You are on page 1of 44

‫كرا�سات علمية ‪13‬‬

‫�إدارة التعــددية الدينيــة‬


‫نموذجا‬
‫ً‬ ‫الأقباط في م�صر‬

‫ت�أليف‬

‫�سامح فوزي‬ ‫�سمير مرق�س‬


‫‪13‬‬
‫كرا�سات علمية محكمة تُعنَى بر�صد �أهم الظواهر االجتماعية الجديدة ال �سيما في االجتماع الديني‬
‫العربي والإ�سالمي‪ ،‬ت�صدر عن وحدة الدرا�سات الم�ستقبلية بمكتبة الإ�سكندرية‪.‬‬

‫رئي�س مجل�س الإدارة‬


‫�إ�سماعيل �سراج الدين‬
‫الم�شرف العام‬
‫خالد عزب‬
‫�سكرتارية التحرير‬
‫�أمنية الجميل‬
‫التدقيق اللغوي‬
‫�أحمد �شعبان‬
‫رانيا يون�س‬
‫الت�صميم الجرافيكي‬
‫�آمــال عزت‬

‫إلكترونيا في �أكتوبر ‪2010‬م بوا�سطة مبادرة الإ�صالح العربي‪ ,‬ويعاد ن�شرها بتفوي�ض خا�ص منها‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫�صدرت �أو ًال �‬
‫الآراء الواردة في "مرا�صد" ُت َع ِّبر عن ر�أي الكاتب فقط‪ ,‬وال تعبر عن ر�أي مكتبة الإ�سكندرية‪.‬‬
‫�إدارة التعــددية الدينيــة‬
‫نموذجا‬
‫ً‬ ‫الأقباط في م�صر‬

‫ت�أليف‬

‫�سامح فوزي‬ ‫�سمير مرق�س‬


‫مكتبة الإ�سكندرية بيانات الفهر�سة‪� -‬أثناء الن�شر (فان)‬
‫فوزي‪� ،‬سامح‪1970- ،‬‬
‫�إدارة التعددية الدينية ‪ :‬الأقباط في م�صر نموذجا ‪ /‬ت�أليف �سامح فوزي‪� ،‬سمير مرق�س‪ -.‬الإ�سكندرية‪ ،‬م�صر ‪ :‬مكتبة الإ�سكندرية‪،‬‬
‫وحدة الدرا�سات الم�ستقبلية‪.2013 ،‬‬
‫�ص‪� .‬سم‪( .‬مرا�صد؛ ‪)13‬‬
‫تدمك‪978-977-452-212-2 :‬‬
‫ي�شتمل على �إرجاعات ببليوجرافية‪.‬‬

‫‪ .1‬الأقباط ‪ --‬م�صر‪ .2 .‬الأقباط ‪ --‬جوانب �سيا�سية‪ .3 .‬الأقباط ‪ --‬جوانب اجتماعية‪� .‬أ‪ .‬مرق�س‪� ،‬سمير‪ .‬ب‪ .‬مكتبة‬
‫الإ�سكندرية‪ .‬وحدة الدرا�سات الم�ستقبلية‪ .‬ج‪ .‬العنوان‪ .‬د‪ .‬ال�سل�سلة‪.‬‬

‫‪2012644200‬‬ ‫ديوي – ‪962.004932‬‬

‫‪ISBN: 978-977-452-212-2‬‬
‫‪20128/2012‬‬ ‫رقم الإيداع‪:‬‬

‫© ‪ 2013‬مكتبة الإ�سكندرية‪.‬‬

‫اال�ستغالل غير التجاري‬


‫تم �إنتاج المعلومات الواردة في هذه الكرا�سة؛ لال�ستخدام ال�شخ�صي والمنفعة العامة لأغرا�ض غير تجارية‪ ،‬ويمكن �إعادة �إ�صدارها كلها‬
‫�أو جزء منها �أو ب�أية طريقة �أخرى‪ ،‬دون �أي مقابل ودون ت�صاريح �أخرى من مكتبة الإ�سكندرية‪ .‬و�إنما نطلب الآتي فقط‪:‬‬
‫• يجب على الم�ستغلين مراعاة الدقة في �إعادة �إ�صدار الم�صنفات‪.‬‬
‫• الإ�شارة �إلى مكتبة الإ�سكندرية ب�صفتها "م�صدر" تلك الم�صنفات‪.‬‬
‫• ال يعتبر الم�صنف الناتج عن �إعادة الإ�صدار ن�سخة ر�سمية من المواد الأ�صلية‪ ،‬ويجب �أال ين�سب �إلى مكتبة الإ�سكندرية‪ ،‬و�أال ُي�شار �إلى‬
‫بدعم منها‪.‬‬
‫�أنه َّتم ٍ‬
‫اال�ستغالل التجاري‬
‫يحظر �إنتاج ن�سخ متعددة من المواد الواردة في هذه الكرا�سة‪ ،‬كلها �أو جزء منها‪ ،‬بغر�ض التوزيع �أو اال�ستغالل التجاري‪� ،‬إال بموجب‬
‫�إذن كتابي من مكتبة الإ�سكندرية‪ ،‬وللح�صول على �إذن لإعادة �إنتاج المواد الواردة في هذه الكرا�سة‪ُ ،‬يرجى االت�صال بمكتبة الإ�سكندرية‪،‬‬
‫�ص‪.‬ب‪ 138 .‬ال�شاطبي ‪ ،21526‬الإ�سكندرية‪،‬م�صر‪ .‬البريد الإلكتروني‪secretariat@bibalex.org :‬‬
‫تقديم‬
‫يعد التنوع �أحد �أهم مالمح القوى الناعمة التي يمتلكها المجتمع الم�صري منذ �آالف ال�سنين؛ حيث لم ت�ؤد‬
‫خبرة التعاي�ش بين الم�صريين المختلفين في المعتقد الديني �إلى م�شكالت كبرى تظل عالقة بالذهنية الجمعية‬
‫المتوارثة لل�شعب الم�صري‪ ،‬و�إن لم يمنع ذلك من وجود خالفات تظهر ثم تخبو‪ .‬وقد كان للتوترات الدينية‪،‬‬
‫التي تكاثرت في العقود الأربعة الأخيرة �أثرها في تهديد وحدة الن�سيج االجتماعي الم�صري‪ ،‬و�سمحت بظهور‬
‫خطابات انق�سامية‪ ،‬وتحركات طائفية‪ ،‬وحاالت من المواجهة المبا�شرة على ال�صعيد االجتماعي بين م�سلمين‬
‫وم�سيحيين على خلفية �سوء �إدارة التنوع الديني‪.‬‬
‫انطالقًا مما �سبق‪ ،‬ف�إن هذه الدرا�سة ال تُعنى فقط ‪ -‬مثل غيرها ‪ -‬بر�صد التوتر الديني‪ ،‬والمظاهر‪ ،‬والأ�سباب‪،‬‬
‫مكررا في الم�شهد الم�صري وهو التركيز على وجود‬ ‫ً‬ ‫والتداعيات‪ ،‬ف�ض ً‬
‫ال عن �أنها ال تعيد �إنتاج حديث بات‬
‫م�شكالت �أو هموم للمواطنين الم�سيحيين‪ ،‬البع�ض يهون من �ش�أنها‪ ،‬والبع�ض الآخر ي�ضخم منها‪ ،‬لكنها في‬
‫نهاية المطاف تظل موجودة‪ ،‬تتراكم على بع�ضها‪ ،‬و�سط �شعور من غالبية الم�سيحيين �أنها ال ت َُح ُّل‪ ،‬بل تتفاقم‪.‬‬
‫هذه الدرا�سة ‪ -‬تنطلق من منحى مختلف ‪ -‬وهو النظر �إلى م�شكالت �إدارة التنوع الديني مبا�شرة في �سياق‬
‫ال�سيا�سات العامة ‪ ،Public Policies‬من خالل اقتفاء �سيرة الم�شكالت‪ ،‬والعوامل المختلفة التي �أ�سهمت في‬
‫تفاقمها‪ ،‬والحلول التي ُا ُّت ِب َعت في فترات �سابقة للتعامل معها‪ ،‬وبيان �أوجه الفعالية والق�صور فيها‪ ،‬و� ً‬
‫أخيرا طرح‬
‫حلول ذات طبيعة برنامجية و�إجرائية للتعامل مع الم�شكالت القائمة في �ضوء الم�ستجدات التي طر�أت على‬
‫الملف الديني‪ ،‬ومواقف الأطراف المتباينة على ال�ساحة ال�سيا�سية‪.‬‬
‫يٌعد ذلك م�ساحة مختلفة للتعامل مع ال�ش�أن الديني في المجتمع الم�صري‪ ،‬يخرجه من الأحاديث العاطفية‬
‫حول الوحدة الوطنية‪ ،‬ووحدة الن�سيج الم�صري‪ ،‬وينقله �إلى خارج م�ساحة اجترار الهموم و�سط م�شاعر‬
‫ا�ستقطابية بالت�أكيد عليها من جانب البع�ض ونفيها من جانب البع�ض الآخر‪ ،‬ويد�شن لمنهجية جديدة للتعامل مع‬
‫مهما‬ ‫هذا الملف لي�س بو�صفه عالقات بين م�سلمين وم�سيحيين فقط‪ ،‬ولكن‪ -‬وهذا هو الأهم ‪ -‬باعتباره مج ً‬
‫اال ًّ‬
‫لل�سيا�سات العامة التي تحقق الإدارة الر�شيدة للتعددية والتنوع الديني‪.‬‬
‫محورا لتعميق التجربة‬
‫ً‬ ‫نظرا لأنها من الق�ضايا الأ�سا�سية التي تمثل‬
‫ت�أتي �أهمية مناق�شة �إدارة التنوع الديني ً‬
‫�سببا للتوتر‪ ،‬وتقوي�ض التجربة الديمقراطية �إذا لم نلتم�س الإدارة‬
‫الديمقراطية‪ ،‬في حالة الإدارة الر�شيدة للملف‪� ،‬أو ً‬
‫الر�شيدة في المعالجة‪ .‬وال مفر من طرح هذه الق�ضية على هذا النحو‪ ،‬وال�سيما �أن م�صر تمر بمرحلة جديدة منذ‬
‫ثورة ‪ 25‬يناير ‪� ،2011‬أدت �إلى �إ�سقاط نظام الرئي�س مبارك (‪ )2011-1981‬الذي ارتبط عهده بالعديد من‬
‫التوترات الدينية الج�سيمة‪ ،‬وقد فتحت الثورة المجال �أمام مختلف القوى والتيارات؛ كي تتخل�ص من �إرث‬
‫توج�سا‪ ،‬تقوم على الم�ساواة والعدالة‬
‫ً‬ ‫انفتاحا و�أقل‬
‫ً‬ ‫الما�ضي‪ ،‬وتعيد بناء مجتمع جديد ينطوي على عالقات �أكثر‬
‫جديدا‬
‫ً‬ ‫بين الم�سلمين والم�سيحيين‪ .‬و ُيعد الح�صول على "اال�ستقالل الثاني" في الثورة الديمقراطية مدخ ً‬
‫ال‬
‫لإعادة اندماج الم�سيحيين في التيار الرئي�سي للمجتمع الم�صري المطالب بالحرية‪ ،‬والديمقراطية‪ ،‬والعدالة‬

‫ ‪5‬‬ ‫�أكتوبر ‪2012‬‬


‫االجتماعية‪ .‬في ال�سابق واجه الم�سلمون والم�سيحيون اال�ستعمار الأجنبي‪ ،‬وح�صلوا على اال�ستقالل الأول‪،‬‬
‫وبعد عدة عقود عادوا �إلى �صفوف المواجهة م ًعا‪ ،‬وح�صلوا على اال�ستقالل الثاني من اال�ستبداد الداخلي‪.‬‬

‫هناك اتجاهان �أ�سا�سيان(‪:)1‬‬


‫االتجــاه الأول‬
‫هو اتجاه ثورة ‪ 25‬يناير الذي تبلور في ميدان التحرير في قلب القاهرة‪ ،‬من خالل م�شاركة الم�سلمين‬
‫والم�سيحيين م ًعا‪ .‬ثقافة "ميدان التحرير" تعني الكثير بالن�سبة للعالقات الإ�سالمية الم�سيحية‪:‬‬

‫‪ -‬ك�سر حاجز اللقاء‪ ،‬وااللتقاء حول �أجندة �سيا�سية تتعلق بتغيير المجتمع‪ ،‬تتجاوز الذهنية الطائفية‪.‬‬

‫‪ -‬خبرة التعاي�ش الميداني على مدار �أيام من حيث اكت�شاف الآخر على حقيقته دون افتعال �أو تزييف �أو‬
‫الوقوع في �أ�سر ال�صور النمطية الخاطئة‪.‬‬

‫‪ -‬الت�ضامن والتعا�ضد في محنة المواجهة مع عنف يرعاه بقايا نظام �سابق‪ ،‬وم�شاعر الخوف من المجهول‬
‫القادم‪ ،‬والرجاء الذي يتلك�أ في البزوغ‪.‬‬
‫وبينما كان المعت�صمون في ميدان التحرير يدافعون عن الثورة‪ ،‬كانت "اللجان ال�شعبية" من المواطنين‬
‫تدافع عن مقدرات المجتمع‪ ،‬الأرواح والممتلكات‪ .‬لم يٌم�س مواطن م�سيحي‪� ،‬أو كني�سة‪� ،‬أو من�ش�أة دينية‪.‬‬
‫باخت�صار هو "ميالد جديد" لر�أ�س مال اجتماعي "عابر" يجمع بين الم�صريين المختلفين في النوع والدين‬
‫والفكر والموقع االجتماعي‪ ،‬لقاء ممتد على �أ�سا�س من الثقة والت�ضامن واالحترام المتبادل‪.‬‬
‫لم تعرف ثقافة "ميدان التحرير" اال�ستقطاب‪ ،‬ولم ت�سمح به‪ ،‬وا�ستمدت روحها وزخمها من التوافق بين‬
‫أحدا‪ .‬تعني‬
‫جديدا ي�ستوعب الكل‪ ،‬وال ي�ستبعد � ً‬‫ً‬ ‫المختلفين‪ ،‬وكانت‪ ،‬وال تزال من الممكن �أن تلد نظا ًما‬
‫ثقافة "ميدان التحرير" �أن الم�سلمين والم�سيحيين العرب ب�إمكانهم �أن يعيدوا بناء نظام �سيا�سي يحقق العدالة‬
‫بعيدا عن �إرث الطائفية وال�شك المتبادل والتمييز في �إطار هوية اجتماعية جديدة‪.‬‬
‫والم�ساواة‪ً ،‬‬
‫وقد عبرت "وثيقة الأزهر" التي �صدرت في ‪ 19‬يونية ‪ 2011‬عن هذه الخبرة في بع�ض ن�صو�صها‪ ،‬ففي‬
‫الوقت الذي طالبت فيه بالدولة الوطنية الد�ستورية الديمقراطية الحديثة‪ ،‬التي ت�ستلهم المبادئ الكلية لل�شريعة‬
‫الإ�سالمية في الت�شريع‪ ،‬ن�صت على احتكام غير الم�سلمين ل�شرائعهم الدينية في الأحوال ال�شخ�صية‪ .‬و�أكدت‬
‫على "الحر�ص التام على �صيانة كرامة الأمة الم�صرية والحفاظ على عزتها الوطنية‪ ،‬وت�أكيد الحماية التامة‬
‫واالحترام الكامل لدور العبادة لأتباع الديانات ال�سماوية الثالث‪ ،‬و�ضمان الممار�سة الحرة لجميع ال�شعائر‬
‫الدينية دون �أية معوقات‪ ،‬واحترام جميع مظاهر العبادة بمختلف �أ�شكالها‪."....‬‬

‫كرا�سات علمية ‪13‬‬ ‫‪6‬‬


‫االتجــاه الثــاني‬
‫هو اتجاه ما قبل ثورة ‪ 25‬يناير‪ ،‬يعي�ش على اال�ستقطاب‪ ،‬والتمييز‪ ،‬وتعطيل التوافق‪ ،‬وزرع م�شاعر االرتياب‬
‫بين المختلفين في النوع �أو الدين �أو المعتقد ال�سيا�سي �أو الفكري‪ .‬باخت�صار هو يعمق من ر�أ�س المال االجتماعي‬
‫"الجامع"‪ ،‬الذي يعزز الت�ضامن حول ال�صيغ التقليدية في العالقات االجتماعية‪ ،‬ويطورها �إلى مواجهة مع الآخر‬
‫المختلف‪ .‬وقد ترتب على هذا االتجاه تداعيات كثيرة �سلبية‪� .‬أهم هذه التداعيات‪:‬‬
‫جديدا‪ ،‬و�إنما نعرفه في م�ساجالت ممتدة‪ ،‬واتهامات‬ ‫ً‬ ‫‪ 1 -1‬اال�ستقطاب الإ�سالمي العلماني‪ ،‬وهو لي�س‬
‫متوا�صلة بين هذا الطرف �أو ذاك‪ .‬انتع�ش هذا اال�ستقطاب مع �سقوط النظام‪ ،‬وتحول من ا�ستقطاب‬
‫فكري �إلى ا�ستقطاب �سيا�سي في ال�شارع على هوية المجتمع‪ .‬الم�سيحيون في قلب هذا اال�ستقطاب‪،‬‬
‫�سببا للتمييز‬
‫فمن ناحية تنادي القوي العلمانية بدولة تقوم على المواطنة الكاملة دون �أن يكون الدين ً‬
‫بين المواطنين‪ ،‬ومن ناحية �أخرى تطالب غالبية القوى الإ�سالمية بدولة حديثة ت�ستند �إلى حكم القانون‬
‫حا�ضرا في بنيتها ال�سيا�سية والقانونية واالجتماعية‪� .‬إذا‬
‫ً‬ ‫والم�ؤ�س�سات‪ ،‬ولكن على نحو يجعل الدين‬
‫حاليا‪ ،‬وي�شعر الم�سيحيون ب�أنهم بين هذا الطرف وذاك‪ .‬الأف�ضل �أن‬ ‫كان هذا هو الحادث في م�صر ًّ‬
‫يظل الم�سيحيون جماعة متنوعة‪ ،‬ولي�ست مع هذا الف�صيل �أو ذاك‪ ،‬يتحركون في المجال العام طبقًا‬
‫لقناعاتهم ال�سيا�سية ولي�س بوحي من توج�ساتهم الدينية(‪.)2‬‬
‫‪ 2 -2‬عودة التوترات الدينية‪� ،‬سواء في �شكل تحر�شات طائفية‪� ،‬أو مواجهات ت َُد َّمر فيها كنائ�س مثلما حدث‬
‫في قرية "�صول" ثم حرق كني�سة بمنطقة "�إمبابة"‪ ،‬ثم نقل كني�سة ثالثة بمحافظة المنيا‪ ،‬والتحر�ش ببناء‬
‫�أخرى في محافظة �أ�سوان‪ .‬وفي بع�ض من هذه الأحداث حدثت مواجهات بين م�سلمين وم�سيحيين‪،‬‬
‫تحطمت فيها الممتلكات‪ ،‬وازداد ال�شعور بالخوف‪ ،‬والي�أ�س‪ ،‬وعاد �إنتاج االتهامات المتبادلة‪ .‬ولعل‬
‫�أخطرها ما يعرف بحادث ما�سبيرو الذي �سقط فيه قتلى وجرحى‪ ،‬وترك تداعيات نف�سية حرجة بالن�سبة‬
‫لعموم الأقباط‪.‬‬
‫‪ 3 -3‬ت�صاعد �أ�صوات كانت خافتة في ال�سابق‪ ،‬تطرح ر� ًؤى دينية �شديدة التقوقع‪ ،‬ت�سلب الفقه الم�صري‬
‫تعمق م�شاعر االرتياب والخوف‪ ،‬وتولِّد ردة فعل عك�سية‬‫أفكارا ِّ‬
‫الرحب خ�صو�صيته وتفرده‪ ،‬وتطرح � ً‬
‫غا�ضبة في وقت يعيد المجتمع فيه بناء ذاته‪ .‬ت�ستخدم هذه الأ�صوات لغة التكفير واعتبار الم�سيحيين‬
‫"جماعة دينية"‪ ،‬ولي�سوا مواطنين متنوعين‪ .‬وبالتالي ف�إن انتظام المجتمع على �أ�س�س دينية يعطي‬
‫خروجا على العقد الوطني الم�صري بين الم�سلمين‬
‫ً‬ ‫ال�سيادة لأغلبية دينية على �أقلية دينية‪ ،‬وهو ما يمثل‬
‫والم�سيحيين الذي تج�سد عبر التاريخ‪ ،‬و�أعاد المجتمع اكت�شافه في خبرة الثورة الم�صرية‪.‬‬
‫‪ 4 -4‬ا�ستمرار ذهنية �إدارة الملف الديني كما كانت في النظام ال�سابق؛ من حيث تنحية القانون‪ ،‬والركون‬
‫�إلى الحلول العرفية‪ ،‬وعدم التعامل ب�شفافية مع التوترات الدينية‪ ،‬واالكتفاء بالحديث المبهم حول القلة‬
‫�أو ال�شرذمة التي تفتعل الفتنة‪� ،‬أو فلول النظام ال�سابق‪� ،‬أو الأيادي الخارجية‪ ،‬وتمثل جميعها "�إحالة"‬
‫للمجهول‪ ،‬دون تحديد وا�ضح للأطراف ال�ضالعة في الإ�ساءة �إلى العالقات الإ�سالمية الم�سيحية‪ ،‬على‬

‫ ‪7‬‬ ‫�أكتوبر ‪2012‬‬


‫نحو يجعل المجتمع يتب�صر الأمر‪ .‬ورغم هذه المظاهر ال�سلبية في التعامل مع ال�ش�أن الديني‪ ،‬ف�إن‬
‫الأمر ال يخلو من ايجابيات يتعين التوقف �أمامها‪ :‬الق�ضايا المتعلقة بالمواطنة‪ .‬وقد �أ�صبحت العالقات‬
‫ُتد َاول على نطاق وا�سع‪ ،‬وبم�ساحة �أكثر من ال�صراحة‪.‬‬
‫الإ�سالمية الم�سيحية ت َ‬
‫‪ 5 -5‬تحول العالقات الإ�سالمية الم�سيحية ربما للمرة الأولى منذ �أكثر من ثالثين �سنة �إلى �ش�أن �سيا�سي‪ ،‬تنظر‬
‫في �أمره م�ؤ�س�سات �سيا�سية‪ ،‬بعد �أن ظل ل�سنوات طويلة ره ًنا للحل الأمني‪.‬‬
‫ت�شكل منتديات ولجان كثيرة‪ ،‬من "بيت العائلة" التي يرعاها الأزهر ال�شريف‪� ،‬إلى لجنة "العدالة‬ ‫ُّ‬ ‫‪6 -6‬‬
‫نقاطا كثيرة لاللتقاء على م�ستويات مختلفة‬ ‫الوطنية" بمجل�س الوزراء‪ ،‬وخالفه‪ .‬كل ذلك يجعل هناك ً‬
‫للنقا�ش حول م�شكالت حقيقية‪ ،‬بعد �أن ظلت ل�سنوات مجرد مظاهر احتفالية‪ .‬ولكن يقت�ضي الأمر‬
‫تفعيل هذه الهياكل؛ حتى ال تتحول بمرور الوقت �إلى م�ؤ�س�سات "ديكورية" ال فاعلية لها‪.‬‬
‫‪ 7 -7‬الرغبة في التعامل مع الم�شكالت القبطية‪ ،‬وبخا�صة المتفاقمة منها مثل بناء وترميم الكنائ�س‪.‬‬
‫ترمي هذه الورقة �إلى النظر �إلى الم�شكالت القبطية من منظور ال�سيا�سات العامة‪ ،‬من خالل ا�ستعرا�ض‬
‫جوهر الم�شكلة‪ ،‬والبدائل المتداولة‪ ،‬والحلول الحالية‪ ،‬وطرح ر�ؤى م�ستقبلية وذلك من خالل‪:‬‬
‫الق�سم الأول‪ :‬ا�ستعرا�ض تاريخي موجز للم�شكالت القبطية‪ ،‬بما يعني تتبعها‪ ،‬وتراكمها‪ ،‬والإخفاق في‬
‫مواجهتها‪.‬‬

‫الق�سم الثاني‪ :‬النظر في �سوء �إدارة التعددية الدينية في الثالثة عقود الأخيرة‪.‬‬

‫الق�سم الثالث‪ :‬طرح عدد من الحلول البرنامجية والإجرائية للتعامل مع بع�ض الم�شكالت القبطية الملحة‪،‬‬
‫انطالقًا من خلفية مرجعية ت�ستند �إلى حقوق الإن�سان‪ ،‬والخبرة الد�ستورية الم�صرية‪ ،‬والحقوق والحريات‬
‫الأ�سا�سية المكفولة للمواطنين‪.‬‬
‫الق�سم الرابع‪ :‬الحديث المف�صل عن مقترح برنامجي للتعامل مع الق�ضية الأبرز في الملف الديني في م�صر‬
‫وهي "التوترات الدينية"‪.‬‬

‫الق�سم الأول‪� :‬إطاللة على الم�شكالت القبطية‬


‫تردد �صدى الم�شكالت التي يعاني منها المواطنون الم�صريون الأقباط خالل القرن الع�شرين‪ ،‬وتفاقمت‬
‫في ال�سنوات الأخيرة منه‪ ،‬وا�ستمرت في العقد الأول من مفتتح القرن الحادي والع�شرين‪ .‬اختلفت طبيعتها من‬
‫مرحلة لأخرى‪ ،‬كما تباينت درجة حدتها ح�سب طبيعة النظام ال�سيا�سي ال�سائد‪.‬‬
‫هذه الم�شكالت لي�ست جميعها قانونية ‪� -‬سيا�سية مثل بناء وترميم الكنائ�س‪� ،‬أو التمثيل ال�سيا�سي للأقباط‬
‫في المجال�س الت�شريعية والنقابية المنتخبة‪� ،‬أو التعيين في المنا�صب العليا في جهاز الدولة‪ ،‬لكنها في جانب‬
‫تعمق الفرز والتمييز في المجتمع على �أ�سا�س‬‫منها ذات طبيعة ثقافية مجتمعية‪ ،‬تتمثل في �إنتاج ن�صو�ص طائفية ِّ‬

