليه بعد الحجر وقبل قبض
الغرماء :ممن مصيبته؟
166
فقال أشهب :مصيبته من المفلس .وقال ابن الماجشون :مصيبته من الغرماء إذا وقفه السلطان.
وقال ابن القاسم :ما يحتاج إلى بيعه فضمانه من الغريم؛ ألنه إنما يباع على ملكه ،وما ال يحتاج إلى
بيعه فضمانه من الغرماء ،مثل أن يكون المال عينا والدين عينا .وكلهم روى قوله عن مالك .وفرق
أصبغ بين الموت والفلس فقال :المصيبة في الموت من الغرماء ،وفي الفلس من المفلس.
وأما المفلس الذي ال مال له أصال -فإن فقهاء األمصار مجمعون على أن العدم له تأثير في إسقاط
الدين إلى وقت ميسرته ،إال ما حكي عن عمر بن عبد العزيز :أن لهم أن يؤاجروه ،وقال به أحمد
من فقهاء األمصار.
-المدين إذا ادعى الفلس ،ولم يعلم صدقه أن الفقهاء مجمعون على أنه يحبس حتى يتبين صدقه
أو يقر له بذلك صاحب الدين ،فإذا كان ذلك خلي سبيله .وحكي عن أبي حنيفة :أن لغرمائه أن
يدوروا معه حيث دار .وإنما صار الكل إلى القول بالحبس في الديون ،وإن كان لم يأت في ذلك
أثر صحيح؛ ألن ذلك أمر ضروري في استيفاء الناس حقوقهم بعضهم من بعض ،وهذا دليل على
القول بالقياس الذي يقتضي المصلحة ،وهو الذي يسمى بالقياس المرسل .وقد روي« :أن النبي -
عليه الصالة والسالم -حبس رجال في تهمة».
والمحجورون عند مالك :السفهاء ،والمفلسون ،والعبيد ،والمرضى ،والزوجة فيما فوق الثلث ؛ ألنه
يرى أن للزوج حقا في المال ،وخالفه في ذلك األكثر.
167
5الصلح
تعريفه " :انتقال عن حق أو دعوى بعوض لرفع نزاع ،أو خوف وقوعه " وقيل " :هو
قبض شيء عن عوض"
واألصل في هذا الكتاب والسنة :قوله تعالى{ :والصلح خير} وما روي عن النبي -
عليه الصالة والسالم -مرفوعا وموقوفا على عمر« :إمضاء الصلح جائز بين
المسلمين إال صلحا أحل حراما ،أو حرم حالال» .
وقال الشافعي :ال يجوز على اإلنكار؛ ألنه من أكل المال بالباطل من غير عوض.
والمالكية تقول فيه عوض ،وهو سقوط الخصومة واندفاع اليمين عنه.
وال خالف في مذهب مالك أن الصلح الذي يقع على اإلقرار يراعى في صحته ما
يراعى في البيوع ،فيفسد بما تفسد به البيوع من أنواع الفساد الخاص بالبيوع ،ويصح
بصحته ،وهذا هو مثل أن يدعي إنسان على آخر دراهم فيصالحه عليها بعد اإلقرار
بدنانير نسيئة ،وما أشبه هذا من البيوع الفاسدة من قبل الربا والغرر.
168
وأما الصلح على اإلنكار :فالمشهور فيه عن مالك ،وأصحابه أنه يراعى فيه من
الصحة ما يراعى في البيوع ،مثل أن يدعي إنسان على آخر دراهم فينكر ،ثم يصالحه
عليها بدنانير مؤجلة ،فهذا ال يجوز عند مالك ،وأصحابه.
وقال أصبغ :هو جائز؛ ألن المكروه فيه من الطرف الواحد ،وهو من جهة الطالب;
ألنه يعترف أنه أخذ دنانير نسيئة في دراهم حلت له .وأما الدافع فيقول :هي هبة
مني.
وأما إن ارتفع المكروه من الطرفين ،مثل أن يدعي كل واحد منهما على صاحبه
دنانير ،أو دراهم فينكر كل واحد منهما صاحبه ،ثم يصطلحان على أن يؤخر كل
واحد منهما صاحبه فيما يدعيه قبله إلى أجل ،فهذا عندهم هو مكروه.
أما كراهيته :فمخافة أن يكون كل واحد منهما صادقا ،فيكون كل واحد منهما قد
أنظر صاحبه إلنظار اآلخر إياه ،فيدخله أسلفني ،وأسلفك.
وأما وجه جوازه :فألن كل واحد منهما إنما يقول :ما فعلت إنما هو تبرع مني ،وما
كان يجب علي شيء ،وهذا النحو من البيوع قيل :إنه يجوز إذا وقع ،وقال ابن
الماجشون :يفسخ إذاوقع عليه أثر عقده ،فإن طال مضى.
فالصلح الذي يقع فيه مما ال يجوز في البيوع هو في مذهب مالك على ثالثة أقسام:
صلح يفسخ باتفاق ،وصلح يفسخ باختالف ،وصلح ال يفسخ باتفاق إن طال ،وإن
لم يطل فيه اختالف.
169
الكفالة 6
قال ابن عرفة" :الحمالة التزام دين ال يسقطه ،أو طلب من هو عليه لمن هو له".
أما الكفالة بالمال :فقهاء األمصارأنها :فثابتة بالسنة ،ومجمع عليها من الصدر األول .وحكي عن
قوم أنها ليست الزمة تشبيها بالوعد وهذا قول شاذ .وعمدة الجمهورقوله عليه الصالة والسالم :-
«الزعيم غارم» .
وأما الكفالة بالنفس " :وهي التي تعرف بضمان الوجه" فجمهور فقهاء األمصار على جواز وقوعها
شرعا إذا كانت بسبب المال وحجتهم «الزعيم غارم»وقالوا بأن ذلك مصلحة وحكي عن الشافعي
في الجديد أنها ال تجوز ،وبه قال داود ،وحجتهما قوله تعالى{ :معاذ اهلل أن نأخذ إال من وجدنا
متاعنا عنده}
وأما الحكم الالزم عن الكفالة :فجمهور القائلين بحمالة النفس متفقون على أن المتحمل عنه إذا
مات لم يلزم الكفيل بالوجه شيء .وحكي عن بعضهم لزوم ذلك وفرق ابن القاسم بين أن يموت
الرجل حاضرا أو غائبا ،فقال :إن مات حاضرا لم يلزم الكفيل شيء ،وإن مات غائبا نظر ،فإن كانت
المسافة التي بين البلدين مسافة يمكن الحميل فيها إحضاره في األجل المضروب له مثل اليومين
إلى الثالثة) ،ففرط :غرم ،وإال لم يغرم
إذا غاب المتحمل عنه؛ ما حكم الحميل بالوجه على ثالثة أقوال:القول األول :قول مالك
وأصحابه ،أنه يلزمه أن يحضره أو يغرم ،وعمدته :أن المتحمل بالوجه غارم لصاحب الحق فوجب
عليه الغرم إذا غاب وربما احتج «أن رجال سأل غريمه أن يؤدي إليه ماله أو يعطيه حميال ،فلم يقدر
حتى حاكمه إلى النبي -عليه الصالة والسالم ،-فتحمل عنه رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -
ثم أدى المال إليه» والقول الثاني :قول أبي حنيفة ،وأهل العراق أنه يحبس الحميل إلى أن يأتي به
أو يعلم موته.،عمدتهم :إنما يجب عليه إحضار ما تحمل به وقد قال عليه الصالة والسالم :-
170
«المؤمنون عند شروطهم» .فإنما عليه أن يحضر المال أو يحبس فيه ،والقول الثالث :أنه إذا كان
قادرا على إحضاره فإنه يحبس إذا لم يحضره،أما إذا مات فال يجب عليه إحضاره .
فأما إذا اشترط الوجه دون المال وصرح بالشرط فقد قال مالك :إن المال ال يلزمه وقد قال بن
رشد أن هذا ال خالف فيه ألنه كان يكون قد ألزم ضد ما اشترط ،وأما حكم ضمان المال :فإن
الفقهاء متفقون على أنه إذا عدم المضمون أو غاب أن الضامن غارم
واختلفوا إذا حضر الضامن والمضمون وكالهما موسر؟ فقال الجمهور :للطالب أن يؤاخذ من شاء
من الكفيل ،أو المكفول وحجتهم حديث قبيصة بن المخارقي قال« :تحملت حمالة فأتيت النبي
-صلى اهلل عليه وسلم -فسألته عنها ،فقال :نخرجها عنك من إبل الصدقة يا قبيصة ،إن المسألة
ال تحل إال في ثالث ،وذكر رجال تحمل حمالة رجل حتى يؤديها » ووجه الدليل من هذا أن النبي
-صلى اهلل عليه وسلم -أباح المسألة للمتحمل دون اعتبار حال المتحمل عنه ..وقال مالك في
أحد قوليه :ليس له أن يأخذ الكفيل مع وجود المتكفل عنه .وله قول آخر مثل قول الجمهور وقال
أبو ثور :الحمالة ،والكفالة واحدة ،ومن ضمن عن رجل ماال لزمه وبرئ المضمون ،وال يجوز أن
يكون مال واحد على اثنين وبه قال ابن أبي ليلى ،وابن شبرمة.
وأما محل الكفالة :فهي األموال عند جمهور أهل العلم « :-الزعيم غارم» وسواء تعلقت األموال
من قبل أموال ،أو من قبل حدود ،مثل المال الواجب في قتل الخطأ ،أو السرقة التي ليس يتعلق
بها قطع ،وروي عن أبي حنيفة إجازة الكفالة في الحدود والقصاص قال عثمان البتي .في القصاص
فقط
أما وقت وجوب مطالبة الكفالة بالمال فأجمع العلماء على أن ذلك بعد ثبوت الحق على المكفول
إما بإقرار وإما ببينة.
وأما وقت وجوب الكفالة بالوجه :فاختلفوا هل تلزم قبل إثبات الحق أم ال؟ فقال قوم :إنها ال تلزم
قبل إثبات الحق بوجه من الوجوه ،وبه قال سحنون من أصحاب مالك .وبعض العلماء وقال قوم:
171
بل يجب أخذ الكفيل بالوجه على إثبات الحق واختلفوا في المدة ومتى يلزم فقال قوم :إن أتى
بشبهة قوية مثل شاهد فال تلزم لزمه أن يعطي ضامنا بوجهه وإال لم يلزمه الكفيل وهو قول ابن
القاسم وقال أهل العراق :ال يؤخذ عليهم حميل قبل ثبوت الحق إال أن يدعي بينة حاضرة في
المصر نحو قول ابن القاسم ،إال أنهم حدوا ذلك بالثالثة األيام
وسبب هذا االختالف :تعارض وجه العدل بين الخصمين
فأما أصناف المضمونين الحي ال خالف فيه أما الميت اختلفوا الشافعي ومالك أن عليه الضمان
«أن النبي صلى اهلل كان في صدر اإلسالم ال يصلي على من مات وعليه دين حتى يضمن عنه» .
أبو حنيفة ال ضمان عليه واستدل أن الضمان ال يتعلق بمعدوم قطعا والجمهور يصح عندهم وال
يصح عند أبي حنيفة كفالة المحبوس والغائب،
.وأما شروط الكفالة فإن أبا حنيفة والشافعي يشترطان في وجوب رجوع الضامن على المضمون بما
أدى عنه ومالك ال يشترط ذلك.وال تجوز عند الشافعي كفالة المجهول وتجوز عند مالك
وأما ما تجوز فيه الحمالة بالمال مما ال تجوز :فإنها تجوز عند مالك بكل مال ثابت في الذمة إال
الكتابة
7الحوالة :
تعريفها :هي نقل الدين من ذمة بمثله إلى أخرى تبرأ به األولى " وهي معاملة صحيحة مستثناة من
الدين بالدين،لقوله صلى اهلل « .مطل الغني ظلم ،وإذا أحيل أحدكم على غني فليستحل»
172
رضا من يعتبر في الحوالة مالك اعتبر رضا المحال ولم يعتبر المحال عليه ومن الناس من اعتبر
رضاهما معا.ومن الناس من لم يعتبر رضا المحال ،واعتبر رضا المحال عليه ،وهو نقيض مذهب
مالك ،وبه قال داود وحجة مالك رأى أنها معاملة اعتبر رضا الصنفين ،داوود أنزل المحال عليه
منزلة المحيل و لم يعتبر رضاه معه لقوله صلى اهلل «إذا أحيل أحدكم على مليء فليتبع»
الشروط التي اتفق عليها :كون ما على المحال عليه مجانسا لما على المحيل قدرا ووصفا ،إال أن
منهم من أجازها في الذهب والدراهم فقط ،ومنعها في الطعام والذين منعوها في ذلك رأوا أنها من
باب بيع الطعام قبل أن يستوفى وأجاز ذلك مالك إذا كان الطعامان كالهما من قرض بشرط أن
يكون دين المحال حاال .وأما إن كان أحدهما من سلم فإنه ال يجوز ،إال أن يكون الدينان حالين;
وعند ابن القاسم يجوز ذلك إذا كان الدين المحال به حاال; الشافعي ولم يفرق بين ذلك ; ألنه
كالبيع في ضمان المستقرض.وعلل ابن رشد فقال وإنما رخص مالك في القرض; ألنه يجوز عنده
بيع القرض قبل أن يستوفى وأما أبو حنيفة :فأجاز الحوالة بالطعام ،وشبهها بالدراهم وسبب الخالف
مبني على أن ما شذ عن األصول هل يقاس عليه أم ال؟
أحدها :أن يكون دين المحال حاال; ألنه إن لم يكن حاال كان دينا بدين.
والثاني :أن يكون الدين الذي يحيله به مثل الذي يحيله عليه في القدر والصفة
الثالث :أن ال يكون الدين طعاما من سلم أو أحدهما ،وإذا كان الطعامان جميعا من سلم فال تجوز
الحوالة فيهما ،حلت اآلجال أو لم تحل ،أو حل أحدهما ولم يحل اآلخر; ألنه يدخله بيع الطعام
قبل أن يستوفى لكن أشهب يقول :إن استوت رءوس أموالهما جازت الحوالة وكانت تولية وابن
173
القاسم ال يجوز له من ذلك إال ما يجوز له مع الذي أحاله وما يجوز للذي أحال مع الذي أحاله
عليه
أحكامها :فإن جمهور العلماء على أن الحوالة ضد الكفالة في أنه إذا أفلس المحال عليه لم يرجع
صاحب الدين على المحيل بشيء .قال مالك ،وأصحابه :إال أن يكون المحيل غره فأحاله على
عديم .وقال أبو حنيفة :يرجع صاحب الدين على المحيل إذا مات مفلسا ،أو جحد الحوالة وإن لم
تكن له بينة ،وبه ،وجماعة.وسبب اختالفهم :مشابهة الحوالة للحمالة.
8الوكالة
الوكالة عرفها ابن عرفة بقوله" :نيابة ذي حق غير ذي امرأة وال عبادة ،لغيره فيه ،غير
مشروطة بموته".
الباب األول :في أركانها ،وهي النظر فيما فيه التوكيل ،وفي الموكل.
الباب األول :في أركانها ،وهي النظر فيما فيه التوكيل ،وفي الموكل ،وفي الموكل.
174
ما اتفقوا عليه من الشروط واتفقوا على وكالة الغائب والمريض والمرأة المالكين ألمور
أنفسهم.
فقال مالك :تجوز وكالة الحاضر الصحيح الذكر ،وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة :ال تجوز وكالة الصحيح الحاضر وال المرأة إال أن تكون برزة.
