Professional Documents
Culture Documents
مقال تحت عنوان التنسيق بين أجهزة الرقابة على المال العام
مقال تحت عنوان التنسيق بين أجهزة الرقابة على المال العام
ابراهيم دهيسي
هشام قاسمي
مقدمة
يعمل التنسيق على التوفيق بين الجهود المختلفة و توجيهها نحو الجودة المطلوبة ،و هذا ال
يعني أن وظيفة التنسيق وظيفة جديدة لكنها تكتسي أهمية قصوى باعتبارها الركيزة االساسية للعملية
االدارية.1
س َق و منه َت ْنسِ يق ال َكالَ ِم أي فمفهوم " التنسيق " من الناحية اللغوية كلمة مشتقة من فعل َن َّ
الر ْبطِ
ان و َّ ال اللِّ َج ِ
أع َم ِ
ب ْيق بمعنى لَ ْج َنة َت ْرتِي ِ
إج َراؤه َعلَى َن َمط َواحِد َوسِ َياق واحِد .و يقال لَ ْج َنة ال َّت ْنسِ ِ
ْ
الع َم ِل َت ْوحِيد ن َِظا ِم ِه و ََ َ
ش ْكلِ ِه. فِي َما َب ْي َن َها .كما يقصد ب َت ْنسِ يق َ
أما في االصطالح يذهب معناه إلى تحقيق التوافق و التكامل بين جميع الجهود و األنشطة
لبلوغ الهدف الشامل المشترك 2.ان المعجم الفرنسي " " le Petit Robertيعرف التنسيق " la
1
عبد الكريم بخنوش ،التنسيق االداري للمصالح االقليمية التابعة للدولة ،دكتوراه في القانون العام ،كلية الحقوق آكدال ،الرباط -0222 ،
، 0222ص463.
قاموس المعجم الوسيط في اللغة العربية المعاصر ،عربي عربي [ ن س ق ] ( .مصدر َنسَّقَ ).
2
1
3
،بأنه عملية تهدف إلى تحقيق اإلنسجام بين عدة عناصر ،وفقا لخطة منطقية " coordination
محكمة ،لبلوغ أهداف محددة.
و المالحظ من خالل واقع اجهزتنا الرقابية انه ال يمكن القول بغياب كلي للتنسيق او انعدامه
حيث سنكون بذلك عدميين ِّ
مبخسين لعمل مؤسساتنا الوطنية ،بل لسان الحال يقول بأن هناك فقط
ضعف التنسيق و التعاون بين هذه االجهزة.
و منه سنتبنى ضعف التنسيق هذا كطرح ندافع عنه من خالل هذا العرض باعتباره متغيرا تابعا
يرتبط بمجموعة من المغيرات المستقلة التي كانت سببا في ظهوره ،و التي تتمثل في تنوع و تعدد
االجهزة الذي يفضى بدوره إلى تعدد المساطر ،و االستقاللية و السرية التي تطبع عملها و من تم
تداخل توقيت تدخل هذه األجهزة مما يؤدي إلى تكريس اإلزدواجية الرقابية .باإلضافة إلى غياب نص
قانوني صريح مؤطر لهذا التنسيق الذي أصبح ضرورة و أداة في رهان مكافحة الفساد و الحفاظ على
المال العام.
كيف يؤثر تعدد و تنوع المتدخلين في ميدان الرقابة المالية على وظيفة التنسيق؟
بحيث يمكن اإلجابة على هذه اإلشكالية من خالل طرح التساؤالت التالية :
ما مدى حضور التنسيق كآلية في النصوص القانونية المؤطرة لعمل مختلف االجهزة ؟
و ما مدى األخذ بالمعايير الدولية للتنسيق و التعاون بين األجهزة العليا للرقابة المالية؟
و عليه سنحاول االجابة عن مخلف هذه التساؤالت من خالل المبحثين اآلتين :
المبحث األول :واقع التنسيق بين أجهزة الرقابة على المال العام
المبحث الثاني :اجهزة الرقابة على المال العام و رهان مكافحة الفساد و الحفاظ على المال
العام
3
« l’agencement des parties d’un tout, selon un plan logique, pour une fin déterminée ».