‫كرا�سات علمية ‪13‬‬ ‫‪8‬‬


‫ديني‪ ،‬وتحول دون التالقي الطبيعي بين المواطنين الم�صريين م�سلمين وم�سيحيين‪ ،‬وتخلق حالة من العزلة‬
‫بالن�سبة للأقباط‪ ،‬هذا �إلى جانب �شيوع �أنماط من ال�صور الذهنية المتبادلة على الجانبين تحمل في ذاتها �آثار‬
‫انخفا�ض م�ستويات التالقي بين الم�سلمين والم�سيحيين‪ ،‬وتغلغل الخطابات الدينية المت�شددة‪ ،‬وت�صاعد ال�شعور‬
‫حد �سواء‪.‬‬
‫باالحتقان لدى الأقباط وقطاع من الم�سلمين على ٍّ‬
‫دائما في المراجع التاريخية �إلى عهد محمد على با�شا (‪� )1848-1805‬أنه بداية ت�أ�سي�س الدولة‬ ‫ُي�شار ً‬
‫الم�صرية الحديثة‪ ،‬والتي تبلورت طيلة القرن التا�سع ع�شر‪ ،‬وامتدت في ثنايا القرن الع�شرين‪� .‬شارك الأقباط‪،‬‬
‫�أ�سوة بغيرهم من الم�صريين في م�شروع الدولة الحديثة‪ .‬وج َنوا ثمار الم�شاركة فيه‪ ،‬ب�صدور قرار في عهد‬
‫الوالي �سعيد با�شا (‪ )1863-1854‬ب�إ�سقاط الجزية عنهم‪ ،‬و�إدخالهم الجي�ش الم�صري عام ‪1855‬م‪ .‬وفي‬
‫�أول تجربة �سيا�سية انتخابية في التاريخ الحديث‪ ،‬وهي مجل�س �شورى النواب عام ‪1866‬م‪ ،‬دخل الأقباط‬
‫ع�ضوية المجل�س باالنتخاب �أ�سوة بالم�سلمين(‪ ، )3‬وذلك في عهد الخديوي �إ�سماعيل (‪.)1879-1863‬‬
‫في �أعقاب االحتالل البريطاني لم�صر عام ‪1882‬م‪ ،‬ي�شير عدد من الم�ؤرخين �إلى �أن الم�شكالت الطائفية‬
‫بد�أت في الظهور‪ ،‬لي�س ب�سبب مواالة الأقباط لالحتالل‪� ،‬أو دعم االحتالل لهم‪ ،‬ولكن ب�سبب �سيا�سة التفرقة‬
‫المنهجية التي اتبعها اال�ستعمار التي �أ�شعرت الم�سلمين ب�أنهم الأغلبية العددية‪ ،‬ولهم الحق في الوظائف الرئي�سية‬
‫في جهاز الدولة‪ ،‬وفي الوقت نف�سه �إ�شعار الأقباط ب�أن الم�سلمين هم �سبب �إق�صائهم‪ .‬في هذا الخ�صو�ص ي�شير‬
‫الم�ست�شار طارق الب�شري �إلى �سيا�سة االحتالل‪" :‬تمثلت هذه ال�سيا�سة في �أن تعمل ال�سلطة البريطانية ‪ -‬من‬
‫خالل الحكومات الم�صرية التابعة لها ‪ -‬على �أن ت�ستبعد الكثير من القبط من وظائفهم بالتدريج‪ ،‬و�أن تثير في‬
‫العنا�صر الحاكمة من �أتباعها الم�سلمين معايير العدالة الإنجليزية التي �أ�شار �إليها كرومر (المعتمد البريطاني)‬
‫تلقائيا‬
‫ًّ‬ ‫والإح�سا�س بالفوارق الدينية‪ ،‬وحق الأغلبية في المنا�صب الرئي�سية‪ ،‬مع تقدير �أن هذه ال�سيا�سة �ستلت�صق‬
‫بالحكومة المحلية الم�سلمة‪ ،‬وبهذا يتخل�ص الإنجليز من العن�صر القبطي جزا ًء لما لم يبدوه من �صداقة لهم" (‪.)4‬‬
‫�أنتجت ال�سيا�سة البريطانية مفعولها‪ .‬بعد مرور خم�سة ع�شرة عا ًما على االحتالل البريطاني لم�صر تزايدت‬
‫وقدم وفد قبطي في �أوائل عام ‪1897‬م �شكوى �إلى رئي�س الوزراء‬ ‫ال�شكوى من التفرقة في �صفوف الأقباط‪َّ ،‬‬
‫"تعمد االحتالل الإغ�ضاء عنهم بل وتمييز‬ ‫م�صطفى با�شا فهمي‪ ،‬واللورد كرومر المعتمد البريطاني بخ�صو�ص ُّ‬
‫�إخوانهم الم�سلمين عليهم"‪ .‬وانح�صرت المطالب القبطية في طلب الم�ساواة في الوظائف الإدارية‪ ،‬وفي عطلة‬
‫ال عن تعليم الدين الم�سيحي‬ ‫جل�سات المحاكم يوم الأحد‪ ،‬والتمثيل ال�سيا�سي في المجال�س القائمة وقتئذ‪ ،‬ف�ض ً‬
‫للطالب الأقباط في المدار�س الأميرية(‪.)5‬‬
‫اال لالحتقان الطائفي‪ ،‬وقدم بع�ض‬ ‫و�شكل العقد الأول من القرن الع�شرين مج ً‬ ‫َّ‬ ‫لم تُحل الهموم القبطية‪،‬‬
‫الأقباط بيا ًنا ن�شر في جريدة "م�صر" في �شهري يناير وفبراير عام ‪1911‬م‪ ،‬جدد الحديث عن الم�شكالت‬
‫القبطية‪ ،‬و�أكد من جديد على الم�ساواة في الوظائف‪ ،‬وتمثيل الأقلية في الهيئات النيابية‪ ،‬والتعليم الديني للأقباط‬
‫في المدار�س‪ ،‬و�إيجاد محاكم �أحوال �شخ�صية للم�سيحيين(‪.)6‬‬

‫ ‪9‬‬ ‫�أكتوبر ‪2012‬‬


‫�إزاء ت�صاعد خطاب التمييز �ضد الأقباط‪ُ ،‬عقد الم�ؤتمر القبطي يوم الإثنين ‪ 6‬مار�س ‪1911‬م‪ ،‬وهو �أول‬
‫م�ؤتمر ينعقد لمناق�شة الم�شكالت القبطية‪ ،‬وتمخ�ضت النقا�شات التي دارت فيه عن طلب الم�ساواة في‬
‫الوظائف‪ ،‬ولكن من خالل الت�أكيد على مبد أ� الكفاءة‪ ،‬واحترام حق الموظفين والطالب الأقباط في الح�صول‬
‫على عطلة �أ�سبوعية يوم الأحد‪ ،‬وتمثيل جميع الم�صريين في المجال�س النيابية دون تفرقة‪ ،‬وجعل الخزينة العامة‬
‫تدع �إلى‬
‫م�صدرا للإنفاق على جميع المرافق الم�صرية دون تمييز‪ .‬وقد �ساد الم�ؤتمر روح وطنية عامة‪ ،‬لم ُ‬ ‫ً‬
‫التفرقة بين م�سيحي وم�سلم‪ ،‬بل دعت �إلى االندماج‪ ،‬والتوظيف ح�سب الكفاءة‪ ،‬والتعليم الم�شترك‪ ،‬و�أهمية‬
‫التمثيل النيابي دون اعتماد مبد�أ تمثيل الأقلية(‪.)7‬‬
‫في غ�ضون �أ�سابيع قليلة ُعقد م�ؤتمر �إ�سالمي للرد على الم�ؤتمر القبطي‪ ،‬والذي �أكد على �أهمية الكفاءة‬
‫في تولي الوظائف العامة‪ ،‬وحق الأقباط في الذهاب �إلى �أعمالهم يوم الأحد عقب �أداء ال�صالة‪ ،‬و�أهمية‬
‫انتخاب المر�شح الكفء ب�صرف النظر عن هويته الدينية‪ ،‬و�أهمية التمثيل العادل في البرلمان‪ ،‬و�أكد الم�ؤتمر‬
‫على �أن "الم�سلم والقبطي كالهما ابن الأمة الم�صرية‪ ،‬وكالهما له الحق الكامل في خدمتها‪ ،‬واالعتزاز بتلك‬
‫الخدمة"‪ ،‬وذكر ب�أن تهاون الأغلبية في حقوق الأقلية هو من "�أكبر العوامل على العبث بالت�ضامن الذي هو‬
‫�أ�سا�س الوجود القومي"(‪.)8‬‬
‫�أدي قيام ثورة ‪1919‬م‪ ،‬بما �شهدته من م�شاركة قبطية‪ ،‬وتالحم م�صري �إ�سالمي م�سيحي في وجه االحتالل‬
‫�سليما دون �إدانة في الم�ؤتمرين القبطي والإ�سالمي‪� ،‬إلى بعث روح وطنية‬ ‫ً‬ ‫البريطاني‪ ،‬الذي كان قد خرج‬
‫جديدة‪ ،‬تعززت ب�صدور د�ستور ‪1923‬م‪ ،‬الذي �أكد على الم�ساواة بين كل الم�صريين‪ ،‬ب�صرف النظر عن‬
‫االختالف في المعتقد الديني‪ ،‬و�أقر حرية �أداء ال�شعائر الدينية‪ ،‬و�إن �أ�شار �إلى �أن الإ�سالم دين الدولة‪ ،‬وهو �أمر لم‬
‫يكن محل اعترا�ض من الأقباط الذين �شاركوا في لجنة و�ضع الد�ستور‪.‬‬
‫�شهدت فترات كثيرة �أثناء ما يعرف بالعهد الليبرالي (‪1952-1923‬م) عد ًدا من التوترات والم�شكالت‬
‫الدينية‪ ،‬بعك�س ما هو �شائع في العديد من الأدبيات التي تنظر بكثير من الإعجاب �إلى هذه الفترة من التاريخ‬
‫الحديث ب�أنها "فترة �سعيدة" للأقباط �أو للعالقات الإ�سالمية الم�سيحية؛ �إذ لم تدم الحالة الوطنية التي �أعقبت ثورة‬
‫ال‪ ،‬وعادت الم�شكالت القبطية �إلى الظهور مرة �أخرى ب�صور مختلفة‪ .‬ويمثل عقد الثالثينيات‬ ‫‪1919‬م طوي ً‬
‫جديدا لهذه الم�شكالت‪ ،‬خا�صة بعد خروج حزب الوفد من ال�سلطة‪ ،‬الذي احت�ضن‬ ‫ً‬ ‫من القرن الع�شرين بع ًثا‬
‫تطلعات ال�شعب الم�صري الم�شروعة في الحرية واال�ستقالل والم�ساواة‪ ،‬وحدوث ما ي�شبه االنقالب على‬
‫ال�شرعية الد�ستورية‪ .‬من هذه الم�شكالت �صدور قرار من وزير العدل عام ‪1931‬م‪ ،‬ب�أن تكون ال�شهادة الطبية‬
‫المقبولة في الق�ضايا ال�شرعية من طبيب م�سلم فقط‪ ،‬والتراجع عن قرار تدري�س الدين الم�سيحي في المدار�س‬
‫الذي �صدر عام ‪1907‬م‪ ،‬و�إ�صدار ع�شرة �شروط تحكم بناء وترميم الكنائ�س‪ ،‬وهي �شروط مقيدة في مجملها‪،‬‬
‫عمل‬‫ترهن ممار�سة الأقباط ل�شعائرهم الدينية بموافقة ال�سكان المحليين الم�سلمين‪ ،‬وهي ال�شروط التي ال يزال ُي َ‬
‫بها �إلى الآن‪ ،‬فيما يطلق عليه �شروط "العزبي با�شا" التي �صدرت عام ‪1934‬م‪.‬‬

‫كرا�سات علمية ‪13‬‬ ‫‪10‬‬


‫هناك عدد من الأدبيات التي �صدرت ت�ؤرخ �أو ت�سجل مذكرات كتبت عن هذه الفترة ت�شير �إلى المناخ‬
‫الطائفي الذي لم يغب عنها‪ ،‬وارتبط ذلك في �أحيان كثيرة بن�شاط جماعة الإخوان الم�سلمين التي ن�ش�أت عام‬
‫‪1928‬م‪ ،‬و�سعت �إلى �إحالل الرابطة الدينية محل الرابطة الوطنية‪.‬‬
‫قد �أ�شار الدكتور ر�شدي �سعيد‪ ،‬وهو جيولوجي م�صري معروف و�أحد ال�سيا�سيين الذين كان لهم دور في‬
‫ال�ستينيات وال�سبعينيات‪ ،‬في مذكراته �إلى �أن ن�شاط الإخوان الم�سلمين في الجامعة قبل ثورة ‪1952‬م‪ ،‬ترتب‬
‫عليه حالة من التفرقة بين الم�سيحيين والم�سلمين‪ ،‬و�إ�شاعة مناخ من التع�صب(‪.)9‬‬
‫و�أ�شار طبيب قبطي هو زغيب ميخائيل في كتاب‪ ،‬قدم له المفكر �سالمة مو�سى‪� ،‬إلى الأحداث الطائفية‬
‫في العهد الليبرالي بالتركيز على �أوجه التمييز التي عانى منها الأقباط في البث الإذاعي‪ ،‬والبعثات الخارجية‪،‬‬
‫وجه االتهام �إلى الإخوان الم�سلمين بحرق كني�سة في الزقازيق في �إبريل عام‬
‫وكذلك ا�ستهداف الكنائ�س مثلما َّ‬
‫‪1947‬م‪ ،‬وهو ما نفاه الإخوان الم�سلمون(‪.)10‬‬
‫نظرا النح�سار التيار الإ�سالمي‪ ،‬ورحيل‬‫وفي �أعقاب قيام ثورة ‪1952‬م‪ ،‬خفَّت حدة الم�شكالت القبطية؛ ً‬
‫اال�ستعمار البريطاني الذي كان يلعب على وتر الطائفية‪ .‬وبالرغم من �أن هناك بع�ض الم�صادر القبطية التي تنظر‬
‫�سلبيا �إلى الدور الذي لعبته الثورة‪ ،‬وما تالها من �سيا�سات ا�شتراكية تبناها النظام النا�صري في تقوي�ض دعائم‬ ‫ًّ‬
‫�سيا�سيا بعد حل الأحزاب ال�سيا�سية‪ ،‬ف�إن هناك وجهة نظر‬ ‫ًّ‬ ‫الر�أ�سمالية القبطية‪ ،‬وتجفيف منابع م�شاركة الأقباط‬
‫�أخرى ترى �أن ال�سيا�سات االجتماعية النا�صرية �أ�سهمت في تبلور الطبقة الو�سطى التي ا�ستفاد منها الم�سلمون‬
‫ال عن �أن ال�شعب الم�صري‪ ،‬م�سلميه و�أقباطه ت�أثروا بالتحوالت ال�سيا�سية واالقت�صادية‬‫حد �سواء‪ .‬ف�ض ً‬
‫والأقباط على ٍّ‬
‫التي حدثت في المجتمع‪ .‬وب�صفة عامة يمكن القول �أن العهد النا�صري (‪1970-1954‬م) �شهد خفوتًا في‬
‫ت�صاعدا لم�شكلة‬ ‫ً‬ ‫ت�أثير بع�ض الم�شكالت القبطية مثل بناء وترميم الكنائ�س‪ ،‬وغيرها‪� ،‬إال �أنه في الوقت نف�سه �شهد‬
‫�أخرى‪ ،‬ظلت تنتج ت�أثيراتها لعقود بعد ذلك هي التمثيل ال�سيا�سي في البرلمان‪ .‬فقد ترتب على حل الأحزاب‬
‫ال�سيا�سية‪ ،‬ثم الركون �إلى �صيغة التنظيم ال�سيا�سي الواحد باختالف م�سمياته تراجع م�ستوى تمثيل الأقباط في‬
‫البرلمان‪ .‬ولج�أ النظام النا�صري في البداية �إلى �إغالق دوائر انتخابية على الأقباط عام ‪ ،1957‬ثم ما لبث �أن‬
‫ا�ستعا�ض عن ذلك بتعيين عدد من الأقباط بد ًال من الإ�صرار على انتخابهم بد ًءا من د�ستور ‪ ،1964‬وهو ما‬
‫و�شكل �صعوبات النتخابهم الحقًا‪ ،‬و�صار المعينون �أقرب �إلى الحكم في‬ ‫�أ�ضعف من تواجدهم في المجتمع‪َّ ،‬‬
‫ت�صوراتهم منها �إلى م�شكالت الأقباط‪ .‬في هذا ال�صدد يرى ميالد حنا "�أن رئي�س الجمهورية اكتفي بتعيين ع�شرة‬
‫�أع�ضاء في مجل�س ال�شعب (�أو الأمة) في كل المجال�س النيابية التي تلت ذلك لتمثيل �أقليات ر�ؤى من ال�ضرورة‬
‫الــم َع َّينين‬
‫تواجدها في المجل�س ب�شكل رمزي وهي الأقباط والي�سار والمر�أة‪ .‬وجرى العرف �أن يكون غالبية ُ‬
‫كل من نظامي ال�سادات ومبارك‪ ،‬و�أ�صبح انتخاب قبطي في‬ ‫من الأقباط"(‪ .)11‬هذه ال�سيا�سة ظلت م�ستمرة في ٍّ‬
‫االنتخابات البرلمانية م�س�ألة بالغة ال�صعوبة‪.‬‬

‫ ‪11‬‬ ‫�أكتوبر ‪2012‬‬


‫وهكذا لم ي�ستطع نظام يوليو اال�ستمرار فيما �أ�س�سته ثورة ‪ 1919‬بالن�سبة لالندماج الوطني بين الم�سلمين‬
‫والأقباط‪ .‬ولي�س �صدفة �أن ت�أميم العمل ال�سيا�سي امتد �إلى كل �شيء؛ فالمجل�س الملي تم تجميده في مطلع‬
‫ال�ستينيات‪ ،‬وتم و�ضع الئحة النتخابات البطريرك‪ ،‬قُيد معها االنتخاب الحر المبا�شر ل�صالح ما ُيعرف بالقرعة‬
‫الهيكلية‪ .‬وفي محاولة لخلق �شخ�صيات مدنية قبطية من طراز (مكرم عبيد ووي�صا وا�صف) تم اال�ستعانة‬
‫بالتكنوقراط الأقباط من جهة وبالأنتلجن�سيا "النخبة المثقفة" القبطية من �أبناء الطبقة ال�صاعدة‪ ،‬بع�ضهم من‬
‫الي�سار وبع�ضهم من �أبناء حركة مدار�س الأحد؛ بمعنى �أن النظام ال�سيا�سي قد ا�ستعان بكل من التكنوقراط‬
‫الأقباط وبالأنتلجن�سيا القبطية ليكونا بمثابة جناحين يتعامل معهما مع ال�ش�أن القبطي(‪ .)12‬وذلك كما حدث مع‬
‫ال‪� ،‬أي نف�س المنهج الذي يقوم على تق�سيم المجتمع‬‫العمال عندما تم اختزالهم في االتحاد العام لعمال م�صر مث ً‬
‫�إلى فئات نوعية واختزالها في و�سطاء قد يكونون �أفرا ًدا �أو م�ؤ�س�سات‪.‬‬
‫حملت حقبة ال�سبعينيات واق ًعا مختلفًا للعالقات الإ�سالمية الم�سيحية‪ ،‬فقد �أطلت التوترات الدينية بر�أ�سها‪،‬‬
‫و�أُ�ضيف م�صطلح "الفتنة الطائفية" �إلى القامو�س ال�سيا�سي والإعالمي‪ .‬بد�أت �أحداث التوتر الديني بحادث‬
‫�أخميم عام ‪1970‬م(‪ ،)13‬ثم حرق كني�سة بمنطقة الخانكة عام ‪1972‬م‪ ،‬تالها �صدور تقرير عن بعثة تق�صي‬
‫مو�ضوعيا‪ ،‬كا�شفًا‬
‫ًّ‬ ‫�شكلها مجل�س ال�شعب‪ ،‬بنا ًء على طلب الرئي�س �أنور ال�سادات‪ ،‬وجاء التقرير‬ ‫الحقائق التي َّ‬
‫عن عمق الم�شكالت المتجذرة في الن�سيج االجتماعي المتعلقة ببناء وترميم الكنائ�س‪ ،‬والتن�شئة االجتماعية‪،‬‬
‫والخطابات الدينية‪� ..‬إلخ‪.‬‬
‫أ� َّدت عودة التيارات الإ�سالمية �إلى ال�ساحة ال�سيا�سية‪ ،‬وما ارتبط بذلك من تقديم خطابات فقهية مغايرة‬
‫لما تعارف عليه الم�صريون في �ش�أن العالقة بين الم�سلمين والم�سيحيين �إلى تعقيد المناخ العام‪ .‬ومن �أبرز‬
‫ما ُي�شار �إليه خالل هذه الفترة هو عقد الم�ؤتمرين القبطي والإ�سالمي مرة �أخرى‪ ،‬لي�س تحت مظلة مدنية‬
‫مثلما حدث عام ‪1911‬م‪ ،‬ولكن تحت رعاية الم�ؤ�س�ستين الإ�سالمية والم�سيحية‪ .‬فقد ترتب على تقدم الأزهر‬
‫بم�شروع قانون لإعدام المرتد‪ ،‬و�إقامة الحدود �إلى مجل�س ال�شعب لإقراره‪ ،‬حالة من الرف�ض؛ واالحتقان‬
‫من جانب الأقباط؛ حيث �شعر الم�سيحيون ب�أنهم م�ستهدفون من هذه التوجهات الجديدة‪ .‬وعلى �إثر ذلك‬
‫تمخ�ض عنه بيان يحمل عد ًدا من المطالب‬‫ؤتمرا بالإ�سكندرية في ‪ 17‬يناير ‪1977‬م‪َّ ،‬‬ ‫عقدت الكني�سة القبطية م� ً‬
‫الأ�سا�سية؛ �أبرزها‪� :‬ضمان حرية العقيدة‪ ،‬و�إلغاء ال�شروط الع�شرة المفرو�ضة على بناء الكنائ�س‪ ،‬وعدم قبول‬
‫تطبيق ال�شريعة الإ�سالمية على الم�سيحيين‪ ،‬وتحقيق تكاف�ؤ الفر�ص في الوظائف العامة‪ ،‬و�ضمان تمثيل نيابي‬
‫حقيقي للم�سيحيين في الهيئات النيابية‪ ،‬وحرية ن�شر الم�ؤلفات الم�سيحية وو�ضع حد للكتب التي تتعر�ض‬
‫للدين الم�سيحي وعقائده‪ ،‬وت�ضمين مناهج الدرا�سات بالجامعات والمدار�س ما يتعلق بالحقبة القبطية في‬
‫أخيرا حماية الأ�سرة الم�سيحية(‪.)14‬‬
‫التاريخ الم�صري‪ ،‬و� ً‬
‫إ�سالميا في يوليو ‪1977‬م للرد‬
‫ًّ‬ ‫ؤتمرا �‬
‫وقد عقد الإمام الأكبر الدكتور عبد الحليم محمود‪� ،‬شيخ الأزهر م� ً‬
‫على الم�ؤتمر الم�سيحي‪� ،‬أكد فيه على �ضرورة تطبيق ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬و�أنه من غير المقبول التر ُّيث في ق�ضية‬
‫تطبيق ال�شريعة مراعا ًة لم�شاعر الم�صريين الأقباط (‪.)15‬‬

