You are on page 1of 15

‫ديسمبر‪2020‬‬ ‫املجلد ‪ /19‬العدد الثاني‬ ‫مج ـ ـ ـ ـ ـ ـلة عص ـ ـ ـ ـور‬

‫اإليداع القانوني ‪Depot légal 464 - 2002‬‬ ‫‪EISSN 6278-2600 / ISSN 1112- 4237‬‬

‫أهمية كتابات ب ــروكوب القيصري عن تاريخ‬


‫املغرب القديم في ظل االحتالل البيزنطي‬
‫‪the light of the Byzantine occupationThe importance‬‬
‫‪Procopius of Caesarea writings on the history of ancient‬‬
‫‪Morocco the light of the Byzantine occupation‬‬

‫‪‬‬
‫د‪ .‬عم ـ ـ ـ ـاد ط ـ ـ ـ ـويل‬
‫جامعة محمد ملين دباغين ‪ /‬سطيف‪ 2‬الجزائر‬
‫‪i.touil@univ-setif2.dz‬‬

‫تاريخ القبول ‪2020//04/27 :‬‬ ‫تاريخ املراجعة‪2020/02/22 :‬‬ ‫تاريخ اإلرسال‪2020/02/11 :‬‬

‫املخلص‬
‫قد تعتبر كتابات بروكوب الوحيدة التي تسرد بعض الوقائع و األحداث عن‬
‫تاريخ بالد املغرب القديم في ظل االحتالل البيزنطي‪ ،‬فليس لدينا بديال لالستغناء عنها‬
‫رغم ما تحتويه من أحداث ووقائع خالية تماما من الحقيقة التاريخية‪ ،‬ألن هذا‬
‫األخير ( بروكوب ) لم يكن هدفه الكتابة و إبراز الحقائق التاريخية‪ ،‬بل يظهر من‬
‫كتاباته أنها كتابات موجهة يراد من خاللها الوصول إلى هدف معين؛ حيث كتب‬
‫بروكوب لإلمب راطور وللسلطة اإلمب راطورية‪ ،‬وقد غلب على كتاباته ذكر ووصف القوة‬
‫واالنتصار لذات االمب راطورية‪ ،‬ومحاولة تغليب صفات الضعف واالنهيار لسكان بالد‬
‫املغرب القديم وسكانها ‪.‬‬
‫الكلمات املفتاحية ‪ :‬بروكوب ؛ االحتالل ؛ البيزنطيون ؛ الجزائر القديمة ؛ املصادر‬
‫البيزنطية‪.‬‬
‫‪Abstract :‬‬

‫‪ ‬د‪ .‬عماد طويل‪ ،‬جامعة محمد ملين دباغين ‪/‬سطيف‪ 2‬الجزائر‬


‫‪28‬‬
‫ديسمبر‪2020‬‬ ‫املجلد ‪ /19‬العدد الثاني‬ ‫مج ـ ـ ـ ـ ـ ـلة عص ـ ـ ـ ـور‬
‫اإليداع القانوني ‪Depot légal 464 - 2002‬‬ ‫‪EISSN 6278-2600 / ISSN 1112- 4237‬‬

‫‪Given that Procopius writings are the only ones that list‬‬
‫‪some facts and events about the history of the ancient Maghreb‬‬
‫‪in the light of the Byzantine occupation, we have no alternative‬‬
‫‪to dispense with them despite the contents and events completely‬‬
‫‪devoid of historical truth because the latter (Procopius) was not‬‬
‫‪intended to write and highlight historical facts, but rather It‬‬
‫‪appears from his writings that they are directed writings through‬‬
‫‪which he aims to reach a specific goal, where he wrote Procopius‬‬
‫‪for the emperor and the imperial authority.‬‬
‫‪Key words :Procopius; occupation; Byzantines; ancient‬‬
‫;‪Algeria; Byzantine sources‬‬

‫مقدمة ‪:‬‬
‫الدارس لتاريخ بالد املغرب القديم عامة في فترة االحتالل البيزنطي يجد شحا‬
‫كبي را في املادة التاريخية التي تتحدث عن تاريخ املنطقة‪ ،‬األمر الذي دفع بالكثير من‬
‫الباحثين و املؤرخين الى عدم الرغبة في البحث عن تاريخ بالد املغرب في الفترة‬
‫املتأخرة من التاريخ القديم و بالخصوص الفترة البيزنطية ‪.‬‬
‫وباملقابل نجد الكثير من املؤرخين املحدثين يهتمون وبشكل كبير بتاريخ بالد‬
‫املغرب خاصة في فترة االحتالل الروماني‪ ،‬ويعود ذلك إلى توفر املادة التاريخية املادية‬
‫والكالسيكية التي تتحدث عن تاريخ املنطقة في كامل جوانبها الحضارية والى كثرة‬
‫الدراسات األجنبية و الفرنسية خاصة وكثرة التنقيبات األثرية التي ظهرت خالل فترة‬
‫االحتالل الفرنس ي للجزائر ‪.‬‬
‫وعلى ذكر املصادر الكالسيكية التي تتحدث عن املغرب القديم في ظل‬
‫االحتالل البيزنطية فهي قليلة وال تشفي غليل الباحث وال تتحدث عن تاريخ املنطقة‬
‫وسكانها إال في محطات قليلة و عندما ترتبط األحداث فقط بما يمس مصالح‬
‫املحتل‪ ،‬كما إنها ال تحمل املوضوعية التاريخية في سرد األحداث و الوقائع‪ ،‬األمر‬
‫الذي يحتم على الباحث في هذه الفترة التحليل وإعادة النظر والقراءة املتكررة‬

‫‪29‬‬
‫ديسمبر‪2020‬‬ ‫املجلد ‪ /19‬العدد الثاني‬ ‫مج ـ ـ ـ ـ ـ ـلة عص ـ ـ ـ ـور‬
‫اإليداع القانوني ‪Depot légal 464 - 2002‬‬ ‫‪EISSN 6278-2600 / ISSN 1112- 4237‬‬

