الفقه

You might also like

You are on page 1of 246

‫‪ 1‬القسمة‬

‫القسمة في اللغة‪ :‬مأخوذة من قسم الشيء يقسمه ‪ ،‬قسما‪ ،‬إذا جزأه‪ ،‬يقال قسمت‬
‫الشيء بني الشركاء‪ ،‬إذا أعطيت كل شريك قسمة‪.‬‬

‫واصطالحا ‪ :‬قال ابن عرفة ‪ " :‬القسمة تصيري مشاع من مملوك مالكني فأكثر معينا ولو‬
‫باختصاص تصرف فيه بقرعة أو تراض "‪.‬‬

‫‪ -‬مشروعية القسمة‪ :‬الكتاب والسنة واإلمجاع واملعقول‪:‬‬

‫أما الكتاب ‪ :‬فقوله تعاىل‪{ :‬وإذا حضر القسمة أولو القرىب} وقوله‪{ :‬مما قل منه أو كثر‬
‫نصيبا مفروضا}‬

‫عليه وسلم ‪« :-‬الشفعة فييما مل يقسم‪ ،‬فيإذا وقعت‬


‫النِب ‪ -‬صلى اهلل ي‬‫وأما السنة‪ :‬فقول ي‬
‫احلدود‪ ،‬وص يرفت الطرق‪ ،‬فال شفعة» ‪.‬‬

‫يقسم الغنائيم‪.‬‬
‫عليه وسلم ‪ -‬خيرب على مثانيية عشر سهما‪ ،‬وكان ي‬
‫النِب ‪ -‬صلى اهلل ي‬
‫وقسم ي‬

‫‪ -‬وقول رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪« :-‬أميا دار قسمت يف اجلاهلية فهي على‬
‫قسم اجلاهلية‪ ،‬وأميا دار أدركها اإلسالم ومل تقسم فهي على قسم اإلسالم» ‪.‬‬
‫وأما اإلمجاع‪ :‬فقد أمجعت األمة على جوا يز ي‬
‫الق ي‬
‫سمة‪.‬‬
‫ي‬
‫التصرف‬ ‫احد يمن الشر ي‬
‫كاء يمن‬ ‫سمة؛ لييتمكن كل و ي‬ ‫الناس حاجة إىل ي‬
‫الق ي‬ ‫وأما املعقول‪ :‬فإن بي ي‬
‫كة وكثرةي ي‬
‫األيدي‪ ،‬والسهمة إمنا جعلها الفقهاء يف‬ ‫وفق إرادته ‪ ،‬ويتخلص يمن ي‬
‫سوء املشار ي‬
‫القسمة‪ :‬تطييبا لنفوس املتقامسني‪ ،‬وهي موجودة يف الشرع يف مواضع‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫منها‪ :‬قوله تعاىل‪{ :‬فساهم فكان من املدحضني} وقوله‪{ :‬وما كنت لديهم إذ يلقون‬
‫أقالمهم أيهم يكفل مرمي}‬

‫ومن ذلك األثر الثابت الذي جاء فيه‪« :‬أن رجال أعتق ستة أعبد عند موته‪ ،‬فأسهم رسول‬
‫اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬بينهم‪ ،‬فأعتق ثلث ذلك الرقيق»‬

‫األركان القسمة ثالثة ‪ :‬القاسم‪ ،‬والمقسوم عليه‪ ،‬والقسمة‪:‬‬

‫الركن االول‪ :‬القاسم‪ :‬ويكفي فيه الواحد ‪ ،‬ويقبل القاضي قوله ؛ إن كان بتوليته‪ ،‬فإن‬
‫ويل القسم اثنان فهو أحسن‪.‬‬

‫قال ابن شاس‪ ":‬ولينظر اإلمام رجالً يرضاه بقيمة لذلك‪ ،‬وجيرى له عطاءه مع الناس‪ ،‬كما‬
‫جيرى للقاضي وغريه ممن حيتاج إليه املسلمون‪ ..‬فإذا أجري له عطاؤه من بيت املال أو من‬
‫الفيء مل حيل له أن يأخذ ممن يقسم بينهم شيئًا‪ .،‬فإن مل جير له رزق فال بأس أن يأخذ‬
‫منهم‪ ،‬ولو قسم احتساباً كان أفضل له‪." .‬‬

‫الركن ثاني‪ :‬المقسوم عليه‪.‬‬

‫وهم كل من اشرتك يف مال مشاع ‪ ،‬بسبب من أسباب التملك ‪ ،‬فيقوم أحدهم أو كلهم‬
‫بطلب تعيني نصيب كل واحد منهم ‪ ،‬ليصبح كل شريك مالكا ملا خرج له ملكية مفرزة‪،‬‬
‫ويشرتط يف الطالب أن يكون تام التصرف ‪ ،‬وإال قام من ينوب عنه مقامه‪.‬‬

‫الركن ثالث‪ :‬القسمة‪ .‬والنظر في القسمة في أبواب‪:‬‬

‫الباب األول‪ .‬في أنواع القسمة‪ .‬وهي قسمين‪:‬‬

‫األول‪ :‬قسمة رقاب األموال‪ .‬والثاني‪ :‬منافع الرقاب‬

‫‪2‬‬
‫القسم األول قسمة رقاب األموال‪ :‬إما أن تكون قابلة للكيل أو الوزن‪ ،‬أو ال‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬الرقاب التي تقبل الكيل أو الوزن‪ :‬فقسمتها بالكيل فيما يكال ‪ ،‬وبالوزن فيما‬
‫يوزن‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬الرقاب التي ال تقبل الكيل أو الوزن‪ :‬فتنقسم بالجملة إلى ثالثة أقسام‪:‬‬

‫‪ - 1‬قسمة قرعة بعد تقويم‪ ،‬وتعديل‪ .‬أي بعد أن يقوم الشيء ويعادل بغيره ‪ ،‬ومن‬
‫أهم أحكامها‪:‬‬

‫‪ -‬أن الحكم بها واجب إذا دعى إليها أحد الشركاء ‪ ،‬ويجبر عليها من أباها فيما‬
‫ينقسم‪،‬‬

‫‪ -‬أنها ال يصح إال فيما تماثل أو تجانس من األصول والحيوان والعروض‪ ،‬ال فيما‬
‫اختلف وتباين من ذلك‪.‬‬

‫‪ -‬أنها ال تكون في شيء من المكيل والموزون‪.‬‬

‫‪ -‬أنها ال يجمع فيها حظ اثنين في القسم‪.‬‬

‫‪ -‬يجب القيام فيها بالغبن إذا ثبت؛ ألن كل واحد منهما دخل على قيمة مقدرة‬
‫وذرع معلوم‪ ،‬فإذا وجد نقصا من ذلك وجب له الرجوع به‪.‬‬

‫‪ - 2‬وقسمة مراضاة بعد تقويم وتعديل‪.‬‬

‫‪ -‬أنها تصح في الجنس الواحد ‪ ،‬وفي األجناس المختلفة المتباينة ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪ -‬أنها تصح في المكيل والموزون إال فيما كان منه صنفا واحدا مدخرا ال يجوز فيه‬
‫التفاضل‪.‬‬

‫‪ -‬أنها متى ظهر فيها غبن في ذرع أو قيمة كان للمغبون الرجوع بذلك للعلة التي‬
‫قدمناها‪.‬‬

‫‪ -‬هذه القسمة والتي قبلها اختلف العلماء فيها ‪ :‬هل هي تمييز حق أو بيع من‬
‫البيوع؟‪.‬‬

‫فنص مالك ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬في المدونة على أنها بيع من البيوع‪.‬‬

‫وحجته هو أن كل واحد من المتقاسمين عاوض صاحبه في حصته بحصته فملك‬


‫حصة صاحبه من الجزء الذي صار إليه بحصته من الجزء الذي خرج عنه‪ ،‬وهذه‬
‫معاوضة محضة‪ ،‬والمعاوضة مبايعة‪.‬‬

‫وذهب سحنون إلى أنها تمييز حق‪.‬‬

‫وحجته أنها غير موقوفة على اختيار المتقاسمين بل قد تجوز فيها المخاطرة بالقرعة‪،‬‬
‫وذلك ينافي البيع‪ ،‬فثبت أنها لتمييز الحق‪.‬‬

‫وابن رشد فرق بينهما فقال‪ :‬واألظهر في قسمة القرعة أنها تمييز حق‪ ،‬وفي قسمة‬
‫المراضاة بعد التعديل والتقويم أنها بيع من البيوع‪.‬‬

‫‪ - 3‬وقسمة مراضاة بغير تقويم وال تعديل‪.‬‬

‫‪ -‬تجوز في الجنس الواحد وفي المختلف من األجناس أيضا‪،‬‬

‫‪ -‬تصح في المكيل والموزون إال فيما ال يجوز فيه التفاضل من الطعام ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫‪ -‬ال قيام فيها لواحد منهم على صاحبه بالغبن‪ ،‬ألنه لم يأخذها أحد على قيمة‬
‫مقدرة ‪،‬وال على ذرع معلوم ‪ ،‬وإنما أخذه بعينه على أن يخرج فيما سواه من جميع‬
‫حقه سواء كان أقل منه أو أكثر كبيع المكايسة سواء‪.‬‬

‫‪ -‬هذه القسمة ال يختلف العلماء فيها على أنها بيع من البيوع‪ ،‬وإنما يحكم فيها‬
‫بحكم البيع فيما يطرأ من االستحقاق والرد بالعيوب وسائر األحكام المتعلقة بالبيوع‪.‬‬

‫والرقاب تنقسم إلى ثالثة أقسام‪:‬‬

‫‪ -1‬ما ال ينقل وال يحول‪ ،‬وهي الرباع واألصول‪.‬‬

‫‪ -2‬وما ينقل ويحول‪ ،‬وهذان قسمان‪ :‬إما غير مكيل وال موزون‪ ،‬وهو الحيوان‪،‬‬
‫والعروض‪.‬‬

‫‪ -3‬وإما مكيل‪ ،‬أو موزون‪.‬‬

‫أحكام قسمة الرباع واألصول‪:‬‬

‫‪ -‬يجوز أن تقسم بالتراضي وبالسهمة إذا عدلت بالقيمة‪ ،‬اتفق أهل العلم على ذلك‬
‫اتفاقا جممال‪ ،‬وإن كانوا اختلفوا يف حمل ذلك وشروطه‪.‬‬

‫‪ -‬القسمة في الرباع واألصول‪ :‬ال تخلو أن تكون في محل واحد أو في محال كثيرة‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬قسمة الرباع واألصول ذوات المحل الواحد‬

‫‪5‬‬
‫فإذا كانت في محل واحد‪ ،‬فال يخلو ؛ إما أن تنقسم انقساما يصلح معه االنتفاع أو‬
‫ال‪.‬‬

‫النوع األول‪ :‬االنقسام الذي يصلح معه االنتفاع‪:‬‬

‫‪ -‬ال خالف في جواز هذه القسمة إذا انقسمت إلى أجزاء متساوية بالصفة‪ ،‬ولم‬
‫تنقص منفعة األجزاء باالنقسام‪ ،‬ويجبر الشركاء على ذلك‪.‬‬

‫النوع الثاني‪ :‬االنقسام الذي ال يصلح معه االنتفاع‪:‬‬

‫فاختلف يف ذلك مالك وأصحابه إىل أقوال ‪.‬‬

‫القول األول ‪ :‬إنها تنقسم بينهم إذا دعا أحدهم إلى ذلك ‪ ،‬ولو لم يصر لواحد منهم‬
‫إال ما ال منفعة فيه‪ ،‬مثل قدر القدم‪ ،‬وهو قول مالك ‪ ،‬وبه قال ابن كنانة من أصحابه‬
‫فقط‪ ،‬وهو قول أيب حنيفة‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وعمدهتم يف ذلك قوله تعاىل‪{ :‬مما قل منه أو كثر‬
‫نصيبا مفروضا}‬

‫القول الثاني‪ :‬ال يقسم إال أن يصير لكل واحد في حظه ما ينتفع به من غير مضرة‬
‫داخلة عليه في االنتفاع من قبل القسمة‪ ،‬وإن كان ال يراعي يف ذلك نقصان الثمن‪ .‬وهو‬
‫قول ابن القاسم‪.‬‬

‫القول الثالث‪ :‬يقسم إذا صار لكل واحد منهم ما ينتفع به‪ ،‬وإن كان من غري جنس‬
‫املنفعة اليت كانت يف االشرتاك أو كانت أقل‪ .‬وهو قول ابن املاجشون‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫القول الرابع‪ :‬إن لم يصر في حظ كل واحد ما ينتفع به لم يقسم‪ ،‬وإن صار في حظ‬
‫بعضهم ما ينتفع به‪ ،‬وفي حظ بعضهم ما ال ينتفع به‪ ،‬قسم وجبروا على ذلك‪ ،‬سواء‬
‫دعا إىل ذلك صاحب النصيب القليل أو الكثري‪ ،‬وهو قول مطرف‪.‬‬

‫وقيل جيرب إن دعا صاحب النصيب القليل‪ ،‬وال جيرب إن دعا صاحب النصيب الكثري‪ ،‬وقيل‬
‫بعكس هذا وهو ضعيف‪.‬‬

‫اختلفوا من هذا الباب فيما إذا قسم انتقلت منفعته إلى منفعة أخرى مثل الحمام‪:‬‬

‫فقال مالك‪ :‬يقسم إذا طلب ذلك أحد الشريكني‪ ،‬وبه قال أشهب‪.‬‬

‫وقال ابن القاسم‪ :‬ال يقسم‪ ،‬وهو قول الشافعي‪.‬‬

‫فعمدة من منع القسمة‪ :‬قوله ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪« :-‬ال ضرر وال ضرار» ‪.‬‬

‫وعمدة من رأى القسمة قوله تعاىل‪{ :‬مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا}‬

‫ومن احلجة ملن مل ير القسمة حديث جابر‪ ،‬عن أبيه‪« :‬ال تعضية على أهل املرياث إال ما‬
‫محل القسم» ‪ .‬والتعضية‪ :‬التفرقة‪ ،‬يقول‪ :‬ال قسمة بينهم‪.‬‬

‫قسمة الرباع واألصول ذوات المحل المتعدد‬

‫وأما إذا كان الرباع أكثر من واحد‪ :‬فإهنا ال ختلو أيضا أن تكون من نوع واحد أو خمتلفة‬
‫األنواع‪:‬‬

‫فإذا كانت متفقة األنواع‪ :‬فإن فقهاء األمصار يف ذلك خمتلفون‪:‬‬

‫‪ -1‬فقال مالك‪ :‬إذا كانت متفقة األنواع قسمت بالتقومي والتعديل والسهمة‪.‬‬

‫وعمدة مالك‪ :‬أنه أقل للضرر الداخل على الشركاء من القسمة‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫‪ -2‬وقال أبو حنيفة‪ ،‬والشافعي‪ :‬بل يقسم كل عقار على حدته‪.‬‬

‫وعمدة أيب حنيفة والشافعي‪ :‬أن كل عقار تعينه بنفسه ؛ألنه تتعلق به الشفعة‪.‬‬

‫واختلف أصحاب مالك إذا اختلفت األنواع يف النفاق‪ ،‬وإن تباعدت مواضعها على ثالثة‬
‫أقوال‪.‬‬

‫إذا كانت الرباع خمتلفة االنواع‪ ،‬مثل أن يكون منها دور‪ ،‬ومنها حوائط‪ ،‬ومنها أرض‪ ،‬فال‬
‫خالف أنه ال جيمع يف القسمة بالسهمة‪.‬‬

‫حكم قسمة الحوائط المثمرة‪:‬‬

‫‪ -‬من شرط قسمة احلوائط املثمرة أن ال تقسم مع الثمرة إذا بدا صالحها باتفاق يف‬
‫املذهب ؛ ألنه يكون بيع الطعام بالطعام على رءوس الثمر وذلك مزابنة‪.‬‬

‫‪-‬أما قسمتها قبل بدو الصالح‪ :‬ففيه اختالف بني أصحاب مالك‪:‬‬

‫‪ -‬مذهب ابن القاسم‬

‫أنه ال جييز ذلك قبل اإلبار حبال من األحوال‪ ،‬ويعتل لذلك؛ ألنه يددي إىل بيع طعام‬
‫بطعام متفاضال‪ ،‬ولذلك زعم أنه مل جيز مالك شراء الثمر الذي مل يطب بالطعام‪ ،‬ال نسيئة‬
‫وال نقدا‪.‬‬

‫وأما إن كان بعد اإلبار‪ ،‬فإنه ال جيوز عنده إال بشرط أن يشرتط أحدمها على اآلخر أن ما‬
‫وقع من الثمر يف نصيبه فهو داخل يف القسمة‪ ،‬وما مل يدخل يف نصيبه فهم فيه على‬
‫الشركة‪ ،‬والعلة يف ذلك عنده أنه جيوز اشرتاط املشرتي الثمر بعد اإلبار وال جيوز قبل اإلبار‪،‬‬

‫‪8‬‬
‫فكأن أحدمها اشرتى حظ صاحبه من مجيع الثمرات اليت وقعت له يف القسمة حبظه من‬
‫الثمرات اليت وقعت لشريكه واشرتط الثمر‪.‬‬

‫صفة القسم بالقرعة‪:‬‬

‫أن تقسم الفريضة‪ ،‬وحتقق‪ ،‬وتضرب إن كان يف سهامهم كسر إىل أن تصح السهام‪ ،‬مث‬
‫يقوم كل موضع منها وكل نوع من غراساهتا‪ ،‬مث يعدل على أقل السهام بالقيمة‪ ،‬فرمبا عدل‬
‫جزء من موضع ثالثة أجزاء من موضع آخر على قيم األرضني ومواضعها‪ ،‬فإذا قسمت‬
‫على هذه الصفات‪ ،‬وعدلت كتبت يف بطائق أمساء األشراك‪ ،‬وأمساء اجلهات‪ ،‬فمن خرج‬
‫امسه يف جهة أخذ منها‪ ،‬وقيل‪ :‬يرمى باألمساء يف اجلهات‪ ،‬فمن خرج امسه يف جهة أخذ‬
‫منها‪ ،‬فإن كان أكثر من ذلك السهم ضوعف له حىت يتم حظه‪ ،‬فهذه هي حال قرعة‬
‫السهم يف الرقاب‪.‬‬

‫وأما القسمة بالرتاضي سواء أكانت بعد تعديل وتقومي‪ ،‬أو بغري تقومي وتعديل; فتجوز يف‬
‫الرقاب املتفقة واملختلفة; ألنه بيع من البيوع‪ ،‬وإمنا حيرم فيها ما حيرم يف البيوع‪.‬‬

‫في العروض والحيوان‪،‬‬

‫العروض ذوات الجنس الواحد‪:‬‬

‫اتفق الفقهاء على أنه ال جيوز قسمة واحد منهما للفساد الداخل يف ذلك‪ .‬واختلفوا إذا‬
‫تشاح الشريكان يف العني الواحدة منهما‪ ،‬ومل يرتاضيا باالنتفاع هبا على الشياع‪ ،‬وأراد‬
‫أحدمها أن يبيع صاحبه معه‪ ،‬فقال مالك‪ ،‬وأصحابه‪ :‬جيرب على ذلك‪ ،‬فإن أراد أحدمها أن‬
‫يأخذه بالقيمة اليت أعطى فيها أخذه‪ .‬وقال أهل الظاهر‪ :‬ال جيرب; ألن األصول تقتضي أن‬
‫ال خيرج ملك أحد من يده إال بدليل من كتاب‪ ،‬أو سنة‪ ،‬أو إمجاع‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫وحجة مالك أن يف ترك اإلجبار ضررا‪ ،‬وهذا من باب القياس المرسل‪ ،‬وقد قلنا يف غري‬
‫ما موضع‪ :‬إنه ليس يقول به أحد من فقهاء األمصار إال مالك‪ ،‬ولكنه كالضروري يف بعض‬
‫األشياء‪.‬‬

‫العروض ذوات الجنس المتعدد‪:‬‬

‫فاتفق العلماء على قسمتها على الرتاضي من غري تقومي وال تعديل ‪ ،‬وال قرعة ‪.‬‬

‫واختلفوا يف قسمتها بالتعديل والسهمة ‪ ،‬فأجازها مالك‪ ،‬وأصحابه يف الصنف الواحد‪،‬‬


‫ومنع من ذلك عبد العزيز بن أيب سلمة‪ ،‬وابن املاجشون‪.‬‬

‫ضابط الصنف الواحد عند مالك وأصحابه‪:‬‬

‫اختلف أصحاب مالك في تمييز الصنف الواحد الذي تجوز فيه السهمة من التي ال‬
‫تجوز‪:‬‬

‫‪ -‬اعتربه أشهب مبا ال جيوز تسليم بعضه يف بعض‪.‬‬

‫‪ -‬وأما ابن القاسم فاضطرب‪ :‬فمرة أجاز القسم بالسهمة فيما ال جيوز تسليم بعضه يف‬
‫بعض‪ ،‬فجعل القسمة أخف من السلم‪ .‬ومرة منع القسمة فيما منع فيه السلم‪.‬‬

‫وقد قيل‪ :‬إن مذهبه أن القسمة يف ذلك أخف‪ ،‬وأن مسائله اليت يظن من قبلها أن القسمة‬
‫عنده أشد من السلم تقبل التأويل على أصله الثاين‪.‬‬

‫‪ -‬وذهب ابن حبيب إىل أنه جيمع يف القسمة ما تقارب من الصنفني مثل اخلز‪ ،‬واحلرير‪،‬‬
‫والقطن‪ ،‬والكتان‪ .‬وأجاز أشهب مجع صنفني يف القسمة بالسهمة مع الرتاضي‪ ،‬وذلك‬
‫ضعيف; ألن الغرر ال جيوز بالرتاضي‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫في أحكام قسمة المكيل أو الموزون‪:‬‬

‫‪ -‬المكيل‪ ،‬والموزون ال تجوز فيه القرعة باتفاق إال ما حكى اللخمي‪.‬‬

‫‪ -‬والمكيل أيضا ال يخلو أن يكون صبرة واحدة أو صبرتين فزائدا‪:‬‬

‫فإن كان صنفا واحدا; فال خيلو أن تكون قسمته على االعتدال بالكيل أو الوزن إذا دعا‬
‫إىل ذلك أحد الشريكني‪،‬‬

‫‪ -‬المكيل أو الموزون من صنف واحد متحدد أو متعدد‪:‬‬

‫‪ -‬ال خالف يف جواز قسمة املكيل أو املوزون على الرتاضي‪ ،‬وعلى التفضيل البني كان‬
‫ذلك من الربوي‪ ،‬أو من غري الربوي (أعين‪ :‬الذي ال جيوز فيه التفاضل) ‪.‬‬

‫‪ -‬وجيوز ذلك بالكيل املعلوم‪ ،‬واجملهول‪.‬‬

‫‪ -‬وال جيوز قسمته جزافا بغري كيل وال وزن‪.‬‬

‫وأما إن كانت قسمته حتريا‪ :‬فقيل ال جيوز يف املكيل‪ ،‬وجيوز يف املوزون‪ ،‬ويدخل يف ذلك‬
‫من اخلالف ما يدخل يف جواز بيعه حتريا‪.‬‬

‫وأما إن لم يكن ذلك من صبرة واحدة وكانا صنفين‪:‬‬

‫‪ -‬على مذهب مالك ‪ :‬إن كان ذلك مما ال جيوز فيه التفاضل‪ :‬فال جتوز قسمتها على جهة‬
‫اجلمع إال بالكيل املعلوم فيما يكال‪ ،‬وبالوزن بالصنجة املعروفة فيما يوزن; ألنه إذا كان‬
‫مبكيال جمهول مل يدر كم حيصل فيه من الصنف الواحد إذا كانا خمتلفني من الكيل املعلوم;‬
‫ألن أصل مذهبه أنه حيرم التفاضل يف الصنفني إذا تقاربت منافعهما‪ ،‬مثل القمح والشعري‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫‪ -‬وأما إن كان مما جيوز فيه التفاضل‪ :‬فيجوز قسمته على االعتدال‪ ،‬والتفاضل البني‬
‫املعروف; باملكيال املعروف أو الصنجة املعروفة (أعين‪ :‬على جهة اجلمع وإن كانا صنفني) ‪،‬‬
‫وهذا اجلواز كله يف املذهب على جهة الرضا‪.‬‬

‫وأما في واجب الحكم أي ما يلزم به القاضي الطالبني للقسمة ؛ فال تنقسم كل صربة‬
‫إال على حدة‪ ،‬وإذا قسمت كل صربة على حدة جازت قسمتها باملكيال املعلوم واجملهول‪.‬‬

‫قسمة المنافع‪.‬‬

‫‪ -‬ابن القاسم ال جتوز عنده قسمة املنافع بالسهمة ‪ ،‬وال جيرب عليها من أباها‪ ،‬وال تكون‬
‫القرعة على قسمة املنافع‪.‬‬

‫وذهب أبو حنيفة‪ ،‬وأصحابه إلى أنه يجبر على قسمة المنافع‪.‬‬

‫وقسمة املنافع هي عند اجلميع باملهايأة‪ ،‬وذلك إما باألزمان‪ ،‬وإما باألعيان‪:‬‬

‫أما قسمة المنافع باألزمان‪ :‬فهو أن ينتفع كل واحد منهما بالعين مدة مساوية لمدة‬
‫انتفاع صاحبه‪.‬‬

‫وأما قسم األعيان‪ :‬بأن يقسما الرقاب على أن ينتفع كل واحد منهما بما حصل له‬
‫مدة محدودة‪ ،‬والرقاب باقية على أصل الشركة‪.‬‬

‫‪ -‬ويف املذهب يف قسمة املنافع بالزمان اختالف يف حتديد املدة اليت جتوز فيها القسمة‬
‫لبعض املنافع دون بعض لالغتالل‪ ،‬أو االنتفاع‪ ،‬مثل استخدام العبد وركوب الدابة ‪،‬‬
‫وزراعة األرض‪ ،‬وذلك أيضا فيما ينقل وحيول‪ ،‬أو ال ينقل وال حيول‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫فأما فيما ينقل ويحول‪ :‬فال جيوز عند مالك‪ ،‬وأصحابه يف املدة الكثرية‪ ،‬وجيوز يف املدة‬
‫اليسرية‪ ،‬وذلك يف االغتالل‪ ،‬واالنتفاع‪.‬‬

‫واختلفوا يف املدة اليسرية فيما ينقل وحيول يف االغتالل‪ :‬فقيل اليوم الواحد وحنوه‪ ،‬وقيل‪ :‬ال‬
‫جيوز ذلك يف الدابة والعبد‪ .‬وأما االستخدام فقيل‪ :‬جيوز يف مثل مخسة األيام‪ ،‬وقيل‪ :‬يف‬
‫الشهر وأكثر من الشهر قليال‪.‬‬

‫وأما فيما ال ينقل وال يحول‪ :‬فيجوز يف املدة البعيدة‪ ،‬واألجل البعيد‪ ،‬وذلك يف االغتالل‬
‫واالنتفاع‪.‬‬

‫وأما التهايؤ في األعيان‪ :‬بأن يستعمل هذا دارا مدة من الزمان‪ ،‬وهذا دارا تلك المدة‬
‫بعينها‪،‬‬

‫‪ -‬فقيل‪ :‬جيوز يف سكىن الدار وزراعة األرضني‪ ،‬وال جيوز ذلك يف الغلة والكراء إال يف الزمان‬
‫اليسري‪.‬‬

‫‪ -‬وقيل‪ :‬جيوز على قياس التهايد باألزمان‪.‬‬

‫وكذلك القول يف استخدام العبد والدواب جيري القول فيه على االختالف يف قسمتها‬
‫بالزمان‪.‬‬

‫القول في األحكام القسمة ‪:‬‬

‫والقسمة من العقود الالزمة ال جيوز للمتقامسني نقضها‪ ،‬وال الرجوع فيها إال بالطوارئ‬
‫عليها‪.‬‬

‫والطوارئ ثالثة‪ :‬غبن‪ ،‬أو وجود عيب‪ ،‬أو استحقاق‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫فأما الغبن‪ :‬فال يوجب الفسخ إال يف قسمة القرعة باتفاق يف املذهب إال على قياس من‬
‫يرى له تأثري يف البيع‪ ،‬فيلزم على مذهبه أن يدثر يف القسمة‪.‬‬

‫وأما الرد بالعيب‪ :‬فإنه ال خيلو على مذهب ابن القاسم أن جيد العيب يف جل نصيبه أو‬
‫يف أقله‪.‬‬

‫‪ -1‬وجود العيب في جل النصيب‪:‬‬

‫فإن وجده يف جل نصيبه ؛ فإنه ال خيلو أن يكون النصيب الذي حصل لشريكه قد فات‬
‫أو مل يفت‪:‬‬

‫‪ -‬فإن كان قد فات رد الواجد للعيب نصيبه على الشركة‪ ،‬وأخذ من شريكه نصف قيمة‬
‫نصيبه يوم قبضه‪.‬‬

‫وإن كان مل يفت انفسخت القسمة‪ ،‬وعادت الشركة إىل أصلها‪.‬‬

‫‪ -2‬وجود العيب في أقل النصيب‪:‬‬

‫‪ -‬وإن كان العيب يف أقل ذلك‪ :‬رد ذلك األقل على أصل الشركة فقط ‪ ،‬سواء فات‬
‫نصيب صاحبه أو مل يفت ‪ ،‬ورجع على شريكه بنصف قيمة الزيادة‪ ،‬وال يرجع يف شيء مما‬
‫يف يده‪ ،‬وإن كان قائما بالعيب‪.‬‬

‫وقال عبد العزيز بن الماجشون‪ :‬وجود العيب يفسخ القسمة اليت بالقرعة وال يفسخ اليت‬
‫بالرتاضي ; ألن اليت بالرتاضي هي بيع‪ ،‬وأما اليت بالقرعة فهي متييز حق‪ ،‬وإذا فسخت‬
‫بالغنب وجب أن تفسخ بالرد بالعيب‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫وحكم االستحقاق عند ابن القاسم حكم وجود العيب‪ :‬إن كان املستحق كثريا وحظ‬
‫الشريك مل يفت رجع معه شريكا فيما يف يديه‪ ،‬وإن كان قد فات رجع عليه بنصف قيمة‬
‫ما يف يديه‪ ،‬وإن كان يسريا رجع عليه بنصف قيمة ذلك الشيء‪.‬‬

‫وقال حممد‪ :‬إذا استحق ما يف يد أحدمها بطلت القسمة يف قسمة القرعة؛ ألنه قد تبني أن‬
‫القسمة مل تقع على عدل كقول ابن املاجشون يف العيب‪.‬‬

‫وأما إذا طرأ على المال حق فيه مثل طوارئ الدين على التركة بعد القسمة‪ ،‬أو طرو‬
‫الوصية أو طرو وارث‪،‬‬

‫فإن أصحاب مالك اختلفوا يف ذلك‪.‬‬

‫فأما إن طرأ الدين‪ :‬قيل يف املشهور يف املذهب‪ ،‬وهو قول ابن القاسم‪ :‬إن القسمة تنتقض‬
‫إال أن يتفق الورثة على أن يعطوا الدين من عندهم‪ ،‬وسواء أكانت حظوظهم باقية‬
‫بأيديهم أو مل تكن‪ ،‬هلكت بأمر من السماء أو مل هتلك‪.‬‬

‫وقد قيل أيضا‪ :‬إن القسمة إمنا تنتقض بيد من بقي يف يده حظه‪ ،‬ومل هتلك بأمر من‬
‫السماء‪.‬‬

‫وأما من هلك حظه بأمر من السماء فال يرجع هو على الورثة مبا بقي بأيديهم بعد أداء‬
‫الدين‪ .‬وقيل‪ :‬بل تنتقض القسمة وال بد‪ ،‬حلق اهلل تعاىل لقوله‪{ :‬من بعد وصية يوصى هبا‬
‫أو دين}‬

‫وقيل‪ :‬بل تنتقض إال يف حق من أعطى منه ما ينوي به من الدين‪.‬‬

‫وهكذا احلكم يف طرو املوصى له على الورثة‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫وأما طرو الوارث على الشركة بعد القسمة‪ ،‬وقبل أن يفوت حظ كل واحد منهم‪ :‬فال‬
‫تنتقض القسمة‪ ،‬وأخذ من كل واحد حظه إن كان ذلك مكيال‪ ،‬أو موزونا‪ ،‬وإن كان‬
‫حيوانا‪ ،‬أو عروضا انتقضت القسمة‪.‬‬

‫وهل يضمن كل واحد منهم ما تلف يف يده بغري سبب منه؟ فقيل‪ :‬يضمن‪ ،‬وقيل‪ :‬ال‬
‫يضمن‪.‬‬

‫كتاب الثاني‪ :‬الرهن‬


‫الرهن في اللغة‪ :‬يُطلق بمعنى الثبوت والدوام‪،‬‬

‫واصطالحا‪ :‬احتباس العين وثيقة بالحق ‪ ،‬ليستوفي الحق من ثمنها أو من ثمن منافعها عند‬
‫تعذر أخذه من الغريم ‪.‬‬

‫واألصل يف هذا الكتاب قوله تعاىل‪{ :‬ومل جتدوا كاتبا فرهان مقبوضة} ويف السنة ‪ ,‬فعل النِب صلى‬
‫اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬أنه مات ودرعه مرهونة عند يهودي‬

‫األركان هي النظر يف الراهن‪ ،‬واملرهون‪ ،‬واملرهتن‪ ،‬والشيء الذي فيه الرهن‪ ،‬وصفة عقد الرهن‪.‬‬

‫الركن األول‪ :‬الراهن‪:‬‬


‫اتفقوا على أن من صفته أن يكون غري حمجور عليه من أهل السداد‪.‬‬

‫والوصي عند مالك يرهن ملن يلي النظر عليه إذا كان ذلك سدادا‪ ،‬ودعت إليه الضرورة‪.‬‬

‫وقال الشافعي‪ :‬يرهن ملصلحة ظاهرة‪.‬‬

‫واتفق مالك‪ ،‬والشافعي على أن املفلس ال جيوز رهنه‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬جيوز‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫رهنه؟‬ ‫الذي أحاط الدين بماله هل يجوز‬
‫اختلف قول مالك فيه ‪ :‬هل يلزم أم ال يلزم؟‬

‫فاملشهور عنه أنه ال جيوز ‪ ،‬واخلالف آيل إىل هل املفلس حمجور عليه أم ال؟ ‪.‬‬

‫مرهتنا‪.‬‬ ‫وكل من صح أن يكون راهنا صح أن يكون‬


‫الركن الثاني‪ :‬وهو الرهن‬
‫وقالت الشافعية‪ :‬يصح بثالثة شروط‪:‬‬

‫األول‪ :‬أن يكون عينا‪ ،‬فإنه ال جيوز أن يرهن الدين‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬أن ال ميتنع إثبات يد الراهن على املرتَ َهن عليه كاملصحف‪.‬‬

‫ومالك جييز رهن املصحف‪ ،‬وال يقرأ فيه املرهتن‪ ،‬واخلالف مبين على بيع املصحف هل جيوز أم ال؟‬

‫الثالث‪ :‬أن تكون العني قابلة للبيع عند حلول األجل‪.‬‬

‫‪ -‬ما ال يحل بيعه في وقت االرتهان هل يجوز أم ال؟‬


‫جيوز عند مالك مثل الزرع‪ ،‬والثمر مل يبد صالحه‪ ،‬وال يباع عنده يف أداء الدين إال إذا بدا صالحه‪،‬‬
‫وإن حل أجل الدين‪.‬‬

‫‪ -‬وعن الشافعي قوالن يف رهن الثمر الذي مل يبد صالحه‪ ،‬ويباع عنده عند حلول الدين على شرط‬
‫القطع‪ .‬قال أبو حامد‪ :‬واألصح جوازه‪.‬‬

‫يكون ملكا للراهن؟‬ ‫‪ -‬رهن ما لم يتعين وهل من شرط الرهن أن‬


‫وجيوز عند مالك رهن مامل يتعني كالدنانري‪ ،‬والدراهم إذا طبع عليها‪.‬‬

‫‪ -‬وليس من شرط الرهن أن يكون ملكا للراهن ال عند مالك‪ ،‬وال عند الشافعي‪ ،‬بل قد جيوز‬
‫عندمها أن يكون مستعارا‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫‪ -‬واتفقوا على أن من شرطه أن يكون إقراره يف يد املرهتن من قبل الراهن‪.‬‬

‫إذا قبض المرتهن الرهن بغصب‪ ،‬هل ينقل إلى ضمان الرهن؟‬
‫واختلفوا إذا كان قبض املرهتن له بغصب‪ ،‬مث أقره املغصوب منه يف يده رهنا‪ :‬فقال مالك‪ :‬يصح أن‬
‫املغصوب‬
‫َ‬ ‫املغصوب منه الشيءَ‬
‫ُ‬ ‫ينقل الشيء املغصوب من ضمان الغصب إىل ضمان الرهن‪ ،‬فيجعل‬
‫رهنا يف يد الغاصب قبل قبضه منه‪.‬‬

‫ويرده‪.‬‬ ‫وقال الشافعي‪ :‬ال جيوز‪ ،‬بل يبقى على ضمان الغصب إال أن يقبضه‪ .‬الراهن‬

‫رهن المشاع‪:‬‬
‫واختلفوا فيه فمنعه أبو حنيفة‪ ،‬وأجازه مالك‪ ،‬والشافعي‪.‬‬

‫متكن؟‬ ‫والسبب يف اخلالف‪ :‬هل متكن حيازة املشاع أم ال‬

‫الركن الثالث‪( :‬وهو الشيء المرهون فيه) ‪ :‬وهو الدين‬


‫‪ -‬أصل مذهب مالك يف هذا أنه جيوز أن يدخذ الرهن يف مجيع األمثان الواقعة يف مجيع البيوعات إال‬
‫الصرف‪ ،‬ألن من شرطه التقابض ورأس املال يف السلم املتعلق بالذمة‪ ،‬ألن من شرطه تعجيل الثمن ‪،‬‬

‫‪ -‬وقال قوم من أهل الظاهر‪ :‬ال جيوز أخذ الرهن إال يف السلم خاصة (أي‪ :‬يف املسلم فيه) ‪ ،‬وهدالء‬
‫ذهبوا إىل ذلك لكون آية الرهن واردة يف الدين يف املبيعات‪ ،‬وهو السلم عندهم‪ ،‬فكأهنم جعلوا هذا‬
‫شرطا من شروط صحة الرهن؛ ألنه قال يف أول اآلية‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إىل أجل‬
‫مسمى فاكتبوه} ‪ ،‬مث قال‪{ :‬وإن كنتم على سفر ومل جتدوا كاتبا فرهان مقبوضة}‬

‫فعلى مذهب مالك‪ :‬جيوز أخذ الرهن يف السلم‪ ،‬ويف القرض‪ ،‬ويف قيم املتلفات‪ ،‬ويف أروش اجلنايات‬
‫يف األموال‪ ،‬ويف جراح العمد الذي ال قود فيه كاملأمومة واجلائفة‪.‬‬

‫وأما قتل العمد‪ ،‬والجراح التي يقاد منها فيتخرج يف جواز أخذ الرهن يف الدية فيها إذا عفا‬
‫الويل قوالن‪:‬‬

‫‪18‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن ذلك جيوز‪ ،‬وذلك على القول بأن الويل خمري يف العمد بني الدية والقود‪.‬‬

‫والقول الثاني‪ :‬أن ذلك ال جيوز‪ ،‬وذلك أيضا مبين على أن ليس للويل إال القود فقط إذا أىب اجلاين‬
‫من إعطاء الدية‪.‬‬

‫وجيوز يف قتل اخلطإ أخذ الرهن ممن يتعني من العاقلة‪ ،‬وذلك بعد احللول‪.‬‬

‫‪ -‬وجيوز يف العارية اليت تضمن‪ ،‬وال جيوز فيما ال تضمن‪.‬‬

‫‪ -‬وجيوز أخذه يف اإلجارات‪ ،‬وجيوز يف اجلعل بعد العمل‪ ،‬وال جيوز قبله‪ - .‬وجيوز الرهن يف املهر‪.‬‬

‫‪ -‬وال جيوز يف احلدود وال يف القصاص وال يف الكتابة‪ ،‬وباجلملة فيما ال تصح فيه الكفالة‪.‬‬

‫قاعدة ‪ :‬كل ما ال تجوز فيه الكفالة ال يجوز فيه الرهن ؟‬


‫المرهون فيه أو الدين‬
‫وقالت الشافعية‪ :‬المرهون فيه له ثالثة شروط‬
‫أحدها‪ :‬أن يكون دينا‪ ،‬فإنه ال يرهن يف عني‪.‬‬

‫والثاني‪ :‬أن يكون واجبا‪ ،‬فإنه ال يرهن قبل الوجوب‪ ،‬مبعىن أن يكون ثابتا مثل أن يسرتهنه مبا‬
‫يستقرضه‪ ،‬وجيوز ذلك عند مالك‪.‬‬

‫والثالث‪ :‬أن ال يكون لزومه متوقعا أن جيب‪ ،‬وأن ال جيب كالرهن يف الكتابة‪ ،‬وهذا املذهب قريب‬
‫من مذهب مالك‪.‬‬
‫الشروط الرهن المنطوق بها في الشرع ضربان‪ :‬شروط صحة‪ ،‬وشروط فساد‪.‬‬
‫فأما شروط الصحة المنطوق بها في الرهن شرطان‪:‬‬

‫أحدهما‪ :‬متفق عليه باجلملة وهو القبض‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫والثاني‪ :‬خمتلف يف اشرتاطه‪.‬‬

‫فأما القبض‪ :‬فاتفقوا باجلملة على أنه شرط يف الرهن لقوله تعاىل‪{ :‬فرهان مقبوضة}‬

‫واختلفوا هل هو شرط متام أو شرط صحة؟ ‪.‬‬

‫وفائدة الفرق‪ :‬أن من قال‪ :‬شرط صحة قال‪ :‬ما مل يقع القبض مل يلزم الرهن الراهن‪.‬‬

‫ومن قال‪ :‬شرط متام قال‪ :‬يلزم العقد وجيرب الراهن على اإلقباض إال أن يرتاخى املرهتن عن املطالبة‬
‫حىت يفلس الراهن‪ ،‬أو ميرض‪ ،‬أو ميوت‪.‬‬

‫فذهب مالك إىل أنه من شروط التمام‪ ،‬وعمدته‪ :‬قياس الرهن على سائر العقود الالزمة بالقول‪.‬‬

‫وذهب أبو حنيفة‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأهل الظاهر إىل أنه من شروط الصحة‪ .‬وعمدتهم قوله تعاىل‪:‬‬
‫{فرهان مقبوضة}‬

‫وقال بعض أهل الظاهر‪ :‬ال جيوز الرهن إال أن يكون هنالك كاتب ؛ لقوله تعاىل‪{ :‬ومل جتدوا كاتبا‬
‫فرهان مقبوضة} وال جيوز أهل الظاهر أن يوضع الرهن على يدي عدل‪.‬‬

‫*‪ -‬هل من شرط صحة الرهن استدامة القبض أم ال؟‬


‫مذهب مالك‪ :‬أن من شرط صحة الرهن استدامة القبض‪ ،‬وأنه مىت عاد إىل يد الراهن بإذن املرهتن‬
‫بعارية‪ ،‬أو وديعة‪ ،‬أو غري ذلك‪ ،‬فقد خرج من اللزوم‪.‬‬

‫وقال الشافعي‪ :‬ليس استدامة القبض من شرط الصحة‪.‬‬

‫فمالك عمم الشرط على ظاهره‪ ،‬فألزم من قوله تعاىل‪{ :‬فرهان مقبوضة }وجود القبض واستدامته‪.‬‬

‫والشافعي يقول‪ :‬إذا وجد القبض فقد صح الرهن وانعقد‪ ،‬فال حيل ذلك إعارته وال غري ذلك من‬
‫التصرف فيه كاحلال يف البيع‪.‬‬

‫هل الرهن جائز في الحضر أم ال؟‬

‫‪20‬‬
‫واتفقوا على جوازه يف السفر‪ .‬واختلفوا يف احلضر; فذهب اجلمهور إىل جوازه‪.‬‬

‫وقال أهل الظاهر‪ ،‬وجماهد‪ :‬ال جيوز يف احلضر لظاهر قوله تعاىل‪{ :‬وإن كنتم على سفر} ومتسك‬
‫اجلمهور مبا ورد من‪« :‬أنه ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬رهن يف احلضر » ‪.‬‬

‫والقول يف استنباط منع الرهن يف احلضر من اآلية هو من باب دليل اخلطاب‪ = .‬مفهوم املخالفة‪.‬‬

‫وأما الشرط المحرم الممنوع بالنص فهو‪ :‬أن يرهن الرجل رهنا على أنه إن جاء حبقه عند‬
‫أجله‪ ،‬وإال فالرهن له؛ فاتفقوا على أن هذا الشرط يوجب الفسخ‪ ،‬وأنه معىن قوله ‪ -‬عليه الصالة‬
‫والسالم ‪« :-‬ال يَغلَ ُق الرهن» َغليق من فريح‪ ،‬فريح يفَرح فرحا‪ ،‬يقال‪ :‬غليق الرهن إذا امتنع‪ُ ،‬منع‬
‫صاحبه منه"‪.‬‬

‫حقوق المرتهن في الرهن‪:‬‬


‫من حق المرتهن في الرهن أن ميسكه حىت يددي الراهن ما عليه‪ ،‬فإن مل يأت به عند‬
‫األجل كان له أن يرفعه إىل السلطان‪ ،‬فيبيع عليه الرهن وينصفه منه إن مل جيبه الراهن إىل البيع‪،‬‬
‫وكذلك إن كان غائبا‪.‬‬

‫‪ -‬إذا وكل الراهن املرهتن على بيع الرهن عند حلول األجل جاز; وكرهه مالك إال أن يرفع األمر إىل‬
‫السلطان‪.‬‬

‫هل يتعلق الرهن بالمرهون فيه كامال أم ببعضه؟‬


‫الرهن عند اجلمهور يتعلق جبملة احلق املرهون فيه وببعضه (أعين‪ :‬أنه إذا رهنه يف عدد ما ‪ ،‬فأدى منه‬
‫بعضه‪ ،‬فإن الرهن بأسره يبقى بعد بيد املرهتن حىت يستويف حقه) ‪.‬‬

‫وقال قوم‪ :‬بل يبقى من الرهن بيد املرهتن بقدر ما يبقى من احلق‪.‬‬

‫وحجة الجمهور‪ :‬أنه حمبوس حبق‪ ،‬فوجب أن يكون حمبوسا بكل جزء منه‪ ،‬أصله حبس الرتكة على‬
‫الورثة حىت يددوا الدين الذي على امليت‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫وحجة الفريق الثاني‪ :‬أن مجيعه حمبوس جبميعه‪ ،‬فوجب أن يكون أبعاضه حمبوسة بأبعاضه‪ ،‬أصله‬
‫الكفالة‪.‬‬

‫النماء الرهن المنفصل هل يدخل في الرهن؟‬


‫اختالفهم يف مناء الرهن املنفصل‪ ،‬مثل الثمرة يف الشجر املرهون‪ ،‬ومثل الغلة‪ ،‬ومثل الولد هل يدخل‬
‫يف الرهن أم ال؟‬

‫اختلف العلماء في هذه المسألة على ثالثة أقوال‪:‬‬

‫أن مناء الرهن املنفصل ال يدخل شيء منه يف الرهن (أعين‪ :‬الذي حيدث منه يف يد املرهتن)‪،‬‬ ‫األول‪:‬‬
‫وممن قال هبذا القول الشافعي‪.‬‬

‫من رأى أن مناء الرهن وغلته للراهن‪ :‬قوله ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪« :-‬الرهن حملوب‬ ‫وعمدة‬
‫ومركوب » ‪ .‬قالوا‪ :‬ووجه الدليل من ذلك أنه مل يرد بقوله‪« :‬مركوب وحملوب» ; أي يركبه الراهن‬
‫وحيلبه; ألنه كأن يكون غري مقبوض‪ ،‬وذلك مناقض لكونه رهنا‪ ،‬فإن الرهن من شرطه القبض‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫وال يصح أن يكون معناه أن املرهتن حيلبه ويركبه‪ ،‬فلم يبق إال أن يكون املعىن يف ذلك أن أجرة ظهره‬
‫لربه‪ ،‬ونفقته عليه‪.‬‬

‫واستدلوا أيضا بعموم قوله ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪« :-‬الرهن ممن رهنه‪ ،‬له غنمه‪ ،‬وعليه غرمه» ‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وألنه مناء زائد على ما رضيه رهنا‪ ،‬فوجب أن ال يكون له إال بشرط زائد‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬أن مجيع النماء احلاصل للذات املرهونة يدخل يف الرهن‪ ،‬وممن قال هبذا القول أبو حنيفة‬
‫والثوري‪.‬‬

‫وعمدة أبي حنيفة‪ :‬أن الفروع تابعة لألصول فوجب هلا حكم األصل; ولذلك حكم الولد تابع‬
‫حلكم أمه يف التدبري والكتابة‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫التفصيل وهو قول مالك وبيانه‪ :‬أن ما كان من مناء الرهن املنفصل على خلقته وصورته‪،‬‬ ‫الثالث‪:‬‬
‫فإنه داخل يف الرهن كولد اجلارية مع اجلارية‪ ،‬وولد الناقة مع الناقة ‪..‬‬

‫وأما ما مل يكن على خلقته فإنه ال يدخل يف الرهن‪ ،‬كان متولدا عنه كثمر النخل‪ ،‬أو غري متولد‬
‫ككراء الدار وخراج الغالم‪.‬‬

‫بأن الولد حكمه حكم أمه يف البيع (أي‪ :‬هو تابع هلا) ‪ ،‬وفرق بني الثمرة‬ ‫وأما مالك فاحتج‬
‫والولد يف ذلك بالسنة املفرقة يف ذلك‪ ،‬فولد اجلارية يتبع بغري شرط‪ .‬وهو قول النِب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪:‬من فرق بني الوالدة وولدها فرق بينه وبني أحبته يوم القيامة"‪ ..‬وأما الثمر فال يتبع بيع األصل‬
‫إال بالشرط ‪ ،‬لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬من باع خنال قد أبرت فثمرهتا للبائع إال أن يشرتط‬
‫املبتاع "‪.‬‬

‫هل للمرتهن أن ينتفع بشيء من الرهن؟‬


‫على أن ليس للمرهتن أن ينتفع بشيء من الرهن‪.‬‬ ‫الجمهور‬

‫قوم‪ :‬إذا كان الرهن حيوانا فللمرهتن أن حيلبه ويركبه بقدر ما يعلفه وينفق عليه‪ ،‬وهو قول‬ ‫وقال‬
‫أمحد وإسحاق‪ ،‬واحتجوا مبا رواه أبو هريرة عن النِب ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬أنه قال‪« :‬الرهن‬
‫حملوب ومركوب» ‪.‬‬

‫من يضمن الرهن إذا هلك؟‬


‫اختلف العلماء يف الرهن يهلك عند املرهتن ممن ضمانه؟‬

‫فقال قوم‪ :‬الرهن أمانة وهو من الراهن‪ ،‬والقول قول املرهتن مع ميينه أنه ما فرط فيه‬
‫وما جىن عليه‪ ،‬وممن قال هبذا القول الشافعي‪ ،‬وأمحد‪ ،‬وأبو ثور‪ ،‬ومجهور أهل احلديث‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫وعمدتهم‪ :‬حديث سعيد بن املسيب‪ ،‬عن أيب هريرة أن النِب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪:‬‬
‫«ال يغلق الرهن وهو ممن رهنه‪ ،‬له غنمه‪ ،‬وعليه غرمه» (أي‪ :‬له غلته وخراجه‪ ،‬وعليه افتكاكه‪،‬‬
‫ومصيبته منه) ‪ .‬قالوا‪ :‬وقد رضي الراهن أمانته فأشبه املودع عنده‪.‬‬

‫وأما أبو حنيفة‪ ،‬وأصحابه‪ :‬فتأولوا قوله ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪« :-‬له غنمه وعليه غرمه» ‪ ،‬أن‬
‫غنمه ما فضل منه على الدين‪ ،‬وغرمه ما نقص‪.‬‬

‫وقال قوم‪ :‬الرهن من المرتهن ومصيبته منه‪ ،‬وممن قال هبذا القول أبو حنيفة‪ ،‬ومجهور‬
‫الكوفيني‪.‬‬

‫وعمدتهم‪ :‬أنه عني تعلق هبا حق االستيفاء ابتداء‪ ،‬فوجب أن يسقط بتلفه‪ ،‬أصله تلف املبيع عند‬
‫البائع إذا أمسكه حىت يستويف الثمن‪ ،‬وهذا متفق عليه من اجلمهور‪ ،‬وإن كان عند مالك كالرهن‪.‬‬

‫ورمبا احتجوا مبا روي عن النِب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪« :-‬أن رجال ارهتن فرسا من رجل‪ ،‬فنفق يف‬
‫يده‪ ،‬فقال ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬للمرهتن‪ " :‬ذهب حقك» ‪.‬‬
‫والذين قالوا بالضمان انقسموا قسمين‪:‬‬

‫فمنهم من رأى أن الرهن مضمون باألقل من قيمته‪ ،‬أو قيمة الدين‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة‪،‬‬
‫وسفيان‪ ،‬ومجاعة‪.‬‬

‫ومنهم من قال‪ :‬هو مضمون بقيمته قلت أو كثرت‪ ،‬وإنه إن فضل للراهن شيء فوق دينه‬
‫وإسحاق‪.‬‬ ‫أخذه من املرهتن‪ ،‬وبه قال علي بن أيب طالب‪ ،‬وعطاء‪،‬‬

‫وفرق قوم بين ما ال يغاب عليه مثل الحيوان‪ ،‬والعقار مما ال يخفى هالكه‪ ،‬وبني ما‬
‫يغاب عليه من العروض‪ ،‬فقالوا‪ :‬هو ضامن فيما يغاب عليه‪ ،‬ومدمتن فيما ال يغاب عليه‪ ،‬وممن قال‬

‫‪24‬‬
‫هبذا القول مالك‪ ،‬واألوزاعي‪ ،‬وعثمان البيت‪ ،‬إال أن مالكا يقول‪ :‬إذا شهد الشهود هبالك ما يغاب‬
‫عليه من غري تضييع‪ ،‬وال تفريط‪ ،‬فإنه ال يضمن‪ .‬وبقول مالك قال ابن القاسم‪.‬‬

‫وعمدته ‪:‬أن التهمة تلحق فيما يغاب عليه‪ ،‬وال تلحق فيما ال يغاب عليه‪ .‬وهذا استحسان ومعىن‬
‫االستحسان عند مالك هو مجع بني األدلة املتعارضة‪ ،‬فضعفه قوم وقالوا‪ :‬إنه مثل استحسان أيب‬
‫حنيفة‪ ،‬وحدوا االستحسان بأنه قول بغري دليل‪.‬‬

‫قال أشهب ‪.‬واألوزاعي وعثمان البيت‪ :‬بل يضمن على كل حال قامت بينة أو مل تقم‪، .‬‬

‫هل يجوز للراهن بيع العين المرهونة وهي تحت يد المرتهن؟‬


‫اجلمهور على أنه ال جيوز للراهن بيع الرهن‪ ،‬وال هبته‪ ،‬وأنه إن باعه فللمرهتن اإلجازة‪ ،‬أو الفسخ‪.‬‬

‫قال مالك‪ :‬وإن زعم املرهتن أن إجازته ليتعجل حقه حلف على ذلك‪ ،‬وكان له‪ .‬وقال قوم‪ :‬جيوز‬
‫بيعه‪ .‬بدون حلف‬

‫وإن كان الرهن غالما‪ ،‬أو أمة فأعتقها الراهن؛ فعند مالك أنه إن كان الراهن موسرا جاز عتقه وعجل‬
‫للمرهتن حقه‪ ،‬وإن كان معسرا بيعت وقضي احلق من مثنها‪ .‬وعند الشافعي ثالثة أقوال‪ :‬الرد‪،‬‬
‫واإلجازة‪ ،‬والثالث‪ :‬مثل قول مالك‪.‬‬
‫وأما اختالف الراهن‪ ،‬والمرتهن في قدر الحق الذي وجب به الرهن‪:‬‬
‫فقال مالك‪ :‬القول قول املرهتن فيما ذكره من قدر احلق ما مل تكن قيمة الرهن أقل من ذلك‪ ،‬فما زاد‬
‫على قيمة الرهن فالقول قول الراهن‪.‬‬

‫وقال الشافعي‪ ،‬وأبو حنيفة‪ ،‬والثوري‪ ،‬ومجهور فقهاء األمصار‪ :‬القول يف قدر احلق قول الراهن‪.‬‬

‫وعمدة اجلمهور‪ :‬أن الراهن مدعى عليه‪ ،‬واملرهتن مدع‪ ،‬فوجب أن تكون اليمني على الراهن على‬
‫ظاهر السنة املشهورة‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫وعمدة مالك هاهنا‪ :‬أن املرهتن وإن كان مدعيا فله هاهنا شبهة بنقل اليمني إىل حيزه‪ ،‬وهو كون‬
‫الرهن شاهدا له‪ ،‬ومن أصوله أن حيلف أقوى املتداعيني شبهة‪ ،‬وهذا ال يلزم عند اجلمهور; ألنه قد‬
‫يرهن الراهن الشيء وقيمته أكثر من املرهون فيه‪.‬‬

‫وأما إذا تلف الرهن‪ ،‬واختلفوا في صفته‪ :‬فالقول هاهنا عند مالك قول املرهتن؛ ألنه مدعى عليه‪،‬‬
‫وهو مقر ببعض ما ادعى عليه وهذا على أصوله‪ ،‬فإن املرهتن أيضا هو الضامن فيما يغاب عليه‪.‬‬

‫وأما على أصول الشافعي‪ ،‬فال يتصور على املرهتن ميني إال أن يناكره الراهن يف إتالفه‪.‬‬

‫وأما عند أيب حنيفة فالقول قول املرهتن يف قيمة الرهن‪ ،‬وليس حيتاج إىل صفة; ألن عند مالك حيلف‬
‫على الصفة‪ ،‬وتقومي تلك الصفة‪.‬‬

‫وإذا اختلفوا يف األمرين مجيعا (أعين‪ :‬يف صفة الرهن‪ ،‬ويف مقدار الرهن) كان القول قول املرهتن يف‬
‫صفة الرهن‪ ،‬ويف احلق ما كانت قيمته الصفة اليت حلف عليها شاهدة له‪ ،‬وفيه ضعف‪.‬‬

‫وهل يشهد احلق لقيمة الرهن إذا اتفقا يف احلق‪ ،‬واختلفا يف قيمة الرهن؟ يف املذهب فيه قوالن‪،‬‬
‫واألقيس الشهادة ؛ ألنه إذا شهد الرهن للدين شهد الدين للمرهون‪.‬‬

‫‪ 3‬كتاب الحجر‬
‫الباب األول‪ :‬في أصناف المحجورين‪:‬‬

‫الثاني‪ :‬متى يخرجون من الحجر‪ ،‬ومتى يحجر عليهم‪ ،‬وبأي شروط يخرجون؟‬

‫الثالث‪ :‬في معرفة أحكام أفعالهم في الرد‪ ،‬واإلجازة‪.‬‬

‫الباب األول في أصناف المحجورين‬

‫‪26‬‬
‫احلجر لغة املنع من التصرف ويف الشرع " صفة حكمية توجب منع موصوفها نفوذ تصرفه‬
‫يف الزائد على قوته أو تربعه مباله " ‪.‬‬

‫مسائل أحكام الحجر‪:‬‬

‫من يجب عليهم الحجر‬

‫أجمع العلماء على وجوب الحجر على األيتام الذين لم يبلغوا الحلم لقوله تعاىل‪:‬‬
‫{وابتلوا اليتامى حىت إذا بلغوا النكاح}‬

‫اختلف العلماء في الحجر على العقالء الكبار إذا ظهر منهم تبذير ألموالهم‪:‬‬

‫فذهب مالك‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأهل المدينة‪ ،‬وكثير من أهل العراق وهو مذهب ابن عباس‪،‬‬
‫وابن الزبري‪ .‬إىل جواز ابتداء احلجر عليهم حبكم احلاكم‪ ،‬وذلك بشرطني‪:‬‬

‫‪ -1‬أن يثبت عنده سفههم‪.‬‬

‫‪ -2‬أن يعذر إليهم فيما ثبت عنده من سفههم ‪ ،‬فلم يكن عندهم مدفع‪.‬‬

‫وعمدة هذا الفريق‪:‬‬

‫أن الحجر على الصغار إنما وجب لمعنى التبذير الذي يوجد فيهم غالبا‪ ،‬فوجب أن‬
‫يجب الحجر على من وجد فيه هذا المعنى‪ ،‬وإن لم يكن صغيرا‪.‬‬

‫قالوا‪ :‬ولذلك اشرتط يف رفع احلجر عنهم مع ارتفاع الصغر إيناس الرشد‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪:‬‬
‫{فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أمواهلم} فدل هذا على أن السبب المقتضي‬
‫للحجر هو السفه‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫وذهب أبو حنيفة‪ ،‬وجماعة من أهل العراق إىل أن ال يبتدأ احلجر على الكبار‪ ،‬وهو قول‬
‫إبراهيم‪ ،‬وابن سريين‪.‬‬

‫وهدالء انقسموا قسمني‪:‬‬

‫‪ -1‬فمنهم من قال‪ :‬الحجر ال يجوز عليهم بعد البلوغ بحال‪ ،‬وإن ظهر منهم‬
‫التبذير‪.‬‬

‫‪ -2‬ومنهم من قال‪ :‬إن استصحبوا التبذير من الصغر يستمر الحجر عليهم‪ ،‬وإن ظهر‬
‫منهم رشد بعد البلوغ‪ ،‬ثم ظهر منهم سفه‪ ،‬فهؤالء ال يبدأ بالحجر عليهم‪.‬‬

‫وأبو حنيفة حيد يف ارتفاع احلجر‪ ،‬وإن ظهر سفهه مخسة وعشرين عاما‪.‬‬

‫وعمدة احلنفية‪ :‬حديث حبان بن منقذ‪« :‬إذ ذكر فيه لرسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬
‫أنه خيدع يف البيوع‪ ،‬فجعل له رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬الخيار ثالثا‪ ،‬ولم‬
‫يحجر عليه» ‪.‬‬

‫وربما قالوا‪ :‬الصغر هو المؤثر في منع التصرف بالمال‪ ،‬بدليل تأثريه يف إسقاط‬
‫التكليف‪ ،‬وإمنا اعترب الصغر ; ألنه الذي يوجد فيه السفه غالبا‪ ،‬كما يوجد فيه نقص‬
‫العقل غالبا؛ ولذلك جعل البلوغ عالمة وجوب التكليف وعالمة الرشد ؛ إذ كانا‬
‫يوجدان فيه غالبا (ونعني‪ :‬العقل والرشد) ‪ ،‬وكما مل يعترب النادر يف التكليف (أعين‪ :‬أن‬
‫يكون قبل البلوغ عاقال فيكلف؛ كذلك مل يعترب النادر يف السفه‪ ،‬وهو أن يكون بعد البلوغ‬
‫سفيها فيحجر عليه‪ ،‬كما مل يعترب كونه قبل البلوغ رشيدا‪.‬‬

‫قالوا‪ :‬وقوله تعاىل‪{ :‬وال تدتوا السفهاء أموالكم} ‪ ،‬ليس فيها أكثر من منعهم من‬
‫أموالهم‪ ،‬وذلك ال يوجب فسخ بيوعها وإبطالها‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫المسألة الثالثة ‪ :‬في أصناف المحجورين عند مالك‬

‫المحجورون عند مالك ستة‪ :‬الصغير‪ ،‬والسفيه‪ ،‬والعبد‪ ،‬والمفلس‪ ،‬والمريض‪،‬‬


‫والزوجة‪.‬‬

‫الباب الثاني‪ :‬متى يخرجون من الحجر‪ ،‬ومتى يحجر عليهم‪ ،‬وبأي شروط يخرجون؟‬

‫والنظر يف هذا الباب يف موضعني‪ :‬يف وقت خروج الصغار من احلجر‪ ،‬ووقت خروج‬
‫السفهاء‪ .‬فنقول‪:‬‬

‫المسألة الرابعة ‪ :‬في وقت خروج الصغار عن الحجر‪:‬‬

‫الصغار باجلملة صنفان‪ :‬ذكور‪ ،‬وإناث‪ ،‬وكل واحد من هدالء إما ذو أب‪ ،‬وإما ذو وصي‪،‬‬
‫وإما مهمل‪ ،‬وهم الذين يبلغون وال وصي هلم وال أب‪.‬‬

‫أوال‪ :‬الذكور الصغار ذوو اآلباء‪.‬‬

‫اتفق العلماء على أهنم ال خيرجون من احلجر إال ببلوغ سن التكليف‪ ،‬وإيناس الرشد‬
‫منهم‪ ،‬وإن كانوا قد اختلفوا يف الرشد ما هو‪ ،‬وذلك لقوله تعاىل‪{ :‬وابتلوا اليتامى حىت إذا‬
‫بلغوا النكاح ‪ ،‬فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أمواهلم}‬

‫وأما اختالفهم في الرشد ما هو؟ فإن مالكا يرى أن الرشد هو تثمير المال وإصالحه‬
‫فقط‪ ،‬والشافعي يشترط مع هذا صالح الدين‪ .‬وسبب اختالفهم‪ :‬هل ينطلق اسم‬
‫الرشد على غير صالح الدين؟‬

‫قال ابن عاصم‪ :‬الرشد حفظ املال مع حسن النظر ‪ ...‬وبعضهم له الصالح معترب ‪ ،‬قال‬
‫شارحوه‪ ":‬يعين أن حقيقة الرشد هي حفظ املال مع حسن النظر فيه ‪ ،‬وهذا هو املعتمد يف‬

‫‪29‬‬
‫املذهب ‪ ،‬وهو قول ابن القاسم ‪ ،‬وعن بعضهم أنه زاد فيها صالح الحال أيضا ‪ ،‬فهي‬
‫عنده حفظ املال وحسن النظر فيه وصالح احلال ‪ ،‬قال ابن سلمون‪ :‬واختلف هل من‬
‫شرطه الصالح يف الدين أم ال ؟ على قولني ‪ ،‬قال املدنيون من أصحاب مالك ‪ :‬الرشد هو‬
‫صحة العقل وصالح الدين وتثمري املال وحفظه ‪ ،‬وقال ابن القاسم إذا أمثر ماله وحاطه‬
‫استوجب اسم الرشد وإن كان غري مرضي احلال وبذلك احلكم‪.‬‬

‫المسألة الخامسة‪ :‬اإلناث الصغار ذوو اآلباء‬

‫‪ -1‬ذهب الجمهور إلى أن حكم اإلناث في ذلك حكم الذكور (أعين‪ :‬بلوغ احمليض‪،‬‬
‫وإيناس الرشد) ‪.‬‬

‫‪ -2‬وقال مالك‪ :‬هي في والية أبيها ‪ -‬يف املشهور عنه ‪ -‬حتى تتزوج‪ ،‬ويدخل بها‬
‫زوجها‪ ،‬ويؤنس رشدها‪ ،‬وروي عنه مثل قول اجلمهور‪.‬‬

‫وألصحاب مالك يف هذا أقوال غري هذه‪ ،‬قيل‪:‬‬

‫إنها في والية أبيها حتى يمر بها سنة بعد دخول زوجها بها‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬حتى يمر بها عامان‪ .‬وقيل‪ :‬حتى تمر بها سبعة أعوام‪.‬‬

‫وحجة مالك‪ :‬أن إيناس الرشد ال يتصور من المرأة إال بعد اختبار الرجال‪ .‬وأما أقاويل‬
‫أصحابه فضعيفة خمالفة للنص‪ ،‬والقياس‪ :‬أما خمالفتها للنص‪ :‬فإهنم مل يشرتطوا الرشد‪ .‬وأما‬
‫خمالفتها للقياس‪ :‬فألن الرشد ممكن تصوره منها قبل هذه املدة احملدودة‪.‬‬

‫إذا بلغ ولم يعلم سفهه من رشده‬

‫‪30‬‬
‫وإذا قلنا على قول مالك ال على قول اجلمهور‪ :‬إن االعتبار يف الذكور ذوي اآلباء البلوغ‪،‬‬
‫وإيناس الرشد‪.‬‬

‫فاختلف قول مالك إذا بلغ ولم يعلم سفهه من رشده‪ ،‬وكان مجهول الحال‪ :‬فقيل‬
‫عنه‪ :‬إنه محمول على السفه حتى يتبين رشده‪ ،‬وهو المشهور‪ .‬وقيل عنه‪ :‬إنه محمول‬
‫على الرشد حتى يتبين سفهه‪.‬‬

