You are on page 1of 100

‫الدرا�سة امليدانية الوطنية حول‬

‫القيم وتفعيلها امل�ؤ�س�سي‪:‬‬


‫تغريات وانتظارات لدى املغاربة‬
‫القيم و�س�ؤال التنمية يف املجتمع املغربي‬
‫احل�صيلة والآفاق‬
‫الدرا�سة الوثائقية‬

‫التقرير الأول‬

‫من�شورات جمل�س النواب‬


‫دجنرب ‪2022‬‬
‫الدرا�سة امليدانية الوطنية حول‬
‫القيم وتفعيلها امل�ؤ�س�سي‪ :‬تغريات وانتظارات لدى املغاربة‬
‫القيم و�س�ؤال التنمية يف املجتمع املغربي احل�صيلة والآفاق‬
‫الدرا�سة الوثائقية‬
‫التقرير الأول‬

‫‪2022MO5199‬‬ ‫اإليداع القانوني ‪:‬‬


‫‪978-9954-745-55-7‬‬ ‫ردمـــك ‪:‬‬
‫جميع حقوق الطبع محفوظة جمللس النواب‬
‫اإلخراج الفني والطباعة‬

‫دار أبي رقراق للطباعة والنشر‬


‫‪10‬‬ ‫حسان الرباط ‪ 3‬شارع العلويني رقم‬
‫الهاتف‪ / 05 37 20 75 83 :‬الفاكس‪05 37 20 75 89 :‬‬
‫‪E-mail : editionsbouregreg2015@gmail.com‬‬
‫املحتويات‬

‫‪ .1‬مقدمة‪9........................................................................‬‬

‫‪ .2‬منهجية الدراسة ‪11..............................................................‬‬

‫‪ .3‬من القيم التقليدية إىل احلديثة‪ :‬قطيعة أم متازج؟ ‪13................................‬‬

‫‪ .4‬انعكاسات سلبية لكوفيد‪ 19 -‬عىل قيم الكرامة والعمل والتعلم ‪18................‬‬

‫‪ .5‬األرسة املتغرية‪ :‬انتقال تدرجيي نحو القيم احلداثية ‪21..............................‬‬

‫‪ 1.5‬تعلق قوي بالروابط األرسية‪21..............................................‬‬

‫‪ 2.5‬األرسة املمتدة والنووية‪ :‬قطيعة أم تداخل؟ ‪22...............................‬‬

‫‪ 3.5‬األرسة والبحث عن التوازن بني قيم الطاعة والتفاهم والتوافق‪24............‬‬

‫‪ 4.5‬بروز الفرد داخل األرسة ‪28.................................................‬‬

‫‪ .6‬الفوارق املبنية عىل النوع االجتامعي‪32............................................‬‬

‫‪ 1.6‬تعدد يف الربامج مع نقص يف املعطيات ‪32....................................‬‬

‫‪ 2.6‬التفعيل القانوين لقيم املساواة واإلنصاف بني اجلنسني‪ :‬مكتسبات وحدود‪33...‬‬

‫‪ 3.6‬احلاجة إىل مقاربة أشمل ملحاربة العنف ضد املرأة ‪35.........................‬‬

‫‪ 4.6‬وضعية املرأة يف التعليم من منظور النوع االجتامعي ‪36.......................‬‬

‫‪39..........................................‬‬ ‫‪ 5.6‬املرأة‪ ،‬الشغل والنوع االجتامعي‬


‫‪41.........................................‬‬ ‫‪ 6.6‬املرأة‪ ،‬الصحة والنوع االجتامعي‬
‫‪ .7‬الشباب والقيم ‪44...............................................................‬‬

‫‪44.........................‬‬ ‫‪1.7‬عدم استغالل اإلمكانات الشبابية عىل الوجه األمثل‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪5‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫‪ 2.7‬احتداد الرصاع القيمي بني األجيال‪47.....................................‬‬

‫‪ 3.7‬الشباب املغريب‪ :‬من التجذر االجتامعي والسيايس إىل «التلفيق الثقايف»‪48...‬‬

‫‪ .8‬الرتبية عىل القيم‪ :‬مكتسبات وحدود ‪52..........................................‬‬

‫‪ 1.8‬اختالالت يف املقاربة املدرسية للقيم‪53.....................................‬‬

‫‪ 2.8‬الترسب املدريس‪ :‬سبب رئيس يف الالمساواة وعدم االندماج ‪54............‬‬

‫‪ 3.8‬األطفال يف وضعية إعاقة ضحايا للحيف يف ميدان التعليم ‪57...............‬‬

‫‪ 4.8‬التكوين املهني أمام حتدي إدماج الشباب ‪48................................‬‬

‫‪ 5.8‬مقرتحات للنهوض بالرتبية عىل القيم ‪60...................................‬‬

‫‪63...............................‬‬ ‫‪ .9‬تفعيل القيم يف جمال الصحة‪ :‬مكتسبات وحدود‬


‫‪ .10‬القيم يف قلب السعي إىل احلكامة اجليدة ‪67......................................‬‬

‫‪ 1.10‬دور القيم واحلكامة اجليدة يف حماربة الرشوة ‪67............................‬‬

‫‪ 2.10‬مسامهة قيم احلكامة اجليدة يف إنجاح جتارب ونامذج يف التنمية املحلية ‪69...‬‬

‫‪ 1.2.10‬القيم حمرك قوي يف جتارب جمالس اجلامعات الرتابية‪69...............‬‬

‫‪72........‬‬ ‫‪ 2.2.10‬حضور قيم أساسية يف النموذج التنموي لألقاليم اجلنوبية‬


‫‪ 3.10‬قيمة الثقة‪ :‬ركيزة أساسية للحكامة اجليدة ‪75..............................‬‬

‫‪ 1.3.10‬الثقة البني‪-‬شخصية ‪75............................................‬‬

‫‪ 2.3.10‬الثقة يف املؤسسات‪77...............................................‬‬

‫‪ 3.3.10‬الثقة يف مناخ األعامل‪78.............................................‬‬

‫‪ 4.10‬مقرتحات مستلهمة من «املامرسات اجليدة» ‪79............................‬‬

‫‪ .11‬خامتة واستنتاجات‪83..........................................................‬‬

‫‪ .12‬التوصيات‪89..................................................................‬‬

‫‪ .13‬املراجع ‪95.....................................................................‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪6‬‬


Liste des acronymes

AMO : Assurance Maladie Obligatoire


APALD : Autorité pour la Parité et la Lutte contre toutes les Formes de
Discrimination à l’égard des Femmes
CEDAW : Convention sur l’Elimination de toutes les Formes de
Discrimination à l’égard des Femmes
CERED : Centre d’Etudes et de Recherches Démographiques
CESE : Conseil Economique, Social et Environnemental
CNDH : Conseil National des Droits de l’Homme
CNOPS : Caisse Nationale des Organismes de Protection Sociale
ENDPR : Enquête Nationale Démographique à Passages Répétés
FNUAP : Fonds des Nations Unies pour la Population
HCP : Haut Commissariat au Plan
INAU : Institut National de l’Aménagement et de l’Urbanisme
INDH : Initiative Nationale pour le Développement Humain
IRES : Institut Royal des Etudes Stratégiques
OMS : Organisation Mondiale de la Santé
NEET : Jeunes qui ne sont ni en emploi, ni en éducation, ni en formation
OCDE : Organisation de Coopération et de Développement
Economique
ONDH : Observatoire Nationale de Développement Humain
RAMED : Régime d’Assistance Médicale
WVS : World Value Survey

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


7 ‫ القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬- ‫ تغيرات وانتظارات لدى املغاربة‬:‫القيم وتفعيلها املؤسسي‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫‪1.1‬مقدمة‬

‫تعرف القيم باعتبارها جمموعة من التصورات واملثل العليا املميزة للفرد أو‬
‫اجلامعة‪ ،‬املحددة ملا هو مرغوب فيه اجتامعيا‪ ،‬واملؤثرة يف اختيار أهداف الفعل والطرق‬
‫واألساليب املعتمدة يف حتقيقها‪ .‬وتتجىل القيم يف ما يعرب عنه األفراد من اجتاهات‬
‫ومعتقدات و ُمثل‪ ،‬ويعتمدونه من معايري‪ ،‬ويقومون به من سلوك‪ .‬وخارج نطاق‬
‫اجلريمة والرش‪ ،‬ال وجود ألفراد أو مؤسسات يمكن أن ينفوا ارتباطهم بمرجعيات‬
‫قيمية معينة‪ ،‬وسعيهم إىل القيام بأنشطة وحتقيق أهداف يصري هلا معنى فقط عند النظر‬
‫إليها من زاوية القيم‪ .‬وباختالف املوجهات القيمية‪ ،‬تتباين املجتمعات واجلامعات‪،‬‬
‫ويتباين األفراد عن بعضهم البعض‪ .‬كام تتناقض املواقف وتتنوع املسؤوليات تبعا‬
‫الختالف املرجعيات القيمية‪.‬‬

‫وتشكل القيم مكونا أساسيا يف املؤسسات‪ ،‬منها ما هو متقاسم بينها‪ ،‬ومنها ما‬
‫خيتلف من مؤسسة ألخرى‪ .‬وتتمثل وظيفتها الرئيسية يف توجيه سلوك العاملني داخل‬
‫املؤسسة وعالقات هذه األخرية بالعامل اخلارجي‪ .‬إهنا بمثابة خطوط عريضة حمددة‬
‫ملجال الفعل املقبول واملرغوب فيه‪ ،‬والفعل الذي ال يتالءم ومتطلبات املؤسسة‪ .‬كام‬
‫أن القيم تضفي معنى عىل وجود املؤسسة وتعزز متاسكها وهويتها‪ .‬وما تضعه املؤسسة‬
‫من اسرتاتيجيات وبرامج وطرق اشتغال‪ ،‬كل ذلك يعود‪ ،‬إىل حد بعيد‪ ،‬للقيم املوجهة‬
‫التي تنطلق منها‪.‬‬

‫وتتميز القيم بأمهية خاصة عىل صعيد توجيه اجتاهات واختيارات وسلوك‬
‫األفراد‪ ،‬وذلك بالرغم مما يوجد بينها أحيانا من توتر وتعارض ورصاع‪ .‬فال مرشوع‬
‫جمتمعي ممكن دون االستناد إىل نواة قيمية موجهة‪ ،‬ودون إزاحة القيم املعيقة عن‬
‫الطريق املؤدية لألهداف املنشودة‪ .‬وال مرشوع تنموي ممكن دون تنمية معرفية ختص‬
‫اإلنسان باعتباره فاعال وهدفا يف التغيري واإلصالح‪ .‬وحيث إن القيم حتتوي رمزيا عىل‬
‫إمكانات ‪ potentiel‬هائلة من التقدم والتنمية‪ ،‬وترسم آفاقا إنسانية‪ ،‬وحقوقية وأخالقية‬
‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬
‫‪9‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫يتعني بلوغها‪ ،‬فإن البحث العلمي وحده قمني بتمكيننا من معرفة التغريات التي تطرأ‬
‫عليها والتمثالت املتعلقة هبا‪ ،‬وسبل ترمجة هذه اإلمكانات إىل مشاريع وبرامج وخطط‬
‫عمل‪ ،‬وصوال إىل حتديد ما حتقق منها وما مل يتحقق بعد‪.‬‬

‫ووفقا هلذا املنظور‪ ،‬سنسعى يف هذه الدراسة إىل‪:‬‬

‫أوال‪ ،‬حتديد أهم التغريات القيمية التي شهدها املجتمع املغريب عىل امتداد فرتة‬
‫ما بعد االستقالل‪ ،‬سواء منها التي نتجت عن سريورات تغري داخلية‪ ،‬أو التي نجمت‬
‫عن تداعيات العوملة‪.‬‬
‫وثانيا‪ ،‬معرفة صنف القيم التي يتم‪ ،‬أو جيب‪ ،‬تفعيلها يف مؤسسات من قبيل‬
‫األرسة‪ ،‬واملدرسة‪ ،‬واجلامعة‪ ،‬واجلمعية‪ ،‬واملقاولة‪ ،‬واإلدارة‪ ،‬واجلامعة الرتابية‪ ، ...‬مع‬
‫تبيان مدى حصول هذا التفعيل عىل مسار طموح حتقيق املساواة‪ ،‬واإلنصاف‪ ،‬والعدالة‪،‬‬
‫والنزاهة‪ ،‬والفردانية‪ ،‬واالستقالل الذايت‪ ،‬والكرامة‪ ،‬والشفافية‪...‬‬
‫وثالثا‪ ،‬معرفة القيم األكثر تالؤما مع التغريات البنيوية التي يشهدها املجتمع‪،‬‬
‫إضافة ملا مل يتحقق بعد يف التفعيل املؤسيس للقيم ويتعني‪ ،‬بالتايل‪ ،‬االستمرار يف االشتغال‬
‫عليه مستقبال‪.‬‬

‫ونعتزم القيام بذلك يف هذا القسم من الدراسة‪ ،‬ليس بإجراء بحث ميداين‪ ،‬وإنام‬
‫من خالل استقراء مضمون جمموعة من األبحاث واملقاالت والتقارير املنتجة خالل‬
‫العقود األخرية املاضية‪ ،‬متوخني من وراء ذلك التعرف عىل أهم املواضيع والقضايا‬
‫القيمية التي طرحتها والتي تتصل بزاوية أو أكثر من زوايا املوضوعات التي تشملها‬
‫الدراسة‪ ،‬إما بصفة مبارشة أو غري مبارشة‪.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪10‬‬


‫‪2.2‬منهجية الدرا�سة‬

‫تناولنا بالتحليل يف هذه الدراسة تغري القيم يف املجتمع املغريب بصفة عامة‪،‬‬
‫مركزين يف ذات اآلن عىل بعض القضايا املركزية من قبيل عالقة القيم بتغري املجتمع‬
‫ككل‪ ،‬بالنوع االجتامعي واملسألة النسوية‪ ،‬وبحارض ومستقبل الشباب‪ ،‬وموضوعي‬
‫محاية الطفولة واألشخاص يف وضعية إعاقة‪ ،‬واحلكامة يف عالقتها بالتنمية املحلية‪.‬‬
‫وبموازاة ذلك‪ ،‬قمنا بتتبع مدى تفعيل القيم يف جمموعة من املؤسسات االجتامعية‬
‫واالقتصادية والسياسية‪.‬‬

‫وسعيا إىل إبراز الفوارق واملسافات بني املناطق املغربية املختلفة‪ ،‬واجلامعات‪،‬‬
‫واألفراد‪ ،‬حاولنا أيضا االعتامد عىل املقارنة يف مستويات متعددة‪ .‬فقد خصصنا حيزا‬
‫واسعا للمقارنة بني األجيال‪ ،‬وبني الرجال والنساء‪ ،‬والوسط احلرضي والقروي‪،‬‬
‫والقيم التقليدية واحلديثة‪ ،...‬وكل ذلك إلبراز اختالف املامرسة والوضع القيميني بني‬
‫طريف املقارنة‪.‬‬

‫لقد وضعنا نصب أعيننا جمموعة من القيم اعتربناها بمثابة نامذج مثالية نحدد‬
‫بالقياس إليها مدى اقرتاب أو ابتعاد وضع ما أو اجتاه ما عن التفعيل املؤسيس البعيد‬
‫املدى ملقتضياهتا‪ .‬هكذا فعلنا‪ ،‬مثال‪ ،‬مع قيمة املساواة بني اجلنسني حيث سعينا إىل‬
‫رصد مستويات ودرجات حتققها‪ ،‬وكذا املسافة التي مل يتم قطعها بعد عىل هذا املسار‪.‬‬
‫وبنفس هذا النهج قاربنا نمو قيمة الفردانية يف األرسة واملجتمع حيث بينا مكتسباهتا‪،‬‬
‫ويف ذات اآلن‪ ،‬حدودها‪ .‬وتنسحب هذه املقاربة عىل العديد من القيم األخرى‪ ،‬نذكر‬
‫منها قيم النزاهة‪ ،‬واحلكامة‪ ،‬والشفافية‪ ،‬والعمل‪ ،‬والشغل‪ ،‬والتمدرس‪ ،‬واالستقالل‬
‫الذايت‪ ،‬والتضامن‪ ،‬واإلنصاف‪ ،‬والثقة‪ ...‬لقد رجعنا ألبحاث ودراسات أجريت حول‬
‫موضوع القيم قصد رصد أصنافها وقياس مدى تغريها‪ ،‬وكذلك لتقارير ودراسات‬
‫تعرض مؤلفوها للتطبيقات التي شهدهتا القيم يف ميادين اجتامعية واقتصادية وسياسية‬
‫عديدة دون أن يكون نظرهم موجها باألساس نحو القيم‪.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪11‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫ووعيا منا بأمهية املعطيات الكمية والكيفية إلبراز مالمح الوضع القيمي الراهن‬
‫يف املجتمع املغريب‪ ،‬والتطورات التي شهدهتا القيم خالل اخلمسني سنة األخرية‪،‬‬
‫ومدى التفعيل املؤسيس ملقتضياهتا‪ ،‬وقع اختيارنا عىل األبحاث امليدانية املنجزة من لدن‬
‫جمموعات بحث جامعية‪ ،‬واملقاالت املنشورة يف بعض الدوريات العربية‪ ،‬والتقارير‬
‫املنجزة من لدن بعض املؤسسات الوطنية والدولية التي تعنى بقضايا التنمية البرشية‪،‬‬
‫والشؤون االجتامعية والرتبوية واالقتصادية‪ ،‬واحلكامة‪ ،‬وحقوق اإلنسان‪ .‬لقد أولينا‬
‫عناية خاصة لقراءة إحصاءاهتا ومعطياهتا الكيفية من زاوية جتلياهتا القيمية وانعكاساهتا‬
‫عىل مستوى تغري القيم‪ ،‬بكل ما يعنيه ذلك من نجاح أو قصور يف العملية التنموية‪،‬‬
‫وتفحصناها بعدسة القيم رغم علمنا بكون هاته األخرية مل تشكل‪ ،‬يف العديد من‬
‫التقارير‪ ،‬املوضوع األسايس للدراسة‪.‬‬

‫وبعيدا عن التقاطب اإليديولوجي التبسيطي بني التقليد واحلداثة‪ ،‬بام يرتبط به‬
‫من مرجعيات قيمية متعارضة‪ ،‬نسعى يف هذه الدراسة إىل اعتامد مقاربة إجرائية ال تلغي‬
‫من حساهبا تارخيية كل من التقليد واحلداثة‪ ،‬وال واقع متازجهام وتداخلهام‪ ،‬وال الرصاع‬
‫الدائر بينهام يف سياق االنتقال القيمي الذي يشهده املجتمع املغريب حاليا‪.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪12‬‬


‫‪3.3‬من القيم التقليدية �إىل احلديثة‪ :‬قطيعة‬
‫�أم متازج؟‬

‫لقد كان املجتمع املغريب التقليدي متميزا بمجموعة من «عناقيد القيم»‬


‫األساسية يتوزع كل منها عىل سجل فردي‪ ،‬أو أرسي أو مجاعي أو قديس‪ .‬وقد رصدت‬
‫رمحة بورقية البعض منها مصنفة قيام مثل «اخلري والقناعة والشبعة» ضمن السجل‬
‫الفردي‪ ،‬وقيم «الرىض والطاعة واحلشمة» ضمن السجل األرسي‪ ،‬وقيم «الكلمة‬
‫واحلق واملعقول والنية» حتت السجل اجلامعي‪ ،‬و«الربكة واملكتوب» باعتبارمها قيمتني‬
‫معربتني عن القديس‪ .‬مثل هذه القيم‪ ،‬بدأت تشهد منذ حقبة احلامية‪ ،‬ثم عىل امتداد‬
‫سنوات االستقالل‪ ،‬تغريات وتكييفات جديدة تركت آثارا عميقة عىل عالقة األفراد‬
‫بالزمان واملكان وببعضهم البعض‪ .‬وتكرس األعراف والقوانني العرفية‪ ،‬القروية‬
‫واحلرضية‪ ،‬قيم املساواة واإلنصاف والعدالة التي كان يعرب عنها تقليديا باستعامل‬
‫مصطلح «املعقول» املفروض اعتامده يف خمتلف العالقات االجتامعية واملعامالت‬
‫التجارية والفالحية‪ .‬كام كانت الثقة (النية) وااللتزام «بالكلمة» قيمتني أساسيتني يف‬
‫العالقات واملعامالت اجلارية بني األفراد‪ .‬وعىل امتداد عقود من الزمن‪ ،‬بحث املغاربة‬
‫عن العدالة يف دوائر «املخزن»‪ ،‬ثم يف مؤسسات الدولة املعارصة باعتبارها الضامن‬
‫األسايس لتفعيل هذه القيمة يف املجتمع(((‪.‬‬
‫وقد بدأت القيم التقليدية تتغري حتت تأثري املدرسة التي أسسها االستعامر‪ .‬ولو‬
‫اقترصنا يف هذا اإلطار عىل ذكر قيمة النظافة‪ ،‬فسيتبني لنا أهنا مل تعد متارس فقط ألجل‬
‫الوضوء والطهارة‪ ،‬وإنام أيضا وقاية من األمراض‪ .‬ما يعني أهنا صارت مرتبطة بمحدد‬
‫ديني والئكي يف ذات اآلن‪ ،‬و«جامعة بني النظافة الفيزيقية والنظافة األخالقية»(((‪.‬‬
‫وإبان فرتة االستقالل‪ ،‬سامهت املدرسة العمومية يف تغيري األعراف والتقاليد األرسية‪،‬‬

‫‪(1) - Rahma Bourqia. Les valeurs : changements et perspectives, 2006, p. 67-70.‬‬


‫‪(2) - Rahma Bourqia, Ibid., p. 70.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪13‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫خاصة ملا اتسعت دائرة التمدرس للبنات وصار االختالط بني اجلنسني واقعا معاشا‬
‫يف املدرسة والفضاء العام‪ .‬بال شك‪ ،‬كان هلاذين العاملني تأثري بعيد املدى عىل وضعية‬
‫املرأة والقيم األرسية(((‪.‬‬
‫عىل أن الدين ليس وحده املصدر الرئيس للقيم يف املجتمع املغريب التقليدي‪ ،‬بل‬
‫هنالك أيضا عامل ندرة املوارد التي كانت من بني مميزاته األساسية‪ .‬ذلك أن الفقر الذي‬
‫كان املجتمع يرزح حتت وطأته دفع أعضاءه إىل أن يبوئوا قيمة القناعة مركز الصدارة‪،‬‬
‫حيث جعلوا منها وسيلة المادية يف مقاومة عدم وفرة املواد واخلريات املادية‪ .‬وال أدل‬
‫عىل ذلك من االحرتام القوي واخلاص الذي حظي به اخلبز‪ ،‬وما زال‪ ،‬لدى األفراد‬
‫واألرس‪ .‬وقد ال جيد هذا السلوك مكانا له يف جمتمع الوفرة(((‪.‬‬
‫لقد كان لربوز متايزات وديناميات اجتامعية جديدة تأثري واضح عىل تغري منظومة‬
‫القيم‪ .‬ويعود هذا التغري إىل عوامل من قبيل‪:‬‬

‫·التعليم العام الذي صار‪ ،‬بمقتىض املضامني اجلديدة املعتمدة‪ ،‬يكمل وينافس‬
‫األرسة يف التنشئة عىل القيم؛‬
‫·بروز تطلعات جديدة بعد االستقالل‪ ،‬بام نجم عنها من حتسن ملستوى‬
‫العيش بفعل انتشار التشغيل والعمل املأجور‪ ،‬إىل ظهور قيم جديدة نذكر‬
‫من ضمنها األمن الناجم عن العمل يف الوظيفة العمومية؛‬
‫·النزوح املكثف للقرويني نحو املدن وما نجم عنه من خلق نوع من الرتاتب‬
‫القيمي لفائدة القيم احلرضية؛‬
‫·نجاح التخطيط العائيل وانتشار موانع احلمل يف تغيري دور النساء وإضفاء‬
‫قيمة جديدة عىل الطفل؛‬
‫·إرشاف الدولة عىل سريورة التنمية واالنتخابات والتأطري اإلداري الشامل‬
‫للسكان بام ترتب عنه من تقوية لتبعية هؤالء األخريين للدولة وبروز وعي‬
‫متزايد بأمهية القيم الديموقراطية؛‬

‫‪(1) - IRES. Lien social, familles, valeurs et changements sociaux au Maroc _ Bilan d’une‬‬
‫‪lecture bibliographique, Rabat, 2012.‬‬
‫‪(2) - Rahma Bourqia, Op. Cit., p. 71.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪14‬‬


‫·مسامهة املنظامت الدولية يف إدخال قيم جديدة إىل املجتمع‪ ،‬وذلك عن طريق‬
‫املعاهدات الدولية املصادق عليها من طرف املغرب‪ ،‬واملتعلقة بحقوق‬
‫األطفال والنساء واألشخاص يف وضعية إعاقة‪ ،‬والثقافات املحلية‪...‬‬

‫وأبعد من ذلك‪ ،‬وظفت رمحة بورقية مفهوم «املركب» ‪ le composite‬الذي طبق‬


‫بوجه خاص من لدن بول باسكون يف حتليل املجتمع املغريب‪ ،‬إلبراز تداخل وتفاعل‬
‫القيم التقليدية واحلديثة يف سلوك ومعتقدات واختيارات الفرد‪ .‬ففي نفس اليوم‪ ،‬قد‬
‫يعمد الفرد املركب إىل تأسيس سلوكه عىل قيم النية يف املعامالت التجارية‪ ،‬والطاعة جتاه‬
‫الوالد واإليامن باملكتوب‪ ،‬ويف ذات اآلن‪ ،‬خيتار أن يسلك‪ ،‬عىل صعيد آخر‪ ،‬بمسؤولية‬
‫وتشاور وحساب عقالين‪ .‬كام تربز الرصاع غري املتكافئ بني القيم التقليدية واحلديثة‪،‬‬
‫واضطرار األفراد باستمرار إىل التفاوض بني مقتضيات كل منها(((‪ .‬وإذا كانت الفردانية‬
‫قد وجدت هلا يف املجتمع املغريب سبيال إىل التوسع والنمو‪ ،‬فاملالحظ أهنا تتعايش مع‬
‫شبكات التضامن العائيل‪ ،‬وتتطور يف اجتاه االمتزاج والتداخل مع القيم التقليدية‪ ،‬أو‬
‫التعبري عن نفسها حتت غطائها وبمربرات مستمدة من إرثها الثقايف‪.‬‬

‫ومتخض عن بروز عالقات وممارسات قيمية متغرية‪ ،‬تارة‪ ،‬املزج اهلادئ‬


‫واملنسجم بني التقليدي والعرصي يف نمط العيش واللباس والعامرة والتدبري املؤسيس‪،‬‬
‫وتارة أخرى‪ ،‬التوظيف االنتقائي للقيم التقليدية أو العرصية بحسب الظروف املختلفة‬
‫التي جيد األفراد أنفسهم أمامها‪ .‬وهكذا‪ ،‬فعند مواجهة خيبة أمل‪ ،‬قد يلجأ الفرد إىل‬
‫«املكتوب» قصد التخفيف عن نفسه؛ أما إذا حصل مساس ما بحقوقه‪ ،‬فقد يلجأ حينئذ‬
‫إىل حقوق اإلنسان ومؤسسة العدالة(((‪.‬‬
‫ويف ما خيص سريورة تغري القيم التقليدية‪ ،‬تبني رمحة بورقية انتقاهلا إىل قيم أخرى‬
‫حداثية ومعلمنة‪ ،‬وذلك سواء يف العالقات األرسية أو العمومية‪ .‬وحسبنا يف هذا‬
‫اإلطار تقديم بعض األمثلة الدالة عىل هذا التحول‪ .‬فلو تفحصنا‪ ،‬مثال‪ ،‬قيمة «الطاعة»‪،‬‬
‫سواء يف بعدها األرسي‪ ،‬أو املدريس‪ ،‬أو اإلداري – السيايس‪ ،‬فسنجد أهنا تعوض أكثر‬

‫‪(1) - Rahma Bourqia, Ibid., p. 72-73.‬‬


‫‪(2) - Rahma Bourqia. Op. Cit., p. 73-74.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪15‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫فأكثر بقيمة «االحرتام» وحتى «املساواة بني الزوجني»‪ ،‬وبقيم «التشاور» و«اإلقناع»‬
‫و«املشاركة» عىل صعيد عالقة املواطن باإلدارة‪ ،‬و«بالديمقراطية» يف عالقة املواطن‬
‫باحلكام‪ .‬وبخصوص قيمة «املكتوب»‪ ،‬صار الفرد يرجع املسؤولية للدولة يف ما حيصل‬
‫له من مشاكل وأزمات أو حرم منه من فرص‪ .‬وال تشذ قيمة «املعقول» عن هذا املسار‬
‫التحويل‪ ،‬حيث صارت تعوض بقيمتي «الشفافية» و«الصدق» يف امتزاجهام بقيمتي‬
‫«الكفاءة» و«اإلنجاز»‪ .‬أما قيمة «القناعة»‪ ،‬فقد وجد الفرد بديال عنها يف «حقوق الفرد‬
‫األساسية بام فيها من تربية وصحة وشغل وسكن وأمن غذائي‪.(((»...‬‬
‫لقد كانت املنابع املنتجة للقيم متمثلة يف فضاء تقليدي باألساس‪ ،‬حيث مل تكن‬
‫تصدر‪ ،‬عند انطالق مسار تطورها‪ ،‬سوى عن الدين واألعراف والتقاليد واملامرسات‬
‫االجتامعية‪ .‬ومع تطور سريورة بناء الدولة‪ ،‬انضافت القوانني كمصدر منتج للقيم‪ .‬ثم‬
‫اتسع فضاءها وانضافت قيم جديدة علامنية موازاة مع انتشار التعليم املدريس‪ ،‬وتزايد‬
‫املعاهدات الدولية التي كرست كونية بعض احلقوق والقيم اجلديدة‪ ،‬واتساع نطاق‬
‫العوملة والشبكات االجتامعية والقنوات اإلعالمية الفضائية‪ .‬كل ذلك أفىض إىل مأسسة‬
‫وعلمنة بعض القيم‪ ،‬وإىل توسيع سوق القيم والتفاوض حوهلا‪ .‬كام ساهم بروز املسألة‬
‫النسائية‪ ،‬إبان الثامنينيات والتسعينيات‪ ،‬يف الساحة اإلعالمية والسياسية واالجتامعية‪،‬‬
‫يف تشكل وعي حترري لدى النساء‪ ،‬وتغيري قيمي بعيد املدى يف العالقات بني اجلنسني‪،‬‬
‫وإقدام احلركات النسائية إىل املطالبة باملساواة القانونية بني الرجال والنساء‪.‬‬
‫ولعله جيدر كذلك اإلشارة ملا متثله قيمة العمل بالنسبة للمغاربة‪ .‬ففي البحث‬
‫الوطني حول القيم طرح سؤال حول ما إذا كان يتوجب عىل الفرد االستمرار يف العمل‬
‫إن صار غنيا‪ ،‬فكانت النتيجة أن ‪ % 76‬من املستجوبني يؤيدون االستمرار يف العمل‪.‬‬
‫كذلك تم رفض االكتفاء بالريع دون مزاولة أي نشاط من لدن أغلب املجيبني‪ ،‬أو‬
‫تفضيل األعامل الربحية واألنشطة املدرة للدخل الرسيع عىل األعامل اإلنتاجية‪ .‬أضف‬
‫إىل ذلك أن ‪ % 77‬منهم ربطوا بني العمل والثروة‪ .‬كام ثمنوا املجهود املقرتن بقيمة‬
‫اإلنصاف‪ ،‬حيث رفض ‪ % 89‬أداء نفس األجر ألعامل متباينة يف جودهتا‪ .‬واعترب ما‬
‫يقرب من ثلثي املجيبني (‪ )% 65‬أن الديبلوم هو أفضل وسيلة لولوج عامل الشغل‪.‬‬

‫‪(1) - Rahma Bourqia. Ibid., p. 75-76.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪16‬‬


‫ومنصب الشغل األمثل‪ ،‬بالنسبة لنصف املجيبني‪ ،‬هو املضمون والدائم‪ .‬وينم هذا‬
‫التفضيل عن ميل نسبي إىل العمل يف الوظيفة العمومية الذي تتساوى‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬أمهيته‬
‫يف نظرهم مع عمل الفرد حلسابه اخلاص‪ .‬ومما يلفت االنتباه هو أن ‪ 42%‬من املجيبني‬
‫أبدوا استعدادهم خلوض غامر املخاطرة برتك عمل قار ودائم لتأسيس مقاولتهم‬
‫اخلاصة(((‪ .‬ويف إطار البحث العاملي حول القيم لسنة ‪ ،2001‬عرضت عىل املبحوثني‬
‫الئحة من امليزات‪ ،‬وطلب منهم أن خيتاروا تلك التي يودون تشجيعها لدى أطفاهلم‪،‬‬
‫فكانت النتيجة أن اختار ‪ % 69‬منهم ميزة االنضباط يف العمل واإلتقان يف أدائه‪ .‬ويعني‬
‫ذلك أن قيمة العمل قد صارت ذات وزن هام يف الرتبية األرسية(((‪.‬‬
‫فإذا كان الزمن الراهن للمجتمع املغريب ما زال يتميز بنوع من التعايش بني‬
‫القيم التقليدية واحلديثة‪ ،‬فإن هذا الرتكيب ليس ثابتا‪ ،‬بل حركيا وديناميا ومتجها نحو‬
‫توسع متنام ملكونات احلداثة عىل حساب أنامط التفكري والسلوك التقليديني‪ .‬ورغم أن‬
‫بعض املغاربة ما زالوا يعربون عن انتظاراهتم القيمية باستعامل مصطلحات «املعقول»‪،‬‬
‫و«النية»‪ ،‬و«الكلمة»‪ ...‬فإن ما يقصدونه‪ ،‬بلغة الظرفية التارخيية اجلديدة‪ ،‬هو املساواة‪،‬‬
‫واإلنصاف‪ ،‬واجلدية والثقة‪ ،‬والنزاهة‪ ،‬والصدق‪ ،‬واإلخالص‪ ،‬والوفاء‪ ،‬واالحرتام‪.‬‬
‫وصار أغلب املغاربة يتطلعون إىل أن تتواصل سريورة االستعاضة عن «الطاعة» بقيم‬
‫االحرتام‪ ،‬والتشاور والتفاهم‪ ،‬وأن تتصدر القيم الواردة يف معاهدات حقوق اإلنسان‪،‬‬
‫عىل حساب القيم التي مل تعد تضمن حقوق النساء واألطفال‪ ،‬وال حقوق الفرد وحقه‬
‫يف االستقاللية وإثبات الذات‪ .‬كام ينتظر املغاربة تربية األجيال الصاعدة عىل حب‬
‫العمل‪ ،‬وجعله مصدرا للثروة‪ ،‬واحلرص عىل االستقرار يف الشغل‪ ،‬واإلتقان يف أدائه‬
‫وإنصاف العاملني عند التشغيل ورصف األجور‪.‬‬
‫وبالنظر إىل وباء كورونا الذي تعرض له املغرب‪ ،‬والعامل أمجع‪ ،‬ابتداء من سنة‬
‫‪ ،2020‬ال جيوز عدم التساؤل حول ما متخض عن هذا احلدث من انعكاسات غري‬
‫مسبوقة عىل قيم املغاربة والتي ال يسعنا يف هذا احليز حتليلها بالتفاصيل الالزمة‪.‬‬

