You are on page 1of 97

‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫‪1‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫مسائل يف فقه اخلالفة‬


‫جمع و ترتيب الشيخ‪:‬‬
‫الحسن رشيد بن محمد البليدي‬
‫ِ‬ ‫أبي‬
‫حفظه هللا تعالى‬

‫‪2‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫فهرس الموا ضيع‬

‫تمهيد ال بد منه ‪:‬‬


‫المسألة األولى‪ :‬تعريف اإلمامة لغة وشرعا ‪:‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬حكم الخالفة ‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬اإلمامة‪ ..‬هل هي من مواضيع العقيدة أم الفقه؟ ‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬حكمها الفقهي ‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬على من يتوجه وجوب اإلمامة ‪.‬‬
‫المسألة الثالثة ‪ :‬طرق انعقاد الخالفة‬
‫الفرع األول ‪:‬استعراض تاريخي لطرق تولية الخلفاء الراشدين رضي هللا عنهم‪.‬‬
‫الفرع الثاني ‪ :‬طرق انعقاد الخالفة ‪:‬‬
‫الطريقة األولى‪ :‬االختيار‪:‬‬
‫ـ من هم أهل الحل والعقد‪:‬‬
‫ـ شروط أهل الحل والعقد ‪:‬‬
‫ـ هل ألهل العاصمة (مكان إقامة اإلمام) مزية على غيرهم في االختيار؟‪.‬‬
‫ـ عدد أهل الحل والعقد ‪:‬‬
‫الطريقة الثانية ‪ :‬العهد (االستخ الف)‪:‬‬
‫الطريقة الثالثة‪ :‬القهر والغلبة‬
‫الفرع الثالث‪ :‬تعدد األئمة‪:‬‬
‫الفرع الرابع ‪ :‬أحكام الضرورة ‪:‬‬
‫أو الً‪ :‬أثر ال ضرورة بالنسبة للشروط التي يج ب توافرها في اإلمام‪:‬‬
‫ثانيا‪ :‬أثر ال ضرورة بالنسبة لطريق اإلختيار‪:‬‬
‫ثالثا‪ :‬أثر ال ضرورة بالنسبة لمقا صد اإلمامة‪:‬‬
‫رابعا‪ :‬أثر ال ضرورة في عدد أه ل الح ل والعقد عند عقد اإلمامة‪:‬‬

‫المسألة الرابعة ‪ :‬حكم البيعة ‪.‬‬


‫الفرع األول ‪ :‬تعريف البيعة ‪.‬‬
‫الفرع الثاني ‪ :‬أنواع البيعة ‪.‬‬
‫الفرع الثالث ‪ :‬شروط صحة البيعة ‪:‬‬
‫الفرع الرابع ‪ :‬أقسام البيعة ‪.‬‬
‫الفرع الخامس ‪ :‬طرق البيعة ‪.‬‬
‫الفرع السادس ‪ :‬حكم نكث البيعة ‪.‬‬
‫الفرع السابع ‪ :‬فقه حديث ابن عمر رضي هللا عنه ‪.‬‬
‫الفرع الثامن‪ :‬خطأ تكفير من لم يبايع إماما ً معيناً‪.‬‬
‫المسألة الخامسة ‪ :‬مقاصد اإلمامة‬
‫المقصد األول ‪ :‬إقامة الدين ‪:‬‬
‫المقصد الثاني‪ :‬سياسة الدنيا به‪:‬‬

‫‪3‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫فصل ‪ :‬المقابلة والمناقشة ‪.‬‬


‫المسألة األولى‪ :‬الطريقة التي تم بها إعالن الخالفة‪.‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬اإللزامات التي رتبتها الدولة على اإلعالن‪.‬‬
‫النتيجة ‪:‬‬
‫المسألة السادسة‪ :‬هل يجووز لمون فوي عنقوه بيعوة صوحيحة لجماعوة مواأل نقضوها ألجول بيعوة لوم‬
‫تتوفر شروط صحتها؟‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬شرعية الجماعات وبيعاتها ‪.‬‬
‫الفرع الثاني ‪ :‬مشروعية البيعات وحرمة نقضها ‪.‬‬
‫فصل ‪ :‬تذكرة في وجوب االجتماع ونبذ االختالف‪.‬‬
‫الخاتمة ‪:‬‬
‫الرسالة األولى‪ :‬إلى (الدولة اإلسالمية) وجنودها وأنصارها‪.‬‬
‫الرسالة الثانية ‪ :‬إلى المجاهدين وأنصارهم ‪.‬‬
‫الرسالة الثالثة‪ :‬إلى المسلمين عامة ‪.‬‬

‫‪4‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫هللا إ َلووو لِله‬


‫ِين َو َال إ َلووو َه إال لِل‬
‫ان إال َع َلوووى الظوووالِم َ‬ ‫ووين َو َال لِلع ْوود َو َ‬ ‫ِين َوا ْل َعاقِ َبووو لِلة لِ ْلملِلتقِو َ‬
‫ه َرب ا ْل َعوووا َلم َ‬ ‫ا ْل َح ْموو لِلد ِ ِ‬
‫ِين َو ْاْلخ ِِر َ‬
‫ين‪.‬‬ ‫ْاألَول َ‬
‫لِلوبيتِوهِأل َوأَ ْشو َه لِلد أَن‬
‫يك َلو لِله فِوي لِلرب ِ‬‫يك َل لِله فِي إ َل ِهيتِو ِه َك َموا َال َش ِور َ‬ ‫هللا َوحْ دَ هلِل َال َش ِر َ‬ ‫َوأَ ْش َه لِلد أَنْ َال إ َل َه إال لِل‬
‫صوحْ به‬ ‫صولى اهللا َع َل ْيوه َوآلوه َو َ‬ ‫ين ا ْل َق ِو ِيم َوا ْل َمو ْن َه ِج ا ْلملِلسْ و َتق ِِيمأل َ‬
‫لِلوث ِبالد ِ‬ ‫م َلِلحم ًدا َع ْب لِلدهلِل َو َرسلِلوللِل لِله ا ْل َم ْبع لِل‬
‫ه ا ْل َعلِ ِّي ا ْل َعظِ ِيم ؛ َو َبعْ لِلد ‪:‬‬ ‫َو َسل َم؛ َو َال َح ْو َل َو َال قلِلو َة إال ِباَ ِ‬
‫﴿سُﺒْ ﺤَانَ ﻚَ ال عِلْﻢَ لَﻨَا ﺇِال مَا عَلَّﻤْﺘَﻨَا ﺇِنَّ ﻚَ أَنْ ﺖَ الْ عَلِﻴﻢُ الْ ﺤَ ﻜِﻴﻢ﴾‪.‬‬
‫ين أَ ْن َع ْم َت َع َل ْي ِه ْم َغ ْي ِر‬ ‫اط الَّ ِذ َ‬ ‫اط ا ْلمُسْ َتقِي َم صِ َر َ‬ ‫ص َر َ‬ ‫أمرنا هللا أن نقول في صالتنا ﴿ ا ْه ِد َنا ال ِّ‬
‫ين﴾‪..‬‬ ‫ض الِّ َ‬ ‫ب َع َل ْي ِه ْم َو ال ال َّ‬ ‫ضو ِ‬ ‫ا ْل َم ْغ ُ‬
‫فالضال‪ :‬الذي لم يعرف الحق كالنصارى‬
‫والمغضوب عليه‪ :‬الغاوي الذي يعرف الحق ويعمل بخالفه كاليهودأل‬
‫والصراط المستقيم‪ :‬يتضمن معرفة الحق والعمل بهأل‬
‫وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي هللا عنها أن النبي صلى هللا عليه وسولمأل كوان إذا قوام مون‬
‫ض ‪َ ،‬ع الِ َم‬ ‫ت َواألَ رْ ِ‬ ‫الليل يصلي يقول‪ « :‬اللَّهُ َّم َر بَّ ِج ْب ِري َل َومِي َكائِي َل َو ِﺇسْ َراف ِي َل‪َ ،‬فاطِ َر ال َّ‬
‫س َم َوا ِ‬
‫اخ َت َلفُوا فِي ِه مِ َن‬ ‫ون ا ْه ِدنِي لِ َم ا ْ‬ ‫ت َت حْ ُك ُم َبي َْن عِ َب ا ِد َك فِي َما َك ا ُنوا فِي ِه َي ْخ َتلِفُ َ‬ ‫ب َوالشَّ َها َدةِ‪ ،‬أَ ْن َ‬ ‫ا ْل َغ ْي ِ‬
‫ِيم »‪ ..‬فمن خرج عن الصراط المستقيم‬ ‫ش ا ُء ِﺇ َل ى صِ َراطٍ مُسْ َتق ٍ‬ ‫ا ْل َح ِّق ِب ِإ ْذنِ َك‪ِ ،‬ﺇ َّن َك َت ْه ِدى َم نْ َت َ‬
‫كوان متبعوا لظنووه وموا تهووواه نفسوه وموون أضول ممون اتبووع هوواه بغي ور هودى موون هللا‪ ..‬إن هللا ال‬
‫يهدي القوم الظالمين ‪..‬‬

‫‪5‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫تمهيد ال بد منه ‪:‬‬

‫لموا كووان اإلنسوان معرضووا للنسويان والووذهول عون الحقووائق التوي يعلمهووا خاصوة فووي أيوام الفووتن‬
‫ِين﴾أل‬‫الذ ْك َرى َتن َف ُع ا ْلم ُْؤ ِمن َ‬ ‫والشبهاتأل شرع هللا تعالى التذكير فقال‪َ ﴿ :‬و َذ ِّك رْ َف ِإنَّ ِّ‬
‫قال الشيخ السعدي رحمه هللا‪ ( :‬والتذكير نوعان‪ :‬تذكير بما لم يعرف تف صيله مما عر ف‬
‫مجمله بالفطر والعقو ل‪ ،‬فإن هللا فطر العقوو ل علوى محبوة الخيور وإيثوارهأل وكراهوة الشور‬
‫والزهد فيهأل وشرعه موافق لذلكأل فكل أمر ونهي من الشورع فننوه مون التوذكيرأل وتموام التوذكير‬
‫أن يذكر ما في المأمور به م ن الخير والحسن والمصالحأل وما في المنهي عنه من المضار‪.‬‬
‫والنوع الثاني من التذكير‪ :‬تذكير بما هوو معلووم للموؤمنين ولكون انسوحب ت عليوه الغفلوة‬
‫والذهو ل أل فيذكرون بذلك ويكرر عليهم ليرسخ في أذهانهمأل وينتبهوا ويعملووا بموا توذكروه مون‬
‫نشاطا وهمةأل توجب لهم االنتفاع واالرتفاع‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ذلكأل وليحدث لهم‬
‫وأخبوور هللا أن الووذكرى تنفووع الم و منينأل ألن مووا معهووم موون اإليمووان والخشووية واإلنابووة واتبوواع‬
‫رضوان هللا يوجب لهوم أن تنفوع فويهم الوذكرىأل وتقوع الموعظوة مونهم موقعهوا كموا قوال تعوالى‪:‬‬
‫ش َق ى﴾‪.‬‬ ‫ش ى َو َي َت َج َّن ُب َه ا ْاألَ ْ‬
‫الذ ْك َرى َس َي َّذ َّك ُر َم نْ َي ْخ َ‬ ‫ت ِّ‬ ‫﴿ َف َذ ِّك رْ ِﺇنْ َن َف َع ِ‬
‫وأما من ليس له معه إيموان وال اسوتعداد لقبوول التوذكيرأل فهوذا ال ينفوع توذكيرهأل بمنزلوة األرض‬
‫السوبخةأل التوي ال يفيودها المطور شووي ًئاأل وهو الء الصونفأل لوو جواءتهم كوول آيوةأل لوم ي منووا حتووى‬
‫ج َن َب اتُهُ ِب ِإ ْذ ِن َر ِّبهِ َوالَّذِي َخ ُب َث َال َي ْخ ُر ُج ِﺇ َّال َن ِك ًدا َك َذلِ َك‬ ‫ب َي ْخ ُر ُ‬ ‫يروا العذاب األليمأل ﴿ َوا ْل َبلَ ُد َّ‬
‫الطيِّ ُ‬
‫ون ﴾ وهذا مثال للقلووب حوين ينوزل عليهوا الووحي الوذي هوو موادة‬ ‫ش ُك ُر َ‬ ‫ت لِ َق ْو ٍم َي ْ‬‫ص ِّر فُ ْاْل َي ا ِ‬ ‫ُن َ‬
‫الحياةأل كما أن الغيث مادة الحياأل فنن القلوب الطيبة حوين يجيئهوا الووحيأل تقبلوه وتعلموه وتنبوت‬
‫بحسب طيب أصلها وحسن عنصرها‪.‬‬
‫وأما القلوب الخبيثة التي ال خير فيهاأل فنذا جاءها الوحي لم يجد محوال قوابالأل بول يجودها غافلوة‬
‫معرضةأل أو معارضةأل فيكون كالمطر الذي يمر علوى السوباو والرموال والصوخورأل فوال يو ثر‬
‫فيها شيئا) [تفسير السعدي]‬
‫(القلوب ينبوت نوايووا ومشواعرأل وانفعوواالت واسوتجاباتأل واتجاهووات وعوزائمأل وأعموواال ً بعود ذلووك‬
‫وآثارا ً في واقع الحياة‪ .‬واألرض تنبت زرعا ً وثمرا ً مختلفا ً أكله وألوانه ومذاقاته وأنواعه‪..‬‬
‫والهودى واْليوات والموعظووة والنصويحة تنووزل علوى القلووب كموا ينووزل المواء علووى التربوةأل فوونن‬
‫كان القلب طيبا ً كالبلد الطيوبأل تفوتح واسوتقبل وزكوا وفواض بوالخير؛ وإن كوان فاسودا ً شوريرا ً ـ‬
‫كالووذي خبووث موون الووبالد واألموواكن ـ اسووتغلق وقسوواأل وفوواض بالشوور والنكوور والفسوواد والضوورأل‬
‫وأخرج الشوك واألذى كما تخرج األرض النكدة!) [في ظالل القرآن]‪.‬‬
‫َ‬ ‫ون أَ ْو َّ‬ ‫َ‬
‫ي رضوي هللا عنوه أن‬ ‫س الود ِار ِّ‬ ‫وشرع هللا النصيحة كما َر َوى ملِلسْ لِ ٌم َعونْ أ ِبوي لِلر َقيو َة َت ِم ِ‬
‫ويم ْب ِ‬
‫سولِ ِه ‪،‬‬ ‫ّلِل ‪َ ،‬ولِ ِك َت ِاب ِه ‪َ ،‬ول َِر ُ‬ ‫يحةُ‪ .‬قُ ْل َنا‪ :‬لِ َم نْ ؟ َق ا َل ِ َّ ِ‬ ‫الن ِبي صلى هللا عليه وسلم َقا َل‪ « :‬ال ِّدي ُن ال َّن صِ َ‬
‫ين َو َع ا َّم ِت ِه ْم »‪.‬‬ ‫َو ِألَ ِئ َّم ِة ا ْلمُسْ لِ ِم َ‬
‫لمسلم س ت ـ وذكور مِنهوا ـ‬ ‫ِ‬ ‫المسلم على ا‬ ‫ِ‬ ‫حق‬‫هللا َعنه‪ُّ « :‬‬ ‫وروى مسل ٌم عن أبي هرير َة رضي لِل‬
‫شرح مسلم]‪( :‬قوللِله صلى هللالِل علي ِه‬ ‫ِ‬ ‫ي رحمه هللا في [‬ ‫وﺇذا است ْن صحك فا ْن صحْ ل ُه » ‪ ،‬قال النوو ُّ‬
‫وحهأل وال لِلتدا ِه َنوهأل وال‬ ‫ص َ‬ ‫ليك أنْ ت ْن َ‬ ‫فع َ‬ ‫ِنك النصيح َة؛ َ‬ ‫بم َ‬ ‫ص َح َك »أل فمعناهلِل‪َ :‬ط َل َ‬ ‫وسل َم‪« :‬وﺇذا است ْن َ‬
‫بيان الن صيحةِأل وهللا أعلم)‪ .‬اهـ ‪.‬‬ ‫َتغشهأل وال لِلتمسِ َك َعن ِ‬
‫قال الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه هللا في تفسير قوله تعوالى ﴿ َق ا َل ْت َن ْم َل ٌة َي وا أَ ُّي َه وا ال َّن ْم و ُل‬
‫ون ﴾‪( :‬فهذا يعلمنا أن ال حيواة‬ ‫ش ُع ُر َ‬ ‫س َل ْي َم انُ َو ُج ُنو ُدهُ َو ُه ْم َال َي ْ‬ ‫ْاد ُخلُوا َم َس ا ِك َن ُك ْم َال َي حْ طِ َم َّن ُك ْم ُ‬

‫‪6‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫للشخص إال بحياة قومهأل وال نجاة له إال بنجاتهمأل وأن ال خيور لهوم فيوه إال إذا شوعر بأنوه جوزء‬
‫مونهمأل ومظهور هوذا الشوعور أن يحورص علووى خيورهم كموا يحورص علوى نفسوهأل وأن ال يكووون‬
‫اهتمامه بهم دون اهتمامه بها‪ ...‬هذه عظة بالغة لمون ال يهوتم بوأمور قوموهأل وال يو دي الواجوب‬
‫نحوهمأل ولمن يرى الخطور داهموا ً لقوموهأل فيسوكت ويتعوامىأل ولمون يقوود الخطور إلويهم ويصوبه‬
‫بيده عليهم)اهـ‪.‬‬

‫‪7‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫نظرا لالنفتاح اإلعالمي وتقارب ديار العالم إعالميواأل أصوابنا مون فتنوة الشوام آثواراأل زعزعوت‬
‫بعض صفوفنا وثقتنا ببعضنا وتركت الحليم حيران‪ ..‬فتتالت أحداثها ومسائلها‪..‬‬
‫ومن المسائل الناتجة عن أحداث الشام ﺇعالن اإلخوة في الدولة اإلسالمية في العراق والشام‬
‫"الخ الفة" ‪ ،‬وقو ل المتحد ث الرسومي (للدولوة اإلسو المية) "أبوي محمود العودناني"‪( :‬وننبوه‬
‫المسوولمين‪ :‬أنووه بوونعالن الخالفووة صووار واج ًبووا علووى جميووع المسوولمين مبايعووة ونصوورة الخليفووة‬
‫إبراهيم حفظه هللا)‪.‬‬
‫وقوال أيضووا‪( :‬وأمو ا أنووتم يوا جنووود الفصوائل والتنظيمووات؛ فواعلموا أنووه بعود هووذا التمكوين وقيووام‬
‫الخالفة‪ :‬بطلت شرعية جماعواتكم وتنظيمواتكمأل وال يحول ألحود مونكم يو من بواه‪ :‬أن يبيوت وال‬
‫يدين بالوالء للخليفة)‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫لقد َكا َنت َهذِه ا ْل َمسْ وأَ َلة َنا ِئ َموةأل فأيقظتهوا األحْ ودَ اث الطارئوة فِوي َهوذِه األيوام‪ .‬وتسوارعت األحوداث‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫والمواقف ووقفت العقول حائرة أين الحق وأين النجاة؟‪.‬‬
‫والحوق أن هووذه الفتنوة ليسووت أول فتنووة تصويب األمووة المسوولمة عمومواأل وال الجهوواد خصوصووا‪.‬‬
‫لذلك كان حريا بنا أن نراجع ن صوص الوحيين وهدي السلف في التعام ل موع المسوائ ل‬
‫العلمية‪ ،‬ومع الفتن‪ .‬ثم نراجع تاريخ جهادنا عسى أن نهتدي لل صوا بأل وهللا يهدي من يشاء‬
‫إلى طريق مستقيم‪.‬‬
‫كما ينبغي التنبيه على أنه عند ورود الفتن يجب االلتوزام بالودليل بفهوم العلمواء الثقواتأل ورد موا‬
‫سو ِل ِﺇنْ ُكن ُت ْم‬ ‫ش يْ ٍء َف ُر ُّدوهُ ِﺇ َل ى َّ ِ‬
‫هللا َوال َّر ُ‬ ‫اختلفنا فيه إليهمأل قال هللا تعالى‪َ ﴿ :‬ف ِإنْ َت َنا َز عْ تُ ْم فِي َ‬
‫اّلِل َوا ْل َي ْو ِم اْل ِخ ِر َذلِ َك َخ ْي ٌر َوأَ حْ َس نُ َت أْ ِوي ال﴾‬‫ون ِب َّ ِ‬ ‫ُت ْؤ ِم ُن َ‬
‫قوال ابون القويم‪( :‬ومنهوا أن النواس أجمعووا أن الورد إلوى هللا سوبحانه هوو الورد إلوى كتابوهأل والورد‬
‫إلى الرسول صلى هللا عليه وسلم هو الرد إليه نفسه في حياتهأل والرد إلى سنته بعد وفاته)‬
‫والرد إلى الكتاب والسنة كثيرا ما يكون بوالرجوع إلوى العلمواء العواملين بالكتواب والسونة‪ .‬لقولوه‬
‫ُون ﴾ قال شيخ اإلسالم ابن تيميوة‪( :‬الواجوب‪ :‬أن‬ ‫تعالى‪َ ﴿ :‬ف اسْ أَلُوا أَ ْه َل ِّ‬
‫الذ ْك ِر ﺇِنْ ُك ْن ُت ْم ال َت عْ َلم َ‬
‫يعتبور فوي أموور الجهواد بورأي أهول الودين الصوحيح الوذين لهوم خبورة بموا عليوه أهول الودنيا دون‬
‫أهل الودنيا الوذين يغلوب علويهم النظور فوي ظواهر الودين فوال يأخوذ بورأيهمأل وال بورأي أهول الودين‬
‫الذين ال خبرة في الدنيا)‪..‬‬
‫اس َو َل ِك ونْ‬‫هللا ال َي ْق ِب ضُ ا ْل ِع ْل َم ا ْن ِت َزا ًع ا َي ْن َت ِز ُع ُه ِم َن ا ْل َّن ِ‬ ‫قال النبي صلى هللا عليه وسلم‪ِ « :‬ﺇنَّ َّ َ‬
‫س ِئلُوا َف أَ ْف َت ْوا‬
‫س ا ُجهَّاال َف ُ‬ ‫ض ا ْل ُع َل َما ِء َح َّت ى ِﺇ َذا َل ْم ُي ْب ِق َع الِمًا ا َّت َخ َذ ال َّن اسُ ُرءُو ً‬‫َي ْق ِب ضُ ا ْل ِعلْ َم ِب َق ْب ِ‬
‫ضلُّوا »‪[ .‬متفق عليه عن عبد هللا بن عمرو بن العاص رضي هللا عنه]‪.‬‬ ‫ضلُّوا َوأَ َ‬ ‫ِب َغ ْي ِر عِ ْل ٍم َف َ‬
‫قوال ابون حجور رحموه هللا‪( :‬فوي الحوديث الحووث علوى حفوظ العلوم والتحوذير مون تورئيس الجهلووة‬
‫وفيه أن الفتوى هي الرياسة الحقيقية وذم من يقدم عليها بغيور علوم)‪[ .‬فوتح الباريككتواب العلوم]‬
‫؛‬
‫وقال في [كتواب االعتصوام] ‪( :‬وفوي حوديث أبوي أماموة مون الفائودة الزائودةأل أن بقواء الكتوب بعود‬
‫رفع العلم بموت العلم اء ال يغني من ليس بعالم شيئاأل فنن في بقيتوه‪ « :‬فسأله أعرابي فقا ل يا‬
‫نبي هللا‪ :‬كيف يرفع العلم منا وبين أظهرنا المصاحف وقد تعلمنا ما فيها وعلمناها أبناءنا‬
‫ونساءنا وخدمنا‪ ،‬فرفع ﺇليه رأسه وهو مغ ضب فقال وهذه اليهود والن صارى بين أظهرهم‬
‫الم صاحف لم يتعلقوا منها بحرف فيما جاءهم به أنبياؤهم »‬
‫ولهوذه الزيوادة شوواهد مون حوديث عووف بون مالوك وابون عمورو وصوفوان بون عسوال وغيوورهم‬
‫وهوي عنوود الترمووذي والطبرانووي والوودارمي والبووزار بألفوواظ مختلفووة‪ .‬وفووي الحووديث الزجوور عوون‬

‫‪8‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫ترئيس الجاهل لما يترتب عليه من المفسدةأل وقد يتمسك بوه مون ال يجيوز توليوة الجاهول بوالحكم‬
‫ولو كان عاقالأل لكن إذا دار األمور بون العوالم الفاسوق والجاهول العفيوف فالجاهول العفيوف أولوى‬
‫ألن ورعووه يمنعووه عوون الحكووم بغيوور علووم فيحملووه علووى البحووث والس و الأل وفووي الحووديث أيضووا‬
‫حوض أهول العلوم وطلبتوه علووى أخوذ بعضوهم عون بعوضأل وفيووه شوهادة بعضوهم لوبعض بووالحفظ‬
‫والفضلأل وفيه حض العالم طالبوه علوى األخوذ عون غيوره ليسوتفيد موا لويس عنودهأل وفيوه التثبوت‬
‫فيما يحدث به المحدث إذا قامت قرينة الذهول ومراعاة الفاضل)‬
‫قال النووي رحمه هللا في [شرح مسلم] ‪( :‬وفي هذا الحديث الحوث علوى حفوظ العلوم وأخوذه عون‬
‫أهله)‪.‬‬
‫فالرسوول أخبرنوا بهووذا لنتحاشوى ونتودارك هووذا األمورأل بطلووب العلوم ولوم يخبرنووا لنستسولم لواقووع‬
‫الحالأل فاإلخبار بالواقع ال يعني إقراره ‪..‬‬
‫كما يجب التثبت من كل ما يقوال واإلعوراض عون قيول وقوالأل وكوذلك االلتفواف حوول الرجوال‬
‫الثقات الذين ثبت بالتجربوة وفوا هم للجهواد ونصوحهم للمجاهودين وثبواتهم علوى الطريوقأل فوذاك‬
‫من إجاللهم ومعرفة قدرهم ‪..‬‬

‫وحال المجاهدين فوي هوذه النازلوة حوال مستنصِ وح ضِ وم ًنا وإن لوم يلِلصو ِّرحْ ‪ .‬ولووال النصويحة لموا‬
‫بقي للدين باقية ولما قامت له قائمة‪.‬‬
‫وفووي هووذا الظوورف العصوويب مووع قصوور بوواعيأل سووأبذل الوسووع فووي تحريوور وتحبيوور النصووح‬
‫إلخوواني المجاهوودين لعلووي أسواهم فووي توووجيههم بجموع وترتيووب مسووائل متعل قوة بفقووه الخالفووة‪..‬‬
‫مقتصوورا علووى المسووائل ذات الصوولة بنازلتنووا ومووا يتفوورع عنهووا ـ تمهيوودا أو تفريعووا ـ ييسوور‬
‫تصورها وفهمها‪..‬‬
‫فوونن تجليووة أحكووام السياسووة الشوورعية فووي أذهووان المسوولمين عامووة ـ وأبنوواء الحركووة اإلسووالمية‬
‫والجهادية خاصة ـ مون أهوم المهموات وأولوى الضورورياتأل حتوى ال يجورفهم تيوار العلموانيينأل‬
‫وال تستهويهم خرافوات الحوالمين‪ ( ..‬فوال تكواد توجود حقيقوة مون حقوائق هوذا الودين إال تعرضوت‬
‫للدس والتشويه مون قبول أعوداء الودين الظواهرينأل ومون قبول مون دخلووا فيوه بتصوورات غريبوة‬
‫عنه وأرادوا إدخالها فيه وجعلها من حقائقه‪.‬‬
‫ولموا كوان موضووع "اإلمامووة العظموى" مون أهووم األموور وأخطرهوا ألنووه الحوارس لهوذا الوودينأل‬
‫واليوود الطووولى لنشووره والووذود عوون حموواه موون عبووث العووابثين وطمووع الطووامعينأل فقوود كووان لهووذا‬
‫الموضوع وافر الحوظ والنصويب مون هوذا التشوكيك والتودنيس منوذ أول عصور هوذه األموة وإلوى‬
‫يومنا هذا ‪.‬‬
‫أما في العصور المتقدمة فال يخفى ما لعبد هللا بن سبأ اليهودي وأعوانوه مون إدخوال تصوورات‬
‫وثنية قديمة على هذا الموضوع‪ .‬ومن ثم تقبلها وتتلمذ عليها وآمن بها الرافضة من بعده‪.‬‬
‫أما ما تعرض له هذا الموضووع فوي أذهوان غيور الرافضوةأل ممون يودعون أنهوم مون أهول السونة‬
‫في العصر الحديث فال يقل خطرا ً عن سابقه) [اإلمامة العظمى عند أهل السنة]‪.‬‬
‫وقد حاولت االسوتفادة مموا لِلكتوب فوي الموضووع موع عوزو النقوول لمصوادرها قودر اإلمكوان ‪..‬‬
‫‪‬‬

‫‪ ‬ـ وإني أعتذر إلخواني عن التأخر في إخراج هذ ه المسائل أل فقد حالت دون ذلك ظروف قاهرة‪ ..‬وهللا المستعان‬
‫‪ ‬ـ حيوث قلوت انظور كتواب كووذا فالمقصوود صولب وجول المسوألة وإال قود أدرج موون غيرهوا موا يقتضويه السوياق والحوال‪ .‬وقوود‬
‫أضطر لتكرار بعض الفقرات للحاجةأل ودفع مشقة اإلحالة عن القارئ‪.‬‬

‫‪9‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫وسيدرك القارئ عند النظر في النقول ومصادرها أن هوذه المسوائل تكلوم فيهوا وأصولها العلمواء‬
‫قديما وحديثا‪‬أل ولم نقلها من عند أنفسنا بضوغط الواقوعأل ولكون المشوكلة أننوا ال نقورأ وأحيانوا ال‬
‫نفهم وأحيانوا نتبنوى مواقوف قبول عرضوها علوى الودليل بفهوم السولف أل ثوم يصوعب علينوا التحوول‬
‫عنها‪..‬‬
‫وعلوى هللا توو ُّكلي ومِنو لِله السودا لِلد وال حوو َل وال قوو َة إال بواه‪ .‬وإنوي أنصوح بقوراءة كتواب اإلماموة‬
‫العظمووى عنوود أهوول السوونة والجماعووة لعبوود هللا الوودميجي أو الوووجيز فووي فقووه الخالفووة لصووالح‬
‫الصوواويأل ووبوول الغمامووة فووي أحكووام اإلمامووة ألبووي المنووذر السوواعدي فننهووا مفيوودة فووي بوواب‬
‫الخالفة‪..‬‬
‫قوال الصواوي فوي [مقدموة الووجيز]‪ ( :‬وإن نصويحتي للمشوتغلين بالعمول اإلسوالمي أن يتودبروا‬
‫أحكام هذا العقد وأن يمعنوا فيهوا النظور ليتمكنووا مون خاللهوا مون تقودير حاضور األموة فوي هوذه‬
‫األيووام تقووديرا ً صووحيحا ً علووى أسوواس موون النظوور الشوورعي السووديدأل وليتمكنوووا كووذلك موون فهووم‬
‫األحاديث الواردة في الجماعة والبيعوة علوى وجههواأل فقود تبوين لوي مون خوالل هوذه الدراسوة أن‬
‫السبيل لوضع هذه األحاديوث فوي مواضوعها الصوحيحةأل هوو الفقوه بأحكوام هوذا العقودأل فونن جول‬
‫األحاديث التي وردت في هذا الباب متعلقة به)‬
‫والحق أن اإلعالن عﻦ الخالفة يﻨﺒغي أن يعﺮض على أصﻮل الﺸﺮع والﺴﻴاسة الﺸﺮعﻴة‪.‬‬
‫وأن يﻨﻈﺮ في اإلعالن إلى ما يﺘﺮتﺐ على ذلﻚ مﻦ الﻤﺼالح والﻤفاسﺪأل ومﺼالح الﻤﺴلﻤﻴﻦ‬
‫يﺮجع فﻴها إلى جﻤلة أهﻞ الﺤﻞ والعقﺪ ال إلى نفﺮ مﻨهﻢ‪..‬‬
‫وهللا نسأل أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعوهأل ويرينوا الباطول بواطال ويرزقنوا اجتنابوه‪ ..‬آموين‬
‫‪.‬‬

‫‪ ‬ـ قبل وجود الدولة وصراع الشام أل فال شبهة للقول باالنحياز‬

‫‪11‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫المسألة األولى ‪ :‬تعريف اإلمامة لغة وشرعا‪:‬‬


‫اإلمامة في اللغة مصدر من الفعل [أم] تقوول‪ :‬أمهوم وأم بهوم ‪ :‬تقودمهمأل وهوي اإلماموةأل واإلموام‪:‬‬
‫كل ما ائتم به من رئيس أو غيره‪..‬‬
‫يقول ابن منظور ‪( :‬اإلمام كل من ائتم بوه قووم كوانوا علوى الصوراط المسوتقيم أو كوانوا ضوالين‪.‬‬
‫والجمع‪ :‬أئمةأل وإمام كل شيء قيمه والمصلح له)‬
‫أما شرعا فقد عرفها العلماء بعدة تعريفات مختلفة األلفاظ متقاربة المعانيأل منها‪:‬‬
‫قال الماوردي‪( :‬اإلمامة موضوعة لخالفة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا به) أ هـ ‪.‬‬
‫وقوال إمووام الحوورمين الجووويني ‪( :‬اإلمامووة رياسووة تامووةأل وزعامووة تتعلووق بالخاصووة والعامووة فووي‬
‫مهمات الدين والدنيا)‪ .‬اهـ ‪ [.‬غياث األمم في التياث الظلم]‬
‫‪‬‬
‫وقال النسفي ‪( :‬نيابة عن الرسول عليه السالم فوي إقاموة الودين بحيوث يجوب علوى كافوة األموم‬
‫اإلتباع ) [العقائد النسفية]‪ ..‬وقال صاحب المواقف ‪( :‬هي خالفة الرسول صولى هللا عليوه وسولم‬
‫في إقامة الدين بحيث يجب إتباعه على كافة األمة) [المواقف لإليجي]‬
‫وقوال ابون خلودون‪( :‬هوي حمول الكافوة علووى مقتضوى النظور الشورعي فوي مصوالحهم األخرويووة‬
‫والدنيويووة الراجعووة إليهوواأل إذ أحوووال الوودنيا ترجووع كلهووا عنوود الشووارع إلووى اعتبارهووا بمصووالح‬
‫اْلخرةأل فهي في الحقيقة خالفة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسوة الودنيا بوه)‪ .‬أ هوـ‬
‫[المقدمة]‬
‫ويقول األستاذ محمد نجيوب المطيعوي‪( :‬الموراد بهوا ـ أي اإلماموة ـ الرئاسوة العاموة فوي شو ون‬
‫الدنيا والدين)‪[ .‬المجموع شرح المهذب للنووي ‪ .‬التكملة]‬
‫وعرفها البيضاوي بأنها‪( :‬خالفة شخص من األشخاص للرسول فوي إقاموة القووانين الشورعيةأل‬
‫وحفظ حوزة الملةأل على وجه يجب إتباعه على كافة األمة)‪.‬‬
‫إلى غير ذلك من التعريف ات التي تودور حوول هوذه المعواني ‪[.‬راجوع اإلماموة العظموى عنود أهول‬
‫السنة]‬
‫أما الخ الفة كلفظ ذي صلة با إلمامة الكبرى‪.‬‬
‫ف َي ْخللِلفلِل ِخالَ َف ًة‪ :‬أَيْ ‪َ :‬بق َِي َبعْ دَ هلِل أَ ْو َقا َم َم َقا َمهلِلأل َو لِلكل َمونْ َي ْخللِلوفلِل‬‫فا ْل ِخ الَ َف ُة فِي اللُّ َغ ِة‪َ :‬مصْ دَ لِلر َخ َل َ‬
‫هللا َع َل ْيو ِه َو َسول َم فِوي ِإجْ و َورا ِء‬‫صولى لِل‬ ‫آخ َور ي َلِلسومى َخلِي َفو ًةأل ل َِوذل َِك لِلسوم َِّي َموونْ َي ْخللِلوفلِل الر لِلسوول َ‬ ‫صوا َ‬ ‫َش ْخ ً‬
‫ين َوالو ُّد ْن َيا َخلِي َفو ًة أل َوي َلِلسومى ا ْل َم ْنصِ وبلِل ِخالَ َفو ًة‬ ‫لِلوور الو ِّد ِ‬
‫لِل‬
‫ِين فِي أم ِ‬ ‫األْ ََحْ َك ِام الشرْ عِ ي ِة َو ِر َئ َ‬
‫اس ِة ا ْلملِلسْ لِم َ‬
‫َو ِإ َما َم ًة ‪.‬‬
‫ش رْ عِ يِّ‪َ :‬ف ِه َي لِلت َرا ِدفلِل اإلْ َِ َما َم َةأل َو َق ْد سبق تعريفها‪.‬‬ ‫أَمَّا فِي ا الِ صْ طِ الَ ِح ال َّ‬
‫ويق ص وود باإلم ووام‪ :‬خليفوة المسوولمين وحوواكمهمأل وتوصووف اإلماموة أحيا ًنووا باإلمامووة العظمووى أو‬
‫الكبوورى تميي و ًزا لهووا عوون اإلمامووة فووي الصووالةأل واإلمامووة إذا أطلقووت فننهووا توجووه إلووى اإلمامووة‬
‫الكبرى أو العامة ‪..‬‬
‫أمووا إذا أريوود التقييوود فالبوود موون اإلضووافة المبينووة للموورادأل كووأن يقووال‪ :‬إمووام المحوودثين أو إمووام‬
‫الفقهاء‪..‬‬

‫‪ ‬ـ كذا في النسخة الرقمية ولعل الصواب ‪ :‬األمة‬


‫‪ ‬ـ فهنوواك وجووه شوورعي يوجووب علووى األمووة االتبوواعأل سووواء تعلووق بأهوول االختيووار أو طريقووة االختيووار أو صووفة اإلمووام أو‬
‫سياسته بعد التولية أو غير ذلك‬

‫‪11‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫وهنواك تورادف بوين ألفوواظ‪ :‬اإلموام والخليفوة وأميوور المو منين‪ .‬وهوذا التوورادف مون قبيول داللتهووا‬
‫وإطالقها على ذات واحدةأل أما من حيوث معانيهوا فلكول واحودة منهوا معناهوا الخواص بهوا‪ .‬مثول‬
‫القورآن والفرقووان والهودى والنووور فهووي مترادفوة موون حيوث داللتهووا علووى القورآنأل ومتباينووة موون‬
‫حيث معانيها ‪.‬‬
‫والذي يبدو من استعراض األحاديث الواردة فوي بواب الخالفوة واإلماموة أن الرسوول صولى هللا‬
‫عليه وسلم والصحابة والتابعين الذين رووها لم يفرقوا بوين لفوظ خليفوة وإموامأل ومون بعود توليوة‬
‫عمر بن الخطاب رضي هللا عنه أضوافوا إليهوا لفوظ‪ :‬أميور المو منينأل وإلوى ذلو ك ذهوب العلمواء‬
‫فجعلوها من الكلمات المترادفة الم دية إلى معنى واحد‪.‬‬
‫قال القلقشندي الشافعي فوي مورثر اإلنافوة‪( :‬الفصول األول فوي معنوى الخالفوة ومون يطلوق عليوه‬
‫اسم الخليفة‪ :‬أما الخالفة فهي في األصل مصدر خلفأل يقوال‪ :‬خلفوه فوي قوموهأل يخلفوه خالفوةأل‬
‫فهو خليفة‪ ...‬ثم أطلق في الع رف العام على الزعامة العظموىأل وهوي الواليوة العاموة علوى كافوة‬
‫األمةأل والقيوام بأمورهوا والنهووض بأعبائهوا‪ .‬والوذي عليوه العورف المشواع مون صودر اإلسوالمأل‬
‫وهلم جراأل إطالق اسم الخليفة على كل من قوام بوأمر المسولمين القيوام العوام علوى موا تقودمأل إموا‬
‫ببيعه من أهل الحل والعقدأل وإما بعهد ممن قبلهأل إال أن بعض السلف قود خصوص ذلوك بموا إذا‬
‫كان اإلمام جاريا على منهاج العدل وطريق الحق)‪...‬‬
‫ويقول النووي‪( :‬يجوز أن يقال لإلمام‪ :‬الخليفةأل واإلمامأل وأمير الم منين) [روضة الطالبين]‬
‫ويقوول ابون خلودون‪( :‬وإذ قود بينوا حقيقوة هووذا المنصوب وأنوه نيابوة عون صواحب الشوريعة فووي‬
‫حفظ الدين وسياسة الدنيا به تسمى خالفة وإمامة والقائم به خليفة وإمام) أ هـ [مقدمة]‬
‫ويعرف ابن منظور الخالفة بأنها اإلمارة ‪[.‬لسان العرب]‬
‫قووال البغوووي فووي [شوورح السوونة]‪( :‬ال بووأس أن يسوومي القووائم بووأمر المسوولمين بووأمير الموو منين‬
‫والخليفة وإن كان مخالفا ً لسيرة أئ مة العدل لقيامه بأمر المو منينأل وسومع المو منين لوهأل إلوى أن‬
‫قال‪ :‬ويسمي خليفة ألنه خلف الماضي قبله وقام مقامه)‬
‫ً‬
‫قال ابن تيمية‪( :‬ويجوز تسومية مون بعود الخلفواء الراشودين خلفواء وإن كوانوا ملوكوا ولوم يكونووا‬
‫خلفاء األنبياء أل بدليل ما رواه البخاري ومسلم‪ « :‬وستكون خلفاء فتكثر»)‪[ .‬مجموع الفتاوى ‪:‬‬
‫‪53‬ك‪]02‬‬
‫وروى البخواري والنسوائي وغيرهمووا عون أبووي سوعيد مرفوعواً‪ « :‬م ووا بعو ث هللا م وون نب ووي وال‬
‫استخلف من خليفة ﺇال كان ت له بطانتان‪ :‬بطانة تأمره بالمعروف وتح ضه عليه‪ ،‬وبطانة‬
‫تأمره بالشر وتحضه عليه‪ ،‬فالمعصوم من ع صم هللا تعالى»‪ [ .‬البخاري‪ :‬كتاب األحكام كباب‬
‫بطانة اإلمام وأهل مشورتهأل والنسائي‪ :‬كتاب البيعة ك باب بطانة اإلمام]‬
‫قال الطبري في [تفسيره]‪( :‬قيل للسلطان األعظم خليفة ألنه خلوف الوذي كوان قبلوه فقوام بواألمر‬
‫مقامه فكان منه خلفا)‬
‫ب لِلج ْمهلِلوو لِلر ا ْلفلِل َق َهوا ِء ِإ َلوى َعودَ ِم َج َوو ِاز َتسْ و ِم َي ِت ِه‬ ‫اخ َت َلف ا ْلفلِل َق َهوا لِلء فِوي َج َوو ِاز َتسْ و ِم َي ِت ِه َخلِي َفو َة هللاأل َف َوذ َه َ‬ ‫َو ْ‬
‫وت َخلِي َفو َة هللاأل‬ ‫وي ِبوهِأل َو َقوال‪َ :‬لسْ لِل‬ ‫ِوك َلموا لِلدعِ َ‬ ‫ِب َخلِي َف ِة هللاأل ألِ ََن أَ َبا َب ْك َّر َرضِ َي هللالِل َع ْن لِله َن َهى َعونْ َذل َ‬
‫بأل‬ ‫وق ا ْل َغائِو ِ‬ ‫ف ِإن َموا ه َلِلوو فِوي َح ِّ‬ ‫السْ وت ِْخالَ َ‬ ‫أل ََن ا ِ‬ ‫هللا َع َل ْيو ِه َو َسول َم‪َ .‬و ِ‬
‫صولى لِل‬ ‫هللا َ‬‫َو َل ِك ِّني َخلِي َف لِلة َر لِلسوول ِ‬
‫هللا لِلم َنزهٌ َعنْ َذلِك‪.‬‬ ‫َو َ لِل‬
‫وين فِووي َق ْولووه َت َعووا َلى‪ِ ﴿ :‬ﺇ ِّن ووي َج اعِ و ٌل فِووي‬ ‫ض وهلِل لِلم ا ْق ِت َبا ًسووا ِمو َون ا ْل ِخالَ َف و ِة ا ْل َعام و ِة لَِْدَ ِم ِّيو َ‬ ‫َوأَ َجو َ‬
‫وازهلِل َبعْ لِل‬
‫ض َخلِي َف ًة﴾‪.‬‬ ‫األْ ََ رْ ِ‬

‫‪12‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫المسألة الثانية ‪ :‬حكم الخالفة ‪:‬‬


‫الفرع األول ‪ :‬اإلمامة هل هي من مواضيع العقيدة أم الفقه ؟ ‪.‬‬
‫قال صاحب الوجيز‪( :‬اإلمامة عند أهل السنة معدودة من فروض الكفايواتأل وهوي التوي يقصود‬
‫الشووارع تحصوويلها فووي الجملووةأل موون غيوور أن يقصوود حصووولها موون آحوواد المكلفووينأل ولهووذا فوونن‬
‫األصل أن تودرس فوي كتوب الفو روع لتعلقهوا باألحكوام العمليوة دون االعتقواد؛ يقوول سوعد الودين‬
‫التفتوازاني‪( :‬ال نوزاع أن مباحوث اإلمامووة بعلوم الفوروع أليوقأل لرجوعهووا إلوى أن القيوام باإلمامووة‬
‫الدين‪ ‬ونصب اإلمام الموصووف بالصوفات المخصوصوة مون فوروض الكفايواتأل وهوي أموور‬
‫كليووة تتعلووق بهووا مصووالح دينيووة أو دنيويوووةأل ال ينووتظم األموور إال بحصووولهاأل فيقصوود الشوووارع‬
‫تحصويلها فوي الجملوة مون غيور أن يقصود حصوولها فوي كول واحودأل وال خفواء فوي أن ذلوك موون‬
‫األحكام العملية دون االعتقادية ‪.‬‬
‫ولكنووه نظ ورًا لمووا شوواع فووي بوواب اإلمامووة موون االعتقووادات الفاسوودة التووي تووولى كبرهووا الشوويعة‬
‫والخوارجأل ألحقها بعض العلماء ب أبواب العقائود للورد علوى موا ألحقوه بهوا هو الء الموارقون مون‬
‫البدع والضالالتأل فهي باعتبارهوا مون األحكوام التكليفيوة أليوق بعلوم الفقوهأل وباعتبوار موا ألصوق‬
‫بها من الغلو والشطط من جانب فريق من المبتدعة أليق بالمباحث العقدية‪.‬‬
‫وقال صاحب [اإلمامة العظمى]‪( :‬والحق أن لهوا جوانوب عقديوةأل ولهوا جوانوب فقهيوةأل كموا أن‬
‫لها جوانب تاريخيةأل ولذلك فعلماء السلف رحمهم هللا عند ذكورهم لعقائودهم يوذكرون ذلوكأل فوال‬
‫نكاد نجد أح ًدا ذكر عقيدته إال ويونص علوى التربيوع بالخلفواء األربعوة وأن تورتيبهم فوي الخالفوة‬
‫على ترتيبهم في الفضلأل كما ينصوون علوى أن اإلماموة فوي قوريش ال يعواديهم أحود إال كبوه هللا‬
‫فوي النوارأل وينصوون علوى الصوالة خلوف كوول إموام بور أو فواجر والجهواد والحوج معوهأل وعلووى‬
‫تحوريم الخووروج علووى األئموةأل وعلووى السوومع والطاعووة لهوم فووي غيوور معصويةأل وهووذه كلهووا موون‬
‫مباحث اإلمامةأل ولذلك نجد المتكلمين ينصون على بواب اإلماموة فوي أواخور كتوبهم فوي العقيودة‬
‫‪.‬‬

‫كما أنهم يوردون ذلك في مسائل العقيودة للورد علوى االنحرافوات والبودع التوي نشوأت حوول هوذا‬
‫الموضوع أل كبدعة الروافض واعتقاداتهم الفاسدة في اإلمامة وأنها مون أركوان الودينأل واعتقواد‬
‫العصومة والرجعووة وعلووم الغيوب ونحووو ذلووك فوي أئمووتهمأل فيووذكرها علمواء السوولف للوورد علوويهمأل‬
‫ولتبيوين مخوالفتهم فووي ذلوكأل ومووع بدعوة الووروافض بدعوة الخوووارج فوي وجوووب الخوروج علووى‬
‫األئمة الفسقة ونحو ذلك‪.‬‬
‫وكووذلك ممووا يجعلهووا موون المسووائل المتعلقووة بالعقيوودة فووي العصوور الحاضوور هووو إنكووار بعووض‬
‫المنتسبين للدين أنها من الدينأل وهذه من أخطر المسائل الفكرية المعاصرة‪.‬‬
‫أما الجوا نب الفقهية في موضوع اإلمامة فكثيرة‪ :‬من ذلوك شوروط األئموةأل وكيفيوة اختيوار إموام‬
‫المسلمينأل وأهل الحل والعقدأل وشروطهمأل وعوددهمأل والشوورى وأحكامهواأل والبيعوة وأحكامهواأل‬
‫ونحو ذلك‪.‬‬
‫أمووا الجوانووب التاريخيووة فووي الموضوووع‪ :‬فهووو دراسووة الموضوووع موون ناحيووة سوويرة الخلفوواء‬
‫الراشدينأل ثوم َمونْ َبعْ ودَ هم رضووان هللا علويهمأل واألحوداث التوي حصولت فوي عهوودهمأل والنتوائج‬

‫‪ ‬ـ كذا في النسخة ولعل الصواب " من فروع الدين" وهللا أعلم‬

‫‪13‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫والعبر واألحكام المستخلصة من ذلك‪.‬‬


‫ولذلك فموضوع اإلمامة هذا من أدلة الترابط والتالزم بوين األحكوام العقديوة والفقهيوةأل وإن كوال ً‬
‫منها مالزم لَخر وقائم عليه‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم في الرد علوى الرافضوي فوي [منهواج السونة]‪( :‬وقود خوالف الشويع لِلة أهو َل السونة‬
‫في هذا التقديرأل فعدوا اإلمامة من أصول اإليموانأل بول جعلوهوا أهوم المطالوب فوي أحكوام الودين‬
‫وأشورف مسوائل المسولمينأل وأن العبود ال يكوون م م ًنوا حتوى يعورف األئموة كلهوم وإموام زمانوهأل‬
‫مع التصديق بوه والتسوليم ألمورهأل وأن مون لوم يعورف إموام زمانوه فقود موات ميتوة جاهليوةأل وأن‬
‫مون سوب اإلمووام العوادل فننوه يقتوول كفورًاأل إلووى غيور ذلوك موون الشوطط الوذي فووارقوا بوه جماعووة‬
‫المسلمين واتبعوا به سبيال غير سبيل الم منين‪.‬‬
‫إن قول القائل إن مسألة اإلمامة أهم المطالب في أحكام الودين وأشورف مسوائل المسولمين كوذب‬
‫بنجموواع المسوول مين سوونيهم وشوويعيهم بوول هووذا كفوورأل فوونن اإليمووان بوواه ورسوووله أهووم موون مسووألة‬
‫اإلماموة وهوذا معلووم باالضوطرار مون ديون اإلسوالم فالكوافر ال يصوير م منوا حتوى يشوهد أن ال‬
‫إلووه إال هللا وأن محموودا رسووول هللا وهووذا هووو الووذي قاتوول عليووه الرسووول صوولى هللا عليووه وسوولم‬
‫الكفار أوال كما استفاض عنه فوي الصوحاح وغيرهوا ‪ .‬وكوذلك كوان النبوي صولى هللا عليوه وسولم‬
‫يسير في الكفار فيحقن دماءهم بالتوبة من الكفر ال يذكر لهم اإلمامة بحال‪..‬‬
‫ومون المتوواتر أن الكفووار علوى عهوود رسوول هللا صولى هللا عليووه وسولم كووانوا إذا أسولموا أجوورى‬
‫عليهم أحكام اإلسالم ولم يذكر لهم اإلماموة بحوال وال نقول هوذا عون رسوول هللا صولى هللا عليوه‬
‫وسلم أحود مون أهول العلوم ال نقوال خاصوا وال عاموا بول نحون نعلوم باالضوطرار عون رسوول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم أنه لم يكن يوذكر للنواس إذا أرادوا الودخول فوي دينوه اإلماموة ال مطلقوا وال‬
‫معينا فكيف تكون أهم المطالب في أحكام الدين‪.‬‬
‫اإليما ن باه ورسووله فوي كول زموان ومكوان أعظوم مون مسوألة اإلماموة فلوم تكون فوي وقوت مون‬
‫األوقوووات ال األهوووم وال األشووورفأل وأيضوووا فمووون المعلووووم أن أشووورف مسوووائل المسووولمين وأهوووم‬
‫المطالب في الدين ينبغي أن يكون ذكرهوا فوي كتواب هللا أعظوم مون غيرهوا وبيوان الرسوول لهوا‬
‫أولى من بيان غيرهاأل والقرآن مملوء بذكر توحيد هللا وذكور أسومائه وصوفاته وآياتوه ومالئكتوه‬
‫وكتبوه ورسووله واليووم اْلخوور والقصووص واألمور والنهووي والحوودود والفورائض بخووالف اإلمامووة‬
‫فكيف يكون القرآن مملوءا بغير األهم األشرف‪..‬‬
‫قوله ‪ :‬وهي أحد أركان اإليمان المستحق بسببه الخلود في الجنان؛ فيقال لوه‪ :‬مون جعول هوذا مون‬
‫اإليمووان إال أهوول الجهوول والبهتووان‪ ..‬وهللا تعووالى وصووف الم و منين وأحوووالهم والنبووي صوولى هللا‬
‫عليه وسلم قد فسر اإليمان وذكر شعبه ولم يوذكر هللا وال رسووله اإلماموة فوي أركوان اإليموان‪..‬‬
‫وإذا كووان كووذلك فمعلوووم أن مسووائل القوودر والتعووديل والتجوووير والتحسووين والتقبوويح والتوحيوود‬
‫والصووفات واإلثبووات والتنزيووه أهووم وأشوورف موون مسووائل اإلمامووة ومسووائل األسووماء واألحكووام‬
‫والوعد والوعيد والعفو والشوفاعة والتخليود أهوم مون مسوائل اإلماموة ولهوذا كول مون صونف فوي‬
‫أصول الودين يوذكر مسوائل اإلماموة فوي اْلخور حتوى اإلماميوة يوذكرون مسوائل التوحيود والعودل‬
‫والنبوة قبل مسائل اإلمامة)‪.‬‬

‫‪14‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫الفرع الثاني‪ :‬حكمها الفقهي ‪.‬‬


‫اإلمامووة والخالفووة مﻦ الواجبووات الﺘي أقﺮها الشوورع اإلسالميأل بهووا يﺤفﻆ الﺪيﻦ الﺬي بووه تﺴاس‬
‫الﺪنﻴاأل والﺴعي في إقامة الخالفة مﻦ واجﺒات الﺪيﻦ‪.‬‬
‫واإلمامة ثابتة الوجوب بالكتابأل والسونةأل واإلجمواعأل والقواعود الشورعية‪ .‬وهوو وجووب كفوائي‬
‫‪.‬‬
‫يقول ابون تيميوة‪( :‬يجوب أن يعورف أن واليوة أمور النواس مون أعظوم واجبوات الودين بول ال قيوام‬
‫للدين إال بهاأل فونن بنوي آدم ال توتم مصولحتهم إال باالجتمواع لحاجوة بعضوهم إلوى بعوضأل وال بود‬
‫له عند االجتماع من رأسأل حتى قال النبي صلى هللا عليه وسلم‪ « :‬ﺇذا خرج ث الثة فوي سوفر‬
‫فليؤمروا أح دهم » رواه أبو داود من حديث أبي سعيد وحديث أبي هريرة‪ .‬فأوجوب صولى هللا‬
‫عليه وسلم تأمير الواحد في االجتماع القليل العارض فوي السوفر تنبيهوا بوذلك علوى سوائر أنوواع‬
‫االجتمواعأل وألن هللا تعوالى أوجوب األمور بوالمعروف والنهوي عون المنكور وال يوتم ذلوك إال بقوووة‬
‫وإمارة)‪[ .‬السياسة الشرعية]‬
‫ويقول ابن حزم في [الفصل]‪( :‬اتفق جميع أهل السنةأل وجميوع الشويعةأل وجميوع الخووارج علوى‬
‫وجوب اإلمامةأل وأن األموة واجوب عليهوا االنقيواد إلموام عوادل يقويم فيهوا أحكوام هللاأل ويسوسوهم‬
‫بأحكوام الشوريعة التوي أتووى بهوا رسوول هللا صوولى هللا عليوه وسولم حاشووا النجودات مون الخوووارج‬
‫فننهم قالوا ‪ :‬ال يلزم الناس فرض اإلمامة وإنما عليهم أن يتعاطوا الحق بينهم)‬
‫ويقول المواوردي فوي [األحكوام السولطانية] ‪( :‬وعقودها لمون يقووم بهوا واجوب باإلجمواع وإن شوذ‬
‫عنهم األصم)‪.‬‬
‫ويقول القرطبي في [التفسير] ‪( :‬وال خالف في وجوب ذلوك بوين األموـة وال بوين األئموةأل إال موا‬
‫روي عن األصـم حيث كان عن الشــريعة أصم)‬
‫ويقول النووي في [شرح مسلم]‪( :‬وأجمعوا على أنه يجب على المسلمين نصب خليفة]‬
‫ضووا أن الصووحابة رضوووان هللا‬ ‫ويقوول ابوون حجوور الهيثمووي فووي [الصوواعق المحرقووة]‪( :‬اعلووم أي ً‬
‫علوويهم أجمعوووا علووى أن نصووب اإلمووام بعوود انقووراض زموون النبوووة واجووبأل بوول جعلوووه أهوووم‬
‫الواجبات حيث اشتغلوا به عن دفن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم)‪.‬‬
‫ويقول ابن خلدون في [المقدمة]‪( :‬ثم إن نصوب اإلماموة واجوبأل قود عورف وجوبوه فوي الشورع‬
‫بنجماع الصحابة والتابعينأل ألن أصوحاب رسوول هللا صولى هللا عليوه وسولم عنود وفاتوه بوادروا‬
‫إلى بيعة أبي بكر رضوي هللا عنوهأل و تسوليم النظور إليوه فوي أموورهمأل وكوذا فوي كول عصور مون‬
‫بعد ذلكأل ولم تتورك النواس فوضوي فوي عصور مون األعصوار بعود ذلوكأل واسوتقر ذلوك إجما ًعوا‬
‫داال على وجوب نصب اإلمامة)‬
‫ويقووول الشهرسووتاني فووي [نهايووة األقوودام فووي علووم الكووالم]‪( :‬ولمووا قربووت وفوواة أبووي بكوور فقووال‪:‬‬
‫تشاوروا في هذا األمر‪ .‬ثم وص ف عمر بصفاته وعهود إليوه واسوتقر األمور عليوهأل وموا دار فوي‬
‫قلبوه وال فوي قلوب أحود أنوه يجووز خلوو األرض موون إموامأل ولموا قربوت وفواة عمور جعول األموور‬
‫شوورى بوين سوتةأل وكوان االتفوواق علوى عثموان رضوي هللا عنوهأل وبعوود ذلوك االتفواق علوى علووي‬
‫رضي هللا عنهأل فدل ذلك كله على أن الصحابة رضووان هللا علويهمأل وهوم الصودر األول كوانوا‬
‫على بكرة أبيهم متفقين على أنه ال بد من إمام‪ ...‬ـ ثوم يقوول ـ فلوذلك اإلجمواع علوى هوذا الوجوه‬
‫دليل قاطع على وجوب اإلمامة)‪.‬‬
‫ويقول الجويني في [الغياثى]‪( :‬فنصب اإلماموة عنود اإلمكوان واجوبأل وذهوب عبود الورحمن بون‬

