Professional Documents
Culture Documents
اإليداع القانوني Depot légal 464 - 2002 EISSN 6278-2600 / ISSN 1112- 4237
د .عم ـ ـ ـ ـاد ط ـ ـ ـ ـويل
جامعة محمد ملين دباغين /سطيف 2الجزائر
i.touil@univ-setif2.dz
تاريخ القبول 2020//04/27 : تاريخ املراجعة2020/02/22 : تاريخ اإلرسال2020/02/11 :
املخلص
قد تعتبر كتابات بروكوب الوحيدة التي تسرد بعض الوقائع و األحداث عن
تاريخ بالد املغرب القديم في ظل االحتالل البيزنطي ،فليس لدينا بديال لالستغناء عنها
رغم ما تحتويه من أحداث ووقائع خالية تماما من الحقيقة التاريخية ،ألن هذا
األخير ( بروكوب ) لم يكن هدفه الكتابة و إبراز الحقائق التاريخية ،بل يظهر من
كتاباته أنها كتابات موجهة يراد من خاللها الوصول إلى هدف معين؛ حيث كتب
بروكوب لإلمب راطور وللسلطة اإلمب راطورية ،وقد غلب على كتاباته ذكر ووصف القوة
واالنتصار لذات االمب راطورية ،ومحاولة تغليب صفات الضعف واالنهيار لسكان بالد
املغرب القديم وسكانها .
الكلمات املفتاحية :بروكوب ؛ االحتالل ؛ البيزنطيون ؛ الجزائر القديمة ؛ املصادر
البيزنطية.
Abstract :
Given that Procopius writings are the only ones that list
some facts and events about the history of the ancient Maghreb
in the light of the Byzantine occupation, we have no alternative
to dispense with them despite the contents and events completely
devoid of historical truth because the latter (Procopius) was not
intended to write and highlight historical facts, but rather It
appears from his writings that they are directed writings through
which he aims to reach a specific goal, where he wrote Procopius
for the emperor and the imperial authority.
Key words :Procopius; occupation; Byzantines; ancient
;Algeria; Byzantine sources
مقدمة :
الدارس لتاريخ بالد املغرب القديم عامة في فترة االحتالل البيزنطي يجد شحا
كبي را في املادة التاريخية التي تتحدث عن تاريخ املنطقة ،األمر الذي دفع بالكثير من
الباحثين و املؤرخين الى عدم الرغبة في البحث عن تاريخ بالد املغرب في الفترة
املتأخرة من التاريخ القديم و بالخصوص الفترة البيزنطية .
وباملقابل نجد الكثير من املؤرخين املحدثين يهتمون وبشكل كبير بتاريخ بالد
املغرب خاصة في فترة االحتالل الروماني ،ويعود ذلك إلى توفر املادة التاريخية املادية
والكالسيكية التي تتحدث عن تاريخ املنطقة في كامل جوانبها الحضارية والى كثرة
الدراسات األجنبية و الفرنسية خاصة وكثرة التنقيبات األثرية التي ظهرت خالل فترة
االحتالل الفرنس ي للجزائر .
وعلى ذكر املصادر الكالسيكية التي تتحدث عن املغرب القديم في ظل
االحتالل البيزنطية فهي قليلة وال تشفي غليل الباحث وال تتحدث عن تاريخ املنطقة
وسكانها إال في محطات قليلة و عندما ترتبط األحداث فقط بما يمس مصالح
املحتل ،كما إنها ال تحمل املوضوعية التاريخية في سرد األحداث و الوقائع ،األمر
الذي يحتم على الباحث في هذه الفترة التحليل وإعادة النظر والقراءة املتكررة
29
ديسمبر2020 املجلد /19العدد الثاني مج ـ ـ ـ ـ ـ ـلة عص ـ ـ ـ ـور
اإليداع القانوني Depot légal 464 - 2002 EISSN 6278-2600 / ISSN 1112- 4237
للوصول إلى الحقيقة التاريخية وهو شأن املصادر البيزنطية التي ال تذكر الكثير عن
املغرب القديم وسكانها في هذه املرحلة التاريخية .
ومن املصادر التي ال يمكن االستغناء عنها في البحث عن تاريخ املغرب القديم في
فترة االحتالل البيزنطي نذكر كتابات املؤرخ البيزنطي بروكوب القيصري Procope
de césareخاصة كتاب الحروب في جزئيه الثالث و الرابع ،وكذا كتاب املنجزات les
édificesكما يسميه البعض من املؤرخين العمائر وهو تقريبا الكتاب الوحيد و املهم
الذي يسرد أحداث بالد املغرب القديم في الفترة البيزنطية وخالل القرن السادس
ميالدي .