‫المسألة السادسة‪ :‬في وقت خروج الموصى عليهم عن الحجر‪:‬‬

‫المحجور عليهم ذوو األوصياء ‪:‬‬

‫وحكمهم أنهم ال خيرجون من الوالية يف املشهور عن مالك إال بإطالق وصيه له من‬
‫احلجر‪( ،‬أي‪ :‬يقول فيه إنه رشيد) إن كان مقدما من قبل األب بال خالف‪ ،‬أو بإذن‬
‫القاضي مع الوصي إن كان مقدما من غري األب على اختالف يف ذلك‪.‬‬

‫وقد قيل في وصي األب‪ :‬إنه ال يقبل قوله يف أنه رشيد حىت يعلم رشده‪ ،‬وقد قيل‪ :‬إن‬
‫حاله مع الوصي كحاله مع األب خيرجه من احلجر إذا آنس منه الرشد‪ ،‬وإن مل خيرجه‬
‫وصيه باإلشهاد‪ ،‬وإن اجملهول احلال يف هذا حكمه حكم اجملهول احلال ذي األب‪.‬‬

‫وأما ابن القاسم فمذهبه أن الوالية غير معتبر ثبوتها إذا علم الرشد‪ ،‬وال سقوطها إذا‬
‫علم السفه‪ ،‬وهي رواية عن مالك‪ ،‬وذلك من قوله يف اليتيم ال يف البكر‪.‬‬

‫والفرق بين المذهبين‪ :‬أن من يعتبر الوالية يقول أفعاله كلها مردودة وإن ظهر رشده‬
‫حتى يخرج من الوالية‪ ،‬وهو قول ضعيف‪ ،‬فإن المؤثر هو الرشد ال حكم الحاكم‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫وحال البكر مع الوصي كحال الذكر‪ ،‬ال خترج من الوالية إال باإلخراج ما مل تعنس على‬
‫اختالف يف مدة التعنيس ‪ .‬قال (ابن سلمون) واختلف يف حد التعنيس يف هذه على أربعة‬
‫أقوال‪ :‬قيل‪ :‬ثالثون‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬أقل‪ .‬وقيل‪ :‬أربعون‪ .‬وقيل‪ :‬من اخلمسني إىل الستني انتهى باختصار‬

‫قال ابن عاصم حاكيا خالف املالكية يف سن التعنيس ‪":‬‬

‫والسن في التعنيس من خمسينا ‪ ...‬فيما به الحكم إلى الستينا‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬حاهلا مع الوصي كحاهلا مع األب‪ ،‬وهو قول ابن املاجشون‪ .‬ومل خيتلف قوهلم إنه ال‬
‫يعترب فيها الرشد كاختالفهم يف اليتيم‪.‬‬

‫المسألة السابعة‪ :‬في حكم المهمل من الذكور والنساء‪.‬‬

‫وأما المهمل من الذكور‪ :‬فإن املشهور أن أفعاله جائزة إذا بلغ احللم كان سفيها متصل‬
‫السفه‪ ،‬أو غري متصل السفه‪ ،‬معلنا به أو غري معلن‪ .‬وأما ابن القاسم فيعترب نفس فعله إذا‬
‫وقع‪ ،‬فإن كان رشدا جاز‪ ،‬وإال رده‪.‬‬

‫وأما المهمل من النساء اليتيمة التي ال أب لها وال وصي‪ :‬فإن فيها يف املذهب قولني‪:‬‬

‫أحدمها‪ :‬أن أفعاهلا جائزة إذا بلغت احمليض‪ .‬والثاين‪ :‬أفعاهلا مردودة ما مل تعنس‪ ،‬وهو‬
‫املشهور‪.‬‬

‫‪ :‬في معرفة أحكام أفعال المحجورين في الرد واإلجازة‬

‫أوال‪ :‬حكم تصرف الصغار الذين لم يبلغوا الحلم من الرجال‪ ،‬وال المحيض من‬
‫النساء‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫‪ -‬ال خالف في المذهب في أنه ال يجوز له في ماله معروف بغير عوض ؛ من هبة‪،‬‬
‫وال صدقة‪ ،‬وال عطية‪ ،‬وال عتق‪ ،‬وإن أذن له األب يف ذلك‪ ،‬أو الوصي‪ ،‬فإن أخرج من يده‬
‫شيئا بغري عوض كان موقوفا على نظر وليه ؛ إن كان له ويل‪ ،‬فإن رآه رشدا أجازه‪ ،‬وإال‬
‫أبطله‪ ،‬وإن مل يكن له ويل ‪ ،‬قدم له ويل ينظر يف ذلك‪ ،‬وإن عمل يف ذلك ‪ -‬حىت يلي‬
‫أمره ‪ -‬كان النظر إليه يف اإلجازة‪ ،‬أو الرد‪.‬‬

‫واختلف إذا كان فعله سدادا ونظرا ؛ فيما كان يلزم الولي أن يفعله‪ :‬هل له أن ينقضه‬
‫إذا آل األمر إىل خالف حبوالة األسواق‪ ،‬أو مناء فيما باعه‪ ،‬أو نقصان فيما ابتاعه‪:‬‬
‫فاملشهور أن ذلك له‪ ،‬وقيل إن ذلك ليس له‪.‬‬

‫‪ -‬ويلزم الصغير ما أفسد في ماله مما لم يؤتمن عليه‪ .‬واختلف فيما أفسد وكسر مما‬
‫اؤمتن عليه‪.‬‬

‫‪ -‬وال يلزمه بعد بلوغه ورشده عتق ما حلف بحريته في صغره وحنث به في صغره‪.‬‬
‫واختلف فيما حنث فيه يف كربه وحلف به يف صغره‪ :‬فاملشهور أنه ال يلزمه‪ .‬وقال ابن‬
‫كنانة‪ :‬يلزمه‪.‬‬

‫‪ -‬وال يلزمه فيما ادعي عليه يمين‪ .‬واختلف إذا كان له شاهد واحد‪ :‬هل يحلف معه؟‬
‫فالمشهور أنه ال يحلف‪ ،‬وروي عن مالك‪ ،‬والليث أنه يحلف‪.‬‬

‫وحال البكر ذات األب والوصي كالذكر ما لم تعنس على مذهب من يعتبر تعنيسها‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬حكم تصرفات السفيه البالغ‪:‬‬

‫‪ -1‬حكم طالقه وخلعه‪:‬‬

‫‪33‬‬
‫جمهور العلماء على أن السفيه البالغ المحجورعليه إذا طلق زوجته‪ ،‬أو خالعها مضى‬
‫طالقه‪ ،‬وخلعه‪ ،‬إال ابن أيب ليلى‪ ،‬وأبا يوسف‪ ،‬وخالف ابن أيب ليلى يف العتق فقال‪ :‬إنه‬
‫ينفذ‪ .‬وقال اجلمهور‪ :‬إنه ال ينفذ‪.‬‬

‫‪ -2‬حكم وصيته‪:‬‬

‫وأما وصيته‪ :‬فال أعلم خالفا يف نفوذها‪.‬‬

‫وال تلزمه هبة‪ ،‬وال صدقة‪ ،‬وال عطية‪ ،‬وال عتق‪ ،‬وال شيء من المعروف إال أن يعتق أم‬
‫ولده‪ ،‬فيلزمه عتقها‪ ،‬وهذا كله يف املذهب‪ ،‬وهل يتبعها ماهلا؟ فيه خالف‪ :‬قيل‪ :‬يتبع‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬ال يتبع‪ ،‬وقيل‪ :‬بالفرق بني القليل والكثري‪.‬‬

‫‪ -3‬ما يفعله السفيه بعوض‪:‬‬

‫وأما ما يفعله بعوض‪ :‬فهو أيضا موقوف على نظر وليه إن كان له ويل‪ ،‬فإن مل يكن له ويل‬
‫قدم له ويل‪ ،‬فإن رد بيعه الويل وكان قد أتلف الثمن مل يتبع من ذلك بشيء‪ ،‬وكذلك إن‬
‫أتلف عني املبيع‪.‬‬

‫أفعال المحجورين‪ ،‬أو المهملين على مذهب مالك‪ :‬تنقسم إلى أربع أحوال‪:‬‬

‫‪ - 1‬فمنهم من تكون أفعاله كلها مردودة‪ ،‬وإن كان فيها ما هو رشد‪.‬‬

‫‪ - 2‬ومنهم ضد هذا‪ ،‬وهو أن تكون أفعاله كلها محمولة على الرشد‪ ،‬وإن ظهر فيها‬
‫ما هو سفه‪.‬‬

‫‪ - 3‬ومنهم من تكون أفعاله كلها محمولة على السفه ما لم يتبين رشده‪.‬‬

‫‪ - 4‬وعكس هذا أيضا أن تكون أفعاله كلها محمولة على الرشد حتى يتبين سفهه‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫‪ -1‬فأما الذي يحكم له بالسفه‪ ،‬وإن ظهر رشده ؛ فهو الصغير الذي لم يبلغ‪،‬‬
‫والبكر ذات األب والوصي ما لم تعنس على مذهب من يعتبر التعنيس‪.‬‬

‫‪ -2‬والذي يحكم له بحكم الرشد‪ ،‬وإن علم سفهه‪ :‬فمنه‪ :‬السفيه إذا لم تثبت عليه‬
‫والية من قبل أبيه‪ ،‬وال من قبل السلطان على مشهور مذهب مالك‪ ،‬خالفا البن‬
‫القاسم الذي يعترب نفس الرشد ال نفس الوالية‪ ،‬والبكر اليتيمة املهملة على مذهب‬
‫سحنون‪.‬‬

‫‪ -3‬وأما الذي يحكم عليه بالسفه (بحكم) ما لم يظهر رشده‪:‬‬

‫‪ -1‬االبن بعد بلوغه في حياة أبيه على المشهور في المذهب‪.‬‬

‫‪ -2‬البكر ذات األب التي ال وصي لها إذا تزوجت ودخل بها زوجها ما لم يظهر‬
‫رشدها‪ ،‬أوما مل تبلغ احلد املعترب يف ذلك من السنني عند من يعترب ذلك‪.‬‬

‫‪ -3‬اليتيمة التي ال وصي لها على مذهب من يرى أن أفعالها مردودة‪.‬‬

‫‪ -‬وأما الحال التي يحكم فيها بحكم الرشد حتى يتبين السفه‪:‬‬

‫‪ 1‬البكر املعنس عند من يعترب التعنيس‪.‬‬

‫‪ -2‬البنت اليت دخل هبا زوجها ومضى لدخوله احلد املعترب من السنني عند من يعترب احلد‪.‬‬

‫‪ -3‬االبن ذو األب إذا بلغ وجهلت حاله على إحدى الروايتني‪.‬‬

‫‪ -4‬االبنة البكر بعد بلوغها على الرواية اليت ال تعترب فيها دخوهلا مع زوجها‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫‪ :4‬التفليس‬
‫وعرفه ابن عرفة‪ ":‬حكم الحاكم بخلع كل مال المدين لغرمائه لعجزه عن قضاء ما لزمه" وله معنيان‬
‫أحدهما‪ :‬أن يستغرق الدين مال المدين‪ ،‬فال يكون في ماله وفاء بديونه‪ .‬والثاني‪ :‬أن ال يكون له مال‬
‫معلوم أصال‪ .‬وفي كال الفلسين قد اختلف العلماء في أحكامهما‬

‫إذا استغرق الدين مال المدين‬

‫فيه خالف القول األول وبه قال مالك‪ ،‬والشافعي‪ :.‬أن يحجر عليه الحاكم التصرف في ماله حتى‬
‫يبيعه عليه ويقسمه على الغرماء على نسبة ديونهم إن كان مليا‪ ،‬أو يحكم عليه باإلفالس ويحجر‬
‫عليه التصرف‪،‬إن لم يكن مليا وحجتهم‪« :‬حديث معاذ بن جبل‪ " :‬أنه كثر دينه في عهد رسول اهلل‬
‫‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬فلم يزد غرماءه على أن جعله لهم من ماله» ‪.‬وحديث أبي سعيد‬
‫الخدري‪« :‬أن رجال أصيب على عهد رسول اهلل في ثمر ابتاعها‪ ،‬فكثر دينه‪ ،‬فقال رسول اهلل ‪-‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ :-‬تصدقوا عليه‪ ،‬فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء بدينه‪ ،‬فقال رسول‬
‫اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ :-‬خذوا ما وجدتم‪ ،‬وليس لكم إال ذلك»‪ :‬القول الثاني وبه قال أبو‬
‫حنيفة‪ :‬أن للحاكم أن يحبسه حتى يعطيهم بيده ما عليه ‪.‬وحجته حديث جابر بن عبد اهلل حين‬
‫استشهد أبوه بأحد‪ ،‬وعليه دين‪ ،‬فلما طالبه الغرماء «قال جابر‪ " :‬فأتيت النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ -‬فكلمته‪ ،‬فسألهم أن يقبلوا مني حائطي‪ ،‬ويحللوا أبي‪ ،‬فأبوا‪ ،‬فلم يعطهم رسول اهلل ‪ -‬صلى‬
‫اهلل عليه وسلم – حائطي‪ .‬قال‪ :‬ولكن سأغدو عليك‪ ،‬قال‪ :‬فغدا علينا حين أصبح فطاف بالنخل‬
‫فدعا في ثمرها بالبركة‪ ،‬قال‪ :‬فجذذتها فقضيت منها حقوقهم‪ ،‬وبقي من ثمرها بقية» ‪.‬قالوا‪ :‬ويدل‬

‫‪36‬‬
‫على حبسه قوله ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪« :-‬لي الواجد يحل عرضه‪ ،‬وعقوبته» ‪ .‬قالوا‪ :‬والعقوبة‬
‫هي حبسه‪.‬‬

‫في ماذا يحجر عليه‪ ،‬وبأي ديون تكون المحاصة في ماله ‪ ،‬وفي أي شيء من ماله تكون المحاصة؟‬
‫وكيف تكون؟‬

‫فأما المفلس‪ :‬فله حاالن‪ :‬حال في وقت الفلس قبل الحجر عليه‪ ،‬وحال بعد الحجر‪.‬‬

‫أوال‪ :‬األحكام قبل الحجر ‪ ،‬وفيها مذهبان ‪ :‬أ مذهب مالك ‪ 1 :‬ـ ال يجوز له إتالف شيء من ماله‬
‫بغير عوض إذا كان مما ال يلزمه‪ ،‬ومما ال تجري العادة بفعله‪ .‬ألن له أن يفعل ما يلزم بالشرع‪، ،‬‬
‫كنفقته على اآلباء المعسرين‪ ،‬أو األبناء‪ -2..‬يجوز بيعه‪ ،‬وابتياعه ما لم تكن فيه محاباة‪-3.‬‬
‫يجوز إقراره بالدين لمن ال يتهم عليه‪ .‬ب‪ -‬مذهب الجمهور ‪ :‬وأما جمهور من قال بالحجر على‬
‫المفلس فقالوا‪ :‬هو قبل الحكم كسائر الناس قالوا ألن األصل هو جواز األفعال حتى يقع الحجر‪،‬‬
‫ومالك كأنه اعتبر المعنى نفسه‪ ،‬وهو إحاطة الدين بماله‪ ،‬لكن لم يعتبره في كل حال؛ ألنه يجوز‬
‫بيعه‪ ،‬وشراؤه إذا لم يكن فيه محاباة‪ ،‬وال يجوزه للمحجور عليه‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬األحكام بعد الحجر ‪ :.‬وأما حاله بعد التفليس‪ :‬فال يجوز له فيها عند مالك بيع‪ ،‬وال شراء‪،‬‬
‫وال أخذ‪ ،‬وال عطاء‪ ،‬وال يجوز إقراره بدين في ذمته لقريب وال بعيد‪ ،‬قيل‪ :‬إال أن يكون لواحد منهم‬
‫بينة‪ ،‬واختلف في إقراره بمال معين هل يصدق أم ال ؟ مثل القراض‪ ،‬والوديعة على ثالثة أقوال في‬
‫المذهب‪ :‬بالجواز‪ ،‬والمنع‪ ،‬والثالث‪ :‬بالفرق بين أن يكون على أصل القراض‪ ،‬أو الوديعة ببينة‪ ،‬إن‬
‫كانت صدق وإن لم تكن لم يصدق‪.‬‬

‫هل ديون المفلس المؤجلة هل تحل بالتفليس أم ال؟‬

‫‪37‬‬
‫واختلفوا فذهب مالك إلى أن التفليس في ذلك كالموت‪ .‬وذهب غيره إلى خالف ذلك‪ ،‬وجمهور‬
‫العلماء على أن الديون تحل بالموت‪ .‬وحجتهم‪ :‬أن اهلل تبارك وتعالى لم يبح التوارث إال بعد قضاء‬
‫الدين‪ ،‬فالورثة مخيرين في ذلك ‪ :‬إما أن يجعلوا الدين حاال‪ ،‬وإما أن يرضوا بتأخير إلى أجله ‪.‬وقال‬
‫ابن شهاب‪ :‬مضت السنة بأن دينه قد حل حين مات‪.‬قال ابن سيرين إن رضي الغرماء بتحمله في‬
‫ذممهم أبقيت الديون إلى أجلها‪ ، ،‬واختاره أبو عبيد من فقهاء األمصار‪،‬‬

‫الشبه بين الفلس والموت ال يشبه الفلس في هذا المعنى الموت كل الشبه‪ ،‬وإن كانت كلتا‬
‫الذمتين قد خرجت‪ ،‬فإن ذمة المفلس يرجى المال لها‪ ،‬بخالف ذمة الميت‬

‫‪.‬المسألة الرابعة‪ :‬فيما يرجع به أصحاب الديون من مال المفلس‪:‬‬

‫فإن ذلك يرجع إلى الجنس‪ ،‬والقدر‪ .‬أوال‪ :‬الحكم في ذهاب عين السلعة بعد التفليس؛ أو بقائها‬
‫يم على المفلس ؛ فإن دينه في‬
‫على حالها ‪ 1‬إذا ذهب عين العوض الذي استوجب من قبله الغر ُ‬
‫ذمة المفلس‪ -2 .‬وأما إذا كان عين العوض باقيا بعينه لم يفت إال أنه لم يقبض ثمنه‪ ،‬فاختلف في‬
‫ذلك فقهاء األمصار على أربعة أقوال‪:‬‬

‫األول‪ :‬وبه قال الشافعي‪ ،‬وأحمد‪ ،‬وأبو ثور أن صاحب السلعة أحق بها على كل حال إال أن‬
‫يتركها‪ ،‬ويختار المحاصة‪ .،‬وحجته ‪ :‬ما ثبت من حديث أبي هريرة أن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫الرجل مالَه بعينه فهو أحق به من غيره»‬
‫ُ‬ ‫وسلم ‪ -‬قال‪« :‬أيما رجل أفلس فأدرك‬

‫والقول الثاني‪ :‬وبه قال مالك‪ ،‬وأصحابه‪.‬ينظر إلى قيمة السلعة يوم الحكم بالتفليس‪ ،‬فإن كانت أقل‬
‫من الثمن خير صاحب السلعة بين أن يأخذها‪ ،‬أو يحاص الغرماء‪ ،‬وإن كانت أكثر أو مساوية للثمن‬
‫أخذها بعينها‪ ،‬وحجتهم خصصه بالقياس وقالوا‪ :‬إن معقوله إنما هو الرفق بصاحب السلعة لكون‬
‫سلعته باقية‪،‬‬

‫‪38‬‬
‫القول الثالث‪ :‬قال به جماعة من أهل األثر‪ :‬تقوم السلعة بعد التفليس‪ ،‬فإن كانت قيمتها مساوية‬
‫للثمن‪ ،‬أو أقل منه قضي للبائع بها ‪ ،‬وإن كانت أكثر دفع إليه مقدار ثمنه ‪ ،‬ويتحاصون في الباقي‪،‬‬

‫والقول الرابع‪ :‬وهو قول أبي حنيفة‪ ،‬وأهل الكوفة‪ :‬أنه أسوة الغرماء فيها على كل حال‪ .،‬وحجتهم‬
‫أن هذا الحديث مخالف لألصول المتواترة على طريقتهم في رد خبر الواحد إذا خالف األصول‬
‫المتواترة‪ ،‬لكون خبر الواحد مظنونا‪ ،‬واألصول يقينية مقطوع بها‪ ،‬كما قال عمر في حديث فاطمة‬
‫بنت قيس‪ :‬ما كنا لندع كتاب اهلل وسنة نبينا لحديث امرأة‪ .‬وربما احتجوا بأن حديث أبي هريرة‬
‫مختلف فيه‪ ،‬وروي بلفظ آخر وهو‪« :‬أيما رجل مات‪ ،‬أو أفلس فوجد بعض غرمائه ماله بعينه فهو‬
‫أسوة الغرماء» ‪ .‬وهذا الحديث أولى؛ ألنه موافق لألصول الثابتة‪ -3..‬إذا لم يقبض المشتري‬
‫السلعة وبقيت بيد البائع ؛ فالعلماء متفقون أهل الحجاز‪ ،‬وأهل العراق أن صاحب السلعة أحق بها؛‬
‫الرجل مالَه بعينه فهو أحق به من غيره»‬
‫ُ‬ ‫ألنها في ضمانه‪ .‬وحجتهم حديث «أيما رجل أفلس فأدرك‬
‫؛‬

‫إذا قبض البائع بعض الثمن‪:‬‬

‫‪ - 1‬فقال مالك‪ :‬إن شاء أن يرد ما قبض ويأخذ السلعة كلها‪ ،‬وإن شاء حاص الغرماء فيما بقي من‬
‫سلعته‪.‬‬

‫‪ -2‬وقال الشافعي‪ :‬بل يأخذ ما بقي من سلعته بما بقي من الثمن‪ .‬وحجة الشافعي‪ :‬أن كل السلعة‪،‬‬
‫أو بعضها في الحكم واحد‪.‬‬

‫‪ -3‬وقالت جماعة من أهل العلم داود‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬وأحمد‪ :‬إن قبض من الثمن شيئا فهو أسوة‬
‫الغرماء‪ .‬وحجتهم‪ :‬ما روى مالك‪ ،‬أن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪« :‬أيما رجل باع‬

‫‪39‬‬
‫متاعا‪ ،‬فأفلس الذي ابتاعه‪ ،‬ولم يقبض الذي باعه شيئا ‪ ،‬فوجده بعينه فهو أحق به‪ ،‬وإن مات الذي‬
‫ابتاعه فصاحب المتاع أسوة الغرماء» وقد روي «فإن كان قبض من ثمنه شيئا فهو أسوة الغرماء»‬

‫‪ -4‬واتفقوا ‪ :‬أنه إذا فوت المشتري بعضها أن البائع أحق بالمقدار الذي أدرك من سلعته‪ ،‬إال عطاء‬
‫فإنه قال‪ :‬إذا فوت المشتري بعضها كان البائع أسوة الغرماء‪.‬‬

‫الموت هل حكمه حكم الفلس ؟‬

‫اختلف الشافعي ومالك في هذه المسألة ‪ :‬فقال مالك‪ :‬الدائن في موت المدين أسوة الغرماء ‪،‬‬
‫بخالف الفلس‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬األمر في ذلك واحد‪.‬وعمدة مالك‪ :‬ما رواه عن ابن شهاب‪ ،‬عن‬
‫أبي بكر‪ ،‬والشاهد منه قوله صلى اهلل عليه وسلم‪.. ":‬وإن مات الذي ابتاعه فصاحب المتاع أسوة‬
‫الغرماء» وأيضا من جهة النظر‪ :‬هناك فرق بين الذمة في الفلس والموت أن المفلس ممكن أن تثرى‬
‫حاله فيتبعه غرماؤه بما بقي عليه‪ ،‬وذلك غير متصور في الموت وأما الشافعي‪ :‬فعمدته ما رواه ابن‬
‫أبي ذئب بسنده عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪« :-‬أيما رجل مات أو‬
‫أفلس فصاحب المتاع أحق به» ‪ ،‬فسوى في هذه الرواية بين الموت‪ ،‬والفلس‪ .‬وقال‪ :‬وحديث ابن‬
‫أبي ذئب أولى من حديث ابن شهاب؛ ألن حديث ابن شهاب مرسل‪ ،‬وهذا مسند‪ .‬ومن طريق‬
‫المعنى‪ :‬فهو مال ال تصرف فيه لمالكه إال بعد أداء ما عليه‪ ،‬فأشبه مال المفلس‪ .‬وقياس مالك‬
‫أقوى من قياس الشافعي‪ ،‬وترجيح حديثه على حديث ابن أبي ذئب من جهة أن موافقة القياس له‬
‫أقوى‪ -.‬وذلك أن ما وافق من األحاديث المتعارضة قياس المعنى فهو أقوى مما وافقه قياس‬
‫الشبه‪.‬فسبب الخالف‪ :‬تعارض اآلثار في هذا المعنى‪ ،‬والمقاييس‪ ،‬وأيضا فإن األصل يشهد لقول‬
‫مالك في الموت (أعني‪ :‬أن من باع شيئا فليس يرجع إليه) ‪ ،‬فمالك ‪ :‬أقوى في هذه المسألة‪،‬‬
‫والشافعي إنما ضعف عنده فيها قول مالك لما روي أن المسند المرسل عنده ال يجب العمل‬

‫‪40‬‬
‫ب‪ .‬المسألة السادسة‪ :‬فيمن وجد سلعته بعينها عند المفلس‪ ،‬وقد أحدث زيادة‪.‬‬

‫اختلف مالك والشافعي ‪،‬في ذالك ‪:‬مثل أن تكون أرضا يغرسها‪ ،‬أو عرصة يبنيها‪ -1.‬فقال مالك‪:‬‬
‫العمل الزائد فيها هو فوت‪ ،‬ويرجع صاحب السلعة شريك الغرماء‪ -2 .‬وقال الشافعي‪ :‬بل يخير‬
‫البائع بين أن يعطي قيمة ما أحدث المشتري في سلعته ويأخذها‪ ،‬أو أن يأخذ أصل السلعة ويحاص‬
‫الغرماء في الزيادة‪.‬‬

‫وتحصيل مذهب مالك فيما يكون الغريم به أحق من سائر الغرماء في الموت والفلس‪ ،‬أو في‬
‫الفلس دون الموت‪:‬‬

‫أن األشياء المبيعة بالدين تنقسم في التفليس ثالثة أقسام‪ :‬عرض يتعين‪ ،‬وعين اختلف فيه هل يتعين‬
‫أم ال؟ وعمل ال يتعين ‪.‬‬

‫أوال ‪ -‬العرض المتعين‪ -1 :‬إن كان في يد بائعه لم يسلمه حتى أفلس المشتري‪ ،‬فهو أحق به في‬
‫الموت‪ ،‬والفلس‪ ،‬وهذا ما ال خالف فيه‪ -2 .‬إن كان قد دفعه إلى المشتري ثم أفلس ‪ ،‬وهو قائم‬
‫بيده فهو أحق به من الغرماء في الفلس دون الموت‪ ،‬ولهم عند مالك أن يأخذوا سلعته بالثمن‪.‬‬
‫وقال الشافعي‪ :‬ليس لهم‪ .‬وقال أشهب‪ :‬ال يأخذونها إال بزيادة يحطونها عن المفلس‪ .‬وقال ابن‬
‫الماجشون‪ :‬إن شاءوا كان الثمن من أموالهم‪ ،‬أو من مال الغريم‪ .‬وقال ابن كنانة‪ :‬بل يكون من‬
‫أموالهم‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬العين‪ :‬وهي على نوعين متعينة وغير متعينة‪:‬‬

‫األول‪ :‬العين المتعينة‪ ،‬وحكمها‪ -1:‬إن كانت في يده فهو أحق بها في الموت ‪ ،‬والفلس ‪-2.‬‬
‫اختلف إذا دفعه إلى بائعه فيه ‪ ،‬ففلس أو مات وهو قائم بيده يعرف بعينه‪ -،‬فقيل‪ :‬إنه أحق به‬

‫‪41‬‬
‫كالعروض في الفلس دون الموت‪ ،‬وهو قول ابن القاسم‪ -.‬وقيل‪ :‬إنه ال سبيل له عليه‪ ،‬وهو أسوة‬
‫الغرماء‪ ،‬وهو قول أشهب‪ ،‬والقوالن جاريان على االختالف في تعيين العين‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬العين غير المتعينة‪ :‬وحكمها أن الدائن يكون فيها أسوة الغرماء في الموت والفلس جميعا‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬العمل الذي ال يتعين‪:‬‬

‫‪1‬األجير‪ - :‬إذا أفلس المستأجر قبل أن يستوفي عمل األجير ‪ ،‬كان األجير أحق بما عمله في‬
‫الموت والفلس جميعا‪ ،‬كالسلعة إذا كانت بيد البائع في وقت الفلس‪.‬ـ إن كان فلس المستأجر بعد‬
‫أن استوفى عمل األجير‪ :‬فاألجير أسوة الغرماء بأجرته التي شارطه عليها في الفلس والموت جميعا ‪،‬‬
‫إال أن تكون بيده السلعة التي استؤجر على عملها‪ ،‬فيكون أحق بذلك في الموت‪ ،‬والفلس جميعا؛‬
‫ألنه كالرهن بيده‪ -.‬إن أسلم األجير محل العمل للمستأجر كان األجير أسوة الغرماء بعمله‪ ،‬إال أن‬
‫يكون له فيه شيء أخرجه فيكون أحق به في الفلس دون الموت‪.‬‬

‫‪ -2‬مكري الدواب والسفن‪ -:‬إذا أفلس مكتري الدواب عند مالك ‪ ،‬فهو أحق بما على‬
‫الدابة من المتاع بأن يأخذ منها أجرة كرائه في الموت والفلس جميعا‪ ،‬وكذلك مكتري‬
‫السفينة‪ ،‬وهذا كله شبهه مالك بالرهن‪.‬‬

‫المسألة السابعة ‪ :‬في مقدار ما يترك للمفلس من ماله‬

‫‪ :‬فقيل في المذهب‪ :‬يترك له ما يعيش به هو وأهله وولده الصغار لأليام‪ .‬وقال في الواضحة‬
‫والعتبية‪ :‬الشهر ونحوه‪ ،‬ويترك له كسوة مثله‪ .‬وتوقف مالك في كسوة زوجته لكونها هل تجب لها‬
‫بعوض مقبوض أو بغير عوض‪ .‬وقال سحنون‪ :‬ال يترك له كسوة زوجته‪ .‬وروى ابن نافع عن مالك‪:‬‬
‫أنه ال يترك له إال ما يواريه‪ ،‬وبه قال ابن كنانة‪ .‬واختلفوا في بيع كتب العلم عليه على قولين‪ :‬وهذا‬
‫مبني على كراهية بيع كتب الفقه‪ ،‬أو ال كراهية ذلك‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫المسألة الثامنة ‪ :‬في معرفة الديون التي يحاص بها من الديون التي ال يحاص بها على مذهب مالك‬
‫‪:‬‬

‫فإنها تنقسم أوال إلى قسمين‪:‬‬

‫أحدهما‪ :‬أن تكون واجبة عن عوض‪.‬والثاني‪ :‬أن تكون واجبة من غير عوض‪.‬‬

‫القسم األول‪ :‬الديون الواجبة عن عوض تنقسم إلى عوض مقبوض‪ ،‬وإلى عوض غير مقبوض‪:‬‬

‫أوال‪ :‬الديون المترتبة عن عوض مقبوض سواء أكانت ماال‪ ،‬أو أرش جناية؛ فال خالف في المذهب‬
‫أن محاصة الغرماء بها واجبة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الديون المترتبة عن عوض غير مقبوض‪ :‬فإنها تنقسم خمسة أقسام‪:‬‬

‫أحدها‪ :‬أن ال يمكنه دفع العوض بحال كنفقة الزوجات لما يأتي من المدة‪ .‬فهذا ال محاصة في‬
‫ذلك إال في مهور الزوجات إذا أفلس الزوج قبل الدخول‬

‫والثاني‪ :‬أن ال يمكنه دفع العوض‪ ،‬ولكن يمكنه دفع ما يستوفى فيه‪ ،‬مثل أن يكتري الرجل الدار‬
‫بالنقد‪ ،‬أو يكون العرف فيه النقد‪ ،‬ففلس المكتري قبل أن يسكن‪ ،‬أو بعد ما سكن بعض السكنى‪،‬‬
‫وقبل أن يدفع الكراء‪ .‬فقيل‪ :‬للمكري المحاصة بجميع الثمن وإسالم الدار للغرماء‪ .‬وقيل‪ :‬ليس له‬
‫إال المحاصة بما سكن ويأخذ داره‪ ،‬وإن كان لم يسكن فليس له إال أخذ داره‪.‬‬

‫والثالث‪ :‬أن يكون دفع العوض يمكنه ويلزمه‪ ،‬كرأس مال السلم إذا أفلس المسلم إليه قبل دفع‬
‫رأس المال‪ .‬فقيل‪ :‬يحاص به الغرماء في الواجب له بالعوض‪ ،‬ويدفعه‪ ،‬وقيل‪ :‬هو أحق به ‪ ،‬وعلى‬
‫هذا ال يلزمه دفع العوض‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫والرابع‪ :‬أن يمكنه دفع العوض وال يلزمه‪ ،‬مثل السلعة إذا باعها ففلس المبتاع قبل أن يدفعها إليه‬
‫البائع‪ .‬فهو بالخيار بين المحاصة‪ ،‬واإلمساك‪ ،‬وذلك هو إذا كان العوض عينا‪.‬‬

‫والخامس‪ :‬أن ال يكون إليه تعجيل دفع العوض‪ ،‬مثل أن يسلم الرجل إلى الرجل دنانير في عروض‬
‫إلى أجل فيفلس المسلم قبل أن يدفع رأس المال‪ ،‬وقبل أن يحل أجل السلم‪ .‬فإن رضي المسلم‬
‫إليه أن يعجل العروض‪ ،‬ويحاصص الغرماء برأس مال السلم‪ ،‬فذلك جائز إن رضي بذلك الغرماء‪،‬‬
‫فإن أبى ذلك أحد الغرماء حاص الغرماء برأس المال الواجب له فيما وجد للغريم من مال‪ ،‬وفي‬
‫العروض التي عليه إذا حلت; ألنها من مال الفلس‪ ،‬وإن شاءوا أن يبيعوها بالنقد‪ ،‬ويتحاصوا فيها‬
‫كان ذلك لهم‪.‬‬

‫القسم اللثاني ‪ :‬الديون الواجبة عن غير عوض‪ :‬وأما ما كان من الحقوق الواجبة عن غير عوض فهي‬
‫على قسمين‪ -1:‬ما كان منها غير واجب بالشرع‪ ،‬بل بااللتزام ‪ ،‬كالهبات والصدقات فال محاصة‬
‫فيها‪ -2 .‬وأما ما كان منها واجبا بالشرع كنفقة اآلباء واألبناء‪ ،‬ففيها قوالن‪ :‬أحدهما‪ :‬أن المحاصة‬
‫ال تجب بها‪ ،‬وهو قول ابن القاسم‪ .‬والثاني‪ :‬أنها تجب بها إذا لزمت بحكم من السلطان‪ ،‬وهو قول‬
‫أشهب‪.‬‬

‫معرفة وجه التحاص ‪ :‬فإن الحكم في ذلك أن يصرف مال الغريم من جنس ديون الغرماء‪ ،‬وسواء‬
‫أكان مال الغرماء من جنس واحد أو من أجناس مختلفة؛ إذ كان ال يقتضي في الديون إال ما هو من‬
‫جنس الدين إال أن يتفقوا من ذلك على شيء يجوز‬

‫‪.‬واختلفوا من هذا الباب في فرع طارئ‪ ،‬وهو إذا هلك مال المحجور عليه بعد الحجر وقبل قبض‬
‫الغرماء‪ :‬ممن مصيبته؟‬

‫‪44‬‬
‫فقال أشهب‪ :‬مصيبته من المفلس‪ .‬وقال ابن الماجشون‪ :‬مصيبته من الغرماء إذا وقفه السلطان‪.‬‬
‫وقال ابن القاسم‪ :‬ما يحتاج إلى بيعه فضمانه من الغريم؛ ألنه إنما يباع على ملكه‪ ،‬وما ال يحتاج إلى‬
‫بيعه فضمانه من الغرماء‪ ،‬مثل أن يكون المال عينا والدين عينا‪ .‬وكلهم روى قوله عن مالك‪ .‬وفرق‬
‫أصبغ بين الموت والفلس فقال‪ :‬المصيبة في الموت من الغرماء‪ ،‬وفي الفلس من المفلس‪.‬‬

‫وأما المفلس الذي ال مال له أصال‪ -‬فإن فقهاء األمصار مجمعون على أن العدم له تأثير في إسقاط‬
‫الدين إلى وقت ميسرته‪ ،‬إال ما حكي عن عمر بن عبد العزيز‪ :‬أن لهم أن يؤاجروه‪ ،‬وقال به أحمد‬
‫من فقهاء األمصار‪.‬‬

‫‪ -‬المدين إذا ادعى الفلس‪ ،‬ولم يعلم صدقه أن الفقهاء مجمعون على أنه يحبس حتى يتبين صدقه‬
‫أو يقر له بذلك صاحب الدين‪ ،‬فإذا كان ذلك خلي سبيله‪ .‬وحكي عن أبي حنيفة‪ :‬أن لغرمائه أن‬
‫يدوروا معه حيث دار‪ .‬وإنما صار الكل إلى القول بالحبس في الديون‪ ،‬وإن كان لم يأت في ذلك‬
‫أثر صحيح؛ ألن ذلك أمر ضروري في استيفاء الناس حقوقهم بعضهم من بعض‪ ،‬وهذا دليل على‬
‫القول بالقياس الذي يقتضي المصلحة‪ ،‬وهو الذي يسمى بالقياس المرسل‪ .‬وقد روي‪« :‬أن النبي ‪-‬‬
‫عليه الصالة والسالم ‪ -‬حبس رجال في تهمة»‪.‬‬

‫والمحجورون عند مالك‪ :‬السفهاء‪ ،‬والمفلسون‪ ،‬والعبيد‪ ،‬والمرضى‪ ،‬والزوجة فيما فوق الثلث ؛ ألنه‬
‫يرى أن للزوج حقا في المال‪ ،‬وخالفه في ذلك األكثر‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫‪ 5‬الصلح‬

‫تعريفه‪ " :‬انتقال عن حق أو دعوى بعوض لرفع نزاع ‪ ،‬أو خوف وقوعه " وقيل‪ " :‬هو‬
‫قبض شيء عن عوض"‬

‫واألصل في هذا الكتاب والسنة‪ :‬قوله تعالى‪{ :‬والصلح خير} وما روي عن النبي ‪-‬‬
‫عليه الصالة والسالم ‪ -‬مرفوعا وموقوفا على عمر‪« :‬إمضاء الصلح جائز بين‬
‫المسلمين إال صلحا أحل حراما‪ ،‬أو حرم حالال» ‪.‬‬

‫واتفق المسلمون على جوازه على اإلقرار‪.‬‬

‫واختلفوا في جوازه على اإلنكار‪:‬‬

‫فقال مالك‪ ،‬وأبو حنيفة‪ :‬يجوز على اإلنكار‪.‬‬

‫وقال الشافعي‪ :‬ال يجوز على اإلنكار؛ ألنه من أكل المال بالباطل من غير عوض‪.‬‬
‫والمالكية تقول فيه عوض‪ ،‬وهو سقوط الخصومة واندفاع اليمين عنه‪.‬‬

‫وال خالف في مذهب مالك أن الصلح الذي يقع على اإلقرار يراعى في صحته ما‬
‫يراعى في البيوع‪ ،‬فيفسد بما تفسد به البيوع من أنواع الفساد الخاص بالبيوع‪ ،‬ويصح‬
‫بصحته‪ ،‬وهذا هو مثل أن يدعي إنسان على آخر دراهم فيصالحه عليها بعد اإلقرار‬
‫بدنانير نسيئة‪ ،‬وما أشبه هذا من البيوع الفاسدة من قبل الربا والغرر‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫وأما الصلح على اإلنكار‪ :‬فالمشهور فيه عن مالك‪ ،‬وأصحابه أنه يراعى فيه من‬
‫الصحة ما يراعى في البيوع‪ ،‬مثل أن يدعي إنسان على آخر دراهم فينكر‪ ،‬ثم يصالحه‬
‫عليها بدنانير مؤجلة‪ ،‬فهذا ال يجوز عند مالك‪ ،‬وأصحابه‪.‬‬

‫وقال أصبغ‪ :‬هو جائز؛ ألن المكروه فيه من الطرف الواحد‪ ،‬وهو من جهة الطالب;‬
‫ألنه يعترف أنه أخذ دنانير نسيئة في دراهم حلت له‪ .‬وأما الدافع فيقول‪ :‬هي هبة‬
‫مني‪.‬‬

‫وأما إن ارتفع المكروه من الطرفين‪ ،‬مثل أن يدعي كل واحد منهما على صاحبه‬
‫دنانير‪ ،‬أو دراهم فينكر كل واحد منهما صاحبه‪ ،‬ثم يصطلحان على أن يؤخر كل‬
‫واحد منهما صاحبه فيما يدعيه قبله إلى أجل‪ ،‬فهذا عندهم هو مكروه‪.‬‬

‫أما كراهيته‪ :‬فمخافة أن يكون كل واحد منهما صادقا‪ ،‬فيكون كل واحد منهما قد‬
‫أنظر صاحبه إلنظار اآلخر إياه‪ ،‬فيدخله أسلفني‪ ،‬وأسلفك‪.‬‬

‫وأما وجه جوازه‪ :‬فألن كل واحد منهما إنما يقول‪ :‬ما فعلت إنما هو تبرع مني‪ ،‬وما‬
‫كان يجب علي شيء‪ ،‬وهذا النحو من البيوع قيل‪ :‬إنه يجوز إذا وقع‪ ،‬وقال ابن‬
‫الماجشون‪ :‬يفسخ إذاوقع عليه أثر عقده‪ ،‬فإن طال مضى‪.‬‬

‫فالصلح الذي يقع فيه مما ال يجوز في البيوع هو في مذهب مالك على ثالثة أقسام‪:‬‬
‫صلح يفسخ باتفاق‪ ،‬وصلح يفسخ باختالف‪ ،‬وصلح ال يفسخ باتفاق إن طال‪ ،‬وإن‬
‫لم يطل فيه اختالف‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫الكفالة‬ ‫‪6‬‬
‫قال ابن عرفة‪" :‬الحمالة التزام دين ال يسقطه‪ ،‬أو طلب من هو عليه لمن هو له"‪.‬‬
‫أما الكفالة بالمال‪ :‬فقهاء األمصارأنها ‪ :‬فثابتة بالسنة‪ ،‬ومجمع عليها من الصدر األول‪ .‬وحكي عن‬
‫قوم أنها ليست الزمة تشبيها بالوعد وهذا قول شاذ‪ .‬وعمدة الجمهورقوله عليه الصالة والسالم ‪:-‬‬
‫«الزعيم غارم» ‪.‬‬
‫وأما الكفالة بالنفس ‪" :‬وهي التي تعرف بضمان الوجه" فجمهور فقهاء األمصار على جواز وقوعها‬
‫شرعا إذا كانت بسبب المال وحجتهم «الزعيم غارم»وقالوا بأن ذلك مصلحة وحكي عن الشافعي‬
‫في الجديد أنها ال تجوز‪ ،‬وبه قال داود‪ ،‬وحجتهما قوله تعالى‪{ :‬معاذ اهلل أن نأخذ إال من وجدنا‬
‫متاعنا عنده}‬
‫وأما الحكم الالزم عن الكفالة‪ :‬فجمهور القائلين بحمالة النفس متفقون على أن المتحمل عنه إذا‬
‫مات لم يلزم الكفيل بالوجه شيء‪ .‬وحكي عن بعضهم لزوم ذلك وفرق ابن القاسم بين أن يموت‬
‫الرجل حاضرا أو غائبا‪ ،‬فقال‪ :‬إن مات حاضرا لم يلزم الكفيل شيء‪ ،‬وإن مات غائبا نظر‪ ،‬فإن كانت‬
‫المسافة التي بين البلدين مسافة يمكن الحميل فيها إحضاره في األجل المضروب له مثل اليومين‬
‫إلى الثالثة) ‪ ،‬ففرط‪ :‬غرم‪ ،‬وإال لم يغرم‬
‫إذا غاب المتحمل عنه؛ ما حكم الحميل بالوجه على ثالثة أقوال‪:‬القول األول‪ :‬قول مالك‬
‫وأصحابه‪ ،‬أنه يلزمه أن يحضره أو يغرم‪ ،‬وعمدته‪ :‬أن المتحمل بالوجه غارم لصاحب الحق فوجب‬
‫عليه الغرم إذا غاب وربما احتج «أن رجال سأل غريمه أن يؤدي إليه ماله أو يعطيه حميال‪ ،‬فلم يقدر‬
‫حتى حاكمه إلى النبي ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ ،-‬فتحمل عنه رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬
‫ثم أدى المال إليه» والقول الثاني‪ :‬قول أبي حنيفة‪ ،‬وأهل العراق أنه يحبس الحميل إلى أن يأتي به‬
‫أو يعلم موته‪.،‬عمدتهم‪ :‬إنما يجب عليه إحضار ما تحمل به وقد قال عليه الصالة والسالم ‪:-‬‬

‫‪48‬‬
‫«المؤمنون عند شروطهم» ‪ .‬فإنما عليه أن يحضر المال أو يحبس فيه‪ ،‬والقول الثالث‪ :‬أنه إذا كان‬
‫قادرا على إحضاره فإنه يحبس إذا لم يحضره‪،‬أما إذا مات فال يجب عليه إحضاره ‪.‬‬
‫فأما إذا اشترط الوجه دون المال وصرح بالشرط فقد قال مالك‪ :‬إن المال ال يلزمه وقد قال بن‬
‫رشد أن هذا ال خالف فيه ألنه كان يكون قد ألزم ضد ما اشترط‪ ،‬وأما حكم ضمان المال‪ :‬فإن‬
‫الفقهاء متفقون على أنه إذا عدم المضمون أو غاب أن الضامن غارم‬
‫واختلفوا إذا حضر الضامن والمضمون وكالهما موسر؟ فقال الجمهور ‪ :‬للطالب أن يؤاخذ من شاء‬
‫من الكفيل‪ ،‬أو المكفول وحجتهم حديث قبيصة بن المخارقي قال‪« :‬تحملت حمالة فأتيت النبي‬
‫‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬فسألته عنها‪ ،‬فقال‪ :‬نخرجها عنك من إبل الصدقة يا قبيصة‪ ،‬إن المسألة‬
‫ال تحل إال في ثالث‪ ،‬وذكر رجال تحمل حمالة رجل حتى يؤديها » ووجه الدليل من هذا أن النبي‬
‫‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أباح المسألة للمتحمل دون اعتبار حال المتحمل عنه‪ ..‬وقال مالك في‬
‫أحد قوليه‪ :‬ليس له أن يأخذ الكفيل مع وجود المتكفل عنه‪ .‬وله قول آخر مثل قول الجمهور وقال‬
‫أبو ثور‪ :‬الحمالة‪ ،‬والكفالة واحدة‪ ،‬ومن ضمن عن رجل ماال لزمه وبرئ المضمون‪ ،‬وال يجوز أن‬
‫يكون مال واحد على اثنين وبه قال ابن أبي ليلى‪ ،‬وابن شبرمة‪.‬‬
‫وأما محل الكفالة‪ :‬فهي األموال عند جمهور أهل العلم ‪« :-‬الزعيم غارم» وسواء تعلقت األموال‬
‫من قبل أموال‪ ،‬أو من قبل حدود‪ ،‬مثل المال الواجب في قتل الخطأ ‪ ،‬أو السرقة التي ليس يتعلق‬
‫بها قطع‪ ،‬وروي عن أبي حنيفة إجازة الكفالة في الحدود والقصاص قال عثمان البتي ‪.‬في القصاص‬
‫فقط‬
‫أما وقت وجوب مطالبة الكفالة بالمال فأجمع العلماء على أن ذلك بعد ثبوت الحق على المكفول‬
‫إما بإقرار وإما ببينة‪.‬‬
‫وأما وقت وجوب الكفالة بالوجه‪ :‬فاختلفوا هل تلزم قبل إثبات الحق أم ال؟ فقال قوم‪ :‬إنها ال تلزم‬
‫قبل إثبات الحق بوجه من الوجوه‪ ،‬وبه قال سحنون من أصحاب مالك‪ .‬وبعض العلماء وقال قوم‪:‬‬

‫‪49‬‬
‫بل يجب أخذ الكفيل بالوجه على إثبات الحق واختلفوا في المدة ومتى يلزم فقال قوم‪ :‬إن أتى‬
‫بشبهة قوية مثل شاهد فال تلزم لزمه أن يعطي ضامنا بوجهه وإال لم يلزمه الكفيل وهو قول ابن‬
‫القاسم وقال أهل العراق‪ :‬ال يؤخذ عليهم حميل قبل ثبوت الحق إال أن يدعي بينة حاضرة في‬
‫المصر نحو قول ابن القاسم‪ ،‬إال أنهم حدوا ذلك بالثالثة األيام‬
‫وسبب هذا االختالف‪ :‬تعارض وجه العدل بين الخصمين‬
‫فأما أصناف المضمونين الحي ال خالف فيه أما الميت اختلفوا الشافعي ومالك أن عليه الضمان‬
‫«أن النبي صلى اهلل كان في صدر اإلسالم ال يصلي على من مات وعليه دين حتى يضمن عنه» ‪.‬‬
‫أبو حنيفة ال ضمان عليه واستدل أن الضمان ال يتعلق بمعدوم قطعا والجمهور يصح عندهم وال‬
‫يصح عند أبي حنيفة كفالة المحبوس والغائب‪،‬‬
‫‪ .‬وأما شروط الكفالة فإن أبا حنيفة والشافعي يشترطان في وجوب رجوع الضامن على المضمون بما‬
‫أدى عنه ومالك ال يشترط ذلك‪.‬وال تجوز عند الشافعي كفالة المجهول وتجوز عند مالك‬
‫وأما ما تجوز فيه الحمالة بالمال مما ال تجوز‪ :‬فإنها تجوز عند مالك بكل مال ثابت في الذمة إال‬
‫الكتابة‬

‫‪ 7‬الحوالة ‪:‬‬
‫تعريفها‪ :‬هي نقل الدين من ذمة بمثله إلى أخرى تبرأ به األولى " وهي معاملة صحيحة مستثناة من‬
‫الدين بالدين‪،‬لقوله صلى اهلل ‪« .‬مطل الغني ظلم‪ ،‬وإذا أحيل أحدكم على غني فليستحل»‬

‫‪50‬‬
‫رضا من يعتبر في الحوالة مالك اعتبر رضا المحال ولم يعتبر المحال عليه ومن الناس من اعتبر‬
‫رضاهما معا‪.‬ومن الناس من لم يعتبر رضا المحال‪ ،‬واعتبر رضا المحال عليه‪ ،‬وهو نقيض مذهب‬
‫مالك‪ ،‬وبه قال داود وحجة مالك رأى أنها معاملة اعتبر رضا الصنفين‪ ،‬داوود أنزل المحال عليه‬
‫منزلة المحيل و لم يعتبر رضاه معه لقوله صلى اهلل «إذا أحيل أحدكم على مليء فليتبع»‬

‫الشروط التي اتفق عليها ‪ :‬كون ما على المحال عليه مجانسا لما على المحيل قدرا ووصفا‪ ،‬إال أن‬
‫منهم من أجازها في الذهب والدراهم فقط‪ ،‬ومنعها في الطعام والذين منعوها في ذلك رأوا أنها من‬
‫باب بيع الطعام قبل أن يستوفى وأجاز ذلك مالك إذا كان الطعامان كالهما من قرض بشرط أن‬
‫يكون دين المحال حاال‪ .‬وأما إن كان أحدهما من سلم فإنه ال يجوز‪ ،‬إال أن يكون الدينان حالين;‬
‫وعند ابن القاسم يجوز ذلك إذا كان الدين المحال به حاال; الشافعي ولم يفرق بين ذلك ; ألنه‬
‫كالبيع في ضمان المستقرض‪.‬وعلل ابن رشد فقال وإنما رخص مالك في القرض; ألنه يجوز عنده‬
‫بيع القرض قبل أن يستوفى وأما أبو حنيفة‪ :‬فأجاز الحوالة بالطعام‪ ،‬وشبهها بالدراهم وسبب الخالف‬
‫مبني على أن ما شذ عن األصول هل يقاس عليه أم ال؟‬

‫وللحوالة عند مالك ثالثة شروط‪:‬‬

‫أحدها‪ :‬أن يكون دين المحال حاال; ألنه إن لم يكن حاال كان دينا بدين‪.‬‬

‫والثاني‪ :‬أن يكون الدين الذي يحيله به مثل الذي يحيله عليه في القدر والصفة‬

‫الثالث‪ :‬أن ال يكون الدين طعاما من سلم أو أحدهما‪ ،‬وإذا كان الطعامان جميعا من سلم فال تجوز‬
‫الحوالة فيهما‪ ،‬حلت اآلجال أو لم تحل‪ ،‬أو حل أحدهما ولم يحل اآلخر; ألنه يدخله بيع الطعام‬
‫قبل أن يستوفى لكن أشهب يقول‪ :‬إن استوت رءوس أموالهما جازت الحوالة وكانت تولية وابن‬

‫‪51‬‬
‫القاسم ال يجوز له من ذلك إال ما يجوز له مع الذي أحاله وما يجوز للذي أحال مع الذي أحاله‬
‫عليه‬

‫أحكامها ‪ :‬فإن جمهور العلماء على أن الحوالة ضد الكفالة في أنه إذا أفلس المحال عليه لم يرجع‬
‫صاحب الدين على المحيل بشيء‪ .‬قال مالك‪ ،‬وأصحابه‪ :‬إال أن يكون المحيل غره فأحاله على‬
‫عديم‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬يرجع صاحب الدين على المحيل إذا مات مفلسا‪ ،‬أو جحد الحوالة وإن لم‬
‫تكن له بينة‪ ،‬وبه ‪ ،‬وجماعة‪.‬وسبب اختالفهم‪ :‬مشابهة الحوالة للحمالة‪.‬‬

‫‪ 8‬الوكالة‬

‫الوكالة عرفها ابن عرفة بقوله‪" :‬نيابة ذي حق غير ذي امرأة وال عبادة ‪ ،‬لغيره فيه ‪،‬غير‬
‫مشروطة بموته"‪.‬‬

‫وفيها ثالثة أبواب‪:‬‬

‫الباب األول‪ :‬في أركانها‪ ،‬وهي النظر فيما فيه التوكيل‪ ،‬وفي الموكل‪.‬‬

‫والثاني‪ :‬في أحكام الوكالة‪.‬‬

‫والثالث‪ :‬في مخالفة الموكل للوكيل‪.‬‬

‫الباب األول‪ :‬في أركانها‪ ،‬وهي النظر فيما فيه التوكيل‪ ،‬وفي الموكل‪ ،‬وفي الموكل‪.‬‬

‫الركن األول‪ :‬في الموكل‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫ما اتفقوا عليه من الشروط واتفقوا على وكالة الغائب والمريض والمرأة المالكين ألمور‬
‫أنفسهم‪.‬‬

‫واختلفوا في وكالة الحاضر الذكر الصحيح‪.‬‬

‫فقال مالك‪ :‬تجوز وكالة الحاضر الصحيح الذكر‪ ،‬وبه قال الشافعي‪.‬‬

‫وقال أبو حنيفة‪ :‬ال تجوز وكالة الصحيح الحاضر وال المرأة إال أن تكون برزة‪.‬‬

‫فمن رأى أن األصل ال ينوب فعل الغير عن فعل الغير إال ما دعت إليه الضرورة ‪،‬‬
‫وانعقد اإلجماع عليه قال‪ :‬ال تجوز نيابة من اختلف في نيابته‪ .‬ومن رأى أن األصل‬
‫هو الجواز قال‪ :‬الوكالة في كل شيء جائزة إال فيما أجمع على أنه ال تصح فيه من‬
‫العبادات وما جرى مجراها‪.‬‬

‫الركن الثاني‪ :‬في الوكيل‪.‬‬

‫وشرط الوكيل أن ال يكون ممنوعا بالشرع من تصرفه في الشيء الذي وكل فيه‪ ،‬فال‬
‫يصح توكيل الصبي وال المجنون وال المرأة عند مالك والشافعي على عقد النكاح‪.‬‬
‫أما عند الشافعي فال بمباشرة وال بواسطة‪ :‬أي بأن توكل هي من يلي عقد النكاح‬
‫ويجوز عن مالك بالواسطة الذكر‪.‬‬

‫الركن الثالث‪ :‬فما فيه التوكيل‪.‬‬

‫وشرط محل التوكيل أن يكون قابال للنيابة مثل البيع والحوالة والضمان وسائر العقود‬
‫والفسوخ والشركة والوكالة والمصارفة والمجاعلة والمساقاة والطالق والنكاح والخلع‬
‫والصلح‬

‫‪53‬‬
‫ماال يصح فيه التوكيل‬

‫وال تجوز في العبادات البدنية ‪ ،‬وتجوز في المالية كالصدقة والزكاة والحج‪.‬‬

‫وتجوز عند مالك في الخصومة على اإلقرار واإلنكار‪.‬‬

‫وقال الشافعي في أحد قوليه‪ :‬ال تجوز على اإلقرار‪ ،‬وشبه ذلك بالشهادة واأليمان‪.‬‬

‫وتجوز الوكالة على استيفاء العقوبات عند مالك‪ ،‬وعند الشافعي مع الحضور قوالن‪.‬‬

‫والذين قالوا‪ :‬إن الوكالة تجوز على اإلقرار اختلفوا في مطلق الوكالة على الخصومة‬
‫هل يتضمن اإلقرار أم ال؟ فقال مالك‪ :‬ال يتضمن‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬يتضمن‪.‬‬

‫الركن الرابع‪ :‬الوكالة‬

‫وهي عقد يلزم باإليجاب والقبول كسائر العقود ‪ ،‬وليست هي من العقود الالزمة بل‬
‫الجائزة‪ .‬وهي ضربان عند مالك‪ :‬عامة وخاصة‪ ،‬فالعامة هي التي تقع عنده بالتوكيل‬
‫العام الذي ال يسمى فيه شيء دون شيء‪ ،‬وذلك أنه إن سمى عنده لم ينتفع بالتعميم‬
‫والتفويض‪ ،‬وقال الشافعي‪ :‬ال تجوز الوكالة بالتعميم وهي غرر‪ ،‬وإنما يجوز منها ما‬
‫سمي وحدد ونص عليه‪ ،‬وهو األقيس إذ كان األصل فيها المنع‪ ،‬إال ما وقع عليه‬
‫اإلجماع‪.‬‬

‫وأما األحكام‪ :‬فمنها أحكام العقد‪ ،‬ومنها أحكام فعل الوكيل‪.‬‬

‫‪ -1‬فأما هذا العقد فهو كما قلنا عقد غير الزم؛ للوكيل أن يدع الوكالة متى شاء عند‬
‫الجميع‪ ،‬لكن أبو حنيفة يشترط في ذلك حضور الموكل‪ ،‬وللموكل أن يعزله متى شاء‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫قالوا‪ :‬إال أن تكون وكالة في خصومة‪ .‬وقال أصبغ‪ :‬له ذلك ما لم يشرف على تمام‬
‫الحكم‪ ،‬وليس للوكيل أن يعزل نفسه في الموضع الذي ال يجوز أن يعزله الموكل‪.‬‬

‫وليس من شروط انعقاد هذا العقد حضور الخصم عند مالك والشافعي‪.‬‬

‫وقال أبو حنيفة‪ :‬ذلك من شروطه‪ .‬وكذلك ليس من شرط إثباتها عند الحاكم حضوره‬
‫عند مالك‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬من شرطه‪.‬‬

‫واختلف أصحاب مالك هل تنفسخ الوكالة بموت الموكل على قولين‪،‬‬

‫متى يكون الوكيل معزوال ؟‬

‫فيه ثالثة أقوال‪:‬‬

‫األول أنها تنفسخ في حق الجميع بالموت والعزل‪.‬‬

‫والثاني أنها تنفسخ في حق كل واحد منهم بالعلم‪ ،‬فمن علم انفسخت في حقه‪ ،‬ومن‬
‫لم يعلم لم تنفسخ في حقه‪.‬‬

‫والثالث‪ :‬أنها تنفسخ في حق عامل الوكيل بعلم الوكيل وإن لم يعلم هو‪ ،‬وال تنفسخ‬
‫في حق الوكيل بعلم الذي عامله إذا لم يعلم الوكيل‪ ،‬ولكن من دفع إليه شيئا بعد‬
‫العلم بعزله ضمنه‪ ،‬ألنه دفع إلى من يعلم أنه ليس بوكيل‪.‬‬

‫‪ -2‬وأما أحكام الوكيل ففيها مسائل مشهورة‪:‬‬

‫‪ -‬أحدها‪ :‬إذا وكل على بيع شيء هل يجوز له أن يشتريه لنفسه؟ فقال مالك‪ :‬يجوز‪،‬‬
‫وقد قيل عنه‪ :‬ال يجوز‪ ،‬وقال الشافعي‪ :‬ال يجوز‪ ،‬وكذلك عند مالك األب والوصي‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫‪ -‬ومنها إذا وكله في البيع وكالة مطلقة لم يجز له عند مالك أن يبيع إال بثمن مثله‬
‫نقدا بنقد البلد‪ ،‬وال يجوز إن باع نسيئة‪ ،‬أو بغير نقد البلد‪ ،‬أو بغير ثمن المثل‪،‬‬
‫وكذلك األمر عنده في الشراء‪ .‬وفرق أبو حنيفة بين البيع والشراء لمعين‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫يجوز في البيع أن يبيع بغير ثمن المثل‪ ،‬وأن يبيع نسيئة‪ ،‬ولم يجز إذا وكله في شراء‬
‫عبد بعينه أن يشتريه إال بثمن المثل نقدا‪ ،‬ويشبه أن يكون أبو حنيفة إنما فرق بين‬
‫الوكالة على شراء شيء بعينه ‪ ،‬ألن من حجته أنه كما أن الرجل قد يبيع بأقل من ثمن‬
‫مثله ونساء لمصلحة يراها في ذلك كله‪ ،‬كذلك حكم الوكيل إذ قد أنزله منزلته‪ ،‬وقول‬
‫الجمهور أبين‪.‬‬

‫وكل ما يعتدي فيه الوكيل ضمن عند من يرى أنه تعدى‪.‬‬

‫وإذا اشترى الوكيل شيئا وأعلم أن الشراء للموكل فالملك ينتقل إلى الموكل‪ ،‬وقال‬
‫أبو حنيفة‪ :‬إلى الوكيل أوال ثم إلى الموكل‪.‬‬

‫وإذا دفع الوكيل دينا عن الموكل ولم يشهد فأنكر الذي له الدين القبض ضمن‬
‫الوكيل‪.‬‬

‫الباب الثالث في مخالفة الموكل للوكيل‬

‫وأما اختالف الوكيل مع الموكل‪،‬‬

‫‪ -1‬فإذا اختلفا في ضياع المال‪ ،‬فقال الوكيل‪ :‬ضاع مني‪ ،‬وقال الموكل‪ :‬لم يضع‪،‬‬
‫فالقول قول الوكيل إن كان لم يقبضه ببينة‪ ،‬فإن كان المال قد قبضه الوكيل من غريم‬
‫الموكل ولم يشهد الغريم على الدفع لم يبرأ الغريم بإقرار الوكيل عند مالك وغرم‬

‫‪56‬‬
‫ثانية‪ ،‬وهل يرجع الغريم على الوكيل؟ فيه خالف‪ ،‬وإن كان قد قبضه ببينة برئ ولم‬
‫يلزم الوكيل شيء‪.‬‬

‫‪ -2‬وأما إذا اختلفا في الدفع‪ ،‬فقال الوكيل‪ :‬دفعته إليك‪ ،‬وقال الموكل‪ :‬ال‪ ،‬فقيل‬
‫القول قول الوكيل‪ .‬وقيل‪ :‬القول قول الموكل‪ .‬وقيل إن تباعد ذلك فالقول قول‬
‫الوكيل‪.‬‬

‫‪ -3‬وأما اختالفهم في مقدار الثمن الذي به أمره بالشراء‪ ،‬فقال ابن القاسم‪ :‬إن لم‬
‫تفت السلعة فالقول قول المشتري‪ ،‬وإن فاتت فالقول قول الوكيل‪ ،‬وقيل يتحالفان‪،‬‬
‫وينفسخ البيع ويتراجعان‪ ،‬وإن فاتت بالقيمة‪.‬‬

‫وإن كان اختالفهم في مقدار الثمن الذي أمره به في البيع‪ ،‬فعند ابن القاسم أن القول‬
‫فيه قول الموكل ؛ ألنه جعل دفع الثمن بمنزلة فوات السلعة في الشراء‪.‬‬

‫‪ -4‬وأما إذا اختلفا فيمن أمره بالدفع ففي المذهب فيه قوالن‪ :‬المشهور أن القول‬
‫قول المأمور‪ ،‬وقيل القول قول اآلمر‪.‬‬

‫‪ -5‬وأما إذا فعل الوكيل فعال هو تعد‪ ،‬وزعم أن الموكل أمره‪ ،‬فالمشهور أن القول‬
‫قول الموكل‪ ،‬وقد قيل إن القول قول الوكيل‪ :‬إنه قد أمره؛ ألنه قد ائتمنه على الفعل‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫‪ 9‬كتاب اللقطة‬
‫تعريفها‪ :‬اللقطة بضم الالم وفتح القاف ما يلتقط‪ ،‬وأصل االلتقاط وجود الشيء على غري‬
‫طلب ؛ وحدها ابن عرفة بقوله "مال وجد بغري حرز حمرتما ليس حيوانا ناطقا وال نعما" أو‬
‫هي‪ ":‬كل مال ملسلم معرض للضياع كان ذلك يف عامر األرض أو غامرها‪ ،‬واجلماد‬
‫واحليوان يف ذلك سواء إال اإلبل باتفاق‪.‬‬

‫واألركان ثالثة‪ :‬االلتقاط‪ ،‬والملتقط‪ ،‬واللقطة‪.‬‬

‫‪ -1‬فأما االلتقاط فاختلف العلماء هل هو أفضل أم الترك؟‬

‫فقال أبو حنيفة‪ :‬األفضل االلتقاط ؛ ألنه من الواجب على املسلم أن حيفظ مال أخيه‬
‫املسلم‪ ،‬وبه قال الشافعي‪.‬‬

‫وقال مالك وجماعة بكراهية االلتقاط‪ ،‬وروي عن ابن عمر وابن عباس‪ ،‬وبه قال أمحد‪،‬‬
‫وذلك ألمرين‪ :‬أحدمها ما روي أنه ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال «ضالة املدمن حرق‬
‫النار»‪ .‬وملا خياف أيضا من التقصري يف القيام مبا جيب هلا من التعريف وترك التعدي عليها‪،‬‬
‫وتأول الذين رأوا االلتقاط أول احلديث‪ ،‬وقالوا‪ :‬أراد بذلك االنتفاع هبا ال أخذها للتعريف‪،‬‬
‫وقال قوم‪ :‬بل لقطها واجب‪.‬‬

‫وقد قيل‪ :‬إن هذا االختالف إذا كانت اللقطة بين قوم مأمونين واإلمام عادل‪ .‬قالوا‪:‬‬
‫وإن كانت اللقطة بني قوم غري مأمونني واإلمام عادل فواجب التقاطها‪ ،‬وإن كانت بني قوم‬

‫‪58‬‬
‫مأمونني واإلمام جائر‪ ،‬فاألفضل أن ال يلتقطها‪ ،‬وإن كانت بني قوم غري مأمونني واإلمام‬
‫غري عادل فهو خمري حبسب ما يغلب على ظنه من سالمتها أكثر من أحد الطرفني‪.‬‬

‫وهذا كله ما عدا لقطة الحاج‪ ،‬فإن العلماء أجمعوا على أنه ال يجوز التقاطها لنهيه ‪-‬‬
‫عليه الصالة والسالم ‪ -‬عن ذلك‪ ،‬ولقطة مكة أيضا ال جيوز التقاطها إال ملنشد؛ لورود‬
‫النص يف ذلك‪ ،‬واملروي يف ذلك لفظان‪ :‬أحدمها أنه ال ترفع لقطتها إال ملنشد‪ .‬والثاين‪ :‬ال‬
‫يرفع لقطتها إال منشد‪ ،‬فاملعىن الواحد أهنا ال ترفع إال ملن ينشدها‪ ،‬واملعىن الثاين ال يلتقطها‬
‫إال من ينشدها ليعرف الناس‪ .‬وقال مالك‪ :‬تعرف هاتان اللقطتان أبدا‪.‬‬

‫الملتقط‪:‬‬

‫‪ -2‬فأما الملتقط فهو كل حر مسلم بالغ ألنها والية‪ ،‬واختلف عن الشافعي يف جواز‬
‫التقاط الكافر‪ .‬قال أبو حامد‪ :‬واألصح جواز ذلك يف دار اإلسالم‪ ،‬قال‪ :‬ويف أهلية العبد‬
‫والفاسق له قوالن‪ :‬فوجه املنع عدم أهلية الوالية‪ ،‬ووجه اجلواز عموم أحاديث اللقطة‪.‬‬