‫كرا�سات علمية ‪13‬‬ ‫‪12‬‬


‫وقبل �أن تنتهي حقبة ال�سبعينيات بكل ما تحمله من مناخ طائفي‪ ,‬بعث ميريت بطر�س غالي بمذكرة مهمة‬
‫للم�سئولين عام ‪1979‬م‪ ،‬بهدف الم�صارحة بالهموم القبطية‪ ،‬بد ًال من "الثنائية المحيرة تلك التي تنادي من‬
‫جهة بال�شكوى والإف�صاح بق�صد الإ�صالح‪ ،‬وتنادي من جهة �أخرى بال�سكوت والكتمان بق�صد المحافظة على‬
‫فكثيرا ما تنتهي �إلى كتم الق�ضايا الدقيقة وال�سكوت‬
‫ً‬ ‫�سمعة البالد في الخارج �أو بق�صد عدم الإثارة في الداخل‪،‬‬
‫على الم�سائل الح�سا�سة‪ ،‬بدل �أن ت�صارح بها الر�أي العام لكي يتبين الحق من الباطل‪ ،‬والخير من ال�شر"‪ .‬و�أفا�ض‬
‫ميريت غالي في مذكرته المهمة في الحديث عن المطالب القبطية المعروفة‪ :‬م�شكلة الأحوال ال�شخ�صية‪ ،‬وبناء‬
‫وترميم الكنائ�س‪ ،‬والت�ضييق على ممار�سة الم�سيحيين ال�شعائر الدينية‪ ،‬وانت�شار الكتابات‪ ،‬والمخاطبات الر�سمية‬
‫التي تطعن في �صميم العقيدة الم�سيحية‪ ،‬وغياب الحقبة القبطية من مناهج التعليم‪ ،‬والمظالم التي يعاني منها‬
‫الأقباط في �شغل الوظائف الإدارية‪ ،‬والتمثيل ال�سيا�سي في الهيئات النيابية المنتخبة(‪.)16‬‬
‫ويالحظ �أن حقبة ال�سبعينيات �شهدت الحديث عن الو�ضع الفقهي للأقباط‪ ،‬ومن ثم برز مفهوم "�أهل الذمة"‪،‬‬
‫وتوافق ذلك مع �إعالن رئي�س الدولة �أنه رئي�س م�سلم لدولة �إ�سالمية‪ ،‬وهو ما يثير ال�س�ؤال �ضم ًنا‪ :‬وماذا عن غير‬
‫الم�سلمين؟ وترتب على ذلك ما يطلق عليه "تديين الحياة ال�سيا�سية"؛ �أي التحرك في اتجاه ال�سيا�سية على �أ�سا�س‬
‫ديني‪� ،‬أو بلغة �أقرب‪ :‬تيار �إ�سالمي وتيار غير �إ�سالمي‪ ،‬وهكذا‪ .‬وفي هذا المقام اعتمد النظام على الكيان الديني‬
‫معب ًرا عن الأقباط بد ًال من الأنتلجن�سيا والتكنوقراط الأقباط‪.‬‬
‫ليكون ِّ‬
‫وقد دعم ذلك ان�سحاب الدولة من كثير من الواجبات التي من المفرو�ض �أن تقوم بها مثل‪ :‬التوظيف‬
‫والعالج؛ حيث وجد الفرد �أنه ال منا�ص من العودة �إلى الم�سجد �أو الكني�سة بح ًثا عن العالج �أو الدر�س الرخي�ص‪،‬‬
‫وهكذا وهنت الرابطة التي تربط بين الفرد‪ /‬المواطن والجماعة الوطنية ل�صالح االنتماءات الفرعية‪� .‬إنها عودة‬
‫(‪)17‬‬
‫�إلى "دولة ما قبل المواطنة"‪.‬‬
‫وفي كتاب �صدر عام ‪1998‬م‪� ،‬أجريت حوارات مع عدد من �أفراد النخبة الم�صرية‪ ،‬من مختلف الم�شارب‬
‫الفكرية وال�سيا�سية‪ :‬ي�سار‪ ،‬ليبراليين‪� ،‬إ�سالميين‪ ،‬حول ما �إذا كان الأقباط يعانون من م�شكالت ب�سبب انتمائهم‬
‫الديني‪ ،‬وقد �أجمع المثقفون على �أن الأقباط يعانون من م�شكالت خا�صة؛ ب�سبب انتمائهم لمعتقد ديني يختلف‬
‫عن معتقد الغالبية العددية‪ ،‬و�إن اختلفوا حول تحديد حجم هذه الم�شكالت‪ ،‬وطرق حلها‪ ،‬ما بين اتجاهات‬
‫�سعت للتهوين من الهموم القبطية‪ ،‬و�أخرى حاولت التهويل منها‪ .‬وما بين التهوين والتهويل‪ ،‬ظلت هناك م�ساحة‬
‫مهمة ال يمكن تجاوزها هي االعتراف بالم�شكالت نف�سها‪� .‬أبرز الم�شكالت التي ذكرت هي ال�صعوبات التي‬
‫ال عن �ضعف‬‫تجابه بناء وترميم الكنائ�س‪ ،‬وتولي الأقباط وظائف قيادية �أو عليا في الجهاز الإداري للدولة‪ ،‬ف�ض ً‬
‫التمثيل ال�سيا�سي في المجال�س النيابية(‪.)18‬‬
‫وقد ا�ستند عهد الرئي�س ال�سابق ح�سني مبارك (‪ )2011-1981‬في تعامله مع الأقباط على التعامل معهم‬
‫بو�صفهم كتلة واحدة‪ ،‬اختزلت في الم�ؤ�س�سة الكن�سية‪ ،‬و�أ�صبح ر�أ�س هذه الم�ؤ�س�سة‪ ،‬البابا �شنودة هو الممثل‬
‫فعليا‪ .‬واعتمد مبارك على �سيا�سة التوازن في التعامل على م�ستوى ال�ش�أن الديني‪ ،‬ما بين الم�سلمين‬‫للأقباط ًّ‬

‫ ‪13‬‬ ‫�أكتوبر ‪2012‬‬


‫والأقباط‪ .‬وفي الواقع �إن الم�سلمين في نظره كانوا التيار الإ�سالمي‪ ،‬فتحول الأقباط �إلى الطرف الآخر في‬
‫مواجهة التيار الإ�سالمي في ظل �سيادة النظرة الأمنية في التعامل مع كليهما‪� .‬أدى ذلك �إلى مزيد من االحتقان‪،‬‬
‫وحمل ر�سائل متناق�ضة على الجانبين‪ ،‬ما بين �أقباط يرون �أنهم يتعر�ضون �إلى تمييز وتع�صب‪ ،‬و�إ�سالميين ينظرون‬
‫�إلى الأقباط على �أنهم "�أقلية مدللة"‪ ،‬و"دولة داخل الدولة"‪�..‬إلخ‪� .‬أدى ت�صاعد االحتقان �إلى حدوث كثير من‬
‫التوترات الدينية التي �أخذت �شكل اال�شتباكات بين المواطنين حول بناء وترميم كنائ�س‪� ،‬أو خالفات اجتماعية‬
‫واقت�صادية‪ .‬وتعددت ب�ؤر االحتقان‪ ،‬وتمددت في مناطق عرفت في تاريخها م�ستويات مرتفعة من التعاي�ش‬
‫الإ�سالمي الم�سيحي‪.‬‬
‫وعندما تداعى نظام مبارك كانت الم�شكالت القبطية في �أوجها‪ .‬م�شكالت تتعلق ببناء وترميم الكنائ�س‪،‬‬
‫وحجب الوظائف العليا في م�ؤ�س�سات الدولة عن الأقباط‪ ،‬و�ضعف الح�ضور البرلماني للأقباط‪ ،‬وتف�شي ال�سجال‬
‫الديني والطعن في العقيدة الم�سيحية‪ .‬لم ي�سهم نظام مبارك ‪ -‬ب�أدائه البيروقراطي الرتيب‪ ،‬ونظرته الأمنية‬
‫ال�ضيقة ‪ -‬في حل الم�شكالت القبطية‪ ،‬بل على العك�س تنامت وتكاثرت وحملت �أبعا ًدا جديدة في عهده‬
‫الذي امتد لنحو ثالثة عقود‪ .‬وعلى �سبيل الت�صنيف يمكن القول �أن هناك نوعين من الم�شكالت القبطية(‪:)19‬‬
‫‪ – 1‬هموم م�ؤ�س�سية‪ :‬نق�صد بها الهموم التي تخ�ص الكني�سة والدولة‪ ،‬وتت�ضمن الأوقاف وبناء وترميم‬
‫الكنائ�س‪.‬‬
‫‪ –2‬هموم حياتية‪ :‬نق�صد بها تلك الهموم التي يتعر�ض لها الأقباط في حياتهم اليومية ب�صفتهم الدينية مثل‪:‬‬
‫عدم تكاف�ؤ الفر�ص‪ ،‬والت�شكيك في العقيدة الدينية‪ ،‬والتراجع عن المواطنة‪ ،‬وتداعيات ذلك على‬
‫االندماج الوطني‪.‬‬

‫بالطبع فالتعامل البيروقراطي مع ال�ش�أن القبطي فَاق ََم من هذه "الهموم"‪ ،‬وهو تعامل غير مبدع ويكر�س ما هو‬
‫وطرحت حولها‬ ‫قائم؛ فعلى �سبيل المثال ال الح�صر �إ�شكالية بناء الكنائ�س مطروحة منذ حادثة الخانكة ‪ُ 1971‬‬
‫وكتبت كثير من الكتابات (راجع تقرير العطيفي ‪ ،1972‬وتقرير مريت غالي ‪ ،1979‬وكتابات‬ ‫حلول كثيرة‪ُ ،‬‬
‫وليم �سليمان قالدة‪ ،‬وميالد حنا‪ ،‬و�أبو �سيف يو�سف‪ ،‬ونبيل عبد الفتاح‪ ،‬و�سمير مرق�س‪ ،‬و�سامح فوزي و�آخرون‬
‫جاثما‪.‬‬
‫ً‬ ‫وهما‬
‫حول هذا المو�ضوع)‪ ،‬ولكن �إلى يومنا هذا لم تزل م�شكلة قائمة ًّ‬
‫كذلك ف�إن هجمات الجماعات الإ�سالمية الم�سلحة التي ا�ستهدفت الأقباط ب�شكل مبا�شر قد فاقمت من‬
‫الإح�سا�س بالأزمة‪ ،‬وعدم قدرة الكيانات ال�سيا�سية القائمة من �أحزاب ونقابات من ابتكار و�سائل تفتح �آفاقًا‬
‫ال�ستعادة الأقباط كمواطنين في م�سيرة المواطنة الم�صرية‪.‬‬
‫ي�ضاف �إلى ما �سبق وبالعودة مث ً‬
‫ال �إلى المحا�ضر الأمنية للأحداث الدينية ما يذكر دو ًما "الطائفة الأرثوذك�سية"‪،‬‬
‫في �إ�شارة ‪ -‬ربما تكون غير مق�صودة ‪� -‬إلى نظر البيروقراطية الم�صرية �إلى ال�ش�أن القبطي‪ ،‬بالرغم من �أنه من‬
‫تبين �أن م�صر لم تعرف نظام الملل بالمطلق كما هو الحال في مناطق‬ ‫مراجعة تاريخ الأقباط في الفترة العثمانية ِّ‬

‫كرا�سات علمية ‪13‬‬ ‫‪14‬‬


‫ال�شام (راجع �سمير مرق�س "الأقباط في الع�صر العثماني" في الق�سم الثالث من كتاب "الحماية والعقاب‪:‬‬
‫الغرب والم�س�ألة الدينية في ال�شرق الأو�سط")‪.‬‬
‫حكمت الم�شهد ال�سابق ر�ؤية دينية من بع�ض تيارات الإ�سالم ال�سيا�سي غاب عن ذاكرتها م�سيرة الحركة‬
‫جهدا نحو االندماج؛ حيث كانت لها ر�ؤى مغايرة لهذا الحركة‪ .‬بالرغم من‬ ‫ً‬ ‫الوطنية الم�صرية والتي بذلت‬
‫ذلك كان هناك تيارات �أخرى ا�ستطاعت �أن تقدم اجتهادات فقهية معتبرة ومتقدمة وتف�صيلية فيما يتعلق‬
‫بالأقباط وال�ش�أن القبطي (مثل اجتهاد الدكتور �أحمد كمال �أبو المجد والدكتور محمد �سليم العوا والم�ست�شار‬
‫طارق الب�شري)‪ .‬بيد �أن الأخوان الم�سلمين لم يطرحوا �إال �شعارات عامة خا�صة من تجنب الحديث عن بع�ض‬
‫أي�ضا‬
‫الأمور التف�صيلية مثل مفهوم الوالية وتطبيقاته على �أر�ض الواقع كذلك مفهومي الأغلبية والأقلية‪ .‬ي�ضاف � ً‬
‫غلبة خطاب "تديين الحياة ال�سيا�سية" �أي تق�سيم العمل ال�سيا�سي �إلى م�سلمين وغير م�سلمين والنظر �إلى الأقباط‬
‫كجماعة دينية‪ ،‬وهنا يمكن مراجعة الخطاب الفكري وال�سيا�سي منذ الأ�ستاذ ح�سن البنا و�إلى الآن؛ حيث ال‬
‫يوجد ن�ص تف�صيلي يتعر�ض لموقف الجماعة من الأقباط بل �أق�صى �شعار تم �إعالنه في هذا ال�صدد هو "لهم ما‬
‫لنا وعليهم ما علينا" �أو "�شركاء في الوطن"‪ .‬يمكن مراجعة مجموعة ر�سائل الإمام ال�شهيد ح�سن البنا‪ ،‬وكتاب‬
‫حديث الثالثاء للأ�ستاذ ح�سن البنا‪ ،‬ومجموعة �أعداد مجلة الدعوة قبل توقفها‪ ،‬و�أحاديث مر�شدي جماعة‬
‫الإخوان الم�سلمين خا�صة الأ�ستاذين م�صطفى م�شهور وم�أمون اله�ضيبي‪ ،‬والكتابات التي �صدرت عن قيادات‬
‫من الإخوان الم�سلمين‪.‬‬
‫على الجانب الآخر نجد المراجعات الفقهية التي �أنجزتها الجماعة الإ�سالمية ‪ -‬مع التقدير الكامل لقيمة‬
‫المراجعة ‪ -‬جاءت �أدنى بكثير من اجتهادات �أخرى متقدمة �أ�شرنا �إليها �سابقًا فيما يتعلق بق�ضيتي الجزية‬
‫والذمة‪ .‬وي�ضاف �إلى ما �سبق �أن هذه المراجعات لم ت�أخذ في االعتبار قط م�سيرة الحركة الوطنية الم�صرية‬
‫على �أر�ض الواقع‪ ،‬فلقد وافقوا على قرار الخديوي �سعيد ب�إلغاء الجزية عام ‪1855‬م؛ لأن القرار �صدر من ِق َبل‬
‫مفتوحا لإمكانية تغيير هذا القرار‪ ،‬ومن ثم ال يمكن اعتبار هذا‬
‫ً‬ ‫الحاكم‪ ،‬وهو يتحمل تبعة قراره وتركوا الباب‬
‫م�ستقرا (راجع‪ :‬كتاب نهر الذكريات‪ :‬المراجعات الفقهية للجماعة الإ�سالمية‪ ،‬مكتبة التراث‬ ‫ًّ‬ ‫الأمر مبد�أً ًّ‬
‫فقهيا‬
‫(‪)20‬‬
‫الإ�سالمي‪ .)2003 ،‬ي�شير ذلك في الواقع �إلى العودة �إلى مفهوم الطائفة والذمة‪.‬‬
‫�إن المح�صلة النهائية التي خل�صت �إليها الق�ضايا والهموم القبطية ع�شية تداعي نظام مبارك‪ ،‬نر�صد منها(‪:)21‬‬
‫ا�ستبعاد الأقباط من القوائم االنتخابية بدعوى �ضعف قدرتهم على الفوز‪ ،‬وهنا ي�شار �إلى موقف‬ ‫•‬
‫مر�شحا في‬
‫ً‬ ‫الحزب الوطني الحاكم حتى عام ‪2011‬م الذي لم يقدم �إال مر�شحين من �إجمالي ‪444‬‬
‫االنتخابات الت�شريعية‪.‬‬
‫محا�صرة المر�شحين الأقباط الذين بادروا بالم�شاركة بالفتوى الدينية من بع�ض عنا�صر تيار الإ�سالم‬ ‫•‬
‫ال�سيا�سي‪ ،‬ومن بع�ض عنا�صر الحزب الوطني ذاته‪.‬‬

‫ ‪15‬‬ ‫�أكتوبر ‪2012‬‬


‫ا�ستمرار عدم الت�صدي لبع�ض الهموم الحياتية المعلقة الخا�صة بالأقباط ب�شكل حا�سم ونهائي‪.‬‬ ‫•‬
‫مر هذا التوتر الديني في ثالث مراحل منذ‬ ‫التحول النوعي في طبيعة �إثارة التوتر الديني؛ حيث َّ‬ ‫•‬
‫ال�سبعينيات‪ :‬بد�أ �أو ًال من ِق َبل الجماعات الم�سلحة الإ�سالمية‪ ،‬ثم ً‬
‫ثانيا من خالل �أحداث اجتماعية ت�أخذ‬
‫أخيرا ما حدث‬
‫دينيا �إذا كان طرفا الأحداث �أحدهما م�سلم والآخر م�سيحي مثل حادثة الك�شح‪ ،‬و� ً‬ ‫طاب ًعا ًّ‬
‫في الإ�سكندرية والجيزة وده�شور وغيرها؛ حيث تم توظيف الم�شاعر الدينية عندما �شعر طرف ب�أن‬
‫هناك ما يم�س معتقده الديني‪ ،‬مما ترتب عليه ا�ستخدام العنف وهو �أخطر نوع‪ ،‬وتوترات على الم�ستوى‬
‫ال�شعبي نتيجة �أزمات في العالقات االجتماعية ما تلبث �أن ترتدي بردة دينية‪ ،‬مثلما حدث في منا�سبات‬
‫عديدة نتيجة عالقات عاطفية تجمع �شخ�صين مختلفين في الديانة‪ ،‬وعادة ما ي�أخذ رد الفعل في هذه‬
‫الأحداث �شكل "القبلية الدينية"(‪.)22‬‬
‫ال�سماح بتبادل ال�سجال الديني بين الم�سلمين والم�سيحيين بد ًال من االهتمام بالهموم الحياتية‬ ‫•‬
‫الم�شتركة‪ .‬وانت�شار ما يمكن ت�سميته بالتوتر الناعم على عدة م�ستويات في الف�ضائيات‪ ،‬والمظاهرات‬
‫ذات الطبيعة الدينية‪ ،‬وفي ال�سجاالت ال�صحفية الملتهبة‪ ،‬واعتبار �أن الم�سيحيين والم�سلمين في حالة‬
‫(‪)23‬‬
‫تناق�ض‪.‬‬
‫الق�سم الثاني‪ :‬غياب الإدارة الر�شيدة للتنوع الديني‬
‫من خالل اال�ستعرا�ض التاريخي الموجز ال�سابق‪ ،‬يمكن القول �أنه لم يغب الحديث عن التوتر الديني في‬
‫الحالة الم�صرية خالل القرن الع�شرين‪ ،‬كان ينمو ويخبو ح�سب الحالة ال�سيا�سية والثقافية العامة في المجتمع‪.‬‬
‫ل الفراغ‪،‬‬
‫ف�إذا كان هناك مد وطني تراجع المد الطائفي‪ ،‬و�إذا تراجع المد الوطني حل محله المد الطائفي‪ ،‬يم أ‬
‫ويعبئ القوى‪ ،‬وي�شغل الأذهان‪ ،‬ويت�سبب في احتقان النفو�س‪.‬‬
‫منذ �سبعينيات القرن الع�شرين تمر �إدارة ال�ش�أن الديني التعددي في م�صر بحالة من "التوتر" �أحيا ًنا‪ ،‬و"الفتور"‬
‫في �أحيان �أخرى‪ .‬وال�سبب في ذلك يعود في جانب كبير منه �إلى تراكم الم�شكالت‪ ،‬ونق�ص الخيال الإبداعي‬
‫في التعامل مع معطيات الواقع ‪ ،‬والإ�صرار "المتعمد" على التعامل مع الملف الديني بذات الأ�ساليب القديمة‪،‬‬
‫التي جرت تجربتها‪ ،‬وتكرارها‪ ،‬و�أثبتت الأيام عدم جدواها‪.‬‬
‫الم�شهد الديني �ضاغط؛ في مجمله �إ�سالمي م�سيحي‪ ،‬وفي تفا�صيله نجد �أ�شك ً‬
‫اال من التباينات واالنق�سامات‬
‫على �أ�س�س مذهبية‪ ،‬وثقافية‪ ،‬واجتماعية‪ .‬عبر عن نف�سه في العديد من الأحداث الطائفية‪ ،‬المتكررة وال�صاخبة‪.‬‬
‫االجتهادات في تف�سير الأحداث الطائفية كثيرة‪ ،‬بع�ضهم يرجع ما يحدث �إلى تحوالت اقت�صادية اجتماعية‪،‬‬
‫تعبيرا عن �أنماط جديدة من التحالفات ال�سيا�سية‪ ،‬وفريق ثالث يرجع الأمر برمته �إلى تحوالت‬
‫و�آخرون يرون فيها ً‬
‫ثقافية‪� ..‬إلخ‪ .‬ب�صرف النظر عن الأ�سباب‪ ،‬والتي يختلف حولها الباحثون‪� ،‬إال �أنه من الثابت �أن هناك تحو ًال‬
‫كم وكيف الأحداث على ال�سواء‪ .‬وتيرة حدوثها في تزايد‪ ،‬والكيفية التي تجري عليها في تحور خطير‪.‬‬ ‫في ِّ‬

‫كرا�سات علمية ‪13‬‬ ‫‪16‬‬


‫قد اندلعت التوترات الدينية ‪ -‬في بادئ الأمر‪ -‬ب�ش�أن ق�ضايا كن�سية م�ؤ�س�سية مبا�شرة (بناء �أو ترميم كني�سة)‪،‬‬
‫مثل حادثة كني�سة الخانكة عام ‪1972‬م‪ ،‬ثم تحولت �إلى �أحداث �إرهابية طالت الأقباط مثل غيرهم في المجتمع‬
‫من مبدعين وم�سئولين حكوميين‪ ،‬و�سياح �أجانب‪� ..‬إلخ‪ ،‬وهي �أحداث الثمانينيات والت�سعينيات من القرن‬
‫الع�شرين و�أ�شهرها �صنبو وديروط و�أبو قرقا�ص في �صعيد م�صر‪ ،‬ثم تحولت �إلى خالفات جوهرها اجتماعي‬
‫أخيرا �أخذت �شكل "مواجهات‬ ‫اقت�صادي وظاهرها ديني طائفي مثل �أحداث الك�شح الثانية عام ‪2000‬م‪ ،‬و� ً‬
‫العوام" كما حدث في �أحداث الإ�سكندرية الأولى عام ‪2005‬م‪ ،‬والثانية عام ‪2006‬م‪ ،‬والجيزة ‪2010‬م‪.‬‬
‫التحول الكيفي في نوعية الحدث الطائفي ينذر بمخاطر عديدة‪� ،‬أهمها هو ا�ستدعاء الجماهير على نطاق وا�سع‬
‫وب�شرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫للم�شاركة في التوترات الدينية‪ ،‬بعد �أن ظلت لعقود محدودة‪ ،‬مكا ًنا‬
‫ورغم التنوع واالختالف في كم وكيف الأحداث الطائفية‪ ،‬ات�سمت �إدارة هذه الأحداث ‪ -‬في العقد‬
‫درا�سيا على حالة الجفاف الفكري في‬
‫ًّ‬ ‫نموذجا‬
‫ً‬ ‫الأخير من عهد نظام مبارك ‪ -‬بمالمح �أ�سا�سية تجعل منها‬
‫التعامل مع ملف بالغ الأهمية والخطورة في �آن واحد‪:‬‬
‫غياب الت�صدي الجذري للم�شكالت‬
‫واقعيا على مدار �أكثر من‬ ‫ًّ‬ ‫هناك تمديد م�ستمر للم�شكالت الطائفية‪� ،‬أو على الأقل تنا َمى ال�شعور بوجودها‬
‫قرن مثلما تبينا �أعاله‪ .‬م�شكالت من قبيل بناء وترميم الكنائ�س‪ ،‬والتمثيل ال�سيا�سي للأقباط‪ ،‬وتولي الأقباط مواقع‬
‫قيادية في جهاز الدولة‪� ،‬أو الطعن في العقيدة الم�سيحية في و�سائل الإعالم‪�..‬إلخ‪ .‬هذه الم�شكالت وغيرها‬
‫يجر التعامل الجدي مع‬ ‫ظلت ل�سنوات محل تداول في المجتمع‪ ،‬وجرى الحديث ب�إفراط عنها �إال �أنه لم ِ‬
‫جذورها‪ .‬وهناك من الآراء ما ت�شير �إلى �أنه في العقدين الأولين من حكم مبارك (‪2011-1981‬م) لم يكن‬
‫هناك �إدراك على م�ستوى م�ؤ�س�سة الرئا�سة بوجود م�شكالت تتعلق بالمواطنين الم�صريين الأقباط‪ ،‬و�ساد �شعور‬
‫ب�أن الم�شكالت هي نتيجة غياب الوعي‪ ،‬ووجود �أقلية متع�صبة على هذا الجانب وذاك‪ .‬هذا الإدراك المنقو�ص‬
‫قبطيا؛‬‫بالم�شكالت القبطية بد أ� يتغير مع وقوع �أحداث الك�شح الثانية ‪2000‬م التي �أودت بحياة نحو ع�شرين ًّ‬
‫ال عن الجرجى‪ ،‬وما تالها من ت�سارع وتيرة التوترات الطائفية‪ .‬المفارقة الغريبة �أنه في الوقت الذي كثر فيه‬ ‫ف�ض ً‬
‫بع�ضا من الوعي "الن�سبي" في التعامل معها‪� ،‬إال �أن ذلك لم ي�ؤ ِّد‬
‫الحديث عن هذه الم�شكالت‪ ،‬و�أبدت الحكومة ً‬
‫�إلى تحقيق ت�آلف في العالقات الإ�سالمية الم�سيحية‪ ،‬بل على العك�س زاد االحتقان‪ ،‬وبات الجميع‪ -‬م�سلمون‬
‫وم�سيحيون‪ -‬ي�شعرون ب�أنهم م�ضطهدون‪ ،‬وهو م�شهد غريب ي�ستبد بالأغلبية والأقلية العددية على ال�سواء‪.‬‬

‫�إ�ضعاف ال�سيا�سي والثقافي ل�صالح الأمني‬


‫التوترات الدينية لها �أبعاد �سيا�سية وثقافية‪ .‬على مدار عدة عقود من الأزمة توارى دور الم�ؤ�س�سات ال�سيا�سية‬
‫والثقافية‪ ،‬وتحول ال�ش�أن الديني �إلى ملف "�أمني" بحت‪ .‬تنطبق هذه المالحظة على البرلمان‪ ،‬والأحزاب‪،‬‬
‫والم�ؤ�س�سات الثقافية والإعالمية‪ ،‬ومنظمات المجتمع المدني‪ .‬الم�س�ألة ال تتعلق بحاالت التوترات الدينية التي‬
‫ت�ستلزم التدخل الأمني؛ للحد من االعتداء على الأفراد والممتلكات ودور العبادة‪ .‬ولكن الق�ضية �أنه في عهد‬