وباعتبار كتابات بروكوب الوحيدة التي تسرد بعض الوقائع و األحداث عن
املغرب القديم في الفترة البيزنطية فليس لدينا بديال لالستغناء عنها رغم ما تحتويه
من أحداث ووقائع خالية تماما من الحقيقة التاريخية ألن هذا األخير لم يكن هدفه
الكتابة وإبراز الحقائق التاريخية بل يظهر من كتاباته أنها كتابات موجهة يراد من
خاللها الوصول إلى هدف معين ،حيث كتب بروكوب لإلمب راطور وللسلطة
اإلمب راطورية وقد غلب على كتاباته ذكر ووصف القوة واالنتصار لإلمب راطورية
البيزنطية ومحاولة تغليب صفات الضعف واالنهيار لسكان بالد املغرب والجزائر
وسكانها ،ولدراسة املوضوع نفضل إتباع املنهج التاريخي التحليلي للوصول إلى
الحقيقة التاريخية عن أوضاع بالد املغرب القديم في الفترة البيزنطية
ومن خالل بحثنا في تاريخ املغرب القديم في الفترة البيزنطية تبين لنا النقص
الكبير في األبحاث التاريخية عن الفترة البيزنطية وانصباب اهتمام املؤرخين الغرب
وتبعهم املحليين إلى االهتمام تاريخ املغرب القديم في الفترة الرومانية دون غيرها من
الفت رات األخرى رغم أهميتها في إبراز دور العنصر املحلي في الحضارات التي تلت فترة
االحتالل الروماني واقصد بالذكر الفترة الوندالية و البيزنطية .
وفي هذه الدراسة املوجزة و البسيطة عن تاريخ املغرب القديم في الفترة
البيزنطية سنقوم بالبحث عن أهمية كتابات بروكوب القيصري في الفترة البيزنطية،
حيث سنحاول في ذلك ذكر بعض األحداث املهمة التي ذكرها خاصة باملنطقة
30
ديسمبر2020 املجلد /19العدد الثاني مج ـ ـ ـ ـ ـ ـلة عص ـ ـ ـ ـور
اإليداع القانوني Depot légal 464 - 2002 EISSN 6278-2600 / ISSN 1112- 4237
وسكانها في الفترة البيزنطية ،وعالقة االحتالل بالسكان املحلين ورد فعلهم من
السياسة البيزنطية ،وأهم التساؤالت التي يمكن طرحها في هذا املقام هي :فيما تكمن
أهمية كتابات بروكوب القيصري عن تاريخ املغرب القديم في الفترة البيزنطية؟ من
يكون بروكوب القيصري ؟ وما هي أهم كتاباته عن تاريخ املغرب القديم في ضل
البيزنطي ؟ وإلى أي مدي يمكن الوثوق بما جاء فيها ؟
املبحث األول :حياته ) بروكوب القيصري ) Procope de Césarée
لم تصلنا معلومات وفيرة عن حياة بروكوب القيصري أو عن عائلته سوى ما
نعرفه عنه من خالل مؤلفاته ،وهو مؤرخ بييزنطي ولد في قيصرية ( فلسطين ) نهاية
القرن الخامس ميالدي أو في بداية القرن السادس ميالدي ،و الظاهر أنه من عائلة
ارستقراطية غنية ذات نفوذ كبير في قيصارية بفلسطين ،األمر الذي ساعده على
الترحال والتعلم والتكوين. 1
عمل موظفا في البالط اإلمب راطوري ،درس اآلداب القديمة و القانون ،كما
اشتغل باملحاماة بادئ األمر في القسطنطينية ثم عين أمينا سر خاصا للقائد
بلي زاريوس) (Blésariusعام 527م ،2صاحب بلي زاريوس في حمالته على بالد فارس ضد
السسانيين مابين 531- 527م على كل من بالد املغرب ضد الوندال مابين534- 533م3
وايطاليا ضد القوط الشرقيين مابين 540- 536م ،كما شغل نفس املهمة في الكتابة
الخاصة للقائد صولومون مابين 536- 534م في املغرب القديم.4
رجع إلى القسطنطينية سنة 540م ، 5ثم عين واليا فيها ما بين سنة 562م -
563م وتوفي حوالي 565م ، 1وهناك من يقول انه توفي ما بين 570- 560م وفي هذه
1
- Procope de Césarée, Histoire secrète, trad. Pierre Maraval, éd les belles lettres,
paris, 1990, p09
- 2ألبير عياش ،تاريخ شمال إفريقيا القديم ،تر عبد العزيز بل الفايدة ،ط،1الرباط2008،م ،ص.102
3 - Géroudet N et Ménard H, op-cit, p76.
