Professional Documents
Culture Documents
تعديل بحث ابن البيطار أأ أ
تعديل بحث ابن البيطار أأ أ
قائمة المحتويات
الصفحة الموضوع
1
3 قائمة المحتويات
4 المقدمة
5 مشكلة الدراسة
5 خطة البحث
6 أهمية الدراسة
6 أهداف الدراسة
6 الدراسات السابقة
6 منهج الدراسة
7-8-9 المبحث األول :نشأة الطب وأهميته
10-11-12 المطلب األول :الطب اإلسالمي
13-14 المطلب الثاني :أهم علماء المسلمين
15-16 المبحث الثاني :ابن البيطار
17 المطلب األول :مولده ونشاته
18 المطلب الثاني :منهج ابن البيطار
19-20- 21-22-23-24 المطلب الثالث :العلم الذي سلكه
25 المطلب الرابع :أخالقه وشخصيته
26-27-28-29 المطلب الخامس :اساتذته وتالمذته
30-31 المطلب السادس :رحالته العلمية
32-33 المطلب السابع :تأثره العلمي
المطلب الثامن :أشهر إنجازاته ومؤلفاته
34-35-36
37 المطلب التاسع :وفاته
38 الخاتمة
39 المصادر والمراجع
المقدمة
بسم هللا الرحمن الرحيم
2
الحمدهللا رب العالمين ،وصلى هللا وسلم وبارك على عبده ورسوله وعلى آله وصحبه أجمعين ،أما بعد
اإلسالم دين عظيم ،فهو لم يكن مجرد دين للعبادة فقط بل كان إعادة بناء وهيكلة للمجتمع بشكل كامل،
فهو لم يترك جانبا من جوانب الحياة إال واهتم به ،فكانت الحضارة اإلسالمية حضارة تمزج بين العقل
والروح وهذا ما ميزها عن الحضارات السابقة .....
ومن أهم الجوانب التي ركز عليها اإلسالم ،ال وكانت ركيزة من ركائزه هي العلم والتعلم ،فقد اهتم
اإلسالم بهذا الجانب ،بل كان هو دين العلم والتعلم ،فقد جاء القول القرآني من بعد:
بسم هللا الرحمن الرحيم
اْق َر ْأ ِباْس ِم َر ِّب َك اَّلِذي َخ َلَق (َ )1خ َلَق اِإْلْن َس اَن ِمْن َع َلٍق ( )2اْق َر َو َر ُّب َك اَأْلْك َر ُم ( )3اَّلِذي َع َّلَم ِباْلَقَلِم ()4
ْأ
َع َّلَم اِإْلْن َس اَن َم ا َلْم َي ْع َلْم ()5
صدق هللا العظيم
وهذا دليل واضح على أن اإلسالم دين علم وتعلم ،يحض على طلب العلم وعمارة األرض لتنهض أممه
وشعوبه ،فكان هذا شعلة تنبأ بأمة محبة للعلم ،ألن العلم فيها اقترن بالدين ...
ومن هنا ظهرت إسهامات المسلمين في مجاالت الحياة اإلنسانية واالجتماعية والبيئية خالل تاريخهم
الطويل وعصورهم المتالحقة ،اهتم المسلمون بالعلوم الكونية ألن بها تنصلح الحياة على األرض ...
وبلغت مكانة العلوم الكونية في ظل اإلسالم مبلغا عظيما ،حتى أصبح المسلمون فيها سادة ،فغدت
جامعاتهم مفتوحة للطلبة األوربيين الذين جاءوا من بالدهم لطلب تلك العلوم ،وباهتمام المسلمين بالعلم
والدين ،نشأت حضارة علمية إسالمية عظيمة ومن أهم العلوم الكونية التي اهتم بها علماء المسلمون علم
الطب
مشكلة الدراسة:
ما تأثير الدين اإلسالمي على العلم والتعلم؟
ما موقف الدين من العلم والعلماء؟
3
ماهي مراحل نشأت الطب؟
ما أهم إنجازات علماء المسلمين في مجال الطب؟
من هو ابن البيطار ما منهجه وسلوكه في هذا العلم؟
ماهي أهم إنجازات ابن البيطار في مجال الطب؟
ماذا تستنتج من حياة ابن البيطار خاصة وعلماء المسلمين عامة؟
خطة البحث
نشأت الطب وأهميته المبحث األول:
الطب اإلسالمي المطلب األول:
أهم علماء المسلمين وإنجازاتهم المطلب الثاني:
ابن البيطار المبحث الثاني
مولده ونشأته المطلب األول:
منهج ابن البيطار المطلب الثاني:
العلم الذي سلكه المطلب الثالث:
أخالقه وشخصيته المطلب الرابع:
أساتذته وتالمذته المطلب الخامس:
رحالته العلمية المطلب السادس:
تأثره العلمي المطلب السابع:
أشهر إنجازاته ومؤلفاته الطبية المطلب الثامن:
وفاته المطلب التاسع:
الخاتمة
المصادر والمراجع
أهمية دراسة:
تكمن في تعرف على نشأت الطب وأهم إسهامات علماء المسلمين عامة وابن البيطار خاصة.
أهداف دراسة:
توضيح عالقة الدين اإلسالمي بالعلم والتعلم.
تعرف على موقف الدين من العلم والعلماء.
آثر الدين في نشأت العلوم عامة والطب خاصة واهم إنجازات علماء المسلمين عامة وابن البيطار
خاصة.
بيان منهج وسلوك ابن البيطار .
الدراسات السابقة
4
عاطف محمد ،أشهر العلماء في تاريخ ابن البيطار
منهج الدراسة
منهج استقرائي ويكون بقراءة ما دونه العلماء
منهج وصفي ويكون باالطالع على تجاربهم بقصد المعرفة االستفادة
5
المبحث األول :نشأت الطب وأهميته
يعد علم الطب من أوسع مجاالت العلوم الحياتية التي كان لعلماء المسلمين فيها
إسهامات بارزة على مدار أيام حضارتهم الزاهرة ،لتكون إسهاماتهم تصحيحا
للمسار ....
وكأن الطب لم يكن قبل المسلمين ،ومن أعظم اإلسهامات اإلسالمية في الطب
تخريج هذا الحشد من العبقريات الطبية النادرة ...