‫‪15‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫كيسووان إلووى أنووه ال يجووبأل وهووو مسووبو ق بنجموواع موون أشوورقت عليووه الشوومس شووارقة وغاربووةأل‬
‫واتفاق مذاهب العلماء قاطبة)‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫فـــــائدة‪:‬‬
‫قوله‪( :‬عند اإلمكان) عند مقابلتوه موع قولوه‪( :‬فونذا شوغر الزموان عون كواف مسوتقل بقووى وم َنوة‬
‫فكيف يجري قضايا الواليات وقد بلغ تعوذرها منتهوى الغايوات) وقولوه‪( :‬فونذا خوال الزموان عون‬
‫السلطان وجب البدار علوى حسوب اإلمكوان إلوى درء البوائوق عون أهول اإليموان)أل وقولوه‪( :‬وقود‬
‫قال العلماء لو خال الزمان عن السلطان فحق على قطان كل بلوده وسوكان كول قريوة أن يقودموا‬
‫مووون ذوي األحوووالم والنهوووى وذوي العقوووول والحجوووى مووون يلتزموووون امتثوووال إشوووارته وأواموووره‬
‫وينتهون عن مناهيه ومزاجره فننهم لو لم يفعلوا ذلوك تورددوا عنود إلموام المهموات وتبلودوا عنود‬
‫إظالل الواقعات)‪.‬‬
‫وإذا نظرنوا فيموا رواه حذيفوة بون اليموان رضوي هللا عنوه قوال‪ :‬قوال رسوول هللا صولى هللا عليووه‬
‫وسلم‪ « :‬يكون دعاة على أبواب جهنم‪ ،‬من أجابهم ﺇليها قذفوه فيها»‪ ،‬فقل ت‪ :‬يا رسو ل هللا ‪،‬‬
‫صفهم لنا؟ قال‪ « :‬هم قوم من جلدتنا يتكلمون بألسنتنا» ‪ ،‬فقلت‪ :‬فما تأمرني ﺇن أدركني ذل ك؟‬
‫قال‪ :‬فالزم جماعة المسلمين وﺇمامهم‪ ،‬فإن لم يكن لهم جماعة وال ﺇمام فاعتز ل تل ك الفرق‬
‫كلها‪ ،‬ولو أن تعض بأ ص ل شجرة‪ ،‬حتى يدرك ك المو ت وأن ت كذل ك » متفق عليه ‪.‬‬
‫قال البيضاوي‪( :‬المعنى إذا لم يكن في األرض خليفة فعليك بالعزلوة والصوبر علوى تحمول شودة‬
‫الزمان)‪[ .‬فتح الباري]‬
‫فقلم يأمر النبي صلى هللا عليه وسلم حذيفة لما سأله‪ « :‬فإن لم يكن لهم جماعة وال ﺇموام »؛‬
‫بأن يجمع له جماعة أو تنظيما ويبايع لنفسه أو غيره! فلو كان مبايعة اإلموام تجوب مهموا كانوت‬
‫الظروف لبينه النبي صلى هللا عليه وسلمأل ألنه ال يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة‪.‬‬
‫ونظرنووا فووي قووول صوواحب المغنووي‪( :‬فوونن عوودم اإلمووام لووم ي و خر الجهوواد ألن مصوولحته تفوووت‬
‫بتوأخيره وإن حصولت غنيموة قسومها أهلهوا علووى موجوب الشورعأل قوال القاضوي‪ :‬ويو خر قسوومة‬
‫اإلماء حتى يظهر إمام احتياطا للفروج)‪.‬‬
‫إذا تأملنا ذلك علمنا أنه قد تمر أزمنوة علوى المسولمين وال إموام لهوم يجمعهوم لعوذر مون األعوذار‬
‫إلقرار النبي صلى هللا عليوه وسولم لسو ال حذيفوة رضوي هللا عنوه وجوابوهأل بول إذا عودم اإلموام‬
‫وتعين الجهاد وتعوذر نصوب اإلموام نجاهود وإن حصولت غنيموة قسومناها علوى موجوب الشورعأل‬
‫فنصب الخليفة منوط بالقدرة واإلمكوان كسوائر أحكوام الشوريعة أل نظورا إلوى القودرة علوى تحقيوق‬
‫م قاصد اإلمامة أل فالعبرة بالحقائق والمعاني ال باأللفاظ والمبواني‪ .‬قوال الجوويني فوي [الغيواثي]‪:‬‬
‫(وال يكاد تخلو األوقات عن متصف بهذه الصفات (أي صفات اإلموام) ولكون قود يسوهل تقريور‬
‫ما نبغيه بوأن نفورض ذا الكفايوة والدرايوة مضوطهدا مهضووما منكوبوا بعسور الزموان مصودوما‬
‫مخال عن ورود النيول محرومواأل وقود ذكرنوا أن اإلماموة ال تثبوت دون اعتضواد بعودة واسوتعداد‬
‫بشوكة ونجدةأل فكذلك الكفاية بمجردها مون غيور اقتودار واسوتمكان ال أثور لهوا فوي إقاموة أحكوام‬
‫اإلسالم)‪.‬‬
‫والموجبون لها منهم من يورى وجوبهوا عون طريوق الشورعأل وهوم أهول السونة والجماعوة وأكثور‬
‫المعتزلةأل ومنهم مون يوجبهوا عقوالًأل والموجبوون لهوا عقوال ً مونهم مون يوجبهوا علوى هللا تعوالى ـ‬
‫تعووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووالى هللا عمووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووا يقولووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووون‬

‫‪16‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫علوووً ا كبيوورًا ـ وهووم الشوويعة أل وموونهم موون يوجبهووا علووى النوواسأل وهووم المعتزلووة البغووداديونأل‬
‫والجاحظ من معتزلة البصرة ‪.‬‬
‫قوال الشووكاني فووي نيول األوطوار‪َ ( :‬وأَجْ َم لِلعوووا َع َلوى أَن و لِله َي ِجوبلِل َنصْ وبلِل َخلِي َف وةَّأل َو َع َلوى أَن ولِل جلِلو َب و لِله‬
‫وض ا ْل َخ َوو ِار ِج َف َقواللِلوا‪َ :‬ال َي ِجوبلِل َنصْ وبلِل ا ْل َخلِي َف و ِة‬ ‫صو ِّم َو َبعْ و ِ‬‫ضوهلِل ْم َك ْاألَ َ‬
‫ف َبعْ لِل‬ ‫ول َو َخوا َل َ‬ ‫ِبالشورْ ِع َال ِبا ْل َع ْق ِ‬
‫ف َبعْ ضلِل ا ْلملِلعْ َت ِز َل ِة َف َقاللِلوا‪َ :‬ي ِجبلِل ِبا ْل َع ْق ِل َال ِبالشرْ ِعأل َو لِله َما َباطِ َال ِن)‪.‬‬ ‫َو َخا َل َ‬
‫(وأموا طريووق وجوب و ه فالصوحيح أنووه الشوورع والعقول معووا أل وهووو قوول الحسوون البصووريأل وهووذا‬
‫راجووع إلووى القووول الفصوول فووي مسووألة التحسووين والتقبوويح العقليووين فالمعتزلووة يقولووون إن العقوول‬
‫يحسون ويقوبح بنفسوه ويبنوون علوى ذلوك تعوذيب مون خوالف مقتضوى العقول ولوو لوم تأتوه الحجوة‬
‫الرسوواليةأل واألشوواعرة يقولووون إن األشووياء واألفعووال لوويس فيهووا حسوون وقووبح ذاتووي قبوول ورود‬
‫الشرعأل وإنما تكتسوب الحسون والقوبح بعود األمور بهوا أو النهوي عنهوا مون قبول الشوارعأل والقوول‬
‫الصحيح بينهما وهو أن في األشياء حسونا ً وقبحوا ً ذاتيوين وبنواء علوى ذلوك أمور الشوارع ونهوىأل‬
‫ش ا ِء َوا ْل ُم ْن َك ِر‬ ‫ان َو ِﺇي َتا ِء ِذي ا ْلقُ رْ َب ى َو َي ْن َه ى َع ِن ا ْل َف حْ َ‬ ‫قال تعالى‪ ﴿ :‬ﺇنَّ َّ َ ْ‬
‫س ِ‬ ‫هللا َي أ ُم ُر ِب ا ْل َع ْد ِل َو ِ‬
‫اإل حْ َ‬ ‫ِ‬
‫ي ﴾ ويمكن أن يدرك العقل السليم شويئا ً مون ذلوك الحسون أو القوبح أل لكون ال يترتوب الثوواب‬ ‫َوا ْل َب ْغ ِ‬
‫والعقاب إال بعد األمر أو النهي الشرعيين ‪[.‬انظر زاد المعاد]‬
‫فالعقوول السووليم والفطوورة المسووتقيمة يوودركان أن النوواس ال يمكوون أن تسووت قيم حيوواتهم بوودون رأس‬
‫يرجعون إليه أل ويعولوون فوي الملموات عليوه أل يقووم علوى مصوالحهم أل ويورد الحوق مون ظوالمهم‬
‫إلى مظلومهم أل تأمن به السبلأل وينتظم به أمر المعاشأل قال األفوه األزدي‪:‬‬
‫س أوتـــــاد‬ ‫وال عماد إذا لم لِلترْ َ‬ ‫والبيت ال يبتنى إال له عمـــــد‬
‫يوما ً فقد بلغوا األمر الذي كادوا‬ ‫فننْ تجم َع أوتـــــاد و أعمــــدة‬
‫وال سراة إذا جهــالهم سـادوا)‬ ‫ال يصلح الناس فوضى ال َسراة لهم‬
‫ا هـ من [ وبل الغمامة ألبي المنذر الساعدي]‪.‬‬

‫يقوول األسووتاذ عبود القووادر عووودة‪ ( :‬فالرسوول صوولى هللا عليوه وسوولم كووون مون المسوولمين وحوودة‬
‫سياسية أل وألف منهم جمي ًعا دولة واحدة كان هو رئيسها وإمامها األعظم وكان له وظيفتان‪:‬‬
‫األولى‪ :‬التبليغ عن هللا ‪.‬‬
‫والثانية ‪ :‬القيام على أمر هللا وتوجيه سياسة الدولوة فوي حودود اإلسوالم أل وقود انتهوى عهود التبليوغ‬
‫بوفواة الرسوول صولى هللا عليوه وسولم وانقطواع الوووحي أل وإذا لوم يكون بالنواس حاجوة إلوى التبليووغ‬
‫بعد وفاة الرسول صلى هللا عليه وسلم لوجوود القورآن والسونة (أي تبليوغ شورع جديود‪ .‬أموا تبليوغ‬
‫القرآن والسنة فهذا واجب على علماء األمة اتفاقًا) أل فننهم فوي أشود الحاجوة إلوى مون يقووم علوى‬
‫القرآن والسنة ويسوسهم فوي حودود اإلسوالم بعود أن َكوو َن الرسوول صولى هللا عليوه وسولم مونهم‬
‫وحدة سياسيةأل واستن لهم رئاسة الدولة وإمامة المسولمين فوي مشوارق األرض ومغاربهواأل بول‬
‫إن التأسي بالرسول صلى هللا عليه وسلم وإتباع سونته يقتضوي مون المسولمين جمي ًعوا أن لِلي َكوِّ نووا‬
‫موون أنفسووهم وحوودة سياسووية واحوودةأل وأن يقيموووا لهووم دولووة واحوودة تجمعهوومأل وأن يقيموووا علووى‬
‫رأسها من يخلف الرسول صلى هللا عليه وسلم في إقامة الودين وتوجيوه سياسوة الدولوة توجيهًوا‬
‫صا)‪ .‬اهـ [اإلسالم وأوضاعنا السياسية]‪.‬‬ ‫إسالميًا خال ً‬

‫‪17‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫الفرع الثالث ‪ :‬على من يتوجه وجوب اإلمامة ‪.‬‬


‫المخاطب بنقامة اإلمامة في المقام األول فريقان من الناس‪:‬‬
‫األو ل‪ :‬أه ل اإلختيار حتى يختاروا ﺇمامًا ل ألمة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أه ل اإلمامة (أي‪ :‬المؤهلون ) حتى ينت ص ب أحدهم ل إلمامة‪.‬‬
‫وإذا تميووز هووذان الفريقووان موون األمووة فووي فوورض اإلمامووة وجووب أن يعتبوور كوول فريووق منهمووا‬
‫َ‬
‫مخاط وب بهووا‬ ‫بالشووروط المعتبوورة فيووه‪ .‬يقووول اإلمووام أبووو يعلووى‪( :‬وهووي فوورض علووى الكفايووةأل‬
‫طائفتوان مون النوـاس‪ .‬إحووداهماأل أهول االجتهواد حتووى يختواروا‪ .‬والثانيوةأل موون يوجود فيوه شووروط‬
‫اإلمامة حتى ينتصب أحدهم لإلمامة)‪.‬‬
‫ويقووول اإلمووام الموواوردي‪ ( :‬فوونذا ثبووت وجوووب اإلمامووة ففرضووها علووى الكفايووة كالجهوواد وطلووب‬
‫العلمأل فنذا قام بها من هو من أهلهوا سوقط فرضوها عون الكافوةأل وإن لوم يقوم بهوا أحود خورج مون‬
‫الناس فريقان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أهل اإلختي ار حتى يختاروا إمامًوا لمموة‪ .‬والثوـاني‪ :‬أهول اإلماموة حتوى ينتصوب أحودهم‬
‫لإلمامةأل وليس على من عدا هذين الفريقين من األمة في تأخير اإلمامة حرج وال مأثم)‪.‬‬
‫والخ ال صة‪:‬‬
‫اإلمامووووووة أو الخالفووووووة مﻦ الواجبووووووات الﺘي أقﺮها الﺸﺮع اإلسالميأل بها يﺤفﻆ الﺪيﻦ الﺬي به‬
‫تﺴاس الﺪنﻴا‪ .‬والﺴعي في إقامة الﺨالفة مﻦ واجﺒات الﺪيﻦ ‪..‬‬
‫وهي ثابتة الوجوب بالكتاب والسنة واإلجماع والقواعود الشورعيةأل وهوو وجووب كفوائي متو ِّجوه‬
‫إلى أهل الحل والعقد باعتبارهم الممثلون لممةأل النوائبون عنهوا فوي هوذه المهموة الخطيورة‪ .‬وإذا‬
‫تقاعس أهل الحل والعقد فنن اإلثم يلحق كل مون لوه قودرة واسوتطاعةأل حتوى يسوعى إلقاموة هوذا‬
‫الواجب بقدر ما أوتي من قوة واستطاعة على الوجه الشرعي المرضي‪.‬‬
‫واإلمامة في ح ِّد ذاتها وسيلة ال غاية أل وسيلة إلى إقاموة أموة توقوف نفسوها علوى الخيور والعودلأل‬
‫تحق الحق وتبطل الباطل أمة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتو من بواهأل أموة تقووم بوأداء‬
‫رسالتها السماوية على منهاج اإلسالم الذي رسمه هللا لها‪.‬‬
‫ومن أهداف اإلمامة هوو حفوظ الودينأل وسياسوة الودنيا بوهأل وأن ذلوك أهوم الواجبوات الملقواة علوى‬
‫عاتق اإلمام‪.‬‬

‫‪18‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫المسألة الثالثة ‪ :‬طرق انعقاد الخالفة ‪.‬‬


‫قال صاحب [اإلمامة العظموى]‪( :‬عنود النظور إلوى نصووص الكتواب والسونة فنننوا ال نجود هنواك‬
‫صووا صووري ًحا فووي تعيووين الطري قووة التووي تثبووت بهووا اإلمامووة لإلمووامأل ولوويس َثمووة إال النصوووص‬
‫ن ً‬
‫العامة المتعلقة بالوالية والتولية أل سواء أكانت صغرى أم كبرىأل كالشورى ونحوها‪.‬‬
‫لذلك لوم يبوق أمامنوا إال اسوتعراض الطورق التوي انعقودت بهوا اإلماموة للخلفواء الراشودين رضوي‬
‫هللا عنهم أجمعين ‪.‬‬
‫وهوذه الطوورق تعتبوور شوورعية لمموور النبوووي بوجووب االلت وزام بسوونته وسوونة الخلفوواء الراشوودينأل‬
‫ومن سنتهم الطريقة التي تمت توليتهم بها‪.‬‬
‫وإلجماعهم عليها فننه لم يرد في الروايات الكثيرة التي وصفت لنوا وصوفًا دقيقًوا كول موا حودث‬
‫من ظروف ومالبسات ومراجعات ومناقشوات بوين ال صوحابة فوي تعيوين الخلفواء الراشودينأل لوم‬
‫يرد في هذه الروايات أية رواية عن أحد مون الصوحابة تطعون فوي الطريقوة التوي توم بهوا تعيوين‬
‫أحد من الخلفاء أل وما كان هناك من خالف ـ وهو قليول جو ًدا ـ وانتهوى باجتمواع السوقيفة ال كموا‬
‫يصوره بعض المو رخينأل فننموا هوو فوي الشوخص الموولى ال فوي طريقوة التوليوةأل وينتهوي هوذا‬
‫الخالف بعد االقتناع ووضوح الحجةأل وتبيين الودالئلأل وعصور الخلفواء الراشودين هوو التطبيوق‬
‫العملي لإلسالم كامال ً‪.‬‬
‫عاشوا مع التنزيل لحظة بلحظة أل لذلك كانوا أفقه النواس وأعورفهم بقواعود الشورع ومقاصوده‪‬أل‬
‫وقد عملوا أعماال ً كثيرة وأجمعوا عليها أل وهذه األعمال لم يكون معهوم دليول معوين عليهواأل وإنموا‬
‫مستندهم في ذلك المصلحة التي تتالءم مع مقاصود الشوريعة كجموع القورآنأل وتودوين الودواوينأل‬
‫وتولية أبي بكر لعمرأل وجعل عمر أمر الخالفة في سوتة أل إلوى غيور ذلوك مون المصوالح التوي ال‬
‫شك عاقل أنها معتبرة شر ًعاأل و من أنكرها فهوو ال يعورف وال يفقوه مونهج السولف رضووان هللا‬
‫عليهم)‪.‬‬

‫‪ ‬ـ في باب العبادات والمعامالت على حد سواء ومنها الجانب السياسي‬

‫‪19‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫الفرع األول‪ :‬استعراض تاريخي لطرق تولية الخلفاء الراشدين رضي هللا عنهم‪.‬‬
‫أوال‪ :‬تولية أبي بكر ال صديق ر ضي هللا عنه ‪.‬‬
‫ً‬
‫روى البخوواري فووي صووحيحه عوون عموور بوون الخطوواب رضووي هللا عنووه حووديثا طووويال ً ومنووه‪:‬‬
‫«‪...‬وأنو ه قود كووان مون خبرنووا حوين توووفى هللا نبيوه صوولى هللا عليوه وسوولم أن األنصوار خالفونووا‬
‫واجتمعووا بأسوورهم فوي سووقيفة بنوي سوواعدة أل وخوالف عنووا علوي والزبيوور ومون معهموواأل واجتمووع‬
‫المهاجرون إلى أبي بكرأل فقلت ألبي بكر‪ :‬انطلق بنا إلوى إخواننوا هو الء مون األنصوار فانطلقنوا‬
‫نريدهمأل فلما دنونا منهم لقينوا مونهم رجوالن صوالحانأل فوذكرا موا تمواأل عليوه القوومأل فقواال‪ :‬أيون‬
‫تريودون يووا معشوور المهوواجرين؟ فقلنووا ‪ :‬نريوود إخواننوا ه و الء موون األنصووارأل فقوواال‪ :‬ال علوويكم أال‬
‫تقربوهم أقضوا أموركمأل فقلوت‪ :‬وهللا لنوأتينهم‪‬أل فانطلقنوا حتوى أتينواهم فوي سوقيفة بنوي سواعدةأل‬
‫فونذا رجوول مزموول بوين ظهوورانيهمأل فقلووت ‪ :‬مون هووذا؟ فقووالوا‪ :‬هوذا سووعد بوون عبوادة فقلووت‪ :‬مالووه؟‬
‫فقالوا‪ :‬يوعك أل فلما جلسنا قليال ً تشهد خطيوبهم فوأثنى علوى هللا بموا هوو أهلوه ثوم قوال‪ :‬أموا بعود‪:‬‬
‫فنحن أنصار هللا وكتيبة اإلسالمأل وأنتم ـ معشر المهاجرين ـ رهوطأل وقود دفوت دافوة مون قوومكم‬
‫فنذا هم يريدون أن يختزلونو ا مون أصولنا وأن يحضونونا مون األمورأل فلموا سوكت أردت أن أتكلوم‬
‫وكنوت أداري منووه بعووض الحودأل فلمووا أردت أن أتكلووم قوال أبووو بكوور‪ :‬علوى رسوولكأل فكرهووت أن‬
‫أغضبهأل فتكلم فكان هوو أحلوم منوي وأوقورأل وهللا موا تورك مون كلموة أعجبتنوي فوي تزويوري إال‬
‫قال في بديهته مثلها أو أفضل منها حتى سكتأل فقوال ‪ :‬موا ذكورتم فويكم مون خيور فوأنتم لوه أهول‬
‫ولون يعورف هوذا األمور إال لهوذا الحوي مون قوريش أل هوم أوسوط العورب نسوبًا ودارًا وقود رضويت‬
‫لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم ـ فأخذ بيودي ويود أبوي عبيودة عوامر بون الجوراح وهوو‬
‫جالس بيننا ـ فلم أكره مما قوال غيرهواأل كوان وهللا أن ألِلقودم فتضورب عنقوي ال يقربنوي مون ذلوك‬
‫إثم أحب إلي من أن تأمر علوى قووم فويهم أبوو بكور أل اللهوم إال أن تسوول إلوي نفسوي عنود المووت‬
‫شي ًئا ال أجده اْلنأل فقال قائل من األنصوار‪ :‬أنوا جوذيلها المحكوكأل وعوذيقها المرجوبأل منوا أميور‬
‫ومونكم أميوور يوا معشوور قوريش أل فكثوور اللغوط وارتفعووت األصووات حتووى فرقوت موون االخووتالفأل‬
‫فقلت‪ :‬ابسط يدك يا أبا بكر أل فبسط يوده فبايعتوه وبايعوه المهواجرون ثوم بايعتوه األنصوار ونزونوا‬
‫على سعد بن عبادة فقال قائل منهم‪ :‬قتلتم سعد بن عبادةأل فقلت‪ :‬قتل هللا سوعد بون عبوادة أل قوال‬
‫عمر ‪ :‬وإنا وهللا ما وجدنا فيما حضورنا مون أمور أقووى مون مبايعوة أبوي بكور أل خشوينا إن فارقنوا‬
‫القوووم ولووم تكوون بيعووة أن يبووايعوا رج وال ً موونهم بعوودناأل فنمووا بايعنوواهم علووى مووا ال نرضووىأل وإمووا‬
‫نخالفهم فيكون فسا ًداأل فمن بايع رجال ً مون غيور مشوورة مون المسولمين فوال يتوابع هوو وال الوذي‬
‫بايعه َتغِر َه أن يقتال» ‪.‬‬
‫فهوووذه هوووي البيعوووة األولوووى كموووا توووذكرها المصوووادر أل وهوووي بيعوووة فضوووالء وكبوووار المهووواجرين‬
‫واألنصار له رضي هللا عنوه أل ثوم تبعتهوا البيعوة الثانيوة وهوي بيعوة عاموة المسولمين فوي المسوجد‬
‫على المنبر‪.‬‬
‫النتائج المستخلصة ‪:‬‬

‫‪ ‬ـ قارن أيها األو الكريم بين قوول الخليفوة الراشود عمور رضوي هللا عنوه « وهللا لنوأتينهم » ردا علوى قائول « ال علويكم أ ال‬
‫تق ربوهم أق ضوا أمركم»أل وقوله بعد « خشينا ﺇن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رج ال ً منهم بعدنا‪ ،‬فإما بايعناهم على‬
‫فساد ا » حرصا منه رضي هللا عنه على جمع الكلمة ودفعا للفساد ما أمكنأل وعرفانا منه‬ ‫ً‬ ‫ما ال ن ر ضى ‪ ،‬وﺇما نخالفهم فيكون‬
‫لفضل األنصار‪ .‬وبين عدم مباالة اإلخوة في الدولة بأحد وال بفسواد قود يحودث عون ذلوك‪ .‬وكوأن لويس مون مقاصود اإلماموة جموع‬
‫الكلمة‪.‬‬

‫‪21‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫‪ 1‬ـ الداللة على أن النبي صلى هللا عليه وسولم لوم يونص صوراحة علوى الخليفوة مون بعوده أل وال‬
‫أخبر بمن سيتولى أل وفي هذا داللة على أن لإلمام أن يترك االختيار للمسلمين من بعده ‪.‬‬
‫‪0‬ـ و أن بيعووة أبووي بكوور رضووي هللا تعووالى عنووه تمووت بعوود مشوواورات بووين فضووالء المهوواجرين‬
‫واألنصووارأل وفوووي هووذا داللوووة علووى أن الوووذي يقووووم باالختيووار هوووم فضووالء القووووم وعلموووا هم‬
‫ور سا هم وهم من يسممون بـ "أه ل الح ل وال عقد" ‪ .‬وال يفوتنا التنويه بالصراحة والوضوح‬
‫في عرض اْلراء التي سادت المشاورة من غيور خلفيوة وال طعون فوي النوايوا رضوي هللا عونهم‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ ال يشترط اإلجماع التام على اختيار الخليفةأل فال تضور مخالفوة بعوض القووم كموا لوم تضور‬
‫مخالفة سعد بن عبادة رضي هللا عنه‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ 4‬ـ مشووروعية البيعووة للخليفووة المخت وار موون قبوول أهوول الحوول والعقوود أوالأل ثووم موون قبوول عامووة‬
‫المسلمين ثانيًاأل كما تمَ ََ ألبي بكر رضي هللا عنه‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ ال يشترط فوي االنتخواب حضوور جميوع أهول الحول والعقودأل كموا لوم يضور تخلوف علوي بون‬
‫أبي طالبأل والزبير بن العوام رضي هللا عنهماأل حيث تخلفا عن االختيار ـ كموا ذكورت بعوض‬
‫الروايات ـ لتجهيز النبي صلى هللا عليه وسلم وإن كانا بايعا بعد ذلك‪.‬‬
‫وعلى ضوء هذه النقاط ستتضح لنوا الطريقوة األولوى النعقواد الخالفوة وهوي االنتخواب مون قبول‬
‫أهل الحل والعقد‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫ثانيًا ‪ :‬تولية عمر ر ضي هللا عنه‪:‬‬


‫ضوا بالداللوة‬ ‫انعقاد الخالفة لعمر ثبتت بطريقة أخرى مغايرة ـ إلوى حود موا ـ ولكنهوا شورعية أي ً‬
‫السابقة وهي طريقة االستخالف (العهد)‪.‬‬
‫قال ابن الجوزي‪ ( :‬عن الحسن بن أبي الحسن رضي هللا عنه قال‪ :‬لما ثقول أبوو بكور رضووان‬
‫هللا تعالى عليه واستبان له من نفسه‪ .‬جموع النواس فقوال‪ :‬إنوه قود نوزل بوي موا تورون وال أظننوي‬
‫إال لمأتيأل وقود أطلوق هللا أيموانكم مون بيعتويأل وحول عونكم عقودتيأل ورد علويكم أموركمأل فوأ ِّمروا‬
‫عليكم من أحببتم فننكم إن أمرتم عليكم في حياة منوي كوان أجودر أال تختلفووا بعوديأل فقواموا فوي‬
‫ذلك وحلوا عنه فلم تستقم لهمأل فقالوا ‪ :‬إرأ لنا يوا خليفوة رسوول هللا صولى هللا عليوه وسولم قوال‪:‬‬
‫فلعلكم تختلفون؟ قالوا ‪ :‬الأل قال‪ :‬فعليكم عهد هللا على الرضا؟ قالوا‪ :‬نعوم‪ .‬قوال‪ :‬فوأمهلوني أنظور‬
‫ه ودينووه ولعبووادهأل فأرسوول أبووو بكوور إلووى عثمووان بوون عفووان رضووي هللا عنووه فقووال‪ :‬أشوور علووي‬
‫برجل‪ .‬وهللا إنوك عنودي لهوا ألهول وموضوع فقوال ـ أي عثموان ـ ‪ :‬عمور‪ .‬فقوال‪ :‬اكتوبأل فكتوب‬
‫حتى انتهى إلى االسم ف لِلغشي عليه ثم أفاق فقال‪ :‬اكتب عمر)‪.‬‬
‫فهذه مبايعة عمر رضي هللا عنهأل ويمكننا اْلن أن نستنتج منها على غرار ما تقدم ما يلي‪:‬‬
‫‪1‬ـ ترشيح أبي بكر لعمر رضوي هللا عنهموا كوان بطلوب مون أهول الحول والعقود حيوث قوالوا لوه‪:‬‬
‫(إرأ لنا يا خلي فة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم)‪.‬‬
‫‪0‬ـ جواز االستخالف لشخص معين‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ حرص الصحابة رضي هللا عنهم علوى مشواورة أهول الحول والعقود قبول العوزم علوى تعيوين‬
‫الخليفةأل مع اإلخالص والنصح في إبداء الرأي وقت المشاورة‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ كتابة العقد للخليفة المعهود إليه‪.‬‬

‫‪ ‬ـ مقابل هذه الصراحة والجرأة فوي ذلوك الجيول المطلووب التأسوي بوه يوراد منوا التسوليم لقورار الدولوة مون غيور اعتوراض وال‬
‫نقاش‬

‫‪21‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫‪ 3‬ـ العهد ال يكفي لتولية اإلمامأل وإنما ال بد من البيعة لإلمام المعهود إليه‪.‬‬
‫ثالث ا ‪ :‬تولية عثمان بن عفان ر ضي هللا عنه ‪:‬‬
‫حوديثا طوويال ً ذكور فيوه تفاصويل طعون عمور‬ ‫ً‬ ‫روى البخاري في صحيحه عن عمرو بن ميمون‬
‫رضي هللا تعالى عنهأل ثم حمله إلى بيته ثم دخولهم عليه‪.‬‬
‫وفيوه ‪ :‬فقوالوا‪ :‬أوص يوا أميور الم و منينأل اسوتخلف‪ .‬فقوال ‪ :‬موا أجود أحووق بهوذا األمور مون ه و الء‬
‫النفور ـ أو الوورهط ـ الووذين توووفي رسووول هللا صوولى هللا عليووه وسوولم وهووو عوونهم راض‪ :‬فسوومى‬
‫عليواأل وعثموانأل والزبيوورأل وطلحوةأل وسوع ًدا أل وعبوود الورحمن‪ .‬وقوال‪ :‬يشووهدكم عبود هللا بون عموور‬‫ً‬
‫ولوويس لووه موون األموور شوويء ـ كهيئووة التعزيووة لووه ـ فوونن أصووابت اإلموورة سووع ًدا فهووو ذاك وإال‬
‫فليستعن به أيكوم موا ألِلمِّورأل فو نني لوم أعزلوه عون عجوز وال خيانوة ـ إلوى أن قوال الوراوي ـ‪ :‬فلموا‬
‫فرغ من دفنوه اجتموع هو الء الورهط فقوال عبود الورحمن ‪ :‬اجعلووا أموركم إلوى ثالثوة مونكم‪ .‬فقوال‬
‫الزبير‪ :‬قد جعلت أمري إلى علوي‪ .‬فقوال طلحوة ‪ :‬قود جعلوت أموري إلوى عثموان‪ .‬وقوال سوعد‪ :‬قود‬
‫جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف أل فقال عبد الرحمن ‪ :‬أيكما تبورأ مون هوذا األمور فنجعلوه‬
‫إليوه وهللا عليووه واإلسووالم لينظوورن أفضوولهم فووي نفسوهأل فأسووكت الشوويخان أل فقووال عبوود الوورحمن‪:‬‬
‫أفتجعلونه إلي وهللا علي أن ال آلو عن أفضولكم؟ قواال‪ :‬نعومأل فأخوذ بيود أحودهما فقوال‪ :‬لوك قرابوة‬
‫من رسول هللا صلى هللا عليه وسلم والقودم فوي اإلسوالم موا قود علموت أل فواه عليوك لوئن أمرْ توك‬
‫ت عثمان لتسمعن ولتطيعن‪.‬‬ ‫لتعدلن ولئن أَمرْ لِل‬
‫ثم خال بواْلخر فقوال مثول ذلوكأل فلموا أخوذ الميثواق قوال‪ :‬ارفوع يودك أبايعوك يوا عثموان فبايعوهأل‬
‫فبايعه علي وولج أهل الدار فبايعوه‪.‬‬
‫وفي بعوض الروايوات أنهوا لموا انحصورت بوين عثموان وعلوي رضوي هللا عنهموا‪( :‬نهوض عبود‬
‫الرحمن بن عوف يستشير النواس فيهموا ويجموع رأي المسولمين بورأي ر وس النواس وأخيوارهم‬
‫جمي ًعا وأشتا ًتاأل مثنى وفرادى ومجتمعوين ‪ .‬فسوعى فوي ذلوك عبود الورحمن ثالثوة أيوام بليواليهن ال‬
‫يغتمض بكثير نوم إال صوالة ودعواء واسوتخارة وسو اال ً مون ذوي الورأي عونهمأل فلوم يجود أحو ًدا‬
‫يعدل بعثمان بن عفان رضي هللا عنه)‪.‬‬
‫وهكذا تمت البيعة لعثمان رضي هللا عنه بنجماع الصحابة رضووان هللا علويهم كموا قوال اإلموام‬
‫أحمد رحمه هللا تعالى‪( :‬لم يجتمعوا على بيعة أحد كما اجتمعوا على بيعة عثمان)‪.‬‬
‫والذي يمكن أن نستنتجه من هذه البيعة ما يلي‪:‬‬
‫جوواز العهود إلوى أشووخاص معينوين دون تعيوين المعهووود إليوه بعينوه إذا كووان ذلوك هوو األصوولحأل‬
‫ويرى ابن تيمية رحمه هللا سبب عدم تعيوين واحود بعينوه مون السوتة حتوى ال يحودث االخوتالف‬
‫ضا أنوه إذا َعوين واحو ًدا قود ال يحسون‬‫والمنازعة‪ .‬وألنه رأى الفضل متقاربًا في الستةأل ورأى أي ً‬
‫القيام بنماموة المسولمين فيصوبح عمور نفسوه مسو وال ً عنوه لنسوبته إليوه فتورك التعيوين خوفًوا مون‬
‫التقصير‪.‬‬
‫أما ابن بطوال فهوو يورى ـ كموا نقول عنوه ابون جريور ـ أن فوي هوذه الطريقوة جموع بوين طريقوة‬
‫الرسول صلى هللا عليوه وسولم فوي تورك االسوتخالف وتفوويض األمور للمسولمينأل وبوين طريقوة‬
‫صواحبه أبوي بكور رضوي هللا عنوه فوي االسوتخالف قوال ‪ :‬فأخوذ مون فعول النبوي صولى هللا عليووه‬
‫وسلم طرفًا وهو ترك التعيينأل ومن فعل أبي بكر طرفًوا وهوو العهود ألحود السوتة وإن لوم يونص‬
‫عليه‪ .‬فهي طريقة جامعة بين العهد واالختيار‪.‬‬
‫ونالحظ كذلك بقاء الصحابة رضي هللا عنهم على مبدأ الشورى في تولية اإلمام‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪22‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫رابعا ‪ :‬تولية علي ر ضي هللا عنه ‪:‬‬


‫بعود حادثوة استشوهاد الخليفووة عثموان بون عفووان رضوي هللا عنوه ظهوور االخوتالف فوي صووفوف‬
‫المسلمينأل وهو بحق ـ كما يرى ابن تيمية ـ أول نزاع ظهر علوى اإلماموةأل حيوث موا جورى مون‬
‫قبوول لووم يكوون نزا ًعووا بووالمعنى الحقيقووي (إال مووا جوورى فووي اجتموواع السووقيفةأل ومووا اتصوولوا حتووى‬
‫اتفقوا أل ومثل هذه ال يسمى نزا ًعا)‪.‬‬
‫وقد واجه استخالف علي ر ضوي هللا عنوه صوعوبات كثيورةأل لوم تواجوه مون سوبقهأل منهوا حادثوة‬
‫استشوهاد عثموان رضووي هللا عنوهأل ودخووول القتلوة المجورمين فووي صوف علوويأل ومطالبوة بعووض‬
‫المسوولمين بالقصوواص موونهمأل وإنكووار أهوول الشوووام الجموواعي لمبايعتووه أل وخووروج بعووض كبوووار‬
‫ال صحابة رضي هللا تعالى عنهم كطلحةأل والزبيرأل وعائشةأل وغيرهم‪.‬‬
‫تمووت البيعووة لعلووي رضووي هللا عنووه ولكوون وجووود المفسوودين داخوول الصووف أدى إلووى تصوودعهأل‬
‫وبدأت الفرقة بين المسلمين حيث وقعت موقعة الجمول المشوهورة ‪ .‬وأعلون معاويوة وأهول الشوام‬
‫عودم دخووولهم فوي الطاعووة حتوى ي خووذ بثوأر عثمووان أل فسوار إلوويهم علوي بجيشووه ووقعوت موقعووة‬
‫صووفين وغيرهووا موون المعووارك ‪ .‬ثووم انشووق عليووه صووفه بعوود التحكوويم وخرجووت عليووه الخوووارج‬
‫وقاتلهم وكثرت الفتن في عصره رضي هللا عنه‬
‫والذي يهمنا في هوذا البحوث هوو الطريقوة التوي تموت بهوا مبايعتوه وهوي طريقوة االختيوار كوالتي‬
‫ثبتت بها إمامة أبوي بكور حيوث إن عثموان رضوي هللا عنوه لوم يسوتخلف أحو ًدا بعوده فبعود حادثوة‬
‫استشهاده بقي الناس في غيبة من إمام حتى اختواره أهول الحول والعقود وعقودوا اإلماموة لوه بعود‬
‫مشاورات ومناقشات طويلة‪.‬‬
‫تبوين مون عورض بيعوات الخلفواء األربعوة أنهووا تموت عون رضوى ومشوورةأل مون غيور قهوور وال‬
‫اضطهادأل فلم تكن على سنة فارس والرومأل ولكون علوى سونة النبوي صولى هللا عليوه وسولمأل فلوم‬
‫يكن يخفى على ه الء الصحابة الفرق بين الخالفوة التوي تقووم علوى شوورى األموة واختيارهواأل‬
‫والملك القيصري والكسروي الذي يقووم علوى التنوازع والتغالوب والتوريوث‪ .‬لوذلك أنكوروا علوى‬
‫معاوية رضي هللا عنه الدعوة لبيعة ابنه يزيد وقوال عبود الورحمن كموا فوي روايوة اإلسوماعيلي‬
‫"ما هي ﺇال هرقلية" أل وله من طريق شوعبة عون محمود بون زيواد فقو ال موروان سونة أبوي بكور‬
‫وعمر فقال عبد الرحمن "سنة هرقل وقيصر" [فتح الباري]‪.‬‬
‫ه الء هم الخلفاء الراشدون واألئمة األربعة؛ أبو بكور وعمور وعثموان وعلوي رضوي هللا عونهم‬
‫أجمعوين‪ .‬وهووذا هووو توورتيبهم المشوهور عنوود جمهووور أهوول ال ُّسونة‪ .‬وهووم الووذين خلفوووا رسووول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم في قيادة األمة‪.‬‬
‫وقد اختصوا بوصف الراشدين لصفات تميزوا بهوا فوي سولوكهم الوذاتيأل وفوي إدارتهوم لشو ون‬
‫األمة ورعايتهم لدينها وعقيدتهاأل وحفاظهم على النهج الذي جاء بوه رسوول هللا صولى هللا عليوه‬
‫وسلم من الدعوة والجهادأل وإقامة العدل واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬
‫أصووبح العصووور الراشووودي مووع عصووور النبووووة َمعْ َلمًووا بوووار ًزا ونموذ ًجوووا متكووامال ً تسوووعى األموووة‬
‫اإلسوالمية وكول مصولح إلووى محاولوة الوصوول إلووى مسوتواه الرفيوعأل ويحوواول فوي دعوتوه رفووع‬
‫األمة إلى مستوى ذلك العصر أو قريبًا منهأل ويجعله َمعْ َلمًوا مون معوالم التأسوي والقودوة لمجيوال‬
‫اإلسالميةأل ومما ينبغي التأسي بهم فيه طريقة توليتهم الخالفة ‪ .‬أخرج ابن أبوي حواتم عون مالوك‬
‫قال‪( :‬كان عمر بن عبد العزيز يقول‪« :‬سن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ووالة األمر من‬
‫بعده سننا األخذ بها ت صديق لكتاب هللا‪ ،‬واستكمال لطاعة هللا‪ ،‬وقوة على دين هللا‪ ،‬ليس ألحد‬
‫تغييرها وال تبديلها وال النظر فيما خالفها‪ ،‬من اقتدى بها مهتد‪ ،‬ومن استنصر بها من صو ر ‪،‬‬

‫‪23‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫ومن خالفها اتبع غير سبيل المؤمنين‪ ،‬وواله هللا ما تولى‪ ،‬و صاله جهنم وساءت م صيرا »)أل‬
‫ووالة األمر في هذا األثر الخلفاء الراشدون رضي هللا عنهم ‪.‬‬
‫الفرع الثاني ‪ :‬طرق انعقاد الخالفة ‪:‬‬
‫على ضوء هذا العرض يمكننا أن نحدد الطورق الشورعية الثابتوة لتوليوة اإلموام وهموا طريقتوان‬
‫فقط ‪:‬‬
‫الطريقة األولى‪ :‬االختيار ‪:‬‬
‫والذي يقوم به هوم أهول الحول والعقود أل وهوي الطريقوة التوي تموت بهوا توليوة أبوي بكور الصوديقأل‬
‫وعلووي بوون أبووي طالووب رضووي هللا تعووالى عنهمووا‪ .‬وهووو الطريووق األصوول الختيووار اإلمووام فووي‬
‫الشريعة اإلسالمية وعند أهل السونة علوى اعتبوار أن االسوتخالف مشوروط بموافقوة أهول الحول‬
‫والعقد على المستخلف ‪.‬‬
‫وذلك ألن األمة متفرقوة فوي األصوقاع واألمصوارأل فيهوا القووي وال ضوعيفأل والعوالم بالمصولحة‬
‫والجاهول أل والعاقول وغيورهأل وصوواحب الهووى والغورض أل إلوى غيوور ذلوك مون االختالفوات التووي‬
‫يصعب معها التمييز بين الصالح والطالح والوذي لِلي َت َوسو لِلم فيوه حمول هوذه األمانوة وغيوره‪ .‬ولوذلك‬
‫تكون المس ولية فوي هوذا المجوال واقعوة علوى أعنواق عقوالء األموة وعلمائهوا وفضوالئها أل فهوم‬
‫الذين يختارون من يرونه أهال ً للقيام بهذا الواجوب الشورعي الوذي أوجبوه هللا علويهم وهوو إقاموة‬
‫شرع هللا في أرضه أل واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جميع أنحاء المعمورة ‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫أوال ـ من هم أهل الحل والعقد؟‪:‬‬
‫هم ‪ :‬فئة من الناس على درجة من الدين والخلق والعلوم بوأحوال النواسأل يرجوع النواس إلويهم فوي‬
‫الحاجووات والمصووالح العامووة‪ .‬وقوود اختلفووت ألفوواظ الفقهوواء فووي التعبيوور عوون هووذا المعنووىأل فموون‬
‫الفقهواء مون سووماهم أهول االختيوار كالموواورديأل ومونهم موون سوماهم أهول االجتهوواد كوأبي يعلوويأل‬
‫ومنهم من سماهم أهل الرأي والتدبير كالبزدويأل ويسمون أهل الشورى‪.‬‬
‫وذكوور النووووي فووي [نهايووة المحتوواج] (أنهووم العلموواء والر سوواء ووجوووه النوواس الووذين يتيسوور‬
‫ارحه الرملى بقوله‪ِ :‬ألَن ْاألَمر َي ْن َتظِ م بهم ويتبعهم َسائِر الناس‪.‬‬ ‫اجتماعهم)‪َ .‬وعلله َش ِ‬
‫قال رشيد رضا في [الخالفة]‪َ ( :‬و َه َذا التعْ لِيل ه َلِلوو َغا َيوة التحْ قِيوق منطوقوا ً ومفهوموا ً َف ِونذا لوم يكون‬
‫اإل َما َمة بمبايعتهم)‪.‬‬ ‫ْث تتبعهم ْاألمة َف َال َت ْن َعقِد ْ ِ‬ ‫المبايعون ِب َحي لِل‬
‫و َقا َل السعد فِي شرح ا ْل َم َقاصِ د َك َغ ْي ِور ِه مون ا ْل لِلم َت َكلِّموين َوا ْلفلِل َق َهواء‪( :‬هوم ا ْلعل َمواء والر سواء ووجووه‬
‫الناس)‪.‬‬
‫وينقول محموود رشوويد رضووا فووي المنووار عوون محمود عبووده أنهووم‪( :‬هووم األمووراء والعلموواء والحكووام‬
‫ور سواء الجنو د وسوائر الر سواء والزعمواء الووذين يرجوع إلويهم النواس فوي الحاجوات والمصووالح‬
‫العامة)‪.‬‬
‫قال ابن تيمية‪ ( :‬قال أبو بكر الصديق رضى هللا عنه لمحمسية لما سوألته‪ :‬موا بقا نوا علوى هوذا‬
‫األمر؟ قال‪ :‬موا اسوتقامت لكوم أئموتكم‪ .‬ويودخل فويهم الملووك والمشوايخ وأهول الوديوان وكول مون‬
‫كان متبوعا فننه من أولي األمر) فﺮ وس الﻨاس وأشﺮافهﻢ وأكابﺮهﻢ والﻤﻄاعﻮن فﻴهﻢ‪.‬‬
‫وفي ظرف خلو الزموان عون الخليفوة كزماننوا يرجوع النواس ألعيوانهم المقودمين فويهم كموا قوال‬
‫الجويني‪ ( :‬وقد قال العلماء لو خلى الزمان عن السلطان فحق على قطوان كول بلودة وسوكان كول‬
‫قرية أن يقدموا من ذوي األحو الم والنهوى وذوي العقوول والحجوى مون يلتزموون امتثوال إشوارته‬
‫وأواموره وينتهوون عون مناهيوه ومزاجووره فوننهم لوو لوم يفعلووا ذلووك تورددوا عنود إلموام المهمووات‬

‫‪24‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫وتبلدوا عند إظالل الواقعات)‪.‬‬


‫فوونذا أراد مريوود تصووحيح الوضووع وتنصوويب الخليفووة وجووب أن يشوواور ذوي األحووالم والنهووى‬
‫وذوي العقول والحجى الذين رضيهم المسلمون لدينهم‪.‬‬
‫وموونهم أمووراء الجماعووات الجهاديووة وعلما هووا وعلموواء األمووة العوواملينأل هوو الء هﻢ أهﻞ الﺤﻞ‬
‫والعقﺪأل فووونذا اجﺘﻤعﺖ كلﻤة هووو الء على الوقوووت والشوووخص الم هووول تﺤقﻖ باجﺘﻤاعهﻢ مقﺼﻮد‬
‫اإلمامة‪.‬‬
‫أموا كيفيوة تحديوود هو الء فهوو ممووا تركوه اإلسوالم الجتهوواد كول عصور أل لكونووه مموا تختلوف فيووه‬
‫وجووووه المصووولحة بووواختالف العصوووورأل وقﺪ أمﺮ هللا بﻄاعة أولى األمﺮ مﻦ العلﻤاﺀ واألموووراء‬
‫فلﺰم مﻦ هﺬا أنهﻢ معﺮوفﻮن أعالم بﻴﻦ الﻨاسأل ويمكوون معرفووة ه و الءأل كمووا قووال الشوويخ محموود‬
‫أبو زهرة‪( :‬بالرجوع إلى كل إقليم مون أقواليم الدولوةأل فيجوب علوى أهوالي كول إقلويم أن يختواروا‬
‫فضووالءهمأل وهوو الء الفضووالء هووم الووذين يتولووون عقوود اإلمامووةأل وتنعقوود اإلمامووة لموون يتبعووه‬
‫األكثريوة المطلقووة موون ه و الء المختووارين) ‪ .‬وفووي هوذا المعنووى موون الووالزم أن يكووون أهوول الحوول‬
‫والعقد الذين يعقدون بيعة اإلمامة العظمى يمثلون األمةأل ال جزءا منها‪.‬‬
‫لِلوراد ِب و ِه معنوى المصودرين فِي و ِه‬ ‫قوال رشويد رضووا‪َ ( :‬فعلوم ِمموا تقوودم أَن لقوب أهول الحوول َوالعقود م َ‬
‫ِبوال قلِلو ِة وبالفعوول وهووم الر سوواء الووذين تتووبعهم ْاألموة فِووي أمورهووا ا ْل َعامووةأل وأهمهووا نصووب ِ‬
‫اإل َمووام‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫األع َظووم َو َكو َوذا َعزلووه ِإذا َثبووت عِ ْنوودهم وجوووب َذلِووكأل‪َ ...‬وموون ظوون أن كوول موون يلِلوصووف ِبووا ْل ِ‬
‫علم‬
‫اإل َما َمة َويجوب علوى ْاألموة اتبواعهم فِي َهوا فقود جهول معنوى الحول َوالعقود‬ ‫والوجاهة َت ْن َعقِد ببيعتهم ْ ِ‬
‫إلجمواعأل َو َموا تقودم مون األَخ َبوار واْل َثوارأل َومون َك َوالم ال َ‬
‫محقِّقوين فِوي ال َمسوأَ َلة‬ ‫الجماعوة َوا ِ‬
‫َ‬ ‫َومعنى‬
‫ش لِلروط أهل ِاال ْخ ِت َيار) ‪[.‬الخالفة]‪.‬‬ ‫َو َالسِ ي َما لِل‬
‫ثانيا‪ :‬شرو ط أهل الحل والعقد ‪:‬‬
‫وهذه الشروط تنقسم إلى قسمين ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ شروط الوالية العامة وهي ‪:‬‬
‫اإلسالم‪ :‬وهذا شرط أساسي في كل والية في البالد اإلسالمية فال يجوز فيها تولية من ليس‬
‫بمسلم‪ .‬قال ابن المنذر‪ ( :‬أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم أن الكافر ال والية له على‬
‫مسلم)‪.‬‬
‫العقل‪ :‬فال يجوز تولية غير العاقل سواء كان لصغره ‪ -‬أي لم يبلغ ‪ -‬أو لطارئ طرأ فأدى‬
‫إلى زوال عقله أو نقصانه أل وهو ما ي ثر في مقدرة الشخص على التمييزأل فهذا ال يولى من‬
‫أمور المسلمين شي ًئاأل فكيف باختيار خليفة لهم‪.‬‬
‫الذكورة‪ :‬يشترط كثير من الفقهاء الذكورة في الواليات العامة وذلك لقوله تعالى‪﴿ :‬ال ِّر َج ا ُل‬
‫ض َو ِب َما أَنفَقُواْ ِم نْ أَ ْم َوال ِ ِه ْم﴾ وألن الواليات‬ ‫ضهُ ْم َع َل ى َب عْ ٍ‬ ‫ض َل ّ ُ‬
‫هللا َب عْ َ‬ ‫ُون َع َل ى ال ِّن َساء ِب َما َف َّ‬
‫َقوَّ ام َ‬
‫يحتاج فيها إلى الدخول في محافل الرجال وهذا محظور على النساء‪ .‬وألنه يحتاج فيها إلى‬
‫كمال الرأيأل وتمام العقل والفطنةأل والمرأة ناقصة العقل‪.‬‬
‫قال اإلمام ابن قدامة في المغني‪( :‬ولهذا لم يو ِّل النبي وال أحد من خلفائه وال من بعده امرأة‬
‫قضاء قطأل وال والية بلد فيما بلغنا أل ولو جاز ذلك لم يخل منه جميع الزمان غالبًا)‪ .‬وقال‬
‫اإلمام الجويني‪ ( :‬فما نعلمه قط ًعا أن النسوة ال مدخل لهن في تخير اإلمام وعقد اإلمامةأل‬
‫فننهن ما روجعن قط)‪.‬‬
‫الحرية‪ :‬الحرية شرط أساسي في أدنى الوالياتأل ومن ثم يجب توافرها في أهل الحل والعقدأل‬
‫ألن اكتمال األهلية شرط فيهم أل قال إمام الحرمين‪( :‬وكذلك ال يناط هذا األمر ‪ -‬أي عقد‬

‫‪25‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫اإلمامة واالختيار ‪ -‬بالعبيد وإن حازوا قصب السبق في العلوم)‪.‬‬


‫‪ 2‬ـ الشروط الخا صة ‪:‬‬
‫العدالة الجامعة لشروطها‪ :‬وهي هيئة كامنة في النفس توجب على اإلنسان اجتناب الكبائر‬
‫والصغائرأل والتعفف عن بعض المباحات الخارمة للمروءة أل ويختلف ذلك باختالف الزمان‬
‫والمكانأل وبناء على هذا الشرط فال يجوز تولي ة الفاسق وال من فيه نقص يمنع الشهادة ‪.‬‬
‫ومن شأن اشتراط العدالة أن ي دي إلى ثقة أفراد األمة في اختيار العدلأل ويكون اختيار‬
‫الخليفة عن طريق من تتوفر فيه هذه الشروط مدعاة إلى ثقة الناس فيه واالنقياد له‪.‬‬
‫وتثبت العدالة باالستفاضة والشهرةأل قال اإلمام النووي‪( :‬فمن اشتهرت عدالته بين أهل العلم‬
‫وشاع الثناء عليه بها كفى فيها)‪.‬‬
‫قال اإلمام الجويني‪ ( :‬لم نغفل عن ذكر الورع صدرًا في الفصل عن ذهولأل بل رأيناه‬
‫أوضح من أن يحتاج إلى االهتمام بالتنصيص عليهأل فمن ال يوثق به في باقة بقلأل كيف يرى‬
‫أهال ً للحل والعقد؟ وكيف ينفذ نصبه على أهل الشرق والغرب؟ ومن لم يتق هللا لم ت من‬
‫غوائلهأل ومن لم يصن نفسه لم تنفعه فضائله)‪.‬‬
‫العلم‪ :‬يشترط في أهل الحق والعقد درجة معينة من العلم ت هلهم إلى حسن االختيار للخليفة‪.‬‬
‫قال اإلمام الماوردي‪( :‬أما أهل االختيار فالشروط المعتبرة فيهم ثالثة‪... :‬والثاني‪ :‬العلم الذي‬
‫يتوصل به إلى معرفة من يستحق اإلم امة على الشروط المعتبرة فيها)‬
‫أما أن يكون هناك تحديد لدرجة معينة من العلمأل كأن يكون مجته ًداأل فالذي يظهر أنه ال‬
‫يشترط االجتهاد أل ولكل عصر ما يناسبه‪.‬‬
‫قال اإلمام الجويني‪ ( :‬ذهب طوائف من أئمة أهل السنة إلى أنه ال يصلح لعقد اإلمامة إال‬
‫المجتهد المستجمع لشرائط الفتوى‪ .‬وذهب القاضي الباقالني في عصب من المحققين إلى أنا‬
‫ال نشترط بلوغ العاقد مبلغ المجتهدين؛ بل يكفي أن يكون ذا عقل وكيس وفضل وته ٍّد إلى‬
‫عظائم األمورأل وبصيرة متقدة بمن يصلح لإلمامةأل وبما يلِلشترط استجماع اإلمام له من‬
‫الصف ات‪ .‬فأما من لم يستجمع خصال المفتينأل فنقول‪ :‬الغرض تعيين قدوة وتخير أسوةأل‬
‫وعقد الزعامة لمستقل بهاأل ولو لم يكن المعيِّن المتخيِّر عالما ً بصفات من يصلح لهذا الشأن‬
‫ألوشك أن يضعه في غير محلهأل ويجر إلى المسلمين ضررًا بسوء اختيارهأل ولهذا لم يدخل‬
‫في ذلك العوامأل و من ال يعد من أهل البصائر‪ ...‬فأما األفاضل المستقلونأل الذين حنكتهم‬
‫التجاربأل وهذبتهم المذاهبأل وعرفوا الصفات المرعية فيمن يلِلناط به أمر الرعية فهذا المبلغ‬
‫كاف في بصائرهمأل والزائد عليه في حكم ما ال تمس الحاجة إليه في هذا المنصب‪ .‬وقد‬
‫تمهد في قواعد الشرع أنا نكتفي في كل مقام بما يليق به من العلم‪ ...‬فالفاضل الفطن المطلع‬
‫على مراتب األئمةأل البصير باإلياالت والسياساتأل ومن يصل لها متصف بما يليق بمنصبه‬
‫في تخير اإلمام‪ ...‬فقد ظهر أن األقرب إلى التحقيق مسلك القاضي ومتبعيه)‪ ..‬ثم قال‪( :‬فال‬
‫أرى الشتراط كون العاقد مجته ًدا وجهً ا الئ ًحاأل ولكني أشترط أن يكون المبايع ممن تفيد‬
‫مبايعته منة واقتهارًا)‪.‬‬
‫ضا أن يكون المختار ـ‬ ‫الرأي والحكمة‪ :‬باإلضافة إلى العلم باألحكام الشرعية فننه يشترط أي ً‬
‫أي فاعل االختيار ـ من ذوي الرأي السديد والنظر الثاقب الذي يعرف حاجات الدول وطبائع‬
‫الرجالأل ويكون عنده من القدرة على التمييز الكافي في االختيار ليوافق األصلح لتولي‬
‫الخالفة‪.‬‬
‫قال اإلمام الماوردي‪( :‬الثالث ‪ -‬أي من الشروط ‪ -‬الرأي والحكمة الم ديان إلى اختيار من‬