‫واألصل في اللقطة حديث يزيد بن خالد اجلهين‪ ،‬وهو متفق على صحته أنه قال‪« :‬جاء‬
‫رجل إىل رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬فسأله عن اللقطة‪ ،‬فقال‪ :‬اعرف عفاصها‬
‫ووكاءها مث عرفها سنة‪ ،‬فإن جاء صاحبها وإال فشأنك هبا‪ ،‬قال‪ :‬فضالة الغنم يا رسول اهلل؟‬
‫قال‪ :‬هي لك أو ألخيك أو للذئب‪ ،‬قال‪ :‬فضالة اإلبل؟ قال‪ :‬ما لك وهلا معها سقاؤها‬
‫وحذاؤها ترد املاء وتأكل الشجر حىت يلقاها رهبا»‬

‫فأما اإلبل فاتفقوا على أنها ال تلتقط‪ ،‬واتفقوا على الغنم أنها تلتقط‪ ،‬وترددوا في‬
‫البقر‪ ،‬والنص عن الشافعي أنها كاإلبل‪ ،‬وعن مالك أنها كالغنم‪ ،‬وعنه خالف‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫أحكام اللقطة‪ :‬والمدة‪:‬‬

‫‪ 1‬وأما حكم التعريف‪ ،‬فاتفق العلماء على التعريف بها سنة ما لم تكن من الغنم‪.‬‬

‫‪ 2‬اختلفوا في حكمها بعد السنة‪ ،‬فاتفق فقهاء األمصار مالك والثوري‪ ،‬واألوزاعي‪ ،‬وأبو‬
‫حنيفة‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأمحد‪ ،‬وأبو عبيد‪ ،‬وأبو ثور إذا انقضت كان له أن يأكلها إن كان‬
‫فقريا‪ ،‬أو يتصدق هبا إن كان غنيا‪ ،‬فإن جاء صاحبها كان خمريا بني أن جييز الصدقة فينزل‬
‫على ثواهبا أو يضمنه إياها‪.‬‬

‫‪ -‬واختلفوا في الغني هل له أن يأكلها أو ينفقها بعد الحول؟‬

‫فقال مالك والشافعي‪ :‬له ذلك‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬ليس له أن يأكلها أو يتصدق هبا‪ ،‬وروي‬
‫مثل قوله عن علي وابن عباس ومجاعة من التابعني‪ .‬وقال األوزاعي‪ :‬إن كان ماال كثريا جعله‬
‫يف بيت املال‪ ،‬وروي مثل قول مالك والشافعي عن عمر وابن مسعود وابن عمر وعائشة‪.‬‬

‫وكلهم متفقون على أنه إن أكلها ضمنها لصاحبها إال أهل الظاهر‪.‬‬

‫واستدل مالك والشافعي بقوله ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪« :-‬فشأنك هبا» ومل يفرق بني‬
‫غين وفقري‪ .‬ومن احلجة هلما ما رواه البخاري والرتمذي عن سويد بن غفلة قال‪« :‬لقيت‬
‫أويس بن كعب فقال‪ :‬وجدت صرة فيها مائة دينار‪ ،‬فأتيت النِب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‬
‫‪ -‬فقال‪ :‬عرفها حوال‪ ،‬فعرفتها فلم أجد‪ ،‬مث أتيته ثالثا فقال‪ :‬احفظ وعاءها ووكاءها ‪ ،‬فإن‬
‫جاء صاحبها وإال فاستمتع هبا» وخرج الرتمذي وأبو داود " فاستنفقها "‪.‬‬

‫فسبب الخالف معارضة ظاهر لفظ حديث اللقطة ألصل الشرع‪ ،‬وهو أنه ال يحل‬
‫مال امرئ مسلم إال عن طيب نفس منه‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫فمن غلب هذا األصل على ظاهر الحديث‪ ،‬وهو قوله بعد التعريف «فشأنك بها»‬
‫قال‪ :‬ال يجوز فيها تصرف إال بالصدقة فقط على أن يضمن إن لم يجز صاحب‬
‫اللقطة الصدقة‪ ،‬ومن غلب ظاهر الحديث على هذا األصل ورأى أنه مستثنى عنه‪،‬‬
‫قال‪ :‬تحل له بعد العام وهي مال من ماله ال يضمنها إن جاء صاحبها‪ .‬ومن توسط‬
‫قال‪ :‬يتصرف بعد العام فيها وإن كانت عينا على جهة الضمان‪.‬‬

‫‪ -2‬وأما حكم دفع اللقطة لمن ادعاها‪ ،‬فاتفقوا على أهنا ال تدفع إليه إذا مل يعرف‬
‫العفاص وال الوكاء‪.‬‬

‫واختلفوا إذا عرف ذلك هل حيتاج إىل بينة أم ال؟ فقال مالك‪ :‬يستحق بالعالمة وال حيتاج‬
‫إىل بينة‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ ،‬والشافعي‪ :‬ال يستحق إال ببينة‪.‬‬

‫وسبب الخالف معارضة األصل في اشتراط الشهادة في صحة الدعوى لظاهر هذا‬
‫الحديث‪.‬‬

‫فمن غلب األصل قال‪ :‬ال بد من البينة‪ ،‬ومن غلب ظاهر الحديث‪ ،‬قال‪ :‬ال يحتاج‬
‫إلى بينة‪.‬‬

‫وإنما اشترط الشهادة في ذلك الشافعي‪ ،‬وأبو حنيفة ألن قوله ‪ -‬عليه الصالة والسالم‬
‫‪« -‬اعرف عفاصها ووكاءها ; فإن جاء صاحبها وإال فشأنك هبا» حيتمل أن يكون إمنا‬
‫أمره بذلك ليدفعها لصاحبها بالعفاص والوكاء‪ ،‬فلما وقع االحتمال وجب الرجوع إىل‬
‫األصل‪ ،‬فإن األصول ال تعارض باالحتماالت املخالفة هلا إال أن تصح الزيادة اليت نذكرها‬
‫بعد‬

‫‪61‬‬
‫هل البد من صفة الدنانير وعددها؟‬

‫وعند مالك وأصحابه أن على صاحب اللقطة أن يصف مع العفاص والوكاء صفة‬
‫الدنانير والعدد‪ ،‬قالوا‪ :‬وذلك موجود يف بعض روايات احلديث‪ ،‬ولفظه‪« :‬فإن جاء‬
‫صاحبها ووصف عفاصها ووكاءها وعددها فادفعها إليه» قالوا‪ :‬ولكن ال يضره اجلهل‬
‫بالعدد إذا عرف العفاص والوكاء‪ ،‬وكذلك إن زاد فيه‪.‬‬

‫‪ -3‬واختلفوا إن نقص من العدد على قولين‪ ،‬وكذلك اختلفوا إذا جهل الصفة وجاء‬
‫بالعفاص والوكاء‪ .‬وأما إذا غلط فيها فال شيء له‪ .‬وأما إذا عرف إحدى العالمتني اللتني‬
‫وقع النص عليهما وجهل األخرى فقيل إنه ال شيء له إال مبعرفتهما مجيعا‪ ،‬وقيل يدفع إليه‬
‫بعد االسترباء‪ ،‬وقيل إن ادعى اجلهالة استربئ‪ ،‬وإن غلط مل تدفع إليه‪.‬‬

‫هل البد من يمين صاحب اللقطة‬

‫‪ -4‬واختلف المذهب إذا أتى بالعالمة المستحقة هل يدفع إليه بيمين أو بغير يمين؟‬
‫فقال ابن القاسم بغير يمين‪ :‬وقال أشهب‪ :‬بيمين‪.‬‬

‫‪ -5‬وأما ضالة الغنم‪ ،‬فإن العلماء اتفقوا على أن لواجد ضالة الغنم في المكان القفر‬
‫البعيد من العمران أن يأكلها «لقوله ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬يف الشاة‪ " :‬هي لك أو‬
‫ألخيك أو للذئب»‪.‬‬

‫واختلفوا هل يضمن قيمتها لصاحبها أم ال؟ فقال مجهور العلماء إنه يضمن قيمتها‪ ،‬وقال‬
‫مالك يف أشهر األقاويل عنه‪ :‬إنه ال يضمن‪.‬‬

‫وسبب الخالف معارضة الظاهر كما قلنا لألصل المعلوم من الشريعة‪ ،‬إال أن مالكا‬
‫هنا غلب الظاهر فجرى على حكم الظاهر‪ ،‬ومل جيز كذلك التصرف فيما وجب تعريفه بعد‬

‫‪62‬‬
‫العام لقوة اللفظ هاهنا‪ ،‬وعنه رواية أخرى أنه يضمن‪ ،‬وكذلك كل طعام ال يبقى إذا خشي‬
‫عليه التلف إن تركه‪.‬‬

‫أقسام اللقطة عند مالك‬

‫وتحصيل مذهب مالك عند أصحابه في ذلك أنها على ثالثة أقسام‪:‬‬

‫‪ - 1‬قسم يبقى في يد ملتقطه ويخشى عليه التلف إن ترك كالشاة في القفر‪ ،‬والطعام‬
‫الذي يسرع إليه الفساد‪.‬‬

‫‪ -2‬قسم ال يبقى بيد ملتقطه ويخشى عليه التلف‪.‬‬

‫‪ - 3‬وقسم ال يخشى عليه التلف‪.‬‬

‫فأما القسم األول‪ ،‬وهو ما يبقى في يد ملتقطه ويخشى عليه التلف‪ ،‬فإنه ينقسم إلى‬
‫ثالثة أقسام‪:‬‬

‫أحدها‪ :‬أن يكون يسيرا ال بال له وال قدر لقيمته ‪ ،‬ويعلم أن صاحبه ال يطلبه لتفاهته‪،‬‬
‫فهذا ال يعرف عنده ‪،‬وهو لمن وجده‪.‬‬

‫واألصل يف ذلك ما روي «أن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬مر بتمرة يف الطريق‬
‫فقال‪ :‬لوال أن تكون من الصدقة ألكلتها »‪ ،‬ومل يذكر فيها تعريفا‪ ،‬وهذا مثل العصا‬
‫والسوط‪ ،‬وإن كان أشهب قد استحسن تعريف ذلك‪.‬‬

‫والثاني‪ :‬أن يكون يسيرا إال أن له قدرا ومنفعة‪ ،‬فهذا ال خالف يف املذهب يف تعريفه‪،‬‬
‫واختلفوا يف قدر ما يعرف‪ ،‬فقيل سنة‪ ،‬وقيل أياما‪.‬‬

‫وأما الثالث فهو أن يكون كثيرا أو له قدر‪ ،‬فهذا ال اختالف في وجوب تعريفه حوال‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫وأما القسم الثاني‪ :‬وهو ما ال يبقى بيد ملتقطه ويخشى عليه التلف‪ ،‬فإن هذا يأكله‬
‫غنيا كان أم فقريا‪ ،‬وهل يضمن؟ فيه روايتان كما قلنا‪ :‬األشهر أن ال ضمان عليه‪.‬‬

‫واختلفوا إن وجد ما يسرع إليه الفساد يف احلاضرة‪ ،‬فقيل ال ضمان عليه‪ ،‬وقيل عليه‬
‫الضمان‪ ،‬وقيل بالفرق بني أن يتصدق به فال يضمن‪ ،‬أو يأكله فيضمن‪.‬‬

‫وأما القسم الثالث‪ :‬فهو كاإلبل‪ ،‬أعين أن االختيار عنده فيه الرتك للنص الوارد يف ذلك‪،‬‬
‫فإن أخذها وجب تعريفها‪ ،‬واالختيار تركها‪ ،‬وقيل يف املذهب هو عام يف مجيع األزمنة‪،‬‬
‫وقيل إمنا هو يف زمان العدل‪ ،‬وأن األفضل يف زمان غري العدل التقاطها‪.‬‬

‫‪ -6‬وأما ضمانها ‪،‬‬

‫فإن العلماء اتفقوا على أن من التقطها وأشهد على التقاطها فهلكت عنده أنه غري ضامن‪.‬‬

‫واختلفوا إذا مل يشهد‪ ،‬فقال مالك‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأبو يوسف‪ ،‬وحممد بن احلسن‪ :‬ال ضمان‬
‫عليه إن مل يضيع وإن مل يشهد‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ ،‬وزفر‪ :‬يضمنها إن هلكت ومل يشهد‪.‬‬

‫واستدل مالك والشافعي بأن اللقطة وديعة فال ينقلها ترك اإلشهاد من األمانة إىل الضمان‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬وهي وديعة مبا جاء من حديث سليمان بن بالل وغريه أنه قال‪ :‬إن جاء صاحبها‬
‫وإال فلتكن وديعة عندك‪.‬‬

‫واستدل أبو حنيفة وزفر حبديث مطرف بن الشخري‪ ،‬عن عياض بن محار قال‪ :‬قال رسول‬
‫اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪« :-‬من التقط لقطة فليشهد ذوي عدل عليها وال يكتم وال‬
‫يعنت‪ ،‬فإن جاء صاحبها فهو أحق هبا‪ ،‬وإال فهو مال اهلل يدتيه من يشاء» ‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫وتحصيل المذهب في ذلك أن واجد اللقطة عند مالك ال يخلو التقاطه لها من ثالثة‬
‫أوجه‪:‬‬

‫أحدها‪ :‬أن يأخذها على جهة االغتيال هلا‪.‬‬

‫والثاين‪ :‬أن يأخذها على جهة االلتقاط‪.‬‬

‫والثالث‪ :‬أن يأخذها ال على جهة االلتقاط وال على جهة االغتيال‪.‬‬

‫وأما إذا قبضها مغتاال لها فهو ضامن لها‪ ،‬ولكن ال يعرف هذا الوجه إال من قبله‪.‬‬

‫فإن أخذها على جهة االلتقاط فهي أمانة عنده ‪،‬عليه حفظها وتعريفها‪ ،‬فإن ردها بعد‬
‫أن التقطها‪ ،‬فقال ابن القاسم‪ :‬يضمن‪ ،‬وقال أشهب‪ :‬ال يضمن إذا ردها يف موضعها‪ ،‬فإن‬
‫ردها يف غري موضعها ضمن كالوديعة‪ ،‬والقول قوله يف تلفها دون ميني إال أن يتهم‪.‬‬

‫وأما الوجه الثالث‪ ،‬فهو مثل أن جيد ثوبا فيأخذه‪ ،‬وهو يظنه لقوم بني يديه ليسأهلم عنه‪،‬‬
‫فهذا إن مل يعرفوه وال ادعوه كان له أن يرده حيث وجده وال ضمان عليه باتفاق عند‬
‫أصحاب مالك‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫‪ -7‬واختلفوا هل يرجع الملتقط بما أنفق على اللقطة على صاحبها أم ال؟‬

‫فقال اجلمهور‪ :‬ملتقط اللقطة متطوع حبفظها فال يرجع بشيء من ذلك على صاحب‬
‫اللقطة‪.‬‬

‫وقال الكوفيون‪ :‬ال يرجع مبا أنفق إال أن تكون النفقة عن إذن احلاكم‪ ،‬وهذه املسألة هي‬
‫من أحكام االلتقاط‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫باب في اللقيط‪.‬‬

‫وعرفه ابن عرفة بقوله " صغير آدمي لم يُعلم أبوه وال رقه "‬

‫والنظر في أحكام االلتقاط وفي الملتقط واللقيط وفي أحكامه ‪.‬‬

‫قول في وجوب االشهاد على اللقيط‬

‫وقال الشافعي‪ :‬كل شيء ضائع ال كافل له فالتقاطه من فروض الكفايات‪ ،‬ويف وجوب‬
‫اإلشهاد عليه خيفة االسرتقاق خالف‪ ،‬واخلالف فيه مبين على االختالف يف اإلشهاد على‬
‫اللقطة‪.‬‬

‫واللقيط‪ :‬هو الصبي الصغير غير البالغ‪ ،‬وإن كان مميزا‪ ،‬ففيه يف مذهب الشافعي تردد‪.‬‬

‫والملتقط‪ :‬هو كل حر عدل رشيد‪ ،‬وليس العبد والمكاتب بملتقط‪ ،‬والكافر دون‬
‫املسلم ؛ ألنه ال والية له عليه‪ ،‬ويلتقط املسلم الكافر‪ ،‬وينزع من يد الفاسق واملبذر‪.‬‬

‫وليس من شرط الملتقط الغنى‪ ،‬نفقة اللقيط وال تلزم نفقة الملتقط على من التقطه‪،‬‬
‫وإن أنفق لم يرجع عليه بشيء‪.‬‬

‫وأما أحكامه‪ ،‬فإنه يحكم له بحكم اإلسالم إن التقطه في دار المسلمين‪ ،‬وحيكم‬
‫للطفل باإلسالم حبكم أبيه عند مالك‪ ،‬وعند الشافعي حبكم من أسلم منهما‪ ،‬وبه قال ابن‬
‫وهب من أصحاب مالك‪.‬‬

‫وقد اختلف يف اللقيط فقيل إنه عبد ملن التقطه‪ ،‬وقيل إنه حر ووالؤه ملن التقطه‪ ،‬وقيل إنه‬
‫حر ووالؤه للمسلمني‪ ،‬وهو مذهب مالك‪ .‬والذي تشهد له األصول إال أن يثبت يف ذلك‬

‫‪66‬‬
‫أثر ختصص به األصول مثل قوله ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪« :-‬ترث املرأة ثالثة‪ :‬لقيطها‬
‫وعتيقها وولدها الذي العنت عليه» ‪.‬‬

‫‪ 11‬الوديعة‬
‫الوديعة في اصطالح الفقهاء اسم لما يودع ‪ ،‬مأخوذة من الودع وهو الترك ومنه قوله‬
‫تعالى {ما ودعك ربك وما قلى} وهي لغة األمانة وتطلق على االستنابة في الحفظ‪،‬‬
‫وذلك يعم حق اهلل وحق اآلدمي ‪ ،‬اإليداع مصدر وهو توكيل بحفظ مال ‪ ،‬أو استنابة‬
‫في حفظ مال‪.‬‬

‫وجل المسائل المشهورة بين فقهاء األمصار هي في أحكام الوديعة‬

‫‪ -1‬فمنها‪ :‬أنهم اتفقوا على أنها أمانة ال مضمونة‪ ،‬إال ما حكي عن عمر بن اخلطاب‪.‬‬
‫قال املالكيون‪ :‬والدليل على أهنا أمانة أن اهلل أمر برد األمانات ومل يأمر باإلشهاد‪ ،‬فوجب‬
‫أن يصدق املستودع الذي توضع عنده يف دعواه رد الوديعة مع ميينه إن كذبه املودع‪.‬‬

‫قالوا‪ :‬إال أن يدفعها إليه ببينة‪ ،‬فإنه ال يكون القول قوله‪ ،‬قالوا‪ :‬ألهنا إذا دفعها إليه ببينة‬
‫فكأنه ائتمنه على حفظها ومل يأمتنه على ردها‪ ،‬فيصدق يف تلفها وال يصدق على ردها‪،‬‬
‫هذا هو املشهور عن مالك وأصحابه‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫وقد قيل عن ابن القاسم‪ :‬إن القول قوله وإن دفعها إليه ببينة‪ ،‬وبه قال الشافعي وأبو‬
‫حنيفة‪ ،‬وهو القياس ؛ألنه فرق بني التلف ودعوى الرد‪ ،‬ويبعد أن تنتقض األمانة ‪ ،‬وهذا‬
‫فيمن دفع األمانة إىل اليد اليت دفعتها إليه‪.‬‬

‫‪ -2‬وأما من دفعها إلى غير اليد التي دفعتها إليه‪ ،‬فعليه ما على ويل اليتيم من اإلشهاد‬
‫عند مالك ‪ ،‬وإال ضمن‪ ،‬يريد قول اهلل ‪ -‬عز وجل ‪{ :-‬فإذا دفعتم إليهم أمواهلم فأشهدوا‬
‫عليهم} ؛ فإن أنكر القابض القبض فال يصدق املستودع يف الدفع عند مالك وأصحابه إال‬
‫ببينة‪.‬‬

‫وقد قيل إنه يتخرج من املذهب أنه يصدق يف ذلك‪ ،‬وسواء عند مالك أمر صاحب الوديعة‬
‫بدفعها إىل الذي دفعها أو مل يأمر‪.‬‬

‫وقال أبو حنيفة‪ :‬إن كان ادعى دفعها إىل من أمره بدفعها ؛ فالقول قول املستودع مع ميينه‪.‬‬

‫فإن أقر المدفوع إليه بالوديعة‪( ،‬أعني‪ :‬إذا كان غير المودع) وادعى التلف ‪ ،‬فال خيلو‬
‫أن يكون املستودع دفعها إىل أمانة (وهو وكيل املستودع) أو إىل ذمة‪.‬‬

‫فإن كان القابض أمينا فاختلف يف ذلك قول ابن القاسم‪ ،‬فقال مرة‪ :‬يربأ الدافع بتصديق‬
‫القابض‪ ،‬وتكون املصيبة من اآلمر الوكيل بالقبض‪ ،‬ومرة قال‪ :‬ال يربأ الدافع إال بإقامة‬
‫البينة على الدفع أو يأيت القابض باملال‪.‬‬

‫وأما إن دفع إلى ذمة‪ ،‬مثل أن يقول رجل للذي عنده الوديعة ادفعها إيل سلفا أو تسلفا‬
‫يف سلعة أو ما أشبه ذلك‪ ،‬فإن كانت الذمة قائمة برئ الدافع يف املذهب من غري خالف‪،‬‬
‫وإن كانت الذمة خربة‪ ،‬فقوالن‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫والسبب في هذا االختالف كله أن األمانة تقوي دعوى المدعي حتى يكون القول‬
‫قوله مع يمينه‪.‬‬

‫فمن شبه أمانة الذي أمره المودع أن يدفعها إليه (أعني‪ :‬الوكيل) بأمانة المودع عنده‪،‬‬
‫قال‪ :‬يكون القول قوله في دعواه التلف‪ ،‬كدعوى المستودع عنده‪.‬‬

‫ومن رأى أن تلك األمانة أضعف‪ ،‬قال‪ :‬ال يبرأ الدافع بتصديق القابض مع دعوى‬
‫التلف‪.‬‬

‫ومن رأى المأمور بمنزلة اآلمر قال‪ :‬القول قول الدافع للمأمور‪ ،‬كما كان القول قوله‬
‫مع اآلمر‪ ،‬وهو مذهب أبي حنيفة‪.‬‬

‫ومن رأى أنه أضعف منه‪ ،‬قال‪ :‬الدافع ضامن إال أن يحضر القابض المال‪.‬‬

‫‪ -3‬وإذا أودعها بشرط الضمان‪ ،‬فاجلمهور على أنه ال يضمن‪ ،‬وقال الغري‪ :‬يضمن‪.‬‬

‫وباجلملة فالفقهاء يرون بأمجعهم أنه ال ضمان على صاحب الوديعة إال أن يتعدى‪،‬‬
‫وخيتلفون يف أشياء هل هي تعد أم ليس بتعد؟‬

‫‪ -4‬إذا أنفق الوديعة‪ ،‬ثم رد مثلها‪ ،‬أو أخرجها لنفقته ثم ردها‪ ،‬فقال مالك‪ :‬يسقط عنه‬
‫الضمان حبالة مثل إذا ردها‪.‬‬

‫وقال أبو حنيفة‪ :‬إن ردها بعينها قبل أن ينفقها مل يضمن‪ ،‬وإن رد مثلها ضمن‪ ،‬وقال عبد‬
‫امللك والشافعي‪ :‬يضمن يف الوجهني مجيعا‪.‬‬

‫فمن غلظ األمر ضمنه إياها بتحريكها ونية استنفاقها‪ ،‬ومن رخص لم يضمنها إذا أعاد‬
‫مثلها‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫‪ -5‬ومنها‪ :‬اختالفهم في السفر بها‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ليس له أن يسافر هبا إال أن تعطى له‬
‫يف سفر‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬له أن يسافر هبا إذا كان الطريق آمنا ومل ينهه صاحب الوديعة‪.‬‬

‫‪ -6‬ومنها أنه ليس للمودع عنده أن يودع الوديعة غيره من غير عذر‪ ،‬فإن فعل ضمن‪،‬‬
‫وقال أبو حنيفة‪ :‬إن أودعها عند من تلزمه نفقته مل يضمن ؛ ألنه شبهه بأهل بيته‪ .‬وعند‬
‫مالك له أن يستودع ما أودع عند عياله الذين يأمنهم‪ ،‬وهم حتت غلقه من زوج أو ولد أو‬
‫أمة ومن أشبههم‪.‬‬

‫وبالجملة فعند الجميع أنه يجب عليه أن يحفظها مما جرت به عادة الناس أن تحفظ‬
‫أموالهم‪ ،‬فما كان بينا من ذلك أنه حفظ اتفق عليه‪ ،‬وما كان غير بين أنه حفظ‬
‫اختلف فيه‪ ،‬مثل اختالفهم يف املذهب فيمن جعل وديعة يف جيبه فذهبت‪ ،‬واألشهر أنه‬
‫يضمن‪.‬‬

‫وعند ابن وهب أن من أودع وديعة يف املسجد فجعلها على نعله فذهبت أنه ال ضمان‬
‫عليه‪.‬‬

‫ويختلف في المذهب في ضمانها بالنسيان‪ ،‬مثل أن ينساها يف موضع أو ينسى من‬


‫دفعها إليه‪ ،‬أو يدعيها رجالن‪ ،‬فقيل حيلفان وتقسم بينهما‪ ،‬وقيل إنه يضمن لكل واحد‬
‫منهما‪.‬‬

‫وإذا أراد السفر فله عند مالك أن يودعها عند ثقة من أهل البلد ‪ ،‬وال ضمان عليه قدر‬
‫على دفعها إىل احلاكم أو مل يقدر‪ .‬واختلف يف ذلك أصحاب الشافعي‪ ،‬فمنهم من يقول‪:‬‬
‫إن أودعها لغري احلاكم ضمن‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫‪ -7‬وقبول الوديعة عند مالك ال يجب في حال‪ ،‬ومن العلماء من يرى أنه واجب إذا مل‬
‫جيد املودع من يودعها عنده‪.‬‬

‫‪ -8‬وال أجر للمودع عنده على حفظ الوديعة‪ ،‬وما تحتاج إليه من مسكن أو نفقة‬
‫فعلى ربها‪.‬‬

‫‪ -9‬فيمن أودع ماال فتعدى فيه واتجر به فربح فيه‪ ،‬هل ذلك الربح حالل له أم ال؟ ‪.‬‬

‫فقال مالك‪ ،‬والليث‪ ،‬وأبو يوسف وجماعة‪ :‬إذا رد المال طاب له الربح‪ ،‬وإن كان‬
‫غاصبا للمال فضال عن أن يكون مستودعا عنده‪.‬‬

‫وقال أبو حنيفة‪ ،‬وزفر ومحمد بن الحسن‪ :‬يؤدي األصل ويتصدق بالربح‪.‬‬

‫وقال قوم‪ :‬لرب الوديعة األصل والربح‪ ،‬وقال قوم‪ :‬هو مخير بين األصل والربح‪،‬‬
‫وقال قوم‪ :‬البيع الواقع في تلك التجارة فاسد‪ ،‬وهدالء هم الذين أوجبوا التصدق بالربح‬
‫إذا مات‪.‬‬

‫فمن اعتبر التصرف‪ ،‬قال‪ :‬الربح للمتصرف‪ ،‬ومن اعتبر األصل‪ ،‬قال‪ :‬الربح لصاحب‬
‫المال‪ .‬ولذلك ملا أمر عمر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬ابنيه عبد اهلل وعبيد اهلل أن يصرفا املال‬
‫الذي أسلفهما أبو موسى األشعري من بيت املال‪ ،‬فاجترا فيه فرحبا‪ ،‬قيل له‪ :‬لو جعلته‬
‫قراضا‪ ،‬فأجاب إىل ذلك‪،‬ألنه قد روي أنه قد حصل للعامل جزء ولصاحب املال جزء‪ ،‬وأن‬
‫ذلك عدل‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫‪ 11‬العارية‬
‫العارية واإلعارة مصدر أعرت املتاع إعارة ‪ ،‬واالسم منه عارية بتشديد الياء كأهنا منسوبة إىل‬
‫العار ؛ ألن طلبها عار وقد حدها ابن عرفة فقال‪ ":‬تمليك منفعة مؤقتة ال بعوض " أو‬
‫هي " مال ذو منفعة مؤقتة ملكت بغير عوض"‪.‬‬

‫‪ .‬وأركانها خمسة‪ :‬اإلعارة‪ ،‬والمعير‪ ،‬والمستعير‪ ،‬والمعار‪ ،‬والصيغة‪.‬‬

‫‪ -1‬أما اإلعارة‪ :‬فهي فعل خري ومندوب إليه‪ ،‬وقد شدد فيها قوم من السلف األول‪ .‬روي‬
‫عن عبد اهلل بن عباس وعبد اهلل بن مسعود أهنما قاال يف قوله تعاىل‪{ :‬ومينعون املاعون} أنه‬
‫متاع البيت الذي يتعاطاه الناس بينهم من الفأس والدلو واحلبل والقدر وما أشبه ذلك‪.‬‬

‫‪ -2‬وأما المعير‪ :‬فال يعترب فيه إال كونه مالكا للعارية إما لرقبتها وإما ملنفعتها‪ ،‬واألظهر أهنا‬
‫ال تصلح من املستعري (أعين‪ :‬أن يعريها) ‪.‬‬

‫‪ -3‬وأما العارية فتكون يف الدور واألرضني واحليوان‪ ،‬ومجيع ما يعرف بعينه إذا كانت‬
‫منفعته مباحة االستعمال‪ ،‬ولذلك ال جتوز إباحة اجلواري لالستمتاع‪ .‬ويكره لالستخدام إال‬
‫أن تكون ذات حمرم‪.‬‬

‫‪ -4‬وأما صيغة اإلعارة‪ :‬فهي كل لفظ يدل على اإلذن‪.‬‬

‫وهي عقد جائز عند الشافعي‪ ،‬وأبي حنيفة‪ :‬أي للمعير أن يسترد عاريته إذا شاء‪.‬‬
‫وقال مالك في المشهور‪ :‬ليس له استرجاعها قبل االنتفاع‪ ،‬وإن شرط مدة لزمته من‬
‫المدة ما يرى الناس أنه مدة لمثل تلك العارية‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫وسبب الخالف ما يوجد فيها من شبه العقود الالزمة وغير الالزمة‪.‬‬

‫‪ -1‬هل هي مضمونة أو أمانة؟‬

‫‪ -‬فمنهم من قال‪ :‬إنها مضمونة وإن قامت البينة على تلفها‪ ،‬وهو قول أشهب‪،‬‬
‫والشافعي‪ ،‬وأحد قويل مالك‪،‬‬

‫‪ -‬ومنهم من قال نقيض هذا‪ ،‬وهو أهنا ليست مضمونة أصال‪ ،‬وهو قول أيب حنيفة‪.‬‬

‫‪ -‬ومنهم من قال‪ :‬يضمن فيما يغاب عليه إذا لم يكن على التلف بينة‪ ،‬وال يضمن‬
‫فيما ال يغاب عليه‪ ،‬وال فيما قامت البينة على تلفه‪ ،‬وهو مذهب مالك المشهور‪ ،‬وابن‬
‫القاسم وأكثر أصحابه‪.‬‬

‫وسبب الخالف تعارض اآلثار في ذلك‪ ،‬وذلك أنه ورد في الحديث الثابت أنه قال ‪-‬‬
‫عليه الصالة والسالم ‪ -‬لصفوان بن أمية‪« :‬بل عارية مضمونة مؤداة» ‪،‬وفي بعضها‬
‫«بل عارية مؤداة» ‪ ،‬وروي عنه أنه قال‪« :‬ليس على المستعير ضمان» ‪.‬فمن رجح‬
‫وأخذ هبذا أسقط الضمان عنه‪ ،‬ومن أخذ حبديث صفوان بن أمية ألزمه الضمان‪ ،‬ومن‬
‫ذهب مذهب اجلمع فرق بني ما يغاب عليه وبني ما ال يغاب عليه‪ ،‬فحمل هذا الضمان‬
‫على ما يغاب عليه‪ ،‬واحلديث اآلخر على ما ال يغاب عليه‪ ،‬إال أن احلديث الذي فيه‬
‫«ليس على املستعري ضمان» غري مشهور‪ ،‬وحديث صفوان صحيح‪.‬‬

‫ومن لم ير الضمان شبهها بالوديعة‪ ،‬ومن فرق قال‪ :‬الوديعة مقبوضة لمنفعة الدافع‪،‬‬
‫والعارية لمنفعة القابض‪.‬‬

‫واتفقوا يف اإلجارة على أهنا غري مضمونة (أعين‪ :‬الشافعي وأبا حنيفة ومالكا) ‪ ،‬ويلزم‬
‫الشافعي إذا سلم أنه ال ضمان عليه يف اإلجارة أن ال يكون ضمان يف العارية إن سلم أن‬

‫‪73‬‬
‫سبب الضمان هو االنتفاع ‪ ،‬ألنه إذا مل يضمن حيث قبض ملنفعتهما فأحرى أن ال يضمن‬
‫حيث قبض ملنفعته؛ إذا كانت منفعة الدافع مؤثرة في إسقاط الضمان‪.‬‬

‫‪ -2‬واختلفوا إذا شرط الضمان‪ ،‬فقال قوم‪ :‬يضمن‪ ،‬وقال قوم‪ :‬ال يضمن‪ ،‬والشرط‬
‫باطل‪ ،‬وجييء على قول مالك إذا اشرتط الضمان يف املوضع الذي ال جيب فيه عليه‬
‫الضمان أن يلزم إجارة املثل يف استعماله العارية ؛ ألن الشرط خيرج العارية عن حكم العارية‬
‫إىل باب اإلجارة الفاسدة إذا كان صاحبها لم يرض أن يعير إال بأن يخرجها في ضمانه‪،‬‬
‫فهو عوض مجهول فيجب أن يرد إلى معلوم‪.‬‬

‫‪ -3‬واختلف عن مالك والشافعي إذا غرس المستعير وبنى ثم انقضت المدة التي‬
‫استعار إليها‪.‬‬

‫فقال مالك‪ :‬المالك بالخيار إن شاء أخذ املستعري بقلع غراسته وبنائه‪ ،‬وإن شاء أعطاه‬
‫قيمته مقلوعا إذا كان مما له قيمة بعد القلع‪ ،‬وسواء عند مالك انقضت املدة احملدودة‬
‫بالشرط أو بالعرف أو العادة‪.‬‬

‫وقال الشافعي‪ :‬إذا لم يشترط عليه القلع فليس له مطالبته بالقلع‪ ،‬بل خيري املعري بأن‬
‫يبقيه بأجر يعطاه‪ ،‬أو ينقض بأرش‪ ،‬أو يتملك ببدل‪ ،‬فأيها أراد املعري أجرب عليه املستعري‪،‬‬
‫فإن أىب كلف تفريغ امللك‪ .‬ويف جواز بيعته للنقض عنده خالف؛ ألنه معرض للنقض‪.‬‬

‫فرأى الشافعي أخذه املستعري بالقلع دون أرش هو ظلم‪ ،‬ورأى مالك أن عليه إخالء احملل‪،‬‬
‫وأن العرف يف ذلك يتنزل منزلة الشروط‪.‬‬

‫وعند مالك أنه إن استعمل العارية استعماال ينقصها عن االستعمال المأذون فيه ضمن‬
‫ما نقصها باالستعمال‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫‪ -4‬واختلفوا من هذا الباب في الرجل يسأل جاره أن يعيره جداره ليغرز فيه خشبة‬
‫لمنفعته وال تضر صاحب الجدار‪ ،‬وباجلملة يف كل ما ينتفع به املستعري وال ضرر على‬
‫املعري فيه‪ ،‬فقال مالك وأبو حنيفة‪ :‬ال يقضى عليه به؛ إذ العارية ال يقضى هبا‪ ،‬وقال‬
‫الشافعي وأمحد‪ ،‬وأبو ثور‪ ،‬وداود ومجاعة أهل احلديث‪ :‬يقضى بذلك‪.‬‬

‫وحجتهم ما خرجه مالك عن ابن شهاب‪ ،‬عن األعرج عن أيب هريرة أن رسول اهلل ‪ -‬صلى‬
‫اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪« :‬ال مينع أحدكم جاره أن يغرز خشبة يف جداره» ‪ ،‬مث يقول أبو‬
‫هريرة‪ :‬ما يل أراكم عنها معرضني‪ ،‬واهلل ألرمني هبا بني أكتافكم‪.‬‬

‫وكذلك حديث عمرو بن حيىي املازين عن أبيه أنه قال‪ :‬كان يف حائط جدي ربيع لعبد‬
‫الرمحن بن عوف‪ ،‬فأراد أن حيوله إىل ناحية من احلائط‪ ،‬فمنعه صاحب احلائط‪ ،‬فكلم عمر‬
‫بن اخلطاب‪ ،‬فقضى لعبد الرمحن بن عوف بتحويله ‪ ،‬وقد عذل الشافعي مالكا إلدخاله‬
‫هذه األحاديث في موطئه‪ ،‬وتركه األخذ بها‪.‬‬

‫وعمدة مالك‪ ،‬وأيب حنيفة قوله ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪« :-‬ال حيل مال امرئ مسلم إال‬
‫عن طيب نفس منه»‪.‬‬

‫وعمدة الغري أن عموم هذا خمصص هبذه األحاديث‪ ،‬وخباصة حديث أيب هريرة‪.‬‬

‫وعند مالك أهنا حممولة على الندب‪ ،‬وأنه إذا أمكن أن تكون خمتصة ‪ ،‬وأن تكون على‬
‫الندب فحملها على الندب أوىل؛ ألن بناء العام على اخلاص إمنا جيب إذا مل ميكن بينهما‬
‫مجع ووقع التعارض‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫وروى أصبغ عن ابن القاسم‪ :‬أنه ال يدخذ بقضاء عمر على حممد بن مسلمة يف اخلليج‪،‬‬
‫ويدخذ بقضائه لعبد الرمحن بن عوف يف حتويل الربيع‪ ،‬وذلك أنه رأى أن حتويل الربيع أيسر‬
‫من أن مير عليه بطريق مل يكن قبل‪ ،‬وهذا القدر كاف حبسب غرضنا‪.‬‬

‫كتاب الغصب‬
‫الغصب لغة أخذ الشيء ظلما ‪ ،‬وحده ابن عرفة بقوله" أخذ مال غير منفعة ظلما قهرا‬
‫ال لخوف قتال"‬

‫الباب األول‪ :‬الركن األول في الضمان‪.‬‬

‫وأما املوجب للضمان‪ ،‬فهو إما املباشرة ألخذ املال املغصوب أو إلتالفه‪ ،‬وإما املباشرة‬
‫للسبب املتلف‪ ،‬وإما إثبات اليد عليه‪.‬‬

‫واختلفوا في السبب الذي يحصل بمباشرته الضمان إذا تناول التلف بواسطة سبب‬
‫آخر‪ ،‬هل يحصل به ضمان أم ال؟ وذلك مثل أن يفتح قفصا فيه طائر فيطري بعد الفتح‪،‬‬
‫فقال مالك‪ :‬يضمنه‪ ،‬هاجه على الطريان أو مل يهجه‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬ال يضمن على‬
‫حال‪ .‬وفرق الشافعي بني أن يهيجه على الطريان أو ال يهيجه‪ ،‬فقال‪ :‬يضمن إن هاجه‪،‬‬
‫وال يضمن إن مل يهجه‪.‬‬

‫ومن هذا من حفر بئرا فسقط فيه شيء فهلك‪ ،‬فمالك والشافعي يقوالن‪ :‬إن حفره‬
‫حبيث أن يكون حفره تعديا ضمن ما تلف فيه وإال مل يضمن‪ ،‬وجييء على أصل أيب حنيفة‬
‫أنه ال يضمن يف مسألة الطائر‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫وهل يشترط في المباشرة العمد أو ال يشترط؟ فاألشهر أن األموال تضمن عمدا وخطأ‪،‬‬
‫وإن كانوا قد اختلفوا يف مسائل جزئية من هذا الباب‪.‬‬

‫وهل يشرتط يف املكره أن يكون خمتارا؟ فاملعلوم عند الشافعي أنه يشرتط أن يكون خمتارا‪،‬‬
‫ولذلك رأى على املكره الضمان‬

‫الركن الثاني ؛ وأما ما يجب فيه الضمان فهو كل مال أتلفت عينه أو تلفت عند‬
‫الغاصب عينه بأمر من السماء‪ ،‬أو سلطت اليد عليه وتملك‪ ،‬وذلك فيما ينقل ويحول‬
‫باتفاق‪.‬‬

‫واختلفوا فيما ال ينقل وال يحول مثل العقار‪ ،‬فقال اجلمهور‪ :‬إهنا تضمن بالغصب ‪-‬‬
‫أعين أهنا إن اهندمت الدار ضمن قيمتها ‪ ،-‬وقال أبو حنيفة‪ :‬ال يضمن‪.‬‬

‫الركن الثالث وهو الواجب في الغصب‪ ،‬والواجب على الغاصب إن كان املال قائما‬
‫عنده بعينه مل تدخله زيادة وال نقصان أن يرده بعينه‪ ،‬وهذا ال اختالف فيه‪ ،‬فإذا ذهبت‬
‫عينه فإهنم اتفقوا على أنه إذا كان مكيال أو موزونا أن على الغاصب المثل (أعني‪ :‬مثل‬
‫ما استهلك صفة ووزنا) ‪.‬‬

‫واختلفوا يف العروض فقال مالك‪ :‬ال يقضى يف العروض من احليوان وغريه إال بالقيمة يوم‬
‫استهلك‪ ،‬وقال الشافعي‪ ،‬وأبو حنيفة‪ ،‬وداود‪ :‬الواجب يف ذلك املثل وال تلزم القيمة إال‬
‫عند عدم املثل‪.‬‬

‫وعمدة مالك حديث أيب هريرة املشهور عن النِب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪« :-‬من أعتق‬
‫شقصا له يف عبد قوم عليه الباقي قيمة العدل» احلديث‪ .‬ووجه الدليل منه أنه مل يلزمه املثل‬
‫وألزمه القيمة‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫وعمدة الطائفة الثانية قوله تعاىل‪{ :‬فجزاء مثل ما قتل من النعم} ؛ وألن منفعة الشيء قد‬
‫تكون هي املقصودة عند املتعدى عليه‪.‬‬

‫ومن الحجة لهم ما خرجه أبو داود من حديث أنس وغيره «أن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل‬
‫عليه وسلم ‪ -‬كان عند بعض نسائه‪ ،‬فأرسلت إحدى أمهات املدمنني جارية بقصعة هلا‬
‫فيها طعام‪ ،‬قال‪ :‬فضربت بيدها فكسرت القصعة‪ ،‬فأخذ النِب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬
‫الكسرتني فضم إحدامها إىل األخرى وجعل فيها مجيع الطعام وهو يقول‪ :‬غارت أمكم كلوا‬
‫كلوا‪ ،‬حىت جاءت قصعتها اليت يف بيتها‪ ،‬وحبس رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬
‫القصعة حىت فرغوا‪ ،‬فدفع الصحفة الصحيحة إىل الرسول‪ ،‬وحبس املكسورة يف بيته» ويف‬
‫حديث آخر «أن عائشة كانت هي اليت غارت وكسرت اإلناء‪ ،‬وأهنا قالت لرسول اهلل ‪-‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ :-‬ما كفارة ما صنعت؟ قال‪ :‬إناء مثل إناء‪ ،‬وطعام مثل طعام» "‪.‬‬

‫والطوارئ على المغصوب إما بزيادة وإما بنقصان‪ ،‬وهذان إما من قبل المخلوق‪ ،‬وإما‬
‫من قبل الخالق‪.‬‬

‫‪ -1‬فأما النقصان الذي يكون بأمر من السماء‪ ،‬فإنه ليس له إال أن يأخذه ناقصا‪ ،‬أو‬
‫يضمنه قيمته يوم الغصب‪ ،‬وقيل إن له أن يأخذه ويضمن الغاصب قيمة العيب‪.‬‬

‫‪ -2‬وأما إن كان النقص بجناية الغاصب‪ ،‬فالمغصوب مخير في المذهب بين أن‬
‫يضمنه القيمة يوم الغصب أو يأخذه‪ ،‬وما نقصته اجلناية يوم اجلناية عند ابن القاسم‪،‬‬
‫وعند سحنون ما نقصته اجلناية يوم الغصب‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫وذهب أشهب إىل أنه خمري بني أن يضمنه القيمة أو يأخذه ناقصا‪ ،‬وال شيء له يف اجلناية‪،‬‬
‫كالذي يصاب بأمر من السماء‪ ،‬وإليه ذهب ابن املواز‪.‬‬

‫والسبب يف هذا االختالف أن من جعل املغصوب مضمونا على الغاصب بالقيمة يوم‬
‫الغصب جعل ما حدث فيه من مناء أو نقصان‪ ،‬كأنه حدث يف ملك صحيح‪ ،‬فأوجب له‬
‫الغلة ‪ ،‬ومل يوجب عليه يف النقصان شيئا سواء أكان من سببه أو من عند اهلل‪ ،‬وهو قياس‬
‫قول أيب حنيفة‪.‬‬

‫‪ -3‬وأما إن كانت الجناية عند الغاصب من غير فعل الغاصب‪ ،‬فاملغصوب خمري بني أن‬
‫يضمن الغاصب القيمة يوم الغصب ‪ ،‬ويتبع الغاصب اجلاين‪ ،‬وبني أن يرتك الغاصب ويتبع‬
‫اجلاين حبكم اجلنايات‪ ،‬فهذا حكم اجلنايات على العني يف يد الغاصب‪.‬‬

‫‪ -4‬وأما الجناية على العين من غير أن يغصبها غاصب‪ ،‬فإنها تنقسم عند مالك إلى‬
‫قسمين‪:‬‬

‫‪ - 1‬جناية تبطل يسيرا من المنفعة‪ ،‬والمقصود من الشيء باق‪ ،‬فهذا يجب فيه ما‬
‫نقص يوم الجناية‪ ،‬وذلك بأن يقوم صحيحا ويقوم بالجناية‪ ،‬فيعطى ما بين القيمتين‪.‬‬

‫‪ - 2‬وأما إن كانت الجناية مما تبطل الغرض المقصود ‪ ،‬فإن صاحبه يكون مخيرا إن‬
‫شاء أسلمه للجاني وأخذ قيمته‪ ،‬وإن شاء أخذ قيمة الجناية‪ ،‬وقال الشافعي وأبو‬
‫حنيفة‪ :‬ليس له إال قيمة الجناية‪.‬‬

‫وسبب االختالف االلتفات إلى الحمل على الغاصب‪ ،‬وتشبيه إتالف أكثر المنفعة‬
‫بإتالف العين‪.‬‬

‫‪ -5‬وأما النماء فإنه على قسمين‪:‬‬

‫‪79‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن يكون بفعل اهلل كالصغير يكبر‪ ،‬والمهزول يسمن والعيب يذهب‪.‬‬

‫والثاني‪ :‬أن يكون مما أحدثه الغاصب‪.‬‬

‫فأما األول‪ :‬فإنه ليس بفوت‪.‬‬

‫وأما النماء بما أحدثه الغاصب في الشيء المغصوب‪ ،‬فإنه ينقسم فيما رواه ابن‬
‫القاسم عن مالك إلى قسمين‪:‬‬

‫أحدهما‪ :‬أن يكون قد جعل فيه من ماله ما له عين قائمة كالصبغ في الثوب والنقش‬
‫في البناء وما أشبه ذلك‪.‬‬

‫والثاني‪ :‬أن ال يكون قد جعل فيه من ماله سوى العمل كالخياطة والنسج وطحن‬
‫الحنطة والخشبة يعمل منها توابيت‪.‬‬

‫فأما الوجه األول ‪ -‬وهو أن يجعل فيه من ماله ما له عين قائمة ‪ -‬فإنه ينقسم إلى‬
‫قسمين‪:‬‬

‫أحدهما‪ :‬أن يكون ذلك الشيء مما يمكنه إعادته على حاله كالبقعة يبنيها وما أشبه‬
‫ذلك‪.‬‬

‫والثاني‪ :‬أن ال يقدر على إعادته كالثوب يصبغه والسويق يلته‪.‬‬

‫فأما الوجه األول‪ ،‬فاملغصوب منه خمري بني أن يأمر الغاصب بإعادة البقعة على حاهلا ‪،‬‬
‫وإزالة ما له فيها مما جعله من نقض أو غريه‪ ،‬وبني أن يعطي الغاصب قيمة ماله فيها من‬
‫النقض مقلوعا بعد حط أجر القلع‪ ،‬وهذا إن كان الغاصب ممن ال يتوىل ذلك بنفسه وال‬
‫بغريه‪ ،‬وإمنا يستأجر عليه‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه ال حيط من ذلك أجر القلع‪ ،‬هذا إن كانت له قيمة‪،‬‬

‫‪80‬‬
‫وأما إن مل تكن له قيمة مل يكن للغاصب على املغصوب فيه شيء ؛ ألن من حق‬
‫املغصوب أن يعيد له الغاصب ما غصب منه على هيئته‪ ،‬فإن مل يطالبه بذلك مل يكن له‬
‫مقال‪.‬‬

‫وأما الوجه الثاني‪ ،‬فهو فيه خمري بني أن يدفع قيمة الصبغ وما أشبهه ويأخذ ثوبه‪ ،‬وبني أن‬
‫يضمنه قيمة الثوب يوم غصبه‪ ،‬إال يف السويق الذي يلته يف السمن وما أشبه ذلك من‬
‫الطعام‪ ،‬فال خيري فيه ملا يدخله من الربا‪ ،‬ويكون ذلك فوتا يلزم الغاصب فيه املثل‪ ،‬أو القيمة‬
‫فيما ال مثل له‪.‬‬

‫وأما الوجه الثاني من التقسيم األول (وهو أن ال يكون أحدث الغاصب فيما أحدثه‬
‫في الشيء المغصوب سوى العمل) فإن ذلك أيضا ينقسم قسمين‪:‬‬

‫أحدهما‪ :‬أن يكون ذلك يسيرا ال ينتقل به الشيء عن اسمه بمنزلة الخياطة في الثوب‬
‫أو الرفولة‪.‬‬

‫والثاني أن يكون العمل كثيرا ينتقل به الشيء المغصوب عن اسمه‪ ،‬كالخشبة يعمل‬
‫منها تابوتا‪ ،‬والقمح يطحنه‪ ،‬والغزل ينسجه‪ ،‬والفضة يصوغها حليا أو دراهم‪.‬‬

‫فأما الوجه األول‪ :‬فال حق فيه للغاصب‪ ،‬ويأخذ املغصوب منه الشيء املغصوب معموال‪.‬‬

‫وأما الوجه الثاني‪ :‬فهو فوت يلزم الغاصب قيمة الشيء املغصوب يوم غصبه أو مثله فيما‬
‫له مثل‪ ،‬هذا تفصيل مذهب ابن القاسم يف هذا املعىن‪.‬‬

‫وأشهب جيعل ذلك كله للمغصوب‪ ،‬أصله مسألة البنيان فيقول‪ :‬إنه ال حق للغاصب فيما‬
‫ال يقدر على أخذه من الصبغ والرفولة والنسج والدباغ والطحني‪ .‬وقد روي عن ابن عباس‬
‫أن الصبغ تفويت يلزم الغاصب فيه القيمة يوم الغصب‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫وقد قيل إهنما يكونان شريكني‪ ،‬هذا بقيمة الصبغ‪ ،‬وهذا بقيمة الثوب إن أىب رب الثوب‬
‫أن يدفع قيمة الصبغ‪ ،‬وإن أىب الغاصب أن يدفع قيمة الثوب‪ ،‬وهذا القول أنكره ابن‬
‫القاسم يف املدونة يف كتاب اللقطة‪ ،‬وقال‪ :‬إن الشركة ال تكون إال فيما كان بوجه شبهة‬
‫جلية‪.‬‬

‫وقول الشافعي في الصبغ مثل قول ابن القاسم إال أنه يجيز الشركة بينهما‪ ،‬ويقول‪ :‬إنه‬
‫يدمر الغاصب بقلب الصبغ إن أمكنه وإن نقص الثوب‪ ،‬ويضمن للمغصوب مقدار‬
‫النقصان‪ ،‬وأصول الشرع تقتضي أن ال يستحل مال الغاصب من أجل غصبه‪ ،‬وسواء‬
‫أكان منفعة أو عينا‪ ،‬إال أن حيتج حمتج بقوله ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪« :-‬ليس لعرق‬
‫ظامل حق» لكن هذا جممل‪ ،‬ومفهومه األول أنه ليس له منفعة متولدة بني ماله وبني الشيء‬
‫الذي غصبه (أعين‪ :‬ماله املتعلق باملغصوب) ‪ ،‬فهذا هو حكم الواجب يف عني املغصوب‬
‫تغري أو مل يتغري‪.‬‬

‫‪ -6‬وأما حكم غلته‪ ،‬فاختلف في ذلك في المذهب على قولين‪:‬‬

‫أحدهما‪ :‬أن حكم الغلة حكم الشيء المغصوب‪.‬‬

‫والثاني‪ :‬أن حكمهما بخالف الشيء المغصوب‪.‬‬

‫فمن ذهب إلى أن حكمهما حكم الشيء المغصوب ‪ -‬وبه قال أشهب من أصحاب‬
‫مالك ‪ -‬يقول‪ :‬إمنا تلزمه الغلة يوم قبضها ‪ ،‬أو أكثر مما انتهت إليه بقيمتها على قول من‬
‫يرى أن الغاصب يلزمه أرفع القيم من يوم غصبها ال قيمة الشيء املغصوب يوم الغصب‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫وأما الذين ذهبوا إلى أن حكم الغلة بخالف حكم الشيء المغصوب‪ ،‬فاختلفوا يف‬
‫حكمها اختالفا كثريا بعد اتفاقهم على أهنا إن تلفت ببينة أنه ال ضمان على الغاصب‪،‬‬
‫وأنه إن ادعى تلفها مل يصدق وإن كان مما ال يغلب عليه‪.‬‬

‫وحتصيل مذهب هدالء يف حكم الغلة هو أن الغالل تنقسم إىل ثالثة أقسام‪:‬‬

‫‪ - 1‬أحدها‪ :‬غلة متولدة عن الشيء المغصوب على نوعه وخلقته وهو الولد‪.‬‬

‫‪ - 2‬وغلة متولدة عن الشيء ال على صورته‪ ،‬وهو مثل الثمر ولبن الماشية وجبنها‬
‫وصوفها‪.‬‬

‫‪ -3‬وغالل غير متولدة بل هي منافع‪ ،‬وهي األكرية والخراجات وما أشبه ذلك‪.‬‬

‫فأما ما كان على خلقته وصورته فال خالف أعلمه أن الغاصب يرده كالولد مع األم‬
‫املغصوبة وإن كان ولد الغاصب‪.‬‬

‫وإنما اختلفوا في ذلك إذا ماتت األم فقال مالك‪ :‬هو مخير بين الولد وقيمة األم‪،‬‬
‫وقال الشافعي‪ :‬بل يرد الولد وقيمة األم وهو القياس‪.‬‬

‫وأما إن كان متولدا على غري خلقة األصل وصورته ففيه قوالن‪:‬‬

‫أحدمها‪ :‬أن للغاصب ذلك املتولد‪.‬‬

‫والثاين‪ :‬أنه يلزمه رده مع الشيء املغصوب إن كان قائما ‪ ،‬أو قيمتها إن ادعى تلفها ومل‬
‫يعرف ذلك إال من قوله‪ ،‬فإن تلف الشيء املغصوب كان خمريا بني أن يضمنه وال شيء له‬
‫يف الغلة‪ ،‬وبني أن يأخذه وبالغلة وال شيء له من القيمة‪.‬‬

‫وأما ما كان غري متولد‪ ،‬فاختلفوا فيه على مخسة أقوال‪:‬‬

‫‪83‬‬
‫أحدها‪ :‬أنه ال يلزمه رده مجلة من غري تفصيل‪.‬‬

‫والثاين‪ :‬أنه يلزمه رده من غري تفصيل أيضا‪.‬‬

‫والثالث‪ :‬أنه يلزمه الرد إن أكرى‪ ،‬وال يلزمه الرد إن انتفع أو عطل‪.‬‬

‫والرابع‪ :‬يلزمه إن أكرى أو انتفع‪ ،‬وال يلزمه إن عطل‪.‬‬

‫واخلامس‪ :‬الفرق بني احليوان واألصول (أعين أنه يرد قيمة منافع األصول‪ ،‬وال يرد قيمة‬
‫منافع احليوان) ‪.‬‬

‫وهذا كله فيما اغتل من العني املغصوبة مع عينها وقيامها‪.‬‬

‫وأما ما اغتل منها بتصريفها وتحويل عينها‪ ،‬كالدنانير فيغتصبها فيتجر بها فيربح‪،‬‬
‫فالغلة له قوال واحدا في المذهب‪ ،‬وقال قوم‪ :‬الربح للمغصوب‪.‬‬

‫وهذا أيضا إذا قصد غصب األصل‪ .‬وأما إذا قصد غصب الغلة دون األصل فهو ضامن‬
‫للغلة بإطالق‪ ،‬وال خالف يف ذلك سواء عطل أو انتفع أو أكرى‪ ،‬كان مما يزال به أو مبا ال‬
‫يزال به‪.‬‬

‫وقال أبو حنيفة‪ :‬إنه من تعدى على دابة رجل فركبها أو محل عليها فال كراء عليه يف ركوبه‬
‫إياها وال يف محله ; ألنه ضامن هلا إن تلفت يف تعديه‪ ،‬وهذا قوله يف كل ما ينقل وحيول؛‬
‫فإنه ملا رأى أنه قد ضمنه بالتعدي وصار يف ذمته جازت له املنفعة كما تقول املالكية فيما‬
‫جتر به من املال املغصوب‪ ،‬وإن كان الفرق بينهما أن الذي اجتر به حتولت عينه‪ ،‬وهذا مل‬
‫تتحول عينه‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫وسبب اختالفهم في هل يرد الغاصب الغلة أو ال يردها اختالفهم في تعميم قوله ‪-‬‬
‫عليه الصالة والسالم ‪« :-‬الخراج بالضمان» وقوله ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪:-‬‬
‫«ليس لعرق ظالم حق» ‪.‬‬

‫وذلك أن قوله ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬هذا خرج على سبب‪ ،‬وهو يف غالم قيم فيه‬
‫بعيب‪ ،‬فأراد الذي صرف عليه أن يرد املشرتي غلته‪ ،‬وإذا خرج العام على سبب هل يقصر‬
‫على سببه أم حيمل على عمومه؟ فيه خالف فقهاء األمصار مشهور‪ ،‬فمن قصر هاهنا هذا‬
‫احلكم على سببه‪ ،‬قال‪ :‬إمنا جتب الغلة من قبل الضمان فيما صار إىل اإلنسان بشبهة‪،‬‬
‫مثل أن يشرتي شيئا فيستغله فيستحق منه‪ .‬وأما ما صار إليه بغري وجه شبهة فال جتوز له‬
‫الغلة ألنه ظامل‪ ،‬وليس لعرق ظامل حق‪ ،‬فعمم هذا احلديث يف األصل والغلة (أعين‪ :‬عموم‬
‫هذا احلديث) وخصص الثاين‪.‬‬

‫وأما من عكس األمر فعمم قوله ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪« :-‬اخلراج بالضمان» على‬
‫أكثر من السبب الذي خرج عليه‪ ،‬وخصص قوله ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪« :-‬ليس لعرق‬
‫ظامل حق» بأن جعل ذلك يف الرقبة دون الغلة‪ ،‬قال‪ :‬ال يرد الغلة الغاصب‪.‬‬

‫وأما من المعنى كما تقدم من قولنا فالقياس أن تجري المنافع واألعيان المتولدة‬
‫مجرى واحدا‪ ،‬وأن يعتبر التضمن أو ال يعتبر‪ .‬وأما سائر األقاويل التي بين هذين فهي‬
‫استحسان‪.‬‬

‫‪ -7‬وأجمع العلماء على أن من اغترس نخال أو ثمرا بالجملة وبنيانا في غير أرضه أنه‬
‫يؤمر بالقلع ؛ ملا ثبت من حديث مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول اهلل ‪-‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪« :‬من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظامل حق» والعرق‬

‫‪85‬‬
‫الظامل عندهم هو ما اغرتس يف أرض الغري‪ .‬وروى أبو داود يف هذا احلديث زيادة‪ :‬قال‬
‫عروة‪ :‬ولقد حدثين الذي حدثين هذا احلديث‪« :‬أن رجلني اختصما إىل رسول اهلل ‪ -‬صلى‬
‫اهلل عليه وسلم ‪ -‬غرس أحدمها خنال يف أرض اآلخر‪ ،‬فقضى لصاحب األرض بأرضه‪ ،‬وأمر‬
‫صاحب النخل أن خيرج خنله منها قال‪ :‬فلقد رأيتها وإهنا لتضرب أصوهلا بالفدوس‪ ،‬وإهنا‬
‫لنخل عم حىت أخرجت منها» ‪ ،‬إال ما روي يف املشهور عن مالك «أن من زرع زرعا يف‬
‫أرض غريه وفات أوان زراعته مل يكن لصاحب األرض أن يقلع زرعه‪ ،‬وكان على الزارع كراء‬
‫األرض» ‪ .‬وقد روي عنه ما يشبه قياس قول اجلمهور‪ ،‬وعلى قوله‪ :‬إن كل ما ال ينتفع‬
‫الغاصب به إذا قلعه وأزاله أنه للمغصوب‪ ،‬يكون الزرع على هذا للزارع‪.‬‬

‫وفرق قوم بين الزرع والثمار فقالوا‪ :‬الزارع يف أرض غريه له نفقته وزريعته‪ ،‬وهو قول كثري‬
‫من أهل املدينة‪ ،‬وبه قال أبو عبيد‪ ،‬وروي عن رافع بن خديج‪ ،‬أنه قال ‪ -‬عليه الصالة‬
‫والسالم ‪« :-‬من زرع يف أرض قوم بغري إذهنم فله نفقته وليس له من الزرع شيء» ‪.‬‬

‫‪ -8‬واختلف العلماء في القضاء فيما أفسدته المواشي والدواب على أربعة أقوال‪:‬‬

‫أحدها‪ :‬أن كل دابة مرسلة فصاحبها ضامن ملا أفسدته‪.‬‬

‫والثاين‪ :‬أن ال ضمان عليه‪.‬‬

‫والثالث‪ :‬أن الضمان على أرباب البهائم بالليل‪ ،‬وال ضمان عليهم فيما أفسدته بالنهار‪.‬‬

‫والرابع‪ :‬وجوب الضمان يف غري املنفلت وال ضمان يف املنفلت‪.‬‬

‫وممن قال‪ :‬يضمن بالليل وال يضمن بالنهار مالك والشافعي‪ ،‬وبأن ال ضمان عليهم أصال‬
‫قال أبو حنيفة وأصحابه‪ ،‬وبالضمان بإطالق قال الليث‪ ،‬إال أن الليث قال‪ :‬ال يضمن‬
‫أكثر من قيمة املاشية‪ ،‬والقول الرابع مروي عن عمر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪.-‬‬

‫‪86‬‬
‫فعمدة مالك والشافعي في هذا الباب شيئان‪:‬‬

‫أحدهما‪ :‬قوله تعالى‪{ :‬وداود وسليمان إذ حيكمان يف احلرث إذ نفشت فيه غنم القوم}‬
‫[األنبياء‪ ]87 :‬والنفش عند أهل اللغة ال يكون إال بالليل‪ ،‬وهذا االحتجاج على مذهب‬
‫من يرى أنا خماطبون بشرع من قبلنا‪.‬‬

‫والثاني‪ :‬مرسله عن ابن شهاب «أن ناقة للرباء بن عازب دخلت حائط قوم فأفسدت‬
‫فيه‪ ،‬فقضى رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أن على أهل احلوائط بالنهار حفظها‪،‬‬
‫وأن ما أفسدته املواشي بالليل ضامن على أهلها» أي مضمون‪.‬‬

‫وعمدة أبي حنيفة قوله ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪« :-‬العجماء جرحها جبار» وقال‬
‫الطحاوي‪ :‬وحتقيق مذهب أيب حنيفة أنه ال يضمن إذا أرسلها حمفوظة‪ ،‬فأما إذا مل يرسلها‬
‫حمفوظة فيضمن‪.‬‬

‫واملالكية تقول‪ :‬من شرط قولنا أن تكون الغنم يف املسرح‪ ،‬وأما إذا كانت يف أرض مزرعة ال‬
‫مسرح فيها فهم يضمنون ليال وهنارا‪.‬‬

‫وعمدة من رأى الضمان فيما أفسدت ليال وهنارا شهادة األصول له‪ ،‬وذلك أنه تعد من‬
‫املرسل‪ ،‬واألصول على أن على املتعدي الضمان‪.‬‬

‫ووجه من فرق بني املنفلت وغري املنفلت بني‪ ،‬فإن املنفلت ال ميلك‪.‬‬

‫فسبب الخالف في هذا الباب معارضة األصل للسمع‪ ،‬ومعارضة السماع بعضه‬
‫لبعض‪ ،‬أعني‪ :‬أن األصل يعارض «جرح العجماء جبار» ‪ ،‬ويعارض أيضا التفرقة التي‬
‫في حديث البراء‪ ،‬وكذلك التفرقة التي في حديث البراء تعارض أيضا قوله «جرح‬
‫العجماء جبار» ‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫‪ -9‬ومن مسائل هذا الباب المشهورة اختالفهم في ما يصاب من أعضاء الحيوان‪،‬‬

‫فروي عن عمر بن اخلطاب أنه قضى يف عني الدابة بربع مثنها‪ ،‬وكتب إىل شريح فأمره‬
‫بذلك‪ ،‬وبه قال الكوفيون‪ ،‬وقضى به عمر بن عبد العزيز‪.‬‬

‫وقال الشافعي ومالك‪ :‬يلزم فيما أصيب من البهيمة ما نقص يف مثنها قياسا على التعدي‬
‫يف األموال‪.‬‬

‫والكوفيون اعتمدوا يف ذلك على قول عمر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬وقالوا‪ :‬إذا قال الصاحب‬
‫قوال وال مخالف له من الصحابة ؛ وقوله مع هذا مخالف للقياس وجب العمل به ؛‬
‫ألنه يعلم أنه إنما صار إلى القول به من جهة التوقيف‪ .‬فسبب الخالف إذن معارضة‬
‫القياس لقول الصاحب‪.‬‬

‫‪ -11‬ومن هذا الباب اختالفهم في الجمل الصئول وما أشبهه يخاف الرجل على‬
‫نفسه فيقتله‪،‬‬

‫هل جيب عليه غرمه أم ال؟ فقال مالك والشافعي‪ :‬ال غرم عليه إذا بان أنه خافه على‬
‫نفسه‪ ،‬وقال أبو حنيفة والثوري‪ :‬يضمن قيمته على كل حال‪.‬‬

‫وعمدة من مل ير الضمان القياس على من قصد رجال فأراد قتله‪ ،‬فدافع املقصود عن نفسه‬
‫فقتل يف املدافعة القاصد املتعدي أنه ليس عليه قود‪ ،‬وإذا كان ذلك يف النفس كان يف املال‬
‫أحرى ؛ألن النفس أعظم حرمة من املال‪ ،‬وقياسا أيضا على إهدار دم الصيد احلرمي إذا‬
‫صال ومتسك به حذاق أصحاب الشافعي‪.‬‬

‫وعمدة أبي حنيفة أن األموال تضمن بالضرورة إليها‪ ،‬أصله المضطر إلى طعام الغير ‪،‬‬
‫وال حرمة للبعير من جهة ما هو ذو نفس‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫‪ -11‬ومن هذا الباب اختالفهم في المكرهة على الزنا‪ ،‬هل على مكرهها مع الحد‬
‫صداق أم ال؟ فقال مالك والشافعي والليث‪ :‬عليه الصداق واحلد مجيعا‪ ،‬وقال أبو حنيفة‬
‫والثوري‪ :‬عليه احلد وال صداق عليه‪ ،‬وهو قول ابن شربمة‪ .‬وعمدة مالك أنه جيب عليه‬
‫حقان‪ :‬حق اهلل وحق لآلدمي‪ ،‬فلم يسقط أحدمها اآلخر‪ ،‬أصله السرقة اليت جيب هبا‬
‫عندهم غرم املال والقطع‪.‬‬

‫وأما من لم يوجب الصداق‪ ،‬فتعلق في ذلك بمعنيين‪:‬‬

‫أحدهما‪ :‬أنه إذا اجتمع حقان‪ :‬حق هلل وحق للمخلوق سقط حق المخلوق لحق اهلل‪،‬‬
‫وهذا على رأي الكوفيين في أنه ال يجمع على السارق غرم وقطع‪.‬‬