فمن رأى أن األصل ال ينوب فعل الغير عن فعل الغير إال ما دعت إليه الضرورة ،
وانعقد اإلجماع عليه قال :ال تجوز نيابة من اختلف في نيابته .ومن رأى أن األصل
هو الجواز قال :الوكالة في كل شيء جائزة إال فيما أجمع على أنه ال تصح فيه من
العبادات وما جرى مجراها.
وشرط الوكيل أن ال يكون ممنوعا بالشرع من تصرفه في الشيء الذي وكل فيه ،فال
يصح توكيل الصبي وال المجنون وال المرأة عند مالك والشافعي على عقد النكاح.
أما عند الشافعي فال بمباشرة وال بواسطة :أي بأن توكل هي من يلي عقد النكاح
ويجوز عن مالك بالواسطة الذكر.
وشرط محل التوكيل أن يكون قابال للنيابة مثل البيع والحوالة والضمان وسائر العقود
والفسوخ والشركة والوكالة والمصارفة والمجاعلة والمساقاة والطالق والنكاح والخلع
والصلح
175
ماال يصح فيه التوكيل
وقال الشافعي في أحد قوليه :ال تجوز على اإلقرار ،وشبه ذلك بالشهادة واأليمان.
وتجوز الوكالة على استيفاء العقوبات عند مالك ،وعند الشافعي مع الحضور قوالن.
والذين قالوا :إن الوكالة تجوز على اإلقرار اختلفوا في مطلق الوكالة على الخصومة
هل يتضمن اإلقرار أم ال؟ فقال مالك :ال يتضمن .وقال أبو حنيفة :يتضمن.
وهي عقد يلزم باإليجاب والقبول كسائر العقود ،وليست هي من العقود الالزمة بل
الجائزة .وهي ضربان عند مالك :عامة وخاصة ،فالعامة هي التي تقع عنده بالتوكيل
العام الذي ال يسمى فيه شيء دون شيء ،وذلك أنه إن سمى عنده لم ينتفع بالتعميم
والتفويض ،وقال الشافعي :ال تجوز الوكالة بالتعميم وهي غرر ،وإنما يجوز منها ما
سمي وحدد ونص عليه ،وهو األقيس إذ كان األصل فيها المنع ،إال ما وقع عليه
اإلجماع.
-1فأما هذا العقد فهو كما قلنا عقد غير الزم؛ للوكيل أن يدع الوكالة متى شاء عند
الجميع ،لكن أبو حنيفة يشترط في ذلك حضور الموكل ،وللموكل أن يعزله متى شاء.
176
قالوا :إال أن تكون وكالة في خصومة .وقال أصبغ :له ذلك ما لم يشرف على تمام
الحكم ،وليس للوكيل أن يعزل نفسه في الموضع الذي ال يجوز أن يعزله الموكل.
وليس من شروط انعقاد هذا العقد حضور الخصم عند مالك والشافعي.
وقال أبو حنيفة :ذلك من شروطه .وكذلك ليس من شرط إثباتها عند الحاكم حضوره
عند مالك .وقال الشافعي :من شرطه.
والثاني أنها تنفسخ في حق كل واحد منهم بالعلم ،فمن علم انفسخت في حقه ،ومن
لم يعلم لم تنفسخ في حقه.
والثالث :أنها تنفسخ في حق عامل الوكيل بعلم الوكيل وإن لم يعلم هو ،وال تنفسخ
في حق الوكيل بعلم الذي عامله إذا لم يعلم الوكيل ،ولكن من دفع إليه شيئا بعد
العلم بعزله ضمنه ،ألنه دفع إلى من يعلم أنه ليس بوكيل.
-أحدها :إذا وكل على بيع شيء هل يجوز له أن يشتريه لنفسه؟ فقال مالك :يجوز،
وقد قيل عنه :ال يجوز ،وقال الشافعي :ال يجوز ،وكذلك عند مالك األب والوصي.
177
-ومنها إذا وكله في البيع وكالة مطلقة لم يجز له عند مالك أن يبيع إال بثمن مثله
نقدا بنقد البلد ،وال يجوز إن باع نسيئة ،أو بغير نقد البلد ،أو بغير ثمن المثل،
وكذلك األمر عنده في الشراء .وفرق أبو حنيفة بين البيع والشراء لمعين ،فقال:
يجوز في البيع أن يبيع بغير ثمن المثل ،وأن يبيع نسيئة ،ولم يجز إذا وكله في شراء
عبد بعينه أن يشتريه إال بثمن المثل نقدا ،ويشبه أن يكون أبو حنيفة إنما فرق بين
الوكالة على شراء شيء بعينه ،ألن من حجته أنه كما أن الرجل قد يبيع بأقل من ثمن
مثله ونساء لمصلحة يراها في ذلك كله ،كذلك حكم الوكيل إذ قد أنزله منزلته ،وقول
الجمهور أبين.
وإذا اشترى الوكيل شيئا وأعلم أن الشراء للموكل فالملك ينتقل إلى الموكل ،وقال
أبو حنيفة :إلى الوكيل أوال ثم إلى الموكل.
وإذا دفع الوكيل دينا عن الموكل ولم يشهد فأنكر الذي له الدين القبض ضمن
الوكيل.
-1فإذا اختلفا في ضياع المال ،فقال الوكيل :ضاع مني ،وقال الموكل :لم يضع،
فالقول قول الوكيل إن كان لم يقبضه ببينة ،فإن كان المال قد قبضه الوكيل من غريم
الموكل ولم يشهد الغريم على الدفع لم يبرأ الغريم بإقرار الوكيل عند مالك وغرم
178
ثانية ،وهل يرجع الغريم على الوكيل؟ فيه خالف ،وإن كان قد قبضه ببينة برئ ولم
يلزم الوكيل شيء.
-2وأما إذا اختلفا في الدفع ،فقال الوكيل :دفعته إليك ،وقال الموكل :ال ،فقيل
القول قول الوكيل .وقيل :القول قول الموكل .وقيل إن تباعد ذلك فالقول قول
الوكيل.
-3وأما اختالفهم في مقدار الثمن الذي به أمره بالشراء ،فقال ابن القاسم :إن لم
تفت السلعة فالقول قول المشتري ،وإن فاتت فالقول قول الوكيل ،وقيل يتحالفان،
وينفسخ البيع ويتراجعان ،وإن فاتت بالقيمة.
وإن كان اختالفهم في مقدار الثمن الذي أمره به في البيع ،فعند ابن القاسم أن القول
فيه قول الموكل ؛ ألنه جعل دفع الثمن بمنزلة فوات السلعة في الشراء.
-4وأما إذا اختلفا فيمن أمره بالدفع ففي المذهب فيه قوالن :المشهور أن القول
قول المأمور ،وقيل القول قول اآلمر.
-5وأما إذا فعل الوكيل فعال هو تعد ،وزعم أن الموكل أمره ،فالمشهور أن القول
قول الموكل ،وقد قيل إن القول قول الوكيل :إنه قد أمره؛ ألنه قد ائتمنه على الفعل.
179
9كتاب اللقطة
تعريفها :اللقطة بضم الالم وفتح القاف ما يلتقط ،وأصل االلتقاط وجود الشيء على غري
طلب ؛ وحدها ابن عرفة بقوله "مال وجد بغري حرز حمرتما ليس حيوانا ناطقا وال نعما" أو
هي ":كل مال ملسلم معرض للضياع كان ذلك يف عامر األرض أو غامرها ،واجلماد
واحليوان يف ذلك سواء إال اإلبل باتفاق.
فقال أبو حنيفة :األفضل االلتقاط ؛ ألنه من الواجب على املسلم أن حيفظ مال أخيه
املسلم ،وبه قال الشافعي.
وقال مالك وجماعة بكراهية االلتقاط ،وروي عن ابن عمر وابن عباس ،وبه قال أمحد،
وذلك ألمرين :أحدمها ما روي أنه -صلى اهلل عليه وسلم -قال «ضالة املدمن حرق
النار» .وملا خياف أيضا من التقصري يف القيام مبا جيب هلا من التعريف وترك التعدي عليها،
وتأول الذين رأوا االلتقاط أول احلديث ،وقالوا :أراد بذلك االنتفاع هبا ال أخذها للتعريف،
وقال قوم :بل لقطها واجب.
وقد قيل :إن هذا االختالف إذا كانت اللقطة بين قوم مأمونين واإلمام عادل .قالوا:
وإن كانت اللقطة بني قوم غري مأمونني واإلمام عادل فواجب التقاطها ،وإن كانت بني قوم
180
مأمونني واإلمام جائر ،فاألفضل أن ال يلتقطها ،وإن كانت بني قوم غري مأمونني واإلمام
غري عادل فهو خمري حبسب ما يغلب على ظنه من سالمتها أكثر من أحد الطرفني.
وهذا كله ما عدا لقطة الحاج ،فإن العلماء أجمعوا على أنه ال يجوز التقاطها لنهيه -
عليه الصالة والسالم -عن ذلك ،ولقطة مكة أيضا ال جيوز التقاطها إال ملنشد؛ لورود
النص يف ذلك ،واملروي يف ذلك لفظان :أحدمها أنه ال ترفع لقطتها إال ملنشد .والثاين :ال
يرفع لقطتها إال منشد ،فاملعىن الواحد أهنا ال ترفع إال ملن ينشدها ،واملعىن الثاين ال يلتقطها
إال من ينشدها ليعرف الناس .وقال مالك :تعرف هاتان اللقطتان أبدا.
الملتقط:
-2فأما الملتقط فهو كل حر مسلم بالغ ألنها والية ،واختلف عن الشافعي يف جواز
التقاط الكافر .قال أبو حامد :واألصح جواز ذلك يف دار اإلسالم ،قال :ويف أهلية العبد
والفاسق له قوالن :فوجه املنع عدم أهلية الوالية ،ووجه اجلواز عموم أحاديث اللقطة.
واألصل في اللقطة حديث يزيد بن خالد اجلهين ،وهو متفق على صحته أنه قال« :جاء
رجل إىل رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -فسأله عن اللقطة ،فقال :اعرف عفاصها
ووكاءها مث عرفها سنة ،فإن جاء صاحبها وإال فشأنك هبا ،قال :فضالة الغنم يا رسول اهلل؟
قال :هي لك أو ألخيك أو للذئب ،قال :فضالة اإلبل؟ قال :ما لك وهلا معها سقاؤها
وحذاؤها ترد املاء وتأكل الشجر حىت يلقاها رهبا»
فأما اإلبل فاتفقوا على أنها ال تلتقط ،واتفقوا على الغنم أنها تلتقط ،وترددوا في
البقر ،والنص عن الشافعي أنها كاإلبل ،وعن مالك أنها كالغنم ،وعنه خالف.
181
أحكام اللقطة :والمدة:
1وأما حكم التعريف ،فاتفق العلماء على التعريف بها سنة ما لم تكن من الغنم.
2اختلفوا في حكمها بعد السنة ،فاتفق فقهاء األمصار مالك والثوري ،واألوزاعي ،وأبو
حنيفة ،والشافعي ،وأمحد ،وأبو عبيد ،وأبو ثور إذا انقضت كان له أن يأكلها إن كان
فقريا ،أو يتصدق هبا إن كان غنيا ،فإن جاء صاحبها كان خمريا بني أن جييز الصدقة فينزل
على ثواهبا أو يضمنه إياها.
فقال مالك والشافعي :له ذلك ،وقال أبو حنيفة :ليس له أن يأكلها أو يتصدق هبا ،وروي
مثل قوله عن علي وابن عباس ومجاعة من التابعني .وقال األوزاعي :إن كان ماال كثريا جعله
يف بيت املال ،وروي مثل قول مالك والشافعي عن عمر وابن مسعود وابن عمر وعائشة.
وكلهم متفقون على أنه إن أكلها ضمنها لصاحبها إال أهل الظاهر.
واستدل مالك والشافعي بقوله -عليه الصالة والسالم « :-فشأنك هبا» ومل يفرق بني
غين وفقري .ومن احلجة هلما ما رواه البخاري والرتمذي عن سويد بن غفلة قال« :لقيت
أويس بن كعب فقال :وجدت صرة فيها مائة دينار ،فأتيت النِب -صلى اهلل عليه وسلم
-فقال :عرفها حوال ،فعرفتها فلم أجد ،مث أتيته ثالثا فقال :احفظ وعاءها ووكاءها ،فإن
جاء صاحبها وإال فاستمتع هبا» وخرج الرتمذي وأبو داود " فاستنفقها ".
فسبب الخالف معارضة ظاهر لفظ حديث اللقطة ألصل الشرع ،وهو أنه ال يحل
مال امرئ مسلم إال عن طيب نفس منه.
182
فمن غلب هذا األصل على ظاهر الحديث ،وهو قوله بعد التعريف «فشأنك بها»
قال :ال يجوز فيها تصرف إال بالصدقة فقط على أن يضمن إن لم يجز صاحب
اللقطة الصدقة ،ومن غلب ظاهر الحديث على هذا األصل ورأى أنه مستثنى عنه،
قال :تحل له بعد العام وهي مال من ماله ال يضمنها إن جاء صاحبها .ومن توسط
قال :يتصرف بعد العام فيها وإن كانت عينا على جهة الضمان.
-2وأما حكم دفع اللقطة لمن ادعاها ،فاتفقوا على أهنا ال تدفع إليه إذا مل يعرف
العفاص وال الوكاء.
واختلفوا إذا عرف ذلك هل حيتاج إىل بينة أم ال؟ فقال مالك :يستحق بالعالمة وال حيتاج
إىل بينة ،وقال أبو حنيفة ،والشافعي :ال يستحق إال ببينة.
وسبب الخالف معارضة األصل في اشتراط الشهادة في صحة الدعوى لظاهر هذا
الحديث.
فمن غلب األصل قال :ال بد من البينة ،ومن غلب ظاهر الحديث ،قال :ال يحتاج
إلى بينة.
وإنما اشترط الشهادة في ذلك الشافعي ،وأبو حنيفة ألن قوله -عليه الصالة والسالم
« -اعرف عفاصها ووكاءها ; فإن جاء صاحبها وإال فشأنك هبا» حيتمل أن يكون إمنا
أمره بذلك ليدفعها لصاحبها بالعفاص والوكاء ،فلما وقع االحتمال وجب الرجوع إىل
األصل ،فإن األصول ال تعارض باالحتماالت املخالفة هلا إال أن تصح الزيادة اليت نذكرها
بعد
183
هل البد من صفة الدنانير وعددها؟
وعند مالك وأصحابه أن على صاحب اللقطة أن يصف مع العفاص والوكاء صفة
الدنانير والعدد ،قالوا :وذلك موجود يف بعض روايات احلديث ،ولفظه« :فإن جاء
صاحبها ووصف عفاصها ووكاءها وعددها فادفعها إليه» قالوا :ولكن ال يضره اجلهل
بالعدد إذا عرف العفاص والوكاء ،وكذلك إن زاد فيه.
-3واختلفوا إن نقص من العدد على قولين ،وكذلك اختلفوا إذا جهل الصفة وجاء
بالعفاص والوكاء .وأما إذا غلط فيها فال شيء له .وأما إذا عرف إحدى العالمتني اللتني
وقع النص عليهما وجهل األخرى فقيل إنه ال شيء له إال مبعرفتهما مجيعا ،وقيل يدفع إليه
بعد االسترباء ،وقيل إن ادعى اجلهالة استربئ ،وإن غلط مل تدفع إليه.
-4واختلف المذهب إذا أتى بالعالمة المستحقة هل يدفع إليه بيمين أو بغير يمين؟
فقال ابن القاسم بغير يمين :وقال أشهب :بيمين.
-5وأما ضالة الغنم ،فإن العلماء اتفقوا على أن لواجد ضالة الغنم في المكان القفر
البعيد من العمران أن يأكلها «لقوله -عليه الصالة والسالم -يف الشاة " :هي لك أو
ألخيك أو للذئب».