‫‪26‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫هو لإلمامة أصلح أل وبتدبير المصالح أقوم وأعرف)‪.‬‬


‫الشوكة‪ :‬أن يكون من ذوي الشوكة الذين يتبعهم الناسأل ويصدرون عن رأيهم؛ ليحصل بهم‬
‫مقصود الوالية ‪[ .‬انظر اإلمامة العظمى والوجيز في فقه الخالفة ووبل الغمامة]‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫ثالثا‪ :‬هل ألهل العاصمة (مكان إقامة اإلمام) مزي ة على غيرهم في االختيار؟‪.‬‬
‫قال صاحب [اإلمامة العظمى]‪( :‬ذهب بعض العلماء إلى تحميل أهل االختيار المقيمين في‬
‫العاصمة التي يسكنها اإلمام السابق والتي مات فيها مس ولية أخص في اختيار اإلمام الجديد‬
‫دون من عداهم من أهل االختيار في المدن األخرى وباقي األصقاع أل ألنهم هم الذين يبلغهم‬
‫النبأ أوال ًأل وألن من يصلح لإلمامة يوجد عا دة في العاصمة أكثر مما يوجد في غيرها من‬
‫البالد‪ ..‬ولكن هذا الرأي غير مقبول عند اْلخرينأل فهذا أبو يعلى يقول‪( :‬وليس لمن كان في‬
‫بلد اإلمام مزية على غيره من أهل البالد يتقدم بها أل وإنما صار من يختص ببلد اإلمام‬
‫متوليًا لعقد اإلمامة لسبق عمله بموتهأل وألن من يصلحون للخالفة في الغالب موجودون في‬
‫بلده) [األحكام السلطانية]‪ .‬واعتبر الماوردي ذلك االختصاص عرفًا ال شر ًعاأل وذكر‬
‫األسباب التي ذكرها أبو يعلى اْلنفة الذكر فقال‪( :‬وليس لمن كان في بلد اإلمام على غيره‬
‫من أهل البالد فضل مزية تقديم بها عليه وإنما صار من يحضر ببلد اإلمام متوليا ً لعقد‬
‫اإلمامة عرفا ً ال شرعاً؛ لسبوق علمهم بموته وألن من يصلح للخ الفة في األغلب موجودون‬
‫في بلده)أل وعلق ابن حزم على ذلك الرأي بقوله ‪( :‬أما قول من يقول ‪" :‬إن عقد اإلمامة ال‬
‫يصح إال بعقد أهل حضرة اإلمام وأهل الموضع الذي فيه قرار األئمة" هو قول فاسد ال‬
‫حجة ألهله أل وكل قول في الدين عري من القرآن أو من سنة الرسول صلى هللا عليه وسلم‬
‫أو إجم اع األمة المتيقن فهو باطل بيقين) [الفصل]‪.‬‬
‫وقال عمر بن عبد العزيز بعد أن أخذت له البيعة بناء على عهد الخليفة سليمان بن عبد‬
‫الملك إليه‪" :‬أيها الناسأل إني لست بمبتدع ولكني متبعأل وإن من حولكم من األمصار والمدن‬
‫إن أطاعوا كما أطعتم فأنا واليكمأل وإن هم أَ َب ْوا فلست لكم بوا َّل أل ثم نزل"‪ ..‬فهو يرى أن‬
‫األمة هي صاحبة القرارأل وأن من كانوا في حاضرة الخالفة ليسوا بأولي من غيرهم في هذا‬
‫الحق بل هو إلى عموم األمةأل ويجب أن ينعقد الرضا من المسلمين كافة أو من أغلبيتهم‬
‫ممثلين في أهل الحل والعقد الذين يحصل بهم مقصود اإلمامةأل ألنهم ر وس األمة الذين‬
‫يتبعهم الناس ‪ .‬كما روى الطبري رحمه هللا أن عليا رضي هللا عنه صعد على المنبر وقال‪:‬‬
‫« يا أيها الناس عن م أل وﺇذن‪ ،‬ﺇن هذا أمركم ليس ألحد فيه ﺇال من أ َّم رتم وقد افترقنا باألمس‬
‫على أمر فإن شئتم قعدت لكم وﺇال ف ال أجد على أحد‪ ،‬فقالوا‪ :‬نحن على ما فارقنا ك عليه‬
‫باألمس »‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫رابعا‪ :‬عدد أهل الحل والعقد ‪:‬‬
‫اختلف العلماء في تحديد العدد الذي تنعقد به اإلمامة من أهل الحل والعقد اختالفًا كبيرًا‪.‬‬
‫ويمكننا حصر هذا االختالف في ثالثة مذاهب نستعرضها أوال ً ثم نرى الرأي الراجح منها ‪.‬‬
‫المذه ب األو ل‪:‬‬
‫وه الء اشترطوا اإلجماع التام على الخلي فة المختار ولم يحددوه بعدد معينأل وانقسموا إلى‬
‫قسمين‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ قوم اشترطوا اإلجماع التام من قبل األمة على الخليفة المختار الذي يختاره أهل الحل‬

‫‪27‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫والعقد أل وقد عزا األشعري هذا القول إلى األصم من المعتزلة فقال‪( :‬ال تنعقد إال بنجماع‬
‫المسلمين)أل و لِلحكي هذا القول رواية عن اإلمام أحمد رحمه هللا فقا ل في رسالة عبدوس بن‬
‫مالك العطار‪( :‬ومن ولي الخالفة فأجمع عليه الناس ورضوا به‪)...‬أل وقال في رواية إسحاق‬
‫بن منصور لما سئل عن حديث النبي صلى هللا عليه وسلم « من ما ت وليس له ﺇمام ما ت‬
‫ميتة الجاهلية » ما معناه؟ فقال‪ :‬أتدري ما اإلمام؟ اإلمام الذي يجمع عليه المسلمون كلهم‬
‫يقول هذا إمام فهذا معناه)‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ وقوم اشترطوا إجماع أهل الحل والعقد‪ :‬وحكى ابن خلدون أن هذا هو السبب الذي جعل‬
‫بعض الصحابة يعدلون عن بيعة علي رضي هللا عنه إلى المطالبة بدم عثمان رضي هللا‬
‫عنهأل فقال‪( :‬رأى آخرون أن بيعته ـ أي علي ـ لم تنعقد أل الفتراق الصحابة أهل الحل والعقد‬
‫باْلفاقأل وال تلزم بعقد من توالها من غيرهم أو من القليل منهم ـ إلى أن قال ـ ذهب إلى ذلك‬
‫معاويةأل وعمرو بن العاص أل وأم الم منين عائشةأل والزبيرأل وابنه‪ ...‬إلخ) رضي هللا تعالى‬
‫عنهم أجمعين ‪.‬‬
‫ضا أبو يعلى في كتابه [المعتمد في أصول الدين] حيث قال‪( :‬ألن اإلمام‬ ‫وذهب إلى ذلك أي ً‬
‫يجب الرجوع إليهأل وال يسوغ خالفه والعدول عنه كاإلجماع أل ثم إن اإلجماع يعتبر في‬
‫انعقاده جميع أهل الح ل والعقد كذلك عقد اإلمامة له)‪.‬‬
‫وعند النظر في هذا المذهب نجده مردو ًدا بقسميه لمسباب التالية‪:‬‬
‫أ ـ أما اشتراط إجماع الدهماء فال يلتفت إليهأل ألن طبقة الدهماء البد أن تكون مقلدة لفئة‬
‫فيهاأل فال تستطيع أن تحكم في أناة وتعقُّل لتختار اإلمام العادلأل ومن ثم فنن أهل الحل والعقد‬
‫وهم ‪ :‬الطليعة الواعية والفئة المستنيرة من أهل االجتهاد من األمةأل هم الجديرون باختيار‬
‫اإلمامأل ألنهم سيحتملون وزره إذا لم يتحروا في اختياره الصوابأل وسيكونون شركاءه في‬
‫مرثمه ومظالمه‪.‬‬
‫ب ـ وألنه كما يقول ابن حزم رحمه هللا‪( :‬تكليف ما ال يطاق وما ليس في الوسع وما هو‬
‫أعظم الحرجأل وهللا تعالى ال يكلف نف ًسا إال وسعهاأل قال تعالى‪َ ﴿ :‬و َم ا َج َع َل َع َل ْي ُك ْم فِي ال ِّد ِ‬
‫ين‬
‫ج﴾)‪.‬‬
‫ِم نْ َح َر ٍ‬
‫ضا بما حدث بين الصحابة في سقيفة بني ساعدةأل إذا التقى في تلك‬ ‫جـ ـ وهو مدفوع أي ً‬
‫السقيفة بعض أهل الحل والعقدأل ولم ينتظروا حضور الجميع أل وفي ذلك المقام بايعوا أبا بكر‬
‫رضي هللا تعالى عنه دون انتظار لرأي اْلخرين‪.‬‬
‫د ـ أما قياس ذلك على اإلجماع فهو قياس مع الفارق‪.‬‬
‫المذه ب الثاني ‪:‬‬
‫وهناك من حدد أهل الحل والعقد بعدد معينأل واختلفوا في هذا التحديد إلى عدة آراء هي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ قوم قالوا‪( :‬إن أقل ما تنعقد به أربعون ال دونهمأل ألن عقد اإلمامة فوق عقد الجمعة وال‬
‫تنعقد بأقل من أربعين)‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ وذهب آخرون إلى القول بأن أقل ما تنعقد به خمسة يجتمعون على عقدهاأل أو يعقدها‬
‫أحدهم برضا األربعةأل واحتجوا لذلك بأن بيعة أبي بكر انعقدت بخمسةأل وألن عمر قد جعلها‬
‫شورى في ستة‪ .‬و لِلنسب هذا القول إلى شيوو المعتزلة الجبائي والقاضي عبد الجبار‪ .‬وقال‬
‫الماوردي‪( :‬وهذا قول أكثر الف قهاء والمتكلمين من أهل البصرة)‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ وذهب آخرون إلى انعقادها بأربعة قيا ًسا على أكثر نصاب الشهود‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ وذهب الفريق اْلخر إلى اشتراط أن يكونوا ثالثةأل ألنهم جماعة ال تجوز مخالفتهم‪.‬‬

‫‪28‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫‪ 5‬ـ وذهب آخرون إلى انعقادها برضا اثنين للثالث أل ألن االثنين أقل الجمعأل وليكونا حاكمًا‬
‫وشاهدين كما يصح عقد النكاح بولي وشاهدين‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ وقالت طائفة تنعقد بواحد أل واستدلوا على ذلك بأن العباس قال لعلي رضي هللا عنهما‪:‬‬
‫(امدد يدك أبايعكأل فيقول الناس عم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بايع ابن عمهأل فال‬
‫يختلف عليك اثنان) ‪ .‬وألن عمر لما بايع أبا بكر رضي هللا عنهما تبعه الصحابة على ذلك‬
‫ووافقوهأل وألنه لِلح ْك ٌمأل وحكم واحد نافذ أل وقد عزا البغدادي هذا القول إلى أبي الحسن‬
‫األشعريأل وإليه ذهب اإليجي في المواقف والغزالي في فضائح الباطنية‪ .‬وبهذا ال قول قال‬
‫إمام الحرمين حيث ذكر أن‪( :‬أقرب المذاهب ما ارتضاه القاضي أبو بكرأل وهو المنقول عن‬
‫شيخنا أبي الحسن رضي هللا عنهماأل وهو ‪ :‬أن اإلمامة تثبت بمبايعة رجل واحد من أهل‬
‫العقد) لكنه اشترط بعد ذلك أن يكون ذا شوكة وإال فال‪ .‬وإليه ذهب أبو عبد هللا القرطبي في‬
‫تفسيرهأل وهو مذهب الزيدية‪.‬‬
‫وذهب جمهور الشافعية إلى أنها تنعقد بمن تيسر حضوره وقت المبايعة في ذلك الموضع‬
‫من العلماء والر ساء ووجهاء الناس المتصفين بصفات الشهودأل حتى لو تعلق الحل والعقد‬
‫بواحد كفىأل قال اإلمام النووي في [نهاية المحتاج]‪( :‬المعتبر بيعة أهل الحل والعقد من‬
‫العلماء والر ساء وسائر وجوه الناس الذين يتيسر حضورهمأل وال يشترط اتفاق أهل الحل‬
‫والعقد في سائر البالد واألصقاعأل بل إذا وصلهم خبر أهل البالد البعيدة لزمهم الموافقة‬
‫والمتابعةأل وعلى هذا ال يتعين لالعتبار عددأل بل ال يعتبر العددأل حتى لو تعلق الحل والعقد‬
‫بواحد مطاع كفت بيعته النعقاد اإلمامة)‬
‫قال القلقشندي‪( :‬وهو األصح عند أصحابنا الشافعية)‪ .‬وإلى ذلك ذهب القالنسي شيخ‬
‫البغدادي‪.‬‬
‫ويالحظ أن هناك فرقًا بين ما ذهب إليه األشعري وأتباعه وما ذهب إليه الشافعيةأل وهو أن‬
‫جمهور الشافعية تشترط النعقادها بواحد أن ال يكون ثمة غيره ممن يمكن أن يوصف‬
‫بصفات أهل الحل والعقد أل أما األشعرية فال تشترط ذلك أل وإنما تكتفي بواحد من أهل الحل‬
‫والعقد ‪.‬‬
‫وعند النظر في هذه األقوال واْلراء نجدها مرجوحة لما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬قياس عدد أهل الحل والعقد على عدد من تصح بهم الجمعة أو الشهودأل أو النكاح أو‬
‫ِّ‬
‫بالبت في أمر يهم‬ ‫غيرهاأل غير مسلم به ألنه قياس مع الفارق أل وال يصح انفراد عدد قليل‬
‫األمة كلها أل اللهم إال إذا قل أفراد جماعة أهل الحل والعقد فحينئذ تكون الضرورة هي‬
‫الملجئة إلى القول بانعق اد اإلمامة بالعدد القليل‪( .‬وألنه ليس قول من قال‪ :‬تنعقد باثنين بأولى‬
‫من قول من قا ل‪ :‬تنعقد بأربعةأل وال قول من قال‪ :‬تنعقد بأربعة بأولى من قول‪ :‬من قال ‪:‬‬
‫تنعقد بالجماعة ‪.)...‬‬
‫‪ ‬أما االحتجاج ببيعة أبي بكر وعمر رضي هللا عنهما فال يصح أل ألن بيعة أبي بكر لم‬
‫تنعقد ببيعة الخمسة الذين ذكروهم فقط أل وإنما تمت بمبايعة كبار المهاجرين واألنصار كما‬
‫مر معنا في حديث السقيفة‪.‬‬
‫قال ابن تيمية عند قول الرافضي‪( :‬إنهم يقولون‪ :‬اإلمام بعد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫أبو بكر بمبايعة عمر برضا أربعة قال‪ :‬فيقال له‪ :‬ليس هذا قول أئمة السنة وإن كان بعض‬
‫أهل الكالم يقولون ‪ :‬إن اإلمامة تنعقد ببيعة أربعةأل كما قال بعضهم‪ :‬تنعقد ببيعة اثنينأل وقال‬

‫‪29‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫بعضهم‪ :‬تنعقد ببيعة واحدأل فليست هذه أقوال أئمة السنةأل بل اإلمامة عندهم تثبت بموافقة‬
‫أهل الشوكة عليها أل وال يصير الرجل إمامًا حتى يوافقه أهل الشوكة الذين يحصل بطاعتهم‬
‫له مقصود اإلمامةأل فنن المقصود من اإلمامة إنما يحصل بالقدرة والسلطانأل فنذا بويع بيعة‬
‫حصلت بها القدرة والسلطان صار إماماأل ولهذا قال أئمة السلف‪ :‬من صار له قدرة وسلطان‬
‫يفعل بهما مقصود الواليةأل فهو من أولي األمر الذين أمر هللا بطاعتهم ما لم يأمروا بمعصية‬
‫هللا أل فاإلمامة ملك وسلطانأل والملك ال يصير ملكا بموافقة واحد وال اثنين وال أربعةأل إال أن‬
‫تكون موافقة ه الء تقتضي مواف قة غيرهم بحيث يصير ملكا بذلك ـ إلى أن قال ـ ولو قلِل ِّدر‬
‫أن عمر وطائفة معه بايعوه ـ أي أبا بكر ـ وامتنع الصحابة عن البيعة لم يصر إمامًا بذلكأل‬
‫و إنما صار إمامًا بمبايعة جمهور الصحابة الذين هم أهل القدرة والشوكة)‬
‫وقال عن بيعة عمر رضي هللا عنه‪( :‬وكذلك عمر لما عهد إليه أبو بكر إنما صار إماما لما‬
‫بايعوه وأطاعوهأل ولو قدر أنهم لم ينفذوا عهد أبي بكر ولم يبايعوه لم يصر إماماأل سواء كان‬
‫ذلك جائزا أو غير جائز أل فالحل والحرمة متعلق باألفعالأل وأما نفس الوالية والسلطان فهو‬
‫عبارة عن القدرة الحاصلةأل ثم قد تحصل على وجه يحبه هللا ورسولهأل كسلطان الخلفاء‬
‫الراشدينأل وقد تحصل على وجه فيه معصيةأل كسلطان الظالمين)‪.‬‬
‫وقال أيضا‪ ( :‬فنذا أمره أهل القدرة منهم صار أميراأل فكون الرجل أميرا وقاضيا وواليا‬
‫وغير ذلك من األمور التي مبناها على القدرة والسلطانأل متى حصل ما يحصل به من‬
‫القدرة والسلطان حصلت وإال فال؛ إذ المقصود بها عمل أعمال ال تحصل إال بقدرةأل فمتى‬
‫حصلت القدرة التي بها يمكن تلك األعمال كانت حاصلة وإال فال‪ ...‬والقدرة على سياسة‬
‫ا لناس إما بطاعتهم لهأل وإما بقهره لهمأل فمتى صار قادرا على سياستهم بطاعتهم أو بقهرهأل‬
‫فهو ذو سلطان مطاعأل إذا أمر بطاعة هللا‪.‬‬
‫ولهذا قال أحمد في رسالة عبدوس بن مالك العطار‪" :‬أصول السنة عندنا التمسك بما كان‬
‫عليه أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ـ إلى أن قال ـ ومن ولي الخالفة فأجمع عليه‬
‫الناس ورضوا بهأل ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير الم منينأل فدفع‬
‫الصدقات إليه جائز برا كان أو فاجرا")‪.‬‬
‫‪ ‬وكذلك فعل عمر في حصر الخالفة في الستة الذين اختارهمأل فنقول هذا ليس حصرًا لعدد‬
‫أهل الحل والعقد الذين يختارونأل وإنما لمن يختار منهمأل فهم جمي ًعا مرشحون للخالفة‬
‫ويختار أحدهم أل يدل على ذلك ما مر معنا أن عبد الرحمن بن عوف رضي هللا عنه بقي‬
‫ثالثا ال تغتمض عينه بكثير نوم وهو يشاور كبار المهاجرين واألنصار‪.‬‬ ‫ً‬
‫قال ابن تيمية‪( :‬عثمان لم يصر إمامًا باختيار بعضهم ـ أي بعض الستة ـ بل بمبايعة الناس‬
‫لهأل وجميع المسلمين بايعوا عثمان لم يتخلف عن بيعته أحد أل فلما بايعه ذوو الشوكة والقدرة‬
‫صار إماما ً وإال لو قدر أن عبد الرحمن بايعه ولم يبايعه علي وال غيره من الصحابة أهل‬
‫الشوكة لم يصر إماما ً) [منهاج السنة (‪1‬ك‪.]140‬‬
‫‪ ‬أما االستدالل على صحة بيعة الواحد بمبادرة عمر في بيعة أبي بكر ثم تبعه الصحابة‬
‫ووافقوه على ذلك فال يصح أل ألن سبب إتباعهم له هو رضاهم بما ذهب إليه أل ال أنه قد‬
‫ألزمتهم مبايعته إتباعه أل وإال لو فرض أنه لم يبايع غير عمر لما ثبتت إمامة أبي بكر‬
‫صا وهو القائل ‪« :‬من بايع رج ال ً من غير مشورة المسل مين ف ال يتابع هو وال الذي‬ ‫خصو ً‬
‫بايع َت ِغ رَّة أن يقت ال » ‪.‬‬

‫‪31‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫أما كون عمر هو السابق إلى البيعة ففي كل بيعة ال بد من سابقأل كما قال ابن تيمية‪.‬‬
‫‪ ‬أما االستدالل على صحة بيعة واحد بأن العباس قال لعلي بن أبي طالب‪ « :‬امدد يد ك‬
‫أبايعك‪ ،‬فيقول الناس عم رسول هللا بايع ابن أخيه‪ » ...‬فال يصحأل ولو فرض صحته فننه لم‬
‫يتم ولم يفعله‪.‬‬
‫‪ ‬وأما ما ذهب إليه جمهور الشافعية من انعقاد اإلمامة بالواحد إذا انحصر فيه أهل الحل‬
‫والعقد فكما قال الدكتور محمد رأفت عثمان‪( :‬لم يحصل في عصر من العصور انحصار‬
‫الحل والعقد في واحدأل ويندر أن يحصل ذلك)أل والنادر ال حكم له‪.‬‬
‫اإل َما َمة لم َت ْن َعقِد بمبايعته َوحده ـ أي ببيعة عمر ألبي بكر‬ ‫‪ ‬قال محمد رشيد رضا‪َ ( :‬ف ِنن ْ ِ‬
‫بيعة‬‫صح أَن عمر أنكر على من زعم أَن ا ْل َ‬ ‫اعة َلهلِلأل قد َ‬ ‫رضي هللا عنهما ـ أل بل بمتابعة ا ْل َج َم َ‬
‫ان بلغه َه َذا ال َق ْول فِي ْأث َناء حجه فعزم على َب َيان‬ ‫اعة َو َك َ‬ ‫اورة ا ْل َج َم َ‬
‫َت ْن َعقِد ِب َواحِد من غير لِلم َش َ‬
‫ايعة َو َما ي ْش َترط فِي َها من الشورى على َج َماهِير ا ْلحجاج َفذكره َبعضهم ِبأَن‬ ‫َحقِي َقة أَمر ا ْل لِلم َب َ‬
‫ا ْل َم ْوسِ م يجمع أخالط الناس َومن َال يفهمون ا ْلم َقالأل فيطيرون ِب ِه كل مطارأل َوأَنه يجب أَن‬
‫يرجئ َه َذا ا ْل َب َيان ِإ َلى أَن يعود ِإ َلى ا ْل َمدِي َنة فيلقيه على أهل ا ْلعلم والرأي َففعلأل َقا َل على ِم ْن َبر‬
‫فالناأل َف َال‬
‫ات عمر لبايعت َ‬ ‫الرسلِلول صلى هللا َع َل ْي ِه َوسلم‪َ :‬بلغنِي أَن َقائِال ِم ْن لِلكم َيقلِلول َوهللا َلو َم َ‬
‫بيعة أبي بكر َكا َنت فلتة فتمتأل أَال َو ِإن َها قد َكا َنت َك َذلِك َو َلكِن وقى‬ ‫يغترن ا ْم لِلر أَن َيقلِلول ِإن َ‬
‫ْس فِي لِلكم من تتطلع ِإ َل ْي ِه ْاألَعْ َناق مثل أبي بكرأل من َبايع رجال من غير مشورة‬ ‫هللا َشرهاأل َو َلي َ‬
‫اريأل َوقد أقرت ج َما َعة‬ ‫يقتال‪.‬ر َواهلِل الب َلِلخ ِ‬
‫َ‬ ‫من ا ْلملِلسلمين َف َال لِلي َبايع ه َلِلو َو َال الذِي َبايعه تغرة أَن‬
‫ان ِإجْ َما ًعا‪.‬‬ ‫الص َحا َبة عمر على َذلِك َف َك َ‬
‫ايعة أَن تكون بعد استشارة لِلج ْمهلِلور ا ْلملِلسلمين َو ْ‬
‫اخ ِت َيار أهل ا ْلحل َوا ْلعقد‬ ‫ِإن األَصْ ل فِي ا ْل لِلم َب َ‬
‫َو َال تعْ َتبر مبايعة َغيرهم ِإال أَن تكون تبعا َلهلِلمأل َوأَن عمل عمر َرضِ ي هللا َعن لِله َخالف َه َذا‬
‫ان فلتة لمقتضيات َخاصة َال أصال َشرْ عِ ًيا يعْ مل ِبهِأل َومن تصدى لمثله‬ ‫األَصْ ل ا ْلقطعِي َف َك َ‬
‫َف َبايع أحدا َف َال َيصح أَن يكون ه َلِلو َو َال من َبايعه أَهال للمبايعةأل بل يكون َذلِك تغريرا ً بأنفسهما‬
‫قد لِلي ْفضِ ي ِإ َلى َقتله َما ِإ ْذ أحدث فِي ْاألمة شقاقا وفتنة)‪[ .‬الخالفة]‪.‬‬
‫‪ ‬هناك من احتج بتعذر اجتماع كل أو جل أهل الحل والعقد فقال بانعقاد اإلمامة ببيعة من‬
‫تيسرأل والجواب أن رضى األمة ببيعة من تيسر معتبر أل كما أن هذا القول مشروط بالتعسر‬
‫عند وجود ما يمنع من اجتماعهم ومعرفة رأيهمأل ويزول عند زواله إذا أمكن اجتماع أهل‬
‫الحل والعقد في األمة بال مشقة‪ .‬أل والواجب االحتياط لمصلحة األمة في اإلمامة العامة‬
‫لعظيم خطرها‪.‬‬
‫المذه ب الثال ث ‪:‬‬
‫ذهب أصحاب المذهب الثالث إلى االعتدال في تحديد أهل الحل والعقدأل فلم يشترطوا‬
‫اإلجماع كما قال أصحاب المذهب األولأل ولم يشترطوا عد ًدا معي ًنا كما قال أصحاب‬
‫المذهب الثاني أل وإنما اشترطوا جمهور أهل الحل والعقد واألغلبية الذين هم أهل الشوكةأل‬
‫والذين بمبايعتهم واختيارهم لإلمام يحصل مقصود اإلمامةأل وطبقًا لهذا االتجاه ال ي دي‬
‫تخلف بعضهم إلى الطعن في صحة االختيار أل كما ال ي دي موافقة القلة أن تعطي للخليفة‬
‫السند الشرعي للسلطةأل ألن تخلف القلة ال ي ثر في مقصود الوالية أل وموافقة القلة ليس من‬
‫شأنه أن يحققهاأل وإنما العبرة بموافقة األغلبية (الجمهور) ألنه بموافقتهم يتحقق المقصود من‬
‫السلطة العامة الممثلة في الخليفة‪.‬‬

‫‪31‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫قال الماوردي‪ ( :‬قالت طائفة ال تنعقد إال بجمهور أهل الحل والعقد من كل بلدأل ليكون الرضا‬
‫‪‬‬
‫به عامًا والتسليم إلمامته إجما ًعا)‬
‫وممن ذهب إلى هذا القول أبو يعلى في األحكام السلطانية فقال‪( :‬أما انعقادها باختيار أهل‬
‫الحل والعقد فال تنع قد إال بجمهور أهل الحل والعقد أل قال أحمد في رواية إسحاق بن إبراهيم‬
‫"اإلمام الذي يجتمع قول أهل الحل والعقد عليه كلهم يقول هذا إمام"أل قال‪ :‬وظاهر هذا أنها‬
‫تنعقد بجماعتهم)‪.‬‬
‫وذهب إلى ذلك أيضا ً شيخ اإلسالم بن تيمية رحمه هللا حيث قال‪( :‬وإنما صار إمامًا ـ أي أبو‬
‫بكر رضي هللا عنه ـ بمبايعة جمهور الصح ابة الذين هم أهل القدرة والشوكةأل ولهذا لم يضر‬
‫تخلف سعد بن عبادة رضي هللا تعالى عنهأل ألن ذلك ال يقدح في مقصود الواليةأل فنن‬
‫المقصود حصول القدرة والسلطان اللذين بهما تحصل مصالح اإلمامةأل وذلك قد حصل‬
‫بمواف قة الجمهور على ذلك أل فمن قال يصير إما ًما بموافقة واحد أو اثنين أو أربعأل وليسوا هم‬
‫ذوي القدرة والشوكة فقد غلط أل كما أن من ظن أن تخلف الواحد أو االثنين أو العشرة يضر‬
‫فقد غلط) [منهاج السنة (‪1‬ك‪. ]141‬‬
‫وقال‪ ( :‬فنذا بويع بيعة حصلت بها القدرة والسلطان صار إماماأل ولهذا قال أئمة السنة؛ من‬
‫صار له قدرة وسلطان يفعل بها مقصود الوالية فهو من أولي األمر الذين أمر هللا بطاعتهمأل‬
‫ما لم يأمروا بمعصية هللاأل فاإلمامة ملك وسلطانأل والملك ال يصير ملكا بموافقة واحد أو‬
‫اثنين أو أربعةأل إال أن تكون موافقة ه الء تقتضي موافقة غيرهم بحيث يصير ملكا بذلكأل‬
‫وهكذا كل أمر يفتقر إلى المعاونة عليهأل ال يحصل إال بحصول من يمكنهم التعاون عليهأل‬
‫ولهذا لما بويع علي رضي هللا عنه وصار معه شوكة صار إماما أل ولو كان جماعة في سفر‬
‫فالسنة أن ي مروا أحدهم كما قال النبي صلى هللا عليه وسلم ال يحل لثالثة يكونون في سفر‬
‫إال أن ي مروا واحدا منهم فنذا أمره أهل القدرة منهم صار أميرا فكون الرجل أميرا وقاضيا‬
‫وواليا وغير ذلك من األمور التي مبناه ا على القدرة والسلطان متى حصل ما يحصل به من‬
‫القدرة والسلطان حصلت وإال فال إذ المقصود بها عمل أعمال ال تحصل إال بقدرة فمتى‬
‫حصلت القدرة التي بها يمكن تلك األعمال كانت حاصلة وإال فال)‪.‬‬
‫وقال‪( :‬والنبي صلى هللا تعالى عليه وسلم قد أخبر أمته بما سيكونأل وما يقع بعده من‬
‫التفرقأل فنذا نص ألمته على إمامة شخص يعلم أنهم ال يولونه أل بل يعدلون عنه ويولون‬
‫غيره ـ يحصل لهم بواليته مقصود الوالية ـ وأنه إذا أفضت النوبة إلى المنصوص حصل‬
‫من سفك دماء األمة ما لم يحصل بغير المنصوصأل ولم يحصل من مقاصد الوالية ما‬
‫حصل بغير المنصوصأل كان الواجب العدول عن المنصوص)‪.‬‬
‫قال الشنقيطي في [األضواء]‪( :‬ومقتضى كالم الشيخ تقي الدين أبي العباس ابن تيمية في‬
‫اإلمامة؛‬
‫[المنهاج] أنها إنما تنعقد بمبايعة من تقوى به شوكتهأل ويقدر به على تنفيذ أحكام ِ‬
‫ألن من ال قدرة له على ذلك كرحاد الناس ليس بنِمام)‪.‬‬
‫ويقول الجويني‪( :‬وأقرب المذاهب ما ارتضاه القاضي أبو بكرأل وهو المنقول عن شيخنا أبي‬

‫‪ ‬ـ انظر رحمك هللا إلى الحكم " ال تنعقد إال بجمهور أهل الحل والعقد من كل بلد" فليس لبلد مزية على أخرىأل وعلته " ليكون الرضوا بوه عا ًم وا‬
‫والتسليم إلمامته إجماعًا "]‬
‫‪ ‬ـ تأموول النظوور فووي موورالت األمووور واعتبووار مقاصوود الواليووة والتوليووة فووي كووالم شوويخ اإلسووالم ‪ ..‬الواجووب العوودول عوون‬
‫المنصوص إذا أفضت النوبة إلى المنصوص حصل من سفك دماء األموة موا لوم يحصول بغيور المنصووص ‪ ..‬والفقوه فضول هللا‬
‫ي تيه من يشاء‬

‫‪32‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫الحسن رضي هللا عنهما وهو أن اإلمامة تثبت بمبايعة رجل واحد من أهل العقدأل ووجه هذا‬
‫المذهب أنه تقرر أن اإلجماع ليس شرطا في عقد اإلمامة ثم لم يثبت توقيف في عدد‬
‫مخصوصأل والعقود في الشرع يتوالها عاقد واحد وإذا تعدى المتعدي عن الواحد فليس عدد‬
‫أولى من عدد وال وجه للتحكيم في إثبات عدد مخصوصأل فنذا لم يقم دليل على عدد لم يثبت‬
‫العدد أل وقد تحققنا أن اإلجماع ليس شرطا فانتفى اإلجماع باإلجماع وبطل العدد بانعدام‬
‫وظاهر قول القاضي يشير إلى أن‬ ‫الدليل عليه فلزم المصير إلى االكتفاء بعقد الواحد‪.‬‬
‫ذلك مقطوع به أل وهذا وإن كان أظهر المذاهب في ذلك فلسنا نراه بالغا مبلغ القطع؛ وها أنا‬
‫اْلن أذكر ما يلوح عندي في هذا الفصل وفيه ذكر كالم ينعطف على الفصل األول فأقول‪:‬‬
‫الذي أراه أن أبا بكر لما بايعه عمر لو ثار ثائرون وأبدوا صفحة الخالف ولم يرضوا تلك‬
‫البيعة لما كنت أجد متعلقا في أن اإلمامة كانت تستقل ببيعة واحدأل وكذلك لو فرضت بيعة‬
‫اثنين أو أربعة فصاعدا وقدرت ثوران مخالفين لما وجدت متمسكا به اكتراث واحتفال في‬
‫قاعدة اإلمامةأل ولكن لما بايع عمر تتابعت األيدي واصطفقت األكف واتسقت الطاعة‬
‫وانقادت الجماعة أل فالوجه عندي في ذلك أن نعتبر في البيعة حصول مبلغ من األتباع‬
‫واألنصار واألشياع يحصل بهم شوكة ظاهرة ومنعة قاهرة بحيث لو فرض ثوران خالف‬
‫لما غلب على الظن أن يصطلم أتباع اإلمامأل فنذا تأكدت البيعة وتأطدت بالشوكة والعدد‬
‫وال لِلعددأل واعتضدت وتأيدت بالمنة واستظهرت بأسباب االستيالء واالستعالءأل فنذ ذاك تثبت‬
‫اإلمامة وتستقر وتتأكد الوالية وتستمر أل ولما بايع عمر مالت النفوس إلى المطابقة والموافقة‬
‫ولم يبد أحد شراسا وشماسا وتظافروا على بذل الطاعة على حسب االستطاعة‪ .‬وبتعين‬
‫اعتبار ما ذكرته بأني سأوضح في بعض األبواب اْلتية إن الشوكة ال بد من رعايتها ومما‬
‫ي كد ذلك اتفاق العلماء قاطبة على أن رجال من أهل الحل والعقد لو استخلى بمن يصلح‬
‫لإلمامة وعقد له البيعة لم تثبت اإلمامةأل وسنذكر ذلك في مختتم هذا الفصلأل وسبب تعلقي‬
‫بذلك أن مثل هذا لو قدر لم تستتب منه شوكة ولم تثبت به سلطنة فلئن كنا نتبع ما جرى فقد‬
‫كانت البيعة على هذه القضية التي وصفتها وظهر اعتبار حصول الشوكة فلنتبع ذلكأل ثم‬
‫أقول ‪ :‬إن بايع رجل واحد مرموق كثير األتباع واألشياع مطاع في قوم وكانت بيعته تفيد ما‬
‫أشرنا إليه انعقدت اإلمامةأل وقد تبايع رجال ال يفيد مبايعتهم شوكة ومنة قهرية فلست أرى‬
‫لإلمامة استقراراأل والذي أجزته ليس شرط إجماع وال احتكاما بعدد وال قطعا بأن بيعة‬
‫الواحد كافية وإنما اضطربت المذاهب في ذلك لوقوع البيعة ألبي بكر مبهمة من غير‬
‫اختصاص بعددأل ولم تتجه إحالة إبرام العقد على بيعة واحد فتفرقت الطرق واعوص مسلك‬
‫الحق على معظم الناظرين في البابأل والذي ذكرته ينطبق على مقصد اإلمامة وسرها فنن‬
‫الغرض حصول الطاعة وهو موافق لإلبهام الذي جرى في البيعة فرحم هللا ناظرا انتهى‬
‫إلى هذا المنتهى فجعل جزاءنا منه دعوة بخير)‪.‬اهـ‪.‬‬
‫وقال أيضا‪( :‬ال بد في الخلع ـ أي خلع اإلمام عند الحاجة ـ والعقد ـ أي تولية اإلمام ـ من‬
‫اعتبار الشوكة)‪.‬‬
‫وبقول الغزالي في فضائح الباطنية‪ ( :‬والذي نختاره أنه يكتفى بشخص واحد يعقد البيعة‬
‫لإلمام طالما كان ذلك الواحد مطاعا ً ذا شوكة ال تطالأل وطالما كان إذا مال إلى جانب مالت‬
‫بسببه الجماهير ولم يخالفه إال من ال يكترث بمخالفتهأل فالشخص الواحد المتبوع المطاع‬
‫الموصوف بهذه الصفة إذا بايع كفىأل إذ في موافقته موافقة الجماهيرأل فنن لم يحصل هذا‬
‫الغرض إال لشخصين أو ثالثة فالبد من اتفاقهمأل وليس المقصود أعيان المبايعينأل وإنما‬

‫‪33‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫الغرض قيام شوكة اإلمامة باألتباع واألشياع وذلك يحصل بكل مستول مطاعأل ونحن نقول‪:‬‬
‫لما بايع عمر أبا بكر رضي هللا عنهماأل انعقدت اإلمامة له (ألبي بكر) ال بمجرد بيعته (أي‬
‫بيعة عمر) ولكن لتتابع األيدى إلى البيعة بسبب مبادرتهأل ولو لم يبايعه غير عمر وبقي كافة‬
‫الخلق مخالفين أو انقسموا انقساما متكافئا ال يتميز فيه غالب عن مغلوب لما انعقدت‬
‫اإلمامةأل فنن شرط االنعقاد قيام الشوكة وانصراف القلوب إلى المشايعةأل ومطابقة البواطن‬
‫والظواهر على المبايعة أل فنن المقصود الذي طلبنا له اإلمام جمع شتات اْلراء في مصطدم‬
‫تعارض األهواءأل وال تتفق اإلرادات المتناقضة والشهوات المتباينة المتنافرة على متابعة‬
‫رأي واحد إال إذا ظهرت شوكته وعظمت نجدتهأل وترسخت في النفوس رهبته ومهابتهأل‬
‫ومدار جميع ذلك على الشوكةأل وال تقوم الشوكة إال بموافقة األكثرين من معتبري كل‬
‫زمان)‪.‬‬
‫وقد سبق قول الرملى‪ِ ( :‬ألَن ْاألَمر َي ْن َتظِ م بهم ويتبعهم َسائِر الناس)‪.‬‬
‫قال رشيد رضا‪َ ( :‬و َه َذا التعْ لِيل ه َلِلو َغا َية التحْ قِيق منطوقا ً ومفهوما ًأل َف ِنذا لم يكن المبايعون‬
‫ْث تتبعهم ْاألمة َف َال َت ْن َعقِد ْ ِ‬
‫اإل َما َمة بمبايعتهم)‪.‬‬ ‫ِب َحي لِل‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫الرأي الراجح وأدلة الترجيح ‪:‬‬
‫وهذا هو الرأي ـ أي المذهب الثالث ـ الذي نميل إليه ونرجحه لما يلي ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ التفاقه مع ما حصل في بيعة الخلفاء الراشدين رضي هللا عنهم ـ كما مر ـ فننهم لم‬
‫يشترطوا إجماع أهل الحل والعقد أل ولم يحددوا الفئة الناخبة بعدد معين كما ذهب إلى ذلك‬
‫أصحاب المذهب الثانيأل ولم يكتفوا في المبايعة بأي عدد ممكنأل بل كانوا يكثرون‬
‫االستشارة واستطالع الرأي العام‪.‬‬
‫قال رشيد رضا‪َ ( :‬و َه َذا ه َلِلو ا ْل َمأْ لِلخوذ من عمل الص َحا َبة َرضِ ي هللا َع ْنهلِلم فِي َت ْولِ َية ا ْل لِلخ َل َفاء‬
‫بيعة أبي بكر فلتة ِألَن لِله َوقع قبل أَن يتم التشاور َبين َجمِيع‬ ‫الراشِ دينأل َف ِنن عمر َعد البدء فِي َ‬
‫أهل ا ْلحل َوا ْلعقد ِإ ْذ لم يكن فِي َسقِي َفة بني َساعِ دَ ة أحد من بني َهاشم وهم فِي ذروتهمأل‬
‫وتضافرت الر َِّوا َيات ِبأَن أَ َبا بكر َرضِ ي هللا َعن لِله أَ َطا َل التشاور َم َع كبراء الص َحا َبة فِي‬
‫ترشيح عمر َفلم يعبه أحد َل لِله ِب َشيْ ء إِال شدتهأل َوإِن َكا لِلنوا يعترفون أَن َها فِي ا ْلحقأل َف َك َ‬
‫ان‬
‫يراهلِل يلين فيشتد ه َلِلو ـ َوه َلِلو وزيره ـ ليعتدل ْاألَمرأل َوأَن ْاألَمر ِإذا آل ِإ َل ْي ِه يلين فِي‬ ‫لِلي ِجيبهلِل ْم ِبأَن لِله َ‬
‫َموضِ ع اللين ويشتد فِي َموضِ ع الشدةأل َحتى ِإذا رأى أَنه أقنع لِلج ْمهلِلور الزعماء ـ َوفِي مقدمتهم‬
‫َعلي كرم هللا َوجهه ـ صرح باستخالفه فقبلوا َولم يشذ ِم ْنهلِلم أحدأل َولما طعن عمر رأى‬
‫ات الرسلِلول صلى هللا َع َل ْي ِه َوسلم َوه َلِلو‬ ‫حصر الشورى ا ْل َوا ِج َبة فِي الزعماء السِّتة الذين َم َ‬
‫َع ْنهلِلم َراض لعلمه ِبأَن لِله َال ي َت َقدم َع َل ْي ِهم أحد َو َال يخالفهم فِي َما يتفقون َع َل ْي ِه أحدأل ألَنهم هم‬
‫لإل َما َمة دون سواهلِلم‪َ ...‬ولما أخرج َنفسه عبد الرحْ َمن بن َع ْوف ِم ْنهلِلم َوجعللِلوا َل لِله‬ ‫المرشحون ْ ِ‬
‫صارأل َولما‬ ‫ِاال ْخ ِت َيار َبقِي َث َال ًثا َال تكتحل عينه ِب َكثِير نوم َوه َلِلو يشاور كبراء ا ْل لِلم َها ِجرين َو ْاألَ ْن َ‬
‫صار وأمراء األجناد َف َلما اجْ َتمعلِلوا عِ ْند ِم ْن َبر َرسلِلول هللا‬ ‫َر َج َع ع ْلِلث َمان دَ َعا ا ْل لِلم َها ِجرين َو ْاألَ ْن َ‬
‫ار ِه لع ْلِلث َمان َو َبا َي َع لِله َه لِل َال ِء كلهمأل َر َواهلِل‬ ‫ص َالة ا ْلفجْ ر صرح َلهلِلم ِب ْ‬
‫اخ ِت َي ِ‬ ‫صلى هللا َع َل ْي ِه َوسلم بعد َ‬
‫مراد بأمراء األجناد ولِل َالة األقطار ا ْل لِلكب َْرى مصر َوالشام‬ ‫صحِيحه َو َغيره‪َ .‬وا ْل َ‬ ‫اري فِي َ‬ ‫الب َلِلخ ِ‬
‫وحمص والكوفة َوا ْل َبصْ َرة َو َكا لِلنوا قد حجُّوا َم َع عمر فِي َذلِك ا ْل َعام وحضروا َم َعه ا ْل َمدِي َنة‪.‬‬
‫او َية َفلم لِلي َبايع عليا كرم هللا َوجهه َم َع ِإجْ َماع َسائِر‬ ‫َولما َشذ أحد َه لِل َال ِء ا ْلولِل َالة ـ َوه َلِلو م َلِلع ِ‬
‫ايعة باتفاقهمأل‬ ‫ان‪َ .‬و ِإن َما تصح ا ْل لِلم َب َ‬ ‫ان من ا ْلفِ ْت َنة وتفرق ا ْل َكلِ َمة َما َك َ‬ ‫ا ْلملِلسلمين على مبايعته ـ َك َ‬

‫‪34‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫أَو ا ِّت َفاق الر ساء الذين يتبعهلِلم َغيرهمأل َومن لم يتبعهلِلم ِب ِاال ْخ ِت َيار سهل َع َل ْي ِهم إكراهه ِبقلِلوة‬
‫اعة واالنقياد)‪.‬‬ ‫ْاألمة على الط َ‬
‫فالبيعة الﺨاصة مﻦ جﻤاعة دون مشاورة ورضى باقي الجماعات ال تﻜفي إلقامة الخالفةأل‬
‫بﻞ ال بﺪ مﻦ بﻴعة أهﻞ الﺤﻞ والعقﺪ في األمةأل وهﻢ الﻴﻮم العلﻤاﺀ الﺜقات وقادة الﺠهاد ووجهاﺀ‬
‫األمةأل واالتصال به الء مﺘاح أكﺜﺮ مﻦ أي وقﺖ مﻀى ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ وكذلك من المرجحات لهذا المذهبأل تحقيقه لمبدأ الشورى الذي حث عليه القرآن‬
‫الكريمأل ورغب فيه الرسول صلى هللا عليه وسلم في أكثر من موضع أل فهو يتفق مع قواعد‬
‫الفقه اإلسالمي وما يقضي به العقل والمنطق‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ كما أنه يحقق جمع الكلمة وائتالف القلوبأل ويسد ذرائع الفتن واالختالف‪.‬‬
‫قال صاحب [الوجيز]‪( :‬وجد ير بالذكر أن معنى حصول الشوكة والمنعة لإلمام واجتماع‬
‫القلوب على طاعته ببيعة أهل الحل والعقد لهو من األمور المحكمة لدى كل من تكلم في هذه‬
‫المسألة من أهل العلمأل سواء في ذلك من قالوا‪ :‬ال تنعقد إال ببيعة جمهور أهل الحل والعقد‬
‫لهأل ومن قالوا‪ :‬تنعقد بعقد شخص واحد من أهل الحل والعقدأل فننهم يفترضون أن هذا‬
‫الشخص أو هذا العدد القليل معبر عن إرادة أهل الحل والعقد وممثل لجمهرتهم)‪..‬‬
‫قال الشيخ أبو الوليد الغزي في [الرسالة الشامية]‪( :‬جم لِلع الكلم ِة مع غياب السلطان يحتا لِلج إلى‬
‫التدبير في سياس ِة الناسأل وما ال تقدر عليه السيوفلِل تأتي ب ِه‬ ‫ِ‬ ‫النظر وحلِلسن‬‫ِ‬ ‫ْق الفه ِْم وسعة‬ ‫لِلعم ِ‬
‫الكلِ َم لِلة الطيب لِلة والصب لِلر والتدب لِلر واألناة)‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪35‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫فائدة‪:‬‬
‫( فئة أهل الحل والعقد تقوم باختي ار اإلمام نيابة عن األمة جمي ًعاأل فهم بمباشرتهم هذا‬
‫االختيار ال يمثلون أنفسهم فقطأل بل يمثلون األمة كلها‪ ..‬والمذكور في انعقاد اإلمامة بواسطة‬
‫أهل االختيار ينبغي أن يفهم في إطار أن ه الء يمثلون األمة تمثيال صحيحاًأل ويعبرون عن‬
‫إرادتها تعبيرا ً صادقاًأل وأن األمة في النهاية هي صاحبة األمر والقرارأل وإال كان األمر‬
‫إلغا ًء لممة ومصادرة لحقها في االختيار لحساب فرد أو بضعة أفراد!!‬
‫وال يظن بأحد من أهل العلم أن يجيز اختزال األمة في شخص أو حتى في خمسة أشخاص‬
‫ال يمثلون األمة وال يعبرون عن إرادتها ليكون قرارهم نهائيا ً وملزما ً لعامة المسلمين في‬
‫المشارق والمغارب!!‪.‬‬
‫وإذا كان األمر كذلكأل فال يجوز أن تنصرف النصوص التي توجب البيعة على كل مسلم‬
‫إلى بيعة االنعقاد أل وإنما إلى بيعة العامة التي تلي بيعة االنعقاد وتترتب عليها‪ :‬إظهار الرضا‬
‫باإلمام والطاعة له ـ إن حاز هذا االختيار قبولهم ـ حتى يكون الرضا به عاما ً والتسليم‬
‫إلمامته إجماعا ً) [الوجيز بتصرف]‪.‬‬

‫‪36‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫الطريقة الثانية ‪ :‬العهد (االستخالف)‪:‬‬


‫تضمن عرض الطريقة األولى اإلشارة إلى طريقة االستخالف بما يغني عن تكرارها‪.‬‬
‫لكن هل تنعقد الخالفة بمجرد العهد من اإلمام السابق أم ال بد من البيعة للمعهود له من قبل‬
‫أهل الحل والعقد؟‪.‬‬
‫للعلماء في ذلك قوالن أل والذي يترجح أن إمامة المستخلف ال تتم بمجرد العهدأل وإنما بمبايعة‬
‫األمة له بعد ذلكأل فال بد من البيعة للمعهود لهأل وذلك لفعل الخلفاء الراشدين رضي هللا‬
‫عنهم أل فأبو بكر لما أراد أن يستخلف عمر شاور كبار المهاجرين واألنصار في ذلكأل فكلُّهم‬
‫وافقه على العهد لعمر أل حيث أخذ منهم الميثاق على أن يب ايعوا من يختاره بعد أن طلبوا منه‬
‫االستخالف فأخذ يستشير كبارهم في عمرأل وكلُّهم أيده على رأيه فيه أل فعهد إليه فبايعوه‬
‫وبايعه الناس ‪ -‬كما مر ‪ -‬في المسجد ‪.‬‬
‫وكذلك شأن عمر فننه لم يكن ينوي االستخالفأل بل لِلروي عنه أنه تردد وقال‪ « :‬راغ ب‬
‫وراه ب‪ ،‬ودد ت أني نجوت منها كفافا ال لي وال علي‪ ،‬ال أتحملها حيا وميتا »‪ .‬فألح عليه‬
‫الصحابة فجعلها في الستة أل وهم بقية العشرة المبشرين بالجنة والذين توفي النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم وهو عنهم راضأل وال شك أنهم أفضل الموجودين من الصحابةأل ثم رأينا مشاورة‬
‫عبد الرحمن بن عوف الناس‪.‬‬
‫قال أبو يعلى الفراء‪( :‬اإلمامة ال تنعقد للمعهود له بنفس العهد أل وإنما تنعقد بعهد المسلمين)أل‬
‫وعلى هذا فيمكن أن يسمى العهد ترشي ًحا بلغة العصر‪.‬‬
‫وقال الماوردي‪ ( :‬وذهب بعض علماء البصرة إلى أن رضا أهل االختيار لبيعته شرط في‬
‫لزومها لممة)‪.‬‬
‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه هللا‪.. .( :‬وكذلك عمر لما عهد إليه أبو بكر إنما صار‬
‫إمامًا لما بايعوه وأطاعوه أل ولو قلِل ِّدر أنهم لم ينفذوا عهد أبي بكر ولم يبايعوه لم يصر إمامًا)‪.‬‬
‫وبهذا تثبت مشروعية االستخالفأل ويحصل التقارب بين طريق االختيار وطريق العهدأل في‬
‫أن كال منهما يلِلشترط فيه رضا أهل الحل والع قد ومبايعتهم له‪.‬‬
‫وقد ورد أن عمر بن عبد العزيز بعد أن أخذت له البيعة بناء على عهد الخليفة سليمان بن‬
‫عبد الملك إليه أنه قام فصعد المنبر ثم قال‪( :‬أيها الناسأل إني لست بمبتدع ولكني متبعأل وإن‬
‫من حولكم من األمصار والمدن إن أطاعوا كما أطعتم فأنا واليكمأل وإن هم أَ َب ْوا فلست لكم‬
‫بوا َّلأل ثم نزل)‪.‬‬
‫فهو يرى في عهد الخليفة إليه أنه مجرد ترشيحأل وأن األمة هي صاحبة القرارأل وأن من‬
‫كانوا في حاضرة الخالفة ليسوا بأولي من غيرهم في هذا الحق بل هو إلى عموم األمةأل‬
‫ويجب أن ينعقد الرضا من المسلمين كافة‪.‬‬
‫فاإلمامة وض ٌع بشريأل أي هي عقد ككل العقود تحصل بالرضاأل وال بد لها من شروطَّ‬
‫ومقاصدَ وإال كان اسمها لغوً ا‪.‬‬
‫و َمن َفقه سيرة عبد الرحمن بن عوف رضي هللا عنه في بيعة ذي النورين علم أن الصحاب َة‬
‫شرط رضا األم ِة في بيعة اإلمامأل ففيه‪ « :‬فلما اجتمعوا تشهَّد عبد الرحمن بن‬ ‫َ‬ ‫كانوا يرون‬
‫بعثمان ف ال‬
‫َ‬ ‫ت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون‬ ‫عوف ثم قال‪ :‬أما بع د‪ ،‬يا علي‪ ،‬ﺇني نظر ُ‬
‫الناس هو الحاكم في التعيين‪.‬‬
‫ِ‬ ‫تجعلن على نفس ك سبي ًال »أل فجعل ر َ‬
‫أي‬
‫بعد هذا السرد والترجيح يظهر ثبوت شرعية الطرق التي تمت بها مبايعة وتولية الخلفاء‬

‫‪37‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫الراشدينأل وأننا مأمورون بنتباعهم في ذلك‪ .‬فالمصلحة في اقتفاء هدي الصحابة رضي هللا‬
‫لِلون على أصل الشرْ ع الذِي قلِلرر فِي عهد الراشِ دين فِي أَمر ا ْل َ‬
‫خال َفة‬ ‫عنهم‪َ ( .‬و َلو َحافظ ا ْلملِلسلم َ‬
‫اإلسْ َالم األَرْ ض كل َها)‪[ .‬الخالفة لرشيد رضا]‬
‫لما َوقعت ِت ْل َك ا ْلفِ َتن والمفاسد ولعم ْ ِ‬

‫‪38‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫الطريقة الثالثة‪ :‬القهر والغلبة‬


‫هناك طريق آخر تجب الطاعة لإلمام بموجبه ويحرم الخروج عليه بسببه ما أقام اإلمام ـ‬
‫المتغلب ـ في الناس كتاب هللا؛ وهو طريق القهر والغلبة واالستيالء على الحكم بالقوة‪.‬‬
‫هذا السبيل ليس من الطرق الشرعية أل وإنما أجازه من أجازه ضرورة ألجل مصلحة‬
‫المسلمين وحقن دمائهمأل وهذا الطريق لم يجمع المسلمون على اعتباره مما تنعقد اإلمامة‬
‫عن طريقه بل هم فيه مذهبان‪:‬‬
‫األو ل‪ :‬قالوا ال تنعقد إمامته ـ أي المتغلب ـ وال تجب طاعتهأل ألنه ال تنعقد له اإلمامة بالبيعة‬
‫إال باستكمال الشروط فكذا القهرأل وذهب إلى هذا القول الخوارج والمعتزلة ووجه لبعض‬
‫الشافعية‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬وهو مذهب أهل السنة والجماعة أن اإلمامة يصح أن تعقد لمن غلب الناسأل وقعد‬
‫بالقوة على كرسي الحكم وأقام مقاصد اإلمامةأل قال اإلمام أحمد في رواية عبدوس بن مالك‬
‫العطار‪( :‬ومن غلب عليهم بالسيف حتى صار خليفةأل وسمي أمير الم منينأل فال يحل ألحد‬
‫ي من باه واليوم اْلخر أل أن يبيت وال يراه إمامًا)‪ .‬وهذا مذهب مالك والشافعي رحمهما هللا‪.‬‬
‫فأما مالك فقد قال يحيى بن يحيى ـ من أصحاب مالك ـ حين سئل‪( :‬البيعة مكروهة؟ قال‪ :‬الأل‬
‫قيل له‪ :‬وإن كانوا أئمة جور؟ فقال ‪ :‬قد بايع ابن عمر لعبد الملك بن مروان وبالسيف أخذ‬
‫الملكأل أخبرني بذلك مالك عنه أنه كتب إليه أل وأمر له بالسمع والطاعة على كتاب هللا وسنة‬
‫نبيه)‪.‬‬
‫أما الشافعي رحمه هللا فقد ر وى البيهقي بنسناده عن حرملة قال‪ :‬سمعت الشافعي يقول‪( :‬كل‬
‫من غلب على الخالفة بالسيف حتى يسمى خليفة أل ويجمع الناس عليه فهو خليفة)‪ .‬وقال‬
‫النووي‪( :‬أما الطريق الثالث فهو القهر واالستيالء أل فنذا مات اإلمام فتصدى لإلمامة من‬
‫جمع شرائطها من غير استخالف وال بيعةأل وقهر الناس بشوكته وجنودهأل انعقدت خالفتهأل‬
‫لينتظم شمل المسلمين أل فنن لم يكن جام ًعا للشرائطأل بأن كان فاسقًا أو جاهال ً فوجهان‬
‫أصحهما انعقادها لما ذكرناه وإن كان عاصيًا بفعله)‪ .‬وقال ابن تيمية‪ ( :‬فمتى صار قادرًا‬
‫على سياستهمأل إما بطاعتهم أو بقهره فهو ذو سلطان مطاع إذا أمر بطاعة هللا)‪.‬‬
‫وعبارة (ويجمع الناس عليه)‪ ‬فاألصل أن طريقة القهر والغلبة ليست من الطرق الشرعيةأل‬
‫وإنما هي استثناءا ً من األصل أي بيعة أهل الحل والعقدأل إعماال ً لقاعدة الضرورة وهي‬
‫تحقيق أكمل المصلحتين بتفويت أدناهما ودفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهماأل ونظرًا‬
‫لمصلحة المسلمين لما قد يج ُّر ذلك عادة من الفتن‪.‬‬

