Professional Documents
Culture Documents
• أنواع الشعر
• شروط االبداع الشعري
تعرف أرسطو في األكاديمية على أفالطون ،كما تعرف على تالميذه ومنهم فالسفة كبار مثل
أودوكس وهيراقليدس (اللذين توليا رئاسة األكاديمية في غياب أفالطون تباعاً).
قضايا الفن إال وعالجها" فقد حلل إنتاج الفنانين في عصره ،وقدم أسس وقوانين في
اإلبداع...وعرف الدراما والشعر الملحمي وفن العمارة والموسيقى والرسم والمسرح وكان في
فهذا يدل كل ذلك يرتكز على الواقع الملموس في كل أبحاثه حول الفن خالفا ألفالطون "على أن
أرسطو نظرته للفن والجمال نظرة واقعية ملموسة نراها ونحس بها ،أي أنه فضل االنطالق من
الواقع في معالجة المسائل الجمالية ،والحواس هي التي تزيد من واقعيتها ،فقد حلل وفسر بها
جل أعماله في الفن ،فكانت نظرته معاكسة لنظرة أفالطون المثالية.
رأى أرسطو أن الجمال هو "انسجام الوحدة في التنوع والتخالف ،الوحدة التي تجمع في بمعنى
أنه يشير إلى جزئية الجمال ،فالجمال داخلها التنوع والتخالف في وحدة منسجمة" متكون من
أجزاء وهذه األجزاء هي التي تشكل الوحدة ،وهذا يدل أنه انطلق في تحليله للجمال من الجزء
إلى الكل ،عكس أفالطون الذي ينتقل من الكل إلى الجزء.
تعد فلسفة أرسطو فلسفة غائية " وهي التي بموجبها يقارن ما بين الفن والطبيعة في أن
ولهذا نجد كالهما قادر على التشكيل ومنح األشياء صورها العضوية وفقا لغرض أو غاية"
عالقة وطيدة بين الطبيعة والنفس في فهم نظريته الجمالية ،فغاية الفن هي تحقيق التوازن
النفسي لدى الفرد والمجتمع ،فالفن والطبيعة كما يقول أرسطو" هما القوتان األوليان في العلم
واالختالف بينها هو أن الطبيعة تحتوي على مبدأ الحركة ذاتها بينما الفن تكتب األشياء
صورها الجميلة بواسطة تلك الحركة التي تحدثها روح الفنان فالفن إذا ينافس الطبيعة ،من
خالل تغير إلى األفضل وإظهار األجمل في العملية اإلبداعية ،فالطبيعة تبرز الجمال والفن
يبدع في إظهار األجمل.
وعليه فالجمال الحقيقي عند أرسطو ،هو الجمال الذي يناغم البيئة الحسية ومشاكلها وهو
الجمال الموضوعي فهو مرتبط باإلدراك الحسي" والجمال في رأى أرسطو صفة لها وجودها
الموضوعي وهي صفة األشياء نفسها وأرسطو يبرز وينظم سمات الجمال وينشئ علم
فالجمال إذا هو جمال خصائص الجميل .وهي صفات يمكن تبنيها على نحو موضوعي"
موضوعي يحتوى على الوضوح والتناسب والت اربط بين األجزاء لتكون وحدة منظمة.
