Professional Documents
Culture Documents
العرض 9 إشكالية تنفيذ الصفقات العمومية
العرض 9 إشكالية تنفيذ الصفقات العمومية
تبعا لما سبق ,يمكن القول أن جملة المراجعات أو اإلصالحات التي طالت اإلطار القانوني
للصفقات تنم عن دينامية إيجابية لهذا الميدان ,و لعل الطبيعة القانونية للنص المتعلق بالصفقات
)مرسوم( ,و التي تدخله في خانة السلطة التنظيمية للحكومة و ليس في خانة السلطة التشريعية
للبرلمان ,تفسر السالسة التي يمكن بها االنتقال بهذا الميدان من صيغة إلى أخرى.
وتعد المادة الخام في الصفقات العمومية هي العقد اإلداري ,الذي يشغل مكاناً بارزاً من بين
الوسائل التي تلجأ إليها الجهات اإلدارية ,لتسيير المرافق العامة ,وإذا كانت هذه الغاية من إبرام
العقد اإلداري تكمن أساساً في كفالة حسن سير المرافق العامة وأداء األعمال والخدمات
وسرعة إنجازها ,تحقيقاً للمصلحة العامة ,فإن تلك الغالة لن تتحقق عمال اال بتنفيذ االلتزامات
5
العقدية التي يولدها العقد تنفيذاً سليماً وفقا للشروط الواردة به ,وفي الصدد المحددة للتنفيذ.
إال أن المتعاقد مع اإلدارة قد تصادفه أثناء تنفيذ العقد صعوبات أو ظروف استثنائية لم يكن
في الوسع توقعها أثناء إبرام العقد ,وقد يتعرض أثناء التنفيذ لتدخالت مختلفة من السلطة العامة
-1ﻣﺣﻣد اﻟﻘﺻري ،اﻟﻘﺎﺿﻲ اﻹداري وﻣﻧﺎزﻋﺎت اﻟﺻﻔﻘﺎت اﻟﻌﻣوﻣﯾﺔ ،اﻟﻣﺟﻠﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻟﻠﻔﻘﮫ واﻟﻘﺿﺎء ،اﻟﻌدد ،2017 ،46
ص .92 :
-2اﻟﺠﺮﯾﺪة اﻟﺮﺳﻤﯿﺔ ﻋﺪد 4654ﺑﺘﺎرﯾﺦ 1999/01/07اﻟﺼﻔﺤﺔ .12
-3اﻟﺟرﯾدة اﻟرﺳﻣﯾﺔ ﻋدد ،5518اﻟﺻﺎدرة ﺑﺗﺎرﯾﺦ ،19/04/2007 :اﻟﺻﻔﺣﺔ.1235 :
-4اﻟﺟرﯾدة اﻟرﺳﻣﯾﺔ ﻋدد ،6182اﻟﺻﺎدرة ﺑﺗﺎرﯾﺦ ،2013/08/19ص.5873:
-5ﻋﻠﻲ ﻣﺗﺣت ﻋﻠﻲ ﻋﺑد اﻟﻣوﻟﻰ ،اﻟظروف اﻟﺗﻲ ﺗطرأ أﺛﻧﺎء ﺗﻧﻔﯾذ اﻟﻌﻘد اﻹداري ،ﺷرﻛﺔ اﻟطﺑوﺟﻲ ،اﻟﻘﺎھرة ،1991 ،ص .1:
لم تكن في الحسبان وتؤثر بشكل أو باَخر على ظروف تنفيذ العقد ,ويتفاوت تأثير هذه األمور
على الزيادة أو التقليص من حجم األشغال المبالغة في اللجوء إلى العقود الملحقة ,أو
التأخيرات في تنفيذ الصفقات أو عدم مسك سجالت خاصة بأوامر تنفيذ األشغال ,أو تقاعس
اإلدارة عن توجيه األمر بالخدمة أو اعتماد مسطرة التأخير ,أو تقوم بفسخ الصفقة ,كذلك قد
تخص إشكاالت إعادة التوازن المالي لعقد الصفقة أو وجود صعوبات مادية تحيل دون تنفيذ
الصفقة ,أو أن تمتنع اإلدارة عموماً عن تنفيذ الصفقة ,أو يرجع األمر إلى ضعف تكوين
المنتخب الذي يقوم على الصفقة مند إبرامها إلى غاية تنفيذها.
وهو ما أدى بنا في إطار هذا الموضوع إلى معالجته وفق اإلشكالية التالية:
ما مدى تأثير اإلشكاالت القانونية والعملية في تنفيذ الصفقات العمومية?
6ﺗﺗﺣدد اﻵﺟﺎل اﻟﻘﺎوﻧﯾﺔ ﺣﺳب اﻟﻣﺎدة 36ﻣن دﻓﺗر اﻟﺷروط اﻹدارﯾﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﻣطﺑﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﺻﻔﻘﺎت اﻷﺷﻐﺎل اﻟﻣﻧﺟزة ﻟﺣﺳﺎب
اﻟدوﻟﺔ ﻓﻲ 60ﯾوﻣﺎ اﻟﻣواﻟﯾﺔ ﻟﺗﺎرﯾﺦ ﺗﺑﻠﯾﻎ اﻟﻣﺻﺎدﻗﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺻﻔﻘﺔ .
تقل عن سنة يترتب عنها حق المتعاقد في التعويض دون الفسخ ,وحالة التأجيل ألكثر من
سنة ويترتب عنها حق المتعاقد في المطالبة بالفسخ والتعويض معا .
إذا فتقاعس اإلدارة في توجيه األمر بالخدمة يعتبر إشكاال يعترض التطبيق السليم للصفقة,
في هذا الصدد عمدت محكمة اإلستئناف اإلدارية بالرباط 7وهي تقضي بأحقية المتعاقد في
التعويض جراء تقاعس اإلدارة عن توجيه األمر بالخدمة ,إلى التأكيد على إلزامية هذا
اإلجراء داخل أجل 60يوما من تاريخ المصادقة على الصفقة وإال اعتبر امتناعها عن ذلك
بمثابة فسخ تعسفي للصفقة.
ومما جاء في هذا القرار ":إن األمر ببداية الخدمة يدخل ضمن الوثائق التعاقدية لما بعد
إبرام الصفقة ..والذي يعتبر اآللية القانونية التي تسمح للمقاولة بإنجاز التزاماتها داخل
األجل المحدد لها اتجاه المتعاقد معهــا ..مما يعتبر معه رفض الوكالة المذكورة تسليم
اآلالت الضرورية إلنجاز األشغال أو امتناعها عن تسليم المستأنف عليها األمر ببداية
الخدمة ,إنهاء للرابطة التعاقدية بينهما ,وبالتالي فسخا لعقد الصفقة ...وحيث إنه استنادا
إلى المقتضيات القانونية المشار إليها أعاله ,والتزاما بتنفيذ شروط العقد ,بما يجب أن
يتوافر من حسن النية ,فإنه كان على الوكالة المستأنفة بعد أن أبلغت الشركة المستأنف
عليها بالمصادقة على عقد الصفقة ..أن تصدر أمرا بالخدمة داخل أجل 60يوما ...أو
أنه على فرض التأجيل كان بسبب إعادة هيكلتها وتحديد أولويتها كان يتعين عليها سلوك
المقتضى القانوني الواجب في هذا اإلطار وذلك بتطبيق مقتضيات المادة .. 44بعد
توصلها مباشرة بالكتاب الموجه إليها من طرف الشركة المستأنف عليها تطالب فيه بتمكينها
من بداية األشغال ..مما تكون معه هذه األخيرة مسؤولة عن خرقها مقتضيات المادتين 36
و 44من دفتر الشروط اإلدارية العامة المتمثلة في عدم إًصدارها لألومر ببداية الخدمة
داخل األجل القانوني وعدم سلوكها لموجبات التأجيل إذا رأت سببا لسلوك مسطرته "..
إذا فتوجيه األمر ببداية الخدمة هو التزام أولي يمكن المتعاقد من بدء تنفيذ الصفقة ,ومن
شأنه الحيلولة دون التنفيذ .
ينضاف إلى هذا اإلشكال ,المقتضى المتعلق بعدم تسليم اإلدارة موقع العمل للمتعاقد
معها ,وامتناعها عن القيام باإلجراءات والتدابير الضرورية حتى ال يتعسر تنفيذ الصفقة أو
يستحيل .وفي هذا الصدد قضت المحكمة اإلدارية العليا في مصر 8بإنه ":إذا كانت المدة
7ﻣﺣﻛﻣﺔ اﻹﺳﺗﺋﻧﺎف ﺑﺎﻟرﺑﺎط ،ﻗرار رﻗم 895ﺑﺗﺎرﯾﺦ 2ﯾوﻟﯾز ،2008اﻟوﻛﺎﻟﺔ اﻟﺣﺿرﯾﺔ ﻟﻠدار اﻟﺑﯾﺿﺎء ﺿد ﺷرﻛﺔ
أودﯾوﺳﯾك ،ﻣﺟﻠﺔ اﻟﻣﺣﺎﻛم اﻹدارﯾﺔ ،اﻟﻌدد اﻟراﺑﻊ ،ﯾوﻧﯾو ،2011اﻟﺻﻔﺣﺔ . 117
8اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ اﻹدارﯾﺔ اﻟﻌﻠﯾﺎ ﻓﻲ ﻣﺻر ،ﻗرار ﺑﺗﺎرﯾﺦ 3ﯾوﻧﯾو ،1967ﻧﻘﻼ ﻋن ﺣﻣدي ﯾﺎﺳﯾن ﻋﻛﺎﺷﺔ ،ﻣوﺳوﻋﺔ اﻟﻌﻘود اﻹدارﯾﺔ
واﻟدوﻟﯾﺔ ،اﻟﻌﻘود اﻹدارﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺗطﺑﯾق اﻟﻌﻣﻠﻲ ،اﻟﻣﺑﺎدئ واﻷﺳس اﻟﻌﺎﻣﺔ ،ﻣﻧﺷﺄة اﻟﻣﻌﺎرف ﺑﺎﻹﺳﻛﻧدرﯾﺔ ،1998 ،اﻟﺻﻔﺣﺔ282
.
التي حددت لتنفيذ العملية هي شهران فقط ,فإن عدم قيام الهيئة المذكورة بتسليم موقع
العمل إلى الطاعن طيلة عام بأكمله هو مايحق معه القول بأنها قد أخلت إحالال جسيما
بواجبها نحو الطاعن بعدم تمكينه من العمل ,وأنها تأخرت في تنفيذ التزامها هذا مدة كبيرة
تجاوزت القدر المعقل مما يقوم سببا لفسخ العقد المبرم بينهما وتعويض الطاعن عما
أصابه من أضرار بسبب ذلك " .
وهو ما نحت إليه المحكمة اإلدارية بأكادير 9حين اعتبرت بأن تخلف المتعاقد عن الوفاء
بالتزاماته راجع إلى تقاعس اإلدارة في القيام باألشغال األولية الضرورية التي كانت
موضوع اتفاق مسبق بين الطرفين ,وهو ماعبرت عنه بالقول ":وحيث إن الخبرة المنجزة
في الملف أكدت أن األشغال الضرورية األولية لم تنجز من طرف المدعى عليه المجلس
البلدي إلى حدود تاريخ إنجاز الخبرة ,ويستحيل على المدعية تنفيذ األشغال موضوع
الصفقة في هذه الظروف ,وبالتالي فإن مسؤولية عدم إنجاز المدعية ألشغال الصفقة
يتحملها المجلس المدعى عليه لتقصيره في إنجاز األشغال السابقة لما هو مطلوب من
المدعية ,وتكون هذه األخيرة محقة في المطالبة بالتعويض عن األضرار التي لحقتها جراء
فسخ الصفقة معها" .
هذه اإلشكاالت تتولد أساسا عن التزامات اإلدارة في إطار مايقتضيه تمكين المتعاقد من
البدء في تنفيذ الصفقة وضمان سالمة هذا التنفيذ ,واليقف األمر عند هذا المستوى بل إنه
من اإلشكاالت المطروحة في هذا الصدد ,عدم تقديم اإلدارة للمتعاقد معها المواد
الضرورية أو المستندات أو التراخيص الالزمة للتنفيذ كلما كانت المواد مالئمة وذات فائدة
لتنفيذ موضوع الصفقة ,أخذا بما ينض عليه دفتر الشروط اإلدارية العامة العامة المطبقة على
صفقات األشغال المنجزة لحساب الدولة ,في مادته ,35حيث تلزم المادة صاحب
المشروع بضرورة تسليمه للمتعاقد بناء على طلبه ,كافة الترخيصات اإلدارية الالزمة لتنفيذ
الصفقة ,وكذا التصاميم المتعلقة بالمشروع ومختلف الوثائق الالزمة لتنفيذ الصفقة,
باإلضافة إلى وضع مكان األشغال مجانا تحت تصرف المتعاقد قبل بداية األشغال .وتبعا
لذلك ,أكدت الغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى 10أحقية المتعاقد في المطالبة بالتعويض
الالزم جراء امتناع اإلدارة عن تمكينه من التصاميم التقنية الخاصة بكل جزء من أجزاء
الصفقة ,حيث قضت بأنه ":بالرجوع إلى قرار اإلنذار الصادر عن اإلدارة صاحبة المشروع
تبين أنه معلل بالتأخير في إنجاز األشغال التي حددت مدتها في 18شهرا ...وحيث دفعت
9اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ اﻹدارﯾﺔ ﺑﺄﻛﺎدﯾر ،ﺣﻛم رﻗم 32/2007ﺑﺗﺎرﯾﺦ 8ﻓﺑراﯾر ،2007ﻣﻠف ﻋدد 2002/523س ،ﺷرﻛﺔ ﻓﯾدراﻟوم-
اﻟﻣﻐرب -ﺿد اﻟﻣﺟﻠس اﻟﺑﻠدي ﻷﻛﺎدﯾر .
10اﻟﻐرﻓﺔ اﻹدارﯾﺔ ﺑﺎﻟﻣﺟﻠس اﻷﻋﻠﻰ ،ﻗرار ﻋدد 293ﺑﺗﺎرﯾﺦ 29ﺷﺗﻧﺑر ،2004أورده أﻧوار ﺷﻘروﻧﻲ" ،اﻟﺣﻣﺎﯾﺔ اﻟﻘﺿﺎﺋﯾﺔ
ﻟﻠﻣﺗﻌﺎﻗدﯾن ﻣﻊ اﻹدارة ﻓﻲ ﻣﺟﺎل اﻟﺻﻔﻘﺎت اﻟﻌﻣوﻣﯾﺔ" ﻣﺟﻠﺔ اﻟﻣﻌﯾﺎر ،ﻋدد ،40دﺟﻧر ،2008اﻟﺻﻔﺣﺔ . 107
المقاولة المتعاقد معها بأن السبب في تأخير األشغال يعود إلى اإلدارة التي لم تسلمها
التصاميم التقنية الخاصة بكل جزء من أجزاء الصفقة رغم مطالبتها العديدة بذلك ,وحيث
إن اإلدارة لم تدل بما يثبت تسليمها للمدعية المستأنف عليها التصاميم التقنية الحامة لعبارة
صالحة للتنفيذ ...من كل هذه الوقائع الثابثة في حق اٌإلدارة تجعل المستأنف عليها في
وضعية قانونية سليمة اتجاه عتقد الصفقة مما يجعل مسؤولية اإلدارة قائمة" .