واختلفوا هل يضمن قيمتها لصاحبها أم ال؟ فقال مجهور العلماء إنه يضمن قيمتها ،وقال
مالك يف أشهر األقاويل عنه :إنه ال يضمن.
وسبب الخالف معارضة الظاهر كما قلنا لألصل المعلوم من الشريعة ،إال أن مالكا
هنا غلب الظاهر فجرى على حكم الظاهر ،ومل جيز كذلك التصرف فيما وجب تعريفه بعد
184
العام لقوة اللفظ هاهنا ،وعنه رواية أخرى أنه يضمن ،وكذلك كل طعام ال يبقى إذا خشي
عليه التلف إن تركه.
وتحصيل مذهب مالك عند أصحابه في ذلك أنها على ثالثة أقسام:
- 1قسم يبقى في يد ملتقطه ويخشى عليه التلف إن ترك كالشاة في القفر ،والطعام
الذي يسرع إليه الفساد.
فأما القسم األول ،وهو ما يبقى في يد ملتقطه ويخشى عليه التلف ،فإنه ينقسم إلى
ثالثة أقسام:
أحدها :أن يكون يسيرا ال بال له وال قدر لقيمته ،ويعلم أن صاحبه ال يطلبه لتفاهته،
فهذا ال يعرف عنده ،وهو لمن وجده.
واألصل يف ذلك ما روي «أن رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -مر بتمرة يف الطريق
فقال :لوال أن تكون من الصدقة ألكلتها » ،ومل يذكر فيها تعريفا ،وهذا مثل العصا
والسوط ،وإن كان أشهب قد استحسن تعريف ذلك.
والثاني :أن يكون يسيرا إال أن له قدرا ومنفعة ،فهذا ال خالف يف املذهب يف تعريفه،
واختلفوا يف قدر ما يعرف ،فقيل سنة ،وقيل أياما.
وأما الثالث فهو أن يكون كثيرا أو له قدر ،فهذا ال اختالف في وجوب تعريفه حوال.
185
وأما القسم الثاني :وهو ما ال يبقى بيد ملتقطه ويخشى عليه التلف ،فإن هذا يأكله
غنيا كان أم فقريا ،وهل يضمن؟ فيه روايتان كما قلنا :األشهر أن ال ضمان عليه.
واختلفوا إن وجد ما يسرع إليه الفساد يف احلاضرة ،فقيل ال ضمان عليه ،وقيل عليه
الضمان ،وقيل بالفرق بني أن يتصدق به فال يضمن ،أو يأكله فيضمن.
وأما القسم الثالث :فهو كاإلبل ،أعين أن االختيار عنده فيه الرتك للنص الوارد يف ذلك،
فإن أخذها وجب تعريفها ،واالختيار تركها ،وقيل يف املذهب هو عام يف مجيع األزمنة،
وقيل إمنا هو يف زمان العدل ،وأن األفضل يف زمان غري العدل التقاطها.
فإن العلماء اتفقوا على أن من التقطها وأشهد على التقاطها فهلكت عنده أنه غري ضامن.
واختلفوا إذا مل يشهد ،فقال مالك ،والشافعي ،وأبو يوسف ،وحممد بن احلسن :ال ضمان
عليه إن مل يضيع وإن مل يشهد ،وقال أبو حنيفة ،وزفر :يضمنها إن هلكت ومل يشهد.
واستدل مالك والشافعي بأن اللقطة وديعة فال ينقلها ترك اإلشهاد من األمانة إىل الضمان،
قالوا :وهي وديعة مبا جاء من حديث سليمان بن بالل وغريه أنه قال :إن جاء صاحبها
وإال فلتكن وديعة عندك.
واستدل أبو حنيفة وزفر حبديث مطرف بن الشخري ،عن عياض بن محار قال :قال رسول
اهلل -صلى اهلل عليه وسلم « :-من التقط لقطة فليشهد ذوي عدل عليها وال يكتم وال
يعنت ،فإن جاء صاحبها فهو أحق هبا ،وإال فهو مال اهلل يدتيه من يشاء» .
186
وتحصيل المذهب في ذلك أن واجد اللقطة عند مالك ال يخلو التقاطه لها من ثالثة
أوجه:
والثالث :أن يأخذها ال على جهة االلتقاط وال على جهة االغتيال.
وأما إذا قبضها مغتاال لها فهو ضامن لها ،ولكن ال يعرف هذا الوجه إال من قبله.
فإن أخذها على جهة االلتقاط فهي أمانة عنده ،عليه حفظها وتعريفها ،فإن ردها بعد
أن التقطها ،فقال ابن القاسم :يضمن ،وقال أشهب :ال يضمن إذا ردها يف موضعها ،فإن
ردها يف غري موضعها ضمن كالوديعة ،والقول قوله يف تلفها دون ميني إال أن يتهم.
وأما الوجه الثالث ،فهو مثل أن جيد ثوبا فيأخذه ،وهو يظنه لقوم بني يديه ليسأهلم عنه،
فهذا إن مل يعرفوه وال ادعوه كان له أن يرده حيث وجده وال ضمان عليه باتفاق عند
أصحاب مالك.
.
-7واختلفوا هل يرجع الملتقط بما أنفق على اللقطة على صاحبها أم ال؟
فقال اجلمهور :ملتقط اللقطة متطوع حبفظها فال يرجع بشيء من ذلك على صاحب
اللقطة.
وقال الكوفيون :ال يرجع مبا أنفق إال أن تكون النفقة عن إذن احلاكم ،وهذه املسألة هي
من أحكام االلتقاط.
187
باب في اللقيط.
وعرفه ابن عرفة بقوله " صغير آدمي لم يُعلم أبوه وال رقه "
وقال الشافعي :كل شيء ضائع ال كافل له فالتقاطه من فروض الكفايات ،ويف وجوب
اإلشهاد عليه خيفة االسرتقاق خالف ،واخلالف فيه مبين على االختالف يف اإلشهاد على
اللقطة.
واللقيط :هو الصبي الصغير غير البالغ ،وإن كان مميزا ،ففيه يف مذهب الشافعي تردد.
والملتقط :هو كل حر عدل رشيد ،وليس العبد والمكاتب بملتقط ،والكافر دون
املسلم ؛ ألنه ال والية له عليه ،ويلتقط املسلم الكافر ،وينزع من يد الفاسق واملبذر.
وليس من شرط الملتقط الغنى ،نفقة اللقيط وال تلزم نفقة الملتقط على من التقطه،
وإن أنفق لم يرجع عليه بشيء.
وأما أحكامه ،فإنه يحكم له بحكم اإلسالم إن التقطه في دار المسلمين ،وحيكم
للطفل باإلسالم حبكم أبيه عند مالك ،وعند الشافعي حبكم من أسلم منهما ،وبه قال ابن
وهب من أصحاب مالك.
وقد اختلف يف اللقيط فقيل إنه عبد ملن التقطه ،وقيل إنه حر ووالؤه ملن التقطه ،وقيل إنه
حر ووالؤه للمسلمني ،وهو مذهب مالك .والذي تشهد له األصول إال أن يثبت يف ذلك
188
أثر ختصص به األصول مثل قوله -عليه الصالة والسالم « :-ترث املرأة ثالثة :لقيطها
وعتيقها وولدها الذي العنت عليه» .
11الوديعة
الوديعة في اصطالح الفقهاء اسم لما يودع ،مأخوذة من الودع وهو الترك ومنه قوله
تعالى {ما ودعك ربك وما قلى} وهي لغة األمانة وتطلق على االستنابة في الحفظ،
وذلك يعم حق اهلل وحق اآلدمي ،اإليداع مصدر وهو توكيل بحفظ مال ،أو استنابة
في حفظ مال.
-1فمنها :أنهم اتفقوا على أنها أمانة ال مضمونة ،إال ما حكي عن عمر بن اخلطاب.
قال املالكيون :والدليل على أهنا أمانة أن اهلل أمر برد األمانات ومل يأمر باإلشهاد ،فوجب
أن يصدق املستودع الذي توضع عنده يف دعواه رد الوديعة مع ميينه إن كذبه املودع.
قالوا :إال أن يدفعها إليه ببينة ،فإنه ال يكون القول قوله ،قالوا :ألهنا إذا دفعها إليه ببينة
فكأنه ائتمنه على حفظها ومل يأمتنه على ردها ،فيصدق يف تلفها وال يصدق على ردها،
هذا هو املشهور عن مالك وأصحابه.
189
وقد قيل عن ابن القاسم :إن القول قوله وإن دفعها إليه ببينة ،وبه قال الشافعي وأبو
حنيفة ،وهو القياس ؛ألنه فرق بني التلف ودعوى الرد ،ويبعد أن تنتقض األمانة ،وهذا
فيمن دفع األمانة إىل اليد اليت دفعتها إليه.
-2وأما من دفعها إلى غير اليد التي دفعتها إليه ،فعليه ما على ويل اليتيم من اإلشهاد
عند مالك ،وإال ضمن ،يريد قول اهلل -عز وجل { :-فإذا دفعتم إليهم أمواهلم فأشهدوا
عليهم} ؛ فإن أنكر القابض القبض فال يصدق املستودع يف الدفع عند مالك وأصحابه إال
ببينة.
وقد قيل إنه يتخرج من املذهب أنه يصدق يف ذلك ،وسواء عند مالك أمر صاحب الوديعة
بدفعها إىل الذي دفعها أو مل يأمر.
وقال أبو حنيفة :إن كان ادعى دفعها إىل من أمره بدفعها ؛ فالقول قول املستودع مع ميينه.
فإن أقر المدفوع إليه بالوديعة( ،أعني :إذا كان غير المودع) وادعى التلف ،فال خيلو
أن يكون املستودع دفعها إىل أمانة (وهو وكيل املستودع) أو إىل ذمة.
فإن كان القابض أمينا فاختلف يف ذلك قول ابن القاسم ،فقال مرة :يربأ الدافع بتصديق
القابض ،وتكون املصيبة من اآلمر الوكيل بالقبض ،ومرة قال :ال يربأ الدافع إال بإقامة
البينة على الدفع أو يأيت القابض باملال.
وأما إن دفع إلى ذمة ،مثل أن يقول رجل للذي عنده الوديعة ادفعها إيل سلفا أو تسلفا
يف سلعة أو ما أشبه ذلك ،فإن كانت الذمة قائمة برئ الدافع يف املذهب من غري خالف،
وإن كانت الذمة خربة ،فقوالن.
190
والسبب في هذا االختالف كله أن األمانة تقوي دعوى المدعي حتى يكون القول
قوله مع يمينه.
فمن شبه أمانة الذي أمره المودع أن يدفعها إليه (أعني :الوكيل) بأمانة المودع عنده،
قال :يكون القول قوله في دعواه التلف ،كدعوى المستودع عنده.
ومن رأى أن تلك األمانة أضعف ،قال :ال يبرأ الدافع بتصديق القابض مع دعوى
التلف.
ومن رأى المأمور بمنزلة اآلمر قال :القول قول الدافع للمأمور ،كما كان القول قوله
مع اآلمر ،وهو مذهب أبي حنيفة.
ومن رأى أنه أضعف منه ،قال :الدافع ضامن إال أن يحضر القابض المال.
-3وإذا أودعها بشرط الضمان ،فاجلمهور على أنه ال يضمن ،وقال الغري :يضمن.
وباجلملة فالفقهاء يرون بأمجعهم أنه ال ضمان على صاحب الوديعة إال أن يتعدى،
وخيتلفون يف أشياء هل هي تعد أم ليس بتعد؟
-4إذا أنفق الوديعة ،ثم رد مثلها ،أو أخرجها لنفقته ثم ردها ،فقال مالك :يسقط عنه
الضمان حبالة مثل إذا ردها.
وقال أبو حنيفة :إن ردها بعينها قبل أن ينفقها مل يضمن ،وإن رد مثلها ضمن ،وقال عبد
امللك والشافعي :يضمن يف الوجهني مجيعا.
فمن غلظ األمر ضمنه إياها بتحريكها ونية استنفاقها ،ومن رخص لم يضمنها إذا أعاد
مثلها.
191
-5ومنها :اختالفهم في السفر بها ،فقال مالك :ليس له أن يسافر هبا إال أن تعطى له
يف سفر ،وقال أبو حنيفة :له أن يسافر هبا إذا كان الطريق آمنا ومل ينهه صاحب الوديعة.
-6ومنها أنه ليس للمودع عنده أن يودع الوديعة غيره من غير عذر ،فإن فعل ضمن،
وقال أبو حنيفة :إن أودعها عند من تلزمه نفقته مل يضمن ؛ ألنه شبهه بأهل بيته .وعند
مالك له أن يستودع ما أودع عند عياله الذين يأمنهم ،وهم حتت غلقه من زوج أو ولد أو
أمة ومن أشبههم.
وبالجملة فعند الجميع أنه يجب عليه أن يحفظها مما جرت به عادة الناس أن تحفظ
أموالهم ،فما كان بينا من ذلك أنه حفظ اتفق عليه ،وما كان غير بين أنه حفظ
اختلف فيه ،مثل اختالفهم يف املذهب فيمن جعل وديعة يف جيبه فذهبت ،واألشهر أنه
يضمن.
وعند ابن وهب أن من أودع وديعة يف املسجد فجعلها على نعله فذهبت أنه ال ضمان
عليه.
وإذا أراد السفر فله عند مالك أن يودعها عند ثقة من أهل البلد ،وال ضمان عليه قدر
على دفعها إىل احلاكم أو مل يقدر .واختلف يف ذلك أصحاب الشافعي ،فمنهم من يقول:
إن أودعها لغري احلاكم ضمن.
192
-7وقبول الوديعة عند مالك ال يجب في حال ،ومن العلماء من يرى أنه واجب إذا مل
جيد املودع من يودعها عنده.
-8وال أجر للمودع عنده على حفظ الوديعة ،وما تحتاج إليه من مسكن أو نفقة
فعلى ربها.
-9فيمن أودع ماال فتعدى فيه واتجر به فربح فيه ،هل ذلك الربح حالل له أم ال؟ .
فقال مالك ،والليث ،وأبو يوسف وجماعة :إذا رد المال طاب له الربح ،وإن كان
غاصبا للمال فضال عن أن يكون مستودعا عنده.
وقال أبو حنيفة ،وزفر ومحمد بن الحسن :يؤدي األصل ويتصدق بالربح.
وقال قوم :لرب الوديعة األصل والربح ،وقال قوم :هو مخير بين األصل والربح،
وقال قوم :البيع الواقع في تلك التجارة فاسد ،وهدالء هم الذين أوجبوا التصدق بالربح
إذا مات.
فمن اعتبر التصرف ،قال :الربح للمتصرف ،ومن اعتبر األصل ،قال :الربح لصاحب
المال .ولذلك ملا أمر عمر -رضي اهلل عنه -ابنيه عبد اهلل وعبيد اهلل أن يصرفا املال
الذي أسلفهما أبو موسى األشعري من بيت املال ،فاجترا فيه فرحبا ،قيل له :لو جعلته
قراضا ،فأجاب إىل ذلك،ألنه قد روي أنه قد حصل للعامل جزء ولصاحب املال جزء ،وأن
ذلك عدل.
193
11العارية
العارية واإلعارة مصدر أعرت املتاع إعارة ،واالسم منه عارية بتشديد الياء كأهنا منسوبة إىل
العار ؛ ألن طلبها عار وقد حدها ابن عرفة فقال ":تمليك منفعة مؤقتة ال بعوض " أو
هي " مال ذو منفعة مؤقتة ملكت بغير عوض".