وقد ميز أرسطو بين نوعين من الفن :الفنون النافعة والفنون الجميلة "والثانية ألصقها بماهية
المحاكاة من األولي ومن ثم يتبين أن الجمال في رأى أرسطو موجود على نحو موضوعي،
في نسب األشياء و أحجامها وتناسقها ،وذلك الجمال هو مصدر وعيينا الجمالي وأعمالنا
الفنية ،أما الفن بمبدئه في المحاكاة فإن نشأته ترتبط بالميل الغريزي لإلنسان نحو
التقليد فتحقق المحاكاة شأنه أن يبعث عنده الشعور باللذة ،فمنبع المتعة الجمالية االهتمام
الواقعي للناس بالمعرفة فالفن شكل من أشكال نشاط الناس في سبيل المعرفة"
ولهذا وضع أرسطو الفن في خدمة الحقيقة والفنان الجدير بهذا االسم في نظره يجب عليه أن
يستخدم كل طاقته الخالقة وخياله المبدع في التعبير عن حقائق األشياء .فالفن شأنه شأن الفلسفة
يمكنه أيضا الوصول إلى الحقيقة اعتمادا على التخيل و التمثيل مثلما تصل إليه الفلسفة عن
طريق التجريد والتعميم المرتبطين بالعقل والخطابة والشعر.
الخطابة
فن الشعر
وفي مؤلفه الخطابة كان يهدف من وراءه تناول األساليب اإلغريقية التقليدية السائدة فيه ،ولكنه
تعامل معها بطريقة أكثر تنظيما .وكانت األولوية عنده أن يحدد الخطيب أوال موضوع خطبته
،ويصل إليها بشكل جدلي منطقي ،ومن ثم يختار ما يشاء من كلمات أو محسنات بالغية
للتعبير عنا .فأالهم أن يكون موضوع الخطبة موضوعا منطقيا ثم تأتي البالغة بعد ذلك َ.التي
تؤدى إلى إحياء البالغة من خالل استخدام األسلوب الخطابي أمام اآلخرين وليستطيع من
يتحدث أمامهم أن يقنعهم بما يريد .
وبذلك كان كتابه "خليطا ً من النقد األدبي والمنطق واألخالق والسياسة والقانون ،كما كان آلراء
الشاعر بروتاجوراس السفسطائي في الشعر خاصةً أثر كبير على آراء وفكر أرسطو.
وعندما تناول أرسطو فن الشعر تناوله أيضا ً في كتب ليست كتب للشعر مثل كتابة األخالق
وكتابة السياسة وكتاب الميتافيزيقا .وفي كل واحدة من هذه الكتب تناول الشعر بالطريقة التي
يجب أن يتناول فيها وبصورة جيدة وصحيحة .حيث تناول فيها موضوعات مختلفة مثل
المحاكاة وفنونها ،الفرق بين الشاعر والناظم ،اختالف الفن باختالف الموضوع المحاكي
وطريقة المحاكاة الشعرية والتراجيديا والكوميديا ،أجزاء التراجيديا الحبكة – الشخصية – الفكر
– اللغة – المرئيات – اإلنشاد – فنون وقواعد الحبكة الدرامية – أنواعها البسيطة والمعقدة
وجوانب تفصيلية في الحبكة كالتحول والتعرف ،مجدد أجزاء الفعل التراجيدي وخصائصه
والنهاية الصحيحة للتراجيديا والنهاية المزدوجة ومسببات التأثير التراجيدي والباثوس
( )Pathosوالهامازنيا والكتارسيس Catherisفي التراجيديا .ثم ينتقل إلى تعريف المالحم
وخصائصها ويقيم موازنة بين الملحمة والتراجيديا لصالح التراجيديا.
وفي مجال الشعر دافع أرسطو عن الشعر ضد انتقادات أفالطون له باعتباره نوعا من الفن
التقليدي ،ولكن أرسطو كان يعتبره إبداعا ينم عن مخيلة عظيمة لدى الشاعر ،وحقيقة منهجية
اقرب إلى الواقعية من تسجيالت اإلخباريين أو المؤرخين ".وقد رفض أرسطو وجهة النظر
القائلة بأنه يجب أن يحكم على مضمون الشعر من منظور أخالقي ال علمي ،كما أنه أبدى
بعض المالحظات الخالفية حول المالحم الشعرية التراجيدية من أنها تثير الشفقة والخوف لدى
المستمع وبالتالي فهي تزور المشاعر ولهذا فإنه لم يكن من المتحمسين لمثل هذه النوعية من
الشعر.
