Professional Documents
Culture Documents
تطور الدرس الفلسفي
تطور الدرس الفلسفي
مرورا باالستقالل
والتطورات التي شهدها الحقل السياسي والثقافي في العقود االخيرة من القرن العشرين الى غاية احداث 16ماي ،2003فال يمكن اعتبار
وضعية الدرس الفلسفي اليوم في المؤسسات التعليمية الصورة االولى التي اقتحمت بها الفلسفة السياق المدرسي في المغرب أول االمر بل
هو نتاج لمخاض عسير بدأ منذ دخول المستعمرحامال معه رزنامة التعليم النظامي الذي كانت مادة الفلسفة احدى اهم مكوناته.
ولغاية اجرائية يمكننا تقسيم مسار الدرس الفلسفي في المؤسسة التعليمية المغربية الى مرحلتين؛ مرحلة التأسيس ،ومرحلة التبلور
والتطور.
:1مرحلة التأسيس :فترة االستعمار:
اذ شكلت الحماية الفرنسية مناسبة لدخول الدرس الفلسفي الى المؤسسات التعليمية بالمغرب منذ بداية الثالثينات من القرن العشرين،
وكانت لفائدة أبناء الفرنسيين والجاليات االوربية وعدد قليل من ابناء االعيان المغاربة ،وتقدم هذه الدروس الفلسفية باللغة الفرنسية من
طرف اطر تعليمية فرنسية وفق مقاربة مضامينية تنسجم مع ما وضعه البيداغوجي الفرنسي فيكتور كوزان ،وهو يتوخى تعزيز قيم
الثورة الفرنسية في الدرس الفلسفي الفرنسي كالحرية والمساواة والعقالنية.
:2مرحلة التبلور والتطور :مرحلة ما بعد االستقالل:
دفعت القوى التقدمية الدولة حديثة االستقالل الى الحفاظ على مادة الفلسفة في النظام المدرسي المغربي ،باعتبارها اداة لتحديث المجتمع،
وتكوين االنسان العقالني الحر ،وفي هذه الفترة ظل التدريس الفلسفي المغربي محكوما بتبعيته لنظيره الفرنسي لغياب البديل ،إلى غاية
سنة 1962حيث جاءت إصالحات منها وضع المبادئ األربعة (التعريب ،المغربة ،التعميم ،التوحيد) ،وبموجبها تم تعريب الدرس
الفلسفي ،حيث تم اعتماد مقرر باللغة العربية من تأليف أساتذة مصريين ،وفي عام 1966ألف أحمد السطاتي ومحمد عابد الجابري
ومصطفى العمري كتابا بعنوان "دروس في الفلسفة" ،وهو أول كتاب مغربي في تدريس الفلسفة باللغة العربية.
في السبعينيات ،تأثرت الفلسفة بالوضع السياسي والثقافي السائد في المغرب ،فأصبحت حقال للصراع بين دعاة التحديث الذين رفعوا
شعارات حقوق االنسان والديمقراطية والحداثة والعقالنية ،وقوى التقليد التي اعتبرت الفلسفة ال تشكل حاجة مجتمعية بل هي مجرد تقليد
لتعليم فرنسي دخيل ،فكان عقد السبعينات مجال لتداخل الفكر اإلسالمي والفلسفة ،سينتج عنه سنة 1978كتاب مدرسي تحت اسم "الفكر
اإلسالمي والفلسفة" لمؤلف مجهول ،وكان هذا الكتاب بمثابة إطار مرجعي لألستاذ والتلميذ معا ،تعتمد محتوياته الكثيرة والمتشعبة في
امتحانات البكالوريا.
في الثمانينيات ،تم التخفيف من المحتويات الغزيرة والمتنوعة للبرنامج الدراسي.
في التسعينيات ،تم تعويض المعارف الفلسفية المطولة بنصوص لتشغيل التالميذ ،بدل شحن اذهانهم بالمضامين والمعلومات ،فتناولت تلك
النصوص مفاهيم الطبيعة والثقافة ،اللغة ،البيان والمعرفة ،المعرفة العلمية ،الحقيقة ،الشخصية ،الشغل والملكية ،القيم األخالقية
والجمالية ...وهذا يقتضي إكساب التالميذ مهارات فهم النصوص وتحليلها ومناقشتها وتركيب األفكار ،واستمرت مرحلة التدريس
بالنصوص الى حدود 1995وهي السنة التي تم فيها االقرار ببيداغوجيا االهداف في تدريس الفلسفة كغيرها من المواد الدراسية
االخرى .وفي سنة 1997سيتم االعتماد ببرنامج مفاهيم وهو اختيار بيداغوجي تبنته المنظومة التربوية ،خالله يتم تناول مفاهيم (اللغة،
النظرية ،الحقيقة ،السعادة ،الشخصية ،الحق ،الشغل) وتعالج ضمن نصوص فلسفية.
المحطة األخيرة في تطور الدرس الفلسفي كان مرتبط بأحداث 16ماي االرهابية ،فعقب هذه االحداث لم يجد النظام السياسي المغربي
بديال عن مواجهة التطرف الديني سوى تعزيز قيم حقوق اإلنسان والديمقراطية والحداثة والعيش المشترك في مجتمع متعدد ومتنوع ،بدءا
من المؤسسات التعليمية ،وكان للفلسفة بالطبع النصيب األوفر ،ألنها بال منازع فكر يؤمن باالختالف ،ويدعو الى الحوار العقالني الهادئ
والرزين بالحجة والدليل ،ومن نتائج هذا السياق تعميم تدريس الفلسفة على جميع المستويات والشعب والمسالك بالتعليم الثانوي التأهيلي،
وكذا المراجعات المستمرة لمناهجها وبرامجها.