وإن بداية تلك العلم تكمن في أن اإلنسان منذ وجد على األرض وهو يهتدي بإلهام
ربه إلى أنواع من التطبيب تتفق مع مستواه العقلي وتطوره اإلنساني ،وهو ما
يعرف بالطب البدئي ،ولما جاء اإلسالم كان للعرب في الجاهلية مثل هذا
الطب ،فحث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم على التداوي فقال كم روى أسامة
6
بن شريك رضي هللا عنه ”:تداووا ،فإن هللا لم يضع داء إال وضع له دواء ،غير
داء واحد ،الهرم “.
وعرف عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم التداوي بالعسل والتمر واألعشاب
الطبيعية ،وغيرها مما عرف بالطب النبوي.
لم يقف علماء المسلمين عند حدود الطب النبوي ،بل عرفوا منذ وقت مبكر العلوم
الدنيوية والطب فنرى أطباء المسلمين تطبيقا لهدي اإلسالم يسعون لالستزادة من
كل ما هو نافع ،فيأخذون في التعرف على الطب اليوناني من خالل البالد
اإلسالمية المفتوحة ،كما أن الخلفاء بدئوا يستقدمون األطباء الروم الذين سرعان
ما أخذنهم األطباء المسلمون ،ونشطوا في ترجمة كل ما وقع تحت أيديهم من
مؤلفات طبية ولعل هذا يعتبر من أعظم أحداث العصر األموي ....
نشأ الطب اإلسالمي كنتيجة للتفاعل الذي حدث بين الطب التقليدي العربي
والمؤثرات الخارجية ،كانت الترجمات األولى للنصوص الطبية ،عامال أساسيا
في تكون الطب اإلسالمي ومن الترجمات التي كان لها أثرها البالغ في تطور
الطب في نهاية العصور الوسطى وبداية عصر النهضة الترجمات الالتينية
لألعمال العربية ،كل هذا حصل وكان في الوقت الذي كانت فيه الكنيسة
الغربية تحرم صناعة الطب ،الن المرض عقاب من هللا وال ينبغي أن يصرف
عمن ال يستحقه ،وهو االعتقاد الذي ظل سائدا في الغرب حتى القرن الثاني
عشر.
7
المطلب األول :الطب اإلسالمي
أما المسلمون في القرن التاسع ميالدي بدؤوا بتطوير الطب ،أخرج اإلسالم في
العصور الوسطى ،بعض أعظم األطباء في التاريخ ،الذين طوروا المستشفيات
ومارسوا الجراحة على نطاق واسع ،بل مارس النساء الطب .كان الطب في
الجاهلية بدائيا ،وبعد الفتوحات اإلسالمية في الشرق اهتم العرب بأعمال األطباء
اإلغريق والرومان القدماء ومع بداية العصر العباسي تطور األمر بعد ما بدأ
العرب في نقل العلوم الطبية من مصادرها اليونانية مباشرة ،مع الوقت انتشرت
ممارسة مهنة الطب حتى بلغ عدد االطباء ٨٦٠طبيب ،بل وظهرت المصنفات
الطبية ولعل أهمها ”طبقات األطباء والحكماء ”البن جلجل ” ،عيون األنباء في
طبقات االطباء" البن أبي أصيبعة ...
8
ومن مزية العلم أن هللا عزوجل أثنى على العلماء فقال «إنما يخشى هللا من عباده
العلماء» فقصر خشيته على العلماء حيث أن االنسان كلما ازداد علما بعظمة هللا
عزوجل ومدى إحاطته بخلقه وقدرته عليهم وعظيم سلطانه ،في مقابل عجز
وضعف البشر وقلة حيلتهم فهذه األمور تزيد من خشية المولى عز وجل
وتعظيمه .وقرن هللا عز وجل شهادته وشهادة مالئكته بشهادة العلماء فقال «شهد
هللا أنه ال إله إال هو والمالئكة وأولوا العلم قائما بالقسط» .
وجاء في الحديث النبوي أن العلماء ورثة األنبياء ورثة صفوة البشر في العلم،
فيالها من مفخرة ومكرمة ،ومن فضائل العلم أن الكائنات تستغفر لمعلم الناس
الخير حتى النملة في جحرها والحوت في البحر كما جاء في الحديث ،والعلم
يفضل على المال حيث أن المال ينقص باإلنفاق والعلم يزيد باإلنفاق والمال
يحتاج صاحبه إلى حراسته على عكس العلم يحرس صاحبه من الجهل
والخرافات والمهالك.
والعلم شرط لنهضة الحضارات واألمم من خالل استغالل الثروات الطبيعية
وتثمينها والعلم مكن من معرفة مكونات وأجزاء الذرة وما دونها وكذلك الخلية
ومكوناتها ونظامها وبفضل العلم تم اخترع التلسكوب الذي مكن من فهم أكثر
للكون والتعرف على المجرات ونجومها وتحديد أبعادها ومميزاتها وفي مجال
الطاقة تم اكتشاف النفط والغاز اللذان يعدان من أهم مصادر الطاقة .والعلم في
مجال الطب ساعد اإلنسانية في التغلب على أمراض كانت تفتك بالشعوب
واالمم.
سهل العلم التواصل االنساني وتبادل المعلومة من خالل الوسائل الحديثة كالهاتف
واالنترنيت فغدا العالم كالقرية الصغيرة ،وكذلك التكنولوجيا سهلت تدوين العلم
وتدويله عن طريق المطابع والمواقع االلكترونية ،فهذه األمور إن دلت على
شيء فإنما تدل على أهمية ومكانة العلم والعلماء في نهضة الشعوب واالمم
وتسهيل حياة اإلنسان
وهناك الكثير من االطباء المسلمين ممن كانت لهم إسهامات متميزة في هذا
المجال ،فكانت لهم مكانة عظيمة عبر التاريخ ،نذكر منهم أبي بكر الرازي الذي
يعتبر جالينوس العرب لما قدمه من إنجازات طبية كما ويعتبر ابا الطب
اإلسالمي ،وعرف عنه أنه عالم موسوعي له أكثر من مائتي مصنف نصفها في
الطب .
9
أهم اكتشافاته الطبية أنه أول من أرجع سبب اإلصابة ببعض األمراض إلى
الوراثة ،ولقد مارس الطب بطريقة موسوعية شاملة حتى أنه تفوق على جالينوس
نفسه ،كما وأنه أول من فرق بين الجدري والحصبة على نحو دقيق...