- 4بن حربيط ماجدة علي ،شمال إفريقيا تحت الحكم البيزنطي (647- 533م) ،ط،1منشورات كلية اآلداب و
العلوم اإلنسانية ،فاس2012،م ،ص.17
5 - Procope, H S, trad. Roque D, op-cit, p10
31
ديسمبر2020 املجلد /19العدد الثاني مج ـ ـ ـ ـ ـ ـلة عص ـ ـ ـ ـور
اإليداع القانوني Depot légal 464 - 2002 EISSN 6278-2600 / ISSN 1112- 4237
َ
الفترة ألف كتابه األخير "البنايات أو عمائر جوستينيان" كما يسميه بعض
املؤرخين ، 2واملعروف عنه أيضا تعصبه للنصرانية الكاثوليكية وهو املذهب الذي
كان يدين به اإلمب راطور جوستينيان ،ويظهر ذلك األثر واضحا في الكثير من الروايات
و اإلحكام في النصوص التي كتبها .3
املبحث الثاني :مؤلفاته تصنف كتب بروكوب القيصري إلى ثالث أقسام
- 1التواريخ أو تاريخ الحروب
وينقسم كتاب الحروب أو كما يسميه بعض املؤرخين حروب جوستينيان إلى
عدة أجزاء منها الحروب ضد الفرس و الوندال و القوط وعددها ثمانية كتب ،وهي في
أربع مجلدات وقد نشرت األجزاء السبعة األولى في حدود سنة 551م 550-م ،أما
الجزء الثامن فيرجح أنه نشر في حدود سنة 553أو 554م: 4
وقد تم نشر األجزاء السبعة األولى في حدود سنة 551م ،وهي كالتالي:
املجلد األول يضم جزأين( )02يتناول فيهما املؤلف تاريخ الحروب البيزنطية ضد
الفرس( )la guerre contre les Perseمابين 533- 527م و 542- 540م .
املجلد الثاني يضم جزأين( )02يتناول فيهما املؤلف تاريخ الحروب البيزنطية ضد
الوندال( )la guerre contre les Vandale sفي إفريقيا وضد املمالك املورية مابين
548- 534م 5وانتصارات القائد جون تروقيليتا على القبائل املورية.
َ
- 1اسكندر فايز نجيب ،الشمال اإلفريقي في عهد الوندال في مصف املؤرخ املعاصر فيكتور دي فيتا ،حولية التاريخ
اإلسالمي والوسيط ،العدد2007/2006 ،05م ،مصر العربية للنشر ،القاهرة ،ص146
2
- Procope de Césarée, construction de justinien 1er, trad Denis Roques, éd dell’orso
alessandria,2011,p01.
- 3خشيم علي فهمي ،نصوص ليبية ،املؤسسة العامة للثقافة ،ليبيا2009،م ،ص 167
4
- Procope, construction de justinien 1er, trad. dénis roques, op-cit, p6.
5 - Noëlle Géroudet et Hélène M énard, l’Afrique du nord de l’atlantique à la tripolitaine 69-
439, éd belin, paris, 2005, p76.
32
ديسمبر2020 املجلد /19العدد الثاني مج ـ ـ ـ ـ ـ ـلة عص ـ ـ ـ ـور
اإليداع القانوني Depot légal 464 - 2002 EISSN 6278-2600 / ISSN 1112- 4237
املجلد الثالث يضم ثالثة أجزاء ( )03يتناول فيها الكاتب تاريخ الحروب البيزنطية
ضد القوط الشرقيين ( )la guerre contre les Gothsفي ايطاليا وبعض الشعوب
الباربارية في البلقان مابين 550- 544م .1
املجلد الرابع يضم جزءا واحدا ( )01ويعتبر تكملة للكتب السابقة 2وقد ألفه
سنة 552م ،وهو عبارة عن تكملة ملا سبق من الكتب ،يتحدث فيه بروكوب عن
الحروب ضد القوط والفرس واألوضاع في منطقة الدانوب .
- 2عمائر جوستينيان ()Construction de Justinien/ Les Edifices
وتنقسم إلى ستة أجزاء ،وتضم قائمة األعمال واملنشآت العامة التي أنجزت في
َ
عهد اإلمب راطور جوستينيان ،وقد ألف "العمائر" برغبة إمب راطورية سيما أنها تحوي
انطباعات شخصية كثيرة ،ويتميز كتاب العمائر أو البنايات بطابع رسمي وتملق
اإلمب راطور وتمجيد أعماله. 3
كما يحتوي على الئحة بأسماء الحصون التي أقامها اإلمب راطور جوستينيان في
مختلف مناطق بالد املغرب ،هذا ولم يفصل الكاتب بين املنجزات التي تعود بشكل
كامل لإلمب راطور وبين البنايات التي تم ترميمها وإعادة بناءها ، 4والظاهر أن بروكوب
َ
ألف كتاب البنايات أو عمائر جوستينيان في حدود سنة 554م.5
تحدث بروكوب في هذا الجزء عن أهم البنايات و املنجزات العمرانية التي أقيمت
في فترة حكم اإلمب راطور جوستينيان والتي كان له الفضل الكبير في تشييدها وفي
إعادة بعثها من جديد ،غير أن هذا الكتاب ال يساعدنا كثي را في فهم األحداث
التاريخية ومجرياتها ،لكنه يفيدنا في إبراز الطابع والسياسة التي سار عليها اإلمب راطور
جوستينيان في بناء العمارة الدفاعية بالخصوص في بالد املغرب القديم كإست راتيجية
1
- Procope, H.S, trad. Pierre M araval, op -cit, p10.