ولقد تناول الجماليات والفن في عدد من مؤلفاته مثل كتاب "بحث في الجماليات" وكذلك "كتاب
الميتافيزيقا" و "كتاب الشعر والخطابة".
ولقد قام أرسطو بتقسيم المعارف إلى ثالثة أقسام:
ولقد تميزت آراء أرسطو الجمالية بالعقالنية وهو بهذا اتخذ طريقا ً مختلفا ً عن طريق أستاذه
ورفض عالم المثل.
ويعرف أرسطو الجمال " بأنه التناسق التكويني وأن العالم يتبدى في أجل مظاهره فهو ال يفي
برؤية الناس كما هم في الواقع بل كما يجب أن يكونوا عليه .
ويقول أرسطو في الفصل السابع من كتابه الشعر " Poeticsإن الشيء الجميل سواء أكان كائنا ً
حيا ً أو تشيدا ً مصنوعا ً من أجزاء يجب أال يكون لديه فقط تنظي ُمُُ ُم ُ
رتبُُ لهذه األجزاء وإنما
أيضا ً يجب أن يكون له حجم ،فالجمال يكمن في الحجم والتنظيم ".
(وفي الميتافيزيقا الجزء ) 3يقول وإن األشكال األساسية للجمال هي النظام والتناسق والثبات)
وهو ال يفكر بالضرورة في الجمال على أساس أنه سمة خاصة مختلفة عن االمتياز الفني ـ
ولكنها قادرة على المشاركة في تحقيقه ـ وربما كانت "التراجيديا الجميلة" و "التراجيديا الجيدة
من الناحية الفنية" كلمات مترادفة بالنسبة له .
وبهذا يؤكد أرسطو على أن الجمال ليس شيء خارجا ً عن قدره اإلنسان "وإنما هو نموذج
باطني في العقل البشرى ليس له موضوع نبحث عنه خارج أنفسنا فليس هناك مثال يتجاوز
حدود اإلنسان أو العالم فكل شيء موجود فينا نحن والمثال موجود في اإلنسان.
ويرى أرسطو مرة أخرى " أن العنصر العام في الجمال ( في كتابة الميتافيزيقا ) هو النظام
والتماثل والتحديد ويضيف في كتابة " السياسيات " Politicsعنصرا أخر أساسيا وهو عنصر
الحجم فالشيء يجب أال يكون كبير جدا حتى يمكن إدراكه في مجملة بنظرة شمولية على حين
يتطلب وضوح اإلدراك أال يكون هذا الشيء شديد الصغر .
وتتسم وجهات نظر أرسطو المتعلقة بالفن بأنها أكثر تقدما وتطورا عن نظريات أفالطون وهو
يشير في كتابة السياسيات وفي مؤلفات أخرى إلى" أن هدف الفن هو إحداث متعة وقتية على
أساس أن المتعة تختلف عن النفعية – فالمتعة هي غاية الفنون اليدوية ،وهو ينظر للمحاكاة
الفنية نظرة أعمق وأرقى من نظرة أفالطون لها مؤكدا أن المحاكاة الفنية ليست خدعة عديمة
القيمة فهي تنطوي على معارف واكتشافات وان أهداف هذه المحاكاة ال تقتصر على مجرد خلق
أشياء مألوفة الوجود بل تأمل ما هو محتمل الوجود وما هو موجود بالضرورة وتوضيح فقرته
الشهيرة في كتابة السياسيات -والتي يعلن فيه أن الشعر أكثر تفلسفا وأهمية من الفلسفة.