‫‪ ‬ـ أي يتفقون ويجتمعوون عليوه قفوي روايوة إسوحاق بون منصوور "اإلموام الوذي يجموع عليوه المسولمون كلهوم يقوول هوذا إموام "‬
‫و"وقهور النواس بشووكته وجنووده" تفيود تحقوق الغلبوة وعالمتهووا عبوارة " صوار قوادرً ا علوى سياسوتهم"أل فشورط اإلقورار بنمامووة‬
‫المتغلوب االجتمواع وعوودم االفتوراقأل أموا قبوول اجتمواع النواس عليووه واسوتقرار األمور لووهأل فوال وجوه لوجوووب طاعتوهأل وال صووحة‬
‫إمامته لبقاء المغ البة‪ .‬قال الشنقيطي في األضواء‪ ( :‬أن يتغلوب علوى النواس بسويفه وينوزع الخالفوة بوالقوة حتوى يسوتتب لوه األمور‬
‫وتدين له الناس لما في الخروج عليه حينئوذ مون شوق عصوا المسولمين وإراقوة دموائهم) وقوال ابون خوويز منوداد‪( :‬ولوو وثوب علوى‬
‫األمر من يصلح له من غير مشوورة وال اختيوار وبوايع لوه النواس تموت لوه البيعوة)‪ .‬وموع بقواء المغالبوة ال يسوتتب لوه األمور وال‬
‫تدين له النواس وال يبوايعونأل فوال وجوه للقوول بنمامتوه إال التسوليم الغتصواب حوق األموة فوي اختيوار خليفتهواأل قوال ابون نجويم فوي‬
‫[البحر الرائق شرح كنز الدقائق]‪( :‬قال علما نا السلطان من يصير سلطانا بأمرين‪:‬‬
‫األول‪ :‬بالمبايعة معهأل ويعتبر في المبايعة أشرافهم وأعيانهم‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬أن ينفذ حكمه في رعيته خوفا من قهره وجبروتهأل فونن بوايع النواس ولوم ينفوذ حكموه فويهم لعجوزه عون قهورهم ال يصوير‬
‫سلطانا)‬

‫‪39‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫قال رشيد رضا‪َ ( :‬ومعنى َه َذا أَن سلطة التغلب َكأَ ْكل المي َتة َولحم ال ِخ ْن ِزير عِ ْند الضر َ‬
‫لِلورة‬
‫ضاهلِل أَنه يجب السعْ ي دَ ائِما إلزالتها عِ ْند ِ‬
‫اإل ْم َكانأل‬ ‫تنفذ بالقهر َو َتكون أدنى من الفوضى‪َ .‬و لِلم ْق َت َ‬
‫َو َال يجوز أَن توطن األَ ْنفس على دوامهاأل َو َال أَن تجْ َعل كالكرة َبين المتغلبين يتقاذفونها‬
‫ويتلقونهاأل َك َما فعلت األ لِل َمم التِي َكا َنت مظلومة وراضية بالظلم لجهلها بقوتها الكامنة فِي َهاأل‬
‫َو َكون قلِلوة لِلمللِلوك َها وأمرائها ِم ْن َها)‪[ .‬لمزيد النظر راجع أإلمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة‬
‫والوجيز في فقه الخالفة ]‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫فائدة من قول عمر ‪ « :‬فمن بايع رج ال ً من غير مش ورة من المسلمين‪» . ..‬‬
‫‪‬‬

‫روى البخاري في [كتاب الحدودكباب ‪ :‬رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت] عن ابن عباس قال‪:‬‬
‫«كنت أقرئ رجاال ً من المهاجرينأل منهم عبد الرحمن بن عوفأل فبينما أنا في منزله بمنىأل‬
‫وهو عند عمر بن الخطاب في آخر حجة حجهاأل إذ رجع إلي عبد الرحمن فقال‪ :‬لو رأيت‬
‫رجال ً أتى أمير الم منين اليومأل فقال‪ :‬يا أمير الم منينأل هل لك في فالن؟ يقول‪ :‬لو قد مات‬
‫عمر لقد بايعت فالناًأل فوهللا ما كانت بيعة أبي بكر إال فلتة فتمتأل فغضب عمرأل ثم قال‪ :‬إني‬
‫إن شاء هللا لقائم العشية في الناسأل فمحذرهم ه الء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم‪.‬‬
‫قال عبد الرحمن‪ :‬فقلت ‪ :‬يا أمير الم منين ال تفعلأل فنن الموسم يجمع رعاع الناس‬
‫وغوغاءهمأل فننهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناسأل وأنا أخشى أن تقوم‬
‫فتقول مقالة يطيِّرها عنك ك ُّل مطيِّرأل وأن ال يعوهاأل وأن ال يضعوها على مواضعهاأل فأمهل‬
‫حتى تقدم المدينة أل فننها دار الهجرة والسنةأل فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناسأل فتقول ما‬
‫قلت متمكناًأل فيعي أهل العلم مقالتكأل ويضعونها على مواضعها‪ .‬فقال عمر‪ :‬وهللا ـ إن شاء‬
‫هللا ـ ألقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة‪...‬‬
‫فلما سكت الم ذنون قام فأثنى على هللا بما هو أهلهأل ثم قال‪ :‬أما بعدأل فنني قائل لكم مقالة قد‬
‫قلِل ِّدر لي أن أقولهاأل ال أدري لعلها بين يدي أجليأل فمن عقلها ووعاها فليح ِّدث بها حيث‬
‫انتهت به راحلتهأل ومن خشي أن ال يعقلها فال أح ُّل ألحد أن يكذب علي‪ ..‬ثم إنه بلغني قائل‬
‫منكم يقول‪ :‬وهللا لو قد مات عمر بايعت فالناًأل فال يغترن امر أن يقول‪ :‬إنما كانت بيعة أبي‬
‫بكر فلتة وتمتأل أال وإنها قد كانت كذلكأل ولكن هللا وقى شرهاأل وليس فيكم من تقطع‬
‫األعناق إليه مثل أبي بكرأل من بايع رجال ً من غير مشورة من المسلمين فال يتابع هو وال‬
‫الذي تابعهأل تغرة أن يقتال‪."..‬‬
‫وقال رضي هللا عنه وهو على فراش الموت‪( :‬أمهلواأل فنن حدث بي حدث فليصل بالناس‬
‫صهيب مولى بني جدعان ثالث ليالأل ثم اجمعوا في اليوم الثالث أشراف الناسأل وأمراء‬
‫األجناد فأمِّروا أحدكم ‪ -‬للستة ‪ -‬فمن تأمر من غير مشورة فاضربوا عنقه)‪.‬‬
‫وفي رواية النسائي‪( :‬إنه ال خالفة إال عن مشورةأل وأيما رجل بايع رجال عن غير مشورةأل‬
‫ال ي مر واحد منهماأل تغرة أن يقتالأل قال شعبة‪ :‬قلت لسعد‪ :‬ما تغرة أن يقتال؟ قال‪ :‬عقوبتهما‬
‫أن ال ي مر واحد منهما)‪[ .‬السنن الكبرى للنسائي بنسناد صحيح]‪.‬‬
‫وفي رواية‪ ( :‬من دعا إلى إمرة من غير مشورة من المسلمين فاضربوا عنقه)‪[ .‬أحمد في‬
‫العلل ومعرفة الرجال رقم ‪ 1662‬بنسناد جيد]‪.‬‬

‫‪ ‬ـ قال عمر رضي هللا عنه في أول خطبته‪ « :‬أما بعد فإني قائل لكم مقالة قد قد ر لي أن أقولها ال أد ري لعلها بين يدي‬
‫أجلي فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته ومن خشي أن ال يعقلها فال أح ل ألحد أن يكذب علي»‪ .‬فالقول‬
‫بقوله عقله ووعاه من وصيته رضي هللا عنه‬

‫‪41‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫قال الحافظ ابن حجر‪( :‬قوله «أال وﺇنها» أي بيعة أبي بكرأل قوله « قد كانت كذلك» أي فلتةأل‬
‫قال الفلتة الليلة التي يشك فيها هل هي من رجب أو شعبان وهل من المحرم أو صفر كان‬
‫العرب ال يشهرون السالح في األشهر الحرم فكان من له ثأر تربص فنذا جاءت تلك الليلة‬
‫انتهز الفرصة من قبل أن يتحقق انسالو الشهر فيتمكن ممن يريد إيقاع الشر به وهو آمن‬
‫فيترتب على ذلك الشر الكثير فشبه عمر الحياة النبوية بالشهر الحرام والفلتة بما وقع من‬
‫أهل الردة ووقى هللا شر ذلك ببيعة أبي بكر لما وقع منه من النهوض في قتالهم وإخماد‬
‫شوكتهم كذا قالأل واألولى أن يقال الجامع بينهما انتهاز الفرصة لكن كان ينشأ عن أخذ الثأر‬
‫الشر الكثير فوقى هللا المسلمين شر ذلك فلم ينشأ عن بيعة أبي بكر شر بل أطاعه الناس‬
‫كلهم من حضر البيعة ومن غاب عنهاأل وفي قوله « وقى هللا شرها » إيماء إلى التحذير من‬
‫الو قوع في مثل ذلك ـ أي التأمير من غير مشورة المسلمين ـ حيث ال ي من من وقوع الشر‬
‫واالختالفأل قوله « ولكن هللا وقى شرها » أي وقاهم ما في العجلة غالبا من الشر ألن من‬
‫العادة أن من لم يطلع على الحكمة في الشيء الذي يفعل بغتة ال يرضاه وقد بين عمر سبب‬
‫إسراعهم ببيعة أبي بكر لما خشوا أن يبايع األنصار سعد بن عبادةأل قال أبوعبيدة‪ :‬عاجلوا‬
‫ببيعة أبي بكر خيفة انتشار األمر وأن يتعلق به من ال يستحقه فيقع الشرأل وقال الداودي‬
‫معنى قوله « كان ت فلتة » أنها وقعت من غير مشورة مع جميع من كان ينبغي أن يشاور‬
‫وأنكر هذه الكرابيسي صاحب الشافعي وقال بل المراد أن أبا بكر ومن معه تفلتوا في‬
‫ذهابهم إلى األنصار فبايعوا أبا بكر بحضرتهم وفيهم من ال يعرف ما يجب عليه من بيعته‬
‫فقال منا أمير ومنكم أمير فالمراد بالفلتة ما وقع من مخالفة األنصار وما أرادوه من مبايعة‬
‫سعد بن عبادة أل وقال بن حبان معنى قوله « كان ت فلتة» أن ابتدائها كان عن غير مم كثير‬
‫والشيء إذا كان كذلك يقال له الفلتة فيتوقع فيه ما لعله يحدث من الشر بمخالفة من يخالف‬
‫في ذلك عادة فكفى هللا المسلمين الشر المتوقع في ذلك عادة ال أن بيعة أبي بكر كان فيها‬
‫شرأل قوله « وليس فيكم من تقطع األعناق ﺇليه مث ل أبي بكر» قال الخطابي‪ :‬يريد أن السابق‬
‫منكم الذي ال يلحق في الفضل ال يصل إلى منزلة أبي بكر فال يطمع أحد أن يقع له مثل ما‬
‫وقع ألبي بكر من المبايعة له أوال في المم اليسير ثم اجتماع الناس عليه وعدم اختالفهم‬
‫عليه لما تحققوا من استحقاقه فلم يحتاجوا في أمره إلى نظر وال إلى مشاورة أخرى وليس‬
‫غيره في ذلك مثله ‪.‬انتهى ملخصا‪ .‬وفيه إشارة إلى التحذير من المسارعة إلى مثل ذلك حيث‬
‫ال يكون هناك مثل أبي بكر لما اجتمع فيه من الصفات المحمودة من قيامه في أمر هللا ولين‬
‫جانب المسلمين وحسن خلقه ومعرفته بالسياسة وورعه التام ممن ال يوجد فيه مثل صفاته ال‬
‫ي من من مبايعته عن غير مشورة االختالف الذي ينشأ عنه الشر‪ .‬قوله «من غير » في‬
‫رواية الكشميهني « عن غير مشورة » بضم المعجمة وسكون الواو وبسكون المعجمة وفتح‬
‫الواو « فال يبايع» بالموحدة وجاء بالمثناة وهي أولى لقوله «هو والذي تابعه» قوله «تغ رة‬
‫أن يقت ال » أي حذرا من القتل وهو مصدر من أغررته تغريرا أو تغرة والمعنى أن من فعل‬
‫ذلك فقد غرر بنفسه وصاحبه وعرضهما للقتل‪ .‬قوله « فمن بايع رج ال » في رواية مالك‬
‫« فمن تابع رج ال» قوله « فال يتابع هو وال الذي بايعه » في رواية معمر من وجه آخر عن‬
‫عمر «من دعا ﺇلى ﺇمارة من غير مشو رة ف ال يح ل له أن يقب ل » ‪ ،‬وفي هذا الحديث من‬
‫الفوائد غير ما تقدم أخذ العلم عن أهله وإن صغرت سن المأخوذ عنه عن اْلخذ وكذا لو‬
‫نقص قدره عن قدرهأل وفيه التنبيه على أن العلم ال يودع عند غير أهله وال يحدث به إال من‬
‫يعقله وال يحدث القليل الفهم بما ال يحتملهأل وفيه جواز إخبار السلطان بكالم من يخشى منه‬

‫‪41‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫وقوع أمر فيه إفساد للجماعة وال يعد ذلك من النميمة المذمومة لكن محل ذلك أن يبهمه‬
‫صونا له وجمعا له بين المصلحتين ولعل الواقع في هذه القصة كان كذلك واكتفى عمر‬
‫بالتحذير من ذلك ولم يع اقب الذي قال ذلك وال من قيل عنه‪ .‬قلت والذي يظهر من سياق‬
‫القصة أن إنكار عمر إ نما هو على من أراد مبايعة شخص على غير مشورة من المسلمين‬
‫ولم يتعرض لكونه قرشيا أو ال أل وفيه أن العظيم يحتمل في حقه من األمور المباحة ما ال‬
‫يحتمل في حق غيره لقول عمر "وليس فيكم من تمد ﺇليه األعناق مثل أبي بكر" أي فال يلزم‬
‫من احتمال المبادرة إلى بيعته عن غير تشاور عام أن يباح ذلك لكل أحد من الناس ال‬
‫يتصف بمثل صفة أبي بكر)اهـ [فتح الباري‪10:‬ك‪]143‬‬
‫قال ابن تيمية في المنهاج ‪ (:‬ومعناه أن بيعة أبي بكر بودر إليها من غير تريث وال انتظار‬
‫لكونه كان متعينا لهذا األمر كما قال عمر ليس فيكم من ت قطع إليه األعناق مثل أبي بكرأل‬
‫وكان ظهور فضيلة أبي بكر على من سواه وتقديم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم له على‬
‫سائر الصحابة أمرا ظهرا معلوما فكانت داللة النصوص على تعيينه تغني عن مشاورة‬
‫وانتظار وتريث بخالف غيره فننه ال تجوز مبايعته إال بعد المشاورة واالنتظار والتريث‬
‫فمن بايع غير أبي بكر عن غير انتظار وتشاور لم يكن له ذلكأل وهذا قد جاء مفسرا في‬
‫حديث عمر هذا في خطبته المشهورة الثابتة في الصحيح)‪.‬‬
‫وقال أيضا‪ ( :‬ومعنى ذلك أنها وقعت فجأة لم تكن قد استعددنا لها وتهيأناأل ألن أبا بكر كان‬
‫متعينا لذلكأل فلم يكن يحتاج في ذل ك إلى أن يجتمع لها الناسأل إذ كلهم يعلمون أنه أحق بهاأل‬
‫وليس بعد أبي بكر من يجتمع الناس على تفضيله واستحقاقه كما اجتمعوا على ذلك في أبي‬
‫بكرأل فمن أراد أن ينفرد ببيعة رجل دون مم من المسلمين فاقتلوه ‪ .‬وهو لم يسأل وقاية‬
‫شرهاأل بل أخبر أن هللا َو َقى شر الفتنة باالجتماع)‪.‬‬
‫وفي قوله « فمحذرهم هؤالء الذين يريدون أن يغ صبوهم أمورهم » وفي رواية عبد الرزاق‪:‬‬
‫« ﺇني لقائم عشية في الناس فمحذرهم هؤالء الرهط الذين يريدون أن يغت صبوا المسلمين‬
‫أمرهم » أن الخالفة من أمور المسلمينأل ورضاهم بالخليفة معتبر شرعاأل وعمر رضي هللا‬
‫عنه يشترط لصحة البيعة أن تكون عن مشورة من ذوي الرأي من المسلمينأل وأنها ال تصح‬
‫بيعة الواحد للواحد أل ووافقه المسلمون على ذلك في مسجد رسول هللا صلى هللا عليه وسلمأل‬
‫فكان ذلك إجماعا ‪ .‬فتنصيب اإلمام بمشورة المسلمين ورضاهم هو فقه الصحابة رضي هللا‬
‫عنهم‪.‬‬
‫فقد حرص عمر رضي هللا عنه على مالقاة األنصار قبل بيعة أبي بكرأل قال‪" :‬فقلت ألبي‬
‫بكر‪ :‬انطلق بنا إلى إخواننا ه الء من األنصار فانطلقنا نريدهمأل فلما دنونا منهم لقينا منهم‬
‫رجالن صالحانأل فذكرا ما تماأل عليه القومأل فقاال ‪ :‬أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلنا‪:‬‬
‫نريد إخواننا ه الء من األنصارأل فقاال‪ :‬ال عليكم أال تقربوهم أقضوا أمركمأل فقلت‪ :‬وهللا‬
‫لنأتينهم أل فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة"‪.‬‬
‫وهو نفس فقه عبد الرحمن بن عوف رضي هللا عنه في بيعة ذي النورين حيث اعتبر رأي‬
‫األم ِة ورضاها في بيعة اإلمامأل ففيه‪ « :‬فلما اجتمعوا تشهَّد عبد الرحمن بن عو ف ثم قال‪ :‬أما‬
‫بعثمان ف ال تجعلن على نفس ك‬
‫َ‬ ‫ت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون‬ ‫بعد‪ ،‬يا علي‪ ،‬ﺇني نظر ُ‬
‫سبي ًال »‪.‬‬
‫وقد أشرنا آنفا لقول عمر بن عبد العزيز بعد أن أخذت له البيعة بناء على عهد الخليفة‬
‫سليمان بن عبد الملك إليه‪ ( :‬وإن من حولكم من األمصار والمدن إن أطاعوا كما أطعتم فأنا‬

‫‪42‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫واليكمأل وإن هم أَ َب ْوا فلست لكم بوا َّل)‪.‬‬


‫وقول علي رضي هللا عنه‪ :‬يا أيها الناس عن مم وإذنأل إن هذا أمركم ليس ألحد فيه إال من‬
‫أمرتم وقد افترقنا باألمس على أمر فنن شئتم قعدت لكم وإال فال أجد على أحدأل فقالوا‪ :‬نحن‬
‫على ما فارقناك عليه باألمس)‪.‬‬
‫قال محمد رشيد رضا في [كتاب الخالفة]‪َ ( :‬وأما السياس ة االجتماعية المدنية فقد وضع‬
‫تالف‬ ‫باخ َ‬‫اإلسْ َالم أساسها وقواعدهاأل َوشرع لممة الرأْي َو ِاالجْ ِت َهاد فِي َهاأل ِألَن َها ت ْخ َتلف ْ‬ ‫ِ‬
‫عمران وفنون ا ْلعرْ َفانأل َومن َق َواعِ ده فِي َها أَن سلطة ْاألمة‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫بارتقاء‬ ‫وترتقي‬ ‫ان‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫م‬ ‫ال‬‫و‬
‫َ َ َ‬ ‫ان‬ ‫م‬ ‫الز‬
‫ورى َبين َها)‪.‬‬ ‫َل َهاأل وأمرها ش َ‬
‫لِل‬
‫اعة"‪َ ( :‬قا َل هللا َت َعا َلى فِي وصف ا ْل لِلم من َ‬
‫ِين‬ ‫وقال تحت عنوان "سلطة األمة َومعنى ال َج َم َ‬
‫َ‬
‫ِين ِباألحْ َك ِام التِي يشرعها َحتى أحْ َكام‬ ‫َ‬ ‫اعة ال لِلم من َ‬ ‫ْ‬ ‫ورى َبينهم﴾ َوا ْلقلِلرْ آن لِلي َخاطب ج َم َ‬ ‫ش َ‬ ‫﴿ َوأمره ْم ُ‬
‫القِ َتال َو َنحْ و َها من األلِلملِلور ال َعامة التِي َال تتلعق باألفراد َك َما َبيناهلِل فِي الت ْفسِ يرأل َوقد أَمر‬
‫اعة ـ َال ولي ْاألَمرأل َو َذل َِك أَن ولي ْاألَمر َواحِد ِم ْنهلِلمأل َو ِإن َما‬ ‫اعة أولي األَمر ـ وهم ال َج َم َ‬ ‫ِب َط َ‬
‫اعة المسلمين الذين َباي لِلعوهلِل َل لِله وثقتهم ِبهِأل َويدل على َه َذا ال َمعْ نى َما ورد من‬ ‫يطاع بتأييد ج َم َ‬
‫اعة ْاألمِير َت ِاب َعة لطاعتهم واجتماع ا ْل َكلِ َمة‬ ‫َ‬ ‫اعة َو َكون َط َ‬ ‫ِيحة فِي ا ْلت َِزام ا ْل َج َم َ‬ ‫ْاألَ َحادِيث الصح َ‬
‫بسلطتهم ‪..‬‬
‫َ‬ ‫َوفِي بعض األَ َحادِيث َب َيان أَن َ‬
‫السواد األعْ َظم أَي ِبال ِّنسْ َب ِة ِإ َلى صدر ْ ِ‬
‫اإلسْ َالم‪.‬‬ ‫اعة وهم َ‬ ‫الج َم َ‬
‫َ‬
‫اإلجْ َماع ـ َحدِيث « َال َتجْ َتمِع أمتِي على‬ ‫َومن ْاألدِلة على سلطة ْاألمة ـ َواسْ َتدَ لُّوا ِب ِه على ِ‬
‫اعة َفمن َشذ َشذ فِي‬ ‫ض َال َلة ـ َوفِي لفظ لن َتجْ َتمِع ـ َوفِي ِر َوا َية ِز َيادَ ة « َو َيد هللا على ا ْل َج َم َ‬ ‫َ‬
‫ض َال َلة وأعطانيها» َوه َلِلو فِي ملِلسْ ند أَحْ مد‬ ‫النار» َوفِي أ لِل ْخ َرى « َسأَلت َربِّي أَال َتجْ َتمِع على َ‬
‫وجامع ال ِّترْ ِمذِي َوال َك ِبير للطبراني ومستدرك ال َحاكِم ‪...‬‬
‫َ‬
‫اإلجْ َماع المطاع‪َ .‬و ِم ْنهلِلم‬ ‫اعة هم أولو األمر من المسلمين َوأهل الحل َوا ْلعقد َو ْ ِ‬ ‫َه لِل َال ِء ال َج َم َ‬
‫ون فِي ا ْلكتاب َوالسنة وآثار‬ ‫ب ا ْل لِلم ْ ِم لِلن َ‬ ‫كبار ا ْلحلِلكامأل َوأهل الشورى َلدَ ى اإلِ َمامأل َو َمتى لِلخوطِ َ‬
‫الص َحا َبة فِي أَمر من ْاأللِلملِلور ا ْل َعامة فهم المعنيون المطالبون بتنفيذ ْاألَمرأل ومراقبة المنفذ‪:‬‬
‫اإلجْ َماع فِي َذلِك َقول أبي بكر َرضِ ي هللا َعن لِله فِي خط َبته األولى بعد‬ ‫َومن ْاْل َثار الدالة على ْ ِ‬
‫ايعة‪" :‬أما بعد فقد وليت َع َل ْي لِلكم َولست ِب َخي ِْر لِلك ْم َف ِنذا اسْ َت َقمْت َفأَعِ ي لِلنونِيأل َو ِإذا ِز ْغت‬ ‫ا ْل لِلم َب َ‬
‫فقوموني"‪ .‬وروى َنحوه َعن عمر َوع ْلِلث َمان‪َ .‬وقد تقدم فِي التعْ ِريف بالخالفة َقول الر ِازي ِإن‬
‫ت ملِلوجبا لعزلهأل َوقد‬ ‫اإل َمام (ا ْل َخلِي َفة) ِإذا َرأَ ْ‬ ‫ِي حق ْاألمة التِي َل َها أَن تعزل ِ‬ ‫اسة ا ْل َعامة ه َ‬ ‫ال ِّر َئ َ‬
‫اسة ْلممة َفمن المرءوس؟‬ ‫اسة لِ َئال تستشكل َف لِلي َقال ِإذا َكا َنت ال ِّر َئ َ‬ ‫فسر السعد معنى َهذِه ال ِّر َئ َ‬
‫َف َقا َل ِإنه ي ِلِلريد باألمة أهل ا ْلحل َوا ْلع قد أَي الذين يمثلون ْاألمة ِب َما َلهلِلم فِي َها من الزعامة‬
‫والمكانةأل ورئاستهم تكون على من عداهم أَو على َجمِيع أَ ْف َراد ْاألمة‪َ .‬والثانِي ه َلِلو الصحِيحأل‬
‫َو لِلي َ يد َه َذا َت ْفسِ ير الر ِازي ألولى ْاألَمر فِي َق ْوله َت َعا َلى﴿ َي ا أَي َه ا الَّ ذين آم ُنوا أطِ ي عُوا هللا َوأَ طي ُع وا‬
‫سو ل وأولي ْاألَمر ِم ْن ُكم ﴾ فقد حقق أَن الم َلِلراد بأولي ْاألَمر أهل ا ْلحل َوا ْلعقد الذين يمثلون‬ ‫ال َّر ُ‬
‫اإل َمامأل ووضحناه فِي الت ْفسِ ير‬ ‫لِل‬ ‫ْ‬ ‫لِلوري َو ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ارهلِل األسْ َتاذ ِ‬ ‫اخ َت َ‬ ‫سلطة األمة‪َ .‬وقد َتابعه على َهذا الني َْساب ِ‬
‫مستدلين َع َل ْي ِه بقوله َت َعا َلى ﴿ َو ِﺇ ذا َج ا َءهُم أَمر من ْاألَ ْم ن أَو ا ْل َخ ْو ف أذاعوا ِب ِه َو َلو ر ُّدوهُ ِﺇ َل ى‬
‫لِلور ِة أَن‬‫سول َو ِﺇ َلى أولي ْاألَمر ِم ْنهُم لعلمه الَّ ذين يستنبطونه ِم ْنهُم﴾ َومن ا ْل َمعْ للِلوم ِبالضر َ‬ ‫ال َّر ُ‬
‫أولي ْاألَمر الذين َكا لِلنوا َم َع الرسلِلول يرد ِإ َل ْي ِهم َم َعه أَمر ْاألَمْن َوا ْل َخ ْوف َو َما أشبههما من‬
‫مصالح ا ْل َعامة َل ْيسلِلوا لِلع َل َماء ا ْلفِ ْقه َو َال ْاأل لِل َم َراء والحكامأل بل أهل الشورى من زعماء‬ ‫ا ْل َ‬
‫الملِلسلمين"‪.‬‬

‫‪43‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫‪44‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫الفرع الثالث‪ :‬تعدد األئمة‪:‬‬


‫قال صاحب [الوجيز] ما ملخصه‪( :‬اتفق جمهور أهل السنة والجماعة على عدم جواز تعدد‬
‫األئمة في الزمن الواحدأل سواء اتسعت رقعة الدولة اإلسالمية أم ال [األحكام السلطانية‬
‫للماوردي‪9:‬أل النووي على صحيح مسلم ‪10‬ك‪.]055‬‬
‫وأجاز بعضهم ذلك بسبب يقتضيه كتباعد األقطار ونحوهأل وإليه ذهب القرطبي [الجامع‬
‫ألحكام القرآن]أل ورجحه البغدادي [أصول الدين]أل وعزاه الجويني إلى األشعري‬
‫واإلسـفراييني [الغياثي] ‪.‬‬
‫وأطلق بعض الكرامية [أصول الدين] وبعض المعتزلة القول بجواز ذلكأل سواء أوجد السبب‬
‫المقتضي أم لم يوجدأل وهو مذهب الزيدية من الشيعة [الملل والنحل للشهرستاني] والحمزية‬
‫من الخوارج [الملل والنحل للشهرستاني]‪.‬‬
‫(لكن ي الحظ من أقوال المجيزين عند اتساع الرقعةأل إنما ذلك بسبب الضرورةأل وإال فنن‬
‫وحدة اإلمامة هي األصل أل وإن التعدد إنما أبيح على سيبل االستثناء المحضأل ولضرورات‬
‫تجيزهأل والضرورة تقدر بقدرها وإذا زالت الضرورة زال حكمها وبقي األصل)‪[ .‬اإلمامة‬
‫العظمى عند أهل السنة]‬

‫‪45‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫الفرع الرابع ‪ :‬أحكام الضرورة ‪:‬‬


‫المتأمل فيما قرره أهل العلم من قواعد بشأن شروط األئمةأل وطرق انعقاد اإلمامة لهم‬
‫يالحظ ما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬اتفاقهم على اعتبار جملة من الشروط فيمن يتصدى لهذا المنصب يتحقق بها مقصود‬
‫اإلمامة‪.‬‬
‫‪ ‬اتفاقهم على أن يتم اختياره بطريقة تكفل رضا األمة به من ناحيةأل وتتيح له الشوكة‬
‫والمنعة الالزمة لهذا المنصب من ناحية أخري ‪.‬‬
‫‪ ‬اتفاقهم على أن الغاية من اإلمامة أمران‪ :‬حراسة الدين وسياسة الدنيا به ‪.‬‬
‫وال شك أن يجب اعتبار ذلك كله في حالة السعة واإلختيارأل ولكن ما إذا عن حالة الضرورة‬
‫واالقتهار؟‪.‬‬
‫أو ال ً‪ :‬أثر ال ضرورة بالنسبة للشروط التي يج ب توافرها في اإلمام‪:‬‬
‫إذا اتخذت الضرورة صورة انعدام من تجتمع لديه هذه الشروطأل فقد اتفق الفقهاء على‬
‫اختيار أصلح من وجدأل ثم ينبغي السعي بعد ذلك إلصالح األحوال حتى يكمل في الناس ما‬
‫ال بد لهم منه من أمور الواليات واإلمارات ونحوها ‪.‬‬
‫يقول الرملي في نهاية المحتاج‪ ( :‬فلو اضطر لوالية فاسق جاز)‪.‬‬
‫ويقول العز بن عبد السالم ‪( :‬إذا تفاوتت رتب الفسوق في حق األئمة قدمنا أقلهم فسوقًا)‪.‬‬
‫ويعتبر في تقدير األصلح ما يوجبه حكم الوقتأل فلو كان أحدهما أفقه واْلخر أعرف‬
‫بالحرب نظر ذووا الرأي إلى حكم الوقتأل فنن مست الحاجة إلى األفقه لفشو البدع واألهواء‬
‫مثال قدم األفقهأل وإن كانت الحاجة أدعى إلى األعرف بالحرب النتشار الثغور وتحزب‬
‫األعداء قدم األعرف بالحرب وهكذا أل إذ الواجب في كل زمان األصلح بحسبه ‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫ثانيا‪ :‬أثر ال ضرورة بالنسبة لطريق اإلختيار‪:‬‬
‫األصل أن اإلمامة تنعقد عند أهل السنة من وجهين‪ :‬اختيار أهل الحل والعقدأل أو العهد من‬
‫اإلمام السابقأل على خالف في هذا العهد‪ :‬هل هو اختيار نهائي أم مجرد ترشيح ـ وقد سبق‬
‫تفصيل القول في ذلك ـ ولكن إذا اتخذت الضرورة صورة االنقضاض على السلطة كما لو‬
‫تغلب ذو شوكة وأمسك بزمام األمور فقد قال العلماء بنمامة هذا المتغلب للضرورةأل ولو‬
‫كان فاسقًا أو جاهال ً أو عب ًداأل بل قال بعضهم بنمامته ولو كان صبيًا أو امرأةأل رغم أنه لم‬
‫يستوف شروط اإلمامةأل ولم تعقد له البيعة بطريق صحيحأل وذلك دف ًعا للفتنة التي تنشأ من‬
‫منازعتهأل وتصحيحا ً لعقوده وتولياته ‪.‬‬
‫ولم يستمسك العلماء في هذا المقام إال بشرط اإلسالمأل فهو وحده الذي اتفقت الكلمة على‬
‫عدم الترخص فيه بالنسبة ألئمة المسلمين بحال من األحوالأل ألن اإلمامة ال تعقد لكافر أبدا ً‬
‫ال طو ًعا وال كرهًا‪ .‬قال أحمد رحمه هللا‪( :‬ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي‬
‫أمير الم منين ال يحل ألحد ي من باه واليوم اْلخر أن يبيت وال يراه إماما ً عليهأل برا ً كان‬
‫أو فاجراًأل فهو أمير الم منين)‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫ثالثا ‪ :‬أثر ال ضرورة بالنسبة لمقا صد اإلمامة‪:‬‬
‫من مقاصد اإل مامة أنها لجمع كلمة المسلمينأل وحراسة الدينأل وسياسة الدنيا بهأل ومن هنا‬
‫فرض نصب األئمة ووجبت لهم على األمة الطاعة والنصرةأل فنذا خرج اإلمام عن مقصود‬

‫‪46‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫اإلمامةأل فلم تجتمع به كلمة المسلمين ولم يحرس به الدينأل ولم تدبر به مصالح المسلمين‬
‫وفقا ً لما أنزل هللاأل فهل تن حل بذلك عقدة إمامته؟ وتصبح األمة في حل من بيعته؟ سواء في‬
‫ذلك أقلنا بكفره أو بنسالمه؟!‬
‫الذي يبدو لي ‪ -‬وهللا أعلم – (أنه البد أن يفرق في ذلك بين ما جري مجري العثرة والفترةأل‬
‫وبين ما يعتبر منهجا ً مطر ًدا وسنة دائمة ‪.‬‬
‫‪ ‬فما جري مجري العثرات والفترات ال تنحل به عقدة اإلمامة لعدم انتقاض مقصودها به‪.‬‬
‫‪ ‬وأما ما جرى مجرى السنة الثابتة والقواعد المستقرة بحيث يتحول به هذا الزيغ إلى‬
‫عقائد راسخة وأحكام ثابتة فال وجه للقول باستمرار اإلمامة معهأل وقد انتكست به أمور‬
‫الدينأل واختلت به أحوال المسلمينأل وهو نقيض ما يقصد من اإلمامةأل وقد تمهد في قواعد‬
‫الشرع أن العقد يبطل إذا كان يحل حرامًا أو يحرم حالالًأل وذلك مما علم من الدين‬
‫بالضرورة ‪.‬‬
‫وإن الفقهاء ما قالوا بنمامة المتغلبأل وترخصوا في كثير من الشروط التي يجب اعتبارها‬
‫في األئمة وفي الطريقة التي يجب أن تتبع في اختيارهم إال لما يحققه هذا المتغلب من‬
‫مقاصد اإلمامة كنقامة الحدودأل وسد الثغورأل والجهاد في سبيل هللاأل والحكم بين الناس بما‬
‫أنزل هللاأل ونحو ذلك) ‪[.‬انتهى من الوجيز]‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬أثر ال ضرورة في عدد أه ل الح ل والعقد عند عقد اإلمامة‪:‬‬
‫فنن قيل قد يضطر أهل الحل والعقد إلى القول بانعقاد اإلمامة بالعدد القليل مستأنسين بما‬
‫ثبت عن بعض العلماء أن الخالفة تنعقد بأربعة أو بمن تيسر اجتماعهم ونحو تلك األقوال‪.‬‬
‫ْث تتبعهم ْاألمة َف َال َت ْن َعقِد ا ْ ِ‬
‫إل َما َمة‬ ‫فالجواب‪ :‬سبق القول أنه ِإذا لم يكن المبايعون ِب َحي لِل‬
‫بمبايعتهم‪ .‬والملك ال يصير ملكا بموافقة واحد أو اثنين أو أربعةأل إال أن تكون موافقة ه الء‬
‫تقتضي موافقة غيرهمأل وقد يبايع رجال ال تفيد مبايعتهم شوكة ومنة قهريةأل فال يحصل‬
‫لإلمامة استقرار‪..‬‬
‫اإل َما َمة َويجب على ْاألمة‬ ‫علم والوجاهة َت ْن َعقِد ببيعتهم ْ ِ‬ ‫َ‬
‫َومن ظن أن كل من يلِلوصف ِبا ْل ِ‬
‫اإلجْ َماعأل َو َما تقدم من ْاألَ ْخ َبار‬ ‫اعة َو ْ ِ‬ ‫اتباعهم فِي َها فقد جهل معنى ا ْلحل َوا ْلعقد َومعنى ا ْل َج َم َ‬
‫واْل َثارأل َومن َك َالم ا ْلم َلِلحقِّقين فِي ا ْل َمسْ أَ َلة‪..‬‬
‫ْ‬
‫يقول الغزالي في فضائح الباطنية‪( :‬فنن شرط االنعقاد قيام الشوكة وانصراف القلوب إلى‬
‫المشايعةأل ومطابقة البواطن والظواهر على المبايعةأل فنن المقصود الذي طلبنا له اإلمام‬
‫جمع شتات اْلراء في مصطدم تعارض األهواءأل وال تتفق اإلرادات المتناقضة والشهوات‬
‫المتباينة المتنافرة على متابعة رأي واحد إال إذا ظهرت شوكته وعظمت نجدتهأل وترسخت‬
‫في النفوس رهبته ومهابتهأل ومدار جميع ذلك على الشوكةأل وال تقوم الشوكة إال بموافقة‬
‫األكثرين من معتبري كل زمان)‪.‬‬
‫فرضا األمة ومتابعتها معتبر‪ .‬وال أثر لل ضرورة إال القول بالقهر والغلبة‪ .‬والعمل بما أفتى‬
‫به العلماء عند خلو الزمان عن السلطان مع الحفاظ على جماعة المسلمين أولى من‬
‫تعريضها لالضطراب والفسادأل والنظر لمرالت األمور معتبر شرعاأل ودرء المفاسد مقدم‬
‫على جلب المصالحأل والفقه كل الفقه في معرفة خير الخيرين وشر الشرينأل وذلك فضل هللا‬
‫ي تيه من يشاء‪.‬‬

‫‪47‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫المسألة الرابعة ‪ :‬حكم البيعة ‪.‬‬


‫الفرع األول ‪ :‬تعريف البيعة ‪.‬‬
‫البيعة‪ :‬بفتح الباء تطلق ويراد بها الصفقة على إيجاب البيعأل وعلى المبايعة والعهد على‬
‫الطاعةأل قال ابن منظور ‪ ( :‬والبيعة‪ :‬المبايعة والطاعةأل وقد تبايعوا على األمر كقولك‪:‬‬
‫أصفقوا عليهأل وبايعه عليه مبايعة‪ :‬عاهده أل وبايعته من البيع والبيعة جمي ًعا والتبايع مثلهأل‬
‫وفي الحديث أنه قال‪ « :‬أال تبايعوني على اإلس الم »؟ هو عبارة عن المعاقدة والمعاهدةأل كأن‬
‫كل واحد منهما باع ما عنده من صاحبه وأعطاه خالصة نفسه وطاعته ودخيلة أمره)‪.‬‬
‫فالبيعة إذن تعني ‪ :‬إعطاء العهد من المبايع على السمع والطاعة لممير في غير معصيةأل في‬
‫المنشط والمكره والعسر واليسر وعدم منازعته األمر وتفويض األمور إليهأل قال ابن‬
‫خلدون‪" :‬اعلم أن البيعة هي ‪ :‬العهد على الطاعة كأن المبايع يعاهد أميره على أنه ي َلِلسلِّم له‬
‫النظر في أمر نفسه وأمور المسلمينأل ال ينازعه في شيء من ذلك أل ويطيعه فيما يكلفه به‬
‫من األمر على المنشط والمكره أل وكانوا إذا بايعوا األمير وعقدوا عهده جعلوا أيديهم في يده‬
‫تأكي ًدا للعهدأل فأشبه ذلك فعل البائع والمشتري أل فسمي بيعة مصدر باع وصارت البيعة‬
‫مصافحة باأليدي أل هذا مدلولها في عرف اللغة ومعهود الشرع وهو المراد في الحديث في‬
‫بيعة النبي صلى هللا عليه وسلم ليلة العقبة وعند الشجرة)‪.‬‬
‫والمقصود بالبيعة إظهار الرضا باإلمام واالنقياد له‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫الفرع الثاني ‪ :‬أنواع البيعة ‪.‬‬
‫تتنوع البيعة في الشرع بحسب األمر المبايع عليه أل وأهم األمور التي بايع النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم أصحابه عليها أربعة ‪:‬‬
‫أو ال ً‪ :‬البيعة على اإلس الم‪ :‬وهي أوجب األنواع وآكدهاأل وال شيء من البيعات نكثه كفر إال‬
‫هذهأل أما غيرها فكبيرة من الكبائر وذنب عظيم‪.‬‬
‫ثانيًا ‪ :‬البيعة على الن صرة والمنعة‪ :‬وهذه تتضح في البيعة التي أخذها النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم على وفد األنصارأل وهي بيعة العقبة الثانية‪.‬‬
‫ثالث ا‪ :‬البيعة على الجهاد‪ :‬وهذه البيعة في عنق كل مسلمأل وهي الجهاد في سبيل هللا وهي‬ ‫ً‬
‫مستمرةأل ألن الجهاد ماض إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫راب عًا‪ :‬البيعة على الهجرة‪ :‬وكان ت أول األمر فرض عين على من أسلمأل ثم انتهت بعد الفتح‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬البيعة على السمع والطاعة‪ :‬وهذه التي إذا أطلقت البيعة انصرفت إليهاأل والتي كانت‬
‫تعطي لمئمة عند تعينهم خلفاء للمسلمين ‪ -‬وهي المراد في هذا الباب ‪ -‬واألدلة عليها كثيرة‬
‫منها ‪:‬‬
‫‪ ‬حديث عبادة بن الصامت رضي هللا عنه قال‪ « :‬بايعنا رسو ل هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫على السمع والطاعة في العسر واليسر‪ ،‬والمنشط والمكره‪ ،‬وعلى أثرة علينا‪ ،‬وعلى أال‬
‫ننازع األمر أهله‪ ،‬ﺇال أن تروا كف ًرا بوا ًحا عندكم من هللا فيه برهان »أل وفي رواية‪« :‬وعل ى‬
‫أن نقو ل بالحق أينما كنا‪ ،‬وأال نخاف في هللا لومة الئم » [متفق عليه]‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫الفرع الثالث ‪ :‬شروط صحة البيعة ‪:‬‬
‫ذكر العلماء أن هناك بعض الشروط التي يجب توفرها لصحة عقد البيعة‪ :‬ومن ثم يجب‬

‫‪48‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫على المسلم أن يبايع لمن توفرت فيه هذه الشروط وهي‪:‬‬


‫‪ 1‬ـ أن يجتمع في المأخوذ له البيعة شروط اإلمامةأل فال تنعقد مع فوات واحد منها إال مع‬
‫الشوكة والغلبةأل فنن لم يتيسر ذلك قدم األمثل فاألمثلأل واألمثل في كل زمان بحسبه‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ أن يكون المتولي لعقد البيعة ‪ -‬بيعة االنعقاد ‪ -‬أهل الحل والعقد كما سبقأل قال الرملي‪:‬‬
‫(أما بيعة غير أهل الحل والعقد من العوام فال عبرة لها)أل ودليل هذا الشرط هو فعل الخلفاء‬
‫الراشدين رضي هللا عنهم كما مرأل وقول عمر رضي هللا عنه كما ثبت في الصحيح‪« :‬من‬
‫بايع رج ال ً من غير مشورة المسلمين ف ال يبايع »‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ أن يجيب المبايع إلى البيعة‪ .‬فلو امتنع لم تنعقد إمامته ولم يجبر عليهاأل قال النووي في‬
‫الروضة‪( :‬إال أن يكون من ال يصلح لإلمامة إال واحد فيجبر بال خالف)‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ أن يتحِدَ المعقود له أل بأن ال تعقد البيعة ألكثر من واحد أل يدل على ذلك ما رواه مسلم في‬
‫صحيحه بسنده إلى أبي سعيد الخدري رضي هللا عنه قال‪« :‬ﺇذا بو يع لخليفتين فاقتلوا اْلخر‬
‫منهما » ‪ ،‬وقوله صلى هللا عليه وسلم‪ « :‬فوا بيعة األو ل فاألو ل » ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ أن تكون البيعة على كتاب هللا وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم قوال ً وعمال ًأل وهذا‬
‫الشرط واضح في خطب الخلفاء الراشدين رضي هللا عنهم‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ الحرية الكاملة للمبايع في البيعة كما فعل الصحابة رضوان هللا عليهم في بيعة الخلفاء‬
‫الراشدينأل فلم تذكر الروايات أنهم أجبروا أح ًدا على بيعة قطأل وإنما يبايع باختياره أو يتركأل‬
‫وقد كانوا يبدون اعتراضاتهم ولكنهم يتراجعون بعد االقتناع بالحجة والبرهانأل وبناء على‬
‫هذا الش رط فال يجوز اإلكراه على البيعةأل وبيعة المكره ال تلزمأل (روى ابن جرير عن‬
‫اإلمام مالك رحمه هللا أنه أفتى الناس بمبايعته ـ أي محمد بن عبد هللا بن حسن الذي خرج‬
‫سنة ‪ 143‬هـ ـ فقيل له ‪ :‬فنن في أعناقنا بيعة للمنصورأل فقال‪ :‬إنما كنتم مكرهينأل وليس‬
‫لمكره بيعةأل فبايعه الناس عند ذلك ولزم مالك بيته) [البداية والنهاية‪12 :‬ك‪] 44‬أل ومما يدل‬
‫ضا أن البيعة عقد مراضاة واختيار ال سبيل فيها إلى اإلجبار واإلكراه‪.‬‬ ‫على هذا الشرط أي ً‬
‫‪ 7‬ـ اإلشهاد على المبايعة ‪ :‬من العلماء من شرط اإلشهاد على المبايعة وذلك لئال يدعي مدع‬
‫أن اإلمامة عقدت له س ًرا في دي ذلك إلى الشقاق والفتنة‪ .‬أما جمهور العلماء فقد قالوا‪ :‬بأنه‬
‫ال يجب اإلشهاد أل ألن إيجاب اإلشهاد يحتاج إلى دليل من النقل وهذا ال دليل عليه منهأل وما‬
‫دام أن الذي يقوم بالعقد هم أهل الحل والعقدأل فهم جماعة ال يحتاج معهم إلى شهود‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫الفرع الرابع ‪ :‬أقسام البيعة ‪.‬‬
‫فرق العلماء في مجال اختيار اإلمام بين نوعين من البيعة‪ :‬بيعة اإلنعقاد وبيعة العامة‪.‬‬
‫أوال‪ :‬بيعة اإلنعقاد‪:‬‬
‫وهذه البيعة هي التي يقوم بها أهل الحل والعقدأل وبموجبها يكون للشخص المبا َيع سلطانأل له‬
‫حق الطاعة والنصرة واالنقياد ‪ .‬وهذه البيعة واضحة في سيرة الخلفاء الراشدين رضي هللا‬
‫عنهم ‪ .‬وهي فرض على الكفاية متى قام بها من تحققت به الكفاية منهم سقط اإلثم عن بقيتهم‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬بيعة العامة (بيعة الطاعة )‪:‬‬


‫وهي البيعة التي ي ديها سائر المسلمين بعد بيعة االنعقاد أل وهذا ما جرى عليه العمل في بيعة‬
‫الخلفاء الراشدين رضي هللا عنهمأل ففي تولية أبي بكر كانت بيعة االنعقاد في سقيفة بني‬
‫ساعدةأل وكانت بيعة العامة في اليوم التالي على المنبر‪.‬‬

‫‪49‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫والمقصود بها إظهار الرضا باإلمام والطاعة لهأل بعد انعقاد اإلمامة له بواسطة أهل الحل‬
‫والعقد حتى يكون الرضا به عاما ً والتسليم إلمامته إجماعاً‪ .‬فهذه البيعة إذن ال تكون إال‬
‫لإلمام الذي اجتمع عليه الناس كلهم‪..‬‬
‫وال يشترط فيها أن تكون عقدا ً باليد من كل مسلمأل بل يكفي إظهار الرضا باإلمام وعدم‬
‫الخروج على طاعته بأي طريق تيسر‪ .‬قال الدسوقي في [حاشيته‪4:‬ك‪( :]094‬وبيعة أهل الحل‬
‫والعقد بالحضور والمباشرة بصفقة اليد وإشهاد الغائب منهمأل ويكفي العامي اعتقاد أنه تحت‬
‫أمرهأل فنن أضمر غير ذلك فسق ودخل تحت قوله عليه الصالة والسالم‪« :‬من ما ت وليس‬
‫في عنقه بيعة ما ت ميتة جاهلية »)‪.‬‬
‫وإذا كان األمر كذلك فال يجوز أن تنصرف النصوص التي توجب البيعة على كل مسلم إلى‬
‫بيعة اإلنعقادأل وإنما إلى بيعة العامة التي تلي بيعة اإلنعقاد وتترتب عليها‪ :‬إظهار للرضا‬
‫باإلمام والطاعة له ألنها هي البيعة التي تلزم آحاد المسلمين‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫الفرع الخامس ‪ :‬طرق البيعة ‪.‬‬
‫وتجوز بكل طريقة تدل على ذلكأل قولية كانت أو كتابيةأل فقد كتب عبد هللا ابن عمر إلى‬
‫عبد الملك بن مروان يبايعه بالخالفة بعد مقتل عبد هللا ابن الزبير رضي هللا عنهماأل وكان قد‬
‫امتنع عن مبايعتهما معا ً ألجل االختالف والفرقة‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫الفرع السادس ‪ :‬حكم نكث البيعة ‪.‬‬
‫اإلسالم دين االلتزام والنظامأل ومن بديهيات هذا الدين الوفاء بالعهود سواء كانت بين‬
‫المسلمين بعضهم مع بعضأل أو حتى مع الكفار‪ .‬قال تعالى‪َ ﴿ :‬وأَ ْوفُواْ ِب ا ْل َع ْه ِد ِﺇنَّ ا ْل َعهْدَ َك َ‬
‫ان‬
‫ين آ َم ُنواْ أَ ْوفُواْ ِب ا ْل ُعقُو ِد‪ .‬اْلية﴾أل وقال‪َ ﴿ :‬وأَ ْوفُواْ ِب َع ْه ِد ّ ِ‬
‫هللا ِﺇ َذا‬ ‫َمسْ ؤُ و ال ً﴾أل وقال‪َ ﴿ :‬ي ا أَ ُّي َه ا الَّ ِذ َ‬
‫ون ﴾‬ ‫هللا َع َل ْي ُك ْم َكفِي ال ً ِﺇنَّ ّ َ‬
‫هللا َي عْ َل ُم َم ا َت ْف َعلُ َ‬ ‫َع ا َه دتُّ ْم َو الَ َتنقُ ضُوا ْ األَ ْي َم َ‬
‫ان َب عْ دَ َت ْو كِي ِد َها َو َق ْد َج َع ْلتُمُ ّ َ‬
‫وهذا عام في كل عقد وعهدأل والبيعة بجميع أنواعها داخلة في هذه العقود والعهودأل وهذه‬
‫اْليات تدل على وجوب الوفاء بها‪.‬‬
‫والبيعة نفسها لما كانت تختلف باختالف المبايع عليه كما رأينا آنفًا في تعداد أنواعهاأل فننه ال‬
‫لفظا أو بقرينة الحال بما‬ ‫يصح إطالق حكم معين على من لم يلتزم بالبيعةأل دون تقييده إما ً‬
‫يدل على النوع المراد من هذه البيعاتأل ولكل نوع حكمه الخاصأل فمنها ما هو كفرأل ومنها‬
‫ما هو معصية وكبيرة من الكبائرأل فالمسألة ًإذا تحتاج إلى تفصيل‪:‬‬
‫فالبيعة على اإلس الم‪ :‬إذا نقضها المبايع يكون كافرًا مرت ًدا عن اإلسالمأل علمًا بأن البيعة على‬
‫اإلسالم كانت خاصة بالنبي صلى هللا عليه وسلمأل ال نعلم من الصحابة وال من بعدهم أح ًدا‬
‫أخذها أل بل إن النبي صلى هللا عليه وسلم نفسه لم يبايع جميع المسلمين على اإلسالمأل فنن‬
‫منهم من أسلم ولم يرهأل وكثير منهم أسلم ولم يضع يده في يده صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬
‫أما البيعة على الهجرة فقد انقطعت بانقطاع الهجرة بعد فتح مكة كما مر‪.‬‬
‫أما من نكث البيعة على النصرة أو الجهاد أو السمع والطاعة دون أن يصدر منه ما ينافي‬
‫أصل اإليمانأل فهذا يكون بذلك ع اصيًا مرتكبًا لكبيرة من الكبائرأل وهي‪ :‬نقض العهد الذي‬
‫توعد هللا فاعلهأل وهذه تختلف حرمتها باختالف موضوعهاأل فأشدها حرمة نكث بيعة اإلمام‬
‫الشرعي على السمع والطاعة في غير معصية من دون مبرر شرعيأل وهي‪ :‬عقد على‬
‫الدوام إال إذا حدث من المبايع أو قام به ما ينقضها كالموت أو الكفر أو الجنون ونحو ذلكأل‬

‫‪51‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫وهي المراد بالبيعة عند اإلطالق‪.‬‬


‫أما البيعة على النصرة والجهاد فهي تأتي في ظروف استثنائية ولذلك لِلتذكر مقيدةأل ويجب‬
‫الوفاء بها عند انعقادها أل ونكثها أخف من نكث بيعة اإلمام على السمع والطاعةأل فننه يجوز‬
‫أن يبايع القائد المسلم جيشه على الثبات والصبرأل وقد يثبت ويصبر هذا المبايع وقد ال يثبت‪.‬‬
‫وقد ورد أحاديث كثيرة في وجوب الوفاء ببيعة اإلمام على السمع والطاعة في غير‬
‫معصيةأل وتحريم نكث بيعته بدون مبرر شرعيأل ومن هذه األحاديث‪:‬‬
‫حديث ابن عباس رضي هللا عنهما قال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم «من رأى من‬
‫أميره شيئً ا يكرهه فلي صبر ‪ ،‬فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شب ًرا فيمو ت ﺇال ما ت ميتة‬
‫الجاهلية » متفق عليه‪.‬‬
‫قال ابن أبي حمزة‪ ( :‬المراد بالمفارقة السعي في حل عقد البيعة التي حصلت لذلك األمير‬
‫ولو بأدنى شيءأل فكنى عنها بمقدار الشبرأل ألن األخذ في ذل ك ي ول إلى سفك الدماء بغير‬
‫حق)‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫الفرع السابع ‪ :‬فقه حديث ابن عمر رضي هللا عنه ‪.‬‬
‫عن ابن عمر رضي هللا عنهما عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪« :‬من ما ت وليس في‬
‫عنقه بيعة ما ت ميتة الجاهلية » [رواه مسلم في كتاب ‪ :‬اإلمارةكباب ‪ :‬وجوب مالزمة جماعة‬
‫المسلمين عند ظهور الفتن]‪.‬‬
‫فالذي يفهم منه أنه إذا ك ان هناك إمام شرعيأل توفرت فيه شروط صحة البيعةأل وانتفت‬
‫نواقضها أل فننه يجب على المسلم أن يبادر إلى البيعة إذا كان من أهل الحل والعقدأل أو طلبت‬
‫منهأل وال يجوز له أن يبيت وال يراه إمام أل أما إذا لم تكن شروط صحة البيعة متوفرة في هذا‬
‫الحاكمأل فليس عليه واجب البيعةأل بل عليه أن يسعى إليجاد اإلمام الشرعي حسب طاقته وال‬
‫يكلف هللا نف ًسا إال وسعها‪.‬‬
‫وفار َق‬
‫َ‬ ‫اع ِة‬ ‫قال اإلمام الصنعاني في شرح حديث أبي هريرة مرفوعا « َم نْ َخ َر َج َع ِن ّ‬
‫الط َ‬
‫ا ْل َج َم ا َع َة و َما َت َف ِم ْي َتتُهُ ِمي َتةٌ َج ا ِهلِ ّي ٌة » [رواه مسلم]‪ « ( :‬عن الطاعة »‪ :‬أي طاعة الخليفة الذي‬
‫وقع االجتماع عليه‪ ...‬وكأن المراد خليفة أي قطر من األقطار إذ لم يجمع الناس على خليفة‬
‫في جميع البالد اإلسالمية من أثناء الدولة العباسية بل استقل أهل كل إقليم بقائم بأمورهم‪ .‬إذ‬
‫لو حمل الحديث على خليفة اجتمع عليه أهل اإلسالم لقلت فائدته‪.‬‬
‫وقال «وفارق الجماعة » أي خرج عن الجماعة الذين اتفقوا على طاعة إمام انتظم به شملهم‬
‫واجتمعت به كلمتهم وحاطهم عن عدوهم)‪ .‬أهـ‪.‬‬
‫وقال أيضا‪( :‬وفي لفظ‪« :‬من خرج عن السلطان شبرا ً ما ت ميتة جاهلية»‪ .‬دلت هذه األلفاظ‬
‫على أن من خرج على إمام قد اجتمعت عليه كلمة المسلمين والمراد أهل قطر ــ كما قلناه‬
‫ــ)أهـ [سبل السالم‪ :‬باب قتال أهل البغي]‪.‬‬
‫والذي يدل على أن الحديث خالف ظاهره ما يلي‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ أن البيعة واجبة وجوبًا كفائيًا إذا قام بها البعض سقطت عن الباقين كما هو قول‬
‫الجمهور‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ فعل راوي الحديث عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما نفسهأل فهو أولى ب فهم الحديث على‬
‫وجهه الصحيح من غيرهأل فقد امتنع عن البيعة ألحد من الفريقين في وقت الفتنة إلى أن‬

