You are on page 1of 3

‫المطلب الثاني‪ :‬ماهية السلطة‬

‫يصعب تعريف السلطة بسبب تعدد صفاتها‪ ،‬وقد كانت ظاهرة السلطة منذ أقدم العصور حتى‬
‫الوقت الحاضر موضوع عناية واهتمام المفكرين والفالسفة‪ ،‬مع ذلك فال يوجد تعريف متفق‬
‫عليه من قبل الجميع‪ ،‬لذلك فإن تشخيص ماهية السلطة ووظائفها وطبيعة العالقات التي تقوم‬
‫عبرها وخاللها يختلف من باحث الى آخر‪ ،‬باختالف مطلقاته النظرية أو االيديولوجية‪ .‬وعلى‬
‫صعيد آخر ان صعوبة تحديد مفهوم السلطة متأت عن كونها ظاهرة تتطور باستمرار وتأخذ‬
‫اشكاًالت مختلفة‪ .‬وقد مرت بمراحل نوعية في تطورها‪ ،‬اعتبارًا من العنف الناجم عن إرادة‬
‫فجة للسيطرة على اآلخر‪ ،‬الى عمل اقناعي لزج المواطن في عمل جماعي مشترك‪ .‬ومن‬
‫ناحية اخرى امتزجت السلطة بكل اوجه العالقات االنسانية في الحياة االجتماعية المشتركة‪،‬‬
‫وهي مرتبطة بكل تنظيم مؤسسي‪ ،‬إذ أن التعاون أو الصراع الناجم عن العالقات السياسية‬
‫واالجتماعية واالقتصادية التي تقوم بين األفراد والجماعات‪ ،‬هي نتيجة مباشرة لوضع السلطة‬
‫في المجتمع‪.1‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬مفهوم السلطة‬
‫إن السلطة بمعناها الواسع‪ ،‬هي شكل من اشكال القوة‪ ،‬فهي الوسيلة التي من خاللها يستطيع‬
‫شخص ما أن يؤثر على سلوك شخص آخر‪ .‬إال أن القوة تتميز عن السلطة‪ ،‬بسبب الوسائل‬
‫المتباينة التي من خاللها يتحقق اإلذعان أو الطاعة ‪ .‬فبينما يمكن تعريفها على أنها القدرة على‬
‫التأثير على سلوك اآلخرين‪ ،‬فإن السلطة يمكن فهمها على انها الحق في القيام بذلك‪ .‬إن القوة‬
‫تحقق اإلذعان من خالل القدرة على اإلقناع‪ ،‬أو الضغط‪ ،‬أو التهديد ‪ ،‬أو اإلكراه أو العنف ‪ .‬أما‬
‫السلطة فهي تعتمد على الحق في الحكم مدرك ومفهوم ‪ ،‬ويحدث اإلذعان من خالل التزام‬
‫اخالقي ومعنوي من قبل المحكوم بأن يطيع ‪ .‬ورغم اختالف الفالسفة السياسيين حول األسس‬
‫التي ترتكز عليها السلطة ‪ ،‬فانهم مع ذلك اتفقوا على انها ذات طابع اخالقي ومعنوي‪.‬‬

‫أوال التعريف القانوني ‪:‬‬


‫وتقوم هذه السلطة علي أساس االعتقاد بالقانون ‪ ،‬ولذلك تسـمي بالسلطة‪ ،‬القانونية ‪ ،‬وهي‬
‫سلطة تقوم على العقل والمنطق ‪ ،‬والقواعد الموضوعية في المجتمع ‪،‬وترجع طاعة األفراد ال‬
‫إلي سلطة قائد ملهم ‪ ،‬وال المتثالهم لقائد تقليدي ‪،‬ولكن الى إيمانهم بأن هناك بعض اإلجراءات‬