‫والمعنى الثاني‪ :‬أن الصداق ليس مقابل البضع‪ ،‬وإنما هو عبادة إذ كان النكاح‬
‫شرعيا‪ ،‬وإذا كان ذلك كذلك فال صداق في النكاح الذي على غير الشرع‪.‬‬

‫‪ -12‬ومن مسائلهم المشهورة في هذا الباب من غصب أسطوانة فبنى عليها بناء‬
‫يساوي قائما أضعاف قيمة األسطوانة‪،‬‬

‫فقال مالك والشافعي‪ :‬حيكم على الغاصب باهلدم ويأخذ املغصوب منه أسطوانته‪ ،‬وقال‬
‫أبو حنيفة‪ :‬تفوت بالقيمة كقول مالك فيمن غري املغصوب بصناعة هلا قيمة كثرية‪ ،‬وعند‬
‫الشافعي ال يفوت املغصوب بشيء من الزيادة‪ .‬وهنا انقضى هذا الكتاب‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫االستحقاق‬ ‫‪13‬‬

‫االستحقاق‪ :‬هو إضافة الشيء ملن يصلح به‬

‫‪ ،‬وله فيه حق كاستحقاق هذا من الوقف مثال بوصف الفقر‪ ،‬أو العلم ويف عرف الشرع‬
‫مستعمل يف معىن ما أشار إليه ابن عرفة بقوله " رفع ملك شيء بثبوت ملك قبله بغير‬
‫عوض"‬

‫أنواع اإلستحقاق‬

‫أن الشيء املسحق من يد إنسان ملكه بالشرع ال خيرج عن ثالثة أشياء ‪ :‬إما أن يستحق‬
‫من ذلك الشيء أقله أو كله أو جله ‪ .‬مث إذا استحق منه كله أو جله فال خيلو أن يكون قد‬
‫تغري عند الذي هو بيده بزيادة أو نقصان أو يكون مل يتغري‪ ،‬مث ال خيلو أيضا أن يكون‬
‫املستحق منه قد اشرتاه بثمن أو مثمون‪.‬‬

‫إذا لم يتغير الشيء المستحق‬

‫‪ -1‬فأما إن كان استحق منه أقله‪ ،‬فعند مالك يرجع على الذي اشتراه منه بقيمة ما‬
‫استحق من يده‪ ،‬وليس له أن يرجع بالجملة‪.‬‬
‫ِ‬
‫المستحق ‪ ،‬ورجع‬ ‫‪ -2‬وأما إن كان استحق كله أو جله‪ ،‬فإن كان لم يتغير أخذه‬
‫املستحق منه على الذي اشرتاه منه بثمن ما اشرتاه منه‪ ،‬وإن كان اشرتاه باملثمون رجع‬
‫َ‬

‫‪90‬‬
‫باملثمون بعينه إن كان مل يتغري‪ ،‬فإن تغري تغريا يوجب اختالف قيمته رجع بقيمته يوم‬
‫الشراء‪.‬‬

‫‪ -3‬وإن كان المال المستحق قد بيع ؛ فإن المستحق مخير بين أن يمضي البيع‬
‫ويأخذ الثمن أو يأخذه بعينه‪،‬‬

‫المستحق إما بزيادة أو نقصان‪.‬‬


‫َ‬ ‫‪ - 4‬فإن تغير الشيء‬

‫المستحق منه‪ ،‬أو بزيادة‬


‫َ‬ ‫‪ -‬فأما إن كان تغير بزيادة‪ ،‬فال يخلو أن يتغير بزيادة من قبل‬
‫من ذات الشيء‪.‬‬
‫ي‬
‫املستحق‪ ،‬مثل أن تسمن الدابة أو يكرب الغالم‪.‬‬ ‫فأما الزيادة من ذات الشيء فيأخذها‬

‫المستحق منه‪ ،‬فمثل أن يشرتي الدار فبىن فيها فتستحق من يده‪،‬‬


‫َ‬ ‫‪ -‬وأما الزيادة من قبل‬
‫ي‬
‫املستحق خمري بني أن يدفع قيمة الزيادة ويأخذ ما استحقه ‪ ،‬وبني أن يدفع إليه‬ ‫فإن‬
‫املستحق منه قيمة ما استحق‪ ،‬أو يكونا شريكني؛ هذا بقدر قيمة ما استحق من يده‪،‬‬
‫وهذا بقدر قيمة ما بىن أو غرس‪ ،‬وهو قضاء عمر بن اخلطاب‪.‬‬

‫املستحق‬
‫َ‬ ‫املستحق منه فال شيء على‬
‫َ‬ ‫وأما إن كان تغير بنقصان‪ ،‬فإن كان من غري سبب‬
‫منه‪ .‬وأما إن كان أخذ من هذا النقصان مثنا مثل أن يهدم الدار فيبيع نقضها مث يستحقها‬
‫من يده رجل آخر‪ ،‬فإنه يرجع عليه بثمن ما باع من النقض‪.‬‬

‫‪ -5‬وأما غلة الشيء المستحق‪ ،‬فإن المستحق منه إذا كان ضامنا ونعين بالضمان‪ :‬أهنا‬
‫تكون من خسارته إذا هلكت عنده فهنا ال خالف أن الغلة للمستحق منه ‪ ،‬وأما إذا‬

‫‪91‬‬
‫كان غري ضامن‪ ،‬فإنه يرد الغلة‪ .‬مثل أن يكون وارثا فيطرأ عليه وارث آخر فيستحق بعض‬
‫ما يف يده؛‬

‫‪ 6‬وأما من أي وقت تصح الغلة للمستحق؟ فقيل يوم الحكم‪ ،‬وقيل من يوم ثبوت‬
‫الحق‪ ،‬وقيل من يوم توقيفه‪.‬‬

‫وإذا قلنا إن الغلة جتب للمستحق يف أحد هذه األوقات الثالثة؛‬

‫‪ -‬فإذا كانت أصوال فيها ثمار فأدرك أحد هذه األوقات الثمر ومل يقطف بعده‪ ،‬فقيل‬
‫إهنا للمستحق ما مل تقطف وقيل مامل تيبس‪ ،‬وقيل ما مل يطب‪ ،‬ويرجع عليه مبا سقى‬
‫وعاجل املستحق منه‪ ،‬وهذا إن كان اشرتى األصول قبل اإلبار‪ .‬وأما إن كان اشرتاها بعد‬
‫اإلبار فالثمرة للمستحق عند ابن القاسم إن جذت ويرجع بالسقي والعالج‪ ،‬وقال أشهب‪:‬‬
‫هي للمستحق ما مل جتذ‪.‬‬

‫كراء األرض إذا استحقت‪ ،‬فالكراء إنما هو للمستحق إن وقع االستحقاق في إبان‬
‫زريعة األرض‪ .‬أي في وقت الحرث وأما إذا خرج اإلبان فقد وجب كراء األرض‬
‫للمستحق منه‪.‬‬

‫املستحق مشرتى بعرض‪ ،‬وكان العرض قد ذهب‬


‫َ‬ ‫ولكن جييء على أصول الغري أنه إذا كان‬
‫املستحق منه بعرض مثله ال بقيمته‪ ،‬وهم الذين يرون يف مجيع املتلفات املثل‪،‬‬
‫َ‬ ‫أن يرجع‬
‫وكذلك جييء على أصول الغري أن يرجع على املشرتي إذا استحق منه قليل أو كثري ; ألنه‬
‫مل يدخل على الباقي وال انعقد عليه بيع وال وقع به تراض‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫‪ 14‬الهبات‬
‫تعريف الهبة ‪ :‬لغة ‪ :‬قال أهل اللغة يقال وهبت له شيئا وهبا بإسكان اهلاء وفتحها وهبة ‪،‬‬
‫واالسم املوهب واملوهبة بكسر اهلاء فيهما ‪ ،‬واالهتاب قبول اهلبة ‪،‬‬

‫وعرفها ابن عرفة ‪" :‬متليك متمول بغري عوض إنشاء "‬

‫األركان الهبة ثالثة‪ :‬الواهب واملوهوب له‪ ،‬واهلبة‬

‫‪ ) 1‬الواهب ‪ :‬فإهنم اتفقوا على أنه جتوز هبته إذا كان مالكا للموهوب صحيح امللك‪،‬‬
‫وذلك إذا كان يف حال الصحة وحال إطالق اليد‪ .‬واختلفوا يف حال املرض ويف حال‬
‫السفه والفلس ‪.‬‬

‫المريض‪ :‬فقال اجلمهور‪ :‬إهنا يف ثلثه تشبيها بالوصية‪ .‬وقالت طائفة من السلف ومجاعة‬
‫أهل الظاهر‪ :‬إن هبته خترج من رأس ماله إذا مات‪ ،‬وال خالف بينهم أنه إذا صح من‬
‫مرضه أن اهلبة صحيحة‪.‬‬

‫وعمدة الجمهور حديث عمران بن حصني عن النِب ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪« -‬يف‬
‫الذي أعتق ستة أعبد عند موته‪ ،‬فأمره رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬فأعتق ثلثهم‬
‫وأرق الباقي» ‪.‬‬

‫وعمدة أهل الظاهر‪ :‬استصحاب احلال‪ :‬ونعين به ‪ :‬حال اإلمجاع ‪ ،‬وذلك أهنم ملا اتفقوا‬
‫على جواز هبته يف الصحة وجب استصحاب حكم اإلمجاع يف املرض إال أن يدل الدليل‬
‫من كتاب أو سنة بينة‪ ،‬واحلديث عند اجلمهور حممول على الوصية‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫واألمراض التي يحجر فيها عند الجمهور هي األمراض المخوفة‪ ،‬وكذلك عند مالك‬
‫احلاالت املخوفة‪ ،‬مثل الكون بني الصفني أي يف حال احلرب ‪ ،‬وقرب احلامل من الوضع‪،‬‬
‫وراكب البحر املرتج‪ ،‬وفيه اختالف‪ .‬وأما األمراض املزمنة فليس عندهم فيها حتجري‪،‬‬

‫وأما السفهاء والمفلسون فال خالف عند من يقول باحلجر عليهم أن هبتهم غري‬
‫صحيحة‬

‫‪ ) 2‬أما الموهوب ‪ :‬فكل شيء صح ملكه‪،‬‬

‫واتفقوا على أن لإلنسان أن يهب مجيع ماله لألجنِب‪.‬‬

‫واختلفوا يف تفضيل الرجل بعض ولده على بعض يف اهلبة‪ ،‬أو يف مجيع ماله لبعضهم دون‬
‫بعض‬

‫‪ ،‬فقال جمهور فقهاء األمصار بكراهية ذلك له‪ ،‬ولكن إذا وقع عندهم جاز ذلك‪.‬‬

‫وقال أهل الظاهر‪ :‬ال جيوز التفضيل فضال عن أن يهب مجيع ماله‪،‬‬

‫وقال مالك جيوز التفضيل وال جيوز أن يهب بعضهم مجيع املال دون بعض‪.‬‬

‫ودليل أهل الظاهر حديث النعمان بن بشري‪ ،‬وهو حديث متفق على صحته‪ ،‬وإن كان قد‬
‫اختلف يف ألفاظه‪ ،‬واحلديث أنه قال «إن أباه بشريا أتى به إىل رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ -‬فقال‪ :‬إين حنلت ابين هذا غالما كان يل‪ ،‬فقال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‬
‫‪ :-‬أكل ولدك حنلته مثل هذا؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪:-‬‬
‫فارجتعه»‬

‫‪94‬‬
‫وعمدة الجمهور‪ :‬أن اإلمجاع منعقد على أن للرجل أن يهب يف صحته مجيع ماله‬
‫لألجانب دون أوالده‪ ،‬فإن كان ذلك لألجنِب فهو للولد أحرى‪.‬‬

‫واحتجوا حبديث أيب بكر املشهور أنه كان حنل عائشة جذاذ عشرين وسقا فلما حضرته‬
‫الوفاة‪ ،‬قال‪" :‬واهلل يا بنية ما من الناس أحد أحب إيل غىن بعدي منك‪ ،‬وال أعز علي فقرا‬
‫بعدي منك‪ ،‬وإين كنت حنلتك جذاذ عشرين وسقا فلو كنت جذذتيه واحتزتيه كان لك‪،‬‬
‫وإمنا هو اليوم مال وارث"‪ .‬قالوا‪ :‬وذلك احلديث املراد به الندب‪،‬‬

‫وعمدة مالك ‪ :‬أنه رأى أن النهي عن أن يهب الرجل مجيع ماله لواحد من ولده هو أحرى‬
‫أن حيمل على الوجوب‪ ،‬فأوجب عنده مفهوم هذا احلديث النهي عن أن خيص الرجل‬
‫بعض أوالده جبميع ماله‪.‬‬

‫فسبب الخالف يف هذه املسألة ‪ :‬معارضة القياس للفظ النهي الوارد‪ ،‬وذلك أن النهي‬
‫يقتضي عند األكثر التحرمي‪ ،‬فاجلمهور ‪ :‬ذهبوا إىل اجلمع بني السماع والقياس ومحل‬
‫احلديث على الندب ومالك خصصه يف بعض الصور كما جيوز ختصيص السنة بالقياس‬
‫وأما أهل الظاهر ‪ :‬مل جيز القياس عندهم يف الشرع واعتمدوا على ظاهر احلديث ‪.‬‬

‫هبة المشاع غير المقسوم‪ :،‬اختلفوا‪ :‬فقال مالك والشافعي وأمحد وأبو ثور‪ :‬تصح‪ ،‬وقال‬
‫أبو حنيفة‪ :‬ال تصح‪.‬‬

‫وعمدة الجماعة‪ :‬أن القبض فيها يصح كالقبض يف البيع‪.‬‬

‫وعمدة أبي حنيفة‪ :‬أن القبض فيها ال يصح إال مفردة كالرهن‪.‬‬

‫هبة المجهول والمعدوم المتوقع الوجود جيوز يف املذهب ‪ ،‬وباجلملة كل ما ال يصح بيعه‬
‫يف الشرع من جهة الغرر‪ ،‬وقال الشافعي‪ :‬ما جاز بيعه جازت هبته وما مل جيز بيعه مل جتز‬

‫‪95‬‬
‫هبته‪ ،‬وكل ما ال يصح قبضه عند الشافعية ال تصح هبته كالدين والرهن‪ .‬وأما اهلبة فال بد‬
‫من اإلجياب فيها والقبول عند اجلميع‪.‬‬

‫الموهوب له ‪ :‬ومن شرطه أن يكون ممن يصح قبوله وقبضه‪.‬‬

‫اختلفوا هل القبض شرط يف صحة العقد أم ال؟‬

‫فاتفق الثوري‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأبو حنيفة أن من شرط صحة اهلبة القبض‪ ،‬وأنه إذا مل يقبض مل‬
‫يلزم الواهب‪.‬‬

‫وقال مالك‪ :‬ينعقد بالقبول وجيرب على القبض كالبيع سواء‪ ،‬فإن تأخر املوهوب له عن‬
‫طلب القبض حىت أفلس الواهب أو مرض بطلت اهلبة‪ ،‬وله إذا باع تفصيل‪ :‬إن علم فتأخر‬
‫مل يكن له إال الثمن‪ ،‬وإن قام يف الفور كان له املوهوب‪.‬‬

‫فمالك‪ :‬القبض عنده يف اهلبة من شروط التمام ال من شروط الصحة‪ ،‬وهو عند الشافعي‪،‬‬
‫وأيب حنيفة من شروط الصحة‪.‬‬

‫وقال أمحد‪ ،‬وأبو ثور وأهل الظاهر‪ :‬تصح اهلبة بالعقد‪ ،‬وليس القبض من شروطها أصال‪ ،‬ال‬
‫من شرط متام وال من شرط صحة‪ ،‬وهو قول‪.‬‬

‫وقال أمحد بن حنبل أن القبض من شروطها يف املكيل واملوزون‪.‬‬

‫فعمدة من لم يشترط القبض يف اهلبة ُ‬


‫تشبيهها بالبيع‪ ،‬وأن األصل يف العقود أن ال قبض‬
‫مشرتط يف صحتها حىت يقوم الدليل على اشرتاط القبض‪.‬‬

‫وعمدة من اشترط القبض أن ذلك مروي عن أيب بكر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف حديث‬
‫هبته لعائشة املتقدم‪ ،‬وهو نص يف اشرتاط القبض يف صحة اهلبة‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫وأما مالك فاعتمد األمرين مجيعا‪( :‬القياس وما روي عن الصحابة) ومجع بينهما‪ .‬فمن‬
‫حيث هي عقد من العقود مل يكن القبض شرطا من شروط صحتها‪ .‬ومن حيث شرطت‬
‫الصحابة فيه القبض لسد الذريعة جعل القبض فيها من شرط التمام‪.‬‬

‫لمن يحوز االب من ولده ‪ :‬جمهور فقهاء األمصار على أن األب حيوز البنه الصغري‬
‫الذي يف والية نظره‪ ،‬وللكبري السفيه الذي ما وهبه‪ ،‬كما حيوز هلما ما وهبه غريه هلما‪ ،‬وأنه‬
‫يكفي يف احليازة له إشهاده باهلبة واإلعالن بذلك‪ ،‬وذلك كله فيما عدا الذهب والفضة‬
‫وفيما ال يتعني‪.‬‬

‫وحجتهم ‪ :‬يف ذلك عندهم ما رواه مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن املسيب أن عثمان‬
‫بن عفان قال‪ :‬من حنل ابنا له صغريا مل يبلغ أن حيوز حنلته فأعلن ذلك وأشهد عليه فهي‬
‫حيازة وإن وليها‪.‬‬

‫شروط الحيازة في المسكون والملبوس للولد وقال مالك وأصحابه‪ ، :‬فإن كانت دارا‬
‫سكن فيها خرج منها‪ ،‬وكذلك امللبوس إن لبسه بطلت اهلبة‪ ،‬وقالوا يف سائر العروض مبثل‬
‫قول الفقهاء أنه يكفي يف ذلك إعالنه وإشهاده‪.‬‬

‫وأما الذهب والورق فاختلفت الرواية فيه عن مالك‪ ،‬فروي عنه أنه ال جيوز إال أن خيرجه‬
‫األب عن يده إىل يد غريه‪ ،‬وروي عنه أنه جيوز إذا جعلها يف ظرف أو إناء وختم عليها‬
‫خبامت وأشهد على ذلك الشهود‪.‬‬

‫هل الوصي يقوم في ذلك مقام األب ؟ ال خالف بني أصحاب مالك ‪.‬يف ذلك ‪.‬‬

‫واختلفوا في األم؛ فقال ابن القاسم‪ :‬ال تقوم مقام األب‪ ،‬ورواه عن مالك‪،‬‬

‫وقال غريه من أصحابه‪ :‬تقوم‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة‪،‬‬

‫‪97‬‬
‫وقال الشافعي‪ :‬اجلد مبنزلة األب‪ ،‬واجلدة أم األم عند ابن وهب تقوم مقام األم‪ ،‬واألم‬
‫عنده تقوم مقام األب‪.‬‬

‫أنواع الهبات‬

‫و اهلبة منها ما هي هبة عني أي رقبة‪ ،‬ومنها ما هي هبة منفعة‪ .‬أي عوض وهبة العني منها‬
‫ما يقصد هبا الثواب‪ ،‬ومنها ما ال يقصد هبا الثواب‪ .‬واليت يقصد هبا الثواب منها ما يقصد‬
‫هبا وجه اهلل‪ ،‬ومنها ما يقصد به وجه املخلوق‪.‬‬

‫فأما الهبة لغير الثواب فال خالف يف جوازها‪ ،‬وإمنا اختلفوا يف أحكامها‪.‬‬

‫وأما هبة الثواب فاختلفوا فيها‪ ،‬فأجازها مالك وأبو حنيفة ؛ ومنعها الشافعي‪ ،‬وبه قال‬
‫داود وأبو ثور‪.‬‬

‫وسبب الخالف ‪:‬هل هي بيع جمهول الثمن أو ليس بيعا جمهول الثمن؟‬

‫فمن رآه بيعا جمهول الثمن قال ‪ :‬هو من بيوع الغرر اليت ال جتوز‪ ،‬ومن مل ير أهنا بيع‬
‫جمهول‪ ،‬قال‪ :‬جيوز ؛ قال ابن رشد ‪ :‬وكأن مالكا جعل العرف فيها مبنزلة الشرط ‪ ،‬وهو‬
‫ثواب مثلها‪.‬‬

‫إذا لم يرض الواهب بالثواب ما الحكم؟ فقيل تلزمه اهلبة إذا أعطاه املوهوب القيمة‪،‬‬
‫وقال عمر ال تلزمه إال أن يرضيه‪ ، ،‬فإذا اشرتط فيه الرضا فليس هنالك بيع انعقد‪ ،‬واألول‬
‫هو املشهور عن مالك‪.‬‬

‫وأما إذا ألزم القيمة فهنالك بيع انعقد‪،‬‬

‫‪98‬‬
‫وإمنا حيمل مالك اهلبة على الثواب إذا اختلفوا يف ذلك‪ ،‬وخصوصا إذا دلت قرينة احلال‬
‫على ذلك مثل أن يهب الفقري للغين‪ ،‬أو ملن يرى أنه إمنا قصد بذلك الثواب‪.‬‬

‫وأما هبات المنافع‪ :‬فمنها ما هي مؤجلة‪ ،‬وهذه تسمى عارية ومنحة وما أشبه ذلك‪،‬‬
‫ومنها ما يشرتط فيها ما بقيت حياة املوهوب له‪ ،‬وهذه تسمى العمرى‪ ،‬مثل أن يهب رجل‬
‫رجال سكىن دار حياته‪ ،‬وهذه اختلف العلماء فيها على ثالثة أقوال‪:‬‬

‫أحدها‪ :‬أهنا هبة مبتوتة‪ :‬أي أهنا هبة للرقبة‪ ،‬وبه قال الشافعي وأبو حنيفة‪ ،‬والثوري‪ ،‬وأمحد‬
‫ومجاعة‪.‬‬

‫والثاني‪ :‬أنه ليس للمعمر فيها إال املنفعة‪ ،‬فإذا مات عادت الرقبة للمعمر أو إىل ورثته‪ ،‬وبه‬
‫قال مالك وأصحابه‪،‬‬

‫والثالث‪ :‬وبه قال داود‪ ،‬وأبو ثور أنه إذا قال‪ :‬هي عمرى لك ولعقبك كانت الرقبة ملكا‬
‫للمعمر أو لورثته‪.،‬‬
‫للمعمر‪ ،‬فإذا مل يذكر العقب عادت الرقبة بعد موت املعمر َّ‬
‫ِّ‬
‫وسبب الخالف يف هذا الباب اختالف اآلثار‪ ،‬ومعارضة الشرط والعمل لألثر‪.‬‬

‫أما األثر ففي ذلك حديثان‪:‬‬

‫أحدمها متفق على صحته‪ ،‬وهو ما رواه مالك عن جابر أن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ -‬قال‪« :‬أميا رجل أعمر عمرى له ولعقبه فإهنا للذي يعطاها‪ ،‬ال ترجع إىل الذي‬
‫أعطاها أبدا ؛ألنه أعطى عطاء وقعت فيه املواريث» ‪.‬‬

‫واحلديث الثاين‪ :‬حديث أيب الزبري عن جابر قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬
‫«يا معشر األنصار أمسكوا عليكم أموالكم وال تعمروها ؛ فمن أعمر شيئا حياته فهو له‬

‫‪99‬‬
‫حياته ومماته» ‪ .‬وقد روي عن جابر بلفظ آخر‪« :‬ال تعمروا وال ترقبوا فمن أعمر شيئا أو‬
‫أرقبه فهو لورثته» ‪.‬‬

‫فحديث أيب الزبري عن جابر خمالف لشرط املعمر‪ .‬وحديث مالك عنه خمالف أيضا لشرط‬
‫املعمر‬

‫فمن غلب احلديث على الشرط قال حبديث أيب الزبري عن جابر‪ ،‬وحديث مالك عن‬
‫املعمر إن مل‬
‫جابر‪ ،‬ومن غلب الشرط قال بقول مالك‪ ،‬وأما من قال‪ :‬إن العمرى تعود إىل ِّ‬
‫يذكر العقب‪ ،‬وال تعود إن ذكر‪ ،‬فإنه أخذ بظاهر احلديث‪.‬‬

‫هبة االسكان إذا أتى بلفظ اإلسكان‪ ،‬فقال‪ :‬أسكنتك هذه الدار حياتك‪ ،‬فاجلمهور على‬
‫بالع َقب‪ ،‬ومالك سوى بني‬
‫ظ َ‬ ‫أن اإلسكان عندهم‪ ،‬أو اإلخدام خبالف العمرى‪ ،‬وإن ل َف َ‬
‫التعمري واإلسكان‪ .‬وكان احلسن وعطاء وقتادة‪ ،‬يسوون بني السكىن والتعمري يف أهنا ال‬
‫تنصرف إىل املسكن أبدا واحلق أن اإلسكان والتعمري هلما معىن واحد‪ ،‬وأنه جيب أن يكون‬
‫بالع يقب خمالفا له إذا مل يصرح بذكر العقب على ما ذهب إليه أهل‬
‫احلكم إذا صرح َ‬
‫الظاهر‪.‬‬

‫جواز االعتصار في الهبة وهو الرجوع فيها ‪ :‬فذهب مالك ومجهور علماء املدينة أن‬
‫لألب أن يعتصر ما وهبه البنه ما مل يتزوج االبن‪ ،‬أو مل يستحدث َدينا أو باجلملة ما مل‬
‫يرتتب عليه حق للغري‪ ،‬وأن لألم أيضا أن تعتصر ما وهبت إن كان األب حيا‪ ،‬وقد روي‬
‫عن مالك أهنا ال تعتصر‪.‬‬

‫وقال أمحد وأهل الظاهر‪ :‬ال جيوز ألحد أن يعتصر ما وهبه‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫وقال أبو حنيفة‪ :‬جيوز لكل أحد أن يعتصر ما وهبه إال ما وهب لذي حمرم حمرمة عليه‪.‬‬
‫وأمجعوا على أن اهلبة اليت يراد هبا الصدقة أنه ال جيوز ألحد الرجوع فيها‪.‬‬

‫وسبب الخالف في هذا الباب تعارض اآلثار‪.‬‬

‫فمن مل ير االعتصار أصال‪ :‬احتج بعموم احلديث الثابت‪ ،‬وهو قوله ‪ -‬عليه الصالة‬
‫والسالم ‪« :-‬العائد يف هبته كالكلب يعود يف قيئه» ‪.‬‬

‫ومن استثىن األبوين احتج حبديث طاوس أنه قال ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪« :-‬ال حيل‬
‫لواهب أن يرجع يف هبته إال الوالد» ‪ ،‬وقاس األم على الوالد‪ ،‬وقال الشافعي‪ :‬لو اتصل‬
‫حديث طاوس لقلت به‪ ،‬وقال غريه‪ :‬قد اتصل من طريق حسني املعلم‪ ،‬وهو ثقة‪.‬‬

‫وأما من أجاز االعتصار إال لذوي الرحم احملرمة‪ ،‬فاحتج مبا رواه مالك عن عمر بن‬
‫اخلطاب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أنه قال‪" :‬من وهب هبة لصلة رحم أو على جهة صدقة‪ ،‬فإنه‬
‫ال يرجع فيها‪ ،‬ومن وهب هبة يرى أنه إمنا أراد الثواب هبا فهو على هبته يرجع فيها إذا مل‬
‫يرض منها"‪ .‬قالوا‪ :‬وأيضا فإن األصل أن من وهب شيئا عن غري عوض أنه ال يقضي عليه‬
‫به كما لو وعد‪ ،‬إال ما اتفقوا عليه من اهلبة على وجه الصدقة‪.‬‬

‫من تصدق على ابنه فمات االبن بعد أن حازها فجمهور العلماء على أنه يرثها‪ .‬ويف‬
‫مرسالت مالك «أن رجال أنصاريا من اخلزرج تصدق على أبويه بصدقة فهلكا فورث‬
‫ابنهما املال وهو خنل‪ ،‬فسأل عن ذلك النِب ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬فقال‪ " :‬قد أجرت‬
‫يف صدقتك‪ ،‬وخذها مبرياثك» وخرج أبو داود أن امرأة أتت رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ -‬فقالت‪« :‬كنت قد تصدقت على أمي بوليدة‪ ،‬وإهنا ماتت وتركت تلك الوليدة‪،‬‬
‫فقال ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ :-‬وجب أجرك ورجعت إليك باملرياث» ‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫وقال أهل الظاهر‪ :‬ال جيوز االعتصار ألحد لعموم قوله ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬لعمر‪:‬‬
‫«ال تشرته"‪ ،‬يف الفرس الذي تصدق به‪ ،‬فإن العائد يف هبته كالكلب يعود يف قيئه»‬
‫واحلديث متفق على صحته‪.‬‬

‫قال القاضي‪ :‬والرجوع يف اهلبة ليس من حماسن األخالق‪ ،‬والشارع ‪ -‬عليه الصالة والسالم‬
‫‪ -‬إمنا بعث ليتمم حماسن األخالق‪.‬‬

‫‪ 15‬الوصية‬

‫الوصية ‪ :‬لغة ‪ :‬مشتقة من وصيت الشيء بالشيء إذا وصلته‪ ،‬كأن املوصي ملا أوصى هبا‬
‫وصل ما بعد املوت مبا قبله يف نفوذ التصرف ‪،‬‬

‫واصطالحا قال ابن عرفة هي يف عرف الفقهاء ال الفراض "عقد يوجب حقا يف ثلث‬
‫عاقده يلزم مبوته أو نيابة عنه بعده "‬

‫واألركان أربعة‪ :‬الموصي‪ ،‬والموصى له‪ ،‬والموصى به‪ ،‬والصيغة‬

‫‪ -1‬أما الموصي ‪:‬‬

‫فاتفقوا على أنه كل مالك صحيح امللك‪ ،‬ويصح عند مالك وصية السفيه والصِب الذي‬
‫يعقل‪ ،‬وقال أبو حنيفة ال جتوز وصية الصِب الذي مل يبلغ‪ ،‬وعن الشافعي القوالن وكذلك‬
‫وصية الكافر تصح عندهم إذا مل يوص مبحرم‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫‪ -2‬وأما الموصى له ‪:‬‬

‫فإهنم اتفقوا على أن الوصية ال جتوز لوارث لقوله ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪« :-‬ال وصية‬
‫لوارث» ‪،‬‬

‫واختلفوا هل جتوز لغري القرابة؟ فقال مجهور العلماء‪ :‬إهنا جتوز لغري األقربني مع الكراهية‪،‬‬
‫وقال احلسن‪ ،‬وطاوس‪ :‬ترد الوصية على القرابة‪ ،‬وبه قال إسحاق‪.‬‬

‫وحجة هدالء ظاهر قوله تعاىل‪{ :‬الوصية للوالدين واألقربني} واأللف والالم تقتضي احلصر‪.‬‬

‫واحتج اجلمهور حبديث عمران بن حصني املشهور وهو «أن رجال أعتق ستة أعبد له يف‬
‫مرضه عند موته‪ ،‬ال مال له غريهم‪ ،‬فأقرع رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬بينهم‪،‬‬
‫وأرق أربعة» والعبيد غري القرابة‪.‬‬

‫‪-‬إذا أجاز الورثة الوصية لوارث‬

‫وأمجعوا ‪ -‬أهنا ال جتوز لوارث إذا مل جيزها الورثة‪.‬‬

‫واختلفوا ‪ -‬إذا أجازهتا الورثة‪ ،‬فقال اجلمهور‪ :‬جتوز‪ ،‬وقال أهل الظاهر واملزين‪ :‬ال جتوز‪.‬‬

‫وسبب اخلالف هل املنع لعلة الورثة أو عبادة؟ فمن قال عبادة قال‪ :‬ال جتوز وإن أجازها‬
‫الورثة‪ ،‬ومن قال بالبيع حلق الورثة أجازها إذا أجازها الورثة‪.‬‬

‫وتردد هذا اخلالف راجع إىل تردد املفهوم من قوله ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪« :-‬ال وصية‬
‫لوارث» هل هو معقول املعىن أم ليس مبعقول؟‬

‫الوصية للميت واختلفوا فيها ‪ ،‬فقال قوم‪ :‬تبطل مبوت املوصى له‪ ،‬وهم اجلمهور؛ وقال‬
‫قوم‪ :‬ال تبطل‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫الوصية للقاتل خطأ وعمدا‪ .‬إذا أذن الورثة للميت هل هلم أن يرجعوا يف ذلك بعد موته؟‬
‫فقيل هلم‪ ،‬وقيل ليس هلم‪ ،‬وقيل بالفرق بني أن يكون الورثة يف عيال امليت أو ال يكونوا‪،‬‬
‫أعين أهنم إن كانوا يف عياله كان هلم الرجوع‪ ،‬و األقوال ثالثة يف املذهب‬

‫الموصى به والنظر في جنسه وقدره ‪:‬‬

‫‪ -‬أما جنسه‪ :‬فإهنم اتفقوا على جواز الوصية يف الرقاب‪،‬‬

‫واختلفوا يف املنافع‪ ،‬فقال مجهور فقهاء األمصار‪ :‬ذلك جائز‪ ،‬وقال ابن أيب ليلى وابن‬
‫شربمة‪ ،‬وأهل الظاهر‪ :‬الوصية باملنافع باطلة‪.‬‬

‫وعمدة اجلمهور أن املنافع يف معىن األموال‪.‬‬

‫وعمدة الطائفة الثانية أن املنافع منتقلة إىل ملك الورثة ؛ ألن امليت ال ملك له فال تصح له‬
‫وصية مبا يوجد يف ملك غريه‪ ،‬وإىل هذا القول ذهب أبو عمر بن عبد الرب‪.‬‬

‫وأما القدر‪ :‬فإن العلماء اتفقوا على أنه ال جتوز الوصية يف أكثر من الثلث ملن ترك ورثة‪.‬‬

‫واختلفوا فيمن مل يرتك ورثة ‪ ،‬ويف القدر املستحب منها‪ ،‬هل هو الثلث أو دونه؟‬

‫وإمنا صار اجلميع إىل أن الوصية ال جتوز يف أكثر من الثلث ملن له وارث مبا ثبت عنه ‪-‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪« -‬أنه عاد سعد بن أيب وقاص‪ ،‬قال له يا رسول اهلل‪ :‬قد بلغ مين‬
‫الوجع ما ترى وأنا ذو مال وال يرثين إال ابنة يل‪ ،‬أفأتصدق بثلثي مايل؟ فقال له رسول اهلل‬
‫‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ :-‬ال‪ ،‬فقال له سعد‪ :‬فالشطر؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬مث قال رسول اهلل ‪-‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ :-‬الثلث والثلث كثري إنك أن تذر ورثتك أغنياء خري من أن تذرهم‬
‫عالة يتكففون الناس» ‪ ،‬فصار الناس ملكان هذا احلديث إىل أن الوصية ال جتوز بأكثر من‬
‫الثلث‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫المستحب في مقدار الوصية‬

‫واختلفوا فيه فذهب قوم إىل أنه ما دون الثلث‪ ،‬لقوله ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬يف هذا‬
‫احلديث‪« :‬والثلث كثري» ‪ ،‬وقال هبذا كثري من السلف‪ .‬قال قتادة‪ :‬أوصى أبو بكر‬
‫باخلمس‪ ،‬وأوصى عمر بالربع‪ ،‬واخلمس أحب إيل‪.‬‬

‫وأما من ذهب إىل أن املستحب هو الثلث فإهنم اعتمدوا على ما روي عن النِب ‪ -‬صلى‬
‫اهلل عليه وسلم ‪ -‬أنه قال‪« :‬إن اهلل جعل لكم يف الوصية ثلث أموالكم زيادة يف أعمالكم»‬
‫وهذا احلديث ضعيف عند أهل احلديث‪.‬‬

‫وثبت عن ابن عباس أنه قال‪ :‬لو غض الناس يف الوصية من الثلث إىل الربع لكان أحب‬
‫إيل ؛ ألن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪« :‬الثلث والثلث كثري» ‪.‬‬

‫وأما اختالفهم في جواز الوصية بأكثر من الثلث لمن ال وارث له‪ ،‬فإن مالكا ال جييز‬
‫ذلك واألوزاعي‪ ،‬واختلف فيه قول أمحد‪،‬‬

‫وأجاز ذلك أبو حنيفة وإسحاق‪ ،‬وهو قول ابن مسعود‪.‬‬

‫وسبب اخلالف هل هذا احلكم خاص بالعلة اليت علله هبا الشارع أم ليس خباص‪ ،‬وهو أن‬
‫ال يرتك ورثته عالة يتكففون الناس‪ ،‬كما قال ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪« :-‬إنك أن تذر‬
‫ورثتك أغنياء خري من أن تذرهم عالة يتكففون الناس» فمن جعل هذا السبب خاصا‬
‫وجب أن يرتفع احلكم بارتفاع هذه العلة‪ ،‬ومن جعل احلكم عبادة وإن كان قد علل بعلة‪،‬‬
‫أو جعل مجيع املسلمني يف هذا املعىن مبنزلة الورثة‪ ،‬قال‪ :‬ال جتوز الوصية بإطالق بأكثر من‬
‫الثلث‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫القول في المعنى الذي يدل عليه لفظ الوصية ‪ ،‬والوصية باجلملة هي هبة الرجل ماله‬
‫لشخص آخر‪ ،‬أو ألشخاص بعد موته‪ ،‬أو عتق غالمه سواء صرح بلفظ الوصية أو مل‬
‫يصرح به‪ ،‬وهذا العقد هو من العقود اجلائزة باتفاق ونعين أن للموصي أن يرجع فيما أوصى‬
‫به إال املدبر فإهنم اختلفوا فيه ‪.‬‬

‫متى تجب الوصية للموصى له‪.‬‬

‫وأجمعوا على أنه ال يجب للموصى له إال بعد موت الموصي‪.‬‬

‫واختلفوا يف قبول املوصى له هل هو شرط يف صحتها أم ال؟‬

‫فقال مالك‪ :‬قبول املوصى له إياها شرط يف صحة الوصية‪ ،‬وروي عن الشافعي أنه ليس‬
‫القبول شرطا يف صحتها‪ ،‬ومالك شبهها باهلبة‪.‬‬

‫حكم من أوصى لرجل بالثلث ‪ ،‬وعين ما هو الثلث‪ ،‬فقال الورثة‪ :‬هو أكثر من الثلث‪،‬‬

‫فقال مالك‪ :‬الورثة خمريون بني أن يعطوه ذلك الذي عينه املوصي أو يعطوه الثلث من‬
‫مجيع مال امليت‪ ،‬وخالفه يف ذلك أبو حنيفة‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأبو ثور‪ ،‬وأمحد‪ ،‬وداود‪.‬‬

‫وعمدهتم أن الوصية قد وجبت للموصى له مبوت املوصي وقبوله إياها باتفاق‪ ،‬فكيف ينقل‬
‫عن ملكه ما وجب له بغري طيب نفس منه‪ ،‬وتغري الوصية‪.‬‬

‫وعمدة مالك إمكان صدق الورثة فيما ادعوه‪ ،‬وما أحسن ما رأى أبو عمر بن عبد الرب‬
‫يف هذه املسألة‪ ،‬وذلك أنه قال‪ :‬إذا ادعى الورثة ذلك كلفوا بيان ما ادعوا‪ ،‬فإن ثبت ذلك‬
‫أخذ منه املوصى له قدر الثلث من ذلك الشيء املوصى به‪ ،‬وكان شريكا للورثة‪ ،‬وإن كان‬
‫الثلث فأقل جربوا على إخراجه‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫وإذا لم يختلفوا أنه فوق الثلث ولم يردوا إعطاءه بعينه ‪ ،‬فعند مالك أن الورثة خمريون‬
‫بني أن يدفعوا إليه ما أوصى له به‪ ،‬أو يفرجوا له عن مجيع ثلث مال امليت‪ ،‬إما يف ذلك‬
‫الشيء بعينه‪ ،‬وإما يف مجيع املال على اختالف الرواية عن مالك يف ذلك‪.‬‬

‫وقال أبو حنيفة والشافعي‪ :‬له ثلث تلك العني ويكون بباقيه شريكا للورثة يف مجيع ما ترك‬
‫امليت حىت يستويف متام الثلث‪.‬‬

‫وسبب الخالف أن الميت لما تعدى في أن جعل وصيته في شيء بعينه‪ ،‬فهل األعدل‬
‫في حق الورثة أن يخيروا بين إمضاء الوصية أو يفرجوا له إلى غاية ما يجوز للميت أن‬
‫يخرج عنهم من ماله ‪ ،‬أو يبطل التعدي ويعود ذلك الحق مشتركا‪ ،‬وهذا هو األولى‬
‫إذا قلنا‪ :‬إن التعدي هو يف التعيني لكونه أكثر من الثلث (أعين‪ :‬أن الواجب أن يسقط‬
‫التعيني) وأما أن يكلف الورثة أن ميضوا التعيني أو يتخلوا عن مجيع الثلث فهو محل عليهم‪.‬‬

‫فيمن وجبت عليه زكاة فمات ولم يوص بها فهل هي من الثلث‪ ،‬أو من رأس المال؟‬

‫اختلفوا ‪ :‬فقال مالك‪ :‬إذا مل يوص هبا مل يلزم الورثة إخراجها‪ ،‬وقال الشافعي‪ :‬يلزم الورثة‬
‫إخراجها من رأس املال‪.‬‬

‫وإذا وصى‪ ،‬فعند مالك يلزم الورثة إخراجها وهي عنده من الثلث‪ ،‬وهي عند الشافعي‬
‫يف الوجهني من رأس املال شبهها بالدين لقول رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪« -‬فدين‬
‫اهلل أحق أن يقضى» ‪ ،‬وكذلك الكفارات الواجبة‪ ،‬واحلج الواجب عنده‪ ،‬ومالك جيعلها من‬
‫جنس الوصايا بالتوصية بإخراجها بعد املوت‪ ،‬وال خالف أنه لو أخرجها يف احلياة أهنا من‬
‫رأس املال ولو كان يف السياق‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫وكأن مالكا اتهمه هنا على الورثة (أعني‪ :‬في توصيته بإخراجها) ‪ ،‬قال‪ :‬ولو أجيز هذا‬
‫لجاز لإلنسان أن يؤخر جميع زكاته طول عمره حتى إذا دنا من الموت وصى بها‪.‬‬

‫فإذا زاحمت الوصايا الزكاة قدمت عند مالك على ما هو أضعف منها‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪:‬‬
‫هي وسائر الوصايا سواء‪ ،‬يريد يف احملاصة‪.‬‬

‫واتفق مالك ومجيع أصحابه على أن الوصايا اليت يضيق عنها الثلث إذا كانت مستوية أهنا‬
‫تتحاص يف الثلث‪ ،‬وإذا كان بعضها أهم من بعض قدم األهم‪ .‬واختلفوا يف الرتتيب على ما‬
‫هو مسطور يف كتبهم‪.‬‬

‫ومن مسائلهم الحسابية المشهورة في هذا الباب‪ ،‬إذا أوصى لرجل بنصف ماله وآلخر‬
‫بثلثيه ‪ ،‬ورد الورثة الزائد‪،‬‬

‫فعند مالك والشافعي أهنما يقتسمان الثلث بينهما أمخاسا‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬بل يقتسمان‬
‫الثلث بالسوية‪ .‬وسبب اخلالف هل الزائد على الثلث الساقط هل يسقط االعتبار به يف‬
‫القسمة كما يسقط يف نفسه بإسقاط الورثة؟ فمن قال يبطل يف نفسه ‪ ،‬وال يبطل االعتبار‬
‫به يف القسمة إذ كان مشاعا قال‪ :‬يقتسمون املال أمخاسا‪ ،‬ومن قال يبطل االعتبار به كما‬
‫لو كان معينا قال‪ :‬يقتسمون الباقي على السواء‪.‬‬

‫إذا أوصى بجزء من ماله وله مال يعلم به ‪،‬ومال ال يعلم به‪،‬‬

‫فعند مالك أن الوصية تكون فيما علم به دون ما مل يعلم‪ ،‬وعند الشافعي تكون يف املالني‪.‬‬

‫وسبب الخالف هل اسم المال الذي نطق به يتضمن ما علم وما لم يعلم‪ ،‬أو ما علم‬
‫فقط؟ والمشهور عن مالك أن المدبر يكون في المالين إذا لم يخرج من المال الذي‬
‫يعلم‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫فهرس الموضوعات‬

‫القسمة ‪1...................................‬‬
‫مسألة‪ :‬مشروعية القسمة‪ :‬الكتاب والسنة واإلجماع و المعقول ‪1..............‬‬
‫مسألة‪ :‬األركان القاسم‪ ،‬والمقسوم عليه‪ ،‬والقسمة ‪2...............................‬‬
‫أوال‪ :‬القاسم ‪2...............................................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬المقسوم عليه‪2.................................................................... .‬‬
‫ثالثا‪ :‬القسمة ‪2..............................................................................‬‬
‫أنواع القسمة‪2............................................................................ .‬‬
‫قسمة رقاب األموال ‪2.......................................................................‬‬
‫‪ - 1‬قسمة قرعة بعد تقويم‪ ،‬وتعديل‪3.................................................. .‬‬
‫‪ - 2‬وقسمة مراضاة بعد تقويم وتعديل‪3.................................................‬‬
‫‪ - 3‬وقسمة مراضاة بغير تقويم وال تعديل‪4.............................................‬‬
‫والرقاب تنقسم إلى ثالثة أقسام‪5........................................................:‬‬
‫أحكام قسمة الرباع واألصول‪5........................................................... :‬‬
‫النوع األول‪ :‬االنقسام الذي يصلح معه االنتفاع‪6.....................................:‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬االنقسام الذي ال يصلح معه االنتفاع‪6.................................:‬‬
‫اختلفوا من هذا الباب فيما إذا قسم انتقلت منفعته إلى منفعة أخرى مثل الحمام‪7..‬‬
‫قسمة الرباع واألصول ذوات المحل المتعدد‪7.........................................‬‬
‫حكم قسمة الحوائط المثمرة‪8........................................................... :‬‬

‫‪109‬‬
‫صفة القسم بالقرعة‪8..................................................................... :‬‬
‫في العروض والحيوان‪9................................................................. ،‬‬
‫العروض ذوات الجنس الواحد‪9........................................................ :‬‬
‫العروض ذوات الجنس المتعدد‪9........................................................ :‬‬
‫ضابط الصنف الواحد عند مالك وأصحابه‪11.........................................:‬‬
‫في أحكام قسمة المكيل أو الموزون‪11.................................................:‬‬
‫قسمة المنافع‪12............................................................................ .‬‬
‫القول في األحكام القسمة ‪13............................................................. :‬‬
‫والطوارئ ثالثة‪ :‬غبن‪ ،‬أو وجود عيب‪ ،‬أو استحقاق‪13..............................‬‬

‫كتاب الثاني الرهن ‪16.......................................‬‬


‫تعريف الرهن ‪16............................................................................‬‬
‫األركان الرهن ‪16 .........................................................................‬‬
‫الركن األول‪ :‬الراهن‪16 .............................................................. :‬‬
‫الذي أحاط الدين بماله هل يجوز رهنه؟ ‪16............................................‬‬
‫الركن الثاني ‪:‬وهو الرهن ‪16 ........................................................ :‬‬
‫شروط الرهن عند الشافعية ‪16 .........................................................‬‬
‫ما ال يحل بيعه في وقت االرتهان هل يجوز أم ال؟‪17................................‬‬
‫رهن ما لم يتعين وهل من شرط الرهن أن يكون ملكا للراهن؟‪17.................‬‬
‫إذا قبض المرتهن الرهن بغصب‪ ،‬هل ينقل إلى ضمان الرهن؟ ‪17................‬‬

‫‪110‬‬
‫رهن المشاع‪17................................................................ ......... :‬‬
‫الركن الثالث‪( :‬وهو الشيء المرهون فيه) ‪ :‬وهو الدين‪18.........................‬‬
‫شروط الشافعية‪ :‬في المرهون فيه ‪19..................................................‬‬
‫الشروط الرهن المنطوق بها في الشرع ضربان‪ :‬شروط صحة‪ ،‬وشروط فساد‪21‬‬
‫هل من شرط صحة الرهن استدامة القبض أم ال؟‪21.................................‬‬
‫هل الرهن جائز في الحضر أم ال؟‪21......................................................‬‬
‫وأما الشرط المحرم الممنوع بالنص ‪21...................................................‬‬
‫حقوق المرتهن في الرهن‪21....................................................... ....:‬‬
‫هل يتعلق الرهن بالمرهون فيه كامال أم ببعضه؟‪21....................................‬‬
‫النماء الرهن المنفصل هل يدخل في الرهن؟‪21.........................................‬‬
‫هل للمرتهن أن ينتفع بشيء من الرهن؟‪23..............................................‬‬
‫من يضمن الرهن إذا هلك؟ ‪23.............................................................‬‬
‫هل يجوز للراهن بيع العين المرهونة وهي تحت يد المرتهن؟‪24....................‬‬
‫وأما اختالف الراهن‪ ،‬والمرتهن في قدر الحق الذي وجب به الرهن‪25.............:‬‬
‫وأما إذا تلف الرهن‪ ،‬واختلفوا في صفته‪25.............................................. :‬‬

‫كتاب الحجر ‪26.....................................‬‬


‫الباب األول في أصناف المحجورين ‪26....................................................‬‬
‫من يجب عليهم الحجر ‪26....................................................................‬‬
‫اختلف العلماء في الحجر على العقالء الكبار إذا ظهر منهم تبذير ألموالهم‪26...:‬‬
‫المسألة الثالثة ‪ :‬في أصناف المحجورين عند مالك‪28.................................‬‬

‫‪111‬‬
‫الباب الثاني‪ :‬متى يخرجون من الحجر‪ ،‬ومتى يحجر عليهم‪ ،‬وبأي شروط‬
‫يخرجون؟ ‪28...................................................................................‬‬
‫المسألة الرابعة ‪ :‬في وقت خروج الصغار عن الحجر‪28.............................:‬‬
‫الذكور الصغار ذوو اآلباء‪29..............................................................‬‬
‫وأما اختالفهم في الرشد ما هو؟ ‪29....................................................‬‬
‫اإلناث الصغار ذوو اآلباء ‪29...............................................................‬‬
‫إذا بلغ ولم يعلم سفهه من رشده ‪31.......................................................‬‬
‫في وقت خروج الموصى عليهم عن الحجر‪31........................................:‬‬
‫المحجور عليهم ذوو األوصياء ‪31.................................................... :‬‬
‫حال البكر مع الوصي كحال الذكر‪31......................................................‬‬
‫في حكم المهمل من الذكور والنساء‪32................................................ .‬‬
‫في معرفة أحكام أفعال المحجورين في الرد واإلجازة‪32.............................‬‬
‫حكم تصرف الصغار الذين لم يبلغوا الحلم من الرجال‪ ،‬وال المحيض من النساء‪32‬‬
‫حكم تصرفات السفيه البالغ‪33............................................................ :‬‬
‫حكم وصيته‪33.............................................................................. :‬‬
‫ما يفعله السفيه بعوض‪34................................................................ :‬‬
‫أفعال المحجورين‪ ،‬أو المهملين على مذهب مالك‪ :‬تنقسم إلى أربع أحوال‪34.....:‬‬

‫التفليس ‪35...................................................‬‬
‫إذا استغرق الدين مال المدين ‪35...............................................................‬‬

‫‪112‬‬
‫في ماذا يحجر عليه‪ ،‬وبأي ديون تكون المحاصة في ماله ‪ ،‬وفي أي شيء من ماله تكون‬
‫المحاصة؟ وكيف تكون؟ ‪36....................................................................‬‬
‫هل ديون المفلس المؤجلة هل تحل بالتفليس أم ال؟ ‪37...................................‬‬
‫‪.‬المسألة الرابعة‪ :‬فيما يرجع به أصحاب الديون من مال المفلس‪37..................:‬‬
‫إذا قبض البائع بعض الثمن‪39............................................................... :‬‬
‫الموت هل حكمه حكم الفلس ؟ ‪39..............................................................‬‬
‫من وجد سلعته بعينها عند المفلس‪ ،‬وقد أحدث زيادة‪41..................................‬‬
‫وتحصيل مذهب مالك فيما يكون الغريم به أحق من سائر الغرماء في الموت والفلس‪،‬‬
‫أو في الفلس دون الموت‪41...................................................................:‬‬
‫في مقدار ما يترك للمفلس من ماله ‪42.......................................................‬‬
‫في معرفة الديون التي يحاص بها من الديون التي ال يحاص بها على مذهب مالك ‪42...‬‬
‫واختلفوا من هذا الباب في فرع طارئ‪ ،‬وهو إذا هلك مال المحجور عليه بعد الحجر‬
‫وقبل قبض الغرماء‪ :‬ممن مصيبته؟ ‪44....................................................‬‬
‫المفلس الذي ال مال له أصال ‪44...............................................................‬‬
‫المدين إذا ادعى الفلس‪ ،‬ولم يعلم صدقه ‪44................................................‬‬
‫والمحجورون عند مالك ‪45......................................................................‬‬

‫‪ 5‬الصلح‪46...............................................‬‬
‫تعريف الصلح ‪46.............................................................................‬‬
‫واتفق المسلمون على جوازه على اإلقرار‪46...........................................‬‬
‫واختلفوا في جوازه على اإلنكار‪46.....................................................:‬‬

‫‪113‬‬
‫وأما الصلح على اإلنكار‪47................................................................ :‬‬
‫أما كراهيته ‪47.................................................................................‬‬
‫وأما وجه جوازه ‪47..........................................................................‬‬

‫‪ 6‬الكفالة ‪48.........................................‬‬
‫الكفالة بالمال ‪48 ..............................................................................‬‬
‫الكفالة بالنفس ‪48 ..........................................................................‬‬
‫الحكم الالزم عن الكفالة ‪48 ...............................................................‬‬
‫إذا غاب المتحمل عنه؛ ما حكم الحميل بالوجه ‪48 ....................................‬‬
‫إذا اشترط الوجه دون المال وصرح بالشرط ‪49.....................................‬‬
‫إذا حضر الضامن والمضمون وكالهما موسر ‪49 ...................................‬‬
‫محل الكفالة ‪49 ............................................................................‬‬
‫وقت وجوب مطالبة الكفالة بالمال ‪49 ..................................................‬‬
‫وقت وجوب الكفالة بالوجه ‪49 ...........................................................‬‬
‫أصناف المضمونين ‪49 ....................................................................‬‬
‫شروط الكفالة ‪51...........................................................................‬‬
‫ما تجوز فيه الحمالة بالمال مما ال تجوز ‪51..........................................‬‬

‫‪ 7‬الحوالة ‪51..............................................‬‬
‫تعريف الحوال ‪51...................................................................................‬‬

‫‪114‬‬
‫رضا من يعتبر في الحوالة ‪51....................................................................‬‬
‫الشروط التي اتفق عليها ‪51......................................................................‬‬
‫وللحوالة عند مالك ثالثة شروط‪51............................................................ :‬‬
‫أحكامها‪52......................................................................................... :‬‬

‫الوكالة ‪52..............................................‬‬
‫تعريف الوكالة ‪52 ............................................................................‬‬
‫الباب األول‪ :‬في أركانها‪ ،‬وهي النظر فيما فيه التوكيل‪ ،‬وفي الموكل‪52 ..............‬‬
‫الركن األول‪ :‬في الموكل‪52 ................................................................ .‬‬
‫الركن الثاني‪ :‬في الوكيل ‪53..................................................................‬‬
‫الركن الثالث‪ :‬فما فيه التوكيل‪53.......................................................... .‬‬
‫شرط محل التوكيل ‪54.........................................................................‬‬
‫ماال يصح فيه التوكيل ‪54......................................................................‬‬
‫الركن الرابع‪ :‬الوكالة ‪54....................................................................‬‬
‫الباب الثاني‪ :‬في أحكام الوكالة‪54.......................................................... .‬‬
‫األحكام‪ :‬فمنها أحكام العقد‪ ،‬ومنها أحكام فعل الوكيل‪54................................‬‬
‫متى يكون الوكيل معزوال ؟ ‪55...............................................................‬‬
‫أحكام الوكيل ‪55...............................................................................‬‬
‫إذا وكل على بيع شيء هل يجوز له أن يشتريه لنفسه؟ ‪55...........................‬‬
‫إذا وكله في البيع وكالة مطلقة ‪56.........................................................‬‬
‫وإذا اشترى الوكيل شيئا وأعلم أن الشراء للموكل ‪56 ..................................‬‬

‫‪115‬‬
‫الباب الثالث في مخالفة الموكل للوكيل‪56 ................................................‬‬
‫اختالف الوكيل مع الموكل‪56 ........................................................... ،‬‬
‫إذا اختلفا في ضياع المال‪56 ............................................................... ،‬‬
‫إذا اختلفا في الدفع‪57....................................................................... ،‬‬
‫اختالفهم في مقدار الثمن الذي به أمره بالشراء‪57 ................................... ،‬‬
‫اختالفهم في مقدار الثمن الذي أمره به في البيع‪57 ................................... ،‬‬
‫إذا اختلفا فيمن أمره بالدفع ‪57 ..............................................................‬‬
‫إذا فعل الوكيل فعال هو تعد ‪57 ...............................................................‬‬

‫كتاب اللقطة ‪58........................................‬‬ ‫‪9‬‬


‫تعريفها ‪58 .......................................................................................‬‬
‫واألركان ثالثة‪ :‬االلتقاط‪ ،‬والملتقط‪ ،‬واللقطة‪58 ...........................................‬‬
‫‪ 1‬االلتقاط فاختلف العلماء هل هو أفضل أم الترك؟‪58....................................‬‬
‫لقطة الحاج ‪59..................................................................................‬‬
‫الملتقط‪59 ....................................................................................... :‬‬
‫األصل في اللقطة ‪59 ............................................................................‬‬
‫أحكام اللقطة‪ :‬ومدتها ‪ 59 ........................................................................‬حكم‬
‫التعريف بها ‪59.. ..........................................................................‬‬
‫واختلفوا في الغني هل له أن يأكلها أو ينفقها بعد الحول؟ ‪61............................‬‬
‫‪ -2‬وأما حكم دفع اللقطة لمن ادعاها ‪61.....................................................‬‬
‫هل البد من صفة الدنانير وعددها؟ ‪61........................................................‬‬
‫‪ -3‬واختلفوا إن نقص من العدد على قولين ‪62.............................................‬‬

‫‪116‬‬
‫هل البد من يمين صاحب اللقطة ‪62 ...........................................................‬‬
‫‪ -5‬وأما ضالة الغنم ‪62 .........................................................................‬‬
‫أقسام اللقطة عند مالك ‪62 ......................................................................‬‬
‫‪ -6‬وأما ضمانها ‪64........................................................................... ،‬‬
‫وتحصيل المذهب في ذلك أن واجد اللقطة عند مالك ال يخلو التقاطه لها من ثالثة أوجه‪:‬‬
‫‪64.........................................................................................‬‬
‫أحدها‪ :‬أن يأخذها على جهة االغتيال لها‪65...............................................‬‬
‫والثاني‪ :‬أن يأخذها على جهة االلتقاط‪65 .................................................. .‬‬
‫والثالث‪ :‬أن يأخذها ال على جهة االلتقاط وال على جهة االغتيال‪65 ................. .‬‬
‫واختلفوا هل يرجع الملتقط بما أنفق على اللقطة على صاحبها أم ال؟ ‪65 ............‬‬
‫باب في اللقيط‪65 .............................................................................. .‬‬
‫قول في وجوب االشهاد على اللقيط ‪65 ......................................................‬‬

‫‪ 11‬الوديعة ‪67...............................................‬‬
‫تعريفها ‪67.........................................................................................‬‬
‫أحكام الوديعة ‪67.................................................................................‬‬
‫هل هي أمانة مضمونة أم ال؟ ‪67..............................................................‬‬
‫من دفعها إلى غير اليد التي دفعتها إليه ‪68...............................................‬‬
‫فإن أقر المدفوع إليه بالوديعة ‪68..........................................................‬‬
‫إذا أودعها بشرط الضمان ‪69................................................................‬‬
‫إذا أنفق الوديعة‪ ،‬ثم رد مثلها‪ ،‬أو أخرجها لنفقته ثم ردها ‪69........................‬‬

‫‪117‬‬
‫إذا سافر بها ‪71...............................................................................‬‬
‫ليس للمودع عنده أن يودع الوديعة غيره من غير عذر ‪71.........................‬‬
‫ويختلف في المذهب في ضمانها بالنسيان ‪71...........................................‬‬
‫وقبول الوديعة عند مالك ال يجب في حال ‪71...........................................‬‬
‫فيمن أودع ماال فتعدى فيه واتجر به فربح فيه‪ ،‬هل ذلك الربح حالل له أم ال؟‪71.‬‬

‫‪ 11‬العارية‪72..................................................‬‬
‫تعريفها ‪72 .........................................................................................‬‬
‫وأركانها خمسة‪ :‬اإلعارة‪ ،‬والمعير‪ ،‬والمستعير‪ ،‬والمعار‪ ،‬والصيغة‪72 ..............‬‬
‫‪ -1‬اإلعارة ‪72 ...................................................................................‬‬
‫‪ -2‬المعير ‪72 .....................................................................................‬‬
‫‪ -3‬العارية ‪72 ....................................................................................‬‬
‫‪ -4‬صيغة اإلعارة ‪72 ...........................................................................‬‬
‫هل هي عقد جائز أم الزم؟‪72..................................................................‬‬
‫‪ -1‬هل هي مضمونة أو أمانة؟ ‪73............................................................‬‬
‫واتفقوا في اإلجارة على أنها غير مضمونة ‪73............................................‬‬
‫‪ -2‬واختلفوا إذا شرط الضمان ؟‪74............................................................‬‬
‫‪ -3‬إذا غرس المستعير وبنى ثم انقضت المدة التي استعار إليها‪74....................‬‬
‫‪ -4‬واختلفوا من هذا الباب في الرجل يسأل جاره أن يعيره جداره ليغرز فيه‬
‫خشبة لمنفعته وال تضر صاحب الجدار ‪75..................................................‬‬

‫‪118‬‬
‫كتاب الغصب ‪76.......................................................‬‬
‫تعرفه ‪76............................................................................................‬‬
‫واختلفوا في السبب الذي يحصل بمباشرته الضمان إذا تناول التلف بواسطة‬
‫سبب آخر‪ ،‬هل يحصل به ضمان أم ال؟ ‪76...................................................‬‬
‫ما يجب فيه الضمان فهو ما أتلفت عينه أو تلفت عند الغاصب عينه ‪77.............‬‬

‫واختلفوا فيما ال ينقل وال يحول مثل العقار ‪77..............................................‬‬


‫الواجب في الغصب ‪77..........................................................................‬‬
‫واختلفوا في العروض ‪77......................................................................‬‬
‫والطوارئ على المغصوب إما بزيادة وإما بنقصان‪78................................... ،‬‬
‫الجناية على العين من غير أن يغصبها غاصب‪79........................................ ،‬‬
‫أما النماء فإنه على قسمين‪79................................................................ :‬‬
‫حكم غلته‪ ،‬فاختلف في ذلك في المذهب على قولين‪82..................................:‬‬
‫فأما ما كان على خلقته وصورته ‪83.........................................................‬‬
‫وأما ما اغتل منها بتصريفها وتحويل عينها‪ ،‬كالدنانير فيغتصبها فيتجر بها‬
‫فيربح ‪84...........................................................................................‬‬
‫من اغترس نخال أو ثمرا بالجملة وبنيانا في غير أرضه‪85.............................‬‬
‫القضاء فيما أفسدته المواشي والدواب ‪86................................................‬‬
‫ما يصاب من أعضاء الحيوان ‪87............................................................‬‬
‫الجمل الصئول وما أشبهه يخاف الرجل على نفسه فيقتله‪88.........................‬‬
‫المكرهة على الزنا‪ ،‬هل على مكرهها مع الحد صداق أم ال؟‪89.......................‬‬

‫‪119‬‬
‫من غصب أسطوانة فبنى عليها بناء يساوي قائما أضعاف قيمة األسطوانة‪89....،‬‬

‫االستحقاق‪91...............................................‬‬ ‫‪13‬‬
‫تعريفه ‪91 ..........................................................................................‬‬
‫أنواع اإلستحقاق ‪91 ............................................................................‬‬
‫إذا لم يتغير الشيء المستحق ‪91 .............................................................‬‬
‫المستحق إما بزيادة أو نقصان‪91......................................‬‬
‫َ‬ ‫فإن تغير الشيء‬
‫غلة الشيء المستحق ‪91....................................................................‬‬
‫من أي وقت تصح الغلة للمستحق؟ ‪92 ....................................................‬‬
‫كراء األرض إذا استحقت ‪92 .................................................................‬‬

‫الهبات‪93...........................................................‬‬ ‫‪14‬‬
‫تعريف الهبة ‪93 .................................................................................‬‬
‫األركان الهبة ثالثة‪ :‬الواهب والموهوب له‪ ،‬والهبة‪93 ..................................‬‬
‫‪ ) 1‬الواهب ‪93 .................................................................................‬‬
‫‪ ) 2‬أما الموهوب ‪94...........................................................................‬‬
‫هبة المشاع غير المقسوم ‪95................................................................‬‬
‫هبة المجهول والمعدوم المتوقع الوجود ‪95...............................................‬‬
‫الموهوب له ‪96.................................................................................‬‬
‫لمن يحوز االب من ولده ‪97..................................................................‬‬

‫‪120‬‬
‫شروط الحيازة في المسكون والملبوس للولد ‪97.......................................‬‬
‫واختلف في الذهب والورق ‪97.............................................................‬‬
‫هل الوصي يقوم في ذلك مقام األب ؟ ‪97..................................................‬‬
‫أنواع الهبات ‪98................................................................................‬‬
‫إذا لم يرض الواهب بالثواب ما الحكم؟ ‪98................................................‬‬
‫وأما هبات المنافع ‪99........................................................................‬‬
‫هبة االسكان إذا أتى بلفظ اإلسكان ‪111......................................................‬‬
‫جواز االعتصار في الهبة وهو الرجوع فيها ‪111.........................................‬‬
‫من تصدق على ابنه فمات االبن بعد أن حازها ‪111.......................................‬‬

‫الوصية‪112.............................................‬‬ ‫‪15‬‬
‫تعريفها ‪112........................................................................................‬‬
‫واألركان أربعة‪ :‬الموصي‪ ،‬والموصى له‪ ،‬والموصى به‪ ،‬والصيغة‪112................‬‬
‫‪ -1‬أما الموصي ‪112............................................................................ :‬‬
‫‪ -2‬وأما الموصى له ‪113..................................................................... :‬‬
‫‪-‬إذا أجاز الورثة الوصية لوارث ‪113 .......................................................‬‬
‫الوصية للميت ‪113 .............................................................................‬‬
‫الوصية للقاتل خطأ وعمدا‪114............................................................. .‬‬
‫الموصى به والنظر في جنسه وقدره ‪114.................................................. :‬‬
‫واختلفوا فيمن لم يترك ورثة ‪ ،‬وفي القدر المستحب منها‪ ،‬هل هو الثلث أو دونه؟‪114.‬‬
‫المستحب في مقدار الوصية ‪115..............................................................‬‬
‫وأما اختالفهم في جواز الوصية بأكثر من الثلث لمن ال وارث له‪115................ ،‬‬

‫‪121‬‬
‫القول في المعنى الذي يدل عليه لفظ الوصية ‪116..........................................‬‬
‫متى تجب الوصية للموصى له‪116............................................................ .‬‬
‫حكم من أوصى لرجل بالثلث ‪ ،‬وعين ما هو الثلث‪ ،‬فقال الورثة‪ :‬هو أكثر من الثلث‪116،‬‬
‫إذا لم يختلفوا أنه فوق الثلث ولم يردوا إعطاءه بعينه ‪117 ...............................‬‬
‫فيمن وجبت عليه زكاة فمات ولم يوص بها فهل هي من الثلث‪ ،‬أو من رأس المال؟ ‪117‬‬
‫فإذا زاحمت الوصايا الزكاة قدمت ‪118.........................................................‬‬
‫ومن مسائلهم الحسابية المشهورة في هذا الباب‪ ،‬إذا أوصى لرجل بنصف ماله‬
‫وآلخر بثلثيه ‪ ،‬ورد الورثة الزائد‪118........................................................ ،‬‬
‫إذا أوصى بجزء من ماله وله مال يعلم به ‪،‬ومال ال يعلم به‪118........................ ،‬‬

‫‪122‬‬
‫‪ 1‬القسمة‬
‫القسمة في اللغة‪ :‬مأخوذة من قسم الشيء يقسمه ‪ ،‬قسما‪ ،‬إذا جزأه‪ ،‬يقال قسمت‬
‫الشيء بني الشركاء‪ ،‬إذا أعطيت كل شريك قسمة‪.‬‬

‫واصطالحا ‪ :‬قال ابن عرفة ‪ " :‬القسمة تصيري مشاع من مملوك مالكني فأكثر معينا ولو‬
‫باختصاص تصرف فيه بقرعة أو تراض "‪.‬‬