‫‪51‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫اجتمع الناس على أحدهماأل قال عنه الحافظ ابن حجر‪( :‬أنه امتنع أن يبايع لعلي أو معاويةأل‬
‫ثم بايع لمعاوية لما اصطلح مع الحسن بن علي واجتمع عليه الناسأل وبايع البنه يزيد بعد‬
‫موت معاوية الجتماع الناس عليه أل ثم امتنع من المبايعة ألحد حال االختالف إلى أن قتل ابن‬
‫الزبير وانتظم الملك كله لعبد الملك بن مروان فبايع له حينئذ أل فهذا معنى قوله لما اجتمع‬
‫الناس على عبد الملكأل وأخرج يعقوب ابن سفيان في تاريخه من طريق سعيد بن حرب‬
‫العبدي قال‪ :‬بعثوا إلى ابن عمر لما بويع ابن الزبير فمد يده وهي ترعد فقال‪ :‬وهللا ما كنت‬
‫ألعطي بيعتي في فرقة وال أمنعها من جماعة) [فتح الباري‪15 :‬ك‪]193‬أل وقد سأله عبد هللا بن‬
‫صفوان‪( :‬يا أبا عبد الرحمن ما يمنعك أن تبايع أمير الم منين يعني ابن الزبير؟ فقد بايع له‬
‫أهل العر وضأل وأهل العراقأل وعامة أهل الشام؟ فقال‪ :‬وهللا ال أبايعكم وأنتم واضعوا‬
‫سيوفكم على عواتقكم تصيب أيديكم من دماء المسلمين)‪[ .‬رواه البيهقي في السنن الكبرى]‪.‬‬
‫فابن عمر رضي هللا عنه وهو راوي الحديث امتنع عن البيعة حال الفتنة والفرقة‪.‬‬
‫فلو فهم الحديث على ظاهره وأن الجاهلية هي الكفر لما بات ليلة إال وفي عنقه بيعة‬
‫ألحدهما يعطيها من يدله عليه اجتهاده على أنه أقرب للصوابأل وقد لِلروي عنه قوله‪:‬‬
‫(‪...‬لكني أكره أن أبايع أميرين قبل أن يجتمع الناس على أمير واحد)أل لكن كان له تأويل في‬
‫ترك البيعة وهو اختالف الناس‪.‬‬
‫فالمقصود أنه أخذ مدة وليس في عنقه بيعة ألحدأل وهذا على خالف ظاهر الحديثأل النتفاء‬
‫أحد شروط صحة البيعة أل وهو أن يكون المبايع واح ًدا أل كما مر ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ ما رواه حذيفة بن اليمان رضي هللا عنه قال‪ :‬ق ال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫« يكون دعاة على أبواب جهنم‪ ،‬من أجابهم ﺇليها قذفوه فيها‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول هللا صفهم لنا؟‬
‫قال‪ :‬هم قوم من جلدتنا يتكلمون بألسنتنا‪ ،‬فقلت‪ :‬فما تأمرني ﺇن أدركني ذل ك؟ ق ا ل‪ :‬فالزم‬
‫جماعة المسلمين وﺇمامهم‪ ،‬فإن لم يكن لهم جماعة وال ﺇمام فاعتزل تل ك الفرق كلها‪ ،‬ولو أن‬
‫تعضّ بأ ص ل شجرة‪ ،‬حتى يدرك ك المو ت وأن ت كذل ك »‪ .‬متفق عليه‪.‬‬
‫قال الطبري‪ ( :‬والصواب أن المراد في الخبر لزوم الجماعة الذين في طاعة من اجتمعوا‬
‫على تأميره فمن نكث بيعته خرج عن الجماعة) [ فتح الباري‪ :‬كتاب الفتن]‪.‬‬
‫كما أمر صلى هللا عليه وسلم عند االختالف بقوله‪ « :‬تأخذون بما تعرفون ‪ ،‬و َت دَ ُعون ما‬
‫تنكرون وتقبل ون على خا صتكم وتذرو ن أمر عوامكم » ‪.‬‬
‫فلو كانت البيعة واجبة في عنق كل مسلم في كل وقت ألمر بمبايعة إمام إحدى هذه الفرقأل‬
‫علمًا بأن لكل فرقة إمامًا أل فال يجوز مبايعة إال اإلمام الشرعي متى وجد ‪.‬‬
‫فالمق صود أن البيعة حكم شرعيأل له شروط وموانع جاء الشرع بهاأل فمتى تحققت الشروط‬
‫وانتفت الموانع وجب الحكم وإال فال ‪.‬‬
‫فنذا كان هناك إمام شرعي وامتنع المسلم من البيعةأل عند ذلك يقع في الوعيد الذي نص عليه‬
‫الحديث وهللا أعلم ‪.‬‬
‫وقد سئل اإلمام أحمد رحمه هللا عن حديث « من ما ت وليس له ﺇمام ما ت ميتة جاهلية » ما‬
‫معناه؟ فقال‪( :‬أتدري ما اإلمام؟ اإلمام الذي يجمع المسلمون عليه أل كلهم يقول هذا إمامأل فهذا‬
‫معناه) [المسند من مسائل اإلمام أحمد للخالل] ‪.‬‬
‫وقال ابن تيمية في [المنهاج]‪( :‬إن النبي صلى هللا عليه وسلم أمر بطاعة األئمة الموجودين‬
‫المعلومين الذين لهم سلطان يقدرون به على سياسة الناسأل ال بطاعة معدوم وال مجهول وال‬
‫من ليس له سلطان وال قدرة على شيء أصال) [انظر اإلمامة العظمى والوجيز]‪.‬‬

‫‪52‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫الخالفة والقدرة على سياسة الناس ال تثبت إال بأمرين ‪ :‬بالطاعة القائمة على الرضاأل‬
‫والطاعة القائمة على الغلبةأل فمن لم يكن تحت الخليفة بهذين األمرين ال يكون األمير أميرا‬
‫عليه على الحقيقة‪.‬‬
‫قال أحمد‪ ( :‬ومن ولي الخالفة فأجمع عليه الناس ورضوا بهأل ومن غلبهم بالسيف حتى صار‬
‫خليفة وسمي أمير الم منينأل فدفع الصدقات إليه جائز برا كان أو فاجرا)‪.‬‬
‫وبالنظر في الطريقة التي ألِلعلنت بها الخالفة فهي لم تتم بطريقة اختيار أهل الحل والعقد في‬
‫األمةأل (باعتراف الدولة اإلس المية) ولم تتابع في تصرفها أل ولم تتغلب على ديار المسلمين‬
‫تغلبا يبيح لها القول بلزوم بيعتها على جميع المسلمين ‪ .‬وفيما نقلنا من أقوال أهل العلم حل‬
‫لإلشكال والحرج الذي قد يجده المسلم من كالم (الدولة اإلس المية)‪.‬‬
‫مع التنبيه على أن المراد بالميتة الجاهلية ليس الكفر األكبرأل قال ابن حجر في الفتح‪( :‬قوله‬
‫«مات ميتة جاهلية» في الرواية األخرى « فمات ﺇال ما ت ميتة جاهلية » وفي رواية لمسلم‬
‫« ف ِميتته ميتة جاهلية » وعنده في حديث ابن عمر رفعه «من خلع يدا من طاعة لقي هللا وال‬
‫حجة لهأل ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» قال الكرماني‪ :‬االستثناء هنا‬
‫بمعنى االستفهام اإلنكاري أي ما فارق الجماعة أحد إال جرى له كذاأل أو حذفت «ما» فهي‬
‫مقدرة أو «إال» زائدة أو عاطفة على رأي الكوفيينأل والمراد بالميتة الجاهلية وهي بكسر‬
‫الميم حالة الموت كموت أهل الجاهلية على ضالل وليس له إمام مطاعأل ألنهم كانوا ال‬
‫يعرفون ذلكأل وليس المراد أن يموت كافرا بل يموت عاصياأل ويحتمل أن يكون التشبيه على‬
‫ظاهره ومعناه أنه يموت مثل موت الجاهلي وإن لم يكن هو جاهلياأل أو أن ذلك ورد مورد‬
‫الزجر والتنفير وظاهره غير مرادأل وي يد أن المراد بالجاهلية التشبيه قوله في الحديث‬
‫اْلخر « من فارق الجماعة شبرا فكأنما خلع ربقة اإلسالم من عنقه ») ‪ [.‬فتح الباري‪.]15 :‬‬
‫وقال الصنعاني في [سبل السالم]‪( :‬قوله‪ « :‬فميتته ميتة جاهلية » أي منسوبة إلى أهل الجهل‬
‫والمراد به من مات على الكفر قبل اإلسالم وهو تشبيه لميتة من فارق الجماعة بمن مات‬
‫على الكفر بجامع أن الكل لم يكن تحت حكم إمام فنن الخارج عن الطاعة كأهل الجاهلية ال‬
‫إمام له)‪.‬‬
‫وقال ابن تيمية في [المنهاج]‪ ( :‬فنن النبي صلى هللا عليه وسلم قد قال « ومن ما ت ميتة‬
‫جاهلية » في أمور ليست من أركان اإليمان التي من تركها كان كافرا كما في صحيح مسلم‬
‫عن جندب بن عبد هللا البجلي رضي هللا عنه قال‪ :‬ق ال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪« :‬من‬
‫قت ل تح ت راية عمية يدعو ع صبية أو ين صر ع صبية فقتلته جاهلية » ولكن ال يكفر المسلم‬
‫باالقتتال في العصبية كما دل على ذلك الكتاب والسنة فكيف يكفر بما هو دون ذلك)‪.‬‬
‫والخالصة‪ :‬أن الخالفة والقدرة على سياسة الناس ال تثبت إال بأمرين‪ :‬بالطاعة القائمة على‬
‫الرضاأل والطاعة القائمة على الغلبةأل فمن لم يكن تحت الخليفة بهذين األمرين ال يكون‬
‫األمير أميرا عليه على الحقيقة‪.‬‬
‫والطريقة التي ألِلعلنت بها الخالفة لم تستوف شروط اإلمامة العامة حيث لم تتم باختيار أهل‬
‫الحل والعقد في األمةأل ( باعتراف الدولة اإلس المية ) ولم تتابع في تصرفهاأل ولم تتغلب على‬
‫ديار المسلمين تغلبا يبيح لها القول بلزوم بيعتها على جميع المسلمين‪ .‬فبيعتها ال تلزم‬
‫المسلمين أل وال ي ثم من لم يبايعها بيعة الخالفة العامة فضال عن أن يكفر‪.‬‬
‫وسيأتي مزيد إيضاح لهذا المعنى في الفرع اْلتي‪.‬‬

‫‪53‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫الفرع الثامن‪ :‬خطأ تكفير من لم يبايع إماماً معيناً‪.‬‬
‫هذه المسألة ذكرها الشيخ أبو محمد المقدسي في [الثالثينية] أل أوردتها إتماما للفائدة‪ .‬فربما‬
‫يتعصب البعض لبيعة الخالفة فيظن أن من لم يبايع يموت ميتة جاهلية ـ وقد سبقت ـأل وربما‬
‫كفره‪.‬‬
‫يقول الشيخ‪( :‬ومن األخطاء الشنيعة في التكفير أيضا ؛ تكفير من لم يبايع إماما معينا‬
‫استدالال بما رواه مسلم في صحيحه‪ « :‬من ما ت وليس في رقبته بيعة ما ت ميتة جاهلية » ‪،‬‬
‫وبما رواه مسلم أيضا‪.. . « :‬من فارق الجماعة شبرا فما ت فميتة جاهلية» فجعلوا الميتة‬
‫الجاهلية كفرا مخرجا من الملةأل مع أنها لفظة غير صريحة على إرادة ذلك بل هي محتملةأل‬
‫فلزم فهمها إذن على ضوء المحكم من النصوص المبينة لها أل كما هو الشأن عموما مع‬
‫النصوص المحتملة المتشابهة‪.‬‬
‫فنظرنا في أدلة الشرع المبينة لهذاأل فوجدنا أن الباغي الخارج على جماعة المسلمين‬
‫وإمامه م ال يخرج بذلك وحده من اإلسالمأل فقد قال تعالى‪ ﴿ :‬وﺇن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا‬
‫فأ صلحوا بينهما‪ ...‬ـ إلى قوله ـ ﺇنما المؤمنون ﺇخوة فأ صلحوا بين أخويكم﴾ فسماهم م منين‬
‫مع البغيأل فهذه قرينة مبينة أن المراد بالجاهلية في الحديث م ا كان دون الكفر الناقل عن‬
‫الملةأل من المعاصي والخصال والعوائد الذميمة أل ووصفت بذلك تشنيعا من شأن هذا الذنب‬
‫الذي يشق عصا المسلمين ويفرق جماعتهم أل وتنفيرا عنه ألن فيه مشابهة ألهل الجاهلية‬
‫الذين لم يكن يجمعهم إمام واحد أو جماعة واحدة‪ .‬بل كانوا طوائف متفرقةأل وقبائل‬
‫متناحرةأل يبغي بعضهم على بعض ويغزوا بعضهم بعضا‪.‬‬
‫وي يد ذلك أن لفظة (الجاهلية ) قد وردت مرارا في استعمال الشارع في المعاصي التي هي‬
‫دون الكفر والشركأل كما في قوله تعالى‪ ﴿ :‬وقرن في بيوتكن وال تبرجن تبرج الجاهلية‬
‫األولى﴾أل فالتبرج‪ :‬من أخالق نساء الجاهليةأل وليس هو بكفر ناقل عن الملة وحده‪.‬‬
‫ومن ذلك قول النبي صلى هللا عليه وسلم ألبي ذر لما عير رجال بأمه‪ « :‬أعيرته بأمه ﺇن ك‬
‫امرؤ في ك جاهلية » [ رواه البخاري في كتاب اإليمان]أل ولذلك بوب البخاري في صحيحه في‬
‫كتاب اإليمان منه (باب المعاصي من أمر الجاهليةأل وال يكفر صاحبها بارتكابها إال‬
‫بالشركأل لقول النبي صلى هللا عليه وسلم‪ « :‬ﺇن ك امرؤ في ك جاهلية » وقول هللا تبارك‬
‫وتعالى‪ ﴿ :‬ﺇن هللا ال يغفر أن يشر ك به ويغفر ما دون ذل ك لمن يشاء ﴾ وذكر فيه حديث أبي‬
‫ذرأل ثم قوله تعالى‪ ﴿ :‬وﺇن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأ صلحوا بينهما ﴾أل وقال‪( :‬فسماهم‬
‫الم منين)‪.‬أهـ‪.‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬ما جاء في صحيح مسلم من قوله صلى هللا عليه وسلم « من ما ت ولم يغز ولم‬
‫يحد ث نفسه بالغزو ما ت ميتة جاهلية »‪( :‬وترك الغزو بحد ذاته ليس كفرا والميتة الجاهلية‬
‫هنا ليست بالكفر المخرج من الملةأل بدليل قوله تعالى‪ ﴿ :‬ال يستوي القاعدون من المؤمنين‬
‫غير أولي ال ضرر والمجاهدون في سبيل هللا بأموالهم وأنفسهم ف ضل هللا المجاهدين بأموالهم‬
‫وأنفسهم على القاعدين درجة وك ال ً وعد هللا الحسنى﴾أل فتأمل كيف بين هللا أن في القاعدين‬
‫عن الجهاد بغير عذر م منينأل لم ينزع عنهم قعودهم اسم اإليمانأل وأنه سبحانه وعد كال ً‬
‫من الق اعدين والمجاهدين الحسنى إليمانهمأل وإن كان المجاهدون أعظم درجة‪.‬‬
‫فظهر من هذا كله استعمال الشارع لهذه اللفظة في المعاصي التي تركها من اإليمان‬
‫الواجب أل ومقارفتها من الجهل الذي هو دون الكفر الناقل عن الملة‪.‬‬

‫‪54‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫وإذا كانت قد وردت في استعماله أحيانا فيما هو من كفر الجاهلية فقد صارت كما قلناأل من‬
‫األلفاظ المحتملة التي يجب أن تفهم على ضوء النصوص المبينة لها‪.‬‬
‫ومعلوم أن تتبع النصوص المتشابهة والمحتملة وانتقائها وأخذها وحدها دون ردها إلى‬
‫المحكم المبين لها من أم الكتاب هو من طريقة أهل الزيغ واألهواءأل كما قد ذكر هللا تعالى‬
‫في كتابه فقال‪ ﴿ :‬فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء‬
‫تأويله﴾‪.‬‬
‫وكذلك الوعيد باأللفاظ المحتملة ومنها (الميتة الجاهلية )‪.‬‬
‫هذا وقد كنت تناظرت قديما مع بعض غالة المكفرة حول حديث هذا البابأل وكانوا يتبنون‬
‫أنه يعني الكفر األكبر قطعاأل ويدعون بناء عليه إلى بيعة أميرهمأل ومن لم يبايع حكموا عليه‬
‫بالكفرأل بعد إقامة الحجة عليه بذلك وبأنهم الجماعة الحق أل التي ال يجوز مفارقتها شبرا وإال‬
‫فميتته جاهلية !!‪.‬‬
‫هذا قولهمأل حرصت على سماعه منهم مباشرةأل ولم ينقله لي عنهم أحد‪ .‬ويومها استدللت‬
‫ببعض ما تقدمأل وبقول النبي صلى هللا عليه وسلم لحذيفة بعد س اله؛ فنن لم يكن للمسلمين‬
‫جماعة وال إمام « فاعتزل تلك الفرق ولو أن تعض على أ ص ل شجرة حتى يدرك ك المو ت‬
‫وأن ت على ذل ك »أل ففيه أنه يصح إسالم المرء رغم غياب جماعة المسلمين وإمامهم العام‬
‫الممكن أل وأن صحة اإلسالم ال ترتبط ببيعة إمام معين أو أمير بعينه عند تفرق جماعة‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫وإال ألمر النبي صلى هللا عليه وسلم حذيفة لما سأله‪ « :‬فإن لم يكن لهم جماعة وال ﺇمام »؛‬
‫بأن يجمع له جماعة أو تنظيما ويبايع لنفسهأل أو غيره إماما وإال لمات ميتة جاهلية!! ومعلوم‬
‫أن النبي صلى هللا عليه وسلم لم يأمر بشيء من ذلك في أجوبته لحذيفة الذي كان يكثر‬
‫األسئلة في هذه األبوابأل ويستفصل حرصا على معرفة الشر مخافة أن يقع فيهأل كما قال‪:‬‬
‫« كان الناس يسألون رسو ل هللا صلى هللا عليه وسلم عن الخير وكن ت أسأله عن الش ر‬
‫مخافة أن أقع فيه »‪.‬‬
‫فلو كان عدم مبايعة إمام عند عدم وجود جماعة المسلمين وإمامهم أل شرا أو كفرا؛ لحذره‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم منه ولبينه لهأل ألنه ال يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة‪.‬‬
‫والنبي صلى هللا عليه وسلم كان أحرص الخلق على أمته ولم يترك شيئا من الخير يقربهم‬
‫إلى الجنة إال ودلهم عليهأل وال شيئا من الشر يقربهم من النار إال وحذرهم منهأل فكيف بالكفر‬
‫والشرك المخلد صاحبه في النار؟‪.‬‬
‫واستدللت على ذلك أيضا بقصة أبي بصير وأبي جندل ومن معهم حين آووا إلى مكان بين‬
‫مكة والمدينة ولم يتمكنوا من اللحوق بالمدينة أل وال تمكنوا من مبايعة النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم واالنضمام إلى جماعة المسلمين أل بسبب الشرط الذي كان في صلح الحديبية بين النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم وكفار قريش‪ .‬وبقوا كذلك إلى أن أسقطت قريش ذلك الشرط وتمكنوا‬
‫من اللحوق بالمدينةأل أما أبو بصير فمات في مكانه قبل أن يتمكنوا من ذلك‪..‬‬
‫فما أنكر عليهم النبي صلى هللا عليه وسلم ذلك أل فضال عن أن يكفرهم‪ .‬وال حكم على أبي‬
‫بصير بأنه قد مات ميتة جاهلية‪ ..‬ولو كان شيئا من هذا الذي فعلوه كفرا لما أقرهم صلى هللا‬
‫عليه وسلم عليه أل وال كان ليقبله في شرطه مع قريش أل فهو صلى هللا عليه وسلم أورعنا‬
‫وأتقانا ه تبارك وتعالى‪.‬‬
‫وقد استدل العلماء على أن أبا بصير لم يكن داخال تحت والية النبي صلى هللا عليه وسلمأل‬

‫‪55‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫وال متحيزا إلى جماعة المسلمين أل بأن قريشا لم تلزم النبي صلى هللا عليه وسلم وال طالبته‬
‫بدية الرجل العامري الذي قتله أبو بصير حين رده صلى هللا عليه وسلم إلى قريش معه‬
‫ومع اْلخر الذي فر‪ .‬فقد كانا كالهما معاهدين أل ولكن لما لم يكن أبو بصير داخال تحت‬
‫والية النبي صلى هللا علي ه وال متحيزا إلى جماعة المسلمينأل لم يلزمهم ما فعلهأل وال لزمه‬
‫هو عهدهم مع قريش‪.‬‬
‫فلم يرفعوا بذلك كله رأساأل حتى حاججتهم بحديث‪ :‬الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة‬
‫وكون الحسين رضي هللا عنه قد مات وليس في رقبته بيعة إلمام زمانه أل بل كان خارجا‬
‫عليه هو ومن معه‪ ..‬فهل مات ميتة جاهلية؟أل وهل كان بذلك كافرا‪..‬؟! كيف وقد أخبر‬
‫الصادق المصدوق أنه سيد شباب أهل الجنة؟ فانقطعوا ولم يحيروا جوابا‪.‬‬
‫إذ قد صاروا بين نارينأل إحداهما أحر وأمر من األخرى؛ إما أن يك فروا سيد شباب أهل‬
‫الجنة – عياذا باه ‪ !-‬أو أن يتركوا مذهبهم الذي أ قاموا عليه أصال من أصول جماعتهمأل‬
‫فيقروا أن ذلك ليس كفرا‪..‬‬
‫تنبيه‪ :‬ويناسب هنا التنبيه إلى خطأ من أثم كل من لم يبايع إمامه الذي بايعه هو في ظل‬
‫االستضعاف‪..‬‬
‫فلمن شاء أن يلزم نفسه ببيعة من ش اء من المسلمين ممن يراه مستكمال لشروط الخالفة‬
‫ويسعى للقتال من حوله لتمكينه ونصرته إلقامة دين هللا في األرض‪‬أل لكن ليس له أن ي ثم‬
‫غيره ممن أداه اجتهاده إلى مخالفته في ذلك أل أو من لم يبايع إمامهأل خصوصا وقد وجد من‬
‫أمث ال هذا اإلمام غير الممكن الكثير؛ وقد بويعوا قبله من قبل آخرينأل وك ٌل يدعي األولوية‬
‫في ذلك ويطلب البيعة لنفسه أل ويستشهد بقول النبي صلى هللا عليه وسلم « ﺇنه ال نبي بعدي‬
‫وستكون خلفاء تكثر‪ ،‬قالوا فما تأمرنا؟ قا ل‪ :‬فوا ببيعة األو ل فاألو ل وأعطوهم حقهم »‪.‬‬
‫والمسلمون في استضعافهم بين تأثيم ه الء وتأثيم ه الءأل هذا إن سلموا من تكفير األولين!!!‬
‫مع أن إمام كل واحد من ه الء غير ممكن وال شوكة له وليس هو بجنة يتقي به من بايعه‬
‫فعالم يلزم المسلمين ببيعته‪.‬‬
‫فقد صح عن النبي صلى هللا عليه وسلم أ نه قال في وصف اإلمام القوام على أهل اإلسالم‪:‬‬
‫« ﺇنما اإلمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به » [ رواه البخاري ومسلم وغيرهما]‪ .‬والمعنى أن‬
‫اإلمام يستتر به وأنه محل العصمة والوقاية للرعية فهو كالمجن والترس لهمأل فنن من استتر‬
‫بالترس فقد وقى نفسه من أذية العدو‪..‬‬
‫قال النووي‪( :‬أي كالستر ألنه يمنع العدو من أذى المسلمين ويمنع الناس بعضهم من بعض‬
‫ويحمي بيضة اإلسالم أل ويتقيه الناس ويخافون سطوته) أهـ‪.‬‬
‫وقد فسر هذا بما اشترطه الفقهاء مما يلزم الخليفة من حماية البيضة وأداء حقوق المسلمين‬
‫والقيام بما يلزمهم من إقامة الجهاد وحفظ دينهم وضرورات دنياهم أل بحيث لو منع من القيام‬
‫حجر أو عجز أو نحوه انعزل ولم يعد إماما أو خليفةأل وكذا لو كان‬ ‫َّ‬ ‫ألسر أو‬
‫َّ‬ ‫من ذلك‬
‫مستضعفا ال حول له وال قوةأل فمي طائفة أن ترتضيه على استضعافه أميرا لهاأل ولكن ليس‬
‫لها وحاله كذلك أن تلزم المسلمين ببيعته أل وتجعله إماما أعظم أو خليفة على عموم المسلمين‬
‫أو ت ثم من لم يبايعهأل وهو ال يملك من أمره وأمر أهل بيته شيئا في ظل حكم الطواغيت‬
‫واستضعافهم؛ فضال عن أن يكون جنة لغيره من المسلمين‪ .‬قال ابن حجر في الفتح‪( :‬قوله‬

‫‪ ‬ـ هذا لمن ليس في عنقه بيعة لجماعة أخرى كما سنوضح الحقا إن شاء هللا‬

‫‪56‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫« ﺇنما اإلمام جنة » بضم الجيم أي‪ :‬سترة ألنه يمنع العدو من أذى المسلمين ويكف أذى‬
‫بعضهم عن بعض أل والمراد باإلمام كل قائم بأمور المسلمين)‪ .‬أهـ‪.‬‬
‫وقال القلقشندي في [ مرثر األناقة في معالم الخالفة‪1 :‬ك‪( :]15‬والذي عليه العرف المشاع من‬
‫صدر اإلسالم وهلم جرا إطالق اسم الخليفة على كل من قام بأمر المسلمين القيام العام)‪.‬‬
‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية في منهاج [السنة‪1 :‬ك‪ ( :]141‬فمن قال يصير إماما بموافقة واحد‬
‫أو اثني ن أو أربعةأل وليسوا هم ذوي القدرة والشوكة فقد غلط) انتهى بتصرف يسير‪.‬‬

‫‪57‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫المسألة الخامسة ‪ :‬مقاصد اإلمامة‬


‫اعلم أوال يرحمك هللا أن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل واْلجلأل وشرع‬
‫هللا تعالى من األحكام ما يحقق مصالح العباد في العاجل واْلجل ويناسب المقدمات والنتائج‪.‬‬
‫قال ابن القيم في [إعالم الموقعين]‪ ( :‬بناء الشريعة على مصالح العباد في المعاش والمعادأل‬
‫هذا فصل عظيم النفع جدا وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة أوجب من الحرج‬
‫والمشقة وتكليف ما ال سبيل إليه ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح ال‬
‫تأتي به فنن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي‬
‫عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلهاأل فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور‬
‫وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من‬
‫الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل‪.)...‬‬
‫( غير أن األحكام نوعان‪ :‬أحكام استأثر هللا بعلم عللهاأل ولم يمهد السبيل إلى إدراك هذه العلل‬
‫ليبلوا عبادة ويختبرهمأل وهل يمتثلون وينفذون ولو لم يدركوا ما بني عليه الحكم من علةأل‬
‫وتسمى هذه األحكام‪ :‬التعبديةأل أو غير المعقول المعنىأل ومثالها‪ :‬تحديد أعداد الركعات في‬
‫الصلوات الخمس ‪..‬‬
‫وأحكام لم يستأثر هللا بعلم عللهاأل بل أرشد العقول إلى عللها بنصوص أو بدالئل أخرى‬
‫أقامها لالهتداء بهاأل وهذه تسمى‪ :‬األحكام المعقولة المعنىأل وهذه هي التي يمكن أن تعدي‬
‫من األصل إلى غيره بواسطة القياسأل كتحريم شرب الخمر الذي ع ِّدي بالقياس إلى شرب‬
‫أي نبيذ مسكر) [ أصول الفقه لخالفأل باختصار]‪.‬‬
‫ومن أحكام الشريعة ذات المقاصد العظيمة أحكام اإلمامة‪ .‬و(األسما لِلء تحمل قيمتها الداللية‬
‫ت إال بكونها‬‫ومعانأل وهي ال تستحق هذه الدالل َة وال هذه االلتزاما ِ‬ ‫َّ‬ ‫بما تنشئ من التزامات‬
‫حقائق لِلتع َل لِلم من خالل مقاصد هذه‬
‫لِل‬ ‫دال ًة على حقائقأل وكلم لِلة الخالفة وض ٌع اصطالح ٌّي له‬
‫الكلمةأل فكلما تخلفت المقاص لِلد دل على فقدان حقائق هذه الكلمة) [ ثياب الخليفة للشيخ أبي قتادة‬
‫الفلسطيني]‪.‬‬
‫( فنن مقصود اإلمامة القيام بالمهمات والنهوض بحفظ الحوزة وضم النشر وحفظ البالد‬
‫الدانية والنائية بالعين الكالية فنذا تحقق عسر ذلك لم يكن االتسام بنبز اإلمام معنى) [غياث‬
‫األمم]‪.‬‬
‫والعبرة في الحكم الشرعي بالحقائق والمعاني ال باأللفاظ والمباني‪.‬‬
‫قال ابن القيم في إعالم الموقعين‪... ( :‬فاه سبحانه إنما حرم هذه المحرمات وغيرها لما‬
‫اشتملت عليه من المفا سد المضرة بالدنيا والدينأل ولم يحرمها ألجل أسمائها وصورهاأل‬
‫ومعلوم أن تلك المفاسد تابعة لحقائقها ال تزول بتبدل أسمائها وتغير صورها)‪.‬‬
‫وقال رحمه هللا مستدال ً لهذه القاعدة وممثال ً لها‪( :‬ولو أوجب تبديل األسماء والصور تبدل‬
‫األحكام والحقائق لفسدت الديانات وبدلت الشرائعأل واضمحل اإلسالم‪ .‬وأي شيء نفع‬
‫المشركين تسميتهم أصنامهم آلهةأل وليس فيها شيء من صفات اإللهية وحقيقتها؟ وأي شيء‬
‫نفعهم تسمي لِلة اإلشراك باه تقربًا إلى هللا؟ وأي شيء نفع المعطلين لحقائق أسماء هللا وصفاته‬
‫تسمية ذلك تنزيهًا)‪.‬‬
‫فاإلمامة والحكم في اإلسالم وسيلة ال غاية أل وسيلة إلى مقاصد معينة يستطيع اإلمام بما له‬
‫من صالحيات خاصة أن يحقق ويبلغ ما يعجز عن بلوغه آحاد المسلمين‪.‬‬

‫‪58‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫واالعتبار في العقود ـ ومنها عقد الخالفة ـ بحقائقها ومقاصدهاأل وهل األلفاظ إال مقصودة‬
‫لغيرها قصد الوسائلأل و(لما كانت المقاصد ال يتوصل إليها إال بأسباب وطرق لِلتفضي إليها‬
‫كانت طرقها وأسبابها تابعة لها معتبرة بها)‪ ‬والعقود شرعت لتحقيق المقاصد التي وضعها‬
‫الشارع لهاأل وحيث قام عقد على عكس مقاصده الشرعيةأل أو عاد عليها بالبطالنأل كان ذلك‬
‫العقد لغوا‪.‬‬
‫وجماع مقاصد اإلمامة هو إقامة أمر هللا عز وجل في األرض على الوجه الذي شرعأل‬
‫واألمر بالمعروف والنهي عن المنكرأل وقد أوضح هللا عز وجل هذا الهدف في كتابه الكريم‬
‫ص َال َة َوآ َتوُ ا ال َّز َك ا َة َوأَ َم ُروا ِب ا ْل َم عْ ُروفِ‬
‫ض أَ َق امُوا ال َّ‬ ‫ين ِﺇن َّم َّك َّن ا ُه ْم فِي ْاألَ رْ ِ‬ ‫حيث قال‪ ﴿ :‬الَّ ِذ َ‬
‫ُ‬ ‫َو َن َه ْوا َع ِن ا ْلمُن َك ِر َو ِ َّ ِ‬
‫ّلِل َع اقِ َب ُة ْاألم ِ‬
‫ُور﴾‬
‫قال ابن تيمية‪ ( :‬وجميع الواليات اإلسالمية إنما مقصودها األمر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر)‪.‬‬
‫وقال‪( :‬المقصود والواجب بالواليات إصالح دين الخلق الذي متى فاتهم خسروا خسرا ًنا‬
‫مبي ًنا ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنياأل وإصالح ما ال يقوم الدين إال به من أمر دنياهم)‪.‬‬
‫وهذه المقاصد كما هو واضح من تعريف أهل السنة السابق ـ لإلمامة ـ تتمثل في مقصدين‬
‫كبيرين هما إقامة الدين وسياسة الدنيا به‪:‬‬

‫‪ ‬ـ إعالم الموقعين‬

‫‪59‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫المقصد األول ‪ :‬إقامة الدين ‪:‬‬


‫قال ابن الهمام‪( :‬والمقصد األول إقامة الدينأل أي ‪ :‬جعله قائم الشعار على الوجه المأمور به‬
‫من إخالص الطاعات وإحياء السنن وإماتة البدع ليتوفر العباد على طاعة المولى سبحانه)‪.‬‬
‫وتتمثل إقامة الدين في أمرين‪:‬‬
‫أو الً‪ :‬حفظه‬
‫المراد هنا بحراسة الدين وحفظه هو حراسة العقيدة اإلسالمية في صدور الم منين بهاأل‬
‫وحفظ تصور الم منين لهذا الدين صافيًا سالمًا من الغبشأل وإبقاء حقائقه ومعانيه كما أنزله‬
‫عز وجلأل وكما بلغها رسول هللا صلى هللا عليه وسلمأل وسار عليها صحابته الكرامأل ونقلوها‬
‫إلى الناس من بعدهأل وتطبيقها في الواقع المحسوسأل يكون ح فظ الدين بهذا المعنى متمثال ً‬
‫في‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ نشره والدعوة ﺇليه بالقلم واللسان والسنان‪ :‬وحيث إن اإلمام هو النائب عن مجموع‬
‫األمةأل فنن هذا الواج ب يكون في حقه آكد وعليه فرض عين أل ألن له القدرة والسلطان أكثر‬
‫من غيره من أفراد المسلمينأل فعلى الدولة ـ ممثلة في شخصه ـ أن تقوم بتنفيذ هذا الهدف‬
‫الجليل في داخل البالد وخارجها‪.‬‬
‫قال اإلمام الجويني‪( :‬فللدعاء إلى الدين الحق مسلكان ‪ :‬أحدهما الحجة وإيضاح المحجة‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬اال قتهار بغرار السيوفأل وإيراد الجاحدين الجاهرين مناهل الحتوف)‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ دفع الشبه والبدع واألباطي ل ومحاربتها‪ :‬أي العمل بشتى الوسائل على أن يكون الدين‬
‫مصو ًنا عن كل ما يسيء إليه سواء في هذا ما يتعلق بالعقيدة اإلسالمية أو غيرهاأل وقد أشار‬
‫الفقهاء إلى هذا المعنىأل فقال أبو يعلى‪( :‬إن على اإلمام حفظ الدين على األصول التي أجمع‬
‫عليها سلف األمةأل فنن زاغ ذو شبهة عنه َبين له الحجةأل وأوضح له الصوابأل وأخذه بما‬
‫يلزمه من الحقوق والحدودأل ليكون الدين محرو ًسا من خللأل واألمة ممنوعة من الزلل)‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ حماية البي ضة وتح صين الثغور‪ :‬إذا كان من مقاصد اإلمامة توفير األمن للمسلمين في‬
‫المجال الثقافي وهو ما تحدثنا عنه في النقطة السابقة أل فمن مقاصدها توفير األمن للمسلمين‬
‫في المجال العسكري سواء كان داخليًا أو خارجيًا حتى يكون الناس في أمن وسالم على‬
‫دينهم وأرواحهم وعقولهم وأعراضهم وأموالهم أل قال الماوردي في تعداده لمسئوليات اإلمام‪:‬‬
‫(الثالث‪ :‬حماية البيضة والذب عن الحريم لتتصرف الناس في المعايش وينتشروا في‬
‫األسفار آمنين من تغرير بنفس أو مال) وقال إمام الحرمين‪( :‬وأما اعتناء اإلمام بسد الثغور‬
‫فهو من أهم األمور وذلك بأن يحصن أساس الحصون والقالعأل ويستظهر لها بذخائر‬
‫األطعمة ومستنقعات المياهأل واحتفار الخنادقأل والعتاد وآالت القصد والدفعأل ويرتب على كل‬
‫ثغر من الرجال ما يليق به)‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫ثانيًا‪ :‬تنفيذه‬
‫وذلك يكون باألمور التالية‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ﺇقامة الشرائع والحدود وتنفيذ األحكام‪ :‬حيث ال يستطيع آحاد الناس إقامتها وإال كانت‬
‫هناك الفتن واإلحنأل لذلك فهي من مقاصد اإلمامة المختصة بهاأل قال ابن تيمية‪( :‬وإقامة‬
‫الحدود واجبة على والة األمورأل وذلك يحصل بالعقوبة على ترك الواجبات وفعل‬
‫المحرمات)‪.‬‬

‫‪61‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫‪ 2‬ـ حم ل الناس عليه بالترغي ب والترهي ب‪ :‬ومن مقاصد اإلمامة في تنفيذ الدين حمل الناس‬
‫على الوقوف عند حدود هللا أل والطاعة ألوامره وترغيبهم في ذلكأل ومعاقبة المخالفين‬
‫بالعقوبات الشرعية كما سبقأل ألن بعض الناس ال يصلح إال بالقوةأل كما أن بعضهم ال‬
‫يصلحه إال اللين والسماحةأل كما قال اإلمام الشوكاني‪( :‬فنن من الناس من يصلح بالهوانأل‬
‫ويفسد باإلكرام كما هو معلوم لكل من يعرف أحوال الناس واختالف طبقاتهم)‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫المقصد الثاني ‪ :‬سياسة الدنيا به‪:‬‬
‫قد تكلمنا فيما سبق في (حراسة الدين) عن إقامة الحدود والعقوباتأل وهي ال شك من الحكم‬
‫بما أنزل هللا أل ولكنها ليست وحدها المراد بـ (الحكم بما أنزل هللا) بل المراد به‪ :‬إدارة‬
‫وتدبير جميع ش ون الحياة وفقًا لقواعد الشريعة ومبادئها وأحكامها المنصوص عليها أو‬
‫المستنبطة منها وفقًا لقواعد االجتهاد السليمأل فالحدود جزء من الحكم بما أنزل هللاأل وليس‬
‫ضا عموم الرسالة المحمدية وشمولها لكل متطلبات‬ ‫قاصرًا عليها‪ .‬فمما يجب اإليمان به أي ً‬
‫الحياة‪.‬‬
‫وهناك مقاصد فرعية ناتجة عن هذه الحقيقة الكلية أل منها مقصد ذو صلة بنازلتنا إذ بها‬
‫تتحقق الشوكة التي تحقق مقاصد اإلمامة وهو‪:‬‬
‫جمع الكلمة وعدم الفرقة ‪:‬‬
‫من غايات اإلمامة ومقاصدها جمع الكلمةأل وعدم الفرقة وتوحيد صفوف المسلمين ‪..‬‬
‫قال القرطبي في تفسير قوله تعالى ﴿ ﺇني جاع ل في األرض خليفة﴾‪( :‬هذه اْلية أصل في‬
‫نصب إمام وخليفة يسمع له ويطاع لتجتمع به الكلمة وتنفذ به أحكام الخليفة)‪.‬‬
‫وقال الشنقيطي في [األضواء]‪( :‬من الواضح المعلوم من ضرورة الدين أن المسلمين يجب‬
‫عليهم نصب إمام تجتمع به الكلمة وتنفذ به أحكام هللا في أرضه)‪.‬‬
‫ومحل الشاهد قوله "لتجتمع به الكلمة" فالمقصد من تنصيبه جمع كلمة المسلمينأل ومن‬
‫مهامه العمل على جمعهاأل والمحافظة على كونها مجتمعة ويصرف عنها كل أسباب الفرقة‪.‬‬

‫‪61‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫فصل ‪ :‬المقابلة والمناقشة ‪.‬‬


‫في هذه الفقرات سنحاول المقابلة بين نصوص الفقهاء في مسألة الخالفة وتصرف اإلخوة‬
‫في الدولة اإلسالميةأل ونناقش ذلك بحول هللا وقوته‪.‬‬
‫الخالفة اإلسالمية على منهاج النبوة وعد نبويأل وحلم إسالمي يراود كل عامل لإلسالم‬
‫دعوة وجهاداأل وبالنظر في تعاريف أهل العلم لإلمامة يدرك العاقل المنصف أن المنصب‬
‫ليس بسيطا وال سهالأل ففي عنق الراعي والرعية مس وليات وتبعات عظيمةأل ولذلك من‬
‫الخطأ التعامل مع موضوع الخالفة ببساطة معبرة عن قصور في النظر وإلغاء لمقاصد‬
‫األحكام ومرالت األمور‪.‬‬
‫واإلعالن عﻦ الخالفةأل ثم إلزام الغير بهاأل يﻨﺒغي أن يلِلعﺮض على ما تقﺪم مﻦ أصﻮل الﺸﺮع‬
‫والﺴﻴاسة الﺸﺮعﻴة وهدي الصحابة رضي هللا عنهم في التعامل مع هذه المسائل العظامأل فقد‬
‫كانوا على الهدي المستقيمأل وأن يﻨﻈﺮ في اإلعالن إلى ما يﺘﺮتﺐ على ذلﻚ مﻦ الﻤﺼالح‬
‫والﻤفاسﺪأل ومﺼالح الﻤﺴلﻤﻴﻦ يﺮجع فﻴها إلى جﻤلة أهﻞ الﺤﻞ والعقﺪ ال إلى نفﺮ مﻨهﻢأل وعند‬
‫العجز عن معرفة حلِلكم شي َّء ننظر إلى عاقبته كما قال ابن القيم رحمه هللا في [مدارج‬
‫السالكين]‪ ( :‬إذا أشكل على الناظر أو السالك حكم شيء هل هو اإلباحة أو التحريم؟ فلينظر‬
‫إلى مفسدته و ثمرته وغايتهأل فنن كان مشتمال على مفسدة راجحة ظاهرةأل فننه يستحيل على‬
‫الشارع األمر به أو إباحتهأل بل العلم بتحريمه من شرعه قطعيأل والسيما إذا كان طريقا‬
‫مفضيا إلى ما يغضب هللا ورسوله موصال إليه عن قرب وهو رقية له ورائد وبريدأل فهذا ال‬
‫يشك في تحريمه أولو البصائر)‪.‬اهـ‬
‫(فالشريعة مبناها وأساسها على ال ِحكم (بكسر الحاء) ومصالح العباد في المعاش والمعادأل‬
‫وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلهاأل فكل مسألة خرجت عن العدل إلى‬
‫الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست‬
‫من الشريعةأل وإن أدخلت فيها بالتأويل)‪.‬‬
‫والسياسة كما قال ابن عقيل‪( :‬ما كان فعال ً يكون معه الناس أقرب إلى الصالح وأبعد عن‬
‫الفساد)‪.‬‬
‫ولقد كان االختالف أحيانا أل والصراع أحيانا أخرى على الخالفةأل سبب الكثير من الفتن في‬
‫التاريخ اإلسالميأل بل ما قال الفقهاء بنمامة المتغلب إال من ًعا من فتن اإلمامةأل وهي أعظم‬
‫فتن الوجودأل حيث تسيل بسببها الدما لِلء العظيم لِلة في كل طوائف الوجود وأقوامهم ودولهم‪.‬‬
‫في الحقيقة ال أريد أن أناقش مسألة استكمال القدرة والشوكة التي ت هل لتحقيق مقاصد‬
‫الخالفةأل فيجب بذلك إعالنها‪.‬‬
‫وال أريد أن أناقش أهلية الشيخ أبي بكر البغدادي لهذا المنصبأل فتلك مسائل تختلف فيها‬
‫وجهات النظرأل وتحتاج إلى معاينة للواقع واألشخاص عن قرب‪.‬‬
‫ولكن أريد أن أناقش مسألتين‪:‬‬
‫األولى‪ :‬الطريقة التي تم بها إعالن الخالفة‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬اإللزامات التي رتبتها (الدولة اإلسالمية) على ذلك اإلعالن ‪.‬‬

‫‪62‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫المسألة األولى‪ :‬الط ريقة التي تم بها إعالن الخالفة‬


‫قال األو "أبو محمد العدناني الشامي" المتحدث الرسمي للدولة اإلسالمية في كلمته التي‬
‫أعلن فيها الخالفة وهي بعنوان [هذا وعد هللا]‪( :‬اجتمع مجلس شورى الدولة اإلسالمية‬
‫وتباحث هذا األمرأل بعد أن باتت الدولة اإلسالمية بفضل هللا تمتلك كل مقومات الخالفةأل‬
‫والتي يأثم المسلمون بعدم قيامهم بهاأل وأنه ال يوجد مانع أو عذر شرعي لدى الدولة‬
‫اإلسالمية يرفع عنها اإلثم في حال تأخرها أو عدم قيامها بالخالفة؛ فقررت الدولة‬
‫اإلسالميةأل ممثلة بأهل الحل والعقد فيها؛ مِن األعيان والقادة واألمراء ومجلس الشورى‪:‬‬
‫"إعالن قيام الخالفة اإلسالمية"أل وتنصيب خليفة للمسلمينأل ومبايعة الشيخ المجاهدأل العالم‬
‫العامل العابدأل اإلمام الهمام المجددأل سليل بيت النبوةأل عبد هللا إبراهيم بن عواد بن إبراهيم‬
‫بن علي بن محمدأل البدري القرشي الهاشمي الحسيني نسبًاأل السامرائي مول ًدا ومنشأ ًأل‬
‫البغدادي طلبًا للعلم وسك ًناأل وقد قبل البيعة؛ فصار بذلك إم امًا وخليفة للمسلمين في كل مكان‪.‬‬
‫ويا جنود الدولة اإلسالمية؛ بقي أمر أنبهكم إليه؛ فسيبحثون لكم عن مطاعنأل وسيقولون لكم‬
‫شبهًا؛ فنن قالوا لكم‪" :‬كيف تعلنون خالفة ولم تجمع عليكم األمة؟؛ فلم تقبل بكم الفصائل‬
‫والجماعاتأل والكتائب واأللوية والسرايا واألحزابأل والفرق والفيالق والتجمعاتأل‬
‫والمجالس والهيئات والتنسيقيات والرابطات واالئتالفاتأل والجيوش والجبهات والحركات‬
‫ِين ِﺇ ال َّ َم ن َّر ِح َم َر ُّب َك﴾أل لم يلِلجمِعوا على أمر‬‫ون م ُْخ َتلِف َ‬‫والتنظيمات"؛ فقولوا لهم‪َ ﴿:‬و الَ َي َزالُ َ‬
‫يومًاأل ولن يجمعوا على أمر أب ًدا إال َمن رحم هللاأل ثم إن الدولة تجمع َمن أراد االجتماع‪.‬‬
‫وإن قالوا لكم‪" :‬لقد افتأتم عليهم!؛ فهال كنتم استشرتموهم فأعذرتموهم واستملتموهم؟"؛‬
‫ض ى﴾أل وقولوا لهم‪َ :‬من‬ ‫ت ِﺇ َل ْي َك َر بِّ لِ َت رْ َ‬ ‫فقولوا لهم‪ :‬إن األمر أعجل مِن ذلك؛ ﴿ َو َع ِج ْل ُ‬
‫نشاور؟!أل ولم يقروا أنها دولةأل وقد أقرت أمريكا وبريطانيا وفرنسا أنها دولة!أل َمن‬
‫نشاور؟ !؛ أنشاور َمن خذلنا؟أل أم نشاور َمن خاننا؟أل أم نشاور َمن تبرأ منا وحرض علينا؟أل‬
‫أم نشاور َمن يعادينا؟أل أم نشاور َمن يحاربنا؟أل َمن نشاور؟أل وعلى َمن افتأتنا‪ .‬فصار بذلك‬
‫إمامًا وخليفة للمسلمين في كل مكان ؟!"‪.‬‬
‫التعليق بحو ل هللا وقوته‪:‬‬
‫إن المرء الذي يحترم عقله وعقول غيرهأل ال ينبغي أن يقدم على أمر يهم جميع المسلمين‬
‫دون أن يراعي هدي النبي صلى هللا عليه وسلم وهدي صحابته رضي هللا عنهم من بعدهأل‬
‫فقد كانوا أفقه الناس وأ عرفهم بقواعد الشرع ومقاصدهأل ودون أن يستنير بأقوال العلماء‬
‫المشهود لهم بالفضل في كيفية التصرف مع القضايا العامة‪.‬‬
‫لوال اإللزامات التي رتبها األو العدناني على بيعة الخالفة المعلنة ألمكننا السكوتأل وقلنا‬
‫تلك بيعة تلزم أهلها ومن رضيها قياسا على تعدد الخلفاء في التاريخ اإلسالمي‪ .‬لكن‬
‫اإللزامات المعلنة تجعلنا نناقشها على ضوء ما أسلفنا من هدي الصحابة رضي هللا عنهم‬
‫ونقول العلماء رحمهم هللا‪.‬‬
‫أوال‪ :‬ا لخ الفة المعلنة جاء ت واإلمام منعدم‪.‬‬
‫وقد نص العلماء أنه إذا خال الزمان عن السلطان فنن جماعة المسلمين من العلماء والوجهاء‬
‫تقوم مقامه إلى أن ينصب‪ .‬وهذه من أهم القواعد الفقهية في السياسة الشرعيةأل نص عليها‬
‫فقهاء المذهب الفقهية أل وعملوا بها في موارد كثيرة من فروع الفقه‪.‬‬
‫يشهد لذلك قول النبي صلى هللا عليه وسلم‪ « :‬ال يح ل لث الثة يكونون ِب َف الَة من األرض ﺇال‬

‫‪63‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫أ َّم روا عليهم أحدهم » [رواه أح مد عن عبد هللا بن عمرو رضي هللا عنهما]أل وقال رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ « :‬ﺇذا خرج ث الثة في سفر فليؤمِّروا عليهم أحدهم » [رواه أبو داود عن‬
‫أبي سعيد رضي هللا عنه]‬
‫‪‬‬
‫( وفي ذلك دليل لقول من قال إنه يجب على المسلمين نصب األئمة والوالة والحكام)‬
‫وقد طبق الصحابة رضي هللا عنهم ذلك في غزوة م تةأل فأمروا خالدا رضي هللا عنه عندما‬
‫اضطروا للتأمير وتعذرت مراجعة النبي صلى هللا عليه وسلم؛ قال الطحاوي‪( :‬هذا أصل‬
‫ي خذ منه‪ :‬على المسلمين أن يقدموا رجال إذا غاب اإلمام يقوم مقامه إلى أن يحضر)‬
‫قال الحافظ ابن حجر‪( :‬وال يخفى أن محله ما إذا اتفق الحاضرون عليه) [فتح الباري‪ :‬ج‪.] 6‬‬
‫وقال ابن قدامة الحنبلي‪( :‬فنن لِلعدم اإلمام لم لِلي َخر الجهاد ألن مصلحته تفوت بتأخيره)‬
‫[المغني]‪.‬‬
‫وقال اإلمام الجويني‪ ( :‬فنذا شغر الزمان عن كاف مستقل بقوى ومنة فكيف تجري قضايا‬
‫الواليات وقد بلغ تعذرها منتهى الغايات فنقول ‪ :‬أما ما يسوغ استقالل الناس فيه بأنفسهم‬
‫ولكن األدب يقتضي فيه مطالعة ذوي األمر ومراجعة مرموق العصر كعقد الجمع وجر‬
‫العساكر إلى الجهاد واستيفاء القصاص في النفس والطرف فيتواله الناس عند خلو الدهرأل‬
‫فنذا خال الزمان عن السلطان وجب البدار على حسب اإلمكان إلى درء البوائق عن أهل‬
‫اإليمان)‪.‬‬
‫وقال‪ ( :‬وقد قال العلماء لو خال الزمان عن السلطان فحق على قطان كل بلده وسكان كل‬
‫قرية أن يقدموا من ذوي األحالم والنهى وذوي العقول والحجى من يلتزمون امتثال إشارته‬
‫وأوامره وينتهون عن مناهيه ومزاجرهأل فننهم لو لم يفعلوا ذلك ترددوا عند إلمام المهمات‬
‫وتبلدوا عند إظالل الواقعات)‪[ .‬غياث األمم]‪.‬‬
‫وقال القاضي المازري‪( :‬أقام مالك شيوو المكان مقام السلطان عند فقدهأل لما يخاف من‬
‫فوت األقضية)‪.‬‬
‫وأفتى أبو جعفر بن نصر الداودي أن (كل بلد ال سلطان فيهأل أو فيه سلطان يضيع الحدودأل‬
‫أو السلطان غير عدلأل فعدول الموضع وأهل العلم يقومون في جميع ذلك مقام السلطان)‬
‫[المعيار المعرب‪.]12:‬‬
‫وقال المازري المالكي‪( :‬القضاء ينعقد بأحد وجهينأل أحدهما‪ :‬عقد أمير الم منينأل أو أحد‬
‫أمرائهأل والثاني‪ :‬عقد ذوي الرأي وأهل العلم والعدالة لرجل منهم كملت فيه شروط القضاءأل‬
‫وهذا حيث ال يمكنهم مطالعة اإلمام في ذلكأل وال يمكنهم أن يستدعوا منه واليتهأل ويكون‬
‫عقدهم له نيابة عن عقد اإلمام)‪.‬‬
‫وجاء في فتاوى ابن حجر الهيثمي‪ ( :‬قال جدي رحمه هللا تعالى‪" :‬وعبارة الماوردي في‬
‫الحاوي إذا خال بلد عن قاض وخال العصر عن إمام فقلد أهل االختيار أو بعضهم برضا‬
‫الباقين واحدا ً وأمكنهم نصرته وتقوية يده جاز تقليده ولو انتفى شيء من ذلك لم يجب تقليده‬
‫كذا قاله ابن الرفعة "‪.‬‬
‫فاشترط لصحة تولية أهل االختيار للقاضي رضا الجماعة أل والفتوى في القاضي األقل‬
‫‪‬‬

‫‪ ‬ـ نيل األوطار‬


‫‪ ‬ـ اجمع قوله‪( :‬فقلد أهل االختيار أو بعضهم برضا الباقين واحدا) مع قول ابن حجر السابق‪( :‬وال يخفى أن محله ما إذا‬
‫اتفق الحاضرون عليه) لتدرك أهمية الرضا في التولية لتحصل النصرة والمتابعة‬

‫‪64‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫صالحية من الخليفةأل فما بالك في اإلمام األكبر‪.‬‬


‫والمقصود من ذكر هذه المسألة أن (الدولة اإلسالمية) إذا أرادت أن تعين خليفة على جميع‬
‫المسلمين فال بد من مراجعة جماعة المسلمين النائبة عن الخليفة المعدوم‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أمر النبي صلى هللا عليه وسلم بوجوب االلتزام بسنته وسنة الخلفاء الراشدينأل ومن‬
‫سنتهم الطريقة التي تمت توليتهم بهاأل وقد قمنا باستعراض الطرق التي انعقدت بها اإلمامة‬
‫للخلفا ء الراشدين رضي هللا عنهم أجمعين‪.‬‬
‫وهي طرق شرعية لممر النبوي باتباعهمأل وإلجماعهم عليهاأل وبالنظر في فقه العلماء لتلك‬
‫التصرفات رأينا ما يلي ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ بيعة أبي بكر رضي هللا تعالى عنه تمت بعد مشاورات بين فضالء المهاجرين‬
‫واألنصار أل وفي هذا داللة على أن الذي يقوم باالختيار هم فضالء القوم وعلما هم‬
‫ور سا هم وهم من يسممون بـ (أهل الحل والعقد)أل وكذا بيعة عمر وعثمان وعلي رضي‬
‫هللا عن الجميع ‪.‬‬
‫‪ 0‬ـ رأينا اعتبار الصحابة لرأي أهل الحل والعقد فقد «نهض عبد الرحمن بن عوف‬
‫يستشير الناس في عثمان وعلي رضي هللا عنهما ويجمع رأي المسلمين برأي ر وس الناس‬
‫وأخيارهم جمي ًعا وأشتا ًتاأل مثنى وفرادى ومجتمعينأل فسعى في ذلك عبد الرحمن ثالثة أيام‬
‫بلياليهن ال يغتمض بكثير نوم إال صالة ودعاء واستخارة وس اال ً من ذوي الرأي عنهم»‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ رأينا كالم شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه هللا في بيعة أبي بكر رضي هللا عنه‪( :‬ولو قلِل ِّدر‬
‫أن عمر وطائفة معه بايعوه ـ أي أبا بكر ـ وامتنع الصحابة عن البيعة لم يصر إمامًا بذلكأل‬
‫وإنما صار إمامًا بمبايعة جمهور الصحابة الذين هم أهل القدرة والشوكة)‪ .‬أهـ‪.‬‬
‫وقال عن بيعة عمر رضي هللا عنه‪( :‬وكذلك عمر لما عهد إليه أبو بكر إنما صار إمامًا لما‬
‫بايعوه وأطاعوهأل ولو قلِل ِّدر أنهم لم ينفذوا عهد أبي بكر ولم يبايعوه لم يصر إمامًا)‪.‬‬
‫وقال عن بيعة عثمان رضي هللا عنه‪( :‬عثمان لم يصر إمامًا باختيار بعضهم ـ أي بعض‬
‫الستة ـ بل بمبايعة الناس لهأل وجميع المسلمين بايعوا عثمان لم يتخلف عن بيعته أحدأل فلما‬
‫بايعه ذوو الشوكة والقدرة صار إماما ًأل وإال لو قدر أن عبد الرحمن بايعه ولم يبايعه علي‬
‫وال غيره من الصحابة أهل الشوكة لم يصر إماما ً)‪.‬‬
‫فانظر يرحمك هللا إلى فقه الصحابة رضي هللا عنهم وتأمل كالم شيخ اإلسالم ابن تيمية‬
‫شرط رضا األم ِة في بيعة اإلمامأل كما قال عبد الرحمن بن‬ ‫َ‬ ‫رحمه هللا لترى أنهم كانوا يرون‬
‫ت في أمر الناس‬ ‫عوف رضي هللا عنه في بيعة ذي النورين‪ « :‬أما بعد‪ ،‬يا علي‪ ،‬ﺇني نظر ُ‬
‫الناس هو الحاكم في‬ ‫ِ‬ ‫ان ف ال تجعلن على نفس ك سبي ًال » أل فجعل َ‬
‫رأي‬ ‫فلم أرهم يعدلون بعثم َ‬
‫التعيينأل بل قال عمر رضي هللا عنه‪ « :‬ﺇني ﺇن شاء هللا لقائم العشية في الناس‪ ،‬فمحذرهم‬
‫هؤالء الذين يريدون أن يغ صبوهم أمورهم‪ ،‬من بايع رج ال ً من غير مشورة المسلمين ف ال‬
‫اعة الص َحا َبة عمر على َذلِك َف َك َ‬
‫ان‬ ‫يتابع هو وال الذي بايع َت ِغ رَّة أن يقت ال » َوقد أقرت ج َم َ‬
‫ِإجْ َما ًعا ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ رأينا قول الماوردي رحمه هللا‪ ( :‬قالت طائفة ال تنعقد إال بجمهور أهل الحل والعقد من‬
‫كل بلد أل ليكون الرضا به عامًا والتسليم إلمامته إجما ًعا)‪.‬‬
‫وقول أبي يعلى رحمه هللا‪( :‬أما انعقادها باختيار أهل الحل والعقد فال تنعقد إال بجمهور أهل‬
‫الحل والعقد أل قال أحمد في رواية إسحاق بن إبراهيم "اإلمام الذي يجتمع قول أهل الحل‬
‫والعقد عليه كلهم يقول هذا إمام"أل قال‪ :‬وظاهر هذا أنها تنعقد بجماعتهم)‬