‫ ‪17‬‬ ‫�أكتوبر ‪2012‬‬


‫وثقافيا‪،‬‬
‫ًّ‬ ‫�سيا�سيا‬
‫ًّ‬ ‫الرئي�س ال�سابق ح�سني مبارك �أ�صبح جهاز الأمن له والية على ال�ش�أن الديني بمختلف �أبعاده‪،‬‬
‫وهو ما �أدى �إلى الحيلولة دون �إر�ساء هند�سة �سيا�سية وقانونية تعزز التعددية الثقافية‪ ،‬ولعل ذلك هو ما ذهبت �إليه‬
‫وثيقة اليون�سكو ب�ش�أن "التنوع الثقافي"‪ ،‬بالت�أكيد على �أن التعددية ال�سيا�سية هي الرد ال�سيا�سي للتنوع الثقافي‪.‬‬

‫تنحية القانون والركون �إلى الجل�سات العرفية‬


‫ال عن الكنائ�س يغيب تطبيق‬ ‫في �أحداث العنف الطائفي التي عادة ما تطول �أرواح وممتلكات الأقباط‪ ،‬ف�ض ً‬
‫القانون‪ ،‬وجرى اللجوء �إلى الجل�سات العرفية التي تجمع ال�ضحية والجاني م ًعا فيه م�شهد ي�ضيع فيه العدل‬
‫ل�صالح �صلح �شكلي‪ .‬في هذه الحالة تتخلى الدولة عن �سلطاتها القانونية‪ ،‬وتتحول �إلى "و�سيط" ال يحقق‬
‫العدالة‪ ،‬فقط يجبر ال�ضحية على قبول �صيغة لل�صلح �أقل ما تو�صف به ب�أنها ال تلبي مطالب العدالة‪ ،‬وتجعل‬
‫ال�ضحية ي�شعر بالمرارة مرتين‪ :‬الأولي عندما وقع عليه االعتداء‪ ،‬والثانية عندما �أُجبر على قبول �صلح �شكلي‬
‫ال يلبي �شروط ومتطلبات العدالة‪ .‬ال ُيعاقب الجناة‪ ،‬بموجب هذا ال�صلح‪ ،‬وقد يكون هناك �أحيا ًنا تعوي�ض‬
‫�سببا في "التهكم االجتماعي" عليهم‪ .‬تنحية "القانون"‬ ‫للخ�سائر المادية‪ ،‬قد يرف�ضها الأقباط؛ حتى ال تكون ً‬
‫ل�صالح "الم�صالحة ال�شكلية" عادة ما ي�ؤدي �إلى فتح ال�شهية �أمام مزيد من الأحداث الطائفية‪ ،‬طالما �أن النتيجة‬
‫معروفة �سلفًا وهي عدم تطبيق القانون‪ .‬بالطبع ال يمكن ف�صل تطبيق القانون عن المواطنة‪ ،‬بل �إن المواطنة‬
‫القانونية هي �أولي �صور المواطنة‪ ،‬وتق�ضي دولة القانون معاقبة المخطيء �أ ًّيا كان‪ ،‬طالما �أنه �شارك في �إحدى‬
‫الجرائم التي تنال من ا�ستقرار المجتمع‪.‬‬

‫توظيف "الإعالم" في �إدارة الم�شهد "الديني"‬


‫رئي�سيا في "الملف الديني" لي�س فقط في ت�شكيل بو�صلة الر�أي العام تجاه الملف‪،‬‬ ‫ًّ‬ ‫دورا‬
‫يلعب الإعالم ً‬
‫أي�ضا في �إدارة الملف‪ ،‬وال�شد والجذب بين الأطراف المختلفة‪ .‬في �أحداث التوتر الديني تحدث حالة‬ ‫ولكن � ً‬
‫من الت�صعيد المتعمد من جانب المنابر الإعالمية‪ ،‬مثل ال�صحف والقنوات الف�ضائية والمواقع الإلكترونية‪.‬‬
‫البع�ض يف�سر هذا الموقف بالرغبة في الرواج‪ ،‬وال�سيما �أن المو�ضوعات التي تخ�ص ال�ش�أن الديني تجد �إقب ً‬
‫اال‬
‫من جانب جمهور الم�ستهلكين‪ ،‬والبع�ض يف�سرها ب�سعي �أطراف الأزمة ال�ستغالل المنابر ال�صحفية وثيقة‬
‫ال�صلة بها‪ ،‬خا�صة مما كان له عالقة ب�أجهزة الأمن‪� ،‬أو بالتيارات الإ�سالمية‪� ،‬أو بالأقباط �أنف�سهم‪ .‬وقد ُي�ستعان‬
‫بهذه المنابر الإعالمية الحقًا في التهدئة �إذا جرت ت�سوية الموقف المت�أزم‪ .‬وتك�شف الممار�سة عن �أن تغطية‬
‫مهنيا‪ ،‬وا�ستدعاء‬
‫و�سائل الإعالم لل�ش�أن الديني تت�سم بعدد من ال�سمات الأ�سا�سية منها ا�ستخدام لغة غير من�ضبطة ًّ‬
‫تعبيرا عن �سعي المواطنين‬
‫ً‬ ‫الروايات المنقو�صة لت�شكيل الر�أي العام حول التوترات الدينية‪ ،‬لي�س باعتبارها‬
‫الكتمال الح�صول على حقوقهم‪ ،‬ولكن لتمديد واقع �سيا�سي معين‪� ،‬أو ربط هذه التوترات بتفاعالت دولية‪� ،‬أو‬
‫التعامل معها بو�صفها "مباراة كرة قدم" يخرج منها فائز ومهزوم‪ .‬يعزز كل ذلك جيل من الإعالميين ال�شباب‬
‫نظرا لأنه ن�ش�أ‪ ،‬وتعلم‪ ،‬وعمل في مناخ عال فيه‬ ‫يفتقر �إلى المعرفة العميقة لق�ضايا التعاي�ش الإ�سالمي الم�سيحي؛ ً‬
‫ال�صوت الطائفي‪ .‬الم�شكلة الحقيقية �أن المجتمع الم�صري يعرف ظاهرة الإعالم التعددي‪ ،‬لكنه يمار�س عمله‬
‫نظرا لما‬
‫وثقافيا‪ .‬من هنا ف�إن هذا النمط من التغطية الإعالمية يمثل "خطورة"؛ ً‬ ‫ًّ‬ ‫�سيا�سيا‬
‫ًّ‬ ‫في �سياق غير تعددي‪،‬‬

‫كرا�سات علمية ‪13‬‬ ‫‪18‬‬


‫يتركه في نفو�س القراء من روا�سب طائفية تظل كامنة في العقل الجمعي للمواطنين في انتظار لحظة ا�شتعال‬
‫تخرجها من طور الكمون �إلى حالة الفعل الغريزي العنيف المنفلت الذي قد يكون من ال�صعوبة ال�سيطرة عليه ‪.‬‬

‫غياب الجهة المرجعية الجامعة‬


‫الملف الديني في المجتمع الم�صري لي�س له �صاحب بالمعنى ال�سيا�سي‪ .‬هناك جهات مرجعية �إ�سالمية مثل‬
‫الأزهر ال�شريف ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف‪ ،‬وهناك جهات مرجعية م�سيحية مثل الكنائ�س المتنوعة‪ .‬ولكن‬
‫ال توجد جهة �سيا�سية تتولى ال�ش�أن الديني‪ ،‬با�ستثناء ما �سبق ذكره من وزارة الداخلية في عهد الرئي�س ال�سابق‬
‫ح�سني مبارك‪ .‬وعادة ما تغلب النظرة الأمنية على تناول ال�ش�أن الديني‪ ،‬مثل اعتبار التوترات الدينية‪� ،‬أو حتى‬
‫المطالب الحقوقية من جانب الأقباط ب�أنها تعبير عن وجود �شرذمة �أو قلة متع�صبة م�سيحية في مواجهة �شرذمة‬
‫�أخرى �أو قلة متع�صبة م�سلمة‪ .‬وهي نظرة �أمنية �شديدة ال�ضيق‪ ،‬ال ت�ستوعب المتغيرات ال�سيا�سية واالجتماعية‬
‫ال عن اعتبار حقوق المواطنة محل تفاو�ض م�ستمر في مقابل ت�أييد الأقباط لنظام مبارك‪ .‬ظاهرة‬ ‫والثقافية‪ ،‬ف�ض ً‬
‫كم هائل‬‫"الملعب المفتوح" هي التي تهيمن على العالقات الإ�سالمية الم�سيحية‪ ،‬من هنا ال ن�ستغرب وجود ٍّ‬
‫من ال�شائعات‪ ،‬والأفكار المغلوطة‪ ،‬التي تروج بق�صد وبدون ق�صد لتفخيخ الملف الديني‪ .‬في كل �أحداث‬
‫و�سيطا بين الأزمة واال�شتعال‪ .‬ولم تول الحكومة‬ ‫ً‬ ‫العنف التي ارتبطت بتوترات دينية ت�أتي ال�شائعات عام ً‬
‫ال‬
‫كافيا بهذه الحالة االجتماعية المر�ضية‪ ،‬التي باتت تهيمن على العالقات الإ�سالمية‬ ‫والقوى ال�سيا�سية اهتما ًما ً‬
‫كم مذهل من ال�شائعات التراكمية يطلقها �أحيا ًنا م�سئولون محليون‪،‬‬ ‫الم�سيحية خالل الثالثين عا ًما الأخيرة‪ٌّ .‬‬
‫دينيا من العوام‪ ،‬وبع�ضها ي�أتي من قوي �سيا�سية لها رغبة في �إ�شعال الملف الديني ‪ .‬الغريب‬
‫(‪)25‬‬
‫وبع�ض المتع�صبين ًّ‬
‫أمرا ُم َ�س َّل ًما به‪ ،‬في حين يعجز عن �إثبات �صحتها‪.‬‬
‫�أن كل طرف يتحدث عن هذه ال�شائعات كما لو كانت � ً‬
‫ورغم خطورة الأمر‪ ،‬وما ينتج عنه من تداعيات �سلبية تتمثل في ا�ستدعاء نزعات تع�صبية غريزية ت�أخذ في‬
‫طريقها قيم المواطنة والحداثة لم يجر و�ضع �إ�ستراتيجية محددة المعالم للتعامل مع الم�شكلة‪ .‬ويرجع �سريان‬
‫إعالميا �إلى �أن ملف العالقات الإ�سالمية الم�سيحية بال �صاحب‪ ،‬فال �أحد‬
‫ًّ‬ ‫وا�ستقرار ال�شائعات‪ ،‬و�إعادة �إنتاجها �‬
‫يملك الوالية عليه‪ ،‬الكل مدعو للحديث فيه بحق �أو باطل‪ ،‬وهو ما وفر بيئة حا�ضنة لنمو وانت�شار‬
‫كما وكيفًا(‪.)26‬‬
‫ال�شائعات ‪ًّ -‬‬
‫التحرك الثقافي الخدمي‬
‫بمجرد وقوع الأحداث الطائفية ت�سعى مجموعة من المثقفين والمهتمين بال�ش�أن العام �إلى ت�شكيل لجان‬
‫"الوحدة الوطنية" بم�سميات �شتى �أو �إعادة الحياة م�ؤق ًتا �إلى لجان �أ�صابها ت�صلب �شرايين ولم تعد قادرة على‬
‫الحركة‪ .‬تجتمع هذه اللجان ب�ضع مرات على الأكثر ثم تتال�شى‪ .‬والالفت للنظر �أن هناك مجموعة من نف�س‬
‫تقريبا ت�أخذ على عاتقها ت�شكيل هذه اللجان في حاالت االحتقان الطائفي وت�صدر بيانات موقفية‬ ‫ً‬ ‫الأ�شخا�ص‬
‫جادة‪ ،‬ورغم الدوافع الوطنية التي تحرك الكثير منهم �إال �أن عدم ا�ستمرار الن�شاط يك�شف عن غياب وجود‬
‫ر�ؤية لل�ش�أن الديني برمته‪ ،‬و�سيادة �إدراك منقو�ص مفاده �أن هذه الفعاليات ت�أتي من باب �إطفاء الحرائق ولي�س من‬
‫منطلق ال�سعي البتكار هند�سة �سيا�سية جديدة في التعامل مع الم�س�ألة الدينية في م�صر‪ .‬وفي بع�ض الأحيان ت�ستغل‬

‫ ‪19‬‬ ‫�أكتوبر ‪2012‬‬


‫الحكومة هذه الفعاليات في �إطار مواجهتها للمطالبات الدولية بتحقيق الم�ساواة بين المواطنين‪� ،‬أو حمايتهم‬
‫من االعتداء‪ ،‬واحترام حقوق الإن�سان‪ ،‬وذلك من خالل الت�أكيد على مفاهيم من قبيل "ال�سيادة الوطنية"‪،‬‬
‫و"رف�ض التدخل الخارجي"‪ ،‬وهي من المفاهيم التي يحر�ص المثقفون في حركتهم على الت�أكيد عليها‪ ،‬بدافع‬
‫من الرغبة في تدعيم ال�ش�أن الوطني الداخلي‪ ،‬ف�إذا بها يعاد �إنتاجها من جانب الحكم‪ ،‬و�أحيا ًنا ف�صائل الإ�سالم‬
‫ال�سيا�سي لتدعيم المواطنة المنقو�صة‪ ،‬ومواجهة الأ�صوات الداعية �إلى تحقيق المواطنة الكاملة لكل الم�صريين‪.‬‬
‫عمقت‬ ‫وقد ترتب على الإدارة البائ�سة لل�ش�أن الديني التعددي في المجتمع الم�صري عدد من التداعيات التي َّ‬
‫مزيدا من التعقيد على الم�شكالت المتوارثة بد ًال من‬
‫من م�شكالت التعاي�ش الإ�سالمي الم�سيحي‪ ،‬و�أ�ضافت ً‬
‫ال عن تدعيم االرتباك على كافة الم�ستويات كلما وقع حادث من �أحداث التوتر الديني‪:‬‬ ‫ال�سعي لحلها‪ ،‬ف�ض ً‬
‫االفتقار �إلى ر�سم �إ�ستراتيجية وا�ضحة للتعامل مع ال�ش�أن الديني يتمثل ذلك في عدم وجود جهة‬ ‫•‬
‫نظرا‬
‫مرجعية تتولى ال�ش�أن الديني ب�صفة عامة‪ ،‬وغياب الر�صد الدقيق لب�ؤر التوتر الديني والتعامل معها؛ ً‬
‫لغياب التن�سيق بين مختلف الفاعلين‪ ،‬وعدم القدرة على التعامل ب�شفافية مع الأحداث‪ ،‬و�ضعف قنوات‬
‫االت�صال‪.‬‬
‫نظرا للت�سيي�س المفرط في‬‫عدم وجود تراكم في التعامل مع الملف‪ ،‬عدم وجود خبرات متراكمة؛ ً‬ ‫•‬
‫التعامل مع الملف‪ ،‬واالنفراد الأمني به وتنحية كل ما هو �سيا�سي‪ ،‬والحر�ص على عدم �إر�ساء تقاليد‬
‫�أ�سا�سية يمكن الركون �إليها في التعامل معه‪ ،‬والنظر �إليه على �أنه مو�ضوع لال�ستقطاب في المجتمع يلج�أ‬
‫وخارجيا‪� ،‬أو لإعطاء جرعة �إ�ضافية‬
‫ًّ‬ ‫داخليا‬
‫ًّ‬ ‫�إليه الحكم �أحيا ًنا �إما لتخفيف ال�ضغط عليه ل�ضعف الإنجاز‬
‫من اال�ستبداد‪� ،‬أو االنق�ضا�ض على الخ�صوم ال�سيا�سيين وفي مقدمتهم الحركة الإ�سالمية‪� ،‬أو البتزاز‬
‫الأقباط �أنف�سهم‪ ،‬و�ضمان ت�أييدهم المطلق للنظام الحاكم‪.‬‬
‫انتفاء ذاكرة التعامل مع الملف الديني‪ ،‬الذاكرة تعني‪ :‬ثوابت الدولة الم�صرية‪ ،‬خطوط حمراء ال ي�صح‬ ‫•‬
‫تعديها‪� ،‬أمن قومي ينبغي مراعاته‪� ..‬إلخ‪ .‬وجود الذاكرة يعني وجود �أ�س�س ثابتة في التعامل مع ال�ش�أن‬
‫الديني‪ ،‬وعدم تو�سيع دائرة ال�سلطة التقديرية للأفراد ‪ -‬الذين هم عادة من الجهاز الأمني ‪ -‬في التعامل‬
‫أي�ضا فتح المجال �أمام تغيير الموقف من التعددية الدينية ح�سب الظرف‬ ‫معه‪ ،‬لي�س هذا فح�سب بل � ً‬
‫ال�سيا�سي‪ ،‬وما يقت�ضيه من ت�ضييق على �أطراف �أو م�ؤ�س�سات دينية‪� ،‬أو افتعال �أزمات لإدارة النظام ذاته‪.‬‬
‫التوظيف ال�سيا�سي المبا�شر لل�ش�أن الديني‪ ،‬من خالل رفع جرعة "المحافظة الدينية"‪ ،‬والتي تتخذ‬ ‫•‬
‫�أحيا ًنا �شكل التع�صب في المجتمع هذا �إلى جانب ر�صيد النظام ال�سيا�سي ال�سابق من خالل بث م�شاعر‬
‫االرتياب والفرقة بين مكونات الجماعة الوطنية من الم�سلمين والم�سيحيين‪ ،‬وخلق ما يمكن �أن نطلق‬
‫عليه الذهن الطائفي في النظر �إلى الظواهر والتحوالت في المجتمع‪� ..‬إلخ(‪.)27‬‬

‫كرا�سات علمية ‪13‬‬ ‫‪20‬‬


‫الق�سم الثالث‪ :‬التعددية الدينية‪ ...‬ت�صورات مقترحة للت�صدي للم�شكالت القبطية‬
‫تناول الق�سمان ال�سابقان نظرة تاريخية موجزة لتطور الم�شكالت القبطية‪ ،‬وف�شل �إدارة التعددية الدينية لي�س‬
‫أي�ضا في ظل �أنظمة حكم متنوعة‬ ‫فقط في الثالثين عا ًما الما�ضية من حكم الرئي�س ال�سابق ح�سني مبارك‪ ،‬ولكن � ً‬
‫أخيرا النظام المهجن الذي عرفه مبارك‬ ‫ودينيا‪ ،‬و� ً‬
‫ًّ‬ ‫ما بين �شبه الليبرالي‪ ،‬واال�شتراكي الت�سلطي‪ ،‬واليميني اقت�صاد ًّيا‬
‫في خليط ما بين اال�ستبداد وال�سعي �إلى الديمقراطية‪.‬‬
‫وفيما يلي بع�ض الم�شكالت القبطية‪ ،‬من خالل نظرة ر�أ�سية متعمقة لتطورها وتبيان مواقف الأطراف‬
‫المختلفة في التعامل معها‪.‬‬
‫(‪)28‬‬
‫�أوالً‪ :‬بناء وترميم الكنائ�س‬
‫تاريخيا حر�ص الوالة في م�صر على تنظيم بناء الكنائ�س‪ .‬ومن المتفق عليه بين الم�ؤرخين �أن بناء الكنائ�س‬‫ًّ‬
‫وتجديدها من المو�ضوعات التي لم يكن للحكم الإ�سالمي فيها �سيا�سة ثابتة؛ حيث ت�أرجح الموقف منها ح�سب‬
‫الظرف االجتماعي وال�سيا�سي ولي�س الديني‪ .‬وللتدليل على ما �سبق – على �سبيل المثال ال الح�صر‪� -‬أنه �أثناء‬
‫خالفة هارون الر�شيد‪� ،‬أمر والي م�صر "علي بن �سليمان" بهدم بع�ض الكنائ�س‪ ،‬العتبارات غير دينية و�إن وظف‬
‫أي�ضا) للأقباط ببناء الكنائ�س التي‬
‫فيها الدين‪ .‬بينما �أذن الوالي التالي له "مو�سى بن عي�سى" (وقت هارون الر�شيد � ً‬
‫هدمها "علي بن �سليمان"‪ ،‬واعتبارها ‪ -‬بح�سب الفقهاء ‪ -‬من‪ :‬عمارة الأر�ض‪.‬‬
‫م�سارا مختلفًا عن بقية دول‬
‫ً‬ ‫بت�أ�سي�س م�صر الحديثة في عهد محمد علي (‪� ،)1847-1805‬أخذت م�صر‬
‫ن�سبيا بينها وبين م�صر‪.‬‬
‫المنطقة‪ ،‬وبرغم التبعية القانونية للدولة العثمانية‪ ،‬ف�إن محمد علي با�شا بد�أ يفك االرتباط ًّ‬
‫بيد �أن ال�صراع بين الدولة العثمانية والقوى الأوروبية المهيمنة على مقدرات الدولة العثمانية وفق ما عرف‬
‫بنظام االمتيازات‪ ،‬جعل ال�سلطان عبد المجيد الأول ي�صدر ما ُي�سمى بالخط الهمايوني �سنة ‪1856‬م ويعني‪:‬‬
‫الخطاب �أو التوجيه �أو البيان الموجه من الباب العالي‪ ،‬وهو ما يعني �أنه مجرد ن�ص لي�س له �صفة الت�شريع الملزم‪،‬‬
‫في �إطار الإ�صالحات التي �أراد �إثبات مرونته بها تجاه غير الم�سلمين‪.‬‬
‫وحول هذا الخط نر�صد المالحظات التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬الخط الهمايوني‪ ،‬مثله مثل �أي خطاب ي�صدر عن رئي�س دولة لي�ست له �صفة الت�شريع الملزم‪ ،‬خالفًا‬
‫"للفرمان" و"الديكريتو"‪.‬‬
‫‪ -2‬لم ُي َ�صغ الن�ص في مواد كما هو ال�ش�أن في الت�شريعات‪ .‬و�إنما ُكتب ب�صيغة يتغنى فيها �صاحبه بعبارات‬
‫التمجيد والتفخيم‪.‬‬
‫‪ -3‬بالرغم من �أن جريدة الوقائع الم�صرية‪ ،‬الجريدة الر�سمية المخ�ص�صة لن�شر القوانين والت�شريعات‪،‬‬
‫كانت قد �صدرت منذ �سنة ‪ ،1830‬ف�إنه لم ُين�شر فيها هذا الخط ومن ثم ال يكون قد اكت�سب �صفة‬
‫الت�شريع الملزم‪.‬‬

‫ ‪21‬‬ ‫�أكتوبر ‪2012‬‬


‫‪ -4‬كانت م�صر وقت �صدور الخط الهمايوني تتمتع با�ستقالل ت�شريعي بح�سب �إجماع الم�ؤرخين‬
‫والقانونيين‪.‬‬
‫‪ -5‬كان هذا الخط موج ًها �إلى الجماعات الم�سيحية التي قبلت بنظام الملل في ال�شام‪ ،‬هذا النظام لم تعرفه‬
‫م�صر بالمطلق (ويمكن الإحالة لمزيد من التفا�صيل �إلى �أبي �سيف يو�سف في كتابه الأقباط والقومية‬
‫العربية‪ ،‬وعزيز �سوريال عطية في تاريخ الم�سيحية ال�شرقية‪ ،‬ومحمد عفيفي في الأقباط في الع�صر‬
‫العثماني‪ ،‬و�سمير مرق�س في الحماية والعقاب‪ :‬الغرب والم�س�ألة الدينية في ال�شرق الأو�سط)؛ حيث‬
‫أ�سيا في الج�سم االجتماعي لم�صر‪.‬‬
‫كان الأقباط مندمجين ر� ًّ‬
‫‪ -6‬القرارات الر�سمية الحديثة والتي كانت ترخ�ص لبناء الكنائ�س مع مطلع القرن الع�شرين وتجديدها لم‬
‫تكن ت�شر للخط الهمايوني‪ ،‬و�إنما �إلى قانون قديم �صادر في عهد الملك ف�ؤاد هو القانون ‪ 15‬ل�سنة‬
‫‪ ،1927‬الذي يقوم بتنظيم ال�سلطة فيما يتعلق بالمعاهد الدينية وبتعيين الر�ؤ�ساء الدينيين‪ .‬والمفارقة‬
‫�أنه ال يتناول مو�ضوع بناء الكنائ�س �أو تجديدها ال من قريب �أو من بعيد‪ .‬وقد ا�ستمرت الإ�شارة لهذا‬
‫القانون في ديباجة القرارات الجمهورية الحقًا (حتى بعد �صدور القرارات الجمهورية الخا�صة بتفوي�ض‬
‫المحافظين والجهات الإدارية الذي تم في عهد الرئي�س ال�سابق ح�سني مبارك للتخفيف من �إجراءات‬
‫ترميم الكنائ�س‪ :‬رقم ‪ 13‬ل�سنة ‪ ،1998‬ورقم ‪ 453‬ل�سنة ‪ 1999‬ورقم ‪ 291‬ل�سنة ‪ .) 2005‬نخل�ص‬
‫مما �سبق �أن الخط الهمايوني لي�س جز ًءا من البناء القانوني الم�صري‪.‬‬
‫‪ -7‬يذهب الدكتور وليم �سليمان قالدة �إلى �أكثر من ذلك بقوله �أن د�ستور ‪� 1971‬ألغى �أي �أثر للخط الهمايوني‬
‫فعليا‪ ،‬وذلك بالن�ص في المادة ‪ 46‬على �أن تكفل الدولة "حرية العقيدة وحرية ممار�سة ال�شعائر الدينية"‪،‬‬ ‫ًّ‬
‫بالمطلق‪ ،‬وهو ما �سار عليه الإعالن الد�ستوري الذي �صدر في مار�س ‪2011‬م عقب ثورة ‪ 25‬يناير‪.‬‬
‫هذا الن�ص كان ُيكتب في الد�ساتير ال�سابقة على د�ستور ‪ 1971‬م�ضافة �إليه تحفظات معينة‪ .‬ويدخل ن�ص‬
‫المادة ‪ 46‬ب�صياغته الحالية في �إطار ما ي�سميه فقهاء القانون "الحقوق المطلقة"‪ ،‬والتي تكون ن�صو�ص‬
‫ال من الم�شرع ليبين كيفية ا�ستعمالها‪،‬‬‫فورا‪ ،‬وال تتطلب لإعمالها تدخ ً‬ ‫الد�ستور ب�ش�أنها قابلة للتطبيق ً‬
‫قانونيا يتحتم احترامه بالن�سبة للم�شرع‬
‫ًّ‬ ‫قيدا عليها؛ لأنها تقرر مركزا‬
‫ومن باب �أولى لي�س عليه �أن ي�ضع ً‬
‫والأفراد على ال�سواء‪.‬‬
‫تاريخيا �أية قوانين تف�صيلية خا�صة ببناء الكنائ�س‪� ،‬سوى الإجراءات الإدارية ال�شهيرة المعروفة‬
‫ًّ‬ ‫‪ -8‬ال يوجد‬
‫"ب�شروط العزبي با�شا" (وكيل وزارة الداخلية) الذي �أ�صدرها في ‪1934‬م‪ ،‬وهي �إجراءات �إدارية ال ترقى‬
‫لمرتبة القانون‪ .‬وحول هذا الأمر ف�إنه ينبغي فهم ال�سياق ال�سيا�سي الذي �صدرت فيه؛ حيث �إنها �صدرت‬
‫خالل فترة االنقالب الد�ستوري الذي قام به الملك ف�ؤاد و�إ�سماعيل �صدقي على د�ستور ‪ ،1923‬وذلك‬
‫ب�إلغائه و�إحالل د�ستور عام ‪ 1930‬محله‪ .‬و ُيعد هذا الد�ستور من الد�ساتير المعروفة في تاريخ م�صر‬
‫بقيودها ال�شديدة‪ .‬ومن يطلع على ال�شروط الع�شرة يمكنه �أن يدرك �أن المق�صود منها هو و�ضع العراقيل‬