10
المطلب الثاني :أهم علماء المسلمين وأشهر إنجازاتهم
أما عن اإلنجازات المتميزة عند علماء المسلمين فقد كان ابن النفيس مكتشف
الدورة الدموية الصغرى ...
وعرف عن الزهراوي أنه أبا الجراحة الحديثة ،ونذكر أيضا ابن سينا صاحب
الكتاب األشهر القانون في الطب وكتاب الشفاء كما غطت أعماله مواضيع حول
أدوية القلب وعالج أمراض الكلى ..
ولقب ابن سينا بأمير األطباء وزعيمهم ومان أكثر األطباء حجة في القرون
الوسطى وقد ترجمت كتبه في الطب إلى معظم لغات العالم ...
وتستخدم كأساس للتعليم في جامعات فرنسا وإيطاليا وظلت تدرس في جامعة
مونبلييه حتى أوائل القرن التاسع عشر
11
أنافي عالم الطب والصيدلة فنذكر الصيدالني األول في تركيب االدوية ورائد
العالج الكيمياء ابن البيطار الذي سنتوقف عنده ليكون موضوع بحثنا هذا ،كان
ممن غير مجرى العلوم الطبيعية من خالل اكتشافاته وساهم في إعادة تشكيل
الحياة العلمية كان له الفضل في إنارة الطريق لألجيال فهو أوحد زمانه في مجال
الصيدلة وعلوم العقاقير الطبية ،فهو أحد عظماء الحضارة اإلسالمية وربما ساهم
هذا األمر في منحه فرصة متميزة فأخذ على نفسه مهمة التبحر والتعمق في عالم
ربما أحبه ابيه
12
المبحث الثاني :ابن البيطار
ابن البيطار هو ضياء الدين أبو محمد عبد هللا بن أحمد بن البيطار ،من علماء األندلس الذين عرفوا
بطلب المعرفة ،فهجروا من مواطنهم في سبيل ذلك ..فهو الطبيب والصيدالني وباحث ،وواحد من أبرز
العلماء الرواد في علوم النبات في العصور الوسطى .....
وهو الحكيم األجل إمام النباتيين والعشابين ،أوحد زمانه وعالمة وقته في معرفة النبات وتحقيقه
واختباره ،ومواضع زرعته ،حبه للنباتات وشغفه للطب أودى بحياته ،فقد توفي وهو يقوم بأبحاثه
وتجاربه على النباتات ،حيث تسرب إليه السم في أثناء اختباره لنبتة حاول صنع دواء منها ،فكان بحق
شهيد الطب.
13
ثم سافر إلى الشرق وسافر إفريقيا الشمالية وآسيا الصغرى وسوريا ليظفر بمعلومات جديدة توسع
أطياف معرفته بالنباتات ،ومن ثم استوطن في مصر التي عينه السلطان الكامل فيها رئيسا
للعشابني ،ومن بعدها عاد إلى سوريا وأقام في دمشق وتابع تأليفه وكتاباته هناك .
"وفي الحقيقة شِه دت الفترة ما بين القرنين السادس والسابع الهجريين َت طُّو ًر ا كبيًر ا في مجال الطب،
خاصة الهتمام الحَّك ام واألمراء بالِع لم الطبي وإنشاء دور االستشفاء (البيمارستانات) ،بل وَص ل األمر
إلى حِّد أْن كان لهم دور أيًض ا في تطُّو ر البحث الطبي في هذه المرحلة ،فقد تعَّد دت اإلشارات إلى
صدور األوامر السلطانية بالتأليف الطبيِ ،مثل ما َن جُد ه في مخطوطة (بهجة الفكر في عالج أمراض
العين) البن أبي عقيل؛ حيث َي ذكر أَّن السلطان (نجم الدين أيوب) قد أمره بتأليف كتاب في أمراض
العين ،واألسباب الُمحِدثة لها والعالمات الَّد الة عليها ،والعالجات الشافية منها ،ويقول في ذلك" :امتثلُت
إلى ذلك ،ووضعُت الكتاب ُم شَت ِم ًال على ذْك ر العين) ،ثم َي شُرع الُمؤِّلف في عْر ض الموضوع عرًض ا
سريًع ا موسوعًّي ا على طريقة علماء العصر.
وإلى جانب اهتمام الحكام واألمراء بالتأليف ،إال أن القرنين السادس والسابع الهجريين قد مَّث ال عْص ر
التطبيق وظهور االكتشافات الطبية الجديدة ،مثال ذلك الدورة الدموية البن النفيس ،وفي هذه الفترة أيًض ا
ظهرت الِّص لة الوثيقة بين الصيدلة والطب؛ حيث كان الطبيب ُيعُّد أدويَت ه بنْف سه ،حسب معرفته وَت جاِر به
14
الخاصة ،والدليل على ذلك الـتآليف الكثيرة التي وَض عها األطباء في الصيدلة؛ أي :في األدوية الُمفَر دة
والمرَّك بة سواء كانت من نبات أو حيوان أو معادن ،وقد عَّر فوا األدوية الُمفَّر دة بالعقاقير األصيلة ،أما
األدوية المركبة فسَّموها (األقراباذين) ،وبقي هذان االسمان متداولين عبر التاريخ ،وتقَّد موا تقُّد ًما
ملحوًظ ا في معرفة خواص العقاقير ،سواء كانت من النباتات أو المعادن أو الحيوانات ،فُهم الذين أرسوا
قواِع د ِع لم الصيدلة.