2
- Procope, construction de justinien 1er ,trad.denis roques,opcit,p6
- 3خشيم ع.ف،املرجع السابق،ص168
- 4بن حربيط ع.م ،شمال إفريقيا تحت الحكم البيزنطي ،املرجع السابق ،ص25
5
- Procope, H.S, trad. Pierre M araval, op -cit p10
33
ديسمبر2020 املجلد /19العدد الثاني مج ـ ـ ـ ـ ـ ـلة عص ـ ـ ـ ـور
اإليداع القانوني Depot légal 464 - 2002 EISSN 6278-2600 / ISSN 1112- 4237
أمنية وعسكرية ،والتي كان الهدف منها التصدي للهجمات املوررية ،وهو ما يهمنا
كثي را في دراسة الجانب العسكري والعمارة الدفاعية في عهد اإلمب راطور جوستينيان.1
َ
الظاهر أن الدافع من وراء كتابة بروكوب للمؤلف هو كسب رض ى وعطف
اإلمب راطور جوستينيان ،يظهر من ذلك أن بروكوب كان ينتظر املكافأة من اإلمب راطور
أو كأنه كان يسعى إلى مناصب إدارية في البالط اإلمب راطوري ،أو ربما هو محاولة
إصالح خطا ما ارتكبه بروكوب في حق اإلمب راطور جوستينيان ؟ ، 2وقد ذكر بروكوب
في هذا املؤلف أن اإلمب راطور جوستينيان استطاع أن يبني أو يرمم أو يعيد بناء عن ما
يزيد عن 1128وحدة أو بناية فيما بين 565- 527م ،وهذا في كل املناطق التي
أخضعها إلى حدود اإلمب راطورية البيزنطية في الشرق و الغرب وبالد املغرب.3
- 3التاريخ السري ،األشياء الدفينة أو الذكريات( L’Histoire Secrète Anecdote
4
)ou
هي مؤلفات لم تنشر في حياة املؤلف بروكوب ،ألنها تحتوي أشياء سرية عن
اإلمب راطور جوستينيان وقائده بلي زار وعائالتهم ،5كتب املؤلف "التاريخ السري"
( ) Histoire Secretباللغة اإلغريقية واملعنون ب" األشياء الدفينة " ،وهناك من
املؤرخين أمثال ايزمبير ( )Isambertمن اعتبروا أن مصطلح ( )Anecdoteيعني الكتاب
َ
السري ،يحتوي املؤلف على مجموعة من األحداث و الوقائع التي ال يجب تبليغها
للعامة ،وربما سمي هذا الكتاب بهذا املصطلح ألن الطريقة التي روى بها الكاتب تشبه
طريقة حكاية النوادر.6
- 1اللبار محمد ،إفريقيا الوندالية بين الحمالت البيزنطية والثورات املورية (534- 429م) ،ط،1كلية اآلداب و
العلوم اإلنسانية ،فاس2002،م ،ص.15
- 2بن حربيط م.ع ،شمال إفريقيا تحت الحكم البيزنطي ،املرجع السابق ،ص.25
3
- Procope, construction de justinien 1er ,trad.denis roques,op-cit,p9 .
- 4انظر :
- Ernest Renan, Anekdota ou histoire secret de Procope, article Parudans le journales des
débat,19 juillet 1857,pp.202-211 .
- 5خشيم ع ف ،املرجع السابق،ص.168- 167
6 er
- Procope, construction de justinien 1 , trad. Denis roques, op-cit,p6.