‫‪(1) - Hassan Rachik. Rapport de synthèse de l’enquête nationale sur les valeurs, 50 ans de‬‬
‫‪développement humain _ Perspectives 2025, 2005, p. 64.‬‬
‫‪(2) - Rahma Bouqia. Société, Famille, femmes et jeunesse, Rapport thématique, 50 ans de‬‬
‫‪développement humain _ Perspectives 2025, 2005, p. 41.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪17‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫‪ 4.4‬انعكا�سات �سلبية لكوفيد ‪ 19 -‬على قيم الكرامة‬
‫والعمل والتعلم‬

‫ويف معرض حديثنا عن التغري القيمي‪ ،‬ال مناص من ذكر وقع وباء كوفيد ‪19‬‬
‫وتأثرياته املتعددة عىل صعيد القيم‪ .‬فقد أثر بشكل قوي عىل الوضع االجتامعي للمرأة‬
‫التي تعرضت‪ ،‬خالل هذه الفرتة وبوترية متزايدة‪ ،‬للعنف املنزيل واإلقصاء االقتصادي‪،‬‬
‫واحتداد المساواة النوع االجتامعي‪ .‬أيام معدودة فقط بعد اإلعالن عن اإلغالق‬
‫واإلعالن عن حالة الطوارئ‪ ،‬دقت العديد من اجلمعيات ناقوس اخلطر متصلة‬
‫بالسلطات والدوائر الرسمية كي تقوم بتتبع هذا الوضع وتشن محلة حتسيسية واسعة‬
‫هبذا اخلصوص‪ ،‬ودعم اجلمعيات العاملة يف هذا املجال‪ ،‬وتتخذ اإلجراءات امللموسة‬
‫التي من شأهنا محاية النساء من العنف املتفاقم يف املجتمع‪.‬‬

‫وقد تلقى األطفال بدورهم صدمة قوية من جراء ما اقتضته ظروف الوباء من‬
‫حرصهم يف البيت وإغالق املدارس‪ ،‬ما أدى إىل عزهلم عن األطفال اآلخرين‪ ،‬وإبعادهم‬
‫خالل أسابيع عديدة عن املدرسة بام هي فضاء الكتساب وتعلم مهارات وقيم جديدة‪.‬‬
‫وقد كانت أرضار هذا اإلبعاد أشد قسوة يف الوسط القروي حيث تقل وسائل الدراسة‬
‫عن بعد‪ ،‬ويعجز أغلب اآلباء‪ ،‬بحكم تدين مستواهم التعليمي‪ ،‬عن مواكبة أطفاهلم يف‬
‫الدراسة عن بعد‪.‬‬

‫وقد عانى الشباب بدورهم من آثار اإلجراءات املتخذة ملحاربة الوباء‪ ،‬حيث‬
‫تبني اإلحصائيات الصادرة يف هذه الفرتة أن نسبة بطالة الشباب من فئة السن ‪-15‬‬
‫‪ 24‬سنة انتقلت من ‪ % 25‬سنة ‪ 2019‬إىل ‪ % 31‬سنة ‪ .2020‬ويتضح كذلك أن البطالة‪،‬‬
‫من نفس فئة السن‪ ،‬كانت األكثر حدة يف الوسط احلرضي حيث شملت ما يقرب من‬
‫نصف الشباب (‪ .)% 45‬أما الشباب املنتمني لفئة السن ‪ 34-25‬سنة‪ ،‬فقد تراجع معدل‬
‫النشاط لدهيم من ‪ % 60‬سنة ‪ 2019‬إىل ‪ % 59‬سنة ‪ .2020‬ومن بني العواقب املحتملة‬
‫لبطالة الشباب‪ ،‬تعرضهم لإلقصاء وعدم االندماج يف احلياة االقتصادية واالجتامعية‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪18‬‬


‫واملدنية‪ ،‬إضافة ملا قد يصيبهم من شعور بالعزلة واإلحباط بالنظر لضعف اآلليات‬
‫امليرسة للمشاركة االجتامعية للشباب‪ ،‬بكل ما يرتبط بذلك من خماطر السقوط يف‬
‫اجلريمة والتطرف‪ ،‬وحتى اشتداد الرغبة يف اهلجرة خارج الوطن(((‪.‬‬
‫وإذا كان التعليم عن بعد قد خفف من آثار احلجر الصحي عىل التعليم‪ ،‬فإنه‬
‫قد وسع اهلوة بني التالميذ املنتمني لألرس امليسورة واألرس األقل حظا‪ ،‬وزاد من‬
‫توسيع الفوارق القائمة أصال بينهم‪ .‬وتعود الالمساواة بخصوص مدى االستفادة من‬
‫هذا النمط من التعليم إىل جمموعة من العوامل نذكر منها‪ ،‬املستوى التعليمي لآلباء‪،‬‬
‫وفضاء العيش‪ ،‬والتوفر عىل أجهزة اإلعالم واالتصال‪ ،‬واالشرتاك يف اإلنرتنيت‪.‬‬
‫وقد بينت إحصائيات املندوبية السامية للتخطيط أن التعليم االبتدائي شهد مشاركة‬
‫‪ % 48‬من األرس يف التعليم عن بعد‪ ،‬بينام ارتفعت هذه النسبة إىل ‪ % 69‬يف ما خيص‬
‫التعليم الثانوي‪ .‬ويف كلتا احلالتني‪ ،‬تم إقصاء العديد من األرس ممن مل تكن لدهيا رشوط‬
‫ووسائل املشاركة(((‪.‬‬
‫وقد انعكست اإلجراءات البيداغوجية املتخذة بكيفية أشد عىل التالميذ يف‬
‫وضعية إعاقة حيث مل تكن الدروس التي تبث عرب الراديو والقنوات التلفزيونية‬
‫مالئمة ومتكيفة مع التالميذ يف وضعية إعاقة‪ ،‬بل كانت متييزا إضافيا عىل حساب‬
‫حقهم يف التعليم‪ .‬ال سيام وأن اآلباء ال يمكنهم تعويض دور املدرسة يف هذا املجال‪،‬‬
‫وخاصة عندما حيول العوز املادي دون القدرة عىل اقتناء األدوات الرقمية التي من‬
‫شأهنا متكني التلميذ من تتبع الدروس عن بعد‪ .‬ويلزم كذلك ذكر املعاناة الصحية‬
‫لألشخاص يف وضعية إعاقة‪ ،‬حيث انتقل معدل احلصول عىل العالجات الصحية‬
‫وإعادة التكيف من ‪ % 14‬إىل ‪ ،% 5‬وبالنسبة لألطفال انتقل معدل االستفادة من‬
‫اخلدمات الصحية من ‪ % 58‬إىل ‪.(((% 8‬‬

‫‪(1) - CESE. Rapport annuel 2020, p. 54.‬‬


‫‪(2) - ONDH. Rapport sur le développement humain 2020 : « Etre jeune au Maroc de nos jours »,‬‬
‫‪Le Président du gouvernement, Royaume du Maroc, 2020, p. 46.‬‬
‫‪(3) - CESE. Rapport annuel 2020, p. 51 - 53.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪19‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫وتتمثل أهم انتظارات املغاربة جتاه تداعيات وإكراهات هذا الوباء وما قد يطرأ‬
‫مستقبال (ال قدر اهلل) من هتديد لصحة املواطنني يف ما ييل‪:‬‬

‫·اختاذ إجراءات وقائية حمددة وقمينة بحامية النساء من العنف املنزيل والتهميش‬
‫االقتصادي؛‬

‫·توفري الفضاءات واألجهزة والوسائل اإللكرتونية والربامج التكوينية التي‬


‫من شأهنا تيسري متابعة الدراسة عن بعد عند االقتضاء‪ ،‬خاصة بالنسبة لتالميذ‬
‫الوسط القروي‪ ،‬والفئات االجتامعية اهلشة‪ ،‬وذوي االحتياجات اخلاصة؛‬

‫·التفكري يف اإلجراءات االستباقية القمينة بتخفيف اآلثار السلبية للجائحة عىل‬


‫النشاط االقتصادي واحلفاظ عىل مناصب الشغل‪ ،‬خاصة بالنسبة للشباب‬
‫والنساء‪.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪20‬‬


‫‪5.5‬الأ�سرة املتغرية‪ :‬انتقال تدريجي نحو القيم‬
‫احلداثية‬

‫لقد شهدت األرسة عىل امتداد فرتة ما بعد االستقالل تغريات بنيوية وعالئقية‬
‫وثقافية بعيدة املدى‪ .‬فكل األبحاث املتعلقة هبا تشري إىل انتقاهلا من أرسة ممتدة إىل أرسة‬
‫نووية‪ .‬كام تتم اإلشارة إىل ما جيري يف نطاقها من تغري يف العالقة بني الكبار والصغار‪ ،‬بني‬
‫الزوجني‪ ،‬وبني اآلباء واألطفال‪ ،‬حيث صارت املعايري املتحكمة يف هذه العالقات أقل‬
‫ارتباطا باإلرث القيمي التقليدي‪ ،‬وأكثر انفتاحا عىل مستجدات احلداثة‪ .‬كل ذلك جيري‬
‫يف سياق جمتمعي ما زالت حتتل فيه األرسة مكانة راسخة وقوية يف النسيج االجتامعي‪.‬‬
‫وسنحاول يف ما ييل من الصفحات إبراز معامل التغري األرسي البنيوي‪ ،‬والقيم اجلديدة التي‬
‫صارت فاعلة يف احلياة األرسية‪ ،‬إضافة إىل بعض التمثالت واآلراء املتعلقة باملامرسات‬
‫األرسية‪ ،‬مستندين يف ذلك إىل ما تم إجراؤه من أبحاث ميدانية‪ ،‬كمية وكيفية‪.‬‬

‫‪ 1.5‬تعلق قوي بالروابط الأ�سرية‬

‫يف إطار املوجات الدراسية االستكشافية التي تنجز حاليا يف حوايل ‪ 60‬بلدا‬
‫حول العامل‪ ،‬و ُتن ََّسق من لدن جامعة شيكاغو حتت عنوان «البحث العاملي حول‬
‫القيم»‪ ،‬تم التساؤل بخصوص مدى أمهية األرسة بالنسبة للمغاربة‪ ،‬حيث طلب‬
‫منهم أن يوضحوا يف جواهبم هل هي «مهمة جدا» بالنسبة هلم‪« ،‬مهمة»‪« ،‬غري مهمة‬
‫جدا»‪ ،‬أو«غري مهمة إطالقا»‪ .‬فكان جواب ‪ % 91‬من املجيبني أهنا «مهمة جدا»‪ ،‬بينام‬
‫الصداقة مل حتظ هبذه الدرجة من األمهية سوى من لدن ‪ % 36‬من املستجوبني‪ .‬أما‬
‫السياسة‪ ،‬بام هي عليه من ارتباط وثيق بالفضاء العام‪ ،‬فلم ترق إىل هذا املستوى من‬
‫األمهية سوى لدى ‪ % 6‬من املستجوبني(((‪.‬‬

‫‪(1) - World Value Survey (WVS). Study Results WV6, Morocco 2011, p. 1-2.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪21‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫ويف دراسة من إنجاز املعهد امللكي للدراسات اإلسرتاتيجية حول الرابط‬
‫االجتامعي‪ ،‬تبني أن من بني ما يميز املغاربة تعلقهم القوي نسبيا بأرسهتم ‪attachement‬‬
‫‪ ،familial‬حيث أوضحت الدراسة أن ما يقرب من نصف املجيبني )‪ (46 %‬يتمنون‬
‫االجتامع بأعضاء أرسهتم ممن ال يقطنون معهم يف نفس املنزل عىل األقل مرة واحدة يف‬
‫األسبوع‪ .‬كام أوضحت أن مناسبات االجتامع األرسي املوسع األكثر تفضيال تتمثل‪،‬‬
‫عىل التوايل‪ ،‬يف الزواج واالحتفال بعيد األضحى وعند املرض أو الوفاة‪ ،‬وذلك بنسبة‬
‫تفوق أربعة ‪ 5/4‬من املجيبني (‪ .)% 83‬وعىل خالف كل التوقعات‪ ،‬أدى االستعامل‬
‫املوسع للهاتف املحمول‪ ،‬ليس إىل توسيع وتنويع العالقات العائلية‪ ،‬وإنام إىل تعزيز‬
‫الروابط العائلية القوية أصال‪ ،‬أي مع األعضاء األقرب يف سلم القرابة(((‪.‬‬

‫‪ 2.5‬الأ�سرة املمتدة والنووية‪ :‬قطيعة �أم تداخل؟‬

‫إن االستقالل الذايت لألرس النووية ال يؤدي إىل التخيل عن العائلة باعتبارها قيمة‬
‫مركزية يف املجتمع‪ .‬لذا‪ ،‬تتواصل أشكال التضامن املتوارثة بني أعضاء العائلة رغم التغريات‬
‫الطارئة عىل البنية األرسية‪ .‬فاالنفصال السكني لألرس النووية عن األرسة األصلية املمتدة‬
‫أو املركبة ال يعني‪ ،‬يف املجتمع املغريب عىل العموم‪ ،‬حدوث أي قطيعة بينهام عىل الصعيد‬
‫القيمي والثقايف‪ .‬صحيح أن وعي الفرد بحقوقه كان وراء التوتر العالئقي الذي أدى يف‬
‫هناية املطاف إىل سعي األبناء للعيش يف جمال سكني مستقل‪ ،‬إال أن الثقافة املحافظة املتمثلة‬
‫يف مراقبة سلوك املرأة وحركيتها‪ ،‬وتدخل األرسة املمتدة يف شؤون األرس النووية املتفرعة‬
‫عنها‪ ،‬والعالقة القوية باألم‪ ،‬ولو عىل حساب العالقة بالزوجة‪ ،‬واشتغال األرسة النووية‬
‫كام لو كانت أرسة ممتدة عند مواجهة التحديات واملشاكل الصعبة‪ ،‬كل ذلك يبقي عىل‬
‫الكثري من القواسم القيمية بني هاذين النمطني من األرس‪.‬‬

‫وإذا كان التيار السائد ضمن الديناميات التي تشهدها األرسة حاليا هو‬
‫ذاك الذي يقود أغلب أعضائها إىل إهناء التساكن بتكوين أرسة نووية مستقلة نسبيا‬
‫عن األرسة األصلية ‪ autonomie résidentielle‬فإن ما حيدث‪ ،‬بموازاة ذلك أيضا‪،‬‬

‫‪(1) - IRES. Rapport de l’enquête nationale sur le lien social au Maroc, Mars 2012, p. 13-16.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪22‬‬


‫هو احلرص عىل أن يكون سكن املتزوجني اجلدد من األبناء قريبا من سكن اآلباء‬
‫‪ ،proximité résidentielle‬وبصفة خاصة يف الوسط القروي‪ ،‬حيث يقتطع أحيانا اآلباء‬
‫أنفسهم قطعة من األرض األرسية لفائدة أبنائهم‪ ،‬ويف أحيان أخرى‪ ،‬متنح هلم من لدن‬
‫امجاعة الدوار‪ .‬ويف أغلب احلاالت‪ ،‬يكون الغرض من اجلمع بني االستقاللية والقرب‬
‫يف السكن بني األرسة األصلية وأرس األبناء املتزوجني‪ ،‬التوفيق بني‪ ،‬من جهة‪ ،‬احلميمة‬
‫واحلاجة إىل العيش يف جمال خاص ومستقل‪ ،‬ومن جهة أخرى‪ ،‬إبقاء إمكانية التضامن‬
‫بني األبناء واآلباء ميرسة ومتاحة يف كل وقت وحني‪ .‬ويف هذه احلال‪ ،‬يتواصل تفاعل‬
‫أعضاء األرسة بشكل يومي‪ ،‬ويتم ضامن استقرارها ومحايتها بشكل أفضل من طوارئ‬
‫العوز واملرض وفقدان الدخل(((‪.‬‬

‫عىل أن تطور طقس «التويزة»‪ ،‬املتواجد تقليديا يف قلب التضامن اجلامعي‪ ،‬يبني‬
‫كيف أن تغري املحيط االجتامعي ورشوط العيش جيعل أحيانا من الصعب احلفاظ عىل‬
‫قيمة التضامن‪ ،‬حتى لو توفرت إرادة ضامن استمرارها‪ .‬فإذا كان اآلباء يعتربون أن‬
‫«التويزة» تضامن مع اجلامعة‪ ،‬فإن الشباب صاروا ينظرون هلا كعمل شاق وغري جمدي‪،‬‬
‫خاصة بعد ظهور فرص العمل املأجور‪ .‬وهذا هو ما يفرس التخيل عن هذا الطقس يف‬
‫أغلب املناطق القروية املغربية‪ ،‬لكن مع استمرار التشبث بالعديد من أشكال التضامن‬
‫العائيل واجلامعي األخرى املتعلقة باحلفاظ عىل املراعي واألرايض اجلامعية‪ ،‬وصيانة‬
‫قنوات الري‪ ،‬والتنظيم اجلامعي لدورة املياه‪ ،‬واستغالل أرايض األحباس‪ ،‬وتقديم‬
‫الدعم للعائلة‪ ...‬وإذا كان القرويون يرفضون حتويل املهام والوظائف التضامنية التي‬
‫تتكلف هبا العائلة ملؤسسات الدولة‪ ،‬فهل يمكن أن يستمر هذا الرفض ملدة أطول‪ ،‬علام‬
‫بأن البنيات األرسية تتغري(((‪ ،‬والشباب يغادر بشكل متزايد الدوار نحو املدينة‪ ،‬واملرأة‬
‫تتجه أكثر فأكثر نحو احلضور واملشاركة يف الفضاء العام‪.‬‬

‫‪(1) CERED. Famille au Maroc : Les réseaux de solidarité familiale, Etudes démographiques,‬‬
‫‪1996, p. 71-72.‬‬
‫‪(2) Hassan Rachik. Rapport de synthèse de l’enquête nationale sur les valeurs, Op. Cit., p.‬‬
‫‪22 - 23.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪23‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫‪ 3.5‬الأ�سرة والبحث عن التوازن بني قيم الطاعة والتفاهم والتوافق‬

‫تذكرنا رمحة بورقية بأن األرسة متثل املؤسسة األوىل حيث مترر القيم ويعاد‬
‫إنتاجها‪ .‬ومتارس هذه القيم يف نطاق ما كان يميز األرسة التقليدية املمتدة من تراتب‬
‫وسلطة وطاعة‪ ،‬وكذا يف املسيد واملدرسة‪ .‬ويف سياق الثقافة التقليدية‪ ،‬كانت طاعة‬
‫األب من لدن األطفال‪ ،‬وطاعة الزوجة لزوجها قيمة إجيابية جتلب ملن يتبناها االحرتام‬
‫والتوقري‪ .‬وتبني الباحثة فوق ذلك بأن السلطة األبوية كانت مدعمة بقيمة «الرىض»‪،‬‬
‫وكذا باخلوف من «سخط الوالدين» الذي كان يرتجم أيضا‪ ،‬بالنسبة ملن يتعرض له‪ ،‬إىل‬
‫سخط من اهلل واألرسة واملجتمع‪ .‬بل إن التامسك األرسي ذاته مدين لقيمة «الرىض»‬
‫يف ضامن استمراره عرب الزمن(((‪.‬‬
‫ويف بحث سوسيولوجي حول طالب جامعة حممد اخلامس‪ ،‬تبني أن قيمة الطاعة‬
‫ظلت إىل حدود منتصف التسعينيات مؤثرة يف العالقات األرسية‪ ،‬هذا بينام صارت قيمة‬
‫التفاهم مفعلة بدرجة أوسع‪ .‬فقد اتضح أن ‪ % 31‬من الطالب اعتربوا أن عالقة الطاعة‬
‫متيز عالقتهم بأبيهم‪ ،‬يف مقابل ‪ % 48‬استعاضوا عنها بعالقة التفاهم‪ ،‬وذلك بشكل‬
‫متقارب جدا بني اإلناث والذكور‪ .‬ويف ما خيص العالقة باألم‪ ،‬تقل بشكل ملحوظ‬
‫نسبة الطالب املرصحني «بالطاعة»‪ ،‬بينام ترتفع نسبة املرصحني «بالتفاهم» (‪ % 17‬يف‬
‫مقابل ‪ .((()% 64‬وجيدر التأكيد هنا عىل قوة العالقة أم‪-‬ابن يف املجتمعات اإلسالمية‬
‫واملتوسطية بصفة عامة‪ ،‬واملجتمع املغريب بصفة خاصة‪ ،‬حيث يقوم اإلبن‪ ،‬مقابل احلامية‬
‫الزائدة التي يتلقاها من أمه‪ ،‬بمنحها ما هي يف حاجة إليه من اعرتاف اجتامعي وتقدير‬
‫أرسي(((‪ .‬ويشكل تفضيل نسبة أعىل من الطالب للتفاهم مقارنة بالطاعة‪ ،‬مؤرشا عىل‬
‫نزوع الفرد نحو الربوز واالستقاللية ‪.autonomie individuelle‬‬
‫ويف ما خيص العالقات األرسية البينية‪ ،‬يالحظ أن قيمة الطاعة‪ ،‬املتجذرة أصال‬
‫يف الثقافة التقليدية‪ ،‬مل تعد مفعلة بشكل بني سوى يف العالقة آباء – أطفال‪ ،‬وذلك‬
‫بالرغم من أن القيمة السيكولوجية للطفل قد عوضت‪ ،‬إىل حد بعيد‪ ،‬قيمته االقتصادية‪،‬‬

‫‪(1) - Ibid., p. 68-69.‬‬


‫‪(2) Ibid., p. 52-54.‬‬
‫‪(3) - Malek Chebel. L’imaginaire arabo-musulman, PUF, Paris, 1993, p. 49.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪24‬‬


‫وأن االهتامم الرئيس بالطفل صار متمثال يف تعليمه وتكوينه وليس يف تشغيله‪ .‬عىل أن‬
‫هنالك من الباحثني من يرى‪ ،‬عىل األقل يف بعض األرس الفقرية واهلشة‪ ،‬أن صورة األب‬
‫بدأت هتتز وتضعف نتيجة لرتاجع قدرته عىل اإلنفاق وتدين مستواه التعليمي بالنظر‬
‫إىل تطور املعايري املعرفية‪ ،‬بحيث مل يعد األطفال جيدون أنفسهم مضطرين لطاعته‪ ،‬وال‬
‫العتباره قدوة بالنسبة هلم‪ .‬ويف مثل هذا الوسط األرسي اخلايل من النامذج((( املحفزة عىل‬
‫التوحد هبا‪ ،‬ينعدم التوجيه األبوي بكل ما قد يرتتب عن ذلك من انحراف واضطراب‬
‫يف السلوك واألخالق‪.‬‬

‫أما نسبة املجيبني ممن يتشبثون بقيمة طاعة الزوجة لزوجها‪ ،‬فإهنم ال يمثلون‬
‫سوى نسبة ‪ % 17‬من جمموع املجيبني؛ بينام ال تتعدى نسبة املجيبني الذين يتطلعون إىل‬
‫طاعة الزوج لزوجته نسبة ‪ % 4‬من ذات املجموع‪ .‬وتبني املقارنة بني اجلنسني أن أمهية‬
‫طاعة الزوجة لزوجها أعىل يف أوساط الذكور )‪ (20 %‬منها بني اإلناث ((()‪ .(13 %‬لكن‪،‬‬
‫يف إطار البحث الوطني حول القيم الذي أجري ‪ 6‬سنوات قبل ذلك‪ ،‬أي يف سنة ‪،2005‬‬
‫تبني أن ‪ % 79‬من املجيبني يعتربون أن طاعة الزوجة لزوجها تساعد عىل التفاهم يف نطاق‬
‫األرسة(((‪ .‬يف حني صارت قيمة التفاهم‪ ،‬بكل ما يرتبط هبا من نزوع نحو احلوار والتشاور‬
‫واالستامع لآلخر‪ ،‬مفعلة بدرجة أوسع بكثري يف العالقات زوج – زوجة‪ ،‬زوجة – زوج‪،‬‬
‫وكبار – صغار‪ ،‬حيث صارت نسبة املجيبني املفضلني هلا أعىل بكثري مما هي عليه بالنسبة‬
‫للطاعة‪ ،‬وخاصة بالنسبة للعالقة الزوجية‪ .‬وإذا كانت هذه املعطيات تبني بشكل واضح‬
‫تطلعات املغاربة إىل ترجيح كفة التفاهم عىل كفة الطاعة‪ ،‬فإنه ال جيب‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬أن‬
‫حيجب عنا هذا التفضيل واقع كون أعىل نسب املجيبني‪ ،‬وبالنسبة لكل الروابط املشار‬
‫إليها‪ ،‬رجحت اجلمع بني قيمتي الطاعة والتفاهم‪ .‬ولعل أبرز مثال عىل ذلك تفضيل‬
‫نصف املجيبني اجلمع بني القيمتني يف عالقة الزوجة بزوجها(((‪.‬‬
‫وتواجه العالقة الزوجية حتديا آخر متمثال يف مدى تفعيل قيمة التوافق‬

‫(((‪-‬رشيد جرموين‪« .‬التحوالت القيمية باملغرب‪ :‬الشباب نموذجا»‪ ،‬إضافات‪ ،‬العدد الثامن‪ ،‬خريف ‪،2009‬‬
‫ص ‪.161‬‬
‫‪(2) - IRES. Rapport de l’enquête nationale sur le lien social au Maroc, Mars 2012, p. 17.‬‬
‫‪(3) - Hassan Rachik. Rapport de synthèse de l’enquête nationale sur les valeurs, Op. Cit, p. 17.‬‬
‫‪(4) - IRES. Rapport de l’enquête nationale sur le lien social au Maroc, Op. Cit, p. 17-18.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪25‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫‪ concertation‬عند اختاذ بعض القرارات األرسية اهلامة‪ .‬وعىل هذا املستوى‪ ،‬بينت‬
‫دراسة املعهد امللكي للدراسات االسرتاتيجية أن التوافق بني الزوجني مفعل بشكل‬
‫واسع يف كل القرارات املتعلقة باستعامل موانع احلمل ‪) % 80‬من جمموع املجيبني)‬
‫وبزواج األبناء والبنات (‪ .)% 91‬بل نسجل أن هذه القيمة مفعلة‪ ،‬ولو بدرجة أقل‪ ،‬لدى‬
‫أكثر من نصف املجيبني‪ ،‬وذلك يف كل املجاالت األخرى بام فيها بيع ورشاء املمتلكات‬
‫العقارية‪ ،‬تدبري امليزانية األرسية‪ ،‬خروج املرأة لزيارة أعضاء أرسهتا‪ ،‬رشاء جتهيزات‬
‫منزلية والتصويت يف االنتخابات‪ .‬بل يتم تفعيلها حتى يف حاالت العنف املنزيل ضد‬
‫املرأة‪ ،‬حيث يفضل املغاربة الوساطة العائلية واحلوار املبارش بني الزوجني عىل اللجوء‬
‫لتدخل السلطات القضائية واألمنية(((‪ .‬وباستثناء بعض احلاالت القصوى‪ ،‬أوضحت‬
‫معطيات البحث الوطني حول القيم أن نسبة مرتفعة من األزواج يتقاسمون قرارات‬
‫هامة يف احلياة الزوجية‪ .‬فعندما يتعلق األمر بمن يتعني عليه اختاذ القرار املتعلق بعدد‬
‫األطفال‪ ،‬جييب ما يقرب من ¾ املجيبني بوجوب تقاسم هذا القرار بني الزوجني‪ .‬ويف‬
‫ما يتعلق برتبية األطفال‪ ،‬جييب ما يقرب من ثلثي املبحوثني (‪ )% 63‬بأن هذه املهمة من‬
‫واجب الزوجني وليس أحدمها(((‪.‬‬

‫ولعل البحث عن التوافق هو ما يربر استمرار االهتامم بزواج األقارب‪ ،‬حيث‬


‫تبني املندوبية السامية للتخطيط أنه ما زال منترشا يف املجتمع‪ ،‬وذلك بالرغم من أن‬
‫نسبته انخفضت من ‪ % 33‬سنة ‪ 1987‬إىل ‪ % 21‬سنة ‪ ،2010‬وأن ‪ % 8‬فقط من املغاربة‬
‫يعتربون أنه قابل للنجاح(((‪ .‬ويمثل زواج األقارب يف الوسط القروي نسبة ‪ % 77‬من‬
‫جمموع الزجيات )‪ .(4‬ومعلوم أن اللجوء هلذا النمط من الزواج املبني عىل الثقة أكثر من‬

‫‪(1) - IRES. Ibid., p. 19.‬‬


‫‪(2) - Ibid., p. 17.‬‬
‫‪(3) - IRES. Enquête Lien social, 2012.‬‬
‫(((‪-‬املندوبية السامية للتخطيط‪ :‬اجتاهات تطور الزواج والطالق لدى املرأة املغربية‪ .‬تقدم هذه الورقة‬
‫التي أصدرهتا املندوبية السامية للتخطيط إحصاءات دالة عن تطور وضعية الزواج باملغرب عىل ضوء‬
‫التحوالت التي طرأت عىل املغرب يف الفرتة املمتدة من ‪ 1960‬إىل سنة ‪ ،2010‬أي خالل ‪ 50‬سنة من تاريخ‬
‫املغرب احلديث‪ .‬انظر أيضا‪.HCP. ENDPR (2009-2010) :‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪26‬‬


‫أي قيمة أخرى(((‪ ،‬يتوخى منه احلفاظ عىل البناء األرسي والقبيل‪ ،‬باعتبار أن الوظائف‬
‫االجتامعية املنوطة به تكمن يف مقاومة التغيري وتفكك الروابط األرسية‪ (((.‬وإىل عهد‬
‫قريب‪ ،‬كان هذا النمط من الزواج يرقى إىل مستوى الزواج األكثر قيمة واعتبارا‪،‬‬
‫واألكثر حفاظا عىل قيم الرشف والعرض‪.‬‬

‫إال أن ما يلفت االنتباه هي املسافة التي ما زالت قائمة بني اجتاهات كل من‬
‫الرجال والنساء بخصوص القرارات املتصلة بخروج املرأة ملزاولة العمل املأجور‬
‫خارج البيت وزيارهتا ألرسهتا‪ .‬فإذا كان خروج املرأة للعمل بقرار من الرجل يؤيده‬
‫‪ % 47‬من الذكور مقابل ‪ % 22‬من اإلناث؛ فإن زيارة املرأة ألرسهتا بقرار من الرجل‬
‫حتظى بتأييد ‪ % 32‬من الذكور مقابل ‪ % 15‬من اإلناث‪ .‬ويعني ذلك أنه بالنسبة لكلتا‬
‫احلالتني متثل نسبة الذكور املؤيدين ألن يكون القرار بيد الرجل أكثر من ضعف نسبة‬
‫اإلناث املؤيدات له‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ال بد من اإلقرار بأن قيمة التوافق بني الزوجني عند‬
‫اختاذ القرارات األرسية صارت بوضوح حتتل الصدارة‪ ،‬خاصة بالنسبة لإلناث حيث‬
‫أيدها ما يقرب من ثالثة أرباع اإلناث مقابل ما يزيد قليال عن النصف بالنسبة للذكور‪.‬‬
‫ومثل هذه النتيجة تنسجم مع التوجه العام للعالقات األرسية نحو املزيد من التفاعل‬
‫والتبادل والتفاهم(((‪.‬‬
‫كام عرب املجيبون عن رأهيم بخصوص قيمة املساواة بني الزوجني‪ ،‬حيث اعترب‬
‫أكثر من ثالثة أرباع املجيبني أن من شأن تفعيلها أن يعزز الرابط األرسي )‪،(% 78‬‬
‫مقابل ‪ % 19‬منهم اعتربوا أن من شأن األخذ هبا أن يضعف الرابط األرسي‪ .‬كام تبني‬
‫أن اإلناث أكثر اقتناعا من الذكور بقوة إسهام املساواة يف تعزيز الرابط األرسي (‪% 82‬‬
‫مقابل ‪.((()% 73‬‬

‫((( اهلراس‪ ،‬املختار (تنسيق وإرشاف)‪« ،‬حالة الزواج يف دول املغرب العريب»‪ ،‬منشور ضمن كتاب‪ :‬حالة‬
‫الزواج يف العامل العريب‪ ،‬معهد الدوحة الدويل لألرسة‪ ،‬دار جامعة محد بن خليفة للنرش‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬
‫‪ ،2019‬ص ‪.163‬‬
‫‪(2)- Mokhtar EL Harras : Les mutations de la famille au Maroc, 50 ans de développement‬‬
‫‪humain au Maroc _ Perspectives 2025, 2005, p.109. http://www.albacharia.ma/xmlui/‬‬
‫_‪bitstream/handle/123456789/31436/1211Les_mutations_de_la_famille_au_Maroc‬‬
‫‪(2006)4.pdf?sequence=1‬‬
‫‪(3)- IRES. Op. Cit., p. 19-20.‬‬
‫‪(4)- IRES. Ibid., p. 23-24.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪27‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫ويف ما خيص تقدم السن عند الزواج األول‪ ،‬الناجم عن طول مدة تعليم اإلناث‬
‫والعطالة عن العمل‪ ،‬فقد صار يساهم يف حتقيق قدر غري مسبوق من املساواة بني‬
‫الزوجني‪ .‬ومن املعلوم أن تقلص فارق السن بني الزوجني‪ ،‬بام يرتبط به من تقارب‬
‫بني سلطتي كل من الرشيكني‪ ،‬وبالتايل تعزيز نزوع الزوجني نحو التوافق‪ ،‬أضحى‬
‫واقعا ملموسا يف الوسط احلرضي أكثر منه يف الوسط القروي‪ ،‬وبني الفئات االجتامعية‬
‫العليا والرشائح العليا من الطبقة املتوسطة أكثر منها يف أوساط الفئات ذات املستوى‬
‫االجتامعي املتواضع واألقل حظا(((‪.‬‬