وهناك إجماع عند مؤِّر خي العلم أَّن علماء العرب والمسلمين هم الذين وَض َع وا قواعد علم الصيدلة
وَفَص لوها عن ِع لم الطب؛ ألن الصيدلة والطب كانتا ِمهنة واحدة ،وقد حاول علماء المسلمين أْن َي حصلوا
على ُمختِّص ين في مجال الصيدلة ،فأنشؤوا المدارس التي ُتعِّلم الدارسين طريقة تحضير األقراب ذين
وطريقة َت سويقها ،كما أَّن هم أَّو ل من عِمل صيدلية عامة ،وصيدلية خاصة ُملَح قة بالمستشفى ،يقول
الدكتور عبدالرحمن مرحبا" :وللعرب نصيب كبير في نشأة الصيدلة وتقُّد مها ،فقد بلغْت على أيديهم َم بلًغ ا
عظيًما من الُّر قي ،فالعرب هم المؤِّسسون الحقيقيون لمهنة الطب التي رفعوها عن مستوى ِتجارة
العقاقير ،وهم الذين أنشؤوا المدارس لتحضير األقراباذين وأماكن لبيعها وتصريفها ،وأخضعوا هذه
الصناعة لرقابة الدولة لمْن ع الغِّش ،فكان الصيادلة ال ُيزاِو لون مهنَت هم إال بعد الترخيص لهم ،وقد افتتحوا
الصيدليات العاَّمة في أواخر القرن الثامن للميالد في عهد المنصور ،كما َأَلحقوا بكِّل (بيمارستان)
صيدلية خاصة به.
ومنذ أيام المأمون في القرن التاسع كانت الصيدليات تحت إشراف الدولة؛ صيانة لها من ُتجار العقاقير،
ويقول طوقان" :كان في كِّل مدينة مفِّت ش خاص للصيدليات وتحضير األدوية" ،لقد حازت بحوث
المسلمين في حْق ل الصيدلة موِقَع الصدارة ،منذ وقت مبِّك ر ،وال أَد َّل على ذلك من أَّن نا َن جد كثيًر ا من
المؤَّلفات الصيدلية لكثير من حكماء اإلسالم وعلمائهِ ،مثَل بعض أجزاء القانون البن سينا الذي خَّصصه
لدراسة األدوية والعقاقير الهامة ،والتي يعتمد عليها الطبيب في عالجه ،وكذلك البيروني ُمعاِص ره
والُمتفِّو ق عليه في هذا الجانب بكتابه (الصيدلة في الطب) والذي أَّلفه ُمسَّج ًال فيه خمسة أضعاف ما
سَّج له (دسيقوريدس) في دراساته للعقاقير ،وكانت َم يزته في هذا الكتاب معرفته التاَّمة بكٍّل من اللغة
السنسكريتية والفارسية والعربية واليونانية ،إضافة إلى لهجته الخوارزمية؛ مما مَّك نه من أْن ُيوِر د في
كتابه أسماء العقاقير بكِّل هذه اللغات ،محاوًال التوحيد بين مصطلحات علم الصيدلة عالمًّي ا بقْد ر اإلمكان،
هذا فضًال عن وْض عه لُم قِّد مة الكتاب والتي ُتعُّد دستوًر ا طبًّي ا ال َغ نى للطبيب من االطالع عليه ،خاصة
أَّن ه ُيوِر د فيه األخالقيات العلمية التي َي نبغي أْن َي َّت صف بها الصيدالني ،وكذلك األسلوب العلمي الذي
ينبغي أْن َي تبعه في عمله الطبي وتكوينه لألدوية والعقاقير ،وَيكتِس ب الصيدلي عنده معرفة بقوى األدوية
وتأثير العقاقير بطول الَّت جِر بة واستمرار الممارسة ،وقد َت مَّك ن البيروني من جْع ل الصيدلة -وإن تكن آلة
الطب -علًما ُمستقاًّل كاستقالل المنطق عن الفلسفة ،والَع روض عن الشعر.
وعلى الُّر غم من اعتماد الصيادلة العرب في بداية أبحاثهم ودراساتهم على ُكُتب السابقين ،إال أنهم َت مَّك نوا
من إضافة مادة طبية غزيرة ،سواء كانت نباتية أ حيوانية أم معدنية ،بفْض ل اِّت ساع رقعتهم الجغرافية
وُنمِّو كثير من النباتات الطبية فيها ،باإلضافة إلى َت فُّو قهم في ِع لم الكيمياء؛ مما مَّك نهم من ابتكار أدوية لم
تكن معروفة من قبل ،رَّك بوها من تلك األصول ،وأضافوا إلى ما عَر فوا من ُصنوفها عن الهنود
واليونان؛ فكانوا بهذا سَّباقين إلى ابتداع األقراب ذين أو الفارما كولوجي Pharmacologyعلى
الصورة التي وَص لْت إلينا.
15
وال أدَّل على تقُّد م المسلمين في ِع لم الصيدلة من أَّن هم كانوا يتحَّققون من أي األجزاء من النبات يكون
العَّقار َأفيد وَأقوم وَأفضل ،وكذلك مواعيد جْم ع العقاقير من النبات وَج نيها أو قطفها منها ،وكيفية إدخالها
وَت خزينهاُ ،محتِفظة بفوائدها وقَّو ِتها دون أْن َي تطَّر ق إليها الفساد ،مع معرفة عالمات فسادها ،وكذلك
انتقاء أجود النبات الُمستخَد م في صْن ع العقار ،ولقد َأطنَب في هذا المجال الكثير من أطباء العرب كابن
سينا ،والطبري ،والمجوسي ،وداود األنطاكي ،والرازي ،والبيروني ،وابن البيطار"
كان العَّش ابون في عْص ر ابن البيطار ُيعاِلجون بُعشبهم أمراًض ا عديدة؛ وهم بذلك يقومون بدور الصيادلة
الذين رَّبما َي قومون بتحضير الدواء وإعداده ،بل واكتشاف عقاقير ُتعاِلج مرًض ا َت َّم اكتشافه حديًث ا؛ لذا
فابن البيطار كان يقوم بأدوار ثالثة َت جعله َي نتمي لعلماء ثالثة فروع من فروع العلوم الطبيعية أو العلوم
البحتة ،فهو يتحَّر ى النبات ،وُيحِّلله كعلماء الكيمياء ،ثم يقوم على صناعة الدواء من النبات الذي قام
باختياره وتطبيق الَّت جاِر ب التحليلية عليه الكتشاف مدى قدرة هذا النبات على معالجة المرض ،فهو بذلك
يقوم بدور الصيدلي في عصرنا هذا ،ولم يكن ابن البيطار َي صنع الدواء ،ويكتشف العقار فحسب ،بل
كان ُيعاِلج المرضى؛ فهو بذلك يقوم بدور الطبيب في عصرنا هذا ،ونستطيع أْن َن خُلص بهذا التحليل
إلى كون ابن البيطار من علماء النبات ،أو على وجه الدقة مَّمن كان ُيطلق عليهم خالل هذه الفترة
"العَّش ابين"؛ فهم الذين يقومون على ِع لم النبات.