‫للوصول إلى الحقيقة التاريخية وهو شأن املصادر البيزنطية التي ال تذكر الكثير عن‬
‫املغرب القديم وسكانها في هذه املرحلة التاريخية ‪.‬‬
‫ومن املصادر التي ال يمكن االستغناء عنها في البحث عن تاريخ املغرب القديم في‬
‫فترة االحتالل البيزنطي نذكر كتابات املؤرخ البيزنطي بروكوب القيصري ‪Procope‬‬
‫‪ de césare‬خاصة كتاب الحروب في جزئيه الثالث و الرابع‪ ،‬وكذا كتاب املنجزات ‪les‬‬
‫‪ édifices‬كما يسميه البعض من املؤرخين العمائر وهو تقريبا الكتاب الوحيد و املهم‬
‫الذي يسرد أحداث بالد املغرب القديم في الفترة البيزنطية وخالل القرن السادس‬
‫ميالدي ‪.‬‬
‫وباعتبار كتابات بروكوب الوحيدة التي تسرد بعض الوقائع و األحداث عن‬
‫املغرب القديم في الفترة البيزنطية فليس لدينا بديال لالستغناء عنها رغم ما تحتويه‬
‫من أحداث ووقائع خالية تماما من الحقيقة التاريخية ألن هذا األخير لم يكن هدفه‬
‫الكتابة وإبراز الحقائق التاريخية بل يظهر من كتاباته أنها كتابات موجهة يراد من‬
‫خاللها الوصول إلى هدف معين‪ ،‬حيث كتب بروكوب لإلمب راطور وللسلطة‬
‫اإلمب راطورية وقد غلب على كتاباته ذكر ووصف القوة واالنتصار لإلمب راطورية‬
‫البيزنطية ومحاولة تغليب صفات الضعف واالنهيار لسكان بالد املغرب والجزائر‬
‫وسكانها ‪ ،‬ولدراسة املوضوع نفضل إتباع املنهج التاريخي التحليلي للوصول إلى‬
‫الحقيقة التاريخية عن أوضاع بالد املغرب القديم في الفترة البيزنطية‬
‫ومن خالل بحثنا في تاريخ املغرب القديم في الفترة البيزنطية تبين لنا النقص‬
‫الكبير في األبحاث التاريخية عن الفترة البيزنطية وانصباب اهتمام املؤرخين الغرب‬
‫وتبعهم املحليين إلى االهتمام تاريخ املغرب القديم في الفترة الرومانية دون غيرها من‬
‫الفت رات األخرى رغم أهميتها في إبراز دور العنصر املحلي في الحضارات التي تلت فترة‬
‫االحتالل الروماني واقصد بالذكر الفترة الوندالية و البيزنطية ‪.‬‬
‫وفي هذه الدراسة املوجزة و البسيطة عن تاريخ املغرب القديم في الفترة‬
‫البيزنطية سنقوم بالبحث عن أهمية كتابات بروكوب القيصري في الفترة البيزنطية‪،‬‬
‫حيث سنحاول في ذلك ذكر بعض األحداث املهمة التي ذكرها خاصة باملنطقة‬
‫‪30‬‬
‫ديسمبر‪2020‬‬ ‫املجلد ‪ /19‬العدد الثاني‬ ‫مج ـ ـ ـ ـ ـ ـلة عص ـ ـ ـ ـور‬
‫اإليداع القانوني ‪Depot légal 464 - 2002‬‬ ‫‪EISSN 6278-2600 / ISSN 1112- 4237‬‬

‫وسكانها في الفترة البيزنطية‪ ،‬وعالقة االحتالل بالسكان املحلين ورد فعلهم من‬
‫السياسة البيزنطية‪ ،‬وأهم التساؤالت التي يمكن طرحها في هذا املقام هي‪ :‬فيما تكمن‬
‫أهمية كتابات بروكوب القيصري عن تاريخ املغرب القديم في الفترة البيزنطية؟ من‬
‫يكون بروكوب القيصري ؟ وما هي أهم كتاباته عن تاريخ املغرب القديم في ضل‬
‫البيزنطي ؟ وإلى أي مدي يمكن الوثوق بما جاء فيها ؟‬
‫املبحث األول ‪ :‬حياته ) بروكوب القيصري ‪) Procope de Césarée‬‬
‫لم تصلنا معلومات وفيرة عن حياة بروكوب القيصري أو عن عائلته سوى ما‬
‫نعرفه عنه من خالل مؤلفاته‪ ،‬وهو مؤرخ بييزنطي ولد في قيصرية ( فلسطين ) نهاية‬
‫القرن الخامس ميالدي أو في بداية القرن السادس ميالدي‪ ،‬و الظاهر أنه من عائلة‬
‫ارستقراطية غنية ذات نفوذ كبير في قيصارية بفلسطين‪ ،‬األمر الذي ساعده على‬
‫الترحال والتعلم والتكوين‪. 1‬‬
‫عمل موظفا في البالط اإلمب راطوري‪ ،‬درس اآلداب القديمة و القانون‪ ،‬كما‬
‫اشتغل باملحاماة بادئ األمر في القسطنطينية ثم عين أمينا سر خاصا للقائد‬
‫بلي زاريوس)‪ (Blésarius‬عام ‪527‬م‪ ،2‬صاحب بلي زاريوس في حمالته على بالد فارس ضد‬
‫السسانيين مابين ‪ 531- 527‬م على كل من بالد املغرب ضد الوندال مابين‪534- 533‬م‪3‬‬

‫وايطاليا ضد القوط الشرقيين مابين ‪540- 536‬م‪ ،‬كما شغل نفس املهمة في الكتابة‬
‫الخاصة للقائد صولومون مابين ‪536- 534‬م في املغرب القديم‪.4‬‬
‫رجع إلى القسطنطينية سنة ‪540‬م‪ ، 5‬ثم عين واليا فيها ما بين سنة ‪562‬م ‪-‬‬
‫‪563‬م وتوفي حوالي ‪565‬م‪ ، 1‬وهناك من يقول انه توفي ما بين ‪570- 560‬م وفي هذه‬

‫‪1‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Procope de Césarée, Histoire secrète, trad. Pierre Maraval, éd les belles lettres,‬‬
‫‪paris, 1990, p09‬‬
‫‪ - 2‬ألبير عياش ‪،‬تاريخ شمال إفريقيا القديم‪ ،‬تر عبد العزيز بل الفايدة ‪،‬ط‪،1‬الرباط‪2008،‬م ‪،‬ص‪.102‬‬
‫‪3 - Géroudet N et Ménard H, op-cit, p76.‬‬

