Professional Documents
Culture Documents
تقرير الرسالة
تقرير الرسالة
أهم ركيزة حضار ية في البناء والتنمية وأعظم أساس تقام عليه الدول والنظم هي العدالة ،التي جاء الإسلام
حاملا لواءها ومقيما لمعالمها إقامة لافتة بين التشر يعات التي نظم بها شؤون الحياة ،وقد ارتبطت العدالة في منظور
الإسلام بمفاهيم عدة ،مثل الحقوق والحر ية والنظام والأحكام التشر يعية الفقهية التي نظّر لها علماء الإسلام في
مجالاتهم المختلفة ،ل كن الخيط الرابط بين تلك المفاهيم هو العدل الذي تجلّى في نظام تشر يعي محكم يراعي التدرّج
ورغم اختلاف المدخلات ،من نظر يات سياسية وتوجهات إيديولوجية وغيرها ،ورغم ظهور الدولة ككيان
سياسي مستقل ،وتطور هذا النموذج حسب متغيرات متعددة ،ظل سؤال العدالة حاضرا متأصلا ،واستمر معه
الجدال حول تمظهرات هذه العدالة وسياقاتها ،وصولا إلى علاقتها بالتشر يع من جهة ،وبتطبيقاته من جهة ثانية.
قد تبدو فكرة ربط العدالة بتطبيق التشر يع فكرة تثير التساؤل والبحث ،ل كن ماذا لو كان هذا التشر يع الخاضع له
الأفراد غير عادل لعدم مراعاته لمجموعة من الأسس التي ينبني عليها المجتمع عند صياغته؟ هل سيكون تطبيقه
مصدرا ً للعدالة؟ وماذا لو كان هذا التشر يع يُط َب َق ول كن ليس بصورة مطلقة؟
أسئلة تجعلنا نعيد طرح الإشكال المرتبط بمسألة علاقة العدالة بإنتاج التشر يع و بتطبيقه على حد سواء؟
المنطق يفرض علينا الجواب بصورة واضحة وجلية ،وهو أن مثل هذا التشر يع قد يعتبر صحيحا وعادل ًا وفق منظور
واضعه الذي خوله منتوجه (التشر يع الصادر عنه) أن يحتكر التشر يع و يُعدِله و يلَغيه ،ويمتد ذلك إلى غل يد باقي
المتدخلين بنصوص عامة تارة ً وأخرى غير عادلة تارة ً أخرى ،مُحدِدَة ً مهمتها في التطبيق الآلي لما هو م ُشَرَعَ ،فلا يبقى
للفاعلين (المؤسسات المختصة) إلا التطبيق؛ فهل نكون أمام تشر يع عادل يحقق العدالة الحقيقية أم أن الامر لا يعدو
أن يكون مجرد عدالة مفترضة في تصور واضعه ،وهذا ما لا يلاحظه إلا المشتغل بالقانون والمهتم به ،أما الخاضع له
-1يحيى عبد الله بن الجف ،العدالة من منظور القرآن ال كريم ،مقال منشور على الرابط https://www.aljazeera.net/amp/blogs/2021/11/28
(الموقع الإل كتروني لقناة الجزيرة) ،أطلع عليه بتاريخ 5252/25/52على الساعة .14h23
][1
فيرى أن السلطة لم تُنصِ فه وفقا ً لقواعد العدالة والانصاف ال كونية ،التي ع ُطلت بنصوص غير عادلة بكونها صادرة
يمكن إذن القول إن العدالة تربطها علاقة بالتشر يع ،علاقة ذاتية بأن يكون التشر يع تجسيدا للعدالة في حد ذاته،
وعلاقة انعكاسية تتطلب وجود نموذج لدولة الحق والقانون (ممثلة في المؤسسات ذات الصلة) التي تسعى لتحقيق
المغرب في مسيرته الإصلاحية (والتي انطلقت مبكرا مع فجر الاستقلال) وضع رهان العدالة صوب أعينه ،وسخر
كل الإمكانيات لربح هذا الرهان ،وهو ما تجسد من خلال دستور 5222م كمحطة تار يخية في التأسيس لمفهوم
مختلف من العدالة ،مفهوم ينبني في جوهره على الفصل بين السلطات الثلاث (التشر يعية ،التنفيذية والقضائية)
كمرتكز من مرتكزات الدول الديمقراطية ،فكان بذلك انطلاقة حقيقية على مستوى الإنتاج التشر يعي تماشيا ومبدأ
هرمية أو تدرج القوانين ،وملائمتها مع المستجدات والمكتسبات التي أقرها الدستور على كافة الأصعدة.