‫‪ 4.5‬بروز الفرد داخل الأ�سرة‬

‫إذا كان املجتمع املغريب ما زال عىل العموم متشبثا بالقيم األرسية التقليدية‪ ،‬فإن‬
‫ذلك ال يلغي تطلع األفراد إىل احلداثة(((‪ .‬إذ بموازاة هذا «االستمرار األرسي» النسبي‪،‬‬
‫هناك مؤرشات واضحة عىل بروز الفرد داخل األرسة يف املجتمع املغريب‪ .‬حسبنا أن‬
‫نذكر يف هذا الصدد بعض نتائج البحث الذي أنجز مع عينة مكونة من ‪ 865‬من طالب‬
‫جامعة حممد اخلامس وتالميذ السنة النهائية يف التعليم الثانوي بالرباط‪ .‬يتبني من خالل‬
‫خمرجاته بأن أغلب الشباب يرصون عىل اختيار رشيك حياهتم بحرية ودون تدخل‬
‫مبارش لآلباء‪ .‬ويتأكد النزوع نحو تفضيل االستقالل الذايت للشباب عىل هذا الصعيد‬
‫من خالل معطيات البحث الوطني حول القيم الذي أنجز يف إطار تقرير اخلمسينية‬
‫سنة ‪ ،2004‬حيث تبني أن ‪ % 79‬من املجيبني يعتربون أن الشاب هو من له احلق يف‬
‫اختيار زوجته‪ ،‬وأن ‪ % 67‬منهم يرون أن الشابة هي من هلا احلق يف اختيار زوجها(((‪.‬‬
‫وبخصوص القيم التي يفضل أغلب املغاربة أن يربى عليها األطفال يف البيت‪ ،‬اختار‬
‫‪ % 78‬من املستجوبني اإليامن الديني‪ ،‬و‪ % 67‬العمل اجلاد‪ ،‬و‪ % 64‬حس املسؤولية‪.‬‬
‫واختار أكثر من نصف املستجوبني (‪ )% 57‬التسامح(((‪.‬‬

‫‪(5)- IRES., Ibid., 2012‬‬


‫‪(6)- IRES. Lien social, familles, valeurs et changements sociaux au Maroc _ Bilan d’une lecture‬‬
‫‪bibliographique, Rabat, 2012.‬‬
‫‪(7)- Hassan Rachik. Rapport de synthèse de l’enquête nationale sur les valeurs, 50 ans de‬‬
‫‪développement humain _ Perspectives 2025, 2005, p. 19.‬‬
‫‪(8)- WVS. Ibid., p. 4 – 8.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪28‬‬


‫وتبني من البحث اجلامعي املذكور أعاله أن ‪ 10/9‬من الطالب يؤيدون استعامل‬
‫وسائل التخطيط العائيل‪ ،‬و‪ 10/8‬يفضلون أسلوب اإلقناع عىل اختيار الرصامة واحلرية‬
‫املفرطة يف تربية األطفال‪ .‬كام تصدرت قيمة التسامح أجوبة الشباب املستجوبني‪ ،‬حيث‬
‫عرب ‪ % 78‬منهم عن «استعدادهم للصداقة مع شخص غري مسلم»‪ ،‬و‪ % 62‬عن «قبوهلم‬
‫ألستاذ غري مؤمن»(((‪ ،‬حيث صارت هذه القيمة‪ ،‬أكثر فأكثر‪ ،‬فضاء لتشكل حاجيات‬
‫واختيارات وحقوق فردية متزايدة االختالف والتباين ختص كال من الطفل واملرأة‬
‫والشباب‪ .‬ونتيجة لذلك‪ ،‬مل يعد من املمكن احلديث عن األرسة باعتبارها كيانا واحدا‬
‫وموحدا ‪ ،La Famille‬وإنام عن األرس (((‪ ،les familles‬التي تتباين وتتاميز بنياهتا وعالقاهتا‬
‫وقيمها حتت تأثري عوامل داخلية (التفكك األرسي‪ ،‬االنتقال الديموغرايف‪ ،‬التمدرس‪،‬‬
‫عمل املرأة خارج البيت‪ ،‬اتساع نطاق التحرض‪ ،‬اهلجرة الداخلية‪ ،‬تزايد الفوارق بني‬
‫الفئات االجتامعية واجلهات‪ ،‬انتشار وسائل االتصال والتواصل احلديثة‪ ،)...‬وعوامل‬
‫خارجية (انفتاح املغرب عىل العامل‪ ،‬اهلجرة الدولية‪ ،‬والعوملة بكل مكوناهتا)‪ .‬أضف‬
‫إىل ذلك أن الفرد أضحى موضوعا للقانون‪ ،‬بل شخصية قانونية ذات حقوق ختصها‬
‫باستقالل عن األرسة التي تنتمي إليها‪ .‬كام أصبحت العديد من القيم األساسية متضمنة‬
‫يف «احلقوق األرسية للشخص»‪ ،‬و«احلقوق االجتامعية لألرسة»‪ .‬ويعني ذلك أن‬
‫التحدي األسايس الذي يتعني عىل املجتمع املغريب رفعه حاليا‪ ،‬يتمثل أساسا يف احلفاظ‬
‫عىل األرسة باعتبارها خلية قاعدية يف املجتمع‪ ،‬ويف ذات اآلن‪ ،‬عىل حقوق األفراد‪،‬‬
‫أعضاء األرسة‪ ،‬عىل الصعيد السيايس‪ ،‬واالقتصادي واالجتامعي والثقايف‪ .‬وأدت‬
‫تداعيات العوملة‪ ،‬وبصفة خاصة يف شقها اإلعالمي‪ ،‬إىل تنميط التطلعات والقيم‪ ،‬يف‬
‫بعض املجاالت‪ ،‬مثل الرغبة يف التملك واالكتساب‪ ،‬وهذا مظهر آخر من مظاهر نمو‬
‫الفردانية يف املجتمع التي تعرب عن نفسها لدى بعض الشباب عىل شكل تبني قيم السوق‬
‫املتمثلة أساسا يف النزوع نحو االستهالك والتسلية والرتفيه(((‪.‬‬

‫‪(1)- Hassan Rachik, « Jeunes et tolérance ». In : R. Bourqia ; M. El Ayadi ; M. El Harras ; H.‬‬


‫‪Rachik., In : Les jeunes et les valeurs religieuses, Eddif-Codesria, 2000, p. 223.‬‬
‫‪(2)- Mokhtar El Harras, « L’étudiant et sa famille ». In : R. Bourqia ; M. El Harras ; D. Bensaid.‬‬
‫‪Jeunesse estudiantine marocaine, valeurs et stratégies, Publications de la Faculté des‬‬
‫‪Lettres et des Sciences Humaines, Rabat, 1995, p. 51‬‬
‫(((‪ -‬حممد مصباح‪« .‬اإلعالم اجلديد‪ ،‬العوملة‪ ،‬وحتدي خصخصة القيم»‪ ،‬مؤمنون بال حدود‪،2013 ،‬‬
‫ص ‪.12 – 11‬‬
‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬
‫‪29‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫وتربز الفردانية املتنامية يف القيم املرتبطة بالزواج‪ ،‬وذلك من خالل متثالت‬
‫األفراد للزوج املثايل ‪ idéal‬والزوجة املثالية‪ .‬إن األمر يتعلق بعنقود من امليزات يعد‬
‫توفرها مرغوب فيه بالنسبة لكل من الرشيكني‪ .‬ومما يثري االنتباه‪ ،‬أن نفس القيم مطلوبة‬
‫يف كل منهام‪ .‬فقد تم الرتكيز عىل معايري «اجلامل الفيزيقي‪ ،‬والغنى‪ ،‬واملستوى التعليمي‪،‬‬
‫واحلسب والنسب‪ ،‬والدخل املستقر‪ ،‬واالنتامء لدائرة السلطة‪ ،‬واحلذاقة ‪،hdaga‬‬
‫والتدين‪ ،‬واملعقول»(((‪ .‬عىل أن امليزة األوىل التي جيب أن يتحىل هبا كل من الزوج‬
‫والزوجة هي «املعقول» (عىل التوايل‪ % 36 ،‬و‪ % 38‬من جمموع املجيبني)‪ .‬ويتقارب‬
‫الزوجان كذلك يف معيار التدين الذي جاء يف الرتبة الثالثة بالنسبة لكل من الرجل‬
‫واملرأة (عىل التوايل‪ % 13 ،‬و‪ .)% 17‬وبينام تم الرتكيز عىل معيار الدخل املستقر بالنسبة‬
‫للرجل (‪ ،)% 24‬تم اعتباره ثانويا بالنسبة للمرأة (‪ .)% 2‬وعىل خالف ذلك‪ ،‬جاءت‬
‫نسبة من اختاروا معيار األصل العائيل بالنسبة للمرأة تقريبا ضعف نسبة املجيبني الذين‬
‫اختاروه بالنسبة للرجل (‪ 17%‬مقابل ‪ .)% 9‬عىل أن معطيات الدراسة مل تؤكد ارتباط‬
‫قيمة اجلامل بالزوجة سوى بنسبة ‪ % 11‬من املجيبني‪ ،‬وذلك خالفا ملا هو منتظر(((‪.‬‬
‫واستنادا إىل ما تم التعبري عنه أعاله من ممارسات‪ ،‬واختيارات واجتاهات من‬
‫لدن املواطنني املغاربة‪ ،‬ما هي االنتظارات واألولويات التي يمكن استخالصها‬
‫من عالقتهم املتطورة باألرسة والتغريات التي شهدهتا يف العقود األخرية؟ لنرى‬
‫فيام ييل أمهها‪:‬‬

‫·بالنظر إىل األمهية الفائقة التي يضفيها املغاربة عىل مؤسسة األرسة وما متثله‬
‫من دفئ‪ ،‬وسند‪ ،‬وتضامن‪ ،‬ينتظر من الدولة تقديم املزيد من الدعم ملا تقوم‬
‫به من أدوار التنشئة‪ ،‬واالحتضان والرعاية لفائدة األطفال واملسنني واملرىض‬
‫واألشخاص يف وضعية إعاقة؛‬

‫·استجابة ملتطلبات بعض احلاالت اخلاصة ولعدم قدرة (أو رغبة) بعض االرس‬
‫يف حتمل مسؤولياهتا التضامنية يف ميدان الرعاية‪ ،‬وملا يتوقع من خروج املزيد من‬

‫‪(1) - Hassan Rachik. Rapport de synthèse de l’enquête nationale sur les valeurs, Op. Cit., p. 16.‬‬
‫‪(2) - Ibid., p. 16.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪30‬‬


‫النساء للعمل خارج البيت‪ ،‬يتعني السري قدما يف خلق مؤسسات اجتامعية بديلة‬
‫تعوض األرسة‪ ،‬كليا أو جزئيا‪ ،‬يف توفري اخلدمات التي عجزت‪ ،‬أو ستعجز‪،‬‬
‫عن تقديمها؛‬

‫·بالنظر ملا تشهده األرسة من سريورات التفرد واالستقاللية‪ ،‬ينتظر توسيع‬


‫جمال تقنني حقوق الفرد يف اختاذ كل القرارات واالختيارات التي يراها مالئمة‬
‫حلياته‪ ،‬لكن دون اإلخالل بوشائج وروابط احلياة األرسية‪.‬‬

‫·استنادا إىل ما الحظناه أعاله من توجه العالقات األرسية نحو املزيد من‬
‫التفاهم‪ ،‬والتبادل واحلوار والتوافق‪ ،‬يتعني دعم هذه الدينامية اجلارية باجتاه‬
‫احلداثة واالنفتاح والديموقراطية عرب ترسيخها وتعميقها يف التنشئة املدرسية‪،‬‬
‫والربامج السمعية – البرصية‪ ،‬وأنشطة املجتمع املدين‪.‬‬

‫·وإذا كان تشخيص وحتليل العالقات األرسية يتضمن بالرضورة سؤال النوع‬
‫االجتامعي‪ ،‬فإن هذا األخري تقاطعي أو عرضاين يف طبيعته‪ ،‬بحيث يمتد ويتسع‬
‫إىل كل امليادين والقطاعات األخرى التي هتم كال اجلنسني‪ .‬لذا‪ ،‬نعترب أنه‬
‫بتوظيف مفهوم النوع سيكون بإمكاننا الكشف عن املزيد من مظاهر احليف‬
‫التي تتعرض هلا املرأة يف املجتمع املغريب‪.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪31‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫‪ .6‬الفوارق املبنية على النوع االجتماعي‬

‫مفهوم النوع االجتامعي ال خيص املرأة فقط‪ ،‬وإنام الرجل واملرأة معا‪ .‬ويشمل‬
‫الروابط القائمة بينهام واملهام املسندة إليهام اجتامعيا‪ ،‬واملتميزة باالختالف يف األدوار‪،‬‬
‫والرتاتب يف املزايا واحلقوق‪ ،‬والسلطة يف العالقات‪ .‬ونستعمله يف هذه الدراسة ملا‬
‫له من عالقة مبارشة بالعدالة واملساواة االجتامعية‪ ،‬والكرامة وحقوق اإلنسان بصفة‬
‫عامة‪ .‬ويمكن توظيفه‪ ،‬فوق ذلك‪ ،‬يف تفسري الرصاعات األرسية‪ ،‬والظلم االجتامعي‪،‬‬
‫والتوزيع غري املتساوي للموارد املادية واالجتامعية(((‪ .‬فهل تتوفر املعطيات اإلحصائية‬
‫الكافية العتامد تفعيل شامل ملساواة النوع االجتامعي؟ وإىل أي مدى نجح تفعيل القيم‬
‫املرتبطة هبذا املفهوم عىل صعيد الربامج والترشيعات والتمدرس والشغل والتنمية‬
‫املحلية؟‬

‫‪ 1.6‬تعدد يف الربامج مع نق�ص يف املعطيات‬


‫لعل أهم ما يلفت االنتباه عند الرشوع يف فحص قضية النوع واملساواة بني‬
‫اجلنسني التي ينص عليها دستور ‪ ،2011‬النقص امللحوظ يف املعطيات املصنفة بحسب‬
‫معيار النوع االجتامعي‪ ،‬ال سيام عندما يكون اهلدف متمثال يف بناء السياسات العمومية‬
‫أو تقييمها من حيث انعكاساهتا عىل كل من الرجال والنساء‪ .‬بل ينقص النرش املنتظم ملثل‬
‫هذه املعطيات حتى يف املؤسسات العمومية التي استحدثت للدفاع عن حقوق املرأة‪،‬‬
‫مثلام هو األمر بالنسبة ملرصد العنف ضد النساء‪ ،‬ومرصد صورة املرأة يف اإلعالم(((‪.‬‬
‫لقد تم إصدار قوانني هامة‪ ،‬مثل القانون التنظيمي رقم ‪ )2015( 130.13‬الذي يأخذ‬

‫(((‪ -‬مي الدباغ‪« .‬النوع االجتامعي‪ :‬نحو تأصيل املفهوم يف الوطن العريب واستخدامه يف صوغ سياسات عامة‬
‫فعالة»‪ ،‬إضافات‪ ،‬العددان ‪ ،24 – 23‬صيف وخريف ‪ ،2013‬ص ‪ ،122 ،119‬و‪.126‬‬
‫(((‪ -‬يتعارض مع هذا القصور يف نرش معطيات حول النوع االجتامعي ما أقدمت عليه املندوبية السامية‬
‫للتخطيط سنة ‪ 2021‬عند نرشها ‪ :une plate-forme genre‬انظر‪http://genre.hcp.ma :‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪32‬‬


‫بعني االعتبار مساواة النوع االجتامعي عند التخطيط ووضع امليزانيات‪ ،‬والقانون رقم‬
‫‪ )2018( 79.14‬املتعلق هبيئة املناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز ‪ .APALD‬إال أن‬
‫هاذين القانونني ال يتعرضان ألشكال التمييز املتعددة واملتقاطعة والبني‪-‬قطاعية التي‬
‫تتعرض هلا فئات معينة من النساء والفتيات‪.‬‬

‫ومع ذلك ال بد من االعرتاف بأن املغرب وضع عدة خطط وبرامج يف صالح‬
‫املساواة بني اجلنسني وحقوق اإلنسان‪ .‬ويمكن أن نذكر يف هذا اإلطار «خطة العمل‬
‫الوطنية يف جمال الديموقراطية وحقوق اإلنسان» ‪ PANDDH‬املمتدة من ‪ 2018‬إىل‬
‫‪ ،2021‬والتي ختص محاية حقوق فئات معينة من قبيل األطفال‪ ،‬والشباب‪ ،‬واألشخاص‬
‫يف وضعية إعاقة‪ ،‬واألشخاص املسنني واملهاجرين والالجئني‪ .‬كام عمد املغرب إىل‬
‫إنشاء «صندوق التكافل العائيل» الذي يقدم‪ ،‬برشوط معينة‪ ،‬النفقة لفائدة املرأة الفقرية‬
‫املطلقة؛ وأيضا «صندوق التامسك االجتامعي» الذي يمنح احلامية االجتامعية للسكان‬
‫يف وضعية فقر أو هشاشة‪ .‬وبمقاربة أشمل لكن أدق استهدافا‪ ،‬تقوم املبادرة الوطنية‬
‫للتنمية البرشية بمحاربة الفقر واإلقصاء والسعي إىل الرتكيز يف مرحلتها الثالثة (‪2019‬‬
‫– ‪ ،)2023‬إىل حتسني جودة اخلدمات يف مراكز متخصصة لفائدة النساء والفتيات ممن‬
‫يعانني من التهميش والتمييز يف خمتلف أشكاله(((‪.‬‬

‫‪2.6‬التفعيل القانوين لقيم امل�ساواة والإن�صاف بني اجلن�سني‪ :‬مكت�سبات‬


‫وحدود‬

‫وإذا كانت مدونة األرسة قد سامهت إىل حد ما يف تغيري قيم املغاربة إزاء العالقة‬
‫الزوجية(((‪ ،‬بإعادة بنائها عىل أساس قيم املساواة‪ ،‬واحرتام مكانة املرأة واألرسة بصفة‬
‫عامة‪ ،‬يف مقابل التصور التقليدي القائم عىل احلضور املركزي للرجل دونام اعتبار‬
‫للزوجة أو ملكانتها؛ إذا كانت قد أكدت عىل املسؤوليات املشرتكة للزوجني‪ ،‬حيث‬

‫‪(1)- ONDH. Discriminations intersectionnelles des femmes au Maroc, Royaume du Maroc, Le‬‬
‫‪Président du gouvernement, 2020, p. 19 – 20.‬‬
‫(((‪ -‬تقرير وزارة التضامن واملرأة واألرسة والتنمية االجتامعية‪ 10 ،‬سنوات عىل تطبيق مدونة األرسة‪ :‬أي‬
‫تغريات يف متثالت ومواقف وممارسات املواطنني واملواطنات‪ ،‬دراسة ميدانية ‪.2016‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪33‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫أضحيا مسؤولني مع ًا عن كل ما يتعلق باألرسة‪ ،‬واختاذ القرارات املتعلقة هبا(((‪ ،‬فإن‬
‫املطلوب حاليا‪ ،‬تعزيزا للمساواة بني اجلنسني‪ ،‬جعل املدونة أكثر توافقا مع دستور ‪2011‬‬
‫واتفاقية القضاء عىل مجيع أشكال التمييز ضد املرأة «سيداو» ‪.CEDAW‬‬
‫وال ننسى أن الزواج العريف الذي ما زال منترشا يف بعض املناطق الريفية النائية‪،‬‬
‫وبعض اجلامعات الدينية التي جتعل منه وسيلة لرشعنة االرتباط غري القانوين باجلنس‬
‫اآلخر‪ ،‬مساس جمحف بحقوق املرأة يف العدالة واإلنصاف واملساواة‪ .‬إنه ال يعدو أن‬
‫يكون جمرد غطاء لعالقة بني رجل وامرأة دون عقد رسمي للزواج‪ ،‬ودون ما يرتبط‬
‫هبذا األخري يف املغرب من مسؤوليات وحقوق وضامنات قانونية(((‪ ،‬بحيث «ال يبقى‬
‫للمرأة‪ ،‬إذا ما وضع الزوج حدا لعالقته هبا‪ ،‬أي سبيل قانوين للمطالبة بحق النفقة‪،‬‬
‫أو اإلرث‪ ،‬وال حتى بحق تسجيل األطفال يف دفرت احلالة املدنية باعتبارهم ينتسبون‬
‫إليه»‪ .‬وإذا كان يتعذر حاليا التحديد الدقيق حلجم هذه الظاهرة يف املجتمع املغريب‪،‬‬
‫لغياب إحصائيات رسمية خاصة هبا‪ ،‬فإنه من املؤكد‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬أن أقسام قضاء األرسة‬
‫يف املغرب باتت تبت يف العديد من قضايا ثبوت الزوجية‪ ،‬وإثبات النسب‪ ،‬واملطالبة‬
‫«بحقوق» مرتبطة بالتساكن والتعايش بني الزوجني دون سند قانوين(((‪.‬‬
‫ومع أن النساء قد حصلن عىل حق مزاولة مهنة «العدول» منذ سنة ‪،2018‬‬
‫ورصن بأعداد متزايدة يتقلدن منصب القضاء (‪ % 27‬من جمموع القضاة نساء)‪ ،‬ورغم‬
‫أن اإلدالء بالشهادة أمام هيئة قضائية يتأسس عىل ما يتحىل به الشخص من نزاهة‬
‫وصدق وليس عىل انتامئه جلنس اإلناث أو الذكور‪ ،‬فإن شهادة املرأة ما زالت تعترب غري‬
‫ذات أمهية ومصداقية مقارنة بشهادة الرجل‪ ،‬بكل ما يفرتضه ذلك من تراتب و«تفوق‬
‫أخالقي» للرجل عىل املرأة‪ ،‬وميز جمحف وخمل بمبدإ مساواة النوع(((‪.‬‬

‫(((‪ -‬عرش سنوات عىل تطبيق مدونة األرسة‪ :‬أي تغيريات يف متثالت ومواقف وممارسات املواطنني‬
‫واملواطنات‪ ،‬دراسة ميدانية‪ ،‬تقرير ‪ ،2016‬ص ‪.79‬‬
‫(((‪ -‬املختار اهلراس (تنسيق وإرشاف)‪« ،‬حالة الزواج يف دول املغرب العريب»‪ ،‬منشور ضمن كتاب‪ :‬حالة‬
‫الزواج يف العامل العريب‪ ،‬معهد الدوحة الدويل لألرسة‪ ،‬دار جامعة محد بن خليفة للنرش‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬
‫‪ ،2019‬قطر‪ ،‬ص ‪.159‬‬
‫(((‪ -‬نفس املرجع السابق‪ ،‬ص ‪160-159‬‬
‫‪(4)- CESE. Rapport annuel 2018, p. 75-76.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪34‬‬


‫‪ 3.6‬احلاجة �إىل مقاربة �أ�شمل ملحاربة العنف �ضد املر�أة‬

‫إن ما دفعنا إىل إدراج موضوع العنف ضد املرأة ضمن هذه الدراسة‪ ،‬تعارضه‬
‫التام مع قيم االحرتام‪ ،‬والكرامة‪ ،‬واملساواة‪ ،‬والتعاطف‪ ،‬والعدالة‪ ،‬والنبل‪ ،‬والرشف‪،‬‬
‫واملحبة‪ ...‬إن العنف املنزيل سلوك ال قيمي وال إنساين بامتياز‪ .‬وتفشيه يف املجتمعات‬
‫املعارصة‪ ،‬بام فيها املجتمع املغريب‪ ،‬دليل عىل أن األرسة ليست دائام خلية سلم وأمان‪،‬‬
‫بل قد تتحول إىل أخطر الفضاءات عىل الصحة اجلسدية والنفسية للمرأة‪ ،‬وحتى عىل‬
‫حياهتا نفسها‪.‬‬

‫وملحاربة هذه اآلفة االجتامعية‪ ،‬صدر سنة ‪ ،2015‬القانون رقم ‪ 103.13‬املتعلق‬


‫بمحاربة العنف ضد النساء‪ .‬ومن بني ما يالحظ يف هذا الشأن‪ ،‬عدم مواكبة صدور هذا‬
‫القانون باسرتاتيجية تواصلية عىل نطاق واسع‪ ،‬وال برشوح تبسيطية ملقتضياته متكن‬
‫املجتمع من استيعابه‪ ،‬ومن ثمة تطبيق ما ينتظر منه من إقرار للسلم يف احلياة األرسية‪،‬‬
‫إضافة إىل عدم مسايرته الكاملة للمعاهدات واملعايري الدولية املتعلقة بالعنف ضد املرأة‪،‬‬
‫وبصفة أخص بالوقاية واحلامية‪ ،‬والتكفل والعقاب‪ .‬ولقد كان من املفروض كذلك‬
‫تنظيم محلة تواصلية وحتسيسية واسعة بخصوص العنف املامرس ضد املرأة يف الفضاء‬
‫العام‪ ،‬وعواقبه املحتملة بام فيها من عقاب وحتى حرمان من احلرية‪ ،‬وذلك باستعامل‬
‫وسائط ومؤسسات من قبيل اإلعالم‪ ،‬واملدرسة‪ ،‬واملسجد‪ ،‬واجلمعية‪ ،‬واحلمالت‬
‫املتنقلة‪ ...‬وإذا كان خلق جلنة وطنية للتكفل بالنساء ضحايا العنف إجراء إجيايب‪ ،‬فإن‬
‫جعل مشاركة املجتمع املدين يف أشغال هذه اللجنة مرشوط برأهيا حول مدى نفعية‬
‫هذا احلضور‪ ،‬تقليص وإضعاف للمشاركة املواطنة‪ ،‬وإنكار للجهود التي بذهلا املجتمع‬
‫املدين دفاعا عن مساواة النوع وعن حق املرأة يف العيش بأمان ببيتها ويف الفضاء العام‪.‬‬
‫وأخريا‪ ،‬يالحظ أن شبكة املراكز املخصصة الستقبال وإيواء النساء ضحايا العنف ما‬
‫زالت ضعيفة وغري كافية بالنظر للعدد املرتفع من النساء واألطفال الذين يعانون من‬
‫انعكاسات هذه اآلفة(((‪.‬‬

‫‪(1)- CESE. Ibid., p. 76-77.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪35‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫ويتبني من نتائج الدراسة امليدانية الثانية املنجزة من لدن املندوبية السامية‬
‫للتخطيط سنة ‪ 2019‬أن معدل انتشار العنف املامرس ضد املرأة يف الفضاء املنزيل بلغ‬
‫‪ % 46‬من جمموع النساء الالئي شملتهن الدراسة‪ .‬وباملقارنة مع دراسة ‪ ،2009‬تراجع‬
‫معدل انتشار العنف النفيس من ‪ % 58‬إىل ‪ ،% 49‬واجلسدي من ‪ % 15‬إىل ‪% 13‬؛ لكن‬
‫ارتفع معدل العنف االقتصادي من ‪ % 8‬إىل ‪ ،% 15‬والعنف اجلنيس من ‪ % 9‬إىل ‪.% 14‬‬
‫ويتضح من هذه املعطيات كذلك أن ثقافة مساواة النوع بام يرتبط هبا من احرتام حلقوق‬
‫املرأة مل تتجذر بعد يف النسيج الثقايف للمجتمع‪ .‬ومن بني األدلة عىل ذلك أن ‪% 38‬‬
‫من النساء و‪ % 40‬من الرجال يعربون عن قبوهلم للعنف الزوجي إن كان الغرض منه‬
‫احلفاظ عىل االستقرار األرسي؛ أو أن ‪ % 27‬من النساء و‪ % 31‬من الرجال يرصحون‬
‫بأن للرجل احلق يف معاقبة زوجته إن ارتكبت خطأ ما‪ .‬وأبعد من ذلك‪ ،‬تستحق املرأة أن‬
‫ترضب‪ ،‬بالنسبة ل ‪ % 21‬من النساء و‪ % 25‬من الرجال‪ ،‬إن هي خرجت من البيت بدون‬
‫إذن زوجها‪ .‬ويعني كل ذلك أن ثقافة العنف ضد املرأة ما زالت متفشية يف املجتمع‪،‬‬
‫وحتى بني النساء أنفسهن‪ .‬األمر الذي يتعني معه تكثيف العمل التحسييس ليس فقط‬
‫يف جتاه الرجال‪ ،‬وإنام أيضا باجتاه النساء قصد توعيتهن بحقوقهن وبأمهية استقالهلن‬
‫االقتصادي يف احلفاظ عىل كرامتهن‪.‬‬

‫وإذا كانت اإلجراءات املتخذة ملحاربة العنف ضد النساء قد فشلت حلد اآلن يف‬
‫اجتثاثه‪ ،‬وتبدو غري كافية بالنظر إىل استمرار املعاناة من تداعياته‪ ،‬فألن املجتمع أيضا‬
‫ما زال يتساهل مع العنف الذكوري‪ .‬لذا‪ ،‬يتعني التصدي له يف اإلعالم الكالسيكي‬
‫واجلديد‪ ،‬واملدرسة‪ ،‬واملسجد‪ ،‬واجلمعيات‪ ،‬وكذا عرب تعبئة املؤسسات االجتامعية‬
‫واألمنية والقضائية إلنزال أقىص العقوبات بمرتكبيه(((‪.‬‬

‫‪ 4.6‬و�ضعية املر�أة يف التعليم من منظور النوع االجتماعي‬

‫يمثل ارتفاع نسبة تعليم اإلناث يف املجتمع املغريب قطيعة مزدوجة‪ ،‬أوال‪ ،‬جتاه‬
‫األجيال السابقة التي مل تستفد من التعليم سوى بقدر حمدود‪ ،‬وثانيا‪ ،‬جتاه الذكور الذين‬

‫‪(1) - CESE. Rapport annuel 2019, p. 60.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪36‬‬


‫ظلوا إىل حدود الثالثة عقود األخرية يشكلون األغلبية يف كل األسالك التعليمية‪.‬‬
‫إنه يضعف النظام األبوي الذي بني عىل أساس جهل املرأة‪ ،‬أو عىل األقل‪ ،‬عىل عدم‬
‫تساوي االستفادة من التعليم بني اجلنسني‪ .‬لذا‪ ،‬فإن الدعم املتزايد لتعليم اإلناث يعد‬
‫بمثابة اخلطوة األوىل نحو املنافسة عىل قدم املساواة مع الذكور يف سوق الشغل‪ ،‬وكذا‬
‫نحو مشاركة أوسع وأفضل للمرأة يف الفضاء العام‪.‬‬

‫ويتبني من خالل معطيات البحث املنجز سنة ‪ 2017‬من لدن املرصد الوطني‬
‫للتنمية البرشية أن الفتيات والنساء مل حيققن االستفادة املنشودة من التعليم‪ ،‬وذلك من‬
‫أدنى املستويات إىل أعالها‪:‬‬
‫·‪ % 40‬من الفتيات والنساء ممن يعادل أو يفوق سنهن ‪ 10‬سنوات كن بدون‬
‫تعليم؛‬

‫·‪ % 55‬من الفتيات والنساء ممن يعادل أو يفوق سنهن ‪ 12‬سنة مل يتممن تعليمهن‬
‫االبتدائي؛‬

‫·‪ % 68‬من الفتيات والنساء ممن يعادل أو يفوق سنهن ‪ 15‬سنة مل يتممن تعليمهن‬
‫يف السلك الثانوي اإلعدادي؛‬

‫·‪ % 81‬من الفتيات والنساء ممن يعادل أو يفوق سنهن ‪ 18‬سنة مل يتممن تعليمهن‬
‫يف السلك الثانوي التأهييل؛‬

‫·‪ % 20‬من الفتيات اللوايت يرتاوح سنهن بني ‪ 4‬و‪ 17‬سنة مل يكن‪ ،‬عند إجراء‬
‫البحث‪ ،‬متمدرسات‪ ،‬بل كن خارج النظام املدريس؛‬

‫·‪ % 68‬من الفتيات والنساء ممن يرتاوح سنهن بني ‪ 18‬و‪ 24‬سنة مل يكن يف التعليم‬
‫املدريس وال العايل(((‪.‬‬

‫ومن املتوقع متاما أن ينعكس عدم تعليم الفتيات والنساء وانقطاعهن املبكر عن‬
‫الدراسة‪ ،‬وبقائهن خارج أسالك التعليم يف زمن تشتد احلاجة إليه‪ ،‬بكيفية سلبية عىل‬

‫‪(1) ONDH. Discriminations intersectionnelles des femmes au Maroc, Op. Cit., p. 25.‬‬
‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬
‫‪37‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫مدى اندماجهن االجتامعي واالقتصادي‪ ،‬ومدى حتقيقهن الستقالهلن املايل‪ ،‬ناهيك‬
‫عام ينتظرهن من أدوار ثانوية وتابعة وضعيفة الفعالية يف حياهتن األرسية‪.‬‬
‫ويف املقابالت البؤرية التي تم إجراؤها‪ ،‬يف إطار نفس الدراسة‪ ،‬ببعض املناطق‬
‫اجلبلية يف األطلس الكبري‪ ،‬يتضح أن التعليم يعترب قيمة حقيقية بالنسبة للذكور أكثر‬
‫منه لإلناث‪ .‬يكفي أن تتعرض األرسة لضائقة مالية حتى ترسع إىل التخفيف عن‬
‫نفسها بحرمان الفتاة‪ ،‬دون الفتى‪ ،‬من متابعة الدراسة‪ .‬ويبدو أيضا أن احلرص عىل‬
‫الع ْر ْض‪ ،‬سواء بالنسبة لألب أو للعائلة ككل‪ ،‬ما زال يؤدي بالعديد من اآلباء‬ ‫قيمة ِ‬
‫إىل توقيف متدرس بناهتم‪ ،‬خاصة عندما يكرب حجم جسد البنت بكيفية ال تتناسب‬
‫يف نظرهم مع سنها‪ ،‬ويكون هدف األرسة تشديد املراقبة عىل سلوك البنت وعالقتها‬
‫بالذكور‪ .‬وبام أن مصري الفتاة هو أن تغادر بيت أبوهيا إىل بيت زوجها‪ ،‬وأن استمرار أداء‬
‫مصاريف دراستها‪ ،‬حسب هذا املنطق االجتامعي‪ ،‬هو نوع من «االستثامر اخلارس»‪ ،‬لذا‬
‫يبقى األجدر هبم السعي إىل تزوجيها‪ ،‬ولو قبل سن األهلية‪ ،‬بكل ما قد ينجم عن ذلك‬
‫الحقا من محل ووضع يف طور املراهقة‪ ،‬وفقدان لالستقالل الذايت‪ ،‬وتعرض للعنف‪،‬‬
‫وترمل مبكر‪ .‬أضف إىل ذلك أن االنفتاح عىل العامل اخلارجي يشجع عليه الذكور دون‬
‫اإلناث‪ .‬والدليل عىل ذلك أن العديد من األرس تشرتي اهلاتف املحمول لإلبن دون‬
‫البنت(((‪.‬‬
‫وبالرغم من التقدم احلاصل يف تعليم املرأة‪ ،‬فإن املناصفة يف فضاء املدرسة مل‬
‫تتحقق بعد‪ .‬فحسب وزارة الرتبية الوطنية‪ ،‬مل يتعد معدل املناصفة بني اجلنسني‪ ،‬خالل‬
‫سنتي ‪ 0,94 ،2017-2016‬يف التعليم االبتدائي‪ ،‬و‪ 0,88‬يف التعليم الثانوي اإلعدادي‪.‬‬
‫وال تتحقق املناصفة بني اجلنسني إال يف التعليم الثانوي التأهييل‪ .‬وال تتعدى نسبة‬
‫الفتيات امللتحقات بالتكوين املهني‪ ،‬خالل نفس الفرتة‪ % 30 ،‬من جمموع املسجلني‪.‬‬
‫كام أن معدل األمية يظل أكثر ارتفاعا بني النساء منه بني الرجال (‪ % 42‬مقابل ‪. ((()% 22‬‬
‫وإذا كانت املدارس تقبل عىل العموم تسجيل الطفل رغم عدم تسجيله يف احلالة‬
‫املدنية بسبب تغافل األب عن أمهية هذه الوثيقة‪ ،‬أو القتصاره عىل تسجيل الذكور دون‬
‫اإلناث‪ ،‬فإن هذه املسألة تتعقد أكثر عندما يتعلق األمر بأمهات عازبات أنجبن طفلهن‬