‫‪ -‬مشروعية القسمة‪ :‬الكتاب والسنة واإلمجاع واملعقول‪:‬‬

‫أما الكتاب ‪ :‬فقوله تعاىل‪{ :‬وإذا حضر القسمة أولو القرىب} وقوله‪{ :‬مما قل منه أو كثر‬
‫نصيبا مفروضا}‬

‫عليه وسلم ‪« :-‬الشفعة فييما مل يقسم‪ ،‬فيإذا وقعت‬


‫النِب ‪ -‬صلى اهلل ي‬‫وأما السنة‪ :‬فقول ي‬
‫احلدود‪ ،‬وص يرفت الطرق‪ ،‬فال شفعة» ‪.‬‬

‫يقسم الغنائيم‪.‬‬
‫عليه وسلم ‪ -‬خيرب على مثانيية عشر سهما‪ ،‬وكان ي‬
‫النِب ‪ -‬صلى اهلل ي‬
‫وقسم ي‬

‫‪ -‬وقول رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪« :-‬أميا دار قسمت يف اجلاهلية فهي على‬
‫قسم اجلاهلية‪ ،‬وأميا دار أدركها اإلسالم ومل تقسم فهي على قسم اإلسالم» ‪.‬‬
‫وأما اإلمجاع‪ :‬فقد أمجعت األمة على جوا يز ي‬
‫الق ي‬
‫سمة‪.‬‬
‫ي‬
‫التصرف‬ ‫احد يمن الشر ي‬
‫كاء يمن‬ ‫سمة؛ لييتمكن كل و ي‬ ‫الناس حاجة إىل ي‬
‫الق ي‬ ‫وأما املعقول‪ :‬فإن بي ي‬
‫كة وكثرةي ي‬
‫األيدي‪ ،‬والسهمة إمنا جعلها الفقهاء يف‬ ‫وفق إرادته ‪ ،‬ويتخلص يمن ي‬
‫سوء املشار ي‬
‫القسمة‪ :‬تطييبا لنفوس املتقامسني‪ ،‬وهي موجودة يف الشرع يف مواضع‪:‬‬

‫‪123‬‬
‫منها‪ :‬قوله تعاىل‪{ :‬فساهم فكان من املدحضني} وقوله‪{ :‬وما كنت لديهم إذ يلقون‬
‫أقالمهم أيهم يكفل مرمي}‬

‫ومن ذلك األثر الثابت الذي جاء فيه‪« :‬أن رجال أعتق ستة أعبد عند موته‪ ،‬فأسهم رسول‬
‫اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬بينهم‪ ،‬فأعتق ثلث ذلك الرقيق»‬

‫األركان القسمة ثالثة ‪ :‬القاسم‪ ،‬والمقسوم عليه‪ ،‬والقسمة‪:‬‬

‫الركن االول‪ :‬القاسم‪ :‬ويكفي فيه الواحد ‪ ،‬ويقبل القاضي قوله ؛ إن كان بتوليته‪ ،‬فإن‬
‫ويل القسم اثنان فهو أحسن‪.‬‬

‫قال ابن شاس‪ ":‬ولينظر اإلمام رجالً يرضاه بقيمة لذلك‪ ،‬وجيرى له عطاءه مع الناس‪ ،‬كما‬
‫جيرى للقاضي وغريه ممن حيتاج إليه املسلمون‪ ..‬فإذا أجري له عطاؤه من بيت املال أو من‬
‫الفيء مل حيل له أن يأخذ ممن يقسم بينهم شيئًا‪ .،‬فإن مل جير له رزق فال بأس أن يأخذ‬
‫منهم‪ ،‬ولو قسم احتساباً كان أفضل له‪." .‬‬

‫الركن ثاني‪ :‬المقسوم عليه‪.‬‬

‫وهم كل من اشرتك يف مال مشاع ‪ ،‬بسبب من أسباب التملك ‪ ،‬فيقوم أحدهم أو كلهم‬
‫بطلب تعيني نصيب كل واحد منهم ‪ ،‬ليصبح كل شريك مالكا ملا خرج له ملكية مفرزة‪،‬‬
‫ويشرتط يف الطالب أن يكون تام التصرف ‪ ،‬وإال قام من ينوب عنه مقامه‪.‬‬

‫الركن ثالث‪ :‬القسمة‪ .‬والنظر في القسمة في أبواب‪:‬‬

‫الباب األول‪ .‬في أنواع القسمة‪ .‬وهي قسمين‪:‬‬

‫األول‪ :‬قسمة رقاب األموال‪ .‬والثاني‪ :‬منافع الرقاب‬

‫‪124‬‬
‫القسم األول قسمة رقاب األموال‪ :‬إما أن تكون قابلة للكيل أو الوزن‪ ،‬أو ال‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬الرقاب التي تقبل الكيل أو الوزن‪ :‬فقسمتها بالكيل فيما يكال ‪ ،‬وبالوزن فيما‬
‫يوزن‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬الرقاب التي ال تقبل الكيل أو الوزن‪ :‬فتنقسم بالجملة إلى ثالثة أقسام‪:‬‬

‫‪ - 1‬قسمة قرعة بعد تقويم‪ ،‬وتعديل‪ .‬أي بعد أن يقوم الشيء ويعادل بغيره ‪ ،‬ومن‬
‫أهم أحكامها‪:‬‬

‫‪ -‬أن الحكم بها واجب إذا دعى إليها أحد الشركاء ‪ ،‬ويجبر عليها من أباها فيما‬
‫ينقسم‪،‬‬

‫‪ -‬أنها ال يصح إال فيما تماثل أو تجانس من األصول والحيوان والعروض‪ ،‬ال فيما‬
‫اختلف وتباين من ذلك‪.‬‬

‫‪ -‬أنها ال تكون في شيء من المكيل والموزون‪.‬‬

‫‪ -‬أنها ال يجمع فيها حظ اثنين في القسم‪.‬‬

‫‪ -‬يجب القيام فيها بالغبن إذا ثبت؛ ألن كل واحد منهما دخل على قيمة مقدرة‬
‫وذرع معلوم‪ ،‬فإذا وجد نقصا من ذلك وجب له الرجوع به‪.‬‬

‫‪ - 2‬وقسمة مراضاة بعد تقويم وتعديل‪.‬‬

‫‪ -‬أنها تصح في الجنس الواحد ‪ ،‬وفي األجناس المختلفة المتباينة ‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫‪ -‬أنها تصح في المكيل والموزون إال فيما كان منه صنفا واحدا مدخرا ال يجوز فيه‬
‫التفاضل‪.‬‬

‫‪ -‬أنها متى ظهر فيها غبن في ذرع أو قيمة كان للمغبون الرجوع بذلك للعلة التي‬
‫قدمناها‪.‬‬

‫‪ -‬هذه القسمة والتي قبلها اختلف العلماء فيها ‪ :‬هل هي تمييز حق أو بيع من‬
‫البيوع؟‪.‬‬

‫فنص مالك ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬في المدونة على أنها بيع من البيوع‪.‬‬

‫وحجته هو أن كل واحد من المتقاسمين عاوض صاحبه في حصته بحصته فملك‬


‫حصة صاحبه من الجزء الذي صار إليه بحصته من الجزء الذي خرج عنه‪ ،‬وهذه‬
‫معاوضة محضة‪ ،‬والمعاوضة مبايعة‪.‬‬

‫وذهب سحنون إلى أنها تمييز حق‪.‬‬

‫وحجته أنها غير موقوفة على اختيار المتقاسمين بل قد تجوز فيها المخاطرة بالقرعة‪،‬‬
‫وذلك ينافي البيع‪ ،‬فثبت أنها لتمييز الحق‪.‬‬

‫وابن رشد فرق بينهما فقال‪ :‬واألظهر في قسمة القرعة أنها تمييز حق‪ ،‬وفي قسمة‬
‫المراضاة بعد التعديل والتقويم أنها بيع من البيوع‪.‬‬

‫‪ - 3‬وقسمة مراضاة بغير تقويم وال تعديل‪.‬‬

‫‪ -‬تجوز في الجنس الواحد وفي المختلف من األجناس أيضا‪،‬‬

‫‪ -‬تصح في المكيل والموزون إال فيما ال يجوز فيه التفاضل من الطعام ‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫‪ -‬ال قيام فيها لواحد منهم على صاحبه بالغبن‪ ،‬ألنه لم يأخذها أحد على قيمة‬
‫مقدرة ‪،‬وال على ذرع معلوم ‪ ،‬وإنما أخذه بعينه على أن يخرج فيما سواه من جميع‬
‫حقه سواء كان أقل منه أو أكثر كبيع المكايسة سواء‪.‬‬

‫‪ -‬هذه القسمة ال يختلف العلماء فيها على أنها بيع من البيوع‪ ،‬وإنما يحكم فيها‬
‫بحكم البيع فيما يطرأ من االستحقاق والرد بالعيوب وسائر األحكام المتعلقة بالبيوع‪.‬‬

‫والرقاب تنقسم إلى ثالثة أقسام‪:‬‬

‫‪ -1‬ما ال ينقل وال يحول‪ ،‬وهي الرباع واألصول‪.‬‬

‫‪ -2‬وما ينقل ويحول‪ ،‬وهذان قسمان‪ :‬إما غير مكيل وال موزون‪ ،‬وهو الحيوان‪،‬‬
‫والعروض‪.‬‬

‫‪ -3‬وإما مكيل‪ ،‬أو موزون‪.‬‬

‫أحكام قسمة الرباع واألصول‪:‬‬

‫‪ -‬يجوز أن تقسم بالتراضي وبالسهمة إذا عدلت بالقيمة‪ ،‬اتفق أهل العلم على ذلك‬
‫اتفاقا جممال‪ ،‬وإن كانوا اختلفوا يف حمل ذلك وشروطه‪.‬‬

‫‪ -‬القسمة في الرباع واألصول‪ :‬ال تخلو أن تكون في محل واحد أو في محال كثيرة‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬قسمة الرباع واألصول ذوات المحل الواحد‬

‫‪127‬‬
‫فإذا كانت في محل واحد‪ ،‬فال يخلو ؛ إما أن تنقسم انقساما يصلح معه االنتفاع أو‬
‫ال‪.‬‬

‫النوع األول‪ :‬االنقسام الذي يصلح معه االنتفاع‪:‬‬

‫‪ -‬ال خالف في جواز هذه القسمة إذا انقسمت إلى أجزاء متساوية بالصفة‪ ،‬ولم‬
‫تنقص منفعة األجزاء باالنقسام‪ ،‬ويجبر الشركاء على ذلك‪.‬‬

‫النوع الثاني‪ :‬االنقسام الذي ال يصلح معه االنتفاع‪:‬‬

‫فاختلف يف ذلك مالك وأصحابه إىل أقوال ‪.‬‬

‫القول األول ‪ :‬إنها تنقسم بينهم إذا دعا أحدهم إلى ذلك ‪ ،‬ولو لم يصر لواحد منهم‬
‫إال ما ال منفعة فيه‪ ،‬مثل قدر القدم‪ ،‬وهو قول مالك ‪ ،‬وبه قال ابن كنانة من أصحابه‬
‫فقط‪ ،‬وهو قول أيب حنيفة‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وعمدهتم يف ذلك قوله تعاىل‪{ :‬مما قل منه أو كثر‬
‫نصيبا مفروضا}‬

‫القول الثاني‪ :‬ال يقسم إال أن يصير لكل واحد في حظه ما ينتفع به من غير مضرة‬
‫داخلة عليه في االنتفاع من قبل القسمة‪ ،‬وإن كان ال يراعي يف ذلك نقصان الثمن‪ .‬وهو‬
‫قول ابن القاسم‪.‬‬

‫القول الثالث‪ :‬يقسم إذا صار لكل واحد منهم ما ينتفع به‪ ،‬وإن كان من غري جنس‬
‫املنفعة اليت كانت يف االشرتاك أو كانت أقل‪ .‬وهو قول ابن املاجشون‪:‬‬

‫‪128‬‬
‫القول الرابع‪ :‬إن لم يصر في حظ كل واحد ما ينتفع به لم يقسم‪ ،‬وإن صار في حظ‬
‫بعضهم ما ينتفع به‪ ،‬وفي حظ بعضهم ما ال ينتفع به‪ ،‬قسم وجبروا على ذلك‪ ،‬سواء‬
‫دعا إىل ذلك صاحب النصيب القليل أو الكثري‪ ،‬وهو قول مطرف‪.‬‬

‫وقيل جيرب إن دعا صاحب النصيب القليل‪ ،‬وال جيرب إن دعا صاحب النصيب الكثري‪ ،‬وقيل‬
‫بعكس هذا وهو ضعيف‪.‬‬

‫اختلفوا من هذا الباب فيما إذا قسم انتقلت منفعته إلى منفعة أخرى مثل الحمام‪:‬‬

‫فقال مالك‪ :‬يقسم إذا طلب ذلك أحد الشريكني‪ ،‬وبه قال أشهب‪.‬‬

‫وقال ابن القاسم‪ :‬ال يقسم‪ ،‬وهو قول الشافعي‪.‬‬

‫فعمدة من منع القسمة‪ :‬قوله ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪« :-‬ال ضرر وال ضرار» ‪.‬‬

‫وعمدة من رأى القسمة قوله تعاىل‪{ :‬مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا}‬

‫ومن احلجة ملن مل ير القسمة حديث جابر‪ ،‬عن أبيه‪« :‬ال تعضية على أهل املرياث إال ما‬
‫محل القسم» ‪ .‬والتعضية‪ :‬التفرقة‪ ،‬يقول‪ :‬ال قسمة بينهم‪.‬‬

‫قسمة الرباع واألصول ذوات المحل المتعدد‬

‫وأما إذا كان الرباع أكثر من واحد‪ :‬فإهنا ال ختلو أيضا أن تكون من نوع واحد أو خمتلفة‬
‫األنواع‪:‬‬

‫فإذا كانت متفقة األنواع‪ :‬فإن فقهاء األمصار يف ذلك خمتلفون‪:‬‬

‫‪ -1‬فقال مالك‪ :‬إذا كانت متفقة األنواع قسمت بالتقومي والتعديل والسهمة‪.‬‬

‫وعمدة مالك‪ :‬أنه أقل للضرر الداخل على الشركاء من القسمة‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫‪ -2‬وقال أبو حنيفة‪ ،‬والشافعي‪ :‬بل يقسم كل عقار على حدته‪.‬‬

‫وعمدة أيب حنيفة والشافعي‪ :‬أن كل عقار تعينه بنفسه ؛ألنه تتعلق به الشفعة‪.‬‬

‫واختلف أصحاب مالك إذا اختلفت األنواع يف النفاق‪ ،‬وإن تباعدت مواضعها على ثالثة‬
‫أقوال‪.‬‬

‫إذا كانت الرباع خمتلفة االنواع‪ ،‬مثل أن يكون منها دور‪ ،‬ومنها حوائط‪ ،‬ومنها أرض‪ ،‬فال‬
‫خالف أنه ال جيمع يف القسمة بالسهمة‪.‬‬

‫حكم قسمة الحوائط المثمرة‪:‬‬

‫‪ -‬من شرط قسمة احلوائط املثمرة أن ال تقسم مع الثمرة إذا بدا صالحها باتفاق يف‬
‫املذهب ؛ ألنه يكون بيع الطعام بالطعام على رءوس الثمر وذلك مزابنة‪.‬‬

‫‪-‬أما قسمتها قبل بدو الصالح‪ :‬ففيه اختالف بني أصحاب مالك‪:‬‬

‫‪ -‬مذهب ابن القاسم‬

‫أنه ال جييز ذلك قبل اإلبار حبال من األحوال‪ ،‬ويعتل لذلك؛ ألنه يددي إىل بيع طعام‬
‫بطعام متفاضال‪ ،‬ولذلك زعم أنه مل جيز مالك شراء الثمر الذي مل يطب بالطعام‪ ،‬ال نسيئة‬
‫وال نقدا‪.‬‬

‫وأما إن كان بعد اإلبار‪ ،‬فإنه ال جيوز عنده إال بشرط أن يشرتط أحدمها على اآلخر أن ما‬
‫وقع من الثمر يف نصيبه فهو داخل يف القسمة‪ ،‬وما مل يدخل يف نصيبه فهم فيه على‬
‫الشركة‪ ،‬والعلة يف ذلك عنده أنه جيوز اشرتاط املشرتي الثمر بعد اإلبار وال جيوز قبل اإلبار‪،‬‬

‫‪130‬‬
‫فكأن أحدمها اشرتى حظ صاحبه من مجيع الثمرات اليت وقعت له يف القسمة حبظه من‬
‫الثمرات اليت وقعت لشريكه واشرتط الثمر‪.‬‬

‫صفة القسم بالقرعة‪:‬‬

‫أن تقسم الفريضة‪ ،‬وحتقق‪ ،‬وتضرب إن كان يف سهامهم كسر إىل أن تصح السهام‪ ،‬مث‬
‫يقوم كل موضع منها وكل نوع من غراساهتا‪ ،‬مث يعدل على أقل السهام بالقيمة‪ ،‬فرمبا عدل‬
‫جزء من موضع ثالثة أجزاء من موضع آخر على قيم األرضني ومواضعها‪ ،‬فإذا قسمت‬
‫على هذه الصفات‪ ،‬وعدلت كتبت يف بطائق أمساء األشراك‪ ،‬وأمساء اجلهات‪ ،‬فمن خرج‬
‫امسه يف جهة أخذ منها‪ ،‬وقيل‪ :‬يرمى باألمساء يف اجلهات‪ ،‬فمن خرج امسه يف جهة أخذ‬
‫منها‪ ،‬فإن كان أكثر من ذلك السهم ضوعف له حىت يتم حظه‪ ،‬فهذه هي حال قرعة‬
‫السهم يف الرقاب‪.‬‬

‫وأما القسمة بالرتاضي سواء أكانت بعد تعديل وتقومي‪ ،‬أو بغري تقومي وتعديل; فتجوز يف‬
‫الرقاب املتفقة واملختلفة; ألنه بيع من البيوع‪ ،‬وإمنا حيرم فيها ما حيرم يف البيوع‪.‬‬

‫في العروض والحيوان‪،‬‬

‫العروض ذوات الجنس الواحد‪:‬‬

‫اتفق الفقهاء على أنه ال جيوز قسمة واحد منهما للفساد الداخل يف ذلك‪ .‬واختلفوا إذا‬
‫تشاح الشريكان يف العني الواحدة منهما‪ ،‬ومل يرتاضيا باالنتفاع هبا على الشياع‪ ،‬وأراد‬
‫أحدمها أن يبيع صاحبه معه‪ ،‬فقال مالك‪ ،‬وأصحابه‪ :‬جيرب على ذلك‪ ،‬فإن أراد أحدمها أن‬
‫يأخذه بالقيمة اليت أعطى فيها أخذه‪ .‬وقال أهل الظاهر‪ :‬ال جيرب; ألن األصول تقتضي أن‬
‫ال خيرج ملك أحد من يده إال بدليل من كتاب‪ ،‬أو سنة‪ ،‬أو إمجاع‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫وحجة مالك أن يف ترك اإلجبار ضررا‪ ،‬وهذا من باب القياس المرسل‪ ،‬وقد قلنا يف غري‬
‫ما موضع‪ :‬إنه ليس يقول به أحد من فقهاء األمصار إال مالك‪ ،‬ولكنه كالضروري يف بعض‬
‫األشياء‪.‬‬

‫العروض ذوات الجنس المتعدد‪:‬‬

‫فاتفق العلماء على قسمتها على الرتاضي من غري تقومي وال تعديل ‪ ،‬وال قرعة ‪.‬‬

‫واختلفوا يف قسمتها بالتعديل والسهمة ‪ ،‬فأجازها مالك‪ ،‬وأصحابه يف الصنف الواحد‪،‬‬


‫ومنع من ذلك عبد العزيز بن أيب سلمة‪ ،‬وابن املاجشون‪.‬‬

‫ضابط الصنف الواحد عند مالك وأصحابه‪:‬‬

‫اختلف أصحاب مالك في تمييز الصنف الواحد الذي تجوز فيه السهمة من التي ال‬
‫تجوز‪:‬‬

‫‪ -‬اعتربه أشهب مبا ال جيوز تسليم بعضه يف بعض‪.‬‬

‫‪ -‬وأما ابن القاسم فاضطرب‪ :‬فمرة أجاز القسم بالسهمة فيما ال جيوز تسليم بعضه يف‬
‫بعض‪ ،‬فجعل القسمة أخف من السلم‪ .‬ومرة منع القسمة فيما منع فيه السلم‪.‬‬

‫وقد قيل‪ :‬إن مذهبه أن القسمة يف ذلك أخف‪ ،‬وأن مسائله اليت يظن من قبلها أن القسمة‬
‫عنده أشد من السلم تقبل التأويل على أصله الثاين‪.‬‬

‫‪ -‬وذهب ابن حبيب إىل أنه جيمع يف القسمة ما تقارب من الصنفني مثل اخلز‪ ،‬واحلرير‪،‬‬
‫والقطن‪ ،‬والكتان‪ .‬وأجاز أشهب مجع صنفني يف القسمة بالسهمة مع الرتاضي‪ ،‬وذلك‬
‫ضعيف; ألن الغرر ال جيوز بالرتاضي‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫في أحكام قسمة المكيل أو الموزون‪:‬‬

‫‪ -‬المكيل‪ ،‬والموزون ال تجوز فيه القرعة باتفاق إال ما حكى اللخمي‪.‬‬

‫‪ -‬والمكيل أيضا ال يخلو أن يكون صبرة واحدة أو صبرتين فزائدا‪:‬‬

‫فإن كان صنفا واحدا; فال خيلو أن تكون قسمته على االعتدال بالكيل أو الوزن إذا دعا‬
‫إىل ذلك أحد الشريكني‪،‬‬

‫‪ -‬المكيل أو الموزون من صنف واحد متحدد أو متعدد‪:‬‬

‫‪ -‬ال خالف يف جواز قسمة املكيل أو املوزون على الرتاضي‪ ،‬وعلى التفضيل البني كان‬
‫ذلك من الربوي‪ ،‬أو من غري الربوي (أعين‪ :‬الذي ال جيوز فيه التفاضل) ‪.‬‬

‫‪ -‬وجيوز ذلك بالكيل املعلوم‪ ،‬واجملهول‪.‬‬

‫‪ -‬وال جيوز قسمته جزافا بغري كيل وال وزن‪.‬‬

‫وأما إن كانت قسمته حتريا‪ :‬فقيل ال جيوز يف املكيل‪ ،‬وجيوز يف املوزون‪ ،‬ويدخل يف ذلك‬
‫من اخلالف ما يدخل يف جواز بيعه حتريا‪.‬‬

‫وأما إن لم يكن ذلك من صبرة واحدة وكانا صنفين‪:‬‬

‫‪ -‬على مذهب مالك ‪ :‬إن كان ذلك مما ال جيوز فيه التفاضل‪ :‬فال جتوز قسمتها على جهة‬
‫اجلمع إال بالكيل املعلوم فيما يكال‪ ،‬وبالوزن بالصنجة املعروفة فيما يوزن; ألنه إذا كان‬
‫مبكيال جمهول مل يدر كم حيصل فيه من الصنف الواحد إذا كانا خمتلفني من الكيل املعلوم;‬
‫ألن أصل مذهبه أنه حيرم التفاضل يف الصنفني إذا تقاربت منافعهما‪ ،‬مثل القمح والشعري‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫‪ -‬وأما إن كان مما جيوز فيه التفاضل‪ :‬فيجوز قسمته على االعتدال‪ ،‬والتفاضل البني‬
‫املعروف; باملكيال املعروف أو الصنجة املعروفة (أعين‪ :‬على جهة اجلمع وإن كانا صنفني) ‪،‬‬
‫وهذا اجلواز كله يف املذهب على جهة الرضا‪.‬‬

‫وأما في واجب الحكم أي ما يلزم به القاضي الطالبني للقسمة ؛ فال تنقسم كل صربة‬
‫إال على حدة‪ ،‬وإذا قسمت كل صربة على حدة جازت قسمتها باملكيال املعلوم واجملهول‪.‬‬

‫قسمة المنافع‪.‬‬

‫‪ -‬ابن القاسم ال جتوز عنده قسمة املنافع بالسهمة ‪ ،‬وال جيرب عليها من أباها‪ ،‬وال تكون‬
‫القرعة على قسمة املنافع‪.‬‬

‫وذهب أبو حنيفة‪ ،‬وأصحابه إلى أنه يجبر على قسمة المنافع‪.‬‬

‫وقسمة املنافع هي عند اجلميع باملهايأة‪ ،‬وذلك إما باألزمان‪ ،‬وإما باألعيان‪:‬‬

‫أما قسمة المنافع باألزمان‪ :‬فهو أن ينتفع كل واحد منهما بالعين مدة مساوية لمدة‬
‫انتفاع صاحبه‪.‬‬

‫وأما قسم األعيان‪ :‬بأن يقسما الرقاب على أن ينتفع كل واحد منهما بما حصل له‬
‫مدة محدودة‪ ،‬والرقاب باقية على أصل الشركة‪.‬‬

‫‪ -‬ويف املذهب يف قسمة املنافع بالزمان اختالف يف حتديد املدة اليت جتوز فيها القسمة‬
‫لبعض املنافع دون بعض لالغتالل‪ ،‬أو االنتفاع‪ ،‬مثل استخدام العبد وركوب الدابة ‪،‬‬
‫وزراعة األرض‪ ،‬وذلك أيضا فيما ينقل وحيول‪ ،‬أو ال ينقل وال حيول‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫فأما فيما ينقل ويحول‪ :‬فال جيوز عند مالك‪ ،‬وأصحابه يف املدة الكثرية‪ ،‬وجيوز يف املدة‬
‫اليسرية‪ ،‬وذلك يف االغتالل‪ ،‬واالنتفاع‪.‬‬

‫واختلفوا يف املدة اليسرية فيما ينقل وحيول يف االغتالل‪ :‬فقيل اليوم الواحد وحنوه‪ ،‬وقيل‪ :‬ال‬
‫جيوز ذلك يف الدابة والعبد‪ .‬وأما االستخدام فقيل‪ :‬جيوز يف مثل مخسة األيام‪ ،‬وقيل‪ :‬يف‬
‫الشهر وأكثر من الشهر قليال‪.‬‬

‫وأما فيما ال ينقل وال يحول‪ :‬فيجوز يف املدة البعيدة‪ ،‬واألجل البعيد‪ ،‬وذلك يف االغتالل‬
‫واالنتفاع‪.‬‬

‫وأما التهايؤ في األعيان‪ :‬بأن يستعمل هذا دارا مدة من الزمان‪ ،‬وهذا دارا تلك المدة‬
‫بعينها‪،‬‬

‫‪ -‬فقيل‪ :‬جيوز يف سكىن الدار وزراعة األرضني‪ ،‬وال جيوز ذلك يف الغلة والكراء إال يف الزمان‬
‫اليسري‪.‬‬

‫‪ -‬وقيل‪ :‬جيوز على قياس التهايد باألزمان‪.‬‬

‫وكذلك القول يف استخدام العبد والدواب جيري القول فيه على االختالف يف قسمتها‬
‫بالزمان‪.‬‬

‫القول في األحكام القسمة ‪:‬‬

‫والقسمة من العقود الالزمة ال جيوز للمتقامسني نقضها‪ ،‬وال الرجوع فيها إال بالطوارئ‬
‫عليها‪.‬‬

‫والطوارئ ثالثة‪ :‬غبن‪ ،‬أو وجود عيب‪ ،‬أو استحقاق‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫فأما الغبن‪ :‬فال يوجب الفسخ إال يف قسمة القرعة باتفاق يف املذهب إال على قياس من‬
‫يرى له تأثري يف البيع‪ ،‬فيلزم على مذهبه أن يدثر يف القسمة‪.‬‬

‫وأما الرد بالعيب‪ :‬فإنه ال خيلو على مذهب ابن القاسم أن جيد العيب يف جل نصيبه أو‬
‫يف أقله‪.‬‬

‫‪ -1‬وجود العيب في جل النصيب‪:‬‬

‫فإن وجده يف جل نصيبه ؛ فإنه ال خيلو أن يكون النصيب الذي حصل لشريكه قد فات‬
‫أو مل يفت‪:‬‬

‫‪ -‬فإن كان قد فات رد الواجد للعيب نصيبه على الشركة‪ ،‬وأخذ من شريكه نصف قيمة‬
‫نصيبه يوم قبضه‪.‬‬

‫وإن كان مل يفت انفسخت القسمة‪ ،‬وعادت الشركة إىل أصلها‪.‬‬

‫‪ -2‬وجود العيب في أقل النصيب‪:‬‬

‫‪ -‬وإن كان العيب يف أقل ذلك‪ :‬رد ذلك األقل على أصل الشركة فقط ‪ ،‬سواء فات‬
‫نصيب صاحبه أو مل يفت ‪ ،‬ورجع على شريكه بنصف قيمة الزيادة‪ ،‬وال يرجع يف شيء مما‬
‫يف يده‪ ،‬وإن كان قائما بالعيب‪.‬‬

‫وقال عبد العزيز بن الماجشون‪ :‬وجود العيب يفسخ القسمة اليت بالقرعة وال يفسخ اليت‬
‫بالرتاضي ; ألن اليت بالرتاضي هي بيع‪ ،‬وأما اليت بالقرعة فهي متييز حق‪ ،‬وإذا فسخت‬
‫بالغنب وجب أن تفسخ بالرد بالعيب‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫وحكم االستحقاق عند ابن القاسم حكم وجود العيب‪ :‬إن كان املستحق كثريا وحظ‬
‫الشريك مل يفت رجع معه شريكا فيما يف يديه‪ ،‬وإن كان قد فات رجع عليه بنصف قيمة‬
‫ما يف يديه‪ ،‬وإن كان يسريا رجع عليه بنصف قيمة ذلك الشيء‪.‬‬

‫وقال حممد‪ :‬إذا استحق ما يف يد أحدمها بطلت القسمة يف قسمة القرعة؛ ألنه قد تبني أن‬
‫القسمة مل تقع على عدل كقول ابن املاجشون يف العيب‪.‬‬

‫وأما إذا طرأ على المال حق فيه مثل طوارئ الدين على التركة بعد القسمة‪ ،‬أو طرو‬
‫الوصية أو طرو وارث‪،‬‬

‫فإن أصحاب مالك اختلفوا يف ذلك‪.‬‬

‫فأما إن طرأ الدين‪ :‬قيل يف املشهور يف املذهب‪ ،‬وهو قول ابن القاسم‪ :‬إن القسمة تنتقض‬
‫إال أن يتفق الورثة على أن يعطوا الدين من عندهم‪ ،‬وسواء أكانت حظوظهم باقية‬
‫بأيديهم أو مل تكن‪ ،‬هلكت بأمر من السماء أو مل هتلك‪.‬‬

‫وقد قيل أيضا‪ :‬إن القسمة إمنا تنتقض بيد من بقي يف يده حظه‪ ،‬ومل هتلك بأمر من‬
‫السماء‪.‬‬

‫وأما من هلك حظه بأمر من السماء فال يرجع هو على الورثة مبا بقي بأيديهم بعد أداء‬
‫الدين‪ .‬وقيل‪ :‬بل تنتقض القسمة وال بد‪ ،‬حلق اهلل تعاىل لقوله‪{ :‬من بعد وصية يوصى هبا‬
‫أو دين}‬

‫وقيل‪ :‬بل تنتقض إال يف حق من أعطى منه ما ينوي به من الدين‪.‬‬

‫وهكذا احلكم يف طرو املوصى له على الورثة‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫وأما طرو الوارث على الشركة بعد القسمة‪ ،‬وقبل أن يفوت حظ كل واحد منهم‪ :‬فال‬
‫تنتقض القسمة‪ ،‬وأخذ من كل واحد حظه إن كان ذلك مكيال‪ ،‬أو موزونا‪ ،‬وإن كان‬
‫حيوانا‪ ،‬أو عروضا انتقضت القسمة‪.‬‬

‫وهل يضمن كل واحد منهم ما تلف يف يده بغري سبب منه؟ فقيل‪ :‬يضمن‪ ،‬وقيل‪ :‬ال‬
‫يضمن‪.‬‬

‫كتاب الثاني‪ :‬الرهن‬


‫الرهن في اللغة‪ :‬يُطلق بمعنى الثبوت والدوام‪،‬‬

‫واصطالحا‪ :‬احتباس العين وثيقة بالحق ‪ ،‬ليستوفي الحق من ثمنها أو من ثمن منافعها عند‬
‫تعذر أخذه من الغريم ‪.‬‬

‫واألصل يف هذا الكتاب قوله تعاىل‪{ :‬ومل جتدوا كاتبا فرهان مقبوضة} ويف السنة ‪ ,‬فعل النِب صلى‬
‫اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬أنه مات ودرعه مرهونة عند يهودي‬

‫األركان هي النظر يف الراهن‪ ،‬واملرهون‪ ،‬واملرهتن‪ ،‬والشيء الذي فيه الرهن‪ ،‬وصفة عقد الرهن‪.‬‬

‫الركن األول‪ :‬الراهن‪:‬‬


‫اتفقوا على أن من صفته أن يكون غري حمجور عليه من أهل السداد‪.‬‬

‫والوصي عند مالك يرهن ملن يلي النظر عليه إذا كان ذلك سدادا‪ ،‬ودعت إليه الضرورة‪.‬‬

‫وقال الشافعي‪ :‬يرهن ملصلحة ظاهرة‪.‬‬

‫واتفق مالك‪ ،‬والشافعي على أن املفلس ال جيوز رهنه‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬جيوز‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫رهنه؟‬ ‫الذي أحاط الدين بماله هل يجوز‬
‫اختلف قول مالك فيه ‪ :‬هل يلزم أم ال يلزم؟‬

‫فاملشهور عنه أنه ال جيوز ‪ ،‬واخلالف آيل إىل هل املفلس حمجور عليه أم ال؟ ‪.‬‬

‫مرهتنا‪.‬‬ ‫وكل من صح أن يكون راهنا صح أن يكون‬


‫الركن الثاني‪ :‬وهو الرهن‬
‫وقالت الشافعية‪ :‬يصح بثالثة شروط‪:‬‬

‫األول‪ :‬أن يكون عينا‪ ،‬فإنه ال جيوز أن يرهن الدين‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬أن ال ميتنع إثبات يد الراهن على املرتَ َهن عليه كاملصحف‪.‬‬

‫ومالك جييز رهن املصحف‪ ،‬وال يقرأ فيه املرهتن‪ ،‬واخلالف مبين على بيع املصحف هل جيوز أم ال؟‬

‫الثالث‪ :‬أن تكون العني قابلة للبيع عند حلول األجل‪.‬‬

‫‪ -‬ما ال يحل بيعه في وقت االرتهان هل يجوز أم ال؟‬


‫جيوز عند مالك مثل الزرع‪ ،‬والثمر مل يبد صالحه‪ ،‬وال يباع عنده يف أداء الدين إال إذا بدا صالحه‪،‬‬
‫وإن حل أجل الدين‪.‬‬

‫‪ -‬وعن الشافعي قوالن يف رهن الثمر الذي مل يبد صالحه‪ ،‬ويباع عنده عند حلول الدين على شرط‬
‫القطع‪ .‬قال أبو حامد‪ :‬واألصح جوازه‪.‬‬

‫يكون ملكا للراهن؟‬ ‫‪ -‬رهن ما لم يتعين وهل من شرط الرهن أن‬


‫وجيوز عند مالك رهن مامل يتعني كالدنانري‪ ،‬والدراهم إذا طبع عليها‪.‬‬

‫‪ -‬وليس من شرط الرهن أن يكون ملكا للراهن ال عند مالك‪ ،‬وال عند الشافعي‪ ،‬بل قد جيوز‬
‫عندمها أن يكون مستعارا‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫‪ -‬واتفقوا على أن من شرطه أن يكون إقراره يف يد املرهتن من قبل الراهن‪.‬‬

‫إذا قبض المرتهن الرهن بغصب‪ ،‬هل ينقل إلى ضمان الرهن؟‬
‫واختلفوا إذا كان قبض املرهتن له بغصب‪ ،‬مث أقره املغصوب منه يف يده رهنا‪ :‬فقال مالك‪ :‬يصح أن‬
‫املغصوب‬
‫َ‬ ‫املغصوب منه الشيءَ‬
‫ُ‬ ‫ينقل الشيء املغصوب من ضمان الغصب إىل ضمان الرهن‪ ،‬فيجعل‬
‫رهنا يف يد الغاصب قبل قبضه منه‪.‬‬

‫ويرده‪.‬‬ ‫وقال الشافعي‪ :‬ال جيوز‪ ،‬بل يبقى على ضمان الغصب إال أن يقبضه‪ .‬الراهن‬

‫رهن المشاع‪:‬‬
‫واختلفوا فيه فمنعه أبو حنيفة‪ ،‬وأجازه مالك‪ ،‬والشافعي‪.‬‬

‫متكن؟‬ ‫والسبب يف اخلالف‪ :‬هل متكن حيازة املشاع أم ال‬

‫الركن الثالث‪( :‬وهو الشيء المرهون فيه) ‪ :‬وهو الدين‬


‫‪ -‬أصل مذهب مالك يف هذا أنه جيوز أن يدخذ الرهن يف مجيع األمثان الواقعة يف مجيع البيوعات إال‬
‫الصرف‪ ،‬ألن من شرطه التقابض ورأس املال يف السلم املتعلق بالذمة‪ ،‬ألن من شرطه تعجيل الثمن ‪،‬‬

‫‪ -‬وقال قوم من أهل الظاهر‪ :‬ال جيوز أخذ الرهن إال يف السلم خاصة (أي‪ :‬يف املسلم فيه) ‪ ،‬وهدالء‬
‫ذهبوا إىل ذلك لكون آية الرهن واردة يف الدين يف املبيعات‪ ،‬وهو السلم عندهم‪ ،‬فكأهنم جعلوا هذا‬
‫شرطا من شروط صحة الرهن؛ ألنه قال يف أول اآلية‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إىل أجل‬
‫مسمى فاكتبوه} ‪ ،‬مث قال‪{ :‬وإن كنتم على سفر ومل جتدوا كاتبا فرهان مقبوضة}‬

‫فعلى مذهب مالك‪ :‬جيوز أخذ الرهن يف السلم‪ ،‬ويف القرض‪ ،‬ويف قيم املتلفات‪ ،‬ويف أروش اجلنايات‬
‫يف األموال‪ ،‬ويف جراح العمد الذي ال قود فيه كاملأمومة واجلائفة‪.‬‬

‫وأما قتل العمد‪ ،‬والجراح التي يقاد منها فيتخرج يف جواز أخذ الرهن يف الدية فيها إذا عفا‬
‫الويل قوالن‪:‬‬

‫‪140‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن ذلك جيوز‪ ،‬وذلك على القول بأن الويل خمري يف العمد بني الدية والقود‪.‬‬

‫والقول الثاني‪ :‬أن ذلك ال جيوز‪ ،‬وذلك أيضا مبين على أن ليس للويل إال القود فقط إذا أىب اجلاين‬
‫من إعطاء الدية‪.‬‬

‫وجيوز يف قتل اخلطإ أخذ الرهن ممن يتعني من العاقلة‪ ،‬وذلك بعد احللول‪.‬‬

‫‪ -‬وجيوز يف العارية اليت تضمن‪ ،‬وال جيوز فيما ال تضمن‪.‬‬

‫‪ -‬وجيوز أخذه يف اإلجارات‪ ،‬وجيوز يف اجلعل بعد العمل‪ ،‬وال جيوز قبله‪ - .‬وجيوز الرهن يف املهر‪.‬‬

‫‪ -‬وال جيوز يف احلدود وال يف القصاص وال يف الكتابة‪ ،‬وباجلملة فيما ال تصح فيه الكفالة‪.‬‬

‫قاعدة ‪ :‬كل ما ال تجوز فيه الكفالة ال يجوز فيه الرهن ؟‬


‫المرهون فيه أو الدين‬
‫وقالت الشافعية‪ :‬المرهون فيه له ثالثة شروط‬
‫أحدها‪ :‬أن يكون دينا‪ ،‬فإنه ال يرهن يف عني‪.‬‬

‫والثاني‪ :‬أن يكون واجبا‪ ،‬فإنه ال يرهن قبل الوجوب‪ ،‬مبعىن أن يكون ثابتا مثل أن يسرتهنه مبا‬
‫يستقرضه‪ ،‬وجيوز ذلك عند مالك‪.‬‬

‫والثالث‪ :‬أن ال يكون لزومه متوقعا أن جيب‪ ،‬وأن ال جيب كالرهن يف الكتابة‪ ،‬وهذا املذهب قريب‬
‫من مذهب مالك‪.‬‬
‫الشروط الرهن المنطوق بها في الشرع ضربان‪ :‬شروط صحة‪ ،‬وشروط فساد‪.‬‬
‫فأما شروط الصحة المنطوق بها في الرهن شرطان‪:‬‬

‫أحدهما‪ :‬متفق عليه باجلملة وهو القبض‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫والثاني‪ :‬خمتلف يف اشرتاطه‪.‬‬

‫فأما القبض‪ :‬فاتفقوا باجلملة على أنه شرط يف الرهن لقوله تعاىل‪{ :‬فرهان مقبوضة}‬

‫واختلفوا هل هو شرط متام أو شرط صحة؟ ‪.‬‬

‫وفائدة الفرق‪ :‬أن من قال‪ :‬شرط صحة قال‪ :‬ما مل يقع القبض مل يلزم الرهن الراهن‪.‬‬

‫ومن قال‪ :‬شرط متام قال‪ :‬يلزم العقد وجيرب الراهن على اإلقباض إال أن يرتاخى املرهتن عن املطالبة‬
‫حىت يفلس الراهن‪ ،‬أو ميرض‪ ،‬أو ميوت‪.‬‬

‫فذهب مالك إىل أنه من شروط التمام‪ ،‬وعمدته‪ :‬قياس الرهن على سائر العقود الالزمة بالقول‪.‬‬

‫وذهب أبو حنيفة‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأهل الظاهر إىل أنه من شروط الصحة‪ .‬وعمدتهم قوله تعاىل‪:‬‬
‫{فرهان مقبوضة}‬

‫وقال بعض أهل الظاهر‪ :‬ال جيوز الرهن إال أن يكون هنالك كاتب ؛ لقوله تعاىل‪{ :‬ومل جتدوا كاتبا‬
‫فرهان مقبوضة} وال جيوز أهل الظاهر أن يوضع الرهن على يدي عدل‪.‬‬

‫*‪ -‬هل من شرط صحة الرهن استدامة القبض أم ال؟‬


‫مذهب مالك‪ :‬أن من شرط صحة الرهن استدامة القبض‪ ،‬وأنه مىت عاد إىل يد الراهن بإذن املرهتن‬
‫بعارية‪ ،‬أو وديعة‪ ،‬أو غري ذلك‪ ،‬فقد خرج من اللزوم‪.‬‬

‫وقال الشافعي‪ :‬ليس استدامة القبض من شرط الصحة‪.‬‬

‫فمالك عمم الشرط على ظاهره‪ ،‬فألزم من قوله تعاىل‪{ :‬فرهان مقبوضة }وجود القبض واستدامته‪.‬‬

‫والشافعي يقول‪ :‬إذا وجد القبض فقد صح الرهن وانعقد‪ ،‬فال حيل ذلك إعارته وال غري ذلك من‬
‫التصرف فيه كاحلال يف البيع‪.‬‬

‫هل الرهن جائز في الحضر أم ال؟‬

‫‪142‬‬
‫واتفقوا على جوازه يف السفر‪ .‬واختلفوا يف احلضر; فذهب اجلمهور إىل جوازه‪.‬‬

‫وقال أهل الظاهر‪ ،‬وجماهد‪ :‬ال جيوز يف احلضر لظاهر قوله تعاىل‪{ :‬وإن كنتم على سفر} ومتسك‬
‫اجلمهور مبا ورد من‪« :‬أنه ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬رهن يف احلضر » ‪.‬‬

‫والقول يف استنباط منع الرهن يف احلضر من اآلية هو من باب دليل اخلطاب‪ = .‬مفهوم املخالفة‪.‬‬

‫وأما الشرط المحرم الممنوع بالنص فهو‪ :‬أن يرهن الرجل رهنا على أنه إن جاء حبقه عند‬
‫أجله‪ ،‬وإال فالرهن له؛ فاتفقوا على أن هذا الشرط يوجب الفسخ‪ ،‬وأنه معىن قوله ‪ -‬عليه الصالة‬
‫والسالم ‪« :-‬ال يَغلَ ُق الرهن» َغليق من فريح‪ ،‬فريح يفَرح فرحا‪ ،‬يقال‪ :‬غليق الرهن إذا امتنع‪ُ ،‬منع‬
‫صاحبه منه"‪.‬‬

‫حقوق المرتهن في الرهن‪:‬‬


‫من حق المرتهن في الرهن أن ميسكه حىت يددي الراهن ما عليه‪ ،‬فإن مل يأت به عند‬
‫األجل كان له أن يرفعه إىل السلطان‪ ،‬فيبيع عليه الرهن وينصفه منه إن مل جيبه الراهن إىل البيع‪،‬‬
‫وكذلك إن كان غائبا‪.‬‬

‫‪ -‬إذا وكل الراهن املرهتن على بيع الرهن عند حلول األجل جاز; وكرهه مالك إال أن يرفع األمر إىل‬
‫السلطان‪.‬‬

‫هل يتعلق الرهن بالمرهون فيه كامال أم ببعضه؟‬


‫الرهن عند اجلمهور يتعلق جبملة احلق املرهون فيه وببعضه (أعين‪ :‬أنه إذا رهنه يف عدد ما ‪ ،‬فأدى منه‬
‫بعضه‪ ،‬فإن الرهن بأسره يبقى بعد بيد املرهتن حىت يستويف حقه) ‪.‬‬

‫وقال قوم‪ :‬بل يبقى من الرهن بيد املرهتن بقدر ما يبقى من احلق‪.‬‬

‫وحجة الجمهور‪ :‬أنه حمبوس حبق‪ ،‬فوجب أن يكون حمبوسا بكل جزء منه‪ ،‬أصله حبس الرتكة على‬
‫الورثة حىت يددوا الدين الذي على امليت‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫وحجة الفريق الثاني‪ :‬أن مجيعه حمبوس جبميعه‪ ،‬فوجب أن يكون أبعاضه حمبوسة بأبعاضه‪ ،‬أصله‬
‫الكفالة‪.‬‬

‫النماء الرهن المنفصل هل يدخل في الرهن؟‬


‫اختالفهم يف مناء الرهن املنفصل‪ ،‬مثل الثمرة يف الشجر املرهون‪ ،‬ومثل الغلة‪ ،‬ومثل الولد هل يدخل‬
‫يف الرهن أم ال؟‬

‫اختلف العلماء في هذه المسألة على ثالثة أقوال‪:‬‬

‫أن مناء الرهن املنفصل ال يدخل شيء منه يف الرهن (أعين‪ :‬الذي حيدث منه يف يد املرهتن)‪،‬‬ ‫األول‪:‬‬
‫وممن قال هبذا القول الشافعي‪.‬‬

‫من رأى أن مناء الرهن وغلته للراهن‪ :‬قوله ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪« :-‬الرهن حملوب‬ ‫وعمدة‬
‫ومركوب » ‪ .‬قالوا‪ :‬ووجه الدليل من ذلك أنه مل يرد بقوله‪« :‬مركوب وحملوب» ; أي يركبه الراهن‬
‫وحيلبه; ألنه كأن يكون غري مقبوض‪ ،‬وذلك مناقض لكونه رهنا‪ ،‬فإن الرهن من شرطه القبض‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫وال يصح أن يكون معناه أن املرهتن حيلبه ويركبه‪ ،‬فلم يبق إال أن يكون املعىن يف ذلك أن أجرة ظهره‬
‫لربه‪ ،‬ونفقته عليه‪.‬‬

‫واستدلوا أيضا بعموم قوله ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪« :-‬الرهن ممن رهنه‪ ،‬له غنمه‪ ،‬وعليه غرمه» ‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وألنه مناء زائد على ما رضيه رهنا‪ ،‬فوجب أن ال يكون له إال بشرط زائد‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬أن مجيع النماء احلاصل للذات املرهونة يدخل يف الرهن‪ ،‬وممن قال هبذا القول أبو حنيفة‬
‫والثوري‪.‬‬

‫وعمدة أبي حنيفة‪ :‬أن الفروع تابعة لألصول فوجب هلا حكم األصل; ولذلك حكم الولد تابع‬
‫حلكم أمه يف التدبري والكتابة‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫التفصيل وهو قول مالك وبيانه‪ :‬أن ما كان من مناء الرهن املنفصل على خلقته وصورته‪،‬‬ ‫الثالث‪:‬‬
‫فإنه داخل يف الرهن كولد اجلارية مع اجلارية‪ ،‬وولد الناقة مع الناقة ‪..‬‬

‫وأما ما مل يكن على خلقته فإنه ال يدخل يف الرهن‪ ،‬كان متولدا عنه كثمر النخل‪ ،‬أو غري متولد‬
‫ككراء الدار وخراج الغالم‪.‬‬

‫بأن الولد حكمه حكم أمه يف البيع (أي‪ :‬هو تابع هلا) ‪ ،‬وفرق بني الثمرة‬ ‫وأما مالك فاحتج‬
‫والولد يف ذلك بالسنة املفرقة يف ذلك‪ ،‬فولد اجلارية يتبع بغري شرط‪ .‬وهو قول النِب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪:‬من فرق بني الوالدة وولدها فرق بينه وبني أحبته يوم القيامة"‪ ..‬وأما الثمر فال يتبع بيع األصل‬
‫إال بالشرط ‪ ،‬لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬من باع خنال قد أبرت فثمرهتا للبائع إال أن يشرتط‬
‫املبتاع "‪.‬‬

‫هل للمرتهن أن ينتفع بشيء من الرهن؟‬


‫على أن ليس للمرهتن أن ينتفع بشيء من الرهن‪.‬‬ ‫الجمهور‬

‫قوم‪ :‬إذا كان الرهن حيوانا فللمرهتن أن حيلبه ويركبه بقدر ما يعلفه وينفق عليه‪ ،‬وهو قول‬ ‫وقال‬
‫أمحد وإسحاق‪ ،‬واحتجوا مبا رواه أبو هريرة عن النِب ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬أنه قال‪« :‬الرهن‬
‫حملوب ومركوب» ‪.‬‬

‫من يضمن الرهن إذا هلك؟‬


‫اختلف العلماء يف الرهن يهلك عند املرهتن ممن ضمانه؟‬

‫فقال قوم‪ :‬الرهن أمانة وهو من الراهن‪ ،‬والقول قول املرهتن مع ميينه أنه ما فرط فيه‬
‫وما جىن عليه‪ ،‬وممن قال هبذا القول الشافعي‪ ،‬وأمحد‪ ،‬وأبو ثور‪ ،‬ومجهور أهل احلديث‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫وعمدتهم‪ :‬حديث سعيد بن املسيب‪ ،‬عن أيب هريرة أن النِب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪:‬‬
‫«ال يغلق الرهن وهو ممن رهنه‪ ،‬له غنمه‪ ،‬وعليه غرمه» (أي‪ :‬له غلته وخراجه‪ ،‬وعليه افتكاكه‪،‬‬
‫ومصيبته منه) ‪ .‬قالوا‪ :‬وقد رضي الراهن أمانته فأشبه املودع عنده‪.‬‬

‫وأما أبو حنيفة‪ ،‬وأصحابه‪ :‬فتأولوا قوله ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪« :-‬له غنمه وعليه غرمه» ‪ ،‬أن‬
‫غنمه ما فضل منه على الدين‪ ،‬وغرمه ما نقص‪.‬‬

‫وقال قوم‪ :‬الرهن من المرتهن ومصيبته منه‪ ،‬وممن قال هبذا القول أبو حنيفة‪ ،‬ومجهور‬
‫الكوفيني‪.‬‬

‫وعمدتهم‪ :‬أنه عني تعلق هبا حق االستيفاء ابتداء‪ ،‬فوجب أن يسقط بتلفه‪ ،‬أصله تلف املبيع عند‬
‫البائع إذا أمسكه حىت يستويف الثمن‪ ،‬وهذا متفق عليه من اجلمهور‪ ،‬وإن كان عند مالك كالرهن‪.‬‬

‫ورمبا احتجوا مبا روي عن النِب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪« :-‬أن رجال ارهتن فرسا من رجل‪ ،‬فنفق يف‬
‫يده‪ ،‬فقال ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬للمرهتن‪ " :‬ذهب حقك» ‪.‬‬
‫والذين قالوا بالضمان انقسموا قسمين‪:‬‬

‫فمنهم من رأى أن الرهن مضمون باألقل من قيمته‪ ،‬أو قيمة الدين‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة‪،‬‬
‫وسفيان‪ ،‬ومجاعة‪.‬‬

‫ومنهم من قال‪ :‬هو مضمون بقيمته قلت أو كثرت‪ ،‬وإنه إن فضل للراهن شيء فوق دينه‬
‫وإسحاق‪.‬‬ ‫أخذه من املرهتن‪ ،‬وبه قال علي بن أيب طالب‪ ،‬وعطاء‪،‬‬

‫وفرق قوم بين ما ال يغاب عليه مثل الحيوان‪ ،‬والعقار مما ال يخفى هالكه‪ ،‬وبني ما‬
‫يغاب عليه من العروض‪ ،‬فقالوا‪ :‬هو ضامن فيما يغاب عليه‪ ،‬ومدمتن فيما ال يغاب عليه‪ ،‬وممن قال‬

‫‪146‬‬
‫هبذا القول مالك‪ ،‬واألوزاعي‪ ،‬وعثمان البيت‪ ،‬إال أن مالكا يقول‪ :‬إذا شهد الشهود هبالك ما يغاب‬
‫عليه من غري تضييع‪ ،‬وال تفريط‪ ،‬فإنه ال يضمن‪ .‬وبقول مالك قال ابن القاسم‪.‬‬

‫وعمدته ‪:‬أن التهمة تلحق فيما يغاب عليه‪ ،‬وال تلحق فيما ال يغاب عليه‪ .‬وهذا استحسان ومعىن‬
‫االستحسان عند مالك هو مجع بني األدلة املتعارضة‪ ،‬فضعفه قوم وقالوا‪ :‬إنه مثل استحسان أيب‬
‫حنيفة‪ ،‬وحدوا االستحسان بأنه قول بغري دليل‪.‬‬

‫قال أشهب ‪.‬واألوزاعي وعثمان البيت‪ :‬بل يضمن على كل حال قامت بينة أو مل تقم‪، .‬‬

‫هل يجوز للراهن بيع العين المرهونة وهي تحت يد المرتهن؟‬


‫اجلمهور على أنه ال جيوز للراهن بيع الرهن‪ ،‬وال هبته‪ ،‬وأنه إن باعه فللمرهتن اإلجازة‪ ،‬أو الفسخ‪.‬‬

‫قال مالك‪ :‬وإن زعم املرهتن أن إجازته ليتعجل حقه حلف على ذلك‪ ،‬وكان له‪ .‬وقال قوم‪ :‬جيوز‬
‫بيعه‪ .‬بدون حلف‬

‫وإن كان الرهن غالما‪ ،‬أو أمة فأعتقها الراهن؛ فعند مالك أنه إن كان الراهن موسرا جاز عتقه وعجل‬
‫للمرهتن حقه‪ ،‬وإن كان معسرا بيعت وقضي احلق من مثنها‪ .‬وعند الشافعي ثالثة أقوال‪ :‬الرد‪،‬‬
‫واإلجازة‪ ،‬والثالث‪ :‬مثل قول مالك‪.‬‬
‫وأما اختالف الراهن‪ ،‬والمرتهن في قدر الحق الذي وجب به الرهن‪:‬‬
‫فقال مالك‪ :‬القول قول املرهتن فيما ذكره من قدر احلق ما مل تكن قيمة الرهن أقل من ذلك‪ ،‬فما زاد‬
‫على قيمة الرهن فالقول قول الراهن‪.‬‬

‫وقال الشافعي‪ ،‬وأبو حنيفة‪ ،‬والثوري‪ ،‬ومجهور فقهاء األمصار‪ :‬القول يف قدر احلق قول الراهن‪.‬‬

‫وعمدة اجلمهور‪ :‬أن الراهن مدعى عليه‪ ،‬واملرهتن مدع‪ ،‬فوجب أن تكون اليمني على الراهن على‬
‫ظاهر السنة املشهورة‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫وعمدة مالك هاهنا‪ :‬أن املرهتن وإن كان مدعيا فله هاهنا شبهة بنقل اليمني إىل حيزه‪ ،‬وهو كون‬
‫الرهن شاهدا له‪ ،‬ومن أصوله أن حيلف أقوى املتداعيني شبهة‪ ،‬وهذا ال يلزم عند اجلمهور; ألنه قد‬
‫يرهن الراهن الشيء وقيمته أكثر من املرهون فيه‪.‬‬

‫وأما إذا تلف الرهن‪ ،‬واختلفوا في صفته‪ :‬فالقول هاهنا عند مالك قول املرهتن؛ ألنه مدعى عليه‪،‬‬
‫وهو مقر ببعض ما ادعى عليه وهذا على أصوله‪ ،‬فإن املرهتن أيضا هو الضامن فيما يغاب عليه‪.‬‬

‫وأما على أصول الشافعي‪ ،‬فال يتصور على املرهتن ميني إال أن يناكره الراهن يف إتالفه‪.‬‬

‫وأما عند أيب حنيفة فالقول قول املرهتن يف قيمة الرهن‪ ،‬وليس حيتاج إىل صفة; ألن عند مالك حيلف‬
‫على الصفة‪ ،‬وتقومي تلك الصفة‪.‬‬

‫وإذا اختلفوا يف األمرين مجيعا (أعين‪ :‬يف صفة الرهن‪ ،‬ويف مقدار الرهن) كان القول قول املرهتن يف‬
‫صفة الرهن‪ ،‬ويف احلق ما كانت قيمته الصفة اليت حلف عليها شاهدة له‪ ،‬وفيه ضعف‪.‬‬

‫وهل يشهد احلق لقيمة الرهن إذا اتفقا يف احلق‪ ،‬واختلفا يف قيمة الرهن؟ يف املذهب فيه قوالن‪،‬‬
‫واألقيس الشهادة ؛ ألنه إذا شهد الرهن للدين شهد الدين للمرهون‪.‬‬

‫‪ 3‬كتاب الحجر‬
‫الباب األول‪ :‬في أصناف المحجورين‪:‬‬

‫الثاني‪ :‬متى يخرجون من الحجر‪ ،‬ومتى يحجر عليهم‪ ،‬وبأي شروط يخرجون؟‬

‫الثالث‪ :‬في معرفة أحكام أفعالهم في الرد‪ ،‬واإلجازة‪.‬‬

‫الباب األول في أصناف المحجورين‬

‫‪148‬‬
‫احلجر لغة املنع من التصرف ويف الشرع " صفة حكمية توجب منع موصوفها نفوذ تصرفه‬
‫يف الزائد على قوته أو تربعه مباله " ‪.‬‬

‫مسائل أحكام الحجر‪:‬‬

‫من يجب عليهم الحجر‬

‫أجمع العلماء على وجوب الحجر على األيتام الذين لم يبلغوا الحلم لقوله تعاىل‪:‬‬
‫{وابتلوا اليتامى حىت إذا بلغوا النكاح}‬

‫اختلف العلماء في الحجر على العقالء الكبار إذا ظهر منهم تبذير ألموالهم‪:‬‬

‫فذهب مالك‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأهل المدينة‪ ،‬وكثير من أهل العراق وهو مذهب ابن عباس‪،‬‬
‫وابن الزبري‪ .‬إىل جواز ابتداء احلجر عليهم حبكم احلاكم‪ ،‬وذلك بشرطني‪:‬‬

‫‪ -1‬أن يثبت عنده سفههم‪.‬‬

‫‪ -2‬أن يعذر إليهم فيما ثبت عنده من سفههم ‪ ،‬فلم يكن عندهم مدفع‪.‬‬

‫وعمدة هذا الفريق‪:‬‬

‫أن الحجر على الصغار إنما وجب لمعنى التبذير الذي يوجد فيهم غالبا‪ ،‬فوجب أن‬
‫يجب الحجر على من وجد فيه هذا المعنى‪ ،‬وإن لم يكن صغيرا‪.‬‬

‫قالوا‪ :‬ولذلك اشرتط يف رفع احلجر عنهم مع ارتفاع الصغر إيناس الرشد‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪:‬‬
‫{فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أمواهلم} فدل هذا على أن السبب المقتضي‬
‫للحجر هو السفه‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫وذهب أبو حنيفة‪ ،‬وجماعة من أهل العراق إىل أن ال يبتدأ احلجر على الكبار‪ ،‬وهو قول‬
‫إبراهيم‪ ،‬وابن سريين‪.‬‬

‫وهدالء انقسموا قسمني‪:‬‬

‫‪ -1‬فمنهم من قال‪ :‬الحجر ال يجوز عليهم بعد البلوغ بحال‪ ،‬وإن ظهر منهم‬
‫التبذير‪.‬‬

‫‪ -2‬ومنهم من قال‪ :‬إن استصحبوا التبذير من الصغر يستمر الحجر عليهم‪ ،‬وإن ظهر‬
‫منهم رشد بعد البلوغ‪ ،‬ثم ظهر منهم سفه‪ ،‬فهؤالء ال يبدأ بالحجر عليهم‪.‬‬

‫وأبو حنيفة حيد يف ارتفاع احلجر‪ ،‬وإن ظهر سفهه مخسة وعشرين عاما‪.‬‬

‫وعمدة احلنفية‪ :‬حديث حبان بن منقذ‪« :‬إذ ذكر فيه لرسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬
‫أنه خيدع يف البيوع‪ ،‬فجعل له رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬الخيار ثالثا‪ ،‬ولم‬
‫يحجر عليه» ‪.‬‬

‫وربما قالوا‪ :‬الصغر هو المؤثر في منع التصرف بالمال‪ ،‬بدليل تأثريه يف إسقاط‬
‫التكليف‪ ،‬وإمنا اعترب الصغر ; ألنه الذي يوجد فيه السفه غالبا‪ ،‬كما يوجد فيه نقص‬
‫العقل غالبا؛ ولذلك جعل البلوغ عالمة وجوب التكليف وعالمة الرشد ؛ إذ كانا‬
‫يوجدان فيه غالبا (ونعني‪ :‬العقل والرشد) ‪ ،‬وكما مل يعترب النادر يف التكليف (أعين‪ :‬أن‬
‫يكون قبل البلوغ عاقال فيكلف؛ كذلك مل يعترب النادر يف السفه‪ ،‬وهو أن يكون بعد البلوغ‬
‫سفيها فيحجر عليه‪ ،‬كما مل يعترب كونه قبل البلوغ رشيدا‪.‬‬

‫قالوا‪ :‬وقوله تعاىل‪{ :‬وال تدتوا السفهاء أموالكم} ‪ ،‬ليس فيها أكثر من منعهم من‬
‫أموالهم‪ ،‬وذلك ال يوجب فسخ بيوعها وإبطالها‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫المسألة الثالثة ‪ :‬في أصناف المحجورين عند مالك‬

‫المحجورون عند مالك ستة‪ :‬الصغير‪ ،‬والسفيه‪ ،‬والعبد‪ ،‬والمفلس‪ ،‬والمريض‪،‬‬


‫والزوجة‪.‬‬

‫الباب الثاني‪ :‬متى يخرجون من الحجر‪ ،‬ومتى يحجر عليهم‪ ،‬وبأي شروط يخرجون؟‬

‫والنظر يف هذا الباب يف موضعني‪ :‬يف وقت خروج الصغار من احلجر‪ ،‬ووقت خروج‬
‫السفهاء‪ .‬فنقول‪:‬‬

‫المسألة الرابعة ‪ :‬في وقت خروج الصغار عن الحجر‪:‬‬

‫الصغار باجلملة صنفان‪ :‬ذكور‪ ،‬وإناث‪ ،‬وكل واحد من هدالء إما ذو أب‪ ،‬وإما ذو وصي‪،‬‬
‫وإما مهمل‪ ،‬وهم الذين يبلغون وال وصي هلم وال أب‪.‬‬

‫أوال‪ :‬الذكور الصغار ذوو اآلباء‪.‬‬

‫اتفق العلماء على أهنم ال خيرجون من احلجر إال ببلوغ سن التكليف‪ ،‬وإيناس الرشد‬
‫منهم‪ ،‬وإن كانوا قد اختلفوا يف الرشد ما هو‪ ،‬وذلك لقوله تعاىل‪{ :‬وابتلوا اليتامى حىت إذا‬
‫بلغوا النكاح ‪ ،‬فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أمواهلم}‬

‫وأما اختالفهم في الرشد ما هو؟ فإن مالكا يرى أن الرشد هو تثمير المال وإصالحه‬
‫فقط‪ ،‬والشافعي يشترط مع هذا صالح الدين‪ .‬وسبب اختالفهم‪ :‬هل ينطلق اسم‬
‫الرشد على غير صالح الدين؟‬

‫قال ابن عاصم‪ :‬الرشد حفظ املال مع حسن النظر ‪ ...‬وبعضهم له الصالح معترب ‪ ،‬قال‬
‫شارحوه‪ ":‬يعين أن حقيقة الرشد هي حفظ املال مع حسن النظر فيه ‪ ،‬وهذا هو املعتمد يف‬

‫‪151‬‬
‫املذهب ‪ ،‬وهو قول ابن القاسم ‪ ،‬وعن بعضهم أنه زاد فيها صالح الحال أيضا ‪ ،‬فهي‬
‫عنده حفظ املال وحسن النظر فيه وصالح احلال ‪ ،‬قال ابن سلمون‪ :‬واختلف هل من‬
‫شرطه الصالح يف الدين أم ال ؟ على قولني ‪ ،‬قال املدنيون من أصحاب مالك ‪ :‬الرشد هو‬
‫صحة العقل وصالح الدين وتثمري املال وحفظه ‪ ،‬وقال ابن القاسم إذا أمثر ماله وحاطه‬
‫استوجب اسم الرشد وإن كان غري مرضي احلال وبذلك احلكم‪.‬‬

‫المسألة الخامسة‪ :‬اإلناث الصغار ذوو اآلباء‬

‫‪ -1‬ذهب الجمهور إلى أن حكم اإلناث في ذلك حكم الذكور (أعين‪ :‬بلوغ احمليض‪،‬‬
‫وإيناس الرشد) ‪.‬‬

‫‪ -2‬وقال مالك‪ :‬هي في والية أبيها ‪ -‬يف املشهور عنه ‪ -‬حتى تتزوج‪ ،‬ويدخل بها‬
‫زوجها‪ ،‬ويؤنس رشدها‪ ،‬وروي عنه مثل قول اجلمهور‪.‬‬

‫وألصحاب مالك يف هذا أقوال غري هذه‪ ،‬قيل‪:‬‬

‫إنها في والية أبيها حتى يمر بها سنة بعد دخول زوجها بها‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬حتى يمر بها عامان‪ .‬وقيل‪ :‬حتى تمر بها سبعة أعوام‪.‬‬

‫وحجة مالك‪ :‬أن إيناس الرشد ال يتصور من المرأة إال بعد اختبار الرجال‪ .‬وأما أقاويل‬
‫أصحابه فضعيفة خمالفة للنص‪ ،‬والقياس‪ :‬أما خمالفتها للنص‪ :‬فإهنم مل يشرتطوا الرشد‪ .‬وأما‬
‫خمالفتها للقياس‪ :‬فألن الرشد ممكن تصوره منها قبل هذه املدة احملدودة‪.‬‬

‫إذا بلغ ولم يعلم سفهه من رشده‬

‫‪152‬‬
‫وإذا قلنا على قول مالك ال على قول اجلمهور‪ :‬إن االعتبار يف الذكور ذوي اآلباء البلوغ‪،‬‬
‫وإيناس الرشد‪.‬‬

‫فاختلف قول مالك إذا بلغ ولم يعلم سفهه من رشده‪ ،‬وكان مجهول الحال‪ :‬فقيل‬
‫عنه‪ :‬إنه محمول على السفه حتى يتبين رشده‪ ،‬وهو المشهور‪ .‬وقيل عنه‪ :‬إنه محمول‬
‫على الرشد حتى يتبين سفهه‪.‬‬

‫المسألة السادسة‪ :‬في وقت خروج الموصى عليهم عن الحجر‪:‬‬

‫المحجور عليهم ذوو األوصياء ‪:‬‬

‫وحكمهم أنهم ال خيرجون من الوالية يف املشهور عن مالك إال بإطالق وصيه له من‬
‫احلجر‪( ،‬أي‪ :‬يقول فيه إنه رشيد) إن كان مقدما من قبل األب بال خالف‪ ،‬أو بإذن‬
‫القاضي مع الوصي إن كان مقدما من غري األب على اختالف يف ذلك‪.‬‬