الشعر الجمالي عند أرسطو:
أرى أرسطو أن الشعر وليد المحاكاة حيث أن اإلنسان مفطور على المحاكاة ،وحب الوزن
واإليقاع ،فبالمحاكاة تنشأ المتعة واللذة ويتضح ذلك من خالل" فالشعر في رأيه فن ينشأ عن
ميول فطرية في اإلنسان ،ودوافع اإلنسان إلى المحاكاة ،تعتبر من أبرز خصائص عملية
إبداعه الفني...فهو يكتسب معرفة عن طريق المحاكاة ،كما يميل بفطرتيه إلى اإليقاع والوزن
أي أنه يرجع أصل الشعر ويستمتع بمشاهدة المحكيات الفنية التي تشبع رغبته في التعلم"
إلى سببين وهما األول المحاكاة الفطرية التي تنشأ معه منذ طفولته ،والسبب الثاني هو
المحاكاة التي تلبي رغبته في التعلم والتعرف على المعرفة ،فالمحاكاة معرفة في نظره.
أي أن المحاكاة هي "إذا كانت المحاكاة هي جوهر الشعر ،فإن الفعل هو جوهر المحاكاة"
جوهر الشعر ،وأن الوزن واإليقاع ال يقدمون الشعر بل تقدمه المحاكاة ،ولهذا فالشعر يقرن
بالفنون التي تحاكي بالشكل واللون كالنحت والتصوير ،وإن كانت الفنون جميعا تروم
المحاكاة ،وطبعا فإن موضوع المحاكاة يختلف تبعا لطبيعة الفن ،وهذا هو السبب في تفضيل
أرسطو للشعر الملحمي ال يعني إغفال الشعر الغنائي ألن الشعر الملحمي لما ينطوي عليه
من محاكاة جوهر الفعل ألن الفعل هو روح الشعر عند أرسطو"
ذهب أفالطون إلى القول بأن الشاعر كالمصور في مالحظة مظاهر األشياء ،أما
أرسطو فقد رأى أن الشاعر أنه كالموسيقى في مالحظة معاني النفوس ،كالرقص في
مالحظة األفعال وهما ال يصورن وإنما يعب ارن وهذا ما يقرب الشعر من عالم النفس يقول
أرسطو "فشعر المالحم ،وشعر التراجيديا ،وكذلك الكوميديا ،والشعر الدثورامبي...كل تلك
بوجه عام أنواع من المحاكاة وتفترق في إما باختالف ما يحاكي به ،أو ما يحاكي ،أو
ولهذا جعل أرسطو للفن ولشعر خاصة وظيفة أساسية وهو تأثير التراجيديا على النفس ،فهي
ليست خاصة بالمتعة المباشرة فقط ،ولكنها خاصة بتأثيراتها السيكولوجية العميقة ،وذلك عن
طريق التطهير وهذا بأنواع "وقد ذكر أرسطو هذا النوع الناتج عن التطهير بواسطة الموسيقى
الدينية في كتابه السياسة فذكر ما تحدثه من حاالت من الجنون الصوفي يعقبها تطهير
بتطهيرها من االنفعاالت التي تأثر على العقل بالسلب ،فهي النوع الثاني من الشعر تكشف
لنا عن الجانب المفزع من حياتنا حينما نتعرض لذلك الصراع المخيف بين إرادتنا ودواتنا.
"أن الكائن أو الشئ المكون من أجزاء متباينة ال يتم جماله ما لم تترتب أجزاؤه في نظام وتتخذ
أبعادا ً ليست تعسفية وذلك ألن الجمال ما هو إال التنسيق والعظمة.
حيث جعل األول يتمثل في (المأساة) (التراجيديا) والثاني يتمثل في المهزلة (الكوميديا) ثم قام
بتقسيم فنون الشعر إلى أربعة أقسام:
الشعر الغنائي.
والملحمة هي محاكاة فعل جاد تام في ذاته له طول معين في لغة مختلفة أي بها وزن وإيقاع .