-1أما اإلعارة :فهي فعل خري ومندوب إليه ،وقد شدد فيها قوم من السلف األول .روي
عن عبد اهلل بن عباس وعبد اهلل بن مسعود أهنما قاال يف قوله تعاىل{ :ومينعون املاعون} أنه
متاع البيت الذي يتعاطاه الناس بينهم من الفأس والدلو واحلبل والقدر وما أشبه ذلك.
-2وأما المعير :فال يعترب فيه إال كونه مالكا للعارية إما لرقبتها وإما ملنفعتها ،واألظهر أهنا
ال تصلح من املستعري (أعين :أن يعريها) .
-3وأما العارية فتكون يف الدور واألرضني واحليوان ،ومجيع ما يعرف بعينه إذا كانت
منفعته مباحة االستعمال ،ولذلك ال جتوز إباحة اجلواري لالستمتاع .ويكره لالستخدام إال
أن تكون ذات حمرم.
وهي عقد جائز عند الشافعي ،وأبي حنيفة :أي للمعير أن يسترد عاريته إذا شاء.
وقال مالك في المشهور :ليس له استرجاعها قبل االنتفاع ،وإن شرط مدة لزمته من
المدة ما يرى الناس أنه مدة لمثل تلك العارية.
194
وسبب الخالف ما يوجد فيها من شبه العقود الالزمة وغير الالزمة.
-فمنهم من قال :إنها مضمونة وإن قامت البينة على تلفها ،وهو قول أشهب،
والشافعي ،وأحد قويل مالك،
-ومنهم من قال نقيض هذا ،وهو أهنا ليست مضمونة أصال ،وهو قول أيب حنيفة.
-ومنهم من قال :يضمن فيما يغاب عليه إذا لم يكن على التلف بينة ،وال يضمن
فيما ال يغاب عليه ،وال فيما قامت البينة على تلفه ،وهو مذهب مالك المشهور ،وابن
القاسم وأكثر أصحابه.
وسبب الخالف تعارض اآلثار في ذلك ،وذلك أنه ورد في الحديث الثابت أنه قال -
عليه الصالة والسالم -لصفوان بن أمية« :بل عارية مضمونة مؤداة» ،وفي بعضها
«بل عارية مؤداة» ،وروي عنه أنه قال« :ليس على المستعير ضمان» .فمن رجح
وأخذ هبذا أسقط الضمان عنه ،ومن أخذ حبديث صفوان بن أمية ألزمه الضمان ،ومن
ذهب مذهب اجلمع فرق بني ما يغاب عليه وبني ما ال يغاب عليه ،فحمل هذا الضمان
على ما يغاب عليه ،واحلديث اآلخر على ما ال يغاب عليه ،إال أن احلديث الذي فيه
«ليس على املستعري ضمان» غري مشهور ،وحديث صفوان صحيح.
ومن لم ير الضمان شبهها بالوديعة ،ومن فرق قال :الوديعة مقبوضة لمنفعة الدافع،
والعارية لمنفعة القابض.
واتفقوا يف اإلجارة على أهنا غري مضمونة (أعين :الشافعي وأبا حنيفة ومالكا) ،ويلزم
الشافعي إذا سلم أنه ال ضمان عليه يف اإلجارة أن ال يكون ضمان يف العارية إن سلم أن
195
سبب الضمان هو االنتفاع ،ألنه إذا مل يضمن حيث قبض ملنفعتهما فأحرى أن ال يضمن
حيث قبض ملنفعته؛ إذا كانت منفعة الدافع مؤثرة في إسقاط الضمان.
-2واختلفوا إذا شرط الضمان ،فقال قوم :يضمن ،وقال قوم :ال يضمن ،والشرط
باطل ،وجييء على قول مالك إذا اشرتط الضمان يف املوضع الذي ال جيب فيه عليه
الضمان أن يلزم إجارة املثل يف استعماله العارية ؛ ألن الشرط خيرج العارية عن حكم العارية
إىل باب اإلجارة الفاسدة إذا كان صاحبها لم يرض أن يعير إال بأن يخرجها في ضمانه،
فهو عوض مجهول فيجب أن يرد إلى معلوم.
-3واختلف عن مالك والشافعي إذا غرس المستعير وبنى ثم انقضت المدة التي
استعار إليها.
فقال مالك :المالك بالخيار إن شاء أخذ املستعري بقلع غراسته وبنائه ،وإن شاء أعطاه
قيمته مقلوعا إذا كان مما له قيمة بعد القلع ،وسواء عند مالك انقضت املدة احملدودة
بالشرط أو بالعرف أو العادة.
وقال الشافعي :إذا لم يشترط عليه القلع فليس له مطالبته بالقلع ،بل خيري املعري بأن
يبقيه بأجر يعطاه ،أو ينقض بأرش ،أو يتملك ببدل ،فأيها أراد املعري أجرب عليه املستعري،
فإن أىب كلف تفريغ امللك .ويف جواز بيعته للنقض عنده خالف؛ ألنه معرض للنقض.
فرأى الشافعي أخذه املستعري بالقلع دون أرش هو ظلم ،ورأى مالك أن عليه إخالء احملل،
وأن العرف يف ذلك يتنزل منزلة الشروط.
وعند مالك أنه إن استعمل العارية استعماال ينقصها عن االستعمال المأذون فيه ضمن
ما نقصها باالستعمال.
196
-4واختلفوا من هذا الباب في الرجل يسأل جاره أن يعيره جداره ليغرز فيه خشبة
لمنفعته وال تضر صاحب الجدار ،وباجلملة يف كل ما ينتفع به املستعري وال ضرر على
املعري فيه ،فقال مالك وأبو حنيفة :ال يقضى عليه به؛ إذ العارية ال يقضى هبا ،وقال
الشافعي وأمحد ،وأبو ثور ،وداود ومجاعة أهل احلديث :يقضى بذلك.
وحجتهم ما خرجه مالك عن ابن شهاب ،عن األعرج عن أيب هريرة أن رسول اهلل -صلى
اهلل عليه وسلم -قال« :ال مينع أحدكم جاره أن يغرز خشبة يف جداره» ،مث يقول أبو
هريرة :ما يل أراكم عنها معرضني ،واهلل ألرمني هبا بني أكتافكم.
وكذلك حديث عمرو بن حيىي املازين عن أبيه أنه قال :كان يف حائط جدي ربيع لعبد
الرمحن بن عوف ،فأراد أن حيوله إىل ناحية من احلائط ،فمنعه صاحب احلائط ،فكلم عمر
بن اخلطاب ،فقضى لعبد الرمحن بن عوف بتحويله ،وقد عذل الشافعي مالكا إلدخاله
هذه األحاديث في موطئه ،وتركه األخذ بها.
وعمدة مالك ،وأيب حنيفة قوله -عليه الصالة والسالم « :-ال حيل مال امرئ مسلم إال
عن طيب نفس منه».
وعمدة الغري أن عموم هذا خمصص هبذه األحاديث ،وخباصة حديث أيب هريرة.
وعند مالك أهنا حممولة على الندب ،وأنه إذا أمكن أن تكون خمتصة ،وأن تكون على
الندب فحملها على الندب أوىل؛ ألن بناء العام على اخلاص إمنا جيب إذا مل ميكن بينهما
مجع ووقع التعارض.
197
وروى أصبغ عن ابن القاسم :أنه ال يدخذ بقضاء عمر على حممد بن مسلمة يف اخلليج،
ويدخذ بقضائه لعبد الرمحن بن عوف يف حتويل الربيع ،وذلك أنه رأى أن حتويل الربيع أيسر
من أن مير عليه بطريق مل يكن قبل ،وهذا القدر كاف حبسب غرضنا.
كتاب الغصب
الغصب لغة أخذ الشيء ظلما ،وحده ابن عرفة بقوله" أخذ مال غير منفعة ظلما قهرا
ال لخوف قتال"
وأما املوجب للضمان ،فهو إما املباشرة ألخذ املال املغصوب أو إلتالفه ،وإما املباشرة
للسبب املتلف ،وإما إثبات اليد عليه.
واختلفوا في السبب الذي يحصل بمباشرته الضمان إذا تناول التلف بواسطة سبب
آخر ،هل يحصل به ضمان أم ال؟ وذلك مثل أن يفتح قفصا فيه طائر فيطري بعد الفتح،
فقال مالك :يضمنه ،هاجه على الطريان أو مل يهجه .وقال أبو حنيفة :ال يضمن على
حال .وفرق الشافعي بني أن يهيجه على الطريان أو ال يهيجه ،فقال :يضمن إن هاجه،
وال يضمن إن مل يهجه.
ومن هذا من حفر بئرا فسقط فيه شيء فهلك ،فمالك والشافعي يقوالن :إن حفره
حبيث أن يكون حفره تعديا ضمن ما تلف فيه وإال مل يضمن ،وجييء على أصل أيب حنيفة
أنه ال يضمن يف مسألة الطائر.
198
وهل يشترط في المباشرة العمد أو ال يشترط؟ فاألشهر أن األموال تضمن عمدا وخطأ،
وإن كانوا قد اختلفوا يف مسائل جزئية من هذا الباب.
وهل يشرتط يف املكره أن يكون خمتارا؟ فاملعلوم عند الشافعي أنه يشرتط أن يكون خمتارا،
ولذلك رأى على املكره الضمان
الركن الثاني ؛ وأما ما يجب فيه الضمان فهو كل مال أتلفت عينه أو تلفت عند
الغاصب عينه بأمر من السماء ،أو سلطت اليد عليه وتملك ،وذلك فيما ينقل ويحول
باتفاق.
واختلفوا فيما ال ينقل وال يحول مثل العقار ،فقال اجلمهور :إهنا تضمن بالغصب -
أعين أهنا إن اهندمت الدار ضمن قيمتها ،-وقال أبو حنيفة :ال يضمن.
الركن الثالث وهو الواجب في الغصب ،والواجب على الغاصب إن كان املال قائما
عنده بعينه مل تدخله زيادة وال نقصان أن يرده بعينه ،وهذا ال اختالف فيه ،فإذا ذهبت
عينه فإهنم اتفقوا على أنه إذا كان مكيال أو موزونا أن على الغاصب المثل (أعني :مثل
ما استهلك صفة ووزنا) .
واختلفوا يف العروض فقال مالك :ال يقضى يف العروض من احليوان وغريه إال بالقيمة يوم
استهلك ،وقال الشافعي ،وأبو حنيفة ،وداود :الواجب يف ذلك املثل وال تلزم القيمة إال
عند عدم املثل.
وعمدة مالك حديث أيب هريرة املشهور عن النِب -صلى اهلل عليه وسلم « :-من أعتق
شقصا له يف عبد قوم عليه الباقي قيمة العدل» احلديث .ووجه الدليل منه أنه مل يلزمه املثل
وألزمه القيمة.
199
وعمدة الطائفة الثانية قوله تعاىل{ :فجزاء مثل ما قتل من النعم} ؛ وألن منفعة الشيء قد
تكون هي املقصودة عند املتعدى عليه.
ومن الحجة لهم ما خرجه أبو داود من حديث أنس وغيره «أن رسول اهلل -صلى اهلل
عليه وسلم -كان عند بعض نسائه ،فأرسلت إحدى أمهات املدمنني جارية بقصعة هلا
فيها طعام ،قال :فضربت بيدها فكسرت القصعة ،فأخذ النِب -صلى اهلل عليه وسلم -
الكسرتني فضم إحدامها إىل األخرى وجعل فيها مجيع الطعام وهو يقول :غارت أمكم كلوا
كلوا ،حىت جاءت قصعتها اليت يف بيتها ،وحبس رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -
القصعة حىت فرغوا ،فدفع الصحفة الصحيحة إىل الرسول ،وحبس املكسورة يف بيته» ويف
حديث آخر «أن عائشة كانت هي اليت غارت وكسرت اإلناء ،وأهنا قالت لرسول اهلل -
صلى اهلل عليه وسلم :-ما كفارة ما صنعت؟ قال :إناء مثل إناء ،وطعام مثل طعام» ".
والطوارئ على المغصوب إما بزيادة وإما بنقصان ،وهذان إما من قبل المخلوق ،وإما
من قبل الخالق.
-1فأما النقصان الذي يكون بأمر من السماء ،فإنه ليس له إال أن يأخذه ناقصا ،أو
يضمنه قيمته يوم الغصب ،وقيل إن له أن يأخذه ويضمن الغاصب قيمة العيب.
-2وأما إن كان النقص بجناية الغاصب ،فالمغصوب مخير في المذهب بين أن
يضمنه القيمة يوم الغصب أو يأخذه ،وما نقصته اجلناية يوم اجلناية عند ابن القاسم،
وعند سحنون ما نقصته اجلناية يوم الغصب.
200
وذهب أشهب إىل أنه خمري بني أن يضمنه القيمة أو يأخذه ناقصا ،وال شيء له يف اجلناية،
كالذي يصاب بأمر من السماء ،وإليه ذهب ابن املواز.
والسبب يف هذا االختالف أن من جعل املغصوب مضمونا على الغاصب بالقيمة يوم
الغصب جعل ما حدث فيه من مناء أو نقصان ،كأنه حدث يف ملك صحيح ،فأوجب له
الغلة ،ومل يوجب عليه يف النقصان شيئا سواء أكان من سببه أو من عند اهلل ،وهو قياس
قول أيب حنيفة.
-3وأما إن كانت الجناية عند الغاصب من غير فعل الغاصب ،فاملغصوب خمري بني أن
يضمن الغاصب القيمة يوم الغصب ،ويتبع الغاصب اجلاين ،وبني أن يرتك الغاصب ويتبع
اجلاين حبكم اجلنايات ،فهذا حكم اجلنايات على العني يف يد الغاصب.
-4وأما الجناية على العين من غير أن يغصبها غاصب ،فإنها تنقسم عند مالك إلى
قسمين:
- 1جناية تبطل يسيرا من المنفعة ،والمقصود من الشيء باق ،فهذا يجب فيه ما
نقص يوم الجناية ،وذلك بأن يقوم صحيحا ويقوم بالجناية ،فيعطى ما بين القيمتين.
- 2وأما إن كانت الجناية مما تبطل الغرض المقصود ،فإن صاحبه يكون مخيرا إن
شاء أسلمه للجاني وأخذ قيمته ،وإن شاء أخذ قيمة الجناية ،وقال الشافعي وأبو
حنيفة :ليس له إال قيمة الجناية.
وسبب االختالف االلتفات إلى الحمل على الغاصب ،وتشبيه إتالف أكثر المنفعة
بإتالف العين.
201
أحدهما :أن يكون بفعل اهلل كالصغير يكبر ،والمهزول يسمن والعيب يذهب.
وأما النماء بما أحدثه الغاصب في الشيء المغصوب ،فإنه ينقسم فيما رواه ابن
القاسم عن مالك إلى قسمين:
أحدهما :أن يكون قد جعل فيه من ماله ما له عين قائمة كالصبغ في الثوب والنقش
في البناء وما أشبه ذلك.
والثاني :أن ال يكون قد جعل فيه من ماله سوى العمل كالخياطة والنسج وطحن
الحنطة والخشبة يعمل منها توابيت.
فأما الوجه األول -وهو أن يجعل فيه من ماله ما له عين قائمة -فإنه ينقسم إلى
قسمين:
أحدهما :أن يكون ذلك الشيء مما يمكنه إعادته على حاله كالبقعة يبنيها وما أشبه
ذلك.
