You are on page 1of 2

‫إن المبدأ الذي تقوم عليه الدولة الحديثة هو فكرة سيادة الشعب الذي يعبر عن نفسه في‬

‫شكل رأي عمومي‪ ،‬فهو يفيد رد الفعل الناتج عن أي مسألة ما‪ ،‬كما يفيد الطريقة التي‬
‫يقع بها التعبير عن سلوك ما وكيفية رد الفعل ومسوغاته‪ ،‬فإذا كانت الدولة الحديثة‬
‫توفر لألفراد داخل الفضاء العمومي الشروط الضرورية لتكوين الرأي عبر وسائل‬
‫الدعاية والكتابة والنشر بشكل ُيحول الرأي العام إلى مجال لالستهالك اليومي فإن‬
‫األمر أصبح متجاوزًا بفعل التطورات التي عرفها العالم‪.‬‬

‫يمثل الفضاء العمومي في نظر هابرماس حلبة للنقاش العام التي تدور فيه المساجالت‬
‫وتتشكل فيها اآلراء والمواقف حول القضايا التي ُت جسد اهتمامات الناس‪ ،‬فهو يقوم‬
‫بالدرجة األولى بمهمة المراقبة كما يمكن أن يمنع بواسطة النقد العمومي إمكانية القيام‬
‫‪.‬بمشاريع غير متالئمة مع توجهاته واحتياجاته‬

‫إن موضوع الفضاء العمومي هو األفراد أو الجمهور باعتباره حامل لرأي عام ذي‬
‫وظيفة نقدية‪ ،‬والتفكير في الفضاء العمومي تفكير في أشكال الممارسة اإلنسانية‬
‫وأهدافها‪ ،‬خاصة في تعييناتها السوسيولوجية وأبعادها السياسية وتحوالتها التاريخية‪،‬‬
‫أي أنه تفكير في آليات اندماج الفرد في المجموعة ومشاركته في الحياة العمومية‪،‬‬
‫وتفكير في الممارسة الديمقراطية والوسائط التي تربط بين األفراد داخل الفضاء‬
‫العمومي‪.‬‬

‫فإذا كان مبدأ العمومية يفيد الجمهور المكون من فئات المجتمع باختالف مستوياته‬
‫ومشاربه‪ ،‬فالتطور التكنولوجي شكل ظهور آلية جديدة بعودة الحديث عن الفضاء‬
‫العمومي بنخب متمركزة خلف شاشات إلكترونية باختالف مواقع التواصل االجتماعي‬
‫التي أصبحت الساحة العامة الجديدة والمؤثرة على خلق فضاء عمومي متنوع االبعاد‬
‫يحتضن أنماطا متعددة من التفاعل‪ ،‬قادرة من موقعها على توجيه الرأي العمومي‬
‫وتوحيده وعقلنته مما يؤثر في أي سلطة كيفما كانت سياسية أو اقتصادية‪.‬‬
‫فكرة الديمقراطية‬
‫أصبح الفضاء العمومي االفتراضي أو باألحرى الواقعي الفعال‪ ،‬آلية‬ ‫الليبرالية صيغت على‬
‫ُمعاِر ضة للسلطة المتجبرة‪ ،‬وذلك بكشف الحقائق وتبسيطها‪ ،‬وكذا‬ ‫نموذج العالقات بين‬
‫المشتري والبائع في‬
‫تسهيل التفاعل اإليجابي بين األفراد‪ ،‬فالشبكات االجتماعية تتيح‬ ‫السوق‪ ،‬حتى أدت‬
‫لألفراد المشاركة بنشاط أكبر في الحياة العامة‪ ،‬وبالتالي تعزيز‬ ‫الدعاية إلى االحتواء‬
‫الكلي للرأي العام‪،‬‬
‫الديمقراطية الحقيقية كما يمكن للفضاء الُم َع ولم أن يساهم في إخراج‬ ‫وإفراغ الوعي الفردي‬
‫أفراد المجتمع‪ ،‬و ذلك من نقل الفرد من سياسة المفعول به إلى سلطة‬ ‫والجماعي من وظيفته‬
‫النقدية الفعالة‬
‫الفاعل‪ ،‬أفراد تحمل معها ِفكر جديد لبداية دمقرطة الحياة للتفكير‬
‫والتعبير النافد وااللتزام بقضاياه فضال عن تبادل المعلومات واألخبار وجلب التضامن‬
‫والتعاطف للقضايا العادلة التي تهم الرأي العام‪.‬‬

‫ففكرة الديمقراطية الليبرالية صيغت على نموذج العالقات بين المشتري والبائع في‬
‫السوق‪ ،‬حتى أدت الدعاية إلى االحتواء الكلي للرأي العام‪ ،‬وإفراغ الوعي الفردي‬
‫والجماعي من وظيفته النقدية الفعالة‪ ،‬ويرجع التدهور الذي أصاب هذه األفكار إلى‬
‫هيمنة الِقوى على صنع القرارات السياسية التي تصدر عن التفاهم والتواطؤ‪ ،‬ال على‬
‫الحوار والنقاش العقلي الحر‪ ،‬كما يرجع إلى سيطرة وسائل اإلعالم التي ُت سخر لخدمة‬
‫المصالح التجارية والتسلية والترفيه ال للتثقيف والتواصل وتدعيم الوعي الحر‪ ،‬هذا هو‬
‫الواقع المغربي بشكل خاص والعربي بشكل عامة‪ ،‬إال أن األمر اآلن خالف ذلك بحيث‬
‫يمكن القول أن مواقع التواصل االجتماعي أصبحت حاكمة في توجيه الرأي العام نحو‬
‫مسألة معينة رغم ما تبذله الدولة بمؤسساتها في كبحها بوسائل تقليدية أو بالوسائل‬
‫نفسها بأشخاص مسخرين عبر حمالت اإلشهار المدفوع من طرفا ومن لوبيات‬
‫االقتصاد لغرض الدعاية‪.‬‬

‫مستعملي وسائل التواصل االجتماعي بالمغرب في اآلونة األخيرة شنوا حمالت‬


‫لمقاطعة سلع استهالكية عقب ارتفاع أسعارها وتدني دخل الفرد من جهة وبيع نفس‬
‫السلع في دول أخرى ذات دخل فردي جد مرتفع بأقل من ثمنها بالمغرب (المفارقة‬
‫الجدلية)‪ ،‬وهذا يعزى في جانب منه إلى السلطات في المغرب التي قامت بتحرير‬
‫تدرجي لعدد من المواد األساسية في مقابل استقرار دخل الفرد أو باألحرى تقزيمه‬
‫عبر ضرائب مباشرة وغير مباشرة‪ ،‬فسلوك المقاطعين سلوك حضاري أقدم عليه‬
‫المواطن الواعي الذي بادر للمقاطعة إلحداث التغيير وفعَال كان ذلك حتى لو أنكر من‬
‫‪.‬أنكر‬

‫ال شك أن مقاطعة المنتجات االستهالكية من األسلحة السلمية الُمعِبرة عن وعي‬


‫مجتمعي‪ ،‬وعن اتحاد إرادة فئات من المجتمع لتغيير توازنات اقتصادية نتجت بتواطؤ‬
‫من لوبي االقتصاد‪ ،‬وهذا ما أدى إلى التحكم االقتصادي في المنتوجات ومن تم إرغام‬
‫أفراد المجتمع على اقتناءها‪ ،‬تحكم شبيه برحى تطحن المواطن الضعيف‪.‬‬

You might also like