34
ديسمبر2020 املجلد /19العدد الثاني مج ـ ـ ـ ـ ـ ـلة عص ـ ـ ـ ـور
اإليداع القانوني Depot légal 464 - 2002 EISSN 6278-2600 / ISSN 1112- 4237
َ
والتاريخ السري هو الكتاب التاسع ضمن مؤلفات بروكوب ،يؤرخ بالسنة
َ
الثانية و الثالثون من تاريخ حكم اإلمب راطور جوستينيان أي أن املؤلف تم كتابته
مابين 559- 558م ألنه ال يحتوي على أي أحداث تاريخية بعد سنة 559م يعود ذلك
ربما إلى وفاة الكاتب ،وهناك من يرى أن تاريخ كتابة بروكوب "التاريخ السري" كان
سنة 550م ، 1و يهدف املؤلف من وراء تأليف هذا الكتاب إلى تغطية النقص الذي
وجده في تاريخ الحروب ،حيث لم يبح بالحقيقة الكاملة التى كان يريد البوح بها
ألسباب نجهلها . 2
كما تميز التاريخ السري بفضح مجموعة من الجرائم السياسية و االجتماعية
و األخالقية التي ارتكبها اإلمب راطور جوستينيان وزوجته تيودورا )Théodora(3
والقائد بلي زاريوس وزوجته أنطونيا ( ، 4)Antoniaكما تناول فيه التاريخ اإلداري و
االقتصادي للبيزنطيين بصفة خاصة و لم يتطرق إلى بالد املغرب و تاريخه وعليه فهو
ال يفيدنا كثي را في البحث الخاص بنا ،ألنه لم يتطرق إلى األحداث التي مست املنطقة
و التي تهمنا في هذه الدراسة و بالخصوص تاريخ بالد املغرب في الفترة املتأخرة من
التاريخ القديم ، 5ورغم ذلك ال يمكن االستغناء عنه فهو يعطينا صورة عامة عن
األوضاع التي كانت تعيشها اإلمب راطورية البيزنطية في أواخر فترة حكم اإلمب راطور
جوستينيان والتي كانت لها انعكاسات على بالد املغرب والجزائر بالخصوص.
وحسب ماجدة بن حربيط أن سبب تأليف بروكوب للتاريخ السري مرتبط
بانفعاله الشديد ،حيث انتقد فيه السياسة البيزنطية وهي سياسة اإلمب راطور
جوستينيان ،كما انتقد زوجة اإلمب راطور تيودورا وكذا بلي زاريوس وزوجته انطونيا
َ
فكان املؤلف وكأنه تقرير عن جرائم وحشية قامت بها السلطة اإلمب راطورية
َ
وإهمالهم للواجب اتجاه الشعب ،وقد تكون جرأته لكتابة هذا املؤلف كانت بعد وفاة
1
- Procope, H.S, trad. Pierre M araval, op -cit, p10
- 2بن حربيط م.ع ،شمال إفريقيا تحت الحكم البيزنطي،املرجع السابق ،ص23،24
3 - Procope, H.S, trad. Pierre M araval, op -cit, p15-16.
4
-Ibid ,p19
- 5اللبار م إفريقيا الوندالية ،املرجع السابق،ص.15
35
ديسمبر2020 املجلد /19العدد الثاني مج ـ ـ ـ ـ ـ ـلة عص ـ ـ ـ ـور
اإليداع القانوني Depot légal 464 - 2002 EISSN 6278-2600 / ISSN 1112- 4237
اإلمب راطورة تيودورا ،وتقدم اإلمب راطور في السن حيث بلغ آنذاك حوالي سبعين عاما،
ولكن املؤلف لم ينشر في حياة بروكوب مما طرح مسألة الشك في كونه صاحب
الكتاب ،لكن األمر ال يعتمد على دليل ملموس ألن مومسن ( )Moumsenالخبير
باملصادر التاريخية لهذه الفترة لم يشك إطالقا في انتسابه لبروكوب وانه صاحب
الكتاب . 1
هذا ورغم املعلومات املشكوك في صحتها والواردة في الكتاب السري ال يمكن
االستغناء عن هذا املؤلف ملا يحتويه عن معلومات ،وأحداث تاريخية عن
اإلمب راطورية البيزنطية والسلطة الحاكمة وعن السياسة اإلدارية و العسكرية التي
كانت تنتهجها اتجاه املقاطعات التي تم التوسع فيها بما فيها بالد املغرب القديم .
املبحث الثالث :أهمية كتب بروكوب في تاريخ بالد املغرب القديم عامة والجزائر
البيزنطية خاصة
تتجلى أهمية مؤلفات بروكوب في املكانة التي كان يحتلها ووظيفته اإلدارية
ومنصبه السياس ي ككاتب ومستشار للقائدين بلي زاريوس وفيما بعد للقائد
صولومون ، 2و هو األمر الذي َأهله للوقوف على العديد من األسرار و األحداث ،وهذا
بفضل إقامته في بالد املغرب ومعايشته لألحداث فيها عن قرب ،األمر الذي يجعل
بعض كتاباته مقبولة .