‫‪ - 4‬بن حربيط ماجدة علي ‪ ،‬شمال إفريقيا تحت الحكم البيزنطي (‪647- 533‬م) ‪،‬ط‪،1‬منشورات كلية اآلداب و‬
‫العلوم اإلنسانية ‪ ،‬فاس‪2012،‬م ‪ ،‬ص‪.17‬‬
‫‪5‬‬ ‫‪- Procope, H S, trad. Roque D, op-cit, p10‬‬
‫‪31‬‬
‫ديسمبر‪2020‬‬ ‫املجلد ‪ /19‬العدد الثاني‬ ‫مج ـ ـ ـ ـ ـ ـلة عص ـ ـ ـ ـور‬
‫اإليداع القانوني ‪Depot légal 464 - 2002‬‬ ‫‪EISSN 6278-2600 / ISSN 1112- 4237‬‬

‫َ‬
‫الفترة ألف كتابه األخير "البنايات أو عمائر جوستينيان" كما يسميه بعض‬
‫املؤرخين‪ ، 2‬واملعروف عنه أيضا تعصبه للنصرانية الكاثوليكية وهو املذهب الذي‬
‫كان يدين به اإلمب راطور جوستينيان‪ ،‬ويظهر ذلك األثر واضحا في الكثير من الروايات‬
‫و اإلحكام في النصوص التي كتبها ‪.3‬‬
‫املبحث الثاني ‪ :‬مؤلفاته تصنف كتب بروكوب القيصري إلى ثالث أقسام‬
‫‪ - 1‬التواريخ أو تاريخ الحروب‬
‫وينقسم كتاب الحروب أو كما يسميه بعض املؤرخين حروب جوستينيان إلى‬
‫عدة أجزاء منها الحروب ضد الفرس و الوندال و القوط وعددها ثمانية كتب‪ ،‬وهي في‬
‫أربع مجلدات وقد نشرت األجزاء السبعة األولى في حدود سنة ‪551‬م ‪550-‬م‪ ،‬أما‬
‫الجزء الثامن فيرجح أنه نشر في حدود سنة ‪ 553‬أو ‪554‬م‪: 4‬‬
‫وقد تم نشر األجزاء السبعة األولى في حدود سنة ‪551‬م‪ ،‬وهي كالتالي‪:‬‬

‫‪ ‬املجلد األول يضم جزأين(‪ )02‬يتناول فيهما املؤلف تاريخ الحروب البيزنطية ضد‬
‫الفرس( ‪ )la guerre contre les Perse‬مابين ‪533- 527‬م و ‪542- 540‬م ‪.‬‬
‫‪ ‬املجلد الثاني يضم جزأين(‪ )02‬يتناول فيهما املؤلف تاريخ الحروب البيزنطية ضد‬
‫الوندال(‪ )la guerre contre les Vandale s‬في إفريقيا وضد املمالك املورية مابين‬
‫‪548- 534‬م‪ 5‬وانتصارات القائد جون تروقيليتا على القبائل املورية‪.‬‬

‫َ‬
‫‪ - 1‬اسكندر فايز نجيب‪ ،‬الشمال اإلفريقي في عهد الوندال في مصف املؤرخ املعاصر فيكتور دي فيتا ‪،‬حولية التاريخ‬
‫اإلسالمي والوسيط‪ ،‬العدد‪2007/2006 ،05‬م‪ ،‬مصر العربية للنشر‪ ،‬القاهرة ‪،‬ص‪146‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Procope de Césarée, construction de justinien 1er, trad Denis Roques, éd dell’orso‬‬
‫‪alessandria,2011,p01.‬‬
‫‪ - 3‬خشيم علي فهمي‪ ،‬نصوص ليبية ‪ ،‬املؤسسة العامة للثقافة ‪ ،‬ليبيا‪2009،‬م ‪،‬ص ‪167‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Procope, construction de justinien 1er, trad. dénis roques, op-cit, p6.‬‬
‫‪5 - Noëlle Géroudet et Hélène M énard, l’Afrique du nord de l’atlantique à la tripolitaine 69-‬‬
‫‪439, éd belin, paris, 2005, p76.‬‬
‫‪32‬‬
‫ديسمبر‪2020‬‬ ‫املجلد ‪ /19‬العدد الثاني‬ ‫مج ـ ـ ـ ـ ـ ـلة عص ـ ـ ـ ـور‬
‫اإليداع القانوني ‪Depot légal 464 - 2002‬‬ ‫‪EISSN 6278-2600 / ISSN 1112- 4237‬‬

‫‪ ‬املجلد الثالث يضم ثالثة أجزاء (‪ )03‬يتناول فيها الكاتب تاريخ الحروب البيزنطية‬
‫ضد القوط الشرقيين (‪ )la guerre contre les Goths‬في ايطاليا وبعض الشعوب‬
‫الباربارية في البلقان مابين ‪550- 544‬م ‪.1‬‬
‫‪ ‬املجلد الرابع يضم جزءا واحدا (‪ )01‬ويعتبر تكملة للكتب السابقة‪ 2‬وقد ألفه‬
‫سنة ‪552‬م‪ ،‬وهو عبارة عن تكملة ملا سبق من الكتب‪ ،‬يتحدث فيه بروكوب عن‬
‫الحروب ضد القوط والفرس واألوضاع في منطقة الدانوب ‪.‬‬
‫‪ - 2‬عمائر جوستينيان (‪)Construction de Justinien/ Les Edifices‬‬
‫وتنقسم إلى ستة أجزاء‪ ،‬وتضم قائمة األعمال واملنشآت العامة التي أنجزت في‬
‫َ‬
‫عهد اإلمب راطور جوستينيان‪ ،‬وقد ألف "العمائر" برغبة إمب راطورية سيما أنها تحوي‬
‫انطباعات شخصية كثيرة‪ ،‬ويتميز كتاب العمائر أو البنايات بطابع رسمي وتملق‬
‫اإلمب راطور وتمجيد أعماله‪. 3‬‬
‫كما يحتوي على الئحة بأسماء الحصون التي أقامها اإلمب راطور جوستينيان في‬
‫مختلف مناطق بالد املغرب‪ ،‬هذا ولم يفصل الكاتب بين املنجزات التي تعود بشكل‬
‫كامل لإلمب راطور وبين البنايات التي تم ترميمها وإعادة بناءها ‪ ، 4‬والظاهر أن بروكوب‬
‫َ‬
‫ألف كتاب البنايات أو عمائر جوستينيان في حدود سنة ‪554‬م‪.5‬‬
‫تحدث بروكوب في هذا الجزء عن أهم البنايات و املنجزات العمرانية التي أقيمت‬
‫في فترة حكم اإلمب راطور جوستينيان والتي كان له الفضل الكبير في تشييدها وفي‬
‫إعادة بعثها من جديد‪ ،‬غير أن هذا الكتاب ال يساعدنا كثي را في فهم األحداث‬
‫التاريخية ومجرياتها‪ ،‬لكنه يفيدنا في إبراز الطابع والسياسة التي سار عليها اإلمب راطور‬
‫جوستينيان في بناء العمارة الدفاعية بالخصوص في بالد املغرب القديم كإست راتيجية‬

