You are on page 1of 2

‫دور القضاء في تطوير القاعدة القانونية‬

‫من إعداد صالحة مرحبا‬


‫طالبة باحثة بسلك ماستر قانون المنازعات‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫يعتبر اإلنسان كائن اجتماعي ال يستطيع أن يعيش بمعزل عن غيره إال في إطار جماعة تربط بينها عالقات و روابط لم تخضع في‬
‫البداية ألي تنظيم حيث كانت القوة و العنف هما السبيل الوحيد لتحقيق متطلباتهم ورغباتهم الشئ الذي أدى الى نشوء نزاعات ‪،‬و‬
‫انعدام األمن و اإلستقرار القانوني ‪،‬و على هذا األساس كانت الحاجة ماسة إلى وجود سلطة عليا لها قوة إلزامية يخضع لها الجميع‬
‫فجاءت‪ A‬فكرة القانون ‪،‬هذا األخير الذي يعد علم من العلوم التي تسعى إلى تأمين الحاجة اإلنسانية من خالل وضع مجموعة من‬
‫القواعد القانونية ذات طابع الزامي تهدف الى تنظيم العالقات‪ A‬بين األفراد عن طريق اتخاد مجموعة من التدابير و اإلجراءات التي‬
‫من شأنها أن تحد في تحقيق األمن و السلم‪،‬الذين يعتبران الهدف األساسي له‪-‬القانون‪-‬‬
‫و مما الشك فيه أن الحياة اليومية للمجتمع ذات طبيعة متغيرة و متحركة تسودها أحداث ووقائع كثيرةال يستطيع التشريع بأحكامه‪A‬‬
‫المعدودة كما و نوعا مواكبتها‪،‬لهذا كان من الضروري أن يكون –التشريع‪-‬قابال للتعديل أو اإللغاء بين الحين و األخر بكون أن‬
‫وجود النص القانوني ال أثر له تجاه المجتمع و األفراد مالم يفعل و يطبق هذا األخير الذي يجد تطبيقه في إطار المحاكم التي تتشكل‬
‫منها السلطة القضائية و القضاء بصفة عامة الذي يعمل على تطوير روح النص عن طريق األحكام التي يسعى الى تحقيقها‬
‫هذااألخير –النص‪ ،-‬و مما تجدر اإلشارة إليه في هذا الصدد و ارتباطا بالموضوع أن االجتهاد القضائي يختلف عن العمل‬
‫القضائي‪،‬في اعتباراألول مجموع الحلول القانونية التي تتوصل إليها المحاكم‪ A‬بمناسبة معالجتها لإلشكاالت‪ A‬القانونية أي أن االجتهاد‬
‫القضائي يساهم في خلق قواعد و أعراف تؤطر العملية القضائية بينما العمل القضائي يعتبر عملية منظمة قانونا لحسم كل نراع وقع‬
‫بين األفراد سواء فيما يتعلق بطرق التحقيق أو وسائل اإلثبات‪..‬‬
‫و تكمن أهمية هذا الموضوع في مدى مساهمة اإلجتهاد القضائي في إنشاء القواعد القانونية ‪.‬‬
‫أما عن اإلشكالية القانونية فيمكن صياغتها عن الشكل التالي ‪.‬إلى‬
‫أي حد يمكن القول أن للقضاء دور في تطوير و تفعيل القاعدة القانونية؟‬
‫و نظرا ألن موضوع دور القضاء في تطوير القانون موضوع متشعب‪ A‬له زوايا متعددة فإنه كإجابة على الموضوع و اإلشكالية‬
‫المرتبطة به تم اإلعتماد على أسلوب اإلختصار و اإليجاز من خالل تقسيم الموضوع على الشكل التالي ‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬مدى مساهمة اإلجتهاد القضائي في تطوير القاعدة القانونية‬
‫المطلب التاني‪:‬تعميم و نشر اإلجتهاد القضائي و دوره في تحقيق العدالة‬