‫‪(1) - ONDH. Ibid., p. 44.‬‬


‫‪(2) - CESE. 2019, Op. Cit., p. 81.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪38‬‬


‫خارج نطاق الزواج‪ ،‬وامتنع األب الفعيل بعد ذلك عن االعرتاف بعالقة البنوة‪ .‬فإذا‬
‫كان قانون احلالة املدنية لسنة ‪ 2002‬قد منح لألطفال الذين جيهل أبوهم حق التسجيل‬
‫هبا حتت اسم مستعار‪ ،‬فإنه مل يتخذ أي إجراء يسمح لألم العازبة بالتسجيل يف احلالة‬
‫املدنية‪ .‬وال يعرف عدد األطفال املعنيني لغياب إحصائيات رسمية ختصهم‪ ،‬فيظلون‬
‫بالتايل غري مرئيني بالنسبة للسياسات العمومية‪ ،‬وخارج نطاق احلامية يف معاناهتم مع‬
‫املجتمع والقانون‪ .‬ويطرح هذا املشكل بوجه خاص بالنسبة لألم العازبة القروية التي‬
‫تواجه صعوبات يف التوجه إىل املحكمة وتسجيل طفلها يف احلالة املدنية‪ .‬لذا‪ ،‬هنالك يف‬
‫الوسط القروي فتيات تابعن دراستهن إىل حدود هناية السلك االبتدائي‪ ،‬لكن عندما‬
‫طلب منهن اإلدالء بشهادة االزدياد‪ ،‬بينام أرسهن ال تتوفر عىل دفرت للحالة املدنية‪،‬‬
‫اضطررن من جراء ذلك إىل االنقطاع عن الدراسة(((‪.‬‬

‫‪ 5.6‬املر�أة‪ ،‬ال�شغل والنوع االجتماعي‬

‫وإذا كانت املشاركة يف سوق الشغل من أهم مؤرشات االندماج االجتامعي‬


‫واالقتصادي‪ ،‬فإن النساء ما زلن يواجهن عدة صعوبات وعراقيل حتد من طموحهن‬
‫عىل هذا الصعيد‪ .‬فمعدل النشاط يف أوساط النساء قد تراجع‪ ،‬حسب معطيات املندوبية‬
‫السامية للتخطيط‪ ،‬من ‪ % 27‬سنة ‪ 2007‬إىل ‪ % 22‬سنة ‪ .،((( 2017‬ثم يف سنة ‪ ،2019‬بلغ‬
‫عدد النساء غري املتواجدات يف سوق الشغل‪ ،‬حسب معطيات نفس املؤسسة‪ 10،5 ،‬مليون‬
‫امراة‪ ،‬أي ‪ % 78‬من جمموع النساء اللوايت يتعدى سنهن ‪ 15‬سنة (‪ % 81‬يف الوسط احلرضي‬
‫و‪ % 73‬يف الوسط القروي)(((‪ .‬وتواصل هذا الرتاجع سنة ‪ 2020‬حيث صار معدل نشاط‬
‫النساء ‪ 3,5‬مرة أقل من معدل الرجال (‪ % 20‬مقابل ‪ .)% 70‬كام أن نسبة البطالة صارت‪،‬‬
‫سنة ‪ ،2020‬أعىل بني النساء منها بني الرجال (‪ % 16‬مقابل ‪ .)% 11‬زد عىل ذلك أن‬
‫النساء أكثر عرضة للشغل غري املهيكل‪ ،‬األمر الذي حيرمهن من نيل حقوق اجتامعية‬
‫عدة ذات الصلة بالعمل(((‪.‬‬

‫‪(1) - ONDH. Discriminations intersectionnelles des femmes au Maroc, Op. Cit., p. 45.‬‬
‫‪(2) - CESE, Rapport annuel 2017, p. 80.‬‬
‫‪(3) - HCP. Cité in : CESE. Rapport annuel 2019, p. 57.‬‬
‫‪(4) - CESE. Rapport annuel 2020, p. 52.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪39‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫ويرجع كل ذلك إىل الصور النمطية الرائجة واألدوار االجتامعية املسندة إليهن‬
‫والتي ما زالت حترص أغلبيتهن يف نطاق املهام املنزلية‪ ،‬حيث يتبني أن النساء ختصص هلا‬
‫‪ % 79‬من أوقات نشاطهن‪ ،‬مقابل ‪ % 12‬فقط بالنسبة للرجال‪ .‬ويساهم يف هذا احليف‬
‫احتداد صعوبات التوفيق بني األمومة واملسؤوليات األرسية‪ ،‬من جهة‪ ،‬ومزاولة العمل‬
‫املأجور خارج البيت‪ ،‬من جهة أخرى‪ ،‬خاصة مع استمرار النقص امللحوظ يف دور‬
‫احلضانة ورياض األطفال وارتفاع أسعارها يف حال وجودها‪ ،‬وصعوبات استعامل‬
‫وسائل النقل وغالء أسعارها‪ ،‬ومشاكل األمن املتواجدة بصفة خاصة يف األحياء‬
‫املحيطية ووسائل النقل‪ .‬وينضاف إىل ذلك عامل التحول البنيوي لالقتصاد الوطني‬
‫الذي ال يوفر فرص عمل مناسبة للنساء‪ ،‬والتمييز يف األجور عىل حساب النساء‪،‬‬
‫والتعيني يف مناصب املسؤولية الذي يستفيد منه الرجال باألساس‪ ،‬ومشاكل التحرش‬
‫اجلنيس‪ ،‬ورفض بعض الرجال خروج الزوجة مليدان العمل‪ ،‬وأيضا عامل عدم توفر‬
‫القرويات املهاجرات إىل املدينة عىل املؤهالت املهنية املطلوبة يف الوسط احلرضي(((‪.‬‬
‫ونظرا خلجل اجلهود املبذولة للحد من المساواة النوع‪ ،‬وبالتايل استمرار‬
‫مفعوهلا عىل عدة أصعدة‪ ،‬فقد تم ترتيب املغرب‪ ،‬يف تقرير سنة ‪ 2019‬الصادر عن‬
‫املنتدى االقتصادي العاملي‪ ،‬يف الرتبة ‪ 143‬من جمموع ‪ 153‬دولة معنية بالدراسة‪ ،‬وذلك‬
‫بناء عىل تطبيق مقياس «مؤرش فارق النوع» ‪.Gender Gap Index‬‬
‫وإذا كانت مزاولة املرأة لعمل مأجور أو نشاط مدر للدخل قمينة بتعزيز حضورها‬
‫يف الفضاء العام‪ ،‬وتقوية استقالليتها ومكانتها االجتامعية ومشاركتها يف اختاذ القرار‪،‬‬
‫واإلسهام يف تغيري التصورات التي حترص وجودها يف املجال املنزيل‪ ،‬وإتاحة الفرصة‬
‫هلا ليس فقط للحصول عىل املال وإنام عىل املال اخلاص هبا‪ ،‬ورفع نسبة األرس حيث‬
‫يتعاون الزوجان عىل تدبري احلياة األرسية‪ ،‬فإنه بدون تفعيل القيم املوجهة لإلجراءات‬
‫والتطلعات املشار إليها أعاله‪ ،‬ورفع التحديات القانونية واالجتامعية التي ما زالت‬
‫حتد من املشاركة االقتصادية للمرأة‪ ،‬ستظل النساء غري مندجمات بالشكل الالزم يف‬
‫الديناميات االقتصادية واالجتامعية اجلارية‪ ،‬وستبقى يف وضع تبعي جتاه الرجل‪ .‬كام‬

‫‪(1) - CESE, Rapport annuel 2017, p. 80-81. Voir aussi, CESE. Rapport annuel 2018, p. 65 – 66.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪40‬‬


‫يبدو من الرضوري تقليص الفارق بني التطور النسبي احلاصل عىل املستوى القانوين‬
‫واملؤسيس‪ ،‬والتمثالت واملعايري االجتامعية التي ما زالت‪ ،‬ولو بدرجات متفاوتة حسب‬
‫جمموعة من املتغريات‪ ،‬متارس إكراهات وضغوطا عىل مبادرات وطموحات النساء‪.‬‬

‫‪ 6.6‬املر�أة‪ ،‬ال�صحة والنوع االجتماعي‬


‫يتبني من معطيات دراسة ميدانية أنه إىل حدود ‪ ،2017‬كان احليف بخصوص‬
‫مدى استفادة الفتيات والنساء من خدمات صحية أساسية والتغطية الصحية قاسيا‬
‫وجمحفا‪ .‬ويتضح ذلك من املعطيات التالية‪:‬‬
‫·‪ % 45‬من الفتيات والنساء من كل فئات السن لسن مسجالت وال مستفيدات‬
‫من أنظمة التغطية الصحية؛‬
‫·‪ % 28‬من الفتيات والنساء من كل فئات السن ال يلجأن إىل استشارة طبية عىل‬
‫إثر اإلصابة بمرض أو جرح أو حادثة؛‬
‫·ما يقرب من ‪ % 10‬إىل ‪ % 11‬من النساء املتزوجات اللوايت يرتاوح سنهن بني ‪15‬‬
‫و‪ 49‬سنة ال يلجأن‪ ،‬إبان احلمل‪ ،‬إىل االستشارات الطبية قبل الوضع‪ ،‬وال إىل‬
‫الوالدة يف وسط حمروس(((‪.‬‬
‫ويدفع االعتقاد يف قيمتي العرض والرشف‪ ،‬يف بعض األوساط القروية بوجه‬
‫خاص‪ ،‬إىل عدم السامح للمرأة بالتنقل وحدها باجتاه املستشفى‪ .‬ال بد من أن يرافقها‬
‫رجل يف سعيها إىل تتبع حالتها الصحية‪ ،‬خاصة إذا كانت يف وضعية طالق‪ .‬وبسبب‬
‫تبعيتها االقتصادية لزوجها‪ ،‬قد حيكم عليها هذا األخري بعدم الذهاب إىل املستشفى‪،‬‬
‫أو يمتنع عن مرافقتها حتت مربر أن األمهات واجلدات كن يلدن يف سرتة البيت وبعيدا‬
‫عن أي حراسة خارجية‪ .‬وقد يطال هذا املنع كذلك استعامل املرأة ملوانع احلمل ورفض‬
‫أي شكل من أشكال التخطيط العائيل‪.‬‬
‫ونعلم أنه بالنسبة لألرس التي لدهيا أطفال يف سن التمدرس‪ ،‬يمكنها احلصول‬
‫عىل الدعم املدريس «تيسري» برشط احلصول عىل بطاقة «رميد»‪ .‬وبام أنه يغلب أن تقدم‬

‫‪(1)- ONDH. Les discriminations intersectionnelles des femmes, Op. Cit., p. 52.‬‬
‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬
‫‪41‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫اإلعانة املالية للمرأة‪ ،‬فقد سمح هلا هذا األمر بتحقيق نوع من االندماج يف احلياة العامة‪،‬‬
‫بل جلب هلا نوعا من االعرتاف بأمهية دورها يف األرسة‪ .‬فقد صار اآلن يتوجب عليها‬
‫أن تغادر بيتها نحو السوق‪ ،‬وبالضبط نحو مقر الربيد‪ ،‬لتلقي الدعم املايل‪ .‬وقد عزز من‬
‫حركيتها كذلك ما ختوله إياها بطاقة رميد من حصول عىل عالجات باملجان‪ ،‬ال تقرتن‬
‫يف العامل القروي إال نادرا بإجراء التحليالت واحلصول عىل األدوية‪ .‬فقد صارت النساء‬
‫القرويات تدركن أن بطاقة «رميد» يف املركز الصحي القروي الناقص التجهيز تصلح‬
‫أكثر للحصول عىل «تيسري»‪ ،‬منه لالستفادة من خدمات صحية شاملة ومتكاملة‪ .‬لذا‬
‫«الـمؤ َّمنات» ‪،mutualistes‬‬
‫يقارن النساء «الرميديات» ‪ RAMEDistes‬أنفسهن بالنساء ُ‬
‫وبالنساء اللوايت يؤدين تكلفة االستشارة الطبية عند االستقبال‪ ،‬فيالحظن كل ما‬
‫يميزهن عنهن من قلة انتظار‪ ،‬وولوج أوسع وأقرب للخدمات الصحية وتعويض عن‬
‫املصاريف املدفوعة‪ .‬أما اإلدالء ببطاقة «رميد»‪ ،‬فيفسح املجال باألحرى أمام التمييز‬
‫ضدهن ملا تكشفه عن حالتهن من ضعف وفقر(((‪.‬‬
‫وتعرب جممل الفوارق التي أفصحت عنها النساء والفتيات‪ ،‬بكيفية مبارشة أو غري‬
‫مبارشة‪ ،‬يف مقابالهتن مع الباحثني عن االنتظارات التالية‪:‬‬

‫·حتقيق املناصفة الكاملة بني اجلنسني يف التعليم االبتدائي‪ ،‬والثانوي اإلعدادي‪،‬‬


‫والثانوي التأهييل‪ ،‬ويف التكوين املهني؛‬

‫·اعتامد مقاربة شمولية للعنف ضد املرأة‪ ،‬يف البيت ويف الفضاء العام‪ ،‬تشمل‬
‫الوقاية واحلامية والتكفل والعقاب‪ ،‬إضافة إىل محالت إعالمية وتواصلية‬
‫متعددة الوسائط‪ ،‬ومتوافقة مع مقتضيات املعاهدات الدولية؛‬

‫·إنصاف األمهات العازبات بالسامح هلن وألطفاهلن بالتسجيل يف احلالة املدنية‬


‫مهام كان موقف الزوج‪/‬األب املفرتض‪ ،‬ثم بإمكانية تسجيل األطفال يف‬
‫املدرسة؛‬

‫·النظر من جديد يف بعض مواد القانون اجلنائي‪ ،‬خاصة منه املادة ‪ 453‬التي تلغي‬

‫‪(1) - ONDH. Ibid., p. 69.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪42‬‬


‫متاما رأي املرأة بخصوص عملية اإلجهاض وختضعها لسلطة زوجها؛ واملادة‬
‫‪ 490‬التي تباينت اآلراء حوهلا وتوقف النقاش بخصوصها يف جملس النواب مع‬
‫أهنا طرحت ألول مرة سنة ‪2013‬؛‬

‫·الكشف عن حاالت الزواج العريف‪ ،‬وحتسيس النساء والرجال عىل حد سواء‬


‫بام ينجم عنه من انعكاسات سلبية عىل األرسة ككل‪ ،‬وبوجه أخص‪ ،‬املرأة‬
‫واألطفال‪ ،‬وصوال إىل النظر يف اإلجراءات القمينة برتسيمه؛‬

‫·ضامن املساواة بني اجلنسني يف االستفادة من اخلدمات الصحية بام فيها من‬
‫استشارات طبية‪ ،‬وإجراء فحوص وحتليالت‪ ،‬وحصول عىل األدوية‪ ،‬وإمكانية‬
‫العالج باملستشفى؛‬

‫·ضامن املساواة بني اجلنسني بخصوص االستفادة من التغطية االجتامعية‬


‫والتأمني الصحي‪.‬‬

‫عىل أن الفئة التي يعول عليها أكثر من غريها يف جتديد القيم وتأصيلها هي أساسا‬
‫فئة الشباب‪ .‬ذلك أن ما ينتظر منهم‪ ،‬ليس فقط املسامهة يف الدفع بالقيم األرسية نحو‬
‫املزيد من االنفتاح عىل احلداثة والكونية‪ ،‬وإنام أيضا تطوير وتعميق احلوار مع القيم‬
‫املتوارثة وقيم احلداثة قصد بناء نسق قيمي حيفظ خصوصياتنا‪ ،‬ويف ذات اآلن‪ ،‬يدجمنا يف‬
‫العامل املعارص‪ .‬فامذا حقق الشباب عىل هذا الصعيد حلد اآلن؟‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪43‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫‪ .7‬ال�شباب والقيم‬

‫متثل فئة الشباب يف املجتمع املغريب قوة ديموغرافية وازنة وإمكانات اقتصادية‬
‫واعدة‪ ،‬وآماال عريضة نحو التجديد والتحديث وصنع املستقبل‪ .‬وقد تعرضت هذه‬
‫الفئة لعوامل تغري متعددة أفضت هبا إىل التميز القيمي عن جيل اآلباء واألجداد‪،‬‬
‫واخرتقتها سياسات وبرامج عمقت التاميز املوجود أصال بني رشائحها وخلقت عدم‬
‫املساواة بينها‪ ،‬وأدت إىل عدم االستجابة الكافية ملا لدهيا من طموح يف التعليم واالندماج‬
‫املهني واالجتامعي‪ .‬فام هي أهم التغريات القيمية التي شهدهتا فئة الشباب خالل الثالثة‬
‫عقود األخرية؟ وإىل أي حد نجحت الدولة يف تفعيل قيم املساواة والعدالة وتكافؤ‬
‫الفرص واإلدماج عند تعاطيها مع قضايا الشباب؟‬

‫‪ 1.7‬عدم ا�ستغالل الإمكانات ال�شبابية على الوجه الأمثل‬


‫حسب معطيات البحث امليداين املنجز يف سنة ‪ 2019‬من طرف املرصد الوطني‬
‫للتنمية البرشية حول األرس‪ ،‬يمثل الشباب من فئة ‪ 29 – 15‬سنة ‪ 8.988.000‬شخص‪،‬‬
‫أي ‪ % 25‬من جمموع السكان‪ ،‬و‪ % 38‬من جمموع السكان يف سن العمل‪ .‬وعىل غرار‬
‫أكثر من نصف سكان املغرب‪ ،‬يقيم ‪ 6‬شبان من أصل ‪ 10‬يف الوسط احلرضي (‪62‬‬
‫‪ ،)%‬و‪ 4‬تقريبا من أصل ‪ 10‬يف الوسط القروي (‪ .)% 38‬ونضيف كذلك أنه حسب‬
‫اإلحصاء العام للسكان والسكنى لسنة ‪ ،2014‬بلغ السن املتوسط عند الزواج ‪25,8‬‬
‫بالنسبة لإلناث‪ ،‬و‪ 31,4‬بالنسبة للذكور(((‪.‬‬
‫ويف ما بني ‪ 2012‬و‪ ،2019‬ارتفع مؤرش التنمية البرشية للشباب من فئة السن‬
‫«‪ 2,2 ،»29-15‬أكثر من املتوسط الوطني‪ .‬ويعود ذلك لولوج التعليم والتكوين من لدن‬

‫‪(1)- ONDH. Rapport sur le développement humain 2020 : « Etre jeune au Maroc de nos jours »,‬‬
‫‪Op. Cit., p. 61 et 64.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪44‬‬


‫فئات أوسع منذ بداية األلفية الثالثة‪ .‬واستنادا إىل معيار عدد سنوات التمدرس‪ ،‬يبلغ‬
‫الرأسامل البرشي للشباب‪ ،‬سنة ‪ 9,1 ،2019‬سنوات مقابل ‪ 2,6‬سنوات بالنسبة للفئة‬
‫«‪ 60‬سنة فأكثر»‪ ،‬ويتعدى املتوسط الوطني ب ‪ 1,7‬مرة‪ .‬واملالحظ أن متدرس الشباب‬
‫تزامن مع توسع غري مسبوق لنسب ولوج مؤسسات التعليم والتكوين وحتسن ملموس‬
‫للخدمات الصحية‪ .‬لذا‪ ،‬متكن الشباب‪ ،‬ويف وقت وجيز‪ ،‬من مراكمة رأسامل برشي‬
‫يفوق مرتني تقريبا ذاك الذي راكمه آباؤهم وأجدادهم‪ .‬األمر الذي يقتيض استغالل‬
‫هذا املعطى يف إطار نمو اقتصادي مبني عىل خلق مناصب شغل لذوي التأهيل اجليد‪.‬‬
‫وبالتوظيف الفعال للرأسامل البرشي للشباب يف جماالت الصحة والتعليم بأسالكه‬
‫املختلفة والتكوين‪ ،‬سيصري من املمكن االستجابة لتوجيهات بعض القيم التي دعا‬
‫النموذج التنموي اجلديد إىل تفعيلها‪ ،‬ونقصد بذلك قيم النمو االقتصادي‪ ،‬والدمج‪،‬‬
‫واالرتقاء االجتامعي‪ ،‬واملساواة يف الفرص واملنافسة‪ ،‬وتقوية جمتمع القانون(((‪.‬‬
‫إال أن الشباب الذين يرتاوح سنهم بني ‪ 29 – 15‬سنة ال يشكلون فئة متجانسة‪،‬‬
‫وذلك بسبب اإلكراهات والتحديات املختلفة التي يواجهوهنا بحكم متغريات النوع‪،‬‬
‫والنشاط الرئييس‪ ،‬والعالقة بالتمدرس‪ ،‬واالقتصار عىل مزاولة املهام املنزلية‪ ،‬واإلقصاء‬
‫من العمل والدراسة عىل حد سواء‪ .‬ويسمح تصنيف الشباب عىل أساس هذه املعايري‬
‫برصد أدق وأشمل للحاجيات اخلصوصية لكل فئة فرعية منهم‪ ،‬وباستهداف أكثر‬
‫فعالية ونجاعة من لدن السياسات العمومية املخصصة لدعمهم‪ .‬كام يسمح باختيار‬
‫أدق وأنسب للقيم التي يتعني تفعيلها عند فحص األوضاع واآلفاق اخلصوصية‬
‫لكل فئة فرعية عىل حدة‪ .‬وقد أدى تطبيق هذه املقاربة إىل حتديد أربع فئات فرعية من‬
‫الشباب‪« :‬الشباب يف التعليم أو التكوين» (‪« ،)% 34‬الشباب النشطون املشتغلون» (‪25‬‬
‫‪« ،)%‬الشباب خارج العمل والتعليم والتكوين» (‪« ،NEET )% 26‬الشابات ربات‬
‫البيوت» (‪ .)% 15‬ويوضح تقاطع هذه املعطيات مع متغري وسط اإلقامة أن أكثر من‬
‫ثلثي الشباب احلرضيني يتواجدون يف الفئة الفرعية اخلاصة بالتعليم والتكوين‪ ،‬أما‬
‫الشباب القرويني فيفوق عددهم الشباب احلرضيني يف كل الفئات الفرعية األخرى‪.‬‬

‫‪(1)- ONDH. Rapport sur le développement humain 2020 : « Etre jeune au Maroc de nos jours »,‬‬
‫‪Op. Cit., p. 51 – 52.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪45‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫وعندما نأخذ متغري النوع بعني االعتبار‪ ،‬يتبني أن الذكور هم األقل تعرضا لإلقصاء‬
‫االجتامعي حيث يتواجدون بنسب أقل بكثري من اإلناث يف الفئتني الفرعيتني اخلاصتني‬
‫بالشباب الذين صاروا خارج نطاق الدراسة والتكوين والعمل‪ ،‬والفئة الفرعية التي‬
‫تنحرص مهامها يف األنشطة املنزلية(((‪.‬‬
‫ويف سنة ‪ ،2020‬بلغ مؤرش الرأسامل البرشي ‪ ICH‬املوضوع من لدن البنك‬
‫العاملي ‪ 0,50‬يف املغرب‪ .‬ويعني ذلك أن الطفل الذي ولد حاليا سيكون غدا عامال يقل‬
‫إنتاجه ب ‪ 50%‬عام لو تلقى حاليا تعليام أحسن جودة واكتامال‪ ،‬وعناية صحية مثىل‪.‬‬
‫ويستخلص من هذا املؤرش كذلك أن الناتج الداخيل اخلام ‪ PIB‬بالنسبة لكل عامل يف‬
‫املغرب كان باإلمكان أن يكون مرتني أعىل لو أن البلد حقق حاليا املستوى املرجعي يف‬
‫الصحة والتعليم (مؤرش الرأسامل البرشي = ‪ .)1‬وبعبارة أخرى‪ ،‬إننا سنخرس ما هو‬
‫اآلن يف إمكاننا ربحه لو أننا وجهنا السياسات العمومية نحو املزيد من االستثامر يف‬
‫األجيال املقبلة(((‪.‬‬
‫ويتضح من تصنيف فئات الشباب املدرج أعاله أن هناك تراتبا‪ ،‬من جهة‪،‬‬
‫بني الشباب املتواجدين حاليا يف مؤسسات التعليم والتكوين والشباب النشطني‬
‫املشتغلني‪ ،‬ومن جهة أخرى‪ ،‬الشباب الذين خرجوا من دائرة العمل والتعليم‬
‫والتكوين والشابات ربات البيوت‪ .‬لقد رصنا أمام تقاطب حاد بني فئتني من‬
‫الشباب‪ :‬األوىل مندجمة نسبيا يف احلياة االقتصادية واالجتامعية وهلا طموحات وآمال‬
‫يف حتقيق املزيد من التحسن يف مستواها املعييش؛ والثانية تعيش يف وضعية هشاشة‬
‫ويف مستوى معييش متدين‪ ،‬وال تتوافر لدهيا بالقدر الكايف القدرات الالزمة وال‬
‫الرشوط االجتامعية املواتية لالندماج يف الدينامية االقتصادية اجلارية‪ .‬وبدون اختاذ‬
‫إجراءات داعمة للشباب من الفئة الثانية عىل صعيد التعليم والتكوين‪ ،‬والصحة‬
‫واحلامية االجتامعية‪ ،‬فإن التقاطب املشار إليه سيقود حتام إىل إعادة إنتاج الفوارق‬
‫االجتامعية‪ ،‬وإىل تباطؤ ملحوظ يف سريورة التنمية البرشية(((‪.‬‬

‫‪(1) - Ibid., p. 66-67.‬‬


‫‪(2) - Ibid., p. 53.‬‬
‫‪(3) - Ibid., p. 68.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪46‬‬


‫‪ 2.7‬احتداد ال�صراع القيمي بني الأجيال‬

‫نظرا لتسارع التحوالت االقتصادية والتكنولوجية واملجالية يف العامل املعارص‪،‬‬


‫واتساع نطاق الفوارق القيمية واملعرفية القائمة حاليا بني األجيال‪ ،‬صار الشباب‬
‫يبتعدون أكثر فأكثر عن نموذج التوحد باآلباء ‪ ،identification‬ويتبنون بدله نموذج‬
‫التجريب((( ‪ expérimentation‬يف الدراسة والعمل والزواج والدين والثقافة‪،...‬‬
‫كل ذلك ضمن عوامل مستجدة مل تكن ختطر عىل بال أحد منذ أربعة إىل مخسة عقود‪.‬‬
‫لقد فقد اآلباء قدرا هاما من سلطتهم األخالقية والدينية عىل األبناء‪ ،‬وخرست قيم‬
‫ومعايري اجليل السابق الكثري من وزهنا بالنسبة للجيل احلايل‪ ،‬السيام بعدما صار املستوى‬
‫التعليمي لآلباء أقل من مستوى أبنائهم وبناهتم‪ ،‬وكف معظم اآلباء عن أن يكونوا‬
‫مصدرا للمعرفة بالنسبة هلم‪ ،‬وصار تدين الشباب أميل إىل التوافق مع الثقافة العرصية‪.‬‬

‫وبقدر ما حيبذ الشباب احلوار داخل األرسة‪ ،‬بقدر ما يرفضون القرارات‬


‫السلطوية التي يفرضها اآلباء أحيانا بخصوص الزواج والعالقات الرومانسية‪ ،‬وروابط‬
‫الصداقة والزيارات‪ ،‬وقد يوسعوهنا لتشمل الذوق وأسلوب العيش بام يرتبط هبام من‬
‫موسيقى‪ ،‬ولباس‪ ،‬وسلوك‪ ،‬ومظهر فيزيقي‪ .‬ورغم تبعية الشباب الفعلية جتاه اآلباء‪،‬‬
‫فإهنم يعمدون‪ ،‬تارة‪ ،‬إىل اسرتاتيجية اإلخفاء لتجنب الرصاع معهم‪ ،‬وتارة أخرى‪ ،‬إىل‬
‫محاية استقالهلم (((الذايت الناجم أساسا عن شعورهم بالتميز واالختالف عن اآلباء‪.‬‬
‫وعىل املدى املتوسط والبعيد‪ ،‬يبدو أن الكثري من اآلباء‪ ،‬هم بدورهم‪ ،‬يف وضعية تبعية‬
‫جتاه أبنائهم وبناهتم‪ .‬فقد أوضح البحث الوطني حول القيم أن ‪ % 97‬من املستجوبني‬
‫يعتربون أنه من واجب األطفال التكفل بآبائهم عند الكرب(((‪ ،‬معلنني بذلك تشبثهم‬
‫بنموذج «الطفل – عكاز – الشيخوخة» باعتباره مصدرا للتأمني واألمان يف املستقبل‪.‬‬

‫‪(1) - Mokhtar El Harras, « Famille et jeunesse estudiantine : aspirations et enjeux de pouvoir ».‬‬
‫‪In : Bourqia ; M. El Ayadi ; M. El Harras ; H. Rachik. Les jeunes et les valeurs religieuses,‬‬
‫‪Eddif-Codesria, 2000, p. 170.‬‬
‫(((‪ -‬حممد مصباح‪« ،‬الدعاة اجلدد والشباب‪ :‬دراسة ميدانية لدى الشباب اجلامعي يف املغرب»‪ ،‬إضافات‪،‬‬
‫العدد الثامن‪ ،‬خريف ‪ ،2009‬ص ‪.146‬‬
‫‪(3) - Hassan Rachik. Rapport de synthèse de l’enquête nationale sur les valeurs, Op. Cit., p. 18.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪47‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫أضف إىل ذلك ما أدى إليه التغري القيمي لدى الشباب من إعادة للنظر يف بعض‬
‫املعايري االجتامعية والتقاليد التي كان جيل اآلباء واألجداد يتبناها ويتشبث هبا‪ .‬ولعل‬
‫أبرز األمثلة عىل ذلك أن بعض الشباب صاروا يسمحون ألنفسهم حاليا بمامرسة‬
‫عالقات جنسية قبل الزواج‪ ،‬بل قد يؤجلون الزواج من جراء تداعيات هذه الفجوة‬
‫القيمية‪ ،‬وعوامل اجتامعية أخرى ال جمال لذكرها هنا(((‪.‬‬
‫ويف اجتاه مغاير‪ ،‬أدت خطابات الدعاة اجلدد وتداعيات العوملة إىل ظهور‬
‫أشكال جديدة من املامرسات والقيم الدينية‪ ،‬ونزوع غري مسبوق إىل التوفيق بني الدين‬
‫واحلداثة‪ .‬ويتمثل ذلك يف بروز ظواهر جديدة من قبيل «حجاب املوضة‪ ،‬ومالبس‬
‫البحر اإلسالمية‪ ،‬واألغنية اإلسالمية‪ ،‬واملهرجانات اإلسالمية‪ ،‬واألفالم اإلسالمية‪،‬‬
‫وحتى املرشوبات الغازية اإلسالمية»‪ .‬كام صار أغلب ما يبث وينرش حول هذه القضايا‬
‫يتم باألساس عرب الفضائيات العربية‪ ،‬األمر الذي حيول دون حتكم الدولة يف سوق‬
‫إنتاج القيم‪ ،‬واملنافسات اجلارية حوهلا(((‪.‬‬

‫‪ 3.7‬ال�شباب املغربي‪ :‬من التجذر االجتماعي وال�سيا�سي �إىل «التلفيق‬


‫الثقايف»‬

‫حسب رمحة بورقية‪ ،‬شهدت اجلامعة املغربية تعاقب ثالثة أجيال من الشباب‪:‬‬

‫·جيل أول متشبع بقيم وآمال احلركة الوطنية يف بناء دولة وطنية متحررة من بقايا‬
‫وخملفات االستعامر ومقاومة هليمنة الغرب؛‬

‫·جيل ثان ظهر عند مطلع السبعينيات وأراد أن يفعل املبادئ الوطنية عىل مدى‬
‫أبعد‪ ،‬بل ويف أشكال مثىل‪ ،‬وذلك بالسعي إىل بناء جمتمع تسوده املساواة وفقا ملا‬
‫تؤكد عليه القيم االشرتاكية‪ ،‬وحتى املاركسية يف بعض احلاالت املتطرفة؛‬

‫·جيل ثالث مصدوم بفشل اجليل الثاين‪ ،‬وشاهد عىل اهنيار أسسه ودعائمه‬

‫(((‪ -‬رشيد جرموين‪« .‬التحوالت القيمية باملغرب‪ :‬الشباب نموذجا»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.162‬‬
‫(((‪ -‬حممد مصباح‪ .‬مرجع ذكر سابقا‪ ،‬ص ‪.153‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪48‬‬


‫اإليديولوجية‪ ،‬استفاق أمام أزمة البطالة وغياب نموذج يمكن االقتداء به‪،‬‬
‫فرشع يف البحث لنفسه عن سبيل للنجاة يف سياق خليط من القيم واألفكار‬
‫واالجتاهات املتعارضة‪ ،‬بل واملتناقضة أحيانا‪ ،‬حيث تتصدر االنتهازية والشطارة‬
‫والواقعية‪ ،‬ويؤول االختيار بصاحبه إىل ما تسميه ر‪ .‬بورقية‪« ،‬بالتلفيق الثقايف»‬
‫‪.bricolage idéologique‬‬
‫وإذا كان اجليالن‪ ،‬األول والثاين‪ ،‬قد أسسا مثلهام العليا عىل املرشوعية التارخيية‪،‬‬
‫املستمدة بالنسبة لألول من حركات التحرر الوطني‪ ،‬ومن النضال العامل‪-‬ثالثي‬
‫واملاركسية بالنسبة للثاين‪ ،‬فإن اجليل الثالث جنح أساسا نحو التلفيق الثقايف مثلام يتأكد‬
‫ذلك من معطيات البحث امليداين املنجز حول طالب جامعة حممد اخلامس بالرباط(((‪.‬‬
‫لقد عمد شباب اجليل الثالث إىل «التعارض والرصاع» مع قيم اجليلني السابقني‪ ،‬وعرب‬
‫االحتفاظ بعنارص ثقافية من هنا وهناك‪ ،‬مع إعادة بنائها استجابة ملقتضيات الظرفية‬
‫اجلديدة‪ ،‬توزع املناضلون منهم‪ ،‬إما إىل التيار املاركيس‪ ،‬وإما إىل التنظيامت اإلسالمية‪.‬‬
‫لكن يف كل احلاالت‪ ،‬مل يتمكن الشباب من التحول إىل مجاعة مستقلة نسبيا‪ ،‬ذات قدرات‬
‫إيديولوجية تعبوية وهوية ومميزات خاصة كام تبلور ذلك يف بعض املجتمعات الغربية‪،‬‬
‫وال إىل تيار قيمي وثقايف جمدد وملهم للمجتمع عىل سبيل التغيري املنشود‪ .‬بل صار‬
‫الشغل الشاغل لدهيم‪ ،‬واحلافز ذي األولوية‪ ،‬البحث عن االندماج يف سوق الشغل(((‪.‬‬
‫ويف بحث الحق حول الشباب والقيم الدينية تم إجراؤه مخس سنوات يف ما‬
‫بعد‪ ،‬لكن هذه املرة حول عينة مكونة من ‪ 865‬شابا من بني املنتمني للجامعة والسنة‬
‫األخرية من التعليم الثانوي بالرباط‪ ،‬تأكدت نفس اخلالصة السابقة حيث غاب يف‬
‫األجوبة املحصل عليها النسق القيمي والثقايف املنسجم‪ ،‬يف حني اتضح بجالء واقع‬
‫اجلمع‪ ،‬يف القيم واالجتاهات‪ ،‬لعنارص ثقافية متعارضة ‪ .ambivalence culturelle‬لقد‬
‫كانت أجوبة الشباب مستندة إىل ثالث مرجعيات أساسية‪ :‬احلداثة واإلسالم والثقافة‬