نستطيع أْن ُنقِّسم حياة ابن البيطار العلمَّية إلى مراحل ثالث ،أَّما األولى منها فقد كانت مرحلة التكوين،
والتي كان ُيعنى فيها بدرس علم الكيمياء والطب والنبات على أيدي أساتذته باألندلس ،وتأتي المرحلة
الثانية وهي مرحلة الدراسة العملية؛ حيث "سافر إلى بالد األغارقة وأقصى بالد الروم ،ولقي جماعة
يعاينون هذا الفَّن ،وأَخ ذ عنهم معرفة نبات كثير وعاينه في مواضعه ،واجتمع أيًض ا في المغرب وغيره
16
بكثير من الفضالء في علم النبات وعاين منابَت ه ،وتحَّقق ماهَّي َت ه ،وأتقن دَّر ة كتاب (ديسقوريدس) إتقاًن ا
بَلغ فيه مبلًغ ا ال يكاد ُيوجد من ُيجاريه فيما هو فيه ،وذلك أَّن ني وجدُت عنده من الذكاء والفطنة والدراية
في النبات وفي نْق ل ما ذَك ره ديسقوريدس وجاليونس فيه ما ُيتعَّج ب منه.
ولقد شاهدُت منه في ظاهر دمشق كثيًر ا من النبات في مواضعه ،وقرأُت عليه أيًض ا تفسيره ألسماء
أدوية كتاب دريسقويدس ،فكنُت أجد من َغ زارة علِمه ودرايته وفْهمه شيًئ ا كثيًر ا جًّد ا ،وكنُت أحُضر لديه
عدة من الُكُتب الُم ؤَّلفة في األدوية الُمفَر دةِ ،مثَل كتاب ديسقوريدس وجالينوس والغافقي ،وأمثالها من
الكتب الجليلة في هذا الفن ،فكان َي ذكر أَّو ًال ما قاله ديسقوريدس في كتابه باللفظ اليوناني على ما قد
صَّح حه في بالد الروم ،ثم َي ذُك ر جملة ما َق اله ديسقوريدس من نعِته وصفته وأفعاله ،وَي ذُك ر أيًض ا ما قاله
جالينوس فيه من نعته ومزاجه وأفعاله وما َي تعَّلق بذلك ،ويذكر أيًض ا ُجمًال من أقوال الُمتأِّخ رين ،وما
اختَلفوا فيه ومواضع الَغ َلط واالشتباه الذي وَق ع لبعضهم ،فكنت أراجع تلك الكتب معه وال أجده ُيغاِدر
شيًئ ا مما فيهاو.وتأتي مرحلة أخرى ،وهي مرحلة النبوغ؛ فقد انتقل التلميذ الذي أخذ َي نهل العلم نهًال من
أساتذته إلى مرحلة التجريب والتأمل واالبتكار ،ثم بات ُيحِّد ث بما َع اين وشاَه د؛ ليكون بذلك في طور
األستاذَّية؛ حيث "ُيعتبر ابن البيطار من أوائل الكيميائين الطبيين (ُ )Iatrochimistesر غم أَّن اهتمامه
اْق تصر على األعشاب دون العناصر الكيميائية "
وفي مرحلة النبوغ التي نحن بصدد الحديث عنها نرى أَّن ابن البيطار قد اهتَّم فيها بتدوين هذا الِعلم الذي
َي خُز نه عقله؛ فقد قام "بوْص ف أكثر من ألف وأربعمائة عقار طبي ،وقارَن ها مع ما سَّج له أكثر من مائة
وخمسين ُم ؤَّلًفا مَّمن سبقوه"
ثانيا :شخصيته
كان البن البيطار أخالق سامية ،ومروءة كاملة ،وعلم غزير .وكان له قوة ذاكرة أعانته على تصنيف
األدوية التي قرأ عنها ،واستخلص من النباتات العقاقير المتنوعة فلم يغادر صغيرة وال كبيرة إال طبقها،
بعد تحقيقات طويلة .قال تلميذه ابن أبي أصيبعة في كتابه عيون األنباء في طبقات األطباء« :رأيت من
حسن عشرته وكمال مروءته وكرم نفسه ما يفوق الوصف ،وشاهدت معه في ظاهر دمشق كثيًر ا من
النباتات في مواضعها ،ووجدت عنده من الذكاء والفطنة والدراية في النبات وفي الكتب المؤلفة في هذا
العلم ما يثير التعجب لذاكرته المتوقدة النادرة ،فكان يذكر كل دواء في أي كتاب ذكر وفي أي مقالة من
هذا الكتاب وفي أي عدد هو من جملة األدوية المذكورة في تلك المقالة ،إن ابن البيطار هو أوحد زمانه
وعّالمة عصره في معرفة النبات وتحقيقه واختياره ومواضع نبته ونعت أسمائه على اختالفها وتنوعها
17
المطلب الخامس :أساتذته وتالمذته
أوال :أساتذته
ومن الجدير بالذكر أَّن ابن البيطار قد استفاد من اإلسهامات التي قَّد مها أساتذة سابقون عليه ،وقد تأَّث ر
تأثيًر ا كبيًر ا بمؤَّلفاتهم وأعمالهم ،ومن بين هؤالء:
-1ديسقوريدس والذي كان له ُم ؤَّلفات هامة ،من بينها كتاب (الحشائش) الذي قام ابن البيطار بترجمته
ونَق ل منه الكثير في كتابه (الجامع لألدوية المفردة) ،وعندما قام ابن البيطار بترجمته لم يكتِف فقط
بترجمته ونْق ل نصوصه ،ولكنه امتاز بُعمق المعرفة والِّد قة في تناوله؛ حيث جَم ع المصادر الهاَّمِة لمادة
البحث ،ولم يكتِف بمصدر واحد فقط ،بل رَج ع إلى ِع َّد ة مصادر ،وعَق د بعض المقارنات بين
ديسقوريدس وجالينوس وعلماء العرب السابقين ،وقد كان حريًص ا على نْق ل أسماء النباتات بدَّقة،
وأضاف العديد من التعليقات على هوامش الكتاب (الحشائش) للزيادة في اإليضاح والتوصل إلى نتائج
جديدة.