‫الطلب األول‪:‬مدى مساهمة اإلجتهاد القضائي في تطوير القاعدة القانونية‬


‫لإلجتهاد القضائي في مجال القانون دور بالغ األهمية و األثر ال يكاد يقل في على أهميته عن دور التشريع نفسه‪،‬فاإلجتهاد‪ A‬القضائي‬
‫هو الذي يضفي على القانون طابعه العملي الحي‪،‬و هوالذي يحدد مداه وأبعاده‪، ،‬فهو ذو أدوار متعددة سواء في إطار تفسير القانون‬
‫متى شابه غموض (الفقرة األولى) أو في إطار تحقيق األمن القانوني(الفقرة الثانية)‪.‬‬
‫الفقرة األولى ‪:‬دور اإلجتهاد القضائي في تفسير القانون‬
‫لإلجتهاد القضائي دور أساسي في تفسير القانون‪،‬فإذا كان التشريع يرتبط بالقانون فاإلجتهاد القضائي يرتبط بحياة القانون‪،‬ويشكل‬
‫تفسير القاعدة القانونية باعتباره آلية من آالليات التي يساهم من خاللها القضاء في تطوير القانون‪،‬الجانب المهم ألنه يرتبط بتطبيق‬
‫القانون‪،‬بخالف التشريع الذي يرتبط أساسا بملء الفراغ التشريعي في حاالت نادرة ينعدم فيها النص‬
‫والتفسير القضائي هو على شكلين فإما‪ A‬أن ينصب على توضيح معاني األلفاظ في حالة غموضها إما أن يتصل بإصالح العيوب في‬
‫النص إن وجدت و بالتالي إزالة التناقض أو التعارض بين النصوص القانونية أو إكمال النقص الوارد في التشريع و يرتبط تفسير‬
‫القانون أساسا بالنص بحيث متى كان النص واضح المعنى وجب تطبيقه بشكل مباشر دون حاجة إلى تفسير أو تاويل‪،‬إعماال لنظرية‬
‫النص الواضح‪،‬التي تعتبر من النظريات الراسخة في الفقه و القضاء‪،‬إال أنه في بعض األحيان يكون النص واضحا اليحتاج ألي‬
‫تاويل أو تفسير و مع ذلك يجد القاضي نفسه مجبرا على تفسيرالنص قبل تطبيقه على الحالة المعروضة عليه‪،‬إذا كان النص المراد‬
‫تطبيقه يتعارض مع نصوص قانونية أخرى بشكل يستدعي تفسيره استحضار تلك النصوص‪ ،‬إما باعتباره مكملة له أو باعتبارها‬
‫استثناء يرد عليه‪.‬‬
‫ومما تجدر اإلشارة إليه أن هناك فرق بين تفسير القانون و بين ملء الفراغ القانوني‪،‬فاألول يتجلي بشكل واضح من خالل أحكام‬
‫مدونة األسرة وأحكام الفقه المالكي استنادا لما جاء في المادة ‪ 400‬من مدونة األسرة‪،‬أما إذا استنفد ما جاء في أحكام مدونة األسرة‬
‫وأحكام الفقه المالكي‪،‬فإنه‪ A‬ينتقل إلى ما يسمى بملء الفراغ التشريعي عن طريق اإلجتهاد بناء على سند قانوني تضمنه نص المادة‬
‫‪ 400‬من نفس المدونة‪.‬‬
‫الفقرة الثانية ‪:‬دور اإلجتهاد القضائي في تحقيق األمن القانوني‬
‫مما الشك فيه‪،‬أن ما يسعى إليه اإلنسان تحقيق األمن القانوني‪،‬الذي ال يقل أهمية عن األمن القضائي‪،‬لهذا أصبح اإلجتهاد القضائي‬
‫مطلبا من المطالب الحقوقية بالنظر إلى ما يحققه من توحيد الحلول القضائية ‪،‬وبدون جهد مضني من تحديد ماهو مباح و ما هو‬
‫محظور بمقتضى القانون الجاري به العمل‪،‬متى كانت النصوص القانونية واضحة و مفهومة‪.‬‬
‫و قد أبانت التجربة على أن القانون‪،‬في إطار خدماته التي يقدمها للقضاء إلى كونه يسعى لضبط و توجيه سلوك القاضي في شتى‬
‫المجاالت‪،‬و يهدف أساسا إلى تحقيق األمن القانوني و لعل قطاع العدالة في شقه الضيق يمثل الحقل الذي يجب بعث هذا المفهوم في‬
‫وسطه سواء من خالل سياسة تروم تأهيل هذا القطاع ‪،‬و كذا عبر استكمال المقومات األساسية‪ A‬التي تكفل للقضاء استقالليته التامة‬
‫هي ما جعلت مفهوم األمن القانوني يتم ربطه عادة باألمن القضائي‪،‬فيقال أن مبدأ األمن القانوني و القضائي إلظهار الطابع الحمائي‬
‫للقضاء في سهره على تطبيق القانون و حماية الحقوق‪.‬‬
‫المطلب التاني ‪:‬تعميم و نشر اإلجتهاد القضائي و دوره في تحقيق العدالة‬
‫إن اإلجتهاد القضائي وسيلة من وسائل القانون لتنمية الثقافة القانونية‪،‬به يواجه القاضي ما استعصى عليه من تطبيقات‬
‫النصوص‪،‬كما يساهم أيضا في تحقيق األمن القضائي‪ ،‬و للحديث عن تعميم اإلجتهاد القضائي‪،‬البد أوال من التطرق ألهمية هذا‬
‫التعميم (فقرة أولى)و كذا وسائل نشره(فقرة ثانية)‬