وهو نفس التوجه الذي أكدته المحكمة اإلدارية بأكادير ,في حكمها الصادر بتاريخ 17ماي
,112007حيث قضت ":التوقفات التي تنازع فيها المؤسسة المدعى عليها تتعلق أوال
بالفترة التي لم تحصل عليها هذه األخيرة على رخصة البناء ,وكان األمر بإيقاف األشغال
الفوري صادرا عن بلدية الدشيرة ,مما يعتبر سببا خارجا عن إرادة المدعية على اعتبار أن
صاحب المشروع مؤسسة بريد المغرب كانت ملزمة بالحصول على هذه التراخيص قبل
األمر ببداية األشغال".
ترتيبا على ذلك ,استقر العمل القضائي على أنه إذا كان المتعاقد ملزما بتنفيذ عقده في فترة
زمنية محددة ,فإن اإلدارة ملزمة أيضا بتوفير كافة الشروط والظروف المالئمة لذلك ,من
خالل اإلمتناع عن اتخاد أي إجراء قد يحول بين المتعاقد وتنفيذ التزاماته ,مالم يكن باعثها
في ماتقدم عليه من تصرفات تجافي هذا المسعى هو تحقيق المصلحة العامة .ومن
تطبيقات ذلك أن قضت المحكمة اإلدارية العليا في مصر ,12بأن ":العقود تخضع ألصل عام
من أًصول القانون ,يقتضي أن يكون تنفيذها بطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية ,وهذا
األصل يطبق في العقود اإلدارية ,شأنها في ذلك شأن العقود المدنية" .
أما المحكمة اإلدارية بالرباط 13فقد عمدت إلى إثارة مسؤولية اإلدارة عما طال الصفقة من
تأخير في اإلنجاز ,بعدما تبث لديها بأن مرجع ذلك يعود إلى األوامر الصادرة عنها بإيقاف
األشغال ,حيث قضت بأن ":عملية تنفيذ أشغال الصفقة موضوع النزاع عرف إصدار ثالثة
أوامر بالخدمة من أجل إيقاف األشغال ...وحيث إن جل التوقفات التي عرفها سير
األشغال كانت بسبب اإلدارة التي لم تأخد بعين اإلعتبار جميع العوارض التي يمكن أن
تعترض سير األشغال وإيجاد حل لها قبل أن تصدر األمر المصلحي األول بالخدمة من أجل
الشروع فيها ,تفاديا إلبقاء المقاولة عاطلة عن العمل وما ينتج عن ذلك من عدم إنجاز
الصفقة داخل األجل المحدد لها ,في الوقت الذي لم ينسب لهذه األخيرة أي تقصير من
11اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ اﻹدارﯾﺔ ﺑﺄﻛﺎدﯾر ،ﺣﻛم ﻋدد 2007/170ﺑﺗﺎرﯾﺦ 17ﻣﺎي 2007ﻣﻠف ﻋدد 2005-651ش ،ﺑوﺗرا ﺿد اﻟﻣدﯾر
اﻟﺟﮭوي ﻟﺑرﯾد اﻟﻣﻐرب أﻛﺎدﯾر .
12اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ اﻹدارﯾﺔ اﻟﻌﻠﯾﺎ ﻓﻲ ﻣﺻر ،ﻗرار ﺑﺗﺎرﯾﺦ 20أﺑرﯾل ،1957ﻧﻘﻼ ﻋن ﺳﻠﯾﻣﺎن ﻣﺣﻣد اﻟطﻣﺎوي ،اﻷﺳس اﻟﻌﺎﻣﺔ
ﻟﻠﻌﻘود اﻹدارﯾﺔ ،دراﺳﺔ ﻣﻘﺎرﻧﺔ ،دار اﻟﻔﻛر اﻟﻌرﺑﻲ ،اﻟطﺑﻌﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ 1975 ،اﻟﺻﻔﺣﺔ . 651
13اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ اﻹدارﯾﺔ ﺑﺎﻟرﺑﺎط ،ﺣﻛم ﻋدد 120ﺑﺗﺎرﯾﺦ 2ﻓﺑراﯾر ،2006ﻧﻘﻼ ﻋن أﻧوار ﺷﻘروﻧﻲ"،اﻟﺣﻣﺎﯾﺔ اﻟﻘﺿﺎﺋﯾﺔ
ﻟﻠﻣﺗﻌﺎﻗدﯾن ﻣﻊ اﻹدارة ﻓﻲ ﻣﺟﺎل اﻟﺻﻔﻘﺎت اﻟﻌﻣوﻣﯾﺔ" ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق اﻟﺻﻔﺣﺔ . 30
جانبها كان سببا في تلك التوقفات األمر الذي يجعل اإلدارة ملزمة اتجاهها بجبر تلك
األضرار التي يمكن أن تكون قد لحقت بها شرط أن يكون تحققها ثابتا وال ينفي عنها تلك
المسؤولية كون أسباب التوقف ترجع إلى مبررات مشروعة فرضتها طبيعة األشغال "..
14
ﻣذﻛرة اﺳﺗﻌﺟﺎﻟﯾﺔ ﻟﻠرﺋﯾس اﻷول ﻟﻠﻣﺟﻠس اﻷﻋﻠﻰ ﻟﻠﺣﺳﺎﺑﺎت ﺣول ﺑﻌض اﻻﺧﺗﻼﻻت اﻟﻣﺳﺟﻠﺔ ﻓﻲ ﻣﯾدان اﻟﺻﻔﻘﺎت اﻟﻌﻣوﻣﯾﺔ
15
ﺗﻘرﯾر اﻟﻣﺟﻠس اﻷﻋﻠﻰ ﻟﻠﺣﺳﺎﺑﺎت 2011اﻟﺟزء اﻷول،ص 270
16
اﻟﻣﺎدة 12ﻣن دﻓﺗر اﻟﺷروط اﻹدارﯾﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﻣطﺑﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﺻﻔﻘﺎت اﻻﺷﻐﺎل ،اﻟﺻﺎدر ﺳﻧﺔ 2016
إبرام الصفقة الرئيسية تعتبر تكملة لها ,أما فيما يتعلق باألشغال فيتعين أيضا أن يعتمد في تنفيذها
على معدات منصبة في نفس المكان استعملها المقاول فيه.
لكن الواقع العملي قد ابان عن المبالغة في اللجوء الى ملحقات العقود) عدة ملحقات برسم
الصفقة الواحدة( ,الشيء الذي يعكس ضعف التقدير في مرحلة اعداد الصفقة ,خاصة تحديد
المواصفات التقنية والكميات وطبيعة الخدمات المطلوبة.
وعليه ,يوصي المجلس األعلى للحسابات مدبري الصفقات العمومية بالدقة والصرامة عند
تحديد الحاجيات سواء من الناحية الكمية او النوعية ,وذلك لتفادي اللجوء المضطرد الى ابرام
ملحقات إضافية التي من المناسب تحديد العدد الذي ال يجب تجاوزه.17
غالبا ما تلجأ اإلدارة إلى فسخ العقد اإلداري كجزاء على إخالل المتعاقد بالتزاماته القانونية
أو ارتكاب مخالفات واضحة وخطيرة من شأنها أن تؤثر سلبا على سير المرفق العام وتجعل
العالقة التعاقدية مرهقة بين الطرفين ,وتستمد اإلدارة هاته السلطة ليس فحسب من نصوص
العقد اإلداري بل كذلك من امتيازات السلطة العامة والمصلحة العامة التي تمثلها ومن المبادئ
العامة لسير المرفق العام بانتظام واضطراد .وإذا كانت اإلدارة مخيرة على استمرار عالقتها
التعاقدية مع المتعاقد معها ,وتملك السلطة التقديرية في انتهاء العقد اإلداري لتحقيق المصلحة
العامة ,فإنه أحيانا ماتستغل موقعها هذا )المصلحة العامة( في إنهاء العقد دون سبب مشروع,
بحيث تتوارى خلف المصلحة العامة بالشكل الذي يمكنها من من إزاحة متعاقد وإحالل
متعاقد آخر محله ,إال أن القاضي اإلداري درج على تصنيف عملها هذا انحرافا في استعمال
السلطة مادام للقاضي تقدير المصلحة العامة . 18فمن بين اإلشكاالت التي تثار انطالقا من هذا
المدخل :
-1الحالة التي تفسخ فيها اإلدارة العقد اإلداري دون مراعاة اإلجراءات القانونية المنصوص
عليها في اتخاد قرار الفسخ والتي تشكل ضمانات للمتعاقد معها ,وخصوصا مها حق اإلعالم
وتدارك اإلجراء المنوي اتخاده;
-2في حالة لجوء اإلدارة لقرار الفسخ ,فغالبا مااليكون قرارها هذا مستندا إلى سبب
مشروع;
17
إﺳﻣﺎﻋﯾل اﻟوردي" ،اﻟﻣﺣﺎﻛم اﻟﻣﺎﻟﯾﺔ واﻟرﻗﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺻﻔﻘﺎت اﻟﻌﻣوﻣﯾﺔ ﺑﺎﻟﻣﻐرب" ،رﺳﺎﻟﺔ ﻟﻧﯾل ﺷﮭﺎدة اﻟﻣﺎﺳﺗر ،ﻛﻠﯾﺔ اﻟﻌﻠوم اﻟﻘﺎﻧوﻧﯾﺔ واﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ
واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ-اﻟرﺑﺎط .2016-2015 -
18ﻣﺣﻣد اﻟﻘﺻري":اﻟﻘﺎﺿﻲ اﻹداري وﻣﻧﺎزﻋﺎت اﻟﺻﻔﻘﺎت اﻟﻌﻣوﻣﯾﺔ" ،ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق ،اﻟﺻﻔﺣﺔ . 104
عموما ,فإن سلطة اإلدارة في اتخاد قرار فسخ العقد اإلداري يوازيه حق المتعاقد معها في
الحصول على التعويض الشامل لمجموع األضرار الناتجة له من جراء الفسخ الذي شمل مافاته
من كسب وما لحقه من خسارة متى كان الفسخ مبني على إجراءات غير قانونية ,أو كانت
األسباب التي قام عليها الفسخ غير مشروعة ,إال أنه غالبا ماتلجأ اإلدارة إلى فسخ عقد الصفقة
كجزاء لتقصير المتعاقد معها في إنجاز األشغال ,بذلك يكون قرارها مشروعا على أن يتم احترام
اإلجراءات القانونية التي تساير إصدار قرار الفسخ هذا ..في هذا الصدد قضت المحكمة
اإلدارية بالرباط 19بأنه ":وحيث دفعت المدعى عليها بكون قرار فسخ الصفقة كان مستندا على
أسس قانونية وواقعية سليمة ,وأن اإلدارة اضطرت إلى إصداره بعدما رفضت المدعية اإلمتثال
ألوامر الخدمة والوفاء بالتزاماتها التعاقدية رغم حصولها على مقابل جميع األشغال المنجزة بناء
على عقد الصفقة ,وإلنتفاء أي مديونية في مواجهة اإلدارة ...
وحيث إن رفض الشركة المدعية اإلمتثال ألوامر الخدمة والوفاء بالتزاماتها العقدية حسب
مقتضيات عقد الصفقة رغم عدم صحة السبب المدعى للرفض يجعل الفسخ مشروعا وطلب
التعويض عنه غير مؤسس وحليفه الرفض"..إال أن العمل القضائي درج في بعض الحاالت
على التعويض الكامل للمتعاقد مع اإلدارة عن األضرار الناتجة له من جراء قرار الفسخ في
حاالت اليتم فيها احترام اإلجراءات القانونية إلصدار القرار ,وعلى هذا األساس قضت
المحكمة اإلدارية بوجدة" 20إن قيام اإلدارة بفسخ عقد مع المدعي دون اتباعها المسطرة
المنصوص عليها بالفصل 35من كناش الشروط اإلدارية العامة المتعلقة بالصفقات العمومية
يخول للمدعي الحق في الحصول على المصاريف التي أنفقها "
كما ذهبت المحكمة اإلدارية بالدار البيضاء21وهي تقرر عدم مشروعية قرار فسخ عقد الصفقة
إلخالل اإلدارة بالمسطرة القانونية ,وترتب على ذلك حق المتعاقد مع اإلدارة في الحصول
على التعويض الكامل عن األضرار الناجمة عن ذلك .
كمــــا قضت المحكمة اإلدارية بمراكش 22بأن فسخ عقد الصفقة المبني على عدم إنذار
المتعاقد مع اإلدارة باإلخالالت المنسوبة إليه يبقى تعسفيا وموجبا للتعويض.
يستفاد ما سبق ,بأن الضمانة المتعلقة بحق اإلعالم بالمخالفة ووجوب تداركها حق مكفول
للمتعاقد مع اإلدارة حتى ولم لم ينص عليه في العقد .
19اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ اﻹدارﯾﺔ ﺑﺎﻟرﺑﺎط ،ﺣﻛم رﻗم 3923ﺑﺗﺎرﯾﺦ 25أﻛﺗوﺑر ،2012ﺷرﻛﺔ E T P Sﺿد وزارة اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ.
20ﺣﻛم اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ اﻹدارﯾﺔ ﺑوﺟدة ،ﻣﻠف ،35/94ﺑﺗﺎرﯾﺦ 2أﻛﺗوﺑر ،1996ﻧﻘﻼ ﻋن ﻣﺣﻣد اﻟﻘﺻري":اﻟﻘﺎﺿﻲ اﻹداري
وﻣﻧﺎزﻋﺎت اﻟﺻﻔﻘﺎت اﻟﻌﻣوﻣﯾﺔ" ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق ،اﻟﺻﻔﺣﺔ. 106
21ﺣﻛم اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ اﻹدارﯾﺔ ﺑﺎﻟدار اﻟﺑﯾﺿﺎء ﻋدد 243ﺑﺗﺎرﯾﺦ 96/2/23ﻣﻠف ﺷرﻛﺔ ﺗﻧظﯾف ﺿداﻟﺿﻧدوق اﻟوطﻧﻲ ﻟﻠﺿﻣﺎن
اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ،ﻧﻘﻼ ﻋن ﻣﺣﻣد اﻟﻘﺻري ،اﻟﻘﺎﺿﻲ اﻹداري وﻣﻧﺎزﻋﺎت اﻟﺻﻔﻘﺎت اﻟﻌﻣوﻣﯾﺔ ،م،س اﻟﺻﻔﺣﺔ . 107
22اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ اﻹدارﯾﺔ ﺑﻣراﻛش ،ﺣﻛم ﻋدد 261ﺑﺗﺎرﯾﺦ ،01/01/28ﺷرﻛﺔ ﺗوﻛﻠﻣﺎ ﺿد اﻟﻣﻛﺗب اﻟوطﻧﻲ ﻟﻠﺑرﯾد ،أورده ﻣﺣﻣد
اﻟﻘﺻري ":اﻟﻘﺎﺿﻲ اﻹداري وﻣﻧﺎزﻋﺎت اﻟﺻﻔﻘﺎت اﻟﻌﻣوﻣﯾﺔ" ،م،س ،اﻟﺻﻔﺣﺔ . 108
وحماية لحقوق الطرف المتعاقد مع اإلدارة ,فإن القاضي اإلداري يراقب مشروعية األسباب
المعتمدة في قرار الفسخ ويرتب على عدم مشروعيتها الحكم بالتعويض الكامل للمتعاقد مع
اإلدارة ,فإذا كانت هذه اإلخيرة )اإلدارة( تملك السلطة التقديرية في فسخ عقد الصفقة باإلستناد
إلى المصلحة العامة لسير المرفق أو بناء على إخالل المتعاقد بالتزاماته التعاقدية أو ارتكابه
خطأ فادحا يؤثر على مواصلة العالقة التعاقدية بشكل مرهق فإن القاضي اإلداري يراقب صحة
السبب المعتمد في قرار الفسخ ,وحتى إذا تبث له بأن القرار الصادر بالفسخ ال يقوم على سبب
مشروع فإنه يملك إلغاء القرار بصفة عامة ويصبح القرار الصادر بالفسخ غير مشروع إذا قام
على سبب غير سليم ,أو إذا استهدفت اإلدارة مصلحة في الفسخ غير المصلحة العــــامة ,
وعلى هذا األساس ذهبت المحكمة اإلدارية بالدار البيضاء 23وهي تتحرى األسباب التي كــــانت
وراء الفسخ لتنتهي إلى القول بعدم مشروعيتها وأحقية المتعاقد مع اإلدارة في التعويض الكامــل
عن األضرار الناتجة له من جراء قرار الفسخ غير المشروع .