‫‪1‬‬
‫‪- Procope, H.S, trad. Pierre M araval, op -cit, p10.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Procope, construction de justinien 1er ,trad.denis roques,opcit,p6‬‬
‫‪ - 3‬خشيم ع‪.‬ف‪،‬املرجع السابق‪،‬ص‪168‬‬
‫‪ - 4‬بن حربيط ع‪.‬م‪ ،‬شمال إفريقيا تحت الحكم البيزنطي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪25‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Procope, H.S, trad. Pierre M araval, op -cit p10‬‬
‫‪33‬‬
‫ديسمبر‪2020‬‬ ‫املجلد ‪ /19‬العدد الثاني‬ ‫مج ـ ـ ـ ـ ـ ـلة عص ـ ـ ـ ـور‬
‫اإليداع القانوني ‪Depot légal 464 - 2002‬‬ ‫‪EISSN 6278-2600 / ISSN 1112- 4237‬‬

‫أمنية وعسكرية‪ ،‬والتي كان الهدف منها التصدي للهجمات املوررية‪ ،‬وهو ما يهمنا‬
‫كثي را في دراسة الجانب العسكري والعمارة الدفاعية في عهد اإلمب راطور جوستينيان‪.1‬‬
‫َ‬
‫الظاهر أن الدافع من وراء كتابة بروكوب للمؤلف هو كسب رض ى وعطف‬
‫اإلمب راطور جوستينيان‪ ،‬يظهر من ذلك أن بروكوب كان ينتظر املكافأة من اإلمب راطور‬
‫أو كأنه كان يسعى إلى مناصب إدارية في البالط اإلمب راطوري‪ ،‬أو ربما هو محاولة‬
‫إصالح خطا ما ارتكبه بروكوب في حق اإلمب راطور جوستينيان ؟‪ ، 2‬وقد ذكر بروكوب‬
‫في هذا املؤلف أن اإلمب راطور جوستينيان استطاع أن يبني أو يرمم أو يعيد بناء عن ما‬
‫يزيد عن ‪ 1128‬وحدة أو بناية فيما بين ‪565- 527‬م ‪ ،‬وهذا في كل املناطق التي‬
‫أخضعها إلى حدود اإلمب راطورية البيزنطية في الشرق و الغرب وبالد املغرب‪.3‬‬
‫‪ - 3‬التاريخ السري‪ ،‬األشياء الدفينة أو الذكريات( ‪L’Histoire Secrète Anecdote‬‬
‫‪4‬‬
‫‪)ou‬‬
‫هي مؤلفات لم تنشر في حياة املؤلف بروكوب‪ ،‬ألنها تحتوي أشياء سرية عن‬
‫اإلمب راطور جوستينيان وقائده بلي زار وعائالتهم‪ ،5‬كتب املؤلف "التاريخ السري"‬
‫(‪ ) Histoire Secret‬باللغة اإلغريقية واملعنون ب" األشياء الدفينة "‪ ،‬وهناك من‬
‫املؤرخين أمثال ايزمبير (‪ )Isambert‬من اعتبروا أن مصطلح (‪ )Anecdote‬يعني الكتاب‬
‫َ‬
‫السري‪ ،‬يحتوي املؤلف على مجموعة من األحداث و الوقائع التي ال يجب تبليغها‬
‫للعامة‪ ،‬وربما سمي هذا الكتاب بهذا املصطلح ألن الطريقة التي روى بها الكاتب تشبه‬
‫طريقة حكاية النوادر‪.6‬‬

‫‪ - 1‬اللبار محمد‪ ،‬إفريقيا الوندالية بين الحمالت البيزنطية والثورات املورية (‪534- 429‬م) ‪ ،‬ط‪،1‬كلية اآلداب و‬
‫العلوم اإلنسانية‪ ،‬فاس‪2002،‬م ‪،‬ص‪.15‬‬
‫‪ - 2‬بن حربيط م‪.‬ع ‪ ،‬شمال إفريقيا تحت الحكم البيزنطي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.25‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Procope, construction de justinien 1er ,trad.denis roques,op-cit,p9 .‬‬
‫‪ - 4‬انظر ‪:‬‬
‫‪- Ernest Renan, Anekdota ou histoire secret de Procope, article Parudans le journales des‬‬
‫‪débat,19 juillet 1857,pp.202-211 .‬‬
‫‪ - 5‬خشيم ع ف‪ ،‬املرجع السابق‪،‬ص‪.168- 167‬‬
‫‪6‬‬ ‫‪er‬‬
‫‪- Procope, construction de justinien 1 , trad. Denis roques, op-cit,p6.‬‬
‫‪34‬‬
‫ديسمبر‪2020‬‬ ‫املجلد ‪ /19‬العدد الثاني‬ ‫مج ـ ـ ـ ـ ـ ـلة عص ـ ـ ـ ـور‬
‫اإليداع القانوني ‪Depot légal 464 - 2002‬‬ ‫‪EISSN 6278-2600 / ISSN 1112- 4237‬‬