‫الفقرة األولى ‪:‬أهمية تعميم اإلجتهاد القضائي‬
‫إن الحديث عن أهمية تعميم اإلجتهاد القضائي‪،‬يقتضي أوال الوقوف عن معنى هذا التعميم‪،‬أو بمعنى آخر على أي أساس نقول‬
‫تعميم اإلجتهاد القضائي؟هل على أساس تعميمه بين المعنين باألمرمن قضاة و محامين غيرهم؟أما أن تعميم اإلجتهاد القضائي‬
‫يقتضي نشره بين عامة المواطنين؟‬
‫استنادا إلى القاعدة القانونية التي تقول أنه"ال يعذر أحد بجهله للقانون" طبقا لهده القاعدة ‪،‬فإنه نعتقد إذاكان اليعذر أحد بجهله‬
‫للقانون ‪،‬بما تفترضه هذه القاعدة من أن عموم الناس معنيون بمعرفة القانون ‪،‬و بالتالي فالعلم باإلجتهاد القضائي لئن كان أقرب إلى‬
‫المختصين و المهتمين بالحقل المعرفي القانوني فإنه مع ذلك يمكن تقريب هذا اإلجتهاد من عامة‪.‬‬
‫و تتجلى أهمية اإلجتهاد القضائي في استقراره‪،‬و توحيد إجراءات العمل القانوني و القضائي داخل المحاكم‪،‬إضافة‪ A‬إلى تحقبق‬
‫اإلطمئنان و الثقة في نفوس المتقاضين و هو ما يعطي انطباعا إيجابيا عن أداء مرفق العدالة‪.‬‬
‫غير أنه إذا كان تعميم األحكام أهم وسائل اإلجتهاد القضائي فإن األمر يتطلب إضافة إلى ذلك الوقوف على طبيعة األحكام المنشورة‬
‫و كذا وسائل نشرها‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪:‬وسائل نشر اإلجتهاد القضائي‬
‫قبل الحديث عن وسائل نشراإلجتهاد القضائي‪،‬نشير إلى أن األحكام القضائية التي ينبغي أن تكون موضوعا للنشر‪،‬هي تلك‬
‫األحكام التي تتضمن اجتهادا قضائيا يفسر نصا غامضا أو يمأل فراغا تشريعيا أو يكمل نصا في القانون‪.‬‬
‫أما ما يتعلق بوسائل نشر اإلجتهاد القضائي‪،‬فالقانون المغربي ال يتضمن مقتضيات خاصة بنشره‪،‬إال في بعض المقتضيات‬
‫المنضمة لنشر قرارات بعض الهيئات بالجريدة الرسمية ‪،‬كما هو الشأن مثال بالنسبة لنشرإشعار بالحكم القاضي بفتح مسطرة‬
‫صعوبات المقاولة في إحدى الصحف الوطنية المخول لها نشر اإلعالنات القانونية وذلك طبقا للمادة ‪569‬من مدونة التجارة‪.‬‬
‫وبخصوص نشر األحكام القضائية ‪،‬فالعادة جرت أن يتم نشرها عبر المجاالت‪ A‬القانونية المتخصصة كتلك التي تصدر عن المجلس‬
‫األعلى و التقرير السنوي الذي يتضمن أهم المبادئ لإلجتهادات المستحدثة ‪،‬إلى جانب مجموعة المجاالت األخرى كتلك التي يديرها‬
‫بعض رجال القانون( كالمحامون )هذا و إن كانت هذه المجاالت‪ A‬ال يحقق نشرها تعميمها للعموم ألنها تصدر بكيفيات دورية و‬
‫بعضها اآلخر اليتم توزيعها بشكل كبير وواسع‪،‬هذا إلى جانب بعض اإلجتهادات التي يأخد نشرها وقت كبير‪.‬‬
‫غير أن ما قيل عن نشر اإلجتهاد القضائي اليخلو من أهمية‪،‬إذ يسهل عملية توحيد اإلجتهاد بين المحاكم ‪،‬و يقلل من عدد الطعون‬
‫كما أنه يمكن المتقاضين من توقع نتيجة األحكام المنتظر صدورها‪،‬إضافة إلى كونه يقلل من عدد النزاعات‪.‬‬
‫خالصة ‪:‬‬
‫خالصة القول‪،‬فإن لإلجتهاد القضائي دور بارز في تطوير القانون ‪،‬و ذلك من خالل مجموعة من األدوار التي يقوم بها ‪،‬سواء في‬
‫إطار خلق القاعدة القانونبة ‪،‬أو دوره في تفسير القانون متى شابهه غموض أو إبهام أو نقص في إطار ما يسمى بملء الفراغ كما‬
‫تمت اإلشارة إليه سلفا‪،‬هذا إلى جانب أيضا دوره في تحقيق األمن القانوني الذي يعد مطلبا من المطالب األساسية التي يسعى إليه‬
‫جمبع األفراد‪.‬و باعتبار اإلجتهاد القضائي وسيلة من وسائل تنمية الثقافة القانونية‪،‬فإن تعميمه يكتسي أهمية بالغة لما له من تحقيق‬
‫لإلستقرار و توحيد إجراءات العمل القانوني‪،‬هذا فضال عن وسائل نشره‪.‬و ما يمكن قوله في األخير أنه بالرغم من بعض النظريات‬
‫التي تأخد بالدور الثانوي للقضاء في إطار خلق القاعدة القانونية ‪،‬فإن كل من القضاء و القانون عالقة تكامل و انسجام إد ال يمكن‬
‫الحديث عن القانون في ظل غياب العمل القضائي الذي يعمل على تطبيقه‪،‬كما ال يمكن الحديث عن اإلجتهاد في غياب القانون الذي‬
‫يجعله ذو طابع إلزامي‪.‬‬

You might also like