وقد سبق أن نظرت الغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى )محكمة النقض حاليا( في قضية تتعلق
بالمطالب بالتعويض عن الفسخ التعسفي لعقد الصفقة لعدم وفاء اإلدارة بالتزاماتها التعاقدية قبل
الفسخ ,بحيث ذهبت الغرفة اإلدارية 24وهي تحيب عن الوسيلة المتعلقة باضطراراإلدارة
لفسخ العقد إلرتكاب المقاولة عدة أخطاء موجبة للفسخ تمثل في عدم توفرها على التجهيزات
األساسية من يد عاملة وكهرباء وعدم توفرها على الوسائل الضرورية لتنفيذ التزاماتها داخل
األجل المحدد ببنود الصفقة بعد إنذارها في هذا الشأن لعدة مرات دون جدوى وتقضي بالتالي
بعدم صحة سبب الفسخ وبأحقية المقاولة تبعا لذلك في التعويض عن جميع اإلجراءات الناتجة
عن الفسخ .
يستفاد من مضمون قرار الغرفة اإلدارية بالجلس األعلى )محكمة النقض حاليا( أن فسخ عقد
الصفقة من طرف اإلدارة يقع باطال في الحـــالة التي تقدم على اتخاد قرار بالفسخ دونــما إثبات
أنها بدورها قـــامت بتنفيذ التزاماتها المنصوص عليها في عقد الصفقة اتجاه المقـــاول طالمــا أن
تنفيذ عقد الصفقة يتوقف على تنفيذ اإللتزام المذكور.25
23اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ اﻹدارﯾﺔ ﺑﺎﻟدار اﻟﺑﯾﺿﺎء ،ﺣﻛم ﻋدد 264ﺑﺗﺎرﯾﺦ ،2003/5/5ﻗﺿﯾﺔ اﻟﺷرﻛﺔ اﻟﻣﻐرﺑﯾﺔ ﻟﻸﻋﻣﺎل ﺿد وزﯾر
اﻟﺗﺟﮭﯾز ،ﻣﻧﺷور ﻓﻲ اﻟدﻟﯾل اﻟﻌﻣﻠﻲ ﻟﻺﺟﺗﮭﺎد اﻟﻘﺿﺎﺋﻲ ﻓﻲ اﻟﻣــــﺎدة اﻹدارﯾﺔ ،اﻟﺻﻔﺣﺔ . 476
24ﻗرار اﻟﻐرﻓﺔ اﻹدارﯾﺔ ﻋدد 923ﺑﺗﺎرﯾﺦ 04/9/29ﺑﺎﻟﻣﻠف اﻹداري ﻋدد 02/1/4/1935اﻟﻣؤﯾد ﻟﺣﻛم اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ اﻹدارﯾﺔ
ﺑﻔﺎس ﺑﺎﻟﻣﻠف 00/112ﻗﺿﯾﺔ ﺷرﻛﺔ ﻣﻛﺳﯾﻧك.
25ﻣﺣﻣد اﻟﻘﺻري ،اﻟﻘﺎﺿﻲ اﻹداري وﻣﻧﺎزﻋﺎت اﻟﺻﻔﻘﺎت اﻟﻌﻣوﻣﯾﺔ ،ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق اﻟﺻﻔﺣﺔ . 114
المبحث الثاني :اإلشكاالت العملية في تنفيذ الصفقات العمومية
سنعالج في هذا المبحث ,إعادة التوازن المالي لعقد الصفقة العمومية واإلشكاالت المادية
التي تعيق تنفيذ عقد الصفقة )المطلب األول( ,ثم اإلثبات اإلداري وإشكالية القيام بأشغال
خارج القواعد القانونية المنظمة للصفقات العمومية )المطلب الثاني(.
إذا كانت الغاية من إبرام العقد اإلداري تكمن أساساً في كفالة حسن سير المرافق العامة,
وأداء األعمال والخدمات وسرعة إنجازها ,تحقيقاً للمصلحة العامة ,فإن تلك الغاية لن تتحقق
عمال إال بتنفيذ االلتزامات العقدية التي يولدها العقد تنفيذا سليماً وفقا للشروط الواردة به ,إال
أنه قد تتصادف بعض الصعوبات أثناء تنفيذ العقد وبعض األخطاء كذلك منها ما يتعلق بالتوازن
المالي للعقد ) الفرع األول ( ,ومنها ما يتعلق ببعض النظريات التي تؤدي إلى اإلخالل بتنفيذ
العقد أو الصفقة و كالصعوبات المادية الغير متوقعة والقوة القاهرة ) الفرع الثاني ( والتجاوزات
والخروقات التي تقوم بها اإلدارة عموماً كطرف في العقد وتؤدي إلى فسخه أو إيقاف التنفيذ
) الفرع الثالث (.
الفرع األول :التوازن المالي للعقد في ظل نظرية فعل األمير والظروف الطارئة.
إن مهد هاذين النظريتين هو مجلس الدولة الفرنسي ,في إطار معالجته للظروف التي تطرأ
على تنفيذ العقد ومن خالل هذا الفرع سوف نتطرق لكل من النظريتين واإلشكاالت التي تثار
بشأنها والتي تحول دون تنفيذ العقد اإلداري.
وتختلف نظرية الظروف الطائرة عن نظرية فعل األمير حيث ال يشمل التعويض حولها إال
جانب الخسارة التي لحقت المتعاقد مع اإلدارة.
-31ﯾوﺳف ﻟﺑروﻣﻲ ،اﻟﻌﻣل اﻟﻘﺿﺎﺋﻲ ﻓﻲ ﻣﻧﺎزﻋﺎت ﺻﻔﻘﺎت أﺷﻐﺎل اﻟدوﻟﺔ ـ واﻗﻊ واَﻓﺎق اﻹﺻﻼح ـ ،رﺳﺎﻟﺔ ﻟﻧﯾل دﺑﻠوم
اﻟﻣﺎﺳﺗر ﻓﻲ اﻟﻘﺎﻧون اﻟﻌﺎم ،ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻣﺣﻣد اﻟﺧﺎﻣس أﻛدال ،ﻛﻠﯾﺔ اﻟﻌﻠوم اﻟﻘﺎﻧوﻧﯾﺔ واﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﺑﺎﻟرﺑﺎط ،اﻟﺳﻧﺔ
اﻟﺟﺎﻣﻌﯾﺔ ،2013-2012ص.35 :
-32ﺣﻛم اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ اﻹدارﯾﺔ اﻟﻌﻠﯾﺎ ،اﻟﻘﺿﯾﺔ رﻗم 46ﺑﺗﺎرﯾﺦ 1972/6/17أورده اﻟدﻛﺗور ﻓؤاد ﻋﺑد اﻟﺑﺎﺳط ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﮫ أﻋﻣﺎل
اﻟﺳﻠطﺔ اﻹدارﯾﺔ ،ص.472
واعتد القضاء اإلداري المغربي بدوره بهذه النظرية ,في العديد من الصفقات ,وذلك إلعادة
التوازن المالي للعقد ,حسب قضت إدارية الرباط في حكم لها [...] '' ,33وجود حوادث
طبيعية أو ظروف طبيعية أو اقتصادية أو من عمل جهة غير الجهة اإلدارية المتعاقد معها لم تكن
في حساب المتعاقد عند إبرام العقد وال يملك لها دفعا من شأنها أن تنزل به خسائر فادحة تختل
معها اقتصاديات العقد ,اختالال جسيماً من شأنه أن يلزم الجهة اإلدارية المتعاقد معها بأن تشارك
المتعاقدة معها في تحمل نصيب من الخسارة التي لحقت به طوال فترة قيام الظرف الطارئ.
وطروء أثناء تنفيذ الصفقة موضوع النزاع ,ظروف وأحداث لم يقم دليل في الملف على أنها
كانت متوقعة عند إبرام العقد ممثلة في تعرض أصحاب الضيعات الفالحية الكبرى المعنية بتنفيذ
المشروع ,من شأنها قلب اقتصاديات العقد بجعل تنفيذه أثقل عبئاً وأكثر تكلفة مما قدره
المتعاقدان التقدير المعقول ,وجعل الخسارة الناشئة عن ذلك تتجاوز الخسارة المألوفة العادية
التي يتحملها أي متعاقد إلى خسارة استثنائية ] [...ثبوث ذلك يجعل من حق المتعاقد المضار
المطالبة من اإلدارة أن تشاركه في هذه الخسارة بتعويضه عنها تعويضاً جزئياً ,وبه حكمت
المحكمة بأداء اإلدارة لفائدة الشركة المدعية تعويضاً إجمالياً قدره سبعة ماليين درهم مع
الفوائد القانونية من تاريخ الحكم وتحميله الصائر''.
وفي حكم إلدارية فاس [...] '' :حيث أن الثابث من خالل عناصر المنازعة وكذا ما أثبته
تقرير الخبرة المنجز في النازلة طبقاً للقانون ,أن الصفقة لم يتم تنفيذها داخل االَجال القانوني
المحدد في 12شهراً ابتداءاً من 1995/10/25إلى غاية ,2000/10/24وذلك نتيجة
مجموعة من العوامل من ضمنها تأخير المكتب الوطني للماء الصالح للشرب في وضع موقع
الزنجفور رهن إشارة الوطالة المستقلة المدعى عليها ,حيث لم تحصل على الترخيص إال
بتاريخ 2001/02/21وكذا العثور على قنطرة قديمة مدفونة في األرض التي تعتبرها قناة
التجميع لم تكن معروفة من قبل ولم ترد في تصاميم التطبيق المسلمة للمدعية والعثور في مسار
أشغال قناة التجميع على قنوات تابعة للمكتب الوطني للكهرباء ,مستواها غير مالئم لمستوى
قناة التجميع ,باإلضافة إلى تعليق القرض الذي تم منحه للمدعى عليها لتمويل المشروع ,مما
تطلب مدة تمديدات إلنهاء أشغال هذه الصفقة خارج االَجال المحددة لها سلفاً بلغت 14شهر
و 5أيام كتمديد أول ما بين 2000/10/24و 2001/ 12/31وكذا تمديد ثاني لثالث أشهر
وخمسة عشر ) (15وكذا تمديد اَخر لمدة أربعة ) (4أشهر.وحيث أنه تبين للمحكمة من خالل
ما تم بسطه أعاله كون الوكالة المستقلة المدعى عليها لم تحصل من المكتب الوطني للماؤ
الصالح للشرب على الترخيص الالزم لدخول موقع الزنجفور ووضعه رهن إشارة المدعية قبل
-33ﺣﻛم اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ اﻹدارﯾﺔ ﺑﺎﻟرﺑﺎط ،ﻋدد ،324ﺑﺗﺎرﯾﺦ ،2007/02/26ﻏﯾر ﻣﻧﺷور.
بداية األشغال ,كما تلزمها بذلك الضوابط القانونية ,إلى أن حصلت على الترخيص بعد نهاية
تاريخ تسليم الصفقة المحدد قانوناً ,باإلضافة إلى عدم القيام بالدراسات لمعرفة بعض
المعوقات التي سبق توضيحها ,وهو ما أدى إلى تأخير مجموعه 21شهراً و 16يوماً ,وهو ما
جعل المحكمة تعتبر الوكالة المستقلة المدعى عليها هي التي تسببت بنسبة كبيرة في تأخير تنفيذ
المشروع داخل اآلجال المتفق عليه وهو ما أعطى للمدعية الحق في الحصول على التعويض
34
عن األضرار التي لحقت بها خالل فترة التمديدات والمثبتة قانوناً.
إن جمع هاتين النظريتين في فرع واحد رهين بأن كالهما يجتمع في أن تحقيقهما يكون غير
متوقع من جهة ,وأن كالهما يؤثران في تنفيذ العقد أو الصفقة موضوع العقد بشكل خاص.
تعد نظرية القوة القاهرة حالة كالسيكية إلعفاء المتعاقد مع اإلدارة من المسؤولية ,وتجد هذه النظرية
أساسها القانوني في الفصلين 268 35و 269من قانون اإللتزامات والعقود المغربي ,وكذلك في الفصلين
43من مرسوم 2.99.1087الصادر بتاريخ 4ماي ,200036المتعلق بالمصادقة على دفتر الشروط
اإلدارية العامة المطبقة على صفقات األشغال المنجزة لحساب الدولة ,على أنه في حالة وقوع حدث
يشكل قوة قاهرة ,يحق للمقاول الحصول على تمديد معقول في أجل التنفيذ الذي يجب أن يكون
موضوع عقد ملحق.
وتشكل القوة القاهرة أحد مبررات إعفاء المقاول من التزاماته تجاه اإلدارة وال يتعرض للجزاءات
والغرامات ,شريطة أن يكون الحادث الممثل للقوة القاهرة غير قابل للدفع وغير متوقع ال من جانب
37
الطرف الذي تعرض له فحسب بل من جانب أكثر الناس يقظة وتحسباً.
وعموماً فشروط تحقق القوة القاهرة ثالثة وهي:
oأن يكون الحادث خارج عن إرادة الطرفين;
oأن يكون الحادث عارضاً وغير متوقع أثناء إبرام العقد;
-34ﯾوﺳف ﻟﺑروﻧﻲ ،ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق ،ص .38
-35اﻟﻔﺻل '' :268ﻻ ﻣﺣل ﻷي ﺗﻌوﯾض ،إذا أﺛﺑت اﻟﻣدﯾن أن ﻋدم اﻟوﻓﺎء ﺑﺎﻻﻟﺗزام أو اﻟﺗﺄﺧﯾر ﻓﯾﮫ ﻧﺎﺷﺊ ﻋن ﺳﺑب ﻻ ﯾﻣﻛن
أن ﯾﻌزى إﻟﯾﮫ ﻛﺎﻟﻘوة اﻟﻘﺎھرة أو اﻟﺣﺎدث اﻟﻔﺟﺎﺋﻲ أو ﻣطل اﻟداﺋن ''
-اﻟﻔﺻل '' :269اﻟﻘوة اﻟﻘﺎھرة ھﻲ ﻛل أﻣر ﻻ ﯾﺳﺗطﯾﻊ اﻹﻧﺳﺎن ﺗوﻗﻌﮫ ،ﻛﺎﻟظواھر اﻟطﺑﯾﯾﻌﯾﺔ ) اﻟﻔﯾﺿﺎﻧﺎت ،اﻟﺟﻔﺎف،
اﻟﻌواﺻف ،اﻟﺣراﺋق ،اﻟﺟراد (''
-36اﻟﺠﺮﯾﺪة اﻟﺮﺳﻤﯿﺔ ﻋﺪد 4800ﺑﺘﺎرﯾﺦ 2000/06/01اﻟﺼﻔﺤﺔ .1280
-37ﻋزت اﻟﺳﻧﺟﻘﻠﻲ ،ﻋﻘود اﻻﺳﺗﺷﺎرات اﻟﮭﻧدﺳﯾﺔ ،ﻣﻧﺷورات ﻣرﻛز اﻟﺑﺣوث اﻟﻘﺎﻧوﻧﯾﺔ ،اﻟﻌدد ،7ﺑﻐداد ،ص.109
oأن تجعل تنفيذ العقد مستحيال ) استحالة كلية ألنه في حالة االستحالة الجزئية يبقى المقاول ملزم
بتنفيذ األشغال في الجزء الذي لم تطرأ عليه اإلستحالة (.