‫‪(1)- Rahma Bourqia ; Mokhtar El Harras ; et Driss Bensaid. Jeunesse estudiantine marocaine :‬‬
‫‪Valeurs et stratégies, Publications de la Faculté des Lettres et des Sciences Humaines,‬‬
‫‪Rabat, 1995.‬‬
‫‪(2)- Rahma Bourqia. « L’étudiant et les valeurs ». In : Rahma Bourqia ; Mokhtar El Harras ; et‬‬
‫‪Driss Bensaid. Jeunesse estudiantine amarocaine : Valeurs et stratégies, Publications de la‬‬
‫‪Faculté des Lettres et des Sciences Humaines, Rabat, 1995, p. 109-111.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪49‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫الشعبية‪ .‬بحيث نجد أن الشباب يرتاوح يف سلوكه واجتاهاته بني تعاليم اإلسالم املعياري‬
‫كام هي مدونة يف نصوص العلامء والفقهاء‪ ،‬والثقافة املتمثلة يف املعتقدات الشعبية وزيارة‬
‫أرضحة األولياء والصاحلني قصد التربك هبم والتامس دعمهم ووساطتهم‪ .‬وقد يعربون‬
‫يف ذات اآلن عن تأييدهم الستعامل موانع احلمل وعمل املرأة خارج البيت واختالط‬
‫اجلنسني يف املدارس‪ .‬ويعني ذلك أن تدين الشباب يتوافق إىل حد ما مع الثقافتني‪،‬‬
‫احلديثة والشعبية‪ .‬ففي ظرفية اجتامعية واقتصادية وثقافية متسارعة التغري‪ ،‬احتفظ‬
‫الشباب لنفسه ببدائل واختيارات تتيح له التكيف بشكل أفضل‪ ،‬والتفاعل االجتامعي‬
‫بيرس أكرب‪ .‬ويف سياق جمتمعي متعدد املرجعيات‪ ،‬أضحى التفاوض((( ‪négociation‬‬
‫الوسيلة األمثل للتالؤم بشكل أفضل مع األوضاع املجتمعية املتغرية‪ ،‬وحتقيق االندماج‬
‫االجتامعي‪.‬‬

‫وتتمخض عن تشخيص وضعية الشباب جمموعة من االنتظارات نوردها يف ما‬


‫ييل‪:‬‬

‫·بالنظر ملا يمثله الشباب من حضور ديموغرايف وازن يف املجتمع‪ ،‬وآمال‬


‫وطموحات مستقبلية واعدة‪ ،‬يتعني االهتامم واحلرص عىل إعداده يف إطار نظام‬
‫تعليمي ذي جودة عالية وارتباط وثيق بام يتوقع أن يربز مستقبال من تطورات‬
‫جديدة وغري مسبوقة يف التكنولوجيا وأنامط العمل‪ ،‬وخمتلف اإلنتاجات‬
‫الثقافية والفنية؛‬

‫·إيالء اهتامم خاص بتكوين وتشغيل فئة الشابات ربات البيوت‪ ،‬وفئة الشباب‬
‫ممن مل يعودوا مندجمني ال يف التعليم أو التكوين‪ ،‬وال يف الشغل؛‬

‫·توفري اخلدمات الصحية الالزمة للشباب قصد متكينهم من االستفادة عىل‬


‫الوجه املطلوب من الربامج التعليمية والتكوينية‪ ،‬وتوظيف كامل قدراهتم يف‬
‫تنمية املجتمع؛‬

‫‪(1) - Rahma Bourqia, « Les jeunes et l’expression religieuse : stratégie de l’ambivalence ». In :‬‬
‫‪R. Bourqia ; M. El Ayadi ; M. El Harras et H. Rachik, Les jeunes et les valeurs religieuses,‬‬
‫‪Eddif-Codesria, Casablanca, 2000, p. 83-85.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪50‬‬


‫·دعم املبادرات املقاوالتية للشباب ماديا وتقنيا‪ ،‬إضافة إىل مواكبة وتتبع‬
‫مشاريعهم من لدن ذوي اخلربة واالختصاص؛‬

‫·الرتكيز عىل املضامني الرتبوية واملناهج البيداغوجية التي من شأهنا تعزيز اغتناء‬
‫الشباب بالقيم اإلنسانية األصيلة واملنفتحة‪ ،‬والتفكري العلمي اخلالق واملبدع‪،‬‬
‫والفكر النقدي البناء‪ ،‬جتاه كل من الثقافة التقليدية املتوارثة والثقافة الغربية‬
‫املعوملة‪.‬‬

‫وإذا كانت التنشئة القيمية للشباب تعود بشكل أسايس للمؤسسة التعليمية‪ ،‬فام‬
‫هي مسامهات هذه األخرية عىل هذا الصعيد؟ وما هي االختالالت التي تتعرض هلا‬
‫مهامها الرتبوية جتاه الشباب؟ وما هي التوصيات القمينة بتعزيز وظيفة التنشئة القيمية‬
‫للجيل الصاعد؟‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪51‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫‪ .8‬الرتبية على القيم‪ :‬مكت�سبات وحدود‬

‫ينص امليثاق الوطني للرتبية والتكوين عىل أن «نظام الرتبية والتكوين للمملكة‬
‫املغربية هيتدي بمبادئ العقيدة اإلسالمية وقيمها الرامية لتكوين املواطن املتصف‬
‫باالستقامة والصالح‪ ،‬املتسم باالعتدال والتسامح‪ ،‬الشغوف بطلب العلم واملعرفة‬
‫يف أرحب آفاقهام‪ ،‬واملتوقد لالطالع واإلبداع‪ ،‬واملطبوع بروح املبادرة اإلجيابية‪،‬‬
‫واإلنتاج النافع»(((‪ .‬ويف املجمل‪ ،‬ينحو القانون اإلطار رقم ‪ 51.17‬املتعلق بمنظومة‬
‫الرتبية والتكوين والبحث العلمي يف نفس هذا االجتاه‪ .‬ومن ضمن النتائج العملية‬
‫املرتتبة عن ذلك‪:‬‬

‫·تأسيس املرصد الوطني ملناهضة العنف يف الوسط املدريس سنة ‪2015‬؛‬


‫·حتقيق منجزات حقوقية يف دفاتر التحمالت اخلاصة بالكتب املدرسية عرب‬
‫الرتكيز عىل قيم «النزاهة والشفافية والعدالة والتنمية املستدامة والنوع‬
‫االجتامعي واملساواة بني اجلنسني ونبذ العنف‪»...‬؛‬

‫·تأسيس مرصد للقيم عىل الصعيد املركزي واجلهوي واإلقليمي هبدف تتبع‬
‫وأجرأة مقاربة الوزارة ملوضوع القيم؛‬

‫·إرساء االسرتاتيجية الوطنية ملرشوع املؤسسة سنة ‪ ،2011‬بغرض االرتقاء‬


‫«بالتنشئة عىل القيم واكتساب الكفايات القيمية‪ ،‬وتنمية قيم العمل اجلامعي‬
‫التشاركي املندمج حمليا»؛‬

‫·إصدار دليل احلياة املدرسية سنة ‪ 2011‬يضمن البيئة املدرسية قيم اإلنصاف‬
‫والنوع واإلدماج ويؤهل التالميذ لتفعيل القيم يف حياهتم الشخصية واملدنية‪،‬‬

‫(((‪ -‬املجلس األعىل للرتبية والتكوين والبحث العلمي‪ .‬الرتبية عىل القيم باملنظومة الوطنية للرتبية والتكوين‬
‫والبحث العلمي‪ ،‬تقرير رقم ‪ ،17/1‬يناير ‪ ،2017‬ص ‪.8‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪52‬‬


‫واحرتام االختالف يف الرأي‪ ،‬والتحيل بروح املبادرة والسلوك الديموقراطي(((‪.‬‬

‫‪ 1.8‬اختالالت يف املقاربة املدر�سية للقيم‬

‫تشكل بعض املقاربات املعتمدة من لدن املؤسسة التعليمية بخصوص الرتبية عىل‬
‫القيم عائقا أمام الفاعلني الرتبويني والتالميذ‪/‬الطالب‪ ،‬حيث حتول دون انخراطهم‬
‫اإلجيايب يف مسارها ودون تفعيل مقتضياهتا مدرسيا واجتامعيا‪ .‬وحسبنا أن نذكر يف هذا‬
‫الصدد‪:‬‬

‫·عدم وضوح منظومة القيم املدرسية‪ ،‬إىل حد عدم االنسجام بني األهداف‬
‫القيمية املفروض حتقيقها وأساليب األجرأة املطبقة يف املناهج الدراسية‪ .‬األمر‬
‫الذي يؤثر سلبا عىل فهم وتأويل وتفعيل القيم؛‬

‫·اتساع نطاق «اهلوة بني اخلطاب الرسمي حول القيم واحلقوق والواجبات‬
‫وبني املامرسة الفعلية هلا»‪ .‬ذلك أن تضخم املكون النظري واملرجعي‪ ،‬الوطني‬
‫والدويل‪ ،‬تقابله ممارسات بيداغوجية وتعليمية حمدودة األثر حول تفعيل القيم‬
‫يف املدرسة وحميطها البيئي واالجتامعي‪.‬‬

‫·عدم االعتامد املنتظم لعمليات تقييم الربامج اهلادفة إىل إدماج القيم يف املنظومة‬
‫الرتبوية؛‬

‫·بالرغم من رشوع الوزارة يف إدماج القيم يف جمزوءات التكوين املستمر املوجهة‬


‫للفاعلني الرتبويني‪ ،‬فإن هذا التكوين يظل دون الطموح املنشود يف بلورة‬
‫ممارسات تربوية فعالة ومثمرة عىل صعيد االنخراط اإلجيايب والناجح يف الرتبية‬
‫عىل القيم؛‬

‫·ضعف قدرة املدرسة عىل عقد رشاكات من شأهنا تقوية جهودها يف الرتبية عىل‬
‫القيم‪.‬‬

‫(((‪ -‬املجلس األعىل للرتبية والتكوين والبحث العلمي‪ .‬مرجع مذكور سابقا‪ ،‬ص ‪.9‬‬
‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬
‫‪53‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫وحيتمل أن يؤدي التفعيل الضعيف لقيمة االختالط االجتامعي ‪mixité sociale‬‬
‫يف املدرسة إىل بروز انعكاسات وخيمة عىل احلركية والتامسك االجتامعيني‪ .‬فقد أوضح‬
‫بحث ميداين أنجز سنة ‪ 2016‬أن أكثر من ‪ % 80‬من التالميذ مسجلون يف مدارس يغلب‬
‫فيها تواجد الفئات االجتامعية املتواضعة واألقل حظا؛ هذا يف حني ال يمثل التالميذ‬
‫املنحدرون عن فئات اجتامعية حمظوظة الذين يدرسون يف نفس املدرسة سوى نسبة ‪8‬‬
‫‪ .%‬األمر الذي جيعل من املدرسة فضاء للتمييز بني فئات اجتامعية ذات مواقع متباينة‬
‫يف السلم االجتامعي‪ ،‬حيث يصري «أثر األقران» منذرا بعواقب سلبية عىل مستقبل‬
‫التالميذ‪ ،‬وخاصة منهم املنتمون لألوساط االجتامعية األقل حظا‪ .‬إنه ملن شأن نظام‬
‫تعليمي ذات رسعات خمتلفة أن ينعكس بكيفية متاميزة عىل مستقبل األجيال‪ ،‬ويفرز‬
‫فقدان الثقة يف املدرسة كأداة لالرتقاء االجتامعي(((‪.‬‬

‫‪ 2.8‬الت�سرب املدر�سي‪� :‬سبب رئي�س يف الالم�ساواة وعدم االندماج‬

‫حسب إحصائيات ‪ ،2018‬بلغ معدل متدرس التالميذ من ‪ – 6‬إىل ‪ 15‬سنة نسبة‬


‫‪ .% 91‬ومن ضمن ‪ % 9‬املتبقني‪ % 7 ،‬منهم انقطعوا عن الدراسة‪ ،‬و‪ % 2‬مل يلجوا‬
‫املدرسة قط‪ .‬ويتضح من هذه اإلحصائيات كذلك أن التالميذ من فئة ‪ 11 – 6‬سنة‬
‫انقطعوا مبكرا عن الدراسة بسبب بعدها عن سكناهم وغياب النقل املدريس (‪،)% 24‬‬
‫لوفاة أو إصابة أحد أفراد األرسة بمرض مزمن (‪ ،)% 16‬لفقر اآلباء وغياب املساعدة‬
‫والدعم االجتامعي للتمدرس (‪ ،)% 18‬لإلكراهات املرتبطة بأشغال املنزل (‪،)% 12‬‬
‫وبسبب الرسوب يف االمتحانات والتكرار والطرد (‪.((()% 12‬‬
‫ومن بني اإلحصائيات امللفتة لالنتباه‪ ،‬أن ‪ 331‬ألف تلميذة وتلميذ غادروا‬
‫الدراسة خالل املوسم الدرايس ‪ ،2021-2020‬ما يشكل نسبة ‪ % 5,3‬من جمموع‬
‫التالميذ‪ .‬وتصل نسبة اهلدر املدريس يف التعليم اإلعدادي إىل ‪ ،% 9,7‬ويف التعليم‬

‫‪(1)- CESE, Rapport annuel 2017, p. 72.‬‬


‫‪(2)- ONDH. Evaluation d’impact des programmes d’appui social à la scolarisation, Royaume‬‬
‫‪du Maroc, Le Chef du Gouvernement, 2020, p. 19-20.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪54‬‬


‫الثانوي إىل ‪ ،% 7,4‬ويف االبتدائي إىل ‪ .(((% 2,9‬ويعني ذلك أن العديد منهم ينقطعون‬
‫عن الدراسة قبل احلصول عىل شهادة‪ ،‬فيحرمون بذلك من ولوج سلك التكوين‬
‫املهني‪ ،‬هذا إضافة ملا يمثله الترسب املدريس من خطر نسيان الكثري مما تم تعلمه‪ .‬ورغم‬
‫اجلهود املبذولة يف تعليم الفتيات القرويات خالل ما يزيد عىل عقدين من الزمن‪ ،‬فإهنن‬
‫ما زلن معنيات بالترسب املدريس أكثر من الفتيان‪ ،‬خاصة يف السنة السادسة من التعليم‬
‫االبتدائي(((‪ .‬وإذا كان خطر انقطاع الفتاة عن الدراسة يف السلك االبتدائي‪ ،‬يمثل ‪1,6‬‬
‫مرة أكثر من الفتى‪ ،‬فإهنام يتساويان يف درجة تعرضهام هلذا اخلطر يف السلك الثانوي‬
‫اإلعدادي‪ ،‬ثم تصري الفتاة أقل تعرضا له من الفتى عند بلوغها السنة النهائية يف السلك‬
‫الثانوي التأهييل‪ .‬ولعل أهم سبب مفرس إلهناء متدرس الفتيات يف الوسط القروي‪ ،‬بعد‬
‫املدرسة عن البيت‪ .‬وتعود المساواة التالميذ يف ما خيص حظوظ بقائهم يف املدرسة‬
‫أيضا إىل املستوى الدرايس لألب‪ ،‬حيث ينتقل معدل الترسب من ‪ % 9‬بني أطفال اآلباء‬
‫بدون مستوى تعليمي‪ ،‬إىل ‪ % 1‬بني أطفال أب ذي مستوى تعليمي ثانوي‪ ،‬ثم إىل غياب‬
‫الترسب باملرة يف احلاالت التي يكون فيها األب ذو مستوى تعليمي عايل‪ .‬ويسجل‬
‫أيضا أن التعليم األويل يقلص خطر الترسب املدريس إىل أكثر من النصف (‪ % 9‬ممن مل‬
‫يتلقوا التعليم األويل‪ ،‬مقابل ‪ % 4‬ممن استفادوا منه)(((‪.‬‬
‫وينضاف إىل ذلك ضعف الربنامج الرتبوي البديل املقرتح من لدن الوزارة‬
‫إلعادة إدماج التالميذ املترسبني من املدرسة‪ ،‬حتت تسمية «مدرسة الفرصة الثانية»‪.‬‬
‫ويف هذا الشأن‪ ،‬عقدت وزارة الرتبية الوطنية رشاكات مع اجلمعيات ودعمتها ماليا‬
‫قصد التكفل باستقبال تالميذ يرتاوح سنهم بني ‪ 9‬و‪ 16‬سنة‪ ،‬غادروا املدرسة‪ ،‬أو مل‬
‫يسبق هلم أن درسوا‪ .‬وإىل حدود السنة الدراسية ‪ ،2019 – 2018‬بلغ عدد املستفيدين‬
‫من هذه املدرسة ‪ 28486‬تلميذ‪ ،‬يف حني أن العدد املتوسط للتالميذ الذين انقطعوا عن‬
‫الدراسة ما بني ‪ 2016‬و‪ 2018‬يقرب من ‪ 320000‬يف السنة(((‪.‬‬

‫(((‪ -‬عرض وزير الرتبية الوطنية والتعليم األويل والرياضة‪ .‬جلنة التعليم والثقافة واالتصال‪ ،‬جملس النواب‪،‬‬
‫‪ 12‬أبريل ‪.2022‬‬
‫‪(2) - CESE. Rapport annuel 2019, p. 52.‬‬
‫‪(3) - ONDH, 2020, Op. Cit., p. 29 – 30.‬‬
‫‪(4) - ONDH. Evaluation d’impact des programmes d’appui social à la scolarisation, Royaume‬‬
‫‪du Maroc, Le Chef du Gouvernement, 2020, p. 52.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪55‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫وللحد من النسب املرتفعة للترسب املدريس‪ ،‬عمدت وزارة الرتبية إىل إطالق‬
‫جمموعة من الربامج االجتامعية‪ ،‬نذكر منها «تيسري»‪ ،‬و«مليون حمفظة»‪ ،‬إضافة إىل‬
‫اإليواء‪ ،‬واملطعمة‪ ،‬والنقل املدريس‪ ...‬وإذا كان الغرض األساس من وضعها حتفيز‬
‫األرس ومساعدهتا عىل ضامن استمرار متدرس بناهتا وأبنائها‪ ،‬فقد صارت حاليا يف حاجة‬
‫للمراجعة نتيجة ملعيقات يف ميادين احلكامة‪ ،‬والفعالية واالستهداف‪ .‬وبالفعل‪ ،‬تم‬
‫تغيري معايري اختيار األرس املرشحة لالستفادة من برنامج «تيسري»‪ ،‬بحيث تم استهداف‬
‫األرس األكثر فقرا وهشاشة وليس بالرضورة األرس املقيمة يف اجلامعات املعنية بدعم‬
‫املبادرة الوطنية للتنمية البرشية‪ .‬وبموازاة ذلك‪ ،‬سيتم رفع امليزانية املخصصة للربنامج‪،‬‬
‫ورفع عدد األرس املستفيدة‪ ،‬وتغيري وترية التحويالت املالية‪ .‬إال أن مبلغ الدعم املايل‬
‫املسلم لكل أرسة يظل ضعيفا‪ ،‬حيث يرتاوح ما بني ‪ 60‬و‪ 140‬درمها‪ ،‬وبذلك فإنه ال‬
‫يتعدى نسبة ‪ % 4‬إىل ‪ % 5‬من جمموع مصاريف استهالك األرس‪ ،‬فيبقى بالتايل هزيال‬
‫مقارنة بنسبة ‪ % 20‬يف املتوسط التي متثلها التحويالت املالية يف دول أخرى(((‪ .‬أضف‬
‫إىل ذلك أن توقيف تنفيذ برنامج الدعم املدريس «تيسري» عند هناية التعليم الثانوي‬
‫اإلعدادي يؤدي إىل حرمان العديد من الفتيات‪ ،‬وربام الفتيان أيضا‪ ،‬من مواصلة‬
‫تعليمهم يف السلك املوايل‪ ،‬خاصة وأن الثانويات التأهيلية غالبا ما تكون بعيدة عن‬
‫سكنى األرس القروية‪ ،‬ويستدعي انتقال التالميذ إليها تعبئة مصاريف إضافية ال حول‬
‫وال قدرة لألرس هبا‪ .‬ويساهم أيضا يف تقليص عدد التالميذ املستفيدين من «تيسري»‪،‬‬
‫حرص الدعم املدريس يف ثالثة أطفال عىل األكثر‪ .‬ورغم أننا نفهم دواعي ومربرات هذا‬
‫القرار من الوجهة الديموغرافية‪ ،‬فإننا نقر مع ذلك أنه يرض باألرس الفقرية والكبرية‬
‫احلجم‪ ،‬حيث حيرم باقي أطفاهلا من التعليم أو من مواصلته‪ ،‬بل غالبا ما تكون الفتيات‬
‫هن الضحايا الرئيسية يف مثل هذه احلاالت(((‪ .‬وتنص توجيهات الرؤية االسرتاتيجية‬
‫عىل مواصلة اجلهود من أجل حماربة الترسب املدريس‪ ،‬وجتفيفه يف منابعه‪ ،‬بل السعي‬
‫حتى إىل اعتامد التمييز اإلجيايب لصالح التالميذ املنحدرين من الوسط القروي والشبه‬
‫حرضي واملناطق األقل حظا(((‪.‬‬

‫‪(1) - Rapport de la Cour des Comptes sur le Fonds d’Appui à la Cohésion Sociale d’août 2018,‬‬
‫‪cité in : CESE, Rapport annuel 2018, p. 68.‬‬
‫‪(2) - ONDH. Discriminations intersectionnelles des femmes au Maroc, op. Cit., p. 45 - 46.‬‬
‫‪(3) - CESE. Rapport annuel 2019, p. 51.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪56‬‬


‫عىل أن استمرار الترسب املدريس رغم اإلجراءات املتخذة يستدعي مراجعة‬
‫املقاربة املتبناة من لدن وزارة الرتبية الوطنية‪ ،‬وذلك سواء يف شقها املتعلق بإسناد مهمة‬
‫تدبريها للجمعيات‪ ،‬أو يف شقها املرتبط بالتحفيزات املمنوحة لألرس‪ .‬فال حل أفضل‬
‫من السعي جمددا إىل فهم هذه الظاهرة بشكل أدق‪ ،‬ألنه باإلضافة ملا ختلقه من فوارق‬
‫اجتامعية‪ ،‬تنذر بمستقبل غري آمن بالنسبة لشباب املستقبل الذين سيجدون أنفسهم‬
‫غري مؤهلني لالندماج االجتامعي واالقتصادي‪ ،‬وبالتايل عرضة للسقوط يف التهميش‬
‫واالنحراف‪ .‬وحبذا لو صارت مواجهة الترسب املدريس من مهام احلكومة وليس فقط‬
‫وزارة الرتبية الوطنية‪ ،‬وذلك اعتبارا لتعدد حمدداهتا االجتامعية واالقتصادية والثقافية((( ‪.‬‬

‫‪ 3.8‬الأطفال يف و�ضعية �إعاقة �ضحايا للحيف يف ميدان التعليم‬

‫بعد صدور القانون اإلطار رقم ‪ 97.13‬سنة ‪ ،2016‬واملتعلق بحامية حقوق‬


‫األشخاص يف وضعية إعاقة والنهوض هبا‪ ،‬وإنشاء املركز الوطني للرصد‪ ،‬والدراسة‬
‫والتوثيق حول اإلعاقة سنة ‪ ،2017‬مل ينجم عن ذلك‪ ،‬إىل حدود ‪ ،2018‬أي تقدم جدير‬
‫بالذكر عىل صعيد تنفيذ مقتضيات القانون الصادر واالستجابة للحقوق األساسية‬
‫اخلاصة هبذه الفئة من املواطنني‪ .‬وباقتصارنا يف هذا اإلطار عىل التمدرس‪ ،‬نجد أن‬
‫حقوق األشخاص يف وضعية إعاقة مل يتم ضامهنا وحتقيقها بالشكل املطلوب‪ ،‬وال‬
‫بشكل متوافق ومبدأ املساواة كام ينص عىل ذلك دستور ‪ .2011‬ففي السنة الدراسية‬
‫‪ ،2019-2018‬ظلت العديد من مراكز األشخاص من ذوي االحتياجات اخلاصة‬
‫مغلقة‪ .‬ويعود ذلك لعدم توصل اجلمعيات املكلفة بتدبريها بالدعم املايل املخصص‬
‫هلا من لدن الوزارة الوصية‪ .‬ويف حاالت أخرى‪ ،‬ترسل االعتامدات املالية املخصصة‬
‫هلذه املراكز متأخرة عن موعدها‪ ،‬األمر الذي ينعكس سلبا‪ ،‬سواء عىل املكونني أو عىل‬
‫متدرس األطفال‪ .‬ويشتد تأثري هذا احليف عندما نعلم أن عدد هذه املراكز يظل أقل‬
‫بكثري من احلاجيات‪ ،‬وأن توزيعها بني اجلهات غري منصف‪ ،‬بحيث أن تواجدها مرتكز‬
‫باألساس يف حمور طنجة – الدار البيضاء‪ ،‬مع أن معدل اإلعاقة املسجل يف اجلهات‬

‫‪(1) - Ibid., p. 52.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪57‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫األخرى أعىل مما هو عليه يف هذا املحور‪ .‬لذا‪ ،‬مل يكن مسجال هبا سنة ‪ 2017‬سوى ‪8600‬‬
‫تلميذ ممن هم منحدرون باألساس من الفئات االجتامعية األقل حظا‪.‬‬

‫وبموازاة املراكز املدارة من لدن اجلمعيات‪ ،‬هناك األقسام املدجمة يف شبكات‬


‫املدارس العمومية اخلاصة بالتالميذ يف وضعية إعاقة‪ .‬فإىل حدود سنة ‪ ،2017‬بلغ عدد‬
‫املتواجدين هبا ‪ 8000‬تلميذ‪ .‬ويظل عددها غري كاف بالنظر إىل ارتفاع معدل اإلعاقة بني‬
‫األطفال يف سن التمدرس‪ .‬وتبني معطيات البحث الوطني حول اإلعاقة لسنة ‪2014‬‬
‫أنه من جمموع ‪ 33000‬من األطفال يف وضعية إعاقة ممن يرتاوح سنهم بني ‪ 6‬و‪ 17‬سنة‪،‬‬
‫نصفهم فقط‪ ،‬أي ‪ ،17000‬صاروا متمدرسني سنة ‪ .2017‬وأبعد من ذلك‪ ،‬ال ينحرص‬
‫اخللل يف عدم كفاية األقسام املدجمة الذي يؤدي إىل إقصاء العديد من األطفال يف‬
‫وضعية إعاقة من حقهم يف التمدرس‪ ،‬وإنام يتعدى ذلك إىل ضعف الربامج الرتبوية‬
‫املوجهة للمدرسني واملكونني يف هذه املراكز واألقسام‪ ،‬وعدم مواكبتها للتطور املعريف‬
‫والبيداغوجي اخلاص هبذه الفئة من التالميذ(((‪.‬‬

‫‪ 4.8‬التكوين املهني �أمام حتدي �إدماج ال�شباب‬

‫يتبني من خالل اإلحصائيات املتوفرة أن ما يقرب من ‪ % 25‬من الشباب الذين‬


‫يرتاوح سنهم بني ‪ 15‬و‪ 24‬سنة ليسوا ال يف الشغل‪ ،‬وال يف الرتبية أو التدريب(((‪ .‬وأمام‬
‫استفحال معضلة الترسب املدريس وعطالة الشباب‪ ،‬يشكل التكوين املهني أحد أهم‬
‫احللول لتشغيل الشباب وحتقيق اندماجه االجتامعي‪ .‬إال أن قطاع التشغيل مل حيقق بعد‬
‫االلتقائية حتى بني الفاعلني املتدخلني يف هذا القطاع ذاته‪ .‬وحسبنا أن نذكر يف هذا‬
‫السياق مثال إدارة التشغيل التي أخرجت للوجود االسرتاتيجية الوطنية للتشغيل للفرتة‬
‫ما بني ‪ ،2025-2015‬بموازاة وضع شعبة التكوين املهني لالسرتتيجية الوطنية للتكوين‬
‫املهني املمتدة ما بني ‪ ،2021-2015‬ودونام أي متفصل بني املبادرتني‪ .‬وينعدم التنسيق‬
‫القبيل أيضا بني اسرتاتيجية التشغيل من جهة‪ ،‬وبعض االسرتاتيجيات القطاعية الكربى‬
‫مثل املغرب األخرض‪ ،‬وخطة الترسيع الصناعي‪ ،‬ورؤية ‪ 2020‬يف امليدان السياحي‪ ،‬من‬

‫‪(1) - CESE. Rapport annuel 2018, p. 79 – 80.‬‬


‫‪(2) - CESE. Ibid., p. 70.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪58‬‬


‫الـمك َِّون والقطاع‬
‫جهة أخرى‪ .‬لقد كان من املفروض أن تتوحد الرؤى بني القطاع ُ‬
‫املستعمل للموارد البرشية عند الرشوع يف بناء اسرتاتيجيات التكوين املهني وخلق‬
‫مناصب الشغل‪ ،‬وليس بعديا كام تم القيام بذلك‪ .‬ذاك هو املدخل األساس خللق‬
‫تكوينات مهنية تستجيب فعال حلاجيات القطاعات االقتصادية املشغلة(((‪.‬‬
‫وبغية جتاوز ثغرات االسرتاتيجية الوطنية للتكوين املهني وجتويد التكوين‬
‫وحتديث األدوات البيداغوجية والتجهيزات‪ ،‬طرحت شعبة التكوين املهني‪ ،‬يف غضون‬
‫سنة ‪ ،2019‬خطة طريق جديدة متمثلة يف إنشاء ‪ 12‬مدينة جهوية للمهن والكفاءات‪،‬‬
‫موزعة عىل كل جهات اململكة‪ .‬ومن بني املهام التي أسندت إليها‪ ،‬إرشاك الفاعلني‬
‫االقتصاديني يف اجلهة يف تدبري وحتديد التكوينات التي من شأهنا االستجابة حلاجيات‬
‫سوق الشغل يف اجلهة املعنية‪ .‬وينتظر أن تستقبل هذه املدن ‪ 34000‬متدرب‪ ،‬سيواصلون‬
‫تكوينهم يف مؤسسات لالمتياز يف ميدان التكوين املهني‪ .‬لكن‪ ،‬هناك خماطر حمتملة‬
‫خلطة الطريق اجلديدة بالنسبة ل ‪ 368‬مراكز التكوين املهني التابعة ملكتب التكوين املهني‬
‫وإنعاش الشغل ‪ ،OFPPT‬والتي تتضمن ما يقرب من ‪ 500000‬مقعد بيداغوجي‪ .‬فهل‬
‫ستقترص خطة الطريق اجلديدة عىل إسداء تكوين نخبوي لقلة حمدودة من املتدربني‪،‬‬
‫فاسحة الطريق بذلك أمام بروز تكوينني برسعتني متباينتني‪ ،‬أو أهنا ستسهم أيضا يف‬
‫إصالح وتطوير التكوين املوجود أصال منذ سنوات والذي مل يمنح للعديد من املتعلمني‬
‫ما يكفي من احلظوظ لولوج عامل الشغل؟‬

‫عىل أن ما يعيق سياسة التكوين املهني وحيد من فعاليتها‪ ،‬ضعف نظام التوجيه‬
‫املعتمد يف الثانويات اإلعدادية والتأهيلية‪ ،‬والنظرة الدونية للمسارات املهنية يف‬
‫املؤسسات التعليمية‪ .‬ويرض ذلك بوجه خاص الشباب املوجودين عىل عتبة الترسب‬
‫املدريس‪ ،‬وكذا التخصصات التكوينية املتميزة بدرجة عالية من التخصص والتأهيل‪.‬‬
‫وما ال يتوافر حاليا باجلودة املطلوبة‪ ،‬هو أساسا أدوات التشخيص املناسبة للتالميذ‪،‬‬
‫وأدوات التواصل والتبسيط التي من شأهنا متكني املرشحني من الفهم اجليد للتكوين‬
‫املهني املقرتح‪ .‬ومن أبرز األمثلة عىل ذلك أن موقع مكتب التكوين املهني والتأهيل‬

‫‪(1) - CESE. Rapport annuel 2018, p. 70-71.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪59‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫للعمل ‪ OFPPT‬ال يتضمن الصيغة العربية ملحتوياته‪ ،‬بالرغم من أن الشباب املعني‬
‫باالطالع عليها قد جيد صعوبات يف القراءة بالفرنسية(((‪.‬‬

‫‪ 5.8‬مقرتحات للنهو�ض بالرتبية على القيم‬

‫يعترب املجلس األعىل للرتبية والتكوين والبحث العلمي أن جتديد املدرسة‬


‫وإصالحها وهنوضها بأدوارها عىل الوجه األمثل‪ ،‬يقتيض إيالء الرتبية عىل القيم بعدا‬
‫اسرتاتيجيا‪ ،‬وذلك عىل مستويات متعددة(((‪:‬‬
‫·رضورة أخذ الرتبية عىل القيم بعني االعتبار عند بناء املناهج والربامج‪ ،‬وذلك‬
‫منذ التعليم األويل إىل العايل‪ ،‬وبكل ما يرتبط بذلك من إدماج للمقاربة القيمية‬
‫واحلقوقية املعززة لثقافة املساواة؛‬

‫·حرص مصفوفة قيم حمددة تعطى هلا األولوية وفقا باألساس ملقتضيات دستور‬
‫اململكة‪ ،‬مع حتديد آليات لتفعيلها وتتبعها وتقييمها؛‬