‫وقد قيل في وصي األب‪ :‬إنه ال يقبل قوله يف أنه رشيد حىت يعلم رشده‪ ،‬وقد قيل‪ :‬إن‬
‫حاله مع الوصي كحاله مع األب خيرجه من احلجر إذا آنس منه الرشد‪ ،‬وإن مل خيرجه‬
‫وصيه باإلشهاد‪ ،‬وإن اجملهول احلال يف هذا حكمه حكم اجملهول احلال ذي األب‪.‬‬

‫وأما ابن القاسم فمذهبه أن الوالية غير معتبر ثبوتها إذا علم الرشد‪ ،‬وال سقوطها إذا‬
‫علم السفه‪ ،‬وهي رواية عن مالك‪ ،‬وذلك من قوله يف اليتيم ال يف البكر‪.‬‬

‫والفرق بين المذهبين‪ :‬أن من يعتبر الوالية يقول أفعاله كلها مردودة وإن ظهر رشده‬
‫حتى يخرج من الوالية‪ ،‬وهو قول ضعيف‪ ،‬فإن المؤثر هو الرشد ال حكم الحاكم‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫وحال البكر مع الوصي كحال الذكر‪ ،‬ال خترج من الوالية إال باإلخراج ما مل تعنس على‬
‫اختالف يف مدة التعنيس ‪ .‬قال (ابن سلمون) واختلف يف حد التعنيس يف هذه على أربعة‬
‫أقوال‪ :‬قيل‪ :‬ثالثون‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬أقل‪ .‬وقيل‪ :‬أربعون‪ .‬وقيل‪ :‬من اخلمسني إىل الستني انتهى باختصار‬

‫قال ابن عاصم حاكيا خالف املالكية يف سن التعنيس ‪":‬‬

‫والسن في التعنيس من خمسينا ‪ ...‬فيما به الحكم إلى الستينا‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬حاهلا مع الوصي كحاهلا مع األب‪ ،‬وهو قول ابن املاجشون‪ .‬ومل خيتلف قوهلم إنه ال‬
‫يعترب فيها الرشد كاختالفهم يف اليتيم‪.‬‬

‫المسألة السابعة‪ :‬في حكم المهمل من الذكور والنساء‪.‬‬

‫وأما المهمل من الذكور‪ :‬فإن املشهور أن أفعاله جائزة إذا بلغ احللم كان سفيها متصل‬
‫السفه‪ ،‬أو غري متصل السفه‪ ،‬معلنا به أو غري معلن‪ .‬وأما ابن القاسم فيعترب نفس فعله إذا‬
‫وقع‪ ،‬فإن كان رشدا جاز‪ ،‬وإال رده‪.‬‬

‫وأما المهمل من النساء اليتيمة التي ال أب لها وال وصي‪ :‬فإن فيها يف املذهب قولني‪:‬‬

‫أحدمها‪ :‬أن أفعاهلا جائزة إذا بلغت احمليض‪ .‬والثاين‪ :‬أفعاهلا مردودة ما مل تعنس‪ ،‬وهو‬
‫املشهور‪.‬‬

‫‪ :‬في معرفة أحكام أفعال المحجورين في الرد واإلجازة‬

‫أوال‪ :‬حكم تصرف الصغار الذين لم يبلغوا الحلم من الرجال‪ ،‬وال المحيض من‬
‫النساء‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫‪ -‬ال خالف في المذهب في أنه ال يجوز له في ماله معروف بغير عوض ؛ من هبة‪،‬‬
‫وال صدقة‪ ،‬وال عطية‪ ،‬وال عتق‪ ،‬وإن أذن له األب يف ذلك‪ ،‬أو الوصي‪ ،‬فإن أخرج من يده‬
‫شيئا بغري عوض كان موقوفا على نظر وليه ؛ إن كان له ويل‪ ،‬فإن رآه رشدا أجازه‪ ،‬وإال‬
‫أبطله‪ ،‬وإن مل يكن له ويل ‪ ،‬قدم له ويل ينظر يف ذلك‪ ،‬وإن عمل يف ذلك ‪ -‬حىت يلي‬
‫أمره ‪ -‬كان النظر إليه يف اإلجازة‪ ،‬أو الرد‪.‬‬

‫واختلف إذا كان فعله سدادا ونظرا ؛ فيما كان يلزم الولي أن يفعله‪ :‬هل له أن ينقضه‬
‫إذا آل األمر إىل خالف حبوالة األسواق‪ ،‬أو مناء فيما باعه‪ ،‬أو نقصان فيما ابتاعه‪:‬‬
‫فاملشهور أن ذلك له‪ ،‬وقيل إن ذلك ليس له‪.‬‬

‫‪ -‬ويلزم الصغير ما أفسد في ماله مما لم يؤتمن عليه‪ .‬واختلف فيما أفسد وكسر مما‬
‫اؤمتن عليه‪.‬‬

‫‪ -‬وال يلزمه بعد بلوغه ورشده عتق ما حلف بحريته في صغره وحنث به في صغره‪.‬‬
‫واختلف فيما حنث فيه يف كربه وحلف به يف صغره‪ :‬فاملشهور أنه ال يلزمه‪ .‬وقال ابن‬
‫كنانة‪ :‬يلزمه‪.‬‬

‫‪ -‬وال يلزمه فيما ادعي عليه يمين‪ .‬واختلف إذا كان له شاهد واحد‪ :‬هل يحلف معه؟‬
‫فالمشهور أنه ال يحلف‪ ،‬وروي عن مالك‪ ،‬والليث أنه يحلف‪.‬‬

‫وحال البكر ذات األب والوصي كالذكر ما لم تعنس على مذهب من يعتبر تعنيسها‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬حكم تصرفات السفيه البالغ‪:‬‬

‫‪ -1‬حكم طالقه وخلعه‪:‬‬

‫‪155‬‬
‫جمهور العلماء على أن السفيه البالغ المحجورعليه إذا طلق زوجته‪ ،‬أو خالعها مضى‬
‫طالقه‪ ،‬وخلعه‪ ،‬إال ابن أيب ليلى‪ ،‬وأبا يوسف‪ ،‬وخالف ابن أيب ليلى يف العتق فقال‪ :‬إنه‬
‫ينفذ‪ .‬وقال اجلمهور‪ :‬إنه ال ينفذ‪.‬‬

‫‪ -2‬حكم وصيته‪:‬‬

‫وأما وصيته‪ :‬فال أعلم خالفا يف نفوذها‪.‬‬

‫وال تلزمه هبة‪ ،‬وال صدقة‪ ،‬وال عطية‪ ،‬وال عتق‪ ،‬وال شيء من المعروف إال أن يعتق أم‬
‫ولده‪ ،‬فيلزمه عتقها‪ ،‬وهذا كله يف املذهب‪ ،‬وهل يتبعها ماهلا؟ فيه خالف‪ :‬قيل‪ :‬يتبع‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬ال يتبع‪ ،‬وقيل‪ :‬بالفرق بني القليل والكثري‪.‬‬

‫‪ -3‬ما يفعله السفيه بعوض‪:‬‬

‫وأما ما يفعله بعوض‪ :‬فهو أيضا موقوف على نظر وليه إن كان له ويل‪ ،‬فإن مل يكن له ويل‬
‫قدم له ويل‪ ،‬فإن رد بيعه الويل وكان قد أتلف الثمن مل يتبع من ذلك بشيء‪ ،‬وكذلك إن‬
‫أتلف عني املبيع‪.‬‬

‫أفعال المحجورين‪ ،‬أو المهملين على مذهب مالك‪ :‬تنقسم إلى أربع أحوال‪:‬‬

‫‪ - 1‬فمنهم من تكون أفعاله كلها مردودة‪ ،‬وإن كان فيها ما هو رشد‪.‬‬

‫‪ - 2‬ومنهم ضد هذا‪ ،‬وهو أن تكون أفعاله كلها محمولة على الرشد‪ ،‬وإن ظهر فيها‬
‫ما هو سفه‪.‬‬

‫‪ - 3‬ومنهم من تكون أفعاله كلها محمولة على السفه ما لم يتبين رشده‪.‬‬

‫‪ - 4‬وعكس هذا أيضا أن تكون أفعاله كلها محمولة على الرشد حتى يتبين سفهه‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫‪ -1‬فأما الذي يحكم له بالسفه‪ ،‬وإن ظهر رشده ؛ فهو الصغير الذي لم يبلغ‪،‬‬
‫والبكر ذات األب والوصي ما لم تعنس على مذهب من يعتبر التعنيس‪.‬‬

‫‪ -2‬والذي يحكم له بحكم الرشد‪ ،‬وإن علم سفهه‪ :‬فمنه‪ :‬السفيه إذا لم تثبت عليه‬
‫والية من قبل أبيه‪ ،‬وال من قبل السلطان على مشهور مذهب مالك‪ ،‬خالفا البن‬
‫القاسم الذي يعترب نفس الرشد ال نفس الوالية‪ ،‬والبكر اليتيمة املهملة على مذهب‬
‫سحنون‪.‬‬

‫‪ -3‬وأما الذي يحكم عليه بالسفه (بحكم) ما لم يظهر رشده‪:‬‬

‫‪ -1‬االبن بعد بلوغه في حياة أبيه على المشهور في المذهب‪.‬‬

‫‪ -2‬البكر ذات األب التي ال وصي لها إذا تزوجت ودخل بها زوجها ما لم يظهر‬
‫رشدها‪ ،‬أوما مل تبلغ احلد املعترب يف ذلك من السنني عند من يعترب ذلك‪.‬‬

‫‪ -3‬اليتيمة التي ال وصي لها على مذهب من يرى أن أفعالها مردودة‪.‬‬

‫‪ -‬وأما الحال التي يحكم فيها بحكم الرشد حتى يتبين السفه‪:‬‬

‫‪ 1‬البكر املعنس عند من يعترب التعنيس‪.‬‬

‫‪ -2‬البنت اليت دخل هبا زوجها ومضى لدخوله احلد املعترب من السنني عند من يعترب احلد‪.‬‬

‫‪ -3‬االبن ذو األب إذا بلغ وجهلت حاله على إحدى الروايتني‪.‬‬

‫‪ -4‬االبنة البكر بعد بلوغها على الرواية اليت ال تعترب فيها دخوهلا مع زوجها‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫‪ :4‬التفليس‬
‫وعرفه ابن عرفة‪ ":‬حكم الحاكم بخلع كل مال المدين لغرمائه لعجزه عن قضاء ما لزمه" وله معنيان‬
‫أحدهما‪ :‬أن يستغرق الدين مال المدين‪ ،‬فال يكون في ماله وفاء بديونه‪ .‬والثاني‪ :‬أن ال يكون له مال‬
‫معلوم أصال‪ .‬وفي كال الفلسين قد اختلف العلماء في أحكامهما‬

‫إذا استغرق الدين مال المدين‬

‫فيه خالف القول األول وبه قال مالك‪ ،‬والشافعي‪ :.‬أن يحجر عليه الحاكم التصرف في ماله حتى‬
‫يبيعه عليه ويقسمه على الغرماء على نسبة ديونهم إن كان مليا‪ ،‬أو يحكم عليه باإلفالس ويحجر‬
‫عليه التصرف‪،‬إن لم يكن مليا وحجتهم‪« :‬حديث معاذ بن جبل‪ " :‬أنه كثر دينه في عهد رسول اهلل‬
‫‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬فلم يزد غرماءه على أن جعله لهم من ماله» ‪.‬وحديث أبي سعيد‬
‫الخدري‪« :‬أن رجال أصيب على عهد رسول اهلل في ثمر ابتاعها‪ ،‬فكثر دينه‪ ،‬فقال رسول اهلل ‪-‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ :-‬تصدقوا عليه‪ ،‬فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء بدينه‪ ،‬فقال رسول‬
‫اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ :-‬خذوا ما وجدتم‪ ،‬وليس لكم إال ذلك»‪ :‬القول الثاني وبه قال أبو‬
‫حنيفة‪ :‬أن للحاكم أن يحبسه حتى يعطيهم بيده ما عليه ‪.‬وحجته حديث جابر بن عبد اهلل حين‬
‫استشهد أبوه بأحد‪ ،‬وعليه دين‪ ،‬فلما طالبه الغرماء «قال جابر‪ " :‬فأتيت النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ -‬فكلمته‪ ،‬فسألهم أن يقبلوا مني حائطي‪ ،‬ويحللوا أبي‪ ،‬فأبوا‪ ،‬فلم يعطهم رسول اهلل ‪ -‬صلى‬
‫اهلل عليه وسلم – حائطي‪ .‬قال‪ :‬ولكن سأغدو عليك‪ ،‬قال‪ :‬فغدا علينا حين أصبح فطاف بالنخل‬
‫فدعا في ثمرها بالبركة‪ ،‬قال‪ :‬فجذذتها فقضيت منها حقوقهم‪ ،‬وبقي من ثمرها بقية» ‪.‬قالوا‪ :‬ويدل‬

‫‪158‬‬
‫على حبسه قوله ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪« :-‬لي الواجد يحل عرضه‪ ،‬وعقوبته» ‪ .‬قالوا‪ :‬والعقوبة‬
‫هي حبسه‪.‬‬

‫في ماذا يحجر عليه‪ ،‬وبأي ديون تكون المحاصة في ماله ‪ ،‬وفي أي شيء من ماله تكون المحاصة؟‬
‫وكيف تكون؟‬

‫فأما المفلس‪ :‬فله حاالن‪ :‬حال في وقت الفلس قبل الحجر عليه‪ ،‬وحال بعد الحجر‪.‬‬

‫أوال‪ :‬األحكام قبل الحجر ‪ ،‬وفيها مذهبان ‪ :‬أ مذهب مالك ‪ 1 :‬ـ ال يجوز له إتالف شيء من ماله‬
‫بغير عوض إذا كان مما ال يلزمه‪ ،‬ومما ال تجري العادة بفعله‪ .‬ألن له أن يفعل ما يلزم بالشرع‪، ،‬‬
‫كنفقته على اآلباء المعسرين‪ ،‬أو األبناء‪ -2..‬يجوز بيعه‪ ،‬وابتياعه ما لم تكن فيه محاباة‪-3.‬‬
‫يجوز إقراره بالدين لمن ال يتهم عليه‪ .‬ب‪ -‬مذهب الجمهور ‪ :‬وأما جمهور من قال بالحجر على‬
‫المفلس فقالوا‪ :‬هو قبل الحكم كسائر الناس قالوا ألن األصل هو جواز األفعال حتى يقع الحجر‪،‬‬
‫ومالك كأنه اعتبر المعنى نفسه‪ ،‬وهو إحاطة الدين بماله‪ ،‬لكن لم يعتبره في كل حال؛ ألنه يجوز‬
‫بيعه‪ ،‬وشراؤه إذا لم يكن فيه محاباة‪ ،‬وال يجوزه للمحجور عليه‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬األحكام بعد الحجر ‪ :.‬وأما حاله بعد التفليس‪ :‬فال يجوز له فيها عند مالك بيع‪ ،‬وال شراء‪،‬‬
‫وال أخذ‪ ،‬وال عطاء‪ ،‬وال يجوز إقراره بدين في ذمته لقريب وال بعيد‪ ،‬قيل‪ :‬إال أن يكون لواحد منهم‬
‫بينة‪ ،‬واختلف في إقراره بمال معين هل يصدق أم ال ؟ مثل القراض‪ ،‬والوديعة على ثالثة أقوال في‬
‫المذهب‪ :‬بالجواز‪ ،‬والمنع‪ ،‬والثالث‪ :‬بالفرق بين أن يكون على أصل القراض‪ ،‬أو الوديعة ببينة‪ ،‬إن‬
‫كانت صدق وإن لم تكن لم يصدق‪.‬‬

‫هل ديون المفلس المؤجلة هل تحل بالتفليس أم ال؟‬

‫‪159‬‬
‫واختلفوا فذهب مالك إلى أن التفليس في ذلك كالموت‪ .‬وذهب غيره إلى خالف ذلك‪ ،‬وجمهور‬
‫العلماء على أن الديون تحل بالموت‪ .‬وحجتهم‪ :‬أن اهلل تبارك وتعالى لم يبح التوارث إال بعد قضاء‬
‫الدين‪ ،‬فالورثة مخيرين في ذلك ‪ :‬إما أن يجعلوا الدين حاال‪ ،‬وإما أن يرضوا بتأخير إلى أجله ‪.‬وقال‬
‫ابن شهاب‪ :‬مضت السنة بأن دينه قد حل حين مات‪.‬قال ابن سيرين إن رضي الغرماء بتحمله في‬
‫ذممهم أبقيت الديون إلى أجلها‪ ، ،‬واختاره أبو عبيد من فقهاء األمصار‪،‬‬

‫الشبه بين الفلس والموت ال يشبه الفلس في هذا المعنى الموت كل الشبه‪ ،‬وإن كانت كلتا‬
‫الذمتين قد خرجت‪ ،‬فإن ذمة المفلس يرجى المال لها‪ ،‬بخالف ذمة الميت‬

‫‪.‬المسألة الرابعة‪ :‬فيما يرجع به أصحاب الديون من مال المفلس‪:‬‬

‫فإن ذلك يرجع إلى الجنس‪ ،‬والقدر‪ .‬أوال‪ :‬الحكم في ذهاب عين السلعة بعد التفليس؛ أو بقائها‬
‫يم على المفلس ؛ فإن دينه في‬
‫على حالها ‪ 1‬إذا ذهب عين العوض الذي استوجب من قبله الغر ُ‬
‫ذمة المفلس‪ -2 .‬وأما إذا كان عين العوض باقيا بعينه لم يفت إال أنه لم يقبض ثمنه‪ ،‬فاختلف في‬
‫ذلك فقهاء األمصار على أربعة أقوال‪:‬‬

‫األول‪ :‬وبه قال الشافعي‪ ،‬وأحمد‪ ،‬وأبو ثور أن صاحب السلعة أحق بها على كل حال إال أن‬
‫يتركها‪ ،‬ويختار المحاصة‪ .،‬وحجته ‪ :‬ما ثبت من حديث أبي هريرة أن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫الرجل مالَه بعينه فهو أحق به من غيره»‬
‫ُ‬ ‫وسلم ‪ -‬قال‪« :‬أيما رجل أفلس فأدرك‬

‫والقول الثاني‪ :‬وبه قال مالك‪ ،‬وأصحابه‪.‬ينظر إلى قيمة السلعة يوم الحكم بالتفليس‪ ،‬فإن كانت أقل‬
‫من الثمن خير صاحب السلعة بين أن يأخذها‪ ،‬أو يحاص الغرماء‪ ،‬وإن كانت أكثر أو مساوية للثمن‬
‫أخذها بعينها‪ ،‬وحجتهم خصصه بالقياس وقالوا‪ :‬إن معقوله إنما هو الرفق بصاحب السلعة لكون‬
‫سلعته باقية‪،‬‬

‫‪160‬‬
‫القول الثالث‪ :‬قال به جماعة من أهل األثر‪ :‬تقوم السلعة بعد التفليس‪ ،‬فإن كانت قيمتها مساوية‬
‫للثمن‪ ،‬أو أقل منه قضي للبائع بها ‪ ،‬وإن كانت أكثر دفع إليه مقدار ثمنه ‪ ،‬ويتحاصون في الباقي‪،‬‬

‫والقول الرابع ‪ :‬وهو قول أبي حنيفة‪ ،‬وأهل الكوفة‪ :‬أنه أسوة الغرماء فيها على كل حال‪ .،‬وحجتهم‬
‫أن هذا الحديث مخالف لألصول المتواترة على طريقتهم في رد خبر الواحد إذا خالف األصول‬
‫المتواترة‪ ،‬لكون خبر الواحد مظنونا‪ ،‬واألصول يقينية مقطوع بها‪ ،‬كما قال عمر في حديث فاطمة‬
‫بنت قيس‪ :‬ما كنا لندع كتاب اهلل وسنة نبينا لحديث امرأة‪ .‬وربما احتجوا بأن حديث أبي هريرة‬
‫مختلف فيه‪ ،‬وروي بلفظ آخر وهو‪« :‬أيما رجل مات‪ ،‬أو أفلس فوجد بعض غرمائه ماله بعينه فهو‬
‫أسوة الغرماء» ‪ .‬وهذا الحديث أولى؛ ألنه موافق لألصول الثابتة‪ -3..‬إذا لم يقبض المشتري‬
‫السلعة وبقيت بيد البائع ؛ فالعلماء متفقون أهل الحجاز‪ ،‬وأهل العراق أن صاحب السلعة أحق بها؛‬
‫الرجل مالَه بعينه فهو أحق به من غيره»‬
‫ُ‬ ‫ألنها في ضمانه‪ .‬وحجتهم حديث «أيما رجل أفلس فأدرك‬
‫؛‬

‫إذا قبض البائع بعض الثمن‪:‬‬

‫‪ - 1‬فقال مالك‪ :‬إن شاء أن يرد ما قبض ويأخذ السلعة كلها‪ ،‬وإن شاء حاص الغرماء فيما بقي من‬
‫سلعته‪.‬‬

‫‪ -2‬وقال الشافعي‪ :‬بل يأخذ ما بقي من سلعته بما بقي من الثمن‪ .‬وحجة الشافعي‪ :‬أن كل السلعة‪،‬‬
‫أو بعضها في الحكم واحد‪.‬‬

‫‪ -3‬وقالت جماعة من أهل العلم داود‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬وأحمد‪ :‬إن قبض من الثمن شيئا فهو أسوة‬
‫الغرماء‪ .‬وحجتهم‪ :‬ما روى مالك‪ ،‬أن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪« :‬أيما رجل باع‬

‫‪161‬‬
‫متاعا‪ ،‬فأفلس الذي ابتاعه‪ ،‬ولم يقبض الذي باعه شيئا ‪ ،‬فوجده بعينه فهو أحق به‪ ،‬وإن مات الذي‬
‫ابتاعه فصاحب المتاع أسوة الغرماء» وقد روي «فإن كان قبض من ثمنه شيئا فهو أسوة الغرماء»‬

‫‪ -4‬واتفقوا ‪ :‬أنه إذا فوت المشتري بعضها أن البائع أحق بالمقدار الذي أدرك من سلعته‪ ،‬إال عطاء‬
‫فإنه قال‪ :‬إذا فوت المشتري بعضها كان البائع أسوة الغرماء‪.‬‬

‫الموت هل حكمه حكم الفلس ؟‬

‫اختلف الشافعي ومالك في هذه المسألة ‪ :‬فقال مالك‪ :‬الدائن في موت المدين أسوة الغرماء ‪،‬‬
‫بخالف الفلس‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬األمر في ذلك واحد‪.‬وعمدة مالك‪ :‬ما رواه عن ابن شهاب‪ ،‬عن‬
‫أبي بكر‪ ،‬والشاهد منه قوله صلى اهلل عليه وسلم‪.. ":‬وإن مات الذي ابتاعه فصاحب المتاع أسوة‬
‫الغرماء» وأيضا من جهة النظر‪ :‬هناك فرق بين الذمة في الفلس والموت أن المفلس ممكن أن تثرى‬
‫حاله فيتبعه غرماؤه بما بقي عليه‪ ،‬وذلك غير متصور في الموت وأما الشافعي‪ :‬فعمدته ما رواه ابن‬
‫أبي ذئب بسنده عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪« :-‬أيما رجل مات أو‬
‫أفلس فصاحب المتاع أحق به» ‪ ،‬فسوى في هذه الرواية بين الموت‪ ،‬والفلس‪ .‬وقال‪ :‬وحديث ابن‬
‫أبي ذئب أولى من حديث ابن شهاب؛ ألن حديث ابن شهاب مرسل‪ ،‬وهذا مسند‪ .‬ومن طريق‬
‫المعنى‪ :‬فهو مال ال تصرف فيه لمالكه إال بعد أداء ما عليه‪ ،‬فأشبه مال المفلس‪ .‬وقياس مالك‬
‫أقوى من قياس الشافعي‪ ،‬وترجيح حديثه على حديث ابن أبي ذئب من جهة أن موافقة القياس له‬
‫أقوى‪ -.‬وذلك أن ما وافق من األحاديث المتعارضة قياس المعنى فهو أقوى مما وافقه قياس‬
‫الشبه‪.‬فسبب الخالف‪ :‬تعارض اآلثار في هذا المعنى‪ ،‬والمقاييس‪ ،‬وأيضا فإن األصل يشهد لقول‬
‫مالك في الموت (أعني‪ :‬أن من باع شيئا فليس يرجع إليه) ‪ ،‬فمالك ‪ :‬أقوى في هذه المسألة‪،‬‬
‫والشافعي إنما ضعف عنده فيها قول مالك لما روي أن المسند المرسل عنده ال يجب العمل‬

‫‪162‬‬
‫ب‪ .‬المسألة السادسة‪ :‬فيمن وجد سلعته بعينها عند المفلس‪ ،‬وقد أحدث زيادة‪.‬‬

‫اختلف مالك والشافعي ‪،‬في ذالك ‪:‬مثل أن تكون أرضا يغرسها‪ ،‬أو عرصة يبنيها‪ -1.‬فقال مالك‪:‬‬
‫العمل الزائد فيها هو فوت‪ ،‬ويرجع صاحب السلعة شريك الغرماء‪ -2 .‬وقال الشافعي‪ :‬بل يخير‬
‫البائع بين أن يعطي قيمة ما أحدث المشتري في سلعته ويأخذها‪ ،‬أو أن يأخذ أصل السلعة ويحاص‬
‫الغرماء في الزيادة‪.‬‬

‫وتحصيل مذهب مالك فيما يكون الغريم به أحق من سائر الغرماء في الموت والفلس‪ ،‬أو في‬
‫الفلس دون الموت‪:‬‬

‫أن األشياء المبيعة بالدين تنقسم في التفليس ثالثة أقسام‪ :‬عرض يتعين‪ ،‬وعين اختلف فيه هل يتعين‬
‫أم ال؟ وعمل ال يتعين ‪.‬‬

‫أوال ‪ -‬العرض المتعين‪ -1 :‬إن كان في يد بائعه لم يسلمه حتى أفلس المشتري‪ ،‬فهو أحق به في‬
‫الموت‪ ،‬والفلس‪ ،‬وهذا ما ال خالف فيه‪ -2 .‬إن كان قد دفعه إلى المشتري ثم أفلس ‪ ،‬وهو قائم‬
‫بيده فهو أحق به من الغرماء في الفلس دون الموت‪ ،‬ولهم عند مالك أن يأخذوا سلعته بالثمن‪.‬‬
‫وقال الشافعي‪ :‬ليس لهم‪ .‬وقال أشهب‪ :‬ال يأخذونها إال بزيادة يحطونها عن المفلس‪ .‬وقال ابن‬
‫الماجشون‪ :‬إن شاءوا كان الثمن من أموالهم‪ ،‬أو من مال الغريم‪ .‬وقال ابن كنانة‪ :‬بل يكون من‬
‫أموالهم‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬العين‪ :‬وهي على نوعين متعينة وغير متعينة‪:‬‬

‫األول‪ :‬العين المتعينة‪ ،‬وحكمها‪ -1:‬إن كانت في يده فهو أحق بها في الموت ‪ ،‬والفلس ‪-2.‬‬
‫اختلف إذا دفعه إلى بائعه فيه ‪ ،‬ففلس أو مات وهو قائم بيده يعرف بعينه‪ -،‬فقيل‪ :‬إنه أحق به‬

‫‪163‬‬
‫كالعروض في الفلس دون الموت‪ ،‬وهو قول ابن القاسم‪ -.‬وقيل‪ :‬إنه ال سبيل له عليه‪ ،‬وهو أسوة‬
‫الغرماء‪ ،‬وهو قول أشهب‪ ،‬والقوالن جاريان على االختالف في تعيين العين‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬العين غير المتعينة‪ :‬وحكمها أن الدائن يكون فيها أسوة الغرماء في الموت والفلس جميعا‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬العمل الذي ال يتعين‪:‬‬

‫‪1‬األجير‪ - :‬إذا أفلس المستأجر قبل أن يستوفي عمل األجير ‪ ،‬كان األجير أحق بما عمله في‬
‫الموت والفلس جميعا‪ ،‬كالسلعة إذا كانت بيد البائع في وقت الفلس‪.‬ـ إن كان فلس المستأجر بعد‬
‫أن استوفى عمل األجير‪ :‬فاألجير أسوة الغرماء بأجرته التي شارطه عليها في الفلس والموت جميعا ‪،‬‬
‫إال أن تكون بيده السلعة التي استؤجر على عملها‪ ،‬فيكون أحق بذلك في الموت‪ ،‬والفلس جميعا؛‬
‫ألنه كالرهن بيده‪ -.‬إن أسلم األجير محل العمل للمستأجر كان األجير أسوة الغرماء بعمله‪ ،‬إال أن‬
‫يكون له فيه شيء أخرجه فيكون أحق به في الفلس دون الموت‪.‬‬

‫‪ -2‬مكري الدواب والسفن‪ -:‬إذا أفلس مكتري الدواب عند مالك ‪ ،‬فهو أحق بما على‬
‫الدابة من المتاع بأن يأخذ منها أجرة كرائه في الموت والفلس جميعا‪ ،‬وكذلك مكتري‬
‫السفينة‪ ،‬وهذا كله شبهه مالك بالرهن‪.‬‬

‫المسألة السابعة ‪ :‬في مقدار ما يترك للمفلس من ماله‬

‫‪ :‬فقيل في المذهب‪ :‬يترك له ما يعيش به هو وأهله وولده الصغار لأليام‪ .‬وقال في الواضحة‬
‫والعتبية‪ :‬الشهر ونحوه‪ ،‬ويترك له كسوة مثله‪ .‬وتوقف مالك في كسوة زوجته لكونها هل تجب لها‬
‫بعوض مقبوض أو بغير عوض‪ .‬وقال سحنون‪ :‬ال يترك له كسوة زوجته‪ .‬وروى ابن نافع عن مالك‪:‬‬
‫أنه ال يترك له إال ما يواريه‪ ،‬وبه قال ابن كنانة‪ .‬واختلفوا في بيع كتب العلم عليه على قولين‪ :‬وهذا‬
‫مبني على كراهية بيع كتب الفقه‪ ،‬أو ال كراهية ذلك‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫المسألة الثامنة ‪ :‬في معرفة الديون التي يحاص بها من الديون التي ال يحاص بها على مذهب مالك‬
‫‪:‬‬

‫فإنها تنقسم أوال إلى قسمين‪:‬‬

‫أحدهما‪ :‬أن تكون واجبة عن عوض‪.‬والثاني‪ :‬أن تكون واجبة من غير عوض‪.‬‬

‫القسم األول‪ :‬الديون الواجبة عن عوض تنقسم إلى عوض مقبوض‪ ،‬وإلى عوض غير مقبوض‪:‬‬

‫أوال‪ :‬الديون المترتبة عن عوض مقبوض سواء أكانت ماال‪ ،‬أو أرش جناية؛ فال خالف في المذهب‬
‫أن محاصة الغرماء بها واجبة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الديون المترتبة عن عوض غير مقبوض‪ :‬فإنها تنقسم خمسة أقسام‪:‬‬

‫أحدها‪ :‬أن ال يمكنه دفع العوض بحال كنفقة الزوجات لما يأتي من المدة‪ .‬فهذا ال محاصة في‬
‫ذلك إال في مهور الزوجات إذا أفلس الزوج قبل الدخول‬

‫والثاني‪ :‬أن ال يمكنه دفع العوض‪ ،‬ولكن يمكنه دفع ما يستوفى فيه‪ ،‬مثل أن يكتري الرجل الدار‬
‫بالنقد‪ ،‬أو يكون العرف فيه النقد‪ ،‬ففلس المكتري قبل أن يسكن‪ ،‬أو بعد ما سكن بعض السكنى‪،‬‬
‫وقبل أن يدفع الكراء‪ .‬فقيل‪ :‬للمكري المحاصة بجميع الثمن وإسالم الدار للغرماء‪ .‬وقيل‪ :‬ليس له‬
‫إال المحاصة بما سكن ويأخذ داره‪ ،‬وإن كان لم يسكن فليس له إال أخذ داره‪.‬‬

‫والثالث‪ :‬أن يكون دفع العوض يمكنه ويلزمه‪ ،‬كرأس مال السلم إذا أفلس المسلم إليه قبل دفع‬
‫رأس المال‪ .‬فقيل‪ :‬يحاص به الغرماء في الواجب له بالعوض‪ ،‬ويدفعه‪ ،‬وقيل‪ :‬هو أحق به ‪ ،‬وعلى‬
‫هذا ال يلزمه دفع العوض‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫والرابع‪ :‬أن يمكنه دفع العوض وال يلزمه‪ ،‬مثل السلعة إذا باعها ففلس المبتاع قبل أن يدفعها إليه‬
‫البائع‪ .‬فهو بالخيار بين المحاصة‪ ،‬واإلمساك‪ ،‬وذلك هو إذا كان العوض عينا‪.‬‬

‫والخامس‪ :‬أن ال يكون إليه تعجيل دفع العوض‪ ،‬مثل أن يسلم الرجل إلى الرجل دنانير في عروض‬
‫إلى أجل فيفلس المسلم قبل أن يدفع رأس المال‪ ،‬وقبل أن يحل أجل السلم‪ .‬فإن رضي المسلم‬
‫إليه أن يعجل العروض‪ ،‬ويحاصص الغرماء برأس مال السلم‪ ،‬فذلك جائز إن رضي بذلك الغرماء‪،‬‬
‫فإن أبى ذلك أحد الغرماء حاص الغرماء برأس المال الواجب له فيما وجد للغريم من مال‪ ،‬وفي‬
‫العروض التي عليه إذا حلت; ألنها من مال الفلس‪ ،‬وإن شاءوا أن يبيعوها بالنقد‪ ،‬ويتحاصوا فيها‬
‫كان ذلك لهم‪.‬‬

‫القسم اللثاني ‪ :‬الديون الواجبة عن غير عوض‪ :‬وأما ما كان من الحقوق الواجبة عن غير عوض فهي‬
‫على قسمين‪ -1:‬ما كان منها غير واجب بالشرع‪ ،‬بل بااللتزام ‪ ،‬كالهبات والصدقات فال محاصة‬
‫فيها‪ -2 .‬وأما ما كان منها واجبا بالشرع كنفقة اآلباء واألبناء‪ ،‬ففيها قوالن‪ :‬أحدهما‪ :‬أن المحاصة‬
‫ال تجب بها‪ ،‬وهو قول ابن القاسم‪ .‬والثاني‪ :‬أنها تجب بها إذا لزمت بحكم من السلطان‪ ،‬وهو قول‬
‫أشهب‪.‬‬

‫معرفة وجه التحاص ‪ :‬فإن الحكم في ذلك أن يصرف مال الغريم من جنس ديون الغرماء‪ ،‬وسواء‬
‫أكان مال الغرماء من جنس واحد أو من أجناس مختلفة؛ إذ كان ال يقتضي في الديون إال ما هو من‬
‫جنس الدين إال أن يتفقوا من ذلك على شيء يجوز‬

‫‪.‬واختلفوا من هذا الباب في فرع طارئ‪ ،‬وهو إذا هلك مال المحجور عليه بعد الحجر وقبل قبض‬
‫الغرماء‪ :‬ممن مصيبته؟‬

‫‪166‬‬
‫فقال أشهب‪ :‬مصيبته من المفلس‪ .‬وقال ابن الماجشون‪ :‬مصيبته من الغرماء إذا وقفه السلطان‪.‬‬
‫وقال ابن القاسم‪ :‬ما يحتاج إلى بيعه فضمانه من الغريم؛ ألنه إنما يباع على ملكه‪ ،‬وما ال يحتاج إلى‬
‫بيعه فضمانه من الغرماء‪ ،‬مثل أن يكون المال عينا والدين عينا‪ .‬وكلهم روى قوله عن مالك‪ .‬وفرق‬
‫أصبغ بين الموت والفلس فقال‪ :‬المصيبة في الموت من الغرماء‪ ،‬وفي الفلس من المفلس‪.‬‬

‫وأما المفلس الذي ال مال له أصال‪ -‬فإن فقهاء األمصار مجمعون على أن العدم له تأثير في إسقاط‬
‫الدين إلى وقت ميسرته‪ ،‬إال ما حكي عن عمر بن عبد العزيز‪ :‬أن لهم أن يؤاجروه‪ ،‬وقال به أحمد‬
‫من فقهاء األمصار‪.‬‬

‫‪ -‬المدين إذا ادعى الفلس‪ ،‬ولم يعلم صدقه أن الفقهاء مجمعون على أنه يحبس حتى يتبين صدقه‬
‫أو يقر له بذلك صاحب الدين‪ ،‬فإذا كان ذلك خلي سبيله‪ .‬وحكي عن أبي حنيفة‪ :‬أن لغرمائه أن‬
‫يدوروا معه حيث دار‪ .‬وإنما صار الكل إلى القول بالحبس في الديون‪ ،‬وإن كان لم يأت في ذلك‬
‫أثر صحيح؛ ألن ذلك أمر ضروري في استيفاء الناس حقوقهم بعضهم من بعض‪ ،‬وهذا دليل على‬
‫القول بالقياس الذي يقتضي المصلحة‪ ،‬وهو الذي يسمى بالقياس المرسل‪ .‬وقد روي‪« :‬أن النبي ‪-‬‬
‫عليه الصالة والسالم ‪ -‬حبس رجال في تهمة»‪.‬‬

‫والمحجورون عند مالك‪ :‬السفهاء‪ ،‬والمفلسون‪ ،‬والعبيد‪ ،‬والمرضى‪ ،‬والزوجة فيما فوق الثلث ؛ ألنه‬
‫يرى أن للزوج حقا في المال‪ ،‬وخالفه في ذلك األكثر‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫‪ 5‬الصلح‬

‫تعريفه‪ " :‬انتقال عن حق أو دعوى بعوض لرفع نزاع ‪ ،‬أو خوف وقوعه " وقيل‪ " :‬هو‬
‫قبض شيء عن عوض"‬

‫واألصل في هذا الكتاب والسنة‪ :‬قوله تعالى‪{ :‬والصلح خير} وما روي عن النبي ‪-‬‬
‫عليه الصالة والسالم ‪ -‬مرفوعا وموقوفا على عمر‪« :‬إمضاء الصلح جائز بين‬
‫المسلمين إال صلحا أحل حراما‪ ،‬أو حرم حالال» ‪.‬‬

‫واتفق المسلمون على جوازه على اإلقرار‪.‬‬

‫واختلفوا في جوازه على اإلنكار‪:‬‬

‫فقال مالك‪ ،‬وأبو حنيفة‪ :‬يجوز على اإلنكار‪.‬‬

‫وقال الشافعي‪ :‬ال يجوز على اإلنكار؛ ألنه من أكل المال بالباطل من غير عوض‪.‬‬
‫والمالكية تقول فيه عوض‪ ،‬وهو سقوط الخصومة واندفاع اليمين عنه‪.‬‬

‫وال خالف في مذهب مالك أن الصلح الذي يقع على اإلقرار يراعى في صحته ما‬
‫يراعى في البيوع‪ ،‬فيفسد بما تفسد به البيوع من أنواع الفساد الخاص بالبيوع‪ ،‬ويصح‬
‫بصحته‪ ،‬وهذا هو مثل أن يدعي إنسان على آخر دراهم فيصالحه عليها بعد اإلقرار‬
‫بدنانير نسيئة‪ ،‬وما أشبه هذا من البيوع الفاسدة من قبل الربا والغرر‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫وأما الصلح على اإلنكار‪ :‬فالمشهور فيه عن مالك‪ ،‬وأصحابه أنه يراعى فيه من‬
‫الصحة ما يراعى في البيوع‪ ،‬مثل أن يدعي إنسان على آخر دراهم فينكر‪ ،‬ثم يصالحه‬
‫عليها بدنانير مؤجلة‪ ،‬فهذا ال يجوز عند مالك‪ ،‬وأصحابه‪.‬‬

‫وقال أصبغ‪ :‬هو جائز؛ ألن المكروه فيه من الطرف الواحد‪ ،‬وهو من جهة الطالب;‬
‫ألنه يعترف أنه أخذ دنانير نسيئة في دراهم حلت له‪ .‬وأما الدافع فيقول‪ :‬هي هبة‬
‫مني‪.‬‬

‫وأما إن ارتفع المكروه من الطرفين‪ ،‬مثل أن يدعي كل واحد منهما على صاحبه‬
‫دنانير‪ ،‬أو دراهم فينكر كل واحد منهما صاحبه‪ ،‬ثم يصطلحان على أن يؤخر كل‬
‫واحد منهما صاحبه فيما يدعيه قبله إلى أجل‪ ،‬فهذا عندهم هو مكروه‪.‬‬

‫أما كراهيته‪ :‬فمخافة أن يكون كل واحد منهما صادقا‪ ،‬فيكون كل واحد منهما قد‬
‫أنظر صاحبه إلنظار اآلخر إياه‪ ،‬فيدخله أسلفني‪ ،‬وأسلفك‪.‬‬

‫وأما وجه جوازه‪ :‬فألن كل واحد منهما إنما يقول‪ :‬ما فعلت إنما هو تبرع مني‪ ،‬وما‬
‫كان يجب علي شيء‪ ،‬وهذا النحو من البيوع قيل‪ :‬إنه يجوز إذا وقع‪ ،‬وقال ابن‬
‫الماجشون‪ :‬يفسخ إذاوقع عليه أثر عقده‪ ،‬فإن طال مضى‪.‬‬

‫فالصلح الذي يقع فيه مما ال يجوز في البيوع هو في مذهب مالك على ثالثة أقسام‪:‬‬
‫صلح يفسخ باتفاق‪ ،‬وصلح يفسخ باختالف‪ ،‬وصلح ال يفسخ باتفاق إن طال‪ ،‬وإن‬
‫لم يطل فيه اختالف‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫الكفالة‬ ‫‪6‬‬
‫قال ابن عرفة‪" :‬الحمالة التزام دين ال يسقطه‪ ،‬أو طلب من هو عليه لمن هو له"‪.‬‬
‫أما الكفالة بالمال‪ :‬فقهاء األمصارأنها ‪ :‬فثابتة بالسنة‪ ،‬ومجمع عليها من الصدر األول‪ .‬وحكي عن‬
‫قوم أنها ليست الزمة تشبيها بالوعد وهذا قول شاذ‪ .‬وعمدة الجمهورقوله عليه الصالة والسالم ‪:-‬‬
‫«الزعيم غارم» ‪.‬‬
‫وأما الكفالة بالنفس ‪" :‬وهي التي تعرف بضمان الوجه" فجمهور فقهاء األمصار على جواز وقوعها‬
‫شرعا إذا كانت بسبب المال وحجتهم «الزعيم غارم»وقالوا بأن ذلك مصلحة وحكي عن الشافعي‬
‫في الجديد أنها ال تجوز‪ ،‬وبه قال داود‪ ،‬وحجتهما قوله تعالى‪{ :‬معاذ اهلل أن نأخذ إال من وجدنا‬
‫متاعنا عنده}‬
‫وأما الحكم الالزم عن الكفالة‪ :‬فجمهور القائلين بحمالة النفس متفقون على أن المتحمل عنه إذا‬
‫مات لم يلزم الكفيل بالوجه شيء‪ .‬وحكي عن بعضهم لزوم ذلك وفرق ابن القاسم بين أن يموت‬
‫الرجل حاضرا أو غائبا‪ ،‬فقال‪ :‬إن مات حاضرا لم يلزم الكفيل شيء‪ ،‬وإن مات غائبا نظر‪ ،‬فإن كانت‬
‫المسافة التي بين البلدين مسافة يمكن الحميل فيها إحضاره في األجل المضروب له مثل اليومين‬
‫إلى الثالثة) ‪ ،‬ففرط‪ :‬غرم‪ ،‬وإال لم يغرم‬
‫إذا غاب المتحمل عنه؛ ما حكم الحميل بالوجه على ثالثة أقوال‪:‬القول األول‪ :‬قول مالك‬
‫وأصحابه‪ ،‬أنه يلزمه أن يحضره أو يغرم‪ ،‬وعمدته‪ :‬أن المتحمل بالوجه غارم لصاحب الحق فوجب‬
‫عليه الغرم إذا غاب وربما احتج «أن رجال سأل غريمه أن يؤدي إليه ماله أو يعطيه حميال‪ ،‬فلم يقدر‬
‫حتى حاكمه إلى النبي ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ ،-‬فتحمل عنه رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬
‫ثم أدى المال إليه» والقول الثاني‪ :‬قول أبي حنيفة‪ ،‬وأهل العراق أنه يحبس الحميل إلى أن يأتي به‬
‫أو يعلم موته‪.،‬عمدتهم‪ :‬إنما يجب عليه إحضار ما تحمل به وقد قال عليه الصالة والسالم ‪:-‬‬

‫‪170‬‬
‫«المؤمنون عند شروطهم» ‪ .‬فإنما عليه أن يحضر المال أو يحبس فيه‪ ،‬والقول الثالث‪ :‬أنه إذا كان‬
‫قادرا على إحضاره فإنه يحبس إذا لم يحضره‪،‬أما إذا مات فال يجب عليه إحضاره ‪.‬‬
‫فأما إذا اشترط الوجه دون المال وصرح بالشرط فقد قال مالك‪ :‬إن المال ال يلزمه وقد قال بن‬
‫رشد أن هذا ال خالف فيه ألنه كان يكون قد ألزم ضد ما اشترط‪ ،‬وأما حكم ضمان المال‪ :‬فإن‬
‫الفقهاء متفقون على أنه إذا عدم المضمون أو غاب أن الضامن غارم‬
‫واختلفوا إذا حضر الضامن والمضمون وكالهما موسر؟ فقال الجمهور ‪ :‬للطالب أن يؤاخذ من شاء‬
‫من الكفيل‪ ،‬أو المكفول وحجتهم حديث قبيصة بن المخارقي قال‪« :‬تحملت حمالة فأتيت النبي‬
‫‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬فسألته عنها‪ ،‬فقال‪ :‬نخرجها عنك من إبل الصدقة يا قبيصة‪ ،‬إن المسألة‬
‫ال تحل إال في ثالث‪ ،‬وذكر رجال تحمل حمالة رجل حتى يؤديها » ووجه الدليل من هذا أن النبي‬
‫‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أباح المسألة للمتحمل دون اعتبار حال المتحمل عنه‪ ..‬وقال مالك في‬
‫أحد قوليه‪ :‬ليس له أن يأخذ الكفيل مع وجود المتكفل عنه‪ .‬وله قول آخر مثل قول الجمهور وقال‬
‫أبو ثور‪ :‬الحمالة‪ ،‬والكفالة واحدة‪ ،‬ومن ضمن عن رجل ماال لزمه وبرئ المضمون‪ ،‬وال يجوز أن‬
‫يكون مال واحد على اثنين وبه قال ابن أبي ليلى‪ ،‬وابن شبرمة‪.‬‬
‫وأما محل الكفالة‪ :‬فهي األموال عند جمهور أهل العلم ‪« :-‬الزعيم غارم» وسواء تعلقت األموال‬
‫من قبل أموال‪ ،‬أو من قبل حدود‪ ،‬مثل المال الواجب في قتل الخطأ ‪ ،‬أو السرقة التي ليس يتعلق‬
‫بها قطع‪ ،‬وروي عن أبي حنيفة إجازة الكفالة في الحدود والقصاص قال عثمان البتي ‪.‬في القصاص‬
‫فقط‬
‫أما وقت وجوب مطالبة الكفالة بالمال فأجمع العلماء على أن ذلك بعد ثبوت الحق على المكفول‬
‫إما بإقرار وإما ببينة‪.‬‬
‫وأما وقت وجوب الكفالة بالوجه‪ :‬فاختلفوا هل تلزم قبل إثبات الحق أم ال؟ فقال قوم‪ :‬إنها ال تلزم‬
‫قبل إثبات الحق بوجه من الوجوه‪ ،‬وبه قال سحنون من أصحاب مالك‪ .‬وبعض العلماء وقال قوم‪:‬‬

‫‪171‬‬
‫بل يجب أخذ الكفيل بالوجه على إثبات الحق واختلفوا في المدة ومتى يلزم فقال قوم‪ :‬إن أتى‬
‫بشبهة قوية مثل شاهد فال تلزم لزمه أن يعطي ضامنا بوجهه وإال لم يلزمه الكفيل وهو قول ابن‬
‫القاسم وقال أهل العراق‪ :‬ال يؤخذ عليهم حميل قبل ثبوت الحق إال أن يدعي بينة حاضرة في‬
‫المصر نحو قول ابن القاسم‪ ،‬إال أنهم حدوا ذلك بالثالثة األيام‬
‫وسبب هذا االختالف‪ :‬تعارض وجه العدل بين الخصمين‬
‫فأما أصناف المضمونين الحي ال خالف فيه أما الميت اختلفوا الشافعي ومالك أن عليه الضمان‬
‫«أن النبي صلى اهلل كان في صدر اإلسالم ال يصلي على من مات وعليه دين حتى يضمن عنه» ‪.‬‬
‫أبو حنيفة ال ضمان عليه واستدل أن الضمان ال يتعلق بمعدوم قطعا والجمهور يصح عندهم وال‬
‫يصح عند أبي حنيفة كفالة المحبوس والغائب‪،‬‬
‫‪ .‬وأما شروط الكفالة فإن أبا حنيفة والشافعي يشترطان في وجوب رجوع الضامن على المضمون بما‬
‫أدى عنه ومالك ال يشترط ذلك‪.‬وال تجوز عند الشافعي كفالة المجهول وتجوز عند مالك‬
‫وأما ما تجوز فيه الحمالة بالمال مما ال تجوز‪ :‬فإنها تجوز عند مالك بكل مال ثابت في الذمة إال‬
‫الكتابة‬

‫‪ 7‬الحوالة ‪:‬‬
‫تعريفها‪ :‬هي نقل الدين من ذمة بمثله إلى أخرى تبرأ به األولى " وهي معاملة صحيحة مستثناة من‬
‫الدين بالدين‪،‬لقوله صلى اهلل ‪« .‬مطل الغني ظلم‪ ،‬وإذا أحيل أحدكم على غني فليستحل»‬

‫‪172‬‬
‫رضا من يعتبر في الحوالة مالك اعتبر رضا المحال ولم يعتبر المحال عليه ومن الناس من اعتبر‬
‫رضاهما معا‪.‬ومن الناس من لم يعتبر رضا المحال‪ ،‬واعتبر رضا المحال عليه‪ ،‬وهو نقيض مذهب‬
‫مالك‪ ،‬وبه قال داود وحجة مالك رأى أنها معاملة اعتبر رضا الصنفين‪ ،‬داوود أنزل المحال عليه‬
‫منزلة المحيل و لم يعتبر رضاه معه لقوله صلى اهلل «إذا أحيل أحدكم على مليء فليتبع»‬

‫الشروط التي اتفق عليها ‪ :‬كون ما على المحال عليه مجانسا لما على المحيل قدرا ووصفا‪ ،‬إال أن‬
‫منهم من أجازها في الذهب والدراهم فقط‪ ،‬ومنعها في الطعام والذين منعوها في ذلك رأوا أنها من‬
‫باب بيع الطعام قبل أن يستوفى وأجاز ذلك مالك إذا كان الطعامان كالهما من قرض بشرط أن‬
‫يكون دين المحال حاال‪ .‬وأما إن كان أحدهما من سلم فإنه ال يجوز‪ ،‬إال أن يكون الدينان حالين;‬
‫وعند ابن القاسم يجوز ذلك إذا كان الدين المحال به حاال; الشافعي ولم يفرق بين ذلك ; ألنه‬
‫كالبيع في ضمان المستقرض‪.‬وعلل ابن رشد فقال وإنما رخص مالك في القرض; ألنه يجوز عنده‬
‫بيع القرض قبل أن يستوفى وأما أبو حنيفة‪ :‬فأجاز الحوالة بالطعام‪ ،‬وشبهها بالدراهم وسبب الخالف‬
‫مبني على أن ما شذ عن األصول هل يقاس عليه أم ال؟‬

‫وللحوالة عند مالك ثالثة شروط‪:‬‬

‫أحدها‪ :‬أن يكون دين المحال حاال; ألنه إن لم يكن حاال كان دينا بدين‪.‬‬

‫والثاني‪ :‬أن يكون الدين الذي يحيله به مثل الذي يحيله عليه في القدر والصفة‬

‫الثالث‪ :‬أن ال يكون الدين طعاما من سلم أو أحدهما‪ ،‬وإذا كان الطعامان جميعا من سلم فال تجوز‬
‫الحوالة فيهما‪ ،‬حلت اآلجال أو لم تحل‪ ،‬أو حل أحدهما ولم يحل اآلخر; ألنه يدخله بيع الطعام‬
‫قبل أن يستوفى لكن أشهب يقول‪ :‬إن استوت رءوس أموالهما جازت الحوالة وكانت تولية وابن‬

‫‪173‬‬
‫القاسم ال يجوز له من ذلك إال ما يجوز له مع الذي أحاله وما يجوز للذي أحال مع الذي أحاله‬
‫عليه‬

‫أحكامها‪ :‬فإن جمهور العلماء على أن الحوالة ضد الكفالة في أنه إذا أفلس المحال عليه لم يرجع‬
‫صاحب الدين على المحيل بشيء‪ .‬قال مالك‪ ،‬وأصحابه‪ :‬إال أن يكون المحيل غره فأحاله على‬
‫عديم‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬يرجع صاحب الدين على المحيل إذا مات مفلسا‪ ،‬أو جحد الحوالة وإن لم‬
‫تكن له بينة‪ ،‬وبه ‪ ،‬وجماعة‪.‬وسبب اختالفهم‪ :‬مشابهة الحوالة للحمالة‪.‬‬

‫‪ 8‬الوكالة‬

‫الوكالة عرفها ابن عرفة بقوله‪" :‬نيابة ذي حق غير ذي امرأة وال عبادة ‪ ،‬لغيره فيه ‪،‬غير‬
‫مشروطة بموته"‪.‬‬

‫وفيها ثالثة أبواب‪:‬‬

‫الباب األول‪ :‬في أركانها‪ ،‬وهي النظر فيما فيه التوكيل‪ ،‬وفي الموكل‪.‬‬

‫والثاني‪ :‬في أحكام الوكالة‪.‬‬

‫والثالث‪ :‬في مخالفة الموكل للوكيل‪.‬‬

‫الباب األول‪ :‬في أركانها‪ ،‬وهي النظر فيما فيه التوكيل‪ ،‬وفي الموكل‪ ،‬وفي الموكل‪.‬‬

‫الركن األول‪ :‬في الموكل‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫ما اتفقوا عليه من الشروط واتفقوا على وكالة الغائب والمريض والمرأة المالكين ألمور‬
‫أنفسهم‪.‬‬

‫واختلفوا في وكالة الحاضر الذكر الصحيح‪.‬‬

‫فقال مالك‪ :‬تجوز وكالة الحاضر الصحيح الذكر‪ ،‬وبه قال الشافعي‪.‬‬

‫وقال أبو حنيفة‪ :‬ال تجوز وكالة الصحيح الحاضر وال المرأة إال أن تكون برزة‪.‬‬

‫فمن رأى أن األصل ال ينوب فعل الغير عن فعل الغير إال ما دعت إليه الضرورة ‪،‬‬
‫وانعقد اإلجماع عليه قال‪ :‬ال تجوز نيابة من اختلف في نيابته‪ .‬ومن رأى أن األصل‬
‫هو الجواز قال‪ :‬الوكالة في كل شيء جائزة إال فيما أجمع على أنه ال تصح فيه من‬
‫العبادات وما جرى مجراها‪.‬‬

‫الركن الثاني‪ :‬في الوكيل‪.‬‬

‫وشرط الوكيل أن ال يكون ممنوعا بالشرع من تصرفه في الشيء الذي وكل فيه‪ ،‬فال‬
‫يصح توكيل الصبي وال المجنون وال المرأة عند مالك والشافعي على عقد النكاح‪.‬‬
‫أما عند الشافعي فال بمباشرة وال بواسطة‪ :‬أي بأن توكل هي من يلي عقد النكاح‬
‫ويجوز عن مالك بالواسطة الذكر‪.‬‬

‫الركن الثالث‪ :‬فما فيه التوكيل‪.‬‬

‫وشرط محل التوكيل أن يكون قابال للنيابة مثل البيع والحوالة والضمان وسائر العقود‬
‫والفسوخ والشركة والوكالة والمصارفة والمجاعلة والمساقاة والطالق والنكاح والخلع‬
‫والصلح‬

‫‪175‬‬
‫ماال يصح فيه التوكيل‬

‫وال تجوز في العبادات البدنية ‪ ،‬وتجوز في المالية كالصدقة والزكاة والحج‪.‬‬

‫وتجوز عند مالك في الخصومة على اإلقرار واإلنكار‪.‬‬

‫وقال الشافعي في أحد قوليه‪ :‬ال تجوز على اإلقرار‪ ،‬وشبه ذلك بالشهادة واأليمان‪.‬‬

‫وتجوز الوكالة على استيفاء العقوبات عند مالك‪ ،‬وعند الشافعي مع الحضور قوالن‪.‬‬

‫والذين قالوا‪ :‬إن الوكالة تجوز على اإلقرار اختلفوا في مطلق الوكالة على الخصومة‬
‫هل يتضمن اإلقرار أم ال؟ فقال مالك‪ :‬ال يتضمن‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬يتضمن‪.‬‬

‫الركن الرابع‪ :‬الوكالة‬

‫وهي عقد يلزم باإليجاب والقبول كسائر العقود ‪ ،‬وليست هي من العقود الالزمة بل‬
‫الجائزة‪ .‬وهي ضربان عند مالك‪ :‬عامة وخاصة‪ ،‬فالعامة هي التي تقع عنده بالتوكيل‬
‫العام الذي ال يسمى فيه شيء دون شيء‪ ،‬وذلك أنه إن سمى عنده لم ينتفع بالتعميم‬
‫والتفويض‪ ،‬وقال الشافعي‪ :‬ال تجوز الوكالة بالتعميم وهي غرر‪ ،‬وإنما يجوز منها ما‬
‫سمي وحدد ونص عليه‪ ،‬وهو األقيس إذ كان األصل فيها المنع‪ ،‬إال ما وقع عليه‬
‫اإلجماع‪.‬‬

‫وأما األحكام‪ :‬فمنها أحكام العقد‪ ،‬ومنها أحكام فعل الوكيل‪.‬‬

‫‪ -1‬فأما هذا العقد فهو كما قلنا عقد غير الزم؛ للوكيل أن يدع الوكالة متى شاء عند‬
‫الجميع‪ ،‬لكن أبو حنيفة يشترط في ذلك حضور الموكل‪ ،‬وللموكل أن يعزله متى شاء‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫قالوا‪ :‬إال أن تكون وكالة في خصومة‪ .‬وقال أصبغ‪ :‬له ذلك ما لم يشرف على تمام‬
‫الحكم‪ ،‬وليس للوكيل أن يعزل نفسه في الموضع الذي ال يجوز أن يعزله الموكل‪.‬‬

‫وليس من شروط انعقاد هذا العقد حضور الخصم عند مالك والشافعي‪.‬‬

‫وقال أبو حنيفة‪ :‬ذلك من شروطه‪ .‬وكذلك ليس من شرط إثباتها عند الحاكم حضوره‬
‫عند مالك‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬من شرطه‪.‬‬

‫واختلف أصحاب مالك هل تنفسخ الوكالة بموت الموكل على قولين‪،‬‬

‫متى يكون الوكيل معزوال ؟‬

‫فيه ثالثة أقوال‪:‬‬

‫األول أنها تنفسخ في حق الجميع بالموت والعزل‪.‬‬

‫والثاني أنها تنفسخ في حق كل واحد منهم بالعلم‪ ،‬فمن علم انفسخت في حقه‪ ،‬ومن‬
‫لم يعلم لم تنفسخ في حقه‪.‬‬

‫والثالث‪ :‬أنها تنفسخ في حق عامل الوكيل بعلم الوكيل وإن لم يعلم هو‪ ،‬وال تنفسخ‬
‫في حق الوكيل بعلم الذي عامله إذا لم يعلم الوكيل‪ ،‬ولكن من دفع إليه شيئا بعد‬
‫العلم بعزله ضمنه‪ ،‬ألنه دفع إلى من يعلم أنه ليس بوكيل‪.‬‬

‫‪ -2‬وأما أحكام الوكيل ففيها مسائل مشهورة‪:‬‬

‫‪ -‬أحدها‪ :‬إذا وكل على بيع شيء هل يجوز له أن يشتريه لنفسه؟ فقال مالك‪ :‬يجوز‪،‬‬
‫وقد قيل عنه‪ :‬ال يجوز‪ ،‬وقال الشافعي‪ :‬ال يجوز‪ ،‬وكذلك عند مالك األب والوصي‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫‪ -‬ومنها إذا وكله في البيع وكالة مطلقة لم يجز له عند مالك أن يبيع إال بثمن مثله‬
‫نقدا بنقد البلد‪ ،‬وال يجوز إن باع نسيئة‪ ،‬أو بغير نقد البلد‪ ،‬أو بغير ثمن المثل‪،‬‬
‫وكذلك األمر عنده في الشراء‪ .‬وفرق أبو حنيفة بين البيع والشراء لمعين‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫يجوز في البيع أن يبيع بغير ثمن المثل‪ ،‬وأن يبيع نسيئة‪ ،‬ولم يجز إذا وكله في شراء‬
‫عبد بعينه أن يشتريه إال بثمن المثل نقدا‪ ،‬ويشبه أن يكون أبو حنيفة إنما فرق بين‬
‫الوكالة على شراء شيء بعينه ‪ ،‬ألن من حجته أنه كما أن الرجل قد يبيع بأقل من ثمن‬
‫مثله ونساء لمصلحة يراها في ذلك كله‪ ،‬كذلك حكم الوكيل إذ قد أنزله منزلته‪ ،‬وقول‬
‫الجمهور أبين‪.‬‬

‫وكل ما يعتدي فيه الوكيل ضمن عند من يرى أنه تعدى‪.‬‬

‫وإذا اشترى الوكيل شيئا وأعلم أن الشراء للموكل فالملك ينتقل إلى الموكل‪ ،‬وقال‬
‫أبو حنيفة‪ :‬إلى الوكيل أوال ثم إلى الموكل‪.‬‬

‫وإذا دفع الوكيل دينا عن الموكل ولم يشهد فأنكر الذي له الدين القبض ضمن‬
‫الوكيل‪.‬‬

‫الباب الثالث في مخالفة الموكل للوكيل‬

‫وأما اختالف الوكيل مع الموكل‪،‬‬

‫‪ -1‬فإذا اختلفا في ضياع المال‪ ،‬فقال الوكيل‪ :‬ضاع مني‪ ،‬وقال الموكل‪ :‬لم يضع‪،‬‬
‫فالقول قول الوكيل إن كان لم يقبضه ببينة‪ ،‬فإن كان المال قد قبضه الوكيل من غريم‬
‫الموكل ولم يشهد الغريم على الدفع لم يبرأ الغريم بإقرار الوكيل عند مالك وغرم‬

‫‪178‬‬
‫ثانية‪ ،‬وهل يرجع الغريم على الوكيل؟ فيه خالف‪ ،‬وإن كان قد قبضه ببينة برئ ولم‬
‫يلزم الوكيل شيء‪.‬‬

‫‪ -2‬وأما إذا اختلفا في الدفع‪ ،‬فقال الوكيل‪ :‬دفعته إليك‪ ،‬وقال الموكل‪ :‬ال‪ ،‬فقيل‬
‫القول قول الوكيل‪ .‬وقيل‪ :‬القول قول الموكل‪ .‬وقيل إن تباعد ذلك فالقول قول‬
‫الوكيل‪.‬‬

‫‪ -3‬وأما اختالفهم في مقدار الثمن الذي به أمره بالشراء‪ ،‬فقال ابن القاسم‪ :‬إن لم‬
‫تفت السلعة فالقول قول المشتري‪ ،‬وإن فاتت فالقول قول الوكيل‪ ،‬وقيل يتحالفان‪،‬‬
‫وينفسخ البيع ويتراجعان‪ ،‬وإن فاتت بالقيمة‪.‬‬

‫وإن كان اختالفهم في مقدار الثمن الذي أمره به في البيع‪ ،‬فعند ابن القاسم أن القول‬
‫فيه قول الموكل ؛ ألنه جعل دفع الثمن بمنزلة فوات السلعة في الشراء‪.‬‬

‫‪ -4‬وأما إذا اختلفا فيمن أمره بالدفع ففي المذهب فيه قوالن‪ :‬المشهور أن القول‬
‫قول المأمور‪ ،‬وقيل القول قول اآلمر‪.‬‬

‫‪ -5‬وأما إذا فعل الوكيل فعال هو تعد‪ ،‬وزعم أن الموكل أمره‪ ،‬فالمشهور أن القول‬
‫قول الموكل‪ ،‬وقد قيل إن القول قول الوكيل‪ :‬إنه قد أمره؛ ألنه قد ائتمنه على الفعل‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫‪ 9‬كتاب اللقطة‬
‫تعريفها‪ :‬اللقطة بضم الالم وفتح القاف ما يلتقط‪ ،‬وأصل االلتقاط وجود الشيء على غري‬
‫طلب ؛ وحدها ابن عرفة بقوله "مال وجد بغري حرز حمرتما ليس حيوانا ناطقا وال نعما" أو‬
‫هي‪ ":‬كل مال ملسلم معرض للضياع كان ذلك يف عامر األرض أو غامرها‪ ،‬واجلماد‬
‫واحليوان يف ذلك سواء إال اإلبل باتفاق‪.‬‬

‫واألركان ثالثة‪ :‬االلتقاط‪ ،‬والملتقط‪ ،‬واللقطة‪.‬‬

‫‪ -1‬فأما االلتقاط فاختلف العلماء هل هو أفضل أم الترك؟‬

‫فقال أبو حنيفة‪ :‬األفضل االلتقاط ؛ ألنه من الواجب على املسلم أن حيفظ مال أخيه‬
‫املسلم‪ ،‬وبه قال الشافعي‪.‬‬

‫وقال مالك وجماعة بكراهية االلتقاط‪ ،‬وروي عن ابن عمر وابن عباس‪ ،‬وبه قال أمحد‪،‬‬
‫وذلك ألمرين‪ :‬أحدمها ما روي أنه ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال «ضالة املدمن حرق‬
‫النار»‪ .‬وملا خياف أيضا من التقصري يف القيام مبا جيب هلا من التعريف وترك التعدي عليها‪،‬‬
‫وتأول الذين رأوا االلتقاط أول احلديث‪ ،‬وقالوا‪ :‬أراد بذلك االنتفاع هبا ال أخذها للتعريف‪،‬‬
‫وقال قوم‪ :‬بل لقطها واجب‪.‬‬

‫وقد قيل‪ :‬إن هذا االختالف إذا كانت اللقطة بين قوم مأمونين واإلمام عادل‪ .‬قالوا‪:‬‬
‫وإن كانت اللقطة بني قوم غري مأمونني واإلمام عادل فواجب التقاطها‪ ،‬وإن كانت بني قوم‬

‫‪180‬‬
‫مأمونني واإلمام جائر‪ ،‬فاألفضل أن ال يلتقطها‪ ،‬وإن كانت بني قوم غري مأمونني واإلمام‬
‫غري عادل فهو خمري حبسب ما يغلب على ظنه من سالمتها أكثر من أحد الطرفني‪.‬‬

‫وهذا كله ما عدا لقطة الحاج‪ ،‬فإن العلماء أجمعوا على أنه ال يجوز التقاطها لنهيه ‪-‬‬
‫عليه الصالة والسالم ‪ -‬عن ذلك‪ ،‬ولقطة مكة أيضا ال جيوز التقاطها إال ملنشد؛ لورود‬
‫النص يف ذلك‪ ،‬واملروي يف ذلك لفظان‪ :‬أحدمها أنه ال ترفع لقطتها إال ملنشد‪ .‬والثاين‪ :‬ال‬
‫يرفع لقطتها إال منشد‪ ،‬فاملعىن الواحد أهنا ال ترفع إال ملن ينشدها‪ ،‬واملعىن الثاين ال يلتقطها‬
‫إال من ينشدها ليعرف الناس‪ .‬وقال مالك‪ :‬تعرف هاتان اللقطتان أبدا‪.‬‬

‫الملتقط‪:‬‬

‫‪ -2‬فأما الملتقط فهو كل حر مسلم بالغ ألنها والية‪ ،‬واختلف عن الشافعي يف جواز‬
‫التقاط الكافر‪ .‬قال أبو حامد‪ :‬واألصح جواز ذلك يف دار اإلسالم‪ ،‬قال‪ :‬ويف أهلية العبد‬
‫والفاسق له قوالن‪ :‬فوجه املنع عدم أهلية الوالية‪ ،‬ووجه اجلواز عموم أحاديث اللقطة‪.‬‬