كما أن إطالعه الكبير على كتابات املؤرخين األقدمين يضعه في مكانة رفيعة
ومرموقة بين املؤرخين القدماء ،وقد اطمأن لكتاباته مجموعة من املؤرخين
املعاصرين أمثال ماركوس ( )Marcusو يانوسكي ( )Yanoskiوديال ()Diehl
ومارطروي ( )Martroyeوكورتوا ( ، ) Courtoisو شكك في مصداقيته ومصداقية
املعلومات التي ساقها لنا كل من شميت( )Chmidteوستين ( )Steinوكامرون
( ) Cameronخاصة ما تعلق األمر بأحداث القرن الرابع ،التي جهل عنها الكثير من
الوقائع التاريخية والتي ربما استقاها من كتابات معاصريه.1
وقد عبر املؤرخ ستين ) (Steinعن أهمية ما كتبه بركوب قائال » :إن ما
رواه وكتبه بروكوب في تواريخه عن ثلثي عهد جوستينيان ،أغنى بكثير مما روته
املصادر عن عهد شيشرون وقيصر. « 2
ونهتم في بحثنا بشكل أساس ي بكتاب الحروب ضد الوندال ،وهو املجلد الثاني
الذي يحتوي جزأين ،حيث يشتمل الجزء األول على خمسة وعشرون فقرة ،أما
الجزء الثاني فيحتوي على ثمانية وعشرون فقرة ،وهو األهم بالنسبة لدراستنا
خاصة الفقرات األربعة عشر األخيرة التي تحكي عن الحروب التي خاضها البيزنطيون
ضد املور في بالد املغرب مابين 548- 534م ،وبالخصوص حروب القائد صولومون
ضد القبائل املورية ،كما يتضمن أحداث الصراع بين امللك الوندالي جلمير()Gelmir
والقائد البيزنطي بلي زار ،وأحداث معركة تريكاماروم ( )Tricamarumوفرار جلمير إلى
جبل كابوا ( )Cabouaوكيفية إلقاء القبض عليه وحاشيته و نهايته ،ومصير الوندال
في بالد املغرب علي بعد سقوط دولتهم ،ودور اإلمب راطور جوستينيان في ذلك.
كما خصص بروكوب السبع فقرات األولى من الجزء األول للحديث عن تاريخ
اإلمب راطورية الرومانية في نهاية القرن الرابع و الخامس ميالدي وهو تاريخ انقسام أو
بداية انقسام اإلمب راطورية الرومانية ،وتحدث فيه عن مختلف األحداث إلى غاية
وفاة امللك الوندالي جنسريق سنة 477م ،حيث أبرز فيه العالقات الوندالية
الرومانية البيزنطية و كيفية دخول الوندال شبه الجزيرة األيبيرية وتحركاتهم في أروبا
وبالد املغرب ،و مراحل احتاللهم بالد املغرب سنة 429م ،كما تضمن حملة جنسريق
على روما سنة 455م ،وفشل حملة ماجوريان ( )Majorienعلى الوندال سنة 460م،
وانهزام القائد بازيلسكوس) (Basiléscusسنة 468م في عهد اإلمب راطور البيزنطي ليون
األول ) (Lion1في حملته على بالد املغرب ضد الوندال .
وتضم مممنت بم ممااي الفصم ممول الص م مراع الونم ممدالي املم مموري بعم ممد وفم مماة امللم ممك الون م ممدالي
جنسمريق وكممذا الص مراع املمموري ضممد البي مزنطيين خاصممة فممي عهممد جوسممتينيان ،وحملممة
هذا األخير على بالد املغرب ،لينهي كتابه بسرد أحداث الحملة البيزنطيمة علمى املنطقمة
والتحض ممي رات الت ممي ق ممام به مما بليم م زار واملع ممارك الت ممي خاض ممها للقض مماء عل ممى الون ممدال س ممنة
533م ،ونهاية االحتالل الوندالي وبداية السيطرة والتوسع البيزنطي في املنطقة.
أما كتاب العمائر أو املنجزات فتكمن أهميته في كونه يعطينا صورة عامة عن
انجازات اإلمب راطور جوستينيان فيما يخص اإلنشاء والترميم الذي قام به والذي
مس مناطق كثيرة في بالد املغرب ،وما يهمنا في هذا البحث هو تاريخ الجزائر على وجه
الخصوص فقد قام اإلمب راطور بسياسة دينية وإدارية وعسكرية أدت إلى بناء وإعادة
بعث عدد كبير من املنشآت الدينية والعسكرية في الجزائر وذلك بقصد إحكام
السيطرة والتوسع والتصدي ملختلف الهجمات والثورات املورية املختلفة في الجزائر
البيزنطية وقد تكلم بوكوب كثي را عن ذلك في مؤلفه عمائر جوستينيان في الجزء
السادس .1
والشواهد األثرية البيزنطية كثيرة في الجزائر خاصة ما تعلق منها بالجانب
العسكري وبالخصوص في املناطق الساحلية ،وفي املدن الداخلية من الشمال
الشراي للجزائر .فنجد أن اآلثار البيزنطية من قالع وحصون يمتد أثارها من الشرق
إلى غاية سطيف وهي دليل على اإلست راتيجية العسكرية لالحتالل البيزنطي في
الجزائر .