‫‪65‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫وذهب إلى ذلك أيضا ً ابن تيمية رحمه هللا حيث قال‪( :‬وإنما صار إمامًا ـ أي أبو بكر رضي‬
‫هللا عنه ـ بمبايعة جمهور الصحابة الذين هم أهل القدرة والشوكةأل ولهذا لم يضر تخلف سعد‬
‫بن عبادة رضي هللا عنهأل ألن ذلك ال يقدح في مقصود الوالية أل فنن المقصود حصول القدرة‬
‫والسلطان اللذين بهما تحصل مصالح اإلمامةأل وذلك قد حصل بموافقة الجمهور على ذلكأل‬
‫فمن قال يصير إما ًم ا بموافقة واحد أو اثنين أو أربعأل وليسوا هم ذوي القدرة والشوكة فقد‬
‫غلط‪ .‬والملك ال يصير ملكا بموافقة واحد أو اثنين أو أربعةأل إال أن تكون موافقة ه الء‬
‫تقتضي موافقة غيرهم بحيث يصير ملكا بذلك)‪.‬‬
‫فال تقوم الشوكة إال بموافقة األكثرين من معتبري كل زمان‪.‬‬
‫كما رأينا أن البيعة والرضا حق لجميع المسلمينأل ال مزية لجهة على أخرى كما قال‬
‫الماوردي‪( :‬ال تنعقد إال بجمهور أهل الحل والعقد من كل بلد)أل وليس لمن كان ببلد اإلمام‬
‫مزية يفتئت بها على باقي البلدان كما قال أبو يعلى‪( :‬وليس لمن كان في بلد اإلمام مزية‬
‫على غيره من أهل البالد يتقدم بها)أل واعتبر الماوردي ذلك االختصاص عرفًا ال شر ًعاأل‬
‫وقال ابن حزم‪( :‬أما قول من يقول ‪" :‬إن عقد اإلمامة ال يصح إال بعقد أهل حضرة اإلمام‬
‫وأهل الموضع الذي فيه قرار األئمة" هو قول فاسد ال حجة ألهلهأل وكل قول في الدين‬
‫ي من القرآن أو من سنة الرسول صلى هللا عليه وسلم أو إجماع األمة المتيقن فهو‬ ‫عر ٌّ‬
‫باطل بيقين)‪.‬‬
‫ورأينا قول الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز‪( :‬أيها الناسأل إني لست بمبتدع ولكني متبعأل‬
‫وإن من حولكم من األمصار والمدن إن أطاعوا كما أطعتم فأنا واليكمأل وإن هم أَ َب ْوا فلست‬
‫لكم بوا َّل)أل فهو يرى أن األمة هي صاحبة القرارأل وأن من كانوا في حاضرة الخالفة ليسوا‬
‫بأولي من غيرهم في هذا الحق بل هو إلى عموم األمةأل ويجب أن ينعقد الرضا من‬
‫المسلمين كافة‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ وعلمنا أن أهل الحل والعقد هم العلماء والر ساء ووجوه الناس ويدخل فيهم المشايخ‬
‫اإل َمام ْاألَعْ َظمأل‬
‫وأهل الديوان وكل الذين تتبعهم ْاألمة فِي أمورها ا ْل َعامةأل وأهمها نصب ِ‬
‫وممن يدخل فيهم أمراء الجماعات الجهادية وأعيانها‪.‬‬
‫وذكرنا قول الرملي‪ِ ( :‬ألَن ْاألَمر َي ْن َتظِ م بهم ويتبعهم َسائِر الناس)أل وقول رشيد رضا‪َ ( :‬و َهذاَ‬
‫ْث تتبعهم ْاألمة َف َال َت ْن َعقِد‬
‫التعْ لِيل ه َلِلو َغا َية التحْ قِيق منطوقا ً ومفهوما ً َف ِنذا لم يكن المبايعون ِب َحي لِل‬
‫ِْ‬
‫اإل َما َمة بمبايعتهم)‪.‬‬
‫اإل َما َمة َويجب على ْاألمة اتباعهم‬ ‫علم والوجاهة َت ْن َعقِد ببيعتهم ْ ِ‬ ‫َ‬
‫فمن ظن أن كل من يلِلوصف ِبا ْل ِ‬
‫اعة َو ْ ِ‬
‫اإلجْ َماع‪.‬‬ ‫فِي َها فقد جهل معنى ا ْلحل َوا ْلعقد َومعنى ا ْل َج َم َ‬
‫ونقلنا قول الصاوي‪( :‬حصول الشوكة والمنعة لإلمام واجتماع ال قلوب على طاعته ببيعة‬
‫أهل الحل والعقد له من األمور المحكمة لدى كل من تكلم في هذه المسألة من أهل العلم)‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬فئة أهل الحل والعقد تقوم باختيار اإلمام نيابة عن األمة جمي ًع األ فهم بمباشرتهم هذ ا‬
‫االختيار ال يمثلون أنفسهم فقطأل بل يمثلون األمة كلها تمثيال صحيحا ًأل ويعبرون عن إرادتها‬
‫تعبيرا ً صادقاًأل وأن األمة في النهاية هي صاحبة الهيمنة والقرارأل وإال كان األمر إلغا ًء لممة‬
‫ومصادرة لحقها في اإلختيار لحساب فرد أو بضعة أفراد!! وال يظن بأحد من أهل العلم أن‬
‫يجيز اختزال األمة في شخص أو حتى في خمسة أشخاص ال يمثلون األمة وال يعبرون عن‬
‫إرادتها ليكون قرارهم نهائيا ً وملزما ً لعامة المسلمين في المشارق والمغارب!!‪.‬‬
‫وتصرفهم نيابة عن األمة ينبغي أن يكون صادرا عن رضاهاأل ومنوط بمصلحة األمة كلها‬

‫‪66‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫وإال كان مردوداأل وهي قاعدة فقهية أجمع عليها األصوليون والف قهاءأل كما قال ابن نجيم‬
‫الحنفي‪( :‬القاعدة الخامسة‪ :‬تصرف اإلمام على الرعية منوط بالمصلحة) ؛ ألنه ناظر لممةأل‬
‫فتصرف الراعي في أمور الرعية يجب أن يكون مبنيا على المصلحةأل وما لم يكن كذلك ال‬
‫يكون صحيحا‪.‬‬
‫قال القرافي في [الفروق]‪ ( :‬اعلم أن كل من ولي والية الخالفة فما دونها إلى والية وصيةأل‬
‫ال يحل ل ه أن يتصرف إال بجلب مصلحةأل أو دفع مفسدةأل لقوله تعالى‪َ ﴿ :‬و الَ َت ْق َربُواْ َم ا َل‬
‫ِيم ِﺇ ال َّ ِب الَّتِي ِه َي أَ حْ َس ن﴾ أل ولقوله صلى هللا عليه وسلم‪ « :‬من ولي من أمور أمتي شيئا ثم‬ ‫ا ْل َيت ِ‬
‫لم يجتهد لهم‪ ،‬ولم ين صح‪ ،‬فالجنة عليه حرام »أل وتكون الوالية إنما تتناول جلب المصلحة‬
‫الخالصة أو الراجحةأل ودرء المفسدة الخالصة أو الراجحةأل فأربعة معتبرةأل وأربعة ساقطةأل‬
‫ولهذا قال الشافعي ال يبيع الوصي صاعا بصاعأل ألنه ال فائدة في ذلكأل وال يفعل الخليفة‬
‫ذلك في أموال المسلمينأل ويجب عليه عزل الحاكم إذا ارتاب فيهأل دفعا لمفسدة الريبة على‬
‫المسلمينأل ويعزل المرجوح عند وجود الراجحأل تحصيال لمزيد المصلحة للمسلمين)‪.‬‬
‫والحاصل يجب أن يكون تصرف السلطان والقاضي والوالي والوصي والمتولي والولي‬
‫مقرونا بالمصلحةأل وإال فهو غير صحيحأل وال جائزأل والجماعة تنوب عن اإلمام إلى أن‬
‫يحضر كما ذكرنا‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬رأينا في كالم الع لماء أنهم أجازوا بيعة العدد القليل بشرط أن يكون متبوعا في األمة‬
‫مطاعا فيهاأل بحيث ال تتخلف األمة عن بيعة من بايع لهأل وليس قصدهم قطعا أن عقد من‬
‫ليس متبوعا وال مطاع ة في األمة يوجب صحة البيعةأل فرضا األمة ومتابعتها شرطأل وإذا‬
‫انتفى الشرط انتفى المشروط‪.‬‬
‫ومنها قول الجويني‪ ( :‬فالوجه عندي في ذلك أن نعتبر في البيعة حصول مبلغ من األتباع‬
‫واألنصار واألشياع يحصل بهم شوك ة ظاهرة ومنعة قاهرة بحيث لو فرض ثوران خالف‬
‫لما غلب على الظن أن يصطلم أتباع اإلمام)أل وقوله ‪(:‬إن الشوكة ال بد من رعايتها ومما‬
‫ي كد ذلك اتفاق العلماء قاطبة على أن رجال من أهل الحل والعقد لو استخلى بمن يصلح‬
‫لإلمامة وعقد له البيعة لم تثبت اإلمامة)أل (إن بايع رجل واحد مرموق كثير األتباع‬
‫واألشياع مطاع في قوم وكانت بيعته تفيد ما أشرنا إليه انعقدت اإلمامةأل وقد يبايع رجال ال‬
‫يفيد مبايعتهم شوكة ومنة قهرية فلست أرى لإلمام ة استقراراأل والذي أجزته ليس شرط‬
‫إجماع وال احتكاما بعدد وال قطعا بأن بيعة الواحد كافية)أل (ولكني أشترط أن يكون المبايع‬
‫ممن تفيد مبايعته منة واقتهارًا)‪.‬‬
‫وقول اإلمام النووي‪ ( :‬حتى لو تعلق الحل والعقد بواحد مطاع كفت بيعته النعقاد اإلمامة)‪..‬‬
‫وكذا قال القلقشندي‪( :‬ألن األمر إذا لم يكن صادرا عن رأي من له تقدم في الموضعأل وقول‬
‫مقبولأل لم ت من إثارة فتنة) [مرثر اإلنافة في معالم الخالفة]‪.‬‬
‫قال محمد رشيد رضا‪َ ( :‬وغلط بعض ا ْلملِلعْ َتز َلة َوا ْلفلِل َق َهاء َف َقاللِلوا‪ :‬إِن ا ْل َ‬
‫بيعة َت ْن َعقِد دَ ائِما ِب َخم َْسة‬
‫ار ِب ِه عمر ِإ ْذ حصر الشورى فِي المرشحين السِّتة َوقبل‬ ‫لإل َما َمة ِبدَ لِيل َما أَ َش َ‬ ‫مِمن يصلح ْ ِ‬
‫ِك السِّتة فِي‬ ‫وعلى ألِلو َلئ َ‬
‫ان ِإجْ َما ًعا على الشورى َ‬ ‫ان ِإجْ َما ًعاأل نعم َك َ‬ ‫َجمِيع الص َحا َبة ِم ْن لِله َذلِك َف َك َ‬
‫ِت ْل َك ا ْل َواق َِعةأل َال ِإجْ َما ًعا على َذلِك ا ْلعدَ د فِي كل مبايعةأل َو َقاللِلوا ِإن َم ْذ َهب األشعري أَن َها َت ْن َعقِد‬
‫ان بمشهد من ال ُّشهلِلود َوه َلِلو غلط َواضح؟ َوقد ذكر َه َذا ال َق ْول ا ْلفلِل َق َهاء‬ ‫ِبعقد َواحِد ِم ْنهلِلم ِإذا َك َ‬
‫لِلم َقيدا ِب َما ِإذا انحصر ا ْلحل َوا ْلعقد فِي ِه ِبأَن وثق زعماء ْاألمة ِب ِه وفوضوا أَمرهم ِإ َل ْيهِأل َو َه َذا لم‬
‫َيقع وينذر أَن َيقع‪ .‬وإمامة ع ْلِلث َمان لم تكن بمبايعة عبد الرحْ َمن بن َع ْوف َوحده بل َكا َنت َعامة‬

‫‪67‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫َال َخاصة ِبهِأل َو َك َذل َِك مبايعة عمر ألبي بكرأل َف ِنن ْ ِ‬
‫اإل َما َمة لم َت ْن َعقِد بمبايعته َوحدهأل بل بمتابعة‬
‫صح أَن عمر أنكر على من زعم أَن ا ْل َ‬
‫بيعة َت ْن َعقِد ِب َواحِد من غير لِلم َش َ‬
‫اورة‬ ‫اعة َلهلِلأل َوقد َ‬ ‫ا ْل َج َم َ‬
‫اعة) [الخالفة]‪.‬‬ ‫ا ْل َج َم َ‬
‫أما االستدالل على صحة بيعة الواحد بمبادرة عمر في بيعة أبي بكر ثم تبعه الصحابة‬
‫ووافقوه على ذلك فال يصحأل ألن سبب اتباعهم له هو رضاهم بما ذهب إليهأل ال أنه قد‬
‫ألزمتهم مبايعته اتباعه أل وإال لو فرض أنه لم يبايع غير عمر لما ثبتت إمامة أبي بكر‬
‫صا وهو القائل‪ « :‬من بايع رج ال ً من غير مشورة المسلمين فال يتابع هو وال الذي بايع‬ ‫خصو ً‬
‫َت ِغ رَّة أن يقت ال »‪.‬‬
‫فالمقصود‪ :‬حصول المتابعة التي تحصل بها الشوكة المحققة لمقاصد اإلمامة "وال تقوم‬
‫الشوكة إال بموافقة األكثرين من معتبري كل زمان"أل قال الكشميري‪( :‬قوله‪ « :‬تلزم جماعة‬
‫المسلمين » أل وذلك لكون الحق في جماعة المسلمين في األغلبأل ثم اعلم أن الحديث يدل‬
‫على أن العبرة بمعظم جماعة المسلمينأل فلو بايعه رجل واحدأل أو اثنانأل أو ثالثةأل فننه ال‬
‫يكون إماما ما لم يبايعه معظمهمأل أو أهل الحل والعقد)‪[ .‬فيض الباري شرح البخاري] ‪.‬‬
‫وإذا قيل بانعقاد اإلمامة بالعدد القليل من أهل الحل والعقد لتعسر اجتماعهم كلهم أو أكثرهم‬
‫ومشاورتهمأل قلنا عند زوال المانع يزول الحكمأل فاالتصال متيسرأل وأخطأ من ظن أن اقتراح‬
‫(أبي محمد العدناني المتحدث الرسمي للدولة اإلسالمية) تعيين خليفة في خطبته يعتبر‬
‫مشاورةأل فقضايا األمة العامة ال تتناول بهذا الشكلأل بل اعترف في إعالن الخالفة أنهم لم‬
‫يشاوروا واستغرب مشاورة من يطالب بمشورتهم‪.‬‬
‫بعد العرض وعند النظر في تصرفات اإلخوة في (الدولة اإلسالمية) وتصريح المتحدث‬
‫بنوا قرارهم أل وبأي طريقة تم تنصيب الخليفة؟‪:‬‬ ‫الرسمي للدولةأل ال أدري على أي فقه ْ‬
‫‪ ‬إذا قلنا بطريقة االختيارأل فاإلخوة في (الدولة اإلسالمية) بلسان المتحدث الرسمي‬
‫يعترفون أنهم لم يشاوروا أحدا خارج دائرة الدولةأل وتتبع سياق الكالم "أي قوله‪ :‬وقولوا‬
‫لهم‪َ :‬من نشاور؟" يدل أن عدم المشاورة كانت عن َع ْمدأل ال كما قال‪" :‬إن األمر أعجل مِن‬
‫ذلك"‪.‬‬
‫وفي هذا التصرف إلغاء ألهل الحل والعقد في األمة ـ التي نريد كسبها وسياستها بالدين ـ‬
‫وعدم اعتبار رأيهم في تحديد وقت إعالن الخالفة وشخص الخليفة‪ .‬وذلك افتئات على األمة‬
‫وأعيانها ومحاكاة لطريقة القهر والغلبةأل وال أظن أننا نختلف في وجوب االئتالف وأن‬
‫البركة في اجتماع اْلراء وتالقحها ال في شذوذها واختالفهاأل وقد سقنا في ثنايا كالم الدعاة‬
‫والعلماء درر الفقه والنصائح لمن رام الرشاد ‪.‬‬
‫فال يختلف العقال ء فضال عن العلماء في فضل الشورىأل قال ابن العربي‪( :‬والشورى مسبار‬
‫العقل وسبب الصواب)أل يشير إلى أننا مأمورون بتحري الصواب في مصالح األمةأل ولم‬
‫يزل من سنة خلفاء العدل استش ارة أهل الرأي في مصالح المسلمينأل قال البخاري في [كتاب‬
‫االعتصام من صحيحه]‪ ( :‬وكانت األئمة بعد النبي صلى هللا عليه وسلم يستشيرون األمناء‬
‫من أهل العلم وكان القراء أصحاب مشورة عمر كهوال أو شبانا وكان وقافا عند كتاب هللا‪...‬‬
‫واستشار أبو بكر في قتال أهل الردةأل وتشاور الصحابة في أمر الخليفة بعد وفاة النبي صلى‬
‫هللا عليه وسلمأل وجعل عمر رضي هللا عنه األمر شورى بعده في ستة عينهمأل وجعل مراقبة‬
‫الشورى لخمسين من األنصار وكان عمر يكتب لعماله يأمرهم بالتشاور‪.‬‬

‫‪68‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫ولم تزل الشورى في أطوار التاريخ رائجة في البشر فقد استشار فرعون في شأن موسى‬
‫عليه السالمأل واستشارت بلقيس في شأن سليمان عليه السالم‪‬أل وإنما يلهي الناس عنها لِلحب‬
‫االستبداد وكراهية سماع ما يخالف الهوىأل وذلك من انحراف الطبائع وليس من أصل‬
‫الفطرةأل ولذلك يهرع المستبد إلى الشورى عند المضائقأل ومن أحسن ما قيل في الشورى‬
‫قول بشار بن برد ‪:‬‬
‫بحزم نصيح أو نصيحة حازم‬ ‫إذا بلغ الرأي المشــــورة فاستـعن‬
‫مكان الخوافي قـوة للقـــوادم‬ ‫وال تحسب الشورى عليك غضاضة‬
‫[ انظر تفسير الطاهر بن عاشور ك آل عمران]‪..‬‬
‫ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح أل فقد ثبت عنه صلى هللا عليه وسلم أنه أمسك عن‬
‫نقض الكعبة وإعادتها على قواعد إبراهيم ألجل حدثان عهد قريش باإلسالم وأن ذلك ربما‬
‫نفرهم عنه بعد الدخول فيه ترجيحا لدفع أعلى المفسدتين باحتمال أدناهماأل ( َو َق ْد َي ْن َتقِ لِلل َعنْ‬
‫ب َك َما َقا َل ل َِعا ِئ َش َة َل ْو َال أَن َق ْو َمكِ‬ ‫لِلول لِ َما فِي ِه مِنْ ا ْلم َلِلوا َف َق ِة َو َتأْلِيفِ ا ْلقلِلللِلو ِ‬‫ض ِل إ َلى ا ْل َم ْفض ِ‬ ‫ْاألَ ْف َ‬
‫ك َما ه َلِلو ْاألَ ْو َلى ِألَجْ ِل ا ْلم َلِلوا َف َق ِة‬
‫ْن َف َه َذا َترْ لِل‬ ‫ت َل َها َبا َبي ِ‬‫ت ا ْل َكعْ َب َة َو َج َع ْل لِل‬ ‫َحد لِل‬
‫ِيثو َع ْه َّد ِب َجا ِهلِيةَّ َل َن َقضْ لِل‬
‫َوالتأْلِيفِ ) [زاد المعاد] ‪.‬‬
‫والواقع يدل أن (الدولة اإلسالمية) لم يتابعها في تصرفها أهل الحل والعقد في األمةأل وقد‬
‫رأينا قول ابن تيمية‪ ( :‬والملك ال يصير ملكا بموافقة واحد أو اثنين أو أربعةأل إال أن تكون‬
‫موافقة ه الء تقتضي موافقة غيرهم)‪.‬‬
‫وإذا تنزلنا مع اإلخوة في مسألة صالحية من كان في بلد اإلمام في عقد الخالفة على رأي‬
‫الماوردي الذي اعتبر ذلك االختصاص عرفًا ال شر ًعاأل قلنا مع اتساع بالد المسلمين‬
‫واختالف أعرافهم أي األعراف راعت الدولة عند تأصيل إعالن الخالفةأل ومن فوضهم في‬
‫هذا األمر الجلل؟‪.‬‬
‫‪ ‬وإذا قلنا أن التولية تمت بالقهر والغلبةأل كما نقل (المتحدث الرسمي للدولة اإلسالمية) عن‬
‫اإلمام أحمد رحمه هللا في رواية عبدوس بن مالك العطار قوله‪( :‬و َمن غلب عليهم بالسيف؛‬
‫حتى صار خليفة وسلِلمي أمير الم منينأل فال يحل ألحد ي من باه أن يبيت وال يراه إمامًاأل‬
‫برا كان أو فاجرًا)‪.‬‬ ‫ً‬
‫قلنا‪ :‬أوال‪ :‬هل تريدونها خالفة شورية على منهاج النبوةأل أم ملكا قهريا عضوضا؟‪.‬‬
‫وثانيا‪ :‬إن الواقع الميداني يحدد سلطان الدولة والخالفة المعلنة أل فال داعي لإللزامات التي‬
‫أطلقها المتحدث الرسميأل مع العلم أن بيعة المتغلب في حقيقتها اغتصاب للخالفة وليست‬
‫من منهج الخالفة الراشدة أل والقول ببيعة المتغلب ضرورة استثناء من القاعدة سدا لذريعة‬
‫تفرق المسلمين‪.‬‬
‫يقول الشيخ أبو الوليد الغزي في مقال [إعالن الخالفة]‪( :‬األمور بﻤقاصﺪهاأل ومﻦ مقاصﺪ‬
‫اإلمامة اجﺘﻤاع الﻜلﻤةأل فﺤﻴﺚ وقع في اإلعالن عﻜﺲ مقﺼﻮد الﺸﺮع علﻢ أن ذلﻚ لﺨلﻞ في‬
‫الﺴﺒﺐ يﺘعﻴﻦ إصالحهأل ثم إن تفرد جماعة عن بقية جماعات المسلمين بأمر يتعلق بمصالح‬

‫‪ ‬ـ قووال فووي تفسووير آيووة النموول ‪ :‬واألموور ‪ :‬الحووال المهووم وإضووافته إلووى ضووميرها ألنهووا المخاطبووة بكتوواب سووليمان وألنهووا‬
‫المضطلعة بما يجب إجرا ه مون شو ون المملكوة وعليهوا تبعوة الخطوأ فوي المونهج الوذي تسولكه مون السياسوة ولوذلك يقوال للخليفوة‬
‫وللملووك و لمميوور ولعووالم الوودين ‪ :‬ولووي األموور ‪ ..‬وصوويغة ( كنووت قاطعووة ) ت و ذن بووأن ذلووك دأبهووا وعادتهووا معهووم فكانووت عاقلووة‬
‫حكيمة مستشيرة ال تخاطر باالستبداد بمصالح قومها وال تعرض ملكها لمهاوي أخطاء المستبدين‪.‬‬

‫‪69‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫األمة مما يوهن المسلمينأل ويفتح للمتربصين منفذا للطعن والتفريق‪.‬‬


‫وقد أمر هللا بطاعة أولي األمر من العلماء واألمراءأل فلزم من هذا أنهم معروفون أعالم بين‬
‫الناسأل فأين ه ال ء من الدولة كي يلزم الناس بهم؟ ‪ .‬والذي أدعو إليه إخواننا أن يراجعوا‬
‫ذلك نظرا لمصالح المسلمينأل وأن يصدر عنهم ما يطمئن علماء المسلمين وعامتهمأل وهو‬
‫إزالة للشبهة في مظنتها)‪.‬‬
‫من الخطأ فرض سياسة األمر الواقع على األمة وإحراجها في قبول بيعة لم تشاور فيها‪.‬‬
‫إن إعالن الخالفة ليس حال لمشكل الشام كما ظن المتحدث الرسمي حين قال في كلمة‬
‫[عذرا أمير القاعدة]‪ ( :‬وأما المحكمة المستقلة التي تطالب بها فنقول لك‪ :‬إن هذا أم ٌر غي لِلر‬
‫ألنك شققت المسلمين‬ ‫َ‬ ‫هو طلبٌ تعجيزي من ضرب الخيال‪.‬لماذا؟‬ ‫ممكنأل بل مستحيلأل بل َ‬
‫ثالث لهلِلما؛ شق مع الدولة وأنصارهاأل وشق مع الفرق الملِلطالبة بالمحكمة المستقلةأل‬ ‫َ‬ ‫شقين ال‬
‫فال توجد على وجه األرض هيئ ٌة م ه َل ٌة مستقلة يرضى بها الطرفان‪.‬‬
‫يس في المسلمين‬ ‫وأيسرْ ؟ أم ٌر لو يفعل لِله المسلمون أف َلحوا كل الفالحأل أل َ‬ ‫َ‬ ‫خير‬
‫ثم أال أدلكم على َّ‬
‫ل؟أليس في المسلمين على وجه األرض رج ٌل‬ ‫َ‬ ‫أليس في المسلمين رج ٌل لِلم ه‬ ‫َ‬ ‫رج ٌل صالِح؟‬
‫كفرهلِل بالطاغوت والبراءة من الكفر والشرك وأهله‬ ‫رشيد يختاره المسلمون فيلِلعل َِن على المم َ‬
‫ويلِلعلن بغضا َءهلِل لهلِلم وحر َب لِله علي ِهمأل ف لِلنبايعه على ذلك وننصبه خليفةأل ف لِلنقا ِت لِلل َمنْ عصاهلِل بمن‬
‫أطاعهأل في العراق والشام والجزيرة ومصر وخراسان واألرض جميعاًأل ف لِلننهي هذا التشرذم‬ ‫َ‬
‫ٌ‬
‫فر َح الم منين و لِلنغيظ الكافرينأل فال تبقى إمارةٌ شرعية غيرلِلهأل هذا هو‬ ‫وهذا االختالفأل و لِلن ِ‬
‫ب لذلك الخليفة تشكيل تلك المحكمة التي تدعونا لهاأل‬ ‫الحلأل وال حل سواهأل فيكون أول واج َّ‬
‫مانع شرع ٍّي يحو لِلل دو َنهأل بل هو واجب‬ ‫َّ‬ ‫ي‬
‫هذا هو الحل الوحيدأل وهذا ح ٌّل يسير ال يلِلوجد أ ُّ‬
‫العصر الذي يتخلفلِل عنه المسلمونأل هذا هو دا نا ودوا لِل نا)‪.‬‬
‫قال‪" :‬يختاره المسلمون" ثم ألغى المسلمين إال أهل الشورى في (الدولة اإلسالمية) الذين‬
‫اختاروا واحدا منهم من غير مشورة باقي األطراف التي يراد إنهاء التشرذم والخالف معها‪.‬‬
‫ثم كيف يكون الحل والخليفة الذي سيشكل المحكمة هو الخصم؟ وكي ف الحال إذا رفض‬
‫الخصم قاضي الخليفة؟ أيفرض الخليفة قاضيه على خصمه أم نصير إلى التحكيم؟ وها قد‬
‫عينتم الخليفة فهل انتهت المشاكل أم أضفنا مشكلة جديدة؟ إنها األمور حين تقضى من غير‬
‫مشورة‪ .‬وهللا نسأل الهداية‪.‬‬

‫‪71‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫المسألة الثانية ‪ :‬اإللزامات التي رتبتها الدولة على اإلعالن‬


‫قال األو ‪ :‬أبو محمد العدناني في كلمة [هذا وعد هللا]‪( :‬وننبه المسلمين‪ :‬أنه بنعالن الخالفة‬
‫صار واجبًا على جميع المسلمين مبايعة ونصرة الخليفة إبراهيم حفظه هللاأل وتبطل شرعية‬
‫جميع اإلمارات والجماعات والواليات والتنظيماتأل التي يتمدد إليها سلطانه ويصلها جندهأل‬
‫قال اإلمام أحمد رحمه هللاأل في رواية عبدوس بن مالك العطار‪" :‬و َمن غلب عليهم بالسيف‬
‫حتى صار خليفة وسلِلمي أمير الم منين‪ :‬فال يحل ألحد ي من باه أن يبيت وال يراه إمامًاأل‬
‫برا كان أو فاجرًا"‪...‬‬‫ً‬
‫(ورسالة إلى الفصائل والجماعات على وجه األرض كافةأل المجاهدينأل والعاملين لنصرة‬
‫دين هللاأل والرافعين الشعارات اإلسالميةأل فنلى القادة واألمراء نقول‪ :‬إننا وهللا ال نجد لكم‬
‫شرعيا في التخلف عن نصرة هذه الدولة؛ فقفوا موقفًا يرضى به هللا تبارك وتعالى‬ ‫ً‬ ‫عذرًا‬
‫عنكمأل لقد انكشف الغطاء وظهر الحقأل وإنها الدولةأل إنها الدولة!؛ دولة للمسلمينأل‬
‫للمستضعفينأل لليتامى واألرامل والمساكينأل فنن نصرتموها‪ :‬فمنفسكمأل وإنها الخالفةأل وآن‬
‫لكم أن تنهوا هذا التشرذم والتشتت والتفرق المقيتأل الذي ليس مِن دين هللا في شيء)‪...‬‬
‫( وأما أنتم يا جنود الفصائل والتنظيمات؛ فاعلموا أنه بعد هذا التمكين وقيام الخالفة‪ :‬بطلت‬
‫شرعية جماعاتكم وتنظيماتكمأل وال يحل ألحد منكم ي من باه‪ :‬أن يبيت وال يدين بالوالء‬
‫للخليفة)‪.‬‬
‫فقوله ‪":‬بنعالن الخالفة صا ر واجبًا على جميع المسلمين مبايعة ونصرة الخليفة إبراهيم‬
‫حفظه هللاأل وتبطل شرعية جميع اإلمارات والجماعات والواليات والتنظيماتأل التي يتمدد‬
‫إليها سلطانه ويصلها جنده"‪" ..‬بطلت شرعية جماعاتكم وتنظيماتكمأل وال يحل ألحد منكم‬
‫ي من باه‪ :‬أن يبيت وال يدين بالوالء للخليفة"‪..‬‬
‫ما بني على خطأ نتيجته الخطأ بالطبع ‪ .‬إذا كانت جماعة المسلمين هي األصل واإلمام فرع‬
‫عنها كيف يبطل الفرع أصال لم ينشأ عنه؟ فالخليفة لم ينصب عن مشورة المسلمينأل ولم‬
‫يتغلب على األمصار والجماعات التي حكم بنلغائها وحلهاأل وبالتالي ال يوجد مستند شرعي‬
‫وال عقلي لتلك اإللزامات‪.‬‬
‫يقول الشيخ أبو الوليد الغزي في [إعالن الخالفة]‪( :‬بل التحقيق أن الخارج عن طاعة‬
‫صالحي العلماء واألمراء من المسلمين هو الخارج عن جماعة المسلمينأل ومن ه الء علماء‬
‫المجاهدين وأمرا هم‪.‬‬
‫وقد ذكر األئمة أن جماعات المسلمين تقوم مقام السلطان إذا عدمأل ومقتضاه أن الرجل ال‬
‫يصير سلطانا إال بننابتهم واتفاقهم‪.‬‬
‫والقائمون على (الدولة) أهل ديانة وصدقأل سلمناأل لكن كيف يلزم المسلمون ببيعة من ال‬
‫يعرفه ر وسهم وأهل الحل والعقد منهم؟‪.‬‬
‫ثم ما حكم الخارج عن (الدولة) المعلنة أو من لم يلتحق بها؟‬
‫إن قيل عاصأل قيل‪ :‬الوصف بالعصيان ال يحل إال بدليل من الشرعأل فما دليله هنا؟‪.‬‬
‫وأما إن كان المراد في (اإلعالنين) بيعة الخالفةأل فما وجه إلزام المسلمين بهذا وأكثر أهل‬
‫الحل والعقد في المصرين لم يجتمعوا عليه؟)‪.‬‬
‫أما قوله‪( :‬آن لكم أن تنهوا هذا التشرذم والتشتت والتفرق المقيتأل الذي ليس مِن دين هللا‬
‫في شيء)‪ ..‬فالجواب‪:‬‬

‫‪71‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫هل عالج التشرذم والتشتت والتفرق يكون بفرض الوصاية على الجماعات األعرق في‬
‫الجهاد من الدولة ‪ .‬وتعمد تجاهلها في المشورة ثم إلزامها بأمر ال يستند إلى شرع وال عقل‪.‬‬
‫هل عالج التشرذم والتشتت والتفرق يكون باإلرهاب الفكري واستعمال المصطلحات‬
‫الشرعية إلرهاب األتباعأل وقلب أصول السياسة الشرعية بمخاطبة القواعد وترك القيادة‬
‫لفصل القواعد عن قياداتها وتحريضها على التمردأل وقبول بيعات المنشقين وتعيين الوالة‬
‫وفتح باب الفرقة والتشرذم في الوقت الذي يتباكى المتحدث الرسمي على التشرذم والتشتت‬
‫والتفرق المقيتأل الذي ليس مِن دين هللا في شيء‪.‬‬
‫يقول الشيخ أبو الوليد الغزي في [الرسالة الشامية]‪( :‬وعالج هذا الداء العضال ـ يعني تفرق‬
‫المسلمين وتحزبهم ـ بأمرين‪:‬‬
‫األول ‪ :‬الخالفة الجامع لِلة ألمة اإلسالمأل وهذا مفقود اْلن مع كوننا مأمورين بتحصيله‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن تنزل الجماعات المجاهدةلِل كلها منزل َة األجنا ِد وأمراء األجنادأل وتصرفلِل األمراء‬
‫منوط بمصلحة الجهاد فحسبأل ال يلِلتجاوز به ذلكأل كمتولي القضاء والوقف ومال اليتيم‬ ‫ٌ‬ ‫فيها‬
‫ال يتجاوز تصرفه حدودَ ما ولِل ل َي عليهأل فلو وقع تصرفه في غير محله لم يكن نافذاأل كمن‬
‫زوج بكرا ال والية له عليهاأل وهذا هو التوصيف الشرعي الصحيح له الء األمراء‬
‫وأجنادهم عند التحقيقأل وبه تزول كثير من اإلشكاالتأل وهو أقرب إلى التحام الصف‬
‫واجتماع الكلمةأل وأيضا فنن التحزب الحقيقي يظه لِلر بننكار كل طائفة ما عند الطائفة‬
‫األخرى من الحقأل وهو الذي ذمه هللا تعالى وذكره في صفات اليهود والنصارىأل وإن كان‬
‫التفرق منهيا عنه على كل حال‪.‬‬
‫ت على أنها بيع لِلة الخالف ِة واإلمامة العظمىأل‬‫وأما مبايع لِلة شي َّء من هذه األحزاب أو التنظيما ِ‬
‫أو حم لِلل شيء من األحاديث الوارد ِة في النهي عن مفارقة جماعة المسلمينأل وأن مات وليس‬
‫في عنقه بيع ٌة مات ميتة جاهليةأل ونحو هذ ه األحاديث على هذه األحزاب والفرق فجهل‬
‫وافتئات على أمة المسلمينأل فنن استحلت الطائفة مع ذلك دم‬ ‫ٌ‬ ‫عظي ٌم بالدينأل بل بدعة ضاللةأل‬
‫والمفارق‬
‫ِ‬ ‫الخارج عنها أو المخالف لها ‪ -‬كما يلِلسْ َت َح ُّل د لِلم الخارج على اإلمام األعظم‬
‫لجماعة المسلمين ‪ -‬فقد أعظمت الفريةأل وسلكت شِ عْ با ً من شعاب الخوارج الذين حذر منهم‬
‫رسول هللا صلوات هللا وسالمه عليهأل ألن المقصود بهذه األحاديث عند كافة العلماء هو‬
‫اإلمام األعظم الذي تجتمع عليه كلمة أهل الحل والعقد من المسلمينأل كلهم يقول هذا إمامأل‬
‫كما قال اإلمام أحمد رحمه هللاأل وذلك ال يكون إال للمتغلب أو من اتفق على إمامته أهل الحل‬
‫والعقدأل وأهل الحل والعقد هم ر وس الناس من العلماء واألمراء واألكابر والمطاعين فيهمأل‬
‫فيدخل في هذا ر ساء القبائل وشيوو العشائرأل ومن يرجع الناس إليهم في الرأي والمشورة‬
‫وتدبير األمور وتصريف األحوالأل وه الء موجودون في كل مدينة ومصر من أمصار‬
‫المسلمينأل فنن اجتمعت كلمتهم على إمامة ر لِلج َّل وتم باجتماعهم مقصود اإلمامة من اتفاق‬
‫الكلمةأل وحصول الشوكة التي تأمن بها السبلأل وينصف بها المظلومأل ويعطى كل ذي حق‬
‫حقهأل وتقام بها أحكام الشرعأل فذلك هو اإلمام الذي تجب طاعته على كل مسلمأل ويحرم‬
‫الخروج عليه أل وال يضر من شذ حينئذأل وتلك هي سنة الخلفاء الراشدين المهديين الذي أمرنا‬
‫باتباع سنتهم والعض عليها بالنواجذ واألضراسأل وأما هذه األحزاب والطوائف المجاهدةلِل‬
‫دت لمصلح ِة القتال ودفع العدو الصائل عن‬ ‫ضهأل وإنما ولِل ِج ْ‬ ‫فلم يحصل لشيء منها ذلك وال بع لِل‬
‫بالد المسلمينأل ولم تنشأ باختيار أهل الحل والعقد ورضاهمأل وال حصل لها من موافقتهم ما‬
‫يحصل به مقصود اإلمامة العظمىأل وال هي متغلبة على ديار المسلمين حتى يقال إن‬

‫‪72‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫الدخول في طاعتها واجبٌ على كافة المسلمينأل نعم لها نو لِلع شو َكةَّ يتحقق بها مقصو لِلد ما‬
‫قامت ألجله من قتال الصائل ودفعهأل وربما حصل لها بعض التمكين في بعض األحوالأل‬
‫وليس ذلك بموجب لها حقوق اإلمامة العظمىأل ألن حقوق اإلمامة العظمى إنما تترتب على‬
‫ْن تتحقق بهما مقاصد اإلمامة‪.‬‬ ‫والتمكين َ‬
‫الذي ِ‬ ‫ِ‬ ‫حصول الشوكة‬
‫الشرع َم ْن ِهيا عن قليله وكثيره وعن كل سبب يفضي إليهأل وإنما‬ ‫ِ‬ ‫لِل‬
‫التفرق في‬ ‫وإن كان‬
‫تعاظم الشر بين أهل‬ ‫لِل‬ ‫ب الفرقة ما أمكنأل والتحذي لِلر مما يفضي إلى‬ ‫المقصو لِلد هنا دف لِلع أسبا ِ‬
‫اإلسالمأل خاصة مع غياب السلطان الذي يجمع كلمة المسلمينأل وألنه إذا انتفى هذا الخلق‬
‫والتعاون على البر والتقوى‬ ‫ِ‬ ‫أقرب إلى اجتماع الكلم ِة‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫كانت‬ ‫المذمو لِلم عن طوائف المسلمين‬
‫النظر‬
‫ِ‬ ‫ْق الفه ِْم وسعة‬ ‫وإنصاف المخالفأل وجم لِلع الكلم ِة مع غياب السلطان يحتا لِلج إلى لِلعم ِ‬
‫لِل‬ ‫لِل‬
‫التدبير في سياس ِة الناسأل وما ال تقدر عليه السيوفلِل تأتي ب ِه الكلِ َمة الطيبة والصب لِلر‬ ‫ِ‬ ‫وحلِلسن‬
‫والتدب لِلر واألناة‪...‬‬
‫ثم َينبغي أن يعلم أن اإلما َم ال يصير إماما ً في زماننا إال من طريقين أل إما موافقة أهل الحل‬
‫والعقد ودخول الناس في طاعتِهأل فتحصل له بمجموع ذلك قوة وشوك ٌة تمكنه من إقا َم ِة‬
‫ب والقهرأل فتجبلِل طاعة المتغلب ولو كان امرأةً دفعا لما يترتب‬ ‫واجبات اإلمامةأل وإما بالتغل ِ‬
‫على منازعته من المفاسِ ِد وتحصيال ألعلى المصلحتينأل أما تقد لِلم طائفةَّ من أجنا ِد المجاهدين‬
‫أكثر عددا من غيرهاأل أو‬ ‫َ‬ ‫بعض هذه الطوائف المجاهدَ ِة‬ ‫ِ‬ ‫في الوجو ِد على األخرىأل أو كونلِل‬
‫تسمي بعض أمراء المجاهدين بالخليفة ونحوهأل أو تس ِم َي لِلة بعض هذه الطوائفِ المجاهدَ ِة دو َل ًة‬
‫منوط ٌة‬ ‫َ‬ ‫ب لها حق اإلما َم ِة العظمىأل وأحكام الشرع‬ ‫ونحو هذاأل فليس شيء من ذلك بموج َّ‬
‫بالحقائق ال باألسماء فحسبلِل أل وال أحسب أحدا من أمراء المجاهدين وأجنادِه ْم يناز لِلع في‬
‫ب اإلمامةَّ واجتماع كلمة األم ِة على خليفة واحد؛ فيحصل بمجموع ذلك شوكة وقوة‬ ‫وجو ِ‬
‫يقام بها الشرع وتصانلِل بها ال لِلحرلِلماتأل وإنما يقع النزا لِلع في دعوى بعض الطوائفِ ذلك‬
‫حكم دل‬ ‫َّ‬ ‫إنكار‬
‫َّ‬ ‫قبيل‬‫ِ‬ ‫المجاهدين وطوائفهمأل فننكا لِلر األول من‬ ‫َ‬ ‫دون غيرها من أمراء‬ ‫َ‬ ‫لن فسها‬
‫واقعةَّ ملِلعي َنةَّأل وبين األول‬ ‫إنكار تحقق صورة الحكم في َ‬ ‫ِ‬ ‫الشرع عليهأل وإنكار الثاني من قبيل‬
‫الخلق ما لم يوجبه‬ ‫ِ‬ ‫والثاني من الفرق كما بين السماء واألرضأل وليس ألح َّد أن يوجب على‬
‫هللا تعالى عليهمأل من َبيع ِة رج َّل بيعة اإلمامة العظمى وإعطائِه صفق َة اليد وثمر َة الف اد‬
‫وغير ذلك مما‬ ‫ِ‬ ‫واعتقادِه حرم َة الخروج عليهأل وأن من فارقه فقد فارق جماعة المسلمينأل‬
‫يترتب على اإلمامة من الحقوق والواجبات؛ إال بدليل من الشرعأل وقد بينا فيما مضى َمن‬
‫ه َلِلو اإلمام الذي تجب طاعتهأل فارجع إليه‪.‬‬
‫فرض‬ ‫ِ‬ ‫نحو‬
‫وزما َم العنا َي ِة َ‬ ‫يصرفلِلوا أَعِ ن َة ال ِه َم ِم ِ‬
‫ِ‬ ‫والذي أعظ به إخواننا من المجاهدين كاف ًة أن‬
‫األحكامأل‬
‫ِ‬ ‫ت الذي هو دفع الصائل عن بال ِد المسلمينأل وأن يحذروا من ال لِلغللِلو في مثل هذه‬ ‫الوق ِ‬
‫الثغور ِخ ْلوا لِسِ هام المتربصينأل وال يخ َفى أن‬ ‫َ‬ ‫الصدورأل و لِلت ْش ِع لِلل الفِ َتنأل و لِلت َخلي‬
‫َ‬ ‫فننها لِلتوغِ ر‬
‫أمر اإلمام ِة من المسائل التي ضلت بسببها كثير من الطوائف المنتسبة إلى األمةأل ثم إنها‬
‫سأل واألمة بحم ِد هللا تعالى مليئ ٌة بأهل العلم والفضلأل وه الء‬ ‫النظر فقي ِه الن ْف ِ‬ ‫ِ‬ ‫تحتاج إلى دقِيق‬
‫هم أهل الحل والعق ِد الذين ال يجوز االفتئات عليهم فيما يتعلق بمصالح المسلمينأل ومن‬
‫أعظمها اإلمامة والخالفة‪.‬‬
‫وفرضٌ على أمراء المجاهدين وعلمائهم أن يعملوا على إزالة أسباب الخالف ما أمكنأل وأن‬
‫العذر ما وسِ عهم ذلكأل وأن لِلي ِهي لِلئوا األتباع لقبول الحق حيث كانأل فنن‬ ‫َ‬ ‫َي ْبسلِلطوا للمخالفِ‬
‫دين ملوكِه ْم‬ ‫ص ُّد المر َء عن قبول الحقأل وغالبلِل الناس على ِ‬ ‫َ‬
‫األتباع من أعظ ِم ما ي لِل‬ ‫ْ‬
‫سط َو َة‬
‫ِ‬

‫‪73‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫وألِلمرا ِئ ِهمأل وقل منهم الناص لِلح والمرش لِلد إلى الحق والملِلعينلِل عليهأل ولذا َ‬
‫كان أمرا لِلء ْ‬
‫العدل من‬
‫السبعة الذين يظلهم هللا تعالى بظل عرشِ ِه يوم ال ظل إال ظله)‪ .‬اهـ‬
‫واألدهى أن اإلخوة في (الدولة اإلسالمية) وهم يتحدثون عن فرقة المسلمين ويعلنون أنهم‬
‫حريصون على وحدتهمأل تجاهلوا اْلخرين قبل اإلعالن عن الخالفة وبعدها‪.‬‬
‫قال الشيخ أبو الوليد الغزي في مقال [إعالن الخالفة] ناصحا‪( :‬ومﻦ مقاصﺪ اإلمامة اجﺘﻤاع‬
‫الﻜلﻤةأل فﺤﻴﺚ وقع في اإلعالن عﻜﺲ مقﺼﻮد الﺸﺮع علﻢ أن ذلﻚ لﺨلﻞ في الﺴﺒﺐ يﺘعﻴﻦ‬
‫إصالحه‪ ...‬والﺬي أدعﻮ إلﻴه إخﻮانﻨا أن يﺮاجعﻮا ذلﻚ نﻈﺮا لﻤﺼالح الﻤﺴلﻤﻴﻦأل وأن يﺼﺪر‬
‫عﻨهﻢ ما يﻄﻤﺌﻦ علﻤاﺀ الﻤﺴﻤلﻴﻦ وعامﺘهﻢأل وهﻮ إزالة للﺸﺒهة في مﻈﻨﺘها)‪.‬‬
‫وقال فرع قاعدة الجهاد ببالد المغرب اإلسالمي في بيان تحت عنوان‪[ :‬عام الجماعة‪ ..‬أمل‬
‫األمة]‪ ( :‬رابعا‪ :‬أمام الواقع الجديدأل ندعو أولي األمرأل علماء وأمراءأل ونخص بالذكر‬
‫المشايخ الفضالء الشيخ أبا محمد المقدسي والشيخ أبا الو ليد الغزي والشيخ أبا بكر البغدادي‬
‫والمال محمد عمر والشيخ أيمن الظواهري والشيخ ناصر الوحيشي والشيخ أبا الزبير‬
‫والشيخ أبا محمد الجوالني وغيرهم من العلماء العاملين وقادة المجاهدينأل لالجتماع على‬
‫كلمة سواءأل وإصالح الخلل داخل البيت الواحد بعيدا عن وسائل اإلعالمأل من أجل حفظ‬
‫بيضة اإلسالم والحفاظ على وحدة المسلمين وحقن دمائهم ‪...‬‬
‫كما ن كد على أن الوقت مازال كافيا لت دارك الخلل الواقع في هذا اإلعالنأل بنشراك رموز‬
‫العلم والجهاد في هذا القرار واألخذ برأيهمأل فهم أولى الناس بوصف أهل الحل و العقد)‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫فإن قال قائ ل‪ :‬الخ الفة أعلن ت وال داعي لك ل هذه التعقيدا ت‪ ،‬فالم صلحة في ن صرتها‪.‬‬
‫قلنا وهللا أعلم‪:‬‬
‫أوال‪ :‬هذه التعقيدات أصول راسخة سار عليها الصحابة رضي هللا عنهم أيام الخالفة الراشدة‬
‫قبل حلول الملك العضوض وغصب األمة حقها في اختيار خليفتهاأل وقبل وجود الدولة في‬
‫العراق ثم الشامأل فلم يكتبوها بغضا في الدولةأل وقد سقنا من أقوال الصحابة رضي هللا عنهم‬
‫والعلماء رحمهم هللا ما ي كد شدة تحريهم في مسألة اإلمامةأل ورأينا نقاش الصحابة في‬
‫سقيفة بني ساعدةأل واجتهاد عبد الرحمن بن عوف في معرفة رأي األمةأل فهل كانوا يحبون‬
‫الشذوذ والخالفأل بل عمر الفاروق رضي هللا عنه أمر بعدم متابعة ومبايعة من بويع من‬
‫غير مشورة المسلمين‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الحق في التزام الشرع وتحري مصلحة األمةأل ال في تبرير الخطأ وإقراره وجعله سنة‬
‫سيئةأل ولك أخي المسلم لتنظر أي التصرفين أوفق لهدي الصحابة رضي هللا عنهمأل وأيهم‬
‫أحوط لخالفة المسلمين وأقرب لتحقيق وحدتهم وتحقيق الخالفة الراشدة على منهاج النبوة‪.‬‬
‫هل هو موافقة الخطأ وتبريره في غصب األمة حقها؟ أم اتباع قول الخليفة الراشد عمر‬
‫رضي هللا عنه « من بايع رج ال من غير مشورة المسلمين ف ال يبايع » وقد أجمع عليه‬
‫الصحابة رضي هللا عنهم؟‬
‫إن القوم ظنوا أنه بمجرد بيع ِة البعض لواحد بالخالفة ـ ولو من غير مشورة المسلمين ـ‬
‫يوجب على المسلمين قبولهأل فقال المتحدث الرسمي عن الشيخ أبي بكر البغدادي‪" :‬وقد قبل‬
‫البيعة؛ فصار بذلك إمامًا وخليفة للمسلمين في كل مكان‪ ...‬بنعالن الخالفة صار واجبًا على‬
‫جميع المسلمين مبايعة ونصرة الخليفة إبراهيم حفظه هللا"‪.‬‬
‫قال ابن تيمية في الرد على الرافضي في [منهاج السنة]‪( :‬وأما قوله عنهم‪":‬كل من بايع‬

‫‪74‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫قرشيا انعقدت إمامته ووجبت طاعته على جميع الخلق إذا كان مستور الحالأل وإن كان على‬
‫غاية من الفسق والكفر والنفاق"‪ .‬فجوابه من وجوهأل أحدها‪ :‬أن هذا ليس من قول أهل السنة‬
‫والجماعةأل وليس مذهبهم أنه بمجرد مبايعة واحد قرشي تنعقد بيعتهأل ويجب على جميع‬
‫الناس طاعتهأل وهذا وإن كان قد قاله بعض أهل الكالم أل فليس هو قول أهل السنة والجماعةأل‬
‫بل قد قال عمر بن الخطاب رضي هللا عنه‪« :‬من بايع رجال بغير مشورة المسلمين ‪ ،‬ف ال‬
‫يبايع هو وال الذي بايعه ت ِغ رَّة أن يُقت ال »‪[ .‬رواه البخاري]‪.‬‬
‫وقد تبي ن أن المقصودَ بالمسلمين عرفا هم ممن سموا بأهل الحل والعقدأل ولقد كان ألهل‬
‫العقول والدين والحكمة غنى عن هذاأل وهو السعي لفض النزاع وجمع الكلمة ثم يلِلبنى عليهأل‬
‫ال أن يذهب هذا المذهب الذي هو خالف فقه الصحابة رضي هللا عنهم‪.‬‬
‫قال إبراهيم النخعي‪( :‬وكفى على قوم وزرا أن تخالف أعمالهم أعمال أصحاب نبيهم صلى‬
‫هللا عليه وسلم)‬
‫وقال عمر بن عبد العزيز‪( :‬فارض لنفسك ما رضي القوم)‪.‬‬
‫وقال أيضا‪( :‬قف حيث وقف القوم وقل كما قالوا واسكت كما سكتواأل ولئن قلتم حدث بعدهمأل‬
‫فما أحدثه إال من سلك غير سبيلهم ورغب بنفسه عنهم وإنهم لهم السابقونأل ولقد تكلموا منه‬
‫بما يكفي ووصفوا منه ما يشفى فما دونهم مقصر وال فوقهم مجسرأل ولقد قصر عنهم قوم‬
‫فجفوا وطمح آخرون عنهم فغلوا وإنهم فيما بين ذلك لعلى هدى مستقيم)‪.‬‬
‫وقال أيضا كالما كان مالك بن انس وغيره من األئمة يستحسنونه ويحدثون به دائما قال‪:‬‬
‫(سن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لوالة األمر بعده سننا األخذ بها تصديق لكتاب هللا‬
‫واستكمال لطاعته وقوة على دينه ليس ألحد تغييرها وال تبديلها وال النظر في رأي من‬
‫خالفهمأل فمن اقتدى بما سنوا فقد اهتدى ومن استنصر بها منصور ومن خالفها واتبع غير‬
‫سبيل الم منين واله هللا ما تولى وأصاله جهنم وساءت مصيرا) [انظر إعالم الموقعين]‪.‬‬
‫لِلون على أصل الشرْ ع الذِي قرر فِي عهد الراشِ دين فِي أَمر ا ْل َ‬
‫خال َفة لما‬ ‫( َو َلو َحافظ ا ْلملِلسلم َ‬
‫اإلسْ َالم األَرْ ض كل َها)‪[ .‬الخالفة لرشيد رضا]‪.‬‬
‫َوقعت ِت ْل َك ا ْلفِ َتن والمفاسد ولعم ْ ِ‬
‫وإلى هللا المشتكى أل وه و المستعان على ما حل بالمسلمين والمجاهدين في هذا الزمان ‪.‬‬