‫·إعداد دالئل مرجعية للقيم بالنسبة ملختلف املراحل التعليمية‪ ،‬مع أجرأهتا‬
‫وحتديد طرق اكتساهبا‪ ،‬بام يف ذلك األنشطة ذات الصلة‪ ،‬مع مراعاة تداخلها‬
‫مع املكونات األخرى املرتبطة باللغات واملعارف والكفايات وانسجامها مع‬
‫خصائص كل مادة دراسية؛‬

‫·استعامل الوسائط املعلوماتية والرقمية يف الرتبية عىل القيم‪ ،‬وإحداث فضاء‬


‫رقمي يف املؤسسة أو املنطقة الرتبوية‪ ،‬مع تشجيع تبادل اآلراء حول ما يتضمنه‬
‫من وثائق وموارد ذات صلة بالقيم‪ ،‬وتنمية احلس النقدي لدى التالميذ بام‬
‫يضمن جتنب خماطر اإلنرتنيت‪ ،‬مع متكني الفاعلني الرتبويني من االطالع عىل‬
‫التجارب الناجحة يف هذا املجال؛‬

‫‪(1) - CESE. Ibid., p. 70-71.‬‬


‫((( املجلس األعىل للرتبية والتكوين والبحث العلمي «الرتبية عىل القيم باملنظومة الوطنية للرتبية والتكوين‬
‫والبحث العلمي» تقرير رقم ‪ 17/1‬يناير ‪ ،2017‬ص ‪16‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪60‬‬


‫·استعادة ما فقد من احلياة املدرسية واجلامعية‪ ،‬وخاصة ما يتعلق منها باألنشطة‬
‫الثقافية والفنية والرياضية؛‬

‫·تنمية قيم االنتامء إىل املغرب باعتباره بلدا متعدد الروافد واخلصوصيات اللغوية‬
‫والثقافية واحلضارية‪ ،‬وذلك بموازاة تعزيز التشبع بالقيم الكونية واالنتساب‬
‫للمجتمع اإلنساين؛‬
‫·خلق البنيات واآلليات واملشاريع املواطنة التي من شاهنا تنمية مشاركة التالميذ‬
‫والطالب من اجلنسني يف تدبري احلياة املدرسية‪ ،‬مما يؤهلهم الكتساب العديد من‬
‫الكفايات القيمية واملهارات احلياتية‪ .‬ويف هذا اإلطار‪ ،‬يويص املجلس بمواصلة‬
‫العمل عىل ضوء جتربة ميثاق القسم واملدرسة‪ ،‬والسعي إىل تعميمها انطالقا من‬
‫السنوات التعليمية األوىل؛‬

‫·وبالنظر ملا تقوم به األندية الرتبوية من توعية يف جمال القيم‪ ،‬وحتسيس بأمهية‬
‫املواطنة‪ ،‬وتنمية لقدرات املتعلمني عىل تدبري االختالف والتشارك وتبادل‬
‫االحرتام والتواصل‪ ...‬يويص املجلس بتعميمها‪ ،‬خاصة يف الوسط القروي‬
‫والشبه حرضي؛‬

‫·ويبدو من املهم كذلك تنظيم مباريات ثقافية وبحثية تنافسية بني املتعلمني تتيح‬
‫هلم فرصة االطالع عىل املكتسبات الوطنية والعاملية يف ميدان حقوق اإلنسان؛‬

‫·ومن املطلوب كذلك استثامر مرشوع املؤسسة يف تفعيل األنشطة الرتبوية‬


‫السنوية‪ ،‬وذلك قصد حتفيز املتعلمني عىل تبني املامرسات املواطنة والقيم املدنية‬
‫يف املدرسة وحميطها‪ ،‬وتشجيعهم عىل بلورة مرشوعهم الشخيص عىل أساس‬
‫ارتباط وثيق بقيم املبادرة والتطوع والفكر النقدي واإلبداع واالبتكار؛‬

‫·ويمثل تعزيز آليات الوساطة واإلنصات واملساعدة يف املؤسسة وسيلة مثىل‬


‫لتدبري اخلالفات وحل النزاعات بني املتعلمني‪ ،‬وحتفيزهم عىل تفضيل أسلوب‬
‫احلوار والتفاهم والتواصل عىل العنف والتعصب‪ ،‬وإطارا مناسبا لترصيف‬
‫املعاناة النفسية واالجتامعية‪ ،‬وتشخيص احلاالت واألوضاع الصعبة‪ ،‬وصوال‬
‫إىل مساعدة املتعلم عىل التكيف بشكل أفضل يف عالقته بزمالئه وباملؤسسة؛‬
‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬
‫‪61‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫·إحداث «أوراش بيداغوجية ميدانية» باملدرسة واجلامعة ومؤسسات التكوين‬
‫يشارك فيها املدرسون واإلداريون واملتعلمون واألرس عرب مجعيات اآلباء‪،‬‬
‫وذلك قصد االنخراط يف مناقشة مجاعية حول السبل املثىل يف دعم قيم املواطنة‬
‫واملدنية؛‬

‫·متتني العالقة بني املؤسسة الرتبوية واألرسة وخلق قنوات تواصل منتظم معها‬
‫حول قيم املؤسسة وسلوك أبنائها وبناهتا‪ ،‬وصوال إىل إرشاكها يف وضع الربامج‬
‫واملشاريع املندرجة ضمن مرشوع املؤسسة‪.‬‬

‫وإذا كانت نتائج تفعيل القيم يف القطاع الرتبوي ال تستجيب‪ ،‬إىل اآلن‪ ،‬لألهداف‬
‫املنشودة‪ ،‬فامذا عن تفعيل القيم يف قطاع الصحة؟‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪62‬‬


‫‪ .9‬تفعيل القيم يف جمال ال�صحة‪ :‬مكت�سبات وحدود‬

‫رغم املنجزات اهلامة التي حققها املغرب عىل عدة أصعدة‪ ،‬نذكر منها توسيع‬
‫شبكات الصحة القاعدية‪ ،‬وحتسني خدمات الصحة اإلنجابية‪ ،‬وتعميم اللقاحات‬
‫وحماربة األمراض املعدية واألوبئة‪ ،‬ومتكني نسبة كبرية من املواطنني من ولوج املؤسسات‬
‫واملراكز الصحية بفضل بطاقة «رميد»‪ ،‬فإن تفعيل بعض القيم الصحية األساسية ما‬
‫زال يواجه حتديات صعبة‪ .‬فاالستفادة من اخلدمات الصحية ما زالت غري متساوية بني‬
‫خمتلف جهات اململكة‪ ،‬داخل نفس اجلهة‪ ،‬وبني الوسط احلرضي والقروي‪ .‬ويرجع‬
‫ذلك إىل التوزيع غري املنصف للمؤسسات واملوارد الصحية‪ ،‬وملشاكل متعلقة بحكامة‬
‫ونتائج هذه املراكز‪ .‬فإذا كانت مراكز الصحة األولية قد صارت خالل السنوات األخرية‬
‫متقاربة نسبيا من حيث تناسبها وعدد السكان بمختلف اجلهات واألقاليم‪ ،‬فإهنا ما‬
‫زالت متباينة يف ما خيص املسافة الفاصلة بني السكان واملركز الصحي‪ ،‬والتجهيزات‬
‫الطبية املتوفرة هبذه املراكز‪ ،‬ومعدل التأطري الطبي والتمرييض‪ .‬فحسب وثيقة تعاون‬
‫بني وزارة الصحة واملنظمة العاملية للصحة بني سنتي ‪ ،2021-2017‬يقيم ‪ % 20‬من‬
‫السكان عىل بعد ‪ 10‬كيلومرتات من املركز الصحي األقرب إليهم‪ ،‬وهو ما يشكل خطرا‬
‫حقيقيا عىل صحتهم‪ .‬وبسبب الفوارق املسجلة يف جتهيز املؤسسات الصحية العمومية‪،‬‬
‫وكذا يف الكثافة الطبية والتمريضية‪ ،‬ال جيد بعض األطباء االختصاصيني املعينني هبا‬
‫األدوات القمينة بمساعدهتم عىل مزاولة مهنتهم بالشكل املطلوب‪ .‬كام أن املؤسسات‬
‫الطبية اخلاصة تستقر أساسا يف املدن الكربى‪.‬‬

‫إن رفع ميزانية وزارة الصحة رضوري‪ ،‬لكنه غري كاف لتحسني اإلنصاف يف‬
‫الصحة‪ .‬لتحقيق ذلك‪ ،‬يتعني حتسني نجاعة املصاريف الصحية وجودة العالجات‪،‬‬
‫إضافة إىل تيسري ولوج املؤسسات الصحية وختفيض املصاريف الصحية بالنسبة للفئات‬
‫االجتامعية الفقرية واملتوسطة‪ .‬كام يتوجب إعادة النظر يف التوزيع اجلهوي الالمتساوي‬
‫للموارد البرشية‪ .‬فرغم ارتفاع عدد األطباء واملمرضني‪ ،‬فإن الوزارة املسؤولة تعجز‬
‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬
‫‪63‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫عن إبقائهم يف املناطق ذات اجلاذبية الضعيفة‪ ،‬ونعني هبا باألساس املناطق القروية‪.‬‬
‫ولعل أهم سبب مفرس لذلك‪ ،‬غياب نظام للتحفيز عند التعيني‪.‬‬
‫‪65.00‬‬ ‫ولتحقيق اإلنصاف يف الصحة‪ ،‬عمد املغرب‪ ،‬أوال‪ ،‬عرب القانون رقم‬
‫بمثابة مدونة التغطية الصحية األساسية‪ ،‬ثم استنادا إىل دستور ‪( 2011‬الفصل ‪،)31‬‬
‫إىل استحداث «التغطية الطبية القاعدية»‪ ،‬التي تفرعت الحقا إىل نظامني من التغطية‬
‫الصحية‪ :‬التأمني الصحي اإلجباري ‪ AMO‬الذي تم وضعه سنة ‪ 2005‬لتأمني مأجوري‬
‫القطاع املهيكل العام واخلاص واملتقاعدين وأرسهم‪ ،‬ونظام املساعدة الطبية للمعوزين‬
‫اقتصاديا ‪ RAMED‬الذي أنشئ سنة ‪ 2011‬بغرض ضامن التأمني الصحي للسكان الذين‬
‫هم يف وضعية الفقر واهلشاشة‪ .‬وتنص املادة األوىل من هذا القانون عىل «ضامن التغطية‬
‫الصحية (للمستفيدين) بدون أي متييز حسب السن‪ ،‬أو اجلنس‪ ،‬أو طبيعة النشاط‪،‬‬
‫أو درجة‪/‬طبيعة الدخل‪ ،‬أو سوابقهم املرضية‪ ،‬أو مناطق إقامتهم»(((‪ .‬ويسعى خمطط‬
‫«الصحة ‪ »2025‬إىل توسيع نظام التغطية الصحية للمهنيني والعامل املستقلني وغري‬
‫املأجورين املزاولني ألنشطة خاصة‪ ،‬وصوال إىل تعميمه عىل مجيع املواطنني وأرسهم‪.‬‬
‫واملالحظ أنه بالرغم مما يعرتي حاليا نظام املساعدة الطبية «رميد» من تفاقم لالتوازن‬
‫بني موارده املالية املتناقصة والتزايد املطرد لعدد املنخرطني‪ ،‬فإنه مل يتم بعد إصالحه‪.‬‬
‫ويعاين نظام «كنوبس» ِ‪ CNOPS‬بدوره من تزايد االختالل والالتوازن بني املسامهات‬
‫املالية للمنخرطني واملصاريف املتزايدة باستمرار(((‪.‬‬
‫‪5‬‬ ‫ويمثل القانون اإلطار رقم ‪ ،09 .21‬املتعلق باحلامية االجتامعية الصادر يف‬
‫أبريل ‪ ،2021‬مرحلة أساسية يف تنفيذ توجهات جاللة امللك حممد السادس يف ما يتعلق‬
‫بتعميم التغطية االجتامعية لفائدة مجيع املواطنات واملواطنني املغاربة بحلول عام ‪.2025‬‬
‫ويتعلق األمر بقانون صوت عليه الربملان يف مارس ‪ .2021‬وقد تأكد منذ دستور ‪2011‬‬
‫(الفصل ‪ )31‬ما هو مطلوب من الدولة‪ ،‬عرب املؤسسات العمومية واجلامعات الرتابية‪،‬‬
‫من تعبئة لكل الوسائل املتاحة‪ ،‬لتيسري أسباب استفادة املواطنات واملواطنني‪ ،‬عىل قدم‬
‫املساواة‪ ،‬من احلق يف العالج والعناية الصحية‪ ،‬واحلامية االجتامعية والتغطية الصحية‪،‬‬

‫‪(1) - ONDH. Les discriminations intersectionnelles des femmes, Op. Cit., p. 51.‬‬
‫‪(2) - CESE. Rapport annuel 2018, p. 71-73.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪64‬‬


‫والتضامن التعاضدي أو املنظم من لدن الدولة‪ .‬وقد سبق أن وقع املغرب سنة ‪2015‬‬
‫عىل ما أقرته اجلمعية العامة لألمم املتحدة بخصوص أهداف التنمية املستدامة باعتبارها‬
‫التزاما مشرتكا بتعميم احلامية االجتامعية يف أفق ‪.2030‬‬

‫وهيدف القانون اإلطار إىل‪:‬‬

‫‪1.1‬تعميم التغطية الصحية اإلجبارية يف أفق ‪ ،2022‬لفائدة ‪ 22‬مليون‬


‫مستفيد إضايف؛‬
‫‪2.2‬تعميم التعويضات العائلية يف أفق ‪ ،2024‬لفائدة حوايل ‪ 7‬ماليني طفل‬
‫يف سن التمدرس؛‬
‫‪3.3‬توسيع االنخراط يف أنظمة التقاعد يف أفق ‪ ،2025‬لفائدة ‪ 5‬ماليني مغريب من‬
‫الساكنة النشيطة؛‬
‫‪4.4‬تعميم االستفادة من التعويض عن فقدان الشغل يف أفق ‪ ،2025‬بالنسبة لكل‬
‫شخص يتوفر عىل عمل قار(((‪.‬‬
‫ويشكل االهتامم باملحددات االجتامعية للصحة مدخال لضبط العالقة بني‬
‫الفوارق االجتامعية والالمساواة جتاه الصحة‪ .‬وتؤكد العديد من الدراسات التي تم‬
‫القيام هبا عرب العامل أن الالمساواة والفقر واالستغالل وانعدام العدالة عوامل منتجة‬
‫الختالالت صحية ودرجات متباينة من االستفادة من اخلدمات الصحية‪ .‬وقد صار‬
‫جليا كذلك أن الفوارق بني اجلهات والفئات االجتامعية تعيد إنتاج نفسها يف عالقة‬
‫السكان بالنظام الصحي‪ ،‬بحيث ينعدم اإلنصاف بينها يف مدى االستفادة من خدماته‪.‬‬
‫واعتبارا للخصاص املسجل يف ميادين احلكامة‪ ،‬واملوارد البرشية ودور القطاع‬
‫اخلاص‪ ،‬أطلقت احلكومة مبادرة «الصحة‪ ،‬أفق ‪ »2015‬التي منحت األولوية لتحسني‬
‫احلكامة‪ ،‬والدفع باإلنصاف يف الصحة‪ ،‬وتوسيع التأمني عىل املرض‪ ،‬وتيسري احلصول‬
‫عىل األدوية‪ .‬وكان منتظرا أن تعد هذه املبادرة األرضية إلصالح أشمل حتت تسمية‬
‫«الصحة‪ ،‬أفق ‪.(((»2020‬‬

‫‪(1) - https://social.gov.ma‬‬
‫‪(2) - Banque Mondiale. « Note sectorielle sur la santé : vers un système de soins de santé plus‬‬
‫‪équitable et durable _ défis de politique et opportunités », Moyen-Orient et Afrique du‬‬
‫‪Nord _ Groupes sociaux (MNSHD), 2007.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪65‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫وهيدف املغرب حاليا إىل حتقيق هدفني اسرتاتيجيني ومتقاطعني‪ :‬حكامة أفضل‬
‫يف تدبري املؤسسات الصحية والسياسات املتصلة هبا‪ ،‬وبلوغ اإلنصاف يف الصحة ‪équité‬‬
‫‪ .en santé‬ويبدو أن حتقيق هذين اهلدفني ممكن‪ ،‬لكن ليس باالعتامد فقط عىل الوسائل‬
‫احلكومية‪ ،‬وإنام كذلك عرب التعاون األفقي مع القطاع اخلاص واملجتمع املدين واخلرباء‬
‫واألكاديميني‪ .‬ويقتيض اعتامد احلكامة اجليدة وحماربة عدم اإلنصاف يف الصحة تقوية‬
‫العالقات العرب – قطاعية ‪ intersectorielles‬التي تؤدي إىل تقوية الرشاكة بني القطاعني‬
‫العام واخلاص‪ ،‬وتضمني الصحة يف كل السياسات‪ .‬ذاك هو السبيل األنجع واألكثر‬
‫فعالية يف التأثري عىل املحددات االجتامعية لعدم اإلنصاف الصحي(((‪.‬‬
‫وإذا كانت إشاراتنا للحكامة اجليدة‪ ،‬يف قطاعات التعليم والصحة والشغل‪ ،‬قد‬
‫ظلت ذات طابع عارض وضمني‪ ،‬فإننا سنخصص هلا‪ ،‬يف ما ييل من الصفحات‪ ،‬حيزا‬
‫يليق بام هلا من أمهية يف جمال القيم‪ ،‬وبام يتصل هبا من عناقيد قيمية متكاملة ومرتابطة يف‬
‫ما بينها‪.‬‬

‫‪(1) - Ministère de la santé / OMS. Rapport intitulé : « Réussir l’approche de la santé dans toutes‬‬
‫‪les politiques », Rabat, Juin 2013.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪66‬‬


‫‪ .10‬القيم يف قلب ال�سعي �إىل احلكامة اجليدة‬

‫يعرب مفهوم احلكامة عن ممارسة السلطة السياسية وإدارهتا لشؤون املجتمع‪،‬‬


‫وموارده‪ ،‬وتطوره االقتصادي واالجتامعي‪ ،‬مركزيا‪ ،‬وجهويا‪ ،‬وإقليميا وحمليا‪.‬‬
‫واحلكامة أوسع من احلكومة لكوهنا تقتيض التنسيق والتعاون مع كل من املجتمع‬
‫املدين والقطاع اخلاص يف صنع القرارات والتأثري فيها‪ .‬ويقوم بتدبري احلكامة قيادات‬
‫سياسية منتخبة‪ ،‬ومجعيات ذات متثيلية اجتامعية وازنة‪ ،‬وإدارة ملتزمة بتطوير موارد‬
‫املجتمع‪ ،‬وحتسني مستوى عيش املواطنني‪ ،‬وذلك عرب إرشاكهم يف تشخيص املشاكل‬
‫واستشارهتم بخصوص البحث عن احللول وتتبع تنفيذها‪.‬‬

‫وترتكز االسرتاتيجية الوطنية للتنمية املستدامة املتبناة منذ سنة ‪ 2017‬عىل قيم‬
‫االستدامة والتامسك والتامزج بني خمتلف الربامج والسياسات والتصاميم القطاعية‪،‬‬
‫وبني األطراف املعنية الرئيسية ونعني هبا القطاع العام‪ ،‬والفاعلني اخلواص واملجتمع‬
‫املدين‪ .‬ولتجاوز النقص احلاصل يف التنفيذ‪ ،‬وتوسيع فضاء العمل لكل الفاعلني‬
‫املعنيني‪ ،‬تم تأسيس جلنة وطنية للتنمية املستدامة سنة ‪ 2019‬حتت سلطة رئيس احلكومة‪.‬‬
‫ويقتيض رفع هذه التحديات‪ ،‬حسب املندوبية السامية للتخطيط‪ ،‬االرتقاء بجودة‬
‫التواصل وتنظيم لقاءات تشاورية وطنية وجهوية بني كل األطراف املعنية‪ ،‬وتقوية‬
‫قدرات اإلدارة واجلامعات الرتابية عىل التخطيط والتتبع والتنفيذ الفعال والناجع‬
‫وصوال إىل التقييم وإعداد التقارير حول املنجزات(((‪.‬‬

‫‪ 1.10‬دور القيم واحلكامة اجليدة يف حماربة الر�شوة‬

‫لقد تم وضع األسس القانونية واملؤسسية للتصدي للرشوة يف املغرب بإطالق‬


‫برامج وطنية خالل سنتي ‪ 2005‬و‪ ،2010‬وعرب املصادقة عىل اتفاقية األمم املتحدة‬

‫‪(1) - CESE. Rapport annuel 2020, p. 62 – 63.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪67‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫ملكافحة الفساد سنة ‪ ،2007‬وكذا بتعزيز مؤسسات احلكامة دستوريا‪ ،‬نذكر منها‬
‫عىل وجه اخلصوص اهليئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة وحماربتها‪ ،‬الوسيط‪،‬‬
‫وجملس املنافسة‪.‬‬
‫إال أنه بالرغم من اجلهود التي تبذهلا السلطات العمومية لفرض قيم الشفافية‬
‫والنزاهة بديال عن الرشوة‪ ،‬فإن املغرب مل يتمكن بعد من جتاوز موقعه يف وسط الرتتيب‬
‫العاملي املتعلق بمؤرش متثل الرشوة لسنة ‪ 2018‬املوضوع من لدن املنظمة العاملية للشفافية‪،‬‬
‫حيث ما زال حيتل الرتبة ‪ 73‬متأخرا بذلك عن بعض الدول العربية واإلفريقية‪ .‬ومع‬
‫ذلك‪ ،‬فقد حقق بعض املنجزات نذكر منها‪:‬‬
‫·وضع االسرتاتيجية الوطنية ملكافحة الفساد سنة ‪ ،2015‬التي تم حتيينها سنة‬
‫‪.2019‬‬
‫·خلق اللجنة الوطنية ملكافحة الفساد سنة ‪ 2017‬التي أسندت هلا مهام تفعيل‬
‫االسرتاتيجية املشار إليها؛‬
‫·خالل سنة ‪ ،2018‬تم خلق منصة وضعت رهن إشارة املواطنني قصد تبليغ‬
‫شكاياهتم بعمليات االرتشاء بواسطة رقم هاتفي خاص‪.‬‬
‫·بيد أن حماربة الرشوة تقتيض السعي إىل حتقيق املزيد من املكتسبات‪:‬‬
‫·احلرص عىل التطبيق الفعيل والدقيق للقانون ‪ 31.13‬الصادر يف مارس ‪،2018‬‬
‫املتعلق باحلق يف احلصول عىل املعلومات؛‬
‫·إعادة النظر يف اإلطار القانوين واملؤسيس املتعلق بحاالت تعارض املصالح‪،‬‬
‫وتراكم املسؤوليات والوظائف بني السيايس واخلاص املربح‪ ،‬وكذا حاالت‬
‫االستغالل الالقانوين للمعلومة ألغراض شخصية؛‬
‫·حتديد الصالحيات اخلاصة بكل من اهليئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة‬
‫وحماربتها واللجنة الوطنية ملكافحة الفساد درء للتداخل يف املهام‪ ،‬إىل جانب‬
‫دعم االلتقائية وعالقات التعاون بينهام(((‪.‬‬

‫‪(1) - CESE. Rapport annuel, 2018, p. 55-56.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪68‬‬


‫وقد اتضح من خالل معطيات بحث أجراه البنك الدويل سنة ‪ 2019‬حول‬
‫املقاوالت املغربية أن ‪ % 58‬منها رصحت باضطرارها ملنح «هدايا» ملسؤولني يف اإلدارة‬
‫قصد احلصول عىل عقود‪ .‬فباإلضافة ملا تلحقه هذه اآلفة من إرضار بسمعة البلد عىل‬
‫الصعيد الدويل‪ ،‬فإهنا تعيق تنميته بتشجيعها للمامرسات الريعية‪ ،‬وإعاقتها لالستثامرات‬
‫املنتجة واملجددة نتيجة ملا ختلقه يف النفوس من شك وعدم ثقة يف املجتمع بصفة عامة‬
‫ومناخ األعامل بوجه أخص(((‪.‬‬
‫كام يربز مدركات املغاربة بخصوص مدى شيوع قيم النزاهة والشفافية‬
‫والواجب يف دواليب املؤسسات الصحية والتعليمية‪ ،‬حيث يتبني أن الثلثني منهم‬
‫(‪ )% 64‬يعتربون أن الرشوة «رضورية» و«رضورية للغاية» للحصول عىل خدمات‬
‫صحية أفضل؛ و‪ % 46‬يتبنون نفس الرأي يف ما خيص احلصول عىل خدمات تعليمية‬
‫أفضل‪ .‬واملالحظ أن هذه اآلراء أكثر شيوعا بني الشباب منهم بني األكرب سنا‪.‬‬

‫‪2.10‬م�ساهمة قيم احلكامة اجليدة يف �إجناح جتارب ومناذج يف التنمية‬


‫املحلية‬

‫تتواجد القيم يف قلب املؤسسات التنموية الرصحية مثلام تتواجد يف قلب األرس‬
‫واملدارس‪ .‬يف كل هذه احلاالت‪ ،‬نجدها توجه سلوك الفاعلني واختياراهتم وقراراهتم‪،‬‬
‫وتؤثر بقوة يف مناهج العمل وطرق التنفيذ‪ .‬وحتى نتخطى حدود العمومية والتجريد‬
‫ونصري‪ ،‬تبعا لذلك‪ ،‬أكثر وضوحا يف تبليغ املراد‪ ،‬سنسعى إىل حتديد الكيفية التي تم هبا‬
‫تفعيل جمموعة من القيم اجلوهرية من خالل عرض جتارب تنموية ملجالس مجاعية حملية‪.‬‬
‫وسنبني يف األخري ما تكتسيه القيم من أمهية يف خمطط تنمية أقاليم الشامل واجلنوب‪.‬‬

‫‪ 1.2.10‬القيم حمرك قوي يف جتارب جمال�س اجلماعات الرتابية‬

‫عىل إثر صدور دستور ‪ ،2011‬خرجت للوجود نصوص قانونية عدة ترمي إىل‬
‫تعزيز مشاركة املواطنني واجلمعيات يف بناء وتنزيل الربامج والسياسات العمومية‪.‬‬

‫‪(1) - CESE. Rapport annuel, 2019, p. 44.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪69‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫وتتضمن هذه النصوص القوانني التنظيمية املتعلقة باجلامعات الرتابية التي تبنت‬
‫جمموعة من اآلليات التشاركية الرامية إىل تأسيس ثقافة حقيقية يف ميداين التبادل واحلوار‬
‫مع املواطنني‪ .‬ولتحقيق املزيد من دمج املواطنني واجلمعيات يف سريورة التموقع ضمن‬
‫دوائر اختاذ القرار وتشكيل السياسات العمومية حمليا‪ ،‬شجع املرشع عىل اعتامد مقاربة‬
‫تشاركية يف وضع املخططات اجلامعية‪ ،‬وكذا عىل تأسيس هيئات املساواة وتكافؤ‬
‫الفرص ومقاربة النوع‪ ،‬واللجوء إىل آليات تقديم العرائض‪ .‬ومن اجلدير بالذكر أنه مل‬
‫يمض سوى وقت قصري حتى رشعت العديد من اجلامعات الرتابية‪ ،‬بمبادرة منها أو من‬
‫لدن منظامت دولية‪ ،‬يف تبني ممارسات داجمة للمواطنني‪ ،‬مبدية بذلك تطلعها واهتاممها‬
‫بتعميق أسس الديموقراطية التشاركية‪.‬‬
‫لقد أدت املشاركة املواطنة يف املجالس اجلامعية باعتبارها قيمة مركزية‪ ،‬إىل‬
‫تصدر قيم مكملة من قبيل التشاور‪ ،‬والشفافية‪ ،‬واملسؤولية‪ ،‬واملحاسبة‪ ،‬إلخ‪ .‬مؤسسة‬
‫بذلك لربوز ديموقراطية تشاركية قائمة عىل أساس التعاون والتشبيك واحلكامة اجليدة‬
‫يف السياسات العمومية‪ .‬كام انتقلت قيمة االستدامة من العمل اجلمعوي إىل العمل‬
‫اجلامعي خاصة عندما صار العديد من مسؤويل اجلمعيات املحلية أعضاء منتخبني‬
‫يف املجالس اجلامعية احلرضية‪ .‬ومنذئذ أضحوا يدافعون عن قضايا من قبيل السياحة‬
‫اإليكولوجية‪ ،‬واحلفاظ عىل املوارد العمرانية والطبيعية يف املدينة وحميطها القروي‪ .‬بل‬
‫انضافت إىل ذلك مبادرات سعت إىل حتديث العمل اجلامعي بام فيه من حتسني جودة‬
‫االستقبال واخلدمات املقدمة للمواطنني‪ ،‬ورقمنة الوثائق اإلدارية‪ ،‬ووضع اسرتاتيجية‬
‫تواصلية فعالة ليس فقط باجتاه املواطنني وإنام أيضا باجتاه اجلمعيات واهليئات املانحة‬
‫عىل الصعيد الدويل‪ .‬وصارت قيمة الرشاكة مع املنظامت الدولية موجها أساسيا لبعض‬
‫املجالس اجلامعية احلرضية يف أفق حتقيق األهداف التنموية املنشودة‪.‬‬
‫وعىل صعيد عالقة هذه املجالس اجلامعية احلرضية باجلمعيات يوضع عىل املحك‬
‫مدى قدرة أعضائها عىل االشتغال وفقا لبعض القيم األساسية كالشفافية واملساواة عند‬
‫تقديم عروض املشاركة يف ورشات التشخيص املتعلقة بمخطط العمل اجلامعي‪ ،‬تقديم‬
‫التمويالت‪ ،‬أو يف عقد اتفاقيات رشاكة‪ ،‬أو يف األخذ بعني االعتبار تواجد اجلمعيات‬
‫عرب خمتلف أحياء املدينة عند توزيع الدعم‪ ،‬أو انتامء هاته اجلمعيات هليئات سياسية‬
‫خمتلفة‪ ،‬إلخ‪.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪70‬‬


‫ويتم إرشاك اجلمعيات‪ ،‬إىل جانب فاعلني اقتصاديني‪ ،‬ومنتخبني حمليني‪ ،‬وممثيل‬
‫القطاعات اخلارجية وأساتذة جامعيني‪ ...‬يف ورشات تشخيصية واجتامعات تدارس‬
‫للقضايا التنموية اجلهوية‪ .‬وتتمحور مشاركة املجتمع املدين حول قضايا من قبيل‬
‫اإلندماج احلرضي واالجتامعي ألحياء السكن الناقصة التجهيز‪ ،‬والتنمية املستدامة‬
‫وبخاصة ما يتعلق منها بالسياحة اإليكولوجية‪ ،‬وحتسني جودة إطار العيش بام يتصل‬
‫به من مساحات خرضاء وجتهيزات سوسيو‪ -‬ثقافية‪ ،‬وصوال إىل االنخراط يف تعبئة‬
‫ساكنة القرب عرب اإلعالم والتحسيس والرتبية‪ .‬وعند إعداد خمططات العمل اجلامعي‪،‬‬
‫يتم تنظيم ورشات يشارك يف أشغاهلا ممثلو اجلمعيات‪ ،‬حيث يكون اهلدف من ورائها‬
‫تشخيص وضعية البنى التحتية احلرضية وتقديم اقرتاحات ملا يتعني إنجازه مستقبال‬
‫يف ميادين التحسني الكمي والكيفي للخدمات األساسية من قبيل اإلنارة والرصف‬
‫الصحي والتنقل واحلركية‪ ،‬واملناطق اخلرضاء وفضاءات االستجامم‪ ،‬إضافة إىل بعض‬
‫املشاريع الكربى ذات الصلة بالتجارة‪ ،‬والثقافة والنقل والصناعة‪.‬‬

‫وقد شكلت انتظارات الساكنة املحلية واخلصوصية االجتامعية والثقافية‬


‫للمناطق التي مل تكن سياسات الدولة املركزية‪ ،‬يف نظر بعض أعضاء هذه املجالس‪ ،‬عىل‬
‫دراية بمقتضياهتا‪ ،‬منطلقا إلرشاك النسيج اجلمعوي يف العمل اجلامعي‪ ،‬فضال عن اختاذ‬
‫مبادرات حتفيزية باجتاه تأسيس املزيد من اجلمعيات‪ .‬حينئذ‪ ،‬كانت احلاجة ماسة خللق‬
‫أرضية للتبادل واحلوار والتشاور حول احلاجيات واالنشغاالت احلقيقية للساكنة‪.‬‬

‫وتكتيس آليات املشاركة أبعادا ثالثية‪:‬‬

‫‪ .1‬مبادرات األحياء‪ :‬ويشكل هذا النمط من املشاركة نداء موجها للسكان‬


‫وجلمعيات األحياء من أجل إدارة فضاءات وشؤون احلي‪ ،‬وفتح قنوات‬
‫التواصل والنقاش مع الساكنة حول انشغاالهتا املتعلقة باحلي‪ ،‬وذلك حتت شعار‬
‫أن اإلدارة هي التي تبادر إىل االتصال بالسكان وليس العكس‪ ،‬وأن التشخيص‬
‫يصدر عنهم‪.‬‬

‫‪ .2‬املنتدى السنوي للجمعيات‪ :‬صار ينعقد سنويا بني املجلس اجلامعي واجلمعيات‬
‫واملصالح اخلارجية‪ .‬وهدفه الرئيس التشاور واحلوار حول املقتضيات التنموية‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪71‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫للجامعة‪ .‬ويتوزع املشاركون يف هذا املنتدى عىل ورشات موضوعاتية يتبادلون‬
‫خالهلا االقرتاحات والرؤى حول القضايا التي هتم اجلامعة‪ ،‬ويقرتحون تدخالت‬
‫ومشاريع تدرجها اجلامعة يف خمططها الشامل وخمططها العميل يف آن‪ ،‬قبل ترمجته‬
‫إىل خدمات تقدم وفقا النتظارات الساكنة‪ .‬كام يتم تقييم منجزات البلدية‪ ،‬األمر‬
‫الذي جيعل أيضا من توصيات الورشات أداة لتتبع وتقييم العمليات قيد التنفيذ‬
‫أو املنتهية‪.‬‬

‫‪ .3‬امليزانية التشاركية‪ :‬بواسطة هذه اآللية‪ ،‬يتم إدراج املشاريع املقرتحة يف إطار‬
‫منتدى اجلمعيات ومبادرات األحياء ضمن امليزانية املتوقعة للجامعة احلرضية‪.‬‬