ولقد قسم الملحمة إلى أربعة أنواع من حيث البناء أال و هي :
األولى :البسيطة
الثانية :المركبة
الثالثة :الخلفية
ويبقى اتجاه واحد للتفكير يجب أن يوضع في االعتبار وهو أكثر االتجاهات صعوبة على
اإلطالق ،ويتمثل في المفهوم الشهير للـتطهير " Catherisisويظهر هذا المصطلح في شكله
الشفهي ( )Katharsinعندما يتحدث أرسطو فقط عن التراجيديا في كتابة فن الشعر Poetics
الفصل السادس .
والنظرية العامة المنسوبة إلى أرسطو تتمثل في أن التراجيديا ـ من خالل تحريك هذه المشاعر ـ
لها نوع من التأثير العالجي على الصحة العقلية للمشاهد فهي تعطى إحساسا ً ممتعا ً بالراحة في
عقل هادئ تنتهي معه مشاعر الشغف كلها .
وهو يرى أن غموض النص وتباعده عن بعضة باإلضافة إلى تعدد المترجمين والشك في
جدارتهم قد تضافرت لتفرز موضوعات جانبية دون وجود حل كامل .فنجد على سبيل المثال
وجود عدم اتفاق حول ما إذا كانت كلمة Katharsimهي استعارة طبية أم أنها تتضمن
التخلص من المشاعر المؤذية بطريقة تماثل طريقة الطبيب النفسي أم أنها كناية مأخوذة من
الشعائر الدينية وهى تعنى نوع من "تطهير" المشاعر وليس إلغاءها .وفيما يختص بالتفسير
الطبي وهو التفسير السائد فقد اتفق على أن كلمة Katharsimلها في الكتابات الطبية اليونانية
معنى التطهير ،وأن شكل المضاف إليه في Pathematonغالبا ً ما يشير إلى الشئ الذي يتم
إزالته .
وهكذا يتحدث أرسطو عما يمكن تسميته بالوظيفة التطهيرية أو االنفعالية التي تجعل مهمة الفن
هي تطهير انفعاالتنا .فالفن التراجيدي ( المأساوي) يحدث استبعادا أو طردا لما لدينا من
مشاعر الخوف و الرأفة و الحب و ما إلى ذلك من مشاعر عنيفة ،بأن يستوعب في نطاق خيالي
غير ضار كل ما لدينا من حاجة إلى الشعور بمثل تلك االنفعاالت :فالعمل الفني هنا إنما يقوم
بوظيفة إيجابية هامة أال و هي التحرير أو التحصين الخلقي من االنفعاالت الحادة التي تنتاب
النفس اإلنسانية.
وكان لهذا أثر كبير في جعل أرسطو يضع التراجيديا في أرقى أنواع الشعر .أما الشعر الغنائي
فلم يلتفت إليه كثيرا ً ألنه اعتبره شبيه بفن الموسيقى" .أما التراجيديا بترفعها بالمتفرج فإنها
تحقق هدفا ً دنيويا ً ساميا ً وذلك بالكيفية والقوة كلتيهما اللتين تفعلها الموسيقى"
الوحدة
الترتيب
النسبة
ويرى أرسطو أنه لكي تتحقق القيمة الجمالية للعمل الفني فإنه البد وأن يكون متالئم األجزاء
مكتمالً مع ذاته فيظهر في النهاية بصورة متحدة كاملة وليست مجزأ األطراف.
فهو يقول على سبيل المثال "من الواضح أيضا ً أن وظيفة الشاعر ليست في أن يخبرنا بما حدث
وإنما بنوعية األشياء التي يمكن أن تحدث .لذا فكتابه عن الشعر يعد في حد ذاته نشاطا فلسفيا ً
.