‫‪1‬‬
‫صادق األسود ‪،‬علم االجتماع السياسي صفحة ‪125‬‬
‫والقواعد المالئمة التي تحظي بقبول الحكـام واألفراد ‪ .‬ويستمد الحاكم شرعية ممارسته للسلطة‬
‫من إلتزامه بهذه القواعد القانونية المقررة ‪.‬‬
‫و يعتبر فيبر أن السلطة القانونية هي أكثر أنواع السلطة استقرارًا ‪ ،‬وأكثرهـا موضوعية‬
‫ورشدًا ‪ ،‬وفي رأيه أن المجتمع الذي تسوده ممارسة السلطة القانونية هـو مجتمع أكثر رشدًا‬
‫وعقالنية واستقرارًا ‪.‬‬
‫وتناول ماكس فيبر موضوع البيروقراطية ‪ ،‬ومن صفاتها وجود بناء متدرج من السلطة يأخذ‬
‫شكًال هرميًا ‪ ،‬بحيث ال يعقل أن يقوم شخص واحد بإدارة منظمـة كاملة ‪ ،‬وتقوم السلطة العليا‬
‫بتعيين وترقية األفراد الذين تتوافر لـديهـم المـؤهالت المناسبة عن طريق إختبارات خاصة ‪.‬‬
‫ويتم ذلك في ضوء مجموعـة مـن المعـايير الموضوعية‪.‬‬
‫ولكل وضع أو وظيفة سلطة محددة ‪ ،‬ولكنها تختلف عن بعضها البعض مـن حيث مالها‬
‫سلطات ‪ .‬وتترتب هذه الوظائف في شكل هرمي ‪ ،‬مثل موظـف يشغل وضعًا إشرافيًا يمارس‬
‫سلطة على الموظفين الذين يرأسـهم ‪ .‬وهـو بالتـالي مسئول أمام رئيسه عن قراراته وأفعاله ‪،‬‬
‫فضًال عن قرارات وأفعـال مرؤوسيه ويتطلب ذلك ضرورة توضيح محال وسلطة الرؤساء‬
‫على مرؤوسيهم‪. 2‬‬

‫تانيا‪ :‬التعريف االجتماعي‬


‫من الناحية االجتماعية فان مفهوم السلطة ‪ ،‬نراه يختلف من مجتمع آلخر‪ ،‬ومن تقاليد سياسية‬
‫ألخرى‪ ،‬وان مفهوم السلطة مركب من عناصر مادية ومعنوية‪ ،‬وتبعاً لذلك نجد مجموعة من‬
‫التعريفات نذكر منها‪ :‬السلطة كل ما يحدد سلوكا إلعتبارات خارجة عن القيمة الذاتية لألمر أو‬
‫القضية المعروضة‪ .‬وتطلق ايضا على الشخصً أو رأيًا‪ .‬وهي‪ :‬المرجع األعلى المسلم له‬
‫بالنفوذ ‪ ،‬أو الحجة ‪ ،‬وهو كل من يصبح مصدرًا يعول عليه في رأي وعلم معين‪،‬كما تعني‬
‫الهيئة اإلجتماعية القادرة على فرض إرادتها على اإلرادات األخرى بحيث تعترف اإلرادات‬
‫األخرى لها بالقيادة ‪ ،‬والفصل بقدراتها وبحقها في المحاكمة وانزال العقوبات وبكل ما يضفي‬
‫عليها الشرعية ويوجب االحترام إلعتباراتها وااللتزام بقراراتها ‪ .‬وتنبع السلطة من حاجة‬
‫الحياة االجتماعية الى النظام والسلم واألمن والى أهمية توافر األستقرار واالستمرار‬
‫األجتماعي وتحديد الحقوق والواجبات االجتماعية‪ ،‬وايقاف التنافس بين االفراد والجماعات عند‬
‫حدود عدم االخالل بذلك كله ‪ .‬وعلى هذا االساس تكون الحاجة اإلجتماعية اساس ظاهرة‬
‫‪2‬‬
‫في القوة و السلطة و النفود ‪،‬دراسة في علم االجتماع السياسي لدكتور حسن عبد الحميد أحمد رشوان‬
‫السلطة وتكون القوة واليد العليا ضمانتها ويضفي عليها مرور الزمن عامل الموافقة والثقة من‬
‫قبل افراد المجتمع‪ ،‬ويدخل ذلك في سَل م قيمهم الجماعية ‪ ،‬بما يؤدي الى نشوء التقاليد‬
‫والتشريعات والهيئات التحكيمية والعقوبات التي من شأنها تحقيق الصالح العام للجسم‬
‫األجتماعي‪ ،‬وفي نفس الوقت هناك مفهوم آخر للسلطة ‪ ،‬بانها القوة الطبيعية ‪ ،‬او الحق‬
‫الشرعي في التصرف و اصدار االوامر في مجتمع معين ‪ ،‬ويرتبط هذا الشكل من القوة‬
‫بمركز اجتماعي يقبله أعضاء المجتمع بوصفه شرعيًا ‪ ،‬ومن ثم يخضعون لتوجيهاته وأوامره‬
‫وقراراته ‪ ،‬إال ان التركيز المفرط للسلطة أو عدم وجود رقابة شديدة على ممارستها ‪ ،‬يؤدي‬
‫الى اساءة استعمالها ‪ ،‬ويطلق على من يتصف بهذا االتجاه أنه استبدادي ‪ ،‬أي ال يستمد سلطته‬
‫من ارادة الشعب ‪ ،‬بل يفرضها على الناس بالقوة ‪.3‬‬

‫‪3‬‬
‫مرجع سابق في القوة و السلطة والنفود‪،‬‬

You might also like