ما ذكرناه لا ينفي الإنجازات التي راكمها المغرب (قبل هذا التاريخ) في عديد القطاعات ،ولعل أبرزها في المجال
العقاري تأسيسا لمفهوم العدالة العقار ية ،التي أضحت اليوم محط اهتمام ومتابعة من لدن الرسائل والخطب المل كية
المنصبة على السياسة العقار ية بالمغرب أو الجهاز التشر يعي من خلال جودة القوانين المتعلقة بالعقار ،فضلا عن
الجهاز الحكومي لما يرسم و يضع السياسات والتوجهات والاستراتيجيات المقررة على العقار ،تماشيا والرؤ ية المل كية
-2مصطفى عليوي ،التشر يع الوضعي وسؤال العدالة ،مقال منشور على الرابط ( https://www.aljazeera.net/amp/blogs/2018/3/2الموقع
الإل كتروني لقناة الجزيرة) ،أطلع عليه بتاريخ 5252/25/56على الساعة .12h53
][2
لل
الإطار القانوني موضوع:
لقد شكل صدور القوانين الجديدة المتعلقة بالمادة العقار ية قفزة نوعية في مسار ترسيخ العدالة العقار ية -من
خلال القطع مع ازدواجية الأنظمة القانونية المؤطرة ،وتجويد النصوص القانونية وانسجامها على تعددها -كورش
ل كن القوانين غير كافية (رغم أهميتها) إذ لم يكن الضمير المسؤول حاضرا أثناء تنز يلها ،وذلك تماشيا مع إحدى
الخطب المل كية السامية بمناسبة ذكرى عيد العرش ،الذي أكد فيه جلالته " ...أن أي إصلاح مهما بلغ من الأهمية
وتعبئة للنصوص التنظيمية والآليات الفعالة ،فسيظل الضمير المسؤول للفاعلين فيه هو المحك الحقيقي لإصلاحه ،بل
وفي مقاربتنا لتجليات العدالة في التشر يع العقاري وتطبيقاته ،يمكن حصر الإطار القانوني للموضوع مبدئيا من
القانون رقم 7.81المتعلق بنزع المل كية من أجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت.
...
المرسوم رقم 5.22.23الصادر في 26رمضان 20( 2022يوليوز )5220في شأن إجراءات التحفيظ
العقاري.
][3
المرسوم رقم 5.23.211الصادر في 3شوال 25( 2002يونيو )5220بالموافقة على ضابط البناء العام المحدد
لشكل وشروط تسليم الرخص والوثائق المقررة بموجب النصوص التشر يعية المتعلقة بالتعمير والتجزئات العقار ية
المرسوم رقم 5.20.020الصادر في 0صفر 3( 2002أكتوبر )5220المتعلق بتحديد كيفيات مراقبة وزجر
المرسوم رقم 5.21.220الصادر في 2صفر 52( 2020أكتوبر )5221المتعلق بتحديد النظام النموذجي
...