2
المبحث األول :واقع التنسيق بين أجهزة الرقابة على المال العام
تقيد االجهزة الرقابية المختصة بمقتضيات القانون المنظم لها و خصوصا فيما يعلق بالمهام
المسندة إليها ، 4و عليه سنقوم بمسح على مستوى هذه النصوص للنظر في مدى تطرقها للتنسيق
( المطلب االول) ،و كذلك حضور التنسيق من خالل الممارسة (المطلب الثاني). كآلية
المطلب االول اشكالية التنسيق من خالل النصوص القانونية التي تؤطر عمل االجهزة الرقابية -
تنصب مراقبة رقابة المفتشية العامة للمالية حسب الظهير الشريف بشأن التفتيش العام للمالية
6
على كل المصالح المحاسبية العمومية التابعة للدولة و كذا الحسابات ( الفصول ) 7 – 2 – 1
المسجلة في الدفاتر المحاسبية لآلمرين بالصرف ،و ذلك بطريقة دورية و انتقائية في إطار برنامج
سنوي يعده المفتش العام للمالية تحت اشراف وزير المالية.
و بالتالي فبنود الظهير المحدث لهذا الجهاز ال يتضمن أي إشارات واضحة بخصوص التنسيق
بينه و بين باقي أجهزة الرقابة على المال العام.
حسب مقتضيات المرسوم رقم 2-11-112المتعلق بالمفتشيات العامة للوزارات( 7المواد – 1
)2فإن المفتشية العامة للوزارة تخضع مباشرة لسلطة الوزير ،و يسيرها مفتش عام ،و تناط بها
مهام تفتيش و مراقبة و تدقيق و تقييم تدبير المصالح المركزية و الالممركزة للوزارة ،كما تناط بها
مهمة التنسيق و التواصل و التتبع مع مؤسسة الوسيط و التعاون مع كل من المجلس األعلى
4
ذ نجاة خلدون ،العمل االداري ،مطبعة دعاية ،سال ،الطبعة األولى ، 0222 ،ص66.
5
القانون 60.66المتعلق بالمحاكم المالية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 2.20.203في فاتح ربيع اآلخر 24يونيو 0220كما وقع تغييره
و تتميمه بمقتضى القانون رقم 20.26
6
ظهير شريف رقم 2.26.066بشأن التفتيش العام للمالية
7
مرسوم رقم 0-22-220صادر في 02من رجب 04( 2340يونيو )0222في شأن المفتشيات العامة للوزارات.
3
للحسابات و المفتشية العامة للمالية و الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة وفق المقتضيات القانونية
الجاري بها العمل.
يتضح إذا أن التنسيق و التواصل من المهام المنوطة بالمفتشيات العامة للوزارات و بين باقي
األجهزة الرقابية حسب هذا المرسوم.
ب -دراسة التقارير الموضوعاتية للمجلس األعلى للحسابات و التقارير التي يعدها وفقا
للفصل 148من الدستور؛
و بالتالي يتضح ان هناك امكانية للتواصل و التنسيق بين هذه اللجنة و المجلس االعلى للحسابات .
8
مرسوم رقم 0.63.222صادر في 6محرم 26( 2322يونيو )2663في شأن النظام األساسي الخاص بالمفتشين العامين لإلدارة الترابية
بوزارة الدولة في الداخلية
4
مؤسسة الوسيط : -6
9
حيث نص في المادة 24 احدثت هذه المؤسسة الدستورية بمقتضى الظهير الشريف رقم 1111125
منه على ان االدارة تعين ،من أجل ضمان حسن التنسيق و التواصل و التتبع بينها و بين مصالح
مؤسسة الوسيط ،مخاطبين دائمين لهذه األخيرة ،من بين المسؤولين التابعين لها ،الذين يتمتعون
بسلطة اتخاذ القرار فيما يحال عليهم من شكايات و تظلمات من لدن المؤسسة .
كما تحدث بين المؤسسة و سائر االدارات لجان للتنسيق و التتبع ،تضم ممثلين عنهما ،
وتحدد اختصاصات و كيفيات عملها في النظام الداخلي للمؤسسة.
و بالتالي يتضح ان هناك امكانية للتواصل و التنسيق بين هذه المؤسسة و سائر االدارات.