‫كرا�سات علمية ‪13‬‬ ‫‪22‬‬


‫�أمام بناء الكنائ�س؛ حتى يكون ذلك غير ممكن‪� .‬إنها مت�سقة مع ال�سياق الذي �صدرت فيه من جهة‪ ،‬ومع‬
‫الطبيعة المقيدة للد�ستور والذي ات�سم بحرمان ال�شعب من حقوقه من جهة �أخرى‪ .‬وتنطوي على جملة‬
‫نظرا لأنها تبتعد عن جوهر المواطنة في الدولة الحديثة‪ .‬من هذه ال�شروط ‪-‬‬‫من ال�شروط محل انتقاد؛ ً‬
‫ال ‪ -‬ال�س�ؤال عن مدى قرب الأر�ض المراد بناء كني�سة عليها من خط ال�سكة الحديد‪� ،‬أو الم�صارف‬ ‫مث ً‬
‫العمومية‪ ،‬وعدد الم�سيحيين في المنطقة‪ ،‬وما �إذا كان الم�سلمون المقيمون في المكان يوافقون على‬
‫حاكما في تمتع الجماعة الدينية الأقل عد ًدا‬
‫ً‬ ‫بناء كني�سة من عدمه؟ وهو �أمر يجعل قرار غالبية ال�سكان‬
‫بحقوقها الد�ستورية‪ .‬ومن جراء تطبيق هذه ال�شروط تعطل بناء كنائ�س في مناطق تحتاج �إليها ل�سنوات‬
‫نظرا لعملية التداخل االجتماعي ال�شديد بين الم�سيحيين والم�سلمين‪ ،‬بما ال يجعل هناك مناطق‬
‫طويلة؛ ً‬
‫خا�صة يعي�ش فيها م�سيحيون‪ ،‬وهو �إحدى العالمات الإيجابية للتعاي�ش الإ�سالمي الم�سيحي‪ ،‬الذي يقوم‬
‫على االندماج ولي�س الف�صل‪.‬‬
‫أ�سي�سا على ما �سبق‪ ،‬يمكن القول �أن بناء الكنائ�س خالل القرن التا�سع ع�شر وحتى ما بعد منت�صف‬ ‫‪ -9‬ت� ً‬
‫القرن الع�شرين‪ ،‬لم يكن يواجه �أية قيود‪ ،‬ولم تكن هناك ثقافة مجتمعية مانعة لذلك‪ .‬وجدير بالذكر‬
‫�أن الق�ضاء الم�صري �أ�صدر �أحكا ًما تاريخية هامة في مجال حرية ممار�سة ال�شعائر الدينية و�إن�شاء دور‬
‫العبادة نذكر منها‪:‬‬
‫‪ -‬حكم محكمة الق�ضاء الإداري ال�صادر في ‪ 26‬فبراير ‪ ،1951‬وق�ضى بما يلي‪:‬‬
‫قرارا لوزير الداخلية برف�ض‬
‫ �أن �إقامة ال�شعائر الدينية لكل الطوائف كفلها الد�ستور‪.‬كما �ألغت ً‬
‫حدا‬
‫الترخي�ص ب�إن�شاء كني�سة على �أ�سا�س قلة عدد �أفراد الطائفة‪ .‬وذكر الحكم �أنه ال يوجد ن�ص ي�ضع ًّ‬
‫�أدنى لعدد الأفراد الذين يحق لهم �إقامة كني�سة‪.‬‬

‫‪ -‬الحكم التاريخي في الق�ضية رقم ‪ 615‬ل�سنة ‪ 5‬الق�ضائية بتاريخ ‪ 16‬دي�سمبر �سنة ‪ ،1952‬والذي‬
‫�أ�صدره الفقيه الد�ستوري الكبير الأ�ستاذ الدكتور عبد الرازق ال�سنهوري (‪ )29‬جاء فيه‪:‬‬

‫"�إن ا�شتراط ترخي�ص في �إن�شاء دور العبادة على نحو ما جاء في الخط الهمايوني ال يجوز �أن ُيتخذ‬
‫ذريعة لإقامة عقبات ال مبرر لها دون �إن�شاء هذه الدور مما ال يتفق مع حرية �إقامة ال�شعائر الدينية‪".‬‬

‫"�إن حرية االجتماع للقيام ب�شعائر الدين تدخل �ضمن الحريات التي يحميها الد�ستور مادام �أنها ال‬
‫تخل بالنظام العام وال تنافي الآداب‪ .‬والحكومة لم تزعم �شي ًئا من ذلك‪ ،‬ومن ثم يكون الأمر بتعطيل‬
‫االجتماع الديني قد وقع باط ً‬
‫ال مما يتعين معه الق�ضاء ب�إلغاء الأمر المطعون فيه فيما ت�ضمنه من منع‬
‫االجتماعات الدينية"‪.‬‬

‫�ص على حماية‬


‫"وقالت المحكمة �أن الد�ستور قد �أقر تحويل الملك الخا�ص �إلى كني�سة عامة؛ �إذ َن َّ‬
‫الدولة للقيام بال�شعائر الدينية"‪.‬‬

‫ ‪23‬‬ ‫�أكتوبر ‪2012‬‬


‫"و�أ�ضافت المحكمة �أن ا�شتراط الترخي�ص في �إن�شاء دور العبادة ال يجوز �أن يتخذ ذريعة لإقامة عقبات‬
‫ال مبرر لها في �إن�شاء هذه الدور‪ ،‬مما ال يتفق مع حرية �إقامة ال�شعائر الدينية؛ �إذ �إن الترخي�ص لم يق�صد‬
‫راعى في �إن�شاء دور العبادة ال�شروط الالزمة التي تكفل‬ ‫به عرقلة �إقامة ال�شعائر الدينية‪ ،‬بل �أُريد به �أن ُي َ‬
‫�أن تكون هذه الدور قائمة في بيئة محترمة مع وقار ال�شعائر الدينية وطهارتها‪ ،‬وفي هذه الحدود‬
‫المعقولة ينبغي �أن يقوم نظام الترخي�ص"‪.‬‬
‫�سبب العديد من‬‫وقد كان‪ -‬حتى عقد م�ضى‪ -‬ترميم الكني�سة يخ�ضع �إلى قرار جمهوري‪ ،‬وهو ما َّ‬
‫الم�شكالت‪ ،‬خا�صة في ظل �صدور قرارات جمهورية لترميم بع�ض الغرف �أو حتى دورات مياه في الكنائ�س‪.‬‬
‫وقد �أ�شار كثير من ُ‬
‫الك َّتاب �إلى �ضرورة تغيير هذا الو�ضع الموروث منذ عقود بعيدة‪ ،‬ومن بين من �أعلنوا ذلك‬
‫�صراحة الدكتور محمد �سيد طنطاوي �شيخ الجامع الأزهر(‪.)30‬‬
‫وفي ‪ 11‬يناير ‪1998‬م �صدر قرار جمهوري رقم ‪ 13‬بتفوي�ض المحافظين كل في نطاق محافظته مبا�شرة‬
‫اخت�صا�صات رئي�س الجمهورية الخا�صة بالترخي�ص للطوائف الدينية بتدعيم الكنائ�س �أو ترميمها‪ ،‬وذلك مع‬
‫عدم الإخالل ب�أحكام القوانين واللوائح المنظمة لهذه الأعمال‪ .‬تال هذا القرار قراران �آخران هما‪453 :‬‬
‫ل�سنة ‪1999‬م‪ ،‬و ‪ 291‬ل�سنة ‪2005‬م‪ .‬ويو�سع الأخير من �سلطة المحافظين؛ بحيث ت�شمل الترخي�ص ب�إعادة‬
‫بناء وتدعيم الكنائ�س في نف�س الم�ساحة التي ت�شغلها‪ ،‬و�أمهل الإدارة مدة �شهر للرد على الطلبات المخ�ص�صة‬
‫في هذا ال�ش�أن‪.‬‬
‫ً‬
‫"تحركا" في التعامل مع م�س�ألة بناء وترميم دور‬ ‫وبالرغم من �أن هذه القرارات الجمهورية المتتالية َّ‬
‫�شكلت‬
‫العبادة‪ ،‬ربما للمرة الأولى منذ عقود‪ ،‬ف�إن الممار�سة العملية على الم�ستوى المحلي ك�شفت �أن هناك حاالت‬
‫نظرا لأن الأمر برمته يخ�ضع‬
‫ا�ستفادت من هذا التحول‪ ،‬وحاالت �أخرى تواجه �صعوبات في التعامل معها؛ ً‬
‫لتقييم ال�سلطات المحلية‪ ،‬وبخا�صة الأجهزة الأمنية‪ ،‬والتي عادة ما يحكم عملها اعتبارات معقدة‪.‬‬
‫وفي العقد الأخير حدث اهتمام ملحوظ بم�س�ألة بناء وترميم الكنائ�س‪ ،‬وقد �أعد المجل�س القومي لحقوق‬
‫الإن�سان ‪ -‬الذي ن�ش�أ عام ‪2003‬م ‪ -‬م�شروع قانون موحد لبناء دور العبادة‪ ،‬ودار حوله نقا�ش‪� ،‬إال �أنه لم ُيطرح‬
‫(‪)31‬‬
‫في مجل�س ال�شعب حتى �سقوط نظام مبارك في ‪ 11‬فبراير ‪2011‬م‪.‬‬
‫وفي �أعقاب تجدد الأحداث الطائفية في المرحلة االنتقالية التي بد�أت مبا�شرة منذ ‪ 12‬فبراير ‪2011‬م‪،‬‬
‫بد�أت بهدم كني�سة بمنطقة �صول بالجيزة‪ ،‬ثم حرق كني�سة �أخرى بمنطقة �إمبابة بالجيزة‪� ،‬أعيد الحديث حول‬
‫�إ�صدار القانون الموحد لبناء دور العبادة‪ ،‬ووعدت الحكومة ب�سرعة �إ�صدار الت�شريع في غ�ضون �شهر في‬
‫�أعقاب اعت�صام بع�ض �شباب الأقباط �أمام مبنى التليفزيون الم�صري في ما�سبيرو‪ ،‬وهم الذين �أُطلق عليهم "�شباب‬
‫ما�سبيرو"‪ ،‬ولكن لم يقر القانون‪ .‬وتجدد مرة �أخرى في �أعقاب حادث قرية المريناب‪ ،‬ويتمثل في قيام الأهالي‬
‫بهدم مبنى ي�صلي فيه الأقباط‪ ،‬في محافظة �أ�سوان‪ ،‬وما تالها من مظاهرات �أدت �إلى ا�شتباك بين المتظاهرين‬

‫كرا�سات علمية ‪13‬‬ ‫‪24‬‬


‫وقوات الجي�ش �أمام مبنى التليفزيون‪� ،‬أو اال�شتباه في وجود طرف ثالث هاجم الطرفين م ًعا‪ ،‬ظهرت نية حكومية‬
‫في التعامل مع القانون الموحد لبناء دور العبادة‪.‬‬
‫هناك اتجاهان �أ�سا�سيان للتعامل مع هذه الق�ضية‪:‬‬
‫االتجاه الأول‬
‫خ�ضع الم�ساجد والكنائ�س لمتطلبات واحدة‪.‬‬
‫يرى �أنه من ال�ضروري �إ�صدار قانون موحد لبناء دور العبادة‪ُ ،‬يـ ِ‬
‫االتجاه الثاني‬
‫تجنبا للم�شكالت التي قد تن�ش�أ من تطبيق القانون الموحد ‪ -‬يمكن ا�ستحداث نظام �أ ًّيا كان‬ ‫ً‬ ‫يرى �أنه ‪-‬‬
‫م�سماه "قرار جمهوري" �أو "قانون" �أو "الئحة"‪�...‬إلخ‪ ،‬ينظم عملية بناء الكنائ�س على نحو منف�صل‪ ،‬وال�سيما‬
‫�صادرا عن مجل�س الوزراء في ‪� 17‬أكتوبر ‪2001‬م ي�ضع ت�سعة متطلبات لبناء الم�ساجد‪ .‬ورغم �أن‬ ‫ً‬ ‫قرارا‬
‫�أن هناك ً‬
‫هذه المتطلبات لم ت َُط َّبق في الواقع العملي‪ ،‬ف�إن هناك دعوة خا�صة من جانب "بيت العائلة" للأخذ بهذا االتجاه‪.‬‬
‫ويبدو �أن االتجاه الثاني هو ما تف�ضله الحكومة الم�صرية‪ ،‬خا�صة بعد �صدور قرار من مجمع البحوث‬
‫الإ�سالمية‪ ،‬ي�ؤيد �صدور نظام خا�ص لبناء وترميم الكنائ�س‪ ،‬وهو �أمر ال يجد ممانعة من جانب الكنائ�س الم�صرية‪.‬‬
‫ويدور هذا النظام‪ ،‬في محاكاة مبا�شرة لقرار مجل�س الوزراء بتنظيم بناء وترميم الم�ساجد‪ ،‬على نقل �صالحيات‬
‫البت في بناء وترميم دور العبادة �إلى الم�ستويات المحلية بالكامل‪ ،‬وتحديد م�ساحات معينة في الريف والح�ضر‬
‫لبناء دور العبادة‪ ،‬ورعاية الجهة الدينية لذلك‪ ،‬وتحديد م�سافات مقدرة بين دور العبادة والأخرى التي تتبع نف�س‬
‫الجماعة الدينية‪ ،‬واتباع �إجراءات �إدارية ذات �إطار زمني ين�ص عليها‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬محدودية التمثيل ال�سيا�سي للأقباط‬


‫�إحدى الم�شكالت الأ�سا�سية التي تواجه الأقباط هي محدودية التمثيل في المجال�س المنتخبة‪� ،‬سواء كانت‬
‫مجل�سي ال�شعب وال�شورى‪� ،‬أوالمجال�س المحلية‪� ،‬أو الت�شكيالت والهيئات النقابية‪ ،‬والمهنية والعمالية‪.‬‬
‫�سيا�سيا عن التعددية‬
‫ًّ‬ ‫تعبيرا‬
‫�سلبا على حالة التنوع الثقافي‪ ،‬والتعددية ال�سيا�سية‪ ،‬التي تعد ً‬
‫هذه الإ�شكالية ت�ؤثر ً‬
‫الثقافية‪ .‬في هذا ال�سياق تراجع م�ستوى تمثيل الأقباط في مجل�س ال�شعب بما ال يتنا�سب مع تعددهم ال�سكاني‪،‬‬
‫وهو ما يك�شف عن انكما�ش م�ساحة الت�سامح في المجتمع‪.‬‬
‫تك�شف نتائج االنتخابات البرلمانية �أعوام ‪2000‬م و‪2005‬م و‪ 2010‬عن �ضعف الح�ضور ال�سيا�سي‬
‫للأقباط في المجل�س الت�شريعي‪ .‬في االنتخابات البرلمانية‪ .‬ففي عام ‪2000‬م ُانتخب ثالثة �أقباط من �إجمالي‬
‫ع�ضوا (وتم تعيين ‪� 4‬أع�ضاء) �أي �أ�صبح للأقباط ‪� 7‬أع�ضاء بن�سبة ‪ % 1.5‬من �إجمالي �أع�ضاء مجل�س ال�شعب‬
‫ً‬ ‫‪444‬‬
‫ع�ضوا‪ .‬وتكرر هذا الم�شهد في انتخابات عام ‪2005‬م والتي ُانتخب فيها قبطي واحد‪،‬‬ ‫ً‬ ‫البالغ عددهم ‪454‬‬
‫ع�ضوا ( وتم تعيين ‪� 5‬أع�ضاء) �أي �أ�صبح للأقباط ‪� 6‬أع�ضاء بن�سبة ‪ %1.4‬من‬
‫ً‬ ‫هو وزير المالية‪ ،‬من �إجمالي ‪444‬‬
‫تقريبا نف�س النتيجة التي �آل �إليها برلمان ‪2010‬م‪.‬‬
‫�إجمالي �أع�ضاء مجل�س ال�شعب‪ ،‬وهي ً‬

‫ ‪25‬‬ ‫�أكتوبر ‪2012‬‬


‫و ُيالحظ �أن عدد الذين ر�شحوا �أنف�سهم خالل انتخابات مجل�س ال�شعب عام ‪2000‬م من الأقباط بلغ ‪74‬‬
‫مر�شحا بن�سبة تناهز ‪ %1.7‬من �إجمالي عدد المر�شحين‪ .‬ولم يختلف‬ ‫ً‬ ‫مر�شحا‪ ،‬خا�ض منهم االنتخابات ‪66‬‬ ‫ً‬
‫كثيرا في االنتخابات البرلمانية عام ‪2005‬م؛ من حيث موقف الأحزاب المتحفظ من تر�شيح الأقباط‪،‬‬ ‫الحال ً‬
‫بيد �أن الظاهرة الملفتة للنظر هو نجاح بع�ض الم�ستقلين من الو�صول �إلى جولة الإعادة في ‪ 6‬دوائر‪� ،‬إال �أن �أ ًّيا‬
‫منهم لم ُيوفَّق(‪.)32‬‬
‫تقريبا في كل الخبرات البرلمانية منذ �أكثر من ن�صف قرن‪،‬‬
‫وال تعد هذه النتائج ا�ستثناء‪ ،‬بل هي �سمة متكررة ً‬
‫ويكفي القول �إنه في االنتخابات البرلمانية عام ‪1995‬م لم ي�ستطع قبطي واحد دخول البرلمان‪ ،‬رغم �أن عد ًدا‬
‫منهم ا�ستطاع دخول �أول برلمان في الخبرة الوطنية‪ ،‬باالنتخاب‪ ،‬هو مجل�س �شورى النواب عام ‪1866‬م‪.‬‬
‫ومحدودية ح�ضور الأقباط في مجل�س ال�شعب‪ ،‬يعك�س حالة عامة من تراجع الح�ضور القبطي في مجال�س‬
‫النقابات المهنية والعمالية‪ ،‬والأندية الريا�ضية والروابط المدنية‪ ،‬كل ذلك يجفف م�ساحات التالقي بين‬
‫�سلبا على التفاعل الثقافي الإيجابي بين مختلف مكونات‬
‫المختلفين في الدين‪ ،‬والتفاعل بينهم‪ ،‬الأمر الذي ي�ؤثر ً‬
‫المجتمع‪ ،‬ويجعل م�ستقبل التعددية الثقافية في تحد حقيقي(‪.)33‬‬
‫المراجع للبرلمانات الم�صرية منذ عام ‪ 1964‬و�إلى الآن �أي على ما يقرب من ن�صف قرن يجد �أن ن�سبة‬
‫تمثيل الأقباط المنتخبين في المتو�سط ال تزيد عن واحد في المائة ‪ %1‬فيما عدا برلمان ‪ 1987‬الذي ُانتخب فيه‬
‫‪ 6‬من الأقباط من �إجمالي �أع�ضاء المجل�س وهو ما يقترب من اثنين في المائة ‪ ،%2‬وي�ؤخذ في االعتبار �أن الأرقام‬
‫عينين بح�سب المادة ‪ 87‬في د�ستور ‪ ،1971‬كذلك العدد الإجمالي‬ ‫الـم َّ‬
‫والن�سب ال�سابقة ال ت�أخذ في االعتبار ُ‬
‫ع�ضوا بالإ�ضافة �إلى‬
‫ً‬ ‫ع�ضوا بينما ي�ضم الآن ‪444‬‬ ‫ً‬ ‫لأع�ضاء البرلمان الذي كان ي�ضم في الفترة النا�صرية ‪350‬‬
‫ع�ضوا‪ .‬وواجه الأقباط �إ�شكالية في برلمان ما بعد الثورة؛ حيث قل عدد‬ ‫ً‬ ‫الع�شرة المعينين لي�صبح العدد ‪454‬‬
‫المر�شحين الأقباط‪ ،‬ولم ت َُر َّ�شح التيارات الإ�سالمية باختالف تنويعاتها �أ ًّيا من الأقباط على الإطالق‪ ،‬با�ستثناء‬
‫حزب الو�سط‪ ،‬ووجود ثالثة مر�شحين على قوائم التحالف الديمقراطي الذي يدعمه حزب الحرية والعدالة‬
‫الذراع ال�سيا�سي للإخوان الم�سلمين‪.‬‬

‫كرا�سات علمية ‪13‬‬ ‫‪26‬‬


‫جدول رقم (‪)1‬‬
‫بيان بتمثيل الأقباط في المجال�س النيابية الم�صرية منذ عام ‪� 1924‬إلى‪2005‬‬
‫�أو ًال‪ :‬تمثيل الأقباط في البرلمان من ‪� 1924‬إلى ‪1952‬‬
‫�إجمالي عدد النواب‬
‫الن�سبة‬ ‫عدد النواب الأقباط‬ ‫ال�سنة‬
‫في البرلمان‬
‫‪%7.48‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪214‬‬ ‫‪1924‬‬
‫‪%7‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪214‬‬ ‫‪1925‬‬
‫‪%5.60‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪214‬‬ ‫‪1926‬‬
‫‪%9.79‬‬ ‫‪23‬‬ ‫‪235‬‬ ‫‪1926‬‬
‫‪%2.66‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪150‬‬ ‫‪1931‬‬
‫‪%8.62‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪232‬‬ ‫‪1936‬‬
‫‪%2.27‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪264‬‬ ‫‪1938‬‬
‫‪%10.23‬‬ ‫‪27‬‬ ‫‪264‬‬ ‫‪1942‬‬
‫‪%4.55‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪264‬‬ ‫‪1945‬‬
‫‪%3.13‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪319‬‬ ‫‪1950‬‬
‫متو�سط ن�سبة ع�ضوية الأقباط في الفترة من ‪� 1924‬إلى ‪ 1950‬هو ‪%6.13‬‬

‫جدول رقم (‪)2‬‬


‫ثانيا‪ :‬تمثيل الأقباط من‪� 1957‬إلى ‪1969‬‬
‫ً‬

‫عدد النواب‬
‫�إجمالي عدد‬ ‫عدد النواب‬ ‫�إجمالي عدد‬
‫الن�سبة‬ ‫الأقباط‬ ‫ال�سنة‬
‫النواب الأقباط‬ ‫الأقباط المعينين‬ ‫النواب‬
‫المنتخبين‬
‫�أقل من ن�صف ‪%‬‬ ‫‪1‬‬ ‫قائما‬
‫لم يكن ً‬ ‫‪1‬‬ ‫‪350‬‬ ‫‪1957‬‬
‫‪%2.5‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪360‬‬ ‫‪1964‬‬
‫‪%2.6‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪348‬‬ ‫‪1969‬‬
‫متو�سط ن�سبة التمثيل ‪%2.54‬‬

‫ ‪27‬‬ ‫�أكتوبر ‪2012‬‬


‫جدول رقم (‪)3‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬تمثيل الأقباط في الفترة من ‪� 1979‬إلى ‪1984‬‬

‫عدد النواب‬
‫�إجمالي عدد‬ ‫عدد النواب‬ ‫�إجمالي عدد‬
‫الن�سبة‬ ‫الأقباط‬ ‫ال�سنة‬
‫النواب الأقباط‬ ‫الأقباط المعينين‬ ‫النواب‬
‫المنتخبين‬
‫‪% 3.33‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪360‬‬ ‫‪1971‬‬
‫‪%2.16‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪8‬‬ ‫�صفر‬ ‫‪370‬‬ ‫‪1976‬‬
‫‪%3.89‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪360‬‬ ‫‪1979‬‬