فأما الوجه األول ،فاملغصوب منه خمري بني أن يأمر الغاصب بإعادة البقعة على حاهلا ،
وإزالة ما له فيها مما جعله من نقض أو غريه ،وبني أن يعطي الغاصب قيمة ماله فيها من
النقض مقلوعا بعد حط أجر القلع ،وهذا إن كان الغاصب ممن ال يتوىل ذلك بنفسه وال
بغريه ،وإمنا يستأجر عليه ،وقيل :إنه ال حيط من ذلك أجر القلع ،هذا إن كانت له قيمة،
202
وأما إن مل تكن له قيمة مل يكن للغاصب على املغصوب فيه شيء ؛ ألن من حق
املغصوب أن يعيد له الغاصب ما غصب منه على هيئته ،فإن مل يطالبه بذلك مل يكن له
مقال.
وأما الوجه الثاني ،فهو فيه خمري بني أن يدفع قيمة الصبغ وما أشبهه ويأخذ ثوبه ،وبني أن
يضمنه قيمة الثوب يوم غصبه ،إال يف السويق الذي يلته يف السمن وما أشبه ذلك من
الطعام ،فال خيري فيه ملا يدخله من الربا ،ويكون ذلك فوتا يلزم الغاصب فيه املثل ،أو القيمة
فيما ال مثل له.
وأما الوجه الثاني من التقسيم األول (وهو أن ال يكون أحدث الغاصب فيما أحدثه
في الشيء المغصوب سوى العمل) فإن ذلك أيضا ينقسم قسمين:
أحدهما :أن يكون ذلك يسيرا ال ينتقل به الشيء عن اسمه بمنزلة الخياطة في الثوب
أو الرفولة.
والثاني أن يكون العمل كثيرا ينتقل به الشيء المغصوب عن اسمه ،كالخشبة يعمل
منها تابوتا ،والقمح يطحنه ،والغزل ينسجه ،والفضة يصوغها حليا أو دراهم.
فأما الوجه األول :فال حق فيه للغاصب ،ويأخذ املغصوب منه الشيء املغصوب معموال.
وأما الوجه الثاني :فهو فوت يلزم الغاصب قيمة الشيء املغصوب يوم غصبه أو مثله فيما
له مثل ،هذا تفصيل مذهب ابن القاسم يف هذا املعىن.
وأشهب جيعل ذلك كله للمغصوب ،أصله مسألة البنيان فيقول :إنه ال حق للغاصب فيما
ال يقدر على أخذه من الصبغ والرفولة والنسج والدباغ والطحني .وقد روي عن ابن عباس
أن الصبغ تفويت يلزم الغاصب فيه القيمة يوم الغصب.
203
وقد قيل إهنما يكونان شريكني ،هذا بقيمة الصبغ ،وهذا بقيمة الثوب إن أىب رب الثوب
أن يدفع قيمة الصبغ ،وإن أىب الغاصب أن يدفع قيمة الثوب ،وهذا القول أنكره ابن
القاسم يف املدونة يف كتاب اللقطة ،وقال :إن الشركة ال تكون إال فيما كان بوجه شبهة
جلية.
وقول الشافعي في الصبغ مثل قول ابن القاسم إال أنه يجيز الشركة بينهما ،ويقول :إنه
يدمر الغاصب بقلب الصبغ إن أمكنه وإن نقص الثوب ،ويضمن للمغصوب مقدار
النقصان ،وأصول الشرع تقتضي أن ال يستحل مال الغاصب من أجل غصبه ،وسواء
أكان منفعة أو عينا ،إال أن حيتج حمتج بقوله -عليه الصالة والسالم « :-ليس لعرق
ظامل حق» لكن هذا جممل ،ومفهومه األول أنه ليس له منفعة متولدة بني ماله وبني الشيء
الذي غصبه (أعين :ماله املتعلق باملغصوب) ،فهذا هو حكم الواجب يف عني املغصوب
تغري أو مل يتغري.
فمن ذهب إلى أن حكمهما حكم الشيء المغصوب -وبه قال أشهب من أصحاب
مالك -يقول :إمنا تلزمه الغلة يوم قبضها ،أو أكثر مما انتهت إليه بقيمتها على قول من
يرى أن الغاصب يلزمه أرفع القيم من يوم غصبها ال قيمة الشيء املغصوب يوم الغصب.
204
وأما الذين ذهبوا إلى أن حكم الغلة بخالف حكم الشيء المغصوب ،فاختلفوا يف
حكمها اختالفا كثريا بعد اتفاقهم على أهنا إن تلفت ببينة أنه ال ضمان على الغاصب،
وأنه إن ادعى تلفها مل يصدق وإن كان مما ال يغلب عليه.
وحتصيل مذهب هدالء يف حكم الغلة هو أن الغالل تنقسم إىل ثالثة أقسام:
- 1أحدها :غلة متولدة عن الشيء المغصوب على نوعه وخلقته وهو الولد.
- 2وغلة متولدة عن الشيء ال على صورته ،وهو مثل الثمر ولبن الماشية وجبنها
وصوفها.
-3وغالل غير متولدة بل هي منافع ،وهي األكرية والخراجات وما أشبه ذلك.
فأما ما كان على خلقته وصورته فال خالف أعلمه أن الغاصب يرده كالولد مع األم
املغصوبة وإن كان ولد الغاصب.
وإنما اختلفوا في ذلك إذا ماتت األم فقال مالك :هو مخير بين الولد وقيمة األم،
وقال الشافعي :بل يرد الولد وقيمة األم وهو القياس.
وأما إن كان متولدا على غري خلقة األصل وصورته ففيه قوالن:
والثاين :أنه يلزمه رده مع الشيء املغصوب إن كان قائما ،أو قيمتها إن ادعى تلفها ومل
يعرف ذلك إال من قوله ،فإن تلف الشيء املغصوب كان خمريا بني أن يضمنه وال شيء له
يف الغلة ،وبني أن يأخذه وبالغلة وال شيء له من القيمة.
205
أحدها :أنه ال يلزمه رده مجلة من غري تفصيل.
والثالث :أنه يلزمه الرد إن أكرى ،وال يلزمه الرد إن انتفع أو عطل.
واخلامس :الفرق بني احليوان واألصول (أعين أنه يرد قيمة منافع األصول ،وال يرد قيمة
منافع احليوان) .
وأما ما اغتل منها بتصريفها وتحويل عينها ،كالدنانير فيغتصبها فيتجر بها فيربح،
فالغلة له قوال واحدا في المذهب ،وقال قوم :الربح للمغصوب.
وهذا أيضا إذا قصد غصب األصل .وأما إذا قصد غصب الغلة دون األصل فهو ضامن
للغلة بإطالق ،وال خالف يف ذلك سواء عطل أو انتفع أو أكرى ،كان مما يزال به أو مبا ال
يزال به.
وقال أبو حنيفة :إنه من تعدى على دابة رجل فركبها أو محل عليها فال كراء عليه يف ركوبه
إياها وال يف محله ; ألنه ضامن هلا إن تلفت يف تعديه ،وهذا قوله يف كل ما ينقل وحيول؛
فإنه ملا رأى أنه قد ضمنه بالتعدي وصار يف ذمته جازت له املنفعة كما تقول املالكية فيما
جتر به من املال املغصوب ،وإن كان الفرق بينهما أن الذي اجتر به حتولت عينه ،وهذا مل
تتحول عينه.
206
وسبب اختالفهم في هل يرد الغاصب الغلة أو ال يردها اختالفهم في تعميم قوله -
عليه الصالة والسالم « :-الخراج بالضمان» وقوله -عليه الصالة والسالم :-
«ليس لعرق ظالم حق» .
وذلك أن قوله -صلى اهلل عليه وسلم -هذا خرج على سبب ،وهو يف غالم قيم فيه
بعيب ،فأراد الذي صرف عليه أن يرد املشرتي غلته ،وإذا خرج العام على سبب هل يقصر
على سببه أم حيمل على عمومه؟ فيه خالف فقهاء األمصار مشهور ،فمن قصر هاهنا هذا
احلكم على سببه ،قال :إمنا جتب الغلة من قبل الضمان فيما صار إىل اإلنسان بشبهة،
مثل أن يشرتي شيئا فيستغله فيستحق منه .وأما ما صار إليه بغري وجه شبهة فال جتوز له
الغلة ألنه ظامل ،وليس لعرق ظامل حق ،فعمم هذا احلديث يف األصل والغلة (أعين :عموم
هذا احلديث) وخصص الثاين.
وأما من عكس األمر فعمم قوله -عليه الصالة والسالم « :-اخلراج بالضمان» على
أكثر من السبب الذي خرج عليه ،وخصص قوله -عليه الصالة والسالم « :-ليس لعرق
ظامل حق» بأن جعل ذلك يف الرقبة دون الغلة ،قال :ال يرد الغلة الغاصب.
وأما من المعنى كما تقدم من قولنا فالقياس أن تجري المنافع واألعيان المتولدة
مجرى واحدا ،وأن يعتبر التضمن أو ال يعتبر .وأما سائر األقاويل التي بين هذين فهي
استحسان.
-7وأجمع العلماء على أن من اغترس نخال أو ثمرا بالجملة وبنيانا في غير أرضه أنه
يؤمر بالقلع ؛ ملا ثبت من حديث مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول اهلل -
صلى اهلل عليه وسلم -قال« :من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظامل حق» والعرق
207
الظامل عندهم هو ما اغرتس يف أرض الغري .وروى أبو داود يف هذا احلديث زيادة :قال
عروة :ولقد حدثين الذي حدثين هذا احلديث« :أن رجلني اختصما إىل رسول اهلل -صلى
اهلل عليه وسلم -غرس أحدمها خنال يف أرض اآلخر ،فقضى لصاحب األرض بأرضه ،وأمر
صاحب النخل أن خيرج خنله منها قال :فلقد رأيتها وإهنا لتضرب أصوهلا بالفدوس ،وإهنا
لنخل عم حىت أخرجت منها» ،إال ما روي يف املشهور عن مالك «أن من زرع زرعا يف
أرض غريه وفات أوان زراعته مل يكن لصاحب األرض أن يقلع زرعه ،وكان على الزارع كراء
األرض» .وقد روي عنه ما يشبه قياس قول اجلمهور ،وعلى قوله :إن كل ما ال ينتفع
الغاصب به إذا قلعه وأزاله أنه للمغصوب ،يكون الزرع على هذا للزارع.
وفرق قوم بين الزرع والثمار فقالوا :الزارع يف أرض غريه له نفقته وزريعته ،وهو قول كثري
من أهل املدينة ،وبه قال أبو عبيد ،وروي عن رافع بن خديج ،أنه قال -عليه الصالة
والسالم « :-من زرع يف أرض قوم بغري إذهنم فله نفقته وليس له من الزرع شيء» .
-8واختلف العلماء في القضاء فيما أفسدته المواشي والدواب على أربعة أقوال:
والثالث :أن الضمان على أرباب البهائم بالليل ،وال ضمان عليهم فيما أفسدته بالنهار.
وممن قال :يضمن بالليل وال يضمن بالنهار مالك والشافعي ،وبأن ال ضمان عليهم أصال
قال أبو حنيفة وأصحابه ،وبالضمان بإطالق قال الليث ،إال أن الليث قال :ال يضمن
أكثر من قيمة املاشية ،والقول الرابع مروي عن عمر -رضي اهلل عنه .-
208
فعمدة مالك والشافعي في هذا الباب شيئان:
أحدهما :قوله تعالى{ :وداود وسليمان إذ حيكمان يف احلرث إذ نفشت فيه غنم القوم}
[األنبياء ]87 :والنفش عند أهل اللغة ال يكون إال بالليل ،وهذا االحتجاج على مذهب
من يرى أنا خماطبون بشرع من قبلنا.
والثاني :مرسله عن ابن شهاب «أن ناقة للرباء بن عازب دخلت حائط قوم فأفسدت
فيه ،فقضى رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -أن على أهل احلوائط بالنهار حفظها،
وأن ما أفسدته املواشي بالليل ضامن على أهلها» أي مضمون.
وعمدة أبي حنيفة قوله -عليه الصالة والسالم « :-العجماء جرحها جبار» وقال
الطحاوي :وحتقيق مذهب أيب حنيفة أنه ال يضمن إذا أرسلها حمفوظة ،فأما إذا مل يرسلها
حمفوظة فيضمن.
واملالكية تقول :من شرط قولنا أن تكون الغنم يف املسرح ،وأما إذا كانت يف أرض مزرعة ال
مسرح فيها فهم يضمنون ليال وهنارا.
وعمدة من رأى الضمان فيما أفسدت ليال وهنارا شهادة األصول له ،وذلك أنه تعد من
املرسل ،واألصول على أن على املتعدي الضمان.
ووجه من فرق بني املنفلت وغري املنفلت بني ،فإن املنفلت ال ميلك.
فسبب الخالف في هذا الباب معارضة األصل للسمع ،ومعارضة السماع بعضه
لبعض ،أعني :أن األصل يعارض «جرح العجماء جبار» ،ويعارض أيضا التفرقة التي
في حديث البراء ،وكذلك التفرقة التي في حديث البراء تعارض أيضا قوله «جرح
العجماء جبار» .
209
-9ومن مسائل هذا الباب المشهورة اختالفهم في ما يصاب من أعضاء الحيوان،
فروي عن عمر بن اخلطاب أنه قضى يف عني الدابة بربع مثنها ،وكتب إىل شريح فأمره
بذلك ،وبه قال الكوفيون ،وقضى به عمر بن عبد العزيز.
وقال الشافعي ومالك :يلزم فيما أصيب من البهيمة ما نقص يف مثنها قياسا على التعدي
يف األموال.
والكوفيون اعتمدوا يف ذلك على قول عمر -رضي اهلل عنه -وقالوا :إذا قال الصاحب
قوال وال مخالف له من الصحابة ؛ وقوله مع هذا مخالف للقياس وجب العمل به ؛
ألنه يعلم أنه إنما صار إلى القول به من جهة التوقيف .فسبب الخالف إذن معارضة
القياس لقول الصاحب.
-11ومن هذا الباب اختالفهم في الجمل الصئول وما أشبهه يخاف الرجل على
نفسه فيقتله،
هل جيب عليه غرمه أم ال؟ فقال مالك والشافعي :ال غرم عليه إذا بان أنه خافه على
نفسه ،وقال أبو حنيفة والثوري :يضمن قيمته على كل حال.
وعمدة من مل ير الضمان القياس على من قصد رجال فأراد قتله ،فدافع املقصود عن نفسه
فقتل يف املدافعة القاصد املتعدي أنه ليس عليه قود ،وإذا كان ذلك يف النفس كان يف املال
أحرى ؛ألن النفس أعظم حرمة من املال ،وقياسا أيضا على إهدار دم الصيد احلرمي إذا
صال ومتسك به حذاق أصحاب الشافعي.
وعمدة أبي حنيفة أن األموال تضمن بالضرورة إليها ،أصله المضطر إلى طعام الغير ،
وال حرمة للبعير من جهة ما هو ذو نفس.
210
-11ومن هذا الباب اختالفهم في المكرهة على الزنا ،هل على مكرهها مع الحد
صداق أم ال؟ فقال مالك والشافعي والليث :عليه الصداق واحلد مجيعا ،وقال أبو حنيفة
والثوري :عليه احلد وال صداق عليه ،وهو قول ابن شربمة .وعمدة مالك أنه جيب عليه
حقان :حق اهلل وحق لآلدمي ،فلم يسقط أحدمها اآلخر ،أصله السرقة اليت جيب هبا
عندهم غرم املال والقطع.
أحدهما :أنه إذا اجتمع حقان :حق هلل وحق للمخلوق سقط حق المخلوق لحق اهلل،
وهذا على رأي الكوفيين في أنه ال يجمع على السارق غرم وقطع.
والمعنى الثاني :أن الصداق ليس مقابل البضع ،وإنما هو عبادة إذ كان النكاح
شرعيا ،وإذا كان ذلك كذلك فال صداق في النكاح الذي على غير الشرع.