‫َ‬
‫والتاريخ السري هو الكتاب التاسع ضمن مؤلفات بروكوب‪ ،‬يؤرخ بالسنة‬
‫َ‬
‫الثانية و الثالثون من تاريخ حكم اإلمب راطور جوستينيان أي أن املؤلف تم كتابته‬
‫مابين ‪559- 558‬م ألنه ال يحتوي على أي أحداث تاريخية بعد سنة ‪559‬م يعود ذلك‬
‫ربما إلى وفاة الكاتب‪ ،‬وهناك من يرى أن تاريخ كتابة بروكوب "التاريخ السري" كان‬
‫سنة ‪550‬م‪ ، 1‬و يهدف املؤلف من وراء تأليف هذا الكتاب إلى تغطية النقص الذي‬
‫وجده في تاريخ الحروب‪ ،‬حيث لم يبح بالحقيقة الكاملة التى كان يريد البوح بها‬
‫ألسباب نجهلها ‪. 2‬‬
‫كما تميز التاريخ السري بفضح مجموعة من الجرائم السياسية و االجتماعية‬
‫و األخالقية التي ارتكبها اإلمب راطور جوستينيان وزوجته تيودورا ‪)Théodora(3‬‬
‫والقائد بلي زاريوس وزوجته أنطونيا (‪ ، 4)Antonia‬كما تناول فيه التاريخ اإلداري و‬
‫االقتصادي للبيزنطيين بصفة خاصة و لم يتطرق إلى بالد املغرب و تاريخه وعليه فهو‬
‫ال يفيدنا كثي را في البحث الخاص بنا ‪ ،‬ألنه لم يتطرق إلى األحداث التي مست املنطقة‬
‫و التي تهمنا في هذه الدراسة و بالخصوص تاريخ بالد املغرب في الفترة املتأخرة من‬
‫التاريخ القديم‪ ، 5‬ورغم ذلك ال يمكن االستغناء عنه فهو يعطينا صورة عامة عن‬
‫األوضاع التي كانت تعيشها اإلمب راطورية البيزنطية في أواخر فترة حكم اإلمب راطور‬
‫جوستينيان والتي كانت لها انعكاسات على بالد املغرب والجزائر بالخصوص‪.‬‬
‫وحسب ماجدة بن حربيط أن سبب تأليف بروكوب للتاريخ السري مرتبط‬
‫بانفعاله الشديد‪ ،‬حيث انتقد فيه السياسة البيزنطية وهي سياسة اإلمب راطور‬
‫جوستينيان‪ ،‬كما انتقد زوجة اإلمب راطور تيودورا وكذا بلي زاريوس وزوجته انطونيا‬
‫َ‬
‫فكان املؤلف وكأنه تقرير عن جرائم وحشية قامت بها السلطة اإلمب راطورية‬
‫َ‬
‫وإهمالهم للواجب اتجاه الشعب‪ ،‬وقد تكون جرأته لكتابة هذا املؤلف كانت بعد وفاة‬

‫‪1‬‬
‫‪- Procope, H.S, trad. Pierre M araval, op -cit, p10‬‬
‫‪ - 2‬بن حربيط م‪.‬ع ‪ ،‬شمال إفريقيا تحت الحكم البيزنطي‪،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪23،24‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪- Procope, H.S, trad. Pierre M araval, op -cit, p15-16.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪-Ibid ,p19‬‬
‫‪ - 5‬اللبار م إفريقيا الوندالية‪ ،‬املرجع السابق‪،‬ص‪.15‬‬
‫‪35‬‬
‫ديسمبر‪2020‬‬ ‫املجلد ‪ /19‬العدد الثاني‬ ‫مج ـ ـ ـ ـ ـ ـلة عص ـ ـ ـ ـور‬
‫اإليداع القانوني ‪Depot légal 464 - 2002‬‬ ‫‪EISSN 6278-2600 / ISSN 1112- 4237‬‬

‫اإلمب راطورة تيودورا‪ ،‬وتقدم اإلمب راطور في السن حيث بلغ آنذاك حوالي سبعين عاما‪،‬‬
‫ولكن املؤلف لم ينشر في حياة بروكوب مما طرح مسألة الشك في كونه صاحب‬
‫الكتاب‪ ،‬لكن األمر ال يعتمد على دليل ملموس ألن مومسن (‪ )Moumsen‬الخبير‬
‫باملصادر التاريخية لهذه الفترة لم يشك إطالقا في انتسابه لبروكوب وانه صاحب‬
‫الكتاب ‪. 1‬‬
‫هذا ورغم املعلومات املشكوك في صحتها والواردة في الكتاب السري ال يمكن‬
‫االستغناء عن هذا املؤلف ملا يحتويه عن معلومات‪ ،‬وأحداث تاريخية عن‬
‫اإلمب راطورية البيزنطية والسلطة الحاكمة وعن السياسة اإلدارية و العسكرية التي‬
‫كانت تنتهجها اتجاه املقاطعات التي تم التوسع فيها بما فيها بالد املغرب القديم ‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬أهمية كتب بروكوب في تاريخ بالد املغرب القديم عامة والجزائر‬
‫البيزنطية خاصة‬
‫تتجلى أهمية مؤلفات بروكوب في املكانة التي كان يحتلها ووظيفته اإلدارية‬
‫ومنصبه السياس ي ككاتب ومستشار للقائدين بلي زاريوس وفيما بعد للقائد‬
‫صولومون‪ ، 2‬و هو األمر الذي َأهله للوقوف على العديد من األسرار و األحداث‪ ،‬وهذا‬
‫بفضل إقامته في بالد املغرب ومعايشته لألحداث فيها عن قرب‪ ،‬األمر الذي يجعل‬
‫بعض كتاباته مقبولة ‪.‬‬
‫كما أن إطالعه الكبير على كتابات املؤرخين األقدمين يضعه في مكانة رفيعة‬
‫ومرموقة بين املؤرخين القدماء‪ ،‬وقد اطمأن لكتاباته مجموعة من املؤرخين‬
‫املعاصرين أمثال ماركوس (‪ )Marcus‬و يانوسكي (‪ )Yanoski‬وديال (‪)Diehl‬‬
‫ومارطروي (‪ )Martroye‬وكورتوا (‪ ، ) Courtois‬و شكك في مصداقيته ومصداقية‬
‫املعلومات التي ساقها لنا كل من شميت(‪ )Chmidte‬وستين (‪ )Stein‬وكامرون‬

‫‪ - 1‬بن حربيط م‪.‬ع‪ ،‬شمال إفريقيا تحت الحكم البيزنطي‪،‬املرجع السابق‪،‬ص‪25‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- Procope, H.S, trad. Pierre M araval, op -cit, p15.‬‬
‫‪36‬‬
‫ديسمبر‪2020‬‬ ‫املجلد ‪ /19‬العدد الثاني‬ ‫مج ـ ـ ـ ـ ـ ـلة عص ـ ـ ـ ـور‬
‫اإليداع القانوني ‪Depot légal 464 - 2002‬‬ ‫‪EISSN 6278-2600 / ISSN 1112- 4237‬‬