ويمكن التنصيص في دفتر الشروط الخاصة للصفقة على بعض مسببات القوة القاهرة أنها إذا تجاوزت
الحد الطبيعي والعادي أنها تصبح بمثابة قوة قاهرة ,مثل أحوال الطقس والظواهر الطبيعية األخرى التي
يفترض أنها تمثل قوة قاهرة برسم الصفقة ,كالنص مثال على أن الجليد وسرعة الرياح والتيارات المائية
وسعة األمواج ال تعتبر من الحوادث التي تجعل تنفيذ العقد مستحيال إال إذا تجاوزت األحول العادية ,وهو
ما أكدته المحكمة اإلدارية بوجدة 38في معرض بتها في القضية حيث جاء فيها [...] '' :وإنه ما دام
المكتب المدعى عليه قد حدد سقف القوة القاهرة وبالخصوص سقف الصبيب في 400م 3حسب الرسالة
الموجهة إلى المدعية ـ شركة بويلدنيك المكلفة ببناء سد ـ بتاريخ 1996/12/03المرفقة بتقرير الخبرة
وبالتالي تكون حالة القوة القاهرة قائمة ,وتبعاً لذلك تكون المدعية محقة في التعويض عما لحقها من
خسائر جراء الفيضانات المذكورة طبقاً لمقتضيات البند 33من الصفقة''.
ب-نظرية الصعوبات المادية الغير متوقعة Théorie des Sujétions Imprévues :
قبل الخوض في متن هذه النظرية ,يجب التمييز بينها وبين نظرية القوة القاهرة التي تعتبر المصدر
التاريخي لها ,39حيث أن كال النظريتين لهما أوجه تشابه واختالف.
فمن حيث أوجه التشابه; أن الفعل المكون للقوة القاهرة يجب أن يكون أجنبياً عن إرادة المتعاقدين,
كما أن الصعوبات المادية يجب أن تكون مستقلة عن إرادة طرفي العقد واليد ألي منهما في احداثها
واَثارها .ويتشاركان كذلك في أن كالهما يصعب توقعهما ويمنح تعويض للمتضررين في العقد من
هاذين النظريتين.
ومن حيث أوجه االختالف; ذلك أن الفعل المكون للقوة القاهرة يمكن أن يكون من أي طبيعة
كانت ,طالما توافرت شروط القوة القاهرة ,أما الصعوبات المادية الغير متوقعة فيحب أن تكون طبيعة
مادية فقط.
فتحقق هذه النظرية رهين بمواجهة صاحب الصفقة لصعوبات مادية ,ذات طبيعة استثنائية خالصة,
وال يمكن توقعها بحال من األحوال عند إبرام الصفقة ) مثل ارتفاع كبير ألسعار المواد األولية التي
يستعملها صاحب الصفقة أثناء مدة تنفيذ العقد ( مما يؤدي معه إلى جعل التنفيذ مرهقاً ليصبح من حقه
المطالبة بتعويض كامل عما تسببه هذه الصعوبات من أضرار.
وتتجلى شروط تطبيق هذه النظرية في:40
§ تواجد صعوبات ذات طبيعة مادية – تقنية;
-38ﯾوﺳف اﻟﺑروﻧﻲ ،ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق ،ص .41:
-39ﻋﻠﻲ ﻣﺗﺣت ﻋﻠﻲ ﻋﺑد اﻟﻣوﻟﻰ ،ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق ،ص.15 :
-40ﯾوﺳف ﻟﺑروﻧﻲ ،ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق ،ص.39 :
§ غير متوقعة عند إبرام الصفقة;
§ ذات طابع استثنائي;
§ من غير عمل أحد طرفي الصفقة;
§ أن يترتب عن التنفيذ نفقات تتجاوز الثمن المتفق عليه;
وتترتب عن نظرية الصعوبات المادية الغير متوقعة بقاء التزامات صاحب الصفقة سارية المفعول ,وحق
صاحب الصفقة في الحصول على التعويض الكامل.
ونجد من تطبيقات القضاء المغربي لهذه النظرية كصعوبات تطرأ على تنفيذ عقود الصفقات العمومية ,ما
جاءت به إدارية الرباط ,41في قضية بين شركة زمران للبناء عرضت أنها تعاقدت مع مكتب التكوين المهني
وإنعاش الشغل في إطار صفقة رقم 99-98/137من أجل بناء داخلية معهد التكنولوجيا التطبيقية بتطوان,
وأنجزت األشغال المطلوبة ,رغم العراقيل المتمثلة في كون األرض تغرق في بحر المياه أثناء التساقطات
المطرية ,وفقاً لما تبث لدى المختبر العمومي للتجارب والدراسات خالل تقريره المؤرخ في
1998/02/15ملف 97-331-1-116-001ورغم علم المكتب بتلك الواقعة فلم يشر إليها في وثائق
الصفقة خالل عملية التعاقد ,مما أدى إلى تكبد المقاولة عدة خسائر وتكاليف لم تكن في الحسبان .وحيث
أن التقرير الجيوتقني يشير إلى أن كمية المياه تتراكم بين متر ومتر وعشرة سنتمترات على مستوى سطح
األرض ,مما يقضي اتخاد احتياطات إضافية قصد مواجهة هذه الواقعة ,ومنه قضت المحكمة اإلدارية
بالرباط أن تبوث صعوبات غير متوقعة أثناء تنفيذ الصفقة بما يؤدي إلى تضرر المتعاقد يقتضي إعادة التوازن
المالي بجبر األضرار غير المتوقعة وتعويض المقاولة عما تكبدت من خسائر .وعليه قضت المحكمة بأداء
مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل في شخص ممثله القانوني لفائدة المدعية مبلغ 1.165.440,00
دره كتعويض.
الفرع الثالث :نظرية اإلثراء بال سبب وامتناع اإلدارة عن إنهاء وثائق تنفيذ الصفقة
نظرية اإلثراء بال سبب وامتناع اإلدارة عن تقديم محضر نهاية أشغال الصفقة; كالمها
يفسران اختالالت من حيث تنفيذ الصفقات العمومية ,ليصبح المتعاقد مع هذه األخيرة في
وضعية المطالبة بالتعويض واإلنصاف من السلطة القضائية المختصة وهو ما يثير إشكاال
جوهراً في تنفيذ الصفقات العمومية في الشكل والظرفية السليمة.
-41ﺣﻛم اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ اﻹدارﯾﺔ ﺑﺎﻟرﺑﺎط ،ﻋدد ،1452ﺑﺗﺎرﯾﺦ ،2006/11/23ﻏﯾر ﻣﻧﺷور.
أ -نظرية اإلثراء بال سبب Théorie de l’Enrichissement sans Cause
ترجع أصول هذه النظرية إلى القانون الروماني حيث عرفت باسم ‘’ De In Rem
’‘ Versoأما تطبيق هذه النظرية في صيغتها الحديثة فكان في ستينيات القرن الماضي ,وذلك
42
في قرار مجلس الدولة الفرنسي في قضية وزير إعادة البناء واإلسكان وشركة جنوب الطيران.
وتمثل نظرية اإلثراء بال سبب إحدى النظريات المطبقة في قانون االلتزامات والعقود ولقد
تناولها المشرع في الفصول 76 ,75 ,67 ,66منه ,ويقصد بهذه النظرية; أنه إذا أثري
شخص نتيجة افتقار اَخر بغير وجود مبرر قانوني لهذا اإلثراء ,أن يلتزم بأن يدفع تعويضاً
يساوي أقل القيمتين :قيمة اإلثراء وقيمة اإلفتقار ,وهكذا يعتبر اإلثراء بال سبب مصدر من
43
مصادر االلتزام.
ولكن اإلشكال في مجال الصفقات العمومية واستعانة بقواعد القانون المدني وال سيما
الفصل 75من ق .ل .ع ,هو أن نظرية اإلثراء بال سبب في ظل قواعد القانون المدني
تقتضي أن ال يكون الطرف المفتقر قد ارتكب خطأ معيناً .والحال أن مقيم األشغال في مجال
الصفقات العمومية بعقد باطل أو بدون عقد يكون قد ساهم بخطئه في اإلشكال المطروح.
ففي قضية لمجلس الدولة الفرنسي ,ذهب إلى التعويض عن األشغال الباطلة في ظل
نظرية المسؤولية اإلدارية والخطأ المشترك لإلدارة ومنجز تلك األشغال لتغاضي اإلدارة عن
إبرام صفقة قانونية في ظل القواعد المنظمة لها وخطأ المقاول المتمثل في إنجاز األشغال
44
بدون صفة ,وقضى مجلس الدولة الفرنسي بتخفيض التعويض بسبب الخطأ المشترك.
صحيح أن مخالفة عقد الصفقة للقواعد المرسومة النعقاده والتي تهدف إلى ضمان
الشفافية وحرية المناسفة وفعالية نفقة المال العام ومراقبته ,يثير إشكاال قانونياً حول الجزاء
المترتب عن هذا اإلخالل; ولكن المؤكد هو أنه ال يمكن تعويض المتعاقد مع اإلدارة ,عن
تلك األشغال الباطلة المخالفة للقانون في إطار عقد الصفقة لبطالنها لمخالفة القواعد
المنظمة لها ,إذ ما يالحظ أن التعويض الممنوح على أساس نظرية اإلثراء بال سبب يعادل
فقط مبلغ اإلثراء الفعلي الذي حصل عليه المشتري دون الربح الذي ضاع منه ,ومن هنا ال
يعوض إال عن تكلفة األشغال.
42
- Catherine BERGEAL, Frédéric LENICIER, Le contentieux des marchés publics, le moniteur
édition, 2ème édition, 2004, P :160.
-43ﻣﺣﻣد ﻋزﻣﻲ اﻟﺑﻛري ،ﻓﻲ اﻟﻘﺎﻧون اﻟﻣدﻧﻲ ،ﻣﺣﻣود ﻟﻠﻧﺷر واﻟﺗوزﯾﻊ ،اﻟﻣﺟﻠد اﻟراﺑﻊ ،ص.335:
-44ﻣﺣﻣد اﻟﻘﺻري ،ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق ،ص.133
وقد ذهب القضاء اإلداري المغربي ,وهو يبث في هذا النوع من النوازل ,على إضفاء
حماية خاصة على المتعاقد مع اإلدارة إلى القول بأن عقد الصفقة وإن لم يضبط باتفاق
مكتوب فهو يأخذ أحكام الصفقة األصلية باعتبارها مرتبطة به ,45كما ذهب القضاء المغربي
دائماً إلى التأكيد أن وثائق ملف الصفقة كاألوامر بالخدمة الصادرة عن المهندس وتقارير
مكاتب الدراسات المكلفة بالمشروع وتقرير الخبرة ,تقوم مقام العقد الملحق وال يستحق
المقاول على إثرها إال الحق في التعويض عن األشغال دون الكسب الذي فاته وهو ما أكدته
محكمو االستئناف اإلدارية بالرباط في قرار لها '' ,حيث تقدمت اإلدارة ] [...بأن األشغال
خارج الصفقة وغير منصوص عليها ولم يتم بموجبها أي ملحق أو أمر بالخدمة ] [...وأن
موافقة المهندس المعماري عليها بقيمة األشغال غير مؤسس ] [...إال أن المحكمة كان لها
رأي اَخر حيث صرحت ] [...أنه بالرجوع إلى تقرير الخبرة المنجزة من طرف الخبير
المؤشر عليه بتاريخ 2006/03/10يتبين أنه عاين األشغال اإلضافية ,وأوضحها ,مما تعتبر
من األشغال الداخلية في مستلزمات األشغال األصلية باعتبارها ال تخرج عن إطار الصفقة
الرامية إلى بناء مكاتب فوق بناية مكونة أصال من طارق أرضي .مما تعتبر أشغال إضافية
لألشغال األصلية .وحيث من جهة ثانية يعتبر المستأنف عليه ـ المقاول ـ ملزم باحترام
التوجيهات المدلى بها من طرف المهندس المعماري ومكتب الدراسات التقنية ,كونهما
يعتبران المشرفات على إنجاز أشغال الصفقة ,وأن توقيعاتهم على أشغال إضافية من
مستلزمات األشغال يؤخذ به ويرتب االَثار القانونية على التزامات الطرفين في عقد الصفقة,
ومنه حكمت المحكمة استناداً لنظرية اإلثراء بال سبب ,بالتعويض للمقاول عن األشغال دون
الكسب واعتمدت في تبريرها على الخبرة المنجزة من طرف الخبير والتي أتثبت أن األشغال
اإلضافية مرتبطة باألشغال األصلية وكذلك على التوجيهات المدلى بها من طرف المهندس
المعماري ومكتب الدراسات التقنية''.
وفي نفس االتجاه ,ذهبت بعض المحاكم اإلدارية إلى اعتماد نظرية اإلثراء بال سبب في
تعويض المقاولة على األشغال اإلضافية غير المقررة بعقد ملحق مبرم طبقاً للقانون ,حيث
جاء في قرار محكمة االستئناف بالرباط '' ,46تأكيداً لما سبق ] [...فالمستأنَف يعتبر
مساهماً في خطأ إنجاز أشغال دون احترام للمقتضيات القانونية المنظمة لها ما دام قد قبل هذا
اإلنجاز حياداً على القانون ,المتمثل في احترام اإلجراءات السابقة له وهي إبرام عقد ملحق
-45ﺣﻛم اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ اﻹدارﯾﺔ ﺑوﺟدة ،ﺑﺗﺎرﯾﺦ ،2000/07/24ﻋدد ،69/00ﻣﻠف رﻗم .98/42
-46ﻗرار ﻣﺣﻛﻣﺔ اﻹﺳﺗﺋﻧﺎف اﻹدارﯾﺔ ﺑﺎﻟرﺑﺎط ﻋدد ،1291ﺑﺗﺎرﯾﺦ ،2009/05/27ﻏﯾر ﻣﻧﺷور.