‫‪ 2.2.10‬ح�ضور قيم �أ�سا�سية يف النموذج التنموي للأقاليم اجلنوبية‬

‫عىل إثر االستشارات املتعددة واملتنوعة التي قام هبا معدو النموذج التنموي‬
‫اجلهوي اخلاص باألقاليم اجلنوبية‪ ،‬تم التأكيد عىل أن احرتام حقوق اإلنسان كام هي‬
‫معرتف هبا كونيا ويف دستور اململكة‪ ،‬رشط ورافعة أساسية لكل تنمية جهوية ووطنية‪.‬‬
‫كام وقع التأكيد عىل جمموعة من القيم األساسية نذكر منها‪ ،‬ولوج اخلدمات واحلقوق‬
‫األساسية‪ ،‬االستفادة من الدمج والتضامن يف أشكاله املختلفة‪ ،‬ومحاية الطفولة والبيئة‪،‬‬
‫واحلكامة املسؤولة واألمن املتعلق باألشخاص واملمتلكات‪ ،‬والديموقراطية االجتامعية‪،‬‬
‫واحلوار االجتامعي واملدين(((‪ .‬واقرتح معدوا هذا املخطط التنموي عىل الدولة دعم‬
‫التنمية البيئية املستدامة‪ ،‬ومراقبة جودة املياه الصاحلة للرشب ومياه ومنتجات البحر‪،‬‬
‫ودعم كل قطاعات االقتصاد القائمة عىل أساس قيم التعاون والتضامن والرتابط‬
‫االجتامعي والتنافسية بني األقطاب اجلهوية‪ ،‬وأصالة املعارف واألنشطة املحلية املميزة‬
‫للمنطقة(((‪ .‬وتم إبراز ما متثله القابلية للتشغيل ‪ ،employabilité‬من أمهية‪ ،‬خاصة‬
‫بالنسبة للشباب والنساء‪ ،‬وكذا التنمية البرشية الداجمة ‪ .inclusive‬ودعوا إىل اعتامد فعل‬
‫عمومي قائم عىل أساس القرب‪ ،‬والتشاور والفعالية‪ .‬ويعترب معدوا هذا املخطط أن‬

‫‪(1) - CESE. « Nouveau modèle de développement pour les provinces du sud », octobre 2013,‬‬
‫‪p. 29-30.‬‬
‫‪(2) - Ibid., p. 67-69.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪72‬‬


‫من شأن تفعيل هذه القيم أن يفسح املجال أمام تعزيز قيم جديدة نذكر منها تقليص‬
‫الفوارق بخصوص ولوج اخلدمات االجتامعية األساسية‪ ،‬وعقلنة أنظمة الدعم‬
‫االجتامعي‪ ،‬وتقوية مشاركة النساء يف املسار التنموي اجلديد‪ ،‬وصوال إىل تقوية الثقة يف‬
‫املؤسسات املوكول إليها تنمية اجلهة‪.‬‬

‫أما يف ما خيص توفري رعاية صحية ذات جودة‪ ،‬فقد تم اقرتاح إعادة تأهيل‬
‫القطاع الصحي اعتامدا عىل مزيج من القيم األساسية‪ :‬اجلودة‪ ،‬النجاعة والتجديد(((‪.‬‬
‫ومن الزاوية الرتبوية‪ ،‬اقرتح اعتامد تعليم حديث حيقق املطابقة بني التكوين وسوق‬
‫الشغل‪ ،‬والرتبية عىل قيم املواطنة التي ينتظر منها حتسيس األطفال بخصوص احرتام‬
‫حقوق اإلنسان‪ ،‬واالختالف الثقايف‪ ،‬واالنفتاح عىل الثقافات املغايرة‪ ،‬والتعلق بثقافة‬
‫السلم والالعنف يف املدارس‪ .‬ويثمن هذا النموذج اجلديد مشاركة األرس يف هذه‬
‫املقاربة الرتبوية اإلصالحية‪.‬‬

‫وحترض القيم أيضا عند التأكيد عىل عقلنة الدعم االجتامعي ‪ filets sociaux‬الذي‬
‫جيب أن يكون مطبوعا بالشفافية واملسؤولية لدى كل من مدبري الربامج واملستفيدين‬
‫منها‪ .‬كام تم اإلحلاح عىل رضورة اعتامد اختيار عادل ومنصف وشفاف للمستفيدين من‬
‫هذه الربامج‪ ،‬إىل جانب توفري رشوط التامسك االجتامعي يف إطار االختالط بني فئات‬
‫اجتامعية خمتلفة‪ .‬ويف ما خيص الثقافة‪ ،‬اجته النموذج التنموي اجلهوي إىل تثمني إبراز‬
‫خصوصية وفرادة الثقافة احلسانية(((‪.‬‬
‫ويمكن أن نستخلص من هذه التجارب واملقرتحات أن السياسات العمومية ال‬
‫حتقق النتائج اإلجيابية املنشودة إال عرب اعتامد حكامة حملية جيدة تسعى إىل أن تتأسس‬
‫عىل مبادئ دولة القانون والديموقراطية التشاركية‪ .‬وقد اتضح ذلك يف النقاط التالية‪:‬‬

‫·لقد اتضح ما للمستوى املحيل من أمهية باعتباره جماال للتفاعل بامتياز بني‬
‫السلطات العمومية واملواطنني والفاعلني االقتصاديني واملجتمع املدين‪ ،‬حيث‬
‫اتضحت بجالء مزايا القرب يف حتديد حاجيات السكان‪ ،‬وإتاحة الفرصة‬

‫‪(1) - Ibid., p. 72.‬‬


‫‪(2) - Ibid., p. 74-75 et 78.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪73‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫هلم لطلب الدعم واملشاركة يف اختاذ القرارات‪ ،‬وفهم خمتلف التحديات‬
‫واالنتظارات التي ختص ساكنة اجلامعة الرتابية‪ .‬ومن شأن كل ذلك أن يفسح‬
‫املجال أمام اختيار سياسات عمومية أكثر مالءمة وتكيف وفعالية‪.‬‬

‫· نالحظ أنه بخصوص اجلامعات املعنية والنموذج التنموي اخلاص باألقاليم‬


‫اجلنوبية‪ ،‬تم إرشاك خمتلف الفاعلني املحليني املعنيني‪ ،‬أي القطاع العام‪،‬‬
‫والقطاع اخلاص‪ ،‬واملجتمع املدين‪ ،‬واملواطنني من ذوي اخلربة واملعرفة وكذا‬
‫من هلم حاجيات يودون التعبري عنها‪ ،‬بكل ما يرتبط بذلك من رفع الحتامالت‬
‫التجديد يف إجياد احللول‪ ،‬ومراعاة أكثر دقة وواقعية للخصوصيات اجلهوية‬
‫واملحلية‪ ،‬وحتسني لفعالية التمويل العمومي وجلودة اخلدمات العمومية‪،‬‬
‫وتقوية للثقة واملصداقية لدى املواطنني‪.‬‬

‫·لقد تم اعتامد أشكال جديدة من االشرتاك يف تشخيص االختالالت‬


‫واحلاجيات‪ ،‬واختاذ القرارات ‪ codécision‬ووضع ميزانية اجلامعة الرتابية‪ ،‬مما‬
‫جسد مبدأ «الديموقراطية التشاركية»‪ ،‬وأدمج املواطنني يف تدبري شؤون اجلامعة‬
‫احلرضية‪ ،‬وأضفى فعالية أكرب ورشعية أوسع عىل الفعل العمومي‪ ،‬وأسهم يف‬
‫تقوية حس النزاهة واملسؤولية لدى املنتخبني والفاعلني اإلداريني‪.‬‬

‫·متت اإلشارة كذلك يف هذه التجارب إىل التقييم املشرتك واجلامعي للمشاريع‬
‫احلرضية‪ ،‬وتتبع تنفيذ السياسات العمومية‪ ،‬بام قد يتيحه ذلك من إجراء‬
‫للتعديالت والتصحيحات الالزمة اعتبارا خلصوصيات السياق املحيل‪.‬‬

‫عىل أن ما ينقص شيئا ما من أمهية التزايد امللحوظ ملثل هذه التجارب اجلامعية يف‬
‫املغرب الفارق الذي ما زال قائام بني الصالحيات املخولة للجامعات الرتابية‪ ،‬وقدراهتا‬
‫املؤسسية الفعلية يف ما خيص التدبري اإلداري واملايل التي مل تصل بعد إىل احلد املطلوب‬
‫من الفعالية يف تنفيذ السياسات العمومية‪ .‬أضف إىل ذلك أن أغلبها مل يفعل بعد قيمتي‬
‫الرشاكة مع الفاعلني املحليني والتعاون األفقي قصد إجياد احللول للمشاكل املشرتكة‪.‬‬
‫لذا‪ ،‬يتعني عىل اجلامعات الرتابية أن تسعى إىل حتديث تدبري اخلدمات العمومية‪،‬‬
‫بالرتكيز تارة عىل «املامرسات اجليدة»‪ ،‬وباالنفتاح‪ ،‬تارة أخرى‪ ،‬عىل املناهج التدبريية‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪74‬‬


‫احلديثة مثلام هو احلال بالنسبة للتدبري املفوض‪ ،‬وخلق رشكات تنموية حملية‪ ،‬أو عرب‬
‫التعاقد مع القطاع اخلاص(((‪.‬‬

‫‪ .3.10‬قيمة الثقة‪ :‬ركيزة �أ�سا�سية للحكامة اجليدة‬

‫قبل طرح مسألة الثقة لدى املغاربة‪ ،‬سواء بني بعضهم البعض‪ ،‬أو جتاه‬
‫املؤسسات‪ ،‬نود التذكري بأن للثقة أمهية قصوى بالنسبة للرابط االجتامعي‪ ،‬والرأسامل‬
‫االجتامعي‪ ،‬والنجاح املهني‪ ،‬واملعامالت التجارية واالقتصادية‪ ،‬وأمن األشخاص‬
‫واملمتلكات‪ ،‬واالستقرار السيايس‪ ،‬والديموقراطية‪ .‬بل إن هذه القيمة املركزية تشمل‬
‫وتؤثر يف شتى مظاهر احلياة‪ ،‬بدء بالعالقات العائلية والعمل‪ ،‬إىل رشاء قطعة أرضية‬
‫أو سيارة مستعملة‪ ،‬وصوال إىل عالقات السكان باملؤسسات التنموية‪ ،‬وحتى إىل‬
‫العالقات الدولية‪ .‬ولو حاولنا حرص عدد األزمات املالية واالقتصادية والسياسية التي‬
‫نجمت عن فقدان الثقة‪ ،‬فإننا لن نفلح يف ذلك‪ .‬بل أضحت الثقة أحد معايري التمييز‬
‫بني البلدان املتقدمة حيث تتواجد بكثافة‪ ،‬والبلدان النامية حيث تفتقد إىل حد بعيد‪ .‬لقد‬
‫صارت تنمية الثقة من الرشوط األساسية لتنمية املجتمعات‪.‬‬

‫‪ 1.3.10‬الثقة البني‪�-‬شخ�صية‬

‫يف ما خيص ثقة األفراد يف بعضهم البعض‪ ،‬يتبني من خالل إحصائيات البحث‬
‫الدويل حول القيم لسنة ‪ 2007‬أن ‪ % 12,3‬فقط من جمموع املستجوبني يعتربون أن أغلب‬
‫األفراد جديرون بالثقة‪ ،‬وذلك يف مقابل ‪ % 86,1‬ممن يفضلون منهم احلذر عند التعامل مع‬
‫اآلخرين(((‪ .‬بل تبني أن نسبة من اختاروا عدم الثقة يف اآلخرين ارتفعت من ‪ % 76,5‬سنة‬
‫‪ 2001‬إىل ‪ % 87‬سنة ‪.((( 2007‬‬

‫‪(1) - OCDE. Accompagner les réformes de la gouvernance locale au Maroc : Guide de bonnes‬‬
‫‪pratiques, 2017, p. 43-44.‬‬
‫‪(2) - World Value Survey (WVS). Study Results WV6, Morocco 2011, p.9.‬‬
‫‪(3) - Nadia Bernoussi & Abderrahim El Maslouhi. Le degré de confiance dans les institutions,‬‬
‫‪in : IRES : programme lien social, p. 9.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪75‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫وقد تأكدت نسبة من اختاروا احلذر يف العالقات اجلارية مع اآلخرين‪ ،‬عوض‬
‫الثقة يف كل األفراد‪ ،‬من خالل الدراسة املنجزة من لدن املعهد امللكي للدراسات‬
‫االسرتاتيجية‪ ،‬حيث بلغت ‪ % 89,5‬من جمموع املستجوبني‪ .‬ويعتقد بعض املواطنني‬
‫من ضمن النخبة السياسية واملثقفة‪ ،‬أن تقوية الثقة يف املؤسسات يمر عرب اختاد الدولة‬
‫إلجراءات هادفة إىل تعزيز الثقة بني املواطنني‪ .‬إذ كل يشء يتم كام لو أن الدولة ختلت‬
‫عن هذه املهمة لفائدة الشبكات اجلمعوية(((‪.‬‬
‫ويتضح من معطيات هذه الدراسة كذلك أن درجة الثقة ختتلف بحسب طبيعة‬
‫العالقة البني‪-‬شخصية‪ .‬فكلام تزايدت معرفتنا باألشخاص‪ ،‬كلام متكنا أكثر من توقع‬
‫سلوكهم ومعرفة حوافزهم‪ ،‬وبالتايل صارت ثقتنا هبم أقوى‪ .‬لذا‪ ،‬ال غرابة أن تكون‬
‫أعىل نسبة مسجلة بخصوص العوامل املعززة للثقة يف األفراد‪ ،‬االنتامء لنفس األرسة‬
‫(‪ ،)% 19,8‬يليها توافق االجتاهات مع األقوال (‪ ،)% 15,2‬واملواقف التضامنية التي‬
‫تشمل قيم التعاطف والغريية وحتى التضحية (‪ ،)% 14‬ثم رابط الصداقة يف املرتبة‬
‫الرابعة مع اختالف واضح بني الشباب (‪ 30 – 18‬سنة) الذين متثل نسبتهم ضعف‬
‫األفراد األكرب سنا من حيث اقتناعهم بأن الصداقة تقوي الثقة‪ ،‬ويف األخري عامال‬
‫اجلوار واالنتامء لنفس اجلهة والفئة االجتامعية اللذين مل خيرتمها سوى نسبة حمدودة من‬
‫املستجوبني‪.‬‬

‫وتتأكد األمهية الكربى لألرسة كذلك من خالل درجة الثقة املعرب عنها جتاهها‪.‬‬
‫نتبني ذلك من خالل معطيات البحث العاملي حول القيم حيث يتضح أن ‪% 91,3‬‬
‫من املستجوبني «يثقون بصفة تامة» يف األرسة‪ ،‬مقابل ‪ % 28,2‬يف اجلار‪ ،‬و ‪ % 27,4‬يف‬
‫األفراد الذين يعرفهم املستجوب شخصيا‪ ،‬و ‪ % 2,3‬يف األشخاص املنتميـن لـديانـة‬
‫مغايـرة‪ ،‬و ‪ % 2,5‬يف احلاملني جلنسية مغايرة‪ ،‬و ‪ % 65,5‬يف أئمة املساجد‪ ،‬و ‪% 14,1‬‬
‫يف اإلعـالم‪ ،‬و ‪ % 14,6‬يف اخلدمات العمومية‪ ،‬و‪ % 25,2‬يف اجلامعة‪ ،‬و ‪ % 24,7‬يف‬
‫اجلمعيات النسائية‪ ،‬و ‪ % 25‬يف اجلمعيات اإلحسانية(((‪.‬‬

‫‪(1) - Ibid., p.108 - 109.‬‬


‫‪(2) - WVS. Op. Cit., p. 47 – 58.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪76‬‬


‫ومن بني أهم ما يمكن استخالصه من هذه املعطيات‪ ،‬أن الثقة تكون أقوى يف‬
‫نطاق األرسة وحميطها املبارش‪ ،‬لكن تضعف وترتاجع كلام اجتهنا إىل دوائر أوسع من‬
‫أطر االنتامء وعالقات أكثر عمومية وجتريد(((‪ .‬كام بينت أن الرابط االجتامعي يضعف‬
‫كلام انتقلنا من الرابط األرسي القوي نسبيا‪ ،‬إىل روابط الصداقة واجلوار والعمل‪ ،‬ثم‬
‫إىل الروابط السياسية واملدنية حيث تضعف الثقة بشكل ملحوظ(((‪ .‬ويتضح كذلك‬
‫من دراسة املعهد امللكي أن نسبة من يعلنون ثقة قوية يف املغاربة تضعف كلام انتقلنا‬
‫من الوسط القروي (‪ ،)% 48,4‬إىل الوسط الشبه احلرضي (‪ ،)% 38,5‬ثم إىل الوسط‬
‫احلرضي (‪ .)% 31,0‬ويالحظ نفس هذا االنحدار يف النسب عندما يتعلق األمر بالثقة‬
‫القوية يف سكان نفس املدينة أو الدوار‪ ،‬حيث تظل نسبة من يعلنون الثقة يف ساكنة‬
‫الدوار هي األعىل (‪ ،)% 56‬مقابل نسبة من يثقون يف سكان املدينة‪ )% 41,2( :‬بالوسط‬
‫الشبه حرضي‪ ،‬و (‪ )% 30,8‬يف الوسط احلرضي(((‪.‬‬

‫‪ 2.3.10‬الثقة يف امل�ؤ�س�سات‬

‫يسجل الباروميرت العريب انقسام املجتمع املغريب إىل جيلني‪ :‬اجليل األكرب املتميز‬
‫عموما بالثقة يف املؤسسات‪ ،‬وجيل الشباب الذي يعاين من اإلحباط جتاهها لعدم قدرهتا‬
‫عىل دجمهم اقتصاديا وسياسيا‪ .‬إال أن نسبتي الثقة لدى اجليلني ترتفعان وتتقاربان عندما‬
‫يتعلق األمر بالثقة يف املؤسسات املكلفة باألمن والنظام‪ .‬أما بالنسبة للقضاء‪ ،‬فاملالحظ‬
‫أن نسبة الثقة يف هذه املؤسسة ارتفعت من ‪ 37%‬سنة ‪ 2006‬إىل ‪ % 45‬سنة ‪ ،2016‬ثم إىل‬
‫‪ 60%‬يف ‪.((( 2018‬‬
‫وعرب مقارنة معطيات البحث العاملي حول القيم ‪ WVS‬املتعلقة بموجتي ‪2001‬‬
‫‪% 60‬‬ ‫و‪ ،2007‬يالحظ حممد الرشقاوي أنه بينام ‪ % 40‬من املغاربة يثقون يف اإلدارة‪،‬‬
‫منهم يعربون عن عدم ثقتهم جتاهها‪ .‬لكن‪ ،‬يضيف الباحث أن بعض التحسن كان‬

‫‪(1) - IRES. Rapport de l’enquête nationale sur le lien social au Maroc, Mars 2012, p. 67 – 69.‬‬
‫‪(2) - Conclusions de l’étude de l’IRES, citée in : CESE, Technologie et valeurs : l’impact sur‬‬
‫‪les jeunes, Auto – saisine n° 31, 2017, p. 26.‬‬
‫‪(3) - IRES. Op. Cit., p. 72 – 75.‬‬
‫((( ‪ -‬الباروميرت العريب (امللخص التنفيذي)‪ ،‬الدورة اخلامسة‪ ،‬التقرير القطري‪ ،2019 ،‬ص ‪ 9 ،2‬و‪.10‬‬
‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬
‫‪77‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫قد حصل عىل صورة اإلدارة‪ ،‬حيث ارتفعت الثقة ب ‪ 10%‬ما بني ‪ 2001‬و‪.(((2007‬‬
‫وبنفس النسبة تقريبا‪ ،‬عرب املواطنون املغاربة عن عدم ثقتهم يف الصحافة‪ ،‬حيث بلغت‬
‫‪ ،% 62,6‬ثم تراجعت ب ‪ % 12‬سنة ‪ .2007‬أما بخصوص عدم الثقة يف التلفزيون‪ ،‬فقد‬
‫تراجعت نسبة املعربين عنها من ‪ % 70‬سنة ‪ 2001‬إىل ‪ 43%‬سنة ‪ .((( 2007‬وعىل خالف‬
‫هذه املؤسسات‪ ،‬حظيت العدالة‪ ،‬سنة ‪ ،2001‬بثقة ‪ % 64‬من املغاربة(((‪ .‬وانطالقا من‬
‫نفس هذه اإلحصاءات‪ ،‬تتحدد مالمح ‪ profil‬املواطن الذي ال ثقة له يف املؤسسات بأنه‬
‫«شخص ينتمي يف األغلب جلنس الذكور‪ ،‬سنه أقل من ‪ 30‬سنة‪ ،‬عازب‪ ،‬ذو مستوى‬
‫تعليمي متوسط أو عايل‪ ،‬وينتمي إىل الطبقة العليا أو املتوسطة»(((‪.‬‬
‫ويف إطار نفس هذه الدراسة‪ ،‬تم كذلك رصد مدى ثقة املغاربة يف املؤسسات‪،‬‬
‫املبنية أساسا عىل تصوراهتم وأحكامهم وليس عىل معايري موضوعية يف التقييم‪ .‬وقد‬
‫تبني أن املدرسة واجلامعة واجليش ومنظامت حقوق اإلنسان متثل املؤسسات التي‬
‫حتظى بثقة قوية لدى أكثر من نصف املستجوبني‪ ،‬وبنسب أعىل يف أوساط النساء‪.‬‬
‫أما باقي املؤسسات الوطنية اإلعالمية واملدنية واحلكومية والتمثيلية‪ ،‬فترتاوح نسبة‬
‫من يعلنون ثقتهم فيها بني (‪ )% 36‬كأعىل نسبة‪ ،‬و (‪ )% 7,0‬كحد أدنى‪ .‬وبالنسبة‬
‫هلذه الفئة الثانية من املؤسسات‪ ،‬يتضح أيضا أن نسبة الثقة جتاهها لدى النساء أعىل‬
‫بوضوح منها لدى الرجال(((‪.‬‬

‫‪ 3.3.10‬الثقة يف مناخ الأعمال‬

‫يواجه مناخ األعامل نقصا يف الثقة يؤدي عمليا إىل احلد من املبادرة املقاوالتية‬
‫واالستثامر اخلاص‪ .‬ويعود ذلك الستمرار تفيش الرشوة‪ ،‬ونقص الثقة يف اإلدارة‪ ،‬وتعقد‬
‫املساطر واإلجراءات‪ ،‬وتعدد الرخص واملأذونيات‪ ،‬واملنافسة الالرشعية للقطاع غري‬

‫‪(1) - Mohamed Cherkaoui. L’ordre socio-politique et la confiance dans les institutions, IRES,‬‬
‫‪Janvier 2010, p. 32.‬‬
‫‪(2) - Ibid., p. 33-34.‬‬
‫‪(3) - Ibid., p. 36.‬‬
‫‪(4) - Nadia Bernoussi & Abderrahim Meslouhi. Le degré de confiance dans les institutions,‬‬
‫‪programme « Lien social », 2012, p. 78.‬‬
‫‪(5) - IRES. Op. Cit., p. 72 – 75.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪78‬‬


‫املهيكل‪ ،‬وطول آجال األداء املؤدي إلفالس العديد من املقاوالت الصغرية واملتوسطة‪.‬‬
‫بل يمتد نقص الثقة هذا إىل جل املرشحني اجلدد للدخول يف عامل املقاولة‪ ،‬حيث خيلق‬
‫لدهيم نوعا من القلق جتاه املستقبل واخلوف من الفشل‪ .‬وينعكس كذلك عىل املجهود‬
‫االستثامري للمقاوالت املوجودة أصال‪ ،‬حيث تبني معطيات بنك املغرب أن ‪ % 38‬منها‬
‫عانت‪ ،‬خالل الفصل األول من سنة ‪ ،2020‬من نقص يف الرؤية عىل مدى ثالثة أشهر‪.‬‬
‫ونتيجة لذلك‪ ،‬يزداد امليل لدهيا إىل التوفري ويرتاجع بخصوص إعادة االستثامر وضخ‬
‫األرباح يف دواليب النشاط االقتصادي‪ .‬وتبني معطيات املحاسبة الوطنية أنه منذ ‪2013‬‬
‫وإىل حدود ‪ ،2018‬تراجع معدل االستثامر بكيفية شبه ‪-‬مستمرة‪ .‬ومثل هذا التطور‬
‫يؤدي إىل احلد من النمو‪ ،‬وتقليص املداخيل وفرص الشغل(((‪ .‬وقد سبقت اإلشارة إىل‬
‫شيوع عدم الثقة يف املجال االقتصادي يف إطار بحث اخلمسينية حول التنمية البرشية‬
‫يف املغرب‪ ،‬حيث اقرتح منذئذ أن سبيل استعادة الثقة يمر أساسا عرب «احلكامة اجليدة‪،‬‬
‫والشفافية‪ ،‬وحتديد املسؤوليات‪ ،‬ومكافأة االستحقاق»(((‪.‬‬

‫‪ .4.10‬مقرتحات م�ستلهمة من «املمار�سات اجليدة»‬


‫استنادا إىل فحص التقارير املتعلقة «بمامرسات جيدة» تم اعتامدها من لدن بعض‬
‫اجلامعات الرتابية‪ ،‬وحتى اهليئات التنفيذية عرب العامل‪ ،‬ارتأينا أنه سيكون من األمهية‬
‫بمكان استلهام بعض عنارصها‪ ،‬خاصة منها الوثيقة االرتباط باملجال القيمي‪ ،‬وأيضا‬
‫تلك التي رشعت الدولة واملجتمع املدين يف تطبيقها املرن عىل واقع احلكامة املحلية‬
‫باملغرب‪ .‬ونقدم يف ما ييل أهم التجارب‪:‬‬
‫·تشجيع اجلامعات الرتابية عىل امليض قدما يف تفعيل احلكامة اجليدة‪ ،‬وتقوية‬
‫قدراهتا يف تدخالهتا عىل الصعيد املحيل‪ ،‬وضامن االستدامة واملامرسة‬
‫الديموقراطية يف عالقتها باملجتمع‪.‬‬
‫·عرب املغرب عن طموحه يف توسيع جمال ممارساته يف «احلكومة املفتوحة»‪ ،‬وذلك‬
‫بواسطة جمموعة من اإلصالحات التدرجيية‪ .‬ويعود ذلك إىل سعي املسؤولني‬

‫‪(1) - CESE. Rapport annuel 2019, p. 47 -48‬‬


‫‪(2) - Rahma Bourqia, Société, Famille, femmes et jeunesse, p. 41.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪79‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫إىل تبني شكل جديد من احلكامة قائم عىل أساس قيم الشفافية واملشاركة‬
‫املدنية واملحاسبة‪ .‬وهنالك مخسة حماور رئيسية يمكن أن يقع الرتكيز عليها يف‬
‫اإلصالحات املزمع تنفيذها‪:‬‬

‫‪‬خلق مؤسسة مرشفة عىل «احلكومة املفتوحة» يديرها رئيس احلكومة عرب‬
‫آليات التنسيق االسرتاتيجي وفقا ملا ينص عليه دستور ‪ ،2011‬وتعزيزها‬
‫باسرتاتيجية بني – وزارية وإطار لتحديد املسؤوليات؛‬

‫‪‬اعتبارا ملا ينص عليه دستور اململكة لسنة ‪ ،2011‬يتعني إرشاك املواطنني‬
‫يف احلياة العامة‪ ،‬وذلك من خالل احلوار والتنسيق مع مؤسسات املجتمع‬
‫املدين؛‬

‫‪‬تقوية الشفافية عند وضع امليزانيات‪ :‬رغم التطور احلاصل يف إعدادها‬


‫ونرشها‪ ،‬فإن املطلوب حاليا تعميق الشفافية بنرش تقارير إضافية تتعلق‬
‫هبا‪ ،‬إضافة إىل تقوية دور الربملان‪ ،‬وقدرات مؤسسات الرقابة‪ ،‬وإرشاك‬
‫املواطنني عىل نطاق أوسع يف وضع امليزانيات واملشاركة يف القرارات‬
‫املتعلقة هبا؛‬

‫‪‬اعتامد سياسة وطنية شمولية للتشجيع عىل النزاهة والوقاية من الرشوة‪.‬‬


‫لقد تم إخراج عدة قوانني يف هذا الشأن‪ ،‬إال أن تطبيقها ما زال يكتيس‬
‫طابعا جزئيا‪ .‬ولعل حترير مدونة للسلوك‪ ،‬وفقا ملا ينص عليه الدستور‪،‬‬
‫قد يمثل مرحلة حاسمة نحو تقوية القيم األخالقية يف احلياة العامة؛‬

‫‪‬االستثامر يف التكنولوجيات اجلديدة‪ :‬لقد نجحت اإلدارة اإللكرتونية حلد‬


‫اآلن يف رقمنة العديد من املصالح العمومية‪ .‬ومن بني األمثلة البارزة عىل‬
‫ذلك موقع ‪ ،www.data.gov.ma‬املتعلق بفتح باب احلصول عىل املعلومة‬
‫للمواطنني‪ ،‬وموقع ‪ www.fikra.ma‬الرامي إىل إرشاك املواطنيـن‪،‬‬
‫والرابــط ‪https://www.madrasatna.ma/projects/questionnaire‬‬
‫الـذي أطلقته وزارة الرتبية الوطنية والتعليم األويل والرياضة يف ماي‬
‫‪ 2022‬قصد إرشاك املواطنني يف جتويد املدرسة العمومية‪ .‬ولرفع حظوظ‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪80‬‬


‫نجاح هذه املشاريع الرقمية‪ ،‬يتعني حتقيق املزيد من التقدم يف حماربة‬
‫األمية‪ ،‬وتوسيع جمال الولوج لإلنرتنيت؛‬
‫‪‬تعزيز التنسيق البني – وزاري‪ ،‬وتاليف املوازاة وعدم االلتقائية احلاصلة‬
‫بني العديد من املبادرات واملشاريع التي يشتغل املرشفون عليها دونام أي‬
‫تنسيق يذكر يف ما بينهم؛‬
‫‪ ‬تقوية القدرات املؤسسية للقطاع العام‪ ،‬ولرشكائه يف املجتمع املدين‬
‫والقطاع اخلاص(((‪.‬‬
‫·أطلقت اليونيسيف باملغرب مرشوع «اجلامعة صديقة لألطفال والشباب» سنة‬
‫‪ ،2010‬وذلك بالرشاكة مع وزارة الشبيبة والرياضة‪ ،‬واملرصد الوطني حلقوق‬
‫الطفل‪ ،‬واملديرية العامة للجامعات املحلية‪ .‬ويسعى هذا املرشوع إىل تيسري‬
‫استفادة األطفال والشباب ممن يقل سنهم عن ‪ 25‬سنة من التعليم والثقافة‬
‫والرتفيه واخلدمات الصحية‪ ،‬وذلك بتحفيز اجلامعات الرتابية عىل إدماجها يف‬
‫خطط عملها من أجل التنمية‪ .‬ويمر ذلك باألساس عرب التعاون والتنسيق بني‬
‫اجلامعات الرتابية‪ ،‬واملجتمع املدين والقطاع اخلاص‪ .‬وإذا ما استجابت مجاعة‬
‫ما هلذه املقتضيات‪ ،‬فإهنا حتصل من جراء ذلك عىل عالمة «اجلامعة صديقة‬
‫لألطفال والشباب»‪ .‬وتتأسس هذه اجلامعة عىل تفعيل بعض القيم األساسية‬
‫من لدن اجلامعات الرتابية املعنية‪ ،‬نذكر منها‪:‬‬
‫‪‬إرشاك األطفال والشباب يف االجتامعات اخلاصة بالقضايا التي هتمهم‪،‬‬
‫وكذا يف سريورات اختاذ القرار؛‬
‫‪‬خلق األطر القانونية والتنظيمية التي من شأهنا محاية حقوق األطفال‬
‫والشباب؛‬
‫‪‬اعتامد اسرتاتيجية حملية وخطة عمل مدعمة حلقوق األطفال والشباب كام‬
‫متت املصادقة عليها دوليا من لدن املغرب؛‬

‫‪(1) - Ibid., p. 51 – 52.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪81‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫‪‬وضع آلية دائمة للتنسيق لضامن احرتام حقوق األطفال والشباب؛‬

‫‪‬إنجاز دراسات جدوى وتقييم للنصوص القانونية‪ ،‬والسياسات‬


‫واملامرسات حول وضعية األطفال والشباب قبل‪ ،‬أثناء وبعد تطبيقها‬
‫وتفعيلها؛‬

‫‪‬القيام بتواصل منتظم حول وضعية األطفال والشباب وحقوقهم؛‬

‫‪‬تبسيط حقوق األطفال والشباب‪ ،‬وحتسيس املجتمع املغريب هبذا‬


‫اخلصوص؛‬

‫‪‬ختصيص مرافعة مستقلة لصالح األطفال والشباب(((‪.‬‬


‫·تنمية التعاون األفقي البني – مجاعايت‪ .‬لقد قطع ما يزيد عن ‪ 150‬مجاعة‬
‫أشواطا عىل هذا الصعيد‪ ،‬خاصة يف امليدان البيئي حيث ال تنحرص األرضار‬
‫ضمن حدود مجاعة ترابية معينة دون األخرى‪ .‬لعل من أبرز األمثلة عىل ذلك‬
‫مطارح النفايات ومراكز التدوير ‪ centres de recyclage‬التي صارت تستثري‬
‫بوجه خاص التعاون بني اجلامعات الذي يؤدي‪ ،‬ليس فقط إىل ختفيف األرضار‬
‫التي كان من املمكن أن تصري أشد وطأة عىل الساكنة لو أن كل مجاعة فتحت‬
‫مطرحها اخلاص هبا‪ ،‬وإنام أيضا إىل إجياد حلول أفضل ملشكلة العقار األنسب‬
‫ملثل هذه املشاريع‪.‬‬

‫‪(1) - Ibid., p. 55 – 56.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪82‬‬


‫‪ .11‬خامتة وا�ستنتاجات‬

‫ماذا عسانا ننتظر من تغري القيم عىل املدى القريب واملتوسط؟ هل سيستمر‬
‫تطورها نحو املزيد من احلداثة واالنفتاح والتجديد‪ ،‬أم أنه سيحصل تراجع عن هذا‬
‫الرصيد املرتاكم نحو قيم حمافظة‪ ،‬انطوائية ومعربة عن خوف موروث من احلداثة؟‬
‫إن العديد مما قدمناه يف هذا التقرير من مؤرشات جيعلنا نتوقع استمرار سريورة تغري‬
‫القيم يف اجتاه املزيد من التالؤم مع القيم الكونية‪ ،‬لكن دون التفريط يف القيم احلضارية‬
‫واألصيلة التي يتميز هبا املجتمع املغريب‪.‬‬

‫هناك عوامل عديدة تؤيد التوجه نحو قيم احلداثة‪ ،‬نذكر منها التحرض املتسارع‪،‬‬
‫والتمدرس الذي ينحو باجتاه املزيد من التعميم واالختالط‪ ،‬واالتصال السمعي‬
‫البرصي ذي اإلشعاع املتزايد‪ ،‬وعمل النساء خارج البيت‪ ،‬واالنتقال الديموغرايف‪،‬‬
‫وتداعيات اهلجرة الداخلية والدولية‪ .‬وما من شك كذلك يف أنه من شأن شبابية اهلرم‬
‫الديموغرايف أن تسهم بدورها يف تطوير وتعزيز دينامية االنفتاح القيمي‪.‬‬