-12ومن مسائلهم المشهورة في هذا الباب من غصب أسطوانة فبنى عليها بناء
يساوي قائما أضعاف قيمة األسطوانة،
فقال مالك والشافعي :حيكم على الغاصب باهلدم ويأخذ املغصوب منه أسطوانته ،وقال
أبو حنيفة :تفوت بالقيمة كقول مالك فيمن غري املغصوب بصناعة هلا قيمة كثرية ،وعند
الشافعي ال يفوت املغصوب بشيء من الزيادة .وهنا انقضى هذا الكتاب.
211
االستحقاق 13
،وله فيه حق كاستحقاق هذا من الوقف مثال بوصف الفقر ،أو العلم ويف عرف الشرع
مستعمل يف معىن ما أشار إليه ابن عرفة بقوله " رفع ملك شيء بثبوت ملك قبله بغير
عوض"
أنواع اإلستحقاق
أن الشيء املسحق من يد إنسان ملكه بالشرع ال خيرج عن ثالثة أشياء :إما أن يستحق
من ذلك الشيء أقله أو كله أو جله .مث إذا استحق منه كله أو جله فال خيلو أن يكون قد
تغري عند الذي هو بيده بزيادة أو نقصان أو يكون مل يتغري ،مث ال خيلو أيضا أن يكون
املستحق منه قد اشرتاه بثمن أو مثمون.
-1فأما إن كان استحق منه أقله ،فعند مالك يرجع على الذي اشتراه منه بقيمة ما
استحق من يده ،وليس له أن يرجع بالجملة.
ِ
المستحق ،ورجع -2وأما إن كان استحق كله أو جله ،فإن كان لم يتغير أخذه
املستحق منه على الذي اشرتاه منه بثمن ما اشرتاه منه ،وإن كان اشرتاه باملثمون رجع
َ
212
باملثمون بعينه إن كان مل يتغري ،فإن تغري تغريا يوجب اختالف قيمته رجع بقيمته يوم
الشراء.
-3وإن كان المال المستحق قد بيع ؛ فإن المستحق مخير بين أن يمضي البيع
ويأخذ الثمن أو يأخذه بعينه،
املستحق
َ املستحق منه فال شيء على
َ وأما إن كان تغير بنقصان ،فإن كان من غري سبب
منه .وأما إن كان أخذ من هذا النقصان مثنا مثل أن يهدم الدار فيبيع نقضها مث يستحقها
من يده رجل آخر ،فإنه يرجع عليه بثمن ما باع من النقض.
-5وأما غلة الشيء المستحق ،فإن المستحق منه إذا كان ضامنا ونعين بالضمان :أهنا
تكون من خسارته إذا هلكت عنده فهنا ال خالف أن الغلة للمستحق منه ،وأما إذا
213
كان غري ضامن ،فإنه يرد الغلة .مثل أن يكون وارثا فيطرأ عليه وارث آخر فيستحق بعض
ما يف يده؛
6وأما من أي وقت تصح الغلة للمستحق؟ فقيل يوم الحكم ،وقيل من يوم ثبوت
الحق ،وقيل من يوم توقيفه.
-فإذا كانت أصوال فيها ثمار فأدرك أحد هذه األوقات الثمر ومل يقطف بعده ،فقيل
إهنا للمستحق ما مل تقطف وقيل مامل تيبس ،وقيل ما مل يطب ،ويرجع عليه مبا سقى
وعاجل املستحق منه ،وهذا إن كان اشرتى األصول قبل اإلبار .وأما إن كان اشرتاها بعد
اإلبار فالثمرة للمستحق عند ابن القاسم إن جذت ويرجع بالسقي والعالج ،وقال أشهب:
هي للمستحق ما مل جتذ.
كراء األرض إذا استحقت ،فالكراء إنما هو للمستحق إن وقع االستحقاق في إبان
زريعة األرض .أي في وقت الحرث وأما إذا خرج اإلبان فقد وجب كراء األرض
للمستحق منه.
214
14الهبات
تعريف الهبة :لغة :قال أهل اللغة يقال وهبت له شيئا وهبا بإسكان اهلاء وفتحها وهبة ،
واالسم املوهب واملوهبة بكسر اهلاء فيهما ،واالهتاب قبول اهلبة ،
وعرفها ابن عرفة " :متليك متمول بغري عوض إنشاء "
) 1الواهب :فإهنم اتفقوا على أنه جتوز هبته إذا كان مالكا للموهوب صحيح امللك،
وذلك إذا كان يف حال الصحة وحال إطالق اليد .واختلفوا يف حال املرض ويف حال
السفه والفلس .
المريض :فقال اجلمهور :إهنا يف ثلثه تشبيها بالوصية .وقالت طائفة من السلف ومجاعة
أهل الظاهر :إن هبته خترج من رأس ماله إذا مات ،وال خالف بينهم أنه إذا صح من
مرضه أن اهلبة صحيحة.
وعمدة الجمهور حديث عمران بن حصني عن النِب -عليه الصالة والسالم « -يف
الذي أعتق ستة أعبد عند موته ،فأمره رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -فأعتق ثلثهم
وأرق الباقي» .
وعمدة أهل الظاهر :استصحاب احلال :ونعين به :حال اإلمجاع ،وذلك أهنم ملا اتفقوا
على جواز هبته يف الصحة وجب استصحاب حكم اإلمجاع يف املرض إال أن يدل الدليل
من كتاب أو سنة بينة ،واحلديث عند اجلمهور حممول على الوصية.
215
واألمراض التي يحجر فيها عند الجمهور هي األمراض المخوفة ،وكذلك عند مالك
احلاالت املخوفة ،مثل الكون بني الصفني أي يف حال احلرب ،وقرب احلامل من الوضع،
وراكب البحر املرتج ،وفيه اختالف .وأما األمراض املزمنة فليس عندهم فيها حتجري،
وأما السفهاء والمفلسون فال خالف عند من يقول باحلجر عليهم أن هبتهم غري
صحيحة
واختلفوا يف تفضيل الرجل بعض ولده على بعض يف اهلبة ،أو يف مجيع ماله لبعضهم دون
بعض
،فقال جمهور فقهاء األمصار بكراهية ذلك له ،ولكن إذا وقع عندهم جاز ذلك.
وقال أهل الظاهر :ال جيوز التفضيل فضال عن أن يهب مجيع ماله،
وقال مالك جيوز التفضيل وال جيوز أن يهب بعضهم مجيع املال دون بعض.
ودليل أهل الظاهر حديث النعمان بن بشري ،وهو حديث متفق على صحته ،وإن كان قد
اختلف يف ألفاظه ،واحلديث أنه قال «إن أباه بشريا أتى به إىل رسول اهلل -صلى اهلل عليه
وسلم -فقال :إين حنلت ابين هذا غالما كان يل ،فقال رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم
:-أكل ولدك حنلته مثل هذا؟ قال :ال ،قال رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم :-
فارجتعه»
216
وعمدة الجمهور :أن اإلمجاع منعقد على أن للرجل أن يهب يف صحته مجيع ماله
لألجانب دون أوالده ،فإن كان ذلك لألجنِب فهو للولد أحرى.
واحتجوا حبديث أيب بكر املشهور أنه كان حنل عائشة جذاذ عشرين وسقا فلما حضرته
الوفاة ،قال" :واهلل يا بنية ما من الناس أحد أحب إيل غىن بعدي منك ،وال أعز علي فقرا
بعدي منك ،وإين كنت حنلتك جذاذ عشرين وسقا فلو كنت جذذتيه واحتزتيه كان لك،
وإمنا هو اليوم مال وارث" .قالوا :وذلك احلديث املراد به الندب،
وعمدة مالك :أنه رأى أن النهي عن أن يهب الرجل مجيع ماله لواحد من ولده هو أحرى
أن حيمل على الوجوب ،فأوجب عنده مفهوم هذا احلديث النهي عن أن خيص الرجل
بعض أوالده جبميع ماله.
فسبب الخالف يف هذه املسألة :معارضة القياس للفظ النهي الوارد ،وذلك أن النهي
يقتضي عند األكثر التحرمي ،فاجلمهور :ذهبوا إىل اجلمع بني السماع والقياس ومحل
احلديث على الندب ومالك خصصه يف بعض الصور كما جيوز ختصيص السنة بالقياس
وأما أهل الظاهر :مل جيز القياس عندهم يف الشرع واعتمدوا على ظاهر احلديث .
هبة المشاع غير المقسوم :،اختلفوا :فقال مالك والشافعي وأمحد وأبو ثور :تصح ،وقال
أبو حنيفة :ال تصح.
وعمدة أبي حنيفة :أن القبض فيها ال يصح إال مفردة كالرهن.
هبة المجهول والمعدوم المتوقع الوجود جيوز يف املذهب ،وباجلملة كل ما ال يصح بيعه
يف الشرع من جهة الغرر ،وقال الشافعي :ما جاز بيعه جازت هبته وما مل جيز بيعه مل جتز
217
هبته ،وكل ما ال يصح قبضه عند الشافعية ال تصح هبته كالدين والرهن .وأما اهلبة فال بد
من اإلجياب فيها والقبول عند اجلميع.
فاتفق الثوري ،والشافعي ،وأبو حنيفة أن من شرط صحة اهلبة القبض ،وأنه إذا مل يقبض مل
يلزم الواهب.
وقال مالك :ينعقد بالقبول وجيرب على القبض كالبيع سواء ،فإن تأخر املوهوب له عن
طلب القبض حىت أفلس الواهب أو مرض بطلت اهلبة ،وله إذا باع تفصيل :إن علم فتأخر
مل يكن له إال الثمن ،وإن قام يف الفور كان له املوهوب.
فمالك :القبض عنده يف اهلبة من شروط التمام ال من شروط الصحة ،وهو عند الشافعي،
وأيب حنيفة من شروط الصحة.
وقال أمحد ،وأبو ثور وأهل الظاهر :تصح اهلبة بالعقد ،وليس القبض من شروطها أصال ،ال
من شرط متام وال من شرط صحة ،وهو قول.
وعمدة من اشترط القبض أن ذلك مروي عن أيب بكر -رضي اهلل عنه -يف حديث
هبته لعائشة املتقدم ،وهو نص يف اشرتاط القبض يف صحة اهلبة.
218
وأما مالك فاعتمد األمرين مجيعا( :القياس وما روي عن الصحابة) ومجع بينهما .فمن
حيث هي عقد من العقود مل يكن القبض شرطا من شروط صحتها .ومن حيث شرطت
الصحابة فيه القبض لسد الذريعة جعل القبض فيها من شرط التمام.
لمن يحوز االب من ولده :جمهور فقهاء األمصار على أن األب حيوز البنه الصغري
الذي يف والية نظره ،وللكبري السفيه الذي ما وهبه ،كما حيوز هلما ما وهبه غريه هلما ،وأنه
يكفي يف احليازة له إشهاده باهلبة واإلعالن بذلك ،وذلك كله فيما عدا الذهب والفضة
وفيما ال يتعني.
وحجتهم :يف ذلك عندهم ما رواه مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن املسيب أن عثمان
بن عفان قال :من حنل ابنا له صغريا مل يبلغ أن حيوز حنلته فأعلن ذلك وأشهد عليه فهي
حيازة وإن وليها.
شروط الحيازة في المسكون والملبوس للولد وقال مالك وأصحابه ، :فإن كانت دارا
سكن فيها خرج منها ،وكذلك امللبوس إن لبسه بطلت اهلبة ،وقالوا يف سائر العروض مبثل
قول الفقهاء أنه يكفي يف ذلك إعالنه وإشهاده.
وأما الذهب والورق فاختلفت الرواية فيه عن مالك ،فروي عنه أنه ال جيوز إال أن خيرجه
األب عن يده إىل يد غريه ،وروي عنه أنه جيوز إذا جعلها يف ظرف أو إناء وختم عليها
خبامت وأشهد على ذلك الشهود.
هل الوصي يقوم في ذلك مقام األب ؟ ال خالف بني أصحاب مالك .يف ذلك .
واختلفوا في األم؛ فقال ابن القاسم :ال تقوم مقام األب ،ورواه عن مالك،
219
وقال الشافعي :اجلد مبنزلة األب ،واجلدة أم األم عند ابن وهب تقوم مقام األم ،واألم
عنده تقوم مقام األب.
أنواع الهبات
و اهلبة منها ما هي هبة عني أي رقبة ،ومنها ما هي هبة منفعة .أي عوض وهبة العني منها
ما يقصد هبا الثواب ،ومنها ما ال يقصد هبا الثواب .واليت يقصد هبا الثواب منها ما يقصد
هبا وجه اهلل ،ومنها ما يقصد به وجه املخلوق.
فأما الهبة لغير الثواب فال خالف يف جوازها ،وإمنا اختلفوا يف أحكامها.
وأما هبة الثواب فاختلفوا فيها ،فأجازها مالك وأبو حنيفة ؛ ومنعها الشافعي ،وبه قال
داود وأبو ثور.
وسبب الخالف :هل هي بيع جمهول الثمن أو ليس بيعا جمهول الثمن؟
فمن رآه بيعا جمهول الثمن قال :هو من بيوع الغرر اليت ال جتوز ،ومن مل ير أهنا بيع
جمهول ،قال :جيوز ؛ قال ابن رشد :وكأن مالكا جعل العرف فيها مبنزلة الشرط ،وهو
ثواب مثلها.
إذا لم يرض الواهب بالثواب ما الحكم؟ فقيل تلزمه اهلبة إذا أعطاه املوهوب القيمة،
وقال عمر ال تلزمه إال أن يرضيه ، ،فإذا اشرتط فيه الرضا فليس هنالك بيع انعقد ،واألول
هو املشهور عن مالك.
220
وإمنا حيمل مالك اهلبة على الثواب إذا اختلفوا يف ذلك ،وخصوصا إذا دلت قرينة احلال
على ذلك مثل أن يهب الفقري للغين ،أو ملن يرى أنه إمنا قصد بذلك الثواب.
وأما هبات المنافع :فمنها ما هي مؤجلة ،وهذه تسمى عارية ومنحة وما أشبه ذلك،
ومنها ما يشرتط فيها ما بقيت حياة املوهوب له ،وهذه تسمى العمرى ،مثل أن يهب رجل
رجال سكىن دار حياته ،وهذه اختلف العلماء فيها على ثالثة أقوال:
أحدها :أهنا هبة مبتوتة :أي أهنا هبة للرقبة ،وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ،والثوري ،وأمحد
ومجاعة.
والثاني :أنه ليس للمعمر فيها إال املنفعة ،فإذا مات عادت الرقبة للمعمر أو إىل ورثته ،وبه
قال مالك وأصحابه،
والثالث :وبه قال داود ،وأبو ثور أنه إذا قال :هي عمرى لك ولعقبك كانت الرقبة ملكا
للمعمر أو لورثته.،
للمعمر ،فإذا مل يذكر العقب عادت الرقبة بعد موت املعمر َّ
ِّ
وسبب الخالف يف هذا الباب اختالف اآلثار ،ومعارضة الشرط والعمل لألثر.
أحدمها متفق على صحته ،وهو ما رواه مالك عن جابر أن رسول اهلل -صلى اهلل عليه
وسلم -قال« :أميا رجل أعمر عمرى له ولعقبه فإهنا للذي يعطاها ،ال ترجع إىل الذي
أعطاها أبدا ؛ألنه أعطى عطاء وقعت فيه املواريث» .
واحلديث الثاين :حديث أيب الزبري عن جابر قال :قال رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -
«يا معشر األنصار أمسكوا عليكم أموالكم وال تعمروها ؛ فمن أعمر شيئا حياته فهو له
221
حياته ومماته» .وقد روي عن جابر بلفظ آخر« :ال تعمروا وال ترقبوا فمن أعمر شيئا أو
أرقبه فهو لورثته» .