‫‪75‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫النتيجة ‪:‬‬
‫بعد مناقشة تصرف اإلخوة في (الدولة اإلسالمية) وعرضه على فقه الصحابة رضي هللا‬
‫عنهم والعلماءأل نصل إلى س ال يجب الجواب عنه بوضوح وهو‪:‬‬
‫ه ل بيعة الشيخ أبي بكر البغدادي بالخالفة العامة صحيحة‪ ،‬و تجب مبايعته كما قال المتحد ث‬
‫الرسمي؟‪.‬‬
‫فأقول وهللا الموفق للصواب‪:‬‬
‫أوال‪ :‬بيعة اإلمامة العظمى تحصل ببيعة جمهور أهل الحل والعقد ـ على القول الراجح ـ عن‬
‫مشورة ورضىأل تحصل بهما المتابعة المحققة لمقاصد اإلمامةأل فالخالفة والقدرة على‬
‫سياسة الناس ال تثبت إال بأمرين‪ :‬بالطاعة القائمة على الرضىأل والطاعة القائمة على‬
‫الغلبةأل فمن لم يكن تحت الخليفة بهذين األمرين ال يكون األمير أميرا عليه على الحقيقة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬مجلس شورى (الدولة اإلسالمية) ال يمثلون كل األمة وال جمهورهاأل ولم يشاوروا أهل‬
‫الحل والعقد في األمة في نصب الخليفة وشخصه وإعالن الخالفةأل ولم يفوضهم أحد إلبرام‬
‫هذا األمر الجلل‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬ثبت عن الخليفة الراشد عمر رضي هللا عنه قوله‪« :‬من بايع رج ال ً من غير مشورة من‬
‫المسلمين ف ال يتابع هو وال الذي تابعه‪ ،‬تغ رَّة أن يقتال»أل وفي رواية « فال يبايع » وفي رواية‬
‫النسائي‪ « :‬ﺇنه ال خ الفة ﺇال عن مشورة‪ ،‬وأيما رج ل بايع رج ال عن غير مشورة‪ ،‬ال يؤمر‬
‫واحد منهما‪ ،‬تغرة أن يقتال»أل وفي رواية معمر من وجه آخر «من دعا ﺇلى ﺇمارة من غير‬
‫مشورة ف ال يح ل له أن يقب ل »‪.‬‬
‫ووافقه المسلمون على ذلك في مسجد رسول هللا صلى هللا عليه وسلمأل فكان ذلك إجماعا ً‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬أهل الحل والعقد في األمة لم يتابعوا (الدولة اإلسالمية) في تصرفها ولم يبايعوا الشيخ‬
‫أبا بكر البغدادي البيعة العامة كما يطلبهاأل مما يدل على عدم رضاهم المعبر عن عدم‬
‫رضى األمة‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬بناء على قول عمر رضي هللا عنه وإجماع الصحابة عليهأل وبناء على عدم متابعة‬
‫أهل الحل والعقد في األمة (للدولة اإلسالمية) المعبر عن عدم الرضى نقول‪:‬‬
‫أن بيعة (الشيخ أبي بكر البغدادي) خليف ًة للمسلمين غير صحيحة ولم تنعقدأل وال يجب‬
‫التزامها إال لمن رضيها ممن ليس في عنقه بيعةأل وال يجوز اإللزام بها‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬حديث ابن عمر رضي هللا عنه عند مسلم‪« :‬من ما ت وليس في عنقه بيعة ما ت ميتة‬
‫الجاهلية » ينصرف لإلمام المجمع عليهأل فقد سئل اإلمام أحمد رحمه هللا عن حديث «من‬
‫ما ت وليس له ﺇمام ما ت ميتة جاهلية » ما معناه؟ فقال‪( :‬أتدري ما اإلمام؟ اإلمام الذي يجمع‬
‫المسلمون عليهأل كلهم يقول هذا إمامأل فهذا معناه) [المسند من مسائل اإلم ام أحمد للخالل]أل وقد‬
‫امتنع ابن عمر رضي هللا عنه عن المبايع ة حال الفتنة والفرقة وهو القائل‪ « :‬وهللا ما كن ت‬
‫ألعطي بيعتي في فرقة‪ ،‬وال أمنعها من جماعة »‪.‬‬

‫‪76‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫المسألة السادسة‪ :‬هل يجوز لمن في عنقه بيعة صحيحة لجماعة ماأل نقضها ألجل بيعة لم‬
‫تتوفر شروط صحتها؟‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬شرعية الجماعات وبيعاتها ‪.‬‬
‫نص الفقهاء رحمهم هللا أنه حال غياب اإلمام وخلو الزمان عن السلطان تقوم جماعة‬
‫المسلمين مقامه في إقامة أحكام الدينأل قال الجويني‪( :‬وقد قال العلماء لو خال الزمان عن‬
‫السلطان فحق على قطان كل بلده وسكان كل قرية أن يقدموا من ذوي األحالم والنهى‬
‫وذوي العقول والحجى من يلتزمون امتثال إشارته وأوامره وينتهون عن مناهيه ومزاجره‬
‫فننهم لو لم يفعلوا ذلك ترددوا عند إلمام المهمات وتبلدوا عند إظالل الواقعات)‪.‬‬
‫وأفتى الفقيه المالكي أحمد بن نصر الداودي بأن (كل بلد ال سلطان فيهأل أو فيه سلطان‬
‫يضيع الح دودأل أو السلطان غير عدلأل فعدول الموضع وأهل العلم يقومون في جميع ذلك‬
‫مقام السلطان) [المعيار المعرب للونشريسي‪12 :‬ك‪.]120‬‬
‫فخطاب الشارع لممة عامة وإنما اإلمام نائب عن األمة ووكيل عنهاأل فحيث لِلعدم وجودهأل‬
‫أو فلِل قد سلطانهأل فالجماعة تقوم مقامهأل فلهم أن يجعلوا لهم أميرا يرجعون إليه في أمورهم‬
‫الخاصةأل كما كان جعفر بن أبي طالب على المسلمين في الحبشةأل ولهم أن يختاروا قاضيا‬
‫شرعيا يحكم بينهم في أمورهم‪.‬‬
‫وجماعة المسلمين حال قيامها بواجبات الدين تحتاج إلى رأس؛ وقد فوض النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم لثالثة يكونون في سفر أن ي مروا أحدهم فقال‪ « :‬ال يح ل لث الثة يكونون ِبفَ الَة من‬
‫األرض ﺇال أ َّم روا عليهم أحدهم » [ رواه أحمد عن عبد هللا بن عمرو رضي هللا عنهما]أل وقال‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ « :‬ﺇذا خرج ث الثة في سفر فليؤمِّروا عليهم أحدهم» [رواه أبو‬
‫داود عن أبي سعيد رضي هللا عنه]‬
‫قال الشوكاني في [نيل األوطارك باب وجوب نصبة القضاء واإلمارة وغيرها]‪( :‬حديث عبد هللا‬
‫بن عمرو وحديث أبي سعيد رضي هللا عنهما قد أخرج نحوهما البزار بنسناد صحيح من‬
‫حديث عمر بن الخطاب رضي هللا عنه بلفظ‪ « :‬ﺇذا كنتم ث الثة في سفر فأمروا أحدكم ذا ك‬
‫أمير أ ّم ره رسول هللا صلى هللا عليه وسلم »‪ .:‬وأخرج البزار أيضا بنسناد صحيح من حديث‬
‫عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما مرفوعا بلفظ « ﺇذا كانوا ث الثة في سفر فليؤمروا أحدهم »‬
‫وأخرجه بهذا اللفظ الطبراني من حديث ابن مسعود رضي هللا عنه بنسناد صحيح‪ .‬وهذه‬
‫األحاديث يشهد بعضها لبعض وقد سكت أبو داود والمنذري عن حديث أبي سعيد وأبي‬
‫هريرة رضي هللا عنهما وكالهما رجالهما رجال الصحيح إال علي بن بحر وهو ثقة‪ .‬ولفظ‬
‫حديث أبي هريرة « ﺇذا خرج ث الثة في سفر فليؤمروا أحدهم » وفيها دليل على أنه يشرع‬
‫لكل عدد بلغ ثالثة فصاعدا ً أن ي مروا عليهم أحدهم ألن في ذلك السالمة من الخالف الذي‬
‫ي دي إلى التالفأل فمع عدم التأمير يستبد كل واحد برأيه ويفعل ما يطابق هواه فيهلكونأل‬
‫ومع التأمير يقل االختالف وتجتمع الكلمة وإذا شرع هذا لثالثة يكونون في فالة من األرض‬
‫أو يسافرونأل فشرعيته لعدد أكثر يسكنون القرى واألمصار ويحتاجون لدفع التظالم وفصل‬
‫التخاصم أولى وأحرىأل وفي ذلك دليل لقول من قال إنه يجب على المسلمين نصب األئمة‬
‫والوالة والحكام)‪.‬‬
‫وقال ابن تيمية‪ ( :‬فنن بني آدم ال تتم مصلحتهم إال باالجتماع لحاجة بعضهم إلى بعضأل‬
‫والبد لهم عند االجتماع من رأس حتى قال النبي صلى هللا عليه وسلم‪ « :‬ﺇذا خرج ث الثة في‬

‫‪77‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫س فر فليؤمروا أحدهم » من حديث أبي سعيدأل وأبي هريرة رضي هللا عنهما‪ .‬وروي اإلمام‬
‫أحمد في المسند عن عبد هللا بن عمرو رضي هللا عنهماأل أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪:‬‬
‫« ال يح ل لث الثة يكونوا بف الة من األرض ﺇال أ َّم روا عليهم أحدهم » فأوجب صلى هللا عليه‬
‫وسلم تأمير الو احد في االجتماع القليل العارض في السفرأل تنبيها بذلك على سائر أنواع‬
‫االجتماع‪ .‬وألن هللا تعالى أوجب األمر بالمعروف والنهي عن المنكرأل وال يتم ذلك إال بقوة‬
‫وإمارة‪ .‬وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع واألعياد ونصر‬
‫المظلوم‪ .‬وإقامة الحدود ال تتم إال بالقوة واإلمارة) [مجموع الفتاوى‪04 :‬ك‪.]592‬‬
‫وقد حدث هذا زمن النبي صلى هللا عليه وسلم في غزوة م تةأل روى البخاري بسنده عن‬
‫أنس رضي هللا عنه‪ :‬قال َخ َطب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقال‪ « :‬أخذ الراية زيد‬
‫فأ صيب‪ ،‬ثم أخذها جعفر فأصيب‪ ،‬ثم أخذها عبد هللا بن رو احة فأصيب‪ ،‬ثم أخذها خالد بن‬
‫الوليد عن غير ﺇمرة ففتح هللا عليه‪ ،‬وما يسرهم أنهم عندنا » قال أنس‪ « :‬وﺇن عينيه‬
‫ل َت ْذ ِرفان»‪ ،‬وفي رواية أخرى للبخاري عن أنس « حتى أخذ الراية سيف من سيوف هللا حتى‬
‫فتح هللا عليهم »‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر في [الفتح‪ :‬ج‪( :]7‬وفيه جواز التأمر في الحرب بغير تأمير ـ أي بغير‬
‫نص من اإلمام ـ أل قال الطحاوي‪ :‬هذا أصل ي خذ منه‪ :‬على المسلمين أن يقدموا رجال إذا‬
‫غاب اإلمام يقوم مقامه إلى أن يحضر)‬
‫وقال أيضا في [الفتح‪ :‬ج‪ ( :]6‬قال ابن المنير‪" :‬ي خذ من حديث الباب أن من تعين لوالية‬
‫وتعذرت مراجعة اإلمام أن الوال ية تثبت لذلك المعين شرعا وتجب طاعته حكما" كذا قالأل‬
‫وال يخفى أن محله ما إذا اتفق الحاضرون عليه)‪.‬‬
‫وقال ابن قدامة الحنبلي‪ ( :‬فنن عدم اإلمام لم لِلي َخر الجهاد ألن مصلحته تفوت بتأخيره )‬
‫[المغني]‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫الفرع الثاني ‪ :‬مشروعية البيعات وحرمة نقضها ‪.‬‬
‫إذا علمت وجوب االجتماع والتأمير للجهادأل فاعلم أن العهود جائزة بين المسلمينأل وهي‬
‫ت كد ما وجب بالشرع ابتداء أو توجب أمورا ً لم تجب بالشرع ابتداء مادامت ال تخالف‬
‫الشرع‪.‬‬
‫وقد قال شيخ اإلسالم‪( :‬والذي يوجبه هللا على العبد قد يوجبه ابتداءأل كنيجابه اإليمان‬
‫والتوحيد على كل أحد‪ .‬وقد يوجبه ألن العبد التزمه وأوجبه على نفسه ولوال ذلك لم يوجبه ـ‬
‫إلى أن قال ـ وقد يوجبه األمرينأل كمبايعة الرسول صلى هللا عليه وسلم على السمع والطاعة‬
‫لهأل وكذلك مبايعة أئمة المسلمينأل وكتعاقد الناس على العمل بما أمر هللا به ورسوله)‬
‫[مجموع الفتاوى‪09 :‬ك‪ 543‬ـ ‪.]546‬‬
‫فقوله "وقد يوجبه لممرين" أي يوجب هللا األمر على الناس لكونه واجبا بالشرع ابتداء‬
‫ولكون الناس تعاقدوا على العمل بهأل وضرب لهذا أمثلة منها قوله‪( :‬وكتعاقد الناس على‬
‫العمل بما أمر هللا به ورسوله)أل فيدخل في هذا قيام الجماعات اإلسالمية‪.‬‬
‫فقيام هذه الجماعات لنصرة الحق وللعمل لتكون كلمة هللا هي العليا واجب من وجهين‪:‬‬
‫الوجه األو ل‪ :‬لوجوب هذا بالشرع ابتداءأل لقوله تعالى‪َ ﴿ :‬و ْل َت ُكنْ ِم ْن ُك ْم أ ُ َّم ٌة َي ْد ُع َ‬
‫ون ِﺇ َل ى ا ْل َخ ْي ِر‬
‫ون﴾ ‪.‬‬ ‫ون ِب ا ْل َم عْ ُروفِ َو َي ْن َه ْو َن َع نْ ا ْل ُم ْن َك ِر َوأ ُ ْو َل ِئ َك ُه ْم ا ْل ُم ْفلِ ُح َ‬
‫َو َي أْ ُم ُر َ‬
‫الوجه الثاني‪ :‬لقيام هذه الجماعات بهذاأل هو تعاهدهم وتعاقدهم على هذه الطاعاتأل وهذا‬

‫‪78‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫جائزأل فقيامهم بالدعوة واألمر والنهي والجهادأل هو واجب بالشرع وواجب بالعهد عليه‬
‫ان َمسْ ُئو ال ً﴾أل فهو واجب ألمرين‪.‬‬ ‫﴿ َوأَ ْوفُوا ِب ا ْل َع ْه ِد ِﺇنَّ ا ْل َعهْدَ َك َ‬
‫ين آ َم ُنوا أَ ْوفُوا ِب الْ ُعقُو ِد﴾أل قال القرطبي‪( :‬فأمر‬ ‫وهللا تعالى أمر بالوفاء بالعقود فقال‪َ ﴿ :‬ي ا أَ ُّي َها الَّ ِذ َ‬
‫هللا سبحانه بالوفاء بالعقود؛ قال الحسن‪ :‬يعني بذلك عقود الدين وهي ما عقده المرء على‬
‫نفسه؛ من بيع وشراء وإجارة وكراء ومناكحة وطالق ومزارعة ومصالحة وتمليك وتخيير‬
‫وعتق وتدبير وغير ذلك من األمورأل ما كان ذلك غير خارج عن الشريعة؛ وكذلك ما عقده‬
‫على نفسه ه من الطاعاتأل كالحج والصيام واالعتكاف والقيام والنذر وما أشبه ذلك من‬
‫طاعات ملة اإلسالم‪ ...‬قال ابن عباس‪ ﴿ :‬أوفوا بالعقود﴾ معناه بما أحل وبما حرم وبما فرض‬
‫وبما حد في جميع األشياء؛ وكذلك قال مجاهد وغيره ‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬المعنى أوفوا بعقد هللا‬
‫عليكم وبعقدكم بعضكم على بعض‪ .‬وهذا كله راجع إلى القول بالعموم وهو الصحيح في‬
‫الباب)‪.‬‬
‫وقال الشيخ السعدي‪( :‬هذا أمر من هللا تعالى لعباده الم منين بما يقتضيه اإليمان بالوفاء‬
‫بالعقودأل أي‪ :‬بنكمالهاأل وإتمامهاأل وعدم نقضها ونقصها‪ .‬وهذا شامل للعقود التي بين العبد‬
‫وبين ربهأل من التزام عبوديتهأل والقيام بها أتم قيامأل وعدم االنتقاص من حقوقها شيئاأل والتي‬
‫بينه وبين الرسول بطاعته واتباعهأل والتي بينه وبين الوالدين واألقاربأل ببرهم وصلتهمأل‬
‫وعدم قطيعتهم‪.‬‬
‫والتي بينه وبين أصحابه من القيام بحقوق الصحبة في الغنى والفقرأل واليسر والعسرأل والتي‬
‫بينه وبين الخلق من عقود المعامالتأل كالبيع واإلجارةأل ونحوهماأل وعقود التبرعات كالهبة‬
‫ونحوهاأل بل والقيام بحقوق المسلمين التي عقدها هللا بينهم في قوله‪ِ ﴿ :‬ﺇ َّن َم ا ا ْلم ُْؤ ِم ُن َ‬
‫ون ِﺇ ْخ َوةٌ﴾‬
‫بالتناصر على الحقأل والتعاون عليه والترلف بين المسلمين وعدم التقاطع‪.‬‬
‫فهذا األمر شامل ألصول الدين وفروعهأل فكلها داخلة في العقود التي أمر هللا بالقيام بها)‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫أما عن حكم نكث مثل هذه العهود فاعلم أن نكث العهد ـ أيا كان ـ هو كبيرة من كبائر‬
‫الذنوب للوعيد الوارد في ذلكأل ومنه‪:‬‬
‫ان َب عْ َد َت ْو كِي ِد َها َو َق ْد َج َع ْل ُت ُم َّ َ‬
‫هللا‬ ‫َ‬
‫هللا ﺇِ َذا َع ا َه ْدتُ ْم َو َال َت ْنقُ ضُوا ْاأل ْي َم َ‬ ‫‪ 1‬ـ قال تعالى‪َ ﴿ :‬وأَ ْوفُوا ِب َع ْه ِد َّ ِ‬
‫ض ْت َغ ْز َل َه ا ِم نْ َب عْ ِد قُوَّ ةٍ أَ ْن َك ًاث ا‬ ‫ون َو َال َت ُكو ُنوا َك الَّتِي َن َق َ‬ ‫ِيال ِﺇنَّ َّ َ‬
‫هللا َي عْ َل ُم َم ا َت ْف َعلُ َ‬ ‫َع َل ْي ُك ْم َكف ً‬
‫ون أ ُ َّم ٌة ِه َي أَ رْ َب ى ِم نْ أ ُ َّمةٍ ِﺇ َّن َم ا َي ْبلُوكُ ُم َّ ُ‬
‫هللا ِب ِه َو َل ُي َبيِّ َن نَّ َل ُك ْم َيوْ َم‬ ‫ون أَ ْي َما َنكُ ْم دَ َخ ًال َب ْي َن ُك ْم أَنْ َت ُك َ‬
‫َت َّت خ ُِذ َ‬
‫ون﴾‪.‬‬ ‫ا ْلقِ َي ا َم ِة َم ا ُك ْن ُت ْم فِي ِه َت ْخ َتلِفُ َ‬
‫قوله تعالى‪ ﴿ :‬وأوفوا بعهد هللا﴾ لفظ عام لجميع ما يعقد باللسان ويلتزمه اإلنسان بالعدل‬
‫واإلحسان ألن المعنى فيها‪ :‬افعلوا كذاأل وانتهوا عن كذا؛ فعطف على ذلك التقدير‪ .‬وقد قيل‪:‬‬
‫إنها نزلت في بيعة النبي صلى هللا عليه وسلم على اإلسالم‪ .‬وقيل‪ :‬نزلت في التزام الحلف‬
‫الذي كان في الجاهلية وجاء اإلسالم بالوفاء؛ قاله قتادة ومجاهد وابن زيد‪ .‬والعموم يتناول‬
‫كل ذلك كما بيناه‪.‬‬
‫جاء في الصحيح عن جبير بن مطعم قالأل قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ « :‬ال حلف‬
‫في ا إلس الم وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده اإلس الم ﺇال شدة » يعني في نصرة الحق‬
‫والقيام به والمواساة‪ .‬وهذا كنحو حلف الفضول الذي ذكره ابن إسحاق ‪..‬‬
‫قوله تعالى‪ ﴿ :‬وال تنق ضوا األيمان بعد توكيدها﴾ يقول بعد تشديدها وتغليظها؛ يقال‪ :‬توكيد‬
‫وتأكيدأل ووكد وأكدأل وهما لغتان‪.‬‬

‫‪79‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫قوله تعالى‪ ﴿ :‬وقد جعلتم هللا عليكم كفي ال﴾ يعني شهيدا‪ .‬ويقال حافظاأل ويقال ضامنا‪ .‬وإنما قال‬
‫﴿ بعد توكيدها﴾ فرقا بين اليمين الم كدة بالعزم وبين لغو اليمينأل وقال يحيى بن سعيد‪ :‬هي‬
‫العهودأل والعهد يمينأل ولكن الفرق بينهما أن العهد ال يكفر‪ .‬قال النبي صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫« ين ص ب لك ل غادر لواء يوم القيامة عند ﺇسته بقدر غدرته يقا ل هذه غدرة ف الن »‪.‬‬
‫ون أَ ْي َما َن ُك ْم دَ َخ ًال َب ْي َن ُك ْم ﴾‬‫ت َغ ْز َلهَا ِم نْ َب عْ ِد قُوَّ ةٍ أَ ْن َكاثًا َت َّتخ ُِذ َ‬‫ض ْ‬ ‫قوله تعالى‪َ ﴿ :‬و َال َت ُكو ُنوا َك الَّتِي َنقَ َ‬
‫النقض والنكث واحدأل واالسم النكث والنقضأل والجمع األنكاث‪ .‬فشبهت هذه اْلية الذي‬
‫يحلف ويعاهد ويبرم عهده ثم ينقضه بالمرأة تغزل غزلها وتفتله محكما ثم تحله‪.‬‬
‫والدخل ‪ :‬الدغل والخديعة والغش‪ .‬قال أبو عبيدة‪ :‬كل أمر لم يكن صحيحا فهو دخل‪﴿ .‬أَنْ‬
‫ون أ ُ َّم ٌة ِه َي أَ رْ َب ى ِم نْ أ ُ َّمةٍ﴾‪ .‬قال المفسرون‪ :‬نزلت هذه اْلية في العرب الذين كانت القبيلة‬ ‫َت ُك َ‬
‫منهم إذ حالفت أخرىأل ثم جاءت إحداهما قبيلة كثيرة قوية فداخلتها غدرت األولى ونقضت‬
‫عهدها ورجعت إلى هذه الكبرى ـ قاله مجاهد ـ فقال هللا تعالى‪ :‬ال تنقضوا العهود من أجل‬
‫أن طائفة أكثر من طائفة أخرى أو أكثر أمواال فتنقضون أيمانكم إذا رأيتم الكثرة والسعة في‬
‫الدنيا ألعدائكم المشركين‪ .‬والمقصود النهي عن العود إلى الكفر بسبب كثرة الكفار وكثرة‬
‫أموالهم‪ .‬وقال الفراء‪ :‬المعنى ال تغدروا بقوم لقلتهم وكثرتكم أو لقلتكم وكثرتهمأل وقد‬
‫عززتموهم باأليمان‪﴿ .‬أربى﴾ أي أكثر؛ من ربا الشيء يربو إذا كثر‪ .‬والضمير في (به)‬
‫يحتمل أن يعود على الوفاء الذي أمر هللا بهأل ويحتمل أن يعود على الرباء؛ أي أن هللا تعالى‬
‫ابتلى عباده بالتحاسد وطلب بعضهم الظهور على بعضأل واختبرهم بذلك من يجاهد نفسه‬
‫فيخالفها ممن يتبعها ويعمل بمقتضى هواها؛ وهو معنى قوله‪ِ ﴿ :‬ﺇ َّن َم ا َي ْبلُوكُ ُم َّ ُ‬
‫هللا ِب ِه َو َل ُي َب ِّي َن َّن َل ُك ْم‬
‫ون﴾‪.‬من البعث وغيره) [من تفسير القرطبي بتصرف]‪.‬‬ ‫َي ْو َم ا ْلقِ َي ا َم ِة َم ا ُك ْن ُت ْم فِي ِه َت ْخ َتلِفُ َ‬
‫ون َم ا أَ َم َر هللا ِب ِه أَ ْن‬ ‫هللا ِم نْ َب عْ ِد ِمي َث اقِ ِه َو َي ْق َط ُع َ‬ ‫ُون َعهْدَ َّ ِ‬‫ين َينق ُ ض َ‬ ‫‪ 2‬ـ قول هللا تعالى‪َ ﴿ :‬والَّ ِذ َ‬
‫ار﴾‪.‬‬ ‫سو ُء ال َّد ِ‬ ‫ض أ ُ ْو َل ِئ َك َلهُ ُم اللَّ عْ َن ُة َو َلهُ ْم ُ‬
‫ون فِي األَ رْ ِ‬ ‫ص َل َو ُي ْفسِ ُد َ‬ ‫يُو َ‬
‫‪ 3‬ـ قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ « :‬أربع من كن فيه كان منافقا‪ ،‬ومن كان ت فيه‬
‫َخ صْ لة منهن كانت فيه خ صلة من النفاق حتى يدعها‪ ،‬ﺇذا ح َّد ث كذ ب‪ ،‬وﺇذا وعد أخلف‪ ،‬وﺇذا‬
‫خا صم فجر ‪ ،‬وﺇذا عاهد غدر » [ متفق عليه عن عبد هللا بن عمرو]‬
‫قال ابن رجب الحنبلي في شرح هذا الحديث‪( :‬والغدر حرام في كل عهد بين المسلم وغيرهأل‬
‫ولو كان المعاهد كافرا ولهذا في حديث عبد هللا بن عمرو عن النبي صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫«من قتل نفسا معاهدة بغير حقها لم َي َر ح رائحة الجنة‪ ،‬وﺇن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين‬
‫عاما »‪ .‬وقد أمر هللا تعالى في كتابه بالوفاء بعهود المشركين إذا أقاموا على عهودهم ولم‬
‫ينقضوا منها شيئا‪ .‬وأما عهود المسلمين فيما بينهم فالوفاء بها أشد ونقضها أعظم إثما ومن‬
‫أعظمها عهد اإلمام على من تابعه ورضي به‪ .‬وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم قال‪ « :‬ث الثة ال يكلمهم هللا يوم القيامة وال يزكيهم ولهم عذا ب أليم ‪،‬‬
‫فذكر منهم‪ :‬ورجل بايع ﺇماما ال يبايعه ﺇال لدنيا‪ ،‬فإن أعطاه ما يريد َو َفى له وﺇال لم َي فِ له »‪.‬‬
‫ويدخل في العهود التي يجب الوفاء بها ويحرم الغدر في جميع عقود المسلمين فيما بينهم إذا‬
‫تراضوا عليها من المبايعات والمناكحات وغيرها من العقود الالزمة التي يجب الوفاء بهاأل‬
‫وكذلك ما يجب الوفاء به ه عز وجل ومما يعاهد العبد ربه عليه من نذر التبرر ونحوه)‬
‫[ جامع العلوم والحكم]‪.‬‬
‫وقد أفرد اإلمام البخاري رحمه هللا عد ة أبواب في صحيحه فيما يتعلق بالوفاء بالعهود وإثم‬
‫الناكث والغادرأل منها‪:‬‬

‫‪81‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫‪ ‬في كتاب الشهادات‪( :‬باب من أمر بننجاز الوعد)‪.‬‬


‫‪ ‬وفي كتاب الجزية والموادعة‪( :‬باب فضل الوفاء بالعهد) و (باب ما يحذر من الغدر) و‬
‫(باب إثم من عاهد ثم غدر) و (باب إثم الغادر للبر والفاجر)‪.‬‬
‫وإذا كان مفهوم حديث « من فارق الجماعة فما ت ما ت ِميتة جاهلية » أن الجماعة هي التي‬
‫في طاعة السلطانأل والجاهلية هنا هي المعصية وليس الكفر كما في شرح ابن حجر لهأل‬
‫فليس معنى هذا أن من نقض عهده لجماعة على الحق ال يلزمه شيء من الوعيد بل‬
‫الصواب أنه يلزمه الذم والوعيد الوارد في عموم نقض العهود كما ذكرته في أول هذه‬
‫المسألة‪ [ .‬بتصرف من العمدة في إعداد العدة ]‪.‬‬
‫فالحاصل أنه إذا اتفقنا على شرعية إمارة الجماعات الجهاديةأل وعلى شرعية بيعاتها على‬
‫الجهادأل وأنها حق ثابت بالشرع والعقد وعلى حرمة نكثهاأل وأن الوعيد الذي في حديث ابن‬
‫عم ر رضي هللا عنه متعلق بخليفة أجمعت عليه األمة عن طريق أهل الحل والعقد كما قال‬
‫اإلمام أحمد رحمه هللا؛ أما بيعة الشيخ أبي بكر البغدادي العامة فليست صحيحة ألنها عقدت‬
‫من غير مشورة أهل الحل والعقد في األمة باعتراف الدولة أل كما أنها عقدت في ظروف فتنة‬
‫وفرقة وتهم توجب التريث واالحتياط‪.‬‬
‫فالذي يظهر لي وهللا أعلم أنه يحرم نقض بيعة شرعية ثابتة صحيحة ـ أوجب بها المبايع‬
‫على نفس ه السمع والطاعة إلمارة جماعة ما ـ من أجل بيعة غير واجبة‪.‬‬
‫سئل ابن عرفة رحمه هللا عما يجري من أحكام البيعة للملوك أل فالذي يكتب لخليفة يبايعه‬
‫وهو في قطر آخر والخالفة شرعية‪ .‬فأجاب‪:‬‬
‫بأن ذلك خلع للطاعة وصار حكمه حكم المحارب ‪ .‬وحكى ابن حيان في طبقات فقهاء قرطبة‬
‫أنه وقع ذلك في زمن أبي عمر بن عبد الملك اإلشبيلي وأفتى بذلك بعد أن حكى عن غيره‬
‫أنه خروج عن الطاعة) [ المعيار المعرب‪. ]23 \12:‬‬

‫‪81‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫فقه الفتوى‪:‬‬
‫قد يظن ال قارئ أننا بسوق الفتوى في مسألة حكم نقض بيعة جماعة جهاديةأل والس ال متعلق‬
‫بمن يكتب لخليفة يبايعه وهو في قطر آخر والخالفة شرعيةأل أننا ننزل بيعة هذه الجماعات‬
‫منزلة بيعة الخالفةأل فال بد من التوضيح ‪.‬‬
‫أوال‪ :‬فتوى ابن عرفة في بيعة خالفة منعقدة في وقت ال خليفة جامع يجمع المسلمين (على‬
‫القول بجواز تعدد األئمة والخلفاء عند الضرورة)أل فحرم نقضها دفعا لمفسدة الفرقة‬
‫وإضعاف اإلسالم والمسلمين أل إذ لو أجاز ذلك لذهبت قيمة العقد ودبت الفوضى في دول‬
‫وإمارات المسلمينأل والفتوى تشبه ما قاله الصنعاني في شرح حديث‪َ « :‬منْ َخ َر َج َع ِن‬
‫ات َف ِم ْي َت لِلت لِله مِي َت ٌة َجا ِهلِي ٌة» [ أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي هللا‬ ‫وفار َق ا ْل َج َم َ‬
‫اع َة و َم َ‬ ‫َ‬ ‫اع ِة‬
‫الط َ‬
‫عنه]‪.‬‬
‫قال‪( :‬قوله « عن الطاعة » ‪ :‬أي طاعة الخليفة الذي وقع االجتماع عليه‪.‬‬
‫وكأن المراد خليفة أي قطر من األقطار إذ لم يجمع الناس على خليفة في جميع البالد‬
‫اإل سالمية من أثناء الدولة العباسية بل استقل أهل كل إقليم بقائم بأمورهم‪ .‬إذ لو حمل‬
‫الحديث على خليفة اجتمع عليه أهل اإلسالم لقلت فائدته) [سبل السالمككتاب‪ :‬قتال أهل البغي]‪.‬‬
‫فانظر قوله‪" :‬وكأن المراد خليفة أي قطر من األقطار"أل وقوله‪" :‬إذ لو حمل الحديث على‬
‫خليفة اجتمع عليه أهل اإلسالم لقلت فائدته"‪ .‬ففيه تعظيم للعقد ولو لم تكن بيعة خالفة‬
‫جامعة أل وفيه النظر لمقاصد الشريعة ومرالت الفتوىأل إذ من آداب المفتي ومحاسن الفتوى‬
‫النظر لمرالتها‪.‬‬
‫فحاصل كالم ابن عرفة والصنعاني أن تلك اإلمارات شرعية وال يجوز الخروج عليهاأل‬
‫سواء سميت إمارة أو خالفة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬سبق في قول الشيخ أبي الوليد الغزي أن (جماعات المسلمين تقوم مقام السلطان إذا‬
‫ت على أنها بيع لِلة الخالف ِة واإلمامة‬
‫عدم) وأن (مبايع لِلة شي َّء من هذه األحزاب أو التنظيما ِ‬
‫العظمىأل أو حم لِلل شيء من األحاديث الوارد ِة في النهي عن مفارقة جماعة المسلمينأل وأن‬
‫مات وليس في عنقه بيع ٌة مات ميتة جاهلية أل ونحو هذه األحاديث على هذه األحزاب‬
‫ٌ‬
‫وافتئات على أمة المسلمين)‪.‬‬ ‫والفرق فجهل عظي ٌم بالدينأل بل بدعة ضاللةأل‬
‫ففي غياب اإلمام األعظم الجامعأل وغياب اإلمارات القطرية الممكنةأل تقوم هذه الجماعات‬
‫مقام السلطان إلى أن ينصب‪.‬‬
‫وقياسا للجماعات القائمة على الخالفة التي قيلت فيها الفتوى وكالم الصنعاني في الحديث‬
‫بجامع أن اإلمام األكبر مفقود في الحالتينأل وإعماال للحديث حتى ال تضيع فائدتهأل وبالنظر‬
‫لمقاصد الشرعة ومرالت الفتوى فننه يحرم على من بايع جماعة ما على مقصد شرعي‬
‫كالجهاد أن ينقض بيعتها من غير موجب شرعي‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬مع القول بما قال الشيخ أبي الوليد فال ينبغي التهوين من نقض بيعة الجماعات الجهادية‬
‫بحجة أنها ليست بيعة اإلمامة العظمىأل فذاك منكر يعظم جرمه بقدر ما ينجر عنه من‬
‫مفاسدأل منكر يجب إنكاره على حسب درجات اإلنكار المشروعة‪.‬‬

‫‪82‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫فصل ‪ :‬تذكرة في وجوب االجتماع ونبذ االختالف‪.‬‬


‫لقد سبق وأعقب إعالن الخالفة خالف ونزاع بين اإلخوة المجاهدينأل وصل إلى إراقة‬
‫الدماء المعصومةأل وتجاوز الخالف حدود العراق والشامأل وانقسمت األمة انقسام المجاهدين‬
‫هناك؛ وك ٌّل يتحمل موقفه بين يدي هللا تعالىأل لذلك رأيت تذييل المسائل السالفة الذكر‬
‫بنصيحة تتضمن وجوب االئتالف واالجتماع ونبذ الفرقة واالختالف‪.‬‬
‫ف َوا ْلفلِلرْ َق َة)أل وقال‬ ‫اع َةأل َو َنجْ َتنِبلِل ال ُّش لِلذ َ‬
‫وذ َوا ْلخ َِال َ‬ ‫قال الطحاوي رحمه هللا‪َ ( :‬و َنت ِب لِلع السُّن َة َوا ْل َج َم َ‬
‫ص َوابا ًأل والفلِلرْ َق َة َزيْغا ً َو َع َذابا ً)‪.‬‬ ‫اع َة َحقًا َو َ‬ ‫أيضا‪َ ( :‬و َن َرى َ‬
‫الج َم َ‬
‫ومن أصول أهل السنة لزوم جماعة المسلمين (ومن قولهم‪ :‬إن من فرائض الدين لزوم‬
‫جماعة المسلمينأل وترك الشذوذ عنهمأل والخروج من جملتهم قال هللا تعالى‪َ ﴿ :‬و َم ن ُي َ‬
‫ش اق ِِق‬
‫ِين﴾) [الرسالة الوافية ألبي عمرو‬ ‫سو َل ِم ن َب عْ ِد َم ا َت َبي ََّن َل ُه ا ْلهُدَ ى َو َي َّت ِبعْ َغ ْي َر َس ِبي ِل ا ْلم ُْؤ ِمن َ‬ ‫ال َّر ُ‬
‫الداني]‪.‬‬
‫السنة‪ :‬طريقة الرسول صلى هللا عليه وسلمأل والجماعة‪ :‬جماعة المسلمينأل وهم الصحابة‬
‫والتابعون لهم بنحسان إلى يوم الدين‪ .‬فاتباعهم هدى أل وخالفهم ضالل‪ .‬وما أحسن قول عبد‬
‫هللا بن مسعود رضي هللا عنهأل حيث قال‪ « :‬من كان منكم مستن ا ً فليستن بمن قد ما ت‪ ،‬فإن‬
‫الحي ال تؤمن عليه الفتنة‪ ،‬أولئك أ صحا ب محمد صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬كانوا أف ض ل هذه‬
‫األمة‪ ،‬أبرها قلوباً‪ ،‬وأعمقها علما ً وأقلها تكلفاً‪ ،‬قوم اختارهم هللا ل صحبة نبيه وﺇقامة دينه‪،‬‬
‫فاعرفوا لهم ف ضلهم‪ ،‬واتبعوهم في آثارهم‪ ،‬وتمسكوا بما استطعتم من أخ القهم ودينهم‪ ،‬فإنهم‬
‫ك انوا على الهدى المستقيم »‪.‬‬
‫وا ِّت َباع السنة والجماعةأل واجتناب الشذوذ والخالف والفرقةأل هو منشأ السيْر على ما كانت‬
‫ث الجماعة األولى ـ وهي جماعة‬ ‫عليه الجماعة األولى؛ ألن النبي صلى هللا عليه وسلم ْأو َر َ‬
‫أور َثهلِل ْم العلم النافع والعمل والهدى في أمور الدين كلِّهأل في‬ ‫الصحابة ِرضوان هللا عليهم ـ َ‬
‫األمور العلمية واألمور العملية‪ .‬ولهذا قال من قال من أئمة الصحابة « ﺇذا فسد ت الجماعة‬
‫فعلي ك بما كان ت عليه الجماعة قب ل أن تفسد »‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫هللا َج ِمي ًع ا َو ال َت َف َّرقوا ﴾أل وقال جل جالله‪﴿ :‬أنْ أقِيمُوا‬ ‫َ‬ ‫قال هللا عز وجل‪َ ﴿ :‬واعْ َت صِ مُوا ِب َح ْب ِل َّ ِ‬
‫ين َو َال َت َت َف َّرقُوا فِي ِه﴾أل وصح عنه صلى هللا عليه وسلم بقوله « الجماعة رحمة والفرقة‬ ‫ال ِّد َ‬
‫عذا ب »‪.‬‬
‫و(األمور) التي تتنازع فيها األمة في األصول والفروعأل إذا لم ترد إلى هللا والرسولأل لم‬
‫يتبين فيها الحقأل بل يصير فيها المتنازعون على غير بينة من أمرهمأل فنن رحمهم هللا أقر‬
‫بعضهم بعضاًأل ولم يبغ بعضهم على بعضأل كما كان الصحابة في خالفة عمر وعثمان‬
‫يتنازعون في بعض مسائل االجتهادأل فيقر بعضهم بعضا ًأل وال يعتدي وال لِليعتدى عليهأل وإن‬
‫لم يرحموا وقع بينهم االختالف المذمومأل فبغى بعضهم على بعض أل إما بالقولأل مثل تكفيره‬
‫وتفسيقهأل وإما بالفعلأل مثل حبسه وضربه وقتله‪ .‬والذين امتحنوا الناس بخلق القرآنأل كانوا‬
‫من ه الءأل ابتدعوا بدعة وكفروا من خالفهم فيهاأل واستحلوا منع حقه وعقوبته‪.‬‬
‫فالناس إذا خفي عليهم بعض ما بعث هللا به الرسول‪ :‬إما عادلون وإما ظالمونأل فالعادل‬
‫فيهم‪ :‬الذي يعم ل بما وصل إليه من آثار األنبياءأل وال يظلم غيرهأل والظالم ‪ :‬الذي يعتدي‬
‫على غيره‪ .‬وأكثرهم إنما يظلمون مع علمهم بأنهم يظلمونأل كما قال تعالى‪ ﴿ :‬وما اختلف‬
‫الذين أوتوا الكتا ب ﺇال من بعد ما جاءهم العلم بغي ا ً بينهم﴾‪ .‬وإال فلو سلكوا ما علموه من‬

‫‪83‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫العدلأل أقر بعضهم بعضاًأل كالمقلدين ألئمة العلم أل الذين يعرفون من أنفسهم أنهم عاجزون‬
‫عن معرفة حكم هللا ورسوله في تلك المسائلأل فجعلوا أئمتهم نوابا ً عن الرسولأل وقالوا‪ :‬هذا‬
‫غاية ما قدرنا عليهأل فالعادل منهم ال يظلم اْلخرأل وال يعتدي عليه ب قول وال فعلأل مثل أن‬
‫يدعي أن قول مقلده هو الصحيح بال حجة يبديهاأل ويذم من خالفهأل مع أنه معذور‪.‬‬
‫ثم إن أنواع االفتراق واالختالف في األصل قسمان‪ :‬اختالف تنوعأل واختالف تضاد؛‬
‫واختالف التنوع على وجوه ‪ :‬منه ما يكون كل واحد من القولين أو الفعلين حقا ً مشروعا ًأل‬
‫ومثله ا ختالف األنواع في صفة األذانأل واإلقامةأل واالستفتاحأل ومحل سجود السهوأل ونحو‬
‫ذلكأل مما قد شرع جميعهأل وإن كان بعض أنواعه أرجح أو أفضل‪ .‬ثم تجد لكثير من األمة‬
‫في ذلك من االختالف ما أوجب اقتتال طوائف منهم على شفع اإلقامة وإيتارها ونحو ذلك!‬
‫وهذا عين المحرمأل وكذا تجد كثيرا ً منهم في قلبه من الهوى ألحد هذه األنواعأل واإلعراض‬
‫عن اْلخر والنهي عنه ما دخل به فيما نهى عنه النبي صلى هللا عليه وسلمأل ومنه ما يكون‬
‫كل من القولين هو في معنى القول اْلخرأل لكن العبارتان مختلفتانأل كما قد يختلف كثير من‬
‫الناس في ألفاظ الحدودأل وصيغ األدلةأل والتعبير عن المسمياتأل ونحو ذلكأل ثم الجهل أو‬
‫الظلم يحمل على حمد إحدى المقالتين وذم األخرى واالعتداء على قائلها! ونحو ذلك ‪.‬‬
‫وأما اختالف التضادأل فهو القوالن المتنافيانأل إما في األصول وإما في الفروعأل عند‬
‫الجمهور الذين يقولون‪ :‬المصيب واحدأل والخطب في هذا أشدأل ألن القولين يتنافيانأل لكن‬
‫نجد كثيرا ً من ه الء قد يكون القول الباطل الذي مع منازعه فيه حق ماأل أو معه دليل‬
‫يقتضي حقا ً ماأل فيرد الحق مع الباطلأل حتى يبقى هذا مبطال ً في البعضأل كما كان األول‬
‫مبطال ً في األصلأل وهذا يجري كثيرا ً ألهل السنة أل وأما أهل البدعةأل فاألمر فيهم ظاهرأل‬
‫ومن جعل هللا له هداية ونورا ً رأى من هذا ما تبين له منفعة ما جاء في الكتاب والسنة من‬
‫النهي عن هذا وأشباههأل وإن كانت القلوب الصحيحة تنكر هذاأل لكن نور على نور‪.‬‬
‫وأكثر االختالف الذي ي ول إلى األهواء بين األمة من القسم األولأل وكذلك إلى سفك الدماء‬
‫واست باحة األموال والعداوة والبغضاءأل ألن إحدى الطائفتين ال تعترف لمخرى بما معها من‬
‫الحقأل وال تنصفها أل بل تزيد على ما مع نفسها من الحق زيادات من الباطلأل واألخرى‬
‫كذلكأل ولذلك جعل هللا مصدره البغي في قوله‪ ﴿ :‬وما اختلف فيه ﺇال الذين أوتوه من بعد ما‬
‫جاءتهم البينا ت بغي ا ً بينهم ﴾‪ .‬ألن البغي مجاوزة الحد ‪[..‬من شرح الطحاوية البن أبي العزأل‬
‫باختصار]‬
‫( وباب الفساد الذي وقع في هذه األمةأل بل وفي غيرهاأل هو التفرق واالختالفأل فننه وقع بين‬
‫أمرائها وعلمائها من ملوكها ومشايخها وغيرهم من ذلك ما هللا به عليم) [مجموع‬
‫الفتاوى‪00:‬ك‪.]537‬‬
‫َ‬
‫فأهل السنة والجماعة أهل الحديث واألثر أتباع السلف الصالح يرون الجماعة حق أ َحق لِله هللا‬
‫ورسوله صلى هللا عليه وسلمأل والجماعة صواب في االلتزام بها والتمسك بهاأل وخالفها‬
‫باطل وضاللأل ويرون الفرقة بأنواعها زيغا ً عن الصراطأل وعذابا ً‪.‬‬
‫ْ‬
‫واألخذ‬ ‫إن أعظم ما حصل به الزيغ والد ْم في األمة وإضعافهاأل إنما حصل من َترْ ك الجماعة‬
‫بالفلِلرْ َق ْة واستحسانها‪.‬‬
‫ت الجماعة ضعفا ً فنبذتها‪.‬‬ ‫ورأَ ْ‬
‫كما أن الف َِرق الضالة رأت الفلِلرْ َق ْة خيرا ً وطلبتها َ‬
‫صى‬ ‫ين َم ا َو َّ‬‫ش َر َع َل ُكم م َِّن ال ِّد ِ‬‫من معاني الجماعة االجتماع على الدين الواحدأل قال تعالى‪َ ﴿ :‬‬
‫ين َو َال‬ ‫يس ى أَنْ أَقِيمُوا ال ِّد َ‬ ‫ِب ِه ُنو ًح ا َوالَّذِي أَ ْو َح ْي َنا ﺇِ َل ْي َك َو َم ا َو َّ‬
‫ص ْي َن ا ِب ِه ﺇِ ْب َرا ِهي َم َوم َ‬
‫ُوس ى َو عِ َ‬

‫‪84‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫ت الكتبأل‬ ‫ت الرسل وأ لِل ْن ِز َل ْ‬ ‫َت َت َف َّرقُوا فِي ِه﴾أل وهذا االجتماع في الدين هو أَعْ َظ لِلم أَم َّْر ألجله لِلب ِع َث ْ‬
‫وهو الذي من أجله يجاهد المجاهد ويدعو الداعِ ي‪.‬‬
‫كما من معانيها اجتماع الكلمة بأنْ يجتمعوا وأنْ ال يكون بأْ لِلسهلِلم بينهمأل وأن ال يتفرقلِلوا بأنواع‬
‫الت َفر ُّْقأل وهذا النوع وسيلة لتحقيق األو ْل‪.‬‬
‫والنصوص تشمل هذا وهذاأل واألمران مترابطانأل وإذا اجتمع الناس في دينهم آل األمر إلى‬
‫اجتماعهم في أبدانهم أل والجماعة مطلو َب ٌة في هذا وهذا ومأمو ٌر بها‪.‬‬
‫والتوازن فيما بينهما هو سبيل أهل العلمأل فنن الناس في هذين األمرين على ثالثة أنحاء‪:‬‬
‫ور َعاهلِل حتى ولو حصل خلل في االجتماع في‬ ‫الفئة األولى‪ :‬من َقد َم تحقيق المطالب الدينية َ‬
‫األبدان ‪ -‬بحسب اعتقادهم ‪.-‬‬
‫ً‬
‫ت المحافظة على الجماعة في األبدان والدنيا سبيال لترك األمر‬ ‫َ‬
‫فرأ ْ‬
‫الفئة الثانية‪ :‬من تساهلت َ‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة الواجبة وإعالن الحق بضوابطه الشرعية في أمر‬
‫الجماعة‪.‬‬
‫الفئة الثالثة‪ :‬هم الراسخون في العلم ومن َت َوالهلِل هللا عز وجل بتوفيقهأل فننهم أخذوا بهذا وهذاأل‬
‫فدعوا إلى االجتماع في الدين وتحقيق ذلك باألمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبنشر العلم‬
‫النافع والدعوة إلى ذلك وبالنصيحة بطرقها الشرعيةأل ولم يروا ذلك م َلِلخالِ َفا ً لما أوجب هللا‬
‫عز وجل من االجتماع في األبدان والدنياأل فوازنوا بين هذا وهذا وأَجْ َروا الحكمة في هذا‬
‫وهذا‪.‬‬
‫والشذوذ‪ :‬هو االنفرادأل ومعناه في العلم والعقيدةأل اإلنفراد بأشياء ليس عليها الدليل ولم تكن‬
‫عليها الجماعة األولى‪.‬‬
‫ْ‬
‫والشذوذ مرتبتان‪ :‬األولى‪ :‬أن ينفرد و َي لِلشذ في أصل من األصول‪.‬‬
‫فرع ألصل أو في َفرْ َّد من أفراد ذلك‬ ‫َّ‬ ‫الثانية‪ :‬أن يوافق في األصول؛ لكن ي َلِلخالِفلِل في‬
‫األصل‪.‬‬
‫ولهذا قال األئمة‪( :‬إن أعظم ما أمر هللا عز وجل به االجتماعأل وأعظم ما نهى هللا عز وجل‬
‫عنه االفتراق) ؛ ألن حقيقة االجتماع اجتماع في الدين وفي األبدان وبهما صالح العبادأل‬
‫وأعظم المصائب االفتراق وبهما يحصل البالء كلهأل وكل خير في الجماعة والسنةأل وكل‬
‫شر في الشذوذ والخالف والفلِلرقة‪[ .‬للتوسع انظر شروح الطحاوية]‪.‬‬
‫ص ْي َنا ِب ِه ِﺇ ْب َرا ِهي َم‬ ‫ص ى ِب ِه ُنو حًا َوالَّذِي أَ ْو َح ْي َنا ِﺇ َل ْي َك َو َم ا َو َّ‬ ‫ش َر َع َل ُك ْم ِم َن ال ِّد ِ‬
‫ين َم ا َو َّ‬ ‫قال تعالى‪َ ﴿ :‬‬
‫يس ى أَنْ أَقِيمُوا ال ِّد َ‬
‫ين َو َال َت َت َف َّر قُوا فِي ِه﴾‪.‬‬ ‫ُوس ى َو عِ َ‬
‫َوم َ‬
‫(وإقامة الشيء‪ :‬جعله قائما وهي استعارة للحرص على العمل بهأل وأعقب األمر بنقامة الدين‬
‫بالنهي عن التفرق في الدين‪.‬‬
‫والتفرق ‪ :‬ضد التجمع وأصله‪ :‬تباعد الذوات أي اتساع المسافة بينهاأل ويستعار كثيرا لقوة‬
‫االختالف في األحوال واْلراء كما هنا وهو يشمل الت فرق بين األمة باإليمان بالرسول‬
‫والكفر به أي ال تختلفوا على أنبيائكم ويشمل التفرق بين الذين آمنوا بأن يكونوا نحال‬
‫وأحزابا وذلك اختالف األمة في أمور دينها أي في أصوله وقواعده ومقاصده فنن االختالف‬
‫في األصول يفضي إلى تعطيل بعضها فينخرم بعض أساس الدين‪.‬‬
‫والمراد‪ :‬وال تتفرقوا في إقامته بأن ينشط بعضهم إلقامته ويتخاذل البعض إذ بدون االتفاق‬
‫على إقامة الدين يضطرب أمرهأل ووجه ذلك أن تأثير النفوس إذا اتفقت يتوارد على قصد‬
‫واحد فيقوى ذلك التأثير ويسرع في حصول األثر إذ يصير كل فرد من األمة معينا لَخر‬

‫‪85‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫فيسهل مقصدهم من إقامة د ينهمأل أما إذا حصل التفرق واالختالف فذلك مفض إلى ضياع‬
‫أمور الدين في خالل ذلك االختالف ثم هو ال يلبث أن يلقي باألمة إلى العداوة بينها وقد‬
‫يجرهم إلى أن يتربص بعضهم ببعض الدوائر ولذلك قال هللا تعالى‪ ﴿ :‬وال تنازعوا فتفشلوا‬
‫وتذه ب ريحكم﴾ [التحرير والتنوير]‪.‬‬
‫سولِ ِه َو ِﺇ َذا َك ا ُنوا‬‫اّلِل َو َر ُ‬ ‫َّ‬
‫ين آ َم ُنوا ِب ِ‬ ‫ون الَّ ِذ َ‬ ‫قال ابن باديس في تفسير قوله تعالى‪ِ ﴿ :‬ﺇ َّن َما ا ْلم ُْؤ ِم ُن َ‬
‫َم َع ُه َع َل ى أَ ْم ٍر َج ا ِم ٍع َل ْم َي ْذ َهبُوا َح َّت ى َيسْ َت أْ ِذ ُنوهُ﴾‪( :‬األمر الجامع هو الحادث الذي يتطلب‬
‫االجتماع بطبيعته فيجمع اإلمام الناس من أجل هأل من ذوي الرأي والمعرفة بمثلهأل والخبرة‬
‫والتجربة فيهأل من كل من يعم نفعهأل أو ضرره من أمور السلم والحرب وش ون الحياة‬
‫واالجتماعأل ليتشاوروا فيما بينهم ويستضيئوا بعضهم لرأي بعض‪.‬‬
‫فمن أحكام اْلية الكريمةأل أن على أئمة المسلمين وذوي القيادة فيهمأل إذا نزل بهم أمر هام أن‬
‫يجمعوا جماعة المسلمين الذين يرجى منهم الرأي والعمل فيما نزلأل فال يجوز لهم أن يهملوا‬
‫أمرهمأل وال أن يستبدوا عليهمأل وأن على المسلمين أن يجتمعوا إليهم ويكونوا معهمأل‬
‫يظاهرونهم وي يدونهم وينصحون لهمأل فال يجوز لهم أن يتخلفوا عنهمأل وال أن يخذلوهم‪.‬‬
‫إنما ينهض ا لمسلمون بمقتضيات إيمانهم باهأل ورسولهأل إذا كانت لهم قوةأل وإنما تكون لهم‬
‫قوة إذا كانت لهم جماعة منظمة تفكرأل وتدبرأل وتتشاورأل وتترزر وتنهض لجلب المصلحة‬
‫ولدفع المضرة متساندة في العمل عن فكر وعزيمة‪ .‬ولهذا قرن هللا في هذه اْلية بين اإليمان‬
‫باه ورسوله والحديث عن الجماعة وما يتعلق باالجتماع أل فيرشدنا هذا إلى خطر أمر‬
‫اال جتماعأل ونظامهأل ولزوم الحرصأل والمحافظة عليهأل كأصل الزم للقيام بمقتضيات اإليمان‬
‫وحفظ عمود اإلسالم‪.‬‬
‫ما أصيب المسلمون في أعظم ما أصيبوا به إال بنهمالهم ألمر االجتماع ونظامهأل إما‬
‫باستبداد أئمتهم وقا دتهم وإما بانتشار جماعتهم بضعف روح الدين فيهم وجهلهم بما يفرضه‬
‫عليهمأل وما ذلك إال من سكوت علمائهم وقعودهم عن القيام بواجبهم في مقاومة المستبدينأل‬
‫وتعليم الجاهلينأل وبث روح اإلسالم اإلنساني السامي في المسلمين‪ .‬فعلى أهل العلم ـ وهم‬
‫المس ولون عن المسلمين بما لهم من إرث النبوة فيهم ـ أن يقوموا بما أرشدت إليه هذه اْلية‬
‫الكريمةأل فينفخوا في المسلمين روح اإلجتماع الشورىأل في كل ما يهمهم من أمر دينهم‬
‫ودنياهمأل حتى ال يستبد بهم مستبدأل وال يتخلف منهم متوانأل وحتى يظهر الخاذل لهمأل ممن‬
‫ينتسب إليهم فينبذ ويطرح ويستغني عنه باه وبالم منين‪.‬‬
‫هنالك المصلحة العامة وهنالك المصلحة الخاصةأل ومحال أن تساوي هذه بتلكأل أنظر إلى‬
‫الذكر الحكيم كيف عبر عن األولى باألمر الجامعأل وفي هذا ما فيه من تفخيمأل وعبر عن‬
‫التالية ببعض الشأن وفي هذا ما فيه من التحقير والتقليل‪ .‬وفي قرنها باالستغفار تنبيه على‬
‫ترجيح األولى على الثانية وأنها ما كانت تعتبر إال على وجه الرخصة واالستغراق في‬
‫االهتمام والتدبير للمصلحة العامة أحق وأولى‪.‬‬
‫لنجعل المصلحة العامة غايتناأل والمقدمة عندنا حتى ال يكون ـ إن شاء هللا ـ في مصالحنا‬
‫الخاصة ما يصرفنا أو يشغلنا عنهاأل راجين من هللا تع الى أن يعيننا على ما قصدنا وأن‬
‫يوفقنا إلى استعمال كل مصلحة خاصة لنا في مصلحة عامة لنا وإلخواننا إنه نعم الموفق‬
‫ونعم المعين)‪.‬‬
‫كثير من األحيانأل ننصح بقول هللا تعالى‪َ ﴿ :‬وقُ ْل‬ ‫َّ‬ ‫وألن الفلِلرْ َقة والخالف يحصل فيه التعدي في‬
‫ان َع ُد ًّوا م ُِبي ًن ا‬
‫ان لِ ْ ِإل ْن َس ِ‬ ‫ش ْي َط َ‬
‫ان َك َ‬ ‫ان َي ْن َز ُغ َب ْي َنه ُ ْم ِﺇنَّ ال َّ‬
‫ش ْي َط َ‬‫لِ ِع َب ادِي َيقُولُوا الَّتِي ِه َي أَ حْ َس نُ ِﺇنَّ ال َّ‬

‫‪86‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫ش أْ ُي َع ِّذ ْب ُك ْم َو َم ا أَ رْ َس ْل َن ا َك َع َل ْي ِه ْم َو ِكي ًال﴾أل‬