‫متو�سط ن�سبة التمثيل ‪%3.12‬‬

‫جدول رقم (‪)4‬‬


‫راب ًعا‪ :‬تمثيل الأقباط من ‪� 1981‬إلى ‪2005‬‬
‫عدد النواب‬
‫�إجمالي عدد‬ ‫عدد النواب‬ ‫�إجمالي عدد‬
‫الن�سبة‬ ‫الأقباط‬ ‫ال�سنة‬
‫الأقباط المعينين النواب الأقباط‬ ‫النواب‬
‫المنتخبين‬
‫‪%1.92‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪468‬‬ ‫‪1984‬‬
‫‪%2.18‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪458‬‬ ‫‪1987‬‬
‫‪%1.54‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪454‬‬ ‫‪1990‬‬
‫‪%1.32‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪6‬‬ ‫�صفر‬ ‫‪454‬‬ ‫‪1995‬‬
‫‪%1.5‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪454‬‬ ‫‪2000‬‬
‫‪%1.32‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪454‬‬ ‫‪2005‬‬
‫متو�سط ن�سبة التمثيل ‪%1.65‬‬
‫النظر �إلى الإح�صاءات ال�سابقة ي�شير �إلى �أننا �أمام ظاهرة ممتدة على مدى خم�سة عقود‪ .‬وفي هذا الخ�صو�ص‬
‫هناك ثالث ظواهر �أ�سا�سية يتعين لفت االنتباه �إليها‪:‬‬

‫‪ -1‬التجاهل الحزبي لتر�شيح الأقباط وح�سابات المك�سب والخ�سارة‬


‫حزبيا يكاد يكون‬
‫ًّ‬ ‫�إن المتابع لقوائم التر�شيح الحزبية المتعددة منذ العام ‪� 1990‬سوف يجد تجاه ً‬
‫ال‬
‫تاما لتر�شيح الأقباط‪ ،‬و�أن ماكينة تكوين الكادر ال�سيا�سي في هذه الأحزاب قد �أ�صابها العطب �أو �أن العقل‬
‫ًّ‬
‫ال�سيا�سي الم�صري �أ�صبح غير مهتم بالح�ضور القبطي ومدى �أهميته الق�صوى لعمليتي التكامل الوطني‬
‫واالندماج القومي‪.‬‬

‫كرا�سات علمية ‪13‬‬ ‫‪28‬‬


‫وهناك تف�سير قدمه ‪ -‬في هذا الخ�صو�ص ‪ -‬الكاتب الراحل الأ�ستاذ محمد �سيد �أحمد لغياب الأقباط‬
‫عن قوائم الحزب الوطني عام ‪ 1995‬ب�أن ذلك ب�سبب الرغبة في تحقيق توازن �سيا�سي ب�سبب ا�ستبعاد‬
‫التيار الديني من االنتخابات‪ .‬يعني ذلك ا�ستمرار النظر �إلى الأقباط باعتبارهم جماعة دينية وهي النظرة التي‬
‫روج لها التيار الديني نف�سه منذ مطلع الثمانينيات وذلك بق�صد "تديين الحياة ال�سيا�سية والمجال العام"‬ ‫َّ‬
‫�أو تحول العمل العام ال�سيا�سي المدني �إلى ديني؛ بحيث ت�صبح بموجبه حلبة ال�صراع ال�سيا�سي مج ً‬
‫اال‬
‫للتناف�س بين تيارات دينية وطائفية ال بين تيارات �سيا�سية‪ .‬وربما يكون ال�س�ؤال ماذا بعد الح�ضور المكثف‬
‫ال؟ واقع الأمر �أن هناك‬ ‫للتيار الديني في االنتخابات‪ ،‬هل �إهمال تر�شيح الأقباط كان حماية لهم مث ً‬
‫�إ�شكالية حقيقية في �أنه متى تعددت الأ�سباب والتف�سيرات فيما يخ�ص عدم تر�شيح �أقباط وبالذات على‬
‫حزبيا خا�صة مع تنامي ظاهرة ح�ضور قبطي الفت على‬ ‫ًّ‬ ‫داخليا‬
‫ًّ‬ ‫قوائم الأحزاب الرئي�سية ف�إنه يعك�س ك�س ً‬
‫ال‬
‫م�ستوى الم�ستقلين كذلك و�صول بع�ضهم ‪ -‬في االنتخابات ال�سابقة ‪� -‬إلى جوالت الإعادة الأمر الذي يعك�س‬
‫�أن ما يحكم الأحزاب هو عن�صر المك�سب والخ�سارة ب�شكل مبا�شر‪ ،‬وفي نف�س الوقت عدم �إعطاء نف�سه �أولوية‬
‫عمليا على �أر�ض الواقع‪.‬‬
‫لق�ضية دعم التكامل الوطني ًّ‬
‫‪ -2‬الت�شكيك في �أحقية الأقباط للتر�شح‪ :‬الديني يحكم المدني‬
‫الرا�صد للعملية االنتخابية على �أر�ض الواقع يرى كيف ي�شكك كثير من المر�شحين ‪ -‬لي�س فقط المنت�سبين‬
‫أي�ضا ‪ -‬في �أحقية تر�شح الأقباط‪ ،‬وحق تمثيلهم في البرلمان ا�ستنا ًدا �إلى فتاوى‬
‫للتيار الديني بل بع�ض الأحزاب � ً‬
‫دينية بالرغم من وجود فتاوى �أخرى حا�سمة و�صارمة من �شخ�صيات معتبرة تبيح ذلك‪ .‬بيد �أن ما يعك�سه هذا‬
‫الأمر هو االمتداد الديني للمجال المدني وغلبة مفهومي الأغلبية والأقلية بالمعنى الديني‪.‬‬

‫‪ -3‬التعيين‪ :‬الحل ال�سهل‬


‫في �ضوء ما �سبق‪ ،‬اعتادت الأنظمة المتعاقبة منذ عام ‪1952‬م على التعيين؛ لتعوي�ض غياب الأقباط‪ ،‬وهو‬
‫تاريخيا في منا�سبات‬
‫ًّ‬ ‫ما دعا البع�ض �إلى التفكير في الأخذ بمبد�أ "الكوتة" �أو "التمثيل الن�سبي" الذي ُرف�ض‬
‫عديدة ‪ -‬من جانب قطاع عري�ض من الأقباط ‪� -‬إيما ًنا بق�ضية المواطنة‪ ،‬و�أنه ال فرق بين مواطن و�آخر‬
‫ب�سبب الدين‪ ،‬و�أن العمل ال�سيا�سي يمار�س بال�صفة المدنية للمواطن‪ ،‬و�أن التكامل الوطني يعني ح�ضور‬
‫الجميع من دون تمييز‪ .‬لم يتطرق برلمان الثورة ‪2011‬م ‪ -‬كما يطلق عليه ‪� -‬إلى كثير من الملفات من �ضمنها‬
‫برلمانيا‪ ،‬فالبد من ابتكار الآليات المتنوعة ‪-‬‬
‫ًّ‬ ‫ا�ستمرارية �ضعف بل يمكن الغياب �شبه الكامل لح�ضور الأقباط‬
‫في ظل مناخ ديموقراطى �صحي ومجال عام مدني – التي تتيح الح�ضور الفاعل للجميع ب�صفتهم المواطنية‬
‫وا�ستكمال عملية التكامل الوطني والتي ال ت�ستقيم عملية الإ�صالح والتغيير بدونها‪.‬‬
‫وللتعامل الجدي مع هذه الإ�شكالية المتوارثة‪ ،‬ينبغي �أن يكون هناك حر�ص وطني على انخراط الجميع‬
‫في العمل العام على كل الم�ستويات وفي كل المجاالت‪ ،‬وتجاوز النظر �إلى الأقباط على �أنهم جماعة �سيا�سية‬
‫�أو دينية‪ ،‬و�إنما هم مواطنون‪ .‬ومن ثم ال بد من ابتكار و�سائل و�آليات ت�ضمن ح�ضورهم واندماجهم على‬

‫ ‪29‬‬ ‫�أكتوبر ‪2012‬‬


‫قاعدة المواطنة‪ ،‬كل بح�سب توجهاته ال�سيا�سية والفكرية‪ ،‬والتي تتجاوز لدينا الد�ستوري والقانوني لت�شمل‬
‫االجتماعي والثقافي واالقت�صادي والمدني؛ �أي لي�ست المواطنة فقط الم�ساواة بغ�ض النظر عن الدين والجن�س‬
‫أي�ضا تعني اقت�سام الموارد ومنظومة حقوق متكاملة للجميع؛ وهو ما يكفل �أن ينتقل‬ ‫والعرق‪� ...‬إلخ‪ ،‬و�إنما � ً‬
‫الحديث من �إ�شكالية المواطنة للأقباط فقط �إلى مواطنة كل الم�صريين؛ وهو ما يعني الجهد الم�شترك للجميع‪،‬‬
‫�أي ينقلنا من مواطنين مقيمين ‪� Denizens‬إلى مواطنين فاعلين ‪ )34(.Active Citizens‬وعليه ف�إن الحر�ص على‬
‫ح�ضور المواطنين الأقباط في �شتى الهياكل والبنى المختلفة النقابية والبرلمانية‪� ..‬إلخ‪ ،‬ال بد �أن يكون مجال‬
‫عناية من الجميع‪ ،‬وعليه نقدم هنا بع�ض المقترحات العملية التي من �ش�أنها دمج الأقباط في العملية ال�سيا�سية‬
‫وذلك كما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬اللقاء الوطني‬
‫الإعداد للقاء وطني يعنى بق�ضية االندماج الوطني على قاعدة المواطنة‪ ،‬ويعمل على و�ضع الر�ؤى‬
‫فعليا‪،‬‬
‫عمليا‪ ،‬والخروج بميثاق �شرف تلتزم به كل القوى الوطنية ًّ‬
‫والت�صورات والخطط التي تحقق االندماج ًّ‬
‫يت�ضمن من �ضمن ما يت�ضمن‪:‬‬
‫كيفية التوا�صل مع فترات ال�صعود الوطني للحركة الوطنية والمراكمة عليها‪.‬‬ ‫•‬
‫�سلبا في العملية ال�سيا�سية‪� ،‬أو معالجة‬
‫متابعة و�ضبط ما يخل باالندماج الوطني؛ من حيث توظيف الدين ً‬ ‫•‬
‫غياب الح�ضور القبطي‪ ،‬وبخا�صة من على القوائم الحزبية‪ ،‬كذلك �ضمان تطبيق الأفكار واالقتراحات‬
‫التي يتم طرحها و�ضمان عدم الطعن في د�ستوريتها‪.‬‬
‫�ضمان تطبيق المواد الد�ستورية الداعمة لتحقيق االندماج ال�سيا�سي على قاعدة المواطنة ببعديها الثقافي‬ ‫•‬
‫وال�سيا�سي‪ /‬المدني‪.‬‬
‫تقوم بدور توجيهي في االختيارات والممار�سات المختلفة فيما �إذا كانت �سوف تفعل �أو تعطل من‬ ‫•‬
‫االندماج الوطني‪ ،‬ومدى المالءمة ال�سيا�سية لهذه االختيارات والممار�سات‪.‬‬
‫تكوين خريطة معرفية متكاملة تتكون من العنا�صر التالية‪:‬‬ ‫•‬
‫‪ -‬قراءة تحليلية لالنتخابات ال�سابقة ت�شمل �أ�سماء المر�شحين الم�ستقلين والحزبيين‪ ،‬وما هي المعوقات‬
‫التي واجهتهم‪� ،‬أو كيف فازوا �أو كيف خ�سروا في جوالت الإعادة‪ ،‬و�أين تزيد فر�ص النجاح في‬
‫الريف �أم في الح�ضر‪� ..‬إلخ‪.‬‬
‫‪ -‬و�ضع قوائم ت�صنيفية لل�شخ�صيات القبطية المدنية‪ ،‬واقتراح الأ�سماء على الأحزاب‪ ،‬وت�شجيع‬
‫الدخول في تحالفات حزبية‪ ،‬على الأقل‪ ،‬في دعم المر�شحين الأقباط‪.‬‬
‫‪ -‬حق التدخل ال�سريع لتدارك الغياب �أثناء العملية االنتخابية‪.‬‬

‫كرا�سات علمية ‪13‬‬ ‫‪30‬‬


‫ي�شكل من �شخ�صيات عامة م�شهود لهم بالوطنية والكفاءة والخبرة في‬‫ي�شار �إلى �أن اللقاء الوطني يمكن �أن َّ‬
‫هذا المقام‪ ،‬كما �أنه �سيكون في حالة انعقاد دائم لعدد من ال�سنوات يتفق على �أن تكون فترة مرحلية؛ حيث‬
‫بنهايتها تكون م�صر قد ا�ستعادت الحالة الطبيعية لالندماج الوطني‪.‬‬
‫‪ -2‬القائمة الن�سبية‬
‫كيفيا؛ حيث‬
‫تبني حملة للأخذ بنظام القائمة الن�سبية‪ ،‬وهي التي يمكن �أن تنتقل بالحياة ال�سيا�سية الم�صرية ًّ‬
‫التوجهات والأفكار ال�سيا�سية هي معيار التر�شح واالنتخاب‪ ،‬ولي�س االنتماء القبلي �أو الطائفي �أو العائلي‪� ،..‬أي‬
‫�أ�شكال التنظيم الأولية النقي�ض – بالتعريف – للدولة المدنية الحديثة‪ .‬وفي هذا المقام يمكن �أن نقترح ما يلي‪:‬‬
‫�ص في ميثاق ال�شرف المزمع �إعداده من خالل اللقاء الوطني ‪ -‬الذي �أ�شرنا �إليه �سابقًا ‪ -‬على �أن ت�ضم‬
‫�أن ُي َن َّ‬
‫كل قائمة ن�سبية على الأقل ا�سمين قبطيين من �إجمالي الع�شرة‪ ،‬هذا في حالة الأخذ بنظام توزيع الدوائر كما‬
‫جرى في عام ‪ .1984‬في هذه الحالة يمكن �أن يح�صل المر�شحان القبطيان على حق التمثيل النيابي �ضمن‬
‫الن�سبة الفائزة في القائمة الحزبية‪ .‬ولكن في حالة فوز القائمة بن�سبة معينة‪ ،‬ولم يكن المر�شحان القبطيان �ضمن‬
‫الن�سبة الفائزة‪ ،‬في هذه الحالة يجري ت�صعيد �أحد المر�شحين القبطيين ليحل محل �أحد المر�شحين من الأ�سماء‬
‫الفائزة‪ .‬وهو �إجراء يمكن �أن يتم في �إطار الحزب الواحد‪( .‬كما يتم لت�أمين مبد أ� تمثيل العمال والفالحين)‪.‬‬
‫�إذا لم تح�صل القائمة الأولى على �إجمالي مقاعد الدائرة (وبعد ت�أمين ح�ضور اال�سم القبطي الأول)‬
‫ف�إن الن�سبة المتبقية �سواء كانت موزعة على قائمة �أخرى �أو مجموعة قوائم ف�إنه ُيراعى �أن يكون هناك‬
‫مر�شح قبطي �ضمن الأ�سماء الفائزة‪ .‬وعليه ن�ضمن ‪ -‬مح�صلة لما �سبق ‪� -‬أن يكون هناك قبطيان عن كل دائرة‬
‫على م�ستوى الجمهورية‪.‬‬

‫‪ -3‬الأخذ بالقائمة الن�سبية والدوائر االنتخابية‬


‫بموجب هذا النظام يجري تق�سيم �أع�ضاء المجل�س النيابي �إلى ق�سمين منا�صفة‪ُ ،‬ي�شغل الق�سم الأول عبر‬
‫انتخاب بالقائمة‪ ،‬و ُي�شغل الق�سم الثاني عبر انتخاب فردي‪ .‬مفاد ذلك �إذا افتر�ضنا �أن عدد مقاعد مجل�س‬
‫مقعدا �أ�سوة بما هو ُمتبع الآن‪ ،‬ف�إنه ي�شغل مقاعد البرلمان على النحو التالي‪:‬‬
‫ً‬ ‫ال�شعب ‪454‬‬
‫مقعدا لالنتخاب الفردي وفق دوائر انتخابية تغطي كافة �أنحاء الجمهورية‪ ،‬ح�سب‬ ‫ً‬ ‫يخ�ص�ص ‪222‬‬ ‫•‬
‫تق�سيم جغرافي ُيتفق عليه‪.‬‬
‫مقعدا لالنتخاب بالقائمة‪ .‬في هذه الحالة تعتبر الجمهورية ب�أ�سرها دائرة انتخابية‬ ‫ً‬ ‫يخ�ص�ص ‪222‬‬ ‫•‬
‫واحدة‪ ،‬تتناف�س القوائم المتعددة وفق نظام التمثيل الن�سبي للفوز بالمقاعد المخ�ص�صة‪ .‬هنا ُين�ص على‬
‫خ�ص�ص كل قائمة الأ�سماء الع�شرة الأولى للعنا�صر التي تحتاج �إلى تمثيل �سيا�سي في البرلمان مثل‬ ‫�أن ُتـ ِّ‬
‫المر�أة‪ ،‬والأقباط‪ ،‬والقيادات الحزبية الكبرى‪ .‬ثم تخ�ص�ص الأ�سماء الع�شرة التالية للكوادر ال�شابة‪ ،‬ثم‬
‫تو�ضع بعد ذلك الأ�سماء بالترتيب وفق قدراتها التناف�سية‪.‬‬

‫ ‪31‬‬ ‫�أكتوبر ‪2012‬‬


‫تخ�ص�ص ‪ 10‬مقاعد للتعيين في البرلمان �أ�سوة بما كان ُم َّتب ًعا طيلة العقود الما�ضية‪ ،‬ولكن مع الن�ص‬ ‫•‬
‫�صراحة على ا�ستخدام هذا الحق الد�ستوري من جانب رئي�س الجمهورية في تحقيق "توازن في التمثيل‬
‫معنى‬
‫ال�سيا�سي لمختلف القوى االجتماعية وال�سيا�سية والفئات النوعية"‪ .‬وهو الأمر الذي يجعل للتعيين ً‬
‫وا�ضحا‪.‬‬
‫ً‬

‫‪ -4‬القائمة القومية‬
‫بالإ�ضافة لما �سبق يمكن الأخذ بفكرة ما يمكن ت�سميته بالقائمة القومية وهي الفكرة التي ُاقترحت‬
‫لعالج غياب التمثيل لفئات نوعية عديدة مثل �صغار المنتجين من �أ�صحاب ال�صناعات ال�صغيرة‪ ،‬و�صغار‬
‫الموظفين‪ ،‬وعمال القطاع العام‪ ،‬و�صغار الفالحين‪ ،‬وندرة وجود �أع�ضاء من ن�شطاء المجتمع المدني‪،‬‬
‫بالإ�ضافة للمر�أة والأقباط؛ حيث تقت�ضي �أ�صول الممار�سة البرلمانية �أن يجري تمثيل كافة �أو معظم قطاعات‬
‫ال�شعب في البرلمان بحكم �أنه مجل�س تمثيلي بطبعه‪ .‬وعليه يمكن �أن تكون القائمة القومية على م�ستوى‬
‫م�صر كلها والتي ت�شمل كل العنا�صر الذين غابت عنهم فر�صة دخول مجل�س ال�شعب في العقود الأخيرة‪.‬‬
‫وتتلخ�ص فكرة القائمة القومية في الآتي‪:‬‬
‫مقعدا �إلى العدد الإجمالي من مقاعد المجل�س؛ حيث يتم انتخابهم‬ ‫ً‬ ‫ �أن يتم االتفاق على �إ�ضافة ‪50‬‬
‫(الـ‪ )50‬من خالل ما يعرف بالقائمة القومية‪ ،‬في�صبح على كل حزب �سيا�سي �أو تحالف حزبي �أو تكتل‬
‫مر�شحا‪ .‬ويختار الناخب بت�أ�شيرة واحدة قائمة واحدة‬‫ً‬ ‫من الم�ستقلين �أن يتقدم بقائمة كاملة من ‪50‬‬
‫ب�أكملها دون غيرها‪ ،‬ويتم عد الأ�صوات الخا�صة بهذه القائمة على اعتبار �أن م�صر كلها دائرة انتخابية‬
‫واحدة‪ .‬ف�إذا افتر�ضنا �أن مجموع الأ�صوات ال�صحيحة ‪ 9‬ماليين �صوت يتم توزيعها على الخم�سين‬
‫مقعدا‪ ،‬فالقائمة التي تح�صل على ‪�180‬ألف �صوت �أي ‪ %2‬من الأ�صوات الخا�صة بالقائمة القومية ف�إنها‬‫ً‬
‫تفوز بمقعد واحد‪ .‬و�إذا ح�صلت قائمة على ‪�900‬ألف �صوت �أي ‪%10‬من �إجمالي الأ�صوات ف�إنها‬
‫تفوز بخم�سة مقاعد‪ .‬و�إذا ح�صلت قائمة على ‪1.8‬مليون �صوت �أي ‪ %20‬من الأ�صوات ف�إنها تح�صل‬
‫على ‪10‬مقاعد‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫كرا�سات علمية ‪13‬‬ ‫‪32‬‬


‫تدفع هذه الفكرة �إلى بذل الجهد في اختيار �أ�سماء جديرة لتمثيل م�صر‪ /‬الدائرة الواحدة‪ ،‬كذلك‬ ‫•‬
‫تو�سيع قاعدة الأ�سماء وك�سر احتكار الأ�سماء التقليدية بل وك�سر االحتكار الجيلي‪ ،‬والطبقي‪ ،‬والعائلي‪،‬‬
‫وتفريخ كوادر جديدة للحياة ال�سيا�سية الم�صرية‪ ،‬تتجاوز الأ�سماء البيروقراطية والتكنوقراطية والطائفية‪.‬‬
‫بالطبع يمكن التنويع في الأخذ بهذه الفكرة؛ حيث يمكن تق�سيم م�صر �إلى خم�س دوائر كبرى‪ ،‬فتتكون كل‬
‫مقعدا على الدوائر الخم�س فيكون ن�صيب كل دائرة (التي‬ ‫دائرة من عدد من المحافظات‪ ،‬ويتم توزيع الخم�سين ً‬
‫وتمار�س العملية الت�صويتية بنف�س الكيفية التي �شرحناها �سابقًا‪.‬‬
‫َ‬ ‫تتكون من عدد من المحافظات) ع�شرة مقاعد‪.‬‬

‫وما يجري على م�ستوى التمثيل ال�سيا�سي نلحظه فيما يمكن �أن نطلق عليه "البيروقراطية التمثيلية"‪ .‬يق�صد بهذا‬
‫حا�ضرا في مختلف الم�ؤ�س�سات الحكومية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫الم�صطلح ‪� -‬أي البيروقراطية التمثيلية ‪� -‬أ �أن يكون الآخر الديني‬
‫وي�ؤدي وجود الأقباط في مختلف م�ؤ�س�سات الدولة �إلى خلق حالة من ال�ضبط الذاتي لأداء هذه الم�ؤ�س�سات‬
‫في اتجاه الت�سامح‪ ،‬وتدعيم مفهوم التنوع الثقافي في الحكم الر�شيد للم�ؤ�س�سات الحكومية‪ .‬وهو ما يتفق مع‬
‫الفل�سفة التي تتبناها منظمة اليون�سكو(‪ .)35‬ت�شير ال�شواهد �إلى �أن ح�ضور الأقباط في الجهاز الإداري لي�س بالقدر‬
‫المالئم‪ ،‬خا�صة على م�ستوى المواقع القيادية‪ ،‬والتي يجري �إ�سناد المواقع فيها باالختيار‪ ،‬و�إن كان قد حدث‬
‫تحول نوعي في ال�سنوات الأخيرة ب�إ�سناد رئي�س الجمهورية من�صب محافظ �إلى قبطي‪ ،‬وهو خطوة لم ت�ستطع‬
‫حكومة الثورة �أن تحافظ عليها‪ ،‬خا�صة في ظل �شيوع رف�ض �شعبي يبدو �أنه ي�ستمد ماء الحياة من تف�سيرات غير‬
‫فقهيا حول عدم جواز تولي القبطي مواقع قيادية في جهاز الدولة‪ ،‬تو�صف ب�أنها �ضمن‬ ‫ًّ‬ ‫م�ستقرة‬
‫الواليات العامة(‪.)36‬‬

‫ثالثًا‪ :‬اختيار المعتقد الديني‬


‫د�ستور ًّيا تن�ص المادة (‪ )46‬من د�ستور ‪ ،1971‬ووردت في الإعالن الد�ستوري في مار�س ‪ 2011‬على‬
‫�أن "تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممار�سة ال�شعائر الدينية"‪ ،‬وجاءت �صياغة المادة بالمطلق دون �إيراد �أية‬
‫تقديرا لممار�سات عرفية �سابقة‪ .‬من هنا فمن المفتر�ض‪ -‬د�ستور ًّيا ‪� -‬أن المواطنين‬
‫ً‬ ‫تحفظات �أو قيود قانونية �أو‬
‫�أحرار في اختيار المعتقد الديني‪ ،‬مما ي�ستتبع البقاء فيه‪� ،‬أو الذهاب �إلى دين �آخر‪ .‬ولكن هذا ال يحدث ‪ -‬على‬
‫عمليا‪.‬‬
‫�إطالقه ‪ًّ -‬‬
‫فمن ناحية �أولى‪ ،‬ال يواجه التحول من الم�سيحية �إلى الإ�سالم �أية عقبات‪ ،‬بل ‪ -‬من المالحظ ‪ -‬يجري تذليل‬
‫الإجراءات‪ ،‬والعقبات الإدارية‪ ،‬في �سبيل تغيير �أوراق الهوية لإثبات عملية التحول الديني �إلى الإ�سالم‪ .‬وقد‬
‫كان ُم َّتب ًعا ‪ -‬حتى فترة قريبة ‪� -‬أن يجري لقاء يجمع الراغب في التحول �إلى الإ�سالم مع رجل دين م�سيحي؛‬
‫للت�أكد من انتفاء وجود �أية �ضغوط عليه‪� ،‬إال �أن هذا العرف لم يعد مطبقًا‪ .‬وهناك مطالبات من جانب حقوقيين‬
‫م�صريين با�ستعادته رغم ما كان يكتنف هذا اللقاء من �صعوبات‪ ،‬مثل �ضيق الوقت المخ�ص�ص لجل�سة الن�صح‬
‫الديني‪ ،‬وعقد هذه الجل�سات في مقار �أمنية‪�..‬إلخ(‪.)37‬‬