فحديث أيب الزبري عن جابر خمالف لشرط املعمر .وحديث مالك عنه خمالف أيضا لشرط
املعمر
فمن غلب احلديث على الشرط قال حبديث أيب الزبري عن جابر ،وحديث مالك عن
املعمر إن مل
جابر ،ومن غلب الشرط قال بقول مالك ،وأما من قال :إن العمرى تعود إىل ِّ
يذكر العقب ،وال تعود إن ذكر ،فإنه أخذ بظاهر احلديث.
هبة االسكان إذا أتى بلفظ اإلسكان ،فقال :أسكنتك هذه الدار حياتك ،فاجلمهور على
بالع َقب ،ومالك سوى بني
ظ َ أن اإلسكان عندهم ،أو اإلخدام خبالف العمرى ،وإن ل َف َ
التعمري واإلسكان .وكان احلسن وعطاء وقتادة ،يسوون بني السكىن والتعمري يف أهنا ال
تنصرف إىل املسكن أبدا واحلق أن اإلسكان والتعمري هلما معىن واحد ،وأنه جيب أن يكون
بالع يقب خمالفا له إذا مل يصرح بذكر العقب على ما ذهب إليه أهل
احلكم إذا صرح َ
الظاهر.
جواز االعتصار في الهبة وهو الرجوع فيها :فذهب مالك ومجهور علماء املدينة أن
لألب أن يعتصر ما وهبه البنه ما مل يتزوج االبن ،أو مل يستحدث َدينا أو باجلملة ما مل
يرتتب عليه حق للغري ،وأن لألم أيضا أن تعتصر ما وهبت إن كان األب حيا ،وقد روي
عن مالك أهنا ال تعتصر.
222
وقال أبو حنيفة :جيوز لكل أحد أن يعتصر ما وهبه إال ما وهب لذي حمرم حمرمة عليه.
وأمجعوا على أن اهلبة اليت يراد هبا الصدقة أنه ال جيوز ألحد الرجوع فيها.
فمن مل ير االعتصار أصال :احتج بعموم احلديث الثابت ،وهو قوله -عليه الصالة
والسالم « :-العائد يف هبته كالكلب يعود يف قيئه» .
ومن استثىن األبوين احتج حبديث طاوس أنه قال -عليه الصالة والسالم « :-ال حيل
لواهب أن يرجع يف هبته إال الوالد» ،وقاس األم على الوالد ،وقال الشافعي :لو اتصل
حديث طاوس لقلت به ،وقال غريه :قد اتصل من طريق حسني املعلم ،وهو ثقة.
وأما من أجاز االعتصار إال لذوي الرحم احملرمة ،فاحتج مبا رواه مالك عن عمر بن
اخلطاب -رضي اهلل عنه -أنه قال" :من وهب هبة لصلة رحم أو على جهة صدقة ،فإنه
ال يرجع فيها ،ومن وهب هبة يرى أنه إمنا أراد الثواب هبا فهو على هبته يرجع فيها إذا مل
يرض منها" .قالوا :وأيضا فإن األصل أن من وهب شيئا عن غري عوض أنه ال يقضي عليه
به كما لو وعد ،إال ما اتفقوا عليه من اهلبة على وجه الصدقة.
من تصدق على ابنه فمات االبن بعد أن حازها فجمهور العلماء على أنه يرثها .ويف
مرسالت مالك «أن رجال أنصاريا من اخلزرج تصدق على أبويه بصدقة فهلكا فورث
ابنهما املال وهو خنل ،فسأل عن ذلك النِب -عليه الصالة والسالم -فقال " :قد أجرت
يف صدقتك ،وخذها مبرياثك» وخرج أبو داود أن امرأة أتت رسول اهلل -صلى اهلل عليه
وسلم -فقالت« :كنت قد تصدقت على أمي بوليدة ،وإهنا ماتت وتركت تلك الوليدة،
فقال -صلى اهلل عليه وسلم :-وجب أجرك ورجعت إليك باملرياث» .
223
وقال أهل الظاهر :ال جيوز االعتصار ألحد لعموم قوله -عليه الصالة والسالم -لعمر:
«ال تشرته" ،يف الفرس الذي تصدق به ،فإن العائد يف هبته كالكلب يعود يف قيئه»
واحلديث متفق على صحته.
قال القاضي :والرجوع يف اهلبة ليس من حماسن األخالق ،والشارع -عليه الصالة والسالم
-إمنا بعث ليتمم حماسن األخالق.
15الوصية
الوصية :لغة :مشتقة من وصيت الشيء بالشيء إذا وصلته ،كأن املوصي ملا أوصى هبا
وصل ما بعد املوت مبا قبله يف نفوذ التصرف ،
واصطالحا قال ابن عرفة هي يف عرف الفقهاء ال الفراض "عقد يوجب حقا يف ثلث
عاقده يلزم مبوته أو نيابة عنه بعده "
فاتفقوا على أنه كل مالك صحيح امللك ،ويصح عند مالك وصية السفيه والصِب الذي
يعقل ،وقال أبو حنيفة ال جتوز وصية الصِب الذي مل يبلغ ،وعن الشافعي القوالن وكذلك
وصية الكافر تصح عندهم إذا مل يوص مبحرم.
224
-2وأما الموصى له :
فإهنم اتفقوا على أن الوصية ال جتوز لوارث لقوله -عليه الصالة والسالم « :-ال وصية
لوارث» ،
واختلفوا هل جتوز لغري القرابة؟ فقال مجهور العلماء :إهنا جتوز لغري األقربني مع الكراهية،
وقال احلسن ،وطاوس :ترد الوصية على القرابة ،وبه قال إسحاق.
وحجة هدالء ظاهر قوله تعاىل{ :الوصية للوالدين واألقربني} واأللف والالم تقتضي احلصر.
واحتج اجلمهور حبديث عمران بن حصني املشهور وهو «أن رجال أعتق ستة أعبد له يف
مرضه عند موته ،ال مال له غريهم ،فأقرع رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -بينهم،
وأرق أربعة» والعبيد غري القرابة.
واختلفوا -إذا أجازهتا الورثة ،فقال اجلمهور :جتوز ،وقال أهل الظاهر واملزين :ال جتوز.
وسبب اخلالف هل املنع لعلة الورثة أو عبادة؟ فمن قال عبادة قال :ال جتوز وإن أجازها
الورثة ،ومن قال بالبيع حلق الورثة أجازها إذا أجازها الورثة.
وتردد هذا اخلالف راجع إىل تردد املفهوم من قوله -عليه الصالة والسالم « :-ال وصية
لوارث» هل هو معقول املعىن أم ليس مبعقول؟
الوصية للميت واختلفوا فيها ،فقال قوم :تبطل مبوت املوصى له ،وهم اجلمهور؛ وقال
قوم :ال تبطل.
225
الوصية للقاتل خطأ وعمدا .إذا أذن الورثة للميت هل هلم أن يرجعوا يف ذلك بعد موته؟
فقيل هلم ،وقيل ليس هلم ،وقيل بالفرق بني أن يكون الورثة يف عيال امليت أو ال يكونوا،
أعين أهنم إن كانوا يف عياله كان هلم الرجوع ،و األقوال ثالثة يف املذهب
واختلفوا يف املنافع ،فقال مجهور فقهاء األمصار :ذلك جائز ،وقال ابن أيب ليلى وابن
شربمة ،وأهل الظاهر :الوصية باملنافع باطلة.
وعمدة الطائفة الثانية أن املنافع منتقلة إىل ملك الورثة ؛ ألن امليت ال ملك له فال تصح له
وصية مبا يوجد يف ملك غريه ،وإىل هذا القول ذهب أبو عمر بن عبد الرب.
وأما القدر :فإن العلماء اتفقوا على أنه ال جتوز الوصية يف أكثر من الثلث ملن ترك ورثة.
واختلفوا فيمن مل يرتك ورثة ،ويف القدر املستحب منها ،هل هو الثلث أو دونه؟
وإمنا صار اجلميع إىل أن الوصية ال جتوز يف أكثر من الثلث ملن له وارث مبا ثبت عنه -
صلى اهلل عليه وسلم « -أنه عاد سعد بن أيب وقاص ،قال له يا رسول اهلل :قد بلغ مين
الوجع ما ترى وأنا ذو مال وال يرثين إال ابنة يل ،أفأتصدق بثلثي مايل؟ فقال له رسول اهلل
-صلى اهلل عليه وسلم :-ال ،فقال له سعد :فالشطر؟ قال :ال ،مث قال رسول اهلل -
صلى اهلل عليه وسلم :-الثلث والثلث كثري إنك أن تذر ورثتك أغنياء خري من أن تذرهم
عالة يتكففون الناس» ،فصار الناس ملكان هذا احلديث إىل أن الوصية ال جتوز بأكثر من
الثلث.
226
المستحب في مقدار الوصية
واختلفوا فيه فذهب قوم إىل أنه ما دون الثلث ،لقوله -عليه الصالة والسالم -يف هذا
احلديث« :والثلث كثري» ،وقال هبذا كثري من السلف .قال قتادة :أوصى أبو بكر
باخلمس ،وأوصى عمر بالربع ،واخلمس أحب إيل.
وأما من ذهب إىل أن املستحب هو الثلث فإهنم اعتمدوا على ما روي عن النِب -صلى
اهلل عليه وسلم -أنه قال« :إن اهلل جعل لكم يف الوصية ثلث أموالكم زيادة يف أعمالكم»
وهذا احلديث ضعيف عند أهل احلديث.
وثبت عن ابن عباس أنه قال :لو غض الناس يف الوصية من الثلث إىل الربع لكان أحب
إيل ؛ ألن رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -قال« :الثلث والثلث كثري» .
وأما اختالفهم في جواز الوصية بأكثر من الثلث لمن ال وارث له ،فإن مالكا ال جييز
ذلك واألوزاعي ،واختلف فيه قول أمحد،
وسبب اخلالف هل هذا احلكم خاص بالعلة اليت علله هبا الشارع أم ليس خباص ،وهو أن
ال يرتك ورثته عالة يتكففون الناس ،كما قال -عليه الصالة والسالم « :-إنك أن تذر
ورثتك أغنياء خري من أن تذرهم عالة يتكففون الناس» فمن جعل هذا السبب خاصا
وجب أن يرتفع احلكم بارتفاع هذه العلة ،ومن جعل احلكم عبادة وإن كان قد علل بعلة،
أو جعل مجيع املسلمني يف هذا املعىن مبنزلة الورثة ،قال :ال جتوز الوصية بإطالق بأكثر من
الثلث.
227
القول في المعنى الذي يدل عليه لفظ الوصية ،والوصية باجلملة هي هبة الرجل ماله
لشخص آخر ،أو ألشخاص بعد موته ،أو عتق غالمه سواء صرح بلفظ الوصية أو مل
يصرح به ،وهذا العقد هو من العقود اجلائزة باتفاق ونعين أن للموصي أن يرجع فيما أوصى
به إال املدبر فإهنم اختلفوا فيه .
فقال مالك :قبول املوصى له إياها شرط يف صحة الوصية ،وروي عن الشافعي أنه ليس
القبول شرطا يف صحتها ،ومالك شبهها باهلبة.
حكم من أوصى لرجل بالثلث ،وعين ما هو الثلث ،فقال الورثة :هو أكثر من الثلث،
فقال مالك :الورثة خمريون بني أن يعطوه ذلك الذي عينه املوصي أو يعطوه الثلث من
مجيع مال امليت ،وخالفه يف ذلك أبو حنيفة ،والشافعي ،وأبو ثور ،وأمحد ،وداود.
وعمدهتم أن الوصية قد وجبت للموصى له مبوت املوصي وقبوله إياها باتفاق ،فكيف ينقل
عن ملكه ما وجب له بغري طيب نفس منه ،وتغري الوصية.
وعمدة مالك إمكان صدق الورثة فيما ادعوه ،وما أحسن ما رأى أبو عمر بن عبد الرب
يف هذه املسألة ،وذلك أنه قال :إذا ادعى الورثة ذلك كلفوا بيان ما ادعوا ،فإن ثبت ذلك
أخذ منه املوصى له قدر الثلث من ذلك الشيء املوصى به ،وكان شريكا للورثة ،وإن كان
الثلث فأقل جربوا على إخراجه.
228
وإذا لم يختلفوا أنه فوق الثلث ولم يردوا إعطاءه بعينه ،فعند مالك أن الورثة خمريون
بني أن يدفعوا إليه ما أوصى له به ،أو يفرجوا له عن مجيع ثلث مال امليت ،إما يف ذلك
الشيء بعينه ،وإما يف مجيع املال على اختالف الرواية عن مالك يف ذلك.
وقال أبو حنيفة والشافعي :له ثلث تلك العني ويكون بباقيه شريكا للورثة يف مجيع ما ترك
امليت حىت يستويف متام الثلث.
وسبب الخالف أن الميت لما تعدى في أن جعل وصيته في شيء بعينه ،فهل األعدل
في حق الورثة أن يخيروا بين إمضاء الوصية أو يفرجوا له إلى غاية ما يجوز للميت أن
يخرج عنهم من ماله ،أو يبطل التعدي ويعود ذلك الحق مشتركا ،وهذا هو األولى
إذا قلنا :إن التعدي هو يف التعيني لكونه أكثر من الثلث (أعين :أن الواجب أن يسقط
التعيني) وأما أن يكلف الورثة أن ميضوا التعيني أو يتخلوا عن مجيع الثلث فهو محل عليهم.
فيمن وجبت عليه زكاة فمات ولم يوص بها فهل هي من الثلث ،أو من رأس المال؟
اختلفوا :فقال مالك :إذا مل يوص هبا مل يلزم الورثة إخراجها ،وقال الشافعي :يلزم الورثة
إخراجها من رأس املال.
وإذا وصى ،فعند مالك يلزم الورثة إخراجها وهي عنده من الثلث ،وهي عند الشافعي
يف الوجهني من رأس املال شبهها بالدين لقول رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم « -فدين
اهلل أحق أن يقضى» ،وكذلك الكفارات الواجبة ،واحلج الواجب عنده ،ومالك جيعلها من
جنس الوصايا بالتوصية بإخراجها بعد املوت ،وال خالف أنه لو أخرجها يف احلياة أهنا من
رأس املال ولو كان يف السياق.
229
وكأن مالكا اتهمه هنا على الورثة (أعني :في توصيته بإخراجها) ،قال :ولو أجيز هذا
لجاز لإلنسان أن يؤخر جميع زكاته طول عمره حتى إذا دنا من الموت وصى بها.
فإذا زاحمت الوصايا الزكاة قدمت عند مالك على ما هو أضعف منها ،وقال أبو حنيفة:
هي وسائر الوصايا سواء ،يريد يف احملاصة.
واتفق مالك ومجيع أصحابه على أن الوصايا اليت يضيق عنها الثلث إذا كانت مستوية أهنا
تتحاص يف الثلث ،وإذا كان بعضها أهم من بعض قدم األهم .واختلفوا يف الرتتيب على ما
هو مسطور يف كتبهم.
ومن مسائلهم الحسابية المشهورة في هذا الباب ،إذا أوصى لرجل بنصف ماله وآلخر
بثلثيه ،ورد الورثة الزائد،
فعند مالك والشافعي أهنما يقتسمان الثلث بينهما أمخاسا ،وقال أبو حنيفة :بل يقتسمان
الثلث بالسوية .وسبب اخلالف هل الزائد على الثلث الساقط هل يسقط االعتبار به يف
القسمة كما يسقط يف نفسه بإسقاط الورثة؟ فمن قال يبطل يف نفسه ،وال يبطل االعتبار
به يف القسمة إذ كان مشاعا قال :يقتسمون املال أمخاسا ،ومن قال يبطل االعتبار به كما
لو كان معينا قال :يقتسمون الباقي على السواء.