‫لكن رغم تسارع سريورات العوملة وحدوث حتوالت غري مسبوقة يف التكنولوجيا‬
‫واالقتصاد والثقافة‪ ،‬فإن منظومة القيم يف املجتمع املغريب ما زالت تقاوم وتسهم نسبيا‪،‬‬
‫ولو يف أشكال متطورة ومتغرية‪ ،‬يف احلفاظ عىل هوية املجتمع وخصوصياته‪ .‬ما زالت‬
‫هناك عوامل مقاومة تتمثل يف التمثالت واألفكار الرافضة‪ ،‬باسم احلفاظ عىل التقاليد‬
‫واهلوية‪ ،‬وحتت وطأة العطالة عن العمل وأزمة النامذج املعيارية‪ ،‬ألن يتمتع النساء بكامل‬
‫احلقوق اإلنسانية التي خيوهلا هلن دستور اململكة لسنة ‪ ،2011‬واملعاهدات الدولية التي‬
‫صادق عليها املغرب‪.‬‬

‫بالرغم من التغريات الثقافية والقيمية املشار إليها‪ ،‬فإن املغاربة ما زالوا متشبثني‪،‬‬
‫نسبيا‪ ،‬بالقيم التقليدية‪ .‬يتجىل ذلك بوجه خاص يف ما يبدونه من والء واحرتام للعائلة‬
‫والوالدين‪ ،‬ويف النظر لألرسة باعتبارها مصدرا أساسيا للقيم‪ ،‬ويف الوفاء لواجب‬
‫التضامن مع اآلباء عند االقتضاء‪ .‬كام يتمثل يف احرتامهم للمعايري الدينية‪ ،‬خاصة يف‬
‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬
‫‪83‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫جوانبها اإلنسانية واالجتامعية‪ .‬وال يتضمن النسق القيمي لدى املغاربة تقاطبا يف صيغة‬
‫التعارض تقليدي ‪ /‬عرصي‪ ،‬بل كثريا ما يكون سلوك الفرد خمرضما‪ ،‬بل ومركبا بني‬
‫أنامط خمتلفة من املعايري‪ .‬وقد يكون تقليديا يف شكله وعرصيا يف مضمونه‪ ،‬أو العكس‪.‬‬
‫وقد ينطلق األفراد من القيمة التقليدية املتقاسمة شكليا بني أعضاء اجلامعة‪ ،‬فيعربون‬
‫عن اجتاهات فردية بحسب فهمهم ملقتضيات السياق والظرفية التي يوجدون فيها‪،‬‬
‫وتأويلهم الفردي ملعنى القيمة عند االختيار أو الفعل‪.‬‬

‫ويتوجب أن نشري كذلك إىل كون اجلهود اهلامة التي بذلتها الدولة عىل صعيد‬
‫تفعيل قيم املساواة‪ ،‬والعدالة‪ ،‬واإلنصاف‪ ،‬والنزاهة‪ ،‬واملشاركة‪...‬يف قطاعات‬
‫اقتصادية واجتامعية شتى‪ ،‬مل تصل بعد إىل حتقيق األهداف املنشودة‪ .‬فام زالت‬
‫الفوارق بني اجلهات وبني الوسطني احلرضي والقروي قائمة عىل أكثر من صعيد‪،‬‬
‫ومل حتقق النساء بعد ما يطمحن إليه من رفع للحيف الذي يطاهلن يف ميادين التعليم‪،‬‬
‫وحماربة األمية‪ ،‬والصحة‪ ،‬واحلامية االجتامعية‪ ،‬والشغل‪ ،‬وقانون األرسة‪ ،‬والعالقة‬
‫بالفضاء العام‪ .‬وما زال الشباب يف طور التطلع واالنتظار ملا ستؤول إليه املشاريع‬
‫والربامج التي تتوخى إدماجهم اقتصاديا واجتامعيا‪ ،‬ختليصا هلم من التبعية جتاه‬
‫أرسهم وتعزيزا الستقالهلم الذايت‪.‬‬

‫وحسب درجة التنمية التي حيققها جمتمع ما‪ ،‬يتم الرتكيز من لدن األفراد‬
‫واجلامعات إما عىل القيم املادية‪ ،‬أو القيم ما بعد املادية‪ .‬لذا‪ ،‬بالنظر إىل ما حتقق إىل‬
‫اآلن من مكتسبات تنموية يف املجتمع املغريب يبدو أن االنشغال األسايس يتمحور حول‬
‫القيم املادية‪ ،‬بينام رشائح نخبوية صارت تنفتح أكثر فأكثر عىل قيم ما بعد مادية‪ .‬فرصنا‬
‫نرى أن معظم الباحثني يف موضوع القيم وتفعيلها املؤسيس يركزون عىل قيم العمل‪،‬‬
‫والتعليم‪ ،‬والشغل‪ ،‬واالندماج‪ ،‬واملساواة‪ ،‬واإلنصاف‪ ،‬واالستهالك‪ ،‬والتحفيز‪،‬‬
‫واملشاركة‪ ،‬والقناعة‪ ،‬والعيش الكريم‪ ،‬وتكافؤ الفرص‪ ،‬والنزاهة‪ ...‬بينام يقل اهتاممهم‬
‫بقيم من قبيل احلرية‪ ،‬والفردانية واالستقالل الذايت‪ ،‬وحرية التعبري‪ ،‬وإثبات الذات‪،‬‬
‫واحلب‪ ،‬والشفافية‪ ،‬واملدنية‪ ،‬إلخ‪ ،.‬وال جيدوهنا سوى لدى أقليات اجتامعية مكونة من‬
‫النخب السياسية واالقتصادية والثقافية واملواطنني ممن حققوا قدرا كافيا من حاجياهتم‬
‫املادية‪.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪84‬‬


‫وبالنظر إىل اتساع نطاق التحرض يف املجتمع املغريب واستمرار ديناميات النزوح‬
‫القروي نحو املدن وشمول سريورة االنتقال الديموغرايف ملختلف مناطق املغرب‪،‬‬
‫واعتبارا للنمو املتزايد لوسائل االتصال والتواصل يف جمموع جهات اململكة‪ ،‬وتواصل‬
‫اجلهود من أجل تقليص الفوارق القائمة بينها‪ ،‬خاصة عىل صعيد القطاعات املتصلة‬
‫مبارشة بالتنمية البرشية‪ ،‬يمكننا أن نتوقع‪ ،‬عىل املدى املتوسط والبعيد‪ ،‬حدوث تقارب‬
‫قيمي وثقايف بني الوسطني احلرضي والقروي‪.‬‬

‫إن االندماج االجتامعي للشباب يمر بالرضورة عرب اندماجهم املهني الذي‬
‫يتعذر بدونه االنتقال إىل طور حياة الراشدين‪ .‬إال أنه أمام حتدي البطالة‪ ،‬جيد العديد من‬
‫الشباب أنفسهم مستغلني يف إطار القطاع غري املهيكل‪ ،‬حيث يشتغلون بأجور زهيدة‪،‬‬
‫عىل هامش الرقابة‪ ،‬وخارج نطاق أي ضوابط أو معايري قانونية‪ .‬أضف إىل ذلك عدم‬
‫ثبات فرص العمل يف هذا القطاع‪ ،‬وغياب التغطية الصحية واالجتامعية وعدم القدرة‬
‫عىل االنضامم ألي تنظيم نقايب حيمي حقوقهم‪.‬‬

‫ويف الوسط القروي‪ ،‬صار الشباب‪ ،‬بفعل مستواهم التعليمي وجتربتهم‬


‫اجلمعوية‪ ،‬حماورا بديال لإلدارة واجلامعة الرتابية‪ ،‬وفاعال نشطا يف الدفاع عن حقوق‬
‫الساكنة املحلية‪ .‬وطاملا أن فئة الشباب خمرتقة بانتامءات جهوية وجمالية واجتامعية‬
‫وثقافية خمتلفة‪ ،‬فال مناص من أخذ هذا التاميز والتعددية بعني االعتبار عند مقاربة‬
‫مواقع الشباب وأدوارهم يف املجتمع املحيل‪ .‬ثم إن قيمة التعلم يف حاجة إىل املزيد من‬
‫الدعم‪ ،‬السيام بالنسبة لتمدرس الفتاة القروية التي يتعني ختصيص املزيد من التحفيز‬
‫والتيسري لفائدهتا‪ ،‬وحماربة «األمية» بالنسبة للنساء القرويات اللوايت مل يعدن يف سن‬
‫التمدرس‪.‬‬

‫إن التوافق الذي كان موجودا منذ أربعة أو مخسة عقود تقريبا بني القيم والبنيات‬
‫العائلية واالجتامعية أضحى‪ ،‬يف سياق سريورات التغري اجلارية‪ ،‬يشهد درجات غري‬
‫مسبوقة من التفكك والرتاجع‪ .‬فمع أن األفراد ما زالوا يثمنون التضامن العائيل عاليا‪،‬‬
‫ويبدون اقتناعهم بفوائده وإجيابياته‪ ،‬فإهنم مل يعودوا جيدون البنيات األرسية املساعدة‬
‫عىل تفعيله وبالدرجة التي كان عليها سابقا‪ .‬لقد قل التساكن بني األطفال واآلباء‪،‬‬
‫وخلقت اهلجرة يف بعض احلاالت مسافات بعيدة بينهم‪ ،‬وتزايدت نسب األرس النووية‪،‬‬
‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬
‫‪85‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫وتراجع تبادل الزيارات أمام توسع تكنولوجيات االتصال اجلديدة‪ .‬وانطالقا من هذا‬
‫التطور يبدو من املرشوع طرح التساؤل التايل‪ :‬يف أفق تزايد الطموح نحو الفردانية‪،‬‬
‫وتراجع التبعية املتبادلة بني األطفال واآلباء‪ ،‬أي نوع من القيم اجلديدة سيصري‪ ،‬عىل‬
‫املدى القريب واملتوسط‪ ،‬مسندا وموجها هلذه العالقة؟‬

‫وبالرغم من تغري العالقات األرسية‪ ،‬ما زالت هنالك أرس عديدة تعيش توترا‬
‫داخليا بني النزوع نحو االستقالل الذايت واحلوار والتفاهم‪ ،‬واستمرار عالقات التبعية‬
‫والطاعة‪ .‬وبحدة غري مسبوقة‪ ،‬خترب العديد من األرس التوتر‪ ،‬بل التصادم‪ ،‬بني قيمة‬
‫التضامن والفردانية املتزايدة‪ .‬وبينام تتجه العالقات بني اآلباء واألطفال نحو املزيد من‬
‫التقارب والتفاهم‪ ،‬جيد الفتيات والنساء املتزوجات صعوبات مجة يف حماوالهتن تقليص‬
‫عالقات التبعية والرتاتب والسلطة وحتقيق املساواة بني اجلنسني‪ .‬نوعان من العالقات‬
‫تتعارضان يف قلب احلياة األرسية‪ ،‬ومرجعيتان قيميتان خمتلفتان جتعالن الرصاع حول‬
‫القيم يف األرسة مرجحا لالستمرار أكثر من أي وقت مىض‪ .‬وهذا ما جيعل التساؤل‬
‫مرشوعا حول أنامط التضامن اجلديدة التي قد تصري القطاعات العمومية واخلاصة‬
‫واجلمعوية مدعوة ملأسستها وتنميتها قصد مواكبة تغري البنيات العائلية؟‬

‫وإذا كان ينتظر من القيم‪ ،‬يف بعض الظروف‪ ،‬أن تلحق بالواقع االجتامعي املتغري‬
‫وتتكيف مع مقتضياته‪ ،‬فقد نجدها يف ظروف أخرى‪ ،‬متقدمة عىل الواقع‪ ،‬فيكون عىل‬
‫صانعيه بذل املزيد من اجلهود لتفعيل القيم عىل الوجه املطلوب بكل ما يتطلبه ذلك‬
‫من موارد‪ ،‬ومتكني‪ ،‬وحكامة جيدة‪ ،‬وفعالية يف اإلنجاز‪ .‬وقد الحظنا أنه رغم اجلهود‬
‫املبذولة لتفعيل القيم يف ميادين األرسة والتعليم والصحة والشغل واحلكامة‪ ،...‬رغم‬
‫ما تم إعداده من سياسات وبرامج وخطط عمل بغية إدماج الشباب‪ ،‬وتقليص الفوارق‬
‫عىل خمتلف األصعدة‪ ،‬وإرشاك النساء عىل نطاق أوسع ومحايتهن من العنف وخمتلف‬
‫أشكال احليف االجتامعي‪ ،‬وحتقيق النزاهة يف املرافق العمومية‪ ،‬وإنصاف األشخاص‬
‫يف وضعية اإلعاقة واملواطنني األقل حظا‪ ...‬ما زالت احلاجة قائمة للسري أبعد يف تفعيل‬
‫القيم التي أكد عىل أمهيتها دستور اململكة والنموذج التنموي اجلديد‪.‬‬

‫ال شك أنه يف مقدور الدولة التدخل والتحكم والتأثري‪ ،‬عرب سياساهتا العامة‬
‫والعمومية والقطاعية‪ ،‬عىل توجهات وجمريات تفعيل قيم حقوق اإلنسان وقيم احلداثة‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪86‬‬


‫عىل كل هذه املستويات املذكورة‪ .‬بإمكاهنا‪ ،‬تكتب رمحة بورقية‪ ،‬السعي إىل خلق‬
‫السياق السيايس واالقتصادي واالجتامعي الذي من شأنه التحفيز عىل إضفاء معنى‬
‫إنساين وحداثي عىل القيم املتداولة والشائعة يف املجتمع‪ ،‬إىل جانب تقوية وتقنني النواة‬
‫األساسية للقيم املؤسسة والداعمة للحداثة‪ ،‬مع ترك املجال مفتوحا أمام القيم املحيطية‬
‫واملكملة لتعرب هي كذلك عن نفسها وتسهم يف السري قدما بعجلة التنمية الشاملة‪ .‬إن‬
‫املطلوب‪ ،‬استدماج القيم الدينية يف سريورة التحديث ومحايتها من الرهانات واملزايدات‬
‫السياسية‪ ،‬وتكريس التعددية القيمية‪.‬‬

‫عىل أنه من املستبعد التحكم يف التغري القيمي الناتج عن تأثري عوامل خارجية‬
‫متمثلة يف العوملة‪ ،‬بكل ما يتصل هبا من أبعاد وديناميات‪ ،‬وظروف دولية تتحول‬
‫باستمرار حتت وقع احلروب واألزمات واملصالح‪ .‬ماذا عسانا نفعل جتاه التداعيات‬
‫القيمية للفضائيات‪ ،‬وشبكات التواصل االجتامعي والفيديوهات املنتجة ضمن‬
‫سياقات ثقافية وحضارية مغايرة عام نحن معتادون عليه؟ إذا كانت املعاهدات الدولية‬
‫تسمو عىل الترشيعات الوطنية‪ ،‬أال يؤثر ذلك يف احلقوق‪ ،‬ومن ورائها القيم‪ ،‬التي‬
‫نعرتف هبا وندعو إىل العمل بمقتضياهتا؟‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪87‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫‪ .12‬التو�صيات‬

‫انطالقا من التشخيص والتحليل الوارد أعاله‪ ،‬تويص الدراسة بام ييل‪:‬‬

‫تو�صيات عامة‬

‫_ نويص بأن تؤخذ بعني االعتبار التوصيات «اجلزئية والتفصيلية» الواردة يف‬
‫قلب التقرير؛‬

‫_ تبعا ملا انتهت إليه الدراسة من تواضع اإلنتاج البحثي املغريب حول القيم‪،‬‬
‫وبالنظر إىل كون معظم األبحاث والدراسات قد تركزت باألساس عىل األرسة‬
‫واملدرسة والدين‪ ،‬فإننا نقرتح توسيع البحث يف القيم إىل قطاعات الصحة‪ ،‬واإلعالم‪،‬‬
‫واملجتمع املدين‪ ،‬والتنظيامت االقتصادية واالجتامعية‪ ،‬واإلدارة الرتابية والقطاعية‪،‬‬
‫واملؤسسات القضائية واألمنية‪ ،‬واملؤسسات الثقافية والفنية؛‬

‫_ مواصلة دينامية تفعيل القيم يف اإلدارات القطاعية‪ ،‬ومؤسسات التعليم‬


‫والتكوين‪ ،‬واملؤسسات الصحية واإلعالمية والقضائية‪ ،‬واجلامعات الرتابية‪،‬‬
‫واملقاوالت‪ ،‬واملجتمع املدين‪ ،‬حتقيقا ملبدأي ختليق احلياة العامة وضامن احلقوق‬
‫األساسية لكافة املواطنني‪ ،‬وتيسريا للتنمية املستدامة؛‬

‫_ إيالء أمهية خاصة للجانب التطبيقي العميل للقيم عرب تتبع وتقييم مدى‬
‫االستفادة الكافية والالزمة مما ختتزنه من إمكانات يف القطاعات املعنية؛‬

‫_ توظيف األداة الترشيعية يف تكييف حقوق املواطن وما يرتبط هبا من قيم‬
‫مع التحوالت التي حصلت يف املجتمع خالل عقود ما بعد االستقالل‪ ،‬حرصا عىل‬
‫استقرار البلد‪ ،‬وحتقيقا ملبدإ مواءمة القوانني مع الظروف االجتامعية املستجدة؛‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪89‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫_ التعريف بالتجارب املحلية الناجحة وممارسات «احلكامة اجليدة»‪ ،‬يف املغرب‬
‫وخارجه‪ ،‬لدى جمالس خمتلف اجلامعات الرتابية باملغرب‪ ،‬مع العمل عىل دعمها‬
‫باملوارد والوسائل الختاذ مبادرات مماثلة شكال‪ ،‬لكن متالئمة مع خصوصياهتا اجلهوية‬
‫واإلقليمية‪.‬‬

‫تو�صيات خا�صة بالتعليم‬

‫_ االهتامم بالرتبية عىل القيم بدء من املستوى ما قبل املدريس إىل سلك التعليم‬
‫العايل‪ ،‬مع الرتكيز بوجه خاص عىل قيم املواطنة‪ ،‬والعمل‪ ،‬والتعلم‪ ،‬واملشاركة‪،‬‬
‫والتضامن‪ ،‬واإلنصاف‪ ،‬والعدالة‪ ،‬والنزاهة‪ ،‬والصدق‪ ،‬والتسامح‪ ،‬والثقة‪ ،‬واالنفتاح‪،‬‬
‫والتعاون‪ ،‬واالحرتام‪ ،‬واملسؤولية‪ ،‬والفعالية‪ ،‬واالعتدال‪ ،‬واجلدية‪ ،‬واملدنية‪ ،‬والدمج‪،‬‬
‫واملحبة‪ ،‬إىل غري ذلك من القيم الرضورية للعيش يف جمتمع إنساين ومتحرض؛‬

‫_ حتسني جودة التعليم وتنويع التكوينات بام يتالءم ومتطلبات احلداثة قيميا‪،‬‬
‫واجتامعيا واقتصاديا‪ ،‬وحتديث الربامج‪ ،‬وتقوية تدريس العلوم والتكنولوجيا‪ ،‬ورقمنة‬
‫العديد من التكوينات يف خمتلف أسالك التعليم‪ ،‬وصوال إىل التكوين املستمر للمكونني‪.‬‬

‫تو�صيات خا�صة بالنوع االجتماعي‬

‫_ حتسني عمليات مجع املعطيات اإلحصائية اخلاصة بالنوع االجتامعي وتوخي‬


‫الدقة يف بناء مؤرشاته‪ ،‬وصوال إىل حتديد‪ ،‬ليس فقد األعداد والنسب‪ ،‬وإنام أيضا اآلثار‬
‫املرتتبة عنها؛‬

‫_ مواصلة وترسيع وترية حتقيق املساواة واملناصفة بني الرجال والنساء؛‬

‫_ لتحقيق التوازن بني اجلنسني واحلد من التمييز بينهام‪ ،‬نقرتح توظيف مفهوم‬
‫النوع االجتامعي يف تشخيص االختالالت القيمية واالجتامعية‪ ،‬وإرشاك املرأة يف حتديد‬
‫األهداف‪ ،‬وتصميم وصنع وتنفيذ كل السياسات العمومية‪ ،‬بام فيها تلك التي تتعلق‬
‫بتفعيل القيم؛‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪90‬‬


‫_ خلق املؤسسات التي من شأهنا مساعدة املرأة عىل التوفيق بني العمل‬
‫ومتطلبات رعاية األطفال وحتمل مسؤولياهتا األرسية‪ ،‬مع احلرص عىل املساواة مع‬
‫الرجل عند تطبيق معايري االستحقاق املتعلقة بالتشغيل‪ ،‬والرتقي يف العمل‪ ،‬والتعيني يف‬
‫مناصب القرار‪ ،‬وحتديد األجر؛‬

‫_ دمج قضايا النوع االجتامعي يف العملية التعليمية منذ السنوات األوىل للتعليم‬
‫وعىل امتداد املراحل التعليمية املوالية‪ ،‬وذلك تعزيزا لقيم املساواة واحلرية بني اجلنسني‪،‬‬
‫ودونام اختزال للتعليم يف جمرد االستجابة ملتطلبات السوق؛‬

‫_ تنظيم محالت حتسيسية منتظمة وعمليات تواصلية واسعة‪ ،‬موجهة للرجال‬


‫والنساء عىل حد سواء‪ ،‬تتعلق بالتوقف عن ممارسة العنف ضد املرأة ورشح وتبسيط‬
‫حمتويات القانون الصادر يف هذا الشأن‪.‬‬

‫تو�صيات خا�صة بالأ�سرة‬

‫_ اعتبارا لتزايد عدد املسنني ونسب األرس النووية‪ ،‬وملا هو متوقع من مشاركة‬
‫أوسع للمرأة يف احلياة العامة‪ ،‬ورغم معرفتنا بتشبث املغاربة إىل اآلن برعاية آبائهم‬
‫املسنني‪ ،‬نويص مع ذلك بإنشاء املزيد من مؤسسات رعاية املسنني‪ ،‬حتقيقا ملبدإ التضامن‬
‫املؤسيس واملجتمعي بديال لغياب حمتمل‪ ،‬يف بعض احلاالت‪ ،‬للتضامن األرسي‪ ،‬مع‬
‫إيالء اهتامم خاص جلودة رشوط اإلقامة والرعاية؛‬

‫_ تنظيم محالت حتسيسية واسعة بخصوص خماطر الزواج العريف عىل النساء‬
‫واألطفال‪ ،‬موجهة للنساء والرجال عىل حد سواء‪ ،‬وبصفة خاصة يف املناطق احلرضية‬
‫املحيطية والوسط القروي‪ ،‬مع اختاذ اإلجراءات الالزمة للحفاظ عىل حقوق املترضرين؛‬

‫_ إعادة النظر يف بنود مدونة األرسة املتعلقة باحلضانة‪ ،‬والوالية‪ ،‬والوصاية عىل‬
‫األطفال‪ ،‬والسلطة التقديرية للقايض يف تزويج القارص؛‬

‫_ متكني النساء بتوسيع جمال اختياراهتن (منح قروض صغرى‪ ،‬توفري فرص‬
‫الشغل‪ ،‬خلق تعاونيات نسوية‪ ،)...‬وتقوية قدراهتن عىل تنزيل اختياراهتن بإتاحة‬
‫استفادهتن من اخلدمات التعليمية والتكوينية والصحية‪.‬‬
‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬
‫‪91‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫تو�صيات خا�صة بالأطفال وال�شباب‬
‫_ بناء عىل ما تتضمنه فئة الشباب من فئات فرعية ومتايزات داخلية مرتبطة‬
‫بمتغريات السن‪ ،‬واجلنس‪ ،‬ومستوى التعليم أو التكوين‪ ،‬ونوع النشاط‪ ،‬ووسط اإلقامة‪،‬‬
‫واالنتامء اجلهوي واالجتامعي‪ ...‬نقرتح بأن تؤخذ هذه االختالفات بعني االعتبار عند‬
‫تصميم برامج أو سياسات عمومية‪ ،‬وذلك حرصا عىل نجاعة ودقة االستهداف؛‬
‫_ بذل اجلهود الالزمة قصد حتقيق املزيد من املكتسبات لفائدة األطفال‬
‫والشباب يف وضعية إعاقة‪ ،‬ومتكينهم من االندماج املدريس واملهني واالستفادة الكاملة‬
‫من اخلدمات الصحية؛‬
‫_ محاية األطفال من كل أشكال االستغالل االقتصادي واالجتامعي واجلنيس‪،‬‬
‫خاصة منها ما يتصل بالعمل والزواج قبل سن األهلية والتفكك األرسي‪.‬‬

‫تو�صيات خا�صة بال�صحة‬


‫‪ -‬احلرص عىل تعميم وإنجاح ورش احلامية االجتامعية‪ ،‬وذلك بوضع آليات‬
‫وأنظمة قابلة للتطبيق ومستدامة؛‬
‫‪ -‬حتديث تقنيات ووسائل العمل باملستشفيات واملراكز الصحية وضامن التكوين‬
‫املستمر لفائدة العاملني يف قطاع الصحة؛‬
‫‪ -‬سن سياسات هتدف‪ ،‬يف آن واحد‪ ،‬إىل املحافظة عىل األطر الصحية املتواجدة‬
‫حاليا يف البلد‪ ،‬والسعي قدر اإلمكان إىل اسرتجاع األطر التي سبق أن هاجرت إىل‬
‫خارج الوطن؛‬
‫‪ -‬اعتبارا ملا تتميز به القيم من تأثري يف اجتاهات األفراد وتوجيه لسلوكهم جتاه‬
‫اآلخرين‪ ،‬نقرتح تعميق البحث السوسيولوجي والسيكولوجي يف اجلوانب القيمية‬
‫لكوفيد ‪ 19 19‬واألوبئة التي قد يتعرض هلا املغرب مستقبال (ال قدر اهلل)؛‬
‫‪ -‬حرصا عىل الوقاية من األمراض واإلنصاف والفعالية يف تقديم اخلدمات‬
‫الصحية‪ ،‬نويص بإيالء أمهية خاصة للمحددات االجتامعية للصحة‪ ،‬وجعل الصحة يف‬
‫كل السياسات‪ ،‬وتقوية السياسات عرب القطاعية (العام واخلاص)‪.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪92‬‬


‫تو�صيات خا�صة باملقاولة‬

‫‪ -‬إجراء بحوث لتقدير قيم العمل وقياساته بني فئات املجتمع‪ ،‬وبني العاملني يف‬
‫قطاعات العمل املختلفة؛‬

‫‪ -‬خلق مقاوالت صناعية يف قطاعات جديدة تشتغل بتكنولوجيا متقدمة وذات‬


‫قيمة مضافة عالية؛‬

‫‪ -‬إقرار متييز إجيايب لفائدة املقاوالت املجددة يفيض إىل إزالة العوائق وتقليص‬
‫العبء الرضيبي ودعم انخراطها يف امليدان الرقمي والتكنولوجيات والقطاعات‬
‫االقتصادية املتقدمة؛‬

‫‪ -‬تكثيف الرشاكة بني اجلامعة واملقاولة حول برامج البحث والتجديد املحددة‬
‫سويا مع ما يقتضيه ذلك من تبسيط للرشوط القانونية والتنظيمية؛‬

‫‪ -‬رضورة احرتام معايري األمن والسالمة من لدن املقاوالت ومحاية العامل يف‬
‫أوراش الشغل‪.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪93‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
‫‪ .13‬املراجع‬

‫‪ -‬الباروميرت العريب (امللخص التنفيذي)‪ ،‬الدورة اخلامسة‪ ،‬التقرير ال ُق ْط ِري‪.2019 ،‬‬


‫‪ -‬تقرير وزارة التضامن واملرأة واألرسة والتنمية االجتامعية‪ 10 ،‬سنوات عىل تطبيق مدونة‬
‫األرسة‪ :‬أي تغريات يف متثالت ومواقف وممارسات املواطنني واملواطنات‪ ،‬دراسة‬
‫ميدانية ‪.2016‬‬
‫‪ -‬رشيد جرموين‪« .‬التحوالت القيمية باملغرب‪ :‬الشباب نموذجا»‪ ،‬إضافات‪ ،‬العدد الثامن‪،‬‬
‫خريف ‪.2009‬‬
‫‪ -‬الدباغ‪ ،‬مي‪« .‬النوع االجتامعي‪ :‬نحو تأصيل املفهوم يف الوطن العريب واستخدامه يف صوغ‬
‫سياسات عامة فعالة»‪ ،‬إضافات‪ ،‬العددان ‪ ،24 – 23‬صيف وخريف ‪.2013‬‬
‫‪ -‬املجلس األعىل للرتبية والتكوين والبحث العلمي‪ .‬الرتبية عىل القيم باملنظومة الوطنية‬
‫للرتبية والتكوين والبحث العلمي‪ ،‬تقرير رقم ‪ ،17/1‬يناير ‪.2017‬‬
‫‪ -‬املجلس الوطني حلقوق اإلنسان‪ .‬حقوق اإلنسان سنة ‪ _ 2021‬تداعيات كوفيد ‪ 19 19‬عىل‬
‫الفئات اهلشة واملسارات الفعلية‪ ،‬منشور يف فرباير ‪.2022‬‬
‫‪ -‬مصباح‪ ،‬حممد‪« .‬اإلعالم اجلديد‪ ،‬العوملة‪ ،‬وحتدي خصخصة القيم»‪ ،‬مؤمنون بال حدود‪،‬‬
‫‪.2013‬‬
‫‪ -‬مصباح‪ ،‬حممد‪« .‬الدعاة اجلدد والشباب‪ :‬دراسة ميدانية لدى الشباب اجلامعي يف املغرب»‪،‬‬
‫إضافات‪ ،‬العدد الثامن‪ ،‬خريف ‪.2009‬‬
‫‪ -‬اهلراس‪ ،‬املختار (تنسيق وإرشاف)‪« ،‬حالة الزواج يف دول املغرب العريب»‪ ،‬منشور ضمن‬
‫كتاب‪ :‬حالة الزواج يف العامل العريب‪ ،‬معهد الدوحة الدويل لألرسة‪ ،‬دار جامعة محد بن‬
‫خليفة للنرش‪ ،‬الطبعة األوىل‪.2019 ،‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Banque Mondiale. « Note sectorielle sur la santé : vers un système de soins de‬‬
‫‪santé plus équitable et durable _ défis de politique et opportunités », Moyen-‬‬
‫‪Orient et Afrique du Nord _ Groupes sociaux (MNSHD), 2007.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪95‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬
‫الدراسة الوثائقية‬
- Bernoussi, Nadia & Meslouhi, Abderrahim. Le degré de confiance dans les
institutions, programme « Lien social », 2012.

- Bourqia, Rahma. « Les jeunes et l’expression religieuse : stratégie de


l’ambivalence ». In : R. Bourqia ; M. El Ayadi ; M. El Harras et H. Rachik, Les
jeunes et les valeurs religieuses, Eddif-Codesria, Casablanca, 2000.

- Bourqia, Rahma. Société, Famille, femmes et jeunesse, Rapport thématique, 50


ans de développement humain _ Perspectives 2025, 2005.

- Bourqia, Rahma. « L’étudiant et les valeurs ». In : Rahma Bourqia ; Mokhtar El


Harras ; et Driss Bensaid. Jeunesse estudiantine marocaine : Valeurs et stratégies,
Publications de la Faculté des Lettres et des Sciences Humaines, Rabat, 1995.

- Bourqia, Rahma. Les valeurs : changements et perspectives, 2006.

- Chebel, Malek. L’imaginaire arabo-musulman, PUF, Paris, 1993.

- Centre d’études et de recherches démographiques (CERED). Famille au Maroc :


Les réseaux de solidarité familiale, Etudes démographiques, 1996.

- Cherkaoui, Mohamed. L’ordre socio-politique et la confiance dans les institutions,


IRES, Janvier, 2010.

- CESE. « Nouveau modèle de développement pour les provinces du sud », octobre


2013.

- CESE. Rapport annuel, 2017.

- CESE. Technologie et valeurs : l’impact sur les jeunes, Auto – saisine n° 31, 2017.

- CESE. Rapport annuel, 2018.

- CESE. Rapport annuel, 2019.

- CESE. Rapport annuel, 2020.

- El Harras, Mokhtar, « L’étudiant et sa famille ». In : R. Bourqia ; M. El Harras ; D.


Bensaid. Jeunesse estudiantine marocaine, valeurs et stratégies, Publications de la
Faculté des lettres et des sciences humaines, Rabat, 1995.

- El Harras, Mokhtar. « Famille et jeunesse estudiantine : aspirations et enjeux de


pouvoir ». In : Bourqia ; M. El Ayadi ; M. El Harras ; H. Rachik. Les jeunes et les
valeurs religieuses, Eddif-Codesria, 2000.

- EL Harras, Mokhtar. « Les mutations de la famille au Maroc, in : 50 ans de


développement humain au Maroc » _ Perspectives 2025, 2005.

- Haut commisariat au plan (HCP), Enquête nationale démographique à passages


répétés (ENDPR), (2009 – 2010.

‫مجلس النواب‬ 96
- IRES. Lien social, familles, valeurs et changements sociaux au Maroc _ Bilan
d’une lecture bibliographique, Rabat, 2012.

- Ministère de la Santé / OMS. Rapport intitulé : « Réussir l’approche de la santé


dans toutes les politiques », Rabat, Juin 2013.

- ONDH. Rapport sur le développement humain 2020 : « Etre jeune au Maroc de


nos jours », Le Président du gouvernement, Royaume du Maroc, 2020.

- ONDH. Discriminations intersectorielles des femmes au Maroc, Royaume du


Maroc, Le Président du gouvernement, 2020.

- ONDH. Evaluation d’impact des programmes d’appui social à la scolarisation,


Royaume du Maroc, Le Chef du Gouvernement, 2020.

- ONDH / FNUAP. Le dividende démographique au Maroc, 2019.

- OCDE. Accompagner les réformes de la gouvernance locale au Maroc : Guide de


bonnes pratiques, 2017.
- Rachik, Hassan. « Jeunes et tolérance ». In : R. Bourqia ; M. El Ayadi ; M.
El Harras ; H. Rachik, Les jeunes et les valeurs religieuses, Eddif-Codesria,
Casablanca, 2000.

- Rachik, Hassan. Rapport de synthèse de l’enquête nationale sur les valeurs, 50 ans
de développement humain _ Perspectives 2025, 2005.

- WVS. Study Results WV6, Morocco 2011.

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


97 ‫ القيم وسؤال التنمية يف اجملتمع املغربي احلصيلة واآلفاق‬- ‫ تغيرات وانتظارات لدى املغاربة‬:‫القيم وتفعيلها املؤسسي‬
‫الدراسة الوثائقية‬

You might also like