-2جالينوس حيث إَّن ه من َت صَّفح ُم ؤَّلفات ابن البيطارَ ،ن جد أَّن ه قد استفاد أيًض ا من جالينوس
31( Galenosق.م) ،حيث َت أَّث ر بُم ؤَّلفاته الكثيرة ،ومن بينها كتابه الذي يتضَّمن أَّن الطبيب الفاضل
يجب أن يكون فيلسوًف ا ،وكذلك بكتابه (االسطقسات) (العناصر) ،وكتابه (التشريح الكبير) ،وكتابه (حيلة
البرء) ،وقد كان جالينوس أَّو ل األطباء الذين َأْج روا اختبارات للوقوف على طريقة عَم ل بعض األعضاء
مثل الُكَلى ،وصلة الحبل الشوكي بحركات الجسم ،والحساسية ،وطريقة عمل التنفس والنبض ،فأثبت
علمًّي ا أن الشرايين تحتوي على دم ،وتنقله على ما يذهب إليه األب جورج قنواتي.
ومن أبرز إنجازات جالينوس -والتي تأَّث ر بها ابن البيطار -اهتمامه بإجراءالَّت جاِر ب وتحضير األدوية،
فقد كان جالينوس ُيحِّضر األدوية بنفسه ،وقد وَص ف 473وْص ًفا طبًّي ا من مختلف المصادر نباتات
وحيوانات ومعادن.
-3وإذا كان ابن البيطار قد استفاد من علماء اليونان ،فإَّن ه أيًض ا قد تأَّث ر بعلمائنا العرب الذين قد تأَّث روا
بدورهم بالعلم اليوناني ،ومن أبرز هؤالء العلماء :أبو حنيفة الدينوري ،الذي كان من علماء اللغة
المعروفين ،والذي وَض ع كتاًبا في النبات ،ولم يصنف مثله في اللغة العربية؛ إذ ُيعُّد أول كتاب عربي
أِّلف في النبات ،وإن كان العرب قبله قد تكَّلموا في النبات ،بدليل أَّن ه نَق ل هو نفسه من كثير من العلماء
الذين سَب قوه في هذا الميدان ،إال أَّن هم لم يضعوا كتاًبا معروًفا ُمتكاِم ًال في ذلك.
وقد استفاد ابن البيطار من أبي حنيفة الذي كان نباتًّي ا ُلغوًّي ا ،بينما كان ابن البيطار عَّش اًبا وطبيًبا نباتًّي ا،
َت حَّد ث عن النبات وأوصافهَ ،أصِله وساقه وورقه وزهره وثمره؛ حتى ال َي خِلط بين نبات نافع وآخر
ضار ،ثم يقف على ذلك بذكره ما ُيستخَلص منه من عقار ُمفيد في العالج ،وكيف ُيؤخذ كدواء ،ومتى
ُيؤخذ ،وكيف ُيعُّد ،وكيف يتم َت عاطيه ومقدار الجرعة؟
18
-4كما استفاد ابن البيطار من العالم الطبيب والفيلسوف ابن سينا الذي اْس تقَص ى نسبة كبيرة من
النباتات ،والتي كانت معروفة في عْص ره ،فأورَد في كتابه (القانون) طائفة كبيرة من النباتات الشجرية
والعشبية والزهرية والعطرية والطحلبَّية ،وبين األجناس المختلفة من النباتات واألنواع المختلفة من
الجنس الواحد ،وَذ َك ر الُمتشاِبه وغير المتشابه ،وُعني بذكر مواطن النبات والتربة التي َي نمو فيها إْن
كانت َم ِلحة أو غير َم ِلحة.
ولكن نجد َت مُّي َز ابن البيطار عن ابن سينا في كثير من المواضع؛ فبينما َن جد ابن سينا َي هتُّم بدراسة
النبات ،وَي تناوله َت ناوًال عاًّم ا من حيث أوصافه الدقيقة ،التي ُتمِّيزه عن غيره ،وذَك ر منابته ،نجد ابن
البيطار ُيرِّك ز على الخصائص الطبَّية وفوائده في العالج ومداواة األمراض ،ويوِّج ه اهتمامه إلى تفصيل
المزايا الطبَّية ،وُيقاِر ن الباحث الجنبالطي ،بين مقدرة ابن سينا وابن البيطار بقوله" :وليس معنى ذلك أْن
َن َّت هم ابن سينا بالقصور في أبحاثه الخاصة في علم النبات ،أو أَّن ه ُيفِّضل الخصائص الطبَّية ،بل كان
ُيعطيها من األهمية ِمثَل ما ُيعطي وْص ًفا للنبات ،ومن هنا تَّت ضح دَّقُة ابن سينا ،وإْن لم يكن صيدلًّي ا كما
كان ابن البيطار ،فابن سينا كان اهتمامه في مجال التأليف الطبي الُم َّت ِِس ق الذي َي تناول الطَّب والصيدلة
مًع ا ،بينما كان ابن البيطار َي هُّمه مجال الصيدلة وحَد ه.
-5كما َت أَّث ر ابن البيطار بالشريف اإلدريسي الذي ُيعُّد عاِلًما جغرافًّي ا وعالًما نباتًّي ا ،خاصة بكتابه
"الجامع لصفات أشتات النبات" ،والذي َأتى فيه بأفكار جديدة وُمبتَك رة ،فقد حَر ص على أْن َي تجَّن ب ما
جاء في الكتب السابقة من خْل ط وتشويه وتقصير ،وأنه اَّت خذ َم سلًك ا فريًد ا َي هِدف إلى التعريف بأسماء
النباتات ُبلغاتها المختلفة من يونانية وفارسَّية ،وهندَّية وبربرية ،والتينية -مَّما ُيذِّك رنا بإنجاز البيروني
في كتابه "الصيدلة في الطب" -وترتيبها على حروف المعجم ،وهذا أيًض ا ما فَع َله ابن البيطار؛ حيث
سار على َن ْهج اإلدريسي ،ناقًد ا الُمتقِّد مين على تقصيرهم في هذا الشأن.
-6كما تأَّث ر ابن البيطار بالغاِفقي النباِّت ي المشهور الذي ُيعُّد من أعظم الصيدليين العرب أصالة ،حيث
أَخ ذ منه أجزاء غير قليلة من كتابه في األدوية الُمفَر دة.