‫ ‪33‬‬ ‫�أكتوبر ‪2012‬‬


‫ومن ناحية ثانية في حالة تحول م�سلم �إلى �أي دين �آخر‪ ،‬مثل الم�سيحية‪ ،‬ف�إن الأمر يكتنفه �صعوبات عديدة‪،‬‬
‫لي�س فقط على م�ستوى الح�صول على �أوراق هوية تثبت الحالة الدينية الجديدة‪ ،‬ولكن على م�ستوى العالقات‬
‫االجتماعية ذاتها‪ ،‬مما يجعل ا�ستمرار بقائه في نف�س محل �سكنه �أمر بالغ ال�صعوبة‪ .‬وهي حالة �شائعة في معظم‬
‫اجتماعيا‪ .‬في الحالة الم�صرية‬
‫ًّ‬ ‫البلدان العربية؛ حيث �إن التحول عن الإ�سالم‪ ،‬دين الأغلبية‪ ،‬لي�س بالأمر المقبول‬
‫الظاهر �أن المادة الثانية من الد�ستور ال�صادر في عام ‪1971‬م‪ ،‬والمعدل عام ‪1980‬م‪ ،‬والتي تن�ص على �أن‬
‫قانونيا يحول دون‬
‫ًّ‬ ‫أ�سا�سا‬
‫الإ�سالم دين الدولة‪ ،‬ومبادئ ال�شريعة الإ�سالمية الم�صدر الرئي�سي للت�شريع‪ ،‬ت�شكل � ً‬
‫تغيير العقيدة بالن�سبة للم�سلمين‪ ،‬واعتبار �أن حرية االعتقاد تكون في قبول الإ�سالم �أو غيره من الأديان‪ ،‬ف�إذا‬
‫دخل ال�شخ�ص الإ�سالم – دون �إكراه ‪ -‬فلي�س له الخروج منه(‪.)38‬‬
‫وقد ظهرت في الأعوام الأخيرة �إ�شكالية مواطنين �أُطلق عليهم "العائدون �إلى الم�سيحية"‪ ،‬وهم عدد من‬
‫الم�سيحيين �أ�سلموا‪ ،‬ثم عادوا �إلى الم�سيحية مرة �أخرى‪ ،‬وقاموا بتحريك دعاوى ق�ضائية لإثبات حالتهم‬
‫الدينية الجديدة‪ .‬بع�ضهم ح�صل على �أحكام ق�ضائية بالعودة �إلى الم�سيحية‪ ،‬والح�صول على �أوراق هوية تثبت‬
‫حالته الدينية الجديدة‪ ،‬ولكن مع الإ�شارة في بطاقات تحقيق ال�شخ�صية �إلى ما ي�شير �إلى تحولهم في ال�سابق‬
‫�إلى الإ�سالم‪ ،‬الأمر الذي ُيخ�شى معه تعر�ضهم �إلى تر�صد اجتماعي(‪ .)39‬و ُيالحظ �أن هذا الحكم الذي �صدر‬
‫حكما �سابقًا �صدر في �إبريل ‪2007‬م ي�ؤيد الموقف الحكومي في رف�ض‬ ‫ً‬ ‫في ‪ 9‬فبراير ‪2008‬م‪ ،‬قد �ألغى‬
‫ا�ست�صدار �أوراق ثبوتية جديدة للعائدين �إلى الم�سيحية على خلفية �أنهم مرتدون‪.‬‬
‫م�صدرا للم�شكالت االجتماعية‪ ،‬التبعية‬ ‫ً‬ ‫ويرتبط بحاالت تغيير العقيدة‪ ،‬وهو ما يمثل في �أحيان كثيرة‬
‫المبا�شرة للأبناء الم�سيحيين الق�صر لأحد والديهم الذي �أ�سلم‪ ،‬على خلفية �أن الأبناء يتبعون خير الأبوين دي ًنا‪،‬‬
‫رغما عن �إرادة الأبناء‪ ،‬وقد ال يكت�شفونه �إال عند ا�ستخراج بطاقة �شخ�صية‪،‬‬ ‫وهو ما يحدث في منا�سبات كثيرة ً‬
‫عندما يجدون �أن ديانتهم هي الإ�سالم‪ ،‬وغُ ِّيرت �أ�سما�ؤهم الم�سيحية �إلى �أ�سماء �إ�سالمية(‪.)40‬‬
‫في �أعقاب ثورة ‪ 25‬يناير وافقت وزارة الداخلية على ا�ست�صدار بطاقات رقم قومي تتفق مع الأحكام الق�ضائية‬
‫يدون فيها �صفته الدينية الحالية‪ ،‬وهي الم�سيحية‪ .‬وهناك‬
‫بتغيير الأوراق الثبوتية للعائدين �إلى الم�سيحية؛ بحيث َّ‬
‫مطالبات في ظل الحديث عن الدولة المدنية ب�أن يحذف بند "الديانة" بطاقة الرقم القومي‪ .‬وفي كل الأحيان‬
‫البد من تقنين م�س�ألة التحول الديني في المجتمع؛ حتى تتالءم مع طبيعة مجتمع يت�شكل على �أ�س�س ديمقراطية‪،‬‬
‫ويرعى الحريات الأ�سا�سية‪ ،‬من هنا يمكن اعتبار الم�س�ألة �شخ�صية‪ ،‬تتعلق ب�إثبات التحول �أمام القا�ضي في‬
‫المحكمة‪ ،‬باعتبارها حقًّا من حقوق الإن�سان‪ ،‬وال تدخل الم�ؤ�س�سات الدينية طرفًا في ذلك‪.‬‬

‫راب ًعا‪ :‬التمييز المجتمعي �ضد الأقباط‬


‫هناك حاالت يواجه فيها بع�ض الأقباط تميي ًزا على ال�صعيد المجتمعي‪ ،‬ال �سند له من القانون‪ ،‬وغير ناتج عن‬
‫كثيرا بدعاوى التطرف‪ .‬في �أحيان‬
‫�سيا�سات حكومية مبا�شرة‪ ،‬لكنه تعبير عن اختيارات �أفراد‪ ،‬في مناخ ت�أثر ً‬

‫كرا�سات علمية ‪13‬‬ ‫‪34‬‬


‫كثيرة‪ ،‬ب�سبب هذا المناخ‪ ،‬يزاد الأقباط ابتعا ًدا عن الحياة العامة‪ ،‬وح�سا�سية في التعامل مع المجتمع‪� .‬أحد �أهم‬
‫الأ�سباب وراء تقل�ص م�ساحة الت�سامح الديني هو خطاب الحركات الإ�سالمية‪ ،‬المقلقة‪ ،‬والم�ضطربة‪ ،‬والتي‬
‫تبعث على مراجعة و�ضع الم�سيحي في المجتمع‪ ،‬من �شريك في المواطنة‪ ،‬له كل الحقوق وعليه كل الواجبات‪،‬‬
‫خروجا على الفقه الإ�سالمي الم�صري التقليدي‬
‫ً‬ ‫�إلى ذمي تنتق�ص حقوقه وواجباته في المجتمع‪ ،‬وهو ما ي�شكل‬
‫تحري�ضيا في بع�ض الحاالت‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫المت�سامح‪� .‬أكثر من هذا‪ ،‬ت�أخذ هذه الخطابات �شك ً‬
‫ال‬
‫هنا يظهر فريقان من الإٍ�سالميين‪� :‬أحدهما ينتمي �إلى مدر�سة "الذمية المعدلة" التي ت�ؤكد �أن حق المواطنة‬
‫نظرا‬
‫لكل من الم�سيحيين والم�سلمين‪ ،‬ولكن دون �إغفال �أف�ضلية الم�سلمين في المجتمع ال�سيا�سي؛ ً‬ ‫مكفول ٍّ‬
‫لأغلبيتهم العددية‪ .‬وفريق �آخر يرى �أن الأقباط "�أهل ذمة"‪� ،‬أعفاهم الحاكم الم�سلم في عام ‪1855‬م من �أداء‬
‫الذمة‪ ،‬وبالتالي ف�إن و�ضع المواطنة الحالي لي�س هو الو�ضع الأف�ضل‪ ،‬بل المرجو هو العودة �إلى الذمية بكل ما‬
‫تحويه من دالالت وا�شتراطات(‪.)41‬‬
‫الت�صدي �إلى هذه الم�شكلة يحتاج �إلى بروز اجتهادات تراكمية جادة في التيار الإ�سالمي‪ ،‬تعيد ا�ستلهام الفقه‬
‫الم�صري التقليدي‪ ،‬الذي يقوم على التوازن ما بين احترام و�ضع الدين في النظام العام‪ ،‬ولكن مع �إقرار الم�ساواة‬
‫بين المواطنين ب�صرف النظر عن االختالف في اللون �أو الدين �أو الجن�س �أو العرق‪.‬‬

‫ويقت�ضي ذلك‪:‬‬
‫تف�صل في ال�شرح ب�ش�أن الر�ؤية الفقهية‬
‫�إ�صدار وثائق �أ�سا�سية على غرار وثيقة الأزهر في يونية ‪2011‬م‪ِّ ،‬‬ ‫•‬
‫الم�صرية للعالقة بين الم�سلمين والأقباط‪.‬‬
‫مرورا بال�شيخ �شلتوت‬
‫ً‬ ‫�إعادة �إ�صدار كال�سيكيات الفقه الم�صري‪ ،‬منذ كتابات الإمام محمد عبده‪،‬‬ ‫•‬
‫والدكتور عبد المتعال ال�صعيدي‪ ،‬وانتها ًء باالجتهادات المعا�صرة التي ت�ؤكد على الحرية الدينية‪،‬‬
‫وتتناول بالنقد ما هو متداول من �أفكار قديمة يعاد بعثها حول الذمية‪ ،‬وموقع غير الم�سلمين في الدولة‬
‫الإ�سالمية‪� ..‬إلخ‪.‬‬
‫�إدماج الأفكار الحديثة في الفقه الإ�سالمي في البرامج الإعالمية والتعليمية‪ ،‬ولن يت�سنى ذلك �إال من‬ ‫•‬
‫خالل و�ضع ر�ؤية حكومية وا�ضحة تجاه هذا ال�ش�أن‪ ،‬تجري ترجمتها في �صيغ تن�سيقية بين هيئات‬
‫عديدة‪ ،‬على النحو الذي �سوف نناق�شه تف�صي ً‬
‫ال عند الحديث عن التوترات الدينية الحقًا‪.‬‬
‫ت�شجيع المبادرات االجتماعية التي ت�سعى لت�شكيل "ر�أ�س المال االجتماعي" الم�سلمين والم�سيحيين‪،‬‬ ‫•‬
‫خا�صة ال�شباب على �صعيد العمل االجتماعي‪ ،‬التنموي‪ ،‬الإن�ساني‪ .‬ت�ساعد هذه المبادرات على ت�شكل‬
‫هوية اجتماعية جديدة لدى الطرفين‪ ،‬وت�ساعد على تغيير ال�صور النمطية الم�شوهة لدى ٍّ‬
‫كل منهما عن‬
‫الآخر‪ ،‬مما يخف�ض من م�ستويات التمييز االجتماعي‪.‬‬

‫ ‪35‬‬ ‫�أكتوبر ‪2012‬‬


‫الق�سم الرابع‪ :‬التوترات الدينية‪ ...‬ت�صورات لإدارة �أف�ضل للتنوع الديني‬
‫ت�شهد م�صر منذ عام ‪�( 1970‬سنة �أول حادثة توتر ديني والمعروفة با�سم حادثة �أخميم وقد �سبقت حادثة‬
‫الخانكة بعامين) �أحداث توتر ديني متتالية ف�شلت الدولة في التعامل الجدي معها مما �أدى �إلى تفاقمها‪ .‬الأكثر‬
‫من ذلك �أن الأدوات والأ�ساليب التي كنا ن�ستخدمها في محاولة عالج التوتر �شابها التراجع‪ ،‬فبعد �أن كان‬
‫اللجوء �إلى ت�شكيل لجنة لتق�صي الحقائق كو�سيلة لمعرفة دقائق ما حدث ‪ -‬لجنة العطيفي ‪ ،1972‬واالحتكام‬
‫�إلى الق�ضاء الطبيعي باعتبارهما من الآليات التي تعبر عن الدولة الحديثة – �أ�صبحنا نلج�أ �إلى جل�سات الم�صالحة‬
‫"ال�شكلية" ذات الطابع العرفي مما �أدى �إلى العودة بم�صر �إلى ما قبل الدولة الحديثة‪.‬‬

‫م�سار التوتر الديني‪ 1970 :‬حتى ‪ 25‬يناير‪2011‬‬


‫مرت �أحداث التوتر الديني في م�صر ب�أربع مراحل �ساهمت في تعقدها وو�صولنا لما نحن عليه الآن‪،‬‬
‫وذلك كما يلي(‪:)42‬‬
‫المرحلة العنفية؛ من ِق َبل جماعات العنف الديني تجاه الأقباط‪ .‬حدث ذلك في ال�سبعينيات والثمانينيات‬
‫وكثيرا ما حركتها الرغبة في �إحراج الدولة‪ ،‬و�إظهارها بمظهر غير القادر‬
‫ً‬ ‫والت�سعينيات من القرن الع�شرين‪،‬‬
‫على حماية المواطنين‪ ،‬خا�صة الأقباط‪ .‬و�أخذت �أحداث العنف عدة �أ�شكال منها االعتداء على مواطنين �أقباط‪،‬‬
‫وفر�ض الإتاوة عليهم‪ ،‬وترويع المواطنين في منا�سبات معينة‪ ،‬والهجوم على المحال المملوكة للأقباط‪� ..‬إلخ‪.‬‬
‫وارتبطت هذه الأحداث بت�أويالت دينية ت�سلب من الأقباط مواطنتهم‪ ،‬وتعيد طرح مفاهيم مثل الذمية‪،‬‬
‫والكفر‪� ..‬إلخ‪.‬‬
‫م�سيحيا �إلى واقعة دينية‪،‬‬
‫ًّ‬ ‫م�سلما والآخر‬
‫ً‬ ‫مرحلة االحتقان؛ حيث تتحول �أية واقعة جنائية يكون �أحد طرفيها‬
‫قبطيا‪،‬‬
‫من �أ�شهر هذه الأحداث هي حادثة "الك�شح" الثانية عام ‪2000‬م‪ ،‬والتي راح �ضحيتها نحو ع�شرين ًّ‬
‫و�أخذت �شكل خالفات تجارية في البداية‪ ،‬ثم ما لبثت �أن تطورت في �صورة اعتداء م�سلح ع�شوائي على عدد‬
‫من الم�سيحيين‪.‬‬
‫مرحلة ال�سجال الديني؛ وتظهر في وجود منابر �إعالمية مكتوبة ومقروءة ومرئية و�إلكترونية تح�ض على الطعن في‬
‫العقائد‪ ،‬وتروج لحديث المفا�ضلة بين �أهل الأديان‪ ،‬وعادة ما تترك هذه المنابر الإعالمية م�ساحة وا�سعة من‬
‫�سلبا على العالقات االجتماعية بين المواطنين‬‫التع�صب‪ ،‬والغ�ضب عند القراء والم�شاهدين‪ ،‬وهو ما ينعك�س ً‬
‫ؤيدا‬
‫العاديين‪ .‬ويٌالحظ ب�صفة عامة �أن الج�سم العام للمجتمع الم�صري‪ ،‬م�سلميه وم�سيحييه‪ ،‬لم يكن يو ًما م� ً‬
‫ل�صدام �أو جدل ديني‪ ،‬وهو ما يعرف في بع�ض الأدبيات بالتيار الرئي�سي �أو الأغلبية ال�صامتة من الم�صريين‪.‬‬
‫�سلبا على التيار الوا�سع من المجتمع الم�صري‪.‬‬
‫وت�ؤدي مناق�شة‪ ،‬ونقد العقائد في و�سائل الإعالم �إلى الت�أثير ً‬

‫كرا�سات علمية ‪13‬‬ ‫‪36‬‬


‫مرحلة التناحر القاعدي؛ حيث تحدث مواجهات بين الم�سلمين والم�سيحيين لأ�سباب عديدة مثل‪ :‬بناء‬
‫كني�سة‪ ،‬تحول ديني‪ ،‬ق�ص�ص عاطفية طرفاها مختلفان في الديانة‪� ..‬إلخ‪ .‬حدث ذلك في منا�سبات كثيرة وفي‬
‫محافظات مختلفة‪.‬‬
‫النتيجة �أن تكون لدى البع�ض من كل طرف نظرة خا�صة �سلبية عن الآخر وبخا�صة في �أو�ساط معينة لم‬
‫ت�ستطع روح "التحرير" �أن ت�صل �إليهم‪ ،‬و�إنما �سيطرت عليهم روح الخوف؛ من جهة الأقباط الخوف من �أنهم‬
‫يتعر�ضون لال�ضطهاد‪ ،‬ومن طرف الم�سلمين �أن الإ�سالم يتعر�ض للتقليل‪ .‬وهو الأمر الذي ي�ستدعي ا�ستخدام‪:‬‬
‫خوف الأقباط مغلف بما حدث في العراق من تنكيل بالم�سيحيين‪ ،‬والمخاوف في �سوريا من وجود ا�ستهداف‬
‫إح�سا�سا بفائ�ض القوة الدينية‪،‬‬
‫ً‬ ‫منظم للم�سيحيين عقب زوال نظام البعث‪� ،‬أما على الجانب الإ�سالمي ف�إن هناك �‬
‫ورغبة في ت�شكيل م�ستقبل المجتمع الم�صري‪ ،‬ور�سم العالقة بين الدين والدولة‪ ،‬لي�س على النحو الم�ستقر‬
‫وفقهيا ولكن من خالل م�ساحات �أخرى ت�شهد طغيان ال�سيا�سي على الديني‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫د�ستور ًّيا‪،‬‬

‫"فائ�ض القوة الدينية"؛ لدى كل طرف �ضد الطرف الآخر‬

‫النزاع الديني‬

‫‪ 25‬يناير‬
‫في ذروة م�شهد التوحد بين الم�صريين في ميدان التحرير من �أجل التغيير‪ ،‬وقعت حادثة �إطفيح ثم حادث‬
‫�إمبابة‪ ،‬ثم حادث المريناب‪ ،‬ومتوقع �أن تتكرر في �أماكن �أخرى بما ي�ؤدي �إلى ات�ساع نطاق جغرافيا التوتر‬
‫الديني‪.‬‬
‫�إن تبعات التوترات الدينية في هذا المرحلة االنتقالية الدقيقة التي تعي�شها البالد بعد ‪ 25‬يناير‪� ،‬ستكون �أ�شد‬
‫و�سيا�سيا واقت�صاد ًّيا من �أية ق�ضية �أخرى؛ لأنها ت�شكل �أحد مقومات الأمن‬
‫ًّ‬ ‫أمنيا‬
‫وط�أة وخطورة على المجتمع � ًّ‬
‫القومي الم�صري‪ .‬وهي تمثل تحديًا ل�شرعية الدولة الم�صرية الحديثة‪ ،‬دولة المواطنة والقانون‪ ،‬الم�ستندة �إلى‬
‫قيم الحداثة والعدالة والملتزمة بمواثيق وعهود حقوق الإن�سان‪.‬‬
‫ومما ال�شك فيه‪� ،‬أن اعتماد الحل الأمني ك�إ�ستراتيجية وحيدة لعالج �أحداث الفتنة الطائفية في الفترات‬
‫ال جذر ًّيا �شام ً‬
‫ال‪ .‬كما �أدت �سيا�سة‬ ‫ال�سابقة �أدى �إلى مزيد من التعقيدات والإ�شكاليات �أكثر مما �أ�سهم في حلها ح ًّ‬

‫ ‪37‬‬ ‫�أكتوبر ‪2012‬‬


‫ال عن الحلول الإ�ستراتيجية الحا�سمة ـ تارة بحجة �أن الظروف ال‬ ‫تقديم الم�سكنات الإعالمية والأمنية بدي ً‬
‫ت�سمح‪ ،‬وتارة �أخرى با�ستخدام فزاعة القوى الدينية المت�شددة ـ �إلى تزايد عدد الم�شاحنات الدينية في ال�سنوات‬
‫الأخيرة‪ ،‬حتى �أن بع�ض الم�شاكل ذات الطبيعة االجتماعية �سرعان ما تتحول �إلى حوادث دينية عنيفة لمجرد‬
‫�أن �أحد طرفيها م�سلم والآخر م�سيحي مما �أدى �إلى فقدان ثقة المواطن العادي في مثل هذه الحلول الجزئية‬
‫وال�سطحية‪.‬‬

‫ر�ؤية للمواجهة‬
‫انطالقًا من �إرادة وطنية جامعة لبناء تقاليد المواطنة وقواعد الحياة الم�شتركة بين الم�صريين على اختالفهم‬
‫في �إطار دولة القانون ي�أتي االهتمام ب�ضرورة درا�سة الظاهرة والتفكير في و�ضع �إ�ستراتيجيات و�سيا�سات‬
‫للمواجهة‪.‬‬
‫نهدف بداية �إلى ر�صد ب�ؤر التوتر في م�صر‪ ،‬ومعرفة �أ�سباب الحدوث واحتماالت الحدوث‪ ،‬وتقديم‬
‫االتجاهات الإ�ستراتيجية وال�سيا�سات العملية للمواجهة‪.‬‬

‫الأهـــداف‬
‫درا�سة خريطة التوتر الديني في المحافظات المختلفة‬ ‫‪-1‬‬
‫لي�ست كل المناطق ت�شهد توترات طائفية‪ ،‬بع�ضها يرتفع فيه م�ؤ�شر ال�سخونة الطائفية‪ ،‬وبع�ضها ت�سوده‬
‫عالقات هادئة من الود والتعاون بين مختلف المواطنين‪ ،‬م�سلمين وم�سيحيين‪ ،‬وبع�ضها مر�شح للتوتر‬
‫في حالة ن�شاط عوامل االختالف الكامنة فيه‪ .‬وتحقق الخريطة المتكاملة للتوتر الديني في مختلف‬
‫المحافظات تحقق عد ًدا من الأهداف �أهمها‪� :‬أو ًال‪ :‬الوقوف على الأ�سباب الحقيقة التي تت�سبب في‬
‫ثانيا‪ :‬االنطالق في التعامل في الملف الديني من معلومات موثقة‪ ،‬وفق‬ ‫�إ�شعال الخالفات الطائفية‪ً ،‬‬
‫منهجية متفق عليها‪ ،‬ولي�س بنا ًء على اجتهادات �أو �آراء �أو تحيزات لطرف �أو �آخر‪ ،‬و�أي�ضا لي�س باال�ستناد‬
‫�إلى المعلومات التي تتوفر لدى الأجهزة المحلية‪ ،‬والتي ي�شوبها في كثير من الأحيان الق�صور‪ ،‬وغياب‬
‫أخيرا‪ ،‬ف�إن ر�سم خريطة للتوتر الديني ت�ساعد الباحثين‬‫القدرة على التوا�صل مع مختلف الأطراف‪ .‬و� ً‬
‫االجتماعيين على �إجراء درا�سات مف�صلة "مقطعية" في الج�سد االجتماعي؛ لر�صد العوامل ال�سيا�سية‬
‫والثقافية وال�سو�سيو اقت�صادية التي ت�شكل "من�شطات" للتوتر الديني‪ ،‬وطرح الحلول المختلفة لتثبيطها‪،‬‬
‫وتفريغها من الفعالية‪.‬‬
‫‪ -2‬ر�صد مظاهر التمييز الديني في المجال العام والتي قد ت�ؤدي �إلى توترات وم�شاحنات‬
‫ينبغي ر�صد مظاهر التمييز الديني في المجال العام‪� ،‬سواء من حيث الإفراط في ا�ستخدام الرموز الدينية‬
‫في غير محلها‪� ،‬أو ت�صدير خطابات دينية في غير �سياقها‪� ،‬أو ترويج �آراء �أو فتاوى تت�سبب في الجدل‪،‬‬