الهيأة الوطنية للنزاهة و محاربة الرشوة : -7
10
لهذه الهيأة الشخصية االعتبارية و االستقالل المالي كما حدد منح القانون رقم 113112
مهامها طبقا لمقتضيات الفصل 167من الدستور ،حيث تتولى الهيئة على الخصوص مهام المبادرة
والتنسيق و االشراف و ضمان تتبع تنفيذ سياسات محاربة الفساد و تلقي و نشر المعلومات في هذا
المجال ،و المساهمة في تخليق الحياة العامة ،و ترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة ،و ثقافة المرفق العام ،
و قيم المواطنة المسؤولة .
كما يتولى مرصد الهيئة إعداد و تحليل و تحيين قواعد معطيات وطنية حول مظاهر الفساد في
القطاعيين العام والخاص بكيفية مستمرة ؛ كما يتتبع و يقيم السياسات العمومية في مجال النزاهة
والوقاية من الفساد و مكافحته.
يتضح و رغم وجود التنصيص الحرفي ان هناك امكانية للتواصل و التنسيق بين هذه المؤسسة
وسائر االجهزة الرقابية االخرى .
المطلب الثاني :اشكالية التنسيق بين اجهزة الرقابة على المال العام من خالل الممارسة
المالحظ من خالل الممارسة ان هناك إكراهات كثيرة ،سوسيولوجية و سياسية ،تواجه تفعيل
الرقابة ،على اعتبار أن الرقابة قد تمس بمصالح بعض الطبقات او االشخاص الذين يتحاشون اتساع
مجال ثقافة الرقابة .كما ان هناك إكراهات أخرى تتمثل في عدم كفاية عدد الموارد البشرية ،التي
9
الظهير الشريف رقم 2.22.02الصادر في 20ربيع االخر 26 ( 2340مارس ) 0222الجريدة الرسمية عدد 2606ص220.
10
القانون رقم 224.20الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 2.22.62بتاريخ 02شعبان 6( 2346يونيو ) 0222الجريدة الرسمية عدد 2663
مكرر ،الصفحة 4622
5
تتوفر عليها األجهزة الرقابية ،فالمجلس األعلى للحسابات هو من أكثر المؤسسات الرقابية نشاطا
خصوصا في السنوات األخيرة.11
ان كل جهاز يراقب قطاعا مع امكانية بدون علم جهاز رقابي آخر بذلك ، ،مما يعني أن وجود
التنسيق يمكن أن يوجه الجهود نحو األولويات .و ضعف التنسيق ناجم عن كون كل قطاع رقابي يرى
12
في نفسه األكثر أهلية و جدارة للقيام بالمهام الرقابية.
غير ان المالحظ هنا أنه لوال التدخل الملكي في بعض االحيان هو الذي يحث هذه االجهزة على
ان تعمل فيما بينها بالشكل الالزم .
المبحث الثاني :اجهزة الرقابة على المال العام و رهانات مكافحة الفساد و الحفاظ على
المال العام
ان انخراط المغرب باعتباره عضوا في المنظمة الدولية ألجهزة الرقابة العليا على المال العام
(االنتوساي) تبنى معايير للتنسيق بين االجهزة الرقابية ( المطلب االول) و كأداة فعالة لحكامة االجهزة
الرقابية ( المطلب الثاني) .
المطلب االول :مدى االخذ بالمعايير الدولية للتنسيق بين االجهزة الرقابية على المال العام
هناك نطاق واسع لتحقيق التنسيق و التعاون بين االجهزة الرقابية على المال العام بما
يتوافق و معايير الرقابة المعمول بها ،و ذلك باالرتكاز على أسس التنسيق العلمية.13
أ -أسس التنسيق:
-االلتزام :حيث يقوم االلتزام بتطوير خدمات رقابية ذات جودة عالية و فعالة ،و ذلك بتشجيع
جميع المتدخلين في العمليات الرقابة على المال العام.
-االتصال :إذ أن االتصال هو سبيل أجهزة الرقابة إلبالغ المسؤولين(اآلمرين بالصرف
والمحاسبين) ،و كذلك التعرف على رؤية المسؤولين و ردود فعلهم للرسائل المبلغة إليهم.
-الفهم المشترك :ان التنسيق يقتضي الفهم الجيد ألهداف الرقابة و نطاق عمل و طرق واساليب
عمل االجهزة و توحيد المصطلحات و المفاهيم مشتركة و مفهومة حتى تسهل عملية التفاهم .