‫واألصل في اللقطة حديث يزيد بن خالد اجلهين‪ ،‬وهو متفق على صحته أنه قال‪« :‬جاء‬
‫رجل إىل رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬فسأله عن اللقطة‪ ،‬فقال‪ :‬اعرف عفاصها‬
‫ووكاءها مث عرفها سنة‪ ،‬فإن جاء صاحبها وإال فشأنك هبا‪ ،‬قال‪ :‬فضالة الغنم يا رسول اهلل؟‬
‫قال‪ :‬هي لك أو ألخيك أو للذئب‪ ،‬قال‪ :‬فضالة اإلبل؟ قال‪ :‬ما لك وهلا معها سقاؤها‬
‫وحذاؤها ترد املاء وتأكل الشجر حىت يلقاها رهبا»‬

‫فأما اإلبل فاتفقوا على أنها ال تلتقط‪ ،‬واتفقوا على الغنم أنها تلتقط‪ ،‬وترددوا في‬
‫البقر‪ ،‬والنص عن الشافعي أنها كاإلبل‪ ،‬وعن مالك أنها كالغنم‪ ،‬وعنه خالف‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫أحكام اللقطة‪ :‬والمدة‪:‬‬

‫‪ 1‬وأما حكم التعريف‪ ،‬فاتفق العلماء على التعريف بها سنة ما لم تكن من الغنم‪.‬‬

‫‪ 2‬اختلفوا في حكمها بعد السنة‪ ،‬فاتفق فقهاء األمصار مالك والثوري‪ ،‬واألوزاعي‪ ،‬وأبو‬
‫حنيفة‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأمحد‪ ،‬وأبو عبيد‪ ،‬وأبو ثور إذا انقضت كان له أن يأكلها إن كان‬
‫فقريا‪ ،‬أو يتصدق هبا إن كان غنيا‪ ،‬فإن جاء صاحبها كان خمريا بني أن جييز الصدقة فينزل‬
‫على ثواهبا أو يضمنه إياها‪.‬‬

‫‪ -‬واختلفوا في الغني هل له أن يأكلها أو ينفقها بعد الحول؟‬

‫فقال مالك والشافعي‪ :‬له ذلك‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬ليس له أن يأكلها أو يتصدق هبا‪ ،‬وروي‬
‫مثل قوله عن علي وابن عباس ومجاعة من التابعني‪ .‬وقال األوزاعي‪ :‬إن كان ماال كثريا جعله‬
‫يف بيت املال‪ ،‬وروي مثل قول مالك والشافعي عن عمر وابن مسعود وابن عمر وعائشة‪.‬‬

‫وكلهم متفقون على أنه إن أكلها ضمنها لصاحبها إال أهل الظاهر‪.‬‬

‫واستدل مالك والشافعي بقوله ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪« :-‬فشأنك هبا» ومل يفرق بني‬
‫غين وفقري‪ .‬ومن احلجة هلما ما رواه البخاري والرتمذي عن سويد بن غفلة قال‪« :‬لقيت‬
‫أويس بن كعب فقال‪ :‬وجدت صرة فيها مائة دينار‪ ،‬فأتيت النِب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‬
‫‪ -‬فقال‪ :‬عرفها حوال‪ ،‬فعرفتها فلم أجد‪ ،‬مث أتيته ثالثا فقال‪ :‬احفظ وعاءها ووكاءها ‪ ،‬فإن‬
‫جاء صاحبها وإال فاستمتع هبا» وخرج الرتمذي وأبو داود " فاستنفقها "‪.‬‬

‫فسبب الخالف معارضة ظاهر لفظ حديث اللقطة ألصل الشرع‪ ،‬وهو أنه ال يحل‬
‫مال امرئ مسلم إال عن طيب نفس منه‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫فمن غلب هذا األصل على ظاهر الحديث‪ ،‬وهو قوله بعد التعريف «فشأنك بها»‬
‫قال‪ :‬ال يجوز فيها تصرف إال بالصدقة فقط على أن يضمن إن لم يجز صاحب‬
‫اللقطة الصدقة‪ ،‬ومن غلب ظاهر الحديث على هذا األصل ورأى أنه مستثنى عنه‪،‬‬
‫قال‪ :‬تحل له بعد العام وهي مال من ماله ال يضمنها إن جاء صاحبها‪ .‬ومن توسط‬
‫قال‪ :‬يتصرف بعد العام فيها وإن كانت عينا على جهة الضمان‪.‬‬

‫‪ -2‬وأما حكم دفع اللقطة لمن ادعاها‪ ،‬فاتفقوا على أهنا ال تدفع إليه إذا مل يعرف‬
‫العفاص وال الوكاء‪.‬‬

‫واختلفوا إذا عرف ذلك هل حيتاج إىل بينة أم ال؟ فقال مالك‪ :‬يستحق بالعالمة وال حيتاج‬
‫إىل بينة‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ ،‬والشافعي‪ :‬ال يستحق إال ببينة‪.‬‬

‫وسبب الخالف معارضة األصل في اشتراط الشهادة في صحة الدعوى لظاهر هذا‬
‫الحديث‪.‬‬

‫فمن غلب األصل قال‪ :‬ال بد من البينة‪ ،‬ومن غلب ظاهر الحديث‪ ،‬قال‪ :‬ال يحتاج‬
‫إلى بينة‪.‬‬

‫وإنما اشترط الشهادة في ذلك الشافعي‪ ،‬وأبو حنيفة ألن قوله ‪ -‬عليه الصالة والسالم‬
‫‪« -‬اعرف عفاصها ووكاءها ; فإن جاء صاحبها وإال فشأنك هبا» حيتمل أن يكون إمنا‬
‫أمره بذلك ليدفعها لصاحبها بالعفاص والوكاء‪ ،‬فلما وقع االحتمال وجب الرجوع إىل‬
‫األصل‪ ،‬فإن األصول ال تعارض باالحتماالت املخالفة هلا إال أن تصح الزيادة اليت نذكرها‬
‫بعد‬

‫‪183‬‬
‫هل البد من صفة الدنانير وعددها؟‬

‫وعند مالك وأصحابه أن على صاحب اللقطة أن يصف مع العفاص والوكاء صفة‬
‫الدنانير والعدد‪ ،‬قالوا‪ :‬وذلك موجود يف بعض روايات احلديث‪ ،‬ولفظه‪« :‬فإن جاء‬
‫صاحبها ووصف عفاصها ووكاءها وعددها فادفعها إليه» قالوا‪ :‬ولكن ال يضره اجلهل‬
‫بالعدد إذا عرف العفاص والوكاء‪ ،‬وكذلك إن زاد فيه‪.‬‬

‫‪ -3‬واختلفوا إن نقص من العدد على قولين‪ ،‬وكذلك اختلفوا إذا جهل الصفة وجاء‬
‫بالعفاص والوكاء‪ .‬وأما إذا غلط فيها فال شيء له‪ .‬وأما إذا عرف إحدى العالمتني اللتني‬
‫وقع النص عليهما وجهل األخرى فقيل إنه ال شيء له إال مبعرفتهما مجيعا‪ ،‬وقيل يدفع إليه‬
‫بعد االسترباء‪ ،‬وقيل إن ادعى اجلهالة استربئ‪ ،‬وإن غلط مل تدفع إليه‪.‬‬

‫هل البد من يمين صاحب اللقطة‬

‫‪ -4‬واختلف المذهب إذا أتى بالعالمة المستحقة هل يدفع إليه بيمين أو بغير يمين؟‬
‫فقال ابن القاسم بغير يمين‪ :‬وقال أشهب‪ :‬بيمين‪.‬‬

‫‪ -5‬وأما ضالة الغنم‪ ،‬فإن العلماء اتفقوا على أن لواجد ضالة الغنم في المكان القفر‬
‫البعيد من العمران أن يأكلها «لقوله ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬يف الشاة‪ " :‬هي لك أو‬
‫ألخيك أو للذئب»‪.‬‬

‫واختلفوا هل يضمن قيمتها لصاحبها أم ال؟ فقال مجهور العلماء إنه يضمن قيمتها‪ ،‬وقال‬
‫مالك يف أشهر األقاويل عنه‪ :‬إنه ال يضمن‪.‬‬

‫وسبب الخالف معارضة الظاهر كما قلنا لألصل المعلوم من الشريعة‪ ،‬إال أن مالكا‬
‫هنا غلب الظاهر فجرى على حكم الظاهر‪ ،‬ومل جيز كذلك التصرف فيما وجب تعريفه بعد‬

‫‪184‬‬
‫العام لقوة اللفظ هاهنا‪ ،‬وعنه رواية أخرى أنه يضمن‪ ،‬وكذلك كل طعام ال يبقى إذا خشي‬
‫عليه التلف إن تركه‪.‬‬

‫أقسام اللقطة عند مالك‬

‫وتحصيل مذهب مالك عند أصحابه في ذلك أنها على ثالثة أقسام‪:‬‬

‫‪ - 1‬قسم يبقى في يد ملتقطه ويخشى عليه التلف إن ترك كالشاة في القفر‪ ،‬والطعام‬
‫الذي يسرع إليه الفساد‪.‬‬

‫‪ -2‬قسم ال يبقى بيد ملتقطه ويخشى عليه التلف‪.‬‬

‫‪ - 3‬وقسم ال يخشى عليه التلف‪.‬‬

‫فأما القسم األول‪ ،‬وهو ما يبقى في يد ملتقطه ويخشى عليه التلف‪ ،‬فإنه ينقسم إلى‬
‫ثالثة أقسام‪:‬‬

‫أحدها‪ :‬أن يكون يسيرا ال بال له وال قدر لقيمته ‪ ،‬ويعلم أن صاحبه ال يطلبه لتفاهته‪،‬‬
‫فهذا ال يعرف عنده ‪،‬وهو لمن وجده‪.‬‬

‫واألصل يف ذلك ما روي «أن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬مر بتمرة يف الطريق‬
‫فقال‪ :‬لوال أن تكون من الصدقة ألكلتها »‪ ،‬ومل يذكر فيها تعريفا‪ ،‬وهذا مثل العصا‬
‫والسوط‪ ،‬وإن كان أشهب قد استحسن تعريف ذلك‪.‬‬

‫والثاني‪ :‬أن يكون يسيرا إال أن له قدرا ومنفعة‪ ،‬فهذا ال خالف يف املذهب يف تعريفه‪،‬‬
‫واختلفوا يف قدر ما يعرف‪ ،‬فقيل سنة‪ ،‬وقيل أياما‪.‬‬

‫وأما الثالث فهو أن يكون كثيرا أو له قدر‪ ،‬فهذا ال اختالف في وجوب تعريفه حوال‪.‬‬

‫‪185‬‬
‫وأما القسم الثاني‪ :‬وهو ما ال يبقى بيد ملتقطه ويخشى عليه التلف‪ ،‬فإن هذا يأكله‬
‫غنيا كان أم فقريا‪ ،‬وهل يضمن؟ فيه روايتان كما قلنا‪ :‬األشهر أن ال ضمان عليه‪.‬‬

‫واختلفوا إن وجد ما يسرع إليه الفساد يف احلاضرة‪ ،‬فقيل ال ضمان عليه‪ ،‬وقيل عليه‬
‫الضمان‪ ،‬وقيل بالفرق بني أن يتصدق به فال يضمن‪ ،‬أو يأكله فيضمن‪.‬‬

‫وأما القسم الثالث‪ :‬فهو كاإلبل‪ ،‬أعين أن االختيار عنده فيه الرتك للنص الوارد يف ذلك‪،‬‬
‫فإن أخذها وجب تعريفها‪ ،‬واالختيار تركها‪ ،‬وقيل يف املذهب هو عام يف مجيع األزمنة‪،‬‬
‫وقيل إمنا هو يف زمان العدل‪ ،‬وأن األفضل يف زمان غري العدل التقاطها‪.‬‬

‫‪ -6‬وأما ضمانها ‪،‬‬

‫فإن العلماء اتفقوا على أن من التقطها وأشهد على التقاطها فهلكت عنده أنه غري ضامن‪.‬‬

‫واختلفوا إذا مل يشهد‪ ،‬فقال مالك‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأبو يوسف‪ ،‬وحممد بن احلسن‪ :‬ال ضمان‬
‫عليه إن مل يضيع وإن مل يشهد‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ ،‬وزفر‪ :‬يضمنها إن هلكت ومل يشهد‪.‬‬

‫واستدل مالك والشافعي بأن اللقطة وديعة فال ينقلها ترك اإلشهاد من األمانة إىل الضمان‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬وهي وديعة مبا جاء من حديث سليمان بن بالل وغريه أنه قال‪ :‬إن جاء صاحبها‬
‫وإال فلتكن وديعة عندك‪.‬‬

‫واستدل أبو حنيفة وزفر حبديث مطرف بن الشخري‪ ،‬عن عياض بن محار قال‪ :‬قال رسول‬
‫اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪« :-‬من التقط لقطة فليشهد ذوي عدل عليها وال يكتم وال‬
‫يعنت‪ ،‬فإن جاء صاحبها فهو أحق هبا‪ ،‬وإال فهو مال اهلل يدتيه من يشاء» ‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫وتحصيل المذهب في ذلك أن واجد اللقطة عند مالك ال يخلو التقاطه لها من ثالثة‬
‫أوجه‪:‬‬

‫أحدها‪ :‬أن يأخذها على جهة االغتيال هلا‪.‬‬

‫والثاين‪ :‬أن يأخذها على جهة االلتقاط‪.‬‬

‫والثالث‪ :‬أن يأخذها ال على جهة االلتقاط وال على جهة االغتيال‪.‬‬

‫وأما إذا قبضها مغتاال لها فهو ضامن لها‪ ،‬ولكن ال يعرف هذا الوجه إال من قبله‪.‬‬

‫فإن أخذها على جهة االلتقاط فهي أمانة عنده ‪،‬عليه حفظها وتعريفها‪ ،‬فإن ردها بعد‬
‫أن التقطها‪ ،‬فقال ابن القاسم‪ :‬يضمن‪ ،‬وقال أشهب‪ :‬ال يضمن إذا ردها يف موضعها‪ ،‬فإن‬
‫ردها يف غري موضعها ضمن كالوديعة‪ ،‬والقول قوله يف تلفها دون ميني إال أن يتهم‪.‬‬

‫وأما الوجه الثالث‪ ،‬فهو مثل أن جيد ثوبا فيأخذه‪ ،‬وهو يظنه لقوم بني يديه ليسأهلم عنه‪،‬‬
‫فهذا إن مل يعرفوه وال ادعوه كان له أن يرده حيث وجده وال ضمان عليه باتفاق عند‬
‫أصحاب مالك‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫‪ -7‬واختلفوا هل يرجع الملتقط بما أنفق على اللقطة على صاحبها أم ال؟‬

‫فقال اجلمهور‪ :‬ملتقط اللقطة متطوع حبفظها فال يرجع بشيء من ذلك على صاحب‬
‫اللقطة‪.‬‬

‫وقال الكوفيون‪ :‬ال يرجع مبا أنفق إال أن تكون النفقة عن إذن احلاكم‪ ،‬وهذه املسألة هي‬
‫من أحكام االلتقاط‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫باب في اللقيط‪.‬‬

‫وعرفه ابن عرفة بقوله " صغير آدمي لم يُعلم أبوه وال رقه "‬

‫والنظر في أحكام االلتقاط وفي الملتقط واللقيط وفي أحكامه ‪.‬‬

‫قول في وجوب االشهاد على اللقيط‬

‫وقال الشافعي‪ :‬كل شيء ضائع ال كافل له فالتقاطه من فروض الكفايات‪ ،‬ويف وجوب‬
‫اإلشهاد عليه خيفة االسرتقاق خالف‪ ،‬واخلالف فيه مبين على االختالف يف اإلشهاد على‬
‫اللقطة‪.‬‬

‫واللقيط‪ :‬هو الصبي الصغير غير البالغ‪ ،‬وإن كان مميزا‪ ،‬ففيه يف مذهب الشافعي تردد‪.‬‬

‫والملتقط‪ :‬هو كل حر عدل رشيد‪ ،‬وليس العبد والمكاتب بملتقط‪ ،‬والكافر دون‬
‫املسلم ؛ ألنه ال والية له عليه‪ ،‬ويلتقط املسلم الكافر‪ ،‬وينزع من يد الفاسق واملبذر‪.‬‬

‫وليس من شرط الملتقط الغنى‪ ،‬نفقة اللقيط وال تلزم نفقة الملتقط على من التقطه‪،‬‬
‫وإن أنفق لم يرجع عليه بشيء‪.‬‬

‫وأما أحكامه‪ ،‬فإنه يحكم له بحكم اإلسالم إن التقطه في دار المسلمين‪ ،‬وحيكم‬
‫للطفل باإلسالم حبكم أبيه عند مالك‪ ،‬وعند الشافعي حبكم من أسلم منهما‪ ،‬وبه قال ابن‬
‫وهب من أصحاب مالك‪.‬‬

‫وقد اختلف يف اللقيط فقيل إنه عبد ملن التقطه‪ ،‬وقيل إنه حر ووالؤه ملن التقطه‪ ،‬وقيل إنه‬
‫حر ووالؤه للمسلمني‪ ،‬وهو مذهب مالك‪ .‬والذي تشهد له األصول إال أن يثبت يف ذلك‬

‫‪188‬‬
‫أثر ختصص به األصول مثل قوله ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪« :-‬ترث املرأة ثالثة‪ :‬لقيطها‬
‫وعتيقها وولدها الذي العنت عليه» ‪.‬‬

‫‪ 11‬الوديعة‬
‫الوديعة في اصطالح الفقهاء اسم لما يودع ‪ ،‬مأخوذة من الودع وهو الترك ومنه قوله‬
‫تعالى {ما ودعك ربك وما قلى} وهي لغة األمانة وتطلق على االستنابة في الحفظ‪،‬‬
‫وذلك يعم حق اهلل وحق اآلدمي ‪ ،‬اإليداع مصدر وهو توكيل بحفظ مال ‪ ،‬أو استنابة‬
‫في حفظ مال‪.‬‬

‫وجل المسائل المشهورة بين فقهاء األمصار هي في أحكام الوديعة‬

‫‪ -1‬فمنها‪ :‬أنهم اتفقوا على أنها أمانة ال مضمونة‪ ،‬إال ما حكي عن عمر بن اخلطاب‪.‬‬
‫قال املالكيون‪ :‬والدليل على أهنا أمانة أن اهلل أمر برد األمانات ومل يأمر باإلشهاد‪ ،‬فوجب‬
‫أن يصدق املستودع الذي توضع عنده يف دعواه رد الوديعة مع ميينه إن كذبه املودع‪.‬‬

‫قالوا‪ :‬إال أن يدفعها إليه ببينة‪ ،‬فإنه ال يكون القول قوله‪ ،‬قالوا‪ :‬ألهنا إذا دفعها إليه ببينة‬
‫فكأنه ائتمنه على حفظها ومل يأمتنه على ردها‪ ،‬فيصدق يف تلفها وال يصدق على ردها‪،‬‬
‫هذا هو املشهور عن مالك وأصحابه‪.‬‬

‫‪189‬‬
‫وقد قيل عن ابن القاسم‪ :‬إن القول قوله وإن دفعها إليه ببينة‪ ،‬وبه قال الشافعي وأبو‬
‫حنيفة‪ ،‬وهو القياس ؛ألنه فرق بني التلف ودعوى الرد‪ ،‬ويبعد أن تنتقض األمانة ‪ ،‬وهذا‬
‫فيمن دفع األمانة إىل اليد اليت دفعتها إليه‪.‬‬

‫‪ -2‬وأما من دفعها إلى غير اليد التي دفعتها إليه‪ ،‬فعليه ما على ويل اليتيم من اإلشهاد‬
‫عند مالك ‪ ،‬وإال ضمن‪ ،‬يريد قول اهلل ‪ -‬عز وجل ‪{ :-‬فإذا دفعتم إليهم أمواهلم فأشهدوا‬
‫عليهم} ؛ فإن أنكر القابض القبض فال يصدق املستودع يف الدفع عند مالك وأصحابه إال‬
‫ببينة‪.‬‬

‫وقد قيل إنه يتخرج من املذهب أنه يصدق يف ذلك‪ ،‬وسواء عند مالك أمر صاحب الوديعة‬
‫بدفعها إىل الذي دفعها أو مل يأمر‪.‬‬

‫وقال أبو حنيفة‪ :‬إن كان ادعى دفعها إىل من أمره بدفعها ؛ فالقول قول املستودع مع ميينه‪.‬‬

‫فإن أقر المدفوع إليه بالوديعة‪( ،‬أعني‪ :‬إذا كان غير المودع) وادعى التلف ‪ ،‬فال خيلو‬
‫أن يكون املستودع دفعها إىل أمانة (وهو وكيل املستودع) أو إىل ذمة‪.‬‬

‫فإن كان القابض أمينا فاختلف يف ذلك قول ابن القاسم‪ ،‬فقال مرة‪ :‬يربأ الدافع بتصديق‬
‫القابض‪ ،‬وتكون املصيبة من اآلمر الوكيل بالقبض‪ ،‬ومرة قال‪ :‬ال يربأ الدافع إال بإقامة‬
‫البينة على الدفع أو يأيت القابض باملال‪.‬‬

‫وأما إن دفع إلى ذمة‪ ،‬مثل أن يقول رجل للذي عنده الوديعة ادفعها إيل سلفا أو تسلفا‬
‫يف سلعة أو ما أشبه ذلك‪ ،‬فإن كانت الذمة قائمة برئ الدافع يف املذهب من غري خالف‪،‬‬
‫وإن كانت الذمة خربة‪ ،‬فقوالن‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫والسبب في هذا االختالف كله أن األمانة تقوي دعوى المدعي حتى يكون القول‬
‫قوله مع يمينه‪.‬‬

‫فمن شبه أمانة الذي أمره المودع أن يدفعها إليه (أعني‪ :‬الوكيل) بأمانة المودع عنده‪،‬‬
‫قال‪ :‬يكون القول قوله في دعواه التلف‪ ،‬كدعوى المستودع عنده‪.‬‬

‫ومن رأى أن تلك األمانة أضعف‪ ،‬قال‪ :‬ال يبرأ الدافع بتصديق القابض مع دعوى‬
‫التلف‪.‬‬

‫ومن رأى المأمور بمنزلة اآلمر قال‪ :‬القول قول الدافع للمأمور‪ ،‬كما كان القول قوله‬
‫مع اآلمر‪ ،‬وهو مذهب أبي حنيفة‪.‬‬

‫ومن رأى أنه أضعف منه‪ ،‬قال‪ :‬الدافع ضامن إال أن يحضر القابض المال‪.‬‬

‫‪ -3‬وإذا أودعها بشرط الضمان‪ ،‬فاجلمهور على أنه ال يضمن‪ ،‬وقال الغري‪ :‬يضمن‪.‬‬

‫وباجلملة فالفقهاء يرون بأمجعهم أنه ال ضمان على صاحب الوديعة إال أن يتعدى‪،‬‬
‫وخيتلفون يف أشياء هل هي تعد أم ليس بتعد؟‬

‫‪ -4‬إذا أنفق الوديعة‪ ،‬ثم رد مثلها‪ ،‬أو أخرجها لنفقته ثم ردها‪ ،‬فقال مالك‪ :‬يسقط عنه‬
‫الضمان حبالة مثل إذا ردها‪.‬‬

‫وقال أبو حنيفة‪ :‬إن ردها بعينها قبل أن ينفقها مل يضمن‪ ،‬وإن رد مثلها ضمن‪ ،‬وقال عبد‬
‫امللك والشافعي‪ :‬يضمن يف الوجهني مجيعا‪.‬‬

‫فمن غلظ األمر ضمنه إياها بتحريكها ونية استنفاقها‪ ،‬ومن رخص لم يضمنها إذا أعاد‬
‫مثلها‪.‬‬

‫‪191‬‬
‫‪ -5‬ومنها‪ :‬اختالفهم في السفر بها‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ليس له أن يسافر هبا إال أن تعطى له‬
‫يف سفر‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬له أن يسافر هبا إذا كان الطريق آمنا ومل ينهه صاحب الوديعة‪.‬‬

‫‪ -6‬ومنها أنه ليس للمودع عنده أن يودع الوديعة غيره من غير عذر‪ ،‬فإن فعل ضمن‪،‬‬
‫وقال أبو حنيفة‪ :‬إن أودعها عند من تلزمه نفقته مل يضمن ؛ ألنه شبهه بأهل بيته‪ .‬وعند‬
‫مالك له أن يستودع ما أودع عند عياله الذين يأمنهم‪ ،‬وهم حتت غلقه من زوج أو ولد أو‬
‫أمة ومن أشبههم‪.‬‬

‫وبالجملة فعند الجميع أنه يجب عليه أن يحفظها مما جرت به عادة الناس أن تحفظ‬
‫أموالهم‪ ،‬فما كان بينا من ذلك أنه حفظ اتفق عليه‪ ،‬وما كان غير بين أنه حفظ‬
‫اختلف فيه‪ ،‬مثل اختالفهم يف املذهب فيمن جعل وديعة يف جيبه فذهبت‪ ،‬واألشهر أنه‬
‫يضمن‪.‬‬

‫وعند ابن وهب أن من أودع وديعة يف املسجد فجعلها على نعله فذهبت أنه ال ضمان‬
‫عليه‪.‬‬

‫ويختلف في المذهب في ضمانها بالنسيان‪ ،‬مثل أن ينساها يف موضع أو ينسى من‬


‫دفعها إليه‪ ،‬أو يدعيها رجالن‪ ،‬فقيل حيلفان وتقسم بينهما‪ ،‬وقيل إنه يضمن لكل واحد‬
‫منهما‪.‬‬

‫وإذا أراد السفر فله عند مالك أن يودعها عند ثقة من أهل البلد ‪ ،‬وال ضمان عليه قدر‬
‫على دفعها إىل احلاكم أو مل يقدر‪ .‬واختلف يف ذلك أصحاب الشافعي‪ ،‬فمنهم من يقول‪:‬‬
‫إن أودعها لغري احلاكم ضمن‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫‪ -7‬وقبول الوديعة عند مالك ال يجب في حال‪ ،‬ومن العلماء من يرى أنه واجب إذا مل‬
‫جيد املودع من يودعها عنده‪.‬‬

‫‪ -8‬وال أجر للمودع عنده على حفظ الوديعة‪ ،‬وما تحتاج إليه من مسكن أو نفقة‬
‫فعلى ربها‪.‬‬

‫‪ -9‬فيمن أودع ماال فتعدى فيه واتجر به فربح فيه‪ ،‬هل ذلك الربح حالل له أم ال؟ ‪.‬‬

‫فقال مالك‪ ،‬والليث‪ ،‬وأبو يوسف وجماعة‪ :‬إذا رد المال طاب له الربح‪ ،‬وإن كان‬
‫غاصبا للمال فضال عن أن يكون مستودعا عنده‪.‬‬

‫وقال أبو حنيفة‪ ،‬وزفر ومحمد بن الحسن‪ :‬يؤدي األصل ويتصدق بالربح‪.‬‬

‫وقال قوم‪ :‬لرب الوديعة األصل والربح‪ ،‬وقال قوم‪ :‬هو مخير بين األصل والربح‪،‬‬
‫وقال قوم‪ :‬البيع الواقع في تلك التجارة فاسد‪ ،‬وهدالء هم الذين أوجبوا التصدق بالربح‬
‫إذا مات‪.‬‬

‫فمن اعتبر التصرف‪ ،‬قال‪ :‬الربح للمتصرف‪ ،‬ومن اعتبر األصل‪ ،‬قال‪ :‬الربح لصاحب‬
‫المال‪ .‬ولذلك ملا أمر عمر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬ابنيه عبد اهلل وعبيد اهلل أن يصرفا املال‬
‫الذي أسلفهما أبو موسى األشعري من بيت املال‪ ،‬فاجترا فيه فرحبا‪ ،‬قيل له‪ :‬لو جعلته‬
‫قراضا‪ ،‬فأجاب إىل ذلك‪،‬ألنه قد روي أنه قد حصل للعامل جزء ولصاحب املال جزء‪ ،‬وأن‬
‫ذلك عدل‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫‪ 11‬العارية‬
‫العارية واإلعارة مصدر أعرت املتاع إعارة ‪ ،‬واالسم منه عارية بتشديد الياء كأهنا منسوبة إىل‬
‫العار ؛ ألن طلبها عار وقد حدها ابن عرفة فقال‪ ":‬تمليك منفعة مؤقتة ال بعوض " أو‬
‫هي " مال ذو منفعة مؤقتة ملكت بغير عوض"‪.‬‬

‫‪ .‬وأركانها خمسة‪ :‬اإلعارة‪ ،‬والمعير‪ ،‬والمستعير‪ ،‬والمعار‪ ،‬والصيغة‪.‬‬

‫‪ -1‬أما اإلعارة‪ :‬فهي فعل خري ومندوب إليه‪ ،‬وقد شدد فيها قوم من السلف األول‪ .‬روي‬
‫عن عبد اهلل بن عباس وعبد اهلل بن مسعود أهنما قاال يف قوله تعاىل‪{ :‬ومينعون املاعون} أنه‬
‫متاع البيت الذي يتعاطاه الناس بينهم من الفأس والدلو واحلبل والقدر وما أشبه ذلك‪.‬‬

‫‪ -2‬وأما المعير‪ :‬فال يعترب فيه إال كونه مالكا للعارية إما لرقبتها وإما ملنفعتها‪ ،‬واألظهر أهنا‬
‫ال تصلح من املستعري (أعين‪ :‬أن يعريها) ‪.‬‬

‫‪ -3‬وأما العارية فتكون يف الدور واألرضني واحليوان‪ ،‬ومجيع ما يعرف بعينه إذا كانت‬
‫منفعته مباحة االستعمال‪ ،‬ولذلك ال جتوز إباحة اجلواري لالستمتاع‪ .‬ويكره لالستخدام إال‬
‫أن تكون ذات حمرم‪.‬‬

‫‪ -4‬وأما صيغة اإلعارة‪ :‬فهي كل لفظ يدل على اإلذن‪.‬‬

‫وهي عقد جائز عند الشافعي‪ ،‬وأبي حنيفة‪ :‬أي للمعير أن يسترد عاريته إذا شاء‪.‬‬
‫وقال مالك في المشهور‪ :‬ليس له استرجاعها قبل االنتفاع‪ ،‬وإن شرط مدة لزمته من‬
‫المدة ما يرى الناس أنه مدة لمثل تلك العارية‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫وسبب الخالف ما يوجد فيها من شبه العقود الالزمة وغير الالزمة‪.‬‬

‫‪ -1‬هل هي مضمونة أو أمانة؟‬

‫‪ -‬فمنهم من قال‪ :‬إنها مضمونة وإن قامت البينة على تلفها‪ ،‬وهو قول أشهب‪،‬‬
‫والشافعي‪ ،‬وأحد قويل مالك‪،‬‬

‫‪ -‬ومنهم من قال نقيض هذا‪ ،‬وهو أهنا ليست مضمونة أصال‪ ،‬وهو قول أيب حنيفة‪.‬‬

‫‪ -‬ومنهم من قال‪ :‬يضمن فيما يغاب عليه إذا لم يكن على التلف بينة‪ ،‬وال يضمن‬
‫فيما ال يغاب عليه‪ ،‬وال فيما قامت البينة على تلفه‪ ،‬وهو مذهب مالك المشهور‪ ،‬وابن‬
‫القاسم وأكثر أصحابه‪.‬‬

‫وسبب الخالف تعارض اآلثار في ذلك‪ ،‬وذلك أنه ورد في الحديث الثابت أنه قال ‪-‬‬
‫عليه الصالة والسالم ‪ -‬لصفوان بن أمية‪« :‬بل عارية مضمونة مؤداة» ‪،‬وفي بعضها‬
‫«بل عارية مؤداة» ‪ ،‬وروي عنه أنه قال‪« :‬ليس على المستعير ضمان» ‪.‬فمن رجح‬
‫وأخذ هبذا أسقط الضمان عنه‪ ،‬ومن أخذ حبديث صفوان بن أمية ألزمه الضمان‪ ،‬ومن‬
‫ذهب مذهب اجلمع فرق بني ما يغاب عليه وبني ما ال يغاب عليه‪ ،‬فحمل هذا الضمان‬
‫على ما يغاب عليه‪ ،‬واحلديث اآلخر على ما ال يغاب عليه‪ ،‬إال أن احلديث الذي فيه‬
‫«ليس على املستعري ضمان» غري مشهور‪ ،‬وحديث صفوان صحيح‪.‬‬

‫ومن لم ير الضمان شبهها بالوديعة‪ ،‬ومن فرق قال‪ :‬الوديعة مقبوضة لمنفعة الدافع‪،‬‬
‫والعارية لمنفعة القابض‪.‬‬

‫واتفقوا يف اإلجارة على أهنا غري مضمونة (أعين‪ :‬الشافعي وأبا حنيفة ومالكا) ‪ ،‬ويلزم‬
‫الشافعي إذا سلم أنه ال ضمان عليه يف اإلجارة أن ال يكون ضمان يف العارية إن سلم أن‬

‫‪195‬‬
‫سبب الضمان هو االنتفاع ‪ ،‬ألنه إذا مل يضمن حيث قبض ملنفعتهما فأحرى أن ال يضمن‬
‫حيث قبض ملنفعته؛ إذا كانت منفعة الدافع مؤثرة في إسقاط الضمان‪.‬‬

‫‪ -2‬واختلفوا إذا شرط الضمان‪ ،‬فقال قوم‪ :‬يضمن‪ ،‬وقال قوم‪ :‬ال يضمن‪ ،‬والشرط‬
‫باطل‪ ،‬وجييء على قول مالك إذا اشرتط الضمان يف املوضع الذي ال جيب فيه عليه‬
‫الضمان أن يلزم إجارة املثل يف استعماله العارية ؛ ألن الشرط خيرج العارية عن حكم العارية‬
‫إىل باب اإلجارة الفاسدة إذا كان صاحبها لم يرض أن يعير إال بأن يخرجها في ضمانه‪،‬‬
‫فهو عوض مجهول فيجب أن يرد إلى معلوم‪.‬‬

‫‪ -3‬واختلف عن مالك والشافعي إذا غرس المستعير وبنى ثم انقضت المدة التي‬
‫استعار إليها‪.‬‬

‫فقال مالك‪ :‬المالك بالخيار إن شاء أخذ املستعري بقلع غراسته وبنائه‪ ،‬وإن شاء أعطاه‬
‫قيمته مقلوعا إذا كان مما له قيمة بعد القلع‪ ،‬وسواء عند مالك انقضت املدة احملدودة‬
‫بالشرط أو بالعرف أو العادة‪.‬‬

‫وقال الشافعي‪ :‬إذا لم يشترط عليه القلع فليس له مطالبته بالقلع‪ ،‬بل خيري املعري بأن‬
‫يبقيه بأجر يعطاه‪ ،‬أو ينقض بأرش‪ ،‬أو يتملك ببدل‪ ،‬فأيها أراد املعري أجرب عليه املستعري‪،‬‬
‫فإن أىب كلف تفريغ امللك‪ .‬ويف جواز بيعته للنقض عنده خالف؛ ألنه معرض للنقض‪.‬‬

‫فرأى الشافعي أخذه املستعري بالقلع دون أرش هو ظلم‪ ،‬ورأى مالك أن عليه إخالء احملل‪،‬‬
‫وأن العرف يف ذلك يتنزل منزلة الشروط‪.‬‬

‫وعند مالك أنه إن استعمل العارية استعماال ينقصها عن االستعمال المأذون فيه ضمن‬
‫ما نقصها باالستعمال‪.‬‬

‫‪196‬‬
‫‪ -4‬واختلفوا من هذا الباب في الرجل يسأل جاره أن يعيره جداره ليغرز فيه خشبة‬
‫لمنفعته وال تضر صاحب الجدار‪ ،‬وباجلملة يف كل ما ينتفع به املستعري وال ضرر على‬
‫املعري فيه‪ ،‬فقال مالك وأبو حنيفة‪ :‬ال يقضى عليه به؛ إذ العارية ال يقضى هبا‪ ،‬وقال‬
‫الشافعي وأمحد‪ ،‬وأبو ثور‪ ،‬وداود ومجاعة أهل احلديث‪ :‬يقضى بذلك‪.‬‬

‫وحجتهم ما خرجه مالك عن ابن شهاب‪ ،‬عن األعرج عن أيب هريرة أن رسول اهلل ‪ -‬صلى‬
‫اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪« :‬ال مينع أحدكم جاره أن يغرز خشبة يف جداره» ‪ ،‬مث يقول أبو‬
‫هريرة‪ :‬ما يل أراكم عنها معرضني‪ ،‬واهلل ألرمني هبا بني أكتافكم‪.‬‬

‫وكذلك حديث عمرو بن حيىي املازين عن أبيه أنه قال‪ :‬كان يف حائط جدي ربيع لعبد‬
‫الرمحن بن عوف‪ ،‬فأراد أن حيوله إىل ناحية من احلائط‪ ،‬فمنعه صاحب احلائط‪ ،‬فكلم عمر‬
‫بن اخلطاب‪ ،‬فقضى لعبد الرمحن بن عوف بتحويله ‪ ،‬وقد عذل الشافعي مالكا إلدخاله‬
‫هذه األحاديث في موطئه‪ ،‬وتركه األخذ بها‪.‬‬

‫وعمدة مالك‪ ،‬وأيب حنيفة قوله ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪« :-‬ال حيل مال امرئ مسلم إال‬
‫عن طيب نفس منه»‪.‬‬

‫وعمدة الغري أن عموم هذا خمصص هبذه األحاديث‪ ،‬وخباصة حديث أيب هريرة‪.‬‬

‫وعند مالك أهنا حممولة على الندب‪ ،‬وأنه إذا أمكن أن تكون خمتصة ‪ ،‬وأن تكون على‬
‫الندب فحملها على الندب أوىل؛ ألن بناء العام على اخلاص إمنا جيب إذا مل ميكن بينهما‬
‫مجع ووقع التعارض‪.‬‬

‫‪197‬‬
‫وروى أصبغ عن ابن القاسم‪ :‬أنه ال يدخذ بقضاء عمر على حممد بن مسلمة يف اخلليج‪،‬‬
‫ويدخذ بقضائه لعبد الرمحن بن عوف يف حتويل الربيع‪ ،‬وذلك أنه رأى أن حتويل الربيع أيسر‬
‫من أن مير عليه بطريق مل يكن قبل‪ ،‬وهذا القدر كاف حبسب غرضنا‪.‬‬

‫كتاب الغصب‬
‫الغصب لغة أخذ الشيء ظلما ‪ ،‬وحده ابن عرفة بقوله" أخذ مال غير منفعة ظلما قهرا‬
‫ال لخوف قتال"‬

‫الباب األول‪ :‬الركن األول في الضمان‪.‬‬

‫وأما املوجب للضمان‪ ،‬فهو إما املباشرة ألخذ املال املغصوب أو إلتالفه‪ ،‬وإما املباشرة‬
‫للسبب املتلف‪ ،‬وإما إثبات اليد عليه‪.‬‬

‫واختلفوا في السبب الذي يحصل بمباشرته الضمان إذا تناول التلف بواسطة سبب‬
‫آخر‪ ،‬هل يحصل به ضمان أم ال؟ وذلك مثل أن يفتح قفصا فيه طائر فيطري بعد الفتح‪،‬‬
‫فقال مالك‪ :‬يضمنه‪ ،‬هاجه على الطريان أو مل يهجه‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬ال يضمن على‬
‫حال‪ .‬وفرق الشافعي بني أن يهيجه على الطريان أو ال يهيجه‪ ،‬فقال‪ :‬يضمن إن هاجه‪،‬‬
‫وال يضمن إن مل يهجه‪.‬‬

‫ومن هذا من حفر بئرا فسقط فيه شيء فهلك‪ ،‬فمالك والشافعي يقوالن‪ :‬إن حفره‬
‫حبيث أن يكون حفره تعديا ضمن ما تلف فيه وإال مل يضمن‪ ،‬وجييء على أصل أيب حنيفة‬
‫أنه ال يضمن يف مسألة الطائر‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫وهل يشترط في المباشرة العمد أو ال يشترط؟ فاألشهر أن األموال تضمن عمدا وخطأ‪،‬‬
‫وإن كانوا قد اختلفوا يف مسائل جزئية من هذا الباب‪.‬‬

‫وهل يشرتط يف املكره أن يكون خمتارا؟ فاملعلوم عند الشافعي أنه يشرتط أن يكون خمتارا‪،‬‬
‫ولذلك رأى على املكره الضمان‬

‫الركن الثاني ؛ وأما ما يجب فيه الضمان فهو كل مال أتلفت عينه أو تلفت عند‬
‫الغاصب عينه بأمر من السماء‪ ،‬أو سلطت اليد عليه وتملك‪ ،‬وذلك فيما ينقل ويحول‬
‫باتفاق‪.‬‬

‫واختلفوا فيما ال ينقل وال يحول مثل العقار‪ ،‬فقال اجلمهور‪ :‬إهنا تضمن بالغصب ‪-‬‬
‫أعين أهنا إن اهندمت الدار ضمن قيمتها ‪ ،-‬وقال أبو حنيفة‪ :‬ال يضمن‪.‬‬

‫الركن الثالث وهو الواجب في الغصب‪ ،‬والواجب على الغاصب إن كان املال قائما‬
‫عنده بعينه مل تدخله زيادة وال نقصان أن يرده بعينه‪ ،‬وهذا ال اختالف فيه‪ ،‬فإذا ذهبت‬
‫عينه فإهنم اتفقوا على أنه إذا كان مكيال أو موزونا أن على الغاصب المثل (أعني‪ :‬مثل‬
‫ما استهلك صفة ووزنا) ‪.‬‬

‫واختلفوا يف العروض فقال مالك‪ :‬ال يقضى يف العروض من احليوان وغريه إال بالقيمة يوم‬
‫استهلك‪ ،‬وقال الشافعي‪ ،‬وأبو حنيفة‪ ،‬وداود‪ :‬الواجب يف ذلك املثل وال تلزم القيمة إال‬
‫عند عدم املثل‪.‬‬

‫وعمدة مالك حديث أيب هريرة املشهور عن النِب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪« :-‬من أعتق‬
‫شقصا له يف عبد قوم عليه الباقي قيمة العدل» احلديث‪ .‬ووجه الدليل منه أنه مل يلزمه املثل‬
‫وألزمه القيمة‪.‬‬

‫‪199‬‬
‫وعمدة الطائفة الثانية قوله تعاىل‪{ :‬فجزاء مثل ما قتل من النعم} ؛ وألن منفعة الشيء قد‬
‫تكون هي املقصودة عند املتعدى عليه‪.‬‬

‫ومن الحجة لهم ما خرجه أبو داود من حديث أنس وغيره «أن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل‬
‫عليه وسلم ‪ -‬كان عند بعض نسائه‪ ،‬فأرسلت إحدى أمهات املدمنني جارية بقصعة هلا‬
‫فيها طعام‪ ،‬قال‪ :‬فضربت بيدها فكسرت القصعة‪ ،‬فأخذ النِب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬
‫الكسرتني فضم إحدامها إىل األخرى وجعل فيها مجيع الطعام وهو يقول‪ :‬غارت أمكم كلوا‬
‫كلوا‪ ،‬حىت جاءت قصعتها اليت يف بيتها‪ ،‬وحبس رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬
‫القصعة حىت فرغوا‪ ،‬فدفع الصحفة الصحيحة إىل الرسول‪ ،‬وحبس املكسورة يف بيته» ويف‬
‫حديث آخر «أن عائشة كانت هي اليت غارت وكسرت اإلناء‪ ،‬وأهنا قالت لرسول اهلل ‪-‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ :-‬ما كفارة ما صنعت؟ قال‪ :‬إناء مثل إناء‪ ،‬وطعام مثل طعام» "‪.‬‬

‫والطوارئ على المغصوب إما بزيادة وإما بنقصان‪ ،‬وهذان إما من قبل المخلوق‪ ،‬وإما‬
‫من قبل الخالق‪.‬‬

‫‪ -1‬فأما النقصان الذي يكون بأمر من السماء‪ ،‬فإنه ليس له إال أن يأخذه ناقصا‪ ،‬أو‬
‫يضمنه قيمته يوم الغصب‪ ،‬وقيل إن له أن يأخذه ويضمن الغاصب قيمة العيب‪.‬‬

‫‪ -2‬وأما إن كان النقص بجناية الغاصب‪ ،‬فالمغصوب مخير في المذهب بين أن‬
‫يضمنه القيمة يوم الغصب أو يأخذه‪ ،‬وما نقصته اجلناية يوم اجلناية عند ابن القاسم‪،‬‬
‫وعند سحنون ما نقصته اجلناية يوم الغصب‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫وذهب أشهب إىل أنه خمري بني أن يضمنه القيمة أو يأخذه ناقصا‪ ،‬وال شيء له يف اجلناية‪،‬‬
‫كالذي يصاب بأمر من السماء‪ ،‬وإليه ذهب ابن املواز‪.‬‬

‫والسبب يف هذا االختالف أن من جعل املغصوب مضمونا على الغاصب بالقيمة يوم‬
‫الغصب جعل ما حدث فيه من مناء أو نقصان‪ ،‬كأنه حدث يف ملك صحيح‪ ،‬فأوجب له‬
‫الغلة ‪ ،‬ومل يوجب عليه يف النقصان شيئا سواء أكان من سببه أو من عند اهلل‪ ،‬وهو قياس‬
‫قول أيب حنيفة‪.‬‬

‫‪ -3‬وأما إن كانت الجناية عند الغاصب من غير فعل الغاصب‪ ،‬فاملغصوب خمري بني أن‬
‫يضمن الغاصب القيمة يوم الغصب ‪ ،‬ويتبع الغاصب اجلاين‪ ،‬وبني أن يرتك الغاصب ويتبع‬
‫اجلاين حبكم اجلنايات‪ ،‬فهذا حكم اجلنايات على العني يف يد الغاصب‪.‬‬

‫‪ -4‬وأما الجناية على العين من غير أن يغصبها غاصب‪ ،‬فإنها تنقسم عند مالك إلى‬
‫قسمين‪:‬‬

‫‪ - 1‬جناية تبطل يسيرا من المنفعة‪ ،‬والمقصود من الشيء باق‪ ،‬فهذا يجب فيه ما‬
‫نقص يوم الجناية‪ ،‬وذلك بأن يقوم صحيحا ويقوم بالجناية‪ ،‬فيعطى ما بين القيمتين‪.‬‬

‫‪ - 2‬وأما إن كانت الجناية مما تبطل الغرض المقصود ‪ ،‬فإن صاحبه يكون مخيرا إن‬
‫شاء أسلمه للجاني وأخذ قيمته‪ ،‬وإن شاء أخذ قيمة الجناية‪ ،‬وقال الشافعي وأبو‬
‫حنيفة‪ :‬ليس له إال قيمة الجناية‪.‬‬

‫وسبب االختالف االلتفات إلى الحمل على الغاصب‪ ،‬وتشبيه إتالف أكثر المنفعة‬
‫بإتالف العين‪.‬‬

‫‪ -5‬وأما النماء فإنه على قسمين‪:‬‬

‫‪201‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن يكون بفعل اهلل كالصغير يكبر‪ ،‬والمهزول يسمن والعيب يذهب‪.‬‬

‫والثاني‪ :‬أن يكون مما أحدثه الغاصب‪.‬‬

‫فأما األول‪ :‬فإنه ليس بفوت‪.‬‬

‫وأما النماء بما أحدثه الغاصب في الشيء المغصوب‪ ،‬فإنه ينقسم فيما رواه ابن‬
‫القاسم عن مالك إلى قسمين‪:‬‬

‫أحدهما‪ :‬أن يكون قد جعل فيه من ماله ما له عين قائمة كالصبغ في الثوب والنقش‬
‫في البناء وما أشبه ذلك‪.‬‬

‫والثاني‪ :‬أن ال يكون قد جعل فيه من ماله سوى العمل كالخياطة والنسج وطحن‬
‫الحنطة والخشبة يعمل منها توابيت‪.‬‬

‫فأما الوجه األول ‪ -‬وهو أن يجعل فيه من ماله ما له عين قائمة ‪ -‬فإنه ينقسم إلى‬
‫قسمين‪:‬‬

‫أحدهما‪ :‬أن يكون ذلك الشيء مما يمكنه إعادته على حاله كالبقعة يبنيها وما أشبه‬
‫ذلك‪.‬‬

‫والثاني‪ :‬أن ال يقدر على إعادته كالثوب يصبغه والسويق يلته‪.‬‬

‫فأما الوجه األول‪ ،‬فاملغصوب منه خمري بني أن يأمر الغاصب بإعادة البقعة على حاهلا ‪،‬‬
‫وإزالة ما له فيها مما جعله من نقض أو غريه‪ ،‬وبني أن يعطي الغاصب قيمة ماله فيها من‬
‫النقض مقلوعا بعد حط أجر القلع‪ ،‬وهذا إن كان الغاصب ممن ال يتوىل ذلك بنفسه وال‬
‫بغريه‪ ،‬وإمنا يستأجر عليه‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه ال حيط من ذلك أجر القلع‪ ،‬هذا إن كانت له قيمة‪،‬‬

‫‪202‬‬
‫وأما إن مل تكن له قيمة مل يكن للغاصب على املغصوب فيه شيء ؛ ألن من حق‬
‫املغصوب أن يعيد له الغاصب ما غصب منه على هيئته‪ ،‬فإن مل يطالبه بذلك مل يكن له‬
‫مقال‪.‬‬

‫وأما الوجه الثاني‪ ،‬فهو فيه خمري بني أن يدفع قيمة الصبغ وما أشبهه ويأخذ ثوبه‪ ،‬وبني أن‬
‫يضمنه قيمة الثوب يوم غصبه‪ ،‬إال يف السويق الذي يلته يف السمن وما أشبه ذلك من‬
‫الطعام‪ ،‬فال خيري فيه ملا يدخله من الربا‪ ،‬ويكون ذلك فوتا يلزم الغاصب فيه املثل‪ ،‬أو القيمة‬
‫فيما ال مثل له‪.‬‬

‫وأما الوجه الثاني من التقسيم األول (وهو أن ال يكون أحدث الغاصب فيما أحدثه‬
‫في الشيء المغصوب سوى العمل) فإن ذلك أيضا ينقسم قسمين‪:‬‬

‫أحدهما‪ :‬أن يكون ذلك يسيرا ال ينتقل به الشيء عن اسمه بمنزلة الخياطة في الثوب‬
‫أو الرفولة‪.‬‬

‫والثاني أن يكون العمل كثيرا ينتقل به الشيء المغصوب عن اسمه‪ ،‬كالخشبة يعمل‬
‫منها تابوتا‪ ،‬والقمح يطحنه‪ ،‬والغزل ينسجه‪ ،‬والفضة يصوغها حليا أو دراهم‪.‬‬

‫فأما الوجه األول‪ :‬فال حق فيه للغاصب‪ ،‬ويأخذ املغصوب منه الشيء املغصوب معموال‪.‬‬

‫وأما الوجه الثاني‪ :‬فهو فوت يلزم الغاصب قيمة الشيء املغصوب يوم غصبه أو مثله فيما‬
‫له مثل‪ ،‬هذا تفصيل مذهب ابن القاسم يف هذا املعىن‪.‬‬

‫وأشهب جيعل ذلك كله للمغصوب‪ ،‬أصله مسألة البنيان فيقول‪ :‬إنه ال حق للغاصب فيما‬
‫ال يقدر على أخذه من الصبغ والرفولة والنسج والدباغ والطحني‪ .‬وقد روي عن ابن عباس‬
‫أن الصبغ تفويت يلزم الغاصب فيه القيمة يوم الغصب‪.‬‬

‫‪203‬‬
‫وقد قيل إهنما يكونان شريكني‪ ،‬هذا بقيمة الصبغ‪ ،‬وهذا بقيمة الثوب إن أىب رب الثوب‬
‫أن يدفع قيمة الصبغ‪ ،‬وإن أىب الغاصب أن يدفع قيمة الثوب‪ ،‬وهذا القول أنكره ابن‬
‫القاسم يف املدونة يف كتاب اللقطة‪ ،‬وقال‪ :‬إن الشركة ال تكون إال فيما كان بوجه شبهة‬
‫جلية‪.‬‬

‫وقول الشافعي في الصبغ مثل قول ابن القاسم إال أنه يجيز الشركة بينهما‪ ،‬ويقول‪ :‬إنه‬
‫يدمر الغاصب بقلب الصبغ إن أمكنه وإن نقص الثوب‪ ،‬ويضمن للمغصوب مقدار‬
‫النقصان‪ ،‬وأصول الشرع تقتضي أن ال يستحل مال الغاصب من أجل غصبه‪ ،‬وسواء‬
‫أكان منفعة أو عينا‪ ،‬إال أن حيتج حمتج بقوله ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪« :-‬ليس لعرق‬
‫ظامل حق» لكن هذا جممل‪ ،‬ومفهومه األول أنه ليس له منفعة متولدة بني ماله وبني الشيء‬
‫الذي غصبه (أعين‪ :‬ماله املتعلق باملغصوب) ‪ ،‬فهذا هو حكم الواجب يف عني املغصوب‬
‫تغري أو مل يتغري‪.‬‬

‫‪ -6‬وأما حكم غلته‪ ،‬فاختلف في ذلك في المذهب على قولين‪:‬‬

‫أحدهما‪ :‬أن حكم الغلة حكم الشيء المغصوب‪.‬‬

‫والثاني‪ :‬أن حكمهما بخالف الشيء المغصوب‪.‬‬

‫فمن ذهب إلى أن حكمهما حكم الشيء المغصوب ‪ -‬وبه قال أشهب من أصحاب‬
‫مالك ‪ -‬يقول‪ :‬إمنا تلزمه الغلة يوم قبضها ‪ ،‬أو أكثر مما انتهت إليه بقيمتها على قول من‬
‫يرى أن الغاصب يلزمه أرفع القيم من يوم غصبها ال قيمة الشيء املغصوب يوم الغصب‪.‬‬

‫‪204‬‬
‫وأما الذين ذهبوا إلى أن حكم الغلة بخالف حكم الشيء المغصوب‪ ،‬فاختلفوا يف‬
‫حكمها اختالفا كثريا بعد اتفاقهم على أهنا إن تلفت ببينة أنه ال ضمان على الغاصب‪،‬‬
‫وأنه إن ادعى تلفها مل يصدق وإن كان مما ال يغلب عليه‪.‬‬

‫وحتصيل مذهب هدالء يف حكم الغلة هو أن الغالل تنقسم إىل ثالثة أقسام‪:‬‬

‫‪ - 1‬أحدها‪ :‬غلة متولدة عن الشيء المغصوب على نوعه وخلقته وهو الولد‪.‬‬

‫‪ - 2‬وغلة متولدة عن الشيء ال على صورته‪ ،‬وهو مثل الثمر ولبن الماشية وجبنها‬
‫وصوفها‪.‬‬

‫‪ -3‬وغالل غير متولدة بل هي منافع‪ ،‬وهي األكرية والخراجات وما أشبه ذلك‪.‬‬

‫فأما ما كان على خلقته وصورته فال خالف أعلمه أن الغاصب يرده كالولد مع األم‬
‫املغصوبة وإن كان ولد الغاصب‪.‬‬

‫وإنما اختلفوا في ذلك إذا ماتت األم فقال مالك‪ :‬هو مخير بين الولد وقيمة األم‪،‬‬
‫وقال الشافعي‪ :‬بل يرد الولد وقيمة األم وهو القياس‪.‬‬

‫وأما إن كان متولدا على غري خلقة األصل وصورته ففيه قوالن‪:‬‬

‫أحدمها‪ :‬أن للغاصب ذلك املتولد‪.‬‬

‫والثاين‪ :‬أنه يلزمه رده مع الشيء املغصوب إن كان قائما ‪ ،‬أو قيمتها إن ادعى تلفها ومل‬
‫يعرف ذلك إال من قوله‪ ،‬فإن تلف الشيء املغصوب كان خمريا بني أن يضمنه وال شيء له‬
‫يف الغلة‪ ،‬وبني أن يأخذه وبالغلة وال شيء له من القيمة‪.‬‬

‫وأما ما كان غري متولد‪ ،‬فاختلفوا فيه على مخسة أقوال‪:‬‬

‫‪205‬‬
‫أحدها‪ :‬أنه ال يلزمه رده مجلة من غري تفصيل‪.‬‬

‫والثاين‪ :‬أنه يلزمه رده من غري تفصيل أيضا‪.‬‬

‫والثالث‪ :‬أنه يلزمه الرد إن أكرى‪ ،‬وال يلزمه الرد إن انتفع أو عطل‪.‬‬

‫والرابع‪ :‬يلزمه إن أكرى أو انتفع‪ ،‬وال يلزمه إن عطل‪.‬‬

‫واخلامس‪ :‬الفرق بني احليوان واألصول (أعين أنه يرد قيمة منافع األصول‪ ،‬وال يرد قيمة‬
‫منافع احليوان) ‪.‬‬

‫وهذا كله فيما اغتل من العني املغصوبة مع عينها وقيامها‪.‬‬

‫وأما ما اغتل منها بتصريفها وتحويل عينها‪ ،‬كالدنانير فيغتصبها فيتجر بها فيربح‪،‬‬
‫فالغلة له قوال واحدا في المذهب‪ ،‬وقال قوم‪ :‬الربح للمغصوب‪.‬‬

‫وهذا أيضا إذا قصد غصب األصل‪ .‬وأما إذا قصد غصب الغلة دون األصل فهو ضامن‬
‫للغلة بإطالق‪ ،‬وال خالف يف ذلك سواء عطل أو انتفع أو أكرى‪ ،‬كان مما يزال به أو مبا ال‬
‫يزال به‪.‬‬

‫وقال أبو حنيفة‪ :‬إنه من تعدى على دابة رجل فركبها أو محل عليها فال كراء عليه يف ركوبه‬
‫إياها وال يف محله ; ألنه ضامن هلا إن تلفت يف تعديه‪ ،‬وهذا قوله يف كل ما ينقل وحيول؛‬
‫فإنه ملا رأى أنه قد ضمنه بالتعدي وصار يف ذمته جازت له املنفعة كما تقول املالكية فيما‬
‫جتر به من املال املغصوب‪ ،‬وإن كان الفرق بينهما أن الذي اجتر به حتولت عينه‪ ،‬وهذا مل‬
‫تتحول عينه‪.‬‬

‫‪206‬‬
‫وسبب اختالفهم في هل يرد الغاصب الغلة أو ال يردها اختالفهم في تعميم قوله ‪-‬‬
‫عليه الصالة والسالم ‪« :-‬الخراج بالضمان» وقوله ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪:-‬‬
‫«ليس لعرق ظالم حق» ‪.‬‬

‫وذلك أن قوله ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬هذا خرج على سبب‪ ،‬وهو يف غالم قيم فيه‬
‫بعيب‪ ،‬فأراد الذي صرف عليه أن يرد املشرتي غلته‪ ،‬وإذا خرج العام على سبب هل يقصر‬
‫على سببه أم حيمل على عمومه؟ فيه خالف فقهاء األمصار مشهور‪ ،‬فمن قصر هاهنا هذا‬
‫احلكم على سببه‪ ،‬قال‪ :‬إمنا جتب الغلة من قبل الضمان فيما صار إىل اإلنسان بشبهة‪،‬‬
‫مثل أن يشرتي شيئا فيستغله فيستحق منه‪ .‬وأما ما صار إليه بغري وجه شبهة فال جتوز له‬
‫الغلة ألنه ظامل‪ ،‬وليس لعرق ظامل حق‪ ،‬فعمم هذا احلديث يف األصل والغلة (أعين‪ :‬عموم‬
‫هذا احلديث) وخصص الثاين‪.‬‬

‫وأما من عكس األمر فعمم قوله ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪« :-‬اخلراج بالضمان» على‬
‫أكثر من السبب الذي خرج عليه‪ ،‬وخصص قوله ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪« :-‬ليس لعرق‬
‫ظامل حق» بأن جعل ذلك يف الرقبة دون الغلة‪ ،‬قال‪ :‬ال يرد الغلة الغاصب‪.‬‬

‫وأما من المعنى كما تقدم من قولنا فالقياس أن تجري المنافع واألعيان المتولدة‬
‫مجرى واحدا‪ ،‬وأن يعتبر التضمن أو ال يعتبر‪ .‬وأما سائر األقاويل التي بين هذين فهي‬
‫استحسان‪.‬‬

‫‪ -7‬وأجمع العلماء على أن من اغترس نخال أو ثمرا بالجملة وبنيانا في غير أرضه أنه‬
‫يؤمر بالقلع ؛ ملا ثبت من حديث مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول اهلل ‪-‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪« :‬من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظامل حق» والعرق‬

‫‪207‬‬
‫الظامل عندهم هو ما اغرتس يف أرض الغري‪ .‬وروى أبو داود يف هذا احلديث زيادة‪ :‬قال‬
‫عروة‪ :‬ولقد حدثين الذي حدثين هذا احلديث‪« :‬أن رجلني اختصما إىل رسول اهلل ‪ -‬صلى‬
‫اهلل عليه وسلم ‪ -‬غرس أحدمها خنال يف أرض اآلخر‪ ،‬فقضى لصاحب األرض بأرضه‪ ،‬وأمر‬
‫صاحب النخل أن خيرج خنله منها قال‪ :‬فلقد رأيتها وإهنا لتضرب أصوهلا بالفدوس‪ ،‬وإهنا‬
‫لنخل عم حىت أخرجت منها» ‪ ،‬إال ما روي يف املشهور عن مالك «أن من زرع زرعا يف‬
‫أرض غريه وفات أوان زراعته مل يكن لصاحب األرض أن يقلع زرعه‪ ،‬وكان على الزارع كراء‬
‫األرض» ‪ .‬وقد روي عنه ما يشبه قياس قول اجلمهور‪ ،‬وعلى قوله‪ :‬إن كل ما ال ينتفع‬
‫الغاصب به إذا قلعه وأزاله أنه للمغصوب‪ ،‬يكون الزرع على هذا للزارع‪.‬‬

‫وفرق قوم بين الزرع والثمار فقالوا‪ :‬الزارع يف أرض غريه له نفقته وزريعته‪ ،‬وهو قول كثري‬
‫من أهل املدينة‪ ،‬وبه قال أبو عبيد‪ ،‬وروي عن رافع بن خديج‪ ،‬أنه قال ‪ -‬عليه الصالة‬
‫والسالم ‪« :-‬من زرع يف أرض قوم بغري إذهنم فله نفقته وليس له من الزرع شيء» ‪.‬‬

‫‪ -8‬واختلف العلماء في القضاء فيما أفسدته المواشي والدواب على أربعة أقوال‪:‬‬

‫أحدها‪ :‬أن كل دابة مرسلة فصاحبها ضامن ملا أفسدته‪.‬‬

‫والثاين‪ :‬أن ال ضمان عليه‪.‬‬

‫والثالث‪ :‬أن الضمان على أرباب البهائم بالليل‪ ،‬وال ضمان عليهم فيما أفسدته بالنهار‪.‬‬

‫والرابع‪ :‬وجوب الضمان يف غري املنفلت وال ضمان يف املنفلت‪.‬‬

‫وممن قال‪ :‬يضمن بالليل وال يضمن بالنهار مالك والشافعي‪ ،‬وبأن ال ضمان عليهم أصال‬
‫قال أبو حنيفة وأصحابه‪ ،‬وبالضمان بإطالق قال الليث‪ ،‬إال أن الليث قال‪ :‬ال يضمن‬
‫أكثر من قيمة املاشية‪ ،‬والقول الرابع مروي عن عمر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪.-‬‬

‫‪208‬‬
‫فعمدة مالك والشافعي في هذا الباب شيئان‪:‬‬

‫أحدهما‪ :‬قوله تعالى‪{ :‬وداود وسليمان إذ حيكمان يف احلرث إذ نفشت فيه غنم القوم}‬
‫[األنبياء‪ ]87 :‬والنفش عند أهل اللغة ال يكون إال بالليل‪ ،‬وهذا االحتجاج على مذهب‬
‫من يرى أنا خماطبون بشرع من قبلنا‪.‬‬

‫والثاني‪ :‬مرسله عن ابن شهاب «أن ناقة للرباء بن عازب دخلت حائط قوم فأفسدت‬
‫فيه‪ ،‬فقضى رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أن على أهل احلوائط بالنهار حفظها‪،‬‬
‫وأن ما أفسدته املواشي بالليل ضامن على أهلها» أي مضمون‪.‬‬

‫وعمدة أبي حنيفة قوله ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪« :-‬العجماء جرحها جبار» وقال‬
‫الطحاوي‪ :‬وحتقيق مذهب أيب حنيفة أنه ال يضمن إذا أرسلها حمفوظة‪ ،‬فأما إذا مل يرسلها‬
‫حمفوظة فيضمن‪.‬‬

‫واملالكية تقول‪ :‬من شرط قولنا أن تكون الغنم يف املسرح‪ ،‬وأما إذا كانت يف أرض مزرعة ال‬
‫مسرح فيها فهم يضمنون ليال وهنارا‪.‬‬

‫وعمدة من رأى الضمان فيما أفسدت ليال وهنارا شهادة األصول له‪ ،‬وذلك أنه تعد من‬
‫املرسل‪ ،‬واألصول على أن على املتعدي الضمان‪.‬‬

‫ووجه من فرق بني املنفلت وغري املنفلت بني‪ ،‬فإن املنفلت ال ميلك‪.‬‬

‫فسبب الخالف في هذا الباب معارضة األصل للسمع‪ ،‬ومعارضة السماع بعضه‬
‫لبعض‪ ،‬أعني‪ :‬أن األصل يعارض «جرح العجماء جبار» ‪ ،‬ويعارض أيضا التفرقة التي‬
‫في حديث البراء‪ ،‬وكذلك التفرقة التي في حديث البراء تعارض أيضا قوله «جرح‬
‫العجماء جبار» ‪.‬‬

‫‪209‬‬
‫‪ -9‬ومن مسائل هذا الباب المشهورة اختالفهم في ما يصاب من أعضاء الحيوان‪،‬‬

‫فروي عن عمر بن اخلطاب أنه قضى يف عني الدابة بربع مثنها‪ ،‬وكتب إىل شريح فأمره‬
‫بذلك‪ ،‬وبه قال الكوفيون‪ ،‬وقضى به عمر بن عبد العزيز‪.‬‬

‫وقال الشافعي ومالك‪ :‬يلزم فيما أصيب من البهيمة ما نقص يف مثنها قياسا على التعدي‬
‫يف األموال‪.‬‬

‫والكوفيون اعتمدوا يف ذلك على قول عمر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬وقالوا‪ :‬إذا قال الصاحب‬
‫قوال وال مخالف له من الصحابة ؛ وقوله مع هذا مخالف للقياس وجب العمل به ؛‬
‫ألنه يعلم أنه إنما صار إلى القول به من جهة التوقيف‪ .‬فسبب الخالف إذن معارضة‬
‫القياس لقول الصاحب‪.‬‬

‫‪ -11‬ومن هذا الباب اختالفهم في الجمل الصئول وما أشبهه يخاف الرجل على‬
‫نفسه فيقتله‪،‬‬

‫هل جيب عليه غرمه أم ال؟ فقال مالك والشافعي‪ :‬ال غرم عليه إذا بان أنه خافه على‬
‫نفسه‪ ،‬وقال أبو حنيفة والثوري‪ :‬يضمن قيمته على كل حال‪.‬‬

‫وعمدة من مل ير الضمان القياس على من قصد رجال فأراد قتله‪ ،‬فدافع املقصود عن نفسه‬
‫فقتل يف املدافعة القاصد املتعدي أنه ليس عليه قود‪ ،‬وإذا كان ذلك يف النفس كان يف املال‬
‫أحرى ؛ألن النفس أعظم حرمة من املال‪ ،‬وقياسا أيضا على إهدار دم الصيد احلرمي إذا‬
‫صال ومتسك به حذاق أصحاب الشافعي‪.‬‬

‫وعمدة أبي حنيفة أن األموال تضمن بالضرورة إليها‪ ،‬أصله المضطر إلى طعام الغير ‪،‬‬
‫وال حرمة للبعير من جهة ما هو ذو نفس‪.‬‬

‫‪210‬‬
‫‪ -11‬ومن هذا الباب اختالفهم في المكرهة على الزنا‪ ،‬هل على مكرهها مع الحد‬
‫صداق أم ال؟ فقال مالك والشافعي والليث‪ :‬عليه الصداق واحلد مجيعا‪ ،‬وقال أبو حنيفة‬
‫والثوري‪ :‬عليه احلد وال صداق عليه‪ ،‬وهو قول ابن شربمة‪ .‬وعمدة مالك أنه جيب عليه‬
‫حقان‪ :‬حق اهلل وحق لآلدمي‪ ،‬فلم يسقط أحدمها اآلخر‪ ،‬أصله السرقة اليت جيب هبا‬
‫عندهم غرم املال والقطع‪.‬‬

‫وأما من لم يوجب الصداق‪ ،‬فتعلق في ذلك بمعنيين‪:‬‬

‫أحدهما‪ :‬أنه إذا اجتمع حقان‪ :‬حق هلل وحق للمخلوق سقط حق المخلوق لحق اهلل‪،‬‬
‫وهذا على رأي الكوفيين في أنه ال يجمع على السارق غرم وقطع‪.‬‬