‫كرا�سات علمية ‪13‬‬ ‫‪38‬‬


‫وال�سجال على الم�ستوي المجتمعي بين المختلفين في المعتقد الديني‪ .‬في �أحيان كثيرة‪ ،‬نتيجة لحالة‬
‫التدين ال�شكلي‪ ،‬ورغبة بع�ض جماعات الإ�سالم ال�سيا�سي الهيمنة على المجال العام‪ ،‬ووجود احتقان‬
‫طائفي على الجانبين الإ�سالمي والم�سيحي‪ ،‬ف�إن مظاهر التمييز الديني في المجال العام عادة ما ت�ؤدي‬
‫�إلى توترات وم�شاحنات بين المواطنين �سواء في �أماكن العمل �أو في الموا�صالت العامة �أو في الطريق‬
‫العام‪.‬‬
‫‪ -3‬ر�صد التمييز في الخطابات الإعالمية والثقافية والدينية وال�سيا�سية‪ ،‬والمناهج التعليمية‪ ،‬التي قد ت�سهم في حدوث‬
‫التوترات‬
‫هناك مجاالت �أ�سا�سية ُي�شار �إليها ب�أنها الأكثر احت�ضا ًنا لعوامل "الإ�شعال الطائفي"‪ ،‬منها الخطابات‬
‫الدينية‪ ،‬والإعالمية‪ ،‬وال�سيا�سية‪ .‬وي�ؤدي غياب النقد الحقيقي لها �إلى حدوث ت�أثيرات كبيرة على‬
‫الجمهور العام في المجتمع‪ .‬الم�شكلة الأ�سا�سية لي�ست فقط في �إظهار �أوجه الق�صور في هذه الخطابات‪،‬‬
‫أي�ضا في و�ضع الآليات التي تكفل تطويرها‪ ،‬وتالفي �أوجه النق�ص فيها‪ .‬في �أحيان كثيرة يتناول‬ ‫ولكن � ً‬
‫الباحثون ‪ -‬على وجه العموم ‪ -‬هذه الخطابات بنقد‪ ،‬دون تبيان ما حدث فيها من مراجعات‪ ،‬وما‬
‫ينتظرها من تطوير‪ ،‬وهو ما يجعل الأمر برمته يدور في دائرة مفرغة‪ .‬وحتى يمكن تجنب "العمومية" في‬
‫تناول الق�ضايا‪ ،‬يتعين �إجراء درا�سات ذات طبيعة "ت�شريحية" للخطابات الدينية والإعالمية وال�سيا�سية؛‬
‫حتي نتبين على وجه التحديد ما ينق�صها للتعامل الجدي معها‪.‬‬
‫‪ -4‬و�ضع البدائل والحلول العملية المنا�سبة لمواجهة التوترات التي قد تحدث وتحديد طبيعتها وتو�صيفها بدقة من‬
‫حيث التمييز بين الوقائع ذات الطبيعة الدينية والوقائع االجتماعية‬
‫ي�ؤدي التو�صيف والت�شخي�ص الجاد للتوترات ذات الطبيعة الدينية �إلى ا�ست�شراف عدد من الحلول‬
‫العملية التي يمكن الأخذ بها في �سياقات متباينة‪ .‬وهنا ينبغي �أن نلفت االنتباه �إلى ق�ضايا �أ�سا�سية‪ ،‬برغم‬
‫�أن هناك م�شكالت �أو هموم قبطية عامة‪ ،‬يعاني منها الأقباط على وجه العموم‪ ،‬ف�إن درجة الت�أثر بهذه‬
‫أي�ضا تختلف ح�سب الم�ستوى االجتماعي‪ .‬ي�ستدعي ذلك التفكير‬ ‫وزمنيا‪ ،‬و� ً‬
‫ًّ‬ ‫مكانيا‬
‫ًّ‬ ‫الم�شكالت تختلف‬
‫في هند�سات قانونية و�سيا�سية معمقة للتعامل مع الم�شكالت‪ ،‬مع الو�ضع في االعتبار اختالف درجة‬
‫ح�ضورها وت�أثيرها من �سياق جغرافي لآخر‪ ،‬ومن م�ستوى اجتماعي لآخر‪.‬‬
‫‪ -5‬و�ضع �إ�ستراتيجية طويلة الأمد في المجاالت الثقافية والتعليمية والإعالمية والقانونية و�أخرى �آنية مبا�شرة‬
‫هناك م�شكالت تحتاج �إلى �سيا�سات عملية مبا�شرة ت�ضع نهاية لها مثل م�شكلة بناء وترميم الكنائ�س‪ ،‬وهناك‬
‫م�شكالت �أخرى‪ ،‬خا�صة التي ترتبط بالتمييز المجتمعي‪ ،‬والنظرة ال�سلبية للآخر الديني المختلف‪� ،‬أو مواجهة‬
‫الأفكار ذات الطبيعة اال�ستبعادية للمختلفين في المعتقد الديني‪ ،‬و�إيجاد �سياقات �أو�سع ت�سمح بالم�شاركة من‬
‫واجتماعيا‪ .‬في‬
‫ًّ‬ ‫و�سيا�سيا‪،‬‬
‫ًّ‬ ‫ثقافيا‪،‬‬
‫جانب مختلف �أطياف المجتمع‪ ،‬كل ذلك يقت�ضي �سيا�سات بعيدة المدى ًّ‬
‫�أحيان كثيرة تبدو الم�شكلة من اختالف م�ستوى التوقع‪ ،‬ما بين حديث عن �ضرورة حل م�شكالت‪ ،‬وحديث‬

‫ ‪39‬‬ ‫�أكتوبر ‪2012‬‬


‫�آخر يرمي �إلى الت�سويف في الحل‪ ،‬وما بين هذا وذاك‪ ،‬يختلف النا�س حول النظرة �إلى الم�شكالت‪ .‬فمن يذهب‬
‫�صحيحا في بع�ض‬
‫ً‬ ‫�إلى �أن حل م�شكالت الأقباط يقت�ضي وق ًتا لتهيئة المجال العام‪ ،‬وهو �أمر في ظاهره يبدو‬
‫ت�صورا ل�سيا�سات بعيدة المدى للتعامل معه‪ ،‬وتكون الإحالة �إلى الم�ستقبل في هذه‬
‫ً‬ ‫الأحيان‪ ،‬ال نجده يقدم‬
‫تعبيرا عن التخطيط‪ ،‬ولكن رغبة في الت�سويف‪ ،‬حتى و�إن لم يكن ب�شكل متعمد‪.‬‬ ‫الحالة‪ ،‬لي�ست ً‬

‫كرا�سات علمية ‪13‬‬ ‫‪40‬‬


‫الهوامـ�ش‬

‫‪� 1 -1‬سامح فوزي‪« ،‬الح�ضور الم�سيحي العربي‪ :‬العمق والإ�شكاليات»‪ ،‬مجلة الأزهر (�أغ�سط�س‪2011‬م)‪.‬‬
‫‪� 2 -2‬سامح فوزي‪« ،‬الخروج من نفق اال�ستقطاب»‪� ،‬صحيفة ال�شروق (‪ 4‬يونية ‪2011‬م)؛ �سامح فوزي‪« ،‬في‬
‫انتظار نخبة جديدة»‪� ،‬صحيفة ال�شروق (‪19‬نوفمبر ‪2011‬م)‪.‬‬
‫‪ 3 -3‬وليم �سليمان قالدة و�آخرون‪ ،‬المواطنة تاريخيًّا‪ ،‬د�ستوريًّا‪ ،‬فقهيًّا (القاهرة‪ :‬المركز القبطي للدرا�سات‬
‫االجتماعية‪.55-54 :)1998 ،‬‬
‫‪ 4 -4‬طارق الب�شري‪ ،‬الم�سلمون والأقباط في �إطار الجماعة الوطنية‪ ،‬ط‪( 2 .‬القاهرة‪ :‬دار ال�شروق‪1988 ،‬م)‪:‬‬
‫‪.108‬‬
‫‪ 5 -5‬توفيق حبيب‪ ،‬مقدم‪ ،‬في تذكار الم�ؤتمر القبطي الأول (القاهرة‪ :‬مطبعة الأخبار‪.14-9 :)1991 ،‬‬
‫‪ 6 -6‬الم�صدر ال�سابق‪.40 :‬‬
‫‪ 7 -7‬الم�صدر ال�سابق‪.87-85 :‬‬
‫‪ 8 -8‬مجموعة �أعمال الم�ؤتمر الم�صري الأول‪ ،‬المنعقد بهليوبولي�س (من �ضواحي القاهرة)‪ ،‬من يوم‬
‫ال�سبت ‪ 30‬ربيع الثاني �سنة ‪1329‬هــ (‪� 29‬إبريل ‪1911‬م)‪� ،‬إلى يوم الأربعاء ‪ 4‬جمادى الأولى‬
‫�سنة ‪1329‬هــ (‪ 4‬مايو ‪1911‬م)‪ ،‬المطبعة الأميرية �سنة ‪.17-7 ،1911‬‬
‫‪ 9 -9‬ر�شدي �سعيد‪ ،‬رحلة عمر‪ :‬ثروات م�صر بين عبد النا�صر وال�سادات (القاهرة‪ :‬مكتبة الأ�سرة‪،8 :)2003 ،‬‬
‫‪.55‬‬
‫‪ 1010‬زغيب ميخائيل‪ ،‬فرق ت�سد! الوحدة الوطنية والأخالق القومية (القاهرة‪ .108 :)1950 ،‬وما بعدها‪ .‬وي�شير‬
‫تعبيرا عن حالة من الطائفية‪ ،‬جاء ذلك في �إطار التعبئة لمواجهة‬ ‫الكاتب �إلى حقبة الأربعينيات بو�صفها ً‬
‫ال�صهيونية‪ ،‬وخرجت مظاهرات الإخوان الم�سلمين تقول "اليوم يوم ال�صهيونية‪ ،‬وغدا يوم الن�صرانية"‪.‬‬
‫ووجه بهذه المنا�سبة الإمام ح�سن‬
‫وقد نفى الإخوان الم�سلمون �أنف�سهم االتهام بحرق كني�سة الزقازيق‪َّ ،‬‬
‫البنا ر�سالتين �إحداهما �إلى بطريرك الأقباط الأرثوذك�س والثانية �إلى الدكتور �إبراهيم فهمي المنياوي وكيل‬
‫ؤكدا على �أهمية الوحدة الوطنية بين الم�سلمين والم�سيحيين‪.‬‬ ‫نافيا الواقعة برمتها‪ ،‬وم� ً‬
‫المجل�س الملي �آنذاك ً‬
‫ال�سيد يو�سف‪ ،‬الإخوان الم�سلمون وجذور التطرف الديني والإرهاب في م�صر‪ ،‬تاريخ الم�صريين ‪138‬‬
‫(القاهرة‪ :‬الهيئة العامة للكتاب‪.520 :)1999 ،‬‬
‫‪1111‬ميالد حنا‪ ،‬نعم �أقباط لكن م�صريون (القاهرة‪ :‬مكتبة مدبولي‪.88 :)1980 ،‬‬
‫‪� 1212‬سمير مرق�س‪ ،‬الأقباط من انتزاع المواطنة �إلى ا�صطناع الأقلية‪ ،‬في ال عروبة من دون الم�سيحيين (بيروت‪:‬‬
‫مركز ع�صام فار�س لل�شئون اللبنانية‪.126 :)2011 ،‬‬

‫ ‪41‬‬ ‫�أكتوبر ‪2012‬‬


‫‪�1313‬أ�شــــار �سميــر مرق�س �إلى حــادث �أخميــم في بحث ق ُِّدم في ندوة ب�ألمانيا عام ‪2009‬م بعنوان‪:‬‬
‫‪The Problematic of National Inclusion in Egypt Religious Tension: Exceeding Safety‬‬
‫‪LeveL. Beginnings…. Course….Future Scenarios.‬‬
‫‪1414‬نبيل عبد الفتاح‪ ،‬الم�صحف وال�سيف‪� :‬صراع الدين والدولة في م�صر (القاهرة‪ :‬مكتبة مدبولي‪:)1984 ،‬‬
‫‪.227-216‬‬
‫‪1515‬محمد ح�سنين هيكل‪ ،‬خريف الغ�ضب‪ :‬ق�صة بداية ونهاية ع�صر ال�سادات‪ ،‬ط‪( 19 .‬بيروت‪� :‬شركة‬
‫المطبوعات‪.)1987 ،‬‬
‫‪1616‬ميريت غالي‪ ،‬الأقباط في م�صر‪ :‬تقرير مرفوع للم�سئولين في الدولة و�أحبائي من الم�سلمين لتعميق �أوا�صر المحبة‬
‫والتعاون والوحدة الوطنية على �أ�سا�س من الواقع العملي (القاهرة‪.)1979 ،‬‬
‫‪� 1717‬سمير مرق�س‪« ،‬المواطنة والتغيير»‪ ،‬ال�شروق الدولية (‪.)2006‬‬
‫‪�1818‬سامح فوزي‪ ،‬الخروج من نفق الطائفية‪ :‬هموم الأقباط (القاهرة‪ :‬مركز ابن خلدون للتنمية‪،‬‬
‫‪.)1998‬‬
‫‪�1919‬سمير مرق�س‪ ،‬الحماية والعقاب‪ :‬الغرب والم�س�ألة الدينية في ال�شرق الأو�سط (د‪.‬م‪ :.‬ميريت للن�شر‪،‬‬
‫‪.)2000‬‬
‫‪�2020‬سمير مرق�س‪ ،‬غير الم�سلمين في المجتمعات ذات الأغلبية الم�سلمة‪ .2009 ،‬ورقة مقدمة لم�ؤتمر‬
‫"اتجاهات التجديد والإ�صالح في الفكر الإ�سالمي الحديث"‪.‬‬
‫‪�2121‬سمير مرق�س‪ ،‬المواطنون الأقباط والم�شاركة في العملية االنتخابية‪ :‬الخلفية التاريخية‪ ..‬الإ�شكاليات‪ ..‬وخيار‬
‫االندماج الوطني (المواطنة ال�سيا�سية والثقافية) و�آليات دعمه‪ .2007 ،‬ورقة غير من�شورة‪.‬‬
‫‪2222‬؛)‪Sameh Fawzy, "Religious Tribalism", Ahram Weekly (3-9 Dec 2009‬‬
‫�سامح فوزي‪« ،‬القبلية الدينية من ديروط �إلى فر�شوط»‪ ،‬جريدة ال�شروق (‪ 5‬دي�سمبر‪)2009‬؛‬
‫�سامح فوزي‪« ،‬لماذا االنحناء �أمام ال�شعبوية الدينية ال�صاعدة؟» جريدة ال�شروق (‪ 19‬دي�سمبر ‪.)2009‬‬
‫‪Sameh Fawzy, "Egypt’s Sectarian Problem", Daily news Egypt (Monday 30 June 2008).2323‬‬
‫‪ُ 2424‬ع ِقد م�ؤتمر في جامعة "كامبريدج" في يناير ‪2010‬م حول "الف�ضائيات في العالم‬
‫العربي"‪ ،‬وق ُِّدمت �أوراق حول الف�ضائيات الإ�سالمية والم�سيحية واليهودية‪ .‬و�سوف‬
‫قريبا في كتاب‪ ،‬منها الورقة التي قدمها �سامح فوزي حول الف�ضائيات الم�سيحية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ي�صدر‬
‫انظر ‪Sameh Fawzy, "Christian Satellite Channels in the Middle East", Arab Satellite‬‬
‫)‪Channels (Cambridge, 2010.‬‬
‫‪�2525‬سبق االعتداء على كني�سة وممتلكات الأقباط في كفر دميان بال�شرقية عام ‪1996‬م �شائعة تقول‪�" :‬إن‬
‫الأقباط يريدون بناء معبد داخل الكني�سة"‪ ،‬و�سبقت �أحداث الك�شح الدرامية ب�سوهاج عام ‪2000‬م‬
‫قبطيا �شائعة تقول‪�" :‬إن الم�سيحيين �سمموا مياه ال�شرب"‪ ،‬وخالل‬
‫التي �أودت بحياة واحد ع�شرين ًّ‬
‫عام ‪2004‬م �سرت �شائعات تحولت �إلى �سل�سلة من التحذيرات على منابر الكنائ�س ب�أن هناك محالت‬
‫تجارية يملكها م�سلمون تغرر بالفتيات الم�سيحيات‪ .‬وهو ما ثبت خط�ؤه‪ ،‬رغم انت�شاره المذهل في‬
‫الو�سط القبطي‪ .‬وتكررت في �أحداث ال�سيدة "وفاء ق�سطنطين" عام ‪2004‬م �شائعة �أخرى مفادها "�أن‬

‫كرا�سات علمية ‪13‬‬ ‫‪42‬‬


‫الم�سلمين خطفوا زوجة كاهن و�أجبروها على الإ�سالم"‪ ،‬وهو �أمر لم يثبت �صحته‪ .‬وعلي الجانب‬
‫الآخر ت�سري �شائعات في الو�سط الإ�سالمي مثل "خطف الفتيات الم�سلمات و�إيوائهن في الأديرة"‪،‬‬
‫وكذلك "قيام بع�ض ال�شباب القبطي بر�ش �سائل على مالب�س ال�سيدات المحجبات يتحول �إلى �صلبان‬
‫ي�صعب �إزالتها"‪ .‬وهو �أمر غير حقيقي‪ .‬وفي حادثة بمها بالعياط عام ‪2007‬م ذكرت ال�صحف �أن هناك‬
‫تحري�ضيا جرى توزيعه على نطاق وا�سع ي�شجع عوام الم�سلمين على منع بناء كني�سة في القرية‬ ‫ًّ‬ ‫من�شورا‬
‫ً‬
‫بعبارات ت�صنف الم�سيحي في خانة الأعداء‪.‬‬
‫‪�2626‬سامح فوزي‪�« ،‬إذا كان للمر�أة "مجل�س" يدافع عنها‪..‬فمن يدافع عن التنوع الديني؟» �صحيفة ال�شروق‬
‫(‪ 20‬يونية ‪.)2009‬‬
‫يبدد؟» �صحيفة ال�شروق (ال�سبت ‪ 20‬يوليو ‪)2009‬؛ �سامح فوزي‪،‬‬ ‫‪�2727‬سامح فوزي‪« ،‬الذهن الطائفي كيف َّ‬
‫«تمديد االحتقان الطائفي‪ ..‬م�سئولية َمن؟» �صحيفة ال�شروق (ال�سبت ‪� 25‬سبتمبر ‪.)2010‬‬
‫‪2828‬لمزيد من التفا�صيل حول هذا المو�ضوع يمكن مراجعة �سمير مرق�س‪ :‬المواطنة الثقافية‪.‬اندماج وتعددية‪:‬‬
‫نموذجا‪ ،‬درا�سة في �أعمال الم�ؤتمر ال�سنوي الأول للمواطنة الذي نظمه المجل�س القومي‬ ‫ً‬ ‫بناء الكنائ�س‬
‫لحقوق الإن�سان‪.2007 ،‬‬
‫‪2929‬وليم �سليمان قالدة‪« ،‬د�ستور ‪� 1971‬ألغى الخط الهمايوني»‪ ،‬جريدة الأهالي (‪� 10‬إبريل ‪ .)1996‬وفيه‬
‫�إ�شارة �إلى ن�ص الحكم في الق�ضية رقم ‪ 615‬ل�سنة ‪ 5‬ق�ضائية‪ ،‬جل�سة ‪ 16‬دي�سمبر ‪1952‬م‪.‬‬
‫‪ 3030‬كتب �أنطون �سيدهم في جريدة "وطني" ذات التوجه القبطي ع�شرات المقاالت التي تنتقد قرارات‬
‫جمهورية لتنظيم بع�ض الإ�صالحات في كنائ�س‪ .‬راجع بع�ض هذه المقاالت‪1991/6/9( :‬م)‪،‬‬
‫(‪1991/6/16‬م)‪1991/6/23( ،‬م)‪1991/7/7( ،‬م)‪1991/7/14( ،‬م)‪1991/7/31( ،‬م)‪.‬‬
‫وقد �صرح الدكتور محمد �سيد طنطاوي �شيخ الأزهر �إلى �أن هذه الم�س�ألة ال يجب �أن ت�ستمر‪ .‬انظر‪:‬‬
‫جريدة الأخبار (‪1991/7/19‬م)‪.،‬‬
‫‪�3131‬سامح فوزي‪« ،‬الت�شريع الموحد لبناء دور العبادة»‪ ،‬روز اليو�سف (‪ 27‬يوليو ‪.)2008‬‬
‫‪3232‬مرق�س‪ ،‬المواطنون الأقباط والم�شاركة في العملية االنتخابية‪.‬‬
‫‪ 3333‬ال يظهر �ضعف الح�ضور القبطي في االنتخابات العامة فقط‪ ،‬ولكن يتكرر في كافة �أ�شكال االنتخابات‪،‬‬
‫ال خا�ض الكاتب الم�شارك في هذه الورقة انتخابات مجل�س نقابة ال�صحفيين في نوفمبر ‪2007‬م‪،‬‬ ‫فمث ً‬
‫ورغم �أنه تمتع بت�أييد قطاعات وا�سعة من المجتمع داخل الجماعة ال�صحفية وخارجها‪ ،‬ف�إنه لم يوفَّق‪،‬‬
‫ومما يلفت االنتباه �إليه �أنه جرى منذ اللحظة الأولى النظر �إليه على �أنه "مر�شح قبطي"‪ ،‬رغم �أنه كتب‬
‫مقاالت عديدة تنفي هذه ال�صفة‪ ،‬وت�ستنكرها في انتخابات نقابية‪ .‬لمزيد من التفا�صيل حول هذه‬
‫التجربة انظر‪� :‬سامح فوزي‪ ،‬تجربة انتخابات نقابة ال�صحفيين‪ ،‬ورقة مقدمة �إلى م�ؤتمر "النقابات‬
‫المهنية"‪ ،‬الذي نظمته الم�ؤ�س�سة العربية لدعم التطور الديمقراطي في يوليو ‪2008‬م‪.‬‬
‫‪3434‬مرق�س‪« ،‬المواطنة والتغيير»‪.‬‬
‫‪ 3535‬فوزي‪ ،‬الخروج من نفق الطائفية‪ :‬هموم الأقباط‪.98 :‬‬
‫‪ 3636‬في هذا المقام ر�صد �أحد الباحثين ت�ضا�ؤل ح�ضور الأقباط في مختلف م�ستويات �صناعة القرار‬
‫الإداري‪ ،‬فال يوجد بين ‪ 274‬رئي�س جامعة وعميد كلية �أو معهد قبطي واحد‪ ،‬وهذا �أمر متكرر‬

‫ ‪43‬‬ ‫�أكتوبر ‪2012‬‬


‫منذ �سنوات‪ ،‬وال يوجد �سوى عدد قليل من الأقباط في م�ستويات �صناعة القرار المحلي‪ ،‬ف�ض ً‬
‫ال عن‬
‫محدودية ح�ضورهم في الم�ؤ�س�سات ال�سيادية‪ .‬في هذا المقام ر�صد �أحد الباحثين ت�ضا�ؤل ح�ضور‬
‫الأقباط في مختلف م�ستويات �صناعة القرار الإداري‪ ،‬فال يوجد بين ‪ 274‬رئي�س جامعة وعميد‬
‫كلية �أو معهد قبطي واحد‪ ،‬وهذا �أمر متكرر منذ �سنوات‪ ،‬وال يوجد �سوى عدد قليل من الأقباط في‬
‫ال عن محدودية ح�ضورهم في الم�ؤ�س�سات ال�سيادية‪.‬‬ ‫م�ستويات �صناعة القرار المحلي‪ ،‬ف�ض ً‬
‫تف�صيليا لهذه الم�س�ألة في‪:‬‬
‫ًّ‬ ‫ر�صدا‬
‫ً‬ ‫‪3737‬راجع‬
‫‪International Religious Freedom Report 2007‬‬
‫عادل جندي‪ ،‬الم�ساواة الفعلية في �سبيل المواطنة‪ ،‬ورقة وزعت في ندوة المواطنة التي نظمها‬
‫المجل�س القومي لحقوق الإن�سان‪ ،‬يوم ‪ 25‬نوفمبر ‪2007‬م‪.‬‬
‫‪3838‬ن�ستخل�ص ذلك بو�ضوح من ق�ضية "محمد حجازي"‪ ،‬وهو �شاب م�صري �أعلن في �صيف عام ‪2007‬م‬
‫اعتناقه الم�سيحية‪ ،‬وقد �أُثيرت �ضجة حول هذا المو�ضوع‪ .‬وقد رف�ض الق�ضاء الإداري طلبه ب�إثبات‬
‫ديانته الجديدة ‪� -‬أي الم�سيحية ‪ -‬في �أوراق الهوية‪� ،‬أ�سوة بما يجري مع الم�سيحيين الذين يتحولون‬
‫�إلى الإ�سالم‪ .‬وقد �أوردت المحكمة في ن�ص حكمها "�أن الأديان ال�سماوية قد �أنزلت من رب العزة في‬
‫خروجا على الم�ألوف‪ .‬و�أن‬
‫ً‬ ‫ت�سل�سل زمني يجعل االرتداد عن الدين الأحدث �إلى الدين الذي ي�سبقه‬
‫القر�آن الكريم �ألزم الم�سلم ب�أال يجبر غير الم�سلم على الإ�سالم‪ ،‬و�أن غير الم�سلم حر في دخول الإ�سالم‬
‫�أم ال‪ ..‬ولكن من �أ�سلم و�آمن ف�إنه قد مار�س حريته في العقيدة‪ ،‬وال يجوز له االرتداد عن الإ�سالم‪ ،‬و�إال‬
‫باعدا ذاته عن الهدى‪ ،‬ومنزلقًا في نف�سه"‪ .‬الم�صري اليوم‪،‬‬ ‫ومتالعبا بهذا الدين الحنيف‪ً ،‬‬
‫ً‬ ‫مرتدا‬
‫كان ًّ‬
‫‪ 10‬فبراير ‪2008‬م‪ .‬الم�صري اليوم (الأربعاء ‪ 30‬يناير ‪2007‬م)‪.‬‬
‫‪ 3939‬الم�صري اليوم (الأربعاء ‪ 10‬فبراير ‪2008‬م)‪.‬‬
‫‪ 4040‬راجع تقرير "هويات ممنوعة"‪ ،‬الذي �أ�صدرته منظمة هيومين رايت�س وات�ش بالتعاون مع المبادرة‬
‫الم�صرية للحقوق ال�شخ�صية (نوفمبر ‪.9 :)2007‬‬
‫‪�4141‬سامح فوزي "الأقباط والحركات الإ�سالمية"‪ ،‬ورقة مقدمة �إلى ندوة "المواطنة والوحدة الوطنية" التي‬
‫عقدها مركز الأهرام للدرا�سات ال�سيا�سية والإ�ستراتيجية بالقاهرة (‪ 20‬يناير ‪.)2008‬‬
‫‪4242‬مرق�س‪ ،‬الأقباط من انتزاع المواطنة �إلى ا�صطناع الأقلية‪.‬‬

‫كرا�سات علمية ‪13‬‬ ‫‪44‬‬

You might also like