-الثقة :ان الثقة تقوم على االعتراف بان عمليات الرقابة تتم وفق معايير مهنية ،و ذلك للتعامل
مع المعلومة بطريقة احترافية و نزيهة و في احترام لسلوكيات المهنة.
11
د محمد براو ،الوسيط في شرح مدونة المحاكم المالية – الكتب الثالث ،مكتبة دار السالم ،الرباط ،الطبة األولى ، 0220ص32.
12
محمد حركات ،مقال منشور بجريدة المساء بعنوان "ال بد من وضع استراتيجية لمراقبة الفساد الكبير" حاوره الصحفي مصطفى أزو كاح نشر
في يوم 0222 - 26 - 22
13
INTOSAI GOV 9150
6
ب -فوائد التنسيق :
هنالك فوائد كثيرة يمكن لألجهزة الرقابية االستفادة منها؛ فتبادل االفكار و المعرفة تقوي من
حكامة هذه االجهزة و ذلك ب:
-الرفع من فعالية العمليات الرقابية نتيجة الفهم الواضح ألدوار و متطلبات الرقابة ،و معرفة
مخاطر العملية الرقابية .
-تحديد نطاق رقابة مركزة .
-التقليل من ازدواجية الرقابة.14
-التقليل من تعطيل عمل االجهزة التي تخضع للرقابة .
-تقديرات المخاطر التي يتم تحديدها.
-تبادل التوصيات فيما يخص عمليات الرقابة .
المطلب الثاني راهنية التنسيق كأداة فعالة لحكامة االجهزة الرقابية
يعد التنسيق عنصرا مهما من عناصر التسيير و اإلدارة الجيدين ،فمهما اختلفت أجهزة الرقابة
فإنها تهدف إلى التحقق من سالمة العمليات المالية و حماية المال العام ،لهذا فإن وجود عالقة تربط
بين مختلف األجهزة أمر ضروري ،ليس فقط لتحقيق االنسجام و الترابط داخل المنظومة الرقابية بل
لتحقيق الجدوى من وظائفهم ،و في المقابل فإن عدم التنسيق يشتت الجهود و يهدر الطاقات.
15
و ذلك من خالل التدابير المتخذة و النصوص و ال شك ان مكافحة الفساد بمفهومه العام
القانونية و كذا االصالح المؤسساتي الذي تقوم به الدول ،إضافة الى االتفاقيات الدولية المبرمة.
14
د احمد حاسون ،المجلس االعلى للحسابات بالمغرب دراسة سوسيو قانونية ،مجلة الدراسات السياسية و االجتماعية ،سلسلة اطروحات و
ابحاث ،العدد ، 2مطبعة المعارف الجديدة ،ط ، 0224ص000.
15
Professeur Mohammed El Yaâgoubi, Réflexion sur les droits de l’homme et les libertés publique au Maroc
(1986-2012) ,imprimerie El Maarif Al Jadida, Rabat 2012, p.65
» « le rôle du droit dans la lutte contre la corruption à la lumière de la convention de Mérida
7
خاتمة
إن مختلف اإلصالحات التي همت المالية العمومية لن تبلغ غاياتها إال بمقاربات معقولة
تستدعي استمرار المغرب في مسلسل تحسين قدراته المؤسساتية من أجل التأقلم مع متطلبات
ومقتضيات الحكامة الجيدة في مجال المالية العمومية وتخليق الحياة العامة وتطوير اإلدارة العمومية
وذلك من خالل بلورة استراتيجية جديدة للهيئات الرقابية الوطنية و تحيين اإلطار القانوني والتنظيمي
الخاص بكل منها ،باإلضافة إلى انجاز مخططات مديرية للتكوين وتطوير أدوات االشتغال و تقوية
النظام المعلوماتي ،و إجراء تدريبات لفائدة مواردها البشرية للتطوير والرفع من مهنية مجاالت
اإلفتحاص والتدقيق والتقييم واضحة بحيث تبقى المقاربة القانونية والمؤسساتية غير كفيلة لوحدها
لبلوغ اإلصالح الحقيقي المنشود بل ينبغي تعزيز هذا بتدابير موازية تروم أساسا التفعيل الحقيقي لمبدأ
ربط المسؤولية بالمحاسبة وجعل المال العام مقدسا ،وهذا يتطلب إرادة سياسية قوية ومقاربة تشاركية
ينبغي معه تظافر جهود كافة المتدخلين لردم الهوة بين القانون و الواقع .
8