‫(‪ ) Cameron‬خاصة ما تعلق األمر بأحداث القرن الرابع‪ ،‬التي جهل عنها الكثير من‬
‫الوقائع التاريخية والتي ربما استقاها من كتابات معاصريه‪.1‬‬
‫وقد عبر املؤرخ ستين )‪ (Stein‬عن أهمية ما كتبه بركوب قائال‪ » :‬إن ما‬
‫رواه وكتبه بروكوب في تواريخه عن ثلثي عهد جوستينيان‪ ،‬أغنى بكثير مما روته‬
‫املصادر عن عهد شيشرون وقيصر‪. « 2‬‬
‫ونهتم في بحثنا بشكل أساس ي بكتاب الحروب ضد الوندال‪ ،‬وهو املجلد الثاني‬
‫الذي يحتوي جزأين ‪ ،‬حيث يشتمل الجزء األول على خمسة وعشرون فقرة‪ ،‬أما‬
‫الجزء الثاني فيحتوي على ثمانية وعشرون فقرة‪ ،‬وهو األهم بالنسبة لدراستنا‬
‫خاصة الفقرات األربعة عشر األخيرة التي تحكي عن الحروب التي خاضها البيزنطيون‬
‫ضد املور في بالد املغرب مابين ‪548- 534‬م‪ ،‬وبالخصوص حروب القائد صولومون‬
‫ضد القبائل املورية‪ ،‬كما يتضمن أحداث الصراع بين امللك الوندالي جلمير(‪)Gelmir‬‬
‫والقائد البيزنطي بلي زار‪ ،‬وأحداث معركة تريكاماروم (‪ )Tricamarum‬وفرار جلمير إلى‬
‫جبل كابوا (‪ )Caboua‬وكيفية إلقاء القبض عليه وحاشيته و نهايته‪ ،‬ومصير الوندال‬
‫في بالد املغرب علي بعد سقوط دولتهم‪ ،‬ودور اإلمب راطور جوستينيان في ذلك‪.‬‬
‫كما خصص بروكوب السبع فقرات األولى من الجزء األول للحديث عن تاريخ‬
‫اإلمب راطورية الرومانية في نهاية القرن الرابع و الخامس ميالدي وهو تاريخ انقسام أو‬
‫بداية انقسام اإلمب راطورية الرومانية‪ ،‬وتحدث فيه عن مختلف األحداث إلى غاية‬
‫وفاة امللك الوندالي جنسريق سنة ‪477‬م‪ ،‬حيث أبرز فيه العالقات الوندالية‬
‫الرومانية البيزنطية و كيفية دخول الوندال شبه الجزيرة األيبيرية وتحركاتهم في أروبا‬
‫وبالد املغرب‪ ،‬و مراحل احتاللهم بالد املغرب سنة ‪429‬م‪ ،‬كما تضمن حملة جنسريق‬
‫على روما سنة ‪455‬م‪ ،‬وفشل حملة ماجوريان (‪ )Majorien‬على الوندال سنة ‪460‬م‪،‬‬
‫وانهزام القائد بازيلسكوس)‪ (Basiléscus‬سنة ‪468‬م في عهد اإلمب راطور البيزنطي ليون‬
‫األول )‪ (Lion1‬في حملته على بالد املغرب ضد الوندال ‪.‬‬

‫‪ - 1‬اللبار م‪ ،‬إفريقيا الوندالية‪،‬املرجع السابق‪،‬ص‪.14‬‬


‫‪ - 2‬بن حربيط م ع ‪ ،‬شمال إفريقيا تحت الحكم البيزنطي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.15‬‬
‫‪37‬‬
‫ديسمبر‪2020‬‬ ‫املجلد ‪ /19‬العدد الثاني‬ ‫مج ـ ـ ـ ـ ـ ـلة عص ـ ـ ـ ـور‬
‫اإليداع القانوني ‪Depot légal 464 - 2002‬‬ ‫‪EISSN 6278-2600 / ISSN 1112- 4237‬‬

‫وتضم مممنت بم ممااي الفصم ممول الص م مراع الونم ممدالي املم مموري بعم ممد وفم مماة امللم ممك الون م ممدالي‬
‫جنسمريق وكممذا الص مراع املمموري ضممد البي مزنطيين خاصممة فممي عهممد جوسممتينيان‪ ،‬وحملممة‬
‫هذا األخير على بالد املغرب‪ ،‬لينهي كتابه بسرد أحداث الحملة البيزنطيمة علمى املنطقمة‬
‫والتحض ممي رات الت ممي ق ممام به مما بليم م زار واملع ممارك الت ممي خاض ممها للقض مماء عل ممى الون ممدال س ممنة‬
‫‪533‬م‪ ،‬ونهاية االحتالل الوندالي وبداية السيطرة والتوسع البيزنطي في املنطقة‪.‬‬
‫أما كتاب العمائر أو املنجزات فتكمن أهميته في كونه يعطينا صورة عامة عن‬
‫انجازات اإلمب راطور جوستينيان فيما يخص اإلنشاء والترميم الذي قام به والذي‬
‫مس مناطق كثيرة في بالد املغرب‪ ،‬وما يهمنا في هذا البحث هو تاريخ الجزائر على وجه‬
‫الخصوص فقد قام اإلمب راطور بسياسة دينية وإدارية وعسكرية أدت إلى بناء وإعادة‬
‫بعث عدد كبير من املنشآت الدينية والعسكرية في الجزائر وذلك بقصد إحكام‬
‫السيطرة والتوسع والتصدي ملختلف الهجمات والثورات املورية املختلفة في الجزائر‬
‫البيزنطية وقد تكلم بوكوب كثي را عن ذلك في مؤلفه عمائر جوستينيان في الجزء‬
‫السادس ‪.1‬‬
‫والشواهد األثرية البيزنطية كثيرة في الجزائر خاصة ما تعلق منها بالجانب‬
‫العسكري وبالخصوص في املناطق الساحلية‪ ،‬وفي املدن الداخلية من الشمال‬
‫الشراي للجزائر ‪ .‬فنجد أن اآلثار البيزنطية من قالع وحصون يمتد أثارها من الشرق‬
‫إلى غاية سطيف وهي دليل على اإلست راتيجية العسكرية لالحتالل البيزنطي في‬
‫الجزائر ‪.‬‬
‫ما يهمنا من كتابات بروكوب عن تاريخ املغرب القديم في ظل االحتالل البيزنطي‪،‬‬
‫هو كتاب الحروب في الجزء الثالث والرابع وكتاب العمائر ‪ ،les édifices‬حيث‬
‫تساعدنا كتاباته كثي را في فهم األوضاع التي كانت تمر بها اإلمب راطورية الرومانية‬
‫الغربية وحروبها املتواصلة ضد القبائل الجرمانية بصفة عامة وكيف انعكست على‬
‫بالد املغرب‪ ،‬األمر الذي سه ل عملية السيطرة عليها من طرف القبائل الوندالية‬