ما يهمنا من كتابات بروكوب عن تاريخ املغرب القديم في ظل االحتالل البيزنطي،
هو كتاب الحروب في الجزء الثالث والرابع وكتاب العمائر ،les édificesحيث
تساعدنا كتاباته كثي را في فهم األوضاع التي كانت تمر بها اإلمب راطورية الرومانية
الغربية وحروبها املتواصلة ضد القبائل الجرمانية بصفة عامة وكيف انعكست على
بالد املغرب ،األمر الذي سه ل عملية السيطرة عليها من طرف القبائل الوندالية
1
- Cousin M r, Histoire de Constantinople depuis le règne de l’ancien Justin jusqu'à la fin de
l’empire, T II, libraire ordinaire de roi, paris, 1687.
38
ديسمبر2020 املجلد /19العدد الثاني مج ـ ـ ـ ـ ـ ـلة عص ـ ـ ـ ـور
اإليداع القانوني Depot légal 464 - 2002 EISSN 6278-2600 / ISSN 1112- 4237
بمساعدة القبائل املورية التي ثارت في كامل منطقة الجزائر القديمة في األوراس
ونوميديا وموريطانيا السطايفية و القيصرية. 1
نجد أيضا بروكوب يتكلم عن القبائل املورية املنتشرة في الجزائر وعالقتها
بالقبائل الوندالية املتمركزة في تونس حاليا ،وهي نفسها القبائل التي تثور ضد
االحتالل البيزنطي فيما بعد والتي بقيت ثوراتها مستمرة ولم تتوقف إلى غاية الفتح
اإلسالمي لبالد املغرب القديم .2
كما يفيدنا كتاب الحروب في الجزء الثالث في معرفة األوضاع الدينية التي كانت
تمر بها بالد املغرب في الفترة الوندالية رغم بعض االظطهادات التي تعرضوا لها من
طرف القبائل الوندالية و االنتشار الكبير للمسيحية في الفترة البيزنطية بسبب
السياسة الدينية التي انتهجها اإلمب راطور جوستينيان في بناء الكنائس و االهتمام
برجال الدين والسماح بإقامة املجامع الدينية. 3
ومن األحداث التي تهمنا في تاريخ املغرب القديم البيزنطي وما كتبه بروكوب
عن القبائل املورية هو ذكر عدد من القبائل املورية ،ويبدو انه ذكر األقوى و األهم
ولم يذكرها كلها ،حيث يذكر انه بمجرد وصول الوندال إلى بالد املغرب سنة 429م
ظهرت قبائل قوية معادية لالحتالل الروماني تحالفت مع الوندال للقضاء على
الرومان ،األمر الذي يقودنا إلى التفكير أن الثورات لم تتوقف وبقيت مستمرة رغم
غياب الكتابات الكالسيكية التي تؤطد ذلك ،و إال كيف نفسر بروز عدد من القبائل
وبقوة كبيرة وتحالفها مع الوندال ،حيث يمكن القول انه ولوال تحالف هذه القبائل
مع الوندال ملا استطاعت القبائل الوندالية القضاء على الرومان بهذه السهولة وهي
نفسها القبائل التي تظهر بشكل أقوى مع بداية االحتالل البيزنطي للجزائر .4
ومن القبائل القوية التي ذكرها في مؤلفه قبائل األوراس التي كانت تسيطر على
مساحة كبيرة جنوب نوميديا وقائدها يوداس والى الشمال الشراي نجد قبائل
1
- Procope , GV, III
2
- Dureau de la M alle , L’algerie , Histoire des guerres des romaines des byzantine et des
vandales , paris, librairie des firmin didot frères ,1832 ,Procope , G V , III, 8.
3
- Procope , GV , III ,8
4
- Procope , GV , III
39
ديسمبر2020 املجلد /19العدد الثاني مج ـ ـ ـ ـ ـ ـلة عص ـ ـ ـ ـور
اإليداع القانوني Depot légal 464 - 2002 EISSN 6278-2600 / ISSN 1112- 4237
النمامشة والى الغرب من االوراس قبائل الحضنة وقائدها اورتياس ونجد قبائل
قوية في موريطانيا القيصرية أشهر زعمائها ماستيغاس وفي أقص ى الغرب الجزائري
نجد قبائل مازونة القوية ....الخ .