‫والمعنى الثاني‪ :‬أن الصداق ليس مقابل البضع‪ ،‬وإنما هو عبادة إذ كان النكاح‬
‫شرعيا‪ ،‬وإذا كان ذلك كذلك فال صداق في النكاح الذي على غير الشرع‪.‬‬

‫‪ -12‬ومن مسائلهم المشهورة في هذا الباب من غصب أسطوانة فبنى عليها بناء‬
‫يساوي قائما أضعاف قيمة األسطوانة‪،‬‬

‫فقال مالك والشافعي‪ :‬حيكم على الغاصب باهلدم ويأخذ املغصوب منه أسطوانته‪ ،‬وقال‬
‫أبو حنيفة‪ :‬تفوت بالقيمة كقول مالك فيمن غري املغصوب بصناعة هلا قيمة كثرية‪ ،‬وعند‬
‫الشافعي ال يفوت املغصوب بشيء من الزيادة‪ .‬وهنا انقضى هذا الكتاب‪.‬‬

‫‪211‬‬
‫االستحقاق‬ ‫‪13‬‬

‫االستحقاق‪ :‬هو إضافة الشيء ملن يصلح به‬

‫‪ ،‬وله فيه حق كاستحقاق هذا من الوقف مثال بوصف الفقر‪ ،‬أو العلم ويف عرف الشرع‬
‫مستعمل يف معىن ما أشار إليه ابن عرفة بقوله " رفع ملك شيء بثبوت ملك قبله بغير‬
‫عوض"‬

‫أنواع اإلستحقاق‬

‫أن الشيء املسحق من يد إنسان ملكه بالشرع ال خيرج عن ثالثة أشياء ‪ :‬إما أن يستحق‬
‫من ذلك الشيء أقله أو كله أو جله ‪ .‬مث إذا استحق منه كله أو جله فال خيلو أن يكون قد‬
‫تغري عند الذي هو بيده بزيادة أو نقصان أو يكون مل يتغري‪ ،‬مث ال خيلو أيضا أن يكون‬
‫املستحق منه قد اشرتاه بثمن أو مثمون‪.‬‬

‫إذا لم يتغير الشيء المستحق‬

‫‪ -1‬فأما إن كان استحق منه أقله‪ ،‬فعند مالك يرجع على الذي اشتراه منه بقيمة ما‬
‫استحق من يده‪ ،‬وليس له أن يرجع بالجملة‪.‬‬
‫ِ‬
‫المستحق ‪ ،‬ورجع‬ ‫‪ -2‬وأما إن كان استحق كله أو جله‪ ،‬فإن كان لم يتغير أخذه‬
‫املستحق منه على الذي اشرتاه منه بثمن ما اشرتاه منه‪ ،‬وإن كان اشرتاه باملثمون رجع‬
‫َ‬

‫‪212‬‬
‫باملثمون بعينه إن كان مل يتغري‪ ،‬فإن تغري تغريا يوجب اختالف قيمته رجع بقيمته يوم‬
‫الشراء‪.‬‬

‫‪ -3‬وإن كان المال المستحق قد بيع ؛ فإن المستحق مخير بين أن يمضي البيع‬
‫ويأخذ الثمن أو يأخذه بعينه‪،‬‬

‫المستحق إما بزيادة أو نقصان‪.‬‬


‫َ‬ ‫‪ - 4‬فإن تغير الشيء‬

‫المستحق منه‪ ،‬أو بزيادة‬


‫َ‬ ‫‪ -‬فأما إن كان تغير بزيادة‪ ،‬فال يخلو أن يتغير بزيادة من قبل‬
‫من ذات الشيء‪.‬‬
‫ي‬
‫املستحق‪ ،‬مثل أن تسمن الدابة أو يكرب الغالم‪.‬‬ ‫فأما الزيادة من ذات الشيء فيأخذها‬

‫المستحق منه‪ ،‬فمثل أن يشرتي الدار فبىن فيها فتستحق من يده‪،‬‬


‫َ‬ ‫‪ -‬وأما الزيادة من قبل‬
‫ي‬
‫املستحق خمري بني أن يدفع قيمة الزيادة ويأخذ ما استحقه ‪ ،‬وبني أن يدفع إليه‬ ‫فإن‬
‫املستحق منه قيمة ما استحق‪ ،‬أو يكونا شريكني؛ هذا بقدر قيمة ما استحق من يده‪،‬‬
‫وهذا بقدر قيمة ما بىن أو غرس‪ ،‬وهو قضاء عمر بن اخلطاب‪.‬‬

‫املستحق‬
‫َ‬ ‫املستحق منه فال شيء على‬
‫َ‬ ‫وأما إن كان تغير بنقصان‪ ،‬فإن كان من غري سبب‬
‫منه‪ .‬وأما إن كان أخذ من هذا النقصان مثنا مثل أن يهدم الدار فيبيع نقضها مث يستحقها‬
‫من يده رجل آخر‪ ،‬فإنه يرجع عليه بثمن ما باع من النقض‪.‬‬

‫‪ -5‬وأما غلة الشيء المستحق‪ ،‬فإن المستحق منه إذا كان ضامنا ونعين بالضمان‪ :‬أهنا‬
‫تكون من خسارته إذا هلكت عنده فهنا ال خالف أن الغلة للمستحق منه ‪ ،‬وأما إذا‬

‫‪213‬‬
‫كان غري ضامن‪ ،‬فإنه يرد الغلة‪ .‬مثل أن يكون وارثا فيطرأ عليه وارث آخر فيستحق بعض‬
‫ما يف يده؛‬

‫‪ 6‬وأما من أي وقت تصح الغلة للمستحق؟ فقيل يوم الحكم‪ ،‬وقيل من يوم ثبوت‬
‫الحق‪ ،‬وقيل من يوم توقيفه‪.‬‬

‫وإذا قلنا إن الغلة جتب للمستحق يف أحد هذه األوقات الثالثة؛‬

‫‪ -‬فإذا كانت أصوال فيها ثمار فأدرك أحد هذه األوقات الثمر ومل يقطف بعده‪ ،‬فقيل‬
‫إهنا للمستحق ما مل تقطف وقيل مامل تيبس‪ ،‬وقيل ما مل يطب‪ ،‬ويرجع عليه مبا سقى‬
‫وعاجل املستحق منه‪ ،‬وهذا إن كان اشرتى األصول قبل اإلبار‪ .‬وأما إن كان اشرتاها بعد‬
‫اإلبار فالثمرة للمستحق عند ابن القاسم إن جذت ويرجع بالسقي والعالج‪ ،‬وقال أشهب‪:‬‬
‫هي للمستحق ما مل جتذ‪.‬‬

‫كراء األرض إذا استحقت‪ ،‬فالكراء إنما هو للمستحق إن وقع االستحقاق في إبان‬
‫زريعة األرض‪ .‬أي في وقت الحرث وأما إذا خرج اإلبان فقد وجب كراء األرض‬
‫للمستحق منه‪.‬‬

‫املستحق مشرتى بعرض‪ ،‬وكان العرض قد ذهب‬


‫َ‬ ‫ولكن جييء على أصول الغري أنه إذا كان‬
‫املستحق منه بعرض مثله ال بقيمته‪ ،‬وهم الذين يرون يف مجيع املتلفات املثل‪،‬‬
‫َ‬ ‫أن يرجع‬
‫وكذلك جييء على أصول الغري أن يرجع على املشرتي إذا استحق منه قليل أو كثري ; ألنه‬
‫مل يدخل على الباقي وال انعقد عليه بيع وال وقع به تراض‪.‬‬

‫‪214‬‬
‫‪ 14‬الهبات‬
‫تعريف الهبة ‪ :‬لغة ‪ :‬قال أهل اللغة يقال وهبت له شيئا وهبا بإسكان اهلاء وفتحها وهبة ‪،‬‬
‫واالسم املوهب واملوهبة بكسر اهلاء فيهما ‪ ،‬واالهتاب قبول اهلبة ‪،‬‬

‫وعرفها ابن عرفة ‪" :‬متليك متمول بغري عوض إنشاء "‬

‫األركان الهبة ثالثة‪ :‬الواهب واملوهوب له‪ ،‬واهلبة‬

‫‪ ) 1‬الواهب ‪ :‬فإهنم اتفقوا على أنه جتوز هبته إذا كان مالكا للموهوب صحيح امللك‪،‬‬
‫وذلك إذا كان يف حال الصحة وحال إطالق اليد‪ .‬واختلفوا يف حال املرض ويف حال‬
‫السفه والفلس ‪.‬‬

‫المريض‪ :‬فقال اجلمهور‪ :‬إهنا يف ثلثه تشبيها بالوصية‪ .‬وقالت طائفة من السلف ومجاعة‬
‫أهل الظاهر‪ :‬إن هبته خترج من رأس ماله إذا مات‪ ،‬وال خالف بينهم أنه إذا صح من‬
‫مرضه أن اهلبة صحيحة‪.‬‬

‫وعمدة الجمهور حديث عمران بن حصني عن النِب ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪« -‬يف‬
‫الذي أعتق ستة أعبد عند موته‪ ،‬فأمره رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬فأعتق ثلثهم‬
‫وأرق الباقي» ‪.‬‬

‫وعمدة أهل الظاهر‪ :‬استصحاب احلال‪ :‬ونعين به ‪ :‬حال اإلمجاع ‪ ،‬وذلك أهنم ملا اتفقوا‬
‫على جواز هبته يف الصحة وجب استصحاب حكم اإلمجاع يف املرض إال أن يدل الدليل‬
‫من كتاب أو سنة بينة‪ ،‬واحلديث عند اجلمهور حممول على الوصية‪.‬‬

‫‪215‬‬
‫واألمراض التي يحجر فيها عند الجمهور هي األمراض المخوفة‪ ،‬وكذلك عند مالك‬
‫احلاالت املخوفة‪ ،‬مثل الكون بني الصفني أي يف حال احلرب ‪ ،‬وقرب احلامل من الوضع‪،‬‬
‫وراكب البحر املرتج‪ ،‬وفيه اختالف‪ .‬وأما األمراض املزمنة فليس عندهم فيها حتجري‪،‬‬

‫وأما السفهاء والمفلسون فال خالف عند من يقول باحلجر عليهم أن هبتهم غري‬
‫صحيحة‬

‫‪ ) 2‬أما الموهوب ‪ :‬فكل شيء صح ملكه‪،‬‬

‫واتفقوا على أن لإلنسان أن يهب مجيع ماله لألجنِب‪.‬‬

‫واختلفوا يف تفضيل الرجل بعض ولده على بعض يف اهلبة‪ ،‬أو يف مجيع ماله لبعضهم دون‬
‫بعض‬

‫‪ ،‬فقال جمهور فقهاء األمصار بكراهية ذلك له‪ ،‬ولكن إذا وقع عندهم جاز ذلك‪.‬‬

‫وقال أهل الظاهر‪ :‬ال جيوز التفضيل فضال عن أن يهب مجيع ماله‪،‬‬

‫وقال مالك جيوز التفضيل وال جيوز أن يهب بعضهم مجيع املال دون بعض‪.‬‬

‫ودليل أهل الظاهر حديث النعمان بن بشري‪ ،‬وهو حديث متفق على صحته‪ ،‬وإن كان قد‬
‫اختلف يف ألفاظه‪ ،‬واحلديث أنه قال «إن أباه بشريا أتى به إىل رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ -‬فقال‪ :‬إين حنلت ابين هذا غالما كان يل‪ ،‬فقال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‬
‫‪ :-‬أكل ولدك حنلته مثل هذا؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪:-‬‬
‫فارجتعه»‬

‫‪216‬‬
‫وعمدة الجمهور‪ :‬أن اإلمجاع منعقد على أن للرجل أن يهب يف صحته مجيع ماله‬
‫لألجانب دون أوالده‪ ،‬فإن كان ذلك لألجنِب فهو للولد أحرى‪.‬‬

‫واحتجوا حبديث أيب بكر املشهور أنه كان حنل عائشة جذاذ عشرين وسقا فلما حضرته‬
‫الوفاة‪ ،‬قال‪" :‬واهلل يا بنية ما من الناس أحد أحب إيل غىن بعدي منك‪ ،‬وال أعز علي فقرا‬
‫بعدي منك‪ ،‬وإين كنت حنلتك جذاذ عشرين وسقا فلو كنت جذذتيه واحتزتيه كان لك‪،‬‬
‫وإمنا هو اليوم مال وارث"‪ .‬قالوا‪ :‬وذلك احلديث املراد به الندب‪،‬‬

‫وعمدة مالك ‪ :‬أنه رأى أن النهي عن أن يهب الرجل مجيع ماله لواحد من ولده هو أحرى‬
‫أن حيمل على الوجوب‪ ،‬فأوجب عنده مفهوم هذا احلديث النهي عن أن خيص الرجل‬
‫بعض أوالده جبميع ماله‪.‬‬

‫فسبب الخالف يف هذه املسألة ‪ :‬معارضة القياس للفظ النهي الوارد‪ ،‬وذلك أن النهي‬
‫يقتضي عند األكثر التحرمي‪ ،‬فاجلمهور ‪ :‬ذهبوا إىل اجلمع بني السماع والقياس ومحل‬
‫احلديث على الندب ومالك خصصه يف بعض الصور كما جيوز ختصيص السنة بالقياس‬
‫وأما أهل الظاهر ‪ :‬مل جيز القياس عندهم يف الشرع واعتمدوا على ظاهر احلديث ‪.‬‬

‫هبة المشاع غير المقسوم‪ :،‬اختلفوا‪ :‬فقال مالك والشافعي وأمحد وأبو ثور‪ :‬تصح‪ ،‬وقال‬
‫أبو حنيفة‪ :‬ال تصح‪.‬‬

‫وعمدة الجماعة‪ :‬أن القبض فيها يصح كالقبض يف البيع‪.‬‬

‫وعمدة أبي حنيفة‪ :‬أن القبض فيها ال يصح إال مفردة كالرهن‪.‬‬

‫هبة المجهول والمعدوم المتوقع الوجود جيوز يف املذهب ‪ ،‬وباجلملة كل ما ال يصح بيعه‬
‫يف الشرع من جهة الغرر‪ ،‬وقال الشافعي‪ :‬ما جاز بيعه جازت هبته وما مل جيز بيعه مل جتز‬

‫‪217‬‬
‫هبته‪ ،‬وكل ما ال يصح قبضه عند الشافعية ال تصح هبته كالدين والرهن‪ .‬وأما اهلبة فال بد‬
‫من اإلجياب فيها والقبول عند اجلميع‪.‬‬

‫الموهوب له ‪ :‬ومن شرطه أن يكون ممن يصح قبوله وقبضه‪.‬‬

‫اختلفوا هل القبض شرط يف صحة العقد أم ال؟‬

‫فاتفق الثوري‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأبو حنيفة أن من شرط صحة اهلبة القبض‪ ،‬وأنه إذا مل يقبض مل‬
‫يلزم الواهب‪.‬‬

‫وقال مالك‪ :‬ينعقد بالقبول وجيرب على القبض كالبيع سواء‪ ،‬فإن تأخر املوهوب له عن‬
‫طلب القبض حىت أفلس الواهب أو مرض بطلت اهلبة‪ ،‬وله إذا باع تفصيل‪ :‬إن علم فتأخر‬
‫مل يكن له إال الثمن‪ ،‬وإن قام يف الفور كان له املوهوب‪.‬‬

‫فمالك‪ :‬القبض عنده يف اهلبة من شروط التمام ال من شروط الصحة‪ ،‬وهو عند الشافعي‪،‬‬
‫وأيب حنيفة من شروط الصحة‪.‬‬

‫وقال أمحد‪ ،‬وأبو ثور وأهل الظاهر‪ :‬تصح اهلبة بالعقد‪ ،‬وليس القبض من شروطها أصال‪ ،‬ال‬
‫من شرط متام وال من شرط صحة‪ ،‬وهو قول‪.‬‬

‫وقال أمحد بن حنبل أن القبض من شروطها يف املكيل واملوزون‪.‬‬

‫فعمدة من لم يشترط القبض يف اهلبة ُ‬


‫تشبيهها بالبيع‪ ،‬وأن األصل يف العقود أن ال قبض‬
‫مشرتط يف صحتها حىت يقوم الدليل على اشرتاط القبض‪.‬‬

‫وعمدة من اشترط القبض أن ذلك مروي عن أيب بكر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف حديث‬
‫هبته لعائشة املتقدم‪ ،‬وهو نص يف اشرتاط القبض يف صحة اهلبة‪.‬‬

‫‪218‬‬
‫وأما مالك فاعتمد األمرين مجيعا‪( :‬القياس وما روي عن الصحابة) ومجع بينهما‪ .‬فمن‬
‫حيث هي عقد من العقود مل يكن القبض شرطا من شروط صحتها‪ .‬ومن حيث شرطت‬
‫الصحابة فيه القبض لسد الذريعة جعل القبض فيها من شرط التمام‪.‬‬

‫لمن يحوز االب من ولده ‪ :‬جمهور فقهاء األمصار على أن األب حيوز البنه الصغري‬
‫الذي يف والية نظره‪ ،‬وللكبري السفيه الذي ما وهبه‪ ،‬كما حيوز هلما ما وهبه غريه هلما‪ ،‬وأنه‬
‫يكفي يف احليازة له إشهاده باهلبة واإلعالن بذلك‪ ،‬وذلك كله فيما عدا الذهب والفضة‬
‫وفيما ال يتعني‪.‬‬

‫وحجتهم ‪ :‬يف ذلك عندهم ما رواه مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن املسيب أن عثمان‬
‫بن عفان قال‪ :‬من حنل ابنا له صغريا مل يبلغ أن حيوز حنلته فأعلن ذلك وأشهد عليه فهي‬
‫حيازة وإن وليها‪.‬‬

‫شروط الحيازة في المسكون والملبوس للولد وقال مالك وأصحابه‪ ، :‬فإن كانت دارا‬
‫سكن فيها خرج منها‪ ،‬وكذلك امللبوس إن لبسه بطلت اهلبة‪ ،‬وقالوا يف سائر العروض مبثل‬
‫قول الفقهاء أنه يكفي يف ذلك إعالنه وإشهاده‪.‬‬

‫وأما الذهب والورق فاختلفت الرواية فيه عن مالك‪ ،‬فروي عنه أنه ال جيوز إال أن خيرجه‬
‫األب عن يده إىل يد غريه‪ ،‬وروي عنه أنه جيوز إذا جعلها يف ظرف أو إناء وختم عليها‬
‫خبامت وأشهد على ذلك الشهود‪.‬‬

‫هل الوصي يقوم في ذلك مقام األب ؟ ال خالف بني أصحاب مالك ‪.‬يف ذلك ‪.‬‬

‫واختلفوا في األم؛ فقال ابن القاسم‪ :‬ال تقوم مقام األب‪ ،‬ورواه عن مالك‪،‬‬

‫وقال غريه من أصحابه‪ :‬تقوم‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة‪،‬‬

‫‪219‬‬
‫وقال الشافعي‪ :‬اجلد مبنزلة األب‪ ،‬واجلدة أم األم عند ابن وهب تقوم مقام األم‪ ،‬واألم‬
‫عنده تقوم مقام األب‪.‬‬

‫أنواع الهبات‬

‫و اهلبة منها ما هي هبة عني أي رقبة‪ ،‬ومنها ما هي هبة منفعة‪ .‬أي عوض وهبة العني منها‬
‫ما يقصد هبا الثواب‪ ،‬ومنها ما ال يقصد هبا الثواب‪ .‬واليت يقصد هبا الثواب منها ما يقصد‬
‫هبا وجه اهلل‪ ،‬ومنها ما يقصد به وجه املخلوق‪.‬‬

‫فأما الهبة لغير الثواب فال خالف يف جوازها‪ ،‬وإمنا اختلفوا يف أحكامها‪.‬‬

‫وأما هبة الثواب فاختلفوا فيها‪ ،‬فأجازها مالك وأبو حنيفة ؛ ومنعها الشافعي‪ ،‬وبه قال‬
‫داود وأبو ثور‪.‬‬

‫وسبب الخالف ‪:‬هل هي بيع جمهول الثمن أو ليس بيعا جمهول الثمن؟‬

‫فمن رآه بيعا جمهول الثمن قال ‪ :‬هو من بيوع الغرر اليت ال جتوز‪ ،‬ومن مل ير أهنا بيع‬
‫جمهول‪ ،‬قال‪ :‬جيوز ؛ قال ابن رشد ‪ :‬وكأن مالكا جعل العرف فيها مبنزلة الشرط ‪ ،‬وهو‬
‫ثواب مثلها‪.‬‬

‫إذا لم يرض الواهب بالثواب ما الحكم؟ فقيل تلزمه اهلبة إذا أعطاه املوهوب القيمة‪،‬‬
‫وقال عمر ال تلزمه إال أن يرضيه‪ ، ،‬فإذا اشرتط فيه الرضا فليس هنالك بيع انعقد‪ ،‬واألول‬
‫هو املشهور عن مالك‪.‬‬

‫وأما إذا ألزم القيمة فهنالك بيع انعقد‪،‬‬

‫‪220‬‬
‫وإمنا حيمل مالك اهلبة على الثواب إذا اختلفوا يف ذلك‪ ،‬وخصوصا إذا دلت قرينة احلال‬
‫على ذلك مثل أن يهب الفقري للغين‪ ،‬أو ملن يرى أنه إمنا قصد بذلك الثواب‪.‬‬

‫وأما هبات المنافع‪ :‬فمنها ما هي مؤجلة‪ ،‬وهذه تسمى عارية ومنحة وما أشبه ذلك‪،‬‬
‫ومنها ما يشرتط فيها ما بقيت حياة املوهوب له‪ ،‬وهذه تسمى العمرى‪ ،‬مثل أن يهب رجل‬
‫رجال سكىن دار حياته‪ ،‬وهذه اختلف العلماء فيها على ثالثة أقوال‪:‬‬

‫أحدها‪ :‬أهنا هبة مبتوتة‪ :‬أي أهنا هبة للرقبة‪ ،‬وبه قال الشافعي وأبو حنيفة‪ ،‬والثوري‪ ،‬وأمحد‬
‫ومجاعة‪.‬‬

‫والثاني‪ :‬أنه ليس للمعمر فيها إال املنفعة‪ ،‬فإذا مات عادت الرقبة للمعمر أو إىل ورثته‪ ،‬وبه‬
‫قال مالك وأصحابه‪،‬‬

‫والثالث‪ :‬وبه قال داود‪ ،‬وأبو ثور أنه إذا قال‪ :‬هي عمرى لك ولعقبك كانت الرقبة ملكا‬
‫للمعمر أو لورثته‪.،‬‬
‫للمعمر‪ ،‬فإذا مل يذكر العقب عادت الرقبة بعد موت املعمر َّ‬
‫ِّ‬
‫وسبب الخالف يف هذا الباب اختالف اآلثار‪ ،‬ومعارضة الشرط والعمل لألثر‪.‬‬

‫أما األثر ففي ذلك حديثان‪:‬‬

‫أحدمها متفق على صحته‪ ،‬وهو ما رواه مالك عن جابر أن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ -‬قال‪« :‬أميا رجل أعمر عمرى له ولعقبه فإهنا للذي يعطاها‪ ،‬ال ترجع إىل الذي‬
‫أعطاها أبدا ؛ألنه أعطى عطاء وقعت فيه املواريث» ‪.‬‬

‫واحلديث الثاين‪ :‬حديث أيب الزبري عن جابر قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬
‫«يا معشر األنصار أمسكوا عليكم أموالكم وال تعمروها ؛ فمن أعمر شيئا حياته فهو له‬

‫‪221‬‬
‫حياته ومماته» ‪ .‬وقد روي عن جابر بلفظ آخر‪« :‬ال تعمروا وال ترقبوا فمن أعمر شيئا أو‬
‫أرقبه فهو لورثته» ‪.‬‬

‫فحديث أيب الزبري عن جابر خمالف لشرط املعمر‪ .‬وحديث مالك عنه خمالف أيضا لشرط‬
‫املعمر‬

‫فمن غلب احلديث على الشرط قال حبديث أيب الزبري عن جابر‪ ،‬وحديث مالك عن‬
‫املعمر إن مل‬
‫جابر‪ ،‬ومن غلب الشرط قال بقول مالك‪ ،‬وأما من قال‪ :‬إن العمرى تعود إىل ِّ‬
‫يذكر العقب‪ ،‬وال تعود إن ذكر‪ ،‬فإنه أخذ بظاهر احلديث‪.‬‬

‫هبة االسكان إذا أتى بلفظ اإلسكان‪ ،‬فقال‪ :‬أسكنتك هذه الدار حياتك‪ ،‬فاجلمهور على‬
‫بالع َقب‪ ،‬ومالك سوى بني‬
‫ظ َ‬ ‫أن اإلسكان عندهم‪ ،‬أو اإلخدام خبالف العمرى‪ ،‬وإن ل َف َ‬
‫التعمري واإلسكان‪ .‬وكان احلسن وعطاء وقتادة‪ ،‬يسوون بني السكىن والتعمري يف أهنا ال‬
‫تنصرف إىل املسكن أبدا واحلق أن اإلسكان والتعمري هلما معىن واحد‪ ،‬وأنه جيب أن يكون‬
‫بالع يقب خمالفا له إذا مل يصرح بذكر العقب على ما ذهب إليه أهل‬
‫احلكم إذا صرح َ‬
‫الظاهر‪.‬‬

‫جواز االعتصار في الهبة وهو الرجوع فيها ‪ :‬فذهب مالك ومجهور علماء املدينة أن‬
‫لألب أن يعتصر ما وهبه البنه ما مل يتزوج االبن‪ ،‬أو مل يستحدث َدينا أو باجلملة ما مل‬
‫يرتتب عليه حق للغري‪ ،‬وأن لألم أيضا أن تعتصر ما وهبت إن كان األب حيا‪ ،‬وقد روي‬
‫عن مالك أهنا ال تعتصر‪.‬‬

‫وقال أمحد وأهل الظاهر‪ :‬ال جيوز ألحد أن يعتصر ما وهبه‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫وقال أبو حنيفة‪ :‬جيوز لكل أحد أن يعتصر ما وهبه إال ما وهب لذي حمرم حمرمة عليه‪.‬‬
‫وأمجعوا على أن اهلبة اليت يراد هبا الصدقة أنه ال جيوز ألحد الرجوع فيها‪.‬‬

‫وسبب الخالف في هذا الباب تعارض اآلثار‪.‬‬

‫فمن مل ير االعتصار أصال‪ :‬احتج بعموم احلديث الثابت‪ ،‬وهو قوله ‪ -‬عليه الصالة‬
‫والسالم ‪« :-‬العائد يف هبته كالكلب يعود يف قيئه» ‪.‬‬

‫ومن استثىن األبوين احتج حبديث طاوس أنه قال ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪« :-‬ال حيل‬
‫لواهب أن يرجع يف هبته إال الوالد» ‪ ،‬وقاس األم على الوالد‪ ،‬وقال الشافعي‪ :‬لو اتصل‬
‫حديث طاوس لقلت به‪ ،‬وقال غريه‪ :‬قد اتصل من طريق حسني املعلم‪ ،‬وهو ثقة‪.‬‬

‫وأما من أجاز االعتصار إال لذوي الرحم احملرمة‪ ،‬فاحتج مبا رواه مالك عن عمر بن‬
‫اخلطاب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أنه قال‪" :‬من وهب هبة لصلة رحم أو على جهة صدقة‪ ،‬فإنه‬
‫ال يرجع فيها‪ ،‬ومن وهب هبة يرى أنه إمنا أراد الثواب هبا فهو على هبته يرجع فيها إذا مل‬
‫يرض منها"‪ .‬قالوا‪ :‬وأيضا فإن األصل أن من وهب شيئا عن غري عوض أنه ال يقضي عليه‬
‫به كما لو وعد‪ ،‬إال ما اتفقوا عليه من اهلبة على وجه الصدقة‪.‬‬

‫من تصدق على ابنه فمات االبن بعد أن حازها فجمهور العلماء على أنه يرثها‪ .‬ويف‬
‫مرسالت مالك «أن رجال أنصاريا من اخلزرج تصدق على أبويه بصدقة فهلكا فورث‬
‫ابنهما املال وهو خنل‪ ،‬فسأل عن ذلك النِب ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬فقال‪ " :‬قد أجرت‬
‫يف صدقتك‪ ،‬وخذها مبرياثك» وخرج أبو داود أن امرأة أتت رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ -‬فقالت‪« :‬كنت قد تصدقت على أمي بوليدة‪ ،‬وإهنا ماتت وتركت تلك الوليدة‪،‬‬
‫فقال ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ :-‬وجب أجرك ورجعت إليك باملرياث» ‪.‬‬

‫‪223‬‬
‫وقال أهل الظاهر‪ :‬ال جيوز االعتصار ألحد لعموم قوله ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬لعمر‪:‬‬
‫«ال تشرته"‪ ،‬يف الفرس الذي تصدق به‪ ،‬فإن العائد يف هبته كالكلب يعود يف قيئه»‬
‫واحلديث متفق على صحته‪.‬‬

‫قال القاضي‪ :‬والرجوع يف اهلبة ليس من حماسن األخالق‪ ،‬والشارع ‪ -‬عليه الصالة والسالم‬
‫‪ -‬إمنا بعث ليتمم حماسن األخالق‪.‬‬

‫‪ 15‬الوصية‬

‫الوصية ‪ :‬لغة ‪ :‬مشتقة من وصيت الشيء بالشيء إذا وصلته‪ ،‬كأن املوصي ملا أوصى هبا‬
‫وصل ما بعد املوت مبا قبله يف نفوذ التصرف ‪،‬‬

‫واصطالحا قال ابن عرفة هي يف عرف الفقهاء ال الفراض "عقد يوجب حقا يف ثلث‬
‫عاقده يلزم مبوته أو نيابة عنه بعده "‬

‫واألركان أربعة‪ :‬الموصي‪ ،‬والموصى له‪ ،‬والموصى به‪ ،‬والصيغة‬

‫‪ -1‬أما الموصي ‪:‬‬

‫فاتفقوا على أنه كل مالك صحيح امللك‪ ،‬ويصح عند مالك وصية السفيه والصِب الذي‬
‫يعقل‪ ،‬وقال أبو حنيفة ال جتوز وصية الصِب الذي مل يبلغ‪ ،‬وعن الشافعي القوالن وكذلك‬
‫وصية الكافر تصح عندهم إذا مل يوص مبحرم‪.‬‬

‫‪224‬‬
‫‪ -2‬وأما الموصى له ‪:‬‬

‫فإهنم اتفقوا على أن الوصية ال جتوز لوارث لقوله ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪« :-‬ال وصية‬
‫لوارث» ‪،‬‬

‫واختلفوا هل جتوز لغري القرابة؟ فقال مجهور العلماء‪ :‬إهنا جتوز لغري األقربني مع الكراهية‪،‬‬
‫وقال احلسن‪ ،‬وطاوس‪ :‬ترد الوصية على القرابة‪ ،‬وبه قال إسحاق‪.‬‬

‫وحجة هدالء ظاهر قوله تعاىل‪{ :‬الوصية للوالدين واألقربني} واأللف والالم تقتضي احلصر‪.‬‬

‫واحتج اجلمهور حبديث عمران بن حصني املشهور وهو «أن رجال أعتق ستة أعبد له يف‬
‫مرضه عند موته‪ ،‬ال مال له غريهم‪ ،‬فأقرع رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬بينهم‪،‬‬
‫وأرق أربعة» والعبيد غري القرابة‪.‬‬

‫‪-‬إذا أجاز الورثة الوصية لوارث‬

‫وأمجعوا ‪ -‬أهنا ال جتوز لوارث إذا مل جيزها الورثة‪.‬‬

‫واختلفوا ‪ -‬إذا أجازهتا الورثة‪ ،‬فقال اجلمهور‪ :‬جتوز‪ ،‬وقال أهل الظاهر واملزين‪ :‬ال جتوز‪.‬‬

‫وسبب اخلالف هل املنع لعلة الورثة أو عبادة؟ فمن قال عبادة قال‪ :‬ال جتوز وإن أجازها‬
‫الورثة‪ ،‬ومن قال بالبيع حلق الورثة أجازها إذا أجازها الورثة‪.‬‬

‫وتردد هذا اخلالف راجع إىل تردد املفهوم من قوله ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪« :-‬ال وصية‬
‫لوارث» هل هو معقول املعىن أم ليس مبعقول؟‬

‫الوصية للميت واختلفوا فيها ‪ ،‬فقال قوم‪ :‬تبطل مبوت املوصى له‪ ،‬وهم اجلمهور؛ وقال‬
‫قوم‪ :‬ال تبطل‪.‬‬

‫‪225‬‬
‫الوصية للقاتل خطأ وعمدا‪ .‬إذا أذن الورثة للميت هل هلم أن يرجعوا يف ذلك بعد موته؟‬
‫فقيل هلم‪ ،‬وقيل ليس هلم‪ ،‬وقيل بالفرق بني أن يكون الورثة يف عيال امليت أو ال يكونوا‪،‬‬
‫أعين أهنم إن كانوا يف عياله كان هلم الرجوع‪ ،‬و األقوال ثالثة يف املذهب‬

‫الموصى به والنظر في جنسه وقدره ‪:‬‬

‫‪ -‬أما جنسه‪ :‬فإهنم اتفقوا على جواز الوصية يف الرقاب‪،‬‬

‫واختلفوا يف املنافع‪ ،‬فقال مجهور فقهاء األمصار‪ :‬ذلك جائز‪ ،‬وقال ابن أيب ليلى وابن‬
‫شربمة‪ ،‬وأهل الظاهر‪ :‬الوصية باملنافع باطلة‪.‬‬

‫وعمدة اجلمهور أن املنافع يف معىن األموال‪.‬‬

‫وعمدة الطائفة الثانية أن املنافع منتقلة إىل ملك الورثة ؛ ألن امليت ال ملك له فال تصح له‬
‫وصية مبا يوجد يف ملك غريه‪ ،‬وإىل هذا القول ذهب أبو عمر بن عبد الرب‪.‬‬

‫وأما القدر‪ :‬فإن العلماء اتفقوا على أنه ال جتوز الوصية يف أكثر من الثلث ملن ترك ورثة‪.‬‬

‫واختلفوا فيمن مل يرتك ورثة ‪ ،‬ويف القدر املستحب منها‪ ،‬هل هو الثلث أو دونه؟‬

‫وإمنا صار اجلميع إىل أن الوصية ال جتوز يف أكثر من الثلث ملن له وارث مبا ثبت عنه ‪-‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪« -‬أنه عاد سعد بن أيب وقاص‪ ،‬قال له يا رسول اهلل‪ :‬قد بلغ مين‬
‫الوجع ما ترى وأنا ذو مال وال يرثين إال ابنة يل‪ ،‬أفأتصدق بثلثي مايل؟ فقال له رسول اهلل‬
‫‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ :-‬ال‪ ،‬فقال له سعد‪ :‬فالشطر؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬مث قال رسول اهلل ‪-‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ :-‬الثلث والثلث كثري إنك أن تذر ورثتك أغنياء خري من أن تذرهم‬
‫عالة يتكففون الناس» ‪ ،‬فصار الناس ملكان هذا احلديث إىل أن الوصية ال جتوز بأكثر من‬
‫الثلث‪.‬‬

‫‪226‬‬
‫المستحب في مقدار الوصية‬

‫واختلفوا فيه فذهب قوم إىل أنه ما دون الثلث‪ ،‬لقوله ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬يف هذا‬
‫احلديث‪« :‬والثلث كثري» ‪ ،‬وقال هبذا كثري من السلف‪ .‬قال قتادة‪ :‬أوصى أبو بكر‬
‫باخلمس‪ ،‬وأوصى عمر بالربع‪ ،‬واخلمس أحب إيل‪.‬‬

‫وأما من ذهب إىل أن املستحب هو الثلث فإهنم اعتمدوا على ما روي عن النِب ‪ -‬صلى‬
‫اهلل عليه وسلم ‪ -‬أنه قال‪« :‬إن اهلل جعل لكم يف الوصية ثلث أموالكم زيادة يف أعمالكم»‬
‫وهذا احلديث ضعيف عند أهل احلديث‪.‬‬

‫وثبت عن ابن عباس أنه قال‪ :‬لو غض الناس يف الوصية من الثلث إىل الربع لكان أحب‬
‫إيل ؛ ألن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪« :‬الثلث والثلث كثري» ‪.‬‬

‫وأما اختالفهم في جواز الوصية بأكثر من الثلث لمن ال وارث له‪ ،‬فإن مالكا ال جييز‬
‫ذلك واألوزاعي‪ ،‬واختلف فيه قول أمحد‪،‬‬

‫وأجاز ذلك أبو حنيفة وإسحاق‪ ،‬وهو قول ابن مسعود‪.‬‬

‫وسبب اخلالف هل هذا احلكم خاص بالعلة اليت علله هبا الشارع أم ليس خباص‪ ،‬وهو أن‬
‫ال يرتك ورثته عالة يتكففون الناس‪ ،‬كما قال ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪« :-‬إنك أن تذر‬
‫ورثتك أغنياء خري من أن تذرهم عالة يتكففون الناس» فمن جعل هذا السبب خاصا‬
‫وجب أن يرتفع احلكم بارتفاع هذه العلة‪ ،‬ومن جعل احلكم عبادة وإن كان قد علل بعلة‪،‬‬
‫أو جعل مجيع املسلمني يف هذا املعىن مبنزلة الورثة‪ ،‬قال‪ :‬ال جتوز الوصية بإطالق بأكثر من‬
‫الثلث‪.‬‬

‫‪227‬‬
‫القول في المعنى الذي يدل عليه لفظ الوصية ‪ ،‬والوصية باجلملة هي هبة الرجل ماله‬
‫لشخص آخر‪ ،‬أو ألشخاص بعد موته‪ ،‬أو عتق غالمه سواء صرح بلفظ الوصية أو مل‬
‫يصرح به‪ ،‬وهذا العقد هو من العقود اجلائزة باتفاق ونعين أن للموصي أن يرجع فيما أوصى‬
‫به إال املدبر فإهنم اختلفوا فيه ‪.‬‬

‫متى تجب الوصية للموصى له‪.‬‬

‫وأجمعوا على أنه ال يجب للموصى له إال بعد موت الموصي‪.‬‬

‫واختلفوا يف قبول املوصى له هل هو شرط يف صحتها أم ال؟‬

‫فقال مالك‪ :‬قبول املوصى له إياها شرط يف صحة الوصية‪ ،‬وروي عن الشافعي أنه ليس‬
‫القبول شرطا يف صحتها‪ ،‬ومالك شبهها باهلبة‪.‬‬

‫حكم من أوصى لرجل بالثلث ‪ ،‬وعين ما هو الثلث‪ ،‬فقال الورثة‪ :‬هو أكثر من الثلث‪،‬‬

‫فقال مالك‪ :‬الورثة خمريون بني أن يعطوه ذلك الذي عينه املوصي أو يعطوه الثلث من‬
‫مجيع مال امليت‪ ،‬وخالفه يف ذلك أبو حنيفة‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأبو ثور‪ ،‬وأمحد‪ ،‬وداود‪.‬‬

‫وعمدهتم أن الوصية قد وجبت للموصى له مبوت املوصي وقبوله إياها باتفاق‪ ،‬فكيف ينقل‬
‫عن ملكه ما وجب له بغري طيب نفس منه‪ ،‬وتغري الوصية‪.‬‬

‫وعمدة مالك إمكان صدق الورثة فيما ادعوه‪ ،‬وما أحسن ما رأى أبو عمر بن عبد الرب‬
‫يف هذه املسألة‪ ،‬وذلك أنه قال‪ :‬إذا ادعى الورثة ذلك كلفوا بيان ما ادعوا‪ ،‬فإن ثبت ذلك‬
‫أخذ منه املوصى له قدر الثلث من ذلك الشيء املوصى به‪ ،‬وكان شريكا للورثة‪ ،‬وإن كان‬
‫الثلث فأقل جربوا على إخراجه‪.‬‬

‫‪228‬‬
‫وإذا لم يختلفوا أنه فوق الثلث ولم يردوا إعطاءه بعينه ‪ ،‬فعند مالك أن الورثة خمريون‬
‫بني أن يدفعوا إليه ما أوصى له به‪ ،‬أو يفرجوا له عن مجيع ثلث مال امليت‪ ،‬إما يف ذلك‬
‫الشيء بعينه‪ ،‬وإما يف مجيع املال على اختالف الرواية عن مالك يف ذلك‪.‬‬

‫وقال أبو حنيفة والشافعي‪ :‬له ثلث تلك العني ويكون بباقيه شريكا للورثة يف مجيع ما ترك‬
‫امليت حىت يستويف متام الثلث‪.‬‬

‫وسبب الخالف أن الميت لما تعدى في أن جعل وصيته في شيء بعينه‪ ،‬فهل األعدل‬
‫في حق الورثة أن يخيروا بين إمضاء الوصية أو يفرجوا له إلى غاية ما يجوز للميت أن‬
‫يخرج عنهم من ماله ‪ ،‬أو يبطل التعدي ويعود ذلك الحق مشتركا‪ ،‬وهذا هو األولى‬
‫إذا قلنا‪ :‬إن التعدي هو يف التعيني لكونه أكثر من الثلث (أعين‪ :‬أن الواجب أن يسقط‬
‫التعيني) وأما أن يكلف الورثة أن ميضوا التعيني أو يتخلوا عن مجيع الثلث فهو محل عليهم‪.‬‬

‫فيمن وجبت عليه زكاة فمات ولم يوص بها فهل هي من الثلث‪ ،‬أو من رأس المال؟‬

‫اختلفوا ‪ :‬فقال مالك‪ :‬إذا مل يوص هبا مل يلزم الورثة إخراجها‪ ،‬وقال الشافعي‪ :‬يلزم الورثة‬
‫إخراجها من رأس املال‪.‬‬

‫وإذا وصى‪ ،‬فعند مالك يلزم الورثة إخراجها وهي عنده من الثلث‪ ،‬وهي عند الشافعي‬
‫يف الوجهني من رأس املال شبهها بالدين لقول رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪« -‬فدين‬
‫اهلل أحق أن يقضى» ‪ ،‬وكذلك الكفارات الواجبة‪ ،‬واحلج الواجب عنده‪ ،‬ومالك جيعلها من‬
‫جنس الوصايا بالتوصية بإخراجها بعد املوت‪ ،‬وال خالف أنه لو أخرجها يف احلياة أهنا من‬
‫رأس املال ولو كان يف السياق‪.‬‬

‫‪229‬‬
‫وكأن مالكا اتهمه هنا على الورثة (أعني‪ :‬في توصيته بإخراجها) ‪ ،‬قال‪ :‬ولو أجيز هذا‬
‫لجاز لإلنسان أن يؤخر جميع زكاته طول عمره حتى إذا دنا من الموت وصى بها‪.‬‬

‫فإذا زاحمت الوصايا الزكاة قدمت عند مالك على ما هو أضعف منها‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪:‬‬
‫هي وسائر الوصايا سواء‪ ،‬يريد يف احملاصة‪.‬‬

‫واتفق مالك ومجيع أصحابه على أن الوصايا اليت يضيق عنها الثلث إذا كانت مستوية أهنا‬
‫تتحاص يف الثلث‪ ،‬وإذا كان بعضها أهم من بعض قدم األهم‪ .‬واختلفوا يف الرتتيب على ما‬
‫هو مسطور يف كتبهم‪.‬‬

‫ومن مسائلهم الحسابية المشهورة في هذا الباب‪ ،‬إذا أوصى لرجل بنصف ماله وآلخر‬
‫بثلثيه ‪ ،‬ورد الورثة الزائد‪،‬‬

‫فعند مالك والشافعي أهنما يقتسمان الثلث بينهما أمخاسا‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬بل يقتسمان‬
‫الثلث بالسوية‪ .‬وسبب اخلالف هل الزائد على الثلث الساقط هل يسقط االعتبار به يف‬
‫القسمة كما يسقط يف نفسه بإسقاط الورثة؟ فمن قال يبطل يف نفسه ‪ ،‬وال يبطل االعتبار‬
‫به يف القسمة إذ كان مشاعا قال‪ :‬يقتسمون املال أمخاسا‪ ،‬ومن قال يبطل االعتبار به كما‬
‫لو كان معينا قال‪ :‬يقتسمون الباقي على السواء‪.‬‬

‫إذا أوصى بجزء من ماله وله مال يعلم به ‪،‬ومال ال يعلم به‪،‬‬

‫فعند مالك أن الوصية تكون فيما علم به دون ما مل يعلم‪ ،‬وعند الشافعي تكون يف املالني‪.‬‬

‫وسبب الخالف هل اسم المال الذي نطق به يتضمن ما علم وما لم يعلم‪ ،‬أو ما علم‬
‫فقط؟ والمشهور عن مالك أن المدبر يكون في المالين إذا لم يخرج من المال الذي‬
‫يعلم‪.‬‬

‫‪230‬‬
‫فهرس الموضوعات‬

‫القسمة ‪1...................................‬‬
‫مسألة‪ :‬مشروعية القسمة‪ :‬الكتاب والسنة واإلجماع و المعقول ‪1..............‬‬
‫مسألة‪ :‬األركان القاسم‪ ،‬والمقسوم عليه‪ ،‬والقسمة ‪2...............................‬‬
‫أوال‪ :‬القاسم ‪2...............................................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬المقسوم عليه‪2.................................................................... .‬‬
‫ثالثا‪ :‬القسمة ‪2..............................................................................‬‬
‫أنواع القسمة‪2............................................................................ .‬‬
‫قسمة رقاب األموال ‪2.......................................................................‬‬
‫‪ - 1‬قسمة قرعة بعد تقويم‪ ،‬وتعديل‪3.................................................. .‬‬
‫‪ - 2‬وقسمة مراضاة بعد تقويم وتعديل‪3.................................................‬‬
‫‪ - 3‬وقسمة مراضاة بغير تقويم وال تعديل‪4.............................................‬‬
‫والرقاب تنقسم إلى ثالثة أقسام‪5........................................................:‬‬
‫أحكام قسمة الرباع واألصول‪5........................................................... :‬‬
‫النوع األول‪ :‬االنقسام الذي يصلح معه االنتفاع‪6.....................................:‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬االنقسام الذي ال يصلح معه االنتفاع‪6.................................:‬‬
‫اختلفوا من هذا الباب فيما إذا قسم انتقلت منفعته إلى منفعة أخرى مثل الحمام‪7..‬‬
‫قسمة الرباع واألصول ذوات المحل المتعدد‪7.........................................‬‬
‫حكم قسمة الحوائط المثمرة‪8........................................................... :‬‬

‫‪231‬‬
‫صفة القسم بالقرعة‪8..................................................................... :‬‬
‫في العروض والحيوان‪9................................................................. ،‬‬
‫العروض ذوات الجنس الواحد‪9........................................................ :‬‬
‫العروض ذوات الجنس المتعدد‪9........................................................ :‬‬
‫ضابط الصنف الواحد عند مالك وأصحابه‪11.........................................:‬‬
‫في أحكام قسمة المكيل أو الموزون‪11.................................................:‬‬
‫قسمة المنافع‪12............................................................................ .‬‬
‫القول في األحكام القسمة ‪13............................................................. :‬‬
‫والطوارئ ثالثة‪ :‬غبن‪ ،‬أو وجود عيب‪ ،‬أو استحقاق‪13..............................‬‬

‫كتاب الثاني الرهن ‪16.......................................‬‬


‫تعريف الرهن ‪16............................................................................‬‬
‫األركان الرهن ‪16 .........................................................................‬‬
‫الركن األول‪ :‬الراهن‪16 .............................................................. :‬‬
‫الذي أحاط الدين بماله هل يجوز رهنه؟ ‪16............................................‬‬
‫الركن الثاني ‪:‬وهو الرهن ‪16 ........................................................ :‬‬
‫شروط الرهن عند الشافعية ‪16 .........................................................‬‬
‫ما ال يحل بيعه في وقت االرتهان هل يجوز أم ال؟‪17................................‬‬
‫رهن ما لم يتعين وهل من شرط الرهن أن يكون ملكا للراهن؟‪17.................‬‬
‫إذا قبض المرتهن الرهن بغصب‪ ،‬هل ينقل إلى ضمان الرهن؟ ‪17................‬‬

‫‪232‬‬
‫رهن المشاع‪17................................................................ ......... :‬‬
‫الركن الثالث‪( :‬وهو الشيء المرهون فيه) ‪ :‬وهو الدين‪18.........................‬‬
‫شروط الشافعية‪ :‬في المرهون فيه ‪19..................................................‬‬
‫الشروط الرهن المنطوق بها في الشرع ضربان‪ :‬شروط صحة‪ ،‬وشروط فساد‪21‬‬
‫هل من شرط صحة الرهن استدامة القبض أم ال؟‪21.................................‬‬
‫هل الرهن جائز في الحضر أم ال؟‪21......................................................‬‬
‫وأما الشرط المحرم الممنوع بالنص ‪21...................................................‬‬
‫حقوق المرتهن في الرهن‪21....................................................... ....:‬‬
‫هل يتعلق الرهن بالمرهون فيه كامال أم ببعضه؟‪21....................................‬‬
‫النماء الرهن المنفصل هل يدخل في الرهن؟‪21.........................................‬‬
‫هل للمرتهن أن ينتفع بشيء من الرهن؟‪23..............................................‬‬
‫من يضمن الرهن إذا هلك؟ ‪23.............................................................‬‬
‫هل يجوز للراهن بيع العين المرهونة وهي تحت يد المرتهن؟‪24....................‬‬
‫وأما اختالف الراهن‪ ،‬والمرتهن في قدر الحق الذي وجب به الرهن‪25.............:‬‬
‫وأما إذا تلف الرهن‪ ،‬واختلفوا في صفته‪25.............................................. :‬‬

‫كتاب الحجر ‪26.....................................‬‬


‫الباب األول في أصناف المحجورين ‪26....................................................‬‬
‫من يجب عليهم الحجر ‪26....................................................................‬‬
‫اختلف العلماء في الحجر على العقالء الكبار إذا ظهر منهم تبذير ألموالهم‪26...:‬‬
‫المسألة الثالثة ‪ :‬في أصناف المحجورين عند مالك‪28.................................‬‬

‫‪233‬‬
‫الباب الثاني‪ :‬متى يخرجون من الحجر‪ ،‬ومتى يحجر عليهم‪ ،‬وبأي شروط‬
‫يخرجون؟ ‪28...................................................................................‬‬
‫المسألة الرابعة ‪ :‬في وقت خروج الصغار عن الحجر‪28.............................:‬‬
‫الذكور الصغار ذوو اآلباء‪29..............................................................‬‬
‫وأما اختالفهم في الرشد ما هو؟ ‪29....................................................‬‬
‫اإلناث الصغار ذوو اآلباء ‪29...............................................................‬‬
‫إذا بلغ ولم يعلم سفهه من رشده ‪31.......................................................‬‬
‫في وقت خروج الموصى عليهم عن الحجر‪31........................................:‬‬
‫المحجور عليهم ذوو األوصياء ‪31.................................................... :‬‬
‫حال البكر مع الوصي كحال الذكر‪31......................................................‬‬
‫في حكم المهمل من الذكور والنساء‪32................................................ .‬‬
‫في معرفة أحكام أفعال المحجورين في الرد واإلجازة‪32.............................‬‬
‫حكم تصرف الصغار الذين لم يبلغوا الحلم من الرجال‪ ،‬وال المحيض من النساء‪32‬‬
‫حكم تصرفات السفيه البالغ‪33............................................................ :‬‬
‫حكم وصيته‪33.............................................................................. :‬‬
‫ما يفعله السفيه بعوض‪34................................................................ :‬‬
‫أفعال المحجورين‪ ،‬أو المهملين على مذهب مالك‪ :‬تنقسم إلى أربع أحوال‪34.....:‬‬

‫التفليس ‪35...................................................‬‬
‫إذا استغرق الدين مال المدين ‪35...............................................................‬‬

‫‪234‬‬
‫في ماذا يحجر عليه‪ ،‬وبأي ديون تكون المحاصة في ماله ‪ ،‬وفي أي شيء من ماله تكون‬
‫المحاصة؟ وكيف تكون؟ ‪36....................................................................‬‬
‫هل ديون المفلس المؤجلة هل تحل بالتفليس أم ال؟ ‪37...................................‬‬
‫‪.‬المسألة الرابعة‪ :‬فيما يرجع به أصحاب الديون من مال المفلس‪37..................:‬‬
‫إذا قبض البائع بعض الثمن‪39............................................................... :‬‬
‫الموت هل حكمه حكم الفلس ؟ ‪39..............................................................‬‬
‫من وجد سلعته بعينها عند المفلس‪ ،‬وقد أحدث زيادة‪41..................................‬‬
‫وتحصيل مذهب مالك فيما يكون الغريم به أحق من سائر الغرماء في الموت والفلس‪،‬‬
‫أو في الفلس دون الموت‪41........................................................ ...........:‬‬
‫في مقدار ما يترك للمفلس من ماله ‪42.......................................................‬‬
‫في معرفة الديون التي يحاص بها من الديون التي ال يحاص بها على مذهب مالك ‪42...‬‬
‫واختلفوا من هذا الباب في فرع طارئ‪ ،‬وهو إذا هلك مال المحجور عليه بعد الحجر‬
‫وقبل قبض الغرماء‪ :‬ممن مصيبته؟ ‪44....................................................‬‬
‫المفلس الذي ال مال له أصال ‪44...............................................................‬‬
‫المدين إذا ادعى الفلس‪ ،‬ولم يعلم صدقه ‪44................................................‬‬
‫والمحجورون عند مالك ‪45......................................................................‬‬

‫‪ 5‬الصلح‪46...............................................‬‬
‫تعريف الصلح ‪46.............................................................................‬‬
‫واتفق المسلمون على جوازه على اإلقرار‪46...........................................‬‬
‫واختلفوا في جوازه على اإلنكار‪46.....................................................:‬‬

‫‪235‬‬
‫وأما الصلح على اإلنكار‪47................................................................ :‬‬
‫أما كراهيته ‪47.................................................................................‬‬
‫وأما وجه جوازه ‪47..........................................................................‬‬

‫‪ 6‬الكفالة ‪48.........................................‬‬
‫الكفالة بالمال ‪48 ..............................................................................‬‬
‫الكفالة بالنفس ‪48 ..........................................................................‬‬
‫الحكم الالزم عن الكفالة ‪48 ...............................................................‬‬
‫إذا غاب المتحمل عنه؛ ما حكم الحميل بالوجه ‪48 ....................................‬‬
‫إذا اشترط الوجه دون المال وصرح بالشرط ‪49.....................................‬‬
‫إذا حضر الضامن والمضمون وكالهما موسر ‪49 ...................................‬‬
‫محل الكفالة ‪49 ............................................................................‬‬
‫وقت وجوب مطالبة الكفالة بالمال ‪49 ..................................................‬‬
‫وقت وجوب الكفالة بالوجه ‪49 ...........................................................‬‬
‫أصناف المضمونين ‪49 ....................................................................‬‬
‫شروط الكفالة ‪51...........................................................................‬‬
‫ما تجوز فيه الحمالة بالمال مما ال تجوز ‪51..........................................‬‬

‫‪ 7‬الحوالة ‪51..............................................‬‬
‫تعريف الحوال ‪51...................................................................................‬‬

‫‪236‬‬
‫رضا من يعتبر في الحوالة ‪51....................................................................‬‬
‫الشروط التي اتفق عليها ‪51......................................................................‬‬
‫وللحوالة عند مالك ثالثة شروط‪51............................................................ :‬‬
‫أحكامها‪52......................................................................................... :‬‬

‫الوكالة ‪52..............................................‬‬
‫تعريف الوكالة ‪52 ............................................................................‬‬
‫الباب األول‪ :‬في أركانها‪ ،‬وهي النظر فيما فيه التوكيل‪ ،‬وفي الموكل‪52 ..............‬‬
‫الركن األول‪ :‬في الموكل‪52 ................................................................ .‬‬
‫الركن الثاني‪ :‬في الوكيل ‪53..................................................................‬‬
‫الركن الثالث‪ :‬فما فيه التوكيل‪53.......................................................... .‬‬
‫شرط محل التوكيل ‪54.........................................................................‬‬
‫ماال يصح فيه التوكيل ‪54......................................................................‬‬
‫الركن الرابع‪ :‬الوكالة ‪54....................................................................‬‬
‫الباب الثاني‪ :‬في أحكام الوكالة‪54.......................................................... .‬‬
‫األحكام‪ :‬فمنها أحكام العقد‪ ،‬ومنها أحكام فعل الوكيل‪54................................‬‬
‫متى يكون الوكيل معزوال ؟ ‪55...............................................................‬‬
‫أحكام الوكيل ‪55...............................................................................‬‬
‫إذا وكل على بيع شيء هل يجوز له أن يشتريه لنفسه؟ ‪55...........................‬‬
‫إذا وكله في البيع وكالة مطلقة ‪56.........................................................‬‬
‫وإذا اشترى الوكيل شيئا وأعلم أن الشراء للموكل ‪56 ..................................‬‬

‫‪237‬‬
‫الباب الثالث في مخالفة الموكل للوكيل‪56 ................................................‬‬
‫اختالف الوكيل مع الموكل‪56 ........................................................... ،‬‬
‫إذا اختلفا في ضياع المال‪56 ............................................................... ،‬‬
‫إذا اختلفا في الدفع‪57....................................................................... ،‬‬
‫اختالفهم في مقدار الثمن الذي به أمره بالشراء‪57 ................................... ،‬‬
‫اختالفهم في مقدار الثمن الذي أمره به في البيع‪57 ................................... ،‬‬
‫إذا اختلفا فيمن أمره بالدفع ‪57 ..............................................................‬‬
‫إذا فعل الوكيل فعال هو تعد ‪57 ...............................................................‬‬

‫كتاب اللقطة ‪58........................................‬‬ ‫‪9‬‬


‫تعريفها ‪58 .......................................................................................‬‬
‫واألركان ثالثة‪ :‬االلتقاط‪ ،‬والملتقط‪ ،‬واللقطة‪58 ...........................................‬‬
‫‪ 1‬االلتقاط فاختلف العلماء هل هو أفضل أم الترك؟‪58....................................‬‬
‫لقطة الحاج ‪59..................................................................................‬‬
‫الملتقط‪59 ....................................................................................... :‬‬
‫األصل في اللقطة ‪59 ............................................................................‬‬
‫أحكام اللقطة‪ :‬ومدتها ‪ 59 ........................................................................‬حكم‬
‫التعريف بها ‪59.. ..........................................................................‬‬
‫واختلفوا في الغني هل له أن يأكلها أو ينفقها بعد الحول؟ ‪61............................‬‬
‫‪ -2‬وأما حكم دفع اللقطة لمن ادعاها ‪61.....................................................‬‬
‫هل البد من صفة الدنانير وعددها؟ ‪61........................................................‬‬
‫‪ -3‬واختلفوا إن نقص من العدد على قولين ‪62.............................................‬‬

‫‪238‬‬
‫هل البد من يمين صاحب اللقطة ‪62 ...........................................................‬‬
‫‪ -5‬وأما ضالة الغنم ‪62 .........................................................................‬‬
‫أقسام اللقطة عند مالك ‪62 ......................................................................‬‬
‫‪ -6‬وأما ضمانها ‪64........................................................................... ،‬‬
‫وتحصيل المذهب في ذلك أن واجد اللقطة عند مالك ال يخلو التقاطه لها من ثالثة أوجه‪:‬‬
‫‪64.........................................................................................‬‬
‫أحدها‪ :‬أن يأخذها على جهة االغتيال لها‪65...............................................‬‬
‫والثاني‪ :‬أن يأخذها على جهة االلتقاط‪65 .................................................. .‬‬
‫والثالث‪ :‬أن يأخذها ال على جهة االلتقاط وال على جهة االغتيال‪65 ................. .‬‬
‫واختلفوا هل يرجع الملتقط بما أنفق على اللقطة على صاحبها أم ال؟ ‪65 ............‬‬
‫باب في اللقيط‪65 .............................................................................. .‬‬
‫قول في وجوب االشهاد على اللقيط ‪65 ......................................................‬‬

‫‪ 11‬الوديعة ‪67...............................................‬‬
‫تعريفها ‪67.........................................................................................‬‬
‫أحكام الوديعة ‪67.................................................................................‬‬
‫هل هي أمانة مضمونة أم ال؟ ‪67..............................................................‬‬
‫من دفعها إلى غير اليد التي دفعتها إليه ‪68...............................................‬‬
‫فإن أقر المدفوع إليه بالوديعة ‪68..........................................................‬‬
‫إذا أودعها بشرط الضمان ‪69................................................................‬‬
‫إذا أنفق الوديعة‪ ،‬ثم رد مثلها‪ ،‬أو أخرجها لنفقته ثم ردها ‪69........................‬‬

‫‪239‬‬
‫إذا سافر بها ‪71...............................................................................‬‬
‫ليس للمودع عنده أن يودع الوديعة غيره من غير عذر ‪71.........................‬‬
‫ويختلف في المذهب في ضمانها بالنسيان ‪71...........................................‬‬
‫وقبول الوديعة عند مالك ال يجب في حال ‪71...........................................‬‬
‫فيمن أودع ماال فتعدى فيه واتجر به فربح فيه‪ ،‬هل ذلك الربح حالل له أم ال؟‪71.‬‬

‫‪ 11‬العارية‪72..................................................‬‬
‫تعريفها ‪72 .........................................................................................‬‬
‫وأركانها خمسة‪ :‬اإلعارة‪ ،‬والمعير‪ ،‬والمستعير‪ ،‬والمعار‪ ،‬والصيغة‪72 ..............‬‬
‫‪ -1‬اإلعارة ‪72 ...................................................................................‬‬
‫‪ -2‬المعير ‪72 .....................................................................................‬‬
‫‪ -3‬العارية ‪72 ....................................................................................‬‬
‫‪ -4‬صيغة اإلعارة ‪72 ...........................................................................‬‬
‫هل هي عقد جائز أم الزم؟‪72..................................................................‬‬
‫‪ -1‬هل هي مضمونة أو أمانة؟ ‪73............................................................‬‬
‫واتفقوا في اإلجارة على أنها غير مضمونة ‪73............................................‬‬
‫‪ -2‬واختلفوا إذا شرط الضمان ؟‪74............................................................‬‬
‫‪ -3‬إذا غرس المستعير وبنى ثم انقضت المدة التي استعار إليها‪74....................‬‬
‫‪ -4‬واختلفوا من هذا الباب في الرجل يسأل جاره أن يعيره جداره ليغرز فيه‬
‫خشبة لمنفعته وال تضر صاحب الجدار ‪75..................................................‬‬

‫‪240‬‬
‫كتاب الغصب ‪76.......................................................‬‬
‫تعرفه ‪76............................................................................................‬‬
‫واختلفوا في السبب الذي يحصل بمباشرته الضمان إذا تناول التلف بواسطة‬
‫سبب آخر‪ ،‬هل يحصل به ضمان أم ال؟ ‪76...................................................‬‬
‫ما يجب فيه الضمان فهو ما أتلفت عينه أو تلفت عند الغاصب عينه ‪77.............‬‬

‫واختلفوا فيما ال ينقل وال يحول مثل العقار ‪77..............................................‬‬


‫الواجب في الغصب ‪77..........................................................................‬‬
‫واختلفوا في العروض ‪77......................................................................‬‬
‫والطوارئ على المغصوب إما بزيادة وإما بنقصان‪78................................... ،‬‬
‫الجناية على العين من غير أن يغصبها غاصب‪79........................................ ،‬‬
‫أما النماء فإنه على قسمين‪79................................................................ :‬‬
‫حكم غلته‪ ،‬فاختلف في ذلك في المذهب على قولين‪82..................................:‬‬
‫فأما ما كان على خلقته وصورته ‪83.........................................................‬‬
‫وأما ما اغتل منها بتصريفها وتحويل عينها‪ ،‬كالدنانير فيغتصبها فيتجر بها‬
‫فيربح ‪84...........................................................................................‬‬
‫من اغترس نخال أو ثمرا بالجملة وبنيانا في غير أرضه‪85.............................‬‬
‫القضاء فيما أفسدته المواشي والدواب ‪86................................................‬‬
‫ما يصاب من أعضاء الحيوان ‪87............................................................‬‬
‫الجمل الصئول وما أشبهه يخاف الرجل على نفسه فيقتله‪88.........................‬‬
‫المكرهة على الزنا‪ ،‬هل على مكرهها مع الحد صداق أم ال؟‪89.......................‬‬

‫‪241‬‬
‫من غصب أسطوانة فبنى عليها بناء يساوي قائما أضعاف قيمة األسطوانة‪89....،‬‬

‫االستحقاق‪91...............................................‬‬ ‫‪13‬‬
‫تعريفه ‪91 ..........................................................................................‬‬
‫أنواع اإلستحقاق ‪91 ............................................................................‬‬
‫إذا لم يتغير الشيء المستحق ‪91 .............................................................‬‬
‫المستحق إما بزيادة أو نقصان‪91......................................‬‬
‫َ‬ ‫فإن تغير الشيء‬
‫غلة الشيء المستحق ‪91....................................................................‬‬
‫من أي وقت تصح الغلة للمستحق؟ ‪92 ....................................................‬‬
‫كراء األرض إذا استحقت ‪92 .................................................................‬‬

‫الهبات‪93...........................................................‬‬ ‫‪14‬‬
‫تعريف الهبة ‪93 .................................................................................‬‬
‫األركان الهبة ثالثة‪ :‬الواهب والموهوب له‪ ،‬والهبة‪93 ..................................‬‬
‫‪ ) 1‬الواهب ‪93 .................................................................................‬‬
‫‪ ) 2‬أما الموهوب ‪94...........................................................................‬‬
‫هبة المشاع غير المقسوم ‪95................................................................‬‬
‫هبة المجهول والمعدوم المتوقع الوجود ‪95...............................................‬‬
‫الموهوب له ‪96.................................................................................‬‬
‫لمن يحوز االب من ولده ‪97..................................................................‬‬

‫‪242‬‬
‫شروط الحيازة في المسكون والملبوس للولد ‪97.......................................‬‬
‫واختلف في الذهب والورق ‪97.............................................................‬‬
‫هل الوصي يقوم في ذلك مقام األب ؟ ‪97..................................................‬‬
‫أنواع الهبات ‪98................................................................................‬‬
‫إذا لم يرض الواهب بالثواب ما الحكم؟ ‪98................................................‬‬
‫وأما هبات المنافع ‪99...................................................................... ..‬‬
‫هبة االسكان إذا أتى بلفظ اإلسكان ‪111......................................................‬‬
‫جواز االعتصار في الهبة وهو الرجوع فيها ‪111.........................................‬‬
‫من تصدق على ابنه فمات االبن بعد أن حازها ‪111.......................................‬‬

‫الوصية‪112.............................................‬‬ ‫‪15‬‬
‫تعريفها ‪112........................................................................................‬‬
‫واألركان أربعة‪ :‬الموصي‪ ،‬والموصى له‪ ،‬والموصى به‪ ،‬والصيغة‪112................‬‬
‫‪ -1‬أما الموصي ‪112............................................................................ :‬‬
‫‪ -2‬وأما الموصى له ‪113..................................................................... :‬‬
‫‪-‬إذا أجاز الورثة الوصية لوارث ‪113 .......................................................‬‬
‫الوصية للميت ‪113 .............................................................................‬‬
‫الوصية للقاتل خطأ وعمدا‪114............................................................. .‬‬
‫الموصى به والنظر في جنسه وقدره ‪114.................................................. :‬‬
‫واختلفوا فيمن لم يترك ورثة ‪ ،‬وفي القدر المستحب منها‪ ،‬هل هو الثلث أو دونه؟‪114.‬‬
‫المستحب في مقدار الوصية ‪115..............................................................‬‬
‫وأما اختالفهم في جواز الوصية بأكثر من الثلث لمن ال وارث له‪115................ ،‬‬

‫‪243‬‬
‫القول في المعنى الذي يدل عليه لفظ الوصية ‪116..........................................‬‬
‫متى تجب الوصية للموصى له‪116............................................................ .‬‬
‫حكم من أوصى لرجل بالثلث ‪ ،‬وعين ما هو الثلث‪ ،‬فقال الورثة‪ :‬هو أكثر من الثلث‪116،‬‬
‫إذا لم يختلفوا أنه فوق الثلث ولم يردوا إعطاءه بعينه ‪117 ...............................‬‬
‫فيمن وجبت عليه زكاة فمات ولم يوص بها فهل هي من الثلث‪ ،‬أو من رأس المال؟ ‪117‬‬
‫فإذا زاحمت الوصايا الزكاة قدمت ‪118.........................................................‬‬
‫ومن مسائلهم الحسابية المشهورة في هذا الباب‪ ،‬إذا أوصى لرجل بنصف ماله‬
‫وآلخر بثلثيه ‪ ،‬ورد الورثة الزائد‪118........................................................ ،‬‬
‫إذا أوصى بجزء من ماله وله مال يعلم به ‪،‬ومال ال يعلم به‪118........................ ،‬‬

‫‪244‬‬
245
246

You might also like