‫‪1‬‬
‫‪- Cousin M r, Histoire de Constantinople depuis le règne de l’ancien Justin jusqu'à la fin de‬‬
‫‪l’empire, T II, libraire ordinaire de roi, paris, 1687.‬‬
‫‪38‬‬
‫ديسمبر‪2020‬‬ ‫املجلد ‪ /19‬العدد الثاني‬ ‫مج ـ ـ ـ ـ ـ ـلة عص ـ ـ ـ ـور‬
‫اإليداع القانوني ‪Depot légal 464 - 2002‬‬ ‫‪EISSN 6278-2600 / ISSN 1112- 4237‬‬

‫بمساعدة القبائل املورية التي ثارت في كامل منطقة الجزائر القديمة في األوراس‬
‫ونوميديا وموريطانيا السطايفية و القيصرية‪. 1‬‬
‫نجد أيضا بروكوب يتكلم عن القبائل املورية املنتشرة في الجزائر وعالقتها‬
‫بالقبائل الوندالية املتمركزة في تونس حاليا‪ ،‬وهي نفسها القبائل التي تثور ضد‬
‫االحتالل البيزنطي فيما بعد والتي بقيت ثوراتها مستمرة ولم تتوقف إلى غاية الفتح‬
‫اإلسالمي لبالد املغرب القديم ‪.2‬‬
‫كما يفيدنا كتاب الحروب في الجزء الثالث في معرفة األوضاع الدينية التي كانت‬
‫تمر بها بالد املغرب في الفترة الوندالية رغم بعض االظطهادات التي تعرضوا لها من‬
‫طرف القبائل الوندالية و االنتشار الكبير للمسيحية في الفترة البيزنطية بسبب‬
‫السياسة الدينية التي انتهجها اإلمب راطور جوستينيان في بناء الكنائس و االهتمام‬
‫برجال الدين والسماح بإقامة املجامع الدينية‪. 3‬‬
‫ومن األحداث التي تهمنا في تاريخ املغرب القديم البيزنطي وما كتبه بروكوب‬
‫عن القبائل املورية هو ذكر عدد من القبائل املورية‪ ،‬ويبدو انه ذكر األقوى و األهم‬
‫ولم يذكرها كلها ‪ ،‬حيث يذكر انه بمجرد وصول الوندال إلى بالد املغرب سنة ‪429‬م‬
‫ظهرت قبائل قوية معادية لالحتالل الروماني تحالفت مع الوندال للقضاء على‬
‫الرومان‪ ،‬األمر الذي يقودنا إلى التفكير أن الثورات لم تتوقف وبقيت مستمرة رغم‬
‫غياب الكتابات الكالسيكية التي تؤطد ذلك‪ ،‬و إال كيف نفسر بروز عدد من القبائل‬
‫وبقوة كبيرة وتحالفها مع الوندال‪ ،‬حيث يمكن القول انه ولوال تحالف هذه القبائل‬
‫مع الوندال ملا استطاعت القبائل الوندالية القضاء على الرومان بهذه السهولة وهي‬
‫نفسها القبائل التي تظهر بشكل أقوى مع بداية االحتالل البيزنطي للجزائر ‪.4‬‬
‫ومن القبائل القوية التي ذكرها في مؤلفه قبائل األوراس التي كانت تسيطر على‬
‫مساحة كبيرة جنوب نوميديا وقائدها يوداس والى الشمال الشراي نجد قبائل‬
‫‪1‬‬
‫‪- Procope , GV, III‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Dureau de la M alle , L’algerie , Histoire des guerres des romaines des byzantine et des‬‬
‫‪vandales , paris, librairie des firmin didot frères ,1832 ,Procope , G V , III, 8.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Procope , GV , III ,8‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Procope , GV , III‬‬
‫‪39‬‬
‫ديسمبر‪2020‬‬ ‫املجلد ‪ /19‬العدد الثاني‬ ‫مج ـ ـ ـ ـ ـ ـلة عص ـ ـ ـ ـور‬
‫اإليداع القانوني ‪Depot légal 464 - 2002‬‬ ‫‪EISSN 6278-2600 / ISSN 1112- 4237‬‬

‫النمامشة والى الغرب من االوراس قبائل الحضنة وقائدها اورتياس ونجد قبائل‬
‫قوية في موريطانيا القيصرية أشهر زعمائها ماستيغاس وفي أقص ى الغرب الجزائري‬
‫نجد قبائل مازونة القوية ‪....‬الخ ‪.‬‬
‫ويذكر بروكوب في ذلك قوة القبائل املورية التي تصدت للتوسع البيزنطي في‬
‫بالد املغرب القديم األمر الذي أدى إلى التوسع في مناطق قليلة دون ما كان مخططا‬
‫له وهو احتالل كامل للمناطق التي وصل إليها االحتالل الروماني وهذا يدل على قوة‬
‫القبائل املورية املتمركزة في الجزائر حاليا ‪.1‬‬
‫كما تكمن أهمية كتابات بروكوب في كونها تعطينا صورة عامة عن األوضاع‬
‫السياسية و العسكرية التي كانت تعيشها بالد املغرب في الفترة البيزنطية خاصة مع‬
‫بداية االحتالل وطيلة عهد حكم اإلمب راطور جوستينيان‪ ،‬وتذكر لنا أهم اإلجراءات‬
‫السياسية و العسكرية التي قام بها وذلك بهد إحكام السيطرة و التوسع‪.‬‬
‫كما يعطينا بروكوب في ذلك صورة عن العالقات البيزنطية مع مختلف القبائل‬
‫املورية التي كانت تنتشر في بالد املغرب عامة و الجزائر خاصة مع بداية االحتالل‪،‬‬
‫ويعطينا سبب الخالفات فيما بعد بين االحتالل والقبائل املورية واهم الثورات التي‬
‫قام بها سكان املنطقة للقضاء ومنع التوسع البيزنطي‪. 2‬‬
‫ويعطينا أيضا صورة عامة عن الحياة االجتماعية التي كانت تعيشها مختلف‬
‫القبائل املورية كما يعطينا صورة عن البيئة الجغرافية والحياة االقتصادية‬
‫واملناطق الصعبة التي كانت تستقر فيها القبائل املورية‪ ،‬فقد كانت متمركزة بشكل‬
‫كبير في الجبال مثل القبائل االوراسية أو الصحراء مثل القبائل الطرابلسية ‪. 3‬‬
‫كما تكلم بروكوب عن أهم الثورات التي قامت بها القبائل املورية ضد القائد‬
‫البيزنطي بلي زاريوس وصولومون واإلست راتيجية العسكرية التي كانت تطبقها القبائل‬