خاص بها مما يترتب في حقه حزاء حرمانه من التعويض الناتج عن التأخير في األداء ,فيكون
السبب المعتمد في هذا الصدد غير جدير باالعتبار''
وفي نفس اإلتجاه ذهبت إدارية فاس ,47إلى اعتماد نظرية اإلثراء بال سبب في تعويض
المقاولة على األشغال اإلضافية الغير المقررة بعقد ملحق مبرم طبقا للقانون جاء فيه ما يلي:
حيث أن عدم توفر عقد الصفقة على أحد الشروط الجوهرية المنصوص عليها بموجب
مرسوم 2-98-482المؤرخ في 1998/12/30يجعله باطال وغير منتج ألي أثر قانوني ناتج
عن العقد وينأى بالتالي بمثل هذا العقد عن مجال العقود اإلدارية والمنازعة القضائية وفي
هذا اإلطار ومن تم يجرده من الضمانات التي يخولها للمتقاضي المرسوم المذكور بتحديد
شروط وأشكال إبرام صفقات الدولة .وحيث إن كان االَمر كذلك بالنسبة للعقود المبرمة بين
المتعاقدين والتي اختل أحد شروط انعقادها فاألولى واألحرى أن يكون من الحتمي استبعاد
المرسوم المذكور عند انعدام عنصر التعاقد من أساسه كما هو األمر في نازلة الحال
] [...ولكن اعتباراً لكون إنجاز األشغال ,ترتب عنها تحمل المدعي بنفقات أثبتتها الوثائق
المدلى بها وتقرير الخبرة وفي المقابل حققت جهة اإلدارة المنجزة لهذه األشغال لفائدتها
نفعاً ثابتاً ,واعتباراً لكون المدعي لم يكن ليقوم بإنجاز تلك األشغال إال بموافقة جهة اإلدارة
وتحت إشراف موظفيها فإن مثل هذه الوضعية تشكل إثراء لهذه اإلدارة على حساب المدعي
بما أنفقه في إنجاز تلك األشغال .وقضت في إطار مبدأ اإلثراء بال سبب على حساب الغير
إال برد قيمة تكلفة األشغال والخدمات المنجزة مجردة عن أي ربح أو أي تعويض''.
ونستنتج من مختلف ما تم تداوله في متن هذا الجزأ – أ – من هذا الفرع ,إلى أن نظرية
اإلثراء بال سبب ,ضمانة يخولها القضاء للمتعاقد مع اإلدارة في إطار عقود الصفقات
العمومية للحفاظ على ذمته المالية وما أنفقه من أشغال إضافية على ما تم تسطيره داخل عقد
الصفقة ,في شريطة موافقة اإلدارة أو الجهة المخول لها اإلشراف على المشروع سواء من
خالل تأشير أو عقد ملحق لعقد الصفقة ,إال أن التعويض ـ كما أرسى على ذلك مجلس
الدولة الفرنسي من جهة أو القضاء المغربي من جهة أخرى وكذا بعض التجارب المقارنة
كمصر واألردن ـ يشمل فقط التعويض عن ثمن األشغال المنجزة دون أي ربح ناتج عن هذه
األخيرة.
-47ﺣﻛم اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ اﻹدارﯾﺔ ﺑﻔﺎس ،ﻣﻠف ﻋدد 20/00ﺗﺣت ﻋدد 239ﺑﺗﺎرﯾﺦ .2002/04/30
ب -امتناع اإلدارة عن تسليم محضر نهاية الصفقة.
إذا كان دفتر الشروط اإلدارية العامة قد حدد مسطرة إجراء عملية االستالم النهائي ,48فإنه لم
يحدد األحكام الواجب إعمالها لفض الخالفات التي قد تنشأ بين المقاولة واإلدارة بمناسبة
إجراء هذه العملية ,لذلك قد تمتنع اإلدارة عن القيام بإجراء التسليم النهائي بدعوى عدم امتثال
المقاولة ألمر اإلدارة بإصالح بعض العيوب التي تظهر خالل فترة الضمان أو بسبب عدم توافق
اإلدارة والمقاولة على حصر الكشف الحسابي النهائي أو لالختالف حول كميات األشغال
ونوعها ومدتها.
وكما هو معلوم فإن عدم حصر عملية االستالم النهائي يبقى بعض التزامات المقاولة سارية
وحائال دون استرداد الضمانات التي بذمتها في إطار عقد الصفقة كالضمانة النهائية وهو يرهق
كاهلها بالفوائد.
وباستقراء االجتهاد القضائي ,نجد القضاء المغربي غالباً ما يقف عند بحث السبب الكامن
وراء االمتناع عن توقيع محضر االستالم النهائي ,فإن وجَدَه جدياً فإنه ال يتردد في اإلعالن عن
وقوع عملية االستالم النهائي.
وقد جاء في حكم إدارية فاس'' ,49حيث أنه في غياب إنجاز محضر التسليم النهائي لوجود
نزاع بين الطرفين ,ومادام أن المدعية أنجزت األشغال المتعلقة ببناء إعدادية ابن رشد تحت
إشراف وتتبع الجهة المدعى عليها وأن هذه األشغال قد تم تسليمها بدون تحفظ واعتراض,
وانطلقت الدراسة في اإلعدادية بعد تدشينها;
وحيث أن تمسك المدعى عليها بكون المدعية الزالت لم تحصل بعد على محضر االستالم
النهائي يتعارض مع تحقق هذه الواقعة حكماً بعد مرور أجل السنة عن إبرام محضر التسليم
المؤقت''.
ويؤكد هذا االتجاه قرار الغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى 50سابقاً محكمة النقض حالياً جاء
فيه '' :لكن حيث أن واقعة إعمار الشقق موضوع الصفقة بالرغم من كونها تعتبر رائدة لقيام
موجبات التسليم النهائي فإنها قرينة على إنجاز األشغال من طرف المقاولة وبالتالي تقوم معها
إلزامية التسليم النهائي من طرف اإلدارة الذي ال يمكن أن يظل معلقاً على أي وقت تختاره
اإلدارة بحجة عدم قيام المقاولة ببعض اإلصالحات التي يطلبها االَمر ,وهي تملك صالحية
القيام بها بواسطة الغير على نفقة المقاولة إن وجدت ,والحال أنه تم مرور أربع سنوات بين
-48اﻟﻣﺎدة 76ﻣن ﻣرﺳوم رﻗم 2.14.394اﻟﺻﺎدر ﻓﻲ 6ﺷﻌﺑﺎن 13 ) 1437ﻣﺎي ( 2016ﺑﺎﻟﻣﺻﺎدﻗﺔ ﻋﻠﻰ دﻓﺗر
اﻟﺷروط اﻹدارﯾﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﻣطﺎﺑﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﺻﻔﻘﺎت اﻷﺷﻐﺎل ،اﻟﺟرﯾدة اﻟرﺳﻣﯾﺔ ﻋدد ،6470اﻟﺻﺎدرة ﺑﺗﺎرﯾﺦ ) 2ﯾوﻧﯾو 2016
( ،ص.4111:
-49ﺣﻛم اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ اﻹدارﯾﺔ ﺑﻔﺎس ،ﺗﺣت ﻋدد ،459ﺑﺗﺎرﯾﺦ .2006/07/04
-50ﻗرار اﻟﻐرﻓﺔ اﻹدارﯾﺔ ﺑﺎﻟﻣﺟﻠس اﻷﻋﻠﻰ ،ﻋدد 26ﺑﺗﺎرﯾﺦ .2005/01/12
تاريخ التسليم المؤقت وتاريخ الدعوى وأن قواعد العدالة توجب تقييد كل التزام في مدد معقولة
وفقا للسير العادي لألمور وطبيعة العمل ذاته''.
51
وقد قضى هذا القرار بتأييد حكم إدارية مكناس ,الذي قضى على اإلدارة بالقيام بعملية
التسليم النهائي ألشغال الصفقة بعد تسجيل امتناعها عن إنجاز محضر التسليم النهائي ,وأن
ذلك يشكل حماية قضائية للمتعاقد مع اإلدارة.
المطلب الثاني :اإلثبات اإلداري وإشكالية القيام بأشغال خارج القواعد القانونية المنظمة
للصفقات العمومية
سنعالج في هذا المطلب بعض اإلشكاالت العملية في مجال تنفيذ الصفقات العمومية;
ومن بين هذه اإلشكاالت:
إلثبات اإلداري وإشكالية القيام بأشغال خارج القواعد القانونية المنظمة للصفقات
العمومية )الفرع األول(; إضافة إلى ضعف التكوين القانون لآلمرون بالصرف والمحاسبون
العموميون وغياب التنسيق بينهما )الفرع الثاني(.
الفرع األول :اإلثبات اإلداري وإشكالية القيام بأشغال خارج القواعد القانونية المنظمة
للصفقات العمومية
خصوصية االثبات في المادة اإلدارية
إن قواعد اإلثبات اإلداري ,تصاغ على أساس ظروف القانون اإلداري ,و طبيعة الدعوى
اإلدارية التي تتعلق بروابط إدارية تنشأ بين اإلدارة -كسلطة عامة -تقوم بوظيفتها اإلدارية
للصالح العام و بين األفراد ,وهذا ما أدى إلى خلق ظاهرة انعدام التوازن العادل بين الطرفين
من جهة اإلثبات ,مما يجعل اإلثبات في المنازعات اإلدارية أهمية خاصة ,و يجعل الحاجة
ملحة لتدخل القاضي اإلداري في حماية الحقوق و الحريات من خالل دوره اإليجابي في
اثبات الدعوى اإلداري.52
إن الهدف من تدخل القضاء اإلداري في إثبات الدعوى اإلدارية ,يعود للطبيعة الخاصة
لهذه الدعوى ,والتي يختل فيها التوازن بين أطرافها الغير المتكافئين ,هما جهة اإلدارة
بوصفها سلطة عامة تتمتع بامتيازات مهمة أهمها :امتياز قرينة سالمة القرارات اإلدارية
-51ﺣﻛم إدارﯾﺔ ﻣﻛﻧﺎس ﺑﺗﺎرﯾﺦ ،2001/02/01ﺑﺎﻟﻣﻠف ﻋدد .2000/1/4/627
-52ذة .ﻧﺎدﯾﺔ اﺣﺪﯾﺪو " ،ﺧﺼﻮﺻﯿﺔ اﻹﺛﺒﺎت ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎزﻋﺎت اﻹدارﯾﺔ – دراﺳﺔ ﻣﻘﺎرﻧﺔ " ،ﻣﺠﻠﺔ اﻟﻤﺤﺎﻛﻢ اﻹدارﯾﺔ " اﻟﻘﺎﺿﻲ
اﻹداري ﺑﯿﻦ ﺣﻤﺎﯾﺔ اﻟﺤﻘﻮق واﻟﺤﺮﯾﺎت وﺗﻘﯿﻖ اﻟﻤﺼﻠﺤﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ " ،أﺷﻐﺎل ﻧﺪوة ﻋﻠﻤﯿﺔ ﻣﻨﻈﻤﺔ ﺑﺸﺮاﻛﺔ ﺑﯿﻦ وزارة اﻟﻌﺪل
واﻟﺤﺮﯾﺎت ﯾﻮﻣﻲ 6و 7ﯾﻨﺎﯾﺮ 2017ﺑﺎﻟﺮﺑﺎط وﺟﻤﻌﯿﺔ ھﯿﺌﺎت اﻟﻤﺤﺎﻣﯿﻦ ﺑﺎﻟﻤﻐﺮب ،اﻟﻌﺪد اﻟﺨﺎﻣﺲ ،إﺻﺪار ﺧﺎص ،ﯾﻨﺎﯾﺮ،2017
ص.112 :
وامتياز التنفيذ المباشر باإلضافة إلى حيازة األوراق والوثائق اإلدارية وامتياز المبادرة .والفرد
المتضرر من عمل اإلدارة والخالي من أي امتياز أو أدلة ,وبالتالي تنشأ مشكلة عدم تحقيق
التوازن بين أطراف الدعوى اإلدارية.
تعتبر الدعوى اإلدارية دعوى موضوعية ,وبتبني القاضي اإلداري مذهب اإلثبات الحر,
الذي يتطلب توافر أنماط فكرية خاصة لدى القاضي اإلداري تمكنه من بسط سلطته الرقابية
القوية على القضايا المعروضة عليه حتى يستطيع الفصل فيها ليحقق العدالة ويحمي الحقوق
الخاصة من اعتداء اإلدارة عليها ,ومن ثمة فهو يتمتع إزاء الدعوى اإلدارية بسلطات كبيرة
تساعده على تكوين اقتناعه والتثبت من تحقيق االدعاء ,مما يحقق معه نقطة التوازن بين
األطراف عن طريق الحفاظ على المصالح العامة وحماية المصالح الخاصة.53
ال شك أن تطبيق األصل العام في اإلثبات أمام القضاء اإلداري "البينة على المدعي" تؤدي
إلى وقوف المدعي الفرد في الموقف الصعب في حين تقف اإلدارة في موقف المدعى عليه
في الدعوى اإلدارية وهو مركز أيسر وأفضل من ناحية عبئ اإلثبات في الدعوى ,وبالتالي
تنتج آثارا فيما يتعلق بنظرية االثبات أمام القضاء اإلداري.
وهذه القاعدة متفق عليها في المغرب ومصر وفرنسا على السواء ,ومع التسليم بها فإن
القضاء اإلداري يتساهل في تخفيف عبئ اإلثبات على األفراد ,تشجيعا لهم في السهر على
حماية مبدأ سيادة القانون وتقديرا لوضعهم كطرف ضعيف يلقى على عاتقه دائما عبئ
اإلثبات.
وترتيبا على ذلك ,وبموجب الدور اإليجابي والتدخلي المخول للقاضي اإلداري فيما
يتعلق بعبئ االثبات في الدعوى اإلدارية ,الذي ال يقف مكتوف األيدي ويدع الخصومة
يحركها األطراف كما يشاؤون و إنما له شيء من الحرية في تحريك الدعوى و توجيه
الخصومة ,حتى ال يترك كشف الحقيقة رهينا بمبارزة الخصوم وحدهم ,وهذا هو الموقف
اإليجابي للقاضي اإلداري في تسيير الدعوى اإلدارية ,و الذي يجعله يلزم اإلدارة بتقديم ما
تحت يدها من أوراق و مستندات حاسمة في الدعوى ,تخفيفا من عبئ اإلثبات الملقى على
كاهل المدعي وإذا ما نكلت جهة اإلدارة عن تقديمها رغم طلب المحكمة ,يترتب على ذلك
قيام قرينة لصالح المدعي تلقي بعبء اإلثبات على عاتق اإلدارة ,وهنا ينشط دور القاضي
اإلداري في تحقيق التوازن ,العادل بين أطراف الدعوى اإلدارية ,ألن اإلثبات في هاته
المنازعات يتم عن طريق التحقيق في الدعوى ,54وبواسطته يكون للقاضي اإلداري اقتناع
-53ﻧﻔس اﻟﻣرﺟﻊ ،ص.113 :
-54ﻣﺛﻼ ،وﻓﻲ ﻓرﻧﺳﺎ وﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻣﺟﺎل اﻟﻣﺳؤوﻟﯾﺔ اﻹدارﯾﺔ ﻓﺎﻹدارة ﻻ ﺗﺳﺗطﯾﻊ اﻟﺗﺧﻠص ﻣن اﻟﻣﺳؤوﻟﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺛﺑت ﻓﻲ
ﺣﻘﮭﺎ ﻧﺗﯾﺟﺔ اﻧﺗﻘﺎل ﻋﺑﺊ اﻹﺛﺑﺎت ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺗﻘﮭﺎ ،إﻻ ﺑﺈﺛﺑﺎت ﺧطﺄ اﻟﻣﺿرور أو اﻟﻘوة اﻟﻘﺎھرة ﻓﻲ ﺣﯾن أﻧﮫ ﯾﻣﻛن ﻟﻺدارة اﻟﺗﺣﻠل
في إيجاد الحل المناسب في النزاع ,عكس الدعاوى المدنية ,فإقامة الدليل هي قائمة على
مبدأ حياد القاضي ,بينما في الدعاوى اإلدارية هو صاحب المبادرة في إقامة الدليل ال يخضع
إلرادة الخصوم و له أن يأمر أو يقوم بأي إجراء من تلقاء نفسه ,وهذا نظرا للصفة التحقيقية
إلجراءات أمام القضاء اإلداري.55
إشكالية انجاز االشغال خارج الضوابط القانونية المؤطرة للصفقات العمومية
من خالل هذه التوطئة ,جاز لنا طرح التساؤل التالي لسبر أغوار هذا المطلب ,دور
القاضي اإلداري في تكييف األشغال التي تنجز خارج الضوابط القانونية المؤطرة للصفقات
العمومية?