إذا أوصى بجزء من ماله وله مال يعلم به ،ومال ال يعلم به،
فعند مالك أن الوصية تكون فيما علم به دون ما مل يعلم ،وعند الشافعي تكون يف املالني.
وسبب الخالف هل اسم المال الذي نطق به يتضمن ما علم وما لم يعلم ،أو ما علم
فقط؟ والمشهور عن مالك أن المدبر يكون في المالين إذا لم يخرج من المال الذي
يعلم.
230
فهرس الموضوعات
القسمة 1...................................
مسألة :مشروعية القسمة :الكتاب والسنة واإلجماع و المعقول 1..............
مسألة :األركان القاسم ،والمقسوم عليه ،والقسمة 2...............................
أوال :القاسم 2...............................................................................
ثانيا :المقسوم عليه2.................................................................... .
ثالثا :القسمة 2..............................................................................
أنواع القسمة2............................................................................ .
قسمة رقاب األموال 2.......................................................................
- 1قسمة قرعة بعد تقويم ،وتعديل3.................................................. .
- 2وقسمة مراضاة بعد تقويم وتعديل3.................................................
- 3وقسمة مراضاة بغير تقويم وال تعديل4.............................................
والرقاب تنقسم إلى ثالثة أقسام5........................................................:
أحكام قسمة الرباع واألصول5........................................................... :
النوع األول :االنقسام الذي يصلح معه االنتفاع6.....................................:
النوع الثاني :االنقسام الذي ال يصلح معه االنتفاع6.................................:
اختلفوا من هذا الباب فيما إذا قسم انتقلت منفعته إلى منفعة أخرى مثل الحمام7..
قسمة الرباع واألصول ذوات المحل المتعدد7.........................................
حكم قسمة الحوائط المثمرة8........................................................... :
231
صفة القسم بالقرعة8..................................................................... :
في العروض والحيوان9................................................................. ،
العروض ذوات الجنس الواحد9........................................................ :
العروض ذوات الجنس المتعدد9........................................................ :
ضابط الصنف الواحد عند مالك وأصحابه11.........................................:
في أحكام قسمة المكيل أو الموزون11.................................................:
قسمة المنافع12............................................................................ .
القول في األحكام القسمة 13............................................................. :
والطوارئ ثالثة :غبن ،أو وجود عيب ،أو استحقاق13..............................
232
رهن المشاع17................................................................ ......... :
الركن الثالث( :وهو الشيء المرهون فيه) :وهو الدين18.........................
شروط الشافعية :في المرهون فيه 19..................................................
الشروط الرهن المنطوق بها في الشرع ضربان :شروط صحة ،وشروط فساد21
هل من شرط صحة الرهن استدامة القبض أم ال؟21.................................
هل الرهن جائز في الحضر أم ال؟21......................................................
وأما الشرط المحرم الممنوع بالنص 21...................................................
حقوق المرتهن في الرهن21....................................................... ....:
هل يتعلق الرهن بالمرهون فيه كامال أم ببعضه؟21....................................
النماء الرهن المنفصل هل يدخل في الرهن؟21.........................................
هل للمرتهن أن ينتفع بشيء من الرهن؟23..............................................
من يضمن الرهن إذا هلك؟ 23.............................................................
هل يجوز للراهن بيع العين المرهونة وهي تحت يد المرتهن؟24....................
وأما اختالف الراهن ،والمرتهن في قدر الحق الذي وجب به الرهن25.............:
وأما إذا تلف الرهن ،واختلفوا في صفته25.............................................. :
233
الباب الثاني :متى يخرجون من الحجر ،ومتى يحجر عليهم ،وبأي شروط
يخرجون؟ 28...................................................................................
المسألة الرابعة :في وقت خروج الصغار عن الحجر28.............................:
الذكور الصغار ذوو اآلباء29..............................................................
وأما اختالفهم في الرشد ما هو؟ 29....................................................
اإلناث الصغار ذوو اآلباء 29...............................................................
إذا بلغ ولم يعلم سفهه من رشده 31.......................................................
في وقت خروج الموصى عليهم عن الحجر31........................................:
المحجور عليهم ذوو األوصياء 31.................................................... :
حال البكر مع الوصي كحال الذكر31......................................................
في حكم المهمل من الذكور والنساء32................................................ .
في معرفة أحكام أفعال المحجورين في الرد واإلجازة32.............................
حكم تصرف الصغار الذين لم يبلغوا الحلم من الرجال ،وال المحيض من النساء32
حكم تصرفات السفيه البالغ33............................................................ :
حكم وصيته33.............................................................................. :
ما يفعله السفيه بعوض34................................................................ :
أفعال المحجورين ،أو المهملين على مذهب مالك :تنقسم إلى أربع أحوال34.....:
التفليس 35...................................................
إذا استغرق الدين مال المدين 35...............................................................
234
في ماذا يحجر عليه ،وبأي ديون تكون المحاصة في ماله ،وفي أي شيء من ماله تكون
المحاصة؟ وكيف تكون؟ 36....................................................................
هل ديون المفلس المؤجلة هل تحل بالتفليس أم ال؟ 37...................................
.المسألة الرابعة :فيما يرجع به أصحاب الديون من مال المفلس37..................:
إذا قبض البائع بعض الثمن39............................................................... :
الموت هل حكمه حكم الفلس ؟ 39..............................................................
من وجد سلعته بعينها عند المفلس ،وقد أحدث زيادة41..................................
وتحصيل مذهب مالك فيما يكون الغريم به أحق من سائر الغرماء في الموت والفلس،
أو في الفلس دون الموت41........................................................ ...........:
في مقدار ما يترك للمفلس من ماله 42.......................................................
في معرفة الديون التي يحاص بها من الديون التي ال يحاص بها على مذهب مالك 42...
واختلفوا من هذا الباب في فرع طارئ ،وهو إذا هلك مال المحجور عليه بعد الحجر
وقبل قبض الغرماء :ممن مصيبته؟ 44....................................................
المفلس الذي ال مال له أصال 44...............................................................
المدين إذا ادعى الفلس ،ولم يعلم صدقه 44................................................
والمحجورون عند مالك 45......................................................................
5الصلح46...............................................
تعريف الصلح 46.............................................................................
واتفق المسلمون على جوازه على اإلقرار46...........................................
واختلفوا في جوازه على اإلنكار46.....................................................:
235
وأما الصلح على اإلنكار47................................................................ :
أما كراهيته 47.................................................................................
وأما وجه جوازه 47..........................................................................
6الكفالة 48.........................................
الكفالة بالمال 48 ..............................................................................
الكفالة بالنفس 48 ..........................................................................
الحكم الالزم عن الكفالة 48 ...............................................................
إذا غاب المتحمل عنه؛ ما حكم الحميل بالوجه 48 ....................................
إذا اشترط الوجه دون المال وصرح بالشرط 49.....................................
إذا حضر الضامن والمضمون وكالهما موسر 49 ...................................
محل الكفالة 49 ............................................................................
وقت وجوب مطالبة الكفالة بالمال 49 ..................................................
وقت وجوب الكفالة بالوجه 49 ...........................................................
أصناف المضمونين 49 ....................................................................
شروط الكفالة 51...........................................................................
ما تجوز فيه الحمالة بالمال مما ال تجوز 51..........................................
7الحوالة 51..............................................
تعريف الحوال 51...................................................................................
236
رضا من يعتبر في الحوالة 51....................................................................
الشروط التي اتفق عليها 51......................................................................
وللحوالة عند مالك ثالثة شروط51............................................................ :
أحكامها52......................................................................................... :
الوكالة 52..............................................
تعريف الوكالة 52 ............................................................................
الباب األول :في أركانها ،وهي النظر فيما فيه التوكيل ،وفي الموكل52 ..............
الركن األول :في الموكل52 ................................................................ .
الركن الثاني :في الوكيل 53..................................................................
الركن الثالث :فما فيه التوكيل53.......................................................... .
شرط محل التوكيل 54.........................................................................
ماال يصح فيه التوكيل 54......................................................................
الركن الرابع :الوكالة 54....................................................................
الباب الثاني :في أحكام الوكالة54.......................................................... .
األحكام :فمنها أحكام العقد ،ومنها أحكام فعل الوكيل54................................
متى يكون الوكيل معزوال ؟ 55...............................................................
أحكام الوكيل 55...............................................................................
إذا وكل على بيع شيء هل يجوز له أن يشتريه لنفسه؟ 55...........................
إذا وكله في البيع وكالة مطلقة 56.........................................................
وإذا اشترى الوكيل شيئا وأعلم أن الشراء للموكل 56 ..................................
237
الباب الثالث في مخالفة الموكل للوكيل56 ................................................
اختالف الوكيل مع الموكل56 ........................................................... ،
إذا اختلفا في ضياع المال56 ............................................................... ،
إذا اختلفا في الدفع57....................................................................... ،
اختالفهم في مقدار الثمن الذي به أمره بالشراء57 ................................... ،
اختالفهم في مقدار الثمن الذي أمره به في البيع57 ................................... ،
إذا اختلفا فيمن أمره بالدفع 57 ..............................................................
إذا فعل الوكيل فعال هو تعد 57 ...............................................................
238
هل البد من يمين صاحب اللقطة 62 ...........................................................
-5وأما ضالة الغنم 62 .........................................................................
أقسام اللقطة عند مالك 62 ......................................................................
-6وأما ضمانها 64........................................................................... ،
وتحصيل المذهب في ذلك أن واجد اللقطة عند مالك ال يخلو التقاطه لها من ثالثة أوجه:
64.........................................................................................
أحدها :أن يأخذها على جهة االغتيال لها65...............................................
والثاني :أن يأخذها على جهة االلتقاط65 .................................................. .
والثالث :أن يأخذها ال على جهة االلتقاط وال على جهة االغتيال65 ................. .
واختلفوا هل يرجع الملتقط بما أنفق على اللقطة على صاحبها أم ال؟ 65 ............
باب في اللقيط65 .............................................................................. .
قول في وجوب االشهاد على اللقيط 65 ......................................................
11الوديعة 67...............................................
تعريفها 67.........................................................................................
أحكام الوديعة 67.................................................................................
هل هي أمانة مضمونة أم ال؟ 67..............................................................
من دفعها إلى غير اليد التي دفعتها إليه 68...............................................
فإن أقر المدفوع إليه بالوديعة 68..........................................................
إذا أودعها بشرط الضمان 69................................................................
إذا أنفق الوديعة ،ثم رد مثلها ،أو أخرجها لنفقته ثم ردها 69........................
239
إذا سافر بها 71...............................................................................
ليس للمودع عنده أن يودع الوديعة غيره من غير عذر 71.........................
ويختلف في المذهب في ضمانها بالنسيان 71...........................................
وقبول الوديعة عند مالك ال يجب في حال 71...........................................
فيمن أودع ماال فتعدى فيه واتجر به فربح فيه ،هل ذلك الربح حالل له أم ال؟71.
11العارية72..................................................
تعريفها 72 .........................................................................................
وأركانها خمسة :اإلعارة ،والمعير ،والمستعير ،والمعار ،والصيغة72 ..............
-1اإلعارة 72 ...................................................................................
-2المعير 72 .....................................................................................
-3العارية 72 ....................................................................................
-4صيغة اإلعارة 72 ...........................................................................
هل هي عقد جائز أم الزم؟72..................................................................
-1هل هي مضمونة أو أمانة؟ 73............................................................
واتفقوا في اإلجارة على أنها غير مضمونة 73............................................
-2واختلفوا إذا شرط الضمان ؟74............................................................
-3إذا غرس المستعير وبنى ثم انقضت المدة التي استعار إليها74....................
-4واختلفوا من هذا الباب في الرجل يسأل جاره أن يعيره جداره ليغرز فيه
خشبة لمنفعته وال تضر صاحب الجدار 75..................................................
240
كتاب الغصب 76.......................................................
تعرفه 76............................................................................................
واختلفوا في السبب الذي يحصل بمباشرته الضمان إذا تناول التلف بواسطة
سبب آخر ،هل يحصل به ضمان أم ال؟ 76...................................................
ما يجب فيه الضمان فهو ما أتلفت عينه أو تلفت عند الغاصب عينه 77.............
241
من غصب أسطوانة فبنى عليها بناء يساوي قائما أضعاف قيمة األسطوانة89....،
االستحقاق91............................................... 13
تعريفه 91 ..........................................................................................
أنواع اإلستحقاق 91 ............................................................................
إذا لم يتغير الشيء المستحق 91 .............................................................
المستحق إما بزيادة أو نقصان91......................................
َ فإن تغير الشيء
غلة الشيء المستحق 91....................................................................
من أي وقت تصح الغلة للمستحق؟ 92 ....................................................
كراء األرض إذا استحقت 92 .................................................................
الهبات93........................................................... 14
تعريف الهبة 93 .................................................................................
األركان الهبة ثالثة :الواهب والموهوب له ،والهبة93 ..................................
) 1الواهب 93 .................................................................................
) 2أما الموهوب 94...........................................................................
هبة المشاع غير المقسوم 95................................................................
هبة المجهول والمعدوم المتوقع الوجود 95...............................................
الموهوب له 96.................................................................................
لمن يحوز االب من ولده 97..................................................................
242
شروط الحيازة في المسكون والملبوس للولد 97.......................................
واختلف في الذهب والورق 97.............................................................
هل الوصي يقوم في ذلك مقام األب ؟ 97..................................................
أنواع الهبات 98................................................................................
إذا لم يرض الواهب بالثواب ما الحكم؟ 98................................................
وأما هبات المنافع 99...................................................................... ..
هبة االسكان إذا أتى بلفظ اإلسكان 111......................................................
جواز االعتصار في الهبة وهو الرجوع فيها 111.........................................
من تصدق على ابنه فمات االبن بعد أن حازها 111.......................................
الوصية112............................................. 15
تعريفها 112........................................................................................
واألركان أربعة :الموصي ،والموصى له ،والموصى به ،والصيغة112................
-1أما الموصي 112............................................................................ :
-2وأما الموصى له 113..................................................................... :
-إذا أجاز الورثة الوصية لوارث 113 .......................................................
الوصية للميت 113 .............................................................................
الوصية للقاتل خطأ وعمدا114............................................................. .
الموصى به والنظر في جنسه وقدره 114.................................................. :
واختلفوا فيمن لم يترك ورثة ،وفي القدر المستحب منها ،هل هو الثلث أو دونه؟114.
المستحب في مقدار الوصية 115..............................................................
وأما اختالفهم في جواز الوصية بأكثر من الثلث لمن ال وارث له115................ ،
243
القول في المعنى الذي يدل عليه لفظ الوصية 116..........................................
متى تجب الوصية للموصى له116............................................................ .
حكم من أوصى لرجل بالثلث ،وعين ما هو الثلث ،فقال الورثة :هو أكثر من الثلث116،
إذا لم يختلفوا أنه فوق الثلث ولم يردوا إعطاءه بعينه 117 ...............................
فيمن وجبت عليه زكاة فمات ولم يوص بها فهل هي من الثلث ،أو من رأس المال؟ 117
فإذا زاحمت الوصايا الزكاة قدمت 118.........................................................
ومن مسائلهم الحسابية المشهورة في هذا الباب ،إذا أوصى لرجل بنصف ماله
وآلخر بثلثيه ،ورد الورثة الزائد118........................................................ ،
إذا أوصى بجزء من ماله وله مال يعلم به ،ومال ال يعلم به118........................ ،
244
245
246