ونالحظ في محاورة ، Alcibiadesأن أرسطو يؤكد على وجوب عمل حبكة درامية متصلة
وقوية .فالشاعر يوضح كيفية نمو األحداث وانبثاقها عن دوافع وتنبثق الدوافع عن ظروف .إال
أن ذلك يمكن أن يتم فقط من خالل المصطلحات بمعناها العام والخاص أو القوانين النفسية
(وهى تلك القوانين التي يتصرف اإلنسان وفقا ً لها بشكل ضروري أو محتمل في ظروف معينة
وبطريقة معينة) .وهكذا فإن أرسطو ال يدعى أن الشعر يعد فلسفيا ً للغاية وإنما يقول بأنه ينطوي
على معارف نفسية .ويجب علينا أال ننسى بالتأكيد أن هذه الفقرة قد أوحت بالعديد من
النظريات المهمة المتعلقة بالشعر والفن مثل "محاكاة العام و الجوهر" ويجب أن نضع هذه
النظريات في مكانها الصحيح سواء كان أرسطو هو األب الشرعي لتلك النظريات أم لم يكن
كذلك .
ومن الواضح أن أرسطو يعرض لنقطة مهمة هنا وهي متعلقة بالمضمون الثقافي للشعر وهو
يرد بشكل واضح على أحد االعتراضات األساسية التي أطلقها أفالطون .فالشاعر ال يستطيع أن
يتظاهر بمعرفة بناء السفن أو بالسياسات الحربية التي ال يعلم عنها شيئا ً وال يستطيع أن يخلق
معلومات سيكولوجية إذ يتعين عليه أن يدرك الطبيعة البشرية كما يتحتم عليه أن يمتلك معرفة
عامة وصحيحة فيما يختص ببعض اآلليات السيكولوجية .وتتساوى األشياء األخرى ،فكلما
كانت المسرحية جيدة فإن ذلك يعنى أن معارف الشاعر عميقة ومركزة ويعتمد على ذلك
النموذج الجيد للحبكة الدرامية والتمثيل الجيد للمسرحية.
تبنها أرسطو ،ليعطيها مفهوما جوهريا أخر مختلف عن أستاذه أفالطون الذي كانت نزعته
نزعة صوفية غائية ،بينما أرسطو نزعة عملية تجريبية ،فقد أعطى للمحاكاة أهمية كبير ة في
الفن حيث أن الفن عند أفالطون يصدر عن إلهام إلهي ،بينما أرسطو فالفن عنده نتيجة
من الحقيقة ألنه يتمم ما تعجز عن إتمامه الطبيعة ،فالفنان عنده يحاكي الواقع ويظهر هذا
في قوله" أن الفنان يحاكي الواقع ،ويعدل به دون أن يخرج عن النموذج الواقعي ،بحيث
يصور الحقيقة الجوهرية الداخلية للمحسوسات ،ويترفع عن المعاني المبتذلة إلى مستوى من
يكون الفنان هو ذلك اإلنسان الذي يستطيع االنتقال بعقله من عقل بالقوة إلى العقل بالفعل
وهنا يشير إلى دور الحواس في عملية بناء المعارف ،ويستطيع أن يفسر المعاني والصور
فالشاعر في نظر أرسطو إنما يحاكي الطبيعة بعد أن يفهمها على نحو متكامل منظم
بمعنى أن المحاكاة نظرية فنية وليست مثل ما قال أفالطون نظرية فلسفية ،فأرسطو نادى
بمحاكاة الطبيعة على أصلها فقد قال في هذا الصدد" أن عمل الشاعر ليس رواية ما
بمعنى أن وقع بل ما يجوز وقوعه وهو ممكن على مقتضى الرجحان أو الضرورة"
المحاكاة عنده ال تعني التقليد أو النقل الحرفي للطبيعة ،وإنما يؤكد على دور الفنان في
اإلبداع واالبتكار حتى تكون هناك صلة بين ما يقدمه الفنان وبين العمل الفني الذي قام
بمحاكاته ،فالمحاكاة ليست تقليد للواقع لكنها تصوير لما يمكن تصويره ،فقد رأى أن الشاعر
يتمتع بالقدرة على الخلق واإلبداع ولم يجعله مسلوب اإلرادة يقوم فقط بالتقليد التقليد.