‫‪1‬‬
‫‪- Procope , GV ,III,25-26‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Procope, GV, III, 11-12‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Procope, GV, III, 13‬‬
‫‪40‬‬
‫ديسمبر‪2020‬‬ ‫املجلد ‪ /19‬العدد الثاني‬ ‫مج ـ ـ ـ ـ ـ ـلة عص ـ ـ ـ ـور‬
‫اإليداع القانوني ‪Depot légal 464 - 2002‬‬ ‫‪EISSN 6278-2600 / ISSN 1112- 4237‬‬

‫املورية لإلطاحة بالجيوش البيزنطية التي كثي را ما كانت تجهل البيئة الجغرافية‬
‫الصعبة لبالد املغرب والجزائر بالخصوص ‪.1‬‬

‫خاتمة ‪:‬‬
‫وما يمكن قوله في أخر هذا البحث عن تاريخ بالد املغرب في ظل االحتالل‬
‫البيزنطي‪ ،‬أن الدراسات التاريخية الكالسيكية التي تتحدث عن الفترة البيزنطية‬
‫قليلة‪ ،‬وهي دراسات تخص الكتاب البيزنطيين و يغلب عليها طابع الذاتية و خالية من‬
‫املوضوعية التاريخية األمر الذي يحتم على الباحث في الفترة املتأخرة من التاريخ‬
‫القديم‪ ،‬ويجعله في حيرة من أمره هل يأخذ بما جاء فيها أم يأخذ الجزء أو يتخلى عنها‬
‫تماما‪ ،‬واملشكل انه ليس هناك بديل في التعامل مع هذه املصادر ألنها الوحيدة رغم‬
‫ما فيها من أحداث ال تتماش ى و الحقيقة التاريخية وهو حال كتابات بروكوب‬
‫القيصري‪.‬‬
‫وللبحث في تاريخ بالد املغرب القديم في ظل االحتالل البيزنطي‪ ،‬ال يجب إغفال‬
‫الجانب األثري ومقارنته بما هو موجود في الكتابات الكالسيكية منها ما ذكره‬
‫بروكوب‪ ،‬وإعادة النظر في األحداث من خالل كثرة القراءات واالعتماد على التحليل‬
‫األقرب إلى الواقع وعدم االنحياز لجهة معينة للوصول إلى حقيقة األحداث التي‬
‫عرفتها املنطقة وسكانها في الفترة البيزنطية ‪.‬‬
‫هذا وتبقى كتابات بروكوب القيصري من األعمال املهمة والكبيرة التي أزاحت‬
‫الكثير من الغموض عن تاريخ العالم القديم في الفترة املتأخرة منه‪ ،‬ومن األعمال التي‬
‫رسمت الصورة الحضارية لتاريخ بالد املغرب القديم عامة و الجزائر خاصة رغم ما‬
‫فيها من أحداث ال تتماش ى و الحقيقة التاريخية ‪.‬‬
‫فمن خالل كتابات بروكوب عرفنا أوضاع بالد املغرب و الجزائر بعد سقوط‬
‫إلمب راطورية الرومانية التي عمرت في املنطقة عما يزيد عن الخمس قرون‪ ،‬كانت لها‬
‫انعكاسات على املنطقة وسكانها‪ ،‬حيث خرجت الجزائر من احتالل قوي سياسيا‬

‫‪1‬‬
‫‪- Procope, GV, III, 26-27‬‬
‫‪41‬‬
2020‫ديسمبر‬ ‫ العدد الثاني‬/19 ‫املجلد‬ ‫مج ـ ـ ـ ـ ـ ـلة عص ـ ـ ـ ـور‬
Depot légal 464 - 2002 ‫اإليداع القانوني‬ EISSN 6278-2600 / ISSN 1112- 4237

‫وعسكريا واصطدمت باحتالل ضعيف تعايشت معه وحاولت مختلف القبائل‬


‫املورية من خالله إثبات ذاتها وافتكاك استقاللها وحريتها طيلة الفترة الوندالية‬
. ‫والبيزنطية‬

: ‫قائمة املصادر و املراجع‬


‫ تر عبد العزيز بل الفايدة‬،‫ تاريخ شمال إفريقيا القديم‬،‫ ألبير عياش‬- 1
‫م‬2008،‫الرباط‬،1‫ط‬،
َ
‫ الشمال اإلفريقي في عهد الوندال في مصف املؤرخ املعاصر‬،‫ اسكندر فايز نجيب‬- 2
‫ مصر‬،‫م‬2007/2006 ،05‫ العدد‬،‫حولية التاريخ اإلسالمي والوسيط‬، ‫فيكتور دي فيتا‬
. ‫ القاهرة‬،‫العربية للنشر‬
)‫م‬534- 429( ‫إفريقيا الوندالية بين الحمالت البيزنطية والثورات املورية‬،‫ اللبار محمد‬- 3
.‫م‬2002،‫ فاس‬، ‫كلية اآلداب و العلوم اإلنسانية‬،1‫ط‬،
)‫م‬647- 533( ‫ شمال إفريقيا تحت الحكم البيزنطي‬، ‫ بن حربيط ماجدة علي‬- 4
.‫م‬2012،‫ فاس‬، ‫منشورات كلية اآلداب و العلوم اإلنسانية‬،1‫ط‬،
‫م‬2009،‫ ليبيا‬، ‫ املؤسسة العامة للثقافة‬، ‫ نصوص ليبية‬،‫ خشيم علي فهمي‬- 5
6- Dureau de la malle, L’Algérie, Histoire des guerres des
romaines des byzantine et des vandales, paris, librairie des firmin
didot freres, 1832, Procope, G V, III.
7- Procope de Césare, la guerre contre les vandales, II, traduit et
commenté par Denis roques, les belles lettres ,1990
8- Cousin Mr, Histoire de Constantinople depuis le règne de
l’ancien Justin jusqu'à la fin de l’empire, T II, libraire ordinaire
de roi, paris, 1687.
9- Ernest Renan, Anekdota ou histoire secret de Procope, article
Parudans le journales des débats, 19 juillet 1857.
10- Procope de Césarée, Histoire secrète, trad. Pierre Maraval,
éd les belles lettres, paris, 1990
11- Noëlle Géroudet et Hélène Ménard, l’Afrique du nord de
l’atlantique à la tripolitaine 69-439, éd belin, paris, 2005.
12- Procope de Césarée, construction de justinien 1 er, trad Denis
Roques, éd dell’orso alessandria,2011.
42

You might also like