‫ش أْ َي رْ َح ْم ُك ْم أَ ْو ِﺇنْ َي َ‬ ‫* َر ُّب ُك ْم أَعْ َل ُم ِب ُك ْم ِﺇنْ َي َ‬
‫قال الشيخ السعدي‪( :‬وهذا من لطف ه بعباده حيث أمرهم بأحسن األخالق واألعمال واألقوال‬
‫الموجبة للسعادة في الدنيا واْلخرة فقال‪َ ﴿ :‬وقُ ْل لِ ِع َبا دِي َيقُولُوا الَّتِي ِه َي أَ حْ َس نُ ﴾ وهذا أمر بكل‬
‫كالم يقرب إلى هللا من قراءة وذكر وعلم وأمر بمعروف ونهي عن منكر وكالم حسن‬
‫لطيف مع الخلق على اختالف مراتبهم ومنازلهمأل وأنه إذا دار األمر بين أمرين حسنين فننه‬
‫يأمر بنيثار أحسنهما إن لم يمكن الجمع بينهما‪.‬‬
‫والقول الحسن داع لكل خلق جميل وعمل صالح فنن من ملك لسانه ملك جميع أمره‪.‬‬
‫ان َي ْن َز ُغ َب ْي َنهُ ْم ﴾ أي‪ :‬يسعى بين العباد بما يفسد عليهم دينهم ودنياهم‪.‬‬ ‫ش ْي َط َ‬ ‫وقوله‪ِ ﴿ :‬ﺇنَّ ال َّ‬
‫فدواء هذا أن ال يطيعوه في األقوال غير الحسنة التي يدعوهم إليهاأل وأن يلينوا فيما بينهم‬
‫لينقمع الشيطان الذي ينزغ بينهم فننه عدوهم الحقيقي الذي ينبغي لهم أن يحاربوه فننه‬
‫يدعوهم ﴿ ليكونوا من أ صحا ب السعير﴾‪.‬‬
‫وأما إخوانهم فننهم وإن نزغ الشيطان فيما بينهم وسعى في العداوة فنن الحزم كل الحزم‬
‫السعي في ضد عدوهم وأن يقمعوا أنفسهم األمارة بالسوء التي يدخل الشيطان من قبلها‬
‫فبذلك يطيعون ربهم ويستقيم أمرهم ويهدون لرشدهم‪.‬‬
‫﴿ َر ُّب ُك ْم أَعْ َل ُم ِب ُك ْم ﴾ من أنفسكم فلذلك ال يريد لكم إال ما هو الخير وال يأمركم إال بما فيه‬
‫مصلحة لكم وقد تريدون شيئا والخير في عكسه‪.‬‬
‫ش أْ ُي َع ِّذ ْب ُك ْم ﴾ فيوفق من شاء ألسباب الرحمة ويخذل من شاء فيضل‬ ‫ش أْ َي رْ َح ْم ُك ْم أَ ْو ِﺇنْ َي َ‬ ‫﴿ ِﺇنْ َي َ‬
‫عنها فيستحق العذاب‪.‬‬
‫﴿ َو َم ا أَ رْ َس ْل َن ا َك َع َل ْي ِه ْم َو ِكي ًال ﴾ تدبر أمرهم وتقوم بمجازاتهم وإنما هللا هو الوكيل وأنت مبلغ‬
‫هاد إلى صراط مستقيم)‪.‬‬
‫ص َب ُروا ﴾ نفوسهم على ما تكرهأل‬ ‫ين َ‬ ‫(﴿ َو َم ا ُي َلقَّا َه ا ﴾ أي‪ :‬وما يوفق لهذه الخصلة الحميدة ﴿ ِﺇ َّال الَّ ِذ َ‬
‫وأجبروها على ما يحبه هللاأل فنن النفوس مجبولة على مقابلة المسيء بنساءته وعدم العفو‬
‫عنهأل فكيف باإلحسان؟‪.‬‬
‫فنذا صبر اإلنس ان نفسهأل وامتثل أمر ربهأل وعرف جزيل الثوابأل وعلم أن مقابلته للمسيء‬
‫بجنس عملهأل ال يفيده شي ًئاأل وال يزيد العداوة إال شدةأل وأن إحسانه إليهأل ليس بواضع قدرهأل‬
‫متلذذا مستحليًا له‪.‬‬ ‫ً‬ ‫بل من تواضع ه رفعهأل هان عليه األمر وفعل ذلك‬
‫ٍّ‬ ‫ُ‬
‫يم ﴾ لكونها من خصال خواص الخلقأل التي ينال بها العبد الرفعة‬ ‫﴿ َو َم ا ُي َلقَّ ا َه ا ِﺇ َّال ذو َح ظ َع ظِ ٍ‬
‫في الدنيا واْلخرةأل التي هي من أكبر خصال مكارم األخالق) [تفسير السعدي]‪.‬‬
‫وقبل الختام أنصح ن فسي وإخواني بقول هللا تعالى‪َ ﴿ :‬و ِﺇ َذا َج ا َء ُه ْم أَ ْم ٌر ِم َن ْاألَ ْم ِن أَ ِو ا ْل َخ ْو فِ‬
‫أَ َذا ُعوا ِب ِه َو َل ْو َر ُّدوه ُ ِﺇ َل ى ال َّرسُو ِل َو ِﺇ َل ى أُولِي ْاألَ ْم ِر ِم ْنهُ ْم َل َعلِ َمهُ الَّ ِذ َ‬
‫ين َيسْ َت ْن ِب ُطو َن ُه ِم ْنهُ ْم َو َل ْو َال‬
‫ان ِﺇ َّال َقلِي ًال﴾‪.‬‬ ‫ش ْي َط َ‬ ‫َف ضْ ُل َّ ِ‬
‫هللا َع َل ْي ُك ْم َو َر حْ َم ُت ُه َال َّت َب عْ ُت ُم ال َّ‬
‫قال السعدي رحمه هللا‪( :‬وفي هذا دليل لقاعدة أدبيةأل وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من‬
‫األمور ينبغي أن يولى َمنْ هو أهل لذلك ويجعل إلى أهلهأل وال يتقدم بين أيديهمأل فننه أقرب‬
‫إلى الصواب وأحرى للسالمة من الخطأ‪ .‬وفيه النهي عن العجلة والتسرع لنشر األمور من‬
‫حين سماعهاأل واألمر بالتأمل قبل الكالم والنظر فيهأل هل هو مصلحةأل ف لِلي ْقدِم عليه اإلنسان؟‬
‫أم ال فيحجم عنه؟‪.‬‬
‫هللا َع َل ْي ُك ْم َو َر حْ َم ُت ُه ﴾ أي‪ :‬في توفيقكم وتأديبكمأل وتعليمكم ما لم‬ ‫ثم قال تعالى‪َ ﴿ :‬و َل ْو َال َف ضْ ُل َّ ِ‬
‫ان ِﺇ َّال َقلِي ًال ﴾ ألن اإلنسان بطبعه ظالم جاهلأل فال تأمره نفسه‬ ‫ش ْي َط َ‬ ‫تكونوا تعلمونأل ﴿ َال َّت َب عْ ُت ُم ال َّ‬

‫‪87‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫إال بالشر‪ .‬فنذا لجأ إلى ربه واعتصم به واجتهد في ذلكأل لطف به ربه ووفقه لكل خيرأل‬
‫وعصمه من الشيطان الرجيم)‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫لِل‬
‫ْن‬ ‫وقال صاحب [المنار] ‪َ ( :‬ف َبي َن أَن َما َي ْن لِلظ لِلر فِي ِه أوللِلو ْاألم ِْر ه َلِلو ا ْل َم َسا ِئ لِلل ا ْل َعام لِلة َك َم َسائ ِِل ْاألم ِ‬
‫لِلول َو ِإ َلى‬ ‫َوا ْل َخ ْوفِ أل َوأَن ا ْل َعام َة َال َي ْن َبغِي َل َها ا ْل َخ ْوضلِل فِي َذل َِك َب ْل َع َل ْي َها أَنْ َترلِلدهلِل ِإ َلى الرس ِ‬
‫اع ْاْل َخ ِر َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫لِل‬
‫ين ِبهِ‪.‬‬ ‫أولِي األم ِْرأل َوأن مِنْ َه لِل َال ِء َمنْ َي َت َولى أم َْر اسْ ِت ْن َباطِ ِه َو ِإ ْق َن ِ‬
‫ْن َوا ْل َخ ْوفِ أل أَ ْم ٌر ملِلعْ َتا ٌد َوه َلِلو َ‬ ‫َ‬ ‫لِل‬
‫ضا ٌّر‬ ‫ب َوال ِّس ْل ِمأل َو ْاألم ِ‬ ‫ور ا ْل َحرْ ِ‬ ‫اس ِة َوأ لِلم ِ‬ ‫َف َخ ْوضلِل ا ْل َعام ِة فِي ال ِّس َي َ‬
‫ض َر لِلرهلِل أَ َش ُّد ِإ َذا َو َقفلِلوا َع َلى أَسْ َر ِار َذل َِك َوأَ َذاعلِلوا ِب ِهأل‬ ‫َج ًدا ِإ َذا لِلش ِغللِلوا ِب ِه َعنْ َع َملِ ِه ْمأل َو َي لِلكونلِل َ‬
‫ض ُّرهلِل عِ ْل لِلم‬ ‫ونأل َوأَ َ‬ ‫ض َر ِر َما َيقلِلوللِل َ‬ ‫ونأل َو َال َيعْ ِرفلِلو َن لِلك ْن َه َ‬ ‫ان َما َيعْ َل لِلم َ‬ ‫لِلون ِك ْت َم َ‬ ‫َو لِله ْم َال َيسْ َتطِ يع َ‬
‫َ‬ ‫لِل‬
‫ْن َو َسائ ِِر‬ ‫يس ا ْل َع لِلدوِّ ِبأَسْ َر ِار أم ِت ِه ْمأل َو َما َي لِلكونلِل َو َرا َء َذل َِكأل َوم ِْث َل أَم ِْر ا ْل َخ ْوفِ َو ْاألم ِ‬ ‫َج َواسِ ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫لِل‬
‫ون ال َعامةِ‪.‬‬ ‫ون ال َعام ِةأل ال ِتي َت ْخ َتصُّ ِبال َخاص ِة لِلد َ‬ ‫ور ال ِّس َياسِ ي ِة َوال ُّش لِلئ ِ‬ ‫ْاأل لِلم ِ‬
‫ب َوأَسْ َرا لِلر َهاأل َو َال أَنْ‬ ‫يع فِي ا ْل َعام ِة أَ ْخ َبا لِلر ا ْل َحرْ ِ‬ ‫ان َي ْن َبغِي أَنْ َتشِ َ‬ ‫لِل‬
‫اإل َما لِلم‪َ :‬و َما َك َ‬ ‫َو َقا َل ْاألسْ َت لِلاذ ْ ِ‬
‫ض ُّر أَ ْنفلِل َسهلِل ْم ِب َما َي ْش َغللِلهلِل ْم‬ ‫ض ُّر َو َال َي ْن َف لِلع أل َي لِل‬ ‫اس ِة َف ِنن َذل َِك َي ْش َغللِل َها ِب َما َي لِل‬ ‫وض ا ْل َعام لِلة فِي ال ِّس َي َ‬ ‫َت لِلخ َ‬
‫ض ُّر ْاأللِلم َة َوالد ْو َل َة ِب َما لِلي ْفسِ لِلد َع َل ْي َها مِنْ أَم ِْر ا ْل َمصْ َل َح ِة ا ْل َعام ِة اهـ أل‬ ‫َعنْ لِلش لِلئو ِن ِه لِلم ا ْل َخاص ِة أل َو َي لِل‬
‫ِين‪. .‬‬ ‫ض َع َفا ِء ا ْلملِلسْ لِم َ‬ ‫ت فِي لِل‬ ‫َوه َلِلو َم ْب ِن ٌّي َع َلى َرأْ ِي ِه فِي َك ْو ِن َه ِذ ِه ْاْل َيا ِ‬
‫لِل‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫ُ‬
‫لِلور‬ ‫ي َوا ْل َمعْ ِر َف ِة ِبم ِْثلِ ِه م َِن ْاألم ِ‬ ‫َ َ‬
‫سو ِل َو ِﺇ َل ى أولِي األ ْم ِر ِم ْنهُ ْم﴾ أيْ أ ْه ِل الرأ ِ‬ ‫﴿ َو َل ْو َر ُّدوهُ ِﺇ َل ى ال َّر ُ‬
‫ِين َتث لِلِق ِب ِه لِلم ْاأللِلم لِلة فِي‬ ‫ا ْل َعام ِة َوا ْلقلِل ْد َر ِة َع َلى ا ْل َفصْ ِل فِي َهاأل َو لِله ْم أَ ْه لِلل ا ْل َح ِّل َوا ْل َع ْق ِد ِم ْنهلِل لِلم الذ َ‬
‫ِين َيسْ َت ْخ ِرجلِلو َن لِله‬ ‫ين َيسْ َت ْن ِب لِلطو َن لِله ِم ْنهلِل ْمأل أَيْ ‪َ :‬ل َعلِ َم َذل َِك ْاألَم َْر الذ َ‬ ‫لِلور َها َل َعلِ َم لِله ال ِذ َ‬ ‫ار ِة أم ِ‬
‫اس ِت َها َوإدَ َ لِل‬
‫ِ‬ ‫سِ َي َ‬
‫ون َم ْخ َبأَهلِل ِم ْنهلِل ْم‪.‬‬ ‫َوي ْلِلظ ِه لِلر َ‬
‫ب َك َما َقا َل ابْنلِل‬ ‫ارفِ ا ْلقلِلللِلو ِ‬ ‫لِلون َعنْ َم َع ِ‬ ‫ار ا ْل لِلعي ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫ان ملِلسْ َت ِترًا َعنْ ِإ ْب َ‬ ‫اط‪ :‬اسْ ت ِْخ َرا لِلج َما َك َ‬ ‫ِاالسْ ِت ْن َب ُ‬
‫ان‬ ‫ين َوجْ َه ِ‬ ‫يرأل َوأَصْ للِل لِله اسْ ت ِْخ َرا لِلج الن َبطِ م َِن ا ْل ِب ْئ ِر َوه َلِلو ا ْل َما لِلء أَو َل َما َي ْخ لِلر لِلجأل َوفِي ا ْلملِلسْ َت ْن ِبطِ َ‬ ‫َج ِر َّ‬
‫‪:‬‬
‫َ‬
‫ِين َر ُّدوا َذل َِك ْاألم َْر‬ ‫ِك ا ْل لِلمذِيع َ‬ ‫لِل‬ ‫َ‬ ‫لِل‬
‫أَ َح ُد ُه َم ا‪ :‬أَنهلِل لِلم الرسلِلو لِلل َو َبعْ ضلِل أولِي ْاألم ِْرأل َفا ْل َمعْ َنى َل ْو أَن أو َلئ َ‬
‫ِين‬ ‫ض ألِلولِي ْاألَم ِْرأل َو لِله لِلم الذ َ‬ ‫ان عِ ْل لِلم لِله َحاصِ ًال عِ ْندَ هلِل َوعِ ْندَ َبعْ ِ‬ ‫لِلول َو ِإ َلى ألِلولِي ْاألَم ِْر َل َك َ‬ ‫ِإ َلى الرس ِ‬
‫لِل‬
‫لِلور التِي َال َي ْك َت ِن لِله سِ ر َها لِلك ُّل‬ ‫لِلون َخ َفا َياهلِل ِب ِدق ِة َن َظ ِر ِه ْمأل َفه َلِلو ِإ ًذا م َِن ْاألم ِ‬ ‫ون م ِْث َل لِله َو َيسْ َت ْخ ِرج َ‬ ‫َيسْ َت ْن ِب لِلط َ‬
‫ِإل َح َ‬ ‫َ‬ ‫َفرْ َّد مِنْ أَ ْف َرا ِد ألِلولِي ْاألَم ِْرأل َو ِإن َما ي ْلِلد ِر لِل‬
‫اط ِة‬ ‫ضهلِل ْم ِألن لِ لِلك ِّل َطا ِئ َفةَّ ِم ْنهلِل لِلم اسْ تِعْ دَ ا ًدا ل ْ ِ‬ ‫ك َغ ْو َرهلِل َبعْ لِل‬
‫ض أل َف َه َذا َيرْ َج لِلح َرأْ لِلي لِله فِي ا ْل َم َسائ ِِل‬ ‫ون َبعْ َّ‬ ‫ار ِت َها لِلد َ‬ ‫اس ِة ْاأللِلم ِة َو ِإدَ َ‬ ‫ض ا ْل َم َسائ ِِل ا ْل لِلم َت َعلِّ َق ِة ِبسِ َي َ‬ ‫ِب َبعْ ِ‬
‫ضائِي ِةأل َو لِلك ُّل‬ ‫ْ‬
‫ا ْل َحرْ ِبي ِةأل َو َه َذا َيرْ َج لِلح َرأ لِلي لِله فِي ا ْل َم َسائ ِِل ا ْل َمالِي ِةأل َو َه َذا َيرْ َج لِلح َرأ لِلي لِله فِي ا ْل َم َسائ ِِل ا ْل َق َ‬ ‫ْ‬
‫ضأل‬ ‫ون َبعْ َّ‬ ‫ان م ِْث لِلل َه َذا َال َيسْ َت ْن ِب لِلط لِله ِإال َبعْ ضلِل ألِلولِي ْاألَم ِْر لِلد َ‬ ‫ورى َب ْي َنهلِل ْمأل َف ِن َذا َك َ‬ ‫ا ْل َم َسائ ِِل َت لِلكونلِل لِلش َ‬
‫لِلون ِب ِه ؟‪.‬‬ ‫ف َيصِ ُّح أَنْ يلِلجْ َع َل َشرْ ًعا َبي َْن ا ْل َعام ِة لِليذِيع َ‬ ‫َف َك ْي َ‬
‫لِلول َو ِإ َلى ألِلولِي ْاألَم ِْر‬ ‫ون ْاألَم َْر ِإ َلى الرس ِ‬ ‫ِين َي لِلر ُّد َ‬ ‫ين لِله ْم َبعْ ضلِل الذ َ‬ ‫الث انِي‪ :‬أَن ا ْلملِلسْ َت ْن ِبطِ َ‬ ‫َوا ْل َو جْ ُه َّ‬
‫األم َْر ِإ َل ْي ِه ْم َو َط َلبلِلوا ا ْل ِع ْل َم ِب ِه مِنْ َنا ِح َي ِت ِه ْم َل َعلِ َم لِله َمنْ َي ْق ِد لِلر أَنْ َيسْ َتفِيدَ‬ ‫ِم ْنهلِل ْم أل أَيْ َل ْو َر ُّدوا َذل َِك ْ َ‬
‫َ‬ ‫لِل‬ ‫َ‬ ‫لِل‬
‫ون ِب ِهأل َو َما‬ ‫ارفلِل َ‬‫لِلول َومِنْ أولِي ْاألم ِْر ِم ْنهلِل ْمأل َفنِن الرسلِلو َل َوأولِي ْاألم ِْر لِله لِلم ا ْل َع ِ‬ ‫ا ْل ِع ْل َم ِب ِه م َِن الرس ِ‬
‫فأل َب ْل َذل َِك مِما َي ْق ِد لِلر‬ ‫لِلك ُّل َمنْ يلِلرْ َج لِلع ِإ َل ْي ِه ْم فِي ِه َي ْق ِد لِلر أَنْ َيسْ َت ْن ِب َط مِنْ َمعْ ِر َف ِت ِه ْم َما َي ِجبلِل أَنْ َيعْ ِر َ‬
‫ض‪.‬‬ ‫ون َبعْ َّ‬ ‫اس لِلد َ‬ ‫َع َل ْي ِه َبعْ ضلِل الن ِ‬
‫لِلول َو ِإ َلى ألِلولِي ْاألَم ِْر فِي‬ ‫ِيع َت ْف ِويضلِل َذل َِك ِإ َلى الرس ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َوالم ْلِلخ َتا لِلر ال َوجْ لِله األو لِلل ؛ َفال َوا ِجبلِل َع َلى ال َجم ِ‬
‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫صال ِِح ا ْل َعام ِة لِلت َوك لِلل‬ ‫ِيع ا ْل َم َ‬ ‫صلى هللالِل َع َل ْي ِه َو َسل َمأل َو ِإ َل ْي ِه ْم لِلدونلِل َغي ِْر ِه ْم مِنْ َبعْ ِدهِ؛ ِألَن َجم َ‬ ‫َز َم ِن ِه َ‬
‫يض َش ْي ًئا َيسْ َت ْن ِب لِلط لِله ِم ْنهلِل ْم َف ْل َيقِفْ عِ ْندَ هلِلأل َو َال َي َت َعدهلِلأل َف ِنن م ِْث َل‬ ‫ِإ َل ْي ِه ْمأل َو َمنْ أَ ْم َك َن لِله أَنْ َيعْ َل َم ِب َه َذا الت ْف ِو ِ‬
‫اع لِلتهلِل ْم‪.‬‬‫ت فِي ِه َط َ‬ ‫َه َذا مِنْ َحقِّ ِه ْمأل َوالناسلِل فِي ِه َت َب ٌع َلهلِل ْمأل َول َِذل َِك َو َج َب ْ‬

‫‪88‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫ِينأل َو َال َخ ْد ًشا لِ لِلحرِّي ِت ِه َواسْ ِت ْق َاللِ ِهأل َو َال َن ْي ًال مِنْ‬ ‫اض َة فِي َه َذا َع َلى َفرْ َّد مِنْ أَ ْف َرا ِد ا ْلملِلسْ لِم َ‬ ‫ض َ‬ ‫َال َغ َ‬
‫ِّص ِة َن ْفسِ ِهأل َل ْم لِلي َكلِّفْ أَنْ لِلي َقلِّدَ أَ َح ًدا فِي َعقِيدَ ِت ِه َو َال‬ ‫عِ ز ِة َن ْفسِ ِهأل َف َحسْ لِلب لِله أَن لِله لِلح ٌّر ملِلسْ َتقِ ٌّل فِي لِلخ َوي َ‬
‫ْس م َِن ا ْل ِح ْك َم ِة َو َال م َِن ا ْل َع ْد ِل َو َال‬ ‫فِي عِ َبادَ ِت ِهأل َو َال َغي ِْر َذل َِك مِنْ لِلش لِلئو ِن ِه ا ْل َخاص ِة ِب ِهأل َو َلي َ‬
‫لِل‬
‫ات َع َل ْي َها فِي أم ِ‬
‫لِلور َها‬ ‫صالِ ِح َهاأل َوأَنْ َي ْف َت َ‬ ‫ون ْاأللِلم ِة َو َم َ‬ ‫ص ُّرفِ فِي لِلش لِلئ ِ‬ ‫ا ْل َمصْ َل َح ِة أَنْ َيسْ َم َح َل لِله ِبالت َ‬
‫ون ْاأللِلم لِلة فِي َمجْ ملِلوعِ َها حلِلرةً ملِلسْ َتقِل ًة فِي لِلش لِلئو ِن َها‬ ‫ا ْل َعام ِة أل َو ِإن َما ا ْل ِح ْك َم لِلة َوا ْل َع ْد لِلل فِي أَنْ َت لِلك َ‬
‫ون ا ْل َعام ِة ِإال َمنْ َيث لِلِق ِب ِه ْم ِمنْ أَ ْه ِل‬ ‫صرفلِل فِي َه ِذ ِه ال ُّش لِلئ ِ‬ ‫َك ْاألَ ْف َرا ِد فِي َخاص ِة أَ ْنفلِلسِ ِه ْمأل َف َال َي َت َ‬
‫ت ِب ِه ْاأل لِلم لِلة ه َلِلو‬ ‫هللا ِبألِلولِي ْاألَم ِْر؛ ِألَن َت َ‬
‫ص ُّر َفهلِل ْم َق ْد َو ِث َق ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ا ْل َح ِّل َوا ْل َع ْق ِدأل ا ْلم َلِلعب ِر َع ْنهلِل ْم فِي ِك َتا ِ‬
‫ون ِب ِه لِلس ْل َط لِلت َها ِمنْ َن ْفسِ َها)‪.‬‬ ‫ص ُّرفِ َهاأل َو َذل َِك لِلم ْن َت َهى َما لِلي ْمكِنلِل أَنْ َت لِلك َ‬ ‫َعيْنلِل َت َ‬
‫وقال الطاهر بن عاشور‪( :‬جاﺀ فﻴه حﺪيﺚ أبي مﻮسى «أن مﻦ إجالل هللا تعالى إكرام ذي‬
‫الﺸﻴﺒة الﻤﺴلﻢأل وحامﻞ القﺮآن غﻴﺮ الغالي فﻴه والﺠافي عﻨهأل وإكﺮام ذي الﺴلﻄان الﻤقﺴﻂ)‪.‬‬
‫وعﻦ عﺒادة ابﻦ الﺼامﺖ رضي هللا عنه أن النبي صلى هللا عليه وسلمأل قال‪« :‬لﻴﺲ مﻨا مﻦ‬
‫لﻢ يﺠ ﻞّ كﺒﻴﺮنا ويﺮحﻢ صغﻴﺮنا ويعﺮف لعالﻤﻨا حقه »‪.‬‬
‫وذكر ابن عبد البر رحمه هللا بسنده أن زيادا ً خطب على منبر الكوفة فقال‪( :‬أيها الناس إني‬
‫بت ليلتي هذه مهتما ً بخالل ثالث رأيت أن أتقدم إليكم فيهن بالنصيحة‪:‬‬
‫رأيت إعظام ذوي الشرفأل وإجالل ذوي العلمأل وتوقير ذوي األسنان‪.‬‬
‫وهللا ال أوتى برجل رد على ذي علم ليضع بذلك منه إال عاقبتهأل ـ إلى أن قال ـ إنما الناس‬
‫بأعالمهمأل وعلمائهمأل وذوي أسنانهم) [جامع بيان العلم‪1 :‬ك‪]64‬أل وذلك فضل هللا ي تيه من‬
‫يشاء‪.‬‬
‫وقال عمر رضي هللا عنه‪ « :‬فساد الدين ﺇذ ا جاء العلم من قب ل ال صغير استع صى عليه‬
‫الكبير‪ ،‬و صالح الناس ﺇذا جاء العلم من قب ل الكبير تابعه عليه ال صغير » وهذا أثر عظيم‬
‫عزاه الحافظ ابن حجر إلى مصنف قاسم بن أصبغ وصحح إسنادهأل والمراد بالصغر في هذا‬
‫األثر صغر القدرأل وليس صغر السنأل فنن من كان صغير القدر ال يستجيب له إال القليل من‬
‫الناسأل ويستعصي عليه كبارهمأل وأما إذا كانت الدعوة واإلرشاد والتعليم من كبار القدر‬
‫والمكانة بين الناس من والة األمر من األمراء والعلماء والوزراءأل فنن الكثير من الرعية‬
‫سوف يتبعونهم ويستجيبون لنصحهمأل وهذا هو المشاهد في الواقع‪.‬‬
‫وفي صحيح البخاريأل عن قيس بن أبي حازم قال‪« :‬دخل أبو بكر على امرأة من أحمس‬
‫يقال لها زينب فرآها ال تكلمأل فقال‪ :‬ما لها ال تكلم؟ قالوا حجت مصمتة قال لها‪ :‬تكلميأل فنن‬
‫هذا ال يحلأل هذا من عمل الجاهلية‪ .‬فتكلمتأل فقالت‪ :‬من أنت؟ قال‪ :‬امر من المهاجرين‪.‬‬
‫قالت أي المهاجرين؟ قال‪ :‬من قريش‪ .‬قالت‪ :‬من أي قريش أنت؟ قال‪ :‬إنك لس ولأل أنا أبو‬
‫بكر‪ .‬قالت‪ :‬ما بقا نا على هذا األمر الصالح الذي جاء هللا به بعد الجاهلية؟ قال‪ :‬بقا كم عليه‬
‫ما استقامت بكم أئمتكم‪ .‬قالت‪ :‬وما األئمة؟ قا ل‪ :‬أما كان لقومك رؤوس وأشراف يأمرونهم‬
‫فيطيعونهم؟ قالت‪ :‬بلى‪ .‬قال‪ :‬فهم أولئ ك على الناس » ‪.‬‬
‫قوله رضي هللا عنه‪ « :‬ما استقامت بكم أئمتكم » يدل على أن الناس يتبعون أئمتهمأل فمن ضل‬
‫منهم أضل غيرهأل ومن استقام سعى واجتهد في إصالح الناسأل ولهذا اشترطت التقوى‬
‫والعدالة في اإلمام واألمراء لما يترتب على صالحهم من إقامة شرع هللا في البالد وإصالح‬
‫الناس أل وقال ابن تيمية رحمه هللا‪( :‬و﴿َأ ُ ْولِي األَ ْم ِر﴾ أصحاب األمر وذووهأل وهم الذين يأمرون‬
‫الناسأل وذلك يشترك فيه أهل اليد والقدرة وأهل العلم والكالمأل فلهذا كان أولوا األمر‬
‫صنفين‪ :‬العلماء واألمراءأل فنذا صلحوا صلح الناسأل وإذا فسدوا فسد الناسأل كما قال أبو‬

‫‪89‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫ب كر الصديق رضى هللا عنه لمحمسية لما سألته‪ :‬ما بقا نا على هذا األمر؟ قال‪ :‬ما استقامت‬
‫لكم أئمتكم‪ .‬ويدخل فيهم الملوك والمشايخ وأهل الديوان وكل من كان متبوعاأل فننه من أولي‬
‫األمرأل وعلى كل واحد من ه الء أن يأمر بما أمر هللا بهأل وينهى عما نهى عنهأل وعلى كل‬
‫واحد مم ن عليه طاعته أن يطيعه في طاعة هللاأل وال يطيعه في معصية هللا) [مجموع‬
‫الفتاوى]‪.‬‬

‫‪91‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫الخاتمـــــة ‪:‬‬
‫بعد هذا العرض لمسائل متعلقة بأحكام الخالفة أل ومناقشة اإلخوة في (الدولة اإلسالمية)‬
‫لتفردهم بنعالن الخالفةأل وما رتبوا عليه من إلزاماتأل أحسب المنصف يدرك أن‬
‫المنصوص والمعقول وهدي الصحابة في عقد الخالفة الراشدة للخلفاء الراشدين على خالف‬
‫تصرف اإلخوة هداهم هللاأل وليس من الدين وال السياسة إقرار الخطأ في تجاهل األمةأل أو‬
‫غصبها حقها في تعيين خليفتهاأل وقد تبين أن رموز الدعوة والجهاد لم يتابعوا الدولة في‬
‫خطئها‪.‬‬
‫وقبل رفع القلم أود توجيه رسائل أسأل هللا تعالى أن تجد القبول‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫الرسالة األولى‪ :‬إلى (الدولة اإلسالمية) وجنودها وأنصارها‪.‬‬
‫أوال‪ :‬ليس عيبا أن يخطئ اإلنسانأل لكن العيب في اإلصرار على الخطأ بعد البيانأل والخطأ‬
‫بعد البيان واإلعذارأل ال يصبح خطأأل وإنما يصبح تعمدا وإصرارا‪ .‬واإلصرار يجعله ذنبا إذا‬
‫نجمت عنه األضرار والمفاسد‪ .‬وهللا ال لِليعبد باألخطاء والذنوبأل وإني أنصح اإلخوة في‬
‫(الدولة اإلسالمية) بمراجعة النفس وتغليب مصلحة األمة ( فعند المصلحة العامة من مصالح‬
‫األمة يجب تناسي كل خالف يفرق الكلمة ويصدع الوحدة ويوجد للشر الثغرةأل ويتحتم‬
‫الترزر والتكاتف حتى تنفرج األزمة وتزول الشدة بنذن هللاأل ثم بقوة الحق وادراع الصبر‬
‫وسالح العلم والعمل والحكمة)‪‬أل والرجوع إلى الحق والتواضع للمسلمين أولى من التمادي‬
‫في الخطأ‪ .‬ولنا في علي بن أبي طالب وابنه الحسن رضي هللا عنهما األسوة الحسنةأل‬
‫فالجماعة رحمة والفرقة عذابأل وما يكرهه المرء في الجماعة خير مما يحبه في الفرقةأل‬
‫وهللا بهدي من يشاء إلى صراط مستقيم‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬قال ابن عقيل‪( :‬السياسة ما كان فعال ً يكون معه الناس أقرب إلى الصالح وأبعد عن‬
‫الفساد)أل (وأخذ األحكام المتعل قة بمصالح اإلسالم وأهلهأل وأمور السياسة الشرعيةأل من سير‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وسير صحابته رضي هللا عنهم أولى من أخذها من آراء‬
‫الرجال) ‪ .‬وقد علمتم حرص رسول هللا صلى هللا عليه وسلم على المشاورة وتأليف القلوب‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬من العقل والحكمة تدبر أحوال الدول والملوك وتداول األيامأل ال تقوم الممالك على‬
‫التعصب واالستبدادأل واعلموا أن جماعة المسلمين ممثلة في السواد األعظم منهم والعلماء‬
‫أوسع من أي تنظيمأل فال تضيعوا جماعة المسلمين من أجل مسألة يسعها االجتهاد وتحتمل‬
‫الخطأ والصواب‪ .‬ستزول الجماعات والزعامات وسيبقى اإلسالم أكبر من التنظيمات‬
‫والدول والزعامات‪ .‬وما عند هللا خير وأبقى‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬األمة التي ال تعرف قدر وفضل رجالها وذوي السابقة فيهاأل أمة فاشلة ممحوقة‬
‫اغفِرْ َل َن ا َو ِ ِإل ْخ َوا ِن َن ا‬ ‫ِين َج اءُوا ِم نْ َب عْ ِد ِه ْم َيقُول ُ َ‬
‫ون َر َّب َنا ْ‬ ‫البركةأل نحن من أمة قال هللا فيها ﴿ َوالَّ ذ َ‬
‫ين آَ َم ُنوا َر َّب َن ا ِﺇ َّن َك َرءُوفٌ َر حِي ٌم﴾ ومﻦ‬ ‫وب َن ا غِ ًّال لِلَّ ِذ َ‬
‫ان َو َال َت جْ َع ْل فِي قُلُ ِ‬ ‫ين َس َبقُو َنا ِب ْ ِ‬
‫اإلي َم ِ‬ ‫الَّ ِذ َ‬
‫الﺴﻨﻦ الﻜﻮنﻴة الﻤقﺮَرة في سقﻮط األمﻢ وعﺪم امﺘﺪاد العﺰة والﺮقي فﻴهاأل أن يﻨﺴى آخﺮها‬
‫مرثﺮ أوَلهاأل فﻴﻨقﻄع الﺘﻴَار الﺪافع فﻴﺘعﻄﻞ الﺘقﺪم ‪ .‬من المهم أن يستفيد العاملون لإلسالم ـ‬
‫دعوة وقتاال ـ من تجارب السابقينأل لتتقدم األمة في مجموعهاأل وكل واحد على ثغر يدفع‬

‫‪ ‬ـ دعوة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وأصولها‬

‫‪91‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫عن اإلسالم عادية الكافرينأل وهللا ال يضيع فضل وأجر المحسنين‪ .‬وإذا بلغ الماء قلتين لم‬
‫يحمل الخبث ‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫الرسالة الثانية ‪ :‬إلى المجاهدين وأنصارهم ‪.‬‬
‫أوال‪ :‬ال ينبغي أن نجزع أو نفشل لحلول النوازل والنكبات‪.‬‬
‫َف َم ْوصلِلو ٌل ِب َها َف َر ٌج َقرْ َيبلِل ‪.‬‬ ‫ْ‬
‫تناهت‬ ‫ت إذا‬
‫وك ُّل الحادثا ِ‬
‫إنها السنن واالبتالءات لتتمحص النفوس والصفوفأل وينتبه العاملون ألخطائهمأل فيصلحوا‬
‫البناء على أسس سليمةأل فبناء التمكين ال يبنى على رجال ال مبدأ لهم وال والء‪.‬‬
‫إذا الريح مالت مال حيث تميل‬ ‫وال خير في ود امــرئ متلـون‬
‫ولكنهم في النائبــات قليـــل‬ ‫وما أكثر اإلخوان حين تعدهم‬
‫[ ديوان الشافعي]‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬إنها ضريبة غفلة الصالحينأل وعجز الثقة وجلد الفاجرينأل وخلو الساحة من العلماء‬
‫العاملين‪ ..‬وذهاب اإلخوة القائمين بين القتل واألسر‪..‬‬
‫الج َفاءلِل‪.‬‬
‫اس َ‬‫َبدَ ا َلهلِل لِلم م َِن الن ِ‬ ‫ت َولى‬ ‫َإذا َما َرأْسلِل أَ ْه ِل ال َب ْي ِ‬
‫ثالثا‪ :‬بعد أحداث سبتمبر توالت البيعات على تنظيم قاعدة الجهادأل وربما انضم للقاعدة من لم‬
‫يفقه منهجية القاعدةأل ودار الزمان وال بد من التمحيصأل وهاهي اليوم لِلترفع للدولة اإلسالمية‬
‫بيعاتأل لكن األولى ـ بيعات القاعدة ـ رفعتها قيادات الجماعاتأل والثانية ـ بعض بيعات‬
‫الدولة اإلسالمية ـ منشقون عن الجماعاتأل وأرجو أال تتكرر األخطاء‪.‬‬
‫الطريق طوي لأل وقد تضعف نفوس‪ .‬فيسقط بعضهاأل ويتعجل البعض قطف الثمرة فتزل به‬
‫يس َمنْ أَمكنه َشيْ ء مِنْ َذا ِت ِهأل َك َمن اسْ ْتو َجب لِله برلته َوأدَ َواتهأل َفالَ َي ْف َر لِلح المر لِلء ِب َحالة‬ ‫القدم‪َ .‬و َل َ‬
‫فيعة َحلها ِب َغير َفضْ لأل والصبر ضياء والحلم واألناة‬ ‫نزلة َر َ‬ ‫َجلِي َلة َنا َلها ِب َغير َع ْقلأل َو َم ِ‬
‫خصلتان يحبهما هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلمأل ولن يغلب العسر يسرينأل وعند الصباح‬
‫يحمد القوم السرى‪.‬‬
‫ويبزغ الفجر فوق السهل والنجد‪.‬‬ ‫ستشرق الشمس ال تجزع لغيبتها‬
‫ش ا ُء َوه َُو ا ْل َع ِزي ُز ال َّر حِي ُم﴾‪.‬‬ ‫ون ِب َن صْ ِر َّ ِ‬
‫هللا َي ْن ُ‬
‫ص ُر َم نْ َي َ‬ ‫﴿ َو َي ْو َم ِئ ٍذ َي ْف َر ُح ا ْلم ُْؤ ِم ُن َ‬
‫رابعا‪ :‬قد تسمع ما ي ذيأل من الناس َمن تستفزه كلمة ينسى معها قاموس الترخيأل ف َيخرج إلى‬
‫عدوان أل ويجرد أصحا َبه من كل فضلأل كأنْ لم تكن بينه وبينهم مودةأل والكريم ال يحمل غال‬
‫وال يفجر في الخصومةأل وال يسد باب المراجعة‪.‬‬
‫قال يونس الصدفي‪( :‬ما رأيت أعقل من الشافعيأل ناظرته يوما ً في مسألة ثم افترقنا ولقيته‬
‫فأخذ بيدي ثم قال‪ :‬يا أبا موسى أال يستقيم أن نكون إخوانا ً وإن لم نتفق في مسألة)أل إنما هي‬
‫األدلة والبينات أل ومن عاش أدرك الحقيقةأل وهناك حقائق تتضح مع مرور الزمنأل فالبصيرة‬
‫تتفاوت كتفاوت البصر عند البشر‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫الرسالة الثالثة‪ :‬إلى المسلمين عامة ‪.‬‬

‫‪92‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫انحراف المسلمين لم يمنع غير المسلمين من إدراك عظمة اإلسالم واعتناقهأل فاإلسالم‬
‫وشرائعه وشعائره أنقى وأعظم من أن تلطخها ذنوب المسلمينأل سيبقى اإلسالم كالبحر ال‬
‫يحمل الخبثأل يرمي بزوائده إلي الشاطئأل ويبقى البحر بحرا « الطهور ماؤه الح ل ميتته »‪.‬‬
‫وسيبقى الجهاد ذروة سنام اإلسالمأل ذروة يختار هللا من يشاء من عباده الم منينأل وأهله‬
‫از َرةٌ ِو ْز َر‬ ‫الصادقون المفضلون عند هللا تعالى وعند الم منين المنصفين ﴿ َو َال َت ِز ُر َو ِ‬
‫أ ُ ْخ َرى﴾أل ذروة يهابها أقزام الهمم ومخنثو العزائمأل ومن هاب صعود الجبال عاش أبد الدهر‬
‫بين الحفر‪.‬‬
‫كنت أتمنى أن تولد الخالفة ميالدا طبيعيا يفرح الم منينأل وأن يكون إعالن الخالفة (األمل‬
‫المنشود) في جو يسوده الوفاق واالتفاقأل لكن ه في أمره ش ون؛ وله األمر من قبل ومن‬
‫بعد‪.‬‬
‫لقد بشر النبي صلى هللا عليه وسلم بعودة الخالفة الراشدة على منهاج النبوة فقال‪« :‬تكون‬
‫النبوة فيكم ما شاء هللا أن تكون‪ ،‬ثم يرفعها ﺇذا شاء أن يرفعها‪ ،‬ثم تكون خ الفة على منهاج‬
‫النبوة‪ ،‬فتكون ما شاء هللا أن تكون ‪ ،‬ثم يرفعها ﺇذا شاء أن يرفعها ‪ ،‬ثم تكون مل ًك ا ع ا ضا ‪، ‬‬
‫فيكون ما شاء هللا أن يكون‪ ،‬ثم يرفعها ﺇذا شاء أن يرفعها‪ ،‬ثم تكون مل ًك ا جبريا‪ ،‬فتكون ما‬
‫شاء هللا أن تكون‪ ،‬ثم يرفعها ﺇذا شاء أن يرفعها‪ ،‬ثم تكون خ الفة على منهاج النبوة ‪ ،‬ثم‬
‫سك ت » [رواه أحمدأل والطيالسي عن حذيفة ر ضي هللا عنهأل وحسنه األلباني‪ :‬سلسلة األحاديث‬
‫الصحيحة حديث رقم ‪.]3‬‬
‫ستعود الخالفة كما بش ر بها النبي صلى هللا عليه وسلم؛ خالفة راشدة على منهاج النبوة‬
‫تختارها األمة بالشورى والرضا كما اختار الصحابة رضي هللا عنهم الخلفاء الراشدينأل‬
‫وقد أمر الرسول صلى هللا عليه وسلم بااللتزام بسننهم الراشدة « تركتكم على البي ضاء ليلها‬
‫كنهارها ال يزيغ عنها ﺇال هالك‪ ،‬ومن يعش منكم فسيرى اختالفا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة‬
‫الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ع ضوا عليها بالنواجذ وﺇياكم ومحدثا ت األمور فإن ك ل‬
‫بدعة ض اللة وﺇن ك ل ض اللة في النار » [رواه أبو داود واللفظ لهأل والترمذيأل وابن ماجه]‪.‬‬
‫إنها الخالفةأل تشييد صرحها يحتاج لجهود وسواعد جميع المسلمينأل فطوبى لمن ساهم في‬
‫هذا الخير ولو بشطر كلمةأل وطوبى لمن جعله هللا مفتاح خير مغالق شر ﴿ َف َم نْ َي عْ َم ْل ِم ْث َق ا َل‬
‫ش ًّرا َي َرهُ﴾‬ ‫َذ َّرةٍ َخ ْي ًرا َي َرهُ * َو َم نْ َي عْ َم ْل ِم ْث َق ا َل َذ َّرةٍ َ‬
‫س أوتـــــاد‬ ‫وال عماد إذا لم لِلترْ َ‬ ‫والبيت ال يبتنى إال له عمـــــد‬
‫يوما ً فقد بلغوا األمر الذي كادوا‬ ‫فننْ تجم َع أوتـــــاد و أعمــــدة‬
‫وال سراة إذا جهـــالهم سـادوا‬ ‫ال يصلح الناس فوضى ال َسراة لهم‬
‫[األفوه األزدي]‬
‫وفي األخير‪ ..‬الحمد ه أوال وآخرا على تيسيره وعونهأل نسأله مغفرة الزلل والخلل في‬
‫القول والعمل أل كما نسأله تعالى أن يجمع كلمة المسلمين وينصر عباده المجاهدين‪.‬‬
‫هللا َل َق ِوي َع ِزي ٌز﴾‪.‬‬ ‫ص ُرهُ ِﺇنَّ َّ َ‬ ‫هللا َم نْ َي ْن ُ‬ ‫ص َر نَّ َّ ُ‬
‫﴿ َو َل َي ْن ُ‬
‫صلى اهللا َع َلى م َلِلحم َّد َو َع َلى آلِ ِه َو َ‬
‫صحْ ِب ِه َو َسل َم‬ ‫َو َ‬
‫َو َحسْ لِلب َنا اهللا َونِعْ َم ا ْل َوكِي لِلل‬

‫‪ ‬ـ وفي بعض الرواي ات مل ًكا عضوضً واأل وملوك عضووض‪ :‬شوديد فيوه عسوف وعنوف‪ .‬ومعنوى الحوديث‪ :‬يصويب الرعيوة فيوه‬
‫عسف وظلم كأنهم ي َلِلع ضُّ ون فيه عضً ا‬

‫‪93‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫نتــــائج المســائل ‪:‬‬


‫بعد عرض المسائل مع المناقشة من المفيد أن نح ِّدد بعض النقاط المستنتجة مما سبق وهي‪:‬‬
‫‪ .1‬اإلسالم جاء بنظام كامل للحكمأل وهذا يدلُّنا على شمول اإلسالمأل وصالحه لكل زمان‬
‫ومكانأل وأنه لن َيصْ للِلح آخر هذه األمة إال بما صلح به أولها‪.‬‬
‫‪ .2‬اإلمامة موضوعة لخالفة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا بهأل والنظر لمقاصد‬
‫الخالفة أوجدت أم لم توجد معتبر في التعيينأل فالعبرة بالحقائق ال باأللفاظ‪.‬‬
‫‪ .3‬اإلمامة عند أهل السنة معدودة من فروض الكفاياتأل واألصل أن تدرس في كتب‬
‫الفروع لتعلقها باألحكام العملية دون االعتقاد‪.‬‬
‫‪ .4‬اتفق جميع أهل السنةأل وجميع الشيعةأل وجميع الخوارج على وجوب اإلمامةأل وعلى أنه‬
‫يجب على المسلمين نصب خليفة عند اإلمكان‪.‬‬
‫‪ .5‬المخاطب بنقامة اإلمامة في المقام األول فريقان من الناس‪:‬‬
‫األول ‪ :‬أهل اإلختيار حتى يختاروا إمامًا لممة‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أهل اإلمامة حتى ينتصب أحدهم لإلمامة‪.‬‬
‫‪ .6‬جماع الشروط المعتبرة في أهل االختيار ثالثة‪ :‬أحدها‪ :‬العدالة الجامعة لشروطها‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬العلم الذي يتوصل به إلى معرفة من يستحق اإلمامة على الشروط المعتبرة‬
‫فيها‪ .‬والثالث‪ :‬الرأي والحكمة الم ديان إلى اختيار من هو لإلمامة أصلح وبتدبير‬
‫المصالح أقوم وأعرف‪.‬‬
‫‪ .7‬اإلمامة في ح ِّد ذاتها وسيلة ال غايةأل وسيلة إلى حفظ الدينأل وسياسة الدنيا بهأل وذلك أهم‬
‫الواجبات الملقاة على عاتق اإلمام‪.‬‬
‫‪ .8‬الطرق التي تم بها تنصيب الخلفاء الراشدينأل تعتبر شرعية لممر النبوي بوجوب‬
‫االلتزام بسنته وسنة الخلفاء الراشدينأل ومن سنتهم الطريقة التي تمت توليتهم بهاأل‬
‫وإلجماعهم عليهاأل فقد كانوا أعرف بقواعد الشرع ومقاصده‪.‬‬
‫‪ .9‬بيعة أبي بكر رضي هللا تعالى عنه تمت بعد مشاورات بين فضالء المهاجرين‬
‫واألنصار‪.‬‬
‫‪ .11‬ترشيح أبي بكر لعمر رضي هللا عنهما كان بطلب من أهل الحل والعقد‪.‬‬
‫‪ .11‬جواز االستخالف لشخص معين بعد مشاورة أهل الحل والعقد‪.‬‬
‫‪ .12‬العهد مجرد ترشيحأل وال بد من البيعة لإلمام المعهود إليهأل وذلك لفعل الخلفاء الراشدين‬
‫رضي هللا عنهم‪.‬‬
‫‪ .13‬اختيار أهل الحل والعقد للخليفةأل هو الطريق األص ل الختيار اإلمام في الشريعة‬
‫اإلسالميةأل وعند أهل السنة على اعتبار أن االستخالف مشروط بموافقة أهل الحل‬
‫والعقد على المستخلف‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ .14‬فيجتمع طريق االختيار من طريق االستخالف في أن كال منهما يلِلشترط فيه رضى أهل‬
‫الحل والعقد ومبايعتهم‪.‬‬
‫‪ .15‬أهل الحل والعقد هم العلماء ووجوه الن اس ور ساء الجند الذين يرجع إليهم الناس في‬
‫الحاجات والمصالح العامة‪.‬‬
‫‪ .16‬اختلف العلماء في العدد المعتبر في بيعة الخليفةأل والراجح عند أهل السنةأل أن اإلمامة‬
‫عندهم تثبت بموافقة أهل الشوكة عليها (جمهور أهل الحل والعقد من كل بلد)أل وال‬

‫‪94‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫يصير الرجل إمامًا حتى يوافقه أهل الشوكة الذين يحصل بطاعتهم له مقصود اإلمامةأل‬
‫ومن قال يصير إمامًا بموافقة واحد أو اثنين أو أربع وليسوا هم ذوي القدرة والشوكة‬
‫فقد غلطأل فال تقوم الشوكة إال بموافقة األكثرين من معتبري كل زمان‪ ..‬وهذا ما يتفق‬
‫مع قواعد الفقه اإلسالمي وما يقضي به العقل والمنطق‪.‬‬
‫ايعة أَن تكون بعد استشارة لِلج ْمهلِلور أهل الحل َوالعقد َواخت َيارهمأل وانعقاد‬
‫‪ .17‬األصْ ل فِي المب َ‬
‫اإلمامة بواسطة أهل اإلختيار ينبغي أن يفهم في إطار أن ه الء يمثلون األمة تمثيال‬
‫صحيحاًأل ويعبرون عن إرادتها تعبيرا ً صادقاًأل وأن األمة في النهاية هي صاحبة الهيمنة‬
‫والقرار ‪..‬‬
‫‪ .18‬ثبت عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي هللا عنه قوله‪« :‬من بايع رج ال ً من‬
‫غير مشورة من المسلمين ف ال يتابع هو وال الذي تابعه‪ ،‬تغ رَّة أن يقت ال »أل وفي رواية‬
‫« فال يبايع» وفي رواية النسائي‪ « :‬ﺇنه ال خ الفة ﺇال عن مشورة‪ ،‬وأيما رج ل بايع رج ال‬
‫عن غير مشورة‪ ،‬ال يؤمر واحد منهما‪ ،‬تغرة أن يقت ال»أل في رواية معمر من وجه آخر‬
‫عن عمر «من دعا ﺇلى ﺇمارة من غير مشورة فال يح ل له أن يقب ل » ‪ .‬ووافقه المسلمون‬
‫على ذلك في مسجد رسول هللا صلى هللا عليه وسلمأل فكان ذلك إجماعا‪.‬‬
‫‪ .19‬فمن قال عن نفسه أو قال عنه غيره أنه خليفة من غير مشورة ورضى المسلمينأل أو‬
‫الغلبة الحقيقيةأل فليس خليفة على الحقيقةأل وال يتابع وال يبايعأل وهو إمام على من بايعه‬
‫ورضي به‪.‬‬
‫‪ .21‬ليس لمن كان في بلد اإلمام مزية على غيره من أهل البالد يتقدم بها‪.‬‬
‫َ‬
‫الخال َفة لما‬ ‫لِلون على أصل الشرْ ع الذِي قرر فِي عهد الراشِ دين فِي أَمر‬ ‫‪َ .21‬لو َحافظ المسلم َ‬
‫َوقعت الفِ َتن والمفاسد ‪.‬‬
‫‪ .22‬طريقة القهر والغلبة ليست من الطرق الشرعيةأل وإنما هي استثناء من األصل وهو‬
‫بيعة أهل الحل والعقد أل إعماال ً لقاعدة الضرورة وهي تحقيق أكمل المصلحتين بتفويت‬
‫أدناهما ودفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهماأل أي نظرًا لمصلحة المسلمين‬
‫‪ .23‬جمهور أهل السنة والجماعة على عدم جواز تعدد األئمة في الزمن الواحدأل وأجاز‬
‫بعضهم ذلك بسبب يقتضيه كتباعد األقطار ونحوه‪.‬‬
‫‪ .24‬الضرورة معتبرة في أحكام اإلمامة كسائر األحكامأل وتفصيلها كاْلتي‪:‬‬
‫‪ ‬بالنسبة للشروط التي يج ب توافرها في اإلمام‪ :‬إذا انعدم من تجتمع لديه هذه الشروطأل‬
‫فقد اتفق الفقهاء على اختيار أصلح من وجدأل والواجب في كل زمان األصلح بحسبهأل‬
‫ثم ينبغي السعي بعد ذلك إلصالح األحوال حتى يكمل في الناس ما ال بد لهم منه من‬
‫أمور الواليات واإلمارات ونحوها ‪.‬‬
‫‪ ‬وبالنسبة لطريق اإلختيار‪ :‬األصل أن اإلمامة تنعقد عند أهل السنة من وجهين‪:‬‬
‫اختي ار أهل الحل والعقدأل أو العهد من اإلمام السابقأل وقال العلماء بنمامة المتغلب‬
‫للضرورة ما أقام مقاصد اإلمامةأل ولم يستمسك العلماء في هذا المقام إال بشرط‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫‪ ‬بالنسبة لمقا صد اإلمامة‪ :‬من مقاصد اإلمامة أنها لجمع كلمة المسلمينأل وحراسة‬
‫الدينأل وسياسة الدنيا بهأل فنذا خرج اإلمام عن مقصود اإلمامةأل فيفرق في ذلك بين ما‬
‫جري مجري العثرة والفترةأل وبين ما يعتبر منهجا ً مطر ًدا وسنة دائمة‪.‬‬

‫‪95‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫‪ ‬بالنسبة لعدد أه ل الحل والعقد عند عقد اإلمامة‪ :‬األصل اعتبار الشوكة والقدرة التي‬
‫تحصل بها مقاصد اإلمامةأل فنذا لم يكن المبايعون ِب َحي لِل‬
‫ْث تتبعهم األمة َف َال َت ْن َعقِد‬
‫اإل َما َمة بمبايعتهمأل فرضا األمة ومتابعتها معتبرأل وال أثر للضرورة إال القول بالقهر‬ ‫ِ‬
‫والغلبة‪.‬‬
‫‪ .25‬فرق العلماء في مجال اختيار اإلمام بين نوعين من البيعة‪:‬‬
‫‪ ‬بيعة اإلنعقاد التي يقوم بها أهل الحل والعقدأل وبموجبها يكون للشخص المبايع‬
‫سلطانأل له حق الطاعة والنصرة واالنقياد ‪.‬‬
‫‪ ‬وبيعة العامة التي ي ديها سائر المسلمين بعد بيعة االنعقاد والمقصود بها إظهار‬
‫الرضا باإلمام والطاعة لهأل بعد انعقاد اإلمامة له بواسطة أهل الحل والعقد حتى يكون‬
‫الرضا به عاما ً والتسليم إلمامته إجماعا‪.‬‬
‫‪ .26‬تجوز البيعة بكل طريقة تدل على ذلك قولية كانت أو كتابية ويكفي فيها إظهار الرضا‬
‫باإلمام وعدم الخروج على طاعته بأي طريق تيسر‪.‬‬
‫‪ .27‬المقصود بالبيعة إظهار الرضا باإلمام واالنقياد له‪.‬‬
‫‪ .28‬نكث بيعة اإلمام الشرعي على السمع والطاعة في غير معصية من دون مبرر شرعي‬
‫كبيرة من الكبائر‪.‬‬
‫‪ .29‬المراد من حديث ابن عمر « من ما ت وليس في عنقه بيعة ما ت ميتة الجاهلية » بيعة‬
‫الخليفة الذي وقع االجتماع عليهأل والدليل امتناع ابن عمر راوي الحديث عن البيعة‬
‫ألحد من الفريقين في وقت الفتنة إلى أن اجتمع الناس على أحدهما‪ ..‬وكذا فقه اإلمام‬
‫أحمد للحديث‪.‬‬
‫‪ .31‬المراد بالميتة الجاهلية حالة المو ت كموت أهل الجاهلية على ضالل وليس له إمام‬
‫مطاعأل ألنهم كانوا ال يعرفون ذلكأل وليس المراد أن يموت كافرا بل يموت عاصياأل‬
‫ويحتمل أن يكون التشبيه على ظاهره ومعناه أنه يموت مثل موت الجاهلي وإن لم يكن‬
‫مورد الزجر والتنفير ‪.‬‬ ‫هو جاهلياأل أو أن ذلك ورد ْ‬
‫‪ .31‬من األخطاء الشنيعة في التكفيرأل تكفير من لم يبايع إماما معيناأل استدالال بما رواه مسلم‬
‫في صحيحه‪ « :‬من ما ت وليس في رقبته بيعة ما ت ميتة جاهلية »أل وبما رواه مسلم‬
‫أيضا‪ « :‬من فارق الجماعة شبرا فما ت فميتة جاهلية »أل فجعلوا الميتة الجاهلية كفرا‬
‫مخرجا من الملة‪.‬‬
‫‪ .32‬العهود جائزة بين المسلمين أل وهي ت كد ما وجب بالشرع ابتداء أو توجب أمورا ً لم‬
‫تجب بالشرع ابتداء مادامت ال تخالف الشرعأل فالذي يوجبه هللا على العبد قد يوجبه‬
‫ابتداءأل كنيجابه اإليمان والتوحيد على كل أحدأل وقد يوجبه ألن العبد التزمه وأوجبه‬
‫على نفسه ولوال ذلك لم يوجبهأل كتعاقد الناس على العم ل بما أمر هللا به ورسوله‪.‬‬
‫‪ .33‬نكث مثل هذه العهود كبيرة من كبائر الذنوب للوعيد الوارد في ذلك‪.‬‬
‫‪ .34‬يحرم نقض بيعة شرعية صحيحة (أوجب بها المبايع على نفسه السمع والطاعة إلمارة‬
‫جماعة ما) من أجل بيعة غير واجبة ‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫انتهى وه الحمد والمنة‪ ..‬وآخر دعوانا أن الحمد ه رب العالمين ‪.‬‬


‫جمعه ورتبه أخوكم‪:‬‬

‫‪96‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬


‫مسائل في فقه الخالفة‬

‫الحس ِن رشِ يد بن محمد البليدي‬


‫َ‬ ‫أبو‬
‫عفا هللا عنه وعن والديه وجميع المسلمين‬
‫يوم الثالثاء‪ 17 :‬صفر ‪ 1456‬هـك الموافق ‪ 29‬ديسمبر ‪0214‬م‪.‬‬

‫‪97‬‬ ‫للشيخ أبي الحسن رشيد البليدي‬

You might also like