][4
ب لا
اشكالية ث:
ح
إن هاجس المشرع المغربي في المجال العقاري (من خلال إصدار القوانين وتعديلها) والفاعل المؤسساتي (من
خلال بلورة قواعدها) يتمثل في بلوغ العدالة العقار ية ،من أجل أن تتوسع دائرة الولوج والاستفادة من الثروة
العقار ية من جهة ،وخلق الثقة في نفوس المواطنين في نظرتهم إلى الترسانة القانونية وتطبيقاتها من جهة أخرى
وترتيبا عليه ،فإل ى أي حد استطاع المشرع المغربي تكريس العدالة في التشر يع العقاري؟ وما تجليات هذه العدالة
ما تمظهرات النجاعة التشر يعية وما مكامن القصور التشر يعي في بلورة العدالة العقار ية ؟
ما مدى إلمام الفاعل المؤسساتي (إدار يا كان أو قضائيا) بفلسفة التشر يع العقاري وتطبيقه لها ؟
ما مدى مساهمة هذه المؤسسات في تجويد التشر يع العقاري تحقيقا للعدالة العقار ية أو العكس ؟
][5
اهمية الموضوع:
لا تخفى أهمية العدالة العقار ية ،لما لها من دور أساسي في تحر يك عجلة التنمية ،والدفع بقاطرة الاقتصاد الوطني،
كما تبرز أهمية الموضوع في الاهتمام المتزايد بالمجال العقاري في كافة البلدان ،ومساهمته في تطور الأنظمة
الاقتصادية العالمية ،بالتالي كان لازما تدخل المشرع المغربي وبقوة ،عن طر يق تجديد الترسانة القانونية العقار ية
وتحيينها وعصرنتها (وهنا نذكر على سبيل المثال القانون رقم 20.21المغير والمتمم بمقتضاه ظهير التحفيظ العقاري
والقانون رقم 20.23المتعلق بمدونة الحقوق العينية) ،والارتقاء بحق المل كية إلى حق دستوري.3
هذه العدالة التي لا يمكن أن يؤسس لها مع كثرة المنازعات العقار ية وتعقدها وتداخل جهات الاختصاص
بشأنها ،إلا قضاء واع بمسؤوليته في حماية الثروة العقار ية ،ملم بتنوع العقار واختلاف القواعد التي تحكمه .قضاء قادر
على التطبيق العادل للقانون تارة ،مبدع لقواعد تستشرف المستقبل ،وتدفع في اتجاه إقرار قوانين ملائمة للواقع
والتطورات تارة أخرى .4وهو ما تم التأكيد عليه بإحداث الغرفة العقار ية بمحكمة النقض 5والتي باشرت عملها بدءا
من 22يناير ،5252تماشيا مع الأهمية المضطردة لطبيعة القضايا المعروضة ،وآفاق عمل الغرفة والانتظارات
القضائية من عملها على حل الإشكالات المرتبطة بالمل كية العقار ية.
وتتجلى الأهمية النظر ية العلمية لهذا الموضوع ،في محاولة رصد تمظهرات العدالة العقار ية في التشر يع العقاري،
أما الأهمية التطبيقية العملية للموضوع ،فتكمن في محاولة الوقوف على عمل المؤسسات الفاعلة في الحقل العقاري
كالوكالة الوطنية للمحافظة العقار ية والمسح العقاري والخرائطية والوكالة الحضر ية ومدير ية الشؤون القرو ية بوزارة
الداخلية ...من جهة ،وكذا عمل محاكم الموضوع واجتهادات محكمة النقض من جهة أخرى ،كعامل حاسم في
الحفاظ على التوازن الاجتماعي وتوفير البيئة الاقتصادية الفعالة ،وتحقيق العدالة العقار ية في بعدها الواقعي.
-3الفصل 22من دستور الممل كة المغربية لسنة ( 5222يضمن القانون حق المل كية.)...
-4مصطفى فارس ،مقتطف من الكلمة الافتتاحية للندوة الوطنية في موضوع "الأمن العقاري" ،دفاتر محكمة النقض ،عدد ،56مركز النشر والتوثيق القضائي بمحكمة النقض ،مطبعة
الأمنية ،الرباط ،الصفحة .11
-5كمستجد من مستجدات القانون رقم 23.22المتعلق بالتنظيم القضائي للممل كة.
][6
ب ل
خطة ث:
ح ا
المستوى الثـاني :الإطار العملي للموضوع ،من خلال تطبيقات المؤسسات المختصة للتشر يع العقاري.
][7