بالرغم من أن المشرع تدخل لتنظيم الصفقات العمومية بشكل دقيق على مستوى القانوني
والتنظيمي فالواقع العملي يكشف أن اإلدارات والمقاوالت الزالت تدخل في عالقات
تعاقدية غير قانونية غالبا ما تتعذر تصفيتها بالطرق العادية مما يدفع المقاولة إلى طرح النزاع
على القضاء بقصد استصدار سند تنفيذي يضفي الشرعية على تلك العالقة ويمكنها من
الحصول على ما تعتبره مستحقاتها.
وفي هذا الصدد ,إذا كانت القاعدة العامة في اإلثبات هي أن اثبات االلتزام على مدعية
وفق ما نص عليه الفصل 391من ق.ل.ع فال شك أن المقاول هو المطالب بإثبات ادعائه,
ﻣن اﻟﻣﺳؤوﻟﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻘوم ﻋﻠﻰ أﺳﺎس اﻟﺧطﺄ ﺑﺈﺛﺑﺎت ﻓﻌل اﻟﻐﯾر أو اﻟﻌﻣل اﻟﻔﺟﺎﺋﻲ إذ ﯾﻌﺗﺑر ﻓﻲ ھذه اﻟﺣﺎﻟﺔ ﺳﺑﺑﺎ ﻹﻋﻔﺎﺋﮭﺎ ﻣن
اﻟﻣﺳؤوﻟﯾﺔ ﺑﺟﺎﻧب ﺧطﺄ اﻟﻣﺿرور واﻟﻘوة اﻟﻘﺎھرة.
وﻛذا ﻣﺧﺗﻠف اﻟﻣﺣﺎﻛم اﻹدارﯾﺔ ﺑﺎﻟﻣﻐرب ،أﺧذت ﺑﻧﻔس اﻟﻣﺑدأ وﻧورد ﻛﻣﺛﺎل ﻋﻠﻰ ذﻟك :ﺣﻛم اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ اﻹدارﯾﺔ ﺑوﺟدة 36
اﻟﺻﺎدر ﺑﺗﺎرﯾﺦ 15 /02 2005 /و اﻟذي ﻧﻘل ﻋﺑﺊ اﻹﺛﺑﺎت إﻟﻰ ﻋﺎﺗق اﻹدارة اﻟﻣدﻋﻰ ﻋﻠﯾﮭﺎ إﺣﻘﺎﻗﺎ ﻟﻠﻌداﻟﺔ وﻗد ﺟﺎء ﻓﯾﮫ" :
ﺣﯾث أﻧﮫ ﻓﯾﻣﺎ ﯾﺧص ﺗﺣﻣﯾل اﻟﻣﻛﺗب ﻣﺳؤوﻟﯾﺔ وﻗوع اﻟﺣﺎدث إﻟﻰ اﻟﮭﻠﻛﺔ ﻟﻌدم ﺗﺑﺻرھﺎ وﺗﮭورھﺎ ﻋﻧد ذھﺎﺑﮭﺎ إﻟﻰ اﻟﺣﻔرة
ﻗﺻد ﻏﺳل ﯾدﯾﮭﺎ ،ﻓﺈن اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ ﺑﻌد ﺗﻔﺣﺻﮭﺎ ﻟﮭذا اﻟدﻓﻊ و اطﻼﻋﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ ﻣﺣﺿر اﻟﺿﺎﺑطﺔ اﻟﻘﺿﺎﺋﯾﺔ اﻟﻣﺷﺎر
إﻟﻰ ﻣراﺟﻌﮫ أﻋﻼه ﺗﺑﯾن ﻟﮭﺎ أن اﻟﺣﻔرة اﻟﺗﻲ وﻗﻌت ﺑﮭﺎ اﻟﺣﺎدﺛﺔ ﻛﺎﻧت ﺗﺷﻛل ﺧطرا ﻋﻠﻰ ﺳﺎﻛﻧﺔ اﻟﻣﻧطﻘﺔ ﺧﺎﺻﺔ اﻟﺗﻼﻣﯾذ
ﺑﺣﯾث أن اﻟﺣﻔرة اﻟﻣذﻛورة ﺛم إﺣداﺛﮭﺎ ﺑﺎﻟﻘرب ﻣن اﻟﻣدرﺳﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻘﻊ ﺑﻣﻧطﻘﺔ ﻧﺎﺋﯾﺔ ،و ﺗم ﺗرﻛﮭﺎ ﺑدون إﺷﺎرات أو ﻋﻼﻣﺎت
ﺗوﺿﺢ ﺧطورة اﻟﻣﻛﺎن ،وأن إدﻋﺎء اﻟﻣﻛﺗب ﺑﻛوﻧﮫ ﻗد ﻗﺎم ﺑﺟﻣﯾﻊ اﻻﺣﺗﯾﺎطﺎت اﻻزﻣﺔ إﻻ أن اﻟﺳﻛﺎن اﻟﻣﺟﺎورﯾن ﻛﺎﻧوا
ﯾزﯾﻠون اﻟﺳﯾﺎﺟﺎت اﻟﻣوﺿوﻋﺔ ﻗﺻد اﻟﺗزود ﺑﺎﻟﻣﺎء ھو ﻗرﯾﻧﺔ ﻋﻠﻰ أﻧﮫ ﻛﺎن ﻋﻠﻰ ﻋﻠم ﺑﻣﺎ ﯾﻘوم ﺑﮫ اﻟﺳﻛﺎن ،و ﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ ﻛﺎن
ﻋﻠﯾﮫ أﺧد ا:ﺣﺗﯾﺎطﺎت اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﺗدارك اﻟوﺿﻊ واﻟﻌﻣل ﻋﻠﻰ إﻧﮭﺎء أﺷﻐﺎﻟﮫ ﺑﺎﻟورش اﻟﻣﺣدﺛﺔ ﺑﮫ اﻟﺣﻔرة أو وﺿﻊ ﺣﺎرس ﻗﺻد
ﺗﻔﺎدي اﻷﺧطﺎر اﻟﺗﻲ ﺗﺷﻛﻠﮭﺎ ،ذﻟك أن وﻗوع اﻟﺣﺎدﺛﺔ اﻟﺗﻲ أدت إﻟﻰ ھﺎﻟك ﻣورﺛﺔ اﻟﻣدﻋﯾن ،ﺗﺷﻛل ﻗرﯾﻧﺔ أﺧرى ﺗؤﻛد أن
اﻟﻣﻛﺗب اﻟﻣدﻋﻰ ﻋﻠﯾﮫ ﻟم ﯾﺗﺧذ إﺣﺗﯾﺎطﺎﺗﮫ و ﺧﺎﺻﺔ أن اﻟﮭﺎﻟﻛﺔ ﻻ ﯾﺗﺟﺎوز ﺳﻧﮭﺎ 11ﺳﻧﺔ و أن اﻟﺣﻔرة اﻟﻣﺎﺋﯾﺔ ﯾﺻل ﻋﻣﻘﮭﺎ
إﻟﻰ ﻣﺗرﯾن وﻧﺻف و ﺗوﺟد ﺑﺎﻟﻘرب ﻣن اﻟﻣدرﺳﺔ ﺣﺳب اﻟﺛﺎﺑت ﻣن ﻣﺣﺿر اﻟﺿﺎﺑطﺔ اﻟﻣذﻛور ،ﻣﻣﺎ ﯾﻛون ﻣﻌﮫ اﻟدﻓﻊ اﻟﻣﺛﺎر
ﻓﻲ ھذا اﻟﺻدد ﻏﯾر ﻣﺑﻧﻲ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس و ﯾﺗﻌﯾن إﺳﺗﺑﻌﺎده.
ﻣﺳؤوﻟﯾﺔ اﻟﻣﻛﺗب اﻟوطﻧﻲ ﻟﻠﻛﮭرﺑﺎء ﺗﻘوم ﻋﻠﻰ ﺧطﺄ ﻣﻔﺗرض ﺑﺻﻔﺗﮫ ﺣﺎرﺳﺎ ﻟﻠﺷﻲء -اﻟﺣﻔر -و أﻧﮫ ﻟﺗﻔﻧﯾد ھذه اﻟﻣﺳؤوﻟﯾﺔ
ﯾﺟب ﻋﻠﯾﮫ أن ﯾﺑﯾن أﻧﮫ ﻗﺎم ﺑﺟﻣﯾﻊ اﻻﺣﺗﯾﺎطﺎت اﻟﻼزﻣﺔ وھو ﻣﺎ ﺗدﺣﺿﮫ اﻟﻘراﺋن و اﻟﻣﻌطﯾﺎت اﻟﻣﺷﺎر إﻟﯾﮭﺎ أﻋﻼه ،و أن
اﻟﺣﺎدث ﻗد وﻗﻊ ﺑﺷﻛل ﻓﺟﺎﺋﻲ أو ﺑﻘوة ﻗﺎھرة وأﻧﮫ ﻓﻲ ﻧﺎزﻟﺔ اﻟﺣﺎل ﻻ ﯾوﺟد أي دﻟﯾل ﯾﻔﯾد ﻗﯾﺎﻣﮫ ﺑﺈﺛﺑﺎت ذﻟك وھو ﻣﺎ ﯾﻛون
ﻣﻌﮫ اﻟدﻓﻊ اﻟﻣذﻛور ﻛذﻟك ﻏﯾر ﻣﺑﻧﻲ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس ﺳﻠﯾم و ﯾﺗﻌﯾن إﺳﺗﺑﻌﺎده – وﺣﯾث أﻧﮫ ﺑﺈﺳﺗﺑﻌﺎد ھذﯾن اﻟدﻓﻌﯾن ﺗﻛون
ﻣﺳؤوﻟﯾﺔ اﻟﻣﻛﺗب ﻋن اﻟﺣﺎدث ﺛﺎﺑﺗﺔ وﯾﻛون ﻣﺑدأ اﻟﻣطﺎﻟﺑﺔ ﺑﺎﻟﺗﻌوﯾض ﻋن اﻷﺿرار اﻟﺣﺎﺻﻠﺔ ﻟﻠﻣدﻋﯾن ﻣؤﺳﺳﺔ".
-55ذة .ﻧﺎدﯾﺔ اﺣدﯾدو " ،ﺧﺻوﺻﯾﺔ اﻹﺛﺑﺎت ﻓﻲ اﻟﻣﻧﺎزﻋﺎت اﻹدارﯾﺔ – دراﺳﺔ ﻣﻘﺎرﻧﺔ " ،ﻣﺟﻠﺔ اﻟﻣﺣﺎﻛم اﻹدارﯾﺔ " اﻟﻘﺎﺿﻲ
اﻹداري ﺑﯾن ﺣﻣﺎﯾﺔ اﻟﺣﻘوق واﻟﺣرﯾﺎت وﺗﻘﯾق اﻟﻣﺻﻠﺣﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ " ،ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق ص.117 :
وبالتالي إثبات قيام العالقة التي يدعي أنها تربطه باإلدارة فما سبيله إلى ذلك .أو بعبارة أخرى
هل يتم هذا استنادا لمبدأ حرية اإلثبات أم بمبدأ اإلثبات المقيد?
باستقراء مختلف األحكام والقرارات الصادرة عن القضاء المغربي في هذا الشأن ,نجد أن
العمل القضائي عمد إلى األخذ بحرية اإلثبات حيث يجيز للمدعي إثبات ما يدعيه بكافة
وسائل اإلثبات و ال يلزمه سوى بإثبات كونه أنجز العمل الذي يطالب بمقابله وكان أهم ما
يتم االرتكاز عليه في هذا الصدد السندات والوثائق التي تفيد استالم اإلدارة ألعمال موضع
النزاع ـ وحتى ولو لم تكن مصحوبة بأية حجة تفيد طلب اإلدارة لتلك األعمال ـ وكذا
المراسالت التي يتم تتبادلها بين اإلدارة والمعني باألمر ,فإذا تضمنت تلك الوثائق ما يفيد
انجاز المدعي لألشغال أو توريده للمعدات أو أدائه للخدمة قضت المحكمة بقيام العالقة
التعاقدية ومن تم بأحقية المدعي في الحصول على مستحقاته ,بل أنه في بعض األحيان التي
يتعذر فيها على المتعاقد اإلدالء حتى بهذا النوع من اإلثباتات فإن المحكمة تأمر بإجراء خبرة
للتأكد من الوجود المادي لألشغال أو أداء الخدمة ومتى أكد الخبير ذلك قضت بقيام العقد
ورتبت أثاره.56
بغض النظر عن أهمية اإلثبات الذي تطرقنا إليه ,وما يميز االثبات في المادة اإلدارية عن
االثبات طبقا للقواعد العامة .فال شك ان اثبات المقاول انجازه األعمال لفائدة اإلدارة غير
كاف للقول بقيام عالقة تعاقدية بينهما يتعين ترتيب أثارها ,وإنما البد من إثبات أن العقد
المنشئ لتلك العالقة صحيح وغير مشوب بـأي عيب يمكن أن يؤثر في سالمته ,إذن ,فما
هي إذا شروط سالمة عقد الصفقة وكيف تعامل معها القضاء المغربي?
إن الصفقة باعتبارها عقدا بالدرجة األولى ,تقوم على األركان التي تقوم عليها جميع
العقود وهي الرضا ,المحل والسبب باإلضافة إلى ركن آخر يميز الصفقات العمومية
باعتبارها عقود شكلية هو شرط الكتابة ,باإلضافة إلى مجموعة من الشروط الخاصة التي
يستلزم المشرع ضرورة استماعاها تحت طائلة بطالن عقـد الصفقة ,وهي شروط تهم جميع
المراحل التي يقطعها ابرام عقد الصفقة ابتداء من التهيئ له واإلعداد إلبرامه إلى حين
المصادقة عليها مرورا طبعا بمرحلة ابرامه.
إن السؤال الممكن طرحه بشأن هذه النقطة هو ذلك المتعلق بما إذا كان عقد الصفقة عقدا
شكليا
تعتبر الكتابة فيه ركن انعقاد يترتب عن تخلفه بطالن العقد أم أنه عقد رضائي يكفي لقيامه
توافق
-56ذ.ﻣﺣﻣد أﯾت ﺣﺳو " ،اﻹﺷﻛﺎﻟﯾﺎت اﻟﻘﺎﻧوﻧﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗطرﺣﮭﺎ اﻟﺻﻔﻘﺎت اﻟﻣﺑرﻣﺔ ﺧﺎرج اﻟﺿواﺑط اﻟﻘﺎﻧوﻧﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﺿوء
اﻻﺟﺗﮭﺎد اﻟﻘﺿﺎﺋﻲ اﻹداري" ،ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق ،ص.142 :
إرادة المقاول مع إرادة اإلدارة?