فالفن إذا وظيفة مزدوجة ،فهو يقلد الطبيعة أوال ثم يتسامى عنها ،وليس التقليد في
نظر أرسطو أن ينقل الفنان المظهر الحسي لألشياء كما تبدو له في الواقع ،أي إن صح هذا
التعبير أن يكون مجرد مصورا ً فوتوغرافيا ،بل الواقع أنه يجب أن يكون تقليد الفنون ألشياء
تصويرا لحققتها الداخلية".
إن المحاكاة عند أرسطو تتخذ ثالثة أنواع ،فالشاعر لما يكون محاكيا شأنه شأن كل
فنان يقدم لنا صورة يجب عليه أن يتخذ إحدى أنواع أو طرق المحاكاة "فهو يصور األشياء إما
كما كانت أو كما في الواقع ،أي أنها محاكاة سهلة وبسيطة ،أو كما يصفها الناس وتبدو عليه ،أو
كما يجب أن تكون وهو إنما يصورها بالقول ويشمل :الكلمة الغريبة والمجاز .أي أن الشاعر
يحاكي ما يمكن أن وكثيرا من التبديالت اللغوية التي أجزناها للشعراء "يكون بالضرورة أو
باالحتمال لما هو كائن وعليه فالمحاكاة عند فعل أرسطو تشمل ثالثة أنواع وهي محاكاة الواقع لما
هو كائن فعال ،ومحاكاة لما يمكن أن يكون ،ومحاكاة لما يجب أن يكون .إذا فالمحاكاة عند أرسطو
صفة إنسانية إيجابية ،معاكسة لنظرة أفالطون الذي أعطى لها صفة سلبية ،فاإلنسان بطبعته
يحاكي ،والمحاكاة تحقق المعرفة ،فهو ال يعني بالمحاكاة الساذجة وإنما المحاكاة التي تحقق النمو
والتطور والبناء الجيد والمبتكر ،أي ليس نسخ الواقع كما هو كائن في العالم المرئي بل كما يمكن
أن يكون ،والفنان الحقيقي يبدأ من الجزء البسيط إلى الكل المركب .برؤية جديد تحقق االبتكار.
إن موضوع المحاكاة عند أرسطو هو الشعر وخاصة المأساة "ولقد اختار الشعر وخاصة المأساة
لتكون الجانب التطبيقي لنظرية المحاكاة" ويقول في هذا الصدد إن المأساة
ال تحاكي الناس ،بل تحاكي الفعل والحياة والسعادة والشقاوة...وال يوجد مأساة بغير
ونرى أرسطو يعرف المأساة بأنه" محاكاة لحدث جدي كامل ،ذات طول معين ،بلغة
موقعة ،تحدث متعة تختلف باختالف أجزاء الحدث ،في أسلوب مسرحي ال قصصي ،مثيرة
الرحمة والخوف ومؤدية إلى التطهير...أما المأساة فترى ما يحتمل أ ،يحدث ،فهي ال تحكي
أي أن غاية المأساة هي إثارة عاطفتين مختلفتين ما حدث وإنما تصوره في صورته المثالية"
مع تنقية هاتين العاطفتين وهما الرحمة والخوق ،فهي تروي ما يحتمل أن يحدث.
وعليه بين لنا أرسطو على الربط بين الشعر والمحاكاة ،الذي اعتبره منهجا تطبيقيا
لنظريته في المحاكاة ،فقد وصفها بأنها صفة إيجابية ،فهي ليست تقليد الطبيعة بحذافيرها،
وإنما يضفي عليها الفنان طابع جمالي متميز ومختلف مع إبداعه وابتكاره.
وهكذا حرر أرسطو الفن من جعله مجرد محاكاة للطبيعة كما عند أفالطون الذي
خضع عليها الطابع السلبي والذي ألغي فيه دور الفنان في اإلبداع ،إال أن أرسطو ألغى