ويذكر بروكوب في ذلك قوة القبائل املورية التي تصدت للتوسع البيزنطي في
بالد املغرب القديم األمر الذي أدى إلى التوسع في مناطق قليلة دون ما كان مخططا
له وهو احتالل كامل للمناطق التي وصل إليها االحتالل الروماني وهذا يدل على قوة
القبائل املورية املتمركزة في الجزائر حاليا .1
كما تكمن أهمية كتابات بروكوب في كونها تعطينا صورة عامة عن األوضاع
السياسية و العسكرية التي كانت تعيشها بالد املغرب في الفترة البيزنطية خاصة مع
بداية االحتالل وطيلة عهد حكم اإلمب راطور جوستينيان ،وتذكر لنا أهم اإلجراءات
السياسية و العسكرية التي قام بها وذلك بهد إحكام السيطرة و التوسع.
كما يعطينا بروكوب في ذلك صورة عن العالقات البيزنطية مع مختلف القبائل
املورية التي كانت تنتشر في بالد املغرب عامة و الجزائر خاصة مع بداية االحتالل،
ويعطينا سبب الخالفات فيما بعد بين االحتالل والقبائل املورية واهم الثورات التي
قام بها سكان املنطقة للقضاء ومنع التوسع البيزنطي. 2
ويعطينا أيضا صورة عامة عن الحياة االجتماعية التي كانت تعيشها مختلف
القبائل املورية كما يعطينا صورة عن البيئة الجغرافية والحياة االقتصادية
واملناطق الصعبة التي كانت تستقر فيها القبائل املورية ،فقد كانت متمركزة بشكل
كبير في الجبال مثل القبائل االوراسية أو الصحراء مثل القبائل الطرابلسية . 3
كما تكلم بروكوب عن أهم الثورات التي قامت بها القبائل املورية ضد القائد
البيزنطي بلي زاريوس وصولومون واإلست راتيجية العسكرية التي كانت تطبقها القبائل
1
- Procope , GV ,III,25-26
2
- Procope, GV, III, 11-12
3
- Procope, GV, III, 13
40
ديسمبر2020 املجلد /19العدد الثاني مج ـ ـ ـ ـ ـ ـلة عص ـ ـ ـ ـور
اإليداع القانوني Depot légal 464 - 2002 EISSN 6278-2600 / ISSN 1112- 4237
املورية لإلطاحة بالجيوش البيزنطية التي كثي را ما كانت تجهل البيئة الجغرافية
الصعبة لبالد املغرب والجزائر بالخصوص .1
خاتمة :
وما يمكن قوله في أخر هذا البحث عن تاريخ بالد املغرب في ظل االحتالل
البيزنطي ،أن الدراسات التاريخية الكالسيكية التي تتحدث عن الفترة البيزنطية
قليلة ،وهي دراسات تخص الكتاب البيزنطيين و يغلب عليها طابع الذاتية و خالية من
املوضوعية التاريخية األمر الذي يحتم على الباحث في الفترة املتأخرة من التاريخ
القديم ،ويجعله في حيرة من أمره هل يأخذ بما جاء فيها أم يأخذ الجزء أو يتخلى عنها
تماما ،واملشكل انه ليس هناك بديل في التعامل مع هذه املصادر ألنها الوحيدة رغم
ما فيها من أحداث ال تتماش ى و الحقيقة التاريخية وهو حال كتابات بروكوب
القيصري.
وللبحث في تاريخ بالد املغرب القديم في ظل االحتالل البيزنطي ،ال يجب إغفال
الجانب األثري ومقارنته بما هو موجود في الكتابات الكالسيكية منها ما ذكره
بروكوب ،وإعادة النظر في األحداث من خالل كثرة القراءات واالعتماد على التحليل
األقرب إلى الواقع وعدم االنحياز لجهة معينة للوصول إلى حقيقة األحداث التي
عرفتها املنطقة وسكانها في الفترة البيزنطية .
هذا وتبقى كتابات بروكوب القيصري من األعمال املهمة والكبيرة التي أزاحت
الكثير من الغموض عن تاريخ العالم القديم في الفترة املتأخرة منه ،ومن األعمال التي
رسمت الصورة الحضارية لتاريخ بالد املغرب القديم عامة و الجزائر خاصة رغم ما
فيها من أحداث ال تتماش ى و الحقيقة التاريخية .
فمن خالل كتابات بروكوب عرفنا أوضاع بالد املغرب و الجزائر بعد سقوط
إلمب راطورية الرومانية التي عمرت في املنطقة عما يزيد عن الخمس قرون ،كانت لها
انعكاسات على املنطقة وسكانها ،حيث خرجت الجزائر من احتالل قوي سياسيا
1
- Procope, GV, III, 26-27
41
2020ديسمبر العدد الثاني/19 املجلد مج ـ ـ ـ ـ ـ ـلة عص ـ ـ ـ ـور
Depot légal 464 - 2002 اإليداع القانوني EISSN 6278-2600 / ISSN 1112- 4237