بالرجوع إلى مرسوم 20مارس 2013يمكن أن نجزم بأن المشرع المغربي قد عمد إلى
جعل الصفقة العمومية عقدا شكليا ذلك أنه وبعد أن عرف الصفقة في المادة 4في بندها
13بكونها " عقد بعوض يبرم بين صاحب مشروع من جهة وشخص طبيعي أو معنوي من جهة
أخرى يدعي مقاول أو مورد أو خدماتي ,ويهدف إلى تنفيذ أشغال أو تسليم توريدات أو
القيام بخدمات".
وفق التعريفات الواردة بعده فإنه حرص على تحديد شكل هذه العقود وإفراد لذلك مادة
مستقلة هي المادة 13التي نصت صراحة في البند " ألف" على مايلي:
"الصفقات عقود مكتوبة تتضمن دفاتر تحمالت تحدد الشروط التي يتم بموجبها تنفيذ
الصفقات ,وتتألف دفاتر التحمالت من دفاتر الشروط اإلدارية العامة ودفاتر الشروط
المشتركة ودفاتر الشروط الخاصة" .
وحيث باستقراء البند " باء " من المادة المشار إليها نجد أن المشرع لم يكتف فقط بتحديد
شكل الصفقات العمومية وإنما حرص كذلك على تعداد البيانات التي يجب تضمينها في تلك
العقود مما يفيد أنها عقود شكلية.
إن المشرع المغربي جعل من الصفقة العمومية عقدا شكليا ,فإن مؤدى ذلك أن تخلف
الكتابة يعدم الرابطة التعاقدية ويجعلها والعـدم سواء ,ومن تم ال يمكن مساءلة اإلدارة بناء
على ما يترتـــــب عنهــــــــا علـــــى أســـاس المسؤولية العقدية كما ال يمكن إثبات عالقة
تعاقدية بشأن صفقة عمومية إال عن طريق اإلدالء بعقد مكتوب يحدد التزام كال طرفي الرابطة
العقدية.
وبعد استقراء العمل واالجتهاد القضائي في هذا الشأن ,يتضح لنا بجالء ,أنا محكمة
النقض أصبحت تتشدد فيما يتعلق بضرورة استجماع عقد الصفقة لجميع شروطه الشكلية
والجوهرية حتى يمكن أن يرتب اثاره وأن إخالل أي شرط من تلك الشروط يرتب بالضرورة
بطالن ذلك العقد.
وهذا ما أكدته من خالل قرارها عدد 1228الصادر بتاريخ / 2004 12/ 15في الملف
اإلداري عدد 2004 -377 -4-1-الوكيل القضائي ضد شركة درا الصحافة وقد جاء فيه
كذلك" :حيث يعيب الطرف المستأنف على الحكم المستأنف فساد التعليل ذلك أن سندات
الطلب ووصوالت التسليم المدلى بها إلثبات الدين ال تتضمن أية إشارة تبين صفة الموقع
عليها فالدين المترتب عن صفقة عمومية ال يكون مشروعا إال إذا كانت الصفقة في حد ذاتها
قانونية ومستوفية لجميع الشروط الشكلية والجوهرية وفق القوانين والضوابط المعمول بها
في إطار الصفقات العمومية.
حيث إنه بالرجوع إلى سندات الطلب ووصوالت التسليم المعتمد من طرف المحكمة
كأساس للحكم المطعون فيه ومنها ما هي مجرد نسخ يتبين أنها ال تبين الصالحية المخول
لموقعها هل هو اآلمر بالصرف أو يتوفر على تفويض قانوني من طرف االمر بالصرف
واقتصرت المحكمة في تعليلها على ما أورته الخبرة بشأن سندات سابقة ليست موضوع
المطالبة الحالية للقول بأن سندات الطلب الحالية صادرة عن األمر بالصرف والي جهة فاس
بولمان فلم تجعل لما قضت به أساسا من القانون على" .
إذن ,فما هي أثار هذا البطالن على تحديد حقوق المتعاقد مع اإلدارة?
إذا كان أهم جزاء يترتب على تقرير بطالن العقد اإلداري هو اعدام اثاره بحيث ال يمكن
أن يلزم بذاته الطرفين المتعاقدين فإن مؤدى ذلك أنه ال يمكن البت في النزاع الناشئ عن ذلك
العقد الباطل على أساس مبادئ المسؤولية العقدية ,وهو األمر الذي تترتب عليه نتائج في
فيما يلي: غاية األهمية يمكن ان تجمل أهمها
أنه ال يمكن مواجهة اإلدارة ببنود العقد الباطل وال يمكن إلزامها بتنفيذ ما يرتبه عليها من
التزامات ومن تم ال يجوز إلزامها بأداء ثمن األشغال أو األدوات الموردة لفائدتها.
ال يمكن تطبيق القواعد المتعلقة بالصفقات العمومية باعتبار أنه ال يمكن تطبيقها إال على
العقود الصحيحة.
ال يمكن الحكم بقيام مسؤولية أي من الطرفين عن الضرر الذي قد يحصل للطرف ,عن
األضرار بسبب امتناعه عن تنفيذ ,وال يمكن إلزامه مادام العقد المنشئ لهذا االلتزام باطل
وبالتالي فال يجوز إلزام اإلدارة بأداء أي تعويض عن الضرر الذي قد يحصل للمتعاقد معها
نتيجة امتناعها عن األداء وال الحكم ضدها بفوائد التأخير عن األداء المنصوص عليها في
قانونا الصفقات العمومية.
إن القضاء المغربي ,لم يكن يرتب هذه اآلثار ,ولكن هل يعني بطالن العقد وبالتالي
العالقة التعاقدية
إنكار حق المتعامل مع اإلدارة في الحصول على مقابل ما انجزه من عمل?
درج القضاء الفرنسي ,على أن انعدام الرابطة العقدية ال يعني حرمان الفرد من التعويض
في بعض الحاالت ,وأقر حقه بالرجوع على اإلدارة بذلك التعويض لكن ليس على اساس
المسؤولية العقدية وانما على أحد األساسين التاليين:
المسؤولية التقصيرية ويشترط فيها تحقق جميع أركانها;
اإلثراء بال سبب ,57وقد اشترط لجواز الحكم بالتعويض على هذا األساس توفر شرطين
هما:
لزوم كون تلك األعمال التي نفذها المراد الحكم له بالتعويض قد عادت بفائدة حقيقية
على اإلدارة.
وأن تكون اإلدارة قد قبلت تنفيذ تلك األعمال ولو بصفة ضمنية.
يبدو أن القضاء المغربي بدأ يقتنع بضرورة ترتيب األثار التي اجمع الفقه والقضاء المقارن
على ضرورة ترتيبها على بطالن العقد فأصبح يقر تبعا لذلك بأن عدم احترام الضوابط
القانونية في ابرام الصفقة ويعدم العالقة التعاقدية من أساسها ويخرج بالتالي النزاع الناشئ
عنها عن المنازعة القضائية في إطار العقود اإلدارية ولذلك اجتهد للبحث عن األساس
الواجب اعتماده لتعويض المعني باألمر.
ومن بين االجتهادات التي تتأتى لنا االطالع عليها في هذا المجال نذكر حكمين ,األول
صادر عن إدارية فاس واعتمدت فيــه المحكمة على أساسين هما المسؤولية التقصيرية
ونظرية االثراء بال سبب حيث ارتكزت على األساس األول لتبرير االختصاص واستندت على
الثاني لتحديد التعويض أما الحكم الثاني فهو; الحكم رقم 818الصادر عن المحكمة
اإلدارية بالرباط بتاريخ 23 /04 / 2007والذي جاء فيه:
"إن القضاء في سبيا إيجاد حل قانوني لتسوية الوضعية الحسابية أشغال إضافية أنجزت
دون احترام المساطر التنظيمية الواردة في المجال التعاقدي دأب على محاكمة هذه األشغال
في إطار مقتضيات الفصل79من ق.ا.ع ".
إن الخطأ الذي يتم االعتماد عليه لترتيب المسؤولية هو المتجلى في االقدام على التعاقد
خارج الضوابط القانونية وال شك أنه هنا ال يجوز نسبة الخطأ إلى اإلدارة وحدها باعتبار أنه
خطأ مشترك بينهما وبين المتعاقد معها ألنهما قبال معا خرق النصوص المنظمة للصفقات
العمومية مما يستوجب تشطير المسؤولية هنا وتحميل كل طرف نصيبه من المسؤولية.
أما األخذ بمبدأ فكرة االثراء بال سبب فإنه يشترط بدوره عدم صدور أي خطأ من المفتقر
وطالما أن المتعاقد مع إلدارة قد أخطأ بدروه قبول انجاز أشغال خارج المسطرة فإن السؤال
المطروح هل يجوز مع ذلك الحكم بأحقيته في التعويض.58
-57ﺗﻌﮭد ھذه اﻟﻧظرﯾﺔ ﻣن ھم اﻟﻧظرﯾﺎت اﻟﻣطﺑﻘﺔ ﻓﻲ ﻗﺎﻧون اﻻﻟﺗزاﻣﺎت واﻟﻌﻘود ،وﻧظﻣﮭﺎ اﻟﻣﺷرع ﻓﻲ اﻟﻔﺻول،67 ،66 :
،76 ،75ﻣن ق.ل.ع .اﻟﻣﻐرﺑﻲ ،وﯾﻘﺻد ﺑﻣﺑدأ اﻻﺛراء ﺑﻼ ﺳﺑب ،أﻧﮫ إذا أﺛري ﺷﺧص ﻧﺗﯾﺟﺔ اﻓﺗﻘﺎر أﺧر ﺑﻐﯾر وﺟود ﻣﺑرر
ﻗﺎﻧوﻧﻲ ﻟﮭذا اﻹﺛراء ،وﯾﻌﺗﺑر ﻣن ﻣﺻﺎدر اﻻﻟﺗزام.
-58ﻧﻔﺳﮫ ،ص.149،150 :
إذن ,وإذا كان عقد الصفقة باطال نتيجة مخالفته لشروط وأشكال إبرام الصفقات العمومية
ونتيجة عدم المصادقة عليه ,فإن قواعد العدل واإلنصاف تقضي بأن ال يحرم منجز تلك
األشغال من التعويض على أساس آخر غير العقد المذكور ,أال يمكن مطالبة اإلدارة
المتعاقدة في ظل عقد باطل باسترداد قيمة األشغال التي أنجزتها لها واستفادت منها حتى ال
يتحقق اغتناء طرف على حساب آخر تأسيسا على نظرية اإلثراء بال سبب التي طبقها القضاء
الفرنسي والذي اشترط قيام عالقة مباشرة بين اغتناء الجهة اإلدارية متسلمة تلك األشغال
وافتقار منجز تلك األشغال.59
وهذا ما جاء في حكم المحكمة اإلدارية بفاس بالملف عدد 20/00تحت عدد 239
بتاريخ 2002-04-30
" حيث أن عدم توفر عقد الصفقة على أحد الشروط الجوهرية المنصوص عليها بموجب
مرسوم 482-98-2المؤرخ في 30/12/1998يجعله باطال وغير منتج ألي إثر قانوني ناتج
عن العقد وينأى بالتالي بمثل هذا العقد عن مجال العقود اإلدارية والمنازعة القضائية في هذا
اإلطار ومن تم يجرده من الضمانات التي يخولها للمتقاضي المرسوم المذكور رقم -98-2
482المؤرخ في 30/12/1998بتحديد شروط وأشكال إبرام صفقات الدولة .وحيث إن
كان اآلمر كذلك بالنسبة للعقود المبرمة بين المتعاقدين والتي اختل أحد شروط انعقادها
فاألولى واألحرى أن يكون من الحتمي استبعاد المرسوم المذكور عند انعدام عنصر التعاقد
من أساسه كما هو اآلمر في نازلة الحال.
وأضاف الحكم المذكور; لكن اعتبارا لكون إنجاز األشغال ,ترتب عنها تحمل المدعي
بنفقات أثبتتها الوثائق المدلى بها وتقرير الخبرة وفي المقابل حققت جهة اإلدارة المنجزة
لهذه األشغال لفائدتها نفعا ثابتا ,واعتبارا لكون المدعي لم يكن ليقوم بإنجاز تلك األشغال
إال بموافقة جهة اإلدارة وتحت إشراف موظفيها فإن مثل هذه الوضعية تشكل إثراء لهذه
اإلدارة على حساب المدعي بما أنفقه في إنجاز تلك األشغال.
وخلصت في النهاية إلى القول بأنه " ال يقضى في إطار مبدأ اإلثراء على حساب الغير إال
برد بقيمة تكلفة األشغال والخدمات المنجزة مجردة عن أي ربح أو أي تعويض".
أوضح مجلس الدولة الفرنسي أن تطبيق نظرية اإلثراء بال سبب رهين بأن تكون األشغال
المنجزة بمناسبة تنفيذ الصفقة الباطلة غير معترض عليها من طرف اإلدارة وأن تعود عليها
بفائدة حقيقية.60
-59ﻣﺣﻣد اﻟﻘﺻري" ،اﻟﻘﺎﺿﻲ اﻹداري وﻣﻧﺎزﻋﺎت اﻟﺻﻔﻘﺎت اﻟﻌﻣوﻣﯾﺔ" ،ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق ص.132:
-60ﻗرار ﻣﺟﻠس اﻟدوﻟﺔ اﻟﻔرﻧﺳﻲ ﻓﻲ ﻗﺿﯾﺔ .ville de cannes
وإذا كان هذا االتجاه القضائي يروم تحقيق قواعد العدل واإلنصاف فهو ليس له مرجعية
تعاقدية ومن هنا ذهب بعض االتجاه القضائي إلى التعويض عن األشغال اإلضافية في إطار
نظرية المسؤولية اإلدارية خارج قواعد إبرام الصفقات العمومية وقواعد القانون المدني وهو
نفس االتجاه الذي تبنته إدارية الرباط في حكمها عدد 818بتاريخ 23/4/07الذي جاء
فيه" :إن القضاء في سبيل إيجاد حل قانوني لتسوية الوضعية الحسابية ألشغال إضافية أنجزت
دون احترام المساطر التنظيمية الواردة في المجال التعاقدي دأب على محاكمة هذه األشغال
في إطار مقتضيات الفصل 79من قانون االلتزامات والعقود."..
صحيح أن مخالفة عقد الصفقة للقواعد المرسومة النعقاده والتي تهدف إلى ضمان
الشفافية وحرية المنافسة وفعالية نفقة المال العام ومراقبته يثير إشكاال قانونيا حول الجزاء
المترتب عن هذا اإلخالل; والمؤكد هو أنه ال يمكن تعويضه عن تلك األشغال الباطلة
المخالفة للقانون في إطار عقد الصفقة لبطالنها لمخالفة القواعد المنظمة لها.
لذا ,يجب البحث عن أساس قانوني لسد هذا اإلشكال .فهل تصلح بعض النظريات
المنصوص عليها بقانون االلتزامات والعقود لمعالجة اإلشكال المطروح وخصوصا منها
نظرية اإلثراء بال سبب المنصوص عليها بالفصل 75من ق.ل.ع .وهل تصلح كذلك نظرية
المسؤولية اإلدارية لإلدارة في ظل الخطأ المشترك للتعويض عن األشغال المنجزة خارج
العقد.