-7كما ال ُيمِكن إغفال تأُّث ر ابن البيطار بكثير من العلماء العرب والصيادلة والعَّش ابين ،والذين َت ظهر
أسماؤهم في ُم ؤَّلفاته؛ ِمثَل الزهاوي ،وابن جزلة ،وأبو بكر الرازي ،وابن سمحون ،وثابت بن قرة،
وماسرجويه ،وابن العوام ،الذين َكَت بوا ُتراًث ا ضخًماَ ،ت مَّك ن ابن البيطار من االستفادة منه وتوظيفه في
تأسيس ِع لم الصيدلة وتأصيله عند العرب والمسلمين.
ليس من العيب أْن أتأَّث ر بالغير أًّي ا كان جنسه ودينه؛ فقد شَر ع لنا اإلسالم أْن نأخذ عن الغير ما َي عود
بالنفع لنا ،وهذا ما قام به ابن البيطار؛ فقد أخذ عن علماء اليونان واإلغريق كما أخذ عن علماء العرب
والمسلمين ،واْس تهَد ى بمقاالِتهم ،واْس ترَش د بمؤَّلفاِتهم؛ لُيقِّد م لنا في النهاية ِع لًما نافًع ا ،ظَّل باقًيا أبد
اآلبدين ،وآثاًر ا خالدة قامت بفضلها أمجاد أمم في هذا الِعلم.
ثانيا :تالمذته
كان البن البيطار في القاهرة ودمشق تالميذ أخذوا عنه الطب وعلم النبات منهم:
أحمد بن القاسم ابن أبي أصيبعة :التقى ألول مرة بابن البيطار في دمشق ،وكان يصاحبه إلى ظاهر
دمشق للتعشيب ،ويدرس معه عيون الكتب في األدوية المفردة ،وهو صاحب كتاب عيون األنباء.
19
إبراهيم بن محمد السويدي الدمشقي :كان البن البيطار أثر عميق في نفسه قد تجلى في كتابيه الّسمات
في أسماء النبات وكتاب التذكرة الهادية والذخيرة الكافية.
كان ابن البيطار كثير الترحال إلى بالد اليونان والروم ،وجميع بالد العالم اإلسالمي ،حيث يجتمع مع
علماء تلك البالد ويدارسهم في أنواع النبات ،وخواصه وفوائده ،غير مكتف بقراءة الكتب والمصنفات،
وكان في ترحاله يدرس النبات في منابته ،بل يدرس التربة والحجر الذي ينمو فيه ،واألرض التي تنبته،
والعوامل المختلفة المتركزة عليه ،حتى إذا جمع خبرة طويلة مستندة على المالحظة الدقيقة ألف كتابيه
المشهورين المغني في األدوية المفردة والجامع لمفردات األدوية واألغذية]9[.
بعد أن تمكن في األندلس من علم النبات ،غادر ابن البيطار بالد األندلس بال رجعة في سن العشرين من
عمره في رحلة علمية طويلة ،مر في رحلته بالمغرب األقصى فالجزائر فتونس ثم طرابلس وبرقة ،ثم
أخذ طريق البحر نحو آسيا الصغرى ،وزار اليونان ووصل به المطاف إلى أقصى بالد الروم ،ثم اتجه
إلى المشرق اإلسالمي فزار بالد فارس والعراق ثم بالد الشام ومصر .لم يكن مروره بتلك البلدان
عابًر ا ،بل كان يقيم بكل بلد مدة يبحث فيها عن النباتات ويدرس كل نبات في منبته ،ويدرس األرض
التي تنبته ،وكان يصطحب رساًما معه يرسم له كل نبات بدقة ،ثم يجتمع مع علماء تلك البالد فيأخذ
عنهم ويتدارس معهم مسائل النبات ،وقد تهيأت له من ذلك كله معرفة معمقة بالنبات الموجود في البيئة
العربية وفي آسيا الصغرى ،وصار أوحد زمانه وعالمة وقته في تحقيق النبات ومواضع منابته ونعت
أسمائه على اختالفها وتنوعها .ثم استقر ابن البيطار في مصر ،وحظي بمنزلة رفيعة عند سلطانها
األيوبي الملك الكامل ،الذي ألحقه بخدمته وجعله رئيًس ا على سائر العَّش ابين ،وبعد وفاته حظي عند الملك
الصالح نجم الدين أيوب بما كان يحظى به عند والده الملك الكامل من منزلة ،فكان ينتقل معه بين
القاهرة ودمشق .قال عبد الرزاق نوفل في كتابه المسلمون والعلم الحديث« :ضياء الدين هو أول عالم
اهتم بدراسة الحشائش التي تنبت في الحقل وتضر بالمحاصيل ،وكّو ن لذلك مجموعات في األنواع
المختلفة واألصناف العديدة التي تختص بكل محصول ،ومازالت فكرة تكوين مجموعات الحشائش هي
األساس الذي يلجأ إليه علماء النبات في أبحاثهم حتى الوقت الحاضر».
خالل رحالته العلمية تأثر ابن البيطار بآراء أبقراط الذي عاش في القرن الخامس قبل الميالد ،وقد
استفاد من المنهج العلمي الذي اتبعه ،وكذلك كتاباته في علوم التشريح ووظائف األعضاء ،كما تأثر
بديسقوريدس الذي عاش في القرن األول قبل الميالد ،وشرح له كتاب الحشائش وعلق عليه،وقابل بين
معلوماته ومعلومات جالينوس وعلماء العرب .كما تأثر بجالينوس الذي عاش في القرن الثاني قبل
الميالد وكتبه الكثيرة ،وكان جالينوس قد تأثر من قبل بأبقراط وشرح معظم كتبه .ومن أبرز إنجازات
جالينوس التي تأثر بها ابن البيطار اهتمامه بإجراء التجارب وتحضير األدوية بنفسه ،كما تأثر بأبي
حنيفة الدينوري الذي كان نباتيًا ولغويًا ،عاش في القرن الثالث الهجري .كما تأثر بابن سينا وخاصة
بكتابيه القانون والشفا.
20
كما تأثر ابن البيطار بالشريف اإلدريسي الذي يعد عالًما جغرافًيا وعالًما نباتًيا ،خاصة بكتابه الجامع
لصفات أشتات النبات ،والذي أتى فيه بأفكار جديدة ومبتكرة ،فقد حرص على أن يتجنب ما جاء في
الكتب السابقة من خلط وتشويه وتقصير ،وأنه اتخذ مسلًك ا فريًد ا يهدف إلى التعريف بأسماء النباتات
بلغاتها المختلفة من يونانية وفارسية ،وهندية وبربرية ،والتينية ،وهذا ما فعله ابن البيطار ،حيث سار
على نهج اإلدريسي ،ناقًد ا المتقدمين على تقصيرهم في هذا الشأن .كما تأثر بالغافقي النباتي المشهور
الذي يعد من أعظم الصيدليين العرب أصالة ،حيث أخذ منه أجزاء غير قليلة من كتابه في األدوية
المفردة .كما ال يمكن إغفال تأثر ابن البيطار بكثير من العلماء العرب والصيادلة والعشابين ،والذين
تظهر أسماؤهم في مؤلفاته مثل الزهراوي وابن جزلة وأبو بكر الرازي وابن سمحون وثابت بن قرة
وماسرجويه وابن العوام ،الذين كتبوا تراًث ا ضخًماَ ،ت مكن ابن البيطار من االستفادة منه وتوظيفه في
تأسيس علم الصيدلة وتأصيله عند العرب والمسلمين
21
ثانيا:المغني في األدوية المفردة :وهو معجم في االدوية المفردة مثل كتاب الجامع إال أنه مرتب بحسب
أعضاء الجسد ترتيبا مبسطا ،قسمه إلى عشرين فصال بحسب األعضاء ،وضمن كل فصل االدوية
المفردة الصالحة ألمراض العضو المتحدث عنه والتي اليستطيع الطبيب االستغناء عنها .
ثالثا :اإلبانة واإلعالم بما في المنهاج من الخلل واألوهاب :وهو معجم في االدوية المفردة وصفه ابن
البيطار في نقد كتاب منهاج البيان فيما يستعمله اإلنسان ،وهو الكتاب الذي جمع فيه ابن جزلة البغدادي
االدوية واألغذية واألشربة ،حيث استخرج ابن البيطار المفردات التي تثير النقاش والنقد ،ونبه على
أخطائه وماخلط فيه من أسماء األدوية ورتبها ترتيبا أبجديا ،الكتاب موجود في مخطوطة فريدة محفوظة
في مكتبة الحرم المكي الشريف.
رابعا :تفسير كتاب ديسقوريدوس :وهو عبارةعن قاموس العربية واليونانية وشرح لألدوية النباتية
والحيوانية .
خامسا :رسالة في تداوي السموم:نسخه من هذه الرسالة محفوظة بدار الكتب المصرية بالقاهرة .
سادسا:كتاب ميزان الطبيب:وهو كتاب في المداوة والعالج ألفه ابن البيطار بطلب من االمير سهاب
الدين أحمد بن عيسى وقسمه إلى ثمانين بابا رتبه بحسب أعضاء الجسد ومن الكتاب نسخة محفوظة في
جامعة ألبساال بالسويد .
سابعا:كتاب األقرباذين :يحتوي على مجموعة من األدوية ويشمل وصف جميع النباتات والمعادن
واألحجار والحيوانات ،وقد ثبت ان ابن البيطار ألف هذا الكتاب أثناء إقامته في مصر .
استمر ابن البيطار في الكتابة والتأليف بعد عودته إلى سوريا وإقامته في دمشق
الى ان وصف الف و اربعمائة من أنواع النبات و العقاقير بتراكبها الكيميائية
و توفي فيها عام ٦٤٦للهجرة ١٢٤٨/م
عن عمر يناهز ٥١سنة .
22
الخاتمة
من خالل ماسبق نالحظ ارتباط الدين اإلسالمي بالعلم والتعلم ،فاإلنسان المسلم
غير قادر على فهم وتعلم دينه إال إذا تعلم ،ومن هنا تكمن عظمة هذا الدين الذي
حث على طلب العلم والمعرفة مما أدى لنشوء نهضة إسالمية متميزة عن األمم
السابقة بكل ماتحمله من علوم شرعية ودينية فكان ذلك مبعثا لظهور علوم
دنيوية مثل الطب وتمييز روادهل فكان علماء الطب المسلمين ممن كان لهم
دور عظيم في هذا المجال ومن أبرزهم وأشهرهم الحكيم األجل إمام النباتيين
والعشابين ،الطبيب ،والصيدالني ،والباحث ابن البيطار الذي تفرد في زمانه
بعلم النباتات في سبيل العالج وتداوي وخدمة المجتمع ،حبه لطب وشغفه لتعرف
على النباتات جعله شهيد الطب ،حق علينا ولنا أن نفخر بانتمائنا إلى حضارة كان
ابن البيطار أحد ابنائها ولكن علينا أن نقوم بأداء واجبنا تجاه هذا العالم العظيم ،
ويكمن هذا العمل على نشر علمه واالنتفاع به ما أمكن ،وليكون هذا
بطباعةمؤلفاته فحسب ،وإنما باالستفادة منها ما امكن ،فالمكتبات والمستودعات
23
تعج بالكتب والمؤلفات التي هجرت وتشتاق لمن ينفض عنها غبار الهجرة ويقلب
صفحاتها ويقرا كلماتها ويتأمل محتواها ...
أتمنى أن أكون من خالل هذه الوقفة قد اوصلت لمحة عن حياة عالم متميز متفرد
بصنعته وأوحد زمانه ،عالم ينتمي ألمة اإلسلتم ،كانت له الريادة العلمية في
زمانه ،عالم عرف بعزيمته وحبه للعلم وشغفه للتجربة .
ومن هذا نرى ونثبت من جديد عظمة الدين اإلسالمي ،الذي لم يغفل جانبا من
جوانب الحياة إال واهتم به ،وأكبر دليل علماء طب المسلمين فإنجازاتهم التخفى
على أحد ومهما كتبنا النعطيهم حقهم ..
الحمدهلل على نعمة اإلسالم
المصادر والمراجع
صفحة ٦.٥بتصرف
صفحة ٢٢.٢٣.٢٤بتصرف
جورج شحاتة قتواني ،تاريخ الصيدلة والعقاقير ،في العهد القديم والعصر الوسيط
24
صفحة ١٥٧بتصرف
25