وما يعمق اإلشكال هو مدى جواز تطبيق قواعد القانون المدني في مجال الصفقات
العمومية ,علما بأن نظرية اإلثراء بال سبب في ظل القانون المدني تقتضي أن ال يكون الطرف
المفتقر قد ارتكب خطأ معينا .والحال أن مقيم تلك األشغال بعقد باطل أو بدون عقد يكون
قد ساهم بخطئه في اإلشكال المطروح .ثم إن ما يالحظ هو أن التعويض الممنوح على
أساس نظرية اإلثراء بال سبب يعادل فقط مبلغ اإلثراء الفعلي الذي حصل عليه المشتري دون
الربح الذي ضاع منه ,ومن هنا ال يعوض إال عن تكلفة األشغال.61
-61ﻣﺣﻣد اﻟﻘﺻري" ،اﻟﻘﺎﺿﻲ اﻹداري وﻣﻧﺎزﻋﺎت اﻟﺻﻔﻘﺎت اﻟﻌﻣوﻣﯾﺔ" ،ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق ،ص.133 :
الفرع الثاني :ضعف التكوين القانون لآلمرون بالصرف والمحاسبون العموميون
يعاني مجال الصفقات العمومية من مشاكل شتى ,سواء منها القانونية أو العملية ,وهذا ما
يحول دون عقلنة هذا المجال ,رغم أهميته وأدواره في بالتنمية .وسنحاول أن نحيط علما
في هذا الفرع بإشكالية عملية ,تتمثل في غياب التكوين القانوني لكل من اآلمرون بالصرف
والمحاسبون العمومين وغياب التنسيق بينهما على ضوء العمل واالجتهاد القضائي المالي.
وهذا ما تأكده مجموعة من قرارات صادرة عن المجلس األعلى للحسابات حول استئناف
أحكام المجالس الجهوية للحسابات ,سواء في بمجال البت في الحسابات أو بمجال
التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية.
وباستقراء مجمل األحكام المستأنفة في ميدان البت في الحسابات يتضح أن أغلب
المخالفات تتعلق بعمليات أداء النفقات العمومية ,فقد تم تسجيل تكرار المخالفات المتعلقة
بإغفال المحاسبين مراقبة صحة حسابات التصفية ,وعدم تطبيق غرامات التأخير ,وأداء
نفقات رغم أخطاء في التنزيل الميزانياتي ,وكذلك أداء نفقات ال تدخل ضمن تحمالت
ميزانيات الجماعات.
مثال ,قـرار عدد02 / 2012 :ت.م.ش.م صادر بتاريخ 14يونيو 2012ملف استئناف
عدد ,2011 / 305 :الذي جاء في حيثياته:
وفي قرار 62آخر ,اعتبر المجلس األعلى للحسابات أن تنفيذ أعمال صفقات قبل عرضها
على تأشيرة مراقب االلتزام بالنفقات ومصادقة السلطة الوصية المختصة مخالفة لقواعد
االلتزام بالنفقات وللنصوص التنظيمية المتعلقة بالصفقات العمومية ,وجاء في حيثياته:
"وحيث تبين ,من وثائق الملف ,أن )المتابع( عمل على تنفيذ األعمال موضوع الصفقات
ذات األرقام /6004 :و 6004/ 712و 71/6004و 72/6004و74/6004
و 74/6004و 2/6004و 4/6004و4/6004
و 79/6004قبل تأشير مراقب االلتزام بالنفقات ومصادقة السلطة المختصة عليها;
وحيث تبين ,كذلك ,أن )المتابع( لم يقم بإبرام عقود ملحقة بالصفقات رقم
6/6004ورقم 4/6004ورقم .2/6004تحدد حجم الزيادة في التوريدات وأجال
تنفيذها قبل إقدام الممونين أصحاب هذه الصفقات على تزويد )النيابة االقليمية( بما قيمته
14.442000درهما من التوريدات زيادة عن المبالغ األصلية لهذه الصفقات;
وحيث ينص الفصل 27من المرسوم الملكي رقم 22-220بتاريخ 70محرم)67
7211أبريل (7921بسن نظام عام للمحاسبة العمومية ,على أنه "يجب أن تقرر نفقات
المنظمات العمومية في ميزانياتها وأن تكون مطابقة للقوانين واألنظمة ",كما ينص الفصل
22من ذات المرسوم الملكي على أن "االلتزام هو العمل الذي تحدث أو تثبت بموجبه
المنظمة العمومية سندا يترتب عنه تحمل .وال يمكن التعهد به إال من طرف اآلمر بالصرف
الذي يعمل وفقا لسلطاته.
ويجب أن يبقى في حدود الترخيصات في الميزانية وأن يكون متوقفا على المقررات أو
اإلعالنات أو التأشيرات المنصوص عليها في القوانين واألنظمة";
وحيث تنص المادة4من المرسوم رقم 129-14-6بتاريخ 20دجنبر 7914المتعلق
بمراقبة االلتزامات بنفقات الدولة كما تم تغييره وتتميمه على أنه " تجرى مراقبة االلتزام
بالنفقات قبل أي التزام ,وتتم بوضع تأشيرة على مقترح االلتزام أو برفض التأشيرة مدعم
بأسباب";
وحيث تنص المادة 12من المرسوم رقم 416-91-6بتاريخ 20دجنبر 7991المتعلق
بتحديد شروط وأشكال إبرام صفقات الدولة على أنه " ال تعتبر صفقات األشغال أو
التوريدات أو الخدمات صحيحة ونهائية إال بعد المصادقة عليها من طرف السلطة المختصة.
ويجب أن تتم المصادقة على الصفقات قبل أي شروع في تنفيذ األعمال موضوع هذه
الصفقات;"...
-62ﻗــرار ﻋدد / 1131/11ت.م.ش.م ﺑﺗﺎرﯾﺦ 33دﺟﻧﺑر 1131اﻟﺻﺎدر ﻓﻲ اﻟﻘﺿﯾﺔ ﻋدد 331/1131/ت.م.ش.م اﻟﻣﺗﻌﻠق
ﺑﺎﻟﺗﺳﯾﯾر اﻟﻣﺎﻟﻲ .ﻟوزارة.
وحيث إن )المتابع( بتنفيذه أعمال الصفقات ذات األرقام2/6004 :و 4/6004و
4/6004و 2/6004و 74/6004و 74/6004و 72 /6004و 71/6004و
71/6004و 79/6004قبل عرضها على تأشيرة مراقب االلتزام بالنفقات ومصادقة السلطة
المختصة ,وعدم إبرامه عقود ملحقة بالصفقات رقم 6/6004ورقم 4/6004ورقم
6004/2يكون قد خالف مقتضيات الفصلين 27و 22من المرسوم الملكي رقم -220
22والمادة 4من المرسوم رقم 129-14-والمادة 12من المرسوم رقم 416-91-6السالف
الذكر".
من خالل استقرائنا لهذين القرارين يتضح لنا بجالء ,أن األجهزة التي تسهر على تنفيذ
الميزانية -اآلمرون بالصرف والمحاسبون العموميون -خصوصا لدى الجماعات الترابية,
ليس لها دراية بالنصوص القانونية والقواعد المحاسبية والمالية المؤطرة لعمليات صرف
النفقات و جباية المداخيل ,بصفة عامة ,والقواعد القانونية والتنظيمية التي تؤطر الصفقات
العمومية ,بصفة خاصة ,وهذا ما يخل بمبدأ مشهور لدى فقهاء المالية العمومية" ,المال
العام يحرق األيدي التي تمتد إليه".
وبالتالي في بعض األحيان يتم تخصيص األموال العمومية ألغراض ال تهدف لتحقيق
المصلحة العامة.
ﺧـــــــــﺎﺗـــــﻤﺔ:
صفوة القول ,أن الصفقات العمومية أثناء تنفيذها تتسم بالعديد من الصعوبات واإلشكاالت
التي حاولنا استعراضها في هذا العرض عبر إشكاالت قانونية التي تتجلى في عدم تطبيق النص
القانوني وتنم عن إشكاالت في المساطر القانونية تؤدي إلى إظهار عراقيل مع المتعاقد أثناء
تنفيذ الصفقة مع اظهار اجتهادات المجلس األعلى للحسابات في هذا الصدد ,ثم إشكاالت
عملية ارتبطت باالجتهاد القضائي الفرنسي خاصة الذي اجتهد فيها عبر أحكامه ,وأسس
لنظريات عملية مثل نظرية فعل األمير أو الظروف الطارئة ,ومنه اجتهادات القضاء المغربي
والذي أظهر عبر أحكامه العديد من المعيقات العملية للصفقات العمومية أثناء تنفيذها .
وال يقتصر األمر على هذا فحسب ,وإنما يظهر كذلك في المعيقات التي قد تتجلى في
المنتخب أساساً وعدم درايته بالنصوص القانونية أو تقاعسه في تطبيقها ,وكان للمحاكم المالية
المغربية أن تكشف من خالل العديد من أحكامها ,خروقات تنفيذ الصفقات العمومية انطالقا
من هذا اإلشكال بالتحديد وخاصة على مستوى التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية أو
البحث في الحسابات.
ويبقى مجال الصفقات العمومية ,مجاال جد واسع ,خاصة وأنه تقني ويرتبط جلياً بتنزيل
القاعدة القانونية المنظمة له على أرض الواقع ,مما يستدعي االلمام بالنصوص القانونية
والسعي نحور االلتزام بها لتجنب السقوط في إشكاالت عديدة خاصة منها المتعلقة بتنفيذ
الصفقات العمومية والتي تترتب عنها أضرار تارة من جهة اإلدارة وتارة من جهة المتعاقد وأحيانا
هما معا كما أشرنا لذلك في متن هذا العرض ,وبالتالي على مدبري هذا المجال من العقود
اإلدارية التحلي بالدراية الكفيلة والالزمة بالنصوص القانونية وكذلك التمرس على مستوى
الواقع العملي في احترام تام للنص القانوني.
قــــــــــــــائـــــــمة المـــــــراجـــــــــــع المـــــــــعـــــــتـــــــمدة:
vباللــــغـــة العــــربية:
vالكــــــتب:
• علي متحت علي عبد المولى ,الظروف التي تطرأ أثناء تنفيذ العقد اإلداري ,شركة الطبوجي,
القاهرة.1991 ,
vالمــــجالت:
• محمد القصري ,القاضي اإلداري ومنازعات الصفقات العمومية ,المجلة العربية للفقه والقضاء,
العدد .2017 ,46
• الغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى ,قرار عدد 293بتاريخ 29شتنبر ,2004أورده أنوار شقروني,
"الحماية القضائية للمتعاقدين مع اإلدارة في مجال الصفقات العمومية" مجلة المعيار ,عدد ,40
دجنر .2008
• عزت السنجقلي ,عقود االستشارات الهندسية ,منشورات مركز البحوث القانونية ,العدد ,7
بغداد.
• إسماعيل الوردي" ,المحاكم المالية والرقابة على الصفقات العمومية بالمغرب" ,رسالة لنيل شهادة
الماستر ,كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية-الرباط.2016-2015 -
• يوسف لبرومي ,العمل القضائي في منازعات صفقات أشغال الدولة ـ واقع واَفاق اإلصالح ـ,
رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام ,جامعة محمد الخامس أكدال ,كلية العلوم القانونية
واالقتصادية واالجتماعية بالرباط ,السنة الجامعية .2013-2012
• محكمة اإلستئناف بالرباط ,قرار رقم 895بتاريخ 2يوليز ,2008الوكالة الحضرية للدار البيضاء
ضد شركة أوديوسيك ,مجلة المحاكم اإلدارية ,العدد الرابع ,يونيو .2011
• قرار محكمة اإلستئناف اإلدارية بالرباط عدد ,1291بتاريخ ,27/05/2009غير منشور.
قرار محكمة اإلستئناف اإلدارية بالرباط عدد ,1291بتاريخ ,27/05/2009غير منشور. •
المحكمة اإلدارية العليا في مصر ,قرار بتاريخ 3يونيو ,1967نقال عن حمدي ياسين عكاشة, •
موسوعة العقود اإلدارية والدولية ,العقود اإلدارية في التطبيق العملي ,المبادئ واألسس العامة,
منشأة المعارف باإلسكندرية.1998 ,
حكم المحكمة اإلدارية العليا ,القضية رقم 46بتاريخ 1972/6/17أورده الدكتور فؤاد عبد •
الباسط في كتابه أعمال السلطة اإلدارية.
قرار الغرفة اإلدارية عدد 923بتاريخ 04/9/29بالملف اإلداري عدد 02/1/4/1935المؤيد •
لحكم المحكمة اإلدارية بفاس بالملف 00/112قضية شركة مكسينك.
المحكمة اإلدارية العليا في مصر ,قرار بتاريخ 20أبريل ,1957نقال عن سليمان محمد •
الطماوي ,األسس العامة للعقود اإلدارية ,دراسة مقارنة ,دار الفكر العربي ,الطبعة الثانية ,
.1975
المحكمة اإلدارية بالرباط ,حكم رقم 3923بتاريخ 25أكتوبر ,2012شركة E T P Sضد وزارة •
الثقافة.
المحكمة اإلدارية بأكادير ,حكم عدد 2007/170بتاريخ 17ماي 2007ملف عدد -651 •
2005ش ,بوترا ضد المدير الجهوي لبريد المغرب أكادير.
حكم المحكمة اإلدارية بفاس ,ملف عدد 20/00تحت عدد 239بتاريخ .2002/04/30 •
حكم المحكمة اإلدارية بالرباط ,عدد ,326بتاريخ 2007/02/26حكم غير منشور •
حكم المحكمة اإلدارية بالرباط ,عدد ,324بتاريخ ,2007/02/26غير منشور. •
المحكمة اإلدارية بأكادير ,حكم رقم 32/2007بتاريخ 8فبراير ,2007ملف عدد •
2002/523س ,شركة فيدرالوم-المغرب -ضد المجلس البلدي ألكادير.
حكم المحكمة اإلدارية بالرباط ,عدد ,1452بتاريخ ,2006/11/23غير منشور. •
حكم المحكمة اإلدارية بوجدة ,بتاريخ ,24/07/2000عدد ,00/69ملف رقم .42/98 •
حكم إدارية مكناس بتاريخ ,2001/02/01بالملف عدد .2000/1/4/627 •
vالنصوص القانونية:
• مرسوم رقم 02.13.656المتعلق بالصفقات العمومية ,الجريدة الرسمية عدد ,6182الصادرة
بتاريخ ,19/08/2013ص.5873:
• مرسوم رقم 2.14.394الصادر في 6شعبان 13 ) 1437ماي ( 2016بالمصادقة على دفتر
الشروط اإلدارية العامة المطابقة على صفقات األشغال ,الجريدة الرسمية عدد ,6470الصادرة
بتاريخ ) 2يونيو .(2016
vالوثائق والتقارير الرسمية:
• مذكرة استعجالية للرئيس األول للمجلس األعلى للحسابات حول بعض االختالالت المسجلة في
ميدان الصفقات العمومية.
• تقرير المجلس األعلى للحسابات 2011الجزء األول.
• الدليل العملي لإلجتهاد القضائي في المــــادة اإلدارية.
vاألشغال والندوات:
vذة .نادية احديدو " ,خصوصية اإلثبات في المنازعات اإلدارية – دراسة مقارنة " ,مجلة المحاكم
اإلدارية " القاضي اإلداري بين حماية الحقوق والحريات وتقيق المصلحة العامة " ,أشغال ندوة
علمية منظمة بشراكة بين وزارة العدل والحريات يومي 6و 7يناير 2017بالرباط وجمعية هيئات
المحامين بالمغرب ,العدد الخامس ,إصدار خاص ,يناير.